Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫الفصل السادس والعشرين‬

‫في ان العرب اذا تغلبو على أوطان اسرع إليها الخراب‬


‫ألنهم أمة وحشية اعتادت التوحش وأصبح عندهم تلذذ في الخروج من الحكم وعدم االنقياد الي‬
‫السياسة وهذا منافي للعمران فمثال الحجر فحاجتهم اليه ليوضع تحت االناء على النار والخشب‬
‫ليعمدو بهم خيامهم‬
‫وايضا في طبيعتهم انتهاب ما في يد الناس وايضا ألنهم يكلفون الناس باألعمال ف ال يرون لها‬
‫قيمة وبالتالي فسدت األعمال وصارت مجانا وضعفت األعمال وانقبضت األيادي عن العمل‬
‫وفرضو العقوبات حرصا غلى تحصيل األموال ‪.‬‬
‫صة طبيعيّة لإلنسان ال يستقيم وجودهم واجتماعهم ّإال بها وأيضا فهم‬‫أن وجود الملك خا ّ‬‫ّ‬
‫الرئاسة وق ّل أن يسلّم أحد منهم األمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته‬
‫متنافسون في ّ‬
‫ّإال في األق ّل وعلى كره من أجل الحياء فيتعدّد الح ّكام منهم واألمراء وتختلف األيدي على‬
‫الرعيّة في األحكام فيفسد العمران ‪ ,‬فاليمن قرارهم خراب ّإال قليال من األمصار وعراق العرب‬ ‫ّ‬
‫سودان‬ ‫ّ‬
‫كذلك قد خرب عمرانه وإفريقية والمغرب عادت بسائطه خرابا كلها بعد أن كان ما بين ال ّ‬
‫ي كلّه عمرانا تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد‬
‫الروم ّ‬
‫والبحر ّ‬
‫القرى والله يرث األرض ومن عليها وهو خير الوارثين‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون‬


‫في أن العرب ال يحصل لهم الملك إال بصبغة دينية من نبوة أو والية أو أثر عظيم‬
‫من الدين على الجملة‬
‫لخلق التّو ّحش الّذي فيهم وألنهم أصعب األمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة وبعد المنافسة في‬
‫الرئاسة فقلّما تجتمع أهواؤهم‬ ‫ّ‬
‫ي الّذي يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب عنهم مذمومات األخالق‬ ‫فإذا كان فيهم النّب ّ‬
‫ي أو الول ّ‬
‫للحق والهدى لسالمة طباعهم من عوج‬ ‫ّ‬ ‫ويأخذهم بمحمودها وهم مع ذلك أسرع النّاس قبوال‬
‫الملكات وبراءتها من ذميم األخالق ّإال ما كان من خلق التّو ّحش القريب المعاناة المتهيّئ لقبول‬
‫فإن ك ّل مولود يولد على الفطرة كما ورد في الحديث وقد تقدّم‪.‬‬ ‫الخير ببقائه على الفطرة األولى ّ‬

‫الفصل الثامن و العشرون‬


‫في أن العرب أبعد األمم عن سياسة الملك‬
‫ألنّهم أكثر بداوة من سائر األمم فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض إليالفهم ذلك‬
‫مضطرا إلى إحسان ملكتهم ّ‬
‫لئال فيكون فيها‬ ‫ّ‬ ‫وللتّو ّحش ورئيسهم محتاج إليهم غالبا للعصبيّة فكان‬
‫هالكه وهالكهم‬
‫وإال لم تستقم سياسته وأيضا ّ‬
‫فإن من طبيعتهم كما كتبنا‬ ‫سلطان تقتضي بالقهر ّ‬ ‫وسياسة الملك وال ّ‬
‫سابقا فتنمو المفاسد بذلك ويقع تخريب العمران فتبقى تلك األ ّمة كأنّها فوضى‬
‫واعتبر ذلك بدولتهم في الملّة ل ّما شيّد لهم الدّين أمر ال ّ‬
‫سياسة بال ّ‬
‫شريعة وأحكامها المراعية‬
‫لمصالح العمران ظاهرا وباطنا وتتابع فيها الخلفاء عظم حينئذ ملكهم وقوي سلطانهم‪.‬‬
‫صالة يقول أكل عمر كبدي يعلّم الكالب اآلداب ث ّم إنّهم‬ ‫كان رستم إذا رأى المسلمين يجتمعون لل ّ‬
‫سياسة ورجعوا إلى جهلهم فتو ّحشوا‬ ‫بعد ذلك انقطعت منهم عن الدّولة أجيال نبذوا الدّين فنسوا ال ّ‬
‫كما كانوا ولم يبق لهم من اسم الملك ّإال أنّهم من جنس الخلفاء ومن جيلهم ول ّما ذهب أمر‬
‫الخالفة وا ّمحي رسمها انقطع األمر جملة من أيديهم وغلب عليهم العجم دونهم لكن بعد عهدهم‬
‫سياسة ل ّما نسوا الدّين فرجعوا إلى أصلهم من البداوة وقد يحصل لهم في بعض األحيان غلب‬ ‫بال ّ‬
‫على الدّول المستضعفة كما في المغرب لهذا العهد فال يكون ماله وغايته ّإال تخريب ما يستولون‬
‫عليه من العمران كما قدّمناه( َوالله يؤْ تِي م ْل َكه من يَشاء)‬

‫الفصل التاسع و العشرون‬


‫في أن البوادي من القبائل و العصائب مغلوبون ألهل األمصار‬
‫عمران البادية ناقص عن عمران الحواضر واألمصار‬
‫صنائع فال توجد ن ّجار وخيّاط وحدّاد‬ ‫توجد لديهم أمور الفلح وموادّها معدومة ومعظمها ال ّ‬
‫وأمثال ذلك م ّما يقيم لهم ضروريّات معيشتهم و الدّنانير والدّراهم مفقودة لديهم وإنّما بأيديهم‬
‫أعواضها من مغ ّل ّ‬
‫الزراعة وأعيان الحيوان ألبانا وأوبارا وأشعارا وإهابا م ّما يحتاج إليه أهل‬
‫فيعوضونهم عنه بالدّنانير والدّراهم فهم محتاجون إلى األمصار بطبيعة وجودهم‬ ‫األمصار ّ‬
‫وإن كان في المصر ملك كان خضوعهم وطاعتهم لغلب الملك وإن لم يكن في المصر ملك فال‬
‫الرئيس‬
‫وإال انتقض عمرانه وذلك ّ‬ ‫ب ّد فيه من رئاسة ونوع استبداد من بعض أهله على الباقين ّ‬
‫سعي في مصالحه إ ّما طوعا ببذل المال لهم ث ّم يبدي لهم ما يحتاجون إليه‬ ‫يحملهم على طاعته وال ّ‬
‫في مصره فيستقيم عمرانهم وإ ّما كرها إن ت ّمت قدرته على ذلك حتى يحصل له جانب منهم‬
‫فيضطر الباقون إلى طاعته ثم فساد عمرانهم وربّما ال يسعهم مفارقة تلك‬ ‫ّ‬ ‫يغالب به الباقين‬
‫ّ‬
‫ألن ك ّل الجهات معمور بالبدو الذين غلبوا عليها ومنعوها من غيرها‬ ‫النّواحي إلى جهات أخرى ّ‬
‫فال يجد هؤالء ملجأ ّإال طاعة المصر فهم بالضّرورة مغلوبون ألهل األمصار والله قاهر فوق‬
‫عباده وهو الواحد األحد الق ّهار‪.‬‬

‫الباب الثالث من الكتاب‬


‫األول في الدول العامة والملك والخالفة والمراتب السلطانية‬
‫الفصل األول‬
‫في أن الملك والدولة العامة إنما يحصالن بالقبيل والعصبية‬
‫أن المغالبة والممانعة إنّما تكون بالعصبيّة وأستماتة ك ّل واحد منهم دون‬‫األول ّ‬
‫قررنا في الفصل ّ‬ ‫ّ‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫وإن الملك منصب شريف ملذوذ فيقع فيه التّنافس غالبا وق ّل أن يسلّمه أحد لصاحبه ّإال إذا غلب‬ ‫ّ‬
‫عليه فتقع المنازعة وتفضي إلى الحرب والقتال وهذا األمر متناسون له ألنّهم نسوا عهد تمهيد‬
‫الدّولة منذ ّأولها وتعاقبهم فيها جيال بعد جيل فال يعرفون ما فعل الله ّأول الدّولة إنّما يدركون‬
‫أصحاب الدّولة ووقع التّسليم لهم واالستغناء عن العصبيّة في تمهيد أمرهم وما لقي ّأولهم من‬
‫المتاعب دونه وخصوصا أهل األندلس في نسيان هذه العصبيّة وأثرها لطول األمد واستغنائهم‬
‫قوة العصبيّة بما تالشى وطنهم وخال من العصائب والله قادر على ما يشاء وهو‬ ‫في الغالب عن ّ‬
‫بك ّل شيء عليم وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫في أنه إذا استقرت الدولة وتمهدت فقد تستغني عن العصبية‬
‫الرئاسة في الدّولة‬
‫استقرت ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن ّأولها يصعب على النفوس االنقياد لها ّإال ّ‬
‫بقوة قويّة فإذا‬ ‫ّ‬
‫األوليّة ورسخ االنقياد لهم والتّسليم‪ ,‬فلم يحتاجوا‬
‫وتوارثوه واحدا بعد آخر نسيت النّفوس شأن ّ‬
‫كأن طاعتها كتاب من الله ويكون استظهارهم حينئذ على‬ ‫حينئذ في أمرهم إلى كبير عصابة بل ّ‬
‫سلطانهم ودولتهم وإ ّما بالعصائب الخارجين عن نسبها الدّاخلين في واليتها‬
‫فإن عصبيّة العرب فسدت لعهد دولة المعتصم وابنه الواث إنّما كان‬ ‫ومثل هذا لبني العبّاس ّ‬
‫ّ‬
‫بالموالي من العجم والتّرك وغيرهم ث ّم تغلب العجم فلم تكن تعدو أعمال بغداد حتّى زحف إليها‬
‫سلجوقيّة من بعدهم فصاروا‬ ‫الدّيلم وملكوها وصار الخالئق في حكمهم ث ّم انقرض أمرهم وملك ال ّ‬
‫في حكمهم ث ّم انقرض أمرهم وزحف آخر التّتار فقتلوا الخليفة ومحوا رسم الدّولة وكذلك‬
‫المغرب وأفريقيا‬
‫كالهر يحكي انتفاخا صورة‬
‫ّ‬ ‫انما أسماء معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها ‪...‬‬
‫األسد فاستظهروا على أمرهم بالموالي والمصطنعين على األندلس من أهل العدوة من قبائل‬
‫البربر وزناتة وغيرهم اقتداء بالدّولة حين ضعفت عصبيّة العرب واستب ّد بن أبي عامر على‬
‫ّ‬
‫وحظ كبير من الملك‬ ‫الدّولة فكان لهم دول عظيمة استبدّت ك ّل واحدة منها بجانب من األندلس‬
‫على نسبة الدّولة الّتي اقتسموها ولم يزالوا في سلطانهم ذلك حتّى جاز إليهم البجر المرابطون‬
‫أهل العصبيّة القويّة من لمتونة فاستبدلوا بهم وأزالوهم عن مراكزهم ومحوا آثارهم ولم يقتدروا‬
‫على مدافعتهم لفقدان العصبيّة لديهم فبهذه العصبيّة‬
‫فالرجل إنّما‬
‫صبغة ألهله ّ‬ ‫الدّول األخيرة بعد التّمهيد واستقرار الملك في النّصاب واستحكام ال ّ‬
‫صنائع ث ّم إلى المستخدم من ورائهم باألجر على المدافعة‬ ‫أدرك الدّولة عند هرمها بالموالي وال ّ‬
‫الطوائف وذلك عند اختالل بني أميّة وانقراض عصبيّتها من العرب وكان في‬ ‫فإنّه أدرك دول ّ‬
‫ّ‬
‫يتفطن‬ ‫ي القول في ذلك ولم‬‫الطرطوش ّ‬ ‫إيالة المستعين بن هود وابنه المظفّر أهل سرقسطة فأطلق ّ‬
‫سر الله فيه َوالله‬ ‫ّ‬
‫فتفطن أنت له وافهم ّ‬ ‫وإن ال يت ّم ّإال ألهل العصبيّة‬
‫لكيفيّة األمر منذ ّأول الدّولة ّ‬
‫يؤْ تِي م ْل َكه من يَشاء‬
‫الفصل الثالث‬
‫في أنه قد يحدث لبعض أهل النصاب الملكي الدولة تستغني عن العصبية‬
‫وذلك أنّه إذا كان لعصبيّة غلب كثير على األمم واألجيال إنقياد لهم فإذا نزع إليهم هذا الخارج‬
‫مقر ملكه ظاهروه على شأنه وعنوا بتمهيد دولته يرجون استقراره في نصابه وتناوله‬ ‫وانتبذ عن ّ‬
‫األمر من يد أعياصه وجزاءه لهم على مظاهرته باصطفائهم لرتب الملك وخططه من وزارة أو‬
‫قيادة وال يطمعون في مشاركته في شيء من سلطانه تسليما لعصبيّته وانقيادا لما استحكم له‬
‫استقرت في اإلذعان لهم فلو راموها معه أو‬ ‫ّ‬ ‫ولقومه من صبغة الغلب في العالم وعقيدة إيمانيّة‬
‫دونه لزلزلت األرض زلزالها وهذا كما وقع للدارسة بالمغرب األقصى والعبيديّين بإفريقيّة‬
‫ومصر‬

‫الفصل الرابع‬
‫في أن الدول العامة االستيالء العظيمة الملك أصلها الدين اما من نبوة أو دعوة‬
‫حق‬
‫ألن الملك إنّما يحصل بالتّغلّب والتّغلّب إنّما يكون بالعصبيّة وجمع القلوب وتأليفها إنّما‬ ‫وذلك ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون بمعونة من الله في إقامة دينه قال تعالى «لَ ْو أ ْنفَ ْقتَ ما في ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َج ِميعا ً ما أل ْفتَ َبيْنَ‬
‫أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل حصل التّنافس وفش الخالف وإذا‬ ‫وسره ّ‬
‫ّ‬ ‫قلوبِ ِه ْم ‪»36 :8‬‬
‫أقبلت على الله اتّحدت وجهتها فذهب التّنافس وق ّل الخالف وحسن التّعاون واتّسع نطاق الكلمة‬
‫لذلك فعظمت الدولة‬

‫الفصل الخامس‬
‫في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها‬
‫من عددها‬
‫صبغة الدّينيّة تذهب بالتنافس فإذا حصل لهم االستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء ّ‬
‫ألن‬ ‫ّ‬
‫ألن ال ّ‬
‫الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وأهل الدّولة الّتي هم طالبوها وإن كانوا أضعافهم‬
‫فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقيّة الموت حاصل فال يقاومونهم وإن كانوا أكثر منهم بل‬
‫يغلبون عليهم وهذا كما وقع للعرب صدر اإلسالم في الفتوحات فكانت جيوش المسلمين‬
‫بالقادسيّة واليرموك بضعة وثالثين ألفا في ك ّل معسكر وجموع فارس مائة وعشرين ألفا‬
‫ي أربعمائة ألف فلم يقف للعرب أحد من الجانبين‬ ‫بالقادسيّة وجموع هرقل على ما قاله الواقد ّ‬
‫قوة عصبيّتهم كما قلنا‬
‫ي ضاعف ّ‬ ‫وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم ّإال ّ‬
‫أن االجتماع الدّين ّ‬
‫واعتبر ذلك إذا حالت صبغة الدّين وفسدت كيف ينتقض األمر ويصير الغلب على نسبة العصبيّة‬
‫وحدها دون زيادة الدّين فتغلب الدّولة من كان تحت يدها من العصائب المكافئة لها أو ّ‬
‫الزائدة‬
‫لقوتها ولو كانوا أكثر عصبيّة منها وأش ّد بداوة واعتبر‬‫القوة عليها الّذين غلبتهم بمضاعفة الدّين ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫على أ ْم ِر ِه ‪.12 :21‬‬
‫هذا في الموحدين َوالله غالِبٌ َ‬
‫الفصل السادس‬
‫في أن الدعوة الدينية من غير عصبية ال تتم‬
‫《ما بعث الله نبيّا ّإال في منعة من قومه》وإذا كان هذا في األنبياء وهم أولى النّاس بخرق‬
‫العوائد فما ظنّك بغيرهم أن ال تخرق له العادة في الغلب بغير عصبيّة فلم يلبث حين استولى‬
‫المو ّحدون على المغرب أن أذعن لهم ودخل في دعوتهم وتابعهم من معقلة بحصن أركش‬
‫وأمكنهم من ثغره وكان ّأول داعية لهم باألندلس وكانت ثورته تس ّمى ثورة المرابطين ومن هذا‬
‫فإن كثيرا من المنتحلين للعبادة‬ ‫الباب أحوال الث ّ ّوار القائمين بتغيير المنكر من العا ّمة والفقهاء ّ‬
‫وسلوك طرق الدّين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من األمراء داعين إلى تغيير المنكر‬
‫والنّهي عنه واألمر بالمعروف رجاء في الثّواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتلثلثون بهم من‬
‫ألن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم وإنّما‬ ‫ويعرضون أنفسهم للمهالك غير مأجورين ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغوغاء‬
‫أمر به حيث تكون القدرة عليه قال صلّى الله عليه وسلّم‪« :‬من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن‬
‫لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه» وأحوال الملوك ال يزحزحها ويهدم بناءها ّإال المطالبة‬
‫سالم في دعوتهم‬ ‫صالة وال ّ‬‫القويّة الّتي من ورائها عصبيّة القبائل وهكذا كان حال األنبياء عليهم ال ّ‬
‫إلى الله بالعصائب وهم المؤيّدون من الله ‪ ,‬والله حكيم عليم فإذا ذهب أحد من نّاس هذا المذهب‬
‫هوة الهالك وأ ّما إن كان من المتلبّسين‬ ‫صر به االنفراد عن العصبيّة فطاح في ّ‬ ‫وكان فيه محقّا ق ّ‬
‫الرئاسة فأجدر تنقطع به المهالك ألنّه أمر الله ال يت ّم ّإال برضاه والنّصيحة‬ ‫بذلك في طلب ّ‬
‫وأول ابتداء هذه النّزعة في الملّة ببغداد حين وقعت فتنة طاهر‬ ‫يشك في ذلك مسلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمسلمين وال‬
‫الرضى من‬ ‫ي بن موسى ّ‬ ‫‪ 21‬وقتل األمين وأبطأ المأمون بخراسان عن مقدّم العراق ث ّم عهد لعل ّ‬
‫آل الحسين فكشف بنو العبّاس عن وجه النّكير عليه وتداعوا للقيام وخلع طاعة المأمون‬
‫الزعرة بها من‬ ‫ي فوقع الهرج ببغداد وانطلقت أيدي ّ‬ ‫واالستبدال منه وبويع إبراهيم بن المهد ّ‬
‫سبيل وامتألت أيديهم من نهاب النّاس‬ ‫صون وقطعوا ال ّ‬ ‫طار والحربيّة على أهل العافية وال ّ‬ ‫ش ّ‬‫ال ّ‬
‫صالح على‬ ‫وباعوها عالنية في األسواق واستعدى أهلها الح ّكام فلم يعدوهم فتوافر أهل الدّين وال ّ‬
‫وكف عاديتهم‬ ‫ّ‬ ‫ساق‬‫منع الف ّ‬
‫بني هاشم فمن دونهم ونزل قصر طاهر واتّخذ الدّيوان وطاف ببغداد ومنع ك ّل من أخاف ا ّ‬
‫لمارة‬
‫سلطان فقال له سهل‬ ‫طار وقال له خالد الدّريوش أنا ال أعيب على ال ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ومنع الخفارة ألولئك ال ّ‬
‫سنّة كائنا من كان وذلك سنة إحدى ومائتين وج ّهز له‬ ‫لكني أقاتل ك ّل من خالف الكتاب وال ّ‬
‫ي العساكر فغلبه وأسره وانح ّل أمره سريعا وذهب ونجا بنفسه ث ّم اقتدى بهذا‬ ‫إبراهيم بن المهد ّ‬
‫الحق وال يعرفون ما يحتاجون إليه في‬ ‫ّ‬ ‫العمل بعد كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة‬
‫إقامته من العصبيّة وال يشعرون بمغبّة أمرهم ومآل أحوالهم والّذي يحتاج إليه في أمر هؤالء إ ّما‬
‫المداواة إن كانوا من أهل الجنون وإ ّما التّنكيل بالقتل أو الضّرب إن أحدثوا هرجا وإ ّما إذاعة‬
‫ي المنتظر إ ّما بأنّه هو‬ ‫صفّاعين وقد ينتسب بعضهم إلى الفاطم ّ‬ ‫سخريّة منهم وعدّهم من جملة ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي وال ما هو وأكثر المنتحلين لمثل هذا‬ ‫أو بأنّه داع له وليس مع ذلك على علم من أمر الفاطم ّ‬
‫تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبّسين يطلبون بمثل هذه الدّعوة رئاسة امتألت بها جوانحهم‬
‫أن هذا من األسباب البالغة بهم‬ ‫صل إليها بشيء من أسبابها العاديّة فيحسبون ّ‬ ‫وعجزوا عن التّو ّ‬
‫إلى ما يؤ ّملونه من ذلك وال يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من‬
‫المتصوفة يدعى‬
‫ّ‬ ‫سوس رجل من‬ ‫ألول هذه المائة خرج بال ّ‬ ‫الفتنة وتسوء عاقبة مكرهم وقد كان ّ‬
‫ي المنتظر تلبيسا على‬ ‫ي عمد إلى مسجد ماسة بساحل البحر هناك وزعم أنّه الفاطم ّ‬ ‫التّويذر ّ‬
‫وأن من ذلك المسجد يكون أصل دعوته‬ ‫العا ّمة هنالك بما مأل قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنالك ّ‬
‫فتهافتت عليه طوائف من عا ّمة البربر تهافت الفراش ث ّم خشي رؤساؤهم اتّساع نطاق الفتنة‬
‫ي من قتله في فراشه وكذلك خرج في غماره‬ ‫سكسيو ّ‬ ‫فدس إليه كبير المصامدة يومئذ عمر ال ّ‬‫ّ‬
‫ألول هذه المائة رجل يعرف بالعبّاس وادّعى مثل هذه الدّعوة واتّبع نعيقه األرذلون من‬ ‫أيضا ّ‬
‫سفهاء تلك القبائل وأعمارهم وزحف إلى بادس من أمصارهم ودخلها عنوة‪ .‬ث ّم قتل ألربعين‬
‫األولين وأمثال ذلك كثير والغلط فيه من الغفلة عن‬
‫يوما من ظهور دعوته ومضى في الهالكين ّ‬
‫اعتبار العصبيّة في مثلها وأ ّما إن كان التّلبيس فأحرى أن ال يت ّم له أمر وأن يبوء بإثمه وذلك‬
‫جزاء ّ‬
‫الظالمين والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق ال ربّ غيره وال معبود سواه‪.‬‬

‫الفصل السابع‬
‫في أن كل دولة لها حصة من الممالك واألوطان ال تزيد عليه‬
‫ألن عصابة الدّولة وقومها القائمين بها الب ّد من توزيعهم حصصا على الممالك والثّغور الّتي‬ ‫ّ‬
‫توزعت‬ ‫العدو وإمضاء أحكام الدّولة فيها من ردع فإذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫تصير إليهم ويستولون عليها لحمايتها من‬
‫العصائب كلّها فال ب ّد من نفاد عددها وقد بلغت الممالك حينئذ إلى ح ّد يكون ثغرا للدّولة ونطاقا‬
‫لمركز ملكها فإن تكفّلت الدّولة بعد ذلك زيادة على ما بيدها بقي دون حامية وكان موضعا‬
‫العدو ويعود وبال ذلك على الدّولة وما كانت العصابة موفورة ولم ينفد‬ ‫ّ‬ ‫النتهاز الفرصة من‬
‫قوة على تناول ما وراء الغاية حتّى ينفسح نطاقها إلى‬ ‫عددها في توزيع الحصص بقي في الدّولة ّ‬
‫قوة يصدر عنها فعل والدّولة في مركزها‬ ‫قوة العصبيّة وك ّل ّ‬ ‫الطبيعيّة في ذلك هي ّ‬ ‫غايته والعلّة ّ‬
‫الطرف والنّطاق وإذا انتهت إلى النّطاق عجزت وأقصرت ع ّما وراءه شأن‬ ‫أش ّد م ّما يكون في ّ‬
‫األشعّة واألنوار إذا انبعثت من المراكز والدّوائر المنفسحة على سطح الماء من النّقر عليه ث ّم إذا‬
‫أدركها الهرم والضّعف فإنّما تأخذ في التّناقص من جهة األطراف وال يزال المركز محفوظا إلى‬
‫أن يتأذّن الله بانقراض األمر جملة فحينئذ يكون انقراض المركز وإذا غلب على الدّولة من‬
‫مركزها فال ينفعها بقاء األطراف والنّطاق بل تضمح ّل لوقتها فإ ّن المركز كالقلب انظر هذا في‬
‫الدّولة الفارسيّة كان مركزها المدائن فل ّما غلب المسلمون على المدائن انقرض أمر فارس أجمع‬
‫شام ل ّما كان مركزها القسطنطينيّة وغلبهم المسلمون بال ّ‬
‫شام تحيّزوا إلى‬ ‫الروميّة بال ّ‬
‫و الدّولة ّ‬
‫شام من أيديهم فلم يزل ملكهم متّصال بها إلى أن‬ ‫يضرهم انتزاع ال ّ‬
‫ّ‬ ‫مركزهم بالقسطنطينيّة ولم‬
‫تأذّن الله بانقراضه وانظر أيضا شأن العرب ّأول اإلسالم ل ّما كانت عصائبهم موفورة كيف‬
‫شام والعراق ومصر ألسرع وقت ث ّم تجاوزوا ذلك إلى ما وراءه‬ ‫غلبوا على ما جاورهم من ال ّ‬
‫تفرقوا حصصا ونزلوها حامية ونفد‬ ‫سند والحبشة وإفريقية والمغرب ث ّم إلى األندلس فل ّما ّ‬ ‫من ال ّ‬
‫عددهم في تلك التّوزيعات أقصروا عن الفتوحات بعد وانتهى أمر اإلسالم ولم يتجاوز تلك‬
‫الحدود ومنها تراجعت الدّولة حتّى تأذّن الله بانقراضها وكذا كان حال الدّول من بعد عند نفاد‬
‫عددهم بالتّوزيع ينقطع لهم الفتح واالستيالء سنّة الله في خلقه‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫في أن عظم الدولة واتساع نطاقها وطول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة‬
‫والكثرة‬
‫ألن الملك إنّما يكون بالعصبيّة وأهل العصبيّة هم الحامية وكان ملكها أوسع وبالدّولة اإلسالميّة‬ ‫ّ‬
‫ل ّما ألّف الله كلمة العرب على اإلسالم وكان عدد المسلمين في غزوة تبوك آخر غزوات النّب ّ‬
‫ي‬
‫صلّى الله عليه وسلّم مائة ألف وعشرة آالف من مضر وقحطان ما بين فارس وراجل إلى من‬
‫أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة فل ّما تو ّجهوا لطلب ما في أيدي األمم من الملك لم يكن دونه حمى‬
‫وال وزر فاستبيح حمى التّرك بالمشرق واإلفرنجة والبربر بالمغرب والقوط باألندلس وخطوا‬
‫شمال واستولوا على األقاليم‬ ‫سوس األقصى ومن اليمن إلى التّرك بأقصى ال ّ‬ ‫من الحجاز إلى ال ّ‬
‫شام ومصر والحجاز ث ّم انظر بعد ذلك‬ ‫سبعة كانت دولتهم أعظم فملكوا إفريقية والمغرب وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صر ملكهم عن ملك المو ّحدين لقصور عددهم عن عدد المصامدة منذ ّأول أمرهم ث ّم حال‬ ‫زناتة ق ّ‬
‫الدّولتين لهذا العهد لزناتة بني مرين وبني عبد الواد‪ ,‬كانت دولتهم أقوى منها وأوسع نطاقا وكان‬
‫وإن بني‬‫ألول ملكهم كان ثالثة آالف ّ‬ ‫إن عدد بني مرين ّ‬ ‫مرة بعد أخرى‪ .‬يقال ّ‬ ‫لهم عليهم الغلب ّ‬
‫بالرفه كثّرت من أعدادهم وعلى هذه النّسبة في أعداد المتغلّبين‬ ‫أن الدّولة ّ‬ ‫عبد الواد كانوا ألفا ّإال ّ‬
‫وقوتها وطول أمدها أيضا فعلى تلك النّسبة والعصبيّة إنّما هي‬ ‫أل ّول الملك يكون اتّساع الدّولة ّ‬
‫أن النّقص إنّما يبدو في الدّولة من‬
‫صحيح في ذلك ّ‬ ‫سبب ال ّ‬‫بكثرة العدد ووفوره كما قلناه وال ّ‬
‫األطراف فإذا كانت ممالكها كثيرة كانت أطرافها بعيدة عن مركزها وكثيرة وك ّل نقص يقع فال‬
‫ب ّد له من زمن فتكثر أزمان النّقص لكثرة الممالك فيكون أمدها أطول ال بنو العبّاس أهل‬
‫المركز وال بنو أميّة المستبدون باألندلس ‪ .‬ولم ينقص أمر جميعهم ّإال بعد األربعمائة من الهجرة‬
‫ودولة العبيديّين كان أمدها قريبا من مائتين وثمانين سنة ودولة صنهاجة دونهم من لدن تقليد‬
‫معز ودولة المو ّحدين لهذا العهد تناهز مائتين وسبعين سنة وهكذا نسب الدّول في أعمارها على‬ ‫ّ‬
‫نسبة القائمين بها سنّة الله الّتي قد خلت في عباده‪.‬‬

‫الفصل التاسع‬
‫في ان األوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل ان تستحكم فيها دولة‬
‫وأن وراء ك ّل رأي منها تمانع بعضها فيكثر االنتقاض على الدولة‬ ‫الختالف اآلراء واألهواء ّ‬
‫فإن ساكن هذه األوطان‬ ‫وانظر ما وقع من ذلك بإفريقيّة والمغرب منذ ّأول اإلسالم ولهذا العهد ّ‬
‫مفرقة‬
‫أن إفريقة ّ‬ ‫األول وما ينقل عن عمر ّ‬ ‫من البربر أهل قبائل وعصبيّات فلم يغن فيهم الغلب ّ‬
‫لقلوب أهلها إشارة إلى ما فيها من كثرة العصائب والقبائل الحاملة لهم على عدم اإلذعان‬
‫شام إنّما كانت حاميتها من فارس ّ‬
‫والروم‬ ‫صفة وال ال ّ‬
‫واالنقياد ولم يكن العراق لذلك العهد بتلك ال ّ‬
‫والكافّة دهماء أهل مدن وأمصار فل ّما غلبهم المسلمون على األمر والبربر قبائلهم بالمغرب أكثر‬
‫من أن تحصى وكلّهم بادية وأهل عصائب وكلّما هلكت قبيلة عادت األخرى مكانها وإلى دينها‬
‫والردّة فطال أمر العرب في تمهيد الدّولة بوطن إفريقية والمغرب وال تحتاج الدّولة‬ ‫من الخالف ّ‬
‫شأن في مصر وال ّ‬
‫شام لهذا العهد إذ هي خلو من القبائل‬ ‫فيها إلى كثير من العصبيّة كما هو ال ّ‬
‫والرسوخ لقلّة‬
‫شام معدنا لهم كما قلناه فملك مصر في غاية الدّعة ّ‬ ‫والعصبيّات كأن لم يكن ال ّ‬
‫الخوارج وأهل العصائب إنّما هو سلطان ورعيّة ودولتها قائمة بملوك التّرك وعصائبهم يغلبون‬
‫ي من‬ ‫على األمر واحدا بعد واحد وينتقل األمر فيهم من منبت إلى منبت والخالفة مس ّماة للعبّاس ّ‬
‫ألول‬
‫فإن عصبيّة ابن األحمر سلطانها لم تكن ّ‬ ‫أعقاب الخلفاء ببغداد وكذا شأن األندلس لهذا العهد ّ‬
‫كرات ‪ 16‬إنّما يكون أهل بيت من بيوت العرب أهل الدّولة األمويّة بقوا‬ ‫دولتهم بقويّة وال كانت ّ‬
‫أن أهل األندلس ل ّما انقرضت الدّولة العربيّة منهم وملكهم البربر من لمتونة‬ ‫من ذلك القلّة وذلك ّ‬
‫والمو ّحدين سئموا ملكتهم وثقلت وطأتهم عليهم فأشربت القلوب بغضائهم وأمكن المو ّحدون‬
‫للطاغية ‪ 12‬في سبيل االستظهار به على شأنهم من‬ ‫سادة في آخر الدّولة كثيرا من الحصون ّ‬ ‫وال ّ‬
‫تملّك الحضرة مراكش فاجتمع من كان بقي بها من أهل العصبيّة القديمة معادن من بيوت‬
‫شيء ورسخوا في العصبيّة مثل ابن‬ ‫العرب تجافى بهم المنبت عن الحاضرة واألمصار بعض ال ّ‬
‫هود وابن األحمر وابن مردنيش وأمثالهم فقام ابن هود باألمر ودعا بدعوة الخالفة العبّاسيّة‬
‫بالمشرق وحمل النّاس على الخروج على المو ّحدين فنبذوا إليهم العهد وأخرجوهم واستق ّل ابن‬
‫هود باألمر في األندلس ث ّم سما ابن األحمر لألمر وخالف ابن هود في دعوته فدعا هؤالء البن‬
‫أبي حفص صاحب إفريقية من المو ّحدين وقام باألمر وتناوله بعصابة قريبة من قرابته كانوا‬
‫الرؤساء ولم يحتج ألكثر منهم لقلّة العصائب باألندلس وإنّها سلطان ورعيّة ث ّم استظهر‬ ‫يس ّمون ّ‬
‫ّ‬
‫بعد ذلك على الطاغية بمن يجيز إليه البحر من أعياص زناتة فصاروا معه عصبة على‬
‫والربّاط ث ّم سما لصاحب من ملوك زناتة أمل في االستيالء على األندلس فصار أولئك‬ ‫المثاغرة ّ‬
‫ّ‬
‫األعياص عصابة ابن األحمر على االمتناع منه إلى أن تأثل ‪ 12‬أمره ورسخ وألفته النّفوس‬
‫تظن أنّه بغير عصابة فليس كذلك وقد‬ ‫ّ‬ ‫وعجز النّاس عن مطالبته وورثه أعقابه لهذا العهد فال‬
‫فإن قطر األندلس لقلّة العصائب والقبائل فيه‬ ‫كان مبدؤه بعصابة ّإال أنّها قليلة وعلى قدر الحاجة ّ‬
‫ي عن العالمين‪.‬‬‫يغني عن كثرة العصبيّة في التّغلّب عليهم والله غن ّ‬

‫الفصل العاشر‬
‫في ان من طبيعة الملك االنفراد بالمجد‬
‫العصبيّة متألّفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى فتغلب وتستولي حتّى تصيّرها جميعا‬
‫ان العناصر إذا اجتمعت متكافئة‬ ‫في ضمنها وبذلك يكون االجتماع والغلب على النّاس والدّول ّ‬
‫فال يقع منها مزاج أصال بل ال ب ّد من أن تكون واحدة منها هي الغالبة على الك ّل حتّى تجمعها‬
‫وتصيّرها عصبيّة واحدة شاملة لجميعها وهي موجودة في ضمنها وتلك العصبيّة الكبرى إنّما‬
‫تكون لقوم أهل بيت ورئاسة فيهم‪ ,‬وال ب ّد من أن يكون واحد منهم رئيسا لهم فيتعيّن رئيسا‬
‫الطبيعة الحيوانيّة خلق الكبر فيأنف حينئذ من المساهمة والمشاركة في‬ ‫للعصبيّات كلّها فمن ّ‬
‫سياسة من انفراد الحاكم لفساد الك ّل باختالف‬ ‫التّح ّكم فيهم ويجيء خلق التّألّه مع ما تقتضيه ال ّ‬
‫س َدتا ‪ 13 »11 :12‬فتجدع حينئذ أنوف العصبيّات عن أن‬ ‫الح ّكام «لَ ْو كانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ ِإ َّال الله لَفَ َ‬
‫يسموا إلى مشاركته في التّح ّكم وتقرع عصبيّتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتّى ال يترك‬
‫ألحد منهم في األمر ال ناقة وال جمال فينفرد بذلك المجد بكلّيّته ويدفعهم عن مساهمته وقد يت ّم‬
‫وقوتها ّإال‬‫لألول من ملوك الدّولة وقد ال يت ّم ّإال للثّاني والثّالث على قدر ممانعة العصبيّات ّ‬ ‫ذلك ّ‬
‫أنّه أمر ال ب ّد منه في الدّول سنّة الله الّتي قد خلت في عباده والله تعالى أعلم‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫في ان من طبيعة الملك الترف‬
‫أن األ ّمة إذا تغلّبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها فتكثر عوائدهم‬
‫وذلك ّ‬
‫ويتجاوزون ضرورات العيش وخشونته إلى نوافله ورقّته وزينته ويذهبون إلى اتّباع من قبلهم‬
‫في عوائدهم وأحوالهم وتصير لتلك النّوافل عوائد ضروريّة في تحصيلها وينزعون مع ذلك إلى‬
‫رقّة األحوال في المطاعم والمالبس والفرش واآلنية ويتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم‬
‫الطيّب ولبس األنيق وركوب الفاره ‪ 12‬ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم إلى آخر‬ ‫من األمم في أكل ّ‬
‫حظهم من ذلك وترفهم فيه إلى أن يبلغوا من ذلك الغاية الّتي‬‫الدّولة وعلى قدر ملكهم يكون ّ‬
‫قوتها وعوائد من قبلها سنّة الله في خلقه والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫للدّولة إلى أن تبلغها بحسب ّ‬

‫الفصل الثاني عشر‬


‫في ان من طبيعة الملك الدعة والسكون‬
‫أن األ ّمة ال يحصل لها الملك ّإال بالمطالبة والمطالبة غايتها الغلب والملك وإذا حصلت‬
‫وذلك ّ‬
‫سعي إليها (قال الشاعر) عجبت لسعي الدّهر بيني وبينها ‪ ...‬فل ّما انقضى ما بيننا‬‫الغاية انقضى ال ّ‬
‫سكن الدّهر فإذا حصل الملك أقصروا عن المتاعب الّتي كانوا يتكلفونها في طلبه وآثروا ّ‬
‫الراحة‬
‫سكون والدّعة ورجعوا إلى تحصيل ثمرات الملك من المباني والمساكن والمالبس فيبنون‬ ‫وال ّ‬
‫الراحة على‬
‫الرياض ويستمتعون بأحوال الدّنيا ويؤثرون ّ‬ ‫القصور ويجرون المياه ويغرسون ّ‬
‫المتاعب ويتأنّقون في أحوال المالبس والمطاعم واآلنية والفرش ما استطاعوا ويألفون ذلك‬
‫ويورثونه من بعدهم من أجيالهم وال يزال ذلك يتزايد فيهم إلى أن يتأذّن الله بأمره وهو خير‬
‫الحاكمين والله تعالى أعلم‪.‬‬

You might also like