Professional Documents
Culture Documents
الدفاع المشروع
الدفاع المشروع
الدفاع المشــروع
المطلب األول
شروط الدفاع المشروع
للدفاع المشروع شروط يجب توافرها في اإلعتداء ،وشروط يجب
توافرها في الهجوم ،سنتطرق إليها ضمن الفرعين التاليين :
الفرع األول :الشروط الواجب توافرها في االعتداء:
يجب أن نالحظ أوالً ،أن االعتداء الحال والغير مشروع هو سبب
اإلباحة الحقيقي ،وليس "الدفاع المشروع" ،فاالعتداء الظالم هو السبب المبيح
5
لفعل المدافع .فأفعال الدفاع هذه ال تشكل جريمة بأي حال من األحوال .
أوال :شروط االعتداء 6 :ـ يجب أن يكون اإلعتداء حاالً Actuel
:فليس لحق الدفاع المشروع وجود متى كان من الممكن االحتماء في الوقت
المناسب برجال السلطة العامة .وهذا منطقي ،ألن الدفاع ال يصبح ضروريًا
إال إذا كان الخطر حاالً ،بمعنى أال يكون لدى المهدد بالعدوان من الوقت ما
يكفيه إلى االحتماء برجال السلطة العمومية .فالدفاع عن أفراد المجتمع
ساإلى السلطة العامة ،وفقًا لنظرية العقد االجتماعي المعروفة .
موكول أسا ً
وهناك حالتان نستطيع أن نتصور فيهما وجود الحق في الدفاع:
الحالة األولى :االعتداء لم يبدأ بعد ولكن هناك تهديد جدي به .ألن
الحكمة من الدفاع المشروع تكمن في تفادي الضرر ،فالمشرع الجنائي ال
يمكن أن يبيح الدفاع وتحييد المعتدي من جهة ،ويطلب من جهة أخرى من
المهدد باالعتداء ،انتظار وقوع الضرر أو الطلقة األولى ،فالدفاع حينئذ قد
متأخرا ،وقد بلغ المعتدي هدفه .
ً يكون ال معنى له ،إذ يكون الوقت
فالشخص الذي يرى آخر وهو بصدد تعبئة بندقيته ليصوبها إليه،
مضطرا قانونًا أن ينتظر حتى يفرغ من عمله ويسدد له الطلقة األولى، ً ليس
فيستطيع أن ينتزع منه سالحه أو أن يضربه بحيث يجعله يعدل عن هذه
الفكرة وحتى قتله إذا كانت الظروف الواقعة تسمح بهذا النوع من الدفاع،
يعني إما أن يكون قاتالً أو مقتوالً ،ومن البديهي أن حق المعتدى عليه يغلب
حق المعتدي ،فالحق في الحياة بالنسبة لألول أولى بالرعاية من حق األخير.1
الحالة الثانية :المعتدي شرع في اعتدائه فعالً ولكنه لم يفرغ منه بعد،
ففي هذه الحالة ،ومن باب أولى ،يحق للمعتدى عليه أن يستعمل كل الوسائل
10 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
المناسبة لدرء الضرر ودفع هذا االعتداء الفعلي الواقع عليه ،وهو في الحالة
األولى يحاول بدفاعه أن يتفادى حلول الضرر بدفع خطره ،وفي الحالة الثانية
يحاول أن يقلل من اآلثار الضارة لإلعتداء .
4ـ يجب أن يكون االعتداء غير مشروع ( : )Injusteإن أسباب
اإلباحة في القانون الوضعي مؤسسة على أداء الواجب أو استعمال الحق،
وانطالقًا من ذلك ،فالخطر غير المشروع هو الذي ال يعتبر قيا ًما بواجب أو
7
استعماالً لحق.
فهناك حالتان:
-6الحالة األولى :إذا أباح القانون الفعل أو أمر به ،ومن هذه
الحقوق ،حق التأديب وممارسة األعمال الطبية وغيرها ،فجميع هذه الحاالت
تتضمن اعتدا ًء ماديًا ال يجوز استعمال حق الدفاع المشروع دونه ،ألن هذا
االعتداء – إذا صح التعبير – يعد مشروعا.
أما القيام بالواجب ،فهناك ضمن الموظفين العموميين من تتطلب
وظائفهم القيام بأعمال العنف ويلجأون في الغالب إلى القوة المادية للمحافظة
على األمن والنظام العام ،والقانون البد أن يمنع مقاومة هؤالء الموظفين
ويعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها المشرع الجنائي ،فتنفيذ عقوبة اإلعدام أو
إيقاف أحد المجرمين الفارين أو الدخول إلى المساكن خالل تفتيش قضائي،
تقيد حرية األشخاص وفقًا للقانون ،وكل هذه التصرفات تعتبر مشروعة وال
يجوز ألي كان مقاومتها :فال أحد يستطيع االحتجاج باستعمال حق الدفاع
المشروع ضد هؤالء الموظفين ما داموا يقومون بواجباتهم وفقًا للقانون.
ولكن هل تجوز المقاومة عندما يتجاوز هؤالء الموظفون حدود
واجباتهم؟ بمعنى هل يجوز استعمال حق الدفاع المشروع ضد األعمال غير
المشروعة لهؤالء الموظفين العموميين؟
هناك عدة نظريات 8حول هذا الموضوع:
طا :فمقاومة وقد اتخذ المشرع الجزائري من هذه النظريات موقفًا وس ً
الموظفين العموميين ممنوعة من حيث المبدأ ،ولكنها مسموح بها في بعض
الحاالت فقط كما وضحت ذلك المادة 04من قانون العقوبات في فقرتها
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
األولى ،حيث جاء فيها ( :يدخل ضمن حالة الضرورة الحالة للدفاع
المشروع – 6القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على
حياة الشخص أو سالمة جسمه . ).
ً
ويعد إثبات ذلك من الصعوبة بمكان ،إذ البد من الرجوع إلى
العناصر الشخصية إلثيات وجود هذا الخطر من عدمه .
4ـ الحالة الثانية :هذه الحالة تتمثل في الخطر غير المشروع الذي
يبيح الدفاع ،ففي غالب األحوال يكون مصدر الخطر غير المشروع ،إنسانًا
مسؤوالً عن أفعاله .
صا غير مسؤول أو غير معاقب أصالً ولكن قد يحدث أن يكون المعتدي شخ ً
أو أن تكون العقوبة مخففة.
في الفرض األول :أن يكون المعتدي غير مسؤول كالصبي غير
المميز والمجنون ،فهؤالء األشخاص هم فاقدو الشعور واإلرادة ،فهم ال
يعاقبون ،ولكن الفعل يبقى مع ذلك غير مشروع ،فيحق لمن هو مستهدف به
أن يدفعه ألن الدفاع المشروع ،ليس عقوبة توقع على الفاعل ،كما أنه ال
يشكل جريمة ،بنص المادة 93عقوبات التي تستهل بلفظ :ال جريمة ،ولكن
مجرد حماية حق أو مصلحة ،ولكل إنسان الحق في حماية حقه أو مصلحته
إذا تعرضت لعدوان غير مشروع مهما كان مصدره.
والمعتدي هنا ،غير مسؤول جنائيًا ال يستحق عقوبة ألنه معدوم
اإلرادة ،ولكن ليس معنى ذلك أن يسمح له باإلضرار بحقوق اآلخرين،
فالدفاع هنا ليس عقابًا بحال ،وإنما هو إجراء وقائي محض .والمهدد بهذا
الخطر ينبغي عليه أن يتخذ موقفًا سلبيًا ويعرض نفسه لعدوان ظالم محدق به،
ولكن صد هذا العدوان مؤسس ليس على استعمال حق الدفاع المشروع ،بل
3
على حالة الضرورة.
صا غير معاقب أو الفرض الثاني :قد يكون فيه مصدر الخطر شخ ً
معاقب بعقوبة خفيفة ،فهناك بعض الحاالت التي يمنع فيها القانون رفع
الدعوى العمومية ،كحالة الممثلين السياسيين فهم يتمتعون بحصانة تحميهم
تخول لهم االعتداء على اآلخرين
من توقيع العقوبة فقط ،ولكن هذه الصفة ال ّ
بدون أن يكون لهؤالء الحق في دفع هذا العدوان كما سبق وأشرنا ،وحالة
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
االستفزاز عذر من شأنه أن يخفف العقوبة على الفاعل كما جاء في المواد
ظامن 277إلى 289من قانون العقوبات ،فالقتل في هذه الحاالت حف ً
عذرا مخففًا للعقوبة وهذا من باب أولي يبيح الدفاع ،ألنً للعرض يعتبر
اإلعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب ال يعني مشروعية الفعل ،فالدفاع
مشروع إذا كان االعتداء غير مشروع ،كهذه الحاالت وغيرها من الحاالت
المشابهة.
ثالثا :الخطر الوهمي.
الخطرالوهمي هو ما ليس له وجود في الواقع ،فهو موجود فقط في
مخيلة الشخص ،فهل يبرر هذا الخطر الوهمي وجود حق الدفاع المشروع ؟
سبقت اإلشارة إلى أن الدفاع المشروع ال يمكن أن يكون له وجود قانوني إال
إذا توفرت شروطه الموضوعية ،64أي البد من وجود خطر حقيقي حال
وغير مشروع ،والخطر الوهمي غير موجود ،مما ينفي الحق في استعمال
الدفاع المشروع .
ولكن قد نستخلص من اجتهاد المحكمة العليا ما يوحي بجواز األخذ
بالخطر الوهمي ،حيث جاء في أحد قراراتها " :ال يحتم حصول الخطر
المطلوب درؤه فعالً بل يكفي خشية الخطر والخوف من حصوله إذا كان لهذا
الخوف أسباب معقولة ،فال يلزم في الفعل المتخوف منه والمسوغ للدفاع
خطرا حقيقيًا في ذاته ،بل يكفي أن يبدو
ً المشروع بصفة عامة أن يكون
كذلك في اعتقاد المتهم بشرط أن يكون هذا االعتقاد مبينًا على أسباب معقولة،
إذ ليس من الضروري أن ينتظر الشخص المهدد وقوع الضرر بالفعل كي
يمكنه استعمال القوة ،بل يجوز له استعمالها بمجرد أن يتحقق حلول
66
الخطر"".
فهي تشير إلى حالة عدم حصول االعتداء بالفعل ولكن الخطر
باالعتداء قائم ،وسبق أن قلنا بصدد هذه الحالة بجواز الدفاع ضد هذا الخطر
قبل أن يتحول هذا الخطر إلى ضرر فعلي.
وجاء في قرار آخر " ..يصح قيام هذه الحالة (حالة الدفاع
المشروع) ولو كان االعتداء وهميًا أي ال أصل له في الواقع وحقيقة األمر ،
متى كانت الظروف والمالبسات تلقي في روع المدافع أن هناك اعتداء جديًا
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
وحقيقيًا موج ًها إليه أو يكون اعتقد على األقل ألسباب مقبولة وجود خطر
حال على نفسه".62.
والمالحظ من هذه االجتهادات أنها لم تراع طبيعة الدفاع المشروع
،فهو "حق" والحق ال يمكن أن يترتب من طرف واحد أي من اعتقاد
المتهم أنه موجود .وقد تكون مثل هذه الفروض حالة من حاالت اإلكراه
المعنوي ولكن البد أن ينص على ذلك صراحة ،فهي أضيق نطاقًا من األخذ
بالدفاع المشروع .
فهي تؤسس الدفاع المشروع على اإلكراه وتعتبره صورة من صوره
،وهي بذلك ال تعترف إال بالدفاع عن النفس فقط ،وهذا ما ال يتفق مع
مفهوم الدفاع المشروع طبقا للمادة 93عقوبات ،فموقف المحكمة العليا
منتقد ،ألن عدم المشروعية الذي يطلبه القانون في إباحة الدفاع ،صفة
موضوعية تتعلق بتكييف السلوك في ذاته وال تتوقف على أهلية صاحبه في
تحمل المسؤولية الجنائية أو العقاب ،فالدفاع المشروع سبب موضوعي
ضا.
لإلباحة يقتضي توفر شروطه الموضوعية أي ً
قصورا من الدولة ،وحتى تتفادى هذا القصور وتكون الحماية ً وهذا يعتبر
كاملة ،فال أقل من أن تبيح لهم حماية أنفسهم بأنفسهم ،ففكرة الدفاع المشروع
سا على غياب الدولة المؤقت ،فإذا استطاع المهدد بالعدوان االحتماء تعتمد أسا ً
برجال السلطةالعامة في الوقت المناسب ،فالخطر غير حال ،وبالتالي فالدفاع
غير ضروري ،فال مجال الستعمال حق الدفاع المشروع ،فاللجوء إلى
الدفاع المشروع يجب أن يكون قد دفعت إليه الضرورة .
4ـ تحييد السبب المباشر للخطر :يجب أن يكون الدفاع مقصودًا به
دفع العدوان ،وال يكون كذلك إال إذا كان موج ًها إلى مصدر الخطر ،
فالغرض هو تحييد العدوان ،ولكي يصل المعتدى عليه إلى هذه الغاية ينبغي
ضررا ،أي تلك التي بواسطتها يمكن تحييد هذا ً أن يختار الوسيلة األقل
الخطر بأقل كلفة ممكنة :كنزع السالح من يد المعتدي ،اإلستنجاد بالجيران أو
المارة ،تخويف المعتدي ،تقييد حرية المعتدي حتى يتم استدعاء رجال
األمن...الخ.
وهكذا فمعيار الضرورة يكمن في تحييد أسباب الخطر ،فإذا كان
رغم تحييد بعض األسباب ال زال الخطر قائ ًما ،فالدفاع يكون ضروريًا حتى
69
يحيد الخطر بتحييد آخر أسبابه والقضاء على وسائله.
ويطرح السؤال :هل يجوز للمعتدى عليه استعمال القوة المادية إذا
كان بإمكانه تحاشي العدوان عن طريق الهرب؟
أغلب الفقهاء يقولون بضرورة الدفاع حتى لو كان الهرب ممكنًا
للمدافع :فيجب أن ال نخضع ونستسلم للظلم والعدوان.60
والبد هنا من إيراد مالحظتين :
المالحظة األولى :األولى وهي ما عليه أغلب رجال الفقه من أن
عارا يتنافى مع الشرف والكرامة اإلنسانية ً الهروب غير مشرف ويعتبر
65
وهذه القيم يحترمها القانون ويحميها.
المالحظة الثانية :أن المدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله يدافع في
نفس الوقت عن المصلحة العامة والنظام العام فهو يقوم بنفس الوظيفة
والمهمة التي يقوم بها رجل األمن.
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
3ـ االختيار المالئم للسبب الحقيقي للخطر بين مجمل أسبابه :
فإذا رجعنا إلى فكرة األسباب التي تحدثنا عنها آنفًا ،فإنه يجب أن نحيد أوال ً
ضررا ،فاالبتعاد عن المعتدي في األمثلة ً األسباب األكثر سهولة واألقل
السابقة معناه تحييد وسيلة الهجوم ،فالخطر أصبح غير موجود ،واالبتعاد ال
يعني الهرب على كل حال .ألننا بهذا التصرف نحيد أهم سالح لدى المعتدي
وهو حضورنا أمامه ،فإذا كان هذا التصرف غير كاف فليس ثمة ما يمنع
من استعمال القوة فهي ضرورية في مثل هذه الحالة .وإذا فرضنا أن المهدد
بالعدوان اتخذ موقفًا سلبيًا وترك للمعتدي حرية االعتداء على شخصه أو ماله
فيحق ألي كان أن يدفع هذا العدوان لسبب واحد ،وهو وجود سبب اإلباحة
وهو :العدوان الحال وغير المشروع على الغير .ومع ذلك ،فإن هذا الحل ال
يصدق في جميع الفروض ،ألن القواعد العامة هي التي تحكمها .
الشرط الثاني للدفاع :يجب أن يكون الدفاع متناسبًا
(. )Proportionnelle
إن الهدف من الدفاع هو تحييد المعتدي أو القوة الظالمة .وعليه ،
فالدفاع يجب أال يتجاوز هذه الغاية أو هذا الهدف وإال أصبح غير مشروع.
ونعني بالتناسب ،الدفاع الضروري الذي به يتم تحييد الخطر،
بمعنى أن للمعتدى عليه الحق في الدفاع بالوسيلة التي من شأنها أن تبعد
الخطر أو التهديد به .والتناسب ال يعني بالضرورة المساواة .
المعيار الخاص للتناسب:
لم يكتف المشرع الجزائري بالمعيار العام الذي ذكرناه ،بل أورد
صا للتناسب بمقتضى أحكام المادة 04من قانون العقوبات،التي معيارا خا ً
ً
جاء فيها :
( يدخل ضمن حاالت الضرورة الحالة للدفاع المشروع :
6ـ القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة
الشخص أو سالمة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل
المنازل أو األماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيئ منها أثناء الليل .
17 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
المطلب الثالث
آثار الدفاع المشروع وتجاوز حدوده
لمعرفة آثار الدفاع المشروع وجزاء تجاوز حدود الدفاع المشروع
كما حدده المشرع ،قسمنا هذا المطلب إلى فرعين ،خصصنا الفرع األول
إلى آثار الدفاع المشروع ،والفرع الثاني إلى تجاوز حدوده .
الفرع األول
آثار الدفاع المشروع
اآلثار الجنائية واضحة من نص المادة 93من قانون العقوبات " :ال
جريمة .إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع "،
ومن ثم فال عقوبة .
ويستفيد من ذلك كل من الفاعل والشريك بال فرق ألنه ليس هناك
جريمة ،سواء أكان الشخص يدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله ،أو عن
نفس الغير أو عرضه أو ماله ،فاإلباحة عامة إذا توفرت شروطها.
فإذا توفرت شروط الدفاع المشروع في قضية معروضة على القضاء
،فإن المحكمة تصدر الحكم بالبراءة .
ويطرح السؤال ،هل يستطيع المتضرر من فعل الدفاع المشروع ،
أو المدعي بالحق المدني ،المطالبة بالتعويض أمام جهات القضاء المدني ،
بعد صدور الحكم بالبراءة ؟
ضررا
ً نصت المادة 628من القانون المدني على أن "من أحدث
وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه ،أو عن ماله ،أو نفس الغير ،أو عن
ماله ،كان غير مسؤول على أن ال يتجاوز في دفاعه القدر الضروري،
وعند اإلقتضاء يلزم بتعويض يحدده القاضي" .فالمسؤولية المدنية في القانون
الوضعي مؤسسة على الخطأ ،وال خطأ على من استعمل حقه استعماالً
عا كما قدمنا.
مشرو ً
وهذاالنص يمنع من إثارة أي إشكال قانوني ،وذلك من وجهين:
أوال :ازدواجية الخطأين :الخطأ الجنائي والخطأ المدني ،بمعنى
أنه حتى إذا ب ُّرئ المتهم اعتمادًا على استعمال حق الدفاع المشروع ،فهذا ال
يحول دون رفع الدعوى المدنية ألن الخطأ البسيط الذي قد يتجاوز عنه
سا
القاضي الجنائي كما وضحنا ذلك ،قد يرى فيه القاضي المدني أسا ً
19 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
للتعويض ،ولكن نص المادة 627مدني يحول دون ذلك ،حيث جاء فيها :
(إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب ال يد له فيه ،كحادث مفاجئ ،
أو قوة قاهرة ،أو خطأ صدر عن المضرور ،أو خطأ من الغير كان غير
ملزم بتعويض هذا الضرر ،ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك ) .
.
ثانيا :التعسف في استعمال الحق .يحول نص المادة 628مدني
كذلك ،دون إثارة نظرية التعسف في استعمال الحق ،ألن الحق ينتهي حين
يبدأ التعسف ،فال يوجد استعمال متعسف لحق ما لسبب واحد ،وهو أن نفس
العمل ال يمكن أن يكون في آن واحد موافقًا للقانون ومخالفًا له ،فإذا كان
هناك تعسف في سلوك األفراد ،فال يكون ذلك حينما يستعملون حقوقهم،
وإنما حين يتجاوزون حدودها ،61 ..ولكن حين يظهر التجاوز في استعمال
هذا الحق ،فإن هذا اإلستعمال يصبح غير مشروع جنائيًا ومدنيًا.
الفرع الثاني
تجاوز حدود الدفاع المشروع
مسألة تجاوز حدود الدفاع المشروع تتطلب تحقق شرطين :وجود
الحق في الدفاع وحسن النية .
أوال :وجود الحق في الدفاع :فإذا لم يكن هناك خطر حال وغير
مشروع ،أو لم يكن الدفاع ضروريًا فالقول بوجود الحق في الدفاع غير
وارد أصالً حتى يمكن لنا أن نبحث مسألة تجاوز حدود الدفاع المشروع ،فإذا
انتفى السبب وهو " :وجود الحق" ،انتفى المسبب عنه بالضرورة وهو :
"التجاوز" .
فحالة حدود تجاوز الدفاع المشروع ال تقوم إال إذا نشأ للمجني
عليه حق في الدفاع عن نفسه. .
ثانيا :حسن النية :قد يكون تجاوز حدود الدفاع المشروع ،عن
حسن نية ،وقد يكون عن سوء نية.
ويحدث التجاوز عن حسن نية نتيجة خطأ ،حيث يخطئ المدافع في
تقدير دفاعه فيتجاوز به التناسب المطلوب بينه وبين الخطر المحدق به .
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
وتجاوز حدود الدفاع المشروع عن حسن نية يكيف قانونًا على أنه جريمة
خطئية( إذا نص القانون على إمكان ارتكاب تلك الجرائم خطأ) ،ألن التجاوز
هو وليد إهمال وسوء تقدير لألمور ،وال يصدر عن الشخص العادي الذي
يوجد في نفس ظروفه :فإذا كان يكفي في رد العدوان مجرد الضرب أو
تجاوزا لحدود الدفاع المشروع ،فيسأل عنً الجرح ،فقتل المعتدي يعتبر
جريمة القتل الخطأ ،حتى في الظروف المنصوص عليها في المادتين
93و 04من قانون العقوبات .
أما تجاوز حدود الدفاع المشروع عن سوء نية فيحدث إذا كانت
إرادة المتهم منصرفة إلى غير رد اإلعتداء الواقع عليه أو الذي سيقع ،كأن
يكون للقصاص أو لإلنتقام ،فإن حالة الدفاع المشروع ال تكون متوفرة،
فالمتهم هنا سيء النية يقصد الفعل لذاته ألنه يعلم أن فعله كان أشد مما
يستلزمه رد العدوان فإنه في هذه الحالة ال يسأل عن جريمة خطئية باعتباره
تجاوز حدود دفاعه الشرعي ،وإنما عن جريمة عمدية.
خاتمة :يتضح من العرض السابق أن الدفاع المشروع ،هوالحق
في دفع االعتداء غير المشروع والحال على أن يكون الدفاع ضروريًا
ومتناسبًا مع جسامة الخطر أو الضرر .ويجب يكون اإلعتداء آنيا وظالما
وغير مشروع ،ويجب أن يتوقف الدفاع بمجرد زوال الخطر ،بحيث إذا ما
استمر بعد ذلك يعتبر تجاوزا لحدود الدفاع المشروع ،ويعرض صاحبه
للمسؤولية الجزائية .
وهو حق قانوني نص عليه المشرع في المادة 93فقرة 2والمادة
04من قانون العقوبات
وأنه في القانون الوضعي ،ليس هناك ما يمنع الشخص من التخلي
عن ممارسة هذا الحق مهما كانت طبيعة العدوان المهدد به ،فالقانون ال يجرم
من لم يستعمل حقه في الدفاع المشروع عن نفسه أو ماله أو عرضه.أما في
الشريعة اإلسالمية فهو حق وواجب في نفس الوقت مقرر لحفظ الدين والنفس
والمال والعرض .
10 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399
الهوامش :
6ـ اإلمام دمحم أبو زهرة " :الجريمة و العقوبة في الفقه اإلسالمي " ،دار الفكر
العربي ـ القاهرة .6371ص . 655 .
2ـ الدكتور دمحم سليم العوا " :في أصول النظام الجنائي اإلسالمي " ،دراسة
مقارنة ،دار المعارف ،القاهرة ،6389 ،الطبعة الثانية .ص . 89 :
9ـ الدكتور :دمحم الرازقي " :محاضرات في القانون الجنائي " ،دار الكتاب الجديد،
بيروت ،لبنان .6333 ،ص . 10
Alain Prothais : « Tentative et attentat » Paris L.G.D.J. 1985 0ـ
P 56
»Adophe Chauveau et Faustin Hélie : «Théorie du code pénal
0 cujas Paris 1987.p : 123 .
1ـ الدكتور :أحمد دمحم خليفة " :النظرية العامة للتجريم " كلية الحقوق ،جامعة القاهرة،
6335رسالة دكتوراه ،ص . 640
7ـ الدكتور :أحمد دمحم خليفة :المرجع السابق .ص . 59 .
8ـ لمزيد من التفصيل ،أنظر د /الرازقي ـ المرجع السابق ـ ص 662وما بعدها .
الدكتور :عبد هللا سليمان " :شرح قانون العقوبات " ،القسم العام ،دار الهدى ،عين 3ـ
مليلة ،بدون سنة .ص . 31 .
64ـ الدكتور :عبد هللا سليمان :المرجع السابق ص .269
66ـ قرار بتاريخ 6386 . 49 . 61ملف رقم Crim . 21/ 04/ . 0 11 59
1921. S.Chron.
62ـ نقض جنائي للمحكمة العليا بتاريخ . 6375 . 66 . 45أنظر كذلك :نقض جنائي
. 6374 . 41 . 42
69ـ أحمد دمحم خليفة .المرجع السابق ص . 246
11 جملة صوت القانون العدد الثاين :أكتوبر / 4102ردمد 4934 - 3399