Professional Documents
Culture Documents
درس القانون الدستوري
درس القانون الدستوري
المقدمة العامة
ي على أنّه مجموعة من القواعد القانونيّة ذات موضوع يقدم القانون الدستور ّ
مخصوص والتي تفترض بالنظر لطابعها التقني وخصوصيّاتها المضمونيّة تكوينا
متخصصا ،غير ّ
أن هذا ال يمنع من القول بأن هذا الفرع من فروع القانون يحظى
اليوم باهتمام واسع من العموم وهو ما يعود:
ي من ناحية موضوعاته ـ في وجه أول إلى التصاق القانون الدستور ّ
بالظاهرة السياسية كظاهرة اجتماعية معاشة من المواطنين سواء في اليومي
بتفاصيله (تعيين الوالة ،االنتخابات ،تحوير وزاري )...أوفي الخيارات المجتمعية
في كلياتها (مسألة الهويّة ،مسألة الحوكمة ،حقوق اإلنسان)..
ـ في وجه ثان إلى تط ّور اهتمام المواطنين بالشأن السياسي سواء بمقتضى
االنخراط الواعي (التنظم في جمعيات وأحزاب )..أو المشاركة العرضية (
االنتخابيّة )..أو االعتبارات الظرفيّة ( أحداث سياسية ،)...وهو ما يتأيّد في الحالة
التونسية بما تلي ثورة 17ديسمبر ـ 14جانفي من اهتمام غير مسبوق بالقانون
الدستوري.
1
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ي ،فإن قواعدوإن تبرز هذه االعتبارات األه ّمية العمليّة لما ّدة القانون الدستور ّ
التقديم العلمي لها تفترض التّعرّض لسياقها االصطالحي واللّغوي (قسم أول) بما
يساهم في بلورة تعريفها (قسم ثان) و بيان مصادرها (قسم ثالث) و تحديد منهجها
(قسم رابع).
2
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
إن هذا الحضور للمعطيين الديني واألخالقي حضور محدود ال يضفي على
الدستور ال وصف األخالقي وال وصف الديني ،فهي إشارات تقوم على الطابع
المعياري بحيث أنها لم تض ّمن كقيمة أخالقية أو قيمة دينية ،كما أنها تفتقد تمثال
تقعيديا واضحا (حيث يستخلص منها التزام قانوني محدد).
واعتمادا على تعريف القانون عادة بكونه مجموعة القواعد العا ّمة المجرّدة و
الملزمة الحاكمة للروابط االجتماعية ،تستوعب القاعدة الدستورية عناصر التعريف
المذكور ،فقواعد القانون الدستوري من جهة أولى ال توجّه إلى شخص أو وضعيّة
مس ّماة أو مح ّددة بذاتها و إنما تكفي بضبط شروط إعمالها ،هذا من جهة.
و من جهة أخرى فإ ّن هذه القواعد ال توجّه ضرورة للجميع بل قد يكون
شخص واحد معن ّي بها (رئيس ال ّدولة ،رئيس الحكومة ،الوزير األول )...أو هيئة
واحدة (مجلس النّواب ،المجلس ال ّدستوري ،هيئة االنتخابات)...
و قواعد القانون الدستوري من جهة ثالثة وأخيرة ملزمة واجبة اإلتباع
مصحوبة بجزاء ،فهي إن تستم ّد قوّتها من وجودها و تطبّق بذلك اختياريّا فان لم
أن الجزاء يثير التباسا يتعلّق
يحصل ت ّم ذلك إكراها بواسطة سلطة عا ّمة .غير ّ
بتوفّره من عدمه في القاعدة القانونيّة ذات الطّبيعة ال ّدستورية طالما الجزاء هو من
أن السّلطة العا ّمة ستوقّع العقاب علىاختصاص السّلطة العا ّمة (المفارقة هل ّ
نفسها؟)
بأن القاعدة ال ّدستورية ينقصها عنصر الجزاء ،فإ ّنه متوفّر
دون شطط القول ّ
ضمنها ولكن بشكل يتناسب ومضمونها وخصوصيّة موضوعاتها ،إذ توجد صور
الجزاء (المنظّم أو بمعناه المتعارف عليه) الذي يكفل حماية القاعدة ال ّدستورية ،من
ق القضاء أو المجالس ال ّدستورية في إلغاء القوانين
ذلك تنصيص ال ّدستور على ح ّ
المخالفة لل ّدستور(الفصل 121من الدستور التونسي ،2014الفصل 127من
ق التقدم بالئحة إلعفاء رئيس الجمهورية في صورة الدستور التونسي ،)2022وح ّ
الخرق الجسيم للدستور (الفصل 88من الدستور التونسي ) 2014والتي وقع
إلغاءها في دستور 2022وأدرجت إمكانية سحب الوكالة من النائب بمجلس نواب
الشعب (الفصل 61من الدستور التونسي ،)2022كما توجد صور أخرى متميّزة
من الجزاء من ذلك دور الرأي العام (المطالب السلميّة ،الثّورة )...والمجتمع
المدني (األحزاب ،الجمعيات ،الصّحافة )...في الحرص على ضمان احترام قواعد
ال ّدستور ،وهو دور ضاغط دون أن يكون زجريّا.
3
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
تبدو ال ّداللة المعجميّة لعبارة "ال ّدستور" مفيدة في ضبط داللته االصطالحية
ومن وراءهما القانون ال ّدستوري ،لكن دون أن يكونا المح ّددين الوحيدين في ذلك
باعتبار قصورهما عن استيعاب تعريفه /معناه .و لفظ ال ّدستور لفظ دخيل من اللّغة
الفارسيّة و معناه الوزير الكبير ال ّذي يرجع إليه و أصله ال ّدفتر تجمع فيه قوانين
الملك وضوابطه وقد عرف القاموس المحيط للفيروز أبادي هذا اللّفظ المعرّب بأنّه
النّسخة المعمولة للجماعات (والتّي منها تحريرها) ،وهو في قاموس محيط المحيط
ال ّدفتر ال ّذي تدوّن فيه أسماء الجنود و مرتّباتهم.
أ ّما في اللّغة الفرنسيّة فإ ّن عبارة " "La constitutionتحيل على ال ّتأسيس
والتّكوين.
إن مجمل هذه الشروحات اللّغويّة تحيل على معاني الوثيقة المكتوبة وعلى السّلطةّ
وعلى الجماعة وعلى التّأسيس ،وهي أبعاد حاضرة بشكل أو بآخر داخل المعنى
االصطالحي لعبارة ال ّدستور.
لقد اعتمد المعنى االصطالحي لعبارة "ال ّدستور" معيارين :المعيار ال ّشكلي
والمعيار الموضوع ّي.
ويمثّل ال ّدستور من الناحية الشكلية مجموعة قواعد قانونيّة مض ّمنة في وثيقة
رسميّة تتولّى وضعها هيئة خاصّة وفقا إلجراءات متميّزة ،غير أنّه تعريف قاصر
على اإلحاطة بال ّدستور لكونه يتغاضى عن وجود دساتير عرفيّة (تفتقد شرط
الكتابة) و دساتير مرنة (ال تتطلّب إجراءات مختلفة عن تلك المعتمدة في وضع
القوانين العاديّة).
4
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ومن ث ّمة كانت الحاجة إلى المعيار الموضوعي أو الما ّدي في تعريف
ال ّدستور وهو المعيار ال ّذي يعتمد ما ّدة ال ّدستور ومحتواه بقطع النّظر عن شكله و
إجراءاته ،وتبعا لذلك يمثّل ال ّدستور من النّاحية الموضوعيّة مجموعة القواعد
القانونيّة التّي تنظّم السلطة السّياسيّة وحقوق األفراد و عالقات الفرد بالسّلطة داخل
ال ّدولة.
إن تعريف ال ّدستور ال يتماهى بداهة و تعريف القانون ال ّدستوريّ ،و لك ّنه ّ
يساهم في توضيح داللة الطّابع /الوصف "ال ّدستوري" المسبغ عليه ،بل و يعكس
ي و تطوّره و تبلور من خالل تطوّر تعريفاته (أي ال ّدستور) نشأة القانون ال ّدستور ّ
تعريفه.
5
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
6
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
7
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
فالقانون العا ّم هو مبدئيا مجموعة القواعد التّي تنطبق على ال ّدولة وبقية األشخاص
العمومية في عالقاتها ،في حين يش ّكل القانون الخاصّ مجموعة القواعد التّي تنطبق
على العالقات بين األشخاص الخاصة ( = األشخاص الطبيعيّة ـ اإلنسان
ـواألشخاص المعنويّةـ الشركات ،النقابات ،الجمعيات .)...
ويقيم فقهاء القانون هذا ال ّتقسيم على أسس ثالث ،أوّلها اختالف الرّابطة
القانونيّة ،فأطراف القانون العام هي ال ّدولة وباقي األشخاص العموميّة (مبدئيا) أ ّما
أطراف القانون الخاصّ فهي األشخاص الخاصة .ويمثّل اختالف األهداف ثاني
أسس التّقسيم فقواعد القانون العا ّم تهدف أساسا إلى تحقيق الصالح العام ،أ ّما قواعد
القانون الخاصّ فإنها ترمي إلى تحقيق مصلحة خاصّة .و أ ّما آخر أسس التقسيم هو
اختالف الوسائل ،فأساليب ّ
تدخل القانون العا ّم تتسّم بإلزاميّتها و قوّتها اآلمرة
دونما حاجة لموافقة األفراد ،بحيث يتوفّر القانون العام على وسائل تنفيذية غير
مألوفة في القانون الخاصّ (التنفيذ المباشر ،قرينة الشرعية ،االنتزاع ،التوظيف
الجبري )...خالفا للقانون الخاصّ الذي يعتمد التراضي الّذي تجسّده آلية التعاقد
أساسا.
وقد تعرّض هذا التقسيم للنّقد من حيث تأصيله ،فالفقيه Léon Deguit
أن أساس القانون واحد بمعنى أن الح ّكام والمحكومين يخضعون لنفس يرى ّ
القواعد القانونية التي هي وليدة التضامن االجتماعي والتي تهدف لتحقيقه .
في حين يرى الفقيه Hans Kelsenأن ال ّدولة بناء قانوني متدرّج الطّبقات
في سلّم واحد ال مجال ضمنه للتفرقة بين قواعد قانونيّة تحكم ال ّدولة وأخرى تحكم
أن بعض وأن التمييز الممكن هو من زاوية القيمة القانونيّة للقواعد .غير ّ
األفراد ّ
الفقهاء يرون التّمييز واجبا ولكن من زاوية مختلفة بمعنى التّمييز بين القانون
الموضوعي ال ّذي يبيّن الحقوق والواجبات والقانون ال ّشكلي ال ّذي يضبط إجراءات
وضع أحكام القانون الموضوعي موضع التّنفيذ.
كما وجّ هت للتّقسيم بين القانون العام والقانون الخاص انتقادات من حيث
فاعليّته وعمليّته حيث ال يمكن واقعيّا الجزم بح ّد فاصل حاسم بين القانون العام
والقانون الخاصّ إذ يصعب أحيانا تبويب بعض المواد القانونيّة (القانون
الجزائي ،قانون الضمان االجتماعي) ضمنهما هذا من جهة أولى ،أ ّما من جهة
ثانية فإ ّن ال ّدولة قد تخضع للقانون الخاصّ في بعض معامالتها ،كما ّ
أن األفراد
يمكن أن يخضعوا للقانون العا ّم إذ ما قاموا بنشاط مرفقي و تلبّسوا بالطّابع
السّلطوي.
8
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
9
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ي أو الفصل 91ال ّذيما ورد بالفصل 116منه الذي يق ّر إنشاء قضاء إدار ّ
يضبط دور رئيس الحكومة في تنفيذ السّياسة العا ّمة لل ّدولة .والفصل 15الذي
يضبط قواعد عمل اإلدارة العمومية و الفصل 14والباب السابع الذين يهتمان
بالتنظيم اإلداري.
وطبقا لتحول مركز ثقل النظام السياسي نحو رئيس الجمهورية فقد نص
الفصل 104من دستور " 2022يسهر رئيس الجمهوريّة على تنفيذ القانون
ويمارس السّلطة ال ّترتيبيّة العامّة وله أن يفوّ ض كامل هذه السّلطة أو جزءا منها
لرئيس الحكومة" .وورد بالفصل " :111تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة
العا ّمة لل ّدولة طبق ال ّتوجهات واالختيارات الّتي يضبطها رئيس الجمهوريّة"،
وبالفصل "113يسيّر رئيس الحكومة الحكومة ويٌنسّق أعمالها و يتصرّف في
دواليب الدّولة .كما تعرّض في نفس السياق الفصل 19إلى اإلدارة العموميّة
بقوله "اإلدارة العموميّة وسائر مرافق الدولة في خدمة المواطن على أساس
الحياد و المساواة .وك ّل تمييز بين المواطنين على أساس أي انتماء جريمة يعاقب
عليها القانون" .كما خصّص الباب السّابع للجماعات المحليّة والجهويّة فصل
واحدا وهو الفصل 133والّذي ينصّ على أ ّنه "تمارس المجالس البلديّة
والمجالس الجهوية ومجالس األقاليم والهياكل الّتي يمنحها القانون صفة الجماعة
المحلّيّة والجهويّة والمصالح المحلّيّة والجهويّة" .كما تعرّض ال ّدستور في باب
الوظيفة القضائيّة إلى وجود قضاء إداري ومالي يهتمان أساسا بقضاء اإلدارة
ومراقبة التصرف العمومي (المحاسبة العموميّة) .فورد بالفصل 119من دستور
" 2022ينقسم القضاء إلى قضاء عدلي وقضاء إداري وقضاء مالي".
10
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
*بالقانون الدولي :حيث يجد هذا الفرع من فروع القانون العام في القانون ال ّدستوري
األسس و اإلجراءات التّي يرتكز عليها للتأثير القانوني داخل ال ّدولة ،فال ّدستور
التونسي 2022يق ّر في توطئته مبادئ بإمكان ال ّدولة أن تلتزم على أساسها من ذلك
ما ورد في التوطئة من تأكيد لالنتماء العربي و اإلفريقي وعدم الدخول في تحالفات
وتمسّك بالشرعية الدولية .ويلحظ في هذا السياق تراجع دستور 2022عن اإلشارة
للمعايير الدولية والطابع الكوني الشمولي لحقوق اإلنسان خالفا لتوطئة دستور
.2014كما يضع دستور 2022في فصوله 16و 68و75و 74قواعد وأحكام
تسمح بإدماج القانون ال ّدولي ضمن المنظومة القانونيّة لل ّدولة حيث "تٌعرض
االتّفاقيّات وعقود االستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب ال ّشعب
وعلى المجلس الوطني للجهات واألقاليم للموافقة عليها" (الفصل ،)16كما نشير في
هذا اإلطار إلى ما ورد في الفصل 68من ناحية النظام القانوني للمعاهدات فقد ورد
به "يختصّ رئيس الجمهورية بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات" .كما
أن "رئيس الجمهورية يصادق على المعاهدات و يأذن بنشرها .ال ورد بالفصل ّ 74
تجوز المصادقة على المعاهدات المتعلّقة بحدود الدولة والمعاهدات التجارية
والمعاهدات الخاصّة بالتنظيم الدولي وتلك المتعلقة بالمعاهدات المالية للدولة
والمعاهدات المتضمنة أحكاما ذات صبغة تشريعية ّإال بعد الموافقة عليها من قبل
مجلس نواب الشعب .ال تع ّد المعاهدات نافذة المفعول إال بعد المصادقة عليها و
شريطة تطبيقها من الطرف اآلخر .والمعاهدات المصادق عليها من قبل رئيس
الجمهورية و الموافق عليها من قبل مجلس نواب الشعب أعلى من القوانين ودون
الدستور " .كما ورد في الفصل 75أنّه تتّخذ شكل قوانين أساسية النصوص المتعلّقة
بالموافقة على المعاهدات.
*بالقانون الخاص :يق ّر ال ّدستور التونسي لسنة 2022بعض المبادئ العا ّمة ال ّتي
تحكم القانون الخاصّ من ذلك بعض المبادئ العا ّمة الّتي تخصّ القانون الخاصّ من
ذلك المبادئ ذات الصلة الوثيقة بالقانون الجزائي كقرينة البراءة وحقوق الدفاع
الواردة بالفصل " 33المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له
فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبّع والمحاكمة" ،كما كرّس مبدأ شرعيّة
صو) وهو ما ورد في الفصل " 34العقوبة العقوبة والجرائم (ال عقوبة إال بن ّ
شخصيّة و ال تكون ّإال بمقتضى نصّ قانوني سابق الوضع باستثناء حالة النصّ
األرفق بالمتّهم".
كما تضمن دستور 2022بعض المبادئ المتعلقة باإلجراءات الجزائيّة فال يمكن
إيقاف شخص أو االحتفاظ به ّإال في حالة التّلبّس أو في قرار قضائي ويعلم فورا
11
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
بحقوقه وبالتهمة المنسوبة عليه وله أن يٌنيب محامي وم ّدة اإليقاف واالحتفاظ
ق ك ّل سجين في بالقانون .وهو ما تض ّمنه الفصل ،أو ما تضمنه الفصل " :36ح ّ
معاملة إنسانيّة تحفظ كرامته .واجب على الدولة أن تراعي في تنفيذ العقوبات السّالبة
للحريّة مصلحة األسرة".
ورد بالدستور أيضا إشارة إلى القانون المدني من ذلك ما ورد بالفصل 29منه من
حق الملكيّة مضمون وال يمكن الح ّد منه إال بالحاالت وبالضمانات الّتي كون ّ
يضبطها القانون كما أق ّر نفس الفصل أنّ الملكية الفكريّة مضمونة.
ولم يخل الدستور من بعض اإلشارات للقانون اإلجتماعي ،فتضمّن إشارات عامّة
والحق في العمل .فقد ورد بالفصل 5و 75منه ّ ّ
والحق في الصّحّة إلى قانون ال ّ
شغل
أ ّنه تتخذ شكل قوانين عاديّة النصوص المتعلّقة بالمبادئ األساسيّة لنظام الملكيّة
والحقوق العينيّة والتعليم والبحث العلمي والثقافي والصحة العمومية والتهيئة
الترابية وقانون الشغل والمناطق العمرانية والضمان االجتماعي .كما ورد بالفصل
ّ
الحق في ّ
الحق في التغطية االجتماعية .وكرّس الفصل 44 ّ
الحق في الصحّة و 43
حق لك ّل مواطن ومواطنة وت ّتخذ الدّولة
ال ّتعليم وأشار في الفصل 46إلى أنّ "العمل ّ
الحق فيّ ال ّتدابير الضّروريّة لضمانه على أساس اإلنصاف .لك ّل مواطن ومواطنة
شغل. العمل في ظروف الئقة وبأجر عادل" ،وهي مبادئ أساسيّة ّ
منظمة لقانون ال ّ
إنّ المكانة المتميّزة للقانون الدستوري إزاء بقيّة فروع القانون خاصّة منها
فروع القانون العا ّم ال تعني أنّ يش ّكل بديل عنها وإ ّنما تعكس إمكانات ال ّتفاعل بين
مختلف فروع القانون.
12
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
يقصد بموضوع القانون ال ّدستوري مدار اهتمامه بمعنى محتواه وما ّدته وقد
اختلف الفقهاء بشأن اإلطار الخاصّ بالقواعد ال ّدستوريّة بين اتّجاهين رئيسيّين
اتّجاه تقليدي و اتّجاه حديث.
الفقرة األولى :االتّجاه التّقليدي في تحديد موضوع القانون الدّستوري:
تتع ّدد داخل هذا االتّجاه تعريفات القانون ال ّدستوري التي تأثّرت بعوامل
نشأته بداياته ،وهو ما يتطلب بيان مضمونها الذي لم يسلم من االنتقادات
13
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
14
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
15
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
القضاء ،)...و من جهة ثالثة تتو ّفر دساتير غير مكتوبة خالفا لما ينتهي اال ّتجاه
التّقليدي من معادلة بين القانون ال ّدستوري و ال ّدستور المكتوب.
إن مجمل االنتقادات المذكورة وإن تد ّعم ضرورة إثراء المقاربة القانونيّة
بالمعطى السوسيولوجي و البعد الواقعي إال أنّها ال ينبغي أن تحلّه محلّها .فالقانون
يبقى في نهاية األمر المقياس و المرجع في تنظيم السّلطة السّياسيّة و ال ّزاوية
المعتمدة في تناول المسائل المتعلّقة بالقانون ال ّدستوري عموما.
و تبدو الرؤية التنسيبيّة حاضرة أيضا فيما يتعلّق أيضا بتالزم القانون
ال ّدستوري مع ال ّدولة.
ثانيا :نسبيّة تالزم ال ّدولة و القانون ال ّدستور ّ
ي:
تبدو عالقة القانون ال ّدستور بال ّدولة كموضوع عالقة ثابتة دون أن تكون
حصريّة و ذلك ألسباب ع ّدة فال ّدستور ال يع ّد الواقعة المنشئة لل ّدولة إذ أنّها تنشأ
بتوفّر و اكتمال أركانها من مجموعة بشريّة و إقليم وسلطة سياسيّة ليكون من ث ّمة
دور ال ّدستور دورا إعالنيّا كاشفا ومثبتا لوجود ال ّدولة هذا من جهة ،ومن جهة
ثانية فإ ّن ال ّدولة بمعناها المؤ ّسساتي تعتبر تش ّكال حديثا وهو ما يعني انتفاء
القانون الدستوري قبلها ولو كان ذلك بشكل أوّلي وخصوصي فقواعده وجدت
كلّما وجدت مجتمعات سياسية أي جماعات خاضعة لسلطة سياسيّة عليا (المجتمع
األثيني ،المجتمع النبوي )...و ذلك بقطع النّظر عن وجود شرط مؤ ّسسة السّلطة
(المجتمع األوروبي قبيل القرن.) 17
و يبقى من الثّابت ّ
أن ال ّدولة تع ّد ال ّشكل األرقى لتنظيم ال ّسلطة و ال ّشكل
ال ّدارج وانما أيضا الشكل المرجعي والمعياري للمجتمع السّياسي اليوم ة ،وإن
دعا بعض الفقهاء إلى تجاوزها نحو توسيع موضوع القانون ال ّدستوري.
16
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
17
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ال ّدستور ّ
ي على تدعيم طبيعته القانونيّة وتوسّع مجاله نحو ثالثيّة تشمل المؤسّسات
والقواعد والحرّيات وتثبت علويّته.
وهو تصوّر إن د ّعم العنصر األول فقد حافظ على العنصر الثاني من تحديد
االتّجاه الحديث لموضوع القانون ال ّدستوري.
المجتمع السّياسي: -2
ي خالفا يكتفي االتّجاه الحديث بالمجتمع السّياسي إطارا للقانون ال ّدستور ّ
لالتّجاه التقليدي ال ّذي يجعل من ال ّدولة إطاره الحتمي ،فال ّدولة في تقدير فقهاء
االتّجاه الحديث ال تعدو أن تكون شكال من أشكال السلطة السّياسيّة ،وهو شكل
مستحدث ظاهر في فترة معيّنة حديثة نسبيا (القرن ،) 17فالسّلطة السّياسيّة
وجدت خارج إطار ال ّدولة و ذلك حتّى في ظ ّل غياب فكرة المؤسّسة حيث توفّرت
قواعد دستوريّة تتّصل بهيكلة السّلطة و تنظيمها وانتقالها حتّى في المجتمعات
القديمة وهي مالحظة تنسحب على بعض المجتمعات الحديثة فال ّدولة في الفكر
الماركس ّي أداة مدعوّة إلى ال ّزوال في آخر مراحل تطوّر االشتراكيّة وهي
ال ّشيوعيّة و حتّى في كامل هذه المرحلة النّهائيّة توجد قواعد دستوريّة تنظّم إدارة
ال ّشؤون ،وفي النظم المشخصنة (النّظام النّازي والفاشي والنظم االستبدادية)
حيث يتماهى شخص ال ّزعيم والسلطة توجد قواعد دستوريّة تنظّم السّلطة
وممارستها رغما عن غياب سلطة مؤسّسة.
لقد بلور فقهاء االتّجاه الحديث تصوّرا نقديّا في ضبطهم لموضوع القانون
ال ّدستوري بحيث خرجوا عن المركزيّة األوروبيّة مثبتين إمكانيّة التفكير في
القانون ال ّدستوري خارج الفضاء األوروبي إضافة لذلك صيّر هؤالء الفقهاء
التّفكير ممكنا في إطار ال ّدولة و تجاوزوا شكالنيّة االتّجاه التّقليدي .
أن الدولة تستم ّر ال ّشكل ال ّدارج
إن هذه المزايا ال تخفي انتقادات مفادها ّ ّ
أن االكتفاء بالمجتمع السّياسي إطارا للقانون ال ّدستوري للسّلطة السّياسيّة ،ث ّم ّ
يجعل من هذا القانون هدفا في ح ّد ذاته ال أداة لتحقيق هدف ،فربط القانون
ي بال ّدولة في االتّجاه التّقليدي يدخل في إطار تصوّر واضح للقانون ال ّدستور ّ
ي وهي ميزة ال تبدو واضحة في ظ ّل عموميّة االتّجاه الحديث. ال ّدستور ّ
وعلى ضوءه يمكن بلورة تصوّر لموضوع القانون ال ّدستور ّ
ي حيث يهت ّم
(موضوعه) بتنظيم السلطة من خالل دراسة القواعد القانونيّة و المحيط ال ّذي
توجد فيه في المجتمع السّياسي في نطاق ال ّدولة.
و يغدو بذلك من المتوجّه البحث في مفهوم القانون ال ّدستور ّ
ي.
18
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
19
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
الفرنسي لحقوق اإلنسان و المواطن "ك ّل مجتمع ال تقرّر فيه ضمانات لحقوق
األفراد و ال يسود فيه مبدأ الفصل بين السّلطات هو مجتمع ليس له دستور".
و إن ا ّتفق فقهاء المدرسة ال ّدستوريّة على اعتماد الحريّة غاية وهدفا فإنهم
اختلفوا في النّظر إليها كأولويّة منقسمين إلى أجيال ثالثة.
أ ّوال :القانون ال ّدستوري أداة الحريّة:
يذهب الفقيهين "كارل فريد ريش " "Karl Friedrichو مركين قيزفيتش
فن صناعة " "Mirkine Guetzévichإلى تعريف القانون ال ّدستوري بأنّه " ّ
الحريّة" ،فالنّظام ال ّدستوري يجب أن يتّجه إلى فرض احترام الفرد من طرف
السّلطة السّياسيّة ،وهو ما يتأ ّكد بالعودة للتّاريخ ال ّدستوري حيث انبثق القانون
الدستوري حينما ارتضى الملوك المستب ّدين اإلبقاء على التّوازن بين استمراريّة
سلطتهم وحقوق األفراد وذلك رضوخا لمطالبات األفراد بالحفاظ على حرّياتهم
وتمكينهم من المشاركة السّياسيّة.
أن القول ّ
بأن غيرأن الفقيه "أندري هوريو" "André Hauriouيرى ّ
القانون ال ّدستوري تنظيم للحريّة و إن كان أمرا محبّذا إال أنّه يجب عدم األخذ به
بصفة مطلقة إذ يؤ ّدي هذا القول إلى سهولة االعتقاد بعدم وجود حدود للنّزعة
نحو الحرّية .وهو مأخذ يمكن توجيهه أيضا للجيل الثاني من المدرسة ال ّدستوريّة.
ثانيا :القانون ال ّدستوري أداة السلطة :
أن ال ّدستور يوجد بالضّرورة في ك ّل دولة أيّا كان يرى جانب من الفقه ّ
النّظام ال ّسائد فيها ديمقراطيّا أو مطلقا مادام فيها تنظيم للسّلطة وبهذا فإ ّن لك ّل دولة
دستور يح ّدد نظام الحكم و يبيّن السّلطات العا ّمة و كيفيّة تكوينها واختصاصاتها
وعالقاتها يبعضها وعالقاتها باألفراد بقطع النّظر عن التزامها بسيادة الشعب
وحقوق اإلنسان (ايطاليا الفاشية ، 1922ألمانيا النّازية ،) 1933وفي هذا
الصّدد يعتبر الفقيه مارسال بريلو Mercel Prélotالقانون ال ّدستوري أداة
للسلطة و جاراه في ذلك الفقيه "جورج فيدال .Georges Vedel
و قد عاب الفقيه أندريو هوريو على هذا التّصوّر كونه يؤ ّدي إلى االعتقاد
بأن ممارسة السلطة غاية في ح ّد ذاتها وأنّها تجد تبريرها في مصلحة الح ّكام دون ّ
مصلحة المحكومين مغفلة السّياق العا ّم النبثاق فكرة القانون ال ّدستوري مركزة
على البعد التّنظيمي للقاعدة القانونيّة دون التفات ألبعادها األخرى.
20
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
21
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ال بمقتضى قانون ولضرورة قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور ا ّ
يقتضيها الدفاع الوطني ،أو األمن العام ،أو الصحة العمومية ،أو حماية حقوق الغير ،أو
اآلداب العامة .ويجب أالّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا
الدستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها ومتالئمة مع دواعيها .ال يجوز ألي تنقيح أن ينال
من مكتسبات حقوق اإلنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور .وعلى كل الهيئات
القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهّاك).
وتلك إشارات إلى إحدى أه ّم وسائل تحقيق الحريّة وهو ما يتوجّه معه
استعراضها.
-2وسائل تحقيق الحريّة:
تتع ّدد الوسائل التّي ترتكز عليها المدرسة ال ّدستوريّة لتحقيق الحريّة
والمحافظة عليها وهي وسائل بتحديدها لسلطة الح ّكام تقوم بضمان حقوق
المحكومين ،و أه ّمها:
أ ّوال :ال ّدستور المكتوب:
يقصد بال ّدستور المكتوب ذلك ال ّذي تسجّل أحكامه في وثيقة مكتوبة تكون
صادرة عن السّلطة التّأسيسيّة ،وقد نادت المدرسة ال ّدستوريّة بضرورة تدوين
القواعد األساسيّة ألنظمة الحكم و ذلك لع ّدة اعتبارات.
ي المضفي على ال ّدستور المكتوب حيث يع ّد بمثابة العقد أوّلها الطّابع العقد ّ
االجتماعي ال ّذي ترتكز عليه الجماعة السّياسية في المجتمع السّياسي ،وال ّذي يبيّن
حقوق أطرافه و واجباتهم (الحاكم و المحكوم) و يكرّس التزامهم بها ،ثانيها
الطّابع المرجع ّي لل ّدستور المكتوب فوجوده يم ّكن في ك ّل وقت من الرّجوع إليه
واالحتكام له ،فهو يبيّن بفضل نصوصه الواضحة أسس وشروط ممارسة السّلطة
وحدودها بما يسهّل على المحكومين معرفة حقوقهم و واجباتهم واالحتجاج بها،
آخرها طابع الثّبات ال ّذي تتّصف به أحكام ال ّدستور المكتوب بحيث ال يكون
عرضة ألي تغيير بموجب معطيات حينيّة أو نزوات شخصيّة.
أن وجود ال ّدستور المكتوب ال يقوم دليال في ح ّد ذاته على تحقيق غير ّ
الحريّة بل يتطلّب التزام السّلطة به ،وهنا يميّز الفقه بين دولة ذات دستور ودولة
ي أي بين ال ّدولة القانونيّة و دولة القانون بمعنى بين دولة ذات نظام دستور ّ
االلتزام الشكلي بالحرّيات و دولة التبنّي الفعلي و الضمان الناجح لها .وهنا يتعيّن
أن يتض ّمن ال ّدستور المكتوب داخله مجموعة من الوسائل األخرى المهيئة
والمساهمة في تحقيق الحريّة و تحقّقها.
22
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
كما يمكن التذكير بما ورد بدستور 25جويلية 2022من تقنية مستحدثة
غير مسبوقة في التجربة الدستورية التونسية ممثلة في آلية سحب الوكالة الواردة
بالفصل منه ،هذه اآللية رآها البعض تعبيرا عن ديمقراطية مباشرة تمكن من
استعادة الناخب لتأثيره على المنتخب عوض انظار استيفاء العهدة االنتخابية
23
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
وهي وسيلة ضغط تمكن من خلق التوازن بين الناخبين والمنتخبين في حين رآها
البعض تقنية موجهة باعتبارها تقتصر على النائب في السلطة التشريعية دون
سواه من المنتخبين وتقنية غير مجدية وال فعالة لكونها سبيل للمس من
االستقرار المؤسساتي اللزم ألداء النظام السياسي والمؤسسات السياسية
لوظائفها ولكون إجراءات سحب الوكالة إجراءات ثقيلة صعبة التحقق ،إن أداة
رقابة بمثل هذه التداعيات المؤسساتية وبمثل هذه الشروط تتطلب وعيا وثقافة
سياسية ملئمة وتنزيل تشريعيا مكتمل ال تبدو شروطه الحالية قادرة على
تحويله من عنوان دستوري إلى ممارسة فعلية
أ ّما الرّقابة غير المنظّمة فتمارس عبر ال ّدور الضّاغط لمؤسّسات المجتمع
المدني (األفراد ،الجمعيات )...و لوسائل اإلعالم التّي و إن ال تتح ّكم في القرار
السّياسي فإنها تأثّر فيه بدرجات متفاوتة معبّرة عن تطلّعات األفراد و حامية
لحقوقهم.
وتبقى قيمة هذه الوسيلة و غيرها من وسائل تحقيق الحريّة رهينة الثّقافة
السّياسيّة و العقليّة الحقوقيّة والوعي المدني السّائد في مجتمع ما .و من هذه
فان الحريّة كأحد المفاهيم المطروحة تبلورت كتصوّر غرب ّي أوروب ّي ال ّزاوية ّ
لغايات القانون ال ّدستوري و ضمن شروطه المجتمعيّة و اإليديولوجيّة ،فيما قد ال
يتماثل ضرورة مع أطر مجتمعيّة مختلفة ،ويفتح المجال لمفاهيم أخرى ،وإن
نلحظ تج ّددا لمفهوم الحريّة تحت عناوين الدمقرطة واالنتقال الديمقراطي وذلك
في ظ ّل انهيار المنظومة االشتراكيّة وموجات المطالبة بال ّديمقراطيّة في أوروبا
ال ّشرقيّة وإفريقيا والمنطقة العربيّة .
الفقرة الثانية :المفاهيم األخرى للقانون الدّستوري:
وهي عبارة عن بقيّة المفاهيم التّي تلت المفهوم األصل ّي أو األصيل للقانون
ال ّدستوري ،فيما يمكن أن يع ّد مفاهيم جديدة أو خصوصيّة .وقد كانت نتاجا إ ّما
لمراجعات داخل المدرسة الدستوريّة أو تبعا لظهور مدارس فقهيّة جديدة (
المدرسة االشتراكية) وذلك كر ّد فعل عن تو ّسع القانون الدستوري داخل الفضاء
الغرب ّي وخارجه وجوابا عن مدى قدرته على استيعاب هذه األطر الجديدة التي
تختلف مجتمع ّيا ومؤسساتيّا وفكريّا عن الفضاء األصلي لظهور القانون
الدستوري.
-1داخل الفضاء الغرب ّي:
تش ّكل أوروبا الشرقيّة جزءا من الفضاء الغرب ّي و المجتمع األوروب ّي و إن
تحتفظ بخصوصيّاتها االثنيّة واالقتصاديّة والمجتمعيّة .و قد تبلور الفكر و
24
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ال ّتجربة االشتراكيّة داخلها ،وبالتحديد في روسيا وتوسّع منها إلى بقيّة ال ّدول
االشتراكيّة (بلغاريا ،تشيكيسلوفاكيا ،المجر ،رومانيا ،ألمانيا الشرقيّة ،الصّين،
كوريا الشماليّة ،كوبا.)...
ويقوم مفهوم القانون ال ّدستوري داخل البلدان االشتراكيّة على انتقاد مفهوم
الحريّة في سياقها اللّيبرال ّي واعتبارها حريّة وهميّة طالما أنّها حرّية الطّبقة
المهيمنة داخل المجتمع الرّأسمال ّي وسيلتها في ذلك ال ّدولة كأداة قهر وإكراه
وضمن هذا التّصوّر يتوجّب أن يكون "القانون ال ّدستوري ال ّذي تح ّدد قواعده
ي أداة ووسيلة فعّالةالقوى الشعبيّة التّي تستفيد من النّظام االجتماع ّي واالقتصاد ّ
تقودهم نحو المزيد من الحريّة" .و بهذا المعنى يش ّكل القانون ال ّدستوري أداة
للتّحرّر في مرحلة البناء االشتراكي سعيا نحو القضاء على الطّبقات وتوفير
العمل والصّحّة والتّعليم للجميع على قدم المساواة و تكريس حكم البروليتاريا و
ضمنها ال تتحقّق الحريّة الفعليّة إالّ في ظ ّل المجتمع الشيوعي .لقد ساهمت
المدرسة االشتراكية بمقاربتها النقديّة في توسيع دائرة مفاهيم القانون الدستوري
وفي توسيع دائرة الحريّات والحقوق نحو الحقوق االقتصاديّة واالجتماعيّة.
غير أن االختالف بين التّصوّرين الليبرالي والماركس ّي لمفهوم القانون
ال ّدستوري قد ضاق بشكل تدريج ّي ،وذلك في ظ ّل تراجع الخيار االشتراكي
وتد ّعم الحقوق والرؤية االجتماعيّة داخل الخيار اللّيبرالي مع عولمته .وهو خيار
يتد ّعم حتّى خارج الفضاء الغرب ّي.
-2خارج الفضاء الغرب ّي:
يتوجّه في هذا السّياق تناول مفهوم أو مفاهيم القانون ال ّدستوري في ال ّدول
العربيّة و اإلسالميّة وفي دول العالم الثّالث ،وهي دول ال تتوفّر على تقاليد
دستوريّة بالمعنى و المضمون االصطالح ّي المتعارف عليه داخل الفضاء
الغربي ،بحيث أن ظهور القانون الدستوري وتبلور مفاهيمه (الدولة ،الدستور،
السلطة )..داخلها كان في جانب منه نتاجا للتجربة االستعماريّة وما فرضته من
نصوص ومؤسسات إضافة لدور النخب الجديدة الفكرية والسياسيّة في تبنّي
التصورات الليبيراليّة ،دون أن يغيب في الجانب اآلخر دور الثقافة السياسيّة
التقليديّة ال ّسائدة التي تغيّب المفاهيم الديمقراطيّة مع ضعف فكرة المؤسسة
وهشاشة المؤسسات القائمة ،وضمن هذه المعادلة تبلور مفهوم للقانون ال ّدستوري
على أسس ظرفيّة توظيفيّة تأليفية قد تكون أحيانا متناقضة بحيث تتواجد ضمن
نفس التجربة ال ّدستورية رؤية تركيبية لمفهوم القانون ال ّدستوري.
25
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
26
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
27
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
في هذا السّياق يحتوي ال ّدستور على القواعد ال ّدستوريّة التّي تش ّكل
اإلطار العا ّم لبقيّة قواعد القانون ال ّدستوري مضمونا وروحا (فلسفة)،
فال ّدستور يمثّل األساس لمحتوى باقي المصادر من ذلك اإلحاالت
المتكرّرة داخله (حسبما يبينه القانون ،المبيّنة بالقانون ،يضبطه القانون،
يح ّددها القانون االنتخابي ،وضع النّظام ال ّداخلي و تنقيحه ،يتّخذ رئيس
الجمهوريّة مراسيم ،المعاهدات ،االستفتاء ،السّلطة الترتيبيّة)...
كما يمثّل ال ّدستور بأفكاره األصوليّة اإلطار العا ّم المرجع ّي
للخيارات المجتمعية الجوهريّة السّياسيّة منها واالجتماعيّة و االقتصاديّة،
والفكرة األصوليّة للقانون ) (L’idée de droitهي عبارة عن تصوّر
جماعي ينظّم على أساسه المجتمع وتسعى السّلط العموميّة لتحقيقه و ذلك
ّ
بسن القواعد القانونيّة المناسبة .فالفكرة األصوليّة للقانون تعبّر إذن عن
تطلّعات المجموعة و متطلّباتها .وتلتمس الفكرة األصوليّة في توطئة
تستشف من أحكامه ( من ذلك في دستور :2014 ّ ال ّدستور كما
الجمهوريّة ،المدنيّة ،اإلطار العربي اإلسالمي)...
أ ّما البعد ال ّشكلي لتميّز ال ّدستور فيرتكز على خصوصيّات السّلطة
التّأسيسيّة المكلّفة بوضعه فهي سلطة أولى و عليا و غير مقيّدة تختصّ
بدورها و إجراءاتها ،فتعديل ال ّدستور يخضع لنظام إجرائي معقّد يحفظ له
رمزيّته و اعتباريته ويحصنه من التعديالت المشخصنة والظّرفية ،وهي
الميزة التي تختصّ بها الدساتير الجامدة عن الدساتير المرنة التي ال تتوفر
على مثل هذه الخصوصيّات اإلجرائية ( من ذلك في دستور :2014الباب
الثامن الذي يضبط إجراءات تعديل الدستور).
أن القول بمركزيّة ال ّدستور ضمن مصادر القانون ال ّدستوري غير ّ
ال يمنع من بيان محدوديّته ،وتتجسّم هذه المحدوديّة أساسا في استحالة
تم ّكن ال ّدستور لوحده من تأطير و تنظيم ك ّل مظاهر الحياة السّياسيّة
المتشعّبة والمتغيّرة فدستور الهند الصّادر سنة 1950و المحتوى على
300فصال لم يش ّكل المصدر الوحيد للقانون ال ّدستوري بهذا البلد.
28
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
المصادر على خضوعها لل ّدستور ،و على خضوع بعضها للبعض اآلخر
وفق تدرّج قد يختلف نسبيّا حسب التّجارب ال ّدستوريّة ،و سيت ّم اعتماد
الحالة التّونسيّة مثاال ،و يمكن التّمييز في إطار باقي مصادر القانون
ال ّدستوري بين المصادر المكتوبة (الكتابة هنا هي بالمعنى التقعيدي بمعنى
أنها مصادر تتّخذ شكل وخصائص القاعدة القانونية ) و المصادر العرفيّة
والمصادر التكميليّة .
الفقرة األولى :المصادر المكتوبة:
-1المعاهدات ال ّدوليّة:
ه ّي اتّفاقيّات بين ال ّدول أو بين ال ّدول والمنظّمات ال ّدولية في
موضوعات مختلفة (اقتصاديّة ،سياسيّة ،)...وهي وإن كانت تمثل في
أصلها مصدرا من مصادر القانون الدولي إال أنّها قابلة لإلدماج ضمن
المنظومة القانونيّة الداخليّة بحيث تكون نافذة المفعول قابلة لالحتجاج بها .
ولبعض المعاهدات الدولية عالقة ثابتة بالموضوعات الدستورية
خاصة تلك المتعلّقة بالمنظومة الدوليّة لحقوق اإلنسان والتي تتقاطع بشكل
واضح مع مضامين دستور 2014في توطئته والباب الثاني منه ،في هذا
السياق صادقت تونس بموجب 1968/11/29على العهد ال ّدولي الخاصّ
بالحقوق االقتصادية واالجتماعيّة والثقافيّة.
و قد عرض ال ّدستور التّونس ّي لسنة 2014إلى موضوعات
المعاهدات الدوليّة ونظامها القانوني ،فميز بين صنفين :األول منها
المعاهدات الخاضعة لموافقة من مجلس نواب الشعب ثم مصادقة رئيس
الجمهوريّة طبق الفصل 77من الدستور ،وهي حسب الفصل 67من
الدستور المعاهدات المتعلّقة بحدود ال ّدولة و المعاهدات التّجاريّة
والمعاهدات الخاصّة بالتّنظيم ال ّدولي وتلك المتعلّقة بالتّعهّدات الماليّة
لل ّدولة والمعاهدات المتض ّمنة ألحكام ذات صبغة تشريعيّة أو المتعلّقة
بحالة األشخاص .وال تع ّد هذه المعاهدات نافذة المفعول إالّ بعد المصادقة
عليها.
أ ّما الصنف الثاني من المعاهدات وهي ما تسمى بالمعاهدات ذات
الشكل المب ّسط وتستوعب كل ما يخرج عن تلك المحددة ضمن الفصل 67
فتت ّم المصادقة عليها واإلذن بنشرها من قبل رئيس الجمهوريّة.
29
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
30
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
31
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
32
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
33
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
34
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
35
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ال وجود لعرف دستوري ّإال بوجود دستور مكتوب و عليه يرتهن
العرف ال ّدستوري بال ّدستور المكتوب وجودا ودورا و طبيعة و نوعا .و
يميّز هنا بين ال ّدور المجمع بشأنه و ال ّدور المختلف بشأنه.
أ ّوال :ال ّدور المجمع بشأنه:
يجمع الفقه على وجاهة و شرعيّة ال ّدورين المفسّر أو التّفسيري
والتّكميلي للعرف ال ّدستوري (.العرفالتفسيري والعرف التكميلي )
-ال ّدور التّفسيري للعرف ال ّدستوري :وأداته العرف المفسّر وهو
العرف ال ّذي يرمي إلى توضيح نص غامض و غير واضح من نصوص
الوثيقة ال ّدستوريّة ليقتصر دوره على ذلك دون إنشاء قاعدة قانونيّة جديدة
تحتوي على حكم مختلف عن ذلك الوارد في الوثيقة ال ّدستوريّة و عليه
فالعرف المفسّر جزء من ال ّدستور له قوّته القانونيّة .من ذلك طريقة أداء
القسم الدستوري بوضع اليد اليمنى على القرآن حين أداء القسم ( عرف
دستوري صلب دستور 1959ودستور ) 2014
-ال ّدور التّكميلي :أداته العرف المكمل ال ّذي ينظّم موضوعات لم
ينظمها ال ّدستور بمعنى وجود نقص في الوثيقة ال ّدستوريّة و مثال ذلك:
العرف القاضي يتمتّع رئيس الجمهوريّة في تونس بالصّالحيّات التّامة
لضبط هيكلة الحكومة و تحديد اختصاصات أعضائها و المصالح الرّاجعة
أن الفصل 37من دستور 1959يكتفي بإسناد إليهم بالنّظر و الحال ّ
ممارسة السّلطة التنفيذيّة لرئيس الجمهوريّة بمساعدة حكومة يرأسها
الوزير األوّل دون الخوض في كيفيّة ممارسة هذه الصّالحيّة و أدواتها
القانونيّة.
يذهب الرّأي الغالب في الفقه إلى إعطاء العرف المكمل نفس القوّة
القانونيّة مع النّص ال ّدستوري باعتبار ّ
أن ال ّدستور وإن لم ينصّ صراحة
على إمكانية إكمال بعض نقائصه من طرف العرف ال ّدستوري فانّه
أن العرف المكمل ليس إالّ نوعا من قبيل يتّبعها بصفة ضمنيّة حيث ّ
العرف المفسّر إذ أنّه يفسّر في الواقع سكوت السّلطة التّأسيسية وسكوت
المشرّع ال ّدستوري عن بعض المسائل.
ثانيا :ال ّدور المختلف بشأنه :ال ّدور التّعديلي:
36
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
و أداته هو العرف المع ّدل ال ّذي يع ّدل في األحكام التّي ينصّ عليها
ال ّدستور المكتوب سواء بإضافة أحكام جديدة أو بحذف أحكام قائمة.
بمعنى منح سلط ال ّدولة اختصاصا لم يقرر لها دستوريّا أو إسقاط
اختصاص مقرّر لها دستوريّا و بالنّظر لخطورة هذا ال ّدور قام جدل فقهي
بشأن القيمة القانونيّة للعرف المع ّدل .فالبعض ينزعها عنه لكونه يتعارض
مع فكرة ال ّدستور المكتوب ال ّذي ال يسمح بتعديل أو بإلغاء نصوصه إالّ
بإتباع نظام إجرائي سابق الوضع وهو نفس الموقف ال ّذي اعتمده القاضي
اإلداري التونس ّي بقوله "وحيث أق ّر الباب التّاسع من ال ّدستور سبل تنقيح و
إتمام مختل ف فصوله تحسّبا لك ّل حاجة قد تدعو إلى استحداث قواعد جديدة
األمر ال ّذي ال يسوغ بعده مجاراة جهة اإلدارة في القول بجواز استكمال
القواعد ال ّدستوريّة المكتوبة بقواعد عرفيّة "(قرار بن بشر /الوزير األوّل
.") 1990/12/11
أن بعض الفقهاء يذهبون إلى القول بأن للعرف المع ّدل نفس غير ّ
قوّة الوثيقة ال ّدستوريّة حيث أنّه تعبير عن إرادة األ ّمة صاحبة السيادة و
التّي يجب أن تكون السّلطة التّأسيسيّة األصليّة .وهو قول يؤ ّدي إلى خلط
اصطالحي و أجرائي على مستوى تعديل ال ّدستور.
الفقرة الثّالثة :المصادر التّكميل ّية:
و تتمحور حول تفسير و تحديد معنى القاعدة ال ّدستوريّة و بيان
مداها و ذلك بواسطة تحديد موضوعها و الكشف عن معناها ،وهو دور
يعود أساسا للقضاء و الفقه.
-1فقه القضاء:
37
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
حالة ال ّدول ال ّتي أقرّت القضاء ال ّدستوري حيث تبلور القانون ال ّدستوري
من خالل فقه القضاء خصوصا في ما ّدة الحرّيات األساسيّة.
2ـ الفقه:
ي:
القسم ال ّرابع :مناهج دراسة القانون الدّستور ّ
تتّسم مناهج دراسة القانون ال ّدستوري بالتّع ّدد و تبقى العالقة بينهما
رهينة التّجاذب الفقهي بين التيّارين التّقليدي و الحديث.
الفقرة األولى :منهج ّية العلوم القانون ّية:
أن مه ّمة ال ّدارس للقانون ال ّدستوري تقتصر
يعتبر الفقهاء التقليديون ّ
على تفسير الوثيقة ال ّدستوريّة أساسا باالعتماد على طرق التّفسير اللّغوي
بحيث يتح ّدد معنى ك ّل عبارة بالنّظر إلى ما سبق شرحه توصّال إلى بلورة
مواقف وأفكار السّلطة التّأسيسيّة .وفي صورة غموض النّص وعدم
جدوى التّفسير اللّغوي فانّه يت ّم االستعانة بالتّفسير المنطقي وذلك بالبحث
في روح النّص وتقريب النّصوص لبعضها والرّجوع إلى المصادر
التّاريخيّة كاألعمال التحضيريّة (مداوالت المجلس القومي التّأسيسي).
إن هذا التّوجّه المنهجي يعكس التزام التيّار التّقليدي بالوثيقة
ّ
ال ّدستوريّة كأحد المرتكزين األساسيين في تحديد موضوع القانون
ال ّدستوري ،وهو توجّه منتقد في ظ ّل حركية القانون ال ّدستوري و تطوّر
38
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
39
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
تتش ّكل النّظريّة العا ّمة للقانون ال ّدستوري ضمن مجموعة الثّوابت التّي تمثّل
قاسما مشتركا بين مختلف المدارس الفقهيّة بخصوص موضوعات القانون
ال ّدستوري لتتمثّل كمجموعة المعطيات األساسيّة للقانون ال ّدستوري و التّي تختلف
داخلها الرؤى فإنّها تمثّل األطر الكالسيكيّة لتناول ما ّدة القانون ال ّدستوري فال ّدولة
تمثّل اإلطار الرّئيسي (الباب األوّل) في حين يم ّثل ال ّدستور اإلطار القانوني التّي
ينظّم الحكم داخلها (الباب الثّاني) و تمثّل السّيادة سبل ممارسته (الباب الثّالث).
ال ّدولة أرقى أشكال التّنظيم السّياسي و شكله السّائد و ال ّدارج في المجتمع
الحديث ،و قد أخذت ال ّدولة في التّش ّكل كمؤسّسة المؤسّسات انطالقا من القرن 15
بأوروبا ضمن تقاطع و تفاعل (عوامل) و ظواهر ثالثة :القوميّة و العقالنيّة
والبورجوازيّة ،فقد برزت مع نم ّو وعي قوم ّي وظفته الملكيّة داخليّا إلنهاء ال ّدور
التجزيئي لإلقطاعيّة و مركزة السّلطة حول الملك و خارجيّا للتّخلّص من النّفوذ
الكنس ّي أو اإلمبراطوري كما ساهمت شموليّة العقلنة و استمراريّتها في بروز
ال ّدولة بتدعيم فكرة المؤسّسة و التنظم (ضمن مؤسّسات مترابطة و منطق الجزئي
ّ
المشخصة ضمن الكلّي لتحقيق أهداف عا ّمة) تحوّال عن فكرة السّلطة المبعثرة ث ّم
نحو السّلطة المؤسسة أي نحو جهاز سياس ّي للحكم في مجتمع ما.
و قد ساهمت البرجوازيّة اقتصاديّا و فكريّا في ذلك بتحالفها (المرحلي)
مع الملك وعملها على إيجاد سوق وطنيّة واسعة تتجاوز انغالق ال ّدورة
االقتصاديّة اإلقطاعية و تبنيها لفكر يقوم على الحريّة والعلميّة والفردانيّة .و
ضمن مجموع هذه العوامل تبلورت ال ّدولة في معنى أقرب لداللتها االصطالحيّة
التّي تقوم على االستقرار ( )Etat/Staat/Statو إن اختلفت التعريفات الفقهية
لها فالفقيه Carré de Malbergيعرّفها بأنّها مجموعة من األفراد مستقرّة على
إقليم معيّن و لها من التّنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة األفراد سلطة آمرة و
زاجرة .و الفقيه Hallardفيعرّفها بأنّها مجموعة األفراد القاطنين إقليما معيّنا و
الخاضعين لسلطات األغلبيّة أو لسلطان طائفة منهم "وهي بالنّسبة للفقيه Wilson
ال تعدو أن تكون شعبا يخضع للقانون على إقليم معيّن".
و تعكس مجموعة هذه التّعريفات تعريفا (وصفيّا) لل ّدولة بأركانها (الفصل
األوّل) يعكس خصائصها القانونيّة (الفصل الثاني) بقطع النّظر عن تنوّع أشكالها
(الفصل الثّالث).
40
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
الفقرة األولى:خا ّ
صيات المجموعة البشريّة
ي لوجود ال ّدولة على مجموعة منتقوم المجموعة البشريّة كشرط ضرور ّ
الخاصّيات التّي تنسجم و هذه المعادلة (بعنصريها).
ي لهذه المجموعة تأثير على وجود ال ّدولة فال يشترط أن فليس للتّباين العدد ّ
يكون لعددها ح ّدا أقصى أو ح ّدا أدنى كما ليس له تأثير على وصفها القانون ّي فك ّل
ال ّدول متساوية من الناحية النّظريّة بقطع النّظر عن عدد س ّكانها.
هذا من جهة أولى غير أ ّنه و من جهة ثانية يشترط أن تكون المجموعة
البشريّة مكوّنة في معظمها من أغلبيّة وطنيّة بمعنى أنّه ال يمكن أن تقوم دولة
على أجانب ،و تتح ّدد العالقة بين ال ّدولة و أفرادها برابط الجنسيّة و عالقة
المواطنة بما يمنحانه من حقوق و يتطلّبانه من واجبات.
من جهة ثالثة يشترط أن يتوفّر في المجموعة البشريّة المكوّنة لل ّدولة ح ّدا
أدنى من االستقرار واالستمراريّة بمعنى أنّها ال يمكن أن تتش ّكل من رحّل
عابرين للحدود و ال يمكن أن تكون قابلة لالستبدال أو التّغيير و إن كان لها
حركيّتها ال ّداخليّة التّي تتجسّم ضمن تش ّكلها.
الفقرة الثّانية:تش ّكل المجموعة البشر ّية:
41
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
42
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
و ا ّتحادا في العادات و نمط العيش .و تبقى صعوبات عزل مجموعة بشريّة
متّصفة بصفات طبيعيّة مشتركة و نقيّة عامال يح ّد من أهميّة عنصر العرق.
كما تعتبر اللّغة عنصرا أساسيا في تكوين األ ّمة ،فوحدة اللّغة تخلق جوّا
عا ّما من التّفاهم ينتج عن سهولة التّخاطب و وحدة التّفكير و اإلحساس ،فاللّغة
بحكم تعبيرها عن تراث المجموعة هي بمثابة روح األ ّمة .و تجدر اإلشارة أنّه
تالزم نسب ّي فهناك لغات تتكلّمها أكثر من أ ّمة (االنجليزيّة )...و هناك أمم تتوفّر
على أكثر من لغة (ايطاليا.)...
و تعتبر وحدة ال ّدين إحدى عوامل تكوين األ ّمة حيث يخلق ال ّدين بين
معتنقيه تضامنا و ترابطا يؤ ّدي إلى تقوية ال ّشعور المشترك باالنتماء إلى نفس
األ ّمة و قد ساهم ال ّشعور ال ّديني في نشأة ع ّدة أمم (األ ّمة االسبانيّة .)...وهو قول
أن شعوبا تشترك في نفس ال ّدين قابل للتنسيب فمن األمم ما لم يقم على ال ّدين كما ّ
و ال تؤلّف أ ّمة واحدة.
و يبقى الفقيه André Hauriouأقرب إلى الموضوعيّة في تصوّر تأليفي
أن األ ّمة هي "ذلك التّج ّمع البشري ال ّذي في إطاره يستق ّر األفراد ،و بقوله ّ
يرتبطون ببعضهم البعض بروابط ماديّة و روحيّة في اآلن نفسه و يعتبرون
أنفسهم مختلفين عن األفراد ال ّذين يكوّنون المجموعات القوميّة األخرى" وهي
رؤية تتّسع للمفهومين ال ّشخصي و الموضوع ّي لأل ّمة ،وتبقى عناصر التّرابط في
ك ّل األحوال نسبيّة و ال تؤول حتما ال بالتناوب (ك ّل منهما على حدة) و ال
باإلضافة (جميعها) إلى قيام األ ّمة.
وهو طابع (النّسبيّة) ال يبدو غائبا عن عالقة األ ّمة بال ّدولة.
-2ال ّدولة و األ ّمة:
مبدئيّا تبدو ال ّدولة و األ ّمة مفهومين مختلفين ،فال ّدولة تش ّكل تنظيما قانونيّا
سياسيّا بينما تشمل األ ّمة حقيقة اجتماعيّة تتكوّن من مجموعة من األفراد قد ت ّم
انصهارهم نتيجة معطيات موضوعيّة و شخصيّة و لها ذاتيها المميّزة و ال يمنع
هذا االختالف الثّابت بين هاتين الحقيقتين القانونيّة و السّياسيّة قيام عالقة تفاعل
بينهما تتّخذ وجهين رئيسيين.
أ ّوال :مساهمة األ ّمة في قيام ال ّدولة
تلعب األ ّمة دورا كبيرا في تكوين ال ّدولة .و هو ما عبرت عنه مقولة ال ّشكل
أن األ ّمة بفضلالتاريخي للدولة بماهي الدولة ـ األ ّمة أو الدولة القومية .هذا يعني ّ
التّضامن ال ّذي يجمع بين أفرادها تعمل على إنشاء دولة تم ّكنها من بلورة ذاتيّتها
43
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
المنفردة والمتميّزة و تحقيق أهدافها ورسالتها .و قد حقّقت خالل القرن ال ّتاسع
عشر العديد من األمم في أوروبا استقاللها و كوّنت دوال مستقلّة ،و ذلك تحت
تأثير مبدأ القوميّات ال ّذي أفرزته الثّورة الفرنسيّة .فنشأت ال ّدولة االيطاليّة بالقوّة
عن طريق غاريبلدي سنة 1870و جمعت شتات األ ّمة اإليطاليّة التّي كانت
مو ّزعة على خمس دويالت ،و نشأت كذلك ال ّدولة األلمانيّة على يد بيزمارك سنة
1871و أعيد توحيد ألمانيا سنة 1990و ذلك اثر تقسيمها بعد الحرب العالميّة
الثّانية ،و قد تطوّر مبدأ القوميّات و ال ّذي عرّفه االيطالي مانشيني Manciniفي
ق له أن إن ك ّل شعب بلغ مرحلة القوميّة يح ّ محاضرة ألقاها سنة 1851بقوله " ّ
يؤلّف دولة لنفسه خاصّة بهذه القوميّة" وأصبح مبدأ القوميّات في القرن العشرين
ق ال ّشعوب في تقرير مصيرها « Le droit des يحمل شكال يتمثّل في ح ّ
» peuples à disposer d’eux-mêmesو قد اعتنق الرّئيس و يلسن هذا
المبدأ في مبادئه األربعة عشر ،ووقع إقراره من طرف األمم المتّحدة خاصّة في
قرارها رقم 16-1514سنة " 1960حول منح االستقالل للبلدان وال ّشعوب
ق ال ّشعوب في تقرير مصيرها على قيام ع ّدة دول المستعمرة" .وقد ساعد مبدأ ح ّ
خاصّة إثر انحالل واضمحالل اإلمبراطوريّة النّمساوية المجريّة و اإلمبراطوريّة
العثمانيّة التّي كان شعبها يقوم على أمم و قوميّات متع ّددة كما ساعد أيضا مبدأ
ق في خوض المعارك ق ال ّشعوب في تقرير مصيرها على أعطاء ك ّل أ ّمة الح ّ ح ّ
التحريريّة ض ّد االستعمار خاصّة في آسيا و إفريقيا ،و بالتّالي اإلحراز على
استقاللها و تكوين دولتها.
ق ال ّشعوب في و لم تتم ّكن األمم المتّحدة دائما من فرض تطبيق مبدأ ح ّ
تقرير مصيرها .فبعض ال ّشعوب و رغم اعتراف األمم المتّحدة بحقوقها
المشروعة لم تستطع تجسيد هذه الحقوق داخل أرض أو إنشاء دولة لها .و نالحظ
أن العديد من ال ّشعوب لم تتم ّكن من تكوين دول خاصّة بها كاألكراد و كذلك ّ
ق ال ّشعوب في أن ح ّ
السيك و التاميل و األرمن و لكن م ّما تجدر مالحظته هو ّ
تقرير مصيرها ال تتي ّسر تحقيقه إالّ من خالل الصّراع ال ّذي تتح ّمل مشاقّه هذه
ال ّشعوب لبلوغ أهدافها .و تلعب الصّراعات و التّوازنات ال ّدوليّة و مصالح ال ّدول
العظمى دورا كبيرا إ ّما في إخماد تطلّعات الشعوب نحو االستقالل و بناء ال ّدولة
الخاصّة بها أو بفتح اآلفاق أمامها و تدعيم نضالها لبلوغ أهدافها و تحقيق غاياتها.
و أحسن مثال لذلك ما حدث بالنّسبة إلى دول البلطيق الثالثة (ليتوانيا ،لتفيا و
أستونيا) .فبعد أن وقع إدماجهم ضمن
جمهوريّات االتّحاد السوفياتي أثناء الحرب العالميّة الثّانية من طرف
ستالين مع الموافقة الضمنيّة للعديد من ال ّدول الغربيّة اعترف لهم بحقّهم في تقرير
44
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
مصيرهم اثر انهيار االتّحاد السّوفياتي عام 1991من طرف نفس ال ّدول ال ّتي
غضت الطّرف عن وضعيتهم بسبب الحرب الباردة و معاهدة يالطا التّي ق ّسمت
العالم إلى منطقتي نفوذ.
أن تكوين األ ّمة قد سبق تكوين ال ّدولة (كثير من الحاالت).
و خالصة القول ّ
ثانيا :مساهمة ال ّدولة في تكوين األمة:
يبدو تأثير ال ّدولة على األ ّمة ثابتا .وهو دور يتراوح مداه بين مساهمة فعّالة
في نشأة األ ّمة و بين سعي لذلك و ذلك بحسب األوضاع والتجارب (كما يختلف
مآله) ففي حالة الواليات المتّحدة األمريكية ساهمت الدولة االتّحاديّة في صهر
أجناس مختلفة و بلورة شعور باالنتماء إلى"األ ّمة األمريكيّة " ساهم في ذلك
اقتصاد مترابط ومتشابك المصالح بين دول االتحاد وسياسة مالية وطنّية
ومؤ ّسسات سياسيّة جامعة و هو ما ساعد علي اندماج المكونات البشرية لهذا
االتحاد بصالت موضوعيّة وروحيّة وهو ما تبلور خاصّة بعد الحرب العالمية
األولي حينما أوقف الكونغرس الهجرة المفتوحة نحو الواليات المتحدة األمري ّكية.
أ ّما في حالة ال ّدول الحديثة العهد باالستقالل في الستّينيات (أو الدول
المتف ّككة عن االتحاد السوفيتي) فقد واجه ضعف االرتباط االجتماعي و هشاشة
االنتماء الوطن ّي قيام ال ّدولة الحديثة ،فكان أن وظفت (بل وابتدعت) ال ّدولة الوعي
القومي وإرادة بناء أ ّمة لتجاوز المجتمعات الجزئيّة و الح ّد من النّزاعات
االجتماعيّة (عرقيّة ،لغويّة ،جهويّة) و كانت وسائلها في ذلك إقامة شبكات ترابط
إداريّة واقتصاديّة و اجتماعيّة و تعليميّة و توظيف ك ّل العناصر الموضوعيّة و
ال ّشخصيّة للمساعدة على اندماج المجموعة البشريّة.
إن سعي ال ّدولة لتكوين األ ّمة و بلورة شعور االنتماء لها لم يكن موفقا في ّ
ك ّل الحاالت فتجاهل الخصوصيّات و السّياسات القسرية ه ّددت أحيانا وجود
ال ّدولة ذاتها كما هو ّشأن الحالة السّوفياتيّة ،فال ّدولة التّي جمعت 120قوميّة في
شعب واحد لم تكوّن أ ّمة وتف ّككت سنة 1991و عديد البلدان اإلفريقية (رواندا،
نيجيريا ).تعيش حالة التّناحر العرق ّي و حتّى الحرب األهليّة أحيانا .ساهمت في
ذلك حدود جغرافية مصطنعة موروثة عن االستعمار ال تتوافق و خارطة (توزيع
القوميّات) وهو ما يتوجّه معه بحث الرّكن الثّاني لل ّدولة "اإلقليم".
45
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
يم ّثل اإلقليم أحد مكوّني الشرط الطّبيع ّي لل ّدولة إضافة للمجموعة البشريّة،
وشرطها الجغراف ّي وعنصرها الما ّدي فعليه تستق ّر المجموعة البشريّة و ضمنه
يمارس سلطان الدولة.
و إن ال تشترط مساحة دنيا أو قصوى إلقليم الدولة و ال يؤثر ذلك في
وجود الدولة أو في وصفها القانوني ،فإنه يشترط فيه ضرورة الطبيعية بمعنى أن
إقليم الدولة ال يمكن أن يكون غير مستق ّر أو مثبتا بصفة مفتعلة ،كما ال يشترط أن
يش ّكل اإلقليم وحدة جغرافيّة متّصلة فال ّدولة أندونيسا مثال قائمة على آالف الجزر
المتنأثرة ،ويتجه تحديد مكونات اإلقليم (الفقرة األولى ) و بلورة دوره(الفقرة
الثانية ).
الفقرة األولى :مك ّونات اإلقليم:
يقصد باإلقليم الم ّد الجغراف ّي الذي ترتكز عليه ال ّدولة ،و يمت ّد أفقيّا ،و
عموديّا في االتجاهين .ومن ث ّمة تختلف مكوّناته كما يختلف تبعا لذلك تحديدها .و
يطرح تحديد اإلقليم عموما (رسم وضبط حدوده) صعوبات قانونيّة و سياسيّة و
قد يكون سببا لنزاعات دوليّة .و قد تبلورت طرق و تقنيّات ضبط اإلقليم بحسب
عناصره البريّة ( )1و البحريّة ( )2و الجويّة (.)3
)1اإلقليم البرّي:
يشتمل اإلقليم البرّي مساحة األرض بتقاسيمها و تضاريسها و طبقاتها .و
يمكن أن تكون الحدود البريّة لل ّدولة طبيعيّة (سلسلة جبليّة ،نهر )...كما تكون
اصطناعيّة ناتجة عن رسم الحدود بناء على إرادة منفردة لدولة أو بناءا على
معاهدة دوليّة ،و الجمع بين طريقتي التحديد جائز و يضمن الدقّة.
)2اإلقليم البحري:
يشمل اإلقليم البحري لل ّدولة:
أ ّوال :المياه ال ّداخليّة:
كالبحيرات و األودية و المواني و المراسي و التّي تخضع لمبدأ سيادة
ال ّدولة السّاحليّة.
ثان ّيا :المياه اإلقليمية( :البحر اإلقليمي)
وهو ذلك الجزء من البحار المتاخم ألرض ال ّدولة و مساحته مح ّددة بموجب
القانون ال ّدولي ب 12ميال بحريّا أي ما يقارب 20كم ،و تمارس ال ّدولة عليها
46
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
سيادة كاملة مياها و قاعا و باطن أرض و فضاء باعتبارها امتدادا إلقليمها البرّي
مع ضمان ح ّ
ق المرور للسّفن األجنبيّة.
ثالثا :المنطقة المتاخمة:
و هي المنطقة المتاخمة للبحر اإلقليمي و تمت ّد إلى 24ميال بحريّا انطالقا
من نفس خطوط األساس التّي يقاس منها عرض البحر اإلقليمي .و ال تمارس
ال ّدولة عليها حقوق السّيادة الكاملة و إنما تكتفي بصالحيّات وقائيّة و زجريّة
تخصّ أنظمتها الجمركيّة و الضريبيّة و الصحيّة و نظام الهجرة و اآلثار.
رابعا :المنطقة االقتصاديّة الخالصة:
ي انطالقا من نفس خطوط األساسي ال ّتي و تمت ّد إلى مساحة 200ميل بحر ّ
يقاسمنها عرض البحر اإلقليمي .و لل ّدولة عليها حقوق االستكشاف و االستغالل
االنفرادي للثّروات الحيّة و غير الحيّة للمياه التّي تعلو قاع البحر و باطن أرضه
ق المالحة ال ّدوليّة (= سيادة
والمحافظة على هاته الموارد و إدارتها مع ضمان ح ّ
وظيفيّة).
ي:
خامسا :الجرف القار ّ
و يشمل قاع و باطن أرض المسافات المغمورة التّي إلى ما وراء بحرها
اإلقليمي في جميع أنحاء االمتداد الطّبيعي إلقليم تلك ال ّدولة البرّي حتّى الطّرف
الخارج ّي للحافّة القاريّة أو مساحة 200ميل بحري من خطوط األساس التّي
يقاس منها عرض البحر اإلقليمي إذا لم يكن الطّرف الخارجي للحافة القاريّة يمت ّد
ق استغالل مواردها الطبيعيّة القائمة على قاع لتلك المسافة .و لل ّدولة عليها ح ّ
ق المالحة البحر وتحته باإلضافة إلى الكائنات الحيّة المستقرّة مع ضمان ح ّ
والمرور (=سيادة وظيفيّة).
)3اإلقليم الجوّي:
وهو المجال ال ّذي يعلو اإلقليم البرّي و المياه اإلقليمية لل ّدولة وهو خاضع
ق المرور الجوّي .و قد تبلور تمييز بين طبقة لسيادتها الكاملة مع التزامها منح ح ّ
الفضاء ال ّداخلي التّي تخضع لسيادة ال ّدولة و طبقة الفضاء الخارجي التّي تخضع
لمبدأ حريّة االستعمال لك ّل ال ّدول على أساس المساواة و احترام القانون ال ّدولي.
الفقرة الثّانية :دور اإلقليم:
47
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
يتح ّدد ال ّدور المسند (فقهيّا) لإلقليم بحسب اختالف اآلراء الفقهيّة بشأن
طبيعته القانونيّة و أه ّمها ثالث نظريّات.
)1نظريّة موضوعيّة اإلقليم:
و التّي تعتبر اإلقليم موضوع ملكيّة و ال ّدولة بذاك تستطيع استعمال إقليمها
و التّصرّف فيه دون قيد و تع ّد هذه النّظريّة امتدادا للتّصوّرات اإلقطاعية ،و قد
ضعفت في ظ ّل مأسّسة السّلطة.
)2نظريّة شخصيّة اإلقليم:
ّ
و التّي تعتبر اإلقليم جزءا من شخصيّة ال ّدولة فهي الرّكن الذي يؤهّل
لقيامها أي لالعتراف بشخصيّتها و بالتّالي بقدرتها على التّعبير عن إرادة خاصّة
بها.
)3نظريّة اإلقليم المقيّد( :التّصوّر ال ّدارج)
و التّي تعتبر اإلقليم اإلطار ال ّذي تمارس ال ّدولة داخله اختصاصاتها ،وهو
بالتّالي يمثّل حدود سلطات ال ّدولة (.)Duguit
48
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
) هذا على المستوى ال ّداخل ّي ،أ ّما على المستوى الخارجي فإن السّلطة السيّدة هي
التّي ال ترتبط بعالقات والء لسلط خارجيّة (االنتداب ،الحماية ،االستعمار) .و ال
تنفي السيادة تعايش و تفاعل الدولة مع محيطها ال ّداخل ّي والخارج ّي دون أن يؤوال
إلى انتقاصها أو أن يفقدا ال ّدولة خصائصها القانونية.
الفصل الثاني :الخصائص القانونيّة للدّولة:
يمكن حصر الخصائص القانونيّة لل ّدولة في خاصيتين أساسيتين ،إذا تتمتع
الدولة بالشخصيّة القانونيّة (المبحث األول ) كما تتمتع بالسّيادة (المبحث الثاني ).
49
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
50
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
)1احتكار االختصاص:
أن اختصاص ال ّدولة وحدها هو ال ّذي يمارس على إقليمها و علىبمعنى ّ
شعبها وهو ما يحول و قيام سلطة منافسة.
ويتجسّم هذا االحتكار في احتكار ال ّدولة لوسائل الضّغط الما ّدي و في
أن ال ّدولة تحتكر تنظيم المرافق
احتكارها ممارسة القضاء على إقليمها كما ّ
العموميّة من صحّة و تعليم...
)2استقالل االختصاص:
أن الدولة تتمتّع في ممارسة اختصاصها بحريّة القرار و حريّةبمعنى ّ
التّحرّك و حريّة العمل دون تبعيّة أو ائتمار لجهة أخرى مهما كانت.
)3شموليّة االختصاص:
بمعنى تتمتّع ال ّدولة بحريّة العمل في ك ّل المجاالت .وتلك خصائص تشمل
ال ّدول مهما اختلفت أشكالها.
51
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
الموحدة:
ّ المبحث األ ّول :الدّولة
ال ّدولة الموحّدة هي التّي يقوم فيها مركز واحد للسّلطة السّياسيّة إلدارة
شؤونها ال ّداخليّة و الخارجيّة (العاصمة السّياسيّة) كما يوجد فيها نظام قانون ّي
واحد منبني على دستور واحد.
و ال يتنافى هذا ال ّتعريف لل ّدولة الموحّدة مع وجود مجموعات (هياكل)
محليّة و جهويّة تتولّى تحت سلطة ال ّدولة مباشرة اختصاصات مح ّددة بغية تسهيل
إدارة المصالح و المرافق العا ّمة.
و يتفاوت مجال اختصاص هذه الهياكل و نوعيّة عالقاتها بالسّلطة
المركزيّة من دولة ألخرى ،كما يؤثّر على تكييف ال ّدولة الموحّدة فهي إ ّما دولة
موحّدة ذات نظام مركزي (الفقرة األولى) أو دولة موحّدة ذات نظام ال مركز ّ
ي
(الفقرة الثّانية) أو دولة جهويّة (الفقرة الثّالثة) .
الموحدة ذات النّظام المركز ّ
ي: ّ الفقرة األولى :الدّولة
يتّخذ النّظام المركزي شكلين المركزيّة المطلقة (أ) و المركزيّة النّسبيّة
(ب).
أ) ال ّدولة الموحّدة ذات النّظام المركزي المطلق أو المحوريّة:
و ضمنها يرجع لل ّدولة الموحّدة المركزيّة وحدها ممثّلة في السّلطة السّياسيّة
المر ّكزة بالعاصمة ممارسة ك ّل االختصاصات الرّاجعة لل ّدولة و اتّخاذ القرارات
السّياسيّة و اإلدارية بشأنها ،و ليس للسّلط المحليّة و الجهويّة حريّة اتّخاذ القرار
بل عليها الخضوع للسّلطة المركزيّة.
و يبدو هذا التّصوّر صعب التّحقّق ضمن االمتداد الجغرافي و التّطوّر
الس ّكاني لمعظم ال ّدول ،وهو بالتّالي عديم النّجاعة قليل المالءمة ،بما دفع إلى
إدخال مرونة على النّظام المركز ّ
ي المطلق لل ّدولة الموحّدة.
ب) ال ّدولة الموحّدة ذات النّظام المركزي المخفف أو الالمحورية:
و ضمنها يفوّض لهياكل محليّة و جهويّة اتّخاذ بعض القرارات في مجاالت
معيّنة تحت الرّقابة الرّئاسيّة للسّلطة المركزيّة ،و التّي بموجبها يمكن إلغاء هذه
52
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
53
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
أن الجهات تكوّن مجموعات مستقلّة لها سلطات ذاتيّة و وظائف فصله 115على ّ
مح ّددة ،منها الفالحة ،السّياحّة ،الصحّة بل و إصدار قوانين تفسّر القوانين
الوطنيّة ،كما أق ّر ال ّدستور االسبان ّي ح ّ
ق ك ّل جهة في تنظيم و تحديد صالحيّاتها
بمقتضى قانون أساسي يسنّه برلمان الجهة.
و تأخذ االستقالليّة أبعادا مختلفة أسسا و مظاهرا صلب ال ّدولة المر ّكبة.
المبحث الثّاني :الدّولة المر ّكبة:
ال ّدولة المر ّكبة هي ال ّدولة التّي تتر ّكب من دولتين مرتبطتين أو أكثر ،وهو
ترابط تختلف درجته بحسب الوثيقة القانونيّة التّي تنشأ بموجبها ال ّدولة المر ّكبة،
ومن ث ّمة يمكن التّمييز بين أشكال مختلفة من ال ّدولة المر ّكبة والتّي يشهد بعضها
تطبيقا مطرّدا على السّاحة ال ّدوليّة.
الفقرة األولى :الدّولة المر ّكبة القائمة على أساس معاهدة دوليّة:
يتض ّمن هذا النّوع من ال ّدول المر ّكبة أصنافا عديدة ،بعضها يمكن وصفه
بالتّاريخي ( )1و بعضها باالنتقال ّي (.)2
)1ال ّشكل التّاريخي لل ّدولة المر ّكبة القائمة على أساس معاهدة
دوليّة:
و ال ّذي يتمثّل في االتّحاد ال ّشخصي (أوّال) واالتّحاد الفعلي (ثانيا) ،وهما
شكلين وإن تجاوزهما ال ّزمن فإنّهما يلقيان الضّوء على التطوّرات التّي لحقت
بال ّدولة المر ّكبة والتي مثلت مقدمة ضرورية لألشكال الالحقة .
أ ّوال :االتّحاد ال ّشخصي:
يقوم اال ّتحاد ال ّشخصي على اشتراك دولتين أو أكثر في شخص رئيس
ال ّدولة وهو أساسا الملك ،إذ ظهر هذا النّوع من ال ّدولة المر ّكبة اثر تصاهر بعض
العائالت الملكية األوروبية بغية حصر التاج في عائلة معيّنة (زواج دوق ليتوانيا
من مملكة بولونيا 1385ـ ) 1569أو العتبارات شخصيّة (سيمون بوليفار رئيسا
لبيرو و كولومبيا و فينزويال بين 1813و ) 1816و باستثناء االشتراك في
شخص رئيس ال ّدولة تحتفظ ك ّل دولة بمقوّماتها السّيادية (علم ،سيادة ،داخليّة و
خارجيّة ،تشريع) ،و من هذه ال ّزاوية يش ّكل االتّحاد الفعلي مرحلة أكثر تطوّرا.
ثانيا :االتّحاد الفعل ّي
54
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
يقوم االتّحاد الفعلي على اشتراك دولتين أو أكثر في شخص رئيس ال ّدولة و
في جملة من المصالح المنظمة في هياكل مشتركة (أمنيّة ،اقتصاديّة و دفاعيّة)
إضافة إلى سياسيّة خارجيّة موحّدة تفقد ال ّدول األعضاء شخصيّتها ال ّدوليّة ،مثال
اتّحاد دولة السّويد و النّرويج 1815ـ .1905وتبدو درجة االندماج بين ال ّدول
األعضاء أكثر وضوحا في االتّحاد الكونفيدرالي.
)2الشكل االنتقالي لل ّدولة المر ّكبة القائمة على أساس معاهدة
دوليّة :االتّحاد الكونفيدرال ّي
يتعلّق األمر هنا فقط باال ّتحاد الكونفيدرال ّي ،وال ّذي يقوم على اتّحاد بين
دولتين أو أكثر بموجب معاهدة دوليّة لتمكين األجهزة االتحاديّة من ممارسة
بعض االختصاصات دون المساس بسيادة ال ّدول األعضاء.
من النّاحية الهيكليّة ،يقوم االتّحاد الكونفيدرالي عادة على هيأة واحدة تس ّمى
ب Dièteأو مجلس الكونفيدرالية وتض ّم مندوبي ال ّدول األعضاء ،و قد اعتمدت
بعض التّجارب تصوّرا مختلفا بحيث أضافت رئاسة الكونفيدراليّة ونيابته ومجلس
وزراء الكونفيدراليّة( .االتّحاد الكونفيدرالي بين ال ّسينغال و غمبيا .)1981ويقع
تمثيل ال ّدول األعضاء في هياكل االتّحاد الكونفيدرال ّي على قدم المساواة.
و يش ّكل المجلس الكونفيدرال ّي سلطة تداولية وهيكل اتّخاذ قرار ،في حين ال
يملك االتّحاد الكونفيدرالي أجهزة تنفيذيّة بحيث تضطلع ال ّدول األعضاء بمتابعة
التنفيذ.
من ال ّناحية الوظيفيّة وباعتبار احتفاظ ال ّدول األعضاء بسيادتها الكاملة
وتساويها كدول فإنّه تتخذ القرارات باإلجماع ،إذ ال يمكن مبدئيّا مطالبة دولة
عضو بااللتزام بقرار لم توافق عليه .وتضبط معاهدة االتّحاد الكونفيدرال ّي
الميادين الرّاجعة له وهي عادة ما تتّصل بالسّياسات ال ّدفاعيّة واألمنيّة
واالقتصادية والجمركيّة .
وخارج هذه الدائرة تحتفظ ك ّل دولة عضو باستقاللها وشخصّيتها الدوليّة،
ق االنفصال متى ق ّدرت وجاهة ذلك ،وضمن هذه األبعاد يمثّل كما تتمتع بح ّ
االتّحاد الكونفيدرالي شكال انتقاليّا في الجهتين بمعنى أنه يمكن لالتحاد
الكونفيدرال ّي أن يفشل فتتف ّكك ال ّرابطة الجامعة بين دوله األعضاء (االتّحاد
اإلفريقي العربي بين المغرب و ليبيا 1984والذي انحل سنة )1986أو أن
يتمتّن و يتد ّعم االرتباط بينها بحيث يتطوّر االتحاد الكونفيدرال ّي ويتش ّكل ضمن
إطار قانوني مختلف هو الدولة االتّحادية (االتّحاد الكونفيدرال ّي السويسري الذي
55
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
56
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
أ ّما الطّريقة الثّانية لنشأة ال ّدولة االتّحاديّة فهي ما يس ّمى االتّحاد التّف ّككي
بحيث تنشأ ال ّدولة االتّحادية بتف ّكك دولة موحّدة إلى مجموعة من ال ّدول التّي ال
تفضّل االنفصال الكامل و ترغب في إبقاء رابطة اتحاديّة ،وهو خيار ينطلق من
وحدة هذه ال ّدول نحو تنوّعها (اإلمبراطورية الرّوسيّة و االتّحاد السوفياتي،
البرازيل).
وهذا ما يثبّت الموازنة بين الوحدة والتّنوّع ،وهو ما يثبته تنظيم ال ّدولة
االتّحاديّة.
تنظيم ال ّدولة االتّحاديّة: )2
تمثل ال ّدولة االتّحاديّة ظاهرة مر ّكبة ،وهو ما تؤ ّكده كيفيّة التّنظيم (أوّال)
وآفاقه (ثانيا).
أ ّوال :كيفيّة تنظيم ال ّدولة االتّحاديّة
تطرح كيفيّة تنظيم ال ّدولة االتّحاديّة مسألتين رئيسيتين هي المبادئ
التّنظيميّة لل ّدولة اال ّتحاديّة (فرعي أوّل) و طرق توزيع االختصاص داخلها
(فرعي ثان)
فرعي أوّل) المبادئ التّنظيميّة لل ّدولة االتّحاديّة: •
يقوم التّنظيم االتّحادي على محاولة التّوفيق بين أساسيه :الوحدة والتّنوّع ،و
قد تش ّكل مبدأين قانونين يحكمان تنظيم ال ّدولة االتّحاديّة قصد تحقيق الغاية
المذكورة ،وهما مبدأ االستقالليّة و مبدأ المشاركة
ـ مبدأ المشاركة و تحقيق الوحدة:
57
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
يتن ّزل مبدأ المشاركة ضمن فكرة الوحدة و يفيد مساهمة ال ّدول األعضاء
على أساس المساواة في بلورة قرارات السّلطة االتّحاديّة وذلك من خالل تمثيلها
في مختلف األجهزة و السّلط االتّحاديّة.
وهي مشاركة تكرّس فكرة وحدة ال ّدولة االتّحاديّة من خالل وحدة دستورها
وشعبها و إقليمها و سلطتها السّياسيّة.
ـ ففي مستوى أوّل يمثّل ال ّدستور االتّحادي وثيقة التّأسيس لل ّدولة االتحادية
و ال ّذي يش ّكل اإلطار القانوني لهيكلتها و وظائفها .كما يمثّل الضمانة لوجودها و
شكلها االتّحادي .وال ّدستور االتّحادي بالضرورة هو دستور ساهمت في وضعه
وضبط مضامينه دول االتحاد على أساس المساواة و التّوافق قبل قيام ال ّدولة
االتّحاديّة .كما تساهم ال ّدول األعضاء في عمليّة تعديل ال ّدستور االتّحادي ،وحيث
يمثل ال ّدستور االتّحادي ركيزة التّوازن بين ال ّدول األعضاء و ال ّدول االتّحاديّة ،و
أن التّعديل قد يمسّ هذا التّوازن فقد توجّب تضافر إرادات ال ّدولة االتّحاديّة
طالما ّ
و دولها األعضاء في ذلك مع اعتماد قاعدة األغلبيّة.
ـ و تمت ّد في مستوى ثان مشاركة ال ّدول األعضاء إلى السّلطة التّشريعيّة
االتّحاديّة التّي تقوم على ثنائيّة المجالس النّيابيّة حيث عادة ما يتكوّن البرلمان
الفيدرالي من مجلسين يمثّل األوّل منهما شعب ك ّل دول االتّحاد أي الشعب
االتحادي على أساس قاعدة االنتخاب بطريقة ال ّدوائر االنتخابيّة بحيث يكون عدد
النّواب مرتبطا بالكثافة الس ّكانيّة ،أ ّما المجلس الثّاني فيتكوّن من ممثّلي ال ّدول
األعضاء أي من ممثلي شعوب دول االتحاد بغضّ النّظر عن مساحتها و عدد
سن التّشريعات س ّكانها و يم ّكن هذا التّمثيل ال ّدول األعضاء من المساهمة في ّ
االتّحاديّة الخاصّة بالعملة و البنوك و التّجارة الخارجيّة و األمن و ال ّدفاع و
الجمارك.
ـ وتشمل مشاركة ال ّدول األعضاء في مستوى ثالث السّلطة التّنفيذيّة
االتّحاديّة سواء تجسّمت هذه السّلطة في هيئة جماعيّة بحيث يكوّن ممثّلوا ال ّدول
األعضاء مجلس الرّئاسة (االتّحاد السّوفياتي) المنتخبين من البرلمان بمجلسيه ،أو
تجسّمت هذه السّلطة في شخص بحيث تشارك ال ّدول األعضاء في انتخابه في
المرحلة األولى من االنتخابات و بطريقة غير مباشرة (كبار النّاخبين في
الواليات المتّحدة األمريكيّة).
ـ و تتمثّل بقيّة مستويات الوحدة في السّلطة القضائيّة االتّحاديّة التّي تتجسّم
بصفة خاصّة في المحكمة العليا االتحاديّة ،و في السّيادة الخارجيّة حيث تش ّكل
58
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ال ّدولة االتّحاديّة ال ّشخص ال ّدولي الوحيد المخوّل للتّعامل مع ال ّدول األخرى
(تمثيل ديبلوماسي ،معاهدات.)...
ـ مبدأ االستقالليّة و تحقيق التّنوّع:
يم ّكن مبدأ االستقالليّة من ضمان خصوصيّات ال ّدول األعضاء و حفظ
التّنوّع صلب ال ّدولة االتّحاديّة .و تتجسّم استقالليّة ال ّدول األعضاء في توفرها
على سلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها ،إضافة النفرادها
بممارسة السّياسة التّربويّة والثّقافيّة ،في حين عادة ما يرجع االختصاص
بالسّياسة الخارجيّة والسّياسة ال ّدفاعيّة والنّقديّة والتّجاريّة لل ّدولة االتّحاديّة وذلك
بقطع النّظر عن األسلوب المعتمد في توزيع االختصاص.
59
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
إن البحث في آفاق الدولة االتحاديّة هو تساؤل حول مآلها ونتائجها ،بمعنى ّ
أنّه تقييم لها هل تعيش أزمة أم تشهد ازدهارا و ال تبدو اإلجابة سهلة في ظّل
قابليّة الظاهرة الفيدرالية لقراءات مختلفة ،و هو ما يعود إلى حيويّتها التّي تدفعها
في اتّجاهين متناقضين :إ ّما التط ّور نحو المركزية( :فرعي أو ّل ) أو التطوّر نحو
االستقالل ( فرعي ثان ).
فرعي أو ّل :التّطوّر نحو المركزة :وتدعيم الوحدة على حساب •
التّنوّع.
شهدت بعض ال ّدول االتحادية اقتطاعا واسعا من اختصاصات ال ّدول
األعضاء لفائدة ال ّدولة االتّحاديّة حتّى ّ
أن بعض الفقهاء شبّهها بدولة بسيطة ال
مركزيّة.
و تبدو أسباب التّطوّر نحو المركزة و مداها مختلفا ،و هو ما يمكن تبيّنه
من خالل مثالين :المثال األمريكي (دولة اتّحاديّة) و المثال الكمروني (دولة
موحّدة).
ـ ففي الواليات المتّحدة األمريكية و بالرّغم من توازن حرص ال ّدستور
االتّحادي على تحقيقه بين سلطات ال ّدولة االتّحاديّة و سلطات ال ّدول األعضاء فإ ّن
عوامل على شاكلة األزمة االقتصاديّة 1929والحربين العالميّتين األولى و
الثّانية و ما يس ّمى بالسّياسة االقتصاديّة الجديدة دفعت إلى تدعيم سلطة ال ّدولة
االتّحاديّة على حساب ال ّدول األعضاء لتلبية االستحقاقات المذكورة وقد ساهمت
المحكمة االتّحادية في ذلك مرتكزة على قراءة موسّعة للفقرة الثّالثة من الفصل
األوّل من ال ّدستور األمريكي الذي أسند إلى الكنغرس مه ّمة وضع كافة القوانين
التّي يراها ضروريّة ومناسبة لتنفيذ سائر االختصاصات والسّلطات التّي خوّلها
ال ّدستور لحكومة الواليات المتّحدة األمريكيّة و من ث ّمة أسندت المحكمة االتّحاديّة
لل ّدولة االتّحاديّة (الو.الم.األ) اختصاصات داخل القائمة الحصرية بالفقرة السابعة
من الفصل األوّل.
ـ أ ّما في الكامرون وإثر استقالل البالد ت ّم إقرار ال ّشكل االتّحادي من خالل
غيران غياب التقسيم المتكافئ مساحة وس ّكانا بين ّ دستور غرّة أكتوبر 1961
ال ّدولتين العضويتين غلّب التّوازن لصالح ال ّدولة االتّحاديّة على حسابهما
باالعتماد على برلمان اتّحادي أحادي المجلس باإلضافة إلى اإلرادة السّياسيّة دفع
نحو اندماج شطري الكامرون في دولة موحّدة اثر استفتاء 20ماي .1972
فرعي ثان :التّطوّر نحو االستقالل وتدعيم التّنوّع على حساب •
الوحدة:
60
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
قام ا ّتجاه ال ّدولة اال ّتحاديّة نحو االستقالل أو باألحرى ال ّتف ّكك على تفاقم
التّناقضات بين دولة اتّحاديّة تسعى لمركزة الصّالحيّات حولها و بين دول أعضاء
تسعى إلى الحفاظ على خصوصياتها ،وفي ظ ّل ضعف اآلليات ال ّدستوريّة في
تحقيق التّوازن مع تد ّعم الفروقات العرقيّة واالقتصاديّة نمت حركات احتجاجيّة
وانفصاليّة ه ّددت بعض ال ّدول االتّحاديّة ورتّبت انحاللها (مثال االتّحاد السّوفياتي
واالتّحاد اليوغسالفي).
الباب ال ّثاني:الدّستور
يرتبط تحديد وتناول موضوعات القانون الدّستوري بدراسة القواعد القانونيّة
ال ّتي تضبطها و ال ّتي ّ
تمثل اإلطار القانوني لممارسة السّلطة داخل الدّولة والتي
يتضمنها باألساس الدستور .
شكلي أو مفهومه المّادّي فمن و يمكن تعريف الدّستور بالرّجوع إلى مفهومه ال ّ
شكليّة ّ
يمثل الدّستور مجموعة القواعد الدّستوريّة المدوّ نة في وثيقة ال ّناحية ال ّ
تخضع إلجراءات خاصّة في وضعها و تعديلها .وهو ما يحصر القواعد
الدستورية في تلك المضمنة بالدستور دون غيره.
و من ال ّناحية الما ّديّة ّ
يمثل الدّستور مجموعة القواعد ال ّتي تضبط نظام الحكم
داخل الدّولة على شاكلة تحديد شكل الدّولة وطبيعة ال ّنظام السّياسي و علقات
السّلط ببعضها البعض وهو ما يطرح مماثلة غير مقبولة بين القانون الدستوري
والدستور.
شكلي والمادّي للدّستور وقد يتقاطعان (الدستور و قد يتطابق المفهومين ال ّ
شكلي) العرفي ،الدستور المرن ،)..ولك ّنهما ال يتناقضان فأوّ لهما (المفهوم ال ّ
شكليّة للقاعدة الدّستوريّة (كيف توضع هذه القاعدة ،كيف يطرح األبعاد ال ّ
تعدّل )..وثانيهما يطرح أبعادها المضمونيّة (فال ّتعرّف على طبيعة ال ّنظام
السّياسي وعلقات السّلطات فيما بينها يتطلّب العودة إلى المفهوم المادّي).
و بهذه المعاني يعتبر الدّستور المصدر األساسي في تناول موضوعات القانون
الدّستوري دون أن يش ّكل مصدرها الوحيد.
61
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
62
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
63
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
بتونس سنة 1955فاألمر العليّ (تقنية كان يشرّع بها الباي) القاضي بإحداثه و
المؤرّخ في 1955-12-29حدّد طبيعة الدّستور (دستور لمملكتنا) كما أنّ إقراره
كان مرهونا بإرادة الباي (يختم بخاتمنا السّعيد) وذلك رغم الدّور ال ّتأسيسي الموكل
للمجلس ،غير أنّ هذا المجلس تحرّر من اإلطار األصلي ّ
الذي قيّد إحداثه وعمله
وتحول إلى سلطة تأسيسيّة أصليّة تتوفّر فيها الخصائص المذكورة بموجب تحوالت
الظرف السياسي ممثل في تآكل النظام الملكي وبروز الحركة الوطنية بقيادة
الحبيب بورقيبة وهو ما تجسد في إعلن الجمهوريّة في 1957 -7-25وتبلور
تصور تأسيسي جديد كان نتاجه دستور .1959
وتبقى التباسات عدة تخص وضع دستور 2022فبقطع النظر عمن اعتبره نتاجا
لمسار غير دستوري انطلق من تفعيل وضع االستثناء موضوع الفصل 80من
دستور ، 2014فإن المسار المعتمد في وضع دستور 2022يطرح في محطاته
الثلثة (االستشارة ولجنة اإلعداد واالستفتاء) جملة من نقاط االستفهام التي تضفي
التباسات في تحديد السلطة التأسيسية األصلية حيث أن االستشارة اإللكترونية التي
حسمت خيار الوضع لم تنظم بنصّ خاص ،كما أن أعمال لجنة إعداد مشروع
ا لدستور لم تكن ملزمة وهو ما يطرح تساؤال حول الجهة النهائية التي بلورت
النص المعروض على االستفتاء ،إضافة إلى عدم اشتراط حد أدنى من المشاركة
الشعبية في االستفتاء بما يضفي عليه مشروعية شعبية واسعة .
سلطة ال ّتأسيس ّية األصلية:
-2اختصاص ال ّ
تعود بداهة للسّلطة ال ّتأسيسيّة مهمّة وضع الدّستور وهي مهمّتها األساسيّة و
األصليّة غير أ ّنه يمكنها أحيانا أن تتجاوز مهمّتها ال ّتأسيسيّة نحو مهام أخرى من
ذلك أن المجلس القومي ال ّتأسيسي ال ّتونسي 1956والمجلس الوطني التأسيسي
2011اهتمّا إلى جانب سنّ الدّستور بال ّنظر في ميزانيّة الدّولة ومساندة العمل
الحكومي باإلضافة إلى الدّور ال ّتشريعي وانتخاب رئيس الدولة.
ويتوجّ ب في سياق بيان اختصاص السّلطة ال ّتأسيسيّة األصليّة التأكيد على تميّزها
عن السّلطة الفرعيّة من حيث الخصائص ومن حيث االختصاص.
فلئن توفّرت كليهما على الدّور ال ّتأسيسي ولكن في نفس السياق وبنفس المدى
فالسّلطة ال ّتأسيسيّة األصليّة تنفرد بوضع الدّستور في حين للسّلطة ال ّتأسيسيّة
الفرعيّة فقط سلطة تعديل الدّستور كما نلحظ أ ّنها تجد أساسها في الدّستور ّ
الذي
يحدّها ويضبط تنظيمها ،من ذلك أن مجلس نواب الشعب يمثل السّلطة ال ّتأسيسيّة
الفرعيّة تبعا لمقتضيات الباب الثامن من دستور 2014في فصليه 143و،144
والباب التاسع من دستور 2022في فصوله 136و 137و.138
64
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
65
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
تنقسم طرق إقرار الدّستور إلى طرق ديمقراطيّة و أخرى غير ديمقراطيّة.
الطرق غير الديمقراطيّة في إقرار الدّستور: ّ -1
ممثليه المنتخبين في عمليّة إقرار الدّستور .و نلحظ أنشعب أو ّ يتدخل ال ّ
ّ حيث ال
طريقة اإلقرار غير الدّيمقراطيّة عادة ما تكون نتاجا لعملية إعداد غير ديمقراطيّة
ـ المنح :من ذلك صدور الدّستور في شكل منحة (المانح الحاكم ،الدستور المنحة،
إلى الممنوح الشعب) وهو أسلوب غير ديمقراطي في وضع الدّستور يجسّم إرادة
الذي ينفرد باإلعداد واإلقرار ،وهو أسلوب تزامن من الناحية الحاكم وحده ّ
التاريخية مع بداية التحول من نظام الحكم المطلق إلى الحكم المقيّد حيث يتنازل
الملك تحت ضغوطات سياسيّة عن بعض السلطات ( حالة األمر العلي المتعلق
بإحداث المجلس القومي التأسيسي).
ـ العقد :كما أنّ طريقة اإلقرار غير الدّيمقراطيّة قد تكون أحيانا تتمّة لطريقة إعداد
ديمقراطيّة من ذلك صدور الدّستور في شكل عقد وهو أسلوب يتجسّم في اختيار
شعب لجمعيّة تأسيسيّة تتولّى وضع مشروع دستور ث ّم تفرضه على الحاكم الذي ال ّ
يتولّى الموافقة عليه و قد وقع اعتماد هذا األسلوب في المرحلة ال ّتاريخيّة ال ّتي
ا ّتسمت بملك بدأ يضعف و قوى اجتماعيّة بدأت تقوى و تصعد و من األمثلة على
ذلك دستور الكويت 1962حيث قام المجلس ال ّتأسيسي بوضع مشروع الدّستور و
الذي كان مفترضا صلب أمر -12-29 قام أمير الكويت بإقراره وهو نفس ال ّتصوّ ر ّ
الذي ت ّم تجاوزه الحقا بمقتضى 1955المتعلّق بإحداث مجلس قومي تأسيسي ّ
إعلن الجمهوريّة سنة .1957
ّ
الطرق الديمقراطيّة في إقرار الدّستور: -2
شعب ّ
ت ّتخذ الطرق الدّيمقراطيّة في إقرار الدّستور شكلين أوّ لهما قيام نواب ال ّ
المنتخبون كمجلس تأسيسي بإقرار الدّستور بمعنى أنّ السّلطة ال ّتأسيسيّة األصليّة
تع ّد الدّستور و تقرّه مثال دستوري 1959و 2014بتونس
ّ
فيتمثل في إقرار الثاني من أشكال ّ
الطرق الديمقراطيّة في إقرار الدّستور أمّا الشكل ّ
الشعب بنفسه لمشروع الدّستور ويكون ذلك عبر آلية االستفتاء ّ
الذي يكيّف في هذه
الحالة باالستفتاء ال ّتأسيسي كما هو الحال في دستور ( 2022وهو االستفتاء على
إقرار دستور وقع إعداده على خلف االستفتاء الدّستوري الذي هو استفتاء لتعديل
شكليّة الموضوعيّة لضمان عدم شروط ال ّالذي يفترض جملة من ال ّالدّستور) .و ّ
تشخيصه و قد يكون االستفتاء ال ّتأسيسي أحيانا عمليّة غير ديمقراطيّة مثل دستور
66
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
كما قد يكون االستفتاء ال ّتأسيسي تتمّة لعمليّة إعداد ديمقراطي بحيث يت ّم إعداد
مشروع الدّستور من طرف مجلس قومي تأسيسي يعرض بعدها على االستفتاء و
هذا األسلوب يوفق بين مقتضيات الدّيمقراطيّة ال ّنياب ّية (سلطة تأسيسية منتخبة) مثال
شعب عبر االستفتاء) مثال ذلك دستور 1946 (تدخل ال ّ
ّ و الدّيمقراطيّة المباشرة
بفرنسا.
المبحث الثاني :تعديل الدّستور
هي العمليّة ال ّتي يقع بمقتضاها تنقيح بعض أحكام الدّستور وتغييرها .وهي عمليّة
تضمن استجابة الوثيقة الدّستوريّة لل ّتغيّرات ّ
الطارئة على الحياة السّياسيّة و تحقّق
نجاعة ال ّتأطير القانوني للمجتمع السّياسي.
وهي عملية ال تلمس من جهة حدود إلغاء الوثيقة الدّستوريّة ،إذ يقتضي ال ّتعديل
تغيير بعض األحكام الدّستورية أو حذفها أو إضافة بعض األحكام له دون وضع ح ّد
لوجود الدّستور في ح ّد ذاته.
وهي عمليّة ال تلمس من جهة أخرى حدود وضع دستور جديد ح ّتى و لو مسّ
ال ّتعديل جانبا هامّا من الوثيقة الدّستوريّة ،فال ّتعديل يكون دائما طبق الصّيغ
المضمّنة بالدّستور .وإن لم تكن مسألة قابليّة الدّساتير لل ّتعديل محسومة دائما
الثاني) و طرقه (المبحث (المبحث األوّ ل) كما تنوّ عت أنظمة ال ّتعديل (المبحث ّ
ّ
الثالث).
الفقرة األولى :قابل ّية الدّساتير لل ّتعديل
تطوّ ر تعامل الفكر الدستوري والسّياسي مع هذه المسألة من الرّفض إلى القبول
فرفض قابليّة الدّساتير لل ّتعديل يبدو موقفا تاريخيّا حيث نادى بعض مف ّكري وساسة
الثورة الفرنسيّة بفكرة الجمود المطلق للدّستور لكونه يتضمّن ثوابت و حقائق ّ
أزليّة .ويبدو هذا الموقف غير منطقي فهو يقوم على مجرّد فرضيّة غير مبرهنة
كما أ ّنه يناقض ّ
الطبيعة المتغيّرة لألشياء ث ّم أ ّنه يش ّكل مصادرة ّ
لحق صاحب السّيادة
في ممارسة سيادته في تعديل الدّستور كلّما ارتأى ذلك فل يمكن أن تفرض
الجماعة السيّدة على نفسها قوانين ال تستطيع بعد ذلك تعديلها أو إلغاءها ،ويرى
جان جاك روسو أن جيل ال يستطيع إلزام األجيال اللحقة بقوانين.
67
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
وبناءا على مجمل هذه االعتبارات كرّس مبدأ قابليّة الدّساتير لل ّتعديل الذي يعتبر أن
الحق في ذلك ال يتقادم أو ال يسقط بال ّتقادم ح ّتى ضمن ّ الدّستور قابل للتعديل وأن
الدّساتير السّاكتة عن هذه المسألة.
وقد اتخذ مبدأ قابليّة الدّساتير لل ّتعديل شكل إما تكريس مطلق بحيث يجوز تعديل
الدّستور دون ضبط ذلك ،أو تكريس جزئي وهو توجّه شائع بمعنى أن الدّستور
قابل لل ّتعديل و لكن في حدود معيّنة وهو تقييد قد يكون زمنيّا (مثال دستور 1891
بفرنسا حجر تعديله طيلة 10سنوات من تاريخ إصداره) و قد يكون التقييد
موضوعيّا وهو أمر أكثر شيوعا (مثال دستور تونس 2014وفصليه األول
والثاني ،دستور 2022في فصليه 55و.)136
لقد استقرّت أغلبيّة ال ّدساتير على تضمين مبدأ ال ّتعديل وضبطته ّ
(نظمته) وهو ما
يسمح باستعراض أنظمة ال ّتعديل.
الفقرة ال ّثانية :أنظمة ال ّتعديل
يتحدّد نظام ال ّتعديل من خلل طبيعة ال ّنظام اإلجرائي الم ّتبع لتعديل الدّستور،
فال ّتعديل يت ّم حسب نظام إجرائي خاص أو حسب ال ّنظام المعتمد لتنقيح القانون
العادي .وهو ما يسمح بال ّتمييز بين الدّستور المرن (الفقرة األولى) والدّستور
الجامد (الفقرة ّ
الثانية).
أ ـ :الدّستور المرن
الذي يت ّم تعديله بنفس إجراءات تعديل القوانين العاديّة بحيث ال يت ّم هو الدّستور ّ
إفراده بإجراءات خاصّة وهو ما يعني قيام السلطة التشريعية المنتصبة بهذه المهمة
حسب النظام القانوني المعتمد للمبادرة بمشاريع القوانين العادية والنظر فيها
والمصادقة عليها ،وهو توجّه يبدو تاريخيّا حيث دافع عليه رجل السّياسة و القانون
الذي قدّر ضرورة تمكين األمّة من ال ّتعبير عن إرادتها الفرنسي سياس ّ Seyes
بقطع ال ّنظر عن الشكليات المعتمدة ال ّتي تبقي أمرا ثانويّا في رأيه .و تع ّد أغلب
الدّساتير المرنة أمثلة تاريخيّة كدستور االتحاد السّوفياتي ،1918ودستور
شعبيّة ( 1954يأخذ هنا بعين االعتبار العامل اإليديولوجي جمهوريّة الصّين ال ّ
فالفكر الماركسي يعتبر التأطير القانوني معطى تاريخيا لن يحتاجه الحقا المجتمع
شعبيّة غيرت موقفها الشيوعي الذي يسيّر تلقائيا ،ويلحظ أن جمهوريّة الصّين ال ّ
بعدما أقرت في دستورها الصّادر في 1982-03-07مبدأ تعديل الدّستور حسب
إجراءات تختلف تلك الم ّتبعة في تعديل القوانين العاديّة.
68
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ب ـ :الدّستور الجامد
الذي ال يمكن تعديله إالّ بإجراءات خاصّة يضبط يقصد بالدّستور الجامد الدّستور ّ
الدّستور ذاته أحكامها بحيث يكون الدّستور الجامد بالضرورة دستورا مكتوبا،
وتختلف هذه اإلجراءات عن تلك الم ّتبعة لتعديل القوانين العاديّة بحيث تكون أكثر
تشدّدا وصرامة إجرائية وموضوعية.
و يقوم جمود الدّساتير على عدّة اعتبارات كما يتوفّر على بعض المزايا ،فاتباع
إجراءات خاصّة في تعديل الدّستور يضمن التأني والجدية في القيام به خاصّة
بال ّنظر للقيمة االعتبارية للوثيقة الدّستوريّة ،كما يمكن جمود الدّساتير من تفادي
والظرفيّة ويضفي على القواعد الدّستوريّة طابع السّموّ و ّ التعديلت المتسرّعة
تدخلت باقي السّلط و أساسا السّلطة ال ّتشريعيّة ،ويع ّد
ّ صنها إزاء
العلويّة ويح ّ
الدّستور ال ّتونسي من أمثلة الدّساتير الجامدة حيث خصّ تعديل الدّستور بالباب
الثامن منه في نظام إجراءات مختلف عن ذلك الم ّتبع في تنقيح القوانين العاديّة و
المضمن أساسا بالفصل 62و ما يتبعه من دستور .2014
وتتنوّ ع إجراءات تعديل الدساتير باختلف الدّساتير وهو ما يفرض البحث في
طرق ال ّتعديل وذلك أساسا فيما يتعلّق بالدّستور الجامد حيث ال خصوصيّة في
إجراءات تعديل الدّستور المرن.
الفقرة ال ّثالثة :طرق ال ّتعديل
يقصد بطريقة ال ّتعديل الكيفيّة واإلجراءات المعتمدة لتعديل الدّستور ،ويتوجّب في
هذا السّياق استعراض سلطة ال ّتعديل (الفقرة )1و من ثمّة تفصيل إجراءات تعديل
الدّستور(الفقرة .)2
أ ـ :سلطة ال ّتعديل
يطلق على السّلطة ال ّتي تناط بها مهمّة تعديل الدّستور بالسّلطة ال ّتأسيسيّة المنشأة أو
المش ّنفة أو الفرعيّة باعتبار أنها تجد أصولها تحديدا وتنظيما و اختصاصا في أحكام
الدّستور كما وضعتها السّلطة ال ّتأسيس ّية األصليّة وهي ملزمة بإتباعها مثل ذلك
أحكام الباب الثامن من دستور 2014وفصليه 143و144
و تتجسّم هذه السّلطة ال ّتأسيسيّة الفرعيّة أي سلطة ال ّتعديل في أحد الخيارات الهيكليّة
ال ّتاليّة:
69
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
70
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
بيسر بفضل نظام األحادية الحزبية وبعدها نظام الحزب المهيمن ،خلفا للوضع
الحالي في تونس الذي طرح توازنات سياسية مختلفة تماما قبل 25جويلية 2021
وبعده ،خاصة منها التراوح بين نظام برلماني ونظام رئاسي .
تعتمد معظم الدّساتير في تعديلها تمييزا بين مرحلتين رئيسيتين :المبادرة بال ّتعديل،
وإقرار ال ّتعديل.
لقد بدا التوجه إلى عقلنة التعديل واضحا في التجربة التونسية ـ وإن كان بدرجات
مختلفة من العقلنة ـ وذلك بإرساء نظام إجرائي على مراحل مشروطا ومع ّززا
سواء على مستوى المبادرة بالتعديل أو على مستوى إقراره.
) 1ـ مستوى المبادرة بتعديل الدستور:
ضبطت جهة المبادرة بالفصل 136من دستور 2022الذي ينص على أنه "
لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حق المبادرة باقتراح تعديل
الدستور ،" ،وفي ذلك تشابه واضح توجهات أغلب الدساتير المقارنة كالدستور
الفرنسي 1958ودستور ألمانيا االتحادية .1949مع الفصل 143من دستور
2014بهذه المعاني قام تنظيم جهة المبادرة بتعديل الدستور على فكرة الموازنة
بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في تشابه واضح مع منطق المبادرة التشريعية.2
ويطرح التصور الوارد بدستور 2022حول جهة المبادرة بتنقيح الدستور أربع
ملحظات:
شي الدستوري خيار تعديل الدستور داخل الجسم الملحظة األولى :يستبقي التم ّ
السياسي بمفهومه التقليدي دون المفهوم الواسع حيث لم يوسّعه نحو الجسم الشعبي
النواب بأغلبية الثلثين من األعضاء في قراءتين تقع الثانية بعد ثالثة أشهر على األقل من األولى .وعند اللجوء إلى
االستفتاء يعرض رئيس الجمهورية مشروع تنقيح الدستور على الشعب بعد موافقة مجلس النواب عليه في قراءة واحدة
باألغلبية المطلقة ألعضائه.
الفصل 78يختم رئيس الجمهورية بعنوان قانون دستوري القانون المنقح للدستور الذي صادق عليه مجلس النواب
وذلك طبقا للفصل 52من الدستور .ويصدر رئيس الجمهورية بعنوان قانون دستوري القانون المنقح للدستور الذي
صادق عليه الشعب وذلك في أجل ال يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ اإلعالن عن نتيجة االستفتاء.ويضبط القانون
االنتخابي صيغ إجراء االستفتاء واإلعالن عن نتائجه.
2الفصل 67من دستور " 2022لرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين وللنواب حق عرض مقترحات
القوانين شرط أن تكون مقدمة من عشرة نواب على األقلّ"
71
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
مقصيا بذلك المبادرة الشعبية ،وذلك خلفا لبعض التجارب المقارنة كدستور
االتحاد السويسري والدستور اإليطالي 1947الذي يجيز لخمسين ألف مواطن حق
المبادرة المواطنية والشعبية بتعديل الدستور شرط أن تكون مصاغة ومبوبة.
شي تعديل الدستور المستند إلى مبادرة برلمانية يتطلب الملحظة الثانية :إنّ تم ّ
توافقا برلمانيا واسعا نسبيا فــ" ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب" ،شرط ال يبدو
يسيرا في ظل نظام اقتراع على األفراد ال يحفّز األحزاب ،وال ييسر بالتالي تكوين
الكتل داخل البرلمان وبناء أغلبية برلمانية لتقديم أو تمرير التعديل الدستوري.
الملحظة الثالثة :هي أن دستور 2022في فصله 136لم يقر خلفا لدستور
2014في فصله 143تغليب المبادرة الصادرة عن السلطة التنفيذية بمنحها أولوية
النظر ،وهو ما يطرح ولو نظريا مسألة أولوية النظر في صورة تزامن مبادرتين
لتعديل الدستور األولى صادرة عن رئيس الجمهورية والثانية عن مجموعة من
نواب الشعب .ويبدو أن األرجح هو تقديم المبادرة البرلمانية على المبادرة الرئاسية
باعتبار أن سلطة التشريع تعود أصالة للسلط التشريعية.
الملحظة الرابعة :هي أنّ دستور 2022ال يتضمن تنصيصا مماثل لذلك الوارد
ّ
يحق للقائم بمهام رئيس الجمهورية خلل بالفصل 86من دستور 2014حيث "ال
الشغور الوقتي أو النهائي المبادرة باقتراح تعديل الدستور" ،وهو تقييد لحق
المبادرة بتعديل الدستور مبرّر بالظرف االستثنائي وبالصفة الوقتية لشاغل موقع
رئاسة الجمهورية وهادف لحماية االستقرار الدستوري من أي أزمة أو شك أو
تشكيك حينما تكون السلط العمومية في وضع استثنائي انتقالي .إنّ الفصل 109من
دستور 2022الشبيه بالفصل 86من دستور 2014يقتصر فقط على منع القائم
بمهام رئيس الجمهورية خلل الشغور الوقتي أو النهائي من اللجوء للستفتاء دون
أن ينص على منعه من المبادرة بتعديل الدستور ،فهل يؤول المنع من اللجوء
للستفتاء أي إلرادة صاحب السيادة على أنه منع للمبادرة بتعديل الدستور على
قاعدة أن منع األكثر (االستفتاء ) هو منع لألقل ( تعديل الدستور) ؟ أم يقع تغليب
مبدأ أن ما لم يمنعه القانون فهو مباح من جهة ومبدأ أن اإلجراءات ال تستخلص
بالـتأويل بل وجب التنصيص عليها صراحة ـ وهو الرأي األرجح ـ .
2فرعي ـ دراسة المبادرة:
بعد استيفاء المبادرة بالتعديل بتقديم مشروع قانون دستوري ،تخضع مبادرة تعديل
الدستور للدراسة من جهتين هما المحكمة الدستورية ومجلس نواب الشعب :
72
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ـ فتعرض في طور أول بناء على منطوق الفصل 136من الدستور من قبل الجهة
التي بادرت بتعديل الدستور (أي رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس نواب
للبت في كونها ال تتعلق بما ال يجوز تعديلهّ 3
الشعب) على المحكمة الدستورية
حسبما هو مقرر بالدستور .ويهدف هذا اإلجراء إلى حماية النواة الصلبة الدستورية
من االنتهاك سواء من جهة المكتسب الجمهوري أو من جهة المكتسب الحقوقي.4
ويلحظ أن دستور 2014كان يحصر جهة اإلحالة على المحكمة الدستورية في
رئيس مجلس نواب الشعب دون غيره وهو التمشي األسلم إجرائيا باعتبار أن الجهة
المعنية بالمبادرة تودعها أصل لدى مجلس النواب.
كما يلحظ أيضا أن توصيف الموقف الذي تبديه المحكمة الدستورية بشأن مبادرة
ّ
"البت" في التعديل تحوّ ل من "إبداء الرأي" في دستور (2014الفصل )144إلى
دستور ( 2022الفصل ،)136وهو ما يدعم الطابع اإللزامي والطابع الحكميّ
لقرار المحكمة ،ويدعم الحضور الوازن للمحكمة الدستورية بنظرها الحقا في
دستورية إجراءات تعديل الدستور الذي يمثل الوجه الثاني من مراقبتها للتعديل.
ـ وبعد استيفاء المحكمة الدستورية للطور األول من رقابتها على مشروع التعديل
ينظر مجلس نواب الشعب في طور ثان في مبادرة التعديل قصد الموافقة باألغلبية
المطلقة على مبدأ التعديل دون سواه بحيث ال ينظر في المضامين الدستورية
وتفصيلتها بل هي موافقة إجمالية تستند إلى االستماع لعرض وشرح وبيانات
صاحب المبادرة سواء كانت رئاسية أو برلمانية وتعتمد على فكرة االقتصاد في
اإلجراءات فإن تمت الموافقة باألغلبية المطلقة للنواب حسب منطوق الفصل 137
من الدستور والفصل 146من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب تم المرور
للمرحلة اللحقة وإالّ توقّف األمر عند هذا الحدّ .ويلحظ أن النظام الداخلي لمجلس
نواب الشعب صمت عن إمكانية إعادة عرض مشروع التعديل من جديد خلفا
للنظام الداخلي لمجلس النواب في ظل دستور 1959واألرجح أن ذلك ممكن طالما
أن األصل في األشياء اإلباحة.
3وردت إجراءات هذه الوجه األول من مراقبة المحكمة الدستورية لمشروع تعديل الدستور ضمن القانون األساسي
عدد 59لسنة 2015المؤرخ في 3ديسمبر 2015المتعلق بالمحكمة الدستورية في :
الفصل 40ـ يعرض رئيس مجلس نوّ اب الشعب كل مبادرة لتعديل الدستور على المحكمة الدستورية في أجل أقصاه
ثالثة أيّام من تاريخ ورود مبادرة التعديل على مكتب المجلس ويعلم رئيس مجلس نواب الشعب كالّ من رئيس
الج مهورية ورئيس الحكومة بمبادرة التعديل .
الفصل 41ـ تبدي المحكمة الدستورية رأيها في مدى تعلّق المبادرة باألحكام التي ح ّجر الدستور تعديلها في أجل أقصاه
خمسة عشرة يوما من تاريخ عرض مبادرة تعديل الدستور عليها ،ويتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا إعالم رئيس
شعب ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة برأي المحكمة. مجلس نوّ اب ال ّ
4الفصل 55فقرة أخيرة "ال يجوز ألي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق اإلنسان وحرياته المضمونة في هذا
الدستور"
الفصل 136الفقرة األولى " ...ما لم ال ي مس ذلك بالنظام الجمهوري للدولة أو بعدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة"
73
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
إن يغلب البعد الشكلي في مستوى المبادرة بتعديل الدستور فإن مستوى إقراره
يتميز بتناول مشروع التعديل جوهريا ويتم ذلك باألساس صلب البرلمان دون
االقتصار عليه إذ تتدخل السلطة التنفيذية كما قد يشرك الشعب استثنائيا.
1فرعي ـ دور اللجنة البرلمانية الخاصة:
ينتخب مجلس نواب الشعب لجنة برلمانية خاصة تتكون من خمسة وعشرون
عضوا تتكفل بالتعهد بالمبادرة على معنى الفصل 145من النظام الداخلي لمجلس
نواب الشعب فتتولى تحديد موضوع التنقيح المزمع إدخاله ودرسه وفق ما هو
منصوص عليه بالفصل 137من الدستور .وهي لجنه وقتية تنحل بختم مشروع
القانون الدستوري أو عدم إقراره.
وال تتمتع هذه اللجنة بإجراءات خصوصية ـ خلفا لما كان عليه األمر صلب النظام
الداخلي لمجلس النواب في ظل دستور 1959ـ حيث أن اإلجراءات المنطبقة على
اللجان القارة في المجلس تسري على هذه اللجنة بحيث تقوم بدراسة موضوع
التعديل ثم تقدم تقريرا بشأنه للمجلس مع توصية بالمصادقة على التعديل أو رفضه.
وعلى ضوء تقرير اللجنة البرلمانية يتعهد مجلس نواب الشعب بجلسته العامة
بمناقشة مشروع التعديل والتصويت عليه .وقد وضع الدستور التونسي في فصله
137نظامين للمصادقة على تعديل الدستور ،يلتزم األول منهما منطق الفكرة
التمثيلية حيث يت ّم تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب الشعب في
قراءتين تقع الثانية بعد ثلثة أشهر على األقل من األولى وهنا وقع التخلّي عن
نظام القراءة الوحيدة الذي كان معتمدا في دستور 2014بما يع ّبر عن تشدّد أكثر
في نظام التعديل.
أما النظام الثاني للمصادقة على تعديل الدستور فيستند على المزاوجة بين الفكرة
التمثيلية والسيادة الشعبية حيث يمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثي أعضاء
المجلس أن يعرض التعديل على االستفتاء ليت ّم قبوله في هذه الحالة بأغلبية
المقترعين .وإن يبدو النظام الثاني أكثر جاذبية حيث يت ّم ال ّرجوع إلى الشعب لألخذ
برأيه بشأن الخيارات الجوهرية إال أنه يبقى ثقيل باعتبار امتداده الزمني (انطلقا
من المبادرة وصوال إلى القرائتين) ،ومحدودا نظرا للطابع االختياري للستفتاء
74
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
الذي يبقى رهين السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية وأقرب لآللية التحكيمية بيده
منه لتعبيرة عن تضافر اإلرادتين البرلمانية والشعبية
3فرعي ـ دور المحكمة الدستورية:
وتبقى المصادقة على مشروع القانون الدستوري مرهونة قبل المرور لختم التعديل
الدستوري من طرف رئيس الجمهورية بمدى احترام إجراءات تعديل الدستور،
وهو الطور الثاني من الرقابة التي تجريها المحكمة الدستورية على مشاريع تعديل
الدستور بناء على أحكام الفصل 127من الدستور.
وقد ورد الجانب التنظيمي واإلجرائي لهذه الرقابة في الفصل 42من القانون
األساسي عدد 59لسنة 2015المؤرخ في 3ديسمبر 2015المتعلق بالمحكمة
الدستورية ( الذي يبقى نافذا بشأن المحكمة الدستورية المنصوص عليها بدستور
2022حتى صدور ما يخالفه) حيث "يعرض رئيس مجلس نوّ اب الشعب على
المحكمة الدستورية مشاريع قوانين تعديل الدستور في أجل أقصاه ثلثة أيّام من
تاريخ المصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب لتتولى مراقبة دستورية
إجراءات التعديل .وتصدر المحكمة الدستورية قرارها وجوبا في أجل أقصاه خمسة
وأربعين يوما من تاريخ تعهدها.
وإذا قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية إجراءات مشروع القانون الدستوري
تتولى في أجل أقصاه سبعة أيام إحالته مصحوبا بقرارها إلى رئيس مجلس نواب
الشعب .ويتولّى مجلس نواب الشعب تصحيح إجراءات التعديل طبقا لقرار المحكمة
الدستورية في أجل أقصاه ثلثين يوما من تاريخ توصّله بالقرار المذكور.
إذا قضت المحكمة الدستورية بدستورية إجراءات التعديل فإنها تحيل المشروع إلى
رئيس الجمهورية الذي يختمه ،أو يعرضه على االستفتاء وباستيفاءه يحال القانون
الدستوري على رئيس الجمهورية لختمه ثم إصداره في أجل ال يتجاوز خمسة
عشر يوما من تاريخ اإلعلن عن نتيجة االستفتاء
من ثمة يتسم النظام اإلجرائي لتعديل الدستور في الحالة التونسية بعقلنة واضحة
وأحيانا مشددة تهدف إلى مأسسته وتحصينه من اإلخلالت الدستورية وإضفاء
الشرعية الشعبية عليه .كما يبقى هذا النظام اإلجرائي معلّقا لعدم تركيز المحكمة
الدستورية وهو ما يعني استحالة إجرائ ّية لبدء مسار تعديل دستوري إلى حد اليوم،
75
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
وهو ما يعني أن تفعيله يفرض تنقيح قانون المحكمة الدستورية أو وضع نص جديد
لها يتلءم مع دستور 2022ث ّم تركيز هذه المحكمة.
وال يستوجب األسلوب العادي لنهاية الدساتير تنصيصا عليه صلب الوثيقة
الدستورية حيث ال يعد بداهة تعديل بل هو تعبير عن إرادة تأسيسية أصلية أولى
جديدة مختلفة غير منصوص عليها لوضع دستور جديد سواء عن عبر جمعية
تأسيسية أو استفتاء دستوري أو غيره.
الفقرة الثانية :النهاية الثورية للدستور
قياسا بالحالة السابقة تتعمق في هذا الشكل من نهايات الدستور درجة القطيعة
وطبيعتها بين الدستور وسياقاته السياسية والمجتمعية ،فالثورة تعبر عن تغير
جذري في المنظومة السائدة في مجتمع ما بما يستوجب إعادة صياغة العقد
االجتماعي من خلل صياغة اتفاقية تأسيسية مختلفة يعبر عنها في دستور جديد
وهو الحال في تقدير عديد الدارسين لدستور 2014خاصة وأن هذه الوثيقة تقدم
في توطئتها على أنها دستور للثورة .وال بد من اإلشارة إلى أن إنهاء الدساتير عبر
السبيل الثوري عادة ما ترافق بجدل حول وجاهة وضع دستور جديد من عدمه كما
هو الحال في تونس إذ قدر البعض االكتفاء بتعديل لدستور 1959عوض وضع
دستور جديد.
76
السنة الجامعية األستاذ عبدالرزاق المختار السنة أولى إجازة في القانون ي
المدخل للقانون الدستور ّ
2024/2023
ويبقى مفهوم الثورة مفهوما "غريبا" عن الخطاب القانوني الذي يقوم على الثبات
واالستمرار والنظام وهو ما خلف صعوبة في التعامل مع الثورة كمفهوم قانوني
واالكتفاء بالتعامل من حيث نتائجها.
وإن يشترك االنقلب مع الثورة في الطابع العنفي والرغبة في التغيير وفي النتائج
بصدور دستور جديد إال أن االنقلبات تفتقد عموما البعد الشعبي وهو ما يخلف
التباسا بشأن خصائص الوثيقة الدستورية من حيث مشروعيتها الشعبية وديمقراطية
مضامينها كما أن الثورة تعبر عن تغيرات عميقة تمس الخيارات الدستورية
الجوهرية خلفا للنقلبات التي تقتصر عادة على إعادة تصور نظام الحكم في
اتجاه مركزة السلطة
الفقرة الثالثة :نهاية الدستور باإلهمال
بحيل مفهوم اإلهمال على مفهوم قانوني سائد هو القاعدة القانونية المهجورة بمعنى
بقاء الدستور غير مطبق العتبارات تخص الوضع السياسي والسياق المجتمعي
العام وهو ما يطرح تساؤال بشأن مآل النص الدستوري؟
وتبقى عناصر اإلجابة غير متفق عليها فالبعض يعتبر أن دستورا غير مطبق من
المخاطبين بأحكامه ال معنى له أما البعض اآلخر فيعتبر أن الدستور غير المطبق
يبقى بمثابة النص المعلق قابل للتطبيق إن توفرت الشروط.
لقد أثيرت هذه المسألة يشأن دستور 1861الذي أوقف محمد الصادق باي العمل
بأحد مؤسساته بموجب أمر على في 30أفريل 1864وهو المجلس األكبر معتبرا
في مراسلة له لسفير إنقلترا إيقاف العمل مقتصرا على المؤسسة المذكورة دون
سواها وال يمثل إيقاف عمل بالدستور.
غير أن توقيف عمل المجلس األكبر كأحد المؤسسات الرئيسية صلب دستور
1861والتراجع عن مضامينه الجبائية وعدم تفعيل بقية الفصول فرغ هذه الوثيقة
من أي أثر فعلي رغم وجودها القانوني وهو ما تؤيده االستشارة القانونية المقدمة
من األستاذين بارتملي وفاس سنة 1920بطلب من الحزب الدستوري القديم في
سعيه في عمله الوطني لبحث الوضع القانوني لدستور.1861
وإن لم يقع إنهاء العمل صراحة بدستور 1861فإن صدور األمر العلي
المؤرخ في 29ديسمبر 1955المتعلق بالمجلس القومي التأسيسي الذي كلف
بوضع دستور يعبر بوضوح عن نية إنهاء
77