Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

‫مذكرة‬

‫أصول الفقه‬
‫الجزء األول‬
‫المادة المقررة للمستوى الثالث‬
‫قسم مقارنة المذاهب‬

‫إعداد وترتيب‬

‫إرشاد رافع‬
‫غفر اهلل له ولوالديه ولمشايخه وألساتذته‬

‫‪irsyadrafi@stiba.ac.id‬‬
‫التمهيد‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذه مذكرة ملادة أصول الفقه املقررة يف املستوى الثالث بقسم مقارنة املذاهب ابملعهد العايل للدراسات‬
‫اإلسالمية واللغة العربية مبكسر‪ .‬وهي تشمل على النقطتتني الرئيسيتني مطابقني للمنهج الدراسي املقرر من قبل‬
‫القسم‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ )1‬املقدمة التعريفية بعلم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ )2‬مث دراسة ملباحث احلكم الشرعي بقسميه التكليفي والوضعي‪.‬‬
‫هذه املذكرة مرتبة على حسب ما يف الكتاب املقرر "روضة الناظر وجنة املناظر" ملوفق الدين عبد هللا بن‬
‫أمحد بن قدامة املقدسي احلنبلي (‪ 620‬هـ)‪ ،‬وذلك مع التصرف‪.‬‬
‫سائال املوىل جل جالله أن يكتب يل القبول من هذا اجلهد القصري وأن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه‪ .‬وصلى‬
‫هللا على سيدان حممد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫أخوكم الفقري إىل عفو ربه‬

‫"أبو عبد هللا إرشاد حممد رافع"‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪1 | ١‬‬


‫المقدمة التعريفية بعلم أصول الفقه‬
‫تتكون هذه املقدمة على مخسة مباحث وهي‪ :‬تعريف علم أصول الفقه؛ مث موضوعاته؛ ويليه الفوائد من‬
‫دراسته؛ وكذا مصادره؛ واألخري اتريخ نشأته واملؤلفات يف هذا الفن‪ .‬وإليك تفصيل بياهنا كاآليت‪:‬‬
‫‪ .١‬تعريف علم أصول الفقه‬
‫أصول الفقه مركب إضايف‪ ،‬واملركب اإلضايف ال ميكن معرفته إال بعد معرفة أجزائه اليت تركب منها (وهي‬
‫لفظ "أصول" وهو مضاف‪ ،‬ولفظ "الفقه" وهو مضاف إليه)‪ .‬فلذلك وجب علينا أن نعرف "األصول" و "الفقه"‬
‫مث تعريفه ابملعىن اإلضايف‪ ،‬مث ننتقل بعد ذلك إىل تعريفه ابملعىن اللقيب (يعين على مصطلح األصوليني‪/‬علماء‬
‫األصول) وهو كونه علما على هذا العلم املخصوص من العلوم الشرعية‪.‬‬
‫فيكون تعريف علم أصول الفقه ابعتبارين‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتبار أنه مركب إضافي‬
‫أصول الفقه مركب من لفظني مها "أصول" و " الفقه"‪ .‬وملعرفة املركب البد من تعريف جزأيه‪ ،‬مها‪:‬‬
‫املضاف واملضاف إليه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الفقه‬
‫الفقه لغة‪ :‬هو الفهم‪.‬‬
‫والفقه اصطالحا‪:‬‬
‫عند األصوليني‪ :‬هو العلم ابألحكام الشرعية العملية املكتسب من األدلة التفصيلية‪.‬‬
‫عند الفقهاء‪ :‬هو حفظ جمموعة من مسائل األحكام الواردة يف الكتاب والسنة وما يستنبط منهما سواء حفظها‬
‫أبدلتها أو كانت جمردة عن الدليل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األصول‬
‫"أصول" مجع أصل‪ ،‬وله يف اللغة عدة معان‪:‬‬
‫‪ )1‬ما يُبين عليه غريه‪.‬‬
‫‪ )2‬منشأ الشيء‪.‬‬
‫‪ )3‬ما يستند وجود الشيء عليه‪.‬‬
‫واألصل اصطالحا يطلق على عدة معان‪:‬‬
‫‪ )1‬الدليل؛ املثال‪ ،‬لو قيل‪ :‬األصل يف وجوب الصالة قوله تعاىل (وأقيموا الصالة) أي الدليل‪.‬‬
‫القاعدة املستمرة؛ املثال‪ ،‬إذا قيل‪ :‬إابحة امليتة للمضطر على خالف األصل‪ ،‬أي‪ :‬القاعدة املستمرة‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫الراجح؛ مثال كقوهلم‪( :‬األصل يف الكالم احلقيقة) أي‪ :‬الراجح يف الكالم احلقيقة‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫املقيس عليه؛ وهو ما يقابل الفرع يف أركان القياس‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪2 | ١‬‬


‫واملعىن املراد ابألصل هنا هو الدليل‪ ،‬ألنه ال خالف بني علماء األصول يف تعريفه اللغوي‪.‬‬
‫اخلالصة من ذلك كله‪ :‬فإن معىن "أصول الفقه" بناء على املعىن اللغوي هو ما يبىن عليه الفقه‪ .‬وال معىن ملا يبىن‬
‫عليه الفقه إال الدليل‪ .‬وعلى ذلك فيكون معىن "أصول الفقه" هو‪ :‬أدلة الفقه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬باعتباره علما ولقبا لهذا العلم المخصوص‬
‫يف اآلونة األخرية‪ ،‬أصبح "أصول الفقه" علما مستقال هبذا االسم‪ .‬ولعرض حقيقة هذا العلم‪ ،‬فإن‬
‫العلماء األصوليني عرف علم أصول الفقه بعدة تعريفات‪ .‬والتعريف الذي خنتاره أبن علم أصول الفقه هو‪:‬‬
‫﴿ معرفة أدلة الفقه إمجالا‪ ،‬وكيفية الستفادة منها‪ ،‬وحال املستفيد‪﴾ .‬‬
‫وقد اشتمل هذا التعريف على ثالثة من مباحث علم أصول الفقه األربعة‪ ،‬وسيأيت الكالم هبا كما يلي‪:‬‬
‫‪ .٢‬موضوعات‪/‬مباحث علم أصول الفقه‬
‫المبحث االول‪ :‬معرفة أدلة الفقه إمجاال‪.‬‬
‫أي معرفة أدلة األحكام الشرعية من حيث اإلمجال‪ ،‬أي من حيث ثبوت حجيتها ومعرفة أقسامها وما يصح أن‬
‫يكون دليال منها‪.‬‬
‫مثال‪ :‬كمعرفة القرآن وثبوت حجيته؛ ومعرفة السنة وأقسامها وما هو احلجة منها؛ ومعرفة اإلمجاع وأقسامه ومىت‬
‫يكون حجة؛ ومعرفة القياس وأقسامه وحجيته‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬معرفة كيفية االستفادة منها‪.‬‬
‫أي معرفة طرق استنباط األحكام من األدلة الشرعية؛ وطرق الرتجيح بني هذه األدلة عند تعارضها؛ وطرق‬
‫االجتهاد ملعرفة األحكام للنوازل‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬معرفة حال املستفيد‪.‬‬
‫املستفيد هو طالب احلكم من الدليل‪ ،‬وهو اجملتهد‪ .‬فالبد أن يكون له علم ابالجتهاد وشروطه واألحكام املتعلقة‬
‫به‪ .‬ويتبع ذلك معرفة املقلد وأحكام التقليد‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬األحكام‪.‬‬
‫هذا املبحث يعترب مبحث املقدمة لدراسة علم الفقه وأصوله‪ .‬ونرى أن هذا املبحث ال يدخل يف التعريف السابق‬
‫ذكره ابعتبار أن موضوع علم أصول الفقه هو األدلة‪ ،‬فتكون األحكام هبذا االعتبار مقدمة من مقدمات علم‬
‫أصول الفقه غري داخلة يف موضوعه‪.‬‬
‫الفرق بين أصول الفقه والفقه‬
‫الفرق األول‪( :‬من حيث املوضوع)‬
‫أصول الفقه‪ :‬يكون يف البحث عن أدلة الفقه اإلمجالية‪.‬‬
‫أما الفقه‪ :‬فهو يبحث عن األحكام الشرعية العملية املأخوذة من أدلتها التفصيلية‪ ،‬فهو عبارة عن استخراج‬
‫األحكام من األدلة التفصيلية مع التقيد بتلك املناهج‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪3 | ١‬‬


‫الفرق الثاني‪( :‬من حيث املنهج)‬
‫أصول الفقه‪ :‬هو جمموعة القواعد اليت تبني للفقيه املسلك الذي جيب عليه أن يلتزمه يف استخراج األحكام من‬
‫أدلتها‪.‬‬
‫أما الفقه‪ :‬هو علم يبحث لكل عمل حكمه الشرعي‪ .‬فالفقه معرفة احلكم الشرعي من حرام وواجب ومستحب‬
‫ومكروه ومباح‪ ،‬وهذه األحكام تؤخذ من األدلة التفصيلية من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ .٣‬فوائد علم أصول الفقه‬
‫‪ )1‬أصول الفقه عبارة عن القواعد اليت يستعني هبا العامل اجملتهد على استنباط األحكام من األدلة‪.‬‬
‫علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأكثرها نفعا‪ ،‬إذ يتوقف عليه فهم الفقه‪ ،‬ومن مث العمل هبا‪ ،‬والتقرب‬ ‫‪)2‬‬

‫بذلك إىل هللا تعاىل‪ ،‬ليصل اإلنسان إىل سعادة الدارين‪.‬‬


‫علم أصول الفقه هو وسيلة حلفظ الدين من التحريف والتبديل‪ ،‬ومن خالله يعرف اإلنسان أن الدين‬ ‫‪)3‬‬

‫اإلسالمي الذي ضم هذه القواعد صاحل لكل زمان ومكان‪.‬‬


‫الشعور ابالطمئنان فيما نقل إلينا من أحكام يف كتب األئمة املتقدمني حيث يتبني لنا أهنا جاءت وفق‬ ‫‪)4‬‬

‫قواعد وأسس علمية سليمة‪.‬‬


‫‪ )5‬القدرة على الرد على من أنكر حجية بعض األدلة كحجية اإلمجاع‪ ،‬وخرب الواحد‪ ،‬والقياس‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ .٤‬استمداد‪/‬مصادر علم أصول الفقه‬
‫‪ .1‬القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫فإن هذين املصدرين مها أساس العلوم الشرعية كلها‪ .‬ووجه استمداد علم أصول الفقه من هذين‬
‫املصدرين أن أهم موضوعات علم أصول الفقه األربعة كما ذكران (هو أدلة األحكام الشرعية‪ ،‬وهي تعترب مبحث‬
‫أساسي يف علم أصول الفقه) كلها)‪ (1‬ترجع إىل الكتاب والسنة‪ .‬وهلذا جند أن أكثر القواعد األصولية قد استدل‬
‫عليها ابلقرآن أو ابلسنة أو هبما معا‪.‬‬
‫‪ .2‬علم أصول الدين‬
‫ويعرب عنه أكثر األصوليني بعلم الكالم‪ .‬وسبب استمداده من هذا العلم هو‪ :‬توقف األدلة الشرعية على‬
‫معرفة الرب عز وجل‪ ،‬ومعرفة صدق مبلغ الرسالة ‪ ‬فيما قاله لتعلم حجيتها وإفادهتا لألحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪ .3‬علم اللغة العربية‬
‫وسبب استمداده من هذا العلم هو‪ :‬أن كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬قد نزال بلغة العرب‪ ،‬فاالستدالل هبا‬

‫)‪ (1‬القرآن والسنة ترجع إليهما مجيع األدلة اليت يذكرها األصوليون سواء أكانت نقلية أم عقلية ‪ ،‬حمل اتفاق أم حمل اختالف‪ ،‬فحجية اإلمجاع والقياس‬
‫واملصاحل واالستحسان والعرف وشرع من قبلنا وأقوال الصحابة‪ ،‬راجعة إىل الكتاب والسنة‪ ،‬وطرق الداللة‪ ،‬وطرق دفع التعارض بني األدلة‪ ،‬وبيان منزلة‬
‫كل دليل‪ ،‬راجع إىل الكتاب والسنة‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪4 | ١‬‬


‫يتوقف على معرفة هذه اللغة وموضوعاهتا‪.‬‬
‫‪ .4‬األحكام الشرعية (الفقه)‬
‫وسبب استمداده منها هو‪ :‬أن املقصود من هذا العلم الوصول إىل إثبات األحكام الشرعية أو نفيها‬
‫ابألدلة‪ .‬فاألحكام هي مدلول أصول الفقه‪ ،‬والدليل ال يتصور بدون معرفة مدلوله‪ .‬واملراد هبذا كله أن أصول‬
‫الفقه حيتاج يف إدراكه إىل إدراك أمثلة من الفقه ميثل هبا لتتضح القواعد األصولية‪ .‬فاألصويل حني يتكلم عن طرق‬
‫الداللة حيتاج إىل ضرب أمثلة فقهية توضح مقصده‪ ،‬وإال كان كالمه نظراي يصعب استيعابه وفهمه‪.‬‬
‫‪ .٥‬نشأة علم أصول الفقه‬
‫مل ينشأ علم أصول الفقه (من حيث التدوين والتأليف) إال يف أواخر القرن الثاين اهلجري‪ ،‬وأما من حيث‬
‫القواعد ومناهج استنباط األحكام من األدلة بوجه عام فإنه كان مصاحبا لعلم الفقه‪.‬‬
‫وكان الصحابة ‪ ‬يف زمن النيب ‪ ‬يرجعون إليه يف بيان أحكام احلوادث اليت تنزل هبم‪ .‬فلما تويف ‪‬‬
‫كان الصحابة أيخذون حكم حوادثهم ونوازهلم من الكتاب والسنة‪ ،‬فإذا مل جيدوا حكمها فيهما؛ اجتهدوا‬
‫وأخذوا احلكم عن طريق االجتهاد أبنواعه‪ ،‬وكان عندهم سليقة‪ .‬وهنج التابعون ذلك بعدهم‪ ،‬وزادوا أخذهم‬
‫بفتاوى الصحابة واجتهاداهتم‪.‬‬
‫مث بعد ذلك كثر االجتهاد‪ ،‬وكثرت طرقه‪ ،‬وأصبح لكل إمام قواعد قد اعتمدها يف الفتوى واالجتهاد‪،‬‬
‫وهؤالء األئمة مل ِّ‬
‫يدونوا تلك القواعد اليت اعتمدوها يف اجتهاداهتم‪ .‬وملا بدأ التغري يف اللسان العريب بسبب اختالط‬
‫العرب بغريهم جراء الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬قام العلماء بتدوين العلوم‪ ،‬كالعربية واألصول وحنومها‪.‬‬
‫دوهنا يف كتابه املسمى بـ ـ ـ‪" :‬الرسالة"‬
‫وأول من دون األصول يف كتاب مستقل هو اإلمام الشافعي‪ ،‬فقد َّ‬
‫مث درج العلماء بعد يف التأليف يف هذا الفن‪ ،‬وألفت فيه املؤلفات على اختالف يف الطرق اليت اتبعوها يف‬
‫التأليف‪.‬‬
‫طرق التأليف في علم أصول الفقه ومميزات كل واحدة‪:‬‬
‫بعد أن كتب اإلمام الشافعي كتااب مستقال يف علم أصول الفقه‪ ،‬مث تتابع العلماء يف التأليف وإضافة‬
‫بعض املوضوعات إىل رسالة اإلمام الشافعي‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن سائر العلوم‪ ،‬تبدأ قليلة‪ ،‬مث تنمو وتتسع‪ .‬وقد‬
‫سلك العلماء بعد اإلمام الشافعي مسالك خمتلفة‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬طريقة الحنفية (الفقهاء)‬
‫متيزت هذه الطريقة بربط القواعد األصولية ابلفروع الفقهية‪ ،‬مبعىن‪ :‬أهنم جعلوا األصول اتبعة للفروع‪،‬‬
‫حبيث تتقرر القواعد على مقتضى الفروع الفقهية‪ ،‬ابعتبار أن هذه القواعد إمنا هي خلدمة الفروع‪ .‬مسيت هذه‬
‫الطريقة بطريقة احلنفية‪ ،‬ألن القواعد الفقهية منقولة من الفروع والفتاوى الصادرة عن أئمة احلنفية املتقدمني كأيب‬
‫أمس ابلفقه‬
‫وزفر‪ .‬وأما تسميتها بطريقة الفقهاء‪ ،‬ألهنا ُّ‬‫حنيفة‪ ،‬وحممد بن احلسن‪ ،‬وأيب يوسف وابن أيب ليلى‪ُ ،‬‬
‫وألصق ابلفروع‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪5 | ١‬‬


‫ومن أهم الكتب اليت وضعت على هذه الطريقة‪:‬‬
‫‪ )1‬رسالة الكرخي يف األصول‪ :‬أتليف أيب احلسن عبد هللا بن احلسن الكرخي املتوىف سنة ‪340‬هـ‪.‬‬
‫أصول الفقه‪ :‬أليب بكر أمحد بن علي الرازي اجلصاص املتوىف سنة ‪370‬هـ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫كنز الوصول إىل معرفة األصول‪ :‬أتليف اإلمام فخر اإلسالم أيب احلسن علي بن حممد البزدوي املتوىف‬ ‫‪)3‬‬

‫سنة ‪482‬هـ‪.‬‬
‫أصول السرخسي‪ :‬حممد بن أمحد بن سهل السرخسي املتوىف سنة ‪483‬هـ‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫‪ )5‬منار األنوار‪ :‬أليب الربكات‪ :‬عبد هللا بن أمحد النسفي املتوىف سنة ‪710‬هـ‪ .‬وعليه عدة شروح نفيسة‪،‬‬
‫واختصره كثري من العلماء‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬طريقة الجمهور (المتكلمين)‬
‫متيزت هذه الطريقة بتحرير املسائل األصولية وتقرير القواعد األصولية على وفق املبادئ املنطقية‪ ،‬يقوم‬
‫على الدليل العقلي‪ ،‬دون نظر إىل ما يتفرع عنها من فروع فقهية‪.‬‬
‫ومسيت هذه الطريقة‪ :‬بطريقة املتكلمني؛ ألهنم أشبهوا علماء الكالم يف إقامة األدلة‪ ،‬ودفع شبه‬
‫املخالفني‪.‬‬
‫ومن أمهات الكتب املؤلفة على هذه الطريقة‪:‬‬
‫‪ )1‬كتاب “العمد” للقاضي عبد اجلبار بن أمحد اهلمذاين املعتزيل املتوىف سنة ‪415‬هـ‪.‬‬
‫كتاب “املعتمد” أليب احلسني البصري‪ :‬حممد بن علي الطيب البصري املعتزيل املتوىف سنة ‪436‬هـ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫كتاب “الربهان” إلمام احلرمني‪ :‬عبد امللك بن يوسف اجلويين املتوىف سنة ‪478‬هـ‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫كتاب “املستصفى” لإلمام أيب حامد‪ :‬حممد بن حممد الغزايل املتوىف سنة ‪505‬هـ‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫فكانت هذه الكتب األربعة مبثابة املرجع يف األصول على هذه الطريقة‪ ،‬إىل أن قام عاملان جليالن‬
‫بتلخيص ما فيها‪ ،‬مها‪ :‬فخر الدين الرازي املتوىف سنة ‪606‬هـ يف كتاب مساه “احملصول” وسيف الدين اآلمدي‬
‫املتوىف سنة ‪361‬هـ يف كتاب مساه “اإلحكام يف أصول األحكام”‪.‬‬
‫وقد عين العلماء هبذين الكتابني عناية فائقة‪ ،‬ابالختصار والشرح والتعليق‪ .‬وتوالت ‪-‬بعد ذلك‪-‬‬
‫املؤلفات على هذه الطريقة مما يطول بيانه يف هذه املقدمة‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬الجمع بين طريقة الحنفية وطريقة الجمهور‬
‫ويف القرن السابع اهلجري بدأت تظهر طريقة اثلثة جتمع بني املنهجني املتقدمني‪ :‬منهج املتكلمني‪،‬‬
‫ومنهج الفقهاء‪ ،‬حبيث تذكر القاعدة األصولية وتقيم األدلة عليها‪ ،‬وتقارن بني ما قاله املتكلمون وما قاله الفقهاء‪،‬‬
‫مع املناقشة والرتجيح‪ ،‬مث تذكر بعض الفروع املخرجة عليها‪.‬‬
‫ومن أشهر الكتب اليت ألفت على هذا املنهج‪:‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪6 | ١‬‬


‫كتاب “بديع النظام اجلامع بني أصول البزدوي واإلحكام” ملظفر الدين‪ :‬أمحد بن علي الساعايت احلنفي‬ ‫‪)1‬‬

‫املتوىف سنة ‪694‬هـ‪.‬‬


‫كتاب “التنقي ح” للقاضي صدر الشريعة‪ :‬عبيد هللا بن مسعود البخاري احلنفي املتوىف سنة ‪747‬هـ‪ .‬وقد‬ ‫‪)2‬‬

‫وضع عليه شرحا مساه “التوضيح شرح التنقيح”‪.‬‬


‫كتاب ”مجع اجلوامع” لتاج الدين‪ :‬عبد الوهاب بن على السبكي املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬وعليه عدة‬ ‫‪)3‬‬

‫شروح وحواش عظيمة‪.‬‬


‫كتاب ” التحرير” أتليف‪ :‬كمال الدين‪ :‬حممد بن عبد الواحد‪ ،‬املشهور اببن اهلمام الفقيه احلنفي املتوىف‬ ‫‪)4‬‬

‫سنة ‪861‬هـ‪ .‬شرحه تلميذه‪ :‬حممد بن حممد أمري حاج احلليب املتوىف سنة ‪879‬هـ يف كتاب مساه “التقرير‬
‫والتحبري” وعليه شرح آخر يسمى “تيسري التحرير” للشيخ حممد أمني املعروف أبمري ابدشاه‪.‬‬
‫كتاب ” مسلم الثبوت” حملب الدين بن عبد الشكور البهاري الفقيه احلنفي املتوىف ‪1119‬هـ وعليه شرح‬ ‫‪)5‬‬

‫نفيس للعالمة‪ :‬عبد العلي حممد بن نظام الدين األنصاري يسمى‪“ :‬فواتح الرمحوت بشرح مسلم‬
‫الثبوت‪”.‬‬
‫وهكذا بدأ املتأخرون ينسجون على منوال ما سلكه املتقدمون‪.‬‬
‫الطريقة الرابعة‪ :‬تخريج الفروع على األصول‬
‫وهي ذكر القاعدة األصولية أوال‪ ،‬مث ذكر آراء األصوليني فيها بصورة إمجالية دون اخلوض يف أدلة كل‬
‫مذهب‪ ،‬مث يفرع عليها ب عض الفروع الفقهية‪ ،‬إما على مذهب معني‪ ،‬وإما مع املقارنة بني مذهبني خمتلفني‪،‬‬
‫كاحلنفية والشافعية ‪-‬مثال‪ -‬أو الشافعية واملالكية واحلنابلة وهكذا‪.‬‬
‫ومن الكتب اليت ألفت يف هذا االجتاه‪:‬‬
‫‪ )1‬كتاب ”ختريج الفروع على األصول” لإلمام شهاب الدين حممود بن أمحد الزجناين املتوىف سنة ‪656‬هـ‪.‬‬
‫يذكر القاعدة األصولية‪ ،‬مث يتبعها بتطبيقات فقهية على مذهب احلنفية والشافعية‪.‬‬
‫كتاب ” مفتاح الوصول إىل بناء الفروع على األصول” لإلمام الشريف أيب عبد هللا حممد التلمساين‬ ‫‪)2‬‬

‫املالكي املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬سلك فيه مؤلفه نفس املسلك السابق‪ ،‬إال أنه يقارن بني املذاهب الثالثة‪:‬‬
‫احلنفي واملالكي والشافعي‪.‬‬
‫كتاب”التمهيد يف ختريج الفروع على األصول” لإلمام مجال الدين عبد الرحيم بن احلسن القرشي‬ ‫‪)3‬‬

‫اإلسنوي الشافعي املتوىف سنة ‪772‬هـ‪.‬‬


‫ويعترب من أهم الكتب اليت ألفت على هذا املنهج‪ ،‬حيث استوعب القواعد األصولية‪ ،‬إال أنه قصر‬
‫التخريج على مذهب الشافعية فقط‪.‬‬
‫كتاب ”القواعد والفوائد األصولية وما يتعلق هبا من األحكام الفرعية” لإلمام‪ :‬أيب احلسن عالء الدين‪:‬‬ ‫‪)4‬‬
‫علي بن عباس البعلي احلنبلي‪ ،‬املعروف اببن اللحام املتوىف يف سنة ‪803‬هـ‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪7 | ١‬‬


‫سار فيه مؤلفه على نفس املنهج‪ ،‬غري أنه أبرز رأي علماء احلنابلة بشكل أوضح‪ ،‬وإن كان يذكر آراء‬
‫بعض املذاهب األخرى‪.‬‬

‫الطريقة الخامسة‪ :‬وهي طريقة عرض أصول الفقه من خالل مقاصد‬


‫الشريعة‬
‫وجبانب االجتاهات املتقدمة ظهر اجتاه خمالف لالجتاهات السابقة‪ ،‬سلكه اإلمام الشاطيب‪ :‬أبو إسحاق‬
‫إبراهيم بن موسى اللخمي الغرانطي املالكي املتوىف سنة ‪790‬هـ ألف الشاطيب كتابه املشهور املسمى “املوافقات”‬
‫وكان يف بداية األمر قد مساه “عنوان التعريف أبسرار التكليف” مث عدل عن هذه التسمية ألمر ما‪.‬‬
‫سلك الشاطيب يف كتابه هذا مسلكا جديدا مل يسبق إليه‪ ،‬حبيث يذكر القواعد األصولية حتت أبواب‬
‫معينة تتضمن مقاصد الشريعة اإلسالمية ومراميها املختلفة‪ ،‬واليت تتضمن حفظ الضرورايت‪ ،‬واحلاجيات‬
‫والتحسينيات‪ .‬وتوالت بعد ذلك املؤلفات على االجتاهات املختلفة‪ ،‬منها‪ :‬املطول‪ ،‬ومنها املختصر‪ ،‬ومنها‬
‫املتوسط‪ ،‬لكنها يف اجلملة‪ ،‬ال ختتلف كثريا عما أصله املتقدمون‪ ،‬إال يف طريقة العرض‪ ،‬أو تقدمي موضع على‬
‫آخر‪ ،‬كما هو الشأن يف التأليف‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪8 | ١‬‬


‫مبحث المقدمة‬
‫من مباحث علم أصول الفقه‬
‫﴿األحكام الشرعية﴾‬
‫تعريف األحكام‬
‫األحكام يف اللغة اسم مجع من كلمة "احلكم"‪ .‬فمعىن احلكم لغة‪ :‬هو املنع‪ ،‬وأييت مبعىن الفصل يف‬
‫القضاء ملنع العدوان والظلم‪.‬‬
‫وأما معىن احلكم اصطالحا هو‪ :‬إثبات أمر ألمر‪ ،‬أو نفيه عنه‪(2).‬‬

‫أقسام الحكم‪)1 :‬حكم عقلي‪)2 (3).‬حكم شرعي‪)3 (4).‬حكم عادي‪.‬‬


‫)‪(5‬‬

‫تعريف الحكم الشرعي‬


‫احلكم الشرعي يف االصطالح هو خطاب هللا املتعلق بفعل املكلف اقتضاء‪ ،‬أو ختيريا‪ ،‬أو وضعا‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫(خطاب هللا)‪ :‬اخلطاب‪ :‬هو توجيه اللفظ املفيد إىل الغري لإلفهام‪ ،‬واملقصود هنا‪ :‬خطاب هللا فقط‪ ،‬ال خطاب‬
‫كل تشريع من غريه‬
‫غريه‪ ،‬فهذا القيد األول خرج به خطاب غري هللا؛ ألن احلكم التشريعي ال يكون إال هلل‪ ،‬و ُّ‬
‫حم إَِّّال َِّّّلِلِّ ﴾ [يوسف‪]40 :‬‬ ‫ابطل‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِّ ِّن ح‬
‫احلُك ُ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬يشكل على ذلك خطاب النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفعله‪ ،‬واإلمجاع والقياس‪ ،‬فكلها تدل على‬
‫أحكام املكلفني؟‬
‫معرفات وكاشفات للحكم‪ ،‬فاحلكم ال يكون إال هلل‪ ،‬لكن هللا يثبتُه يف كتابه أو على لسان‬ ‫فاجلواب‪ :‬إن هذه ِّ‬
‫رسوله‪ ،‬أو يستنبطه اجملتهدون ابإلمجاع‪ ،‬أو القياس‪ ،‬فحكم هللا عز وجل يكون نطقا أو استنباطا‪.‬‬
‫(املتعلق أبفعال املكلفني)‪:‬‬
‫التعلُّق‪ :‬االرتباط‪.‬‬
‫وأفعال‪ :‬مجع فعل‪ ،‬وهو ما يقابل االعتقاد والنية‪ ،‬وهذا قيد آخر خرج به‪:‬‬
‫اّلِلُ أَنَّهُ َال إِّلَهَ إَِّّال ُه َو ﴾ [آل عمران‪ ،.]18 :‬ما تعلَّق‬ ‫أ‪ -‬خطاب هللا املتعلق بذاته؛ كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ش ِّه َد َّ‬
‫اّلِلُ الَّ ِّذي َال إِّلَهَ إَِّّال‬
‫س َك ِّمثحلِّ ِّه َش حيءٌ ﴾ [الشورى‪ ،]11 :‬وكقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ه َو َّ‬ ‫بصفاته وأمسائه؛ كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬لَحي َ‬
‫الرِّح ُيم ﴾ [احلشر‪.]22 :‬‬ ‫َّه َادةِّ ُه َو َّ‬
‫الر حمحَ ُن َّ‬ ‫ُهو َع ِّاملُ الحغَحي ِّ‬
‫ب َوالش َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اّلِلُ الَّذي َخلَ َق ُك حم ُمثَّ َرَزقَ ُك حم ُمثَّ ُمييتُ ُك حم ُمثَّ ُححييِّي ُك حم ﴾ [الروم‪.]40 :‬‬
‫ب‪ -‬ما تعلق أبفعاله‪َّ ﴿ :‬‬

‫أثبت حكما هلذا القلم أبن لونه أمحر‪ .‬وكذا إذا قلت‪ :‬اجلو ليس ببارد‪ ،‬فمعناه أنك قد نفيت حكم الربودة للجو‪.‬‬
‫)‪ (2‬فإذا قلت‪ :‬القلم أمحر‪ ،‬فقد َّ‬
‫)‪(3‬احلكم العقلي‪ :‬هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من العقل‪ ،‬كقولنا‪ :‬الكل أكرب من اجلزء‪.‬‬
‫)‪(4‬احلكم الشرعي‪ :‬هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من الشرع‪ ،‬كقولنا‪ :‬الصالة واجبة‪ ،‬والقتل حرام‪.‬‬
‫)‪ (5‬احلكم العادي (التجرييب)‪ :‬هو ما كانت النسبة فيه مستفادة من التجربة والعادة‪ ،‬كما يستفاد أن هذا الدواء هلذا الداء‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪9 | ١‬‬


‫اإلنحسا َن ِّم حن ُس َاللٍَة ِّم حن ِّط ٍ‬
‫ني ﴾‬ ‫ِّ‬
‫ت‪ -‬ما يتعلق بذات املكلفني (ال أبفعاهلم)؛ كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َق حد َخلَ حقنَا ح َ‬
‫[املؤمنون‪ ]12 :‬إخل اآلايت‪.‬‬
‫ض َاب ِّرَزة ﴾‬ ‫ث‪ -‬ما يتعلَّق ابجلمادات واحليواانت؛ كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ويـَ حوَم نُ َسِّريُ ا حجلِّبَ َ‬
‫ال َوتَـَرى حاأل حَر َ‬
‫[الكهف‪.]47 :‬‬
‫ج‪ -‬ما يتعلق ابملسائل االعتقادية؛ ألن الكالم هنا عن األحكام العملية‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫واملقصود ابملكلَّف‪ :‬هو البالغ العاقل‪.‬‬
‫مث اخلطاب املتعلِّق ابملكلف ثالثة وهي‪ )1 :‬ابلقتضاء ‪ )2‬أو التخيري ‪ )3‬أو الوضع‪.‬‬
‫الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين هما‪:‬‬
‫‪ )1‬احلكم التكليفي‪ :‬هو خطاب هللا تعاىل املتعلق بفعل املكلف ابلقتضاء أو التخيري‪.‬‬
‫‪ )2‬احلكم الوضعي‪ :‬هو خطاب هللا تعاىل املتعلق ابلوضع‪،‬‬
‫لكن التعريف املختار للحكم الضعي هو‪ :‬خطاب هللا تعاىل املتعلق جبعل الشيء سببا لشيء آخر‪ ،‬أو‬
‫شرطا له‪ ،‬أو مانعا منه‪ ،‬أو صحيحا أو فاسدا‪ ،‬أو رخصة أو عزمية‪.‬‬
‫وكل قسم يتنوع إىل أنواع‪ ،‬فإليك بياهنا‪.....‬‬

‫)‪ (6‬وسيأيت الكالم عن التكليف واألشياء املتعلق به بنوع من التفصيل‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪10 | ١‬‬


‫األحكام التكليفية‬
‫الحكم التكليفي يف االصطالح هو‪ :‬خطاب هللا تعاىل املتعلق بفعل املكلف اقتضاء أو ختيريا‪.‬‬
‫القتضاء‪ :‬معناه‪ :‬الطلب‪ ،‬وهذا الطلب ينقسم إىل طلب فعل‪ ،‬وطلب ترك‪ .‬وطلب الفعل إذا كان على سبيل‬
‫اإللزام فهو اإلجياب‪ ،‬وإن مل يكن على سبيل اإللزام فهو الندب‪ .‬وطلب الرتك إن كان على سبيل اإللزام فهو‬
‫التحرمي‪ ،‬وإن مل يكن على سبيل اإللزام فهو الكراهة‪ .‬وأما التخيري‪ :‬وهو استواء الطرفني‪ :‬وهو املباح‪.‬‬
‫وتسمى هذه األحكام السابقة ابألحكام التكليفية‪ ،‬وهي‪ :‬اإلجياب‪ ،‬والندب‪ ،‬والتحرمي‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلابحة‪.‬‬
‫فاحلكم التكليفي أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬الواجب‪ )2 .‬املندوب‪ )3 .‬املباح‪ )4 .‬املكروه‪ )5 .‬احلرام‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬االختالف في أقسام األحكام التكليفية‪:‬‬
‫اختلفوا فيها على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أهنا مخسة كما مر‪ .‬وهو قول اجلمهور (مالكية وشافعية وحنابلة)‬
‫القول الثان‪ :‬أهنا سبعة (الفرض؛ واإلجياب؛ والتحرمي؛ والكراهة التحرميية؛ والكراهة التنزيهية؛ والندب؛ واإلابحة)‬
‫وهو قول احلنفية‪.‬‬
‫الواجب‬
‫تعريف الواجب‬
‫الواجب لغة‪ :‬الساقط‪ ،‬يقال‪ :‬وجب احلائط‪ :‬إذا سقط‪ .‬وأييت مبعين الثابت والالزم‪.‬‬
‫والواجب اصطالحا‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلبا جازما‪.‬‬
‫تعريف آخر‪ :‬ما يذم اتركه شرعا مطلقا‪ .‬أو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل الواجب والفرض مترادفان أم ال؟‬
‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن الفرض والواجب غري مرتادفني يف املعىن اللغوي‪ ،‬إذ الواجب لغة‪ :‬الساقط‪ ،‬والفرض لغة احلز‬
‫والتقدير أو التأثري‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف ترادفهما يف املعىن الشرعي إىل قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أهنما مرتادفان (قول اجلمهور)‪.‬‬
‫ووجه الرتادف‪ :‬أن الفرض والواجب حدمها واحد يف اللغة وكذا يف الشرع‪ ،‬فال مزية ألحدمها على اآلخر‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬أن (الواجب) و (الفرض) غري مرتادفني‪ ،‬ويوجد فرق بينهما (احلنفية ورواية عن احلنابلة)‪.‬‬
‫ووجه الفرق‪ :‬أنه يوجد فرق بينهما من حيث اللغة‪ ،‬فيلزم منه أن ال يرتادفا يف املعىن الشرعي‪ .‬وأن معىن الفرض‬
‫آكد وأقوى من معىن الواجب‪ .‬وعرف على هذا الفرض أبنه ما ثبت بدليل قطعي‪ ،‬وأن الواجب ما ثبت بدليل‬
‫ظين‪ .‬وقد انعقد اإلمجاع على انقسام الدليل إىل مقطوع ومظنون‪ .‬يعين فالذي يفيده القطعي يسمى فرضا‪ ،‬والذي‬
‫يفيده الظين يسمى واجبا‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪11 | ١‬‬


‫أقسام الواجب‬
‫ينقسم الواجب ابعتبارات متعددة وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬تقسيم الواجب ابعتبار ذاته (أي حبسب الفعل املكلف به)‪.‬‬
‫‪ .2‬تقسيم الواجب ابعتبار وقته الذي يقع فيه‪.‬‬
‫‪ .3‬تقسيم الواجب ابلنظر إىل تقديره وحتديده‪.‬‬
‫‪ .4‬الواجب ابعتبار فاعله واملخاطبني به‪.‬‬
‫األول‪ :‬تقسيم الواجب باعتبار ذاته (أي‪ :‬بحسب الفعل المكلف به) إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ )1‬واجب معين وهو‪ :‬ما طلبه الشارع طلبا جازما بعينه دون ختيري بينه وبني غريه كالصلوات اخلمس‪.‬‬
‫خري الشارع يف فعله بني أفراده املعينة‬
‫‪ )2‬واجب مخير وهو‪ :‬ما طلبه الشارع طلبا جازما ال بعينه‪ ،‬بل َّ‬
‫احملصورة‪ .‬مثل‪ :‬ختيري املكلف بني خصال كفارة اليمني‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الخالف في الواجب المخير‬
‫اختلف العلماء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬القول ابلواجب املخري (وهو قول اجلمهور) وتقدم تعريفه‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬أنكرت (املعتزلة) الواجب املخري فقالوا‪ :‬المعىن للوجوب مع التخيري (التخيري ينايف ويناقض‬
‫الوجوب)‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬أبن التخيري الذي ينايف الوجوب هو ما كان بني الفعل والرتك‪ ،‬أما هذا فهو ختيري بني الفعل‬
‫ألحدمها‪ .‬فالرتك لواحد مشروط بفعل اآلخر‪.‬‬
‫دليل اجلمهور(على إثبات الواجب املخري)‪:‬‬
‫‪ )1‬الوقوع شرعا؛ حيث وقع التخيري بني واجبات يف الشرع كتخيري املكلف بني خصال كفارة اليمني‪ ،‬وغري‬
‫ذلك‬
‫‪ )2‬العقل ال مينع من ذلك؛ فلو قال السيد لعبده أمرتك أن تشرتي حلما أو مسكا‪ ،‬لكان هذا قوال معقوال‪،‬‬
‫فيكون الواجب على هذا العبد أحد األمرين ال كالمها‪ ،‬وال واحد بعينه‪.‬‬
‫شروط الواجب المخير‪:‬‬
‫‪ )1‬أن تكون األشياء املخري بينها معلومة للمخاطب وحمصورة ومعينة‪.‬‬
‫فيخري بني واجب وواجب‪ ،‬وال جيوز التخيري بني واجب‬
‫املخري بينها يف الرتبة؛ َّ‬
‫‪ )2‬أن تتساوى تلك األشياء َّ‬
‫ومندوب‪.‬‬
‫أن ال خيري بني شيئني متساويني متام التساوي حبيث ال يتميز أحدمها عن اآلخر‪ ،‬كما لو ِّ‬
‫خري بني أن‬ ‫‪)3‬‬

‫يصلي أربع ركعات وبني أن يصلي أربع ركعات‪.‬‬


‫أن يتعلق التخيري مبا يستطيع فعله‪ ،‬فال يصح التخيري بني شيء يستطيعه‪ ،‬وآخر ال يستطيعه‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪12 | ١‬‬


‫الثاني‪ :‬تقسيم الواجب باعتبار وقته الذي يقع فيه إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ )1‬الواجب المضيق‪ :‬وهو ما كان وقته يسع لفعله وحده‪ ،‬وال يسع لفعل غريه من جنسه‪ ،‬مثل‪ :‬صيام يوم‬
‫من رمضان‪.‬‬
‫‪ )2‬الواجب الموسع‪ :‬وهو ما كان وقته يسع لفعله ولفعل غريه من جنسه‪ ،‬مثل‪ :‬الصلوات املفروضة‪.‬‬
‫المسألة‪ :‬اختالف العلماء في إثبات الواجب الموسع‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه اثبت (قول مجهور العلماء)‬
‫القول الثان‪ :‬ال يوجد واجب موسع (قول بعض احلنفية) وقالوا‪ :‬أبن التوسيع ينايف الوجوب‪.‬‬
‫أدلة اجلمهور‪:‬‬
‫‪ )1‬ألن جربيل عليه السالم قد صلى ابلنيب ‪ ‬يف أول الوقت وآخره‪ ،‬وقال له‪( :‬والوقت فيما بني هذين)‪ ،‬وهذا‬
‫يفيد ختيري املكلف يف أداء الصالة يف أي جزء من أجزاء الوقت احملدد هلا‪.‬‬
‫‪ )2‬وألن السيد لو قال لعبده‪ :‬اِّ ِّ‬
‫بن هذا احلائط يف هذا اليوم إما يف أوله وإما يف وسطه وإما يف آخره وقتما‬
‫أردت‪ ،‬فمهما فعلت امتثلت إجيايب وإن تركت عاقبتك‪ .‬كان كالما معقوال وال ميكن دعوى أنه ما أوجب‬
‫شيئا وال أنه أوجب مضيقا ألنه صرح بضد ذلك فلم يبق إال أنه أوجب موسعا‪.‬‬
‫‪ )3‬القياس على الواجب املخري‪ ،‬فكما أنه جاز التخيري بني أفراد الواجب بني املخري ‪ -‬كخصال كفارة اليمني‪-‬‬
‫فكذلك جيوز التخيري بني أجزاء الوقت يف الواجب املوسع كالصالة وال فرق‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬على هذا القول فإن الصالة يف أول الوقت جيوز تركها‪ ،‬وما جاز تركه يكون مندواب وليس بواجب‪.‬‬
‫فاجلواب‪ :‬أنه ال جيوز الرتك يف أول الوقت إال بشرط العزم على الفعل‪ ،‬وما جاز تركه بشرط‪ ،‬فليس مبندوب‪ .‬ألن‬
‫املندوب جيوز تركه مطلقا‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬مل يرد يف النص اشرتاط العزم‪ .‬فاجلواب‪ :‬أنه وإن مل يرد يف النص لكنه من ابب ما ال يتم الواجب إال به‬
‫فهو واجب‪.‬‬
‫القاعدة األصولية‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به‬
‫ما ال يتم الواجب إال به‪ ،‬فاملقصود هبذه القاعدة هو‪ :‬ما ال ميكن فعل الواجب اتما إال بوجوده أو فعله‪،‬‬
‫فماذا حكمه؟ هل يكون واجبا أم ال؟ فاجلواب ميكن معرفته ابألحوال التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬ما ليس يف مقدور املكلف؛ مثال‪ :‬حضور اإلمام والعدد يف اجلمعة‪ ،‬الزوال لصالة الظهر‪ .‬فهذا غري‬
‫واجب اتفاقا‪.‬‬
‫ما كان يف مقدور املكلف ومل يؤمر بتحصيله؛ مثال‪ :‬النصاب للزكاة‪ .‬فهذا غري واجب اتفاقا‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫ما كان يف مقدور املكلف وأُمر بتحصيله؛ مثال‪ :‬الطهارة للصالة‪ ،‬والسعي إىل اجلمعة‪ ،‬وغسل جزء من‬ ‫‪)3‬‬

‫الرأس مع الوجه يف الوضوء‪ ،‬وإمساك جزء من الليل مع النهار يف الصوم‪ ،‬وهذا وقع فيه اخلالف‪.‬‬
‫فاجلمهور على أنه واجب‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪13 | ١‬‬


‫فصياغة القاعدة املناسبة أن نقول‪:‬‬
‫▪ ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب " كالطهارة للصالة "‪.‬‬
‫▪ ما ال يتم الوجوب إال به فليس بواجب " كالزوال لصالة الظهر "‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تقسيم الواجب بالنظر إلى تقديره وتحديده إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ )1‬واجب محدد‪ :‬وهو ما حدده الشرع وقدره مبقدار معني‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الصلوات اخلمس‪ ،‬ومثل زكاة األموال‪ ،‬وصيام رمضان‪ ،‬وغسل اليدين والرجلني وحنو ذلك‪ .‬فاملكلف‬
‫ال يفعل شيئا زائدا على الفعل احملدَّد واملعني‪.‬‬
‫‪ )2‬واجب غير محدد‪ :‬وهو ما مل حيدده الشارع‪ ،‬ومل يقدره مبقدار معني‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الطمأنينة يف الركوع والطمأنينة يف السجود‪ ،‬واجبة يف الصالة لكن مل يقدر الشارع مدة هذه‬
‫الطمأنينة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم الزيادة على أقل الواجب‪:‬‬
‫هذه الزايدة إذا كانت متميزة‪ ،‬فإن العلماء ال خيتلفون يف أهنا ليست واجبة‪ .‬مثال‪ :‬أن يدفع يف زكاة‬
‫الفطر كيسا من األرز فيه عشرون صاعا‪ ،‬وزكاته هو وأسرته مخسة عشر صاعا‪ ،‬فهذه الزايدة مندوبة ابالتفاق‪.‬‬
‫وأما إن كانت غري متميزة‪ ،‬مثال‪ :‬الزايدة يف الركوع والسجود على القدر الذي حتصل به الطمأنينة‪ ،‬فهذه‬
‫اختلفوا فيها على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬املكلف يستطيع أن يزيد على أقل الواجب‪ ،‬والزايدة مندوبة هنا؛ ألن الواجب ال جيوز تركه إال‬
‫بشرط البدل‪ ،‬وهذه الزايدة على أقل الواجب جيوز تركها بال شرط وال بدل‪ ،‬فتكون الزايدة مندوبة‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬الزايدة على القدر الواجب فيها واجبة (قال به‪ :‬أبو حسن الكرخي وبعض احلنابلة)؛ ألن األمر‬
‫واحد ال يتميز البعض عن البعض فالكل امتثال‪.‬‬
‫وهذا اخلالف ال يرتتب عليه فيها كبري فائدة؛ إذ ال يظهر للخالف فائدة إال مقدار الثواب‪ .‬أيثاب عليها‬
‫ثواب فرض أم ثواب انفلة؟ ومقدار الثواب يرجع إىل أمور أخرى من اإلخالص وإتقان العمل‪ ،‬وهو أمر مغيب‬
‫عنا‪ ،‬فال نطيل بذكر األدلة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تقسيم الواجب باعتبار فاعله والمخاطبين به إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ )1‬الواجب العيني‪ :‬وهو ما يتحتَّم أداؤه على مكلَّف بعينه‪ ،‬أو هو‪ :‬ما طلب حصوله من عني كل واحد‬
‫من املكلفني حبيث ال تربأ ذمته إال بفعله‪ .‬مثال‪ :‬كالصالة والصيام‪.‬‬
‫‪ )2‬الواجب الكفائي‪ :‬وهو ما يتحتم أداؤه على مجاعة من املكلفني‪ ،‬ال من كل فرد منهم‪ .‬حبيث إذا قام به‬
‫بعض املكلفني‪ ،‬فقد أ ُِّدي الواجب‪ ،‬وسقط اإلمث واحلرج عن الباقني‪ .‬مثال‪ :‬اجلهاد يف سبيل هللا إن مل يكن‬
‫النفري عاما‪ ،‬والصالة على امليت؛ وتغسيله؛ وتكفينه‪ ،‬ورد السالم‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫وإذا مل يؤده أحد فإن اإلمث يلحق مجيع املكلفني‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪14 | ١‬‬


‫الفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي‪:‬‬
‫أن الواجب العيين مطلوب من كل واحد من املكلفني بعينه‪ ،‬فال يقوم فعل غريه مقام فعله إال إبذنه‪ ،‬فإن‬ ‫‪.1‬‬

‫أذن له يف فعله نيابة عنه (إن كان الواجب مما تدخله النيابة) أجزأه ما يفعله ذلك الغري عنه وإال فال‪.‬‬
‫وأما الواجب الكفائي فال يطلب من كل واحد وال من واحد معني‪ ،‬بل إذا قام به من يكفي أجزأ‪ ،‬وال‬
‫يشرتط فيه اإلذن‪ ،‬بل مهما فعل أجزأ عمن مل يفعل وسقط عنه اإلمث‪.‬‬
‫أن الواجب العيين مصلحته ترجع إىل فاعله‪ ،‬أما الواجب الكفائي فمصلحته عامة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫الواجب الكفائي ينوب فيه البعض عن الكل‪ .‬وأما الواجب العيين فال يكفي فعل بعض املكلفني عن‬ ‫‪.3‬‬

‫بعضهم اآلخر‪.‬‬
‫األمر يف الواجب العيين موجه جلميع املكلفني‪ ،‬أي‪ :‬لكل واحد منهم‪ .‬وأما األمر يف الواجب الكفائي‬ ‫‪.٤‬‬

‫متوجه إىل اجلميع ويسقط بفعل بعضهم‪.‬‬


‫المندوب‬
‫تعريف المندوب‬
‫المندوب لغة‪ :‬اسم مفعول من الندب‪ ،‬وهو مبعىن‪ :‬الدعاء إىل أمر مهم‪ .‬فيكون معىن املندوب‪ :‬املدعو إليه‪.‬‬
‫والمندوب اصطالحا‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلبا غري جازم‪.‬‬
‫تعريف آخر‪ :‬املطلوب فعله شرعا من غري ذم على تركه مطلقا‪ ،‬أو ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل المندوب مأمور به حقيقة؟ فيها قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬مأمور به حقيقة (قول اجلمهور واختاره ابن قدامة)‬
‫القول الثان‪ :‬مأمور به جمازا ال حقيقة (قول الرازي وبعض الشافعية ووجه عند املالكية)‪.‬‬
‫أدلة القول الثان‪:‬‬
‫▪ قال هللا تعاىل‪{ :‬فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وجه الداللة‪ :‬إن‬
‫هللا يف هذه األية حيذر من خمالفة أمر هللا ورسوله‪ ،‬وتوعد من خيالف ذلك األمر ابلعقاب (فتنة وعذاب)‪.‬‬
‫واملندوب ‪-‬كما سبق‪ -‬هو ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ .‬فإذا أن املندوب ليس مأمورا به‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬أان نسلم لكم أن األمر هنا يقتضي الوجوب‪ ،‬حيث إن هللا توعد من خيالف أمره وأمر رسوله‬
‫ابلعقاب(فتنة وعذاب)‪ ،‬وهذا هو أحد تعريفات الواجب السابقة وهو‪ :‬ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه‪.‬‬
‫▪ قال النيب ‪( :‬لوال أن أشق على أميت ألمرهتم ابلسواك عند كل صالة) وجه الداللة‪ :‬معلوم أن السواك‬
‫مندوب‪ ،‬واملندوب لو كان مأمورا به؛ لكان السواك مأمورا به‪ ،‬ولكن النيب ﷺ مل أيمر به من أجل املشقة‪.‬‬
‫وأجيب عنه أبن املقصود‪ :‬ألمرهتم أمر إجياب‪.‬‬
‫▪ إن األمر اقتضاء جازم ال ختيري معه‪ ،‬ويف الندب ختيري‪ .‬ولو كان املندوب مأمورا به‪ ،‬ملا وقع التخيري فيه‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪15 | ١‬‬


‫وأجيب عنه‪ :‬أبن األمر ليس فيه ختيري‪ ،‬واملندوب كذلك ال ختيري فيه‪ ،‬حيث إن فعل املندوب أرجح من تركه‪ .‬أما‬
‫التخيري‪ :‬فهو عبارة عن كون فعل الشيئ وتركه سواء‪ ،‬ال ترجيح أحدمها على اآلخر كالفعل والرتك ابلنسبة للمباح‪.‬‬
‫▪ لو كان املندوب مأمورا به لسمي اتركه عاصيا كتارك الواجب‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬أبنه مل يسم اتركه عاصيا ألن (العصيان) اسم ذم خمتص مبخالفة أمر اإلجياب‪ ،‬وقد أسقط هللا تعاىل‬
‫الذم عنه‪ .‬لكن يسمى اتركه خمالفا وغري ممتثل ويسمى فاعله موافقا ومطيعا‪.‬‬
‫أدلة القول األول‪:‬‬
‫‪ )1‬ألن األمر استدعاء وطلب واملندوب مستدعى ومطلوب‪ ،‬فتصدق عليه حقيقة األمر‪.‬‬
‫وألنه قد أطلق األمر على املندوب يف الكتاب والسنة وغريمها كقوله تعاىل‪( :‬إن هللا أيمر ابلعدل واإلحسان‬ ‫‪)2‬‬

‫وإيتائ ذي القرىب)‪ ،‬فالعدل واجب‪ ،‬واإلحسان وايتاء ذي القرىب مندوابن‪.‬‬


‫أن فعل املندوب طاعة ابالتفاق‪ ،‬فوجب أن يكون مأمورا به حقيقة كالواجب‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫أسماء المندوب‬
‫يسمى املندوب عند مجهور العلماء من املذاهب الثالثة غري املذهب احلنفي أبمساء كثرية‪ ،‬أمهها‪ :‬السنة‪،‬‬
‫واملستحب‪ ،‬والرغيبة‪ ،‬والنافلة‪ ،‬والتطوع‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وعند بعض احلنفية ينقسم املندوب إل‪:‬‬
‫سنة هدى‪ :‬وهي ما كان أخذها هدى‪ ،‬وتركها ضاللة‪ ،‬وميثلوهنا بصالة العيد‪ ،‬واألذان‪ ،‬واإلقامة‪ ،‬والصالة يف‬
‫مجاعة‪ ،‬وتركها يستوجب اللوم والعتاب‪ .‬وهذا النوع يسميه اجلمهور سنة مؤكدة‪ ،‬وميثلونه بصالة الوتر‪ ،‬وهلذا قال‬
‫أمحد‪( :‬اترك الوتر رجل سوء) مع أنه ال يرى وجوب الوتر‪.‬‬
‫سنة مطلقة‪ :‬وهي ما فعله الرسول صلى هللا عليه وسلم ومل أيمر به أمر إجياب‪ ،‬مثل السنن الرواتب‪ ،‬وصيام‬
‫االثنني واخلميس‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫انفلة‪ :‬وهي ما شرع من العبادات الزائدة على الفروض‪.‬‬
‫وذهب بعض احلنابلة إل تقسيم املندوب إل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫سنة‪ :‬وهي ما عظم أجره‪ ،.‬انفلة‪ :‬وهي ما قل أجره‪ ،.‬فضيلة ورغيبة‪ :‬وهو ما توسط أجره‪.‬‬
‫وهذا تقسيم مبين على عظم األجر‪ ،‬وذلك أمر مغيب عنا‪ ،‬واألجر خيتلف ابختالف النية واإلخالص وإحسان‬
‫الفعل‪.‬‬
‫ومن األلفاظ املشهورة عند الفقهاء‪:‬‬
‫السنة املؤكدة‪ :‬وهي ما فعله النيب صلى هللا عليه وسلم وواظب عليه يف احلضر والسفر‪ ،‬مثل الوتر وسنة الفجر‪.‬‬
‫واملستحب‪ :‬وهو ما رغب فيه النيب صلى هللا عليه وسلم فعله أو مل يفعله‪ ،‬مثل صيام يوم وترك يوم‪ ،‬فإن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬خري الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما) ومل يفعل هذا‪ ،‬ومما فعله صيام‬
‫االثنني واخلميس‪ ،‬وصيام عاشوراء‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪16 | ١‬‬


‫المكروه‬
‫تعريف المكروه‬
‫المكروه لغة‪ :‬ضد احملبوب‪ ،‬تقول‪ :‬كرهت الشيء‪ ،‬إذا مل حتبه‪ .‬والكره‪ :‬املشقة‪.‬‬
‫المكروه اصطالحا‪ :‬ما طلب الشارع تركه طلبا غري جازم‪.‬‬
‫تعريف آخر‪ :‬ما تَـحرُكه خري من فعله‪ ،‬وال عقاب يف فعله‪ .‬أو ما يثاب اتركه وال يعاقب فاعله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إطالقات المكروه‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬بعض العلماء يطلق لفظ "مكروه" على ما هني عنه هنيا تنزيهيا‪ .‬وهو الذي ذكران تعريفه‪ ،‬وإذا أطلق‬
‫لفظ املكروه انصرف إىل هذا‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬وبعضهم يطلق لفظ "مكروه" ويريد به احلرام‪.‬‬
‫وقد روى هذا اإلطالق عن األئمة الثالثة‪ :‬مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد رمحهم هللا‪ .‬وذلك تورعا منهم وحذرا من‬
‫حالل وهذا حرام}‪،‬‬
‫الوقوع حتت طائلة النهي الوارد يف قوله تعاىل‪{ :‬وال تقولوا ملا تصف ألسنتكم الكذب هذا ٌ‬
‫وأيضا أتسيا ابلقرآن حيث قال تعاىل يف سورة اإلسراء‪{ :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} بعد ما ذكر‬
‫عددا من احملرمات‪.‬‬
‫وهذا كان من أسباب غلط كثري من املتأخرين من أتباع األئمة كما قال ابن القيم رمحه هللا‪.‬‬
‫والمكروه عند الحنفية ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬املكروه كراهة حترميية‪ ،‬وهو‪ :‬ما طلب الشارع تركه طلبا جازما بدليل ظين‪.‬‬
‫مثال‪ :‬بيع الرجل على بيع أخيه‪ ،‬وخطبة الرجل على خطبة أخيه‪.‬‬
‫واحملرم عندهم‪ :‬هو ما طلب الشارع تركه طلبا جازما بدليل قطعي‪.‬‬
‫مثال‪ :‬السرقة‪ ،‬الزان‪ ،‬الراب‪ ،‬اخلمر‪.‬‬
‫‪ .2‬املكروه كراهة تنزيهية‪ ،‬وهو‪ :‬ما طلب الشارع تركه طلبا غري جازم‪ .‬مثال‪ :‬أكل حلوم اخليل‪ ،‬األخذ ابلشمال‬
‫واإلعطاء ابلشمال‪ ،‬فقد هنى النيب صلى هللا عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬فمن أعطى بشماله أو أخذ هبا فال إمث عليه‪،‬‬
‫وال يعاقب‪ ،‬ألنه مكروه فقط‪ ،‬وليس حراما‪.‬‬
‫الحرام‬
‫تعريف الحرام‬
‫"حَرمه الشيء" إذا منعه إايه‪.‬‬
‫الحرام لغة‪ :‬املمنوع‪ ،‬يقال‪َ :‬‬
‫الحرام اصطالحا‪ :‬ما طلب الشارع تركه طلبا جازما‬
‫تعريف آخر‪ :‬ما ذُ َّم فاعله شرعا‪ .‬أو ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل يكون الشيء الواحد واجبا وحراما؟‬
‫احلرام ضد الواجب‪ ،‬والنهي ضد األمر‪ ،‬وهلذا فهل ميكن أن يكون الشيء الواحد ابلعني حراما واجبا؟ مأمورا به‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪17 | ١‬‬


‫منهيا عنه من جهة واحدة‪.‬؟ فيمكن اجلواب كالتفصيل اآليت‪:‬‬
‫▪ يستحيل أن يكون الواحد ابلعني حراما واجبا من جهة واحدة؛ ألن النهي يرجع إىل ذات املنهي عنه‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬اعتق هذا العبد وال تعتق هذا العبد " ويقصد عبدا معينا؛ وذلك لتضادمها وتنافيهما وتناقضهما‪،‬‬
‫وهو من ابب تكليف ما ال يطاق‪ ،‬وهو ال جيوز‪.‬‬
‫▪ ميكن أن يكون الواحد ابلنوع (اجلنس) واجبا وحراما‪ ،‬مثل‪" :‬السجود"‪ ،‬فإنه إذا وقع لغري هللا كان حراما‪،‬‬
‫وإذا وقع هلل كان واجبا أو مندواب‪ .‬وال تناقض يف ذلك‪ ،‬وذلك لتغايرمها ابلشخصية‪ ،‬فيكون بعض أفراده‬
‫واجبا كالسجود هلل‪ ،‬وبعضها حرام كالسجود لغري هللا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ال تسجدوا للشمس وال للقمر‬
‫واسجدوا هلل الذي خلقهن}‪.‬‬
‫▪ وهل جيوز أن يكون الواحد ابلعني حراما واجبا من جهتني؟‪ ،‬فاجلهتان‪ :‬يكون حراما من جهة وطاعة من‬
‫جهة أخرى‪.‬كالصالة يف الدار املغصوبة‪ ،‬فإهنا من حيث كوهنا صالة طاعة هلل‪ ،‬ومن حيث كوهنا يف دار‬
‫مغصوبة معصية؛ ألن الغصب حمرم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬اختلف العلماء في صحة الصالة في الدار المغصوبة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أهنا ال تصح؛ (احلنابلة)‬
‫لألدلة‪:‬‬
‫▪ ألنه يؤدي إىل أن تكون العني الواحدة من األفعال حراما واجبا وهو متناقض‪.‬‬
‫▪ لو ارتكب املكلف الشئ املنهي عنه‪ ،‬وأخل بشرط العبادة‪ :‬لكان قد أفسد هذه العبادة ابإلمجاع‪ .‬مثاله‪ :‬من‬
‫صلى وهو يعرف أنه حمدث‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬أهنا صحيحة (اجلمهور)‬
‫▪ ألن الفعل "وهو الصالة" مطلوب الفعل‪ ،‬واملكان املصلى فيه مطلوب الرتك؛ حيث إنه مغصوب‪ ،‬فاجلهتان‬
‫منفكتان‪ ،‬فالصالة من حيث هي مأمور هبا بقطع النظر عما يلحقها من مكان أو غريه‪ ،‬والغصب من حيث‬
‫هو منهي عنه بقطع النظر عما يالبسه من أفعال الصالة‪.‬‬
‫▪ ولو قال السيد لعبده‪ :‬هات الثوب من الدار‪ ،‬وال تدخل هذه الدار! فإن امتثلت أعتقتك‪ ،‬وإن ارتكبت النهي‬
‫عاقبتك‪ ،‬فأخذ الثوب يف الدار‪ ،‬وحسن من السيد عتقه وعقوبته‪.‬‬
‫أقسام النهي عند المحققين‪:‬‬
‫األول‪ :‬النهي عن ذات الشيء كالزان واخلمر واخلنزير‪ ،‬الصالة بال وضوء‪.‬‬
‫النهي يقتضي البطالن والفساد إن كان النهي عن ذات املنهي عليه‬
‫الثاني‪ :‬النهي عن الوصف املالزم للذات‪ ،‬أي فالذات ليست حمرمة‪،‬‬
‫إن كان النهي عن وصف مالزم لذات الشيء املنهي عنه‪ ،‬كأن يكون شرطا فيه أو يكون ركنا من أركانه‪،‬‬
‫فهذا أيضا تبطل به العبادة‪ ،‬وإن كان عقدا ل يرتتب عليه آاثره‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪18 | ١‬‬


‫كالذهب فهو ليس حمرما يف ذاته‪ ،‬لكن احلرام هو بيع الذهب لرجل يريد أن يلبسه‪ ،‬فهذا البيع حرام‪ ،‬وال يرتتب‬
‫عليه آاثره‪ .‬وأيضا كبيع الذهب ابلذهب مع الزايدة‪ ،‬فالذهب ابلذهب ليس حبرام‪ ،‬واحلرام هو يف وصف مالزم‬
‫للذات وهو الزايدة‪ ،‬فهذا الوصف املالزم للذات حيرم من أجله بيع الذهب ابلذهب‪ ،‬فهذا البيع ال يرتتب عليه‬
‫آاثره‪ ،‬ويبطل العقد‪.‬‬
‫وكقوله تعاىل (أقيموا الصالة) مع قوله‪( :‬ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى حىت تعلموا ما تقولون وال جنبا إال عابري‬
‫سبيل‪ )...‬وقوله‪( :‬دعي الصالة أايم أقرائك‪.)...‬‬
‫الثالث‪ :‬النهي عن أمر خارجي ليس وصفا مالزما للذات‪ ،‬وال هو هني عن ذات الشيء‪،‬‬
‫وإن كان النهي عن وصف خارج‪ ،‬فهذا الوصف اخلارج ل يقتضي البطالن؛ لكن نقول‪ :‬أيمث صاحبه ول‬
‫تبطل به العبادة‪ ،‬وأيضا ل يبطل العقد‬
‫األمثلة على ذلك كثرية منها‪:‬‬
‫الصالة يف ثوب احلرير‪ ،‬فإذا صلى املرء يف ثوب حرير‪ ،‬فهل تبطل الصالة أم ال؟ فالثوب احلرير ليس شرطا وال‬
‫ركنا يف الصالة‪ ،‬فهو وصف خارجي‪ ،‬فقد هنى النيب صلى هللا عليه وسلم عن لبس احلرير سواء يف الصالة أو‬
‫خارج الصالة‪ ،‬فهو غري مؤثر يف الصالة‪ ،‬فلو لب س احلرير يف غري أوقات الصالة ومل يصل به فهو آمث‪ ،‬ولو لبسه‬
‫وصلى به فهو آمث‪ .‬إذا اإلمث على اللبس وال عالقة للصالة بذلك‪ ،‬فالصالة تصح وأيمث بلبس احلرير‪.‬‬
‫الصالة يف املسجد الذي فيه قرب‪ ،‬فالصالة يف املسجد الذي فيه قرب عند اجلمهور صحيحة‪ ،‬وأيمث صاحبها‪.‬‬
‫وقلنا بذلك ألن وجود القرب ليس شرطا من شروط الصالة وليس ركنا من أركان الصالة‪ ،‬فيكون هذا النهي عن‬
‫أمر خارجي‪ ،‬فنقول‪ :‬ال تبطل الصالة هبذا‪ ،‬وأيمث املصلي يف ذلك املكان‪.‬‬
‫الصالة يف الثوب املغصوب أو الدار املغصوبة أو الوضوء ابملاء املغصوب‪ ،‬ومذهب اجلمهور أن الصالة‬
‫صحيحة والغصب حرام؛ ألن الغصب ليس شرطا من شروط الصالة‪ ،‬وليس ركنا من أركان الصالة‪.‬‬
‫البيع وقت نداء اجلمعة‪ ،‬قال اجلمهور‪ :‬البيع صحيح‪ ،‬وأيمثان مبخالفة النهي‪.‬‬
‫المباح‬
‫تعريف المباح‬
‫املباح لغة‪ :‬مأخوذ من اإلابحة مبعىن‪ :‬اإلعالن واإلظهار‪ ،‬يقال‪ :‬أابح ابلسر أي‪ :‬أعلنه وأظهره‪.‬‬
‫وأييت مبعىن اإلذن‪ ،‬يقال‪ :‬أابح األكل من بستانه‪ ،‬أي‪ :‬أذن ابألكل منه‪.‬‬
‫املباح اصطالحا‪ :‬ما أذن هللا تعاىل للمكلفني يف فعله وتركه مطلقا من غري مدح وال ذم يف أحد طرفيه لذاته‪.‬‬
‫تعريف آلخر‪ :‬ما خري الشارع فيه بني الفعل والرتك‪.‬‬
‫أمساء املباح‪ :‬املباح‪ ،‬واحلالل‪ ،‬واحلِّ ُّل‪ ،‬واجلائز‪ ،‬و ِّ‬
‫الطلق‪ ،‬واملطحلَق‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل المباح من الشرع أم ال؟‬
‫القول األول‪ :‬أن املباح حكم شرعي (قول اجلمهور)‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪19 | ١‬‬


‫دليلهم‪ :‬قياسا على بقية األحكام الشرعية كالواجب واملندوب‪ ،‬فكما أن تلك من األحكام الشرعية فكذلك‬
‫املباح‪ ،‬وال فرق بينه وبينها‪ ،‬جبامع‪ :‬أن كال منها متوقف يف وجوده على الشرع‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬أن املباح ليس حبكم شرعي بل هو حكم عقلي (قول بعض املعتزلة)‬
‫دليلهم‪ :‬ألن معىن اإلابحة‪ :‬نفي احلرج عن الفعل والرتك‪ ،‬وذلك اثبت ومعلوم قبل ورود الشرع‪ .‬فكل ما مل يثبت‬
‫حترميه أو وجوبه أو ندبيته أو كراهيته بعد ورود الشرع يبقى على إابحته‪.‬‬
‫تقسيم اإلباحة‬
‫األول‪ :‬إابحة شرعية‪ :‬أي ما صرح فيه الشرع ابلتخيري بني فعله وتركه‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إابحة اجلماع يف ليايل رمضان املنصوص عليها بقوله تعاىل‪{ :‬أحلت لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم}‬
‫الثاني‪ :‬إابحة عقلية‪ :‬ما مل يرد فيه خطاب ابلتخيري‪ ،‬وهو املسمى ابلرباءة األصلية‪ ،‬وهي استصحاب العدم‬
‫اخلضروات املعروفة‪ ،‬إابحة لُبس مجيع أنواع الثياب إال ما ورد يف حترميه نص‪.‬‬
‫األصلي‪ .‬مثال‪ :‬إابحة أكل الفواكه و َ‬
‫مسألة‪ :‬هل المباح داخل تحت التكليف؟‬
‫القول األول‪ :‬ال (اجلمهور)‬
‫ألن التكليف طلب فيه كلفة ومشقة (األمر والنهي)‪ ،‬واملباح ال طلب فيه‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬نعم (أبو إسحاق السفراييين)‬
‫مادام أن املباح جاء خبطاب الشرع‪ ،‬فهو كغريها من بقية األحكام التكليفية‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬علم أن املباح ال تكليف فيه وال طلب‪ ،‬فهو هبذا االعتبار ال يدخل يف أقسام التكليف‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬إذا كان املباح ال يدخل حتت التكليف‪ ،‬فكيف أدخل يف أقسام األحكام التكليفية؟‬
‫الجواب‪ :‬أدخل فيها من ابب املساحمة وإكمال القسمة‪.‬‬
‫حكم المباح‬
‫املباح من حيث ذاته ال يتعلق ابألمر والنهي؛ ولكن إن صار وسيلة إىل املأمور به أو املنهي عنه‪ ،‬فحكمه حكم‬
‫ما كان وسيلة إليه‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫‪ -‬شراء املاء ملن مل جيد ماء يتوضأ به‪ ،‬فواجب‪ .‬مع أن األصل فيه اإلابحة‪.‬‬
‫‪ -‬شراء السالح ليقتل به نفسا حمرمة‪ ،‬فحرام‪ .‬مع أن األصل فيه اإلابحة‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪20 | ١‬‬


‫التكليف وشروطه وما يتعلق به‬
‫تعريف التكليف‬
‫التكليف لغة‪ :‬مصدر من فعل كلف يكلف‪ ،‬وهو اإللزام مبا فيه كلفة‪ .‬والكلفة هي املشقة‪ ،‬ويطلق على األمر‬
‫مبا يشق عليك‪ ،‬فهو إذا‪ :‬األمر مبا فيه كلفة ومشقة‪.‬‬
‫التكليف اصطالحا‪ :‬هو اخلطاب أبمر أو هني‪.‬‬
‫شروط التكليف‬
‫تنقسم شروطه إلى قسمين‪ :‬األول‪/‬شروط متعلقة ابملكلف‪ ،‬وهي قسمان مها‪ :‬شروط عامة وشروط‬
‫مقيدة‪ .‬والثاين‪/‬شروط متعلقة ابلفعل املكلف به‪.‬‬
‫الشروط المتعلقة بالمكلف‬
‫األول‪ :‬الشروط العامة‬
‫أربعة شروط‪ :‬البلوغ؛ العقل وفهم اخلطاب؛ القدرة على االمتثال؛ االختيار‪.‬‬
‫‪ )1‬أن يكون ابلغا‪ ،‬وهو حيصل ببلوغ الذكر أو األنثى مخس عشرة سنة‪ ،‬كما حيصل ابإلنزال ابحتالم أو‬
‫جبماع‪ ،‬أو بنبات الشعر اخلشن حول العانة‪ .‬وتزيد األنثى ابحليض واحلمل فإهنا من عالمات بلوغها‪.‬‬
‫فخرج به‪ :‬الصيب‪ ،‬وإن كان عاقال فامها للخطاب‪ ،‬فإنه ال ميكن تكليفه‪.‬‬
‫أن يكون عاقالا وفامها للخطاب‪ ،‬فخرج به‪ :‬اجملنون وإن كان ابلغا‪ ،‬فإنه ال ميكن تكليفه‪ .‬والدليل على‬ ‫‪)2‬‬

‫عدم خطاب اجملنون قوله صلى هللا عليه وسلم‪( :‬رفع القلم عن ثالثة)‪ ،‬وذكر منهم‪( :‬اجملنون حىت يفيق)‪.‬‬
‫ويلحق ابجملنون كل من ال يعقل اخلطاب من انئم أو مغمى عليه أو ذاهل انس فإنه حال نسيانه ال‬
‫خياطب ولعدم الفهم وهم يف حالتهم تلك‪ .‬وهذا ال مينع وجوب الفعل يف ذمته ووجوب قضائه‪ ،‬وقد‬
‫يسمى خماطبا هبذا املعىن أي مبعىن لزوم الفعل يف ذمته‪.‬‬
‫اّلِلُ نـَ حفسا إَِّّال‬
‫ف َّ‬ ‫أن يكون قادرا على االمتثال‪ ،‬فخرج به‪ :‬العاجز‪ ،‬فإنه ال يكلف؛ لقوله تعاىل‪ِّ َ :‬‬
‫{ال يُ َكل ُ‬ ‫‪)3‬‬

‫ُو حس َع َها}‪.‬‬
‫‪ )4‬أن يكون خمتارا‪ ،‬أي ال يكون مكرها على الفعل وال على الرتك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الشروط المقيدة‬
‫وأما الشروط اليت ختتلف ابختالف املكلف به فمنها‪ :‬احلرية‪ ،‬فهي شرط للتكليف ابجلهاد واجلمعة‪،‬‬
‫وليست شرطا للتكليف ابلصالة والصوم‪ .‬ومنها‪ :‬الذكورية‪ ،‬وهي شرط للتكليف ابجلمعة‪ ،‬ومنها‪ :‬اإلقامة‪ ،‬شرط‬
‫للجمعة‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪( :‬الصبي غير المميز) و(المجنون)‪ ،‬الكهما غري ملكفني‪.‬‬
‫• لقول النيب ﷺ (رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت يبلغ‪ ،‬وعن اجملنون حىت‬
‫يعقل)‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪21 | ١‬‬


‫• ألهنما ال يعقالن وال يفهمان اخلطاب‪ ،‬وألن مقتضى التكليف والغاية منه طاعة املكلف وامتثاله ملا‬
‫كلف به‪ ،‬وال ميكن ذلك إال ابلنية والقصد‪.‬‬
‫وشرط النية والقصد هو‪ :‬العلم ابملقصود والفهم للتكليف‪ ،‬وهذا غري ممكن من الصيب غري املميز واجملنون‪ ،‬ألن‬
‫مدار العلم والفهم على العقل‪ ،‬وهو غري موجود فيهما‪ ،‬أو غري موجود يف اجملنون وانقص يف الصيب غري املميز‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الصبي المميز غري ملكف‬
‫• لقول النيب ﷺ (رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت يبلغ‪ ،‬وعن اجملنون حىت‬
‫يعقل)‬
‫• وأيضا فهو وإن كان يفهم اخلطاب‪ ،‬لكنه مل يستكمل العقل‪ ،‬فعقله انقص ليس كعقل الشيخص البالغ‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الناسي والساهي والغافل والنائم والمغمي عليه‬
‫غري ملكفني وهم يف حالة السهو والنسيان والغفلة والنوم واإلغماء؛ ألن هؤالء وهم يف حالتهم تلك قد فقدوا‬
‫شرطا من شروط التكليف‪ ،‬وهو‪" :‬الفهم"‬
‫مسألة‪ :‬السكران‬
‫السكران له حالتان‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يذهب السكر مجيع عقله‪ ،‬حبيث ال يعقل شيئا‪ .‬وهذا هو املعروف ابلسكران الطافح‪.‬‬
‫فهذا غري مكلف‪ ،‬النه ال يفهم اخلطاب‪.‬‬
‫‪ )2‬أن ال يذهب السكر مجيع عقله‪ ،‬هو املعروف ابلسكران غري الطافح‪.‬‬
‫فهذا مكلف‪ ،‬النه يعقل ويفهم اخلطاب‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬أنتم تقولون أبن اجملنون والصيب والناسي والنائم والسكران(الطافح) غري مكلفني‪ .‬فكيف جتب الزكاة يف‬
‫مال الصيب واجملنون؟ وكيف جتب عليهم مجيعا غرامات وضمان ما أتلفوه‪ ،‬وأرش اجلناايت اليت فعلوها؟‬
‫الجواب‪ :‬كل هذا ليس تكليفا (ليس من ابب خطاب التكليف)؛ بل هو من قبيل خطاب الوضع‪ .‬فوجوب‬
‫ذلك عليهم من قبيل ربط االحكام أبسباهبا‪ .‬فاهلل تعاىل جعل ملك النصاب سببا لوجوب الزكاة بعد حوالن‬
‫احلول‪ ،‬وجعل اإلتالف سببا للغرامة والضمان‪ ،‬وجعل اجلناية سببا للزوم األرش‪ .‬وذلك مثل البهيمة إذا أتلفت‬
‫شيئا‪ ،‬فعلى صاحبها الغرم والضمان بسبب إتالف هبيمته‪ ،‬مع أن البهيمة غري خماطبة وال مكلفة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل المكره مكلف؟‬
‫اإلكراه نوعان‪:‬‬
‫‪ .1‬إكراه ملجئ‬
‫وهو من محل على أمر يكرهه وال يرضاه ‪ ،‬وال يتعلق به قدرته واختياره‪ ،‬كمن ألقي من شاهق على مسلم فقتله‪،‬‬
‫فهذا غري مكلف اتفاقا؛ ألنه مسلوب القدرة غري خمتار كاآللة‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪22 | ١‬‬


‫‪ .2‬إكراه غري ملجئ‬
‫وهو من ُمحل على أمر يكرهه وال يرضاه‪ ،‬ولكن تتعلق به قدرته واختياره وإرادته‪ ،‬كمن قيل له‪ :‬اقتل أخاك املسلم‬
‫وإال قتلناك‪.‬‬
‫فمن أكره هذا النوع من اإلكراه‪ ،‬اختلف العلماء فيه هل هو مكلف أم ل؟‬
‫القول األول‪ :‬أنه مكلف (قول اجلمهور واختاره ابن قدامة)؛ ألنه عاقل يسمع اخلطاب ويفهمه‪ ،‬قادر على فعل‬
‫ما أكره عليه وعلى تركه‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬تكليفه حمال ‪ /‬أنه غري مكلف (قول املعتزلة)؛ ألنه ليس إبمكانه غري فعل ما أكره عليه‪ ،‬فال يبقى‬
‫له خرية‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة‪" :‬وهذا غري صحيح‪ ،‬فإنه قادر على فعله وتركه‪ .‬وهلذا جيب ترك القتل إذا أكره على قتل مسلم‪،‬‬
‫وأيمث بفعله‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل الكفار مكلفون بفروع اإلسالم؟‬
‫القول األول‪ :‬أهنم مكلفون بفروع اإلسالم مطلقا (قول الشافعي وأمحد واختاره ابن قدامة) لـآليت‪:‬‬
‫عموم قوله تعاىل‪{ :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال} فيدخل الكفار؛ حيث إهنم من‬ ‫‪)1‬‬

‫مجلة الناس‪ ،‬وال يوجد مانع من دخوهلم؛ ألنه لو وجد لعرفناه عند الطلب‪.‬‬
‫عموم قوله تعاىل‪{ :‬وأقيموا الصالة وءاتوا الزكاة}‪ ،‬حيث إن هذا عام يف حق املسلمني والكفار‪ ،‬فال‬ ‫‪)2‬‬

‫خيرج الكافر إال بدليل والكفر ليس برخصة مسقطة للخطاب عن الكافر‪.‬‬
‫‪ )3‬قوله تعاىل‪{ :‬فال صدق وال صلى ولكن كذب وتوىل}؛ حيث إن هللا تعاىل ذم الكافر على تركه لفرع‬
‫من فروع الشرعية وهي الصالة‪ ،‬وهذا يدل على أهنم مكلفون هبا‪.‬‬
‫‪ )4‬القياس على املسلم احملدث يف وجوب الصالة عليه مع حدثه جبامع أن كال منهما له مانع من الفعل‪.‬‬
‫القول الثان‪ :‬أهنم غري مكلفني هبا مطلقا؛ ألهنا ال تصح منهم يف حال الكفر وال جيب عليهم قضاؤها بعد‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أهنم غري مكلفني منها بغري النواهي؛ إذ ال معىن لوجوهبا مع استحالة فعلها يف الكفر وانتفاء‬
‫قضائها يف اإلسالم فكيف جيب ما ال ميكن امتثاله‪( ،‬قول أكثر أصحاب الرأي)‪.‬‬
‫شروط الفعل المكلف به‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يكون ممكنا ومقدورا عليه‪ ،‬فإن كان حماال كاجلمع بني الضدين وحنوه مل جيز األمر به‪.‬‬
‫أن يكون الفعل معدوما‪ ،‬أي‪ :‬مل يوجد أو مل حيصل‪ ،‬فيؤمر املسلم بصالة الظهر ‪-‬مثال‪ -‬قبل الزوال‪،‬‬ ‫‪)2‬‬

‫فهنا أمر هبا قبل وجودها؛ ألن إجياد الشيء املوجود حتصيل حاصل ال يرد به يف الشرع‪ ،‬وألنه ال حيسن‬
‫عقال أن يؤمر من هو قائم ابلقيام‪.‬‬
‫أن يكون معلوما لدى املكلف معروفا عنده‪ .‬وهذا يشمل أمرين‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪23 | ١‬‬


‫‪ -‬أن يعلم املكلف حقيقة الفعل املكلف به‪ ،‬ليتصوره؛ إذ ال يعقل أن يكلف بشيء جمهول‪ ،‬فيجب أن‬
‫يعلم طريقة الصالة وشروطها‪ ،‬وأركاهنا وواجباهتا وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعلم املكلف أن هذا الفعل مأمور به من قِّبل هللا تعاىل؛ ليُتصور منه قصد الطاعة واالمتثال‬
‫بفعله‪ ،‬وإال فال يكفي جمرد حصول الفعل منه من غري قصد وال نية المتثال أمر هللا تعاىل‪ ،‬لقوله ‪:‬‬
‫"ال عمل إال بنية"‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪24 | ١‬‬


‫األحكام الوضعية‬
‫الحكم الوضعي‪ :‬هو خطاب هللا تعاىل املتعلق جبعل الشيء سببا لشيء آخر‪ ،‬أو شرطا له‪ ،‬أو مانعا منه‪ ،‬أو‬
‫كونه صحيحا‪ ،‬أو فاسدا‪ ،‬أو عزمية أو رخصة‪ ،‬أو اداء أو إعادة أو قضاء‪.‬‬
‫فتكون أنواعه هي‪:‬‬
‫الصحة‪.‬‬ ‫‪)6‬‬ ‫‪ )1‬السبب‪.‬‬
‫الفساد‪.‬‬ ‫‪)7‬‬ ‫‪ )2‬الشرط‪.‬‬
‫األداء‪.‬‬ ‫‪)8‬‬ ‫‪ )3‬املانع‪.‬‬
‫اإلعادة‪.‬‬ ‫‪)9‬‬ ‫‪ )4‬العزمية‬
‫القضاء‬ ‫‪)10‬‬ ‫‪ )5‬والرخص‪.‬‬
‫الحكم الوضعي ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫ما يظهر به احلكم‪( .‬السبب‪ ،‬الشرط‪ ،‬املانع) وأضاف البعض "العلة" يف هذا القسم‪ ،‬وذهب اجلمهور‬ ‫‪)1‬‬

‫إىل ترادف العلة والسبب‪ ،‬إال أن السبب أعم من العلة يف مدلوله‪ ،‬فكل علة سبب‪ ،‬وليس كل سبب‬
‫علة‪.‬‬
‫‪ )2‬ما يوصف به احلكم‪( .‬العزمية والرخصة‪ ،‬الصحة والفساد‪ ،‬األداء واإلعادة والقضاء)‬
‫معنى الوضع‪:‬‬
‫أن الشارع جعل عالمات يعرف هبا وجود األحكام وعدمها‪ .‬مبعىن أنه يقول‪ :‬زوال الشمس مثال فقد‬
‫وضعت لوجوب الصالة‪ ،‬متام النصاب واحلول فقد وضعت لوجوب الزكاة‪ ،‬واذا حصل احليض فقد وضعت‬
‫سقوط الصالة والصوم وقِّس على هذا‪ .‬وإن الشارع الذي قام بوضع هذه االمور‪ ،‬أخربان أن وجود األحكام‬
‫وانتفائها متعلق بوجود تلك األمور أو انتفائها‪.‬‬
‫(السبب والشرط والمانع)‬
‫السبب‬
‫لغة‪ :‬هو ما يتوصل به إىل مقصود ما؛ لذلك يسمى الطريق سببا‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ويلزم من عدمه العدم لذاته‪ .‬أي‪ ،‬ما يلزم من وجود السبب وجود‬
‫احلكم‪ ،‬ويلزم من عدم السبب عدم احلكم‪ .‬مثال‪:‬‬
‫‪ )1‬زوال الشمس سبب لوجوب صالة الظهر‬
‫ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة‬ ‫‪)2‬‬

‫‪ )3‬السرقة سبب لوجوب إقامة احلد (قطع يد السارق)‬


‫مسألة‪ :‬ذكر ابن قدامة‪ :‬أن العلة من أقسام احلكم الشرعي الوضعي‪ ،‬خالفا للجمهور‪ .‬فما هو تعريف‬
‫العلة؟ وما هو الفرق بينها وبني السبب؟‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪25 | ١‬‬


‫العلة لغة‪ :‬هي املرض أو هي عبارة عما اقتضى تغيريا‪ ،‬ومنه مسيت علة املريض؛ ألهنا اقتضت تغري احلال‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬وهي الوصف ِّ‬
‫املعرف للحكم‪.‬‬
‫وتعترب العلة قسما من أقسام السبب‪ .‬فالسبب أعم من العلة؛ فكل علة سبب‪ ،‬وليس كل سبب علة‪ ،‬حيث إن‬
‫السبب ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ )1‬سبب معقول املعىن‪ :‬أي‪ :‬أدرك العقل ارتباط احلكم به‪ ،‬فهذه ي َّ‬
‫سمى سببا وعلة كتحرمي اخلمر‪،‬‬
‫فاإلسكار تسمى سببا وعلة للتحرمي‪.‬‬
‫‪ )2‬سبب غري معقول املعىن‪ :‬وهو الذي ال يدرك العقل ارتباط احلكم به‪ ،‬فهذا يسمى سببا ال علة‪،‬‬
‫كدخول الوقت يسمى سببا لوجوب الصالة‪ ،‬وال يسمى علة؛ لعدم إدراكنا للمناسبة بني دخول الوقت‬
‫ووجوب هذه الصالة بعينها‪.‬‬
‫فالسبب ‪-‬على هذا‪ -‬شامل للوصف املناسب وغري املناسب‪ .‬تعريف آخر للعلة‪ :‬ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬وال‬
‫يلزم من عدمه العدم لذاته‪.‬‬
‫الشرط‬
‫لغة‪ :‬هو العالمة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪{ :‬فَـ َق حد َجاءَ أَ حشَراطُ َها} أي عالماهتا‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته‪ .‬أي‪ :‬يلزم من عدم الشرط عدم‬
‫وجود احلكم‪ ،‬وال يلزم من وجود الشرط وجود احلكم‪ .‬مثال‪:‬‬
‫‪ )1‬الطهارة شرط لصحة الصالة‬
‫يلزم من عدم الطهارة عدم وجود احلكم وهو صحة الصالة‪ ،‬وال يلزم من وجود الطهارة وجود احلكم وهو‬
‫صحة الصالة‪ ،‬ألنه قد توجد الطهارة ويصلي ولكن ال تصح صالته‪ ،‬لكونه صلى قبل دخول الوقت‪ ،‬أو‬
‫صلى لغري القبلة‪.‬‬
‫حوالن احلول شرط لوجوب الزكاة‬ ‫‪)2‬‬

‫‪ )3‬اإلحصان شرط لوجوب الرجم‬


‫الشرط باعتبار وصفه ينقسم إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ )1‬شرط عقلي وهو‪ :‬ما ال يوجد املشروط عقال بدونه‪ ،‬كاشرتاط احلياة للعلم‪ ،‬والفهم للتكليف‪.‬‬
‫‪ )2‬شرط عادي وهو‪ :‬ما يكون شرطا عادة‪ ،‬كنصب السلم لصعود السطح‪.‬‬
‫‪ )3‬شرط لغوي وهو‪ :‬ما يذكر بصيغة التعليق مثل‪" :‬إن جنحت فلك جائزة "‪.‬‬
‫شرط شرعي وهو‪ :‬ما جعله الشارع شرطا لبعض األحكام‪ ،‬كاشرتاط الطهارة لصحة الصالة‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫الشرط الشرعي قسمان‪:‬‬


‫‪ )1‬شرط وجوب كزوال الشمس لصالة الظهر‪.‬‬
‫‪ )2‬شرط صحة كالطهارة للصالة‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪26 | ١‬‬


‫المانع‬
‫لغة‪ :‬هو احلائل بني الشيئني‪ ،‬يقال‪" :‬منعه األمر"‪ ،‬و "منعته منه"‪ ،‬فهو ممنوع أي‪ :‬حمروم‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو ما يلزم من وجوده العدم‪ ،‬وال يلزم من عدمه وجود وال عدم لذاته‪.‬‬
‫فيلزم من وجود املانع عدم وجود احلكم‪ ،‬وال يلزم من عدم املانع وجود احلكم أو عدمه‪ .‬مثال‪:‬‬
‫‪ )1‬الدين مانع من الزكاة‬
‫فيلزم من وجود الدين عدم وجود احلكم وهو وجوب الزكاة‪ ،‬وال يلزم من عدم الدين وجود احلكم وهو‬
‫وجوب الزكاة أو عدمه‪ ،‬فقد يكون الشخص غنيا ميلك النصاب وحال على ماله احلول‪ ،‬فهذا جتب عليه‬
‫الزكاة‪ ،‬وقد يكون فقريا فهذا ال جتب عليه الزكاة‪.‬‬
‫احليض مانع من الصالة والصوم‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫األبوة مانعة من القصاص يف القتل العمد العدوان‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫المانع للحكم ثالثة أقسام‪:‬‬


‫‪ )1‬مانع لبتداء احلكم فقط دون استمراره‪ ،‬مثال‪ :‬اإلحرام‪ ،‬فإنه مينع ابتداء النكاح‪ ،‬ولكنه ال مينع‬
‫استمراره‪ ،‬فلو أحرم بعد النكاح فإنه ال يفسخ به العقد‪.‬‬
‫مانع لدوام احلكم واستمراره فقط دون ابتداء احلكم‪ ،‬مثال‪ :‬الطالق‪ ،‬فإنه مينع من الدوام على النكاح‬ ‫‪)2‬‬

‫األول‪ ،‬ولكنه ال مينع من ابتداء نكاح اثين‪.‬‬


‫مانع لبتداء احلكم ولستمراره معا‪ ،‬مثال‪ :‬الرضاع‪ ،‬فإنه مينع ابتداء النكاح على امرأة هي أخته من‬ ‫‪)3‬‬

‫الرضاع‪ ،‬كما مينع استمراره‪ ،‬إذا طرأ عليه‪ ،‬وكذلك "احلدث" مينع انعقاد العبادة ابتداء كما مينع صحتها‬
‫إذا طرأ عليها‪.‬‬
‫ال بد في وجود الحكم الشرعي من توفر ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ )1‬وجود األسباب‬
‫‪ )2‬وجود الشروط‬
‫‪ )3‬انتفاء املوانع‬
‫وإذا ختلف أمر من هذه األمور‪ ،‬انتفى احلكم الشرعي والبد‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪27 | ١‬‬


‫الصحة والفساد والبطالن‬
‫هي أوصاف ترد على األحكام الشرعية بصفة عامة فتوصف هبا العبادات والعقود‪.‬‬
‫الصحة‬
‫لغة‪ :‬خالف السقم‪ ،‬وهي‪ :‬عبارة عن السالمة وعدم االختالل‪ ،‬فيقال‪ :‬صح فالن من عِّلَّته‪ ،‬أي‪ :‬أصبح ال‬
‫سقم فيه‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو أن يعترب الشارع شيئا ويقره ويعطيه حكما من األحكام الشرعية‪ .‬أو هي اعتبار الشرع الشيء يف‬
‫حق حكمه‪ .‬أو ترتب اآلاثر املقصودة من الفعل عليه‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فيكون الصحة هي‪ :‬صفة للفعل الذي وقع موافقا للشرع‪ ،‬الستجماعه ما يعترب فيه شرعا من الشروط‬
‫واألركان‪ ،‬وانتفاء املوانع‪.‬‬
‫الصحة تطلق على العبادات وعلى المعامالت‪:‬‬
‫املقصود بالصحة يف العبادات‬
‫هو سقوط القضاء مبعىن أنه ال ُحيتاج إىل فعل العبادة مرة اثنية‪ ،‬وهذا هو اإلجزاء‪ ،‬وال تكون العبادة جمزية‬
‫مسقطة للقضاء إال إذا كانت موافقة ألمر الشارع‪.‬‬
‫والدليل على ذلك قوله ‪( :‬من عمل عمالا ليس عليه أمران فهو رد)‪ .‬فمن كان عمله جاراي حتت أحكام الشرع‬
‫موافقا هلا‪ ،‬فهو مقبول‪ ،‬ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود‪.‬‬
‫املقصود بالصحة يف املعامالت‬
‫هو ترتب األثر املقصود من العقد على العقد؛ ألن العقد مل يوضع إال من أجل إفادة مقصودة‪ ،‬كملك البيع‪،‬‬
‫وملك البضع يف النكاح وإن مل يكن األمر كذلك فهو فاسد‪.‬‬
‫الفساد‬
‫لغة‪ :‬عبارة عن تغري الشيء من احلالة السليمة إىل احلالة السقيمة‪ ،‬واملفسدة نقيض املصلحة‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬خمالفة الفعل ذي الوجهني)‪ (7‬ألمر الشارع‪.‬‬
‫ويكون الفساد صفة للفعل الذي يقع خمالفا للشرع؛ نظرا لعدم استجماعه ما يعترب فيه شرعا من الشروط‬
‫واألركان‪ ،‬أو وجود مانع‪.‬‬
‫املقصود بالفساد يف العبادات‬
‫هو عدم اإلجزاء‪ ،‬أو عدم سقوط القضاء‪ ،‬أو عدم موافقة األمر الشرعي‪.‬‬
‫املقصود بالفساد يف املعامالت‬
‫هو عدم ترتب األثر املقصود من العقد على العقد‪.‬‬

‫)‪ (7‬املقصود ابلوجهني مها‪)1 :‬موافقة الشرع‪)2 ،‬وخمالفة الشرع‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪28 | ١‬‬


‫فكل نكاح مل يفد إابحة التلذذ ابملنكوحة فهو فاسد‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫اإلاثبة والصحة جيتمعان ويفرتقان‪:‬‬
‫مثااب عليه؛ كالعمل الكامل الذي توفرت شروطه وأركانه ومل تقرتن به معصية ختل‬
‫صحيحا ا‬
‫ا‬ ‫فيكون العمل‬ ‫‪)1‬‬

‫ابملقصود‪.‬‬
‫واترة يكون العمل فاسدا ابطال غري صحيح ولكنه يثاب عليه؛ كأ حن خيل ابلشروط واألركان‪ ،‬فيُثاب على‬ ‫‪)2‬‬

‫ما فعل وال تربأ ذمتُه‪.‬‬


‫صحيحا لكن ل ثواب عليه؛ وذلك إذا أتى ابملأمور على الوجه املطلوب لكن اقرتنت به‬
‫ا‬ ‫‪ )3‬واترة أخرى يكون‬
‫معصية ُختل ابملقصود‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل الفاسد والباطل مترادفان؟‬
‫القول األول‪ :‬إن الفاسد والباطل مرتادفان (إال يف بعض املسائل الفرعية كاحلج والنكاح والوكالة واخللع‬
‫واإلجارة)‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬لرتادفهما يف املعىن اللغوي‪ ،‬حيث إن الباطل لغة مبعىن الفاسد والساقط‪ ،‬يقال‪" :‬بطل الشيء"‪ ،‬إذا فسد‬
‫أو سقط حكمه‪ ،‬فال مزية ألحدمها على اآلخر‪( .‬قول اجلمهور)‬
‫القول الثان‪ :‬التفصيل‪( :‬قول احلنفية)‬
‫ففي ابب العبادات وابب النكاح من العقود‪ ،‬فإن الفاسد والباطل مرتادفان‪.‬‬
‫أما يف ابب املعامالت‪ :‬فإنه يوجد فرق بني الباطل والفاسد‪.‬‬
‫الباطل عندهم‪ :‬ما مل يكن مشروعا أبصله‪ ،‬وال بوصفه‪.‬‬
‫والفاسد عندهم‪ :‬ما كان مشروعا أبصله وغري مشروع بوصفه‪.‬‬
‫ومثال الفاسد‪ :‬كبيع الدرهم ابلدرمهني فهو مشروع أبصله وهو بيع درهم بدرهم‪ ،‬لكنه ممنوع بوصفه الذي هو‬
‫الزايدة اليت سببت الراب‪ ،‬ولذا لو حذف الدرهم الزائد عنده صح البيع يف الدرهم الباقي ابلدرهم على أصل بيع‬
‫الدرهم ابلدرهم يدا بيد‪.‬‬
‫مثال الباطل‪ :‬كبيع الدم ابلدرهم فهو بيع ابطل‪ ،‬ألنه بيع غري مشروع أبصله ووصفه‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫‪ -‬فإن العقد الفاسد؛ إذا اتصل ابلقبض يفيد امللك اخلبيث‪ .‬أما العقد الباطل؛ ال يفيد شيئا‪.‬‬
‫‪ -‬والعقد الفاسد؛ ميكن إصالحه برد الزايدة‪ ،‬إذا كانت هي سبب الفساد فيكون الباقي حالال طيبا‪ .‬أما‬
‫العقد الباطل؛ فهو لغو ال فائدة فيه وال ميكن إصالحه‪.‬‬
‫‪ -‬اخلالف يف هذه املسألة يعترب خالفا فقهيا ال أصوليا‪ ،‬وإمنا اخلالف نشأ عن دليل خاص لدى اجملتهد‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪29 | ١‬‬


‫العزيمة والرخصة‬
‫العزمية‬
‫لغة‪ :‬مشتقة من العزم‪ ،‬وهو القصد املؤكد‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪{ :‬فَـنَ ِّس َي َوَملح َِّجن حد لَهُ َع حزما}‪ ،‬أي‪ :‬قصدا بليغا متأكدا‬
‫يف العصيان‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هي وصف للحكم الثابت بدليل شرعي ابتداء‪ ،‬ال ألجل عذر‪.‬‬
‫الرخصة‬
‫لغة‪ :‬اليسر والسهولة والنعومة واللني‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هي وصف للحكم الثابت على خالف دليل شرعي لعذر‪.‬‬
‫اخلالصة‪ :‬العزمية أصل األحكام‪ ،‬والرخصة اخلروج عن األصل بعذر‪ .‬فالعزمية غالبا ما يوصف هبا الواجب‬
‫واملندوب واملكروه واحلرام واملباح‪ ،‬وال يطلق إال يف مقابل الرخصة‪.‬‬
‫مثال‪" :‬حترمي أكل امليتة" حكم اثبت من غري خمالفة دليل شرعي(عزمية)‪ ،‬فإذا وجدت املخمصة حصل املخالف‬
‫ور َرِّح ٌيم}‪ ،‬وهو خيرج عن‬
‫اّلِلَ َغ ُف ٌ‬
‫ص ٍة َغ حري متَجانِّ ٍ‬
‫ف ِِّّإل حٍمث فَإِّ َّن َّ‬ ‫اضطَُّر ِّيف خمَح َم َ َ ُ َ‬
‫لدليل التحرمي‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪{ :‬فَ َم ِّن ح‬
‫ت َعلَحي ُك ُم الح َمحيـتَةُ)‪ ،‬وذلك حلفظ النفس‪ ،‬فجاز األكل من امليتة وحصلت الرخصة؛ ألن مصلحة‬ ‫(ح ِّرَم ح‬
‫األصل‪ُ :‬‬
‫إحياء النفس‪ ،‬واحملافظة عليها مقدمة على مفسدة امليتة وما فيها من اخلبث‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬مجع الصالتني للعذر كالسفر أو املطر‪ ،‬وقصر الصالة الرابعية واإلفطار للمسافر لعذر السفر‪.‬‬
‫األحكام الموصوفة بالرخصة‬
‫األصل يف الرخصة أن ال يوصف هبا إال اإلابحة‪ ،‬ولكن قد يعرض للحكم املوصوف أبنه رخصة ما جيعله واجبا‬
‫أو مندواب‪ ،‬وذلك كاألكل من امليتة ملن أشرف على اهلالك‪ ،‬األصل أنه رخصة ولكن يكون واجبا إذا أدى تركه‬
‫إىل اهلالك‪.‬‬
‫والفطر للمسافر يف هنار رمضان رخصة‪ ،‬ولكن إذا شق عليه الصوم يكون الفطر مندواب‪ .‬وأما القصر يف السفر‬
‫فمن العلماء من جعله واجبا؛ ملواظبة الرسول صلى هللا عليه وسلم عليه‪ ،‬وحلديث عائشة‪« :‬فرضت الصالة‬
‫ركعتني ركعتني يف احلضر والسفر‪ ،‬فأقرت صالة السفر وزيد يف صالة احلضر» (أخرجاه يف الصحيحني‪ ،‬وهذا لفظ‬
‫مسلم) وال وجه لتسميته رخصة حينئذ‪ .‬ومنهم من جعله مندواب ملواظبة الرسول صلى هللا عليه وسلم عليه‪ ،‬وال‬
‫ميكن أن يواظب إال على األفضل‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫❖ إابحة التيمم إن كانت مع القدرة على استعمال املاء ملرض أو لزايدة مثن مسيت رخصة‪ .‬وإن كانت مع العجز‬
‫عنه‪ ،‬كعدم املاء فال يسمى رخصة؛ ألن سبب احلكم االصلي وهو وجود املاء زائل هنا‪.‬‬
‫❖ املباح ال يسمى رخصة‪ ،‬وكذلك ما كان فيه سعة وعدم تكليف كصوم شوال‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪30 | ١‬‬


‫❖ ما كان على من قبلنا من األحكام املغلظة قد خفف هللا عنا‪ ،‬فيجوز أن نسميه رخصة جمازا‪ .‬وقيل ليس‬
‫رخصة ألنه قد أبطل العمل هبذه األغالل‪.‬‬
‫❖ إابحة أكل امليتة للمضطر من جهة يسمى رخصة‪ ،‬ومن جهة أخرى يسمى عزمية‪.‬‬
‫‪ -‬مسيت رخصة ملا فيها من التسهيل عليه ابإلذن يف أكل امليتة‪ ،‬ومل يضيق عليه إبلزامه ترك األكل منها‬
‫حىت ميوت‪.‬‬
‫‪ -‬ومسيب عزمية من جهة وجوب األكل منها‪ ،‬حبيث لو ترك األكل منها‪ ،‬فإنه أيمث ويستحق العقاب‪.‬‬
‫األداء واإلعادة والقضاء‬
‫هذه األحوال واألوصاف للواجب املقيد ابلوقت‪ ،‬كالصالة والصوم‪ .‬فإنه يوصف ابألداء واإلعادة والقضاء‪ .‬وهذه‬
‫لواحق خطاب الوضع‪ ،‬ألن الوقت سبب لألداء‪ ،‬وخروجه سبب للقضاء‪ ،‬وفساد الفعل سبب لإلعادة‪ ،‬والسبب‬
‫حكم وضعي‪.‬‬
‫األداء‬
‫لغة‪ :‬هو إعطاء احلق لصاحب احلق‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪( :‬إن هللا أيمركم أن تؤدوا األماانت إىل أهلها)‬
‫اصطالحا‪ :‬هو فعل الشيء املأمور به أوال يف وقته املقدر له شرعا‪.‬‬
‫اإلعادة‬
‫لغة‪ :‬تكرير الفعل مرة أخرى‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هي فعل الشيء املأمور به اثنيا يف وقت األداء خللل يف األول‪.‬‬
‫اخللل يشمل ما اختل شرطه أو ركنه‪ ،‬وما نقص ثوابه وإن استكمل الشروط واألركان‪ ،‬مثل الصالة منفردا‪ ،‬فمن‬
‫صلى منفردا مث وجد مجاعة سن له أن يعيد الستدراك الفضل الذي فاته‪ ،‬فإن صالة اجلماعة تفضل صالة الفرد‬
‫بسبع وعشرين درجة‪.‬‬
‫القضاء‪ :‬وهو فعل الشيء املأمور به بعد خروج وقته احملدد شرعا مطلقا‪.‬‬
‫فعل بعضها يف الوقت أداء على األصح‪.‬‬ ‫وقيل القضاء‪ :‬هو فعل مجيع العبادة املؤقتة خارج الوقت املقدر هلا؛ َّ‬
‫ألن َ‬
‫فالقضاء خمصوص بفعل العبادة بعد فوات وقتها احملدد هلا شرعا مطلقا‪ ،‬أي‪ :‬سواء كان فوات الوقت لعذر‪ ،‬أو‬
‫لغري عذر‪ ،‬فإنه ال فرق‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪31 | ١‬‬


‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر للموفق ابن قدامة رمحه هللا‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫شرح خمتصر الروضة للطويف رمحه هللا‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫مذكرة يف أصول الفقه لألمني الشنقيطي رمحه هللا‪.‬‬ ‫‪)3‬‬


‫إمتاع العقول بروضة األصول لعبدالقادر شيبة احلمد حفظه هللا‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫تيسري الوصول إىل قواعد األصول ومعاقد الفصول‪/‬للشيخ عبدهللا الفوزان ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬ ‫‪)5‬‬

‫املهذب يف أصول الفقه املقارن للدكتور عبدالكرمي النملة حفظه‪.‬‬ ‫‪)6‬‬


‫إحتاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر لعبد الكرمي النملة‪.‬‬ ‫‪)7‬‬

‫‪ )8‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة حملمد بن احلسني اجليزاين‪.‬‬
‫‪ )9‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله لعياض بن انمي السلمي‪.‬‬
‫‪ )10‬ابإلضافة إىل مذكرات املقرر يف كلية الشريعة ابجلامعة اإلسالمية ابملدينة النبوية‪:‬‬
‫‪ -‬مذكرة الشيخ صاحل الغنام؛‬
‫‪ -‬مذكرة الشيخ سالمة األمحدي‪.‬‬

‫مذكرة أصول الفقه ‪32 | ١‬‬

You might also like