Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫الجميورية اليمنية‬

‫وزارة التعميم العالي والبحث العممي‬

‫والتعميم الفني والتدريب الميني‬

‫جامعة تعز‬

‫نيابة الدراسات العميا والبحث العممي‬

‫كمية اآلداب‬

‫قسم الدراسات اإلسالمية‬

‫(برنامج الدكتوراه)‬

‫ملخص يف قواعد التفسري‪:‬‬

‫(القواعد املتعلقة بتفسري السلف وباللغة)‬

‫إعداد الطالبة‪/‬‬

‫ذكرى عبدا﵀ محمد سيف الحمادي‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‪/‬‬

‫سعيد محمد عبد السالم الحداد‬

‫‪1444‬ه‪2023 -1‬م‬
‫ذكر بعض القواعد املتعلقة بتفسري السلف‬

‫القاعدة االولى‪:‬‬

‫"إذا اختمف السمف في تفسير اآلية عمى قولين لم يجز لمن بعدىم إحداث قول ثالث يخرج عن‬
‫قوليم"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫إذا اختمؼ السمؼ في معنى اآلية عمى قوليف أو أكثر‪ ،‬فإف ىذا بمثابة اإلجماع منيـ عمى‬
‫بطبلف ما خرج عف أقواليـ‪ ،‬ووجو ذلؾ أف تجويز القوؿ الزائد مع إمكاف ترجيحو يؤدي إلى أف األمة‬
‫بمجموعيا أخطأت في معنى اآلية ولـ تعرؼ الصواب فييا‪ ،‬وىذا ممتنع؛ ألف فيو نسبة األمة إلى‬
‫أيضا القوؿ بخمو العصر عف قائـ هلل بحجتو‪.‬‬
‫الغفمة عف الحؽ وتضييعو‪ ،‬كما أف فيو ً‬

‫ىذا وقد ذكر ابف تيمية أنو "إذا تأوؿ أىؿ اإلجماع اآلية بتأويؿ ونصوا عمى فساد ما عداه‪ ،‬لـ‬
‫يجز إحداث تأويؿ سواه‪ ،‬واف لـ ينصوا عمى ذلؾ؛ فقاؿ بعضيـ ‪:‬يجوز إحداث تأويؿ ٍ‬
‫ثاف إذا لـ يكف‬
‫فيو إبطاؿ األوؿ‪ ،‬وقاؿ بعضيـ ‪:‬ال يجوز ذلؾ كما ال يجوز إحداث مذىب ثالث‪ ،‬وىذا ىو الذي عميو‬
‫الجميور وال يحتمؿ مذىبنا غيره"(ٔ)‪.‬‬

‫كما خطَّأ مف َّ‬


‫فرؽ بيف األحكاـ وغيرىا فقاؿ بجواز إحداث قوؿ ثالث في غي األحكاـ بخبلؼ‬
‫إذا اختمفوا في االحكاـ عمى قوليف(ٕ)‪.‬‬

‫تفصيبل في المسألة ُن ِظر؛ فإف كاف ىذا‬


‫ً‬ ‫أما إذا اختمفوا عمى قوليف وجاء مف بعدىـ فأحدث‬
‫التفصيؿ خارقًا لئلجماع فإنو مردود‪ ،‬وأما إف لـ يخرؽ اإلجماع فإنو يقبؿ‪ ،‬واهلل أعمـ(ٖ)‪.‬‬

‫وىذه القاعدة جديرة بالعناية وبيا ُيعمـ بطبلف كثير مف التفسير الذي ُيدعى (التفسير العممي‬
‫تماما لما قالو السمؼ في‬ ‫ٍ‬
‫معاف مغايرة ً‬ ‫كثير مف أقواؿ أصحاب ىذا االتجاه تقرر‬
‫لمقرآف الكريـ)‪ ،‬فإف ًا‬
‫اآلية‪ ،‬مما يمزـ عنو نسبة جميع األمة إلى الجيؿ والخطأ في تفسير ذلؾ الموضع‪.‬‬

‫(ٔ) المسودة‪ ،‬ص‪.ٖٕٜ‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ابف تيمية‪.)ٜ٘/ٔ٘(،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬المذكرة في أصول الفقو‪ ،‬الشنقيطي‪ ،‬ص‪.ٔ٘ٚ‬‬
‫‪2‬‬
‫أما إذا كاف القوؿ الذي يقرره ىؤالء أو غيرىـ في معنى اآلية ال يتعارض مع أقواؿ السمؼ‪،‬‬
‫رجبل في‬
‫وال يمزـ مف تقريره نسبة الخطأ إلى السابقيف فيذا ال مانع منو إذ ىو مف الفيـ الذي يؤتيو اهلل ً‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كتابو إف كاف القوؿ‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫َح َزاب‪[ ‬ص‪.]ٔٔ :‬‬ ‫ك مهز ِ‬ ‫ِ‬
‫قاؿ تعالى‪ُ  :‬ج ْن ٌد َما ُىنَال َ َ ْ ُ ٌ‬
‫وم م َن ْاْل ْ‬
‫قاؿ العبلمة المفسر محمد األميف الشنقيطي ‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬يفيـ منو أنو لو تستطيع جند مف‬
‫ذليبل‪ ،‬ومما يدؿ عمى أف اآلية‬
‫صاغر داخ اًر ً‬
‫ًا‬ ‫ميزوما‬
‫ً‬ ‫األحزاب االرتقاء في أسباب السماء أنو يرجع‬
‫الكريمة ُيشار فييا إلى شيء ما كاف يظنو الناس وقت نزوليا‪ ،‬إبيامو ‪-‬جؿ وعبل‪ -‬لذلؾ الجند بمفظة‬
‫(ما) في قولو ‪( :‬جند ما)‪ ،‬واشارتو إلى مكاف ذلؾ الجند أو مكاف انيزامو إشارة البعيد في قولو ‪:‬‬
‫(ىنالؾ)‪ ،‬ولـ يتقدـ في اآلية ما يظير رجوع اإلشارة إليو إال االرتقاء في أسباب السماوات‪ ،‬فاآلية‬
‫الكريمة يفيـ منيا ما ذكرنا‪ ،‬ومعموـ أنيا لـ يفسرىا بذلؾ أحد مف العمماء‪ ،‬بؿ عبارات العمماء تدور‬
‫عمى أف الجند المذكور الكفار الذيف كذبوه ‪-‬صمى اهلل عميو وسمـ‪ ،-‬وأنو ‪-‬صمى اهلل عميو وسمـ‪-‬‬
‫سوؼ ييزميـ‪ ،‬وأف ذلؾ تحقؽ يوـ بدر‪ ،‬أو يوـ فتح مكة‪ ،‬ولكف كتاب اهلل ال تزاؿ تظير غرائبو‬
‫وعجائبو‪ ،‬وغرائبو متجددة عمى مر الميالي واألياـ‪ ...‬وال مانع مف حمؿ اآلية عمى ما حمميا عميو‬
‫أيضا أنو يفيـ منيا‪ ،‬لما تقرر عند العمماء مف أف اآلية إف كانت تحتمؿ معاني‬
‫المفسروف وما ذكرنا ً‬
‫كميا صحيح تعيف حمميا عمى الجميع"(ٔ)‪.‬‬

‫ففي ىذه اآلية لو أف قائبلً فسرىا باالحتماؿ الذي أورده الشيخ ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬واقتصر عميو‪،‬‬
‫جميعا إلى الجيؿ بمعناىا‪ ،‬بؿ والخطأ في فيميا‪ ،‬أما‬
‫ً‬ ‫مردودا؛ ألنو بيذا يكوف قد نسب األمة‬
‫ً‬ ‫لكاف قولو‬
‫لو قاؿ‪ :‬إف اآلية دلت عمى ما ذكره السمؼ؛ ومما يدخؿ في معناىا (ثـ ذكر ىذا التفسير الجديد)‪،‬‬
‫لكاف لو وجو‪ ،‬واهلل أعمـ‪.‬‬

‫السماء ب نَ ي نَاىا بِأَي ٍد وإِنَّا لَم ِ‬


‫وسعُو َن‬ ‫أيضا ما ذكره بعضيـ في المراد بقولو تعالى ‪َ ﴿:‬و َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ‬
‫ومف أمثمة ذلؾ ً‬
‫﴾ [الذاريات ‪ ،]ٗٚ:‬حيث حمموا المعنى عمى المستقبؿ‪ ،‬وقالوا‪ :‬في ىذه اآلية إشارة إلى ما توصؿ إليو‬
‫نجوما ومجرات جديدة تولد‪ ،‬وىذا توسيع مستمر في خمؽ السماء‪.‬‬
‫ً‬ ‫العمـ الحديث مف أف‬

‫(ٔ) أضواء البيان‪ ،‬الشنقيطي‪.)ٕٔٗ/ٖ( ،‬‬


‫‪3‬‬
‫والصحيح أف اآلية ال تدؿ عمى ما ذكروا ؛ بؿ المعنى‪" :‬وقد وسعنا أرجاءىا "‪ ،‬فيي إخبار‬
‫عف الماضي‪ ،‬واهلل أعمـ(ٔ)‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪:‬‬

‫"فيم السمف لمقرآن حجة ُيحتكم إليو ال عميو"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫فيما‪ ،‬إضافة إلى ما تشرفوا بو –يعني‬
‫عمما‪ ،‬وأحسف ً‬ ‫قموبا‪ ،‬وأكثر ً‬
‫لما كاف السمؼ أبر ً‬
‫الصحابة‪-‬مف صحبة النبي ‪-‬صمى اهلل عميو وسمـ‪ ،-‬والتمقي منو‪ ،‬مع ما شاىدوا مف التنزيؿ‪ ،‬كاف‬
‫لتفسيرىـ مف المزية ما ليس لتفسير غيرىـ‪ ،‬فالناس ميما اختمفوا في التفسير فإف كبلميـ يوزف بكبلـ‬
‫السمؼ وتفسيرىـ إذ إف السمؼ أعمـ األمة بعد نبييا ‪-‬صمى اهلل عميو وسمـ‪ -‬بمعاني كتاب اهلل تعالى‬
‫وبالمغة التي أنزؿ فييا‪.‬‬

‫والخالصة أن التفسير الذي اعتمده السمف ال يحاكم إلى قول من ىو دونيم‪ ،‬أو يحاكم إلى‬
‫قواعد المغة أو األصول‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫ت بِ ِو َو َى َّم بِ َها ل َْوََل أَ ْن َرأَى بُ ْرَىا َن َربّْو‪[ ‬يوسؼ‪.]ٕٗ :‬‬
‫قاؿ تعالى‪َ  :‬ولَ َق ْد َى َّم ْ‬

‫اليـ) الذي‬
‫كثير مف الروايات عف السمؼ في معنى ( ّ‬
‫قاؿ ابف جرير ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬بعد أف ساؽ ًا‬
‫وقع مف يوسؼ ‪-‬عميو السبلـ‪ -‬ىنا‪" :‬وأما آخروف ممف خالؼ أقواؿ السمؼ وتأولوا القرآف بآرائيـ‪،‬‬
‫فإنيـ قالوا في ذلؾ أقو ًاال مختمفة‪ ،"..‬وخبلصة ما ذكر مف األقواؿ‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬أنو ى َّـ بضربيا‪.‬‬

‫وىـ بيا ‪ -‬يوسؼ ‪-‬لوال أف‬


‫ٕ‪ -‬أف الكبلـ تـ عند قولو ‪(:‬ىمت بو‪ )،‬ثـ ابتدئ الخبر عف يوسؼ فقيؿ‪َّ " :‬‬
‫ليـ بيا‪.‬‬
‫رأى برىاف ربو والمعنى ‪ :‬أف يوسؼ لـ ييـ بيا‪ ،‬ولوال رؤيتو برىاف ربو َّ‬

‫ٖ‪ -‬أف ذلؾ اليّـ مف قبيؿ حديث النفس الذي ال يؤاخذ عميو‪.‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬الطبري‪ ،)ٛ/ٕٚ( ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابف كثير‪.)ٕٖٚ/ٗ( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫وممف قاؿ بالقوؿ الثاني اإلماـ أبو حياف‪ ،‬ومراده بياف عصمة يوسؼ عميو السبلـ‪ ،‬ورأى لذلؾ‬
‫بعضا مع كونيا قادحة في‬
‫اليـ أقواؿ متكاذبة‪ ،‬يناقض بعضيا ً‬
‫أف األقواؿ الواردة عف السمؼ في معنى َّ‬
‫فضبل عف المقطوع ليـ بالعصمة(ٔ)‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعض فساؽ المسمميف‬

‫اليـ المضاؼ إلى يوسؼ ‪-‬عميو‬


‫ولعؿ منشأ ىذا الغمط الذي وقع فيو ‪-‬رحمو اهلل ‪ -‬ظنو أف ّ‬
‫اليـ المضاؼ إلى امرأة العزيز وىذا غير صحيح؛ بؿ التحقيؽ أف ثمة فرقًا بيف‬
‫السبلـ‪ -‬ىو عيف ّ‬
‫ىماف‪ ،‬ىـ خط ار‪،‬ت وىـ إصرار‪ ،‬فيوسؼ ‪-‬عميو السبلـ‪-‬‬
‫اليميف كما قاؿ اإلماـ أحمد رحمو اهلل‪":‬اليـ َّ‬
‫َّ‬
‫ىـ إصرار ففعمت ما قدرت عميو مف تحصيؿ مرادىا‪ ،‬واف لـ‬ ‫َّىـ ىما تركو هلل فأثيب عميو‪ ،‬وتمؾ ّ‬
‫ىمت ّ‬
‫يحصؿ ليا المطموب"(ٕ)‪.‬‬

‫أمور ينبغي مراعاتيا عند النظر في تفسير السمف‬

‫ٔ‪ -‬غالب ما نقل عن السمف من االختالف في التفسير فيو من باب التنوع(ٖ)‪.‬‬


‫قاؿ شيخ اإلسبلـ ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬ما خبلصتو‪ :‬الخبلؼ بيف السمؼ في التفسير قميؿ‪ ،‬وخبلفيـ‬
‫في األحكاـ أكثر مف خبلفيـ في التفسير‪ ،‬وغالب ما يصح عنيـ مف الخبلؼ يرجع إلى اختبلؼ تنوع‬
‫ال اختبلؼ تضاد‪ ،‬وذلؾ صنفاف‪:‬‬

‫‪-‬أف يعبر كؿ منيـ عف المراد بعبارة غير عبارة صاحبو تدؿ عمى معنى في المسمى غير المعنى‬
‫اآلخر مع اتحاد المسمى‪ ،‬كما قيؿ في اسـ السيؼ‪ :‬الصارـ والميند‪ ،‬وذلؾ مثؿ أسماء اهلل الحسنى‪،‬‬
‫وأسماء رسوؿ اهلل ‪-‬صمى اهلل عميو وسمـ‪ ،-‬وأسماء القرآف‪.‬‬

‫ومثاؿ ذلؾ في التفسير‪ :‬تفسيرىـ (الصراط المستقيـ) بالقرآف‪ ،‬وباإلسبلـ‪ ،‬أو طريؽ العبودية‪،‬‬
‫أو طاعة اهلل ورسولو‪ ...‬فيؤالء كميـ أشاروا إلى ذات واحدة لكف وصفيا كؿ بصفة مف صفاتيا‪.‬‬

‫‪ -‬أف يذكر كؿ منيـ مف االسـ العاـ بعض أنواعو عمى سبيؿ التمثيؿ وتنبيو المستمع عمى النوع ال‬
‫عمى سبيؿ الحد المطابؽ لممحدود في عمومو وخصوصو‪ ،‬مثاؿ ذلؾ‪ :‬ما نقؿ في قولو تعالى‪ :‬ثُ َّم‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬البحر المحيط‪.)ٕٜ٘/٘( ،‬‬


‫(ٕ) مجموع الفتاوى‪ ،‬ابف تيمية‪.)٘ٚ٘ ،٘ٚٗ/ٙ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬مقدمة في أصول التفسير‪ ،‬ابف تيمية‪ ،‬ص‪ ،ٛ‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ٕٔٗ/ٗ( ،‬ػ ٕٕٓ)‪ ،‬محاسن التأويل‪،‬‬
‫القاسمي‪.)ٔٚ/ٔ( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫ص ٌد وِم ْن هم سابِ ٌق بِالْ ََخي ر ِ‬
‫ات بِِ ْْ ِن ال َّو‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ْكت َّ ِ‬
‫ِ‬
‫َْ‬ ‫اصطََف ْي نَا م ْن عبَادنَا فَم ْن ُه ْم ظَال ٌم لنَ ْفسو َوم ْن ُه ْم ُم ْقتَ َ ُ ْ َ‬
‫ين ْ‬
‫اب الذ َ‬
‫أ َْوَرثْ نَا ال َ َ‬
‫[فاطر‪.]ٖٕ :‬‬

‫فبعض السمؼ يقوؿ ‪:‬السابؽ الذي يصمي في أوؿ الوقت‪ ،‬والمقتصد الذي يصمي في أثنائو‪،‬‬
‫والظالـ لنفسو الذي يؤخر العصر إلى االصفرار‪.‬‬

‫أو يقوؿ ‪:‬السابؽ والمقتصد والظالـ قد ذكرىـ اهلل في آخر سورة البقرة؛ فإنو ذكر المحسف‬
‫بالصدقة‪ ،‬والظالـ بأكؿ الربا‪ ،‬والعادؿ بالبيع‪ ،‬فالسابؽ ‪:‬المحسف بأداء المستحبات مع الواجبات‪ ،‬والظالـ‬
‫آكؿ الربا‪ ،‬أو مانع الزكاة‪ ،‬والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة وال يأكؿ الربا‪ ،‬وىذا كمو مف التعريؼ‬
‫بالمثاؿ‪ ،‬ومف ىذا الباب قوليـ‪ :‬نزلت ىذه اآلية في كذا‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬قد يرد ويثبت عف بعض السمؼ تفسيراف أو أكثر لآلية الواحدة مع كونيما مختمفيف‪ ،‬ويكوف كؿ‬
‫مخرًجا عمى قراءة(ٔ)‪.‬‬
‫واحد منيما َّ‬

‫ومف ثـ ال يعتبر ىذا مف باب االختبلؼ‪ ،‬فمف ذلؾ ما جاء في تفسير قولو تعالى‪ :‬لَ َقالُوا إِنَّ َما‬
‫ارنَا‪[ ‬الحجر‪ ،]ٔ٘ :‬فسرىا بعض السمؼ ب( ُس َّدت(‪ ،‬وفسرىا آخروف ب(أُخذت)‪ ،‬قاؿ قتادة‬
‫صُ‬ ‫ُس ّْك َر ْ‬
‫ت أَبْ َ‬
‫‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬مف ق أر (سكرت) مشددة يعني (سدت)‪ ،‬ومف ق أر ‪(:‬سكرت) مخففة‪ ،‬فإنو يعني‪:‬‬
‫( ُسحرت)"(ٕ)‪.‬‬

‫ومف ذلؾ ما ورد في تفسير قولو تعالى‪ :‬سرابيميم من قطران‪[ ‬إبراىيـ‪ ]٘ٓ :‬مف أنو النحاس‬
‫المذاب‪ ،‬وقيؿ ‪:‬ما تُينا بو األبؿ وتطمى(ٖ)‪.‬‬

‫قاؿ السيوطي‪" :‬وليسا بقوليف‪ ،‬وانما الثاني وىو األوؿ ىنا تفسير لقراءة (مف ٍ‬
‫قطر آف) بتنويف‬
‫(قطر) وىو النحاس‪ ،‬و (آف) شديد الحر"(ٗ)‪.‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬اإلتقان‪ ،‬السيوطي‪.)ٜٖٔ/ٗ( ،‬‬


‫(ٕ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)ٕٔ/ٔٗ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪ ٕ٘ٙ/ٖٔ( ،‬ػ ‪.)ٕ٘ٚ‬‬
‫(ٗ) اإلتقان‪ ،‬السيوطي‪.)ٜٔٗ/ٗ( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫خامسا‪ :‬تفسري القرآن باللغة‪:‬‬
‫المراد بالمغة‪ ،‬وتعميل الرجوع إلييا في التفسير‪:‬‬
‫أما العربية فالمراد منيا معرفة مقاصد العرب مف كبلميـ وأدب لغتيـ‪ ،‬سواء حصمت تمؾ‬
‫المعرفة بالسجية والسميقة كالمعرفة الحاصمة لمعرب الذيف نزؿ القرآف بيف ظيرانييـ‪ ،‬أـ حصمت بالتمقي‬
‫والتعمـ كالمعرفة الحاصمة لممولديف الذيف شافيوا بقية العرب‪ ،‬والمولديف الذيف درسوا عموـ المساف‬
‫ودونوىا‪.‬‬

‫كبلما عر ًبيا كانت قواعد العربية طريقًا لفيـ معانيو‪ ،‬وبدوف ذلؾ يقع الغمط‬
‫ً‬ ‫ولما كاف القرآف‬
‫وسوء الفيـ لمف ليس بعربي بالسميقة‪ ،‬ونعني بقواعد العربية‪ :‬مجموع عموـ المساف العربي‪ ،‬وىي‪ :‬متف‬
‫المغة‪ ،‬والتصريؼ والنحو‪ ،‬والمعاني والبياف‪ ،‬ومف وراء ذلؾ استعماالت العرب في كبلميا‪ ،‬ووجوه‬
‫مخاطباتيا‪.‬‬

‫ىذا ولعممي البياف والمعاني مزيد اختصاص بعمـ التفسير‪ ،‬ألنيما وسيمة إلظيار خصائص‬
‫الببلغة القرآنية‪ ،‬وما تشتمؿ عميو اآليات مف تفاصيؿ المعاني‪ ،‬واظيار وجو اإلعجاز‪.‬‬

‫عالما بالمغة؛ فقاؿ‬


‫ً‬ ‫ىذا وقد شدد السمؼ النكير عمى مف تج أر عمى التفسير دوف أف يكوف‬
‫عالما بمغات العرب‪،‬‬
‫مجاىد‪" :‬ال يحؿ ألحد يؤمف باهلل واليوـ اآلخر أف يتكمـ في كتاب اهلل إذا لـ يكف ً‬
‫وقاؿ اإلماـ مالؾ ‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬ال أُوتى برجؿ يفسر كتاب اهلل غير عالـ بمغة العرب إال جعمتو‬
‫(ٔ)‬
‫‪.‬‬ ‫نكاالً"‬

‫االستدالل عمى صحة ىذا الطريق‪:‬‬


‫درج الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنيـ‪ -‬في فيـ كثير مف معاني القرآف عمى ما عرفوه مف لغتيـ‬
‫التي نزؿ بيا القرآف‪ ،‬ووجوه مخاطباتيا‪ ،‬ولـ يكف النبي –صمى اهلل عميو وسمـ‪ -‬ينكر عمييـ ذلؾ‬
‫أحيانا عمى تقرير المعنى بشيء مف أشعار العرب‪ ،‬وعمى ىذا‬
‫ً‬ ‫التعويؿ عمى المغة؛ كما كانوا يستدلوف‬
‫السبيؿ جرى التابعوف وأتباعيـ دوف نكير‪.‬‬

‫(ٔ) البرىان‪ ،‬الزركشي‪.)ٕٜٕ/ٔ( ،‬‬


‫‪7‬‬
‫قاؿ ابف عباس ‪-‬رضي اهلل عنيما‪" :-‬التفسير عمى أربعة أوجو‪ :‬وجو تعرفو العرب مف‬
‫كبلميا‪ ،‬وتفسير ال ُيعذر أحد بجيالتو‪ ،‬وتفسير يعممو العمماء‪ ،‬وتفسير ال يعممو إال اهلل تعالى ذكره"‪ ،‬وال‬
‫يخفى أف المغة ليا مدخؿ في األنواع الثبلثة األَُوؿ‪.‬‬

‫ذكر بعض القواعد املتعلقة بتفسري القرآن باللغة‬

‫القاعدة األولى‪:‬‬

‫"في تفسير القرآن بمقتضى المغة ُيراعى المعنى األغمب واألشير واألفصح دون الشاذ أو القميل"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫لما كاف القرآف نازالً بأفصح لغات العرب وأشيرىا امتنع اإلعراض في تفسيره عف المعنى‬
‫األشير واألفصح إلى المعنى الشاذ أو النادر‪ ،‬وىذه بعض األمثمة‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬قاؿ تعالى‪ََ  :‬ل يَ ُذوقُو َن فِ َيها بَ ْر ًدا َوََل َش َرابًا ‪[ ‬النبأ‪.]ٕٗ ،‬‬
‫(ٔ)‬
‫‪ ،‬وىذا المعنى قميؿ االستعماؿ في لغة العرب‪ ،‬والمشيور في‬ ‫فسر بعضيـ البرد ىنا بالنوـ‬
‫َّ‬
‫معنى البرد أنو ما ُيبرد حر الجسـ‪ ،‬فبل ُيعدؿ عنو إلى األوؿ‪.‬‬
‫قاؿ ابف جرير‪" :‬والنوـ واف كاف يبرد غميؿ العطش‪ ،‬فقيؿ لو مف أجؿ ذلؾ البرد فميس ىو‬
‫باسمو المعروؼ‪ ،‬وتأويؿ كتاب اهلل عمى األغمب مف معروؼ كبلـ العرب دوف غيره"(ٕ)‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬قاؿ تعالى عف التابوت‪ :‬تَ ْح ِمَُّوُ ال َْم ََلئِ َكةُ‪[ ‬البقرة ‪.]ٕٗٛ:‬‬
‫قاؿ بعض المفسريف‪ :‬أي أف المبلئكة تسوؽ الدواب التي تحممو‪ ،‬وقاؿ آخروف‪ :‬تحممو المبلئكة‬
‫بيف السماء واألرض حتى تضعو بيف أظيرىـ‪ ،‬وقاؿ ابف جرير‪" :‬وأولى القوليف في ذلؾ بالصواب‪ ،‬قوؿ‬
‫قائما بيف أظير بني إسرائيؿ‪ ،‬وذلؾ أف‬
‫مف قاؿ‪ :‬حممت التابوت المبلئكة حتى وضعتو في دار طالوت ً‬
‫اهلل ‪-‬تعالى ذكره‪ -‬قاؿ‪( :‬تحممو المبلئكة) ولـ يقؿ‪ :‬تأتي بو المبلئكة‪ ،‬ألف (الحمؿ) المعروؼ ىو‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬الطبري‪ ،)ٕٔ/ٖٓ( ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ابف عاشور‪.)ٖٚ/ٖٓ( ،‬‬
‫(ٕ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)ٖٔ/ٖٓ( ،‬‬
‫‪8‬‬
‫جائز في المغة أف ُيقاؿ‪َ ( :‬ح َممَوُ)‬
‫مباشرة الحامؿ بنفسو حمؿ ما حمؿ‪ ،‬فأما ما حممو عمى غيره واف كاف ًا‬
‫بمعنى‪ :‬معونتو الحامؿ وبأف حممو كاف عف سببو‪ ،‬فميس سبيمو سبيؿ ما باشر حممو بنفسو في تعارؼ‬
‫الناس إياه بينيـ وتوجيو تأويؿ القرآف إلى األشير مف المغات أولى مف توجييو إلى األنكر ما وجد إلى‬
‫ذلؾ سبيؿ"(ٔ)‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪:‬‬

‫"قد يتجاذب المفظة الواحدة المعنى واإلعراب فيتمسك بصحة المعنى ويؤول لصحتو اإلعراب"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫يحصؿ في بعض المواضع أف المعنى يدعو إلى أمر واإلعراب يمنع منو‪ ،‬ففي مثؿ ىذه‬
‫وينظر في تقرير اإلعراب بطريقة تتناسب مع المعنى‬
‫الحاؿ يتمسؾ بصحة المعنى ألنو األصؿ ُ‬
‫الصحيح‪ ،‬واف كاف اإلعراب الذي قررناه عمى خبلؼ المتبادر أو األولى‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬قاؿ تعالى‪ :‬إنو عمى رجعو لقادر * يوم تبمى السرائر‪[ ‬الطارؽ‪.]ٕ ،ٔ :‬‬
‫فالظرؼ الذي ىو (يوـ) إذا نظرنا إلى المعنى فإنو يقتضي أف يتعمؽ بالمصدر الذي ىو‬
‫(رجع) فيصير المعنى‪ :‬إنو عمى رجعو في ذلؾ اليوـ لقادر‪ ،‬إال أف اإلعراب يعارض ىذا التفسير؛‬
‫وذلؾ ألنو ال يجوز الفصؿ بيف المصدر (وىو ىنا‪ :‬رجع) وبيف معمولو (وىو ىنا‪ :‬يوـ) بأجنبي‪،‬‬
‫مقدر دؿ عميو المصدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬يرجعو يوـ‪.‬‬
‫فعبل ًا‬
‫فيجعؿ في ىذه الحالة العامؿ فيو ً‬
‫ُ‬

‫اْليم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٕ‪ -‬قاؿ تعالى‪ :‬لَم ْق ُ َّ ِ‬


‫ان فَ تَ ْك ُف ُرو َن‪[ ‬غافر‪.]۰۱ :‬‬ ‫س ُك ْم إِ ْْ تُ ْدعَ ْو َن إِلَى ِْ َ‬
‫ت ال و أَ ْكبَ ُر م ْن َم ْقت ُك ْم أَنْ ُف َ‬ ‫َ‬
‫فالمعنى يقتضي تعمػؽ (إذ) بالمقت‪ ،‬واإلعراب يمنع مف ذلؾ ألنو يؤدي إلى الفصؿ بيف‬
‫فعبل يدؿ عميو المقت‪ ،‬والتقدير‪ :‬يمقتكـ إذ‬
‫المصدر ومعمولو بالخبر وىو ممتنع فبل بد أف ُنقدر لو ً‬
‫تدعوف‪.‬‬

‫مبلحظة‪ :‬العامؿ في المغة ىو المؤثر‪ ،‬وفي اصطبلح النحوييف‪ :‬ما أوجب كوف آخر الكممة‬
‫عمى وجو مخصوص مف اإلعراب‪ ،‬والمعموؿ في المغة‪ :‬المتأثر‪ ،‬وفي اصطبلح النحوييف‪ :‬ما وجد فيو‬

‫(ٔ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)ٖٖٙ/٘(،‬‬


‫‪9‬‬
‫محبل‪ ،‬والعوامؿ المفظية ىي الفعؿ وشبيو (مف اسـ الفاعؿ‪ ،‬واسـ‬
‫ً‬ ‫تقدير أو‬
‫ًا‬ ‫أثر العامؿ لفظًا أو‬
‫المفعوؿ‪ ،‬والصفة المشبية‪ ،‬والمصدر)‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪:‬‬

‫"تحمل نصوص الكتاب عمى معيود األمين في الخطاب"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫لقد أنزؿ اهلل القرآف بمغة العرب وىذا يعني أنو جار في ألفاظو ومعانيو‪ ،‬وأساليبو عمى لساف‬
‫العرب‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬إِنَّا َج َعَّْنَاهُ قُ ْرآنًا َع َربِيِّا‪[ ‬الزخرؼ‪ ،]ٖ :‬وكاف نزولو عمى أفصح العرب وىو الرسوؿ‬
‫–صمى اهلل عميو وسمـ‪ ، -‬والذيف بعث فييـ ىـ أىؿ ذلؾ المساف‪ ،‬فجرى الخطاب بالقرآف عمى معتادىـ‬
‫في لسانيـ‪ ،‬ومف ثـ فإنو ال يصح أف ُيفيـ كتاب اهلل تعالى إال مف الطريؽ الذي نزؿ عميو‪ ،‬وىو اعتبار‬
‫لغة العرب في ألفاظيا ومعانييا وأساليبيا(ٔ)‪ ،‬إضافة إلى معرفة معيود األمييف في الخطاب‪.‬‬

‫وبناء عمى ما سبؽ نقوؿ‪ :‬إف الشريعة ال تحتاج في فيميا وتعرؼ أوامرىا ونواىييا إلى‬
‫ً‬
‫التغمغؿ في العموـ الكونية والرياضية‪ ،‬وما إلى ذلؾ‪ ،‬وذلؾ ألمريف‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬أف الذيف تمقوىا وخوطبوا بيا كانوا مف األمييف كما سبؽ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أنيا لو لـ تكف كذلؾ لما وسعت جميور الخمؽ مف عرب وغيرىـ‪ ،‬وذلؾ أنو يصعب‬
‫عمى جميور الخمؽ االمتثاؿ ألوامرىا ونواىييا المحتاجة إلى وسائؿ عممية لفيميا أوًال‪ ،‬ثـ تطبيقيا‬
‫ثانيا‪ ،‬وكبلىما غير ميسور لجميور الناس المرسؿ إلييـ‪.‬‬
‫ً‬

‫وىذا كمو فيما يتعمؽ بأحكاـ التكميؼ‪ ،‬ذلؾ أنو عاـ لمجميع‪ ،‬ويجب أف يفيمو كؿ مكمؼ ليمكف‬
‫االمتثاؿ‪ ،‬أما ِ‬
‫الع َبر والمعاني الدقيقة فيي متفاوتة‪ ،‬فمنيا ما يدؽ فيمو عمى الجميور وبو يتفاضؿ‬
‫الناس‪ ،‬ومنيا ما ال يكوف كذلؾ‪ ،‬وأنت إذا تأممت الخطابات المتعمقة بعموـ المكمفيف تجدىا سيمة‬
‫واضحة ال غموض فييا‪ ،‬فاهلل تعالى حينما ذكر دالئؿ التوحيد لفت األنظار إلى أمور يعرفيا الجميع‬
‫كالسماء واألرض والجباؿ والسحاب والنبات‪ ،‬وكذلؾ فيما أخبر بو مف نعيـ الجنة فإنو ذكر أصنافًا‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،)ٕٜٖ/ٕ( ،‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬الطبري‪ ٙٗ/ٕ(،‬ػ ‪.)ٙٙ‬‬
‫‪10‬‬
‫ض ٍ‬
‫ود‬ ‫ْح َم ْن ُ‬ ‫ض ٍ‬
‫ود * َوطََّ ٍ‬ ‫اب الْيَ ِمي ِن * فِي ِس ْد ٍر َم َْخ ُ‬ ‫اب الْيَ ِمي ِن َما أ ْ‬
‫َص َح ُ‬ ‫معيودة لدييـ في الدنيا كقولو تعالى‪َ  :‬وأ ْ‬
‫َص َح ُ‬
‫* و ِظ ٍّل مم ُد ٍ‬
‫ود‪[ ‬الواقعة‪ ،]ٖٓ-ٕٚ :‬وىكذا في المواضع األخرى مف القرآف حيث ذكر الماء‪ ،‬والمبف‪،‬‬ ‫َ َْ‬
‫والخمر‪ ،‬والعسؿ‪ ،‬والنخيؿ واألعناب‪ ،‬ولـ يذكر ما ال عيد ليـ بو كالموز والجوز والكمثرى‪ ،‬والتفاح‬
‫ونحو ذلؾ مما يزرع في غير ببلد العرب‪ ،‬وىكذا لما لفت أنظارىـ إلى عظيـ خمقو في الحيواف أمرىـ‬
‫بالنظر إلى اإلبؿ‪ ،‬ولـ يذكر الفيؿ وىو أعظـ خمقًا منيا‪ ،‬وذلؾ لما ذكرنا‪ ،‬واهلل أعمـ(ٔ)‪.‬‬

‫ذكر بعض األمور التي تبنى عمى ما سبق‪:‬‬


‫ٔ‪ -‬ظيور غمط مف تجاوز في دعواه فأضاؼ إلى القرآف كؿ عمـ ُيذكر لممتقدميف أو المتأخريف مف‬
‫عموـ الطبيعيات والرياضيات واليندسة والمنطؽ وعمـ الحروؼ وأشباه ذلؾ(ٕ)‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬يجب االقتصار في فيـ القرآف عمى كؿ ما يضاؼ عممو إلى العرب خاصة‪ ،‬فبذلؾ يوصؿ إلى‬
‫عمـ ما أودع فيو مف األحكاـ الشرعية‪ ،‬فمف طمبو بغير ما ىو أداة لػو ضػػؿ عف فيمو(ٖ)‪.‬‬

‫ٖ‪ -‬ما قالو الشاطبي –رحمو اهلل‪ -‬مف أنو البد في فيـ الشريعة مف اتباع معيود األمييف في الخطاب‪،‬‬
‫فإف كاف لمعرب في لسانيـ عرؼ مستمر فبل يصح العدوؿ عنو في فيـ الشريعة واف لـ يكف ثََّـ ُعرؼ‬
‫فبل يصح أف ُيجرى في فيميا عمى ما ال تعرفو وىذا ٍ‬
‫جار في المعاني واأللفاظ واألساليب‪ ،‬فمف ذلؾ‬
‫بعيدا عف التكمؼ والتصنع‪ ،‬ولذلؾ إذا اشتغؿ الشاعر العربي بالتنقيح‬
‫مثبل أف العرب كانت تمقي الكبلـ ً‬
‫ً‬
‫اختمفوا في األخذ عنو‪ ،‬وقد كاف األصمعي يعيب الحطيئة‪ ،‬واعتذر عف ذلؾ بأف قاؿ‪ :‬وجدت شعره كمو‬
‫جيدا‪ ،‬فدلني عمى أنو كاف يصنعو‪ ،‬وليس ىكذا الشاعر المطبوع‪ ،‬إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي‬
‫ً‬
‫الكبلـ عمى عواىنو‪.)ٗ(...‬‬

‫عاما لجميع العرب‪ ،‬فبل يتكمؼ فيو فوؽ ما يقدروف‬


‫ٗ‪-‬أنو إنما يصح في مسمؾ اإلفياـ والفيـ ما يكوف ً‬
‫خاصا ألناس خاصة‪ ،‬فذاؾ كالكنايات‬
‫ً‬ ‫أمر‬
‫عميو بحسب األلفاظ والمعاني‪ ،‬الميـ إال أف يقصدوا ًا‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٚٛ/ٕ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪.)ٜٚ/ٕ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪.)ٛٔ/ٕ( ،‬‬
‫(ٗ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪ ٕٛ/ٕ( ،‬ػ ٘‪.)ٛ‬‬
‫‪11‬‬
‫خارجا عف‬ ‫الغامضة‪ ،‬والرموز البعيدة‪ ،‬التي تخفى عف الجميور‪ ،‬وال تخفى عمف قُ ِ‬
‫صد بيا‪ ،‬واال كاف‬
‫ً‬
‫حكـ معيودىا(ٔ)‪.‬‬

‫٘‪ -‬ينبغي أف يكوف االعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب ىو المقصود األعظـ‪ ،‬بناء عمى أف العرب‬
‫إنما كانت عنايتيا بالمعاني‪ ،‬وانما أصمحت األلفاظ مف أجميا(ٕ)‪.‬‬

‫‪ُ -ٙ‬يراعى عند تقرير وبياف اآليات الدالة عمى العقائد واألحكاـ األسموب السيؿ والبعد عف الدخوؿ في‬
‫المضايؽ الصعبة‪ ،‬والعبارات المعقدة‪.‬‬

‫ألف ىذه األمور تخالؼ منيج القرآف مف جية‪ ،‬كما تخالؼ مقاصده مف جية أخرى ألنو نزؿ‬
‫إلصبلح البشرية‪ ،‬وتيذيب الخمؽ عربيـ وعجميـ‪ ،‬حضرىـ وباديتيـ‪ ،‬ولذلؾ تجد أف القرآف حينما ُيذكر‬
‫الناس بآالء اهلل ال يذكرىـ إال بما تتسع لو عقوليـ‪ ،‬وتحيط بو مداركيـ دوف الخوض في التفاصيؿ‬
‫الدقيقة والتحقيقات النادرة‪.‬‬

‫تعرض القرآف ألسماء اهلل وصفاتو ذكرىا بطريقة سيمة وواضحة‪ ،‬يدركيا جميع البشر‬
‫وحينما َّ‬
‫بفطرتيـ‪ ،‬وبمداركيـ التي أودعت في أصؿ خمقتيـ مف دوف حاجة إلى الفمسفة أو المنطؽ‪.‬‬

‫وكذلؾ األمر بالنسبة لؤلمور العممية حيث نجد أنو حدد مواقيتيا مثبلً بأمور ميسورة لكؿ أحد‪،‬‬
‫جميعا‪ ،‬كالظبلؿ والشمس حاؿ زواليا أو غروبيا‪ ،‬وطموع‬
‫ً‬ ‫فعرؼ أوقات الصموات بأمور مشاىدة لمناس‬
‫َّ‬
‫الشفؽ وغروبو(ٖ)‪.‬‬

‫اليسر والوضوح إلى‬


‫فإذا تصدى أحد لتفسير كتاب اهلل ‪-‬عز وجؿ‪ -‬فبل يسوغ لو أف ُيحوؿ ىذا ُ‬
‫حوؿ‬
‫ُعسر وغموض‪ ،‬فيوىـ السامع أف معرفة معاني القرآف أمر بعيد المناؿ‪ ،‬كما ال يسوغ ألحد أف ُي ّ‬
‫مثبل‪ -‬إلى قضايا فمسفية‪ ،‬ومف‬
‫القضايا التي تحدث عنيا القرآف بطريقة واضحة‪ -‬كاألسماء والصفات ً‬
‫لـ يقو عمى ما ذكرت فميعتزؿ االشتغاؿ بالتفسير فميس لو بأىؿ‪.‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٛ٘/ٕ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪.)ٛٚ/ٕ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪ ٛٛ/ٕ( ،‬ػ ٓ‪.)ٜ‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -ٚ‬مما يبنى عمى كوف القرآف عر ًبيا كما سبؽ أف ال يتكمـ عمى معانيو وال يستنبط منو إال مف كاف‬
‫بالغا فيو مبالغ العرب في فيـ ومعرفة العربية(ٔ)‪ ،‬وما‬
‫عر ًبيا أو كالعربي في كونو عارفًا بمساف العرب‪ً ،‬‬
‫دخؿ كثير مف البدع عمى المسمميف إال عف طريؽ العجمة‪ ،‬وليذا قاؿ الحسف ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬عف أىؿ‬
‫البدع‪" :‬أىمكتيـ العجمة"(ٕ)‪.‬‬

‫متأىبل بمعرفة كبلـ العرب ووجوه مخاطباتيـ‪ ،‬كانت‬


‫ً‬ ‫‪-ٛ‬مف تعرض لمخوض في التفسير و لـ يكف‬
‫موافقتو لمصواب ‪-‬إف وافقو مف حيث ال يعرفو‪ -‬غير محمودة واهلل أعمـ‪ ،‬وكاف بخطئو غير معذور إذا‬
‫ما نطؽ فيما ال ُيحيط عممو بالفرؽ بيف الخطأ والصواب فيو(ٖ)‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬

‫ان‪[ ‬المائدة‪ ،]ٙٗ :‬وقاؿ‪ :‬لِ َما َخََّ ْق ُ‬


‫ت بِيَ َدي‪[ ‬ص‪ ،]ٚ٘ :‬وما‬ ‫قاؿ اهلل تعالى‪ :‬بل ي َداهُ مبسوطَتَ ِ‬
‫َ ْ َ َْ ُ‬
‫شابو ذلؾ مف النصوص‪ ،‬فإف أىؿ البدع حرفوا معانييا‪ ،‬وتأولوىا عمى غير تأويميا فضموا في ىذا‬
‫الباب‪ ،‬حيث زعموا أف اليد ىنا بمعنى النعمة‪ ،‬وىذا باطؿ ببل ريب‪ ،‬قاؿ األشعري في اإلبانة" "وليس‬
‫يجوز في لساف العرب وال في عادة أىؿ الخطاب أف يقوؿ القائؿ ‪ :‬عممت كذا بيدي ويعني بو النعمة‪،‬‬
‫مفيوما في كبلميا ومعقوًال في خطابيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫واذا كاف اهلل ‪-‬عز وجؿ‪ -‬إنما خاطب العرب بمغتيا وما يجري‬
‫وكاف ال يجوز في لساف أىؿ البياف أف يقوؿ القائؿ‪ :‬فعمت بيدي ويعني النعمة بطؿ أف يكوف معنى‬
‫قولو عز وجؿ وبيدي النعمة‪ ،‬وذلؾ أنو ال يجوز أف يقوؿ القائؿ‪ :‬لي عميو يد بمعنى‪ :‬لي عميو نعمة"‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة‪:‬‬

‫"كل معنى مستنبط من القرآن غير جار عمى المسان العربي فميس من عموم القرآن في شيء"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫ىذه قاعدة عظيمة‪ ،‬مبناىا عمى أف ىذا القرآف نزؿ بمغة العرب‪ ،‬وعميو فإنو ُيسمؾ في فيمو‬
‫واستنباط المعاني منو مسمؾ العرب في فيميـ واستنباطيـ‪ ،‬وىذه القاعدة مترتبة عمى القاعدة السابقة‪،‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪.)ٕٜٚ/ٕ( ،‬‬


‫(ٕ) التاريخ الكبير‪ ،‬البخاري‪ ،)ٜٖ/٘( ،‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪.)ٕٜٜ/ٕ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬الرسالة‪ ،‬الشافعي‪ ،‬صٖ٘‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وناتجة عنيا‪ ،‬وبيا تبطؿ تفسيرات المبلحدة والزنادقة‪ ،‬والعقائد الكبلمية المخالفة لعقيدة السمؼ‪،‬‬
‫وتأويبلت الباطنية والتفسيرات اإلشارية الصوفية‪ ،‬باإلضافة إلى دفع بعض اليوس الفقيي‪ ،‬والذي يظف‬
‫قائمو أف القرآف داؿ عميو‪ ،‬والتكينات المبنية عمى (حساب ال ُج َّمؿ) والتي ُيعمقيا أىميا بالحروؼ‬
‫المقطعة‪ ،‬كما تأتي ىذه القاعدة عمى تكمفات غريبة تذكر في أسرار الرسـ العثماني‪ ،‬إلى غير ذلؾ مف‬
‫اإلفؾ المتراكـ والذي َّ‬
‫يدعي ذووه أنو مف العموـ الصحيحة التي دؿ عمييا كتاب اهلل تعالى‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫أ‪ -‬نماذج من عبث بعض المالحدة(‪:)1‬‬
‫ٔ‪-‬ما ادعاه مف ال خبلؽ لو مف أنو مسمى في القرآف كبياف بف سمعاف رأس الطائفة البيانية‪ ،‬حيث‬
‫َّاس‪[ ‬آؿ عمراف‪ ،]۰۳۱ :‬وذلؾ اآلخر الذي تسمى بػ ( ِ‬
‫الك ْسؼ)‬ ‫زعـ أنو المراد بقولو تعالى‪َ  :‬ى َذا بَيَا ٌن لَِّن ِ‬
‫الس َم ِاء َساقِطًا‪[ ‬الطور‪.]ٗٗ :‬‬
‫ثـ زعـ أنو المراد بقولو‪َ  :‬وإِ ْن يَ َرْوا كِ ْس ًفا ِم َن َّ‬

‫ٕ‪-‬كاف لعبيد اهلل الشيعي الممقب ب(الميدي) ‪-‬حيف ممؾ إفريقية ‪ -‬صاحباف مف كتامة ينتصر بيما‬
‫عمى أمره‪ ،‬وقد أسمى أحدىما بػ)نصر اهلل)‪ ،‬واآلخر ب)الفتح(‪ ،‬فكاف يقوؿ ليما أنتما المذاف ذكركما اهلل‬

‫في كتابو فقاؿ ‪:‬إ َْا َجاءَ نَ ْ‬


‫ِ‬
‫ص ُر ال َّو َوالْ َف ْت ُ‬
‫ح‪[ ‬النصر ‪.]ٔ:‬‬

‫ب ‪ -‬نماذج من الشطحات الفقيية التي يزعم قائميا أنو أخذىا من القرآن(‪:)2‬‬


‫مستدال عمى ذلؾ بقولو تعالى‪ :‬فَانْ ِك ُحوا‬
‫ً‬ ‫ٔ‪ -‬ما ادعاه بعضيـ مف جواز تزوج الرجؿ تسع نسوة حرائر‪،‬‬
‫اع‪[ ‬النساء ‪.]ٖ:‬‬ ‫ّْس ِاء َمثْ نَى َوثََُل َ‬
‫ث َوُربَ َ‬
‫ِ‬
‫اب لَ ُك ْم م َن الن َ‬
‫َما طَ َ‬

‫ت َعََّي ُكم الْميتةُ والدَّم ولَحم ال ِ‬ ‫ِ‬


‫َْخ ْن ِزير‪‬‬ ‫ٕ ‪-‬زعـ بعضيـ حؿ شحـ الخنزير‪ ،‬واستدؿ لذلؾ بقولو تعالى‪ُ :‬ح ّْرَم ْ ْ ُ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ‬
‫عمما بأف المحـ إذا أطمؽ في المغة فإنو يشمؿ الشحـ‪.‬‬
‫[المائدة ‪ ، ]۳:‬قاؿ‪ :‬فمـ ينص عمى غير المحـ‪ً ،‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،)ٖٜٕ ،ٖٜٔ/ٖ( ،‬االعتصام‪ ،)ٖٕٓ/ٕ( ،‬لمشاطبي‪.‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬الموافقات‪.)ٖٜٕ ،ٖٜٔ/ٖ( ،‬‬
‫‪14‬‬
‫جـ ‪-‬نماذج من لي أعناق النصوص لتوافق عقيدة معينة(‪:)1‬‬
‫ٔ‪ -‬يذىب البعض إلى القوؿ بعصمة األنبياء مف المعاصي‪ ،‬وحينما واجيتيـ بعض النصوص الدالة‬
‫آد ُم َربَّوُ فَ غَ َوى ‪[ ‬طو ‪،]۰۲۰:‬‬ ‫عمى خبلؼ مذىبيـ عمدوا إلى تحريفيا‪ ،‬فمف ذلؾ قولو تعالى‪َ :‬و َع َ‬
‫صى َ‬
‫تخـ مف أكؿ الشجرة‪ ،‬مف قوؿ العرب‪ :‬غوي الفصيؿ يغوى غوى إذا بشـ مف شرب المبف‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬معناه‪ِ :‬‬

‫ىكذا قالوا مع أف مادة الفعميف مختمفة‪ ،‬فػ (غوي الفصيؿ) عمى وزف (فَ ِع َؿ)‪ ،‬وىو يدؿ عمى‬
‫فساد في الشيء‪ ،‬و(غوى) الواردة في اآلية عمى وزف (فَ َع َؿ)‪ ،‬وىو يدؿ عمى خبلؼ الرشد والجيؿ‬
‫باألمر‪.‬‬

‫ٖ ‪-‬عمد بعض المتكمميف مف الذيف ينفوف صفة المحبة عف اهلل تعالى إلى قولو تعالى‪َ  :‬واتَّ ََخ َذ ال َّوُ‬
‫الخمة)‬‫فقير إلى رحمتو‪ ،‬وال يخفى عميؾ الفرؽ بيف ) ُ‬ ‫يم َخَِّيل‪[ ‬النساء‪ ،]ٕٔ٘ :‬فقاؿ‪ :‬ىو بمعنى‪ً :‬ا‬ ‫ِ ِ‬
‫إبْ َراى َ‬
‫الخمة) وىي الفقر والحاجة‪.‬‬
‫وىي الصداقة والمحبة‪ ،‬و( َ‬

‫ج‪ -‬نماذج من التفسيرات الباطنية(‪:)2‬‬


‫كثير مف األلفاظ الشرعية الواردة في القرآف بتفسيرات أبعد ما تكوف عف مراد‬
‫فسر أىؿ الباطف ًا‬
‫الغسؿ) عندىـ‪ :‬تجديد العيد عمى مف فعؿ ذلؾ‪ ،‬و(الطيور)‪ :‬التبري والتنظؼ مف‬
‫اهلل عز وجؿ‪ ،‬فػ ( ُ‬
‫اعتقاد كؿ مذىب سوى متابعة اإلماـ‪ ،‬و(التيمـ)‪ :‬األخذ مف المأذوف إلى أف يشاىد الداعي أو اإلماـ‪،‬‬
‫و)الصياـ) ‪:‬اإلمساؾ عف كشؼ السر‪ ،‬و)الكعبة)‪ :‬النبي‪ ،‬و)الباب)‪ :‬عمي‪ ،‬و(الصفا (‪ :‬النبي‪،‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫و(المروة (‪:‬عمي‪ ،‬وغير ذلؾ كثير ً‬

‫ىـ ‪ -‬نماذج من التفسيرات اإلشارية(‪:)3‬‬


‫صحيحا في ذاتو بحيث دلت عميو أدلة مف الكتاب‬
‫ً‬ ‫المعاني اإلشارية التي تذكر منيا ما يكوف‬
‫أصبل‪.‬‬
‫أو السنة‪ ،‬لكف اآلية التي ذكر تحتيا ال تدؿ عميو‪ ،‬ومنو ما ىو باطؿ ً‬

‫فمف أمثمة التفسير اإلشاري‪:‬‬


‫ِ‬
‫ٔ‪ -‬فسر بعضيـ قولو تعالى‪ :‬فَ ََل تَ ْج َعَُّوا ل َّ ِو أَنْ َد ً‬
‫ادا َوأَنْ تُ ْم تَ ْعََّ ُمون ‪[ ‬البقرة‪ ،]ٕٕ :‬بالنفس األمارة بالسوء‪.‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٖٜٖ/ٖ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪.)ٖٜ٘ ،ٖٜٗ/ٖ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬المصدر نفسو‪ ٖٜٚ ،ٖٜٙ/ٖ( ،‬ػ ٖٓٗ)‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ض َع لَِّنَّاس‪ [ ‬آؿ عمراف ‪ ،]:‬فسره بعضيـ بقولو‪" :‬باطف البيت قمب‬
‫توِ‬‫ٍ‬
‫ٕ‪ -‬في قولو تعالى‪ :‬إِ َّن أ ََّو َل بَ ْي ُ‬
‫محمد يؤمف بو مف أثبت اهلل في قمبو التوحيد واقتدى بيدايتو‪.‬‬

‫قاؿ الشاطبي‪" :‬وىذا التفسير يحتاج إلى بياف‪ ،‬فإف ىذا المعنى ال تعرفو العرب‪ ،‬وال فيو مف‬
‫جيتيا وضع مجازي مناسب‪ ،‬وال يبلئمو مساؽ بحاؿ"‪.‬‬

‫و ‪ -‬نماذج من التكينات حول ما يسمى ب (حساب الجمل)‪:‬‬


‫ىذا النوع مف الحساب مف العموـ المنسوبة لمييود‪ ،‬وقد تكمؼ بعض الناس فجعؿ الحروؼ‬
‫المقطعة الواردة في فواتح بعض السور دالة عمى مدة بقاء ىذه األمة‪.‬‬
‫قاؿ الشاطبي‪" :‬وىو قوؿ يفتقر إلى أف العرب كانت تعيد في استعماليا الحروؼ المقطعة‪ ،‬أف‬
‫تدؿ بيا عمى أعدادىا وربما ال يوجد مثؿ ىذا ليا البتة‪ ،‬وانما كاف أصمو في الييود"(‪.)1‬‬

‫كما زعموا أنيا دالة عمى أمور وأحواؿ الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأنيا مجمؿ كؿ مفصؿ وعنصر كؿ‬
‫موجود‪.‬‬

‫ز ‪ -‬نماذج من االدعاءات الباطمة الموسومة بـ أسرار الرسم العثماني(ٕ)‪:‬‬

‫ٔ‪ -‬تعميؿ بعضيـ زيادة األلؼ في أوؿ الكممة في نحو‪َْ  :‬لَ ْْبَ َحنَّو‪[ ‬النمؿ‪ ،]۲۰ :‬وقولو‪َ  :‬وَْل َْو َ‬
‫ضعُوا‬
‫ِخ ََللَ ُك ْم‪[ ‬التوبة‪ ،]ٗٚ :‬قالوا‪ :‬زيدت األلؼ تنبييًا عمى أف المؤخر أشد في الوجود مف المقدـ عميو‬
‫ظا‪ ،‬فالذبح أشد مف العذاب‪ ،‬واإليضاع وىو بذؿ الجيد إليقاع التخاذؿ والخوؼ بيف رجاؿ الجيش‪،‬‬
‫لف ً‬
‫إفسادا مف زيادة الخباؿ‪ ،‬وىو الفساد والضر الذي يؤدي إلى فساد الجيش واختبلؿ نظامو‪.‬‬
‫ً‬ ‫أشد‬

‫الزبَانِيَة‪[ ‬العمؽ‪ ،]ٔٛ :‬قالوا‪ :‬حذفت الواو مف (سندع) ألف فيو سرعة الفعؿ‬
‫ٕ‪ -‬في قولو تعالى‪َ  :‬سنَ ْدعُ َّ‬
‫واجابة الزبانية‪ ،‬وقوة البطش‪.‬‬

‫(ٔ) الموافقات‪.)ٖٜٚ ،ٖٜٙ/ٖ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬البرىان في عموم القرآن‪ ،‬الزركشي‪ ٖٛٓ/ٔ( ،‬ػ ٖٓٗ)‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫القاعدة الخامسة‪:‬‬

‫"ال يجوز حمل ألفاظ الكتاب عمى اصطالح حادث"‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫ىذه القاعدة ليا تعمؽ بقاعدة‪" :‬تحمؿ نصوص الكتاب عمى معيود األمييف في الخطاب"‪.‬‬
‫والمقصود بالقاعدة‪ :‬أف بعض األلفاظ الواردة في القرآف ذات داللة عمى معنى تعارؼ عميو‬
‫أىؿ العصر الذي نزؿ فيو القرآف‪ ،‬ثـ تعارؼ الناس بعد ذلؾ العصر عمى معنى آخر صار ىو مدلوؿ‬
‫تمؾ المفظة‪ ،‬فبل يسوغ لمواحد مف ىؤالء أو مف غيرىـ أف يحمؿ تمؾ المفظة القرآنية عمى المعنى الذي‬
‫ُوجد عند المتأخريف‪ ،‬وانما تفسر بما كاف متعارفًا لدى الجيؿ األوؿ‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫مف أمثمة ىذه القاعدة‪ :‬أف لفظة (التأويؿ) معناىا عند السمؼ التفسير‪ ،‬والعاقبة والمآؿ‪ ،‬وعند‬
‫المتأخريف‪ :‬صرؼ المفظ مف معناه الراجح إلى معنى مرجوح بقرينة‪ ،‬فإذا أردنا تفسير ىذه المفظة في‬
‫كتاب اهلل فإننا نحمميا عمى معانييا المعروفة لدى السمؼ‪.‬‬

‫تماما لممعنى‬
‫ً‬ ‫وىكذا بعض األلفاظ نحو‪( :‬الحكمة) حيث إف معناىا عند السمؼ مغاير‬
‫المتعارؼ عند بعض المتأخريف‪ ،‬فيي عند السمؼ‪ :‬وضع الشيء في موضعو‪ ،‬وعند بعض المتأخريف‬
‫بمعنى‪ :‬الفمسفة‪.‬‬

‫ومف ذلؾ لفظ (المدينة والقرية)‪ ،‬حيث إنيما في القرآف بمعنى واحد‪ ،‬بينما تعارؼ المتأخروف‬
‫عمى أف المدينة ىي البمدة ذات العمراف الواسع‪ ،‬فإذا كانت صغيرة فيي القرية‪ ،‬ومف ذلؾ لفظ‬
‫(الصدقة) فيي في لغة القرآف وما تعارؼ عميو السمؼ تشمؿ الزكاة الواجبة وصدقة التطوع‪ ،‬واشتير‬
‫عند بعض المتأخريف إطبلؽ الصدقة عمى ما كاف مف قبيؿ التطوع‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫القاعدة السادسة‪:‬‬

‫سمَك بو في االستنباط واالستدالل مسمك العرب في تقرير معانييا"‬


‫"القرآن عربي فَ ُي ْ‬

‫توضيح القاعدة‪:‬‬
‫ىذه القاعدة مرتبطة مع قاعدة‪" :‬تحمؿ نصوص الكتاب عمى معيود األمييف في الخطاب"‪،‬‬
‫وقاعدتنا ىذه تُعنى بموضوع أخص مف موضوع القاعدة السابقة‪ ،‬فالقاعدة تمؾ تدور حوؿ ضرورة‬
‫تعامبل يبعد عف التكمؼ‪ ،‬بتحميؿ النصوص ما ال تحتمؿ‪ ،‬وتنزيميا عمى طرائؽ‬
‫ً‬ ‫التعامؿ مع النصوص‬
‫في الفيـ ال عيد لمعرب بيا‪ ،‬فيحصؿ بسبب ذلؾ الضبلؿ واالنحراؼ‪.‬‬

‫أما ىذه القاعدة فالمقصود منيا أف يكوف المفسر ذا دراية بأوضاع الكبلـ العربي وخصائصو‪،‬‬
‫حيث إف العرب تخاطب بالعاـ ُيراد بو ظاىره‪ ،‬وبالعاـ يراد بو العاـ في وجو والخاص في وجو‪ ،‬وبالعاـ‬
‫ُيراد بو الخاص‪ ،‬وبالظاىر ُيراد بو غير الظاىر‪ ،‬وكؿ ذلؾ ُيعرؼ مف أوؿ الكبلـ أو وسطو أو آخره‪،‬‬
‫كما تسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة والعكس‪ ،‬إلى غير ذلؾ مما ىو معروؼ في لغتيا(ٔ)‪.‬‬

‫فمف غفؿ عف ذلؾ وأخذ أدلة القرآف عمى مجرد ما يعطيو العقؿ فييا دوف مراعاة أوضاع المغة‬
‫زؿ فيمو وجانب الصواب(ٕ)‪.‬‬

‫وخبلصة القوؿ في الفرؽ بيف القاعدتيف‪ :‬أف القاعدة السابقة تدفع تكمؼ ما ال مدخؿ لو في‬
‫فيـ القرآف بحيث ال تكوف الوسائؿ في فيمو أجنبية عف لغتو‪ ،‬وىذه القاعدة تنعي عمى المقصريف‬
‫تقصيرىـ في معرفة أوضاع المغة‪.‬‬

‫التطبيق‪:‬‬
‫ِ‬
‫ٔ‪ -‬قاؿ تعالى‪َ  :‬حتَّى إَِْا بَََّ َغ أَ ُشدَّهُ َوبَََّ َغ أ َْربَع َ‬
‫ين َسنَةً‪[ ‬األحقاؼ‪.]ٔ٘ :‬‬
‫اختمؼ المفسروف في مبمغ حد األشد مف السنيف‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬ىو ثبلث وثبلثوف سنة‪ ،‬وقاؿ‬
‫آخروف‪ :‬ىو بموغ الحمـ‪.‬‬

‫(ٔ) ينظر‪ :‬الرسالة‪ ،‬الشافعي‪ ،‬صٕ٘‪ ،‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ،)ٙٙ ،ٙ٘/ٕ( ،‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪.)ٕٜٗ/ٕ( ،‬‬
‫(ٕ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٙٗ/ٕ( ،‬‬
‫‪18‬‬
‫قاؿ ابف جرير ‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬وقد بينا فيما مضى األشد جمع شد‪ ،‬وأنو تناىي قوتو و استوائو‪،‬‬
‫واذا كاف ذلؾ كذلؾ كاف الثبلث والثبلثوف بو أشبو مف الحمـ‪ ،‬ألف المرء ال يبمغ في حاؿ حممو كماؿ‬
‫قواه ونياية شدتو‪ ،‬فإف العرب إذا ذكرت مثؿ ىذا مف الكبلـ‪ ،‬فعطفت ببعض عمى بعض جعمت كبل‬
‫ِ‬
‫وم أَ ْدنَى م ْن ثَُُّثَ ِي ال َّْي ِل َونِ ْ‬
‫ص َفو‪‬‬ ‫الوقتيف قر ًيبا أحدىما مف صاحبو‪ ،‬كما قاؿ جؿ ثناؤه‪ :‬إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك يَ ْعََّ ُم أَنَّ َ‬
‫ك تَ ُق ُ‬
‫[المزمؿ‪ ،]ٕٓ :‬وال تكاد تقوؿ‪ :‬أنا أعمـ أنؾ تقوـ قر ًيبا مف ساعة مف الميؿ وكمو‪ ...‬ال شؾ أف نسؽ‬
‫األربعيف عمى الثبلث والثبلثيف أحسف وأشبو‪ ،‬إذ كاف ُيراد بذلؾ تقريب أحدىما مف اآلخر"(ٔ)‪.‬‬

‫ّْع َرى‪[ ‬النجـ‪.]ٜٗ :‬‬ ‫ٕ‪ -‬قاؿ تعالى‪َ  :‬وأَنَّوُ ُى َو َر ُّ‬


‫ب الش ْ‬
‫ىذه اآلية قد تُشكؿ عمى مف لـ يعرؼ وجو تخصيص الشعرى في ىذا الموضع بأنو مربوب‬
‫هلل عز وجؿ‪ ،‬مع أف اهلل رب الشعري وغيره فنقوؿ‪َّ :‬‬
‫عيف ىذا الكوكب ألف بعض العرب كانت تعبده‬
‫وىـ خزاعة‪ ،‬ولـ تعبد العرب مف الكواكب غيرىا(ٕ)‪.‬‬

‫ذكر بعض األمور التي ال بد من مراعاتيا عند التفسير بالمغة والنظر في اإلعراب‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يجوز أن ُيحمل كالم ا﵀ عز وجل عمى مجرد االحتمال النحوي أو المغوي‪.‬‬
‫فإف ىذا مقاـ غمط فيو أكثر المعربيف لمقرآف؛ فإنيـ يفسروف اآلية ويعربونيا بما يحتممو تركيب‬
‫وي فيـ مف ذلؾ التركيب أي معنى اتفؽ‪ ،‬وىذا غمط عظيـ يقطع السامع بأف مراد القرآف‬
‫تمؾ الجممة‪ُ ،‬‬
‫غيره‪ ،‬واف احتمؿ ذلؾ التركيب ىذا المعنى في سياؽ آخر‪ ،‬وكبلـ آخر فإنو ال يمزـ أف يحتممو القرآف‪،‬‬
‫ومثاؿ ذلؾ قوؿ بعضيـ في قراءة مف ق أر‪َ  :‬و ْاْل َْر َح ِام إِ َّن ال َّوَ َكا َن َعََّْي ُك ْم َرقِيبًا‪[ ‬النساء‪ :‬آية ٔ] بالجر‪ ،‬أنو‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قَسـ‪ ،‬ومثؿ قوؿ بعضيـ في قولو تعالى‪ :‬وص ّّد َعن سبِ ِ ِ‬
‫يل ال َّو َوُك ْف ٌر بِو َوال َْم ْسجد ال َ‬
‫ْح َر ِام‪[ ‬البقرة‪،]ٕٔٚ :‬‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫أف المسجد مجرور بالعطؼ عمى الضمير المجرور في (بو)(ٖ)‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ومعاف معيودة ال يناسبو تفسيره بغيرىا‪ ،‬وال يجوز تفسيره بغير ُعرفو‬ ‫رؼ خاص‬
‫"بؿ لمقرآف ُع ٌ‬
‫والمعيود مف معانيو‪ ،‬فإف نسبة معانيو إلى المعاني كنسبة ألفاظو إلى األلفاظ‪ ،‬بؿ أعظـ‪ ،‬فكما أف‬
‫ألفاظو مموؾ األلفاظ وأجميا وأفصحيا‪ ،‬وليا مف الفصاحة أعمى مراتبيا التي تعجز عنيا قُ َد ُر العالميف‪،‬‬
‫فكذلؾ معانيو أجؿ المعاني وأعظميا وأفخميا‪ ،‬فبل يجوز تفسيره بغيرىا مف المعاني التي ال تميؽ بو‪،‬‬

‫(ٔ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)ٔٚ ،ٔٙ/ٕٙ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٕٕ٘/ٖ( ،‬‬
‫(ٖ) بدائع الفوائد‪ ،‬ابف القيـ‪ ،)ٕٚ/ٖ( ،‬بتصرؼ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫بؿ غيرىا أعظـ منيا وأجؿ وأفخـ‪ ،‬فبل يجوز حممو عمى المعاني القاصرة بمجرد االحتماؿ النحوي‬
‫اإلعرابي‪ ،‬وىذه القاعدة ُينتفع بيا في معرفة ضعؼ كثير مف أقواؿ المفسريف وزيفيا‪ ،‬والقطع بأنيا‬
‫ليست مراد المتكمـ تعالى بكبلمو"(ٔ)‪.‬‬

‫‪ -2‬ينبغي أن تجتنب التقادير البعيدة والمجازات المعقدة عند تفسير القرآن بالمغة واعرابو‪.‬‬
‫يب ِم َن ال ُْم ْح ِسنِين‪[ ‬األعراؼ‪ ،]٘ٙ :‬ذكر ابف القيـ ‪-‬رحمو‬ ‫في قولو تعالى‪ :‬إِ َّن رحم َ ِ‬
‫ت ال َّو قَ ِر ٌ‬ ‫َْ َ‬
‫اهلل‪ -‬مسالؾ الناس في إعرابيا‪ ،‬ومف ذلؾ‪" :‬المسمؾ الرابع‪ :‬أنو مف باب حذؼ الموصوؼ واقامة‬
‫الصفة مقامو كأنو قاؿ‪ :‬إف رحمة اهلل شيء قريب مف المحسنيف‪ ،‬أو ‪ :‬لطؼ قريب أو بر قريب‪ ...‬ثـ‬
‫ضعفو ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬مف ثبلثة أوجو‪ ،‬الثاني منيا ىو قولو‪ ..." :‬إف الشيء أعـ المعمومات‪ ،‬فإنو يشمؿ‬
‫َّ‬
‫فضبل‬
‫ً‬ ‫بميغا‪،‬‬
‫فصيحا ً‬
‫ً‬ ‫الواجب والممكف‪ ،‬فميس في تقديره وال في المفظ بو زيادة فائدة يكوف الكبلـ بيا‬
‫شيئا أمر‬
‫أصبل‪ ،‬إذ كونو ً‬
‫ً‬ ‫عف أف يكوف بيا في أعمى مراتب الفصاحة والببلغة‪ ...‬وال يتضمف فائدة‬
‫معموـ عاـ ال يدؿ عمى مدح وال ذـ وال كماؿ وال نقصاف"(ٕ)‪.‬‬

‫‪ -3‬معرفة تصريف المفظة وارجاعيا إلى أصميا يعين في بيان المعنى الراجح من األقوال ورد‬
‫المرجوح‪.‬‬

‫إف فائدة التصريؼ ىي حصوؿ المعاني المختمفة المتشعبة عف معنى واحد‪ ،‬فقولو تعالى‪:‬‬
‫َّم َحطَبًا‪[ ‬الجف‪ ،]ٔ٘ :‬يعني‪ :‬الظالموف الجائروف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬وأ ََّما الْ َقاسطُو َن فَ َكانُوا ل َج َهن َ‬

‫ين‪[ ‬الحجرات‪ ،]ٜ :‬فيو بمعنى‪ :‬العادليف‪ ،‬وقد أدى‬ ‫ِِ‬ ‫ْسطُوا إِ َّن ال َّوَ يُ ِح ُّ‬
‫وأما قولو‪ :‬وأَق ِ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫َ‬
‫الجيؿ بيذا الجانب بأقواـ إلى ركوب أغبلط شنيعة في التفسير‪ ،‬فمف ذلؾ ما زعمو بعضيـ في معنى‬
‫اس بِِ َم ِام ِه ْم‪[ ‬اإلسراء‪ ،]ٚٔ :‬حيث فسر قولو‪( :‬بإماميـ) ‪ ،‬بأنو جمع أُـ‪ ،‬وأف‬
‫قولو‪ :‬يَ ْو َم نَ ْد ُعو ُك َّل أُنَ ٍ‬
‫الناس ُيدعوف يوـ القيامة بأمياتيـ‪ ،‬مع أف كممة (أُـ) ال تجمع عمى إماـ‪.‬‬

‫(ٔ) بدائع الفوائد‪ ،‬ابف القيـ‪.)ٕٛ/ٖ( ،‬‬


‫(ٕ) المصدر السابق‪.)ٕٚ ،ٕٙ/ٖ( ،‬‬
‫‪20‬‬
‫آد ُم ربَّوُ فَ غَوى‪[ ‬طو‪ ،]۰۲۰ :‬أنو ِ‬
‫تخـ مف أكؿ‬ ‫"ومنيـ مف فسر (غوى) في قولو تعالى‪َ  :‬و َع َ‬
‫صى َ َ َ‬
‫الشجرة‪ ،‬مف قوؿ العرب‪" :‬غوي الفصيؿ يغوي غوى"‪ ،‬إذا بشـ مف شرب المبف‪ ،‬وىو فاسد؛ ألف غوى‬
‫الفصيؿ عمى وزف (فَ ِع َؿ)‪ ،‬والذي في القرآف عمى وزف (فَ َعؿ)"(ٔ)‪.‬‬

‫‪ - .4‬ال يجوز تحريف معاني القرآن من أجل المحافظة عمى قاعدة نحوية‪.‬‬
‫قاؿ القاسمي‪" :‬وقد ُيقدر بعض النحاة ما يقتضيو عمـ النحو‪ ،‬لكف يمنع منو أدلة شرعية‪،‬‬
‫فيترؾ ذلؾ التقدير ويقدر آخر يميؽ بالشرع"(ٕ)‪.‬‬

‫ت قَُّْتُوُ فَ َق ْد َعَِّ ْمتَوُ‪[ ‬المائدة‪:‬‬


‫مخبر عف قوؿ عيسى ‪-‬عميو السبلـ‪ :-‬إِ ْن ُك ْن ُ‬
‫ًا‬ ‫قاؿ اهلل تعالى‬
‫قطعا؛ ألف المسيح إما أف يكوف‬
‫‪" ،]ٔٔٙ‬فيذا شرط دخؿ عمى ماضي المفظ‪ ،‬وىو ماضي المعنى ً‬
‫صدر ىذا الكبلـ منو بعد رفعو إلى السماء‪ ،‬أو يكوف حكاية ما يقولو يوـ القيامة‪ ،‬وعمى التقديريف فإنما‬
‫تعمؽ الشرط وجزاؤه بالماضي‪ ،‬وغمط عمى اهلل مف قاؿ‪ :‬إف ىذا القوؿ وقع منو في الدنيا قبؿ رفعو‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬إف أكف أقوؿ ىذا فإنؾ تعممو‪ ،‬وىذا تحريؼ لآلية؛ ألف ىذا الجواب إنما صدر منو بعد سؤاؿ‬
‫اهلل لو عف ذلؾ‪ ،‬واهلل لـ يسألو وىو بيف أظير قومو‪ ،‬وال اتخذوه وأمو إلييف إال بعد رفعو بمئيف مف‬
‫انتصار لقاعدة نحوية‪َ ،‬ى ْد ُـ مائة مف أمثاليا أسيؿ مف تحريؼ‬
‫ًا‬ ‫السنيف‪ ،‬فبل يجوز تحريؼ كبلـ اهلل‬
‫معنى اآلية"(ٖ)‪.‬‬

‫‪- 5‬تجنب األعاريب المحمولة عمى المغات الشاذة‪:‬‬


‫ذلؾ أف "القرآف نزؿ باألفصح مف لغة قريش‪ ،‬قاؿ الزمخشري في كشافو القديـ‪ :‬القرآف ال ُيعمؿ‬
‫فيو إال عمى ما ىو ٍ‬
‫فاش دائر عمى ألسنة فصحاء العرب‪ ،‬دوف الشاذ النادر الذي ال ُيعثر عميو إال في‬
‫موضع أو موضعيف‪ ،‬وبيذا يتبيف غمط جماعة مف الفقياء والمعربيف حيف جعموا مف العطؼ عمى‬
‫الجوار قولو تعالى‪َ  :‬وأَ ْر ُجَِّ ُك ْم‪[ ،‬المائدة‪ ]ٙ :‬في قراءة الجر‪ ،‬وانما ذلؾ ضرورة فبل ُيحمؿ عميو‬
‫الفصيح؛ وألنو إنما ُيصار إليو إذا أُمف المبس واآلية محتممة‪ ،‬وألنو إنما يجيء مع عدـ حرؼ العطؼ‪،‬‬
‫وىو ىا ىنا موجود‪ ،‬وأيضا فنحف في ٍ‬
‫غنية عف ذلؾ كما قالو سيبويو‪ :‬إف العرب يقرب عندىا المسح‬ ‫ً‬
‫ورمحا"‪،‬‬
‫ً‬ ‫"متقمدا سيفًا‬
‫ً‬ ‫مف الغسؿ ألنيما أساس الماء‪ ،‬فمما تقاربا في المعنى حصؿ العطؼ كقولو‪:‬‬

‫(ٔ) الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪.)ٖٜٖ/ٖ( ،‬‬


‫(ٕ) محاسن التأويل‪ ،‬القاسمي‪.)ٕٕٙ/ٔ( ،‬‬
‫(ٖ) بدائع الفوائد‪ ،‬ابف القيـ‪.)ٗ٘/ٔ( ،‬‬
‫‪21‬‬
‫وميما أمكف المشاركة في المعنى حسف العطؼ‪ ،‬واال امتنع‪ ،‬فظير أنو ليس عمى المجاورة‪ ،‬بؿ عمى‬
‫االستغناء بأحد الفعميف عف اآلخر"(ٔ)‪.‬‬

‫‪- 6‬ينبغي تجنب األعاريب التي ىي خالف الظاىر والمنافية لنظم الكالم ‪.‬‬
‫حمموا نصوصو ما ال تحتمؿ‪ ،‬وركبوا‬
‫وقد كثر وقوع أىؿ البدع في ىذا األمر‪ ،‬حيث إنيـ َّ‬
‫الصعب مف أجؿ حمؿ نصوص القرآف عمى معاني تؤيد باطميـ‪ ،‬كما وقع في ذلؾ أقواـ بسبب‬
‫التعصب المذىبي‪ ،‬واليؾ نماذج مف ذلؾ‪:‬‬

‫بدال مف قولو‪َ  :‬ولِ ِذي‬


‫جوز بعضيـ أف يكوف قولو‪ :‬لَِّْ ُف َق َراء‪[ ‬الحشر‪ ،]ٛ :‬الوارد في سورة الحشر ً‬
‫أ‪َّ -‬‬
‫الْ ُق ْربَى‪[ ‬الحشر‪ ،]ٚ :‬مع أف الفصؿ بينيما كبير‪.‬‬

‫وانما حمؿ القائؿ ليذا مذىبو الفقيي الذي يقوؿ‪ :‬إف ذوي القربي ال يستحقوف الفيء لقرابتيـ‬
‫وانما لفقرىـ إف كانوا فقراء(ٕ)‪.‬‬

‫ب‪ -‬كاف بعض غبلة الصوفية يفسر قولو تعالى‪َ  :‬م ْن َْا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع‪[ ‬البقرة‪ ]ٕ٘٘ :‬بمعنى بعيد كؿ‬
‫البعد عف مراد اهلل تعالى‪ ،‬حيث زعـ ذلؾ القائؿ أف معناه‪( :‬مف ذؿ) أي مف الذؿ‪ ،‬وأف (ذي) مف‬
‫يشؼ) المأخوذ مف (يشفع) جواب (مف) مف الشفاء‪ ،‬وأف قولو‪:‬‬
‫(الذي) يقصد بيا النفس‪ ،‬وأف قولو‪َ ( :‬‬
‫(عُ) المأخوذ مف كممة (يشفع) فعؿ أمر مف الوعي(ٖ)‪.‬‬

‫فعوا‪ ،‬وىذا في الغمط أبيف‬


‫يشؼ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫فيكوف المعنى عمى ىذا التحريؼ‪ :‬مف ذؿ ذي أي‪ :‬النفس‬
‫مف أف ُيرد عميو‪.‬‬

‫‪ -7‬ما كل ما جاز في العربية جاز في القرآن‪.‬‬


‫فبل يجوز فيو الكذب واليجاء المقذع‪ ،‬واليزؿ أو الغزؿ ونحو ذلؾ مما يقع في كبلـ العرب‬
‫شعره ونثره‪ ،‬كما ال يوجد فيو المجاز والمشترؾ والمترادؼ عند مف يجوزوف ذلؾ في المغة ويمنعوف منو‬
‫في القرآف‪.‬‬

‫(ٔ) البرىان في عموم القرآن‪ ،‬الزركشي‪.)ٖٓ٘ ،ٖٓٗ/ٔ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬المصدر السابق‪.)ٖٓٙ/ٔ( ،‬‬
‫(ٖ) ينظر‪ :‬التحبير في عمم التفسير‪ ،‬الخضيري‪ ،‬ص‪.ٖٕٙ‬‬
‫‪22‬‬
‫وأيضا ال يقاؿ إف نحو (اغفر لنا) و(ارحمنا)‪ ،‬فعؿ أمر‪ ،‬بؿ نقوؿ‪ :‬دعاء‪.‬‬

‫قولنا في القاعدة األولى‪" :‬أو رأي صائب"‪.‬‬


‫ىذا ىو الشؽ األخير مف القاعدة األولى في طريقة التفسير والتي ىي أـ الباب‪.‬‬

‫تعريف الرأي ‪:‬‬


‫يطمؽ الرأي في عرؼ االستعماؿ عمى "ما يراه القمب بعد فكر وتأمؿ وطمب لمعرفة وجو‬
‫الصواب مما تتعارض فيو األمارات‪.‬‬

‫أيضا لؤلمر‬
‫غائبا عنو مما يحس بو إنو رأيو‪ ،‬وال يقاؿ ً‬
‫أمر ً‬‫وعميو‪ ،‬فبل يقاؿ لمف رأى بقمبو ًا‬
‫المعقوؿ الذي ال تختمؼ فيو العقوؿ وال تتعارض فيو األمارات إنو رأي‪ ،‬واف احتاج إلى فكر وتأمؿ‬
‫كدقائؽ الحساب ونحوىا"(ٔ)‪.‬‬

‫ىذا ىو الرأي عمى وجو العموـ‪ ،‬وسواء كاف صو ًابا أـ خطأً‪.‬‬

‫الرأي الصائب في التفسير‪:‬‬


‫الرأي الصائب ىنا ىو ما كاف مبناه عمى عمـ أو غمبة ظف؛ بحيث إنو يجري عمى موافقة‬
‫معيود العرب في لسانيا وأساليبيا في الخطاب‪ ،‬مع مراعاة الكتاب والسنة وما أثر عف السمؼ‪ ،‬بعكس‬
‫الرأي المذموـ‪ ،‬إذ ىو مبني عمى جيؿ وغمبة ىوى‪.‬‬

‫وتمقيبو بػ"الصائب" ىنا أي مف جية مستنده وخمفيتو‪ ،‬واف جانب الصواب في الجزئية المعينة‪،‬‬
‫لكنو طريؽ صحيح‪ ،‬بؿ ىو مف الفيـ الذي يعطيو اهلل الرجؿ في كتابو‪.‬‬

‫وىذا النوع مف الرأي قاؿ بو الصحابة والتابعوف وعمموا بو‪ ،‬وقد قاؿ أبو بكر ‪-‬رضي اهلل عنو‪-‬‬
‫في الكبللة‪ ":‬إني قد رأيت في الكبللة رًأيا فإف كاف صو ًابا فمف اهلل وحده ال شريؾ لو‪ ،‬واف يؾ خطأً‬
‫فمني ومف الشيطاف واهلل منو برئ‪ ،‬إف الكبللة ما خبل الولد والوالد‪ ،‬فمما استخمؼ عمر ‪-‬رحمة اهلل‬

‫(ٔ) إعالم الموقعين‪ ،‬ابف القيـ‪.)ٙٙ/ٔ( ،‬‬


‫‪23‬‬
‫عميو‪ -‬قاؿ‪ :‬إني ألستحيي مف اهلل تبارؾ وتعالى أف أخالؼ أبا بكر في رأي رآه"‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬أقوؿ فييا‬
‫برأيي‪ ،‬فإف كاف صو ًابا فمف اهلل‪.)ٔ( "...‬‬

‫قولنا في القاعدة‪" :‬وما سوى ذلك باطل"‪.‬‬


‫المقصود بيذا الكبلـ الرأي الفاسد‪ ،‬وىو المذموـ الذي جاءت اآلثار عف السمؼ محذرة منو‪.‬‬

‫ضابط التفسير المذموم‪:‬‬


‫ىو ما خالؼ أصحابو أصوًال متفقًا عمى ثباتيا في التفسير‪ ،‬فيو يجافي قوانيف العربية‪ ،‬أو ال‬
‫يتفؽ مع األدلة الشرعية‪ ،‬وقواعد الشريعة في البياف واألحكاـ‪ ،‬أو يكوف مخالفًا لمنص‪ ،‬فمف ذلؾ أف‬
‫يفسر القرآف بمجرد خاطر يخطر لو دوف استناد إلى نظر في أدلة العربية‪ ،‬ومقاصد الشريعة‬
‫وتصاريفيا‪ ،‬وما ال بد منو‪ ،‬كالناسخ والمنسوخ وأسباب النزوؿ‪ ،‬وما نقؿ عف الصحابة ‪-‬رضي اهلل‬
‫عنيـ‪ -‬مع عدـ اإلحاطة بجوانب اآلية‪ ،‬ومواد التفسير‪ ،‬أو يقتصر عمى بعض األدلة دوف بعض كأف‬
‫يعتمد عمى ما يبدو مف وجو في العربية فقط‪ ،‬دوف العمـ بغرائب القرآف ومبيماتو وأساليبو البيانية مف‬
‫إضمار وحذؼ وتقديـ وتأخير‪ ،‬ومف دوف معرفة ألساليب االستنباط منو كدالالت األلفاظ عمى معانييا‪،‬‬
‫وأحكاـ العاـ مع الخاص والمطمؽ مع المقيد‪.‬‬

‫ومف ذلؾ أف يكوف لمبعض نزعة مذىبية‪ ،‬أو نِحمة بدعية فيتأوؿ القرآف عمى وفؽ رأيو ومذىبو‪،‬‬
‫فيموي أعناؽ النصوص ليدلؿ عمى نحمتو‪ ،‬ومف ذلؾ التجيـ بالرأي عمى تفسير ما ال يدرؾ عممو إال‬
‫بنص مف الرسوؿ ‪.‬‬

‫ىذا ولشيخ اإلسبلـ ابف تيمية ‪-‬رحمو اهلل‪ -‬كبلـ نفيس يمكف أف يجعؿ ضابطًا ُيعرؼ بو‬
‫التفسير المذموـ‪ ،‬وىذه خبلصتو(ٕ)‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬أف يكوف لممفسر اعتقاد معيف ثـ يحمؿ ألفاظ القرآف عمى معتقده فيذا يكوف قد راعى المعنى‬
‫الذي رآه مف غير نظر إلى ما تستحقو ألفاظ القرآف مف الداللة والبياف‪ ،‬ويكوف ىؤالء عمى أحد‬
‫مسمكيف‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تارة يسمبوف لفظ القرآف ما دؿ عميو وأريد بو‪.‬‬

‫(ٔ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)٘ٗ ،ٖ٘/ٛ( ،‬‬


‫(ٕ) ينظر‪ :‬مقدمة في أصول التفسير‪ ،‬صٕٗ ػ ٔٗ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫أحيانا يحممونو عمى ما لـ يدؿ عميو و لـ يرد بو‪.‬‬
‫بو ً‬

‫باطبل‪ ،‬فيكوف خطؤىـ في‬


‫ً‬ ‫وفي كبل الحاليف قد يكوف ما قصدوا نفيو أو إثباتو مف المعنى‬
‫الدليؿ والمدلوؿ‪ ،‬وىؤالء كبعض أىؿ البدع الذيف اعتقدوا مذاىب باطمة ثـ عمدوا إلى القرآف فتأولوه‬
‫يتأولوف‬
‫عمى آرائيـ؛ فيـ تارةً يستدلوف بآيات مف القرآف عمى مذىبيـ وىي ال تدؿ عمى زعميـ‪ ،‬وتارة ّ‬
‫النصوص المخالفة لمذىبيـ‪ ،‬فيحرفوف الكمـ عف مواضعو‪.‬‬

‫وىذا يكثر وقوعو في بعض الطوائؼ كالرافضة والقدرية والجيمية والخوارج والباطنية‪.‬‬

‫أمثمة الخطأ في الدليل والمدلول‪:‬‬


‫ٔ‪ -‬ما زعمو بعض الرافضة مف أف المراد بػ(الجبت والطاغوت) أبو بكر وعمر‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬ما زعمو بعض الرافضة مف أف المراد بػ(البقرة) في قولو تعالى‪ :‬إِ َّن ال َّوَ يَأ ُْم ُرُك ْم أَ ْن تَ ْذبَ ُحوا بَ َق َرة‪‬‬
‫[البقرة‪ ،]ٙٚ :‬عائشة‪.‬‬

‫ىذا وقد يكوف ما قصدوه مف المعنى حقًا‪ ،‬لكنيـ غمطوا في الدليؿ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بمعاف صحيحة في‬ ‫وىؤالء مثؿ كثير مف الصوفية والوعاظ والفقياء حيث يفسروف القرآف‬
‫بعض األحياف‪ ،‬لكف الموضع المذكور ال يدؿ عمييا‪.‬‬

‫أمثمة عمى الخطأ في الدليل دون المدلول‪:‬‬


‫ض بَ ْع َد َم ْوتِ َها‪[ ‬الروـ‪:‬‬ ‫ت ال َّ ِو َك ْي َ‬
‫ف يُ ْح ِي ْاْل َْر َ‬ ‫ٔ‪-‬تفسير بعض الصوفية قولو تعالى‪ :‬فَانْظُر إِلَى آثَا ِر ر ْحم ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ٓ٘]‪ ،‬قالوا‪ :‬أي أف القموب تحيى بالذكر‪ ،‬فيذه القضية التي ذكروا وىي حياة القموب بالذكر‪ ،‬قضية‬
‫صحيحة‪ ،‬لكف اآلية السابقة ال تدؿ عمييا‪ ،‬وانما داخميـ الغمط باستدالليـ بتمؾ اآلية عمى غير‬
‫موضوعيا‪.‬‬

‫َم يَط َْع ْموُ فَِ نَّوُ ِمنّْي إََِّل َم ِن ا ْغتَ َر َ‬


‫ف غُ ْرفَةً‬ ‫ٕ‪-‬قاؿ تعالى‪ :‬إِ َّن ال َّو مبتَِّي ُكم بِن ه ٍر فَمن َش ِرب ِم ْنو فَََّي ِ‬
‫س منّْي َوَم ْن ل ْ‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ َْ ْ َ َ َ ْ‬
‫بِيَ ِدهِ‪[ ‬البقرة‪ ،]ٕٜٗ :‬قاؿ بعض الصوفية‪ :‬ىذه اآلية َمثَؿ ضربو اهلل لمدنيا‪ ،‬فشبييا بالنير‪ ،‬والشارب‬
‫منو ىو المائؿ إلييا‪ ،‬والمستكثر منيا‪ ،‬وأما التارؾ لشربو فيو المنحرؼ عنيا‪ ،‬والزاىد فييا‪ ،‬وأف‬
‫المغترؼ بيده غرفة ىو اآلخذ منيا عمى قدر حاجتو‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫قالوا‪ :‬فأحواؿ الثبلثة عند اهلل مختمفة‪ ،‬وال يخفى أف اآلية ال تمت إلى ما ذكروا بصمة البتة‪.‬‬

‫ٕ‪ -‬قوـ فسروا القرآف بمجرد ما يسوغ أف يريده بكبلمو مف كاف مف الناطقيف بمغة العرب‪ ،‬مف غير‬
‫نظر إلى المتكمـ بالقرآف والمنزؿ عميو والمخاطب بو‪ ،‬وأسباب النزوؿ ومبلبساتو‪ ..‬وما إلى ذلؾ مف‬
‫األمور الضرورية لممفسر‪ ،‬فيؤالء نظروا إلى مجرد األلفاظ وما يجوز عندىـ أف يريد بو العربي‪ ،‬مف‬
‫غير نظر إلى ما يصمح لممتكمـ بو‪ ،‬وسياؽ الكبلـ‪.‬‬

‫مثاؿ عمى ما ُن ِظر فيو إلى المفظ مع إغفاؿ داللة السياؽ وأسباب النزوؿ قولو تعالى ‪َ  :‬ويُنَ ّْز ُل‬
‫ت بِ ِو ْاْلَقْ َد َام‪[ ‬األنفاؿ‪:‬‬ ‫ان َولِيَ ْربِ َ‬
‫الشيطَ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عََّي ُكم ِمن َّ ِ‬
‫ط َعََّى قَُُّوبِ ُك ْم َويُثَبّْ َ‬ ‫ب َع ْن ُك ْم ِر ْج َز َّ ْ‬
‫الس َماء َماءً ليُطَ ّْه َرُك ْم بو َويُ ْذى َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ٔٔ]‪.‬‬

‫قاؿ ابف جرير ‪-‬رحمو اهلل‪" :-‬وقد زعـ بعض أىؿ العمـ بالغريب مف أىؿ البصرة أف مجاز‬
‫قولو‪( :‬ويثبت بو األقداـ)‪ ،‬ويفرغ عمييـ الصبر وينزلو عمييـ فيثبتوف لعدوىـ‪ ،‬قاؿ ابف جرير ‪ :‬وذلؾ‬
‫قوؿ خبلؼ لقوؿ جميع أىؿ التأويؿ مف الصحابة والتابعيف‪ ،‬وحسب قوؿ خطأً أف يكوف خبلفًا لقوؿ‬
‫مف ذكرنا‪ ،‬وقد بينا أقواليـ فيو‪ ،‬وأف معناه‪ :‬ويثبت أقداـ المؤمنيف بتمبيد المطر الرمؿ حتى ال تسوخ فيو‬
‫أقداميـ‪ ،‬وحوافر دوابيـ"(ٔ)‪.‬‬

‫(ٔ) جامع البيان‪ ،‬الطبري‪.)ٕٗٛ ،ٕٗٚ/ٖٔ( ،‬‬


‫‪26‬‬

You might also like