Professional Documents
Culture Documents
موضوع الدرس
موضوع الدرس
التأطير اإلشكالي:
استنتاج عام
يدل مفهوم الشخص على اإلنسان بما هو ذات واعية وعاقلة قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق
والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها .ويحيل أيضا على وحدة وهوية ومطابقة مع الذات تستمر رغم تعدد
الحاالت التي يمر منها الشخص واختالفها .كل هذا يفتحنا على عدة تساؤالت وإشكاالت مرتبطة بهوية الشخص
وهي :ما األنا؟ على ماذا تتأسس هوية الشخص؟ وكيف يكون الشخص مطابقا لذاته رغم اختالف األزمنة
واألمكنة؟ وهل ما يشكل هويته هو مظهره الخارجي أم تفكيره ووعيه؟ وهل يمكن القول بثبات هوية الشخص؟
بخصوص هوية الشخص يؤكد رونيه ديكارت أن أساس هوية الشخص هو الفكر بما هو فكر مجرد .ففي كتابه
التأمالت يذهب ديكارت إلى أن األنا (الذات) هو شيء مفكر ،أن الشيء هو شيء يفكر ويفهم ويتصور ،ويثبت…
ومنه فالذي يمنح الذات وجودها ويمكنها من وعي ذاتها هو الفكر .ومنه يتضح لنا كيف أن أساس هوية الشخص
حسب الفيلسوف رونيه ديكارت هو الفكر ،والذي هو فكر مجرد ،أي الفكر الذي ال يرتبط بأي شيء مادي.
وللتوسع في هذا الموقف الفلسفي الذي يجعل الفكر أساس هوية الشخص يمكن العودة إلى أسس المذهب
العقالني في الفلسفي والذي يعتبر ديكارت رائده في الفترة الحديثة.
بحسب لوك فالشخص هو الذات أو األنا القادرة على تعقل ذاتها .والوعي بذاتها والتفكير في ذاتها رغم تنوع
السياقات والوضعيات التي تواجهها .وعلى هذا األساس جاز لنا التمييز بين المعرفة العادية العامة والمعرفة
بالذات .فالمعرفة العادية هي معرفة الموضوعات الخارجية في تنوعها وتغيرها .بينما المعرفة بالذات هي نوع من
الوعي باألنا المفكرة التي تظل هي هي رغم التحوالت التي تعرفها في الزمان والمكان .وهذا ما يشكل الهوية
الذاتية .وعليه ،تتحدد الهوية الذاتية من خالل اإلجابة عن سؤال مركزي وهو كيف يمكن التفكير في رحلة األنا في
الزمان المتبدل واألمكنة المتغيرة؟ هل أنا الشخص نفسه الذي كنته قبل عشرين سنة؟ لقد اقترح لوك حل إشكال
الهوية الشخصية بفكرة الذاكرة :إذا كنت الشخص ذاته الذي كان قبل عشرين سنة ،فألنني أتذكر مختلف
المراحل التي مر بها وعيي أو شعوري .وبناء على ما سبق ،فإن كلما امتد شعوري بسلوكاتي وتصرفاتي
وأفكاري في الماضي كلما اتسعت دائرة هويتي
على النقيض مما ذهب إليه لوك يصعب بحسب شوبنهاور تحديد الهوية الشخصية من خالل الذاكرة ألن التقدم في
سن أو المرض أو إصابة في المخ يؤدي إلى تعطيل في الذاكرة وهذا يعني هذا تعطيال في هويتي؟ كما أن الهوية
الشخصية ليست كما سبق وأن أكد ديكارت الذات العارفة ألن النشاط المعرفي ما هو بحسب شوبنهاور إال وظيفة
بسيطة من وظائف الدماغ .إن الهوية تتأسس بناء على عنصر ثابت فينا والذي يبقى دائما وال يعرف الشيخوخة
وهو نواة وجودنا ويسمي باإلرادة .والتي تشاطرنا الحيوانات فيها ضمن خانة عامة تسمى بإرادة الحياة وهي مبدأ
كوني يعبر عن المجهود الغريزي لدى الحيوان للحفاظ على نوعه في مواجهة بقية األنواع .وبالتالي فإن اإلرادة
الشخصية لإلنسان المؤسسة لهويته ما هي إال إحدى تمظهرات إرادة الحياة والتي تترجم إلى إرادة التفكير
وإرادة الوعي بكوننا كائنات مخيرة ومريدة.
موقف جول الشولييه :وحدة الطبع والذاكرة أساس هوية الشخص
في كتابه السيكولوجيا والميتافيزيقا حاول الفيلسوف الفرنسي جول الشولييه اإلجابة عن إشكال إن كان لهويتنا
أساسا ثابتا .ليجيب بأن هناك من الوقائع ما يفند األطروحة القائلة بوجود أساس ثابت ،مؤكدا ذلك بمجموعة من
األمثلة من قبيل مثال النوم ومثال فقدان الذاكرة وأيضا مثال الذين يعانون من انفصام الشخصية .فالذي يكون نائما
يكون له أنا متخيال فقط ،والذي فقد ذاكرته يفقد صلة الوصل بين ماضيه حاضره ،والذي يعاني من اإلنفصام
يتشكل لديه أنا أول وأنا ثاني .لكن كيف ننظر ألنفسنا على أننا شخص واحد في كل فترات عمرنا؟ يجيبنا جول
الشولييه بقولة “ :هناك شيئين يجعالننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا وهما دوام نفس الطبع والذاكرة ،فوحدة الطبع
تجعلنا نقوم بنفس رد الفعل وتطبع حاالتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي .أما الذاكرة فهي التي تمسح بامتداد
وعينا إلى الماضي .ليستنتج الشولييه بأن هويتنا الشخصية ليست معطى أوليا ،وإنما صدى إلدراكاتنا الماضية
في إدراكاتنا الحاضرة.
استنتاج محوري
لعل ابرز ما يمكن استنتاجه بعد تحليل إشكال الشخص والهوية ،هو أن هوية الشخص يمكن أن يظر إليها إال على
أن لها اساس ثابتا وهو الفكر المجرد ،وهذا الموقف يجعل من أساس الهوبة أساسا ثابتا ،وجوهرا للذات .ويمكن
أن ينظر إليها عكس ذلك حيث تتأسس على الفكر ليس بما هو فكر مجرد وإنما بما هو شعور ،يسمح للذات بإدراك
ذاتها بأنها هي نفسها رغم اختالف األزمنة واألمكنة .غير أن الموقفين لم يشفيا الغليل بالنسبة لمجموعة من
الفالسفة ،حيث سينتقد الموقف القائل بكون الهوية تتأسس على ما هو ثابت ،ليرى منتقدوا هذا الموقف بأن وحدة
الطبع والذاكرة هما أساس وعي الذات لذاته.