Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

 

 1

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫تم تـنسيق هذه المادة ومراجعتها ف‬


‫َّ‬

‫‪‬‬
‫‪maktab.etqan@gmail.com‬‬ ‫اإللكتروين‪:‬‬
‫البريد ‪2‬‬
‫‪‬‬
‫هاتف‪+965 50350077 :‬‬
‫‪‬‬ ‫♫‬
‫‪‬‬
‫لل رب العالمين‪ ،‬وصلى الل وسلم على أشرف‬ ‫الحمد ه‬

‫المرسلين؛ نبينا محم ٍد‪ ،‬وعلى آلهه وأصحا هبه أجمعين‪.‬‬

‫‪:î‬‬
‫عظيم نهع هم الل ╡ على ه‬
‫عباده المؤمنين أن هيـأ‬ ‫ه‬ ‫فمن‬
‫ه‬
‫حسان‪ ،‬يقوم هبا العبد الموفق يف هذه‬ ‫لهم أبوا ًبا همن الخ هير ه‬
‫وال‬
‫ه‬
‫القبور يف‬ ‫ه‬
‫الحياة‪ ،‬ويجري ثوابها عليه بعد الممات‪ ،‬فإن أهل‬
‫األعمال منق هطعون‪ ،‬وعلى ما قدموا يف‬
‫ه‬ ‫قـبورهم مرتهنون‪ ،‬وعن‬
‫حياهتم محاسبون مج هزيون‪.‬‬

‫بينما هذا الموفق يف قبـ هره الحسنات عليه متوالهيـة‪ ،‬واألجور‬


‫دار العم هل ول ه‬
‫ينقطع عنه الثواب‪،‬‬ ‫واألفضال عليه متتالية‪ ،‬ينتـ هقل من ه‬
‫فتزداد درجاته‪ ،‬وتتنامى حسناته‪ ،‬وتتضاعف أجوره وهو يف قبـ هره‪.‬‬

‫فما أكرمها من حال‪ ،‬وما أجمله وما أطيـبـه من مآل!!‬


‫‪‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪‬‬
‫الصالحة ما يجري‪‬‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫األعمال‬ ‫‪ ‬فقد صح عن النبي ‪ ‬أن من‬
‫ثوابها ه‬
‫للعبد يف قبـ هره بعدما يموت‪ ،‬فعن أنس بن مالك ╩ قال‪:‬‬
‫قال رسول الل ‪ ‬قال‪« :‬سب ٌع يجري للعبد أجره َّن من بعد‬
‫موت ه‪ ،‬وهو ف قـبره‪ :‬من ع َّلم عل ًما‪ ،‬أو كـرى نه ًرا‪ ،‬أو حفـر‬
‫بئ ًرا‪ ،‬أو غر س نخ ًل ‪ ،‬أو بنى مس جدً ا‪ ،‬أو و َّر ث م صح ًفا‪ ،‬أو‬
‫ت رك ولدً ا يستغفر له بعد موته»(‪.)1‬‬

‫وعن أبي أمامة الباهلي ╩ قال‪ :‬سمعت رسول الل ‪‬‬


‫ربع تـجري عليهم أجـورهم بعد الموت‪ :‬رجـ ٌل مـات‬
‫يقول‪« :‬أ ٌ‬
‫مراب ًطا ف سبيل اَّلل‪ ،‬ورج ٌل ع َّلم عل ًما فأجره يجري عليـه ما‬
‫عمل به‪ ،‬ورجـ ٌل أجرى صدقـ ًة فأجرها يجري عليه ما جرت‬
‫عليهم‪ ،‬ورج ٌل تـرك ولـدً ا صال ًحا يـدعو له»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البزار يف «مسنده» (‪ ،)7289‬وحسنه األلباين يف «صحيح الرتغيب‬


‫والرتهيب» (‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه المام أحمد يف «مسنده» (‪ ،)22318‬وصححه األلباين يف «صحيح‬
‫الرتغيب والرتهيب» (‪ ،)114‬وأخرج الطرباين يف «المعجم الكبير» (‪)6181‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫نحوه من حديث سلمان ╩‪ ،‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)888‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ ‬وعن أبي هريرة ╩ قال‪ :‬قال رسول الل ‪« :‬إ َّن م َّما‪‬‬
‫يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته‪ :‬عل ًما ع َّلمه ونشره‪،‬‬
‫وولـدً ا صال ًحا تـركه‪ ،‬ومصح ًفا و َّرثه‪ ،‬أو مسجدً ا بناه‪ ،‬أو بـيـتًا ِلبن‬
‫السبيل بناه‪ ،‬أو نـه ًرا أجراه‪ ،‬أو صدق ًة أخرجها من ماله ف ص َّحته‬
‫َّ‬
‫وحياته؛ يلحقه من بعد موت ه»(‪.)1‬‬

‫وقال رسول الل ‪« :‬إذا مات اإلنسان انـقطع عنه عمله‬


‫ّل من ثلثـة‪ِ :‬إ َ ا‬
‫ّل من صدقة جاريـة‪ ،‬أو علم يـنـتـفع به‪ ،‬أو ولد‬ ‫ِإ َ ا‬
‫صالح يـدعو له»(‪.)2‬‬
‫ه‬
‫وتعدادها بين‬ ‫وهذا الختالف يف ه‬
‫ذكر هذه األعمال‬
‫ه‬
‫األحاديث السابقة يدل على أن العدد ل مفهوم له‪ ،‬ول يفيد‬
‫وحفظ هه‪ ،‬ومن األعمال‬
‫ه‬ ‫ط ه‬
‫العلم‬ ‫الحصر‪ ،‬وإنما هو من باب ضب ه‬
‫الواردة يف النص ه‬
‫وص كذلك ما يكون عا ًّما يف معناه؛ ويدخل فيه‬
‫عدد من األعمال يف األحاديث األخرى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه يف «سننه» (‪ ،)242‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع»(‪.)2231‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف «صحيحه» (‪.)1631‬‬

‫‪5‬‬
‫والجامع بين األحاديث السابقة هو اشرتاكها يف الفضل‪‬‬
‫ه‬ ‫‪‬‬
‫نفس هه؛ وهو جريان أج ه‬
‫ورها يف الحياة وبعد الممات‪.‬‬ ‫ه‬

‫لنفس هه إذا تأمل هذه األعمال م هلـ ًّيا‪،‬‬


‫الناصح ه‬
‫ه‬ ‫فالمسلم‬
‫سيرجع عليه يف ه‬
‫حياته‬ ‫ه‬ ‫وأيقن أن ثوابها الجزيل وأجرها الكبير‬
‫مماته؛ حرص على أن يكون له منها حظ ونصيب‪ ،‬وبادر‬‫وبعد ه‬
‫هال‪ ،‬قبل أن ه‬
‫تنقضي األعمار‪،‬‬ ‫الم ه‬
‫دار ه‬ ‫إليها أشد الم ه‬
‫بادرة ما دام يف ه‬
‫وتنص هرم اآلجال‪.‬‬

‫فعن ابن عباس☻ قال‪ :‬قال رسول الل ‪ ‬لرج ٍل ‪-‬وهو‬


‫ي هع ظه‪« :-‬اغت نم خم ًسا قبل خمس ‪ :‬شباب ك قبل هر مك‪،‬‬
‫وص َّحتـك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قـبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل‬
‫شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫أعمال قد ثبت فيها‬ ‫ه‬
‫الرسالة عشرة‬ ‫وقد جمعت يف هذه‬
‫ه‬
‫حديث‬ ‫الفضل المتقدم‪ ،‬منها األعمال السبعة التي وردت يف‬

‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم يف «المستدرك» (‪ ،)7846‬وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪،‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)1077‬‬

‫‪6‬‬
‫أعمال وردت يف األحاديث‪‬‬
‫ٍ‬ ‫ه‬
‫السابق‪ ،‬وثالثة‬ ‫‪‬ه‬
‫أنس بن مالك ╩‬
‫األخرى بعده‪.‬‬
‫ه‬
‫أبواب الخير التي تندرج تحت هذه‬ ‫وحرصت على ه‬
‫بيان‬
‫األعمال‪ ،‬وتدخل يف معناها؛ ليبادر إليها المؤمنون‪ ،‬ويحرص‬
‫ه‬
‫حسناتهم‪،‬‬ ‫عليها المجتهدون‪ ،‬فتعظم أجورهم‪ ،‬وتثـقل موازين‬
‫مال ول بنون‪ ،‬إل من أتى الل ٍ‬
‫بقلب سليم(‪.)1‬‬ ‫يوم ل ينفع ٌ‬

‫(‪ )1‬أصل هذه الرسالة خطبة جمعة ألقيت يف تاريخ ‪1421 /11 /1‬هـ ‪ ،‬يف المدينة‬
‫ه‬
‫وتنسيقها‪ ،‬وقمت بمراجعتها‪،‬‬ ‫النبوية‪ ،‬وقد اجتهد بعض الفضالء يف تفريغها‬
‫ه‬
‫وإضافة بعض الفوائد عليها‪.‬‬
‫ه‬
‫ونشرها بين‬ ‫والل أسأل أن يجزي كل من اجتهد يف إخراج هذه المادة‬
‫المسلمين خير الجزاء‪ ،‬وأخص منهم الخوة يف مكتب إتقان يف دولة‬

‫‪‬‬ ‫الكويت لمزيد عنايتهم وجهدهم يف إخراجها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل األول‪ :‬تعليمُ العلم‬

‫ه‬
‫حديث أنس بن مالك ╩ قول النبي ‪:‬‬ ‫فقد سبق يف‬
‫«سب ٌع يجري للعبد أجره َّن من بعد موته‪ ،‬وهو ف قـبره‪ :‬من‬
‫ع َّلم عل ًما‪.)1(»...‬‬

‫وورد هذكـر هذا العم هل ً‬


‫أيضا يف حديث أبي أمامة الباهلي‬
‫وأبي هريرة ☻‪.‬‬

‫الناف هع يـعد همن أجل األعمال‬


‫لم ه‬ ‫وذلك أن تعليم ه‬
‫الع ه‬
‫الصالحات‪ ،‬وأفضل القربات‪ ،‬وهو وظيفة األنبياء جمي ًعا‪ ،‬فهو‬
‫الذي يب صر الناس بديـن ههم‪ ،‬ويعرفهم بربهم ومعبودههم‪،‬‬
‫ستقيم‪ ،‬ويتميـز به الحق من ه‬
‫الباط هل‪،‬‬ ‫ه‬ ‫يهم إلى هص ه‬
‫راطه الم‬ ‫وي ه هد ه‬
‫الل‪ ،‬والحالل همن الحرام‪.‬‬
‫وطريق الهدى همن الض ه‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)4‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ ‬وهنا يتبين هعظم فض هل العلماء الناصحين والدعاة‪‬‬
‫وقوام األم هة‪،‬‬
‫الد‪ ،‬ه‬
‫اد‪ ،‬ومنار ال هب ه‬
‫العب ه‬
‫المخلصين‪ ،‬الذين هم هسراج ه‬

‫الحكمة‪ ،‬حياتهم غنيمة‪ ،‬وموتهم مصيبة‪ ،‬فهم يعلمون‬‫ه‬ ‫وينابيع‬


‫الغافل‪ ،‬وي ه‬
‫رشدون الضال‪ ،‬ل تتوقع لهم‬ ‫الجاهل‪ ،‬ويذكرون ه‬
‫بائقة‪ ،‬ول تخاف منهم ه‬
‫غائلة‪.‬‬ ‫ه‬

‫ه‬
‫الواحد من أهل العلم تبقى علومه بين‬ ‫وعندما يموت‬
‫الناس موروث ًة‪ ،‬ومؤلفاته وأقواله بينهم متداول ًة؛ منها يفيدون‪،‬‬
‫وعنها يأخذون‪ ،‬وهو يف قربه تتوالى عليه األجور‪ ،‬ويتتابع عليه‬
‫الثواب‪ ،‬كما قال النبي ‪« :‬من ع َّلم آي ًة من كتاب اَّلل فله ثوابها‬
‫ما تـلـيت»(‪.)1‬‬

‫دروس هه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫وتسجيالت‬ ‫فالعالم وإن مات فإن كـتـبـه‬
‫ومحاضراته وخطـبـه المفيدة ه‬
‫باقية؛ ينتفع هبا أجيال لم ه‬
‫يعاصروه‪،‬‬
‫ولم يـكـتب لهم أن يلقوه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو سهل القطان يف «حديثه» (‪ ،)243/4‬وجود إسناده األلباين يف‬

‫‪‬‬ ‫‪9‬‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪.)1335‬‬
‫‪‬‬
‫الحديث‪‬‬
‫ه‬ ‫‪ ‬ومن تأمل أحوال أئمة السالم ‪-‬كأئمة‬ ‫«‬
‫ه‬
‫والفقه‪ -‬كيف هم تحت التراب؛ وهم يف العالمين كأنهم أحياء‬
‫فذكرهم وحديثهم‬ ‫يفقدوا منهم إل صورهم‪ ،‬وإل ه‬ ‫بينهم‪ ،‬لم ه‬

‫والثناء عليهم غير منقط ٍع‪ ،‬وهذه هي الحياة ح ًّقا‪ ،‬حتى عد ذلك‬
‫حيا ًة ثاني ًة؛ كما قال المتـنـبي‪:‬‬
‫ذكر الفتى عـيـشه الثاين‪ ،‬وحاجته‬
‫ما قاتـه‪ ،‬وفضول العيش أشغال»‬
‫(‪)1‬‬

‫قال ابن الجوزي ¬‪« :‬إذا ع هلم النسان بأن الموت‬


‫يقطعه عن العم هل؛ ع همل يف حياتهه ما يدوم له أجره بعد موتهه؛‬
‫العل هم؛ فإن تصنيف العاله هم ولده المخلد»(‪.)2‬‬
‫[كأن] يصنـف كتابا يف ه‬
‫ً‬
‫ه‬
‫النافعة‪ ،‬ونش هر الرسائل‬ ‫ساهم يف هطباع هة الكـت ه‬
‫ب‬ ‫وكل من ي ه‬
‫ه‬
‫األجر العظيم‬ ‫والمؤلفات المفيدةه‪ ،‬فله حظ واف هـر من ذلك‬
‫للعبد يف حياته هه وبعد مماته هه‪.‬‬
‫ه‬ ‫المستمر‬

‫(‪« )1‬مفتاح دار السعادة» لبن القيم (‪.)387/1‬‬


‫ٍ‬
‫‪‬‬ ‫بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫(‪« )2‬صيد الخاطر» (ص‪)34‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬فقد قال رسول الل ‪« :‬من دعا إلى هدً ى كان له من‪‬‬
‫األجر مثل أجور من تبعه‪ِ ،‬ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»(‪.)1‬‬

‫ومن العلم النافع الذي يجري أجره للعبد بعد موته‪:‬‬


‫شراء الكتب النافعة المفيدة‪ ،‬ووقفها أو بذلها لمن ينتفع هبا‬
‫ه‬
‫طلبة العل هم والباحثين والق ـر اء‪ ،‬فما دامت هذه الكتب‬ ‫من‬
‫موجود ًة فهي صدقة جارية يتجدد ثوابها لمؤل هفها ه‬
‫وواقفها‪.‬‬

‫ويدخل ف ذلك‪ :‬إنشاء الكتب اللكرتونية ونشرها عرب‬


‫تطبيقات القراءة والبحث ونحوها؛ فالكتب والربامج اللكرتونية‬
‫هي كالكتب الورقية يف النتفاع ونشر العلم إن لم تكن أكثر‬
‫انتشارا ونف ًعا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم يف «صحيحه» (‪.)2674‬‬

‫‪11‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل الثاني‪ :‬إجراء النهر‬

‫ه‬
‫حديث أبي هريرة ╩ قول رسول الل ‪« :‬إ َّن‬ ‫فقد مر يف‬
‫م َّما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موت ه‪- :‬وقال فيه‪-:‬‬
‫أو نـه ًرا أجراه‪.»...‬‬
‫وجاء يف حديث أنس بن مالك ╩ قول رسول الل ‪:‬‬
‫«أو كـرى نه ًرا»(‪.)1‬‬
‫يون‬ ‫ه‬
‫الماء مهن الع ه‬ ‫ه‬
‫جداول‬ ‫والمراد بكر هي النهر‪ :‬شق‬
‫ه‬
‫ومزارعهم‪،‬‬ ‫ه‬
‫أماكن الن ه‬
‫اس‬ ‫ه‬
‫واألهنار؛ لكي تصل المياه إلى‬
‫فيرتوي الناس‪ ،‬وتسقى الزروع‪ ،‬وتشرب الماشية‪.‬‬
‫ه‬
‫حسان إلى‬ ‫وكم يف مثل هذا العم هل الجلي هل مهن ه‬
‫ال‬
‫ه‬
‫الماء الذي به تكون‬ ‫الناس‪ ،‬والتنفيس عنهم؛ بتـيـ هس هير حص ه‬
‫ول‬
‫الحياة‪ ،‬بل هو أهم مقوماهتا!‬

‫‪‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)5-4‬‬
‫‪‬‬ ‫ه‬
‫أماكن الن ه‬
‫اس‪،‬‬ ‫ه‬
‫األنابيب إلى‬ ‫ه‬
‫الماء عبـر‬ ‫ويلتحق بهذا‪ :‬مد‬ ‫‪‬‬
‫ومواطه هن حاجتههم‪.‬‬

‫اس‪،‬‬ ‫ه‬
‫أماكن الن ه‬ ‫ه‬
‫الماء يف‬ ‫ه‬
‫برادات‬ ‫أيضا‪ :‬وضع‬
‫ويلتحق بهذا ً‬
‫ه‬
‫احتياج ههم‪.‬‬ ‫ومواطه هن‬

‫وقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪« :‬وإفراغك من دلوك ف دلو‬


‫أخيك لك صدقة»(‪.)1‬‬

‫بل لما سأل سعد بن عبادة ╩ النبي ‪ ‬عن أفض هل الصدقة‬


‫قال له النبي ‪« :‬سقي الماء»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي يف «الجامع» (‪ ،)1956‬وصححه األلباين يف «السلسة‬


‫الصحيحة» (‪.)572‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي يف «سننه» (‪ ،)3664‬وصححه األلباين يف «صحيح‬

‫‪‬‬ ‫‪13‬‬
‫‪‬‬
‫الرتغيب» (‪.)962‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل الثالث‪ :‬حفر اآلبار‬

‫فقد ورد يف حديث ه‬


‫أنس بن مالك ╩ قول النبي ‪« :‬أو‬
‫حفـر بـئـ ًرا»(‪.)1‬‬

‫وهذا العمل جليل القد هر‪ ،‬عظيم النفعه‪ ،‬والفضل السابهق‬


‫أيضا؛ ألنه صورة مهن‬ ‫ه‬
‫الماء يشمله ً‬ ‫ه‬
‫األهنار وس ه‬
‫قي‬ ‫يف إجراء‬
‫زمنة عديد ٍة؛‬
‫الغالب تظل صالح ًة أل ٍ‬
‫ه‬ ‫صو هره‪ ،‬بل إن اآلبار يف‬
‫ينت هفع هبا الناس والدواب‪.‬‬

‫وقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪« :‬بينما رج ٌل بطريق اشتدَّ‬


‫ب‬‫عليه العطش؛ فوجد بـ ًئرا‪ ،‬فنزل فيها فشرب‪ ،‬ث َّم خرج‪ ،‬فإذا كل ٌ‬
‫الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا‬ ‫يلهث؛ يأكل ال َّثرى من العطش‪ ،‬فقال َّ‬
‫ل‬
‫فم ا‬
‫الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني‪ ،‬فنزل البئر؛ ا‬
‫خ َّفه ما ًء‪ ،‬ث َّم أمسكه بفيـه حتَّى رقي‪ ،‬فسقى الكلب‪ ،‬فشكر اَّلل‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬تقدم (ص‪.)4‬‬

‫‪14‬‬
‫ألجرا؟!‪‬‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫البهائم‬ ‫‪‬فـغفـر له»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الل! وإن لنا يف‬
‫له‪،‬‬
‫فقال‪« :‬ف كل كبد رطبـة أج ٌر»(‪.)1‬‬

‫فإن كان الل ‪ ‬قد غفر لهذا الرج هل ذنوبه ألنه سقى كل ًبا‬
‫ودها؛‬ ‫ماء‪ ،‬فكيف الظن بمن حفر البهـئـر‪ ،‬وتسبب يف وج ه‬‫شربة ٍ‬

‫حتى ارتوى وانتفع هبا خلق كثير؟!‬

‫وقد قال النبي ‪« :‬من حفر ما ًء لم يـشرب منه كبدٌ‬


‫ح َّرى(‪)2‬؛ من ج ٍّن وِل إنس وِل سبع وِل طائر إِ َ ا‬
‫ّل آجره اَّلل يوم‬
‫القيامة»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف «صحيحه» (‪ ،)2363‬ومسلم يف «صحيحه» (‪.)2244‬‬


‫(‪ )2‬أي‪ :‬عطشى‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن خزيمة يف «صحيحه» (‪ ،)1292‬والبخاري يف «تاريخه» (‪،)332/1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)271‬‬

‫‪15‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫غرسُ الـنَّخل‬
‫العمل الرابع‪َ :‬‬

‫تقدم يف حديث أنس بن مالك ╩ قول رسول الل ‪« :‬أو‬


‫غـرس نخ ًل»‪.‬‬
‫ه‬
‫األشجار وأنفعها‪،‬‬ ‫وقد تقرر يف السن هة أن النخل أفضل‬
‫وأكثرها عائد ًة على الناس‪ ،‬حتى إن النبي ‪ ‬شبهها بالمسلم‪،‬‬
‫فقال ‪« :‬إ َّن من َّ‬
‫الشجر شجـر ًة ِل يسقط ورقها‪ ،‬وإنَّها مثـل‬
‫المسلم»(‪.)1‬‬
‫ويف ٍ‬
‫لفظ‪« :‬إ َّن من َّ‬
‫الشجر لما بركـته كبـركة المسلم ‪ ...‬هي‬
‫النَّخلة»(‪.)2‬‬

‫خلة هذا الفضل الكبير ألنها شجرة طيبة‬‫وإنما كان للن ه‬


‫ٍ‬
‫فائدة‬ ‫مباركة‪ ،‬كثيرة المنافهعه‪ ،‬ل يخلو جزء منها يف الغالب مهن‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف «صحيحه» (‪ ،)61‬ومسلم يف «صحيحه» (‪.)2811‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري يف «صحيحه» (‪.)5444‬‬

‫‪16‬‬
‫‪‬اس والدواب؛ ويعد ثمرها من أنف هع ال هثمار‪ ،‬وله حالوة ل‪‬‬
‫للن‬
‫تدانيها حالوة‪ ،‬وكذلك قلبها ‪-‬وهو الجمار‪ -‬فإنه يحوي‬
‫العديد من المكونات النافعة للجسم‪ ،‬وكذا الحال يف ه‬
‫سائر‬
‫ه‬
‫أجزائها يستفيد الناس منها‪ ،‬وينتفعون هبا يف بـيوهتم‪ ،‬ولهذا‬
‫يقول النبي ‪« :‬مثـل المؤمن مـثـل ال َّنخلة‪ ،‬ما أخذت منها‬
‫من شيء نـفعك»(‪.)1‬‬

‫فمن غرس نخ ًال وسبـل ثمره إلى المسلمين فإن أجره‬


‫نتفع؛ مهن‬
‫طاعم‪ ،‬وانتفع بنخ هله م ه‬
‫ثمر هه ه‬
‫يستمر كلما ط هعم مهن ه‬
‫إنسان أو حي ٍ‬
‫وان‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ه‬
‫األشجار‪ ،‬وإنما خصت‬ ‫وهذا األجر العظيم يشمل جميع‬
‫وكثرة ه‬
‫فوائدها‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫الحديث السابق لتمي هزها‬ ‫النخلة بالذك هر يف‬

‫فكل من زرع شجر ًة فانتفع هبا الناس والدواب والطيور؛‬


‫كانت صدق ًة له‪ ،‬ي هصله أجرها يف حياته‪ ،‬وبعد مماته‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين يف «المعجم الكبير» (‪ ،)13514‬وصححه األلباين يف‬

‫‪‬‬ ‫‪17‬‬
‫‪‬‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪.)2285‬‬
‫‪ ‬قـال رسول الل ‪« :‬ما مـن مسلم يـغرس غـ ًرسا‪ ،‬أو يـزرع‪‬‬
‫سان أو بـهيمـةٌ‪ ،‬إِ َ ا‬
‫ّل كان لـه بـه‬ ‫زر ًعـا‪ ،‬فيـأكل منه طـيـ ٌر أو إنـ ٌ‬
‫صدق ٌة»(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف «صحيحه» (‪ ،)2320‬ومسلم يف «صحيحه» (‪.)1553‬‬

‫‪18‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل الخامس‪ :‬بناء المساجد‬

‫فقد تقدم يف حديث أنس بن مالك وأبي هريرة ☻ قول‬


‫رسول الل ‪« :‬أو بـنى مسجدً ا»(‪.)1‬‬
‫ه‬
‫المساجد هي أحب البقاع إلى الل تعالى؛ كما دلت عليه‬‫ف‬
‫ب البلد إلى‬
‫النصوص الشرعية‪ ،‬فقد قال رسول الل ‪« :‬أح ُّ‬
‫اَّلل مساجدها»(‪.)2‬‬
‫والعناية هبا ه‬
‫وعمارتها من عالمات اليمان؛ كما قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ)‬
‫المساج هد أمران‪:‬‬
‫ه‬ ‫[التوبة‪ ،]18:‬والمقصود بعمارة‬
‫األمر األول‪ :‬العمارة الحس َّيـة؛ وذلك ببناء المساجد‪،‬‬
‫ه‬
‫وترميمها‪ ،‬وهتيئة مرافقها‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وصيانتها‪ ،‬ه‬
‫وتوسيعها‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)5-4‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم يف «صحيحه» (‪.)671‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ ‬واألمر الثاين‪ :‬العمارة المعنوية؛ وذلك بإقامة الصالة‪،‬‬
‫وقراءة القرآن‪ ،‬وإحياء مجالس الذكر والعلم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬
‫ﭝ ) [النور‪.]37-36 :‬‬

‫فـمن بنى مس هجدً ا لتقام فيه الصالة‪ ،‬ويتلى فيه القرآن‪،‬‬


‫ويذكر فيه الرحمن‪ ،‬ويـنشـر فيه العلم‪ ،‬ويجت همع فيه المسلمون‬
‫على الخير والبـر والصلة‪ ،‬إلى ه‬
‫غير ذلك من المصالح العظيمة؛‬
‫ه‬
‫سرتج ع لمن‬ ‫فإن أجر جمي هع هذه األعمال الصالحات وثوابها‬
‫بناه‪ ،‬يف حياته‪ ،‬وبعد مماته‪ ،‬وهذا فضل الل يؤتيه من يشاء‪.‬‬

‫أيضا عن النبي ‪ ‬فضل عظيم آخر لمن بنى‬


‫وصح ً‬
‫مس هجدً ا‪ ،‬فقال ‪« :‬من بنى مسجدً ا يـبتغي به وجه اَّلل بـنى اَّلل‬
‫له بيتًا ف الجنة»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري فـي «صحيحه» ( ‪ ،)450‬ومسلم فـي «صحيحه»‬

‫‪‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪‬‬
‫(‪.)533‬‬
‫كامال‪‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬وأجر ه‬
‫بناء المسا ه‬
‫جد يشمل من بنى مسجدً ا‬
‫بنفس هه‪ ،‬ومن شارك غيره ببنائه؛ ولو كانت المشاركة يسير ًة؛‬
‫ه‬

‫فعن جابر األنصاري ╩ أن رسول الل ‪ ‬قال‪« :‬من بنى‬


‫مسجدً ا ل َّله كمفحص قطاة‪ ،‬أو أصغر؛ بنى اَّلل له بـيـتًا ف‬
‫الجنَّـة»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه فـي «سننه» (‪ ،)738‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)6128‬‬
‫وقوله ‪« :‬كمفحص قطاة» هو‪ :‬عش الطائر الذي يضع فيه بيضه‪ ،‬ويف‬
‫هذا إشارة إلى هعظ هم أجر هذا العمل الصالح والمشاركة فيه‪ ،‬ولو بالقليل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل السادس‪ :‬طباعة المصاحف‬

‫تقدم يف حديث أنس بن مالك وحديث أبي هريرة ☻ قول‬


‫ه‬
‫رسول الل ‪« :‬أو و َّرث مصح ًفا»(‪.)1‬‬
‫وتوريث المصحف يشمل تخليفه للورث هـة من ه‬
‫أهله؛ ليقرؤوه‬
‫ه‬
‫المصاحف وتوزيعها ووقفها يف‬ ‫أيضا طباعة‬
‫وينتفعوا به‪ ،‬ويشمل ً‬
‫ور ه‬
‫العلم؛ ليستفيد منها المسلمون‪.‬‬ ‫المساجد ود ه‬
‫المصاح ه‬
‫ف‪ ،‬أو يتدبرها‪ ،‬أو يعمل‬ ‫ه‬ ‫فكل من يقرأ آي ًة همن هذه‬
‫سيرجع لمن ورث هذا‬‫ه‬ ‫بما فيها من هدايات؛ فإن األجر العظيم‬
‫المصحف‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)5-4‬‬

‫‪22‬‬
‫‪‬‬ ‫العمل السابع‪ :‬تربية األبناء على الصَّـالح‬
‫‪‬‬
‫وهذا العمل قد ورد هذكره يف جميع أحاديث الباب‬
‫ه‬
‫األبناء‬ ‫المتقدمة(‪ ،)1‬ويدل هذا على أهميته البالغة؛ فإن تربية‬
‫وحسن تأدي هبهم‪ ،‬والحرص على تنشئ هتهم على التقوى والصالح‬
‫يعد من أهم الواجبات التي ينبغي على المسلم أن يرعاها‪ ،‬وهي‬
‫من جملة األمانات العظيمة التي أمر اللٌ‪ٌ‬بحفظها‪ ،‬كما قال ‪ٌ‬‬
‫صف المؤمنين‪(ٌٌ:‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)ٌ‬ ‫يف و ه‬

‫[املعارج‪.]ٌ 32ٌ:‬‬
‫ه‬
‫األبناء صالح للمجتمعات واألس هر‬ ‫وذلك ألن صالح‬
‫والبالده‪ ،‬ه‬
‫ومن ثمرات صالحهم‪ :‬أن يكونوا برر ًة آلبائهم يف‬
‫حياهتم وبعد مماهتم؛ فيدعون لهم بالخير‪ ،‬ويسألون الل لهم‬
‫المغفرة والرحمة‪ ،‬وهذا مما ينتفع به الميت يف قربه‪ ،‬بل جميع‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)7-6‬‬

‫‪23‬‬
‫وإحسان يكون‪‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وصدقة و هب ٍّـر‬ ‫ه‬
‫الصالحة من صالة‬ ‫‪‬ه‬
‫ثواب أعمالههم‬
‫للوالدين مثله؛ ألنهما أحسنا يف تربيتهم وتأديبهم‪ ،‬فهما السبب‬
‫إن‬ ‫ه‬
‫صالحهم‪ ،‬كما قال النبي ‪َّ « :‬‬ ‫‪-‬بعد توفيق الل تعالى‪ -‬يف‬
‫أوِلدكم من كسبكم»(‪.)1‬‬

‫الرجل‬
‫وعن أبي هريرة ╩ قال‪ :‬قال رسول الل ‪« :‬إ َّن َّ‬
‫لـتـرفـع درجته ف الجنَّـة فيقول‪ :‬أنَّى هذا؟! فـيـقال‪ :‬باستغفار‬
‫ولدك لك»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود فـي «سننه» (‪ ،)3528‬والرتمذي فـي «جامعه» (‪،)1358‬‬
‫وصححه األلباين يف «إرواء الغليل» (‪.)1626‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه فـي «سننه» (‪ ،)3660‬وحسن إسناده األلباين يف‬

‫‪‬‬ ‫‪24‬‬
‫‪‬‬
‫«السلسلة الصحيحة» (‪.)1598‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل الثامن‪ :‬بناء الدُّور ووقْفُها‬

‫وقد ورد هذا العمل يف حديث أبي هريرة ╩ عند قول‬


‫السبيل بناه»(‪.)1‬‬
‫النبي‪« :‬أو بـيـتًا ِلبن َّ‬
‫ور ووق هفها؛ لينتفع هبا‬ ‫ففي هذا الحديث فضل هب ه‬
‫ناء الد ه‬
‫المسلمون؛ سواء كانوا من ه‬
‫ابن السبي هل‪ ،‬أو طال هب ه‬
‫العلم‪ ،‬أو األيتا هم‪،‬‬
‫الفع هل همن الخ هير‬
‫أو األرام هل‪ ،‬أو الفقراء والمساكين‪ ،‬فكم يف هذا ه‬
‫ه‬
‫والحسان؟!‬

‫ويدخل ف هذا العمل‪ :‬بناء المستشفيات العامة ووقف‬


‫األبنيـة العام هـة‪ ،‬فكل ذلك‬
‫ه‬ ‫منفعتها على المسلمين‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫من الحسنات العظيمة التي تجري للعبد يف حياته وبعد مماته‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬م هن اشرتى ً‬


‫أرضا وأوقفها؛ لتكون‬ ‫ويدخل فيه ً‬
‫مقابر لدفن موتى المسلمين وتغسيلهم وتكفينهم؛ وقد قال‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪( :‬ص‪.)5‬‬

‫‪25‬‬
‫‪‬النبي ‪« :‬من حفـر لميت قـبـ ًرا فأج َّنـه فيـه أجري له من األ ِاجر‪‬‬
‫(‪)1‬‬

‫كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة»(‪.)2‬‬

‫فهذا األجر العظيم فيمن دفن أخاه المسلم المتوفى‪،‬‬


‫فكيف بمن أوقف األرض بكاملها‪ ،‬وقام على تجهيزها‬
‫ليستفيد منها عموم المسلمين؟!‬

‫(‪ )1‬وقوله ‪« :‬فأجنَّـه فيـه»‪ :‬أي‪ :‬أخفاه يف القرب ودفنـه‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم فـي «المستدرك» (‪ ،)505/1‬وصححه األلباين يف «صحيح‬

‫‪‬‬ ‫‪26‬‬
‫‪‬‬
‫الرتغيب والرتهيب» (‪.)3492‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل التاسع‪ :‬الموتُ مُرابطةً على الثغور‬

‫وقد ورد هذا العمل يف حديث أبي أمامة الباهلي ╩ عند‬


‫ربع تـجري عليهم أجـورهم بعد الموت‪ :‬رج ٌـل‬
‫قول النبي ‪« :‬أ ٌ‬
‫مـات مراب ًطا ف سبيل اَّلل‪.)1(»...‬‬
‫ه‬
‫األعداء و هحراس هة‬ ‫فإن الرباط على الثغور يف سبيل الل لصد‬
‫المسلمين يعد من القربات العظيمة عند الل ‪ ،‬وثبتت له‬
‫فضائل عديدة‪ ،‬فقد روى مسلم يف «صحيحه» من حديث‬
‫سلمان الفارسي ╩ قال‪ :‬س همعت رسول الل ‪‬يقول‪« :‬رباط‬
‫يـوم وليلة خيـ ٌر من صيام شهـر وقيامه‪ ،‬وإن مات جرى عليه عمله‬
‫الذي كان يعمله‪ ،‬وأجري عليه رزقه‪ ،‬وأمن الفـتَّان»(‪.)2‬‬
‫فأثبت النبي ‪ ‬للمرا هب ه‬
‫ط على الثغور أربع خصائص‪:‬‬

‫(‪ )1‬تقدم (ص‪.)4‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم فـي «صحيحه» (‪.)1913‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ ‬األولى‪ :‬أن أجر هر هباط يو ٍم يف سبيل الل خير من صيا هم ٍشهر‪‬‬
‫ه‬
‫وقيامه‪.‬‬ ‫كاملٍ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫صالة‬ ‫حياته همن‬
‫حسناته التي كان يعملها يف ه‬
‫ه‬ ‫الثانية‪ :‬أن أجر‬
‫وإحسان تجري له بعد موته هه ‪ ،‬ول ه‬
‫تنقطع إذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وزكاة ه‬
‫وصيا ٍم و هب ٍّر‬
‫مات وهو مرابهط يف سبيل الل‪ ،‬فـينميها الل تعالى وي ه‬
‫ضاعفها له‬
‫وهو يف قربه‪.‬‬
‫كحال الش ه‬
‫هداء‬ ‫ه‬ ‫سيستمر عليه من نعيم الجن هة‪،‬‬
‫ه‬ ‫الثالثة‪ :‬أن هرزقه‬
‫الذين قال الل تعالى فيهم‪( :‬ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ) [آلٌعمران‪.]ٌ 169:‬‬

‫وقال رسول الل ‪«ٌ :‬إ َّن أرواح ُّ‬


‫الشهداء في طير خضر‬
‫تعلق(‪ )1‬من ثمر الجنَّة»(‪.)2‬‬

‫الرابعة‪ :‬األمن مهن فهـتنة القرب‪ ،‬وهي فتنة سؤال الملكين‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬تطعم وتأكل‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي فـي «جامعه» (‪ ،)1641‬وصححه األلباين يف «صحيح‬

‫‪‬‬ ‫‪28‬‬
‫الرتغيب» (‪.)1368‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬للعبد يف قربه‪ ،‬كما قال النبي ‪« :‬ك ُّل الميت يختم على عمله‪‬‬
‫إِ َ ا‬
‫ّل المرابط‪ ،‬فإنَّه يـنمو لـه عمله إلى يـوم القيامـة‪ ،‬ويؤ َّمن من‬
‫فـتَّان القـبر»(‪.)1‬‬

‫جاهد بماله هه‪ ،‬فيتصدق يف‬


‫وإن مما يلتحق بهذا الباب‪ :‬من ي ه‬
‫َّ َّ‬
‫والعتاد للج ه‬
‫نود القائمين‬ ‫ه‬ ‫إعداد القو هة‬
‫ه‬ ‫سبيل الل‪ ،‬ويتصدق يف أوج هه‬
‫على حماية ديار المسلمين‪.‬‬

‫فقد قال النبي ‪« :‬من ج َّهز غاز ًيا في سبيل اَّلل‪ ،‬كان له‬
‫مثـل أجره من غير أن ينقص من أجر الغازي شيئًا»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود فـي «سننه» (‪ ،)2500‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)4562‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه فـي «سننه» (‪ ،)2759‬وصححه األلباين يف «السلسلة‬

‫‪‬‬ ‫‪29‬‬
‫الصحيحة» (‪.)2690‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫العمل العاشر‪ :‬الصَّدقات الجارية‬

‫وقد وردت يف قول النبي ‪« :‬أو صدق ًة أخرجها من ماله ف‬


‫ص َّحته وحياته؛ يلحقه من بعد موته»‪.‬‬

‫وقوله ‪ِ « :‬إ َ ا‬
‫ّل من صدقة جاريـة»(‪.)1‬‬

‫بالصدقة الجارية‪ :‬األمور التي يـتصدق هبا المس هلم‬ ‫والمقصود َّ‬
‫ويبقى النتفاع هبا مست هم ًّـرا مد ًة طويلةً‪ ،‬فيجري أجرها للمتصد هق ما دام‬
‫دقة ه‬
‫باق ًيا ويـنتـفع به‪.‬‬ ‫أصل الص ه‬

‫ويدخل ف ذلك‪ :‬وقف األراضي والبهنايات للمنفع هة العامـ هة؛‬


‫ه‬
‫المصاحف‬ ‫والمساج هد‪ ،‬وكذا وقف‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫المستشفيات والمدار ه‬
‫س‬ ‫ك‬
‫ب العلمية للقراءة والنتفاع‪ ،‬ووقف اآلبار ونحوها من أوج هه‬
‫والكت ه‬
‫سق هي الماء للناس والدواب‪ ،‬وغير ذلك من الصدقات واألوقاف التي‬
‫تكون منفعتها مستمر ًة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )1‬انظر (ص‪.)5‬‬

‫‪30‬‬
‫‪‬‬ ‫خامتة‬
‫‪‬‬
‫ه‬
‫األعمال المتقدمة‪،‬‬ ‫إن المؤمن الموفق إذا ع هلم فضل هذه‬
‫سيرجع عليه منها؛ بادر إلى تحصيلها‪ ،‬وحرص‬‫ه‬ ‫والخير الذي‬
‫حيات هه وصح هت هه‪ ،‬فإن ذلك خير من‬
‫على اغتنام فضلها يف حال ه‬

‫موت هه‪ ،‬فإن النسان ل يعلم متى يحين أجله‪.‬‬


‫وقت ه‬
‫تأجيلها إلى ه‬

‫ولذلك لما س هئل النبي ‪ ‬أي الصدق هة أعظم أج ًرا؟ قال‪« :‬أن‬
‫حيح‪ ،‬تخشى الفقـر‪ ،‬وتأ مل الغنى‪،‬‬
‫حيح ش ٌ‬
‫تصدَّ ق وأنت ص ٌ‬
‫وِل تمهل حتَّى إذا بلغت الحلقوم‪ ،‬قلت‪ :‬لفلن كذا‪ ،‬ولفلن‬
‫كذا‪ ،‬وقد كان لفلن»(‪.)1‬‬
‫لنفس هه‪« :‬ويحك يا يزيد! من ذا‬
‫قاشي يقول ه‬ ‫وكان يزيد الر ه‬

‫وت؟! من ذا الذي يصوم عنك بعد‬ ‫الذي يصلي عنك بعد الم ه‬

‫الموت؟! من ذا الذي ير هضي عنك ربك بعد الموت؟!»(‪.)2‬‬


‫وقال العالمة السعدي يف تفسير قول الل تعالى‪( :‬ﯞﯟ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري فـي «صحيحه» (‪ ،)1419‬و مسلم فـي «صحيحه» (‪.)1032‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪« )2‬العاقبة يف ذكر الموت» لعبد الحق الشبيلي (ص‪.)40‬‬

‫‪31‬‬
‫الخير وآثار‪‬‬
‫ه‬ ‫‪« :‬وهي‪ :‬آثار‬ ‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥ)‬ ‫‪‬‬
‫ه‬
‫إيجادها يف حال حياهتم وبعد‬ ‫الشر؛ التي كانوا هم السبب يف‬
‫ه‬
‫وأحوالهم‪،‬‬ ‫ه‬
‫وأفعالهم‬ ‫وفاهتم‪ ،‬وتلك األعمال التي نشأت من ه‬
‫أقوالهم‬
‫ه‬
‫وتعليمه‬ ‫ه‬
‫العبد‬ ‫بسبب هعل هم‬
‫ه‬ ‫خير ع همل به أحد من الناس‬ ‫فكل ٍ‬
‫المنكر‪ ،‬أو هعل ٍم أودعه‬
‫ه‬ ‫صحه‪ ،‬أو أمره بالمعروف‪ ،‬أو هنـ هيـه عن‬‫ون ه‬

‫موته‪ ،‬أو ع همل‬‫ب يـنـتـفع هبا يف حياته وبعد ه‬


‫عند المتعلمين‪ ،‬أو يف كـتـ ٍ‬
‫ٍ‬
‫إحسان فاقتدى به غيره‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫صدقة أو‬ ‫صالة أو ٍ‬
‫زكاة أو‬ ‫ٍ‬ ‫خيرا؛ من‬
‫ً‬
‫مسجدً ا‪ ،‬أو مح ًّال من المحال التي يرتـ هفق هبا الناس‪ ،‬وما أشبه‬
‫ع همل ه‬
‫ذلك= فإهنا همن ه‬
‫آثاره التي تـكـتب له‪ ،‬وكذلك عمل الشر»(‪.)1‬‬
‫ه‬
‫األعمال‬ ‫ه‬
‫بعض‬ ‫وليتنبه المؤمن إلى أنه كما يجري ثواب‬
‫باق ًيا يف الناس‪ ،‬فكذلك همن األعمال‬
‫الصالحة ما دام أثـرها الطيب ه‬
‫ما يكون هوزرها جار ًيا‪ ،‬وإثمها ه‬
‫يرج ع لمن دعا إليها‪ ،‬ما دام شرها‬
‫وأثرها الخبيث ه‬
‫باق ًيا يف الناس‪.‬‬
‫والحمد لل رب العالمين‪ ،‬وصلى الل على نبينا محمد‪،‬‬
‫وعلى آله وصح هبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪‬‬
‫(‪« )1‬تيسير الكريم الرحمن» (ص‪.)692‬‬

You might also like