Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 110

‫‪1‬‬

‫جامعة المولى إسماعيل مكناس‬


‫الكلية المتعددة التخصصات الراشيدية‬
‫مسلك القانون باللغة العربية‬

‫ذ خالد الحمدوني‬
‫أستاذ باحث بكلية المتعددة التخصصات الرشيدية‬

‫محاضـــــرات فــــي‬
‫القانـــون الدولي العــام‬
‫مسلك القانون‬
‫السداسي الثاني‬

‫السنة الجامعية ‪2022-2021 :‬‬


‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫تقديــــم ‪..... ......................................................‬ص‪6‬‬


‫الفصل األول‪ :‬ماهية القانون الدولي العام‪8...............................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم القانون الدولي العام‪9.......................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف القانون الدولي العام‪9........................................‬‬
‫الفرع األول ‪:‬المذهب التقليدي ‪10....................................................‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬المذهب الموضوعي‪11................................................‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬المذهب الحديث‪12...................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مجال القانون الدولي العام‪14.......................................‬‬
‫الفرع األول ‪:‬تمييز قواعد القانون الدولي العام عن بقية القواعد المشابهة‪14.......‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬فروع القانون الدولي العام ‪18.........................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التطور التاريخي للقانون الدولي العام‪25........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬القانون الدولي في العصور القديمة ‪25..............................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬القانون الدولي في العصور الوسطى ‪29............................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬القانون الدولي في العصر الحديث ‪30.............................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬القانون الدولي في عصر التنظيم الدولي‪33........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬طبيعة القانون الدولي العام ‪34....................................‬‬
‫‪3‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام ‪34......................‬‬


‫الفرع األول‪ :‬االتجاه المنكر للصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام‪35.......‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬االتجاه المؤيد للصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام ‪36.....‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أساس االلتزام في القانون الدولي العام‪38.........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المذهب اإلرادي‪39..................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المذهب الموضوعي‪40..............................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬عالقة القانون الدولي بالقانون الداخلي‪41........................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مذهب ثنائية القانون ‪42.............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مذهب وحدة القانون ‪43.............................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أشخاص ومصادر القانون الدولي العام‪45.................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬أشخاص القانون الدولي العام ‪46...................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الدولة ‪46............................................................‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬مفهوم الدولة‪46.........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مقومات الدولة ‪47.......................................................‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬المقومات المادية‪48....................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المقومات القانونية ‪49...................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أنواع الدول ‪51.........................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الدول البسيطة والمركبة ‪52............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الدول ذات السيادة الكاملة ‪53...........................................‬‬
‫‪4‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الدول ذات السيادة الناقصة ‪53......................................‬‬


‫الفقرة الرابعة‪ :‬الدول المحايدة ‪54...................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬حقوق وواجبات الدول‪54.............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حقوق الدول‪55........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬واجبات الدول‪57......................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المنظمات الدولية‪58................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المنظمات الدولية كشخص من أشخاص القانون الدولي‪58............‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬تعريف المنظمات الدولية الحكومية‪58...............................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الشخصية القانونية للمنظمات الدولية الحكومية‪58...................‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬تصنيف المنظمات الدولية الحكومية‪59...............................‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬نشوء األمم المتحدة وأهدافها‪60........................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أجهزة األمم المتحدة واختصاصاتها ‪61...............................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الجمعية العامة‪61........................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مجلس األمن‪65.........................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬المجلس االقتصادي واالجتماعي ‪68...................................‬‬
‫الفقرة الرابعة‪ :‬مجلس الوصاية‪69....................................................‬‬
‫الفقرة الخامسة‪ :‬محكمة العدل الدولية‪70..............................................‬‬
‫الفقرة السادسة ‪ :‬األمانة العامة‪74....................................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الفرد‪75..............................................................‬‬
‫‪5‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اتجاه يجعل من الفرد موضع الحماية ‪75..............................‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬اتجاه يجعل من الفرد موضع الزجر‪76...............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر القانون الدولي العام‪77...... .............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المصادر األصلية ‪78................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المعاهدات الدولية ‪78..................................................‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم المعاهدات‪78..................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬مراحل إبرام المعاهدات الدولية‪80....................................‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪:‬صور االلتزام بالمعاهدات الدولية ‪83................................‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪ :‬التحفظ على المعاهدات الدولية‪86..................................‬‬
‫الفقرة الخامسة ‪ :‬تسجيل المعاهدات الدولية ونشرها ‪87............................‬‬
‫الفقرة السادسة ‪:‬شروط صحة انعقاد المعاهدات الدولية‪88..........................‬‬
‫الفقرة السابعة‪ :‬اآلثار القانونية للمعاهدات الدولية‪94................................‬‬
‫الفقرة الثامنة‪ :‬تفسير المعاهدات الدولية‪97..........................................‬‬
‫الفقرة التاسعة‪ :‬انقضاء المعاهدات الدولية‪100.......................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬العرف الدولي‪105.....................................................‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم المتحدة‪106................ .‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المصادر االحتياطية للقانون الدولي ‪106..........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األحكام والفتاوى الصادرة عن المحاكم الدولية ‪107...................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الفقه الدولي‪107.......................................................‬‬
‫‪6‬‬

‫تقديــــــم‪:‬‬
‫إن القانون الدولي ليس وليد العصر الحالي‪ ،‬بل مر بعدة تطورات ومراحل إلى أن وصل‬
‫إلى شكله الحالي‪ ،‬ويسعى هذا القانون منذ نشأته إلى وقاية المجتمعات من النزعات والحروب‬
‫المدمرة‪ ،‬وقد تزاي دت أهميته في المرحلة الحالية بعد أن تحقق حد أدنى من السالم في العالم‪،‬‬
‫وابتعد شبح الحرب العالمية‪ ،‬و ازداد التواصل بين الدول‪ ،‬وارتبطت المصالح ببعضها البعض‪،‬‬
‫وظهرت عالقات متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية‪ ،‬وهذا ما جعل هدف‬
‫القانون الدولي العام يس عى إلى تقوية الروابط والتعاون والتنسيق بين الشعوب وتحقيق التنمية‬
‫الشاملة على جميع المستويات‪.‬‬
‫وقد شهد القانون الدولي تطورا مهما من حيث مداه‪ ،‬أشخاصه‪ ،‬موضوعاته‪ ،‬ومصادره‪،‬‬
‫وهو األمر الذي كان سبب عدم استقرار قواعد محددة وثابتة في نطاق القانون الدولي على‬
‫غرار ا لقانون الداخلي‪ .‬كما أن مفهوم السيادة قد حال دون بلورة مفهوم الحكومة العالمية‪ ،‬أو‬
‫على األقل توسيع صالحيات األجهزة الدولية في مواجهة الدول ذات السيادة‪.‬‬
‫إن أبرز سمات التطور الحديث في مجال القانون الدولي العام هو ظهور فروع جديدة‬
‫ومستقلة لمواكبة المستجدات الح اصلة على الصعيد الدولي‪ ،‬سواء تعلق األمر بالقانون الدولي‬
‫اإلنساني الذي يرتبط بالقواعد القانونية الواجبة التطبيق في حاالت الحرب‪ ،‬والقانون الدولي‬
‫لحقوق اإلنسان الذي يحدد مجمل القواعد التي ترمي إلى حماية الحقوق والحريات اإلنسانية‪،‬‬
‫والقانون الدولي االقتصادي الذي يرمي إلى ضبط العالقات الدولية االقتصادية‪ ،‬ناهيك عن‬
‫القانون الدولي الجنائي الذي تزايدت الحاجة إليه مع ارتفاع حدة النزاعات والصراعات الدولية‬
‫التي ترتبت عنها ان تهاكات جرائم خطيرة ضد اإلنسانية وغيرها من الفروع األخرى التي تعكس‬
‫تطور وتشابك العالقات الدولية في عالم اليوم‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫سنحاول في هذه المحاضرات تمكين الطلبة والمهتمين من مجموعة من المفاهيم الرئيسية‬


‫المتصلة بالقانون الدولي العام في عالقة ذلك بماهية هذا القانون وسياقه ومصادره وفروعه‬
‫ومبادئه وأشخاصه‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية القانون الدولي العام‪.‬‬

‫ظهر القانون الدولي لوقاية وحماية مصالح المجتمعات وازدادت أهمية في المرحلة الحالية‬
‫لضمان استتباب األمن والسالم بحد أدنى في العالم‪ ،‬ولقد تطور هذا القانون عبر التاريخ بفعل‬
‫التغيرات الفكرية والتجارب الدولية ‪ ،‬وقد بدأ القانون الدولي يتطور منذ نشأ‪ ،‬وفي كل مرحلة‬
‫‪9‬‬

‫كان هناك جديد سلبا أو إيجابا بحسب مدى االلتزام بقواعده أو خرقها‪ .‬و يضم القانون الدولي‬
‫العام القواعد القانونية التي تحدد حقوق األشخاص الدولية والتزاماتها‪ ،‬وكذا القواعد التي تحكم‬
‫العالقات المتبادلة بين هؤالء األشخاص زمن السلم والحرب‪.‬‬

‫وتبعا لذلك يسعى القانون الدولي العام إلى تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب‪ ،‬وكذا‬
‫تحقيق التنمية الشاملة على جميع األصعدة‪.‬‬

‫ومما تقدم فإن دراسة ماهية القانون الدولي العام‪ ،‬تتطلب التطرق إلى مفهومه (المبحث‬
‫األول)‪ ،‬ورصد تطوره التاريخي (المبحث الثاني ) ومن تم تحديد طبيعته القانونية (المبحث‬
‫الثالث)‪ ،‬ثم تبيان العالقة بينه وبين القانون الداخلي (المبحث الرابع)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم القانون الدولي العام‬

‫نستعرض مفهوم القانون الدولي العام من خالل التعريف بهذا القانون (المطلب األول) ثم بيان‬
‫مجاله (المطلب الثاني)‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف القانون الدولي العام‬

‫حاول الكثير من الفقهاء تعريف القانون الدولي معتمدين على موضوعه أو‬
‫أشخاصه‪ ،‬أو أساس اإللزام به‪ ،‬وقد تعددت هذه التعاريف واختلفت‪ ،‬ويرجع هذا االختالف‬
‫بالدرجة األولى إلى التطور الذي عرفه هذا الفرع من القانون سواء من حيث األشخاص أو‬
‫الموضوعات التي يحكمها‪ 1،‬أو بالنظر إلى التحوالت والتطورات التي يشهدها المجتمع الدولي‬
‫باستمرار في مختلف الميادين والمجاالت‪.‬‬

‫‪- 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬منشورات الجامعة اإلفتراضية السورية‪ ،2018 ،‬ص‪.4‬‬
‫‪10‬‬

‫و يعزى تعدد التعاريف التي وضعها الفقهاء للقانون الدولي العام إلى تباين وجهات‬
‫نظرهم حول إظهار األولوية في التعاريف ألحد مكونات التعريف دون آخر‪ ،‬حيث يذهب غالبية‬
‫الفقهاء إلى إظهار أشخاص القانون الدولي العام في تعريفه وهم غالبا الدول‪ ،‬بينما يذهب فقهاء‬
‫آخرون إلى تعريف القانون الدولي العام من خالل موضوعه وصفته اإللزامية‪ ،‬أما قلة من‬
‫الفقهاء فتذهب إلى إظهار غاية وهدف القانون الدولي العام‪ ،‬وبذلك انقسم الفقهاء في تعريف‬
‫القانون الدولي العام إلى ثالث مذاهب تمثلت في المذهب التقليدي‪ ،‬المذهب الموضوعي والمذهب‬
‫الحديث‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المذهب التقليدي‬


‫يذهب أنصار هذا اإلتجاه إلى اعتبار القانون الدولي العام كقانون يقوم على تنظيم‬
‫العالقات المتبادلة بين الدول‪ ،‬أي قانون العالقات الدولية‪ ،‬مثلما نادى بذلك الفقيه فوشيل الذي‬
‫يعرفه على أنه‪ " :‬مجموعة القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول وواجباتها في عالقاتها‬
‫المتبادلة"‪.‬‬

‫وعرفه ترابل بأنه‪" :‬القانون الذي ينظم العالقات بين الدول تامة السيادة"‪.‬‬

‫ويقترب من هذه التعاريف تعريف كل من روسو‪ ،‬جان دوبوي وأوبنهايم‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء الدولي‪ ،‬فقد أيد التعريف التقليدي في القرار الذي أصدرته محكمة العدل‬
‫الدولية الدائمة حول قضية "اللوتس" سنة ‪ ،1927‬ومن خالله جاء تعريف القانون الدولي العام‬
‫بأنه‪" :‬القانون الذي يحكم العالقات ما بين الدول المستقلة"‪.‬‬

‫والسبب في تعريف القانون الدولي العام على أنه القانون الذي يحكم العالقات بين الدول‬
‫فقط‪ ،‬هو تشكل المجتمع الدولي آنذاك من دول أوروبا القومية فقط‪ ،‬حيث كانت الدولة هي‬
‫الشخص الوحيد للقانون الدولي العام‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ومن الفقهاء العرب الذين يتب نون هذا التعريف التقليدي للقانون الدولي العام د‪ .‬جعفر عبد‬
‫السالم الذي عرفه على أنه‪ " :‬مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل‬
‫منها وواجباتها"‪.‬‬

‫وعرفه د‪ .‬أحمد محمد رفعت بأنه "فرع من فروع القانون ينحصر نشاطه وفعاليته في‬
‫تنظيم النشاط الخارجي للدولة بمناسبة دخولها في عالقات ثنائية أو جماعية مع غيرها من‬
‫الدول‪ ،‬فهو إذن "مجموعة القواعد القانونية االتفاقية الصادرة نتيجة التراضي الصريح أو‬
‫الضمني‪ ،‬والتي تنظم المجتمع الدولي وتكون ملزمة لمجموعة الدول في تصرفاتها على‬
‫المستوى الخارجي‪ ،‬كما تحدد حقوق كل دولة وواجباتها في مواجهة غيرها من الدول‪."1‬‬

‫إن التعريفات التقليدية للقانون الدولي العام أصبحت قاصرة لكونها ال تواكب التطور‬
‫الذي حدث في مجال العالقات بين أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬حيث لم تعد الدول الشخص‬
‫الوحيد للقانون الدولي العام‪ ،‬بل ظهرت إلى جانبها أشخاص دولية أخرى مخاطبة بأحكام القانون‬
‫الدولي العام‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المذهب الموضوعي‬


‫يرى أنصار هذا المذهب أن الفرد هو أساس القانون الدولي العام‪ ،‬بل هو الشخص الوحيد‬
‫للقانون الدولي العام‪ ،‬فهم ال يعترفون بالشخصية القانونية للدولة‪ ،‬لذلك فقواعد القانون الدولي ال‬
‫تخاطب الدول بل تخاطب األفراد وحدهم ألنهم يملكون إرادة مستقلة‪ ،‬بينما الشخص المعنوي‬
‫(الدولة) ال تملك إرادة مستقلة التي تعد شرطا ضروريا عندهم لالعتراف بالشخص القانوني‪.‬‬

‫ويؤخذ على هذا المذهب إنكاره لمكانة الدولة وشخصيتها القانونية في المجتمع الدولي‪،‬‬
‫وأنه من الثابت أن الدولة هي شخص من أشخاص القانون الدولي المعاصر إن لم تكن الشخص‬
‫الرئيسي من أشخاصه‪ ،‬وهو ما ال يمكن تجاهله‪.‬‬

‫‪ - 1‬منصوري صونية ‪ ،‬محاضرات في القانون الدولي العام‪ ،‬جامعة البويرة ‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،2021-2020 ،‬‬
‫ص‪.7‬‬
‫‪12‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬المذهب الحديث‬


‫يرتكز مفهوم القانون الدولي العام أساسا حسب أنصار هذا المذهب على فكرة المجتمع‬
‫الدولي‪ ،‬وليس على مبدأ العالق ات الدولية‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه الفقيه ليون دوجي الذي يرى أن‬
‫القانون الدولي هو قانون المجتمع الدولي‪ ،‬وهو التعريف الذي استقرت عليه غالبية التعاريف‬
‫الدولية المعاصرة للقانون الدولي‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬عرفه الفقيه جورج سال القانون الدولي العام على أنه‪" :‬النظام القانوني‬
‫الذي يحوي المبادئ المنشئة والمنظمة للمجتمع الدولي"‪.‬‬

‫وعرفه الفقيه شتروب الفرنسي بأنه‪" :‬مجموعة القواعد القانونية التي تضمن حقوق‬
‫الدول وواجباتها وحقوق وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي"‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفقه العربي‪ ،‬فتوجد مؤلفات عديدة تضمنت تعريفات للقانون الدولي العام‬
‫على أساس فكرة المجتمع الدولي‪ ،‬ومن بينها تعريف الدكتور صالح الدين عامر الذي يرى أن‬
‫"القانون الدولي العام هو‪" :‬مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم المجتمع الدولي وما‬
‫يقوم في إطاره من عالقات بين أشخاصه المختلفة"‪.‬‬

‫حيث يأخذ هذا التعريف بالحسبان ما لحق بالحياة الدولية من تطور‪ ،‬وتغير‪ ،‬فالدول لم‬
‫تعد الشخص الوحيد للقانون الدولي‪ ،‬لذلك فهي ليست الوحيدة المخاطبة بأحكامه نظرا لبروز‬
‫المنظمات الدولية كأشخاص قانونية‪ ،‬فاعلة في المجتمع الدولي‪ ،‬وتساهم في تكوين قواعد قانونية‬
‫جديدة للقانون ال دولي‪ ،‬فضال عن دورها في حماية حقوق أفراد المجتمع الدولي ورعاية العالقات‬
‫المتبادلة بينها‪ .‬كما يظهر معطى جديد في القانون الدولي‪ ،‬يتمثل في تغيير مركز الفرد ووضعه‬
‫في إطار قواعد هذا القانون‪ ،‬نظرا لتنامي قدر ا لعناية القانونية الدولية التي لم ينفك يحظى بها‬
‫‪13‬‬

‫تدريجيا‪ ،‬وذلك من قبل اتفاقيات القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪، 1‬حيث إكتسب هذا القانون‬
‫الطابع اإلنساني حاليا النصراف غالبية قواعده إلى صيانة أوضاع الفرد المختلفة‪.‬‬

‫وبالتالي فإن االنتقال من تعريف القانون الدولي بوصفه قانون يعنى بتنظيم العالقات بين‬
‫الدول إلى قانون للم جتمع الدولي ككل هو نتيجة حتمية لتطور مفهوم هذا القانون من قانون‬
‫يتعامل مع الدول ويحفظ مصالحها فقط إلى قانون لكافة أشخاص المجتمع الدولي ومكوناتها‬
‫األساسية‪.‬‬

‫ومن بين مكونات المجتمع الدولي وعالقتها ببعضها البعض‪ ،‬أدخل الكثير من الفقهاء‬
‫العرب الفرد كشخص من أشخا ص القانون الدولي العام‪ ،‬ورأوا بأن هذا القانون ال يسير العالقات‬
‫بين الدول والمنظمات الدولية بعضها البعض‪ ،‬ولكن أيضا يسير عالقات الفرد الدولية‪ ،‬السيما‬
‫في ما يخص موضوع حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا‪ ،‬عرف د‪ .‬محمد طلعت الغنيمي القانون الدولي بأنه‪" :‬مجموعة القواعد‬
‫التي تحكم العالقات الجوهرية ذات األثر الجوهري على الجماعة الدولية ألنها تلمس أمنها‬
‫والتي تقوم على أشخاص القانون الدولي أو بينهم أو بين األفراد"‪.‬‬

‫كما عرفه د‪ .‬رجب عبد المنعم متولي بأنه‪ " :‬مجموعة القواعد القانونية التي تتمتع‬
‫بقوة اإللزام التي تخاطب األشخاص الدولية دوال كانت أو منظمات فضال عن ضبطها للعالقات‬
‫التي تقوم فيما بين هذه األشخاص وما بين األفراد"‪.‬‬

‫هذا ما دفع البعض من الفقهاء العرب إلى توسيع أكثر في تعريف القانون الدولي العام‬
‫فامتدوا به‪ ،‬زيادة على كونه قواعد قانونية دولية تنظم المجتمع‪ ،‬إلى تنظيم الشؤون اإلنسانية‬
‫كافة‪ ،‬وهو ما جاء به د‪ .‬محمد حافظ غانم حين قال بأن القانون الدولي هو‪" :‬مجموعة من‬
‫القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول والتزاماتها فيما بينها‪ ،‬وتنظم كافة المسائل التي‬

‫‪1‬‬ ‫‪-Pierre-Marie Dupuy et Yann Kerbrat , droit international public,15 édition, dalloz,p345 .‬‬
‫‪14‬‬

‫تكون لها أهمية تتعدى حدود دولة واحدة‪ ،‬وذلك بقصد تحقيق المصالح العليا للمجتمع الدولي‬
‫ولإلنسانية"‪.‬‬

‫مما تقدم يتبين أن التعريف التوفيقي الجامع للقانون الدولي العام هو ذلك الذي يتضمن‬
‫موضوعه وأشخاصه وطابعه اإللزامي‪ .‬وعلى هذا يمكننا أن نعرفه بأنه "مجموعة القواعد‬
‫الملزمة الناظمة للعالقات بين الكائنات التي تتمتع بالشخصية القانونية الدولية"‪.‬‬

‫ويمكن تعريفه أيضا بأنه مجموعة من القواعد التي تنظم العالقات بين الدول والعالقات بين‬
‫الدول والمنظمات الدولية‪ ،‬والعالقات بين المنظمات الدولية بعضها البعض‪ ،‬ويمتد القانون‬
‫الدولي أيضا ‪ ،‬على نحو متزايد ليشمل تنظيم العالقات بين الدول واألفراد‪ ،‬بما في ذلك‬
‫االلتزامات المفروضة على الدول فيما يتعلق بمعاملة األشخاص الخاضعين لواليتها أو‬
‫سيطرتها الفعلية ‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجال القانون الدولي العام‬


‫يتحدد مجال القانون الدولي العام من خالل تمييز قواعده عن بقية القواعد المشابهة لها‬
‫(الفرع األول)‪ ،‬وبيان فروعه (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تمييز قواعد القانون الدولي العام عن بقية القواعد المشابهة لها‬

‫تسمح إلزامية القانون الدولي العام بالتفرقة بينه وبين قواعد السلوك الدولية األخرى‬
‫المتمثلة في قواعد المجامالت الدولية (الفقرة األولى)‪ ،‬وقواعد األخالق الدولية (الفقرة الثانية)‪،‬‬
‫مع العلم بأن جميع قواعد السلوك هذه بما فيها قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬تشترك في ذات‬
‫الغرض‪ ،‬والمتمثل في تحقيق المصلحة العليا للمجتمع الدولي ككل ثم تمييزه عن قواعد القانون‬
‫الدولي الخاص (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫ليان مكاي ‪ ،‬نحو ثقافة سيادة القانون‪ ،‬معهد الواليات المتحدة للسالم ‪ ،2015 ،‬ص‪.139‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪15‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تمييز قواعد القانون الدولي العام عن قواعد‬


‫المجاالت الدولية‬
‫تعرف قواعد المجاالت الدولية بأنها‪" :‬مجموعة القواعد التي اعتادت الدول مراعاتها‬
‫في عالقاتها المتبادلة بهدف توطيد هذه العالقات وتحسينها تأكيدا لودها وحسن نيتها‪،‬‬
‫وحرصها على مقتضيات اللياقة والكياسة‪ ،‬دون أن تشعر بأنها ملزمة على ذلك قانونا أو خلقا‪،‬‬
‫ودون أن يكون لهذه القواعد عالقة بالعدالة كمثل أعلى لما يتوجب أن تكون عليه العالقات‬
‫في المجتمع"‪.‬‬

‫من بين األمثلة على قواعد المجامالت الدولية‪ ،‬مراسيم استقبال رؤساء الدول األجنبية‪،‬‬
‫تبادل التهاني في المناسبات القومية واألعياد الوطنية والدينية‪ ،‬قبول استمرار تمتع رؤساء الدول‬
‫السابقين باالمتيازات والحصانات الدبلوماسية‪ ،‬عدم نشر المراسالت أو محاضر المفاوضات‪.‬‬

‫ولهذا تتميز القواعد القانونية الدولية عن قواعد المجامالت الدولية في أن األولى ملزمة‪،‬‬
‫حيث تشعر الدول بأن مخالفتها يعرضها إلى الجزاء‪ ،‬في حين أن الخروج على قواعد المجامالت‬
‫الدولية ال يعرض منتهكيها إلى المسؤولية الدولية وإنما إلى المعاملة بالمثل‪.1‬‬

‫وقد تتحول قواعد المجامالت الدولية مع الزمن إلى قواعد قانونية ملزمة‪ ،‬ومثالها‬
‫الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية التي بدأت مجامالت وتحولت إلى أعراف دولية‬
‫ومن ثم جرى تدوين هذه األعراف في اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام ‪ 1961‬واتفاقية‬
‫فيينا للعالقات القنصلية لعام ‪ . 1963‬واألمر ذاته ينطبق كذلك على القواعد الخاصة بالتعاون‬
‫القضائي الدولي في مجال تسليم المجرمين العاديين‪ ،‬والقاعدة الخاصة بعدم التعرض لصيادي‬
‫الدول المعادية في البحر العالي (اتفاقية الهاي لعام ‪.)1907‬‬

‫‪ - 1‬ماهر ملندي و ماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.5-4‬‬


‫‪16‬‬

‫وعلى العكس قد تتحول القاعدة القانونية الدولية الملزمة مع الزمن إلى مجاملة دولية‪،‬‬
‫فقاعدة تبادل السفن البحرية للتحية في أعالي البحار مثال تركت اآلن الختيار السفن بعد أن كانت‬
‫في الماضي قاعدة قانونية ملزمة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييز قواعد القانون الدولي العام عن قواعد‬


‫األخالق الدولية‬
‫قواعد األخالق الدولية هي مجموعة من المبادئ السامية أو المثل أو القيم الدولية التي‬
‫يتعين على الدول إتباعها وفقا العتبارات األخالق الفاضلة‪ .‬ومن قبيل قواعد األخالق الدولية‪،‬‬
‫تقديم العون والمساعدات اإلنسانية للدول التي تحل بها الكوارث كالجماعة‪ ،‬الزالزل‬
‫والفيضانات‪ ،‬وكذا تقديم مساعدات طبية وغذائية ومادية للدول التي تجري على أراضيها‬
‫منازعات مسلحة‪.‬‬

‫وتتميز قواعد األخالق الدولية عن قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬في أن مخالفة أحكام هذه‬
‫األخيرة يعرض المخالف إلى المسؤولية الدولية‪ ،‬في حين أن خرق قواعد األخالق الدولية يؤدي‬
‫إلى سخط واستنكار الرأي العام الدولي‪ .‬إذن فاألخالق الدولية هي مجموعة من المبادئ السامية‬
‫التي يم ليها الضمير العالمي ويفرضها على تصرفات الدول ولكن ليس لها إلزام قانوني‪ ،‬وعدم‬
‫األخذ بها ال يترتب عليها أي مسؤولية قانونية‪،1‬‬

‫ومثلها مثل قواعد المجامالت الدولية‪ ،‬يمكن أيضا لقواعد األخالق الدولية أن تتحول إلى‬
‫قواعد قانونية دولية‪ ،‬فالقواعد األخالقية الخاصة بمعاملة ضحايا الحروب تحولت تدريجيا إلى‬
‫قواعد قانونية ملزمة جرى تضمينها في اتفاقيات جنيف األربع لحماية ضحايا الحرب عام‬
‫‪ ، 1949‬والبروتوكولين اإلضافيين لهذه االتفاقيات عام ‪ ،1977‬وقد أسفر ذلك عن ظهور فرع‬
‫جديد للقانون الدولي هو القانون الدولي اإلنساني الذي يعنى بالتخفيف من ويالت الحروب‪ .‬كما‬

‫‪- 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬الوسيط في القانون الدولي العام‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬المبادئ العامة‪ ،‬الدار العلمية الدولية ودار الثقافة‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2002 ،‬ص ‪.35-34‬‬
‫‪17‬‬

‫أن العديد من قواعد حقوق اإلنسان كانت عبارة عن قواعد أخالقية قبل أن تتحول إلى قواعد‬
‫قانونية ملزمة مثل تحريم تجارة الرق والتمييز العنصري وإبادة األجناس وغيرها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬تمييز قواعد القانون الدولي العام عن قواعد القانون‬


‫الدولي الخاص‬
‫ما يميز القانون الدولي العام عن القانون الدولي الخاص‪ ،‬هو أن القانون الدولي العام‪:‬‬
‫‪ -‬فرع من فروع القانون العام وتضع قواعده اإلرادة الدولية‪ ،‬موضوعه العالقات الدولية‬
‫وأشخاصه هي الدول والمنظمات الدولية واألفراد‪.‬‬
‫‪ -‬يفصل القاضي الدولي في الدعاوى من خالل الرجوع إلى مصادر القانون الدولي العام‪.‬‬
‫أما القانون الدولي الخاص فهو‪:‬‬
‫‪ -‬أحد فروع القانون الداخلي ويضع أحكامه إرادة المشرع الوطني‪.‬‬
‫موضوعه العالقة بين األف راد والشركات من جنسيات مختلفة‪ ،‬وتحديد مركز األجانب‬
‫وحلول تنازع القوانين وتنازع االختصاص القضائي الدوليين‪.‬‬
‫يفصل القاضي في قضاياه باالستناد إلى قواعد اإلحالة التي تحدد القانون الواجب التطبيق‬
‫عند التنازع‪.‬‬
‫ويعتبره غالبية الفقهاء فرع من فروع القانون الداخلي ألن صلته بالتشريعات الوطنية‬
‫أقوى من صلته بالقواعد المنظمة للعالقات الدولية‪.‬‬
‫في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى اعتباره جزءا من القانون الدولي بحجة أن الدول‬
‫ليست حرة بشكل مطلق في وضع أحكام القانون الدولي الخاص ألنها تلتزم باحترام قواعد‬
‫العرف الدولي والمعاهد ات الدولية التي تدخل في نطاق هذا القانون وخاصة تلك التي تنظم‬
‫مركز األجانب وقواعد اكتساب وفقد الجنسية‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬فروع القانون الدولي العام‬


‫أدت حاجة المجتمع الدولي إلى التنظيم القانوني الجماعي للكثير من الميادين‪ ،‬إلى ظهور‬
‫العديد من فروع القانون الدولي المتخصصة‪ ،‬والتي يمكن تصنيفها من منظور زمني إلى فروع‬
‫تقليدية (الفقرة األولى)‪ ،‬وفروع حديثة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الفروع التقليدية‬


‫ظهرت معظم الفروع التقليدية للقانون الدولي العام قبل نشأة هيئة األمم المتحدة عام‬
‫‪ ،1945‬و تحيل الفروع التقليدية إلى مختلف القواعد القانونية المرتبطة بتنظيم فضاءات وقضايا‬
‫مختلفة فرضت نفسها بحدة في الساحة الدولية في فترات مبكرة من تطورات العالقات الدولية‪.‬‬
‫كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجوي الذي يحيل إلى القواعد التي تنظم استخدام الفضاء الخارجي‬
‫في المجاالت العلمية والعملية كالنقل الجوي واألبحاث العلمية‪ ،1‬بما يحقق التوازن بين مصالح‬
‫الدول ومصالح اإلنسانية بشكل عام‪ .‬والقانون البحري الذي يتمحور حول تسوية اإلشكاالت‬
‫القانونية التي تثيرها المالحة البحرية واستغالل الموارد الطبيعية للبحار ومنع تلويثها أو توظيفها‬
‫في مجاالت عسكرية خطيرة ومنافية للقانون الدولي‪.2‬‬

‫‪-1‬قانون التنظيم الدولي‪:‬‬

‫يضم قانون التنظيم الدولي القواعد التي تحكم إنشاء المنظمات الدولية ونشاطها‬
‫وأجهزتها‪ ،‬وما يتعلق بشؤونها وتعدد وسائلها في تحقيق األهداف التي تنشأ من أجلها‪ ،‬والعالقة‬
‫القانونية بين المنظمات الدولية والدول‪.‬‬

‫‪-2‬القانون الدولي الجوي‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪- Jean Combacau et Serge Sur , droit international public,alpha,2009,474 .‬‬

‫‪- 2‬شارل روسو‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1987 ،‬‬
‫‪19‬‬

‫يتضمن القانون الدولي الجوي القواعد الخاصة بكيفية استعمال المجال الجوي ألغراض‬
‫المواصالت الدولية وتنظيمها للتوفيق بين المصلحة الدولية المشتركة من جهة‪ ،‬ومصالح الدول‬
‫المنفردة من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويجد هذا القانون أساسه في عدد من االتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس عام ‪1919‬‬
‫لتنظيم المالحة الجوية‪ ،‬اتفاقية شيكاغو عام ‪ 1944‬لقمع الجرائم المرتكبة على متن الطائرات‪،‬‬
‫اتفاقية الهاي عام ‪ 1970‬لمنع االستيالء غير المشروع على الطائرات‪ ،‬اتفاقية مونتلاير عام‬
‫‪ 1971‬لقمع األفعال غير المشروعة ضد سالمة الطيران المدني‪ ،‬فضال عن إنشاء منظمة‬
‫الطيران المدني كمنظمة متخصصة في هذا المجال سنة ‪ 1947‬ودورها في وضع وإثراء قواعد‬
‫القانون الدولي الجوي‪.‬‬

‫‪ -3‬القانون الدولي البحري‪:‬‬

‫يهتم القانون الدولي البحري بالمشاكل القانونية للبحار سواء ما تعلق بوسائل النقل البحري‬
‫أو استغالل الموارد الطبيعية للبحار ومنع استخدامها لتخزين األسلحة النووية أو إلجراء‬
‫التجارب الخاصة لتطويرها‪ ،‬وكذا منع تلويث مياه البحار‪.‬‬

‫‪ -4‬القانون الدولي االقتصادي‪:‬‬

‫يعتبر القانون الدولي االقتصادي فرعا من فروع القانون الدولي العام‪ ،‬وهو ومجموعة‬
‫من القواعد والمؤسسات التي ت نظم نشاط أشخاص القانون الدولي على المستوى االقتصادي‬
‫وتنظيم العالقات االقتصادية الدولية الحكومية ‪ ،‬ويحدد دور اآلليات الدولية المنظمة للعالقات‬
‫االقتصادية الدولية‪ ،‬ونشاط المنظمات االقتصادية الدولية‪ ،‬من حيث طرق االستثمار والتجارة‬
‫الدولية ‪ ،‬و يضم هذا الفرع القواعد القانونية التي تنظم الحلول القانونية للعالقات االقتصادية‬
‫والتجارية الدولية فيما بين أعضاء المجتمع الدولي‪ ،‬فضال عن العالقات التي تنشأ بين المؤسسات‬
‫االقتصادية التي تضطلع بدور المساهمة في التنمية االقتصادية واالجتماعية في صيغة‬
‫االستثمارات األجنبية‪ ،‬وأخيرا يسعى هذا الفرع من القانون الدولي إلى تقرير عالقات التعاون‬
‫‪20‬‬

‫االقتصادي الدولي وتحقيق التطور االقتصادي واالجتماعي للدول‪ ،‬وتنظيم العالقات االقتصادية‬
‫والتجارية دوليا‪ ،‬وتأطير العالقات القائمة بين مختلف المؤسسات االقتصادية الداعمة لتعميق‬
‫االستثمارات وتشابك العالقات االقتصادية الدولية‪.1‬‬
‫‪-5‬قانون القضاء الدولي‪:‬‬

‫يضم هذا الفرع القواعد الخاصة بتشكيل المحاكم الدولية واختصاصاتها وإجراءاتها‪،‬‬
‫وكيفية صدور األحكام عنها وإمكانية الطعن فيها‪ ،‬ويجد أساسه في األنظمة األساسية للمحاكم‬
‫الدولية واإلقليمية (المحكمة الدائمة للعدل الدولي عام ‪ ،1920‬محكمة العدل الدولية عام ‪1945‬‬
‫ومحكمة عدل أوروبا عام ‪.)...1950‬‬

‫‪-6‬القانون الدولي الجنائي‪:‬‬

‫يهتم القانون الدولي الجنائي بوضع القواعد التي تحدد الجرائم الدولية وسلطة العقاب‬
‫عليها‪ ،‬وشروط المسؤولية الجنائية للفرد وحاالت انتفائها‪ ،‬ومبادئ الشرعية الجنائية‪ ،‬وإجراءات‬
‫المحاكمة والعقوبات المقررة لهذه الجرائ م‪ .‬ويجد هذا القانون أساسه في اتفاقية فرساي عام‬
‫‪ ،1919‬والئحتي محكمتي نورمبرغ عام ‪ 1945‬وطوكيو عام ‪ 1946‬لمحاكمة مجرمي الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬ونظامي المحكمتين الدوليتين ليوغسالفيا ورواندا في مطلع تسعينات القرن‬
‫الماضي لمحاكمة منتهكي أحكام القانون الدولي اإلنسا ني‪ ،‬وأخيرا نظام روما األساسي للمحكمة‬
‫الجنائية الدولية عام ‪.1998‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الفروع الحديثة‪.‬‬

‫ظهرت معظم هذه الفروع وتطورت خالل عصر التنظيم الدولي أي بعد إنشاء األمم‬
‫المتحدة عام ‪ ،1945‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪- 1‬رضا عبد السالم‪ ،‬العالقات االقتصادية الدولية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬المنصورة‪.2010 ،‬‬
‫‪21‬‬

‫‪-1‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪:‬‬

‫يعرف القانون الدولي لحقوق اإلنسان بأنه مجموعة من القواعد القانونية المتكونة أساسا‬
‫من اإلعالنات والمواثيق واالتفاقيات الدولية المتعلقة بتكريس وحماية الحقوق األساسية لإلنسان‬
‫بوصفه إنسانا وقت السلم خاصة‪ ،‬وبيان الضمانات اإلجرائية واآلليات المرصودة الحترام هذه‬
‫الحقوق وإنفاذها‪.‬‬
‫وتعمل منظومة حقوق اإلنسان على ضمان حق كل فرد في أن تحترم حقوقه وحرياته سواء‬
‫المدنية أو السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية أو الثقافية‪ ،‬وقد أسهمت العديد من االعتبارات‬
‫في تنامي االهتمام بقضايا حقوق اإلنسان وتزايد قيمة مفاهيمها محليا ودوليا‪ ،‬ويمكن إجمال ذلك‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬عالمية حقوق اإلنسان وتزايد أهميتها ضمن األولويات الدولية وتطور التشريعات المحلية‬
‫والدولية في هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ -‬أضحى احترام حقوق اإلنسان مؤشرا من مؤشرات تقييم تطور وتقدم الدول‪ ،‬وشرعية‬
‫ومشروعية األنظمة السياسية‪.‬‬
‫‪-‬خطورة االنتهاكات التي تطال حقوق اإلنسان على السلم واألمن الدوليين‪ ،‬وتأثيرها على‬
‫االستقرار الدولي‪ ،‬وتزايد التدخالت الدولية في إطار األمم المتحدة لحماية حقوق اإلنسان في‬
‫مناطق مختلفة‪ ،‬مثلما حدث مع العراق والصومال في التسعينات القرن الماضي‪.‬‬
‫وتتعدد االتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية‪ ،‬التي تعنى بحماية حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫فعالوة على ميثاق األمم المتحدة واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬هناك العهد الدولي الخاص‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية ‪ ،1966‬والعهد الدولي بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪،‬‬
‫واتفاقية مناهضة التعذيب ‪ 1987‬واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ‪،1981‬‬
‫بما فيه اتفاقية حقوق الطفل ‪.1989‬‬
‫‪22‬‬

‫‪-2‬القانون الدولي اإلنساني‪:‬‬

‫يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة بحماية األشخاص المتضررين أثناء النزاعات المسلحة‬
‫الدولية من األضرار التي تلحق بممتلكاتهم العقارية والمنقولة‪ ،‬والتي ليس لها عالقة مباشرة‬
‫بالعمليات العسكرية‪ ،‬كما يحمي هذا القانون األشخاص الذين ال يشاركون في المعارك‪ ،‬وتحديد‬
‫وسائل وطرق الحرب‪ ،‬وهو بذلك يهدف إلى التخفيف من ويالت الحروب‪.‬‬

‫يسعى هذا القانون إلى وضع حد للمعاناة التي يتعرض لها األشخاص خالل فترات‬
‫الحروب والنزاعات المسلحة‪ ،‬واستحضار األبعاد اإلنسانية في التعاطي معهم‪ ،‬سواء على‬
‫مستوى ضبط األسلحة المستخدمة وحماية األفراد والمنشآت المدنية والحد من الجرائم التي‬
‫يمكن أن تتعرض لها فئات المقاتلين‪.‬‬
‫وقد شهد هذ ا الفرع الحديث من القانون الدولي العام‪ ،‬تطورا كبيرا في العصر الحالي‪،‬‬
‫ونظرا الرتباطه بالنزاعات والحروب العسكرية‪ ،‬فإن مرتكزاته تمتد إلى حضارات وأنظمة‬
‫وتشريعات إنسانية قديمة‪ ،‬ومن بينها النظام القانوني اإلسالمي‪.‬‬
‫وتشكل اتفاقيات جنيف واتفاقيات الهاي األساس الذي تقوم عليه مبادئ القانون الدولي‬
‫اإلنساني في صورته الحديثة‪ ،‬فهي التي تشكل اإلطار القانوني لهذا الفرع القانوني‪.1‬‬
‫فقد جاءت اتفاقيات الهاي لعامي ‪ 1899‬و‪ 1907‬لتنظيم سير العمليات العسكرية ومنع‬
‫استخدام بعض األسلحة البالغة الخطورة‪ ،‬فيما جاءت اتفاقية جنيف لعام ‪ 1949‬والمكملة‬
‫ببروتوكول عام ‪ 1977‬و‪ 2005‬لحماية ضحايا الحرب من أسرى وجرحى ومرضى‪.2‬‬
‫وعموما تستهدف اتفاقيات القانون الدولي اإلنساني حماية المدنيين ضحايا النزاعات‬
‫المسلحة والحروب وحماية المقاتلين كذلك الذين كفوا عن القتال‪ ،‬وتنظيم سير العمليات‬

‫‪ - 1‬خالد الحمدوني ‪ ،‬اآلليات الوطنية والدولية لتطبيق القانون الدولي اإلنساني ‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه الوطنية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪.2014 ،‬‬

‫‪- 2‬السعدية بنهاشم الحروني‪ ،‬تعريف القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬أصوله ومصادره‪ ،‬في القانون الدولي اإلنساني أصوله‪ ،‬أحكامه‬
‫وتطبيقاته‪ ،‬منشورات جمعية نشر ال معلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الدراسات واألبحاث‪ ،‬العدد ‪-3‬دجنبر ‪2007‬م‪ ،‬ص ‪:‬ط‬
‫‪.15-29‬‬
‫‪23‬‬

‫العسكرية‪ ،‬كما اعترفت للهيئة الدولية للصليب األحمر بوظيفة تنفيذ مقتضيات القانون الدولي‬
‫اإلنساني الذي تعتبر كل مخالفة ألحكامه جريمة دولية‪.‬‬
‫‪-3‬القانون الدولي للتنمية‪:‬‬

‫يضم هذا الفرع القواعد القانونية التي تعنى بتوحيد الجهود الدولية من أجل تحقيق قدر‬
‫مناسب من التوازن في معدالت النمو فيما ما بين الدول المختلفة ومحاولة تصحيح االختالل في‬
‫التوازن في إطار العالقا ت االقتصادية الدولية المعاصرة لصالح خدمة قضايا اإلنسانية‪.‬‬

‫‪-4‬القانون الدولي للبيئة‪:‬‬

‫يضم هذا القانون القواعد القانونية التي تعنى بحماية البيئة والمحافظة على مواردها‬
‫السيما األنواع النادرة منها‪ ،‬حيث يعتبر هذا الفرع من أهم مظاهر التجديد في القانون الدولي‬
‫المعاصر‪ ،‬لكون قضايا البيئة لم تكن محصورة في نطاق القوانين والتشريعات الوطنية‪ ،‬بل‬
‫أضحى لل قانون الدولي دور فعال فيها‪ ،‬ولعل المؤتمرات والندوات واالتفاقيات الدولية العديدة‬
‫التي انعقدت أو أبرمت خالل العقود الماضية تعكس مدى عناية القانون الدولي بالبيئة‪ ،‬كما‬
‫تتجلى مظاهر التجديد أيضا في تطوير قانون المسؤولية الدولية‪ ،‬ومنها المسؤولية عن المخاطر‬
‫وعدم ا شتراط أن يكون الفعل المتسبب في حدوث الضرر عمال غير مشروع بالضرورة‪ ،‬إن‬
‫القانون الدولي للبيئة يهتم بكل ما من شأنه أن يضمن الحماية الالزمة للبيئة من مختلف المخاطر‬
‫التي تتجاوز حدود الدول بالنظر إلى تطور الصناعات وما يرافقها من ملوثات‪ .1‬ومع ذلك ال‬
‫يزال هذا النوع بحاجة إلى صياغة قواعد إضافية بإيجاد آليات جديدة لمواجهة المخاطر البيئية‬
‫الجدية السيما في مجالي تحمل األعباء والتمويل‪.‬‬

‫‪-5‬القانون الدولي لالجئين‪:‬‬

‫‪- 1‬الهدف من القانون الدولي للهيئة أ) هو حماية المح يط الجوي من التلوث‪ .‬ب) حماية النباتات والغابات والحيوانات البرية‪.‬‬
‫ج)‪-‬حماية مياه وثروات األنهار الدولية‪ ،‬ت) منع تلوث المياه البحرية وتوفير الحماية واالستخدام المعمول للثروات واألحياء‬
‫البحرية‪ .‬د) حماية المخلوقات النادرة وحماية البيئة المحيطة من التلوث الذري وغيرها‪ ...‬أنظر‪ :‬أنيسة اكحل العيون‪ ،‬األمن‬
‫على اختالف أبعاده‪ ،‬الغدائي‪ -‬البيئي‪ -‬اإلنساني‪ ،‬أفريقيا للشرق ‪.2012‬‬
‫‪24‬‬

‫يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد ذات الصلة بتحديد المركز القانوني لالجئ من حيث‬
‫تعريفه‪ ،‬والشروط الواجب توافره ا فيه لالعتراف له دوليا بهذا الوصف‪ ،‬والحقوق التي تتمتع‬
‫بها وااللتزامات التي تترتب عليها إزاء دولة الملجأ ومسؤوليتها في التقيد بأحكام هذا القانون‪،‬‬
‫ويجد أساسه خاصة في اتفاقية األمم المتحدة لالجئين عام ‪ 1951‬وبروتوكولها الملحق عام‬
‫‪ 1967‬وعدد كبير من القرارات ذات صلة‪.‬‬

‫‪-6‬القانون الدولي للحدود‪:‬‬

‫يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة برسم الحدود‪ ،‬وتخطيطها عمليا سواء كانت برية أم‬
‫بحرية‪ ،‬والتي منها تعيين الجرف القاري للمنطقة االقتصادية الخالصة‪ ،‬وتتمثل مرجعية هذا‬
‫القانون في االتفاقيات الدولية للدول المتجاورة حول الحدود‪ ،‬وقرارات المنظمات الدولية‪ ،‬وأحكام‬
‫القضاء الدولي إليجاد وسائل حل المنازعات التي تثار بين الدول بشأن الحدود الوطنية لكل‬
‫منها‪ ،‬وحرمة األراضي الوطنية للدول‪.‬‬

‫‪-7‬القانون الدولي للبحار‪:‬‬

‫يضم هذا الفرع القواعد التي تحدد المساحات البحرية للدول (مياه داخلية‪ ،‬بحر إقليمي‪،‬‬
‫م نطقة متاخمة‪ ،‬منطقة اقتصادية خالصة‪ ،‬البحر العالي‪ ،‬الجرف القاري ومنطقة التراث المشترك‬
‫لإلنسانية)‪ ،‬وكذا القواعد الناظمة لالستغالل المشترك لثروات البحار ومواردها الحية وغير‬
‫الحية سواء في الماء أو تحت القاع‪ ،‬ويجد أساسه على الخصوص في اتفاقية جنيف عام ‪،1958‬‬
‫اتفاق ية األمم المتحدة لقانون البحار عام ‪ ،1982‬وأحكام محكمة العدل الدولية (قضية مضيق‬
‫كورفو عام ‪.)1949‬‬

‫‪-8‬القانون الدولي اإلداري‪:‬‬

‫يعنى هذا الفرع بحماية الموظفين الدوليين في مواجهة المنظمات الدولية التي يتبعونها‬
‫في إطار الرابطة الوظيفية‪ ،‬حيث يعنى ببيان مراكزهم القانونية (حقوقهم وواجباتهم واالمتيازات‬
‫‪25‬‬

‫والحصانات التي يتمتعون بها)‪ ،‬ويجد أساسه على الخصوص في أحكام المحكمة اإلدارية لألمم‬
‫المتحدة‪.‬‬

‫‪-9‬القانون الدولي للفضاء الخارجي‪:‬‬

‫ظهر هذا القانون إثر التنافس الكبير في رحالت غزو الفضاء بين اإلتحاد السوفياتي‬
‫سابقا والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬مما دفع باألمم المتحدة إلى وضع قواعد قانونية لتنظيم‬
‫استعمال الفضاء الخارجي عن طريق جملة من القرارات كالقرار المتعلق باستعمال الفضاء‬
‫الخارجي لألغراض السلميةعام ‪ ، 1957‬والقرار المتعلق بالمبادئ المتعين إتباعها في استعمال‬
‫الفضاء الخارجي عام ‪ ،1961‬إلى أن تم اعتماد اتفاقية عام ‪ 1967‬المتعلقة بتنظيم نشاط الدول‬
‫في استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر و األجرام السماوية األخرى‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التطور التاريخي للقانون الدولي العام‬


‫إ ن الوقوف على تاريخ القانون الدولي العام ضرورة ملحة وواجب علمي‪ ،‬ألن ارتقاءه‬
‫في الحاضر إنما ينبني على كيفية تكونه ونموه وتطوره في الماضي‪.‬‬
‫ولم يظهر تنظيم للعالقات الدولية إال بعد القرن السابع عشر أي بعد معاهدة وستفاليا سنة‬
‫‪ 1648‬ولكن يجب أال يؤخذ هذا القول على إطالقه‪ ،‬فلم يكن المجتمع الدولي خاليا من التنظيم‬
‫قبل الق رن السابع عشر‪ ،‬فقد ساهمت الجماعات المتحضرة على امتداد التاريخ اإلنساني في‬
‫تكوين قواعد القانون الدولي‪ ،‬لذلك يمكننا القول بان تطور القانون مستمر منذ ظهور التجمعات‬
‫اإلنسانية وصاحب نموها وتطورها إلى جماعات سياسية‪.‬‬
‫ويتوجب على الطالب معرفة مراحل تطور القانون الدولي العام من خالل أربع مراحل‬
‫تاريخية وهي العصور القديمة‪ ،‬والوسطى والحديثة‪ ،‬وعصر التنظيم الدولي المعاصر‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القانون الدولي في العصور القديمة‬


‫كشفت الدراسات والوثائق القديمة عن وجود عالقات ومالمح بدائية لبعض قواعد القانون‬
‫الدولي في تلك المجتمعات‪ ،‬ففي العهود الغابرة كان يحكم تلك المجتمعات والقبائل بعض‬
‫‪26‬‬

‫العالقات العابرة غير المستقرة حيث شهدت تلك المجتمعات قدرا معينا من اإلختالط‪ ،‬عن طريق‬
‫التجارة‪ ،‬وعن طريق الحروب‪ ،‬وعن طريق إرسال الرسل وكذلك بعض معاهدات التحالف‬
‫والصداقة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الجذور األولى للقانون الدولي في العصر القديم‬


‫لم يظهر القانون الدولي إال مع ظهور الدول‪ ،‬ولقد شهدت العصور القديمة صورا متعددة‬
‫للعالقات الدولية منها معاهدات الصلح والتحالف والصداقة وإنهاء الحروب وتسوية الحدود‪،‬‬
‫وتعد المعاهدة التي أبرمها رمسيس الثاني فرعون مصر مع حاتيسار سنة ‪ 1279‬قبل الميالد‪،‬‬
‫والتي حررت باللغة البابلية‪ ،‬من أقدم المعاهدات التي حفظها التاريخ‪ ،‬وفيها تعهد الطرفان بتقديم‬
‫المساعدة المتبادلة ضد األعداء الداخليين‪ ،‬حيث يتعين تسليمهم إلى الطرف الذي ينتمون إليه إذا‬
‫‪1‬‬
‫لجأوا إلى إقليم الطرف اآلخر‪.‬‬
‫كما كان هناك قانون "مانو" الهندي الذي نظم قواعد شن الحروب وإبرام المعاهدات‬
‫والتمثيل الدبلوماسي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العصر اليوناني‪:‬‬


‫من المعلوم أن اليونان القديمة كانت منقسمة إلى مدن مختلفة‪ ،‬وكانت كل مدينة يونانية‬
‫مدينة مستقلة بذاتها وتكون جمهورية بمفردها‪ ،2‬وكانت عالقة المدن اليونانية فيما بينها مبنية‬
‫على اإلستقرار وفكرة المصلحة المشتركة والتعاون وذلك نظرا لوحدة الجنس والدين واللغة‬
‫والثقافة‪ ،‬لذلك كان يتم اللجوء للتحكيم في كل الخالفات فيما بينها‪ ،‬باإلضافة إلى وجود قواعد‬
‫تنظيمية يتم احترامها في عالقتها السلمية والعدا ئية‪ ،‬كقواعد التمثيل الدبلوماسي وقواعد شن‬
‫الحرب‪.‬‬
‫أما عالقة اليونان بغيرهم من الشعوب األخرى‪ ،‬كان يسودها اعتقادهم بتميزهم عن سائر‬
‫البشر‪ ،‬حيث اعتبروا أن كل الشعوب الغريبة عنهم‪ ،‬والتي ال تشاركهم في وحدة العرق والدين‬
‫واللغة من البرابرة‪ ،‬يجب إخضاعها والسيطرة عليها وكانت حروبهم معها طويلة وتتسم بالقسوة‬

‫‪- 1‬صالح عبد البديع شلبي‪ ،‬الوجيز في القانون الدولي‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪- 2‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪27‬‬

‫والبعد عن الرحمة والعدالة‪ ،‬ولكن من جانب آخر قد خضعت هذه العالقات لنوع من التنظيم‬
‫كإعالن الحرب قبل الدخول فيها‪ ،‬وإمكانية تبادل األسرى‪ ،‬واحترام حياة الالجئين إلى المعابد‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬العصر الروماني‪:‬‬


‫ال يختلف الرومان عن اإلغريق‪ ،‬فقد كانوا يعتقدون بتفوقهم على الشعوب األخرى‪،‬‬
‫وبحقهم في السيطرة على ما عداهم من الشعوب‪ ،‬وقد ميزوا بين نوعين من الشعوب‪:‬‬
‫‪ -‬الشعوب التي ترتبط مع روما بمعاهدة لتنظيم العالقات فيما بينها‪ ،‬سواء كانت تلك المعاهدة‬
‫هي مع اهدة صداقة‪ ،‬أو ضيافة أو تحالف‪ ،‬حيث يسري عليها قانون الشعوب‪ ،‬الذي ينظم عالقة‬
‫الرومان بغيرهم من األجانب‪ ،‬والذين يتمتعون بنوع من الحماية‪ ،‬في حالة انتقالهم أو وجودهم‬
‫في روما‪.‬‬
‫‪ -‬الشعوب األخرى التي ال تربطها مع روما أي معاهدة‪ ،‬وهؤالء ال يتمتعون بأي نوع من‬
‫‪.‬‬
‫الحماية‪ ،‬ويحل للرومان قتلهم‪ ،‬أو استعبادهم أو اإلستيالء على أموالهم وممتلكاتهم ونسائهم‪.‬‬
‫ورغم ما امتاز به الرومان من عبقرية في التشريع‪ ،‬إال أن مسائل القانون الدولي لم يكن‬
‫لها نصيب من اهتمام المشرع الروماني نتيجة سياسة السيطرة وفكرة اإلمبراطورية العالمية‬
‫وم ا فيها من تعارض مع قيام قواعد قانونية دولية‪.‬‬
‫خالصة القول أن مسائل القانون الدولي لم تكن واضحة في المجتمعات القديمة‪ ،‬وذلك‬
‫النعدام فكرة المساواة بين الشعوب ولعدم وجود الدولة المستقلة نظرا لتسلط شعب معين على‬
‫باقي الشعوب‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬العصـــر اإلسالمي‪.‬‬


‫في أوائل القرن السابع قام اإلسالم وانتشر دينه انتشارا سريعا واإلسالم عقيدة وعبادة‬
‫وحكم‪ ،‬وهو دين ودولة معا‪ ،‬وهو أول من وضع نظما مطبقة للعالقات الدولية‪ ،‬يفرض فيها‬
‫على دولته واجبات كما يقرر لها حقوقا قائمة على العدالة والفضيلة واإلصالح بين الناس‪،‬‬
‫ولذلك ال يمكن ألي دارس للقانون الدولي أن ينكر أو يتجاهل األثر الكبير للشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫‪ - 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪8‬‬


‫‪28‬‬

‫في إنشاء وتطوير قواعد القانون الدولي‪ ،‬ووضع العديد من أسسه ومبادئه موضع التطبيق‪ ،‬مما‬
‫ال يزال العمل به ساريا في المجتمع الدولي حتى اآلن‪.‬‬
‫وقسم بعض فقهاء اإلسالم العالم إلى دارين دار اإلسالم‪ ،‬ودار الحرب‪ ،1‬أما دار اإلسالم‬
‫فهي األقاليم التي تطبق فيها أحكام اإلسالم ويتمتع جميع من فيها باألمان الذي يتمتع به المسلمون‪،‬‬
‫أما دار الحرب فهي البالد التي لم تدخل في الفتح اإلسالمي‪ ،‬وال تجري فيها أحكام اإلسالم‪،‬‬
‫سواء أكانت بحالة حرب فعلية مع المسلمين‪ ،‬أم ال‪ ،‬أما دار العهد فهي البالد أو األقاليم التي‬
‫دخلت مع الدولة اإلسالمية في معاهدة سالم‪.2‬‬
‫ونظم اإلسالم عالقة الدولة اإلسالمية بغيرها من الدولـ على أساس مبادئ التعايش‬
‫السلمي‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بمساهمة الشريعة اإلسالمية في إنشاء وتطوير قواعد القانون الدولي‪.‬‬
‫يمكن القول أن مساهمة اإلسالم في ذلك مساهمة غنية ومتعددة األوجه‪ ،‬وحسبنا أن نقول هنا إذا‬
‫كان استخدام القوة المسلحة في النزاعات بين الدول هو آفة العالقات الدولية‪ ،‬وأن القوة المسلحة‬
‫هي أكثر ما يهدد حياة اإلنسان وأمن المجتمع الدولي ونظامه وسالمته‪ ،‬فإنه من فضل الشريعة‬
‫اإلسالمية على العالم بأسره أنها حد ث من استعمال القوة‪ ،‬وحظرت العدوان وحرمته‪ ،‬وبينت‬
‫بنصوص واضحة وقاطعة حدود استخدام القوة وشروطها وضوابطها وهو ما تبناه واعترف به‬
‫القانون ا لدولي بعد اإلسالم بقرون‪ ،‬فالعدوان محرم وفقا ألحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واستخدام‬
‫القوة ال يكون إال لرد العدوان والدفاع عن النفس والعقيدة‪ ،‬يقول تعالى في كتابه العزيز‪" :‬وقاتلوا‬
‫في سبيل هللا الذين يقاتلونكم وال تعتدوا‪ ،‬إن هللا ال يحب المعتدين"‪.3‬‬
‫ويحق للمسلمين المستهدفون بالعدوان أن يدافعوا عن أنفسهم لرد العدوان‪ ،‬إذ يقول هللا‬
‫تعالى‪ " :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‪ ،‬واتقوا هللا‪ ،‬واعلموا أن هللا‬

‫‪- 1‬إيناس محمد البهجي و يوسف المصري‪،‬القانون الدولي العام وعالقته بالشريعة االسالمية‪،‬المركز القومي لالصدارات‬
‫القانونية‪،2013،‬ص‪.287‬‬

‫‪- 2‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11-10:‬‬

‫‪- 3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.190 :‬‬


‫‪29‬‬

‫مع المتقين"‪ ،1‬ولعل ذلك ما يسمى اليوم في أدبيات القانون الدولي بحق الدفاع الشرعي عن‬
‫النفس‪ ، 2‬وكذلك من حق المسلمين‪ ،‬بل من واجبهم‪ ،‬استخدام القوة لرد العدوان الذي يقع في‬
‫الدول أو المجتمعات الطاغية في العالم‪ ،‬ويستهدف النيل من حقوق أو كرامة الدول أو المجتمعات‬
‫الضعيفة بصرف النظر عن كون هؤالء المعتدى عليهم من المسلمين أو من غير المسلمين‪،‬‬
‫وهذا ما يأمر به هللا تعالى في القرآن الكريم بقوله "وما لكم ال تقاتلون في سبيل هللا‬
‫والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان"‪.3‬‬
‫لقد كانت مساهمة اإلسالم في تنظيم العالقات الدولية منذ ظهوره إلى اليوم مساهمة‬
‫كبيرة بحيث أرسى هذا األخير نظرية متكاملة الستخدام القوة في العالقات الدولية منذ إعالن‬
‫الحرب إلى نهايتها‪ ،4‬وقد كان لهاته النظرية األثر في الكثير من المبادئ التي تبناها القانون‬
‫الدولي اإلنساني فيما بعد‪ ،5‬كشروط استخدام القوة‪ ،‬وحدودها والضمانات الكفيلة بحماية اإلنسان‬
‫واألعيان المدنية وأسرى الحرب خالل تلك المنازعات‪.‬‬
‫ولم تتوقف مساهمة الشريعة اإلسالمية في نشأة وتطوير قواعد القانون الدولي عند تلك‬
‫الحدود‪ ،‬وإنما كان لإلسالم دور في صياغة نظرية متكاملة للقانون الدولي وأصول العالقات‬
‫الدولية تشمل شتى فروع هذا القانون كحقوق اإلنسان والعالقات الدبلوماسية‪ ،‬كما أنه حث على‬
‫كثير من المبادئ والقيم التي يجب أن تسود بين مختلف شعوب المنتظم الدولي‪ ،‬كالمساواة‬
‫والتعاون اإلنساني‪ ،‬والكرامة والتسامح والعدالة‪ ،‬والوفاء بالعهد‪.6‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القانون الدولي في العصور الوسطى‪:‬‬


‫ظهر في هذا العصر الممالك اإلقطاعية‪ ،‬حيث كان كل أمير إقطاعي يسعى للمحافظة‬
‫على إقطاعه‪ ،‬أو توسعه مما أدى إلى قيام حروب متعاقبة بين األمراء اإلقطاعيين من جهة‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.194 :‬‬


‫‪ - 2‬قاسم أحمد قاسم البرواري‪ ،‬حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي المعاصر‪ ،‬منشأة المعارف‪.2012 ،‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬
‫‪- 4‬علي علي منصور‪ ،‬الشريعة اإلسالمية والقانون الدولي العام‪ ،‬القاهرة‪.1971 ،‬‬
‫‪ - 5‬محمد عزيز شكري‪ ،‬تاريخ القانون الدولي اإلنساني وطبيعته‪ ،‬في دراسات في القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬دار المستقبل‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬
‫‪ - 6‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫أخرى شهد هذا العصر صراعا بين الدولة في مواجهة أمراء اإلقطاع تحقيقا لوحدتها الداخلية‬
‫وتأكيدا لسيادتها انتهى بتغلب الدولة وزوال النظام اإلقطاعي‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ظهر في هذا العصر تسلط الكنيسة وذلك نتيجة إلنتشار الدين المسيحي‬
‫بين الدول األوروبية من جهة‪ ،‬وظهور اإلسالم والخوف من انتشار نفوذه مما يؤدي إلى انتزاع‬
‫السيادة من المسيحية‪.‬‬
‫لم تسمح ظروف هذا العصر أن يتطور القانون الدولي العام‪ ،‬ذلك أن تسلط الكنيسة والبابا‬
‫يتنافى مع وجود دول مستقلة قادرة على تنظيم العالقات فيما بينها‪ ،‬كما أن إسناد العالقات الدولية‬
‫إلى الروابط الدينية دون غيرها كان من شأنه أن تقتصر العالقات على الدول المسيحية دون‬
‫سواها‪ ،‬ولكن تخلص الدولة من سلطان البابا وظهور الحرية الفكرية والعلمية المعروفة بعصر‬
‫النهضة‪ ،‬واكتشاف القارة األمريكية وما أثارته من مسائل دولية جديدة أهمها االستعمار وحرية‬
‫البحار أدى إلى تزايد اإلهتمام بتوجيه القانون الدولي لتنظيمها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬القانون الدولي في العصر الحديث‪.‬‬


‫أدى التطور الذي حدث في القرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى انقسام أوربا إلى‬
‫فريقين‪ ،‬األول ينادي بالوالء للكنيسة والثاني ينادي باإلستقالل عن الكنيسة مما أدى إلى نشوب‬
‫حرب الثالثين عام والتي انتهت بإبرام معاهدة وستفاليا سنة ‪ ،1648‬ونتج عن ذلك ظهور الدول‬
‫التي تتمتع بالسيادة وال تخضع لسلطة أعلى منها‪.‬‬
‫وي رجع الفضل في إرساء أسس القانون الدولي التقليدي إلى معاهدة وستفاليا والتي‬
‫تتلخص أهم مبادئها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬هيأت اجتماع الدول ألول مرة لتشاور حول حل المشاكل فيما بينها على أساس المصلحة‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫‪ -2‬أكدت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعا بغض النظر عن عقائدهم الدينية وزوال‬
‫السلطة البابوبة وثبتت بذلك فكرة سيادة الدولة وعدم وجود رئيس أعلى يسيطر عليها وهي‬
‫الفكرة التي على أساسها بني القانون الدولي التقليدي‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫‪ -3‬تطبيق مبدأ التوازن الدولي للمحافظة على السلم واألمن الدوليين‪ ،‬ومعنى هذا المبدأ أنه إذا‬
‫ما حاولت دولة أن تنمو وتتوسع على حساب غيرها من الدول فإن هذه الدول تتحد لتحول دون‬
‫هذا التوسع محافظة على التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السالم العام السائدة‬
‫بين هذه الدول‪.‬‬
‫‪ -4‬ظهور فكرة المؤتمر األوربي الذي يتألف من مختلف الدول األوربية والتي ينعقد لبحث‬
‫مشاكلها وتنظيم شؤونها‪.‬‬
‫‪ -5‬نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم محل نظام السفارات المؤقتة مما أدى إلى قيام عالقات‬
‫دائمة ومنظمة بين الدول األوربية‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية التي اتفقت الدول عليها في تنظيم عالقاتها‬
‫المتبادلة‪ ،‬فقد قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى تدعيم‬
‫القانون الدولي وترسيخ قواعده بين الدول‪.‬‬
‫نبهت حروب نابليون دول أوربا إلى ضرورة التعاون فيما بينها على السالم‪ ،‬وكان انتهاء‬
‫هذه الحروب فرصة إلجراء تجربة جديدة في محيط العالقات الدولية‪ ،‬وقد تبلورت هذه التجربة‬
‫في عقد معاهدات وسلسلة من المؤتمرات‪ ،‬ومن أهم المؤتمرات األوروبية التي تلت مؤتمر‬
‫وستفاليا وكان لها أكبر األثر في تطور القانون الدولي العام فهي‪:‬‬
‫‪-1‬مؤتمر فيينا‪:‬‬
‫حاول نابليون أن يطبق أفكار الثورة الفرنسية القائمة على المساواة واإلعتراف بحقوق‬
‫اإلنسان فشن حروبه على األنظمة الديكتاتورية مما أدلى إلى زوال دول عديدة وظهور دول‬
‫جديدة‪ ،‬ولكن تبدل الوضع فيما بعد حيث انهزم نابليون مما أدى إلى انعقاد مؤتمر فيينا عام‬
‫‪ 1815‬لتنظيم شؤون العائلة األوربية وإعادة التوازن الدولي وعدم اإلعتراف إال بالملكيات‬
‫الشرعي ة‪ ،‬ونتج عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أبرزها إقرار بعض القواعد الدولية الجديدة‬
‫كالحياد الدائم لبعض الدول ‪ ،‬والقواعد الخاصة بحرية المالحة في األنهار الدولية وقواعد ترتيب‬
‫المبعوثين الدبلوماسيين وتحريم اإلتجار بالرقيق‪.1‬‬

‫‪ - 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.93‬‬


‫‪32‬‬

‫‪-2‬التحالف المقدس‬
‫نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المشتركة في مؤتمر فيينا بضمان تنفيذ قرارته‪ ،‬وقد‬
‫اتفق أعضاء التحالف على تطبيق مبادئ الدين المسيحي في إدارة شؤون الدول الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬ولكن الهدف الحقيقي كان الحفاظ على عروش هذه الدول الكبرى وقمع كل ثورة‬
‫ضدها‪ ،‬وأكدت ذلك معاهدة "إكس ال شبيل" سنة ‪ 1818‬بين إنجلترا وبروسيا والنمسا ثم فرنسا‪،‬‬
‫حيث اتفقت هذه الدول على التدخل المسلح لقمع أي حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوربا‪.1‬‬
‫‪-3‬تصريح مونرو‪.‬‬
‫أصدر هذه التصريح الرئيس األمريكي عام ‪ 1823‬حيث تضمن أن الواليات المتحدة‬
‫األمريكية ال تسمح ألي دولة أوربية بالتدخل في شؤون القارة األمريكية أو احتالل جزء منها‬
‫وذلك ردا على سياسة التدخل التي انتهجتها دول أوربا الخمس الكبرى (روسيا‪-‬بروسيا‪ -‬النمسا‪-‬‬
‫إنكلترا وفرنسا) عندما حا ولت هذه الدول التدخل في شؤون تلك القارة لمساعدة إسبانيا على‬
‫استرداد مستعمراتها في القارة األمريكية‪.2‬‬
‫ولقد كان لهذا التصريح شأن كبير في إرساء مبدأ عدم التدخل في شؤون الداخلية للدول‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬وكان له أثره أيضا في توجيه العالقات الدولية بين القارتين األمريكية‬
‫واألوربية‪.‬‬
‫‪-4‬مؤتمرات السالم بالهاي عام ‪.1907-1899‬‬
‫تضمنت هذه المؤتمرات قواعد فض المنازعات بالطرق السلمية‪ ،‬وإقرار قواعد خاصة‬
‫بقانون الحرب البرية والبحرية وقواعد الحياد‪ ،‬وإن كان طابع المؤتمر األول أوربي صرف فإن‬
‫المؤتمر الثاني ‪ 1907‬غلب عليه الطابع العالمي لمشاركة دول من القارة األمريكية‪.‬‬
‫وال غرو أن لهذه المؤتمرات دورا بارزا في تطوير العالقات الدولية وتطوير القانون‬
‫الدولي بما يتفق مع مصالح الجماعة الدولية‪ ،‬فقد اتجهت مؤتمرات الهاي إلى استحداث نظم‬
‫ثابتة‪ ،‬وتم التوصل إلى إنشاء هيئات يمكن للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات‬

‫‪ - 1‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ - 2‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.95-94‬‬
‫‪33‬‬

‫التي قد تقع بين دولتين أو أكثر كما امتدت جهود المؤتمر إلى إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي‬
‫محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬القانون الدولي في عصر التنظيم الدولي‪.‬‬


‫لم يحقق مؤتمر الهاي السالم العالمي لتنافس الدول الكبرى على استعمار الدول الغنية‬
‫بالثروات والمواد األولية وذلك على إثر التقدم الصناعي مما أدى إلى قيام الحرب العالمية األولى‬
‫عام ‪ 1914‬وبعد انتهاء الحرب اجتمعت الدول في مؤتمر باريس عام ‪ 1919‬الذي انتهى بقيام‬
‫خمس معاهدات صلح فرضت على الدول المنهزمة في الحرب وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا‬
‫والمجر وتركيا‪.1‬‬
‫‪-1‬عصبة األمم‪:‬‬
‫أهم ما نتج عن مؤتمر باريس قيام عصبة األمم كأول منظمة دولية عالمية أعطيت حق‬
‫النظر في المنازعات الدولية التي تهدد السلم‪ ،‬كما أنشئت هيئة قضائية للفصل في المنازعات‬
‫ذات الطابع القانوني وهي المحكمة الدائمة للعدل الدولي‪.‬‬
‫ولقد بد لت عصبة األمم جهودا كبيرة لتوطيد دعائم السلم الدولي ومن ذلك عقد اتفاقيات‬
‫دولية أهمها اتفاقية جنيف عام ‪ ،1928‬ولكن هذه الجهود لم تفلح في وضع حد لظاهرة‬
‫المنازعات الدولية بسبب تمسك الدول بسيادتها وعدم تقبلها لفكرة إشراف المنظمة الدولية على‬
‫شؤونها وتدخلها في حل المنازعات التي تهدد السلم الدولي‪ ،‬واكتفت العصبة بدور المتفرج على‬
‫الحروب التي دارت بين الدول اإلستعمارية وأيضا الحروب المحلية‪ ،‬ولم تفلح في الحيلولة دون‬
‫نشوب الحرب العالمية الثانية التي اندلعت سنة ‪ 1939‬ودارت رحاها بين دول المحور ودول‬
‫الحلفاء‪.‬‬
‫‪-2‬األمم المتحدة‪.‬‬
‫بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اجتمعت الدول من جديد في أبريل ‪ 1945‬في مدينة‬
‫فرانسيسكو نتج عنه قيام منظمة األمم المتحدة التي زودت بكافة السلطات والوسائل التي تضمن‬

‫‪- 1‬فتوح عبد هللا الشاذلي‪ ،‬القانون الدولي الجنائي‪ ،‬أوليات القانون الدولي الجنائي النظرية العامة للجريمة الدولية‪ ،‬اإلسكندرية‬
‫دار المطبوعات الجامعية ‪.2002‬‬
‫‪34‬‬

‫لها أداء مهمتها على أتم وجه ‪ ،‬وبالتالي كانت نوعا ما أقوى من عصبة األمم المتحدة‪ ،‬وقامت‬
‫المنظمة بجهود مكثفة في سبيل تحقيق أهدافها في السالم واألمن الدوليين ولكن نظرا لبعض‬
‫االعتبارات السياسية لم يستطع واضعو الميثاق الحد من مبدأ سيادة الدول األعضاء مما نجم‬
‫عنه منح الدول الخمس الكبرى حق الفيتو‪ ،‬ولهذا فقد تعرضت األمم المتحدة منذ نشأتها لظروف‬
‫صعبة إل ى حد أنها كانت تصاب في بعض األوقات وفي بعض القضايا بالشلل التام‪ ،‬فقد كان‬
‫عليها في ظل ميثاقها وما يحوطه من تناقض أن تعمل على الحد من المنافسات القومية الحادة‬
‫وصراع القوى الكبرى‪ ،‬وبالرغم من تأكيد الميثاق على تحريم استخدام القوة في العالقات‬
‫الدولية وعلى مبد أ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬فإن الدول الكبرى ال تزال تستخدم‬
‫القوة كما أنها تتسابق لزيادة أسلحتها بما فيها األسلحة النووية‪ ،‬ورغم مرور زمن طويل على‬
‫إنشاء المنظمة فإنها لم تحقق المأمول منها ولكن رغم ذلك وجودها ضروريا وذلك لتمسك الدول‬
‫بالتنظيم الدولي وازدياد اإلقبال عليها من قبل دول العالم الثالث‪ ،‬وقد مارست المنظمة ومازالت‬
‫نشاطا متزايدا في كافة المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والقانونية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬طبيعة القانون الدولي العام‬


‫نبحث في هذا اإلطار االختالف الفقهي حول الصفة القانونية لقواعد القانون الدولي العام‪،‬‬
‫واألساس الذي تستمد منه قواعد هذا القانون صفتها اإللزامية‪.‬‬

‫المطلب األول ‪:‬الصفة القانونية لقواعد القانون الدولي‬


‫يرتبط القانون بوجود سلطة تشريعية تتولى وضع القواعد القانونية وتضمن احترامها‬
‫من خالل عنصر الجزاء الواجب التطبيق عند مخالفتها من قبل السلطة القضائية‪ .‬فيما تفتقر‬
‫قواعد القانون الدولي لهذه الدعامات‪ ،‬وهذا هو مناط الجدل حول صفتها القانونية بين منكر‬
‫ومؤيد‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫الفرع األول ‪:‬االتجاه المنكر للصفة القانونية لقواعد القانون‬


‫الدولي‬
‫أنكر أنصار هذا االتجاه ‪( ،‬أمثال أوستن هيجل وأودلف) الصفة القانونية لقواعد القانون‬
‫الدولي العام‪ ،‬وأن القانون الدولي ال يخرج عن كونه مجرد قواعد أخالقية غير ملزمة ال يترتب‬
‫عن مخالفتها أي مسؤولية قا نونية‪ ،‬وذلك انطالقا من انعدام السلطة التشريعية‪ ،‬والجزاء‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي المنظم‪ ،‬وكذا القضاء‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬انعدام السلطة التشريعية‬

‫القانون الدولي ليس بقانون ألنه يفتقر إلى السلطة التشريعية‪ ،‬ألن القاعدة القانونية حسب‬
‫هذا االتجاه ال تنشأ إال في مجتمع منظم مما يتطلب وجود سلطة أو هيئة تضع القانون بإرادتها‪،‬‬
‫وهو ما ال يتوفر في القاعدة الدولية‪ ،‬لذلك يشبه عدد الفقهاء (هوبز‪ ،‬كانط‪ )،‬حالة المجتمع الدولي‬
‫بحالة الطبيعة‪ ، 2‬إذ يرون أن العالقات بين الدول ال تقوم في غياب مشرع دولي إال على القوة‪،‬‬
‫حتى لو افترضنا وجود معاهدا ت بينها‪ ،‬فهي ال تشكل قواعد ثابتة‪ ،‬ألنه يمكن للقوة أن تؤدي‬
‫إلى إنهائها مادامت قواعد هذه المعاهدات من وضع الدول ال من وضع مشرع دولي أعلى منها‪،‬‬
‫ولذلك يعتبر أوستن أن ما يطلق عليه القانون الدولي ليس قانونا بمعنى الكلمة‪ ،‬وإنما هو عبارة‬
‫عن مجرد أخالق دولية أو أفكار ومشاعر سارية بين األمم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬انعدام الجزاء االجتماعي المنظم‬

‫يقترن تعريف القاعدة القانونية في المجتمعات الداخلية بالجزاء باعتباره الضمانة القوية‬
‫لحماية هذه القاعدة من الخرق واالنتهاك‪ ،‬ونظرا للطبيعة الخاصة للمجتمع الدولي على اعتباره‬

‫‪- 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬

‫‪- 2‬أنسام عامر السوداني‪ ،‬فلسفة حقوق اإلنسان‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪36‬‬

‫مجتمعا ال مركزيا‪ ،1‬من حيث غياب سلطة عليا فيه تتولى توقيع الجزاء على مخالفة القاعدة‬
‫ا لقانونية الدولية‪ ،‬فإن هذه القاعدة أساسا تعد غير موجودة‪ ،‬ومادامت كل قواعد القانون الدولي‬
‫من هذا القبيل فال محل للقول بوجود هذا القانون أصال‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬انعدام السلطة القضائية‬

‫ال يعرف نظام المجتمع الدولي نظام السلطات‪ ،‬ويفتقر إلى السلطة القضائية التي يفترض‬
‫أن تطبق قواعد القانون الدولي على جميع الدول‪ ،‬ولهذا أنكر الفقهاء الصفة القانونية لقواعد هذا‬
‫األخير‪ ،‬فحتى وإن افترضنا وجود سلطة قضائية دولية ممثلة في محكمة العدل الدولية‪ ،‬فإن‬
‫اللجوء إليها من أجل التقاضي أمامها يكون اختياريا يخضع إلرادة الدولة‪ ،‬عالوة على افتقاد‬
‫أحكامها لضمانات التنفيذ كتلك التي يجري العمل بها في المحاكم الداخلية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬االتجاه المؤيد للصفة القانونية لقواعد القانون‬


‫الدولي العام‬
‫يؤكد أنصار هذا االتجاه أن قواعد القانون الدولي هي قواعد قانونية بالمعنى الكامل‪ ،‬وأن‬
‫اإلدعاء بـأنها ليست كذلك ليس صحيحا‪ ،‬فالقاعدة القانونية في معناها العام هي تنظيم سلوك‬
‫المخاطبين بأحكامها‪ ،‬وإدراكهم أهمية هذا التنظيم هو الشيء الذي يضفي عليها احتراما بسبب‬
‫شعور المخاطبين بالقوة الملزمة لهذه القاعدة‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يعتقد أنصار هذا االتجاه أنه ال وجود لتالزم بين القاعدة القانونية الدولية‬
‫والشروط الثالثة السابقة‪ ،‬وتفصيل ذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪- Pierre – Marie Dupuy et Yann Kerbrat ,op.cit, p 3-41‬‬


‫‪37‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬وجود القانون الدولي مستقل عن وجود سلطة‬


‫مشرعة له‪.‬‬
‫ينتقد أنصار االتجاه المؤيد للصفة القانونية لقواعد القانون الدولي االتجاه األول‪ ،‬كونه‬
‫خلط بين القانون والتشريع‪ ،‬فقد تنشأ القاعدة القانونية في المجتمعات الداخلية على سبيل المثال‬
‫عرفا‪ ،‬والنموذج هو القانون اإلنجليزي‪ ،‬وعليه فعملية التدوين أو الصياغة الرسمية أو التشريع‬
‫عموما ليست إال إجر اء الحقا على وجود القاعدة القانونية‪ ،‬وإقرارا لها بالصالحية واالستمرار‪.‬‬

‫وألن قواعد القانون الدولي هي عرفية باألساس‪ ،‬فهو قانون بمعنى الكلمة‪ ،‬وإن أنكرنا‬
‫ذلك فيجب معه أن ننكر الصفة القانونية للقانون اإلنجليزي وكل القوانين الداخلية ذات المصدر‬
‫العرفي‪ ،‬وهذا غير ممكن‪ .‬ومع كل هذا فقد بدأت الدول منذ القرن الماضي في تدوين الكثير من‬
‫القواعد الدولية التي استقر العمل بمقتضاها عن طريق النص عليها في االتفاقيات الدولية‬
‫الكبرى‪ ،‬فهذه االتفاقيات الدولية تقابل التشريع في القانون الداخلي‪ ،‬فالدول حين تدخل في مثل‬
‫هذه االتفاقيات تصبح ملزمة بما فيها من أحكام عمال بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬وجود القانون الدولي غير مرتبط بالجزاء‪.‬‬

‫يعتقد البعض بأن السبب الحقيقي في االنصياع للقانون يعود إلى الخوف من لجوء سلطة‬
‫عليا إلى استعمال القوة‪ ،‬وبالنظر لعدم وجود مثل هذه السلطة العليا في المجال الدولي فإنه ال‬
‫يمكن التسليم أن القانون الدولي قانونا ملزما‪ ،‬إال أن هذا الرأي غير سليم‪ ،‬فالجزاء وإن كان‬
‫يحمي القاعدة القانونية لحد ما من العبث بها إال أنه ليس شرطا لوجودها‪ ،‬فالقاعدة توجد نتيجة‬
‫حاجة اجتماعية تدفعها للوجود وهي توجد ولو لم يصا حبها جزاء أو كان الجزاء الذي يحميها‬
‫ضعيفا‪ ،‬دون أن يؤثر ذلك في صفتها القانونية‪ ،‬وبالتالي فإن انعدام الجزاء أو ضعفه ليس عيب‬
‫القاعدة القانونية ذاتها‪ ،‬وإنما هو عيب النظام االجتماعي الذي يطبق فيه‪.‬‬

‫‪- 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39-38 :‬‬
‫‪38‬‬

‫ومع ذلك فإن القانون الدولي العام ال يخلو من الجزاءات وهي على عدة صور ‪:‬‬

‫احتجاجات الرأي العام العالمي‪ ،‬ممارسة الضغوط األدبية‪ ،‬التدابير السياسية أو‬
‫االقتصادية واستخدام القوة العسكرية في بعض الحاالت‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬القانون الدولي مستقل عن القضاء‬

‫يؤكد هذا االتجاه أن انعدام القضاء ال يؤثر في وجود القانون ألن مهمة القاضي أساسا‬
‫تنحصر في تطبيق القوانين ال خلقها‪ ،‬وأن ظهور القواعد القانونية سبق في المجتمع ظهور‬
‫القضاء‪ ،‬ومهما يكن من أمر فالقانون الدولي رغم ذلك ال يخلو كلية من اقترانه بالقضاء‪ ،‬فهناك‬
‫هيئات التحكيم الدولي‪ ،‬و محكمة التحكيم الدائمة المنشأة بمقتضى اتفاقيات الهاي لعام ‪،1889‬‬
‫والمحكمة الدائمة للعدل الدولي عام ‪ ،1920‬والمحكمة الحالية‪ ،‬محكمة العدل الدولية المنشأة‬
‫سنة ‪ ،1945‬فضال عن المحاكم اإلقليمية مثل محكمة العدل األوروبية‪ ،‬المحاكم اإلقليمية لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬األوروبية‪ -‬األمريكية‪ -‬اإلفريقية‪ ،-‬المحاكم الجنائية الدولية‪ ،‬محكمة نورمبرغ‪ -‬طوكيو‪-‬‬
‫يوغسالفيا‪ -‬رواندا‪ ،‬وأخيرا المحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪.2‬‬

‫وبناءا على ذلك‪ ،‬فإن القانون الدولي موجود والخالف أكاديمي‪ ،‬حيث تعترف حكومات‬
‫جميع الدول بوجوده وإلزاميته‪ ،‬فقد أعلن عن ذلك في كافة المواثيق الرسمية بشكل صريح من‬
‫معاهدات مشتركة وثنائية واتفاقيات جماعية‪ ،‬وبل وأشارت إليها الكثير من الحكومات في‬
‫دساتيرها الخاصة التي تعلي من شأن القانون الدولي‪ ،‬وتجعل له األسبقية على قوانينها الداخلية‪،‬‬
‫مما نشأ عنه مبدأ قانوني‪ ،‬وهو سمو القانون الدولي على القوانين الداخلية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أساس اإللزام في القانون الدولي العام‬

‫‪ - 1‬عبد الكريم علوان خضير ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42-41-40 :‬‬

‫‪ - 2‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39-38 :‬‬


‫‪39‬‬

‫في هذا المبحث نريد أن نتبين األساس الذي تستمد منه قواعد القانون الدولي صفتها‬
‫اإللزامية‪ ،‬بعبارة أخرى من أين تستمد قواعد هذا القانون صفتها اإللزامية‪.‬‬
‫إن للفقهاء في تحديد هذا األساس مذهبين‪ :‬المذهب اإلرادي‪ ،‬والمذهب الوضعي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المذهب اإلرادي‬


‫ينطلق هذا األساس من فكرة أساسية وهي أن إرادة الدولة هي األساس الذي يستند إليه‬
‫القانون الدولي‪ ،‬فالدول ال تلتزم إال برضاها‪ ،‬وإن خير الجماعة الدولية يتطلب التضحية ببعض‬
‫المصالح الشخصية للدول‪.‬‬
‫وقد انقسم أنصار المذهب اإلرادي في تطبيق فكر اإلرادة إلى اتجاهين‪ :‬أحدهما يستند‬
‫إلى إرادة كل دولة على حدة واآلخر يستند إلى إرادات الدول مجتمعة‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬نظرية اإلرادة المنفردة‬


‫جاء بها الفقيه األلماني ايهربخ‪ ،‬وتقضي بان القاعدة القانونية الدولية تستمد قوتها‬
‫اإللزامية من إرادة الدول منفردة‪ ،‬فالدولة سيدة في تصرفاتها وال تقيد إرادتها أية سلطة خارجية‬
‫وإنما الدولة ذاتها تقيد إرادتها من خالل الدخول في عالقات مع الدول األخرى‪ .1‬ويؤخذ على‬
‫هذه النظرية مالحظتين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬تنافي هذه النظرية المنطق ألن مهمة القانون وضع الحدود على اإلرادات فكيف يستمد القانون‬
‫صفته الملزمة من إرادة المخاطبين بأحكامه‪.‬‬
‫‪ -2‬بما أن الدولة تلتزم بالقانون بإرادتها فهي تستطيع التحلل من ذلك بإرادتها أيضا وفي ذلك‬
‫انهيار للصفة اإللزامية للقانون الدولي العام‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نظرية اإلرادة المشتركة‪:‬‬

‫‪- 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪40‬‬

‫دعا إليها الفقيه األلماني تريب ل‪ ،‬ومفادها أن القانون الدولي العام نشأ نتيجة توافق إرادة‬
‫الدول على ذلك وبالتالي يستمد صفته اإللزامية من إرادة جماعية مشتركة تفوق في السلطة‬
‫اإلرادة الخاصة أو المنفردة للدولة‪ .‬وما يعاب على هذه النظرية هو اعتمادها على فرضية‬
‫اجتماع إرادات الدول أوال لقبول االل تزام بالقانون الدولي وما دام األمر رهين باجتماع إرادة‬
‫الدول على االلتزام بقواعد القانون الدولي‪ ،‬فإنه ال مانع من إمكانية اجتماع إرادات الدول مرة‬
‫أخرى على التحلل من اإللزام القانوني لقواعد القانون الدولي‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المذهب الموضوعي‬


‫يبحث هذا المذهب على أساس اإللزام خارج إرادة الدول ويرى أنصاره بأن التقيد بقاعدة‬
‫ينتج عن عوامل خارجية مستقلة عن إرادة األشخاص الخاضعين لها‪ ،‬ورغم اتفاق أنصار هذه‬
‫النظرية على ذلك إال أنهم اختلفوا حول تحديد العوامل الخارجية المنتجة للقواعد القانونية إلى‬
‫نظرتين‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬نظرية تدرج القواعد القانونية‪:‬‬


‫هذه النظرية يدافع عنها الفقيه النمساوي "كلسن"‪ ،‬وتقضي بأن القواعد القانونية تستند‬
‫وتخضع لقواعد تسمو عليها وهكذا حتى نصل في التسلسل إلى قمة القواعد وهي قاعدة (قدسية‬
‫الوفاء بالعهد أو العقد شريعة المتعاقدين)‪.‬‬
‫هذه النظرية تنتقد لسببين‪:‬‬
‫‪-1‬أنها تقوم على الخيال واالفتراض ألن القاعدة األساسية هي مفترضة ولم تفصح المدرسة‬
‫النمساوية عن مصدرها وال عن قوتها اإللزامية أو سبب وجودها‪.‬‬
‫‪-2‬إ ذا سلمنا بوجود القاعدة األساسية فالبد أن تستند هي األخرى إلى قاعدة أعلى منها وهو ما‬
‫لم يقدمه أنصار هذا المذهب‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النظرية االجتماعية‬

‫‪ - 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.50-40‬‬


‫‪41‬‬

‫جاء بها الفقيه الفرنسي دوركهايم وتبعه روجي وتتلخص أفكارها في أن أساس كل قانون‬
‫هو الحدث اإلجتماعي الذي يفرض نفسه على كل جماعة ويتحول إلى قاعدة قانونية من ذاع‬
‫الشعور بوجودها‪ .‬وتكتسب القاعدة صفة اإللزام من ضرورة خضوع أعضاء الجماعة لها من‬
‫أجل المحافظة على بقائهم‪ ،‬وقد استخفت هذه النظرية بمفهوم الدولة وسيادتها وأنكر دورها في‬
‫وضع القوانين‪ ،‬وكذلك افترض هذا المذهب تلقائية نشأة القاعدة القانونية وتجاهل أهمية الجزاء‬
‫في القواعد القانونية‪.1‬‬
‫يمكن القول أن القانون وليد الحاجة االجتماعية‪ ،‬والقانون الدولي ال يشذ عن هذه القواعد‪،‬‬
‫فالموافقة المشتركة التي أملتها ضرورة العيش في مجتمع منظم هي السبب األول لالنصياع‬
‫للقانون ‪ ،‬فال يمكن تصور الحياة االجتماعية بدون تنظيم فالرضا هو الذي أنتج اإللزام‪.‬‬
‫ومن جانب آخر هناك مصلحة مشتركة بين الدول في قبول حد أدنى من التنظيم للمحافظة على‬
‫الذ ات ‪ ،‬وهذا الشعور هو الذي يولد اإللزام‪ ،‬والدليل على ذلك أنه حتى الدول الكبرى ال تجرؤ‬
‫على التصريح بمخالفة أحكام القانون الدولي –وإن خالفته أحيانا – علما أنها تعلم أنه ليس هناك‬
‫من يهددها بتوقيع الجزاء ‪ ،‬وبالتالي فإن الموافقة الجماعية أو القيد الذاتي الزال يمثل األساس‬
‫الجوهري في االلتزام بأحكام القاعدة القانونية الدولية‪.‬‬
‫يتبين أن هناك خالف كبير بين الفقهاء حول أساس اإللزام في القانون الدولي‪ ،‬لكن الرأي‬
‫الراجح يميل إلى المذهب اإلرادي والذي يستند إلى رضاء الدول عامة صراحة أو ضمنا‬
‫بالخضوع للقانون الدولي وهذا ما أبدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي‪ ،‬لكن وجود بعض القواعد‬
‫التي لم توافق عليها الدول أو تسهم في إنشائها يجعل من الصعب الحديث عن إرادة مفترضة‬
‫للدول مما يضعف األساس الذي يستند إليه القانون الدولي ويؤدي إلى التشكيك في وجوده‪ ،‬وأيا‬
‫كان الرأي فإن موضوع اإللزام في القانون الدولي يخرج من إطار القانون الوضعي ليدخل في‬
‫دائرة الحاجة إلى وجود قواعد تنظم عالقات الشعوب بين بعضها‪.‬‬

‫‪ - 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28-27‬‬


‫‪42‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬عالقة القانون الدولي بالقانون‬


‫الداخلي‪.‬‬
‫هل توجد عالقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي؟ وإن كان الجواب على هذا السؤال‬
‫باإليجاب فما هي اآلثار المترتبة على مثل هذه العالقة؟‬
‫لقد أدى تطور العالقات الدولية وتشعبها إلى ارتباط الدول فيما بينها بعدد كبير من‬
‫المعاهدات والمواثيق المنشئة للمنظمات الدولية‪ ،‬ومن المالحظ أن هذه المعاهدات والمواثيق قد‬
‫تحتوي على قواعد قانونية تخالف القواعد المطبقة في األنظمة القانونية الداخلية للدولة المشتركة‬
‫فيها‪ ،‬وكل ذلك يؤدي إلى ضرورة االهتمام بالبحث في العالقة المقررة في القانون الدولي وبين‬
‫قواعد القانون الوطني‪.‬‬
‫الفقهاء الذين تصدوا لبحث هذه العالقة قد انقسموا إلى مذهبين؛ األول يعرف بمذهب‬
‫ثنائية القانون والثاني يعرف بمذهب وحدة القانون‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مذهب ثنائية القانون‬


‫يعتبر هذا المذهب امتدادا للنظريات الوضعية اإلراد ية‪ ،‬ويرى أنصاره أن قواعد القانون‬
‫الدولي ال تطبق داخل نطاق الدولة‪ ،‬إال إذا كانت في شكل تشريع داخلي‪ ،‬ويرتكز مذهب الثنائية‬
‫على كون القانونين الدولي والوطني يمثالن نظاما قانونيا مستقال "يتالمسان ولكن ال يتقاطعان‬
‫أبدا"‪ .‬أي أن القانون الدولي والقانون الداخلي هما نظامان قانونيان متساويان مستقالن ومنفصالن‬
‫وال يندمجان أبدا"‪.1‬‬
‫ويبرز أنصار هذا االتجاه االختالف القائم بين القانونين على ثالث مستويات‪.‬‬

‫على مستوى المصادر‪.‬‬

‫‪- 1‬خانزاد أحمد عبد‪ ،‬القانون الدستوري الدولي‪ ،‬دارسة في التأثيرات المتبادلة ما بين قواعد القانون الدستوري وقواعد‬
‫القانون الدولي‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،2011 ،‬ص‪.92-91-90 :‬‬
‫‪43‬‬

‫هناك اختالف في مصادر كل من القانونين‪ ،‬فالقانون الداخلي ينشأ باإلرادة المنفردة‬


‫للدولة‪ ،‬في الوقت الذي يستند فيه القانون الدولي على إجماع الدول (موافقة الدول) عن طريق‬
‫المعاهدات‪.1‬‬
‫على مستوى األشخاص المخاطبين بالقاعدة القانونية‪.‬‬
‫القانون الداخلي يخاطب األشخا ص القانونية والطبيعية داخل الدولة‪ ،‬أما القانون الدولي‬
‫موجه عموما إلى الدول‪ ،‬وكذلك إلى غيرها من أشخاص القانون الدولي‪.2‬‬
‫على مستوى البناء القانوني لكل من القانونين‪:‬‬
‫يتضمن القانون الداخلي سلطات وأجهزة مختلفة‪ ،‬تتولى مهمة التشريع وإنفاذ القوانين‪،‬‬
‫وتطبيق الع قوبات‪ ،‬في حين تكاد ال توجد سلطة دولية تشريعية أو تنفيذية موحدة على صعيد‬
‫القانون الدولي‪ ،‬كما أن اللجوء إلى القضاء الدولي يتوقف على رضا األطراف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مذهب وحدة القانون‬


‫يرى أنصار هذا المذهب‪ ،‬أن قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الوطني كتلة‬
‫قانونية واحدة‪ ،‬وال تقبل التجزئة‪ ،‬لكن حصل خالف بين الفقهاء حول القانون الذي له السيادة‬
‫في حالة التعارض‪ ،‬وقد نشأ عن ذلك اتجاهين‪:‬‬
‫اتجاه سيادة القانون الوطني‪.‬‬
‫هذا االتجاه يقر بالوحدة مع إعطاء العلوية للقانون الداخلي‪ ،‬فالقاعدة األساسية العامة التي‬
‫تعد أساس القانون كله مثبتة في القانون الوطني وتحديدا في دستور الدولة‪ ،‬فالدولة تتمتع بالسيادة‬
‫وال تخضع لسلطة أعلى منها‪ ،‬ذلك فإن القانون الداخلي أساس االلتزام بأي قاعدة قانونية دولية‬
‫كانت أم داخلية‪ ،‬وهو القانون المختص ببيان الشروط والواجبات التي يجب على الدولة استيفاؤها‬

‫‪1‬‬‫‪- Heinrich Triepel, droit international et droit interne, Edition Panthéon ASSAS, Paris, 2010, p‬‬
‫‪27.‬‬

‫‪- 2‬نعيمة بن يحيى‪ ،‬الممارسة االتفاقية لحماية حقوق اإلنسان بالمغرب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة‬
‫نموذجا‪ ،‬مركز الدراسات حول مساواة النوع والسياسات العمومية‪ ،2017 ،‬ص‪.20-19 :‬‬
‫‪44‬‬

‫عند عقد االتفاقيات الدولية ويترتب على ذلك أن ترتبط به سائر فروع القانون الدولي العام‬
‫برباط التبعية‪ ،‬وتكون األولوية للدستور على المعاهدات الدولية‪.‬‬
‫لكن هذا االتجاه المبني على السيادة المطلقة ال يمكن األخذ به نظرا للعديد من التعقيدات‬
‫المفروضة اليوم على السيادة باسم الحريات العامة وحقوق اإلنسان‪.1‬‬
‫اتجاه سيادة القانون الدولي‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا االتجاه سيادة القانون الدولي‪ ،‬ألن القاعدة األساسية للنظام العام كله‬
‫يحويها ال قانون الدولي‪ ،‬والذي يفوض الدولة بإصدار القوانين الداخلية‪ ،‬ومن جهة أخرى القانون‬
‫الدولي يبين الجماعات التي تتمتع بوصف الدولة‪ ،‬ويرى أنصار هذا االتجاه أن مذهب سيادة‬
‫القانون الوطني يهدم القانون الدولي ويجعله عديم الفائدة‪ ،‬كما أنه ال يساعد على بناء السالم‬
‫العالمي‪ ،2‬كما أنه يؤدي إلى تهرب الدولة من التزاماتها الدولية بحجة معارضتها لقانونها‬
‫الداخلي‪ ،‬وبالتالي يقرر أنصار هذا االتجاه أولوية المعاهدات الدولية وااللتزامات الدولية على‬
‫القانون الداخلي في حالة التعارض‪.‬‬

‫‪ - 1‬الممارسة الدولية أضحت تتجه نحو تقويض المفهوم التقليدي للسيادة بفعل االهتمام ال دولي بقضايا حقوق اإلنسان‪ .‬أنظر خالد‬
‫الحمدوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪35‬‬

‫‪ - 2‬ورد في كتاب ‪-‬خانزاد أحمد عبد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪45‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬أشخاص ومصادر القانون‬


‫الدولي العام‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬أشخاص القانون الدولي العام‪.‬‬


‫الشخص القانوني هو كل فرد أو هيئة تتمتع في ظل نظام قانوني معين بمجموعة من الحقوق‬
‫وااللتزامات‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الشخصية القانونية بأنها تلك العالقة التي تقوم بين نظام قانوني معين وبين‬
‫األشخاص الذين يتمتعون بالحقوق وااللتزامات التي يقررها هذا النظام ويقوم كل نظام قانوني‬
‫بتحديد األشخاص الذين يتوجه إليهم القانون بخطابه‪.‬‬
‫ومن شروط االعتراف بالشخصية القانونية الدولية نجد ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬يجب أن تكون الوحدة قادرة على إنشاء قواعد القانون الدولي بالتراضي مع غيرها من‬
‫الوحدات المماثلة وذلك بتمسكها بحق التعبير عن إرادة ذاتية في مجال العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون الوحدة من المخاطبين بأحكام القانون الدولي بما يرتبه لها هذا القانون من أهلية‬
‫ممارسة بعض الحقوق وااللتزام بالواجبات‪ ،‬كحق إبرام المعاهدات وحق الدفاع الشرعي‪.‬‬
‫إن أشخاص القانون الدولي هم الذين يوجه إليهم خطاب القاعدة القانونية‪ ،‬ويعتبر أنصار‬
‫النظرية التقليدية أن الدولة هي الشخص الوحيد للقانون الدولي‪ ،‬إال أن ظهور المنظمات الدولية‬
‫وممارستها لبعض الحقوق وقيامها بالواجبات على الصعيد الدولي أوجب اإلقرار لها بهذه‬
‫الشخصية الدولية‪ .‬أما الفرد فقد كان مجرد محل لقواعد القانون الدولي وأصبح مخاطبا بقواعده‬
‫‪47‬‬

‫مباشرة‪ ،‬وسوف نقوم بدارسة الدول والمنظمات الدولية والفرد كأشخاص أساسية في القانون‬
‫الدولي‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬الدولة‬


‫مع تعقد ظاهرة الدولة باعتبارها كيان اجتماعي وتاريخي وسياسي وقانوني‪ ،‬تعددت‬
‫التعريفات التي اتصفت بها الدولة‪ ،‬والدولة تشكل عملية تاريخية اجتماعية سياسية وسيكولوجية‬
‫مرتبطة بحياة الشعوب وتطورها‪.‬‬
‫سنتطرق في هذا اإلطار إلى تعريف الدولة وعناصر تكوينها وأنواعها وحقوقها‬
‫وواجباتها‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم الدولة‬


‫تعرف الدولة عموما على أنها مجتمع يتكون من إقليم ومن سكان يخضعون لسلطة‬
‫‪1‬‬
‫سياسية منظمة‬
‫عرفها الدكتور علي صادق أبو هيف بأنها "مجموعة من األفراد يقيمون بصفة دائمة في‬
‫إقليم معين وتسيطر عليهم هيئة حاكمة ذات سيادة‪.2‬‬
‫أما الدكتور عزيز شكري فعرفها بأنها " مؤسسة سياسية وقانونية تقوم حين يقطن‬
‫مجموعة من الناس بصفة دائمة في إقليم معين ويخضعون لسلطة عليا تمارس سيادتها‬
‫عليهم"‪.3‬‬
‫وعرفها الدكتور محمد سعيد الدقـاق بأنها "تجمع بشري يقيم على وجه الدوام بنية‬
‫االستقرار فوق إقليم معين‪ ،‬وتقوم بينهم سلطة سياسية تتولى تنظيم العالقات داخل هذا‬

‫‪1‬‬ ‫‪-Cédric MILHAT , les indispensables du droit international public , ellipses,2016,p 19.‬‬

‫‪ - 2‬ال نتفق مع ما ذهب إليه األستاذ في وصفه لسيطرة الهيئة الحاكمة‪ ،‬فمفهوم الدولة المعاصر ال يتماشى مع الفلسفة الجديدة‬
‫لمفهوم الدولة‪ ،‬إذ لم تعد تلك اآللية التي تسيطر على الشعوب وإنما الدولة هي لخدمة الشعب والسهر على رفاهيته وليس‬
‫للسيطرة عليه‪.‬‬

‫‪ - 3‬كذلك ال نتفق مع تعريف األستاذ في هذا الجانب‪ ،‬إذ أن الدولة لم تعد تمارس السيادة على الشعب‪ ،‬وإنما أضحت ذات‬
‫سيادة مسئولة إن لم تكن في خدمتهم‪ ،‬فأكيد أن الشعوب لن تقبل بهذه السيادة‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫المجتمع‪ ،‬كما تتولى تمثيله في مواجهة اآلخرين‪ ،‬ويمكن تعريف الدولة بأنها جمع من الناس‬
‫يقيمون على سبيل االستقرار في إقليم معين‪ ،‬ويخضعون لسلطة عليا حاكمة ذات سيادة"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مقومات الدولة‬


‫تتكون الدولة من مقومات مادية وأخرى قانونية‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المقومات المادية‬


‫تشكل المقومات المادية األساسية لوجود الدولة في أرض تشكل إقليمها‪ ،‬وشعب يشكل‬
‫مواطنيها والقاطنين فوق ترابها‪ ،‬حكومة تمارس من خاللها سلطتها على من يعيش ضمن‬
‫حدودها‪ ،‬وتمثلها خارجيا‪.‬‬
‫‪-1‬اإلقليم ‪ :‬هو المدى الجغرافي الذي تتعدد فيه ممارسة السلطة السيادية والحصرية للدولة‪،‬‬
‫وهو يتضمن عناصر مختلفة ال تنفصل بعضها عن البعض اآلخر‪ ،‬فعناصر اإلقليم هي‪:‬‬
‫أ‪-‬اإلقليم البري ‪ :‬ويشمل تلك األجزاء من اليابسة وما يتخللها من أنهار وبحيرات وما في باطنه‬
‫وتحت مياهه من ثروات طبيعية أو معدنية‪.‬‬
‫ب‪-‬اإلقليم البحري‪ :‬وهو مساحة مياه البحر العام في حدود (‪ 12‬ميل) وتسمى البحر اإلقليمي‬
‫تبسط عليها الدولة سيادتها وفقا ألحكام القانون الدولي‪.‬‬
‫ج‪-‬اإلقليم الجوي ‪ :‬وهو طبقات الجو التي تعلو اإلقليم البري والبحري‪ ،‬وقد نظمت هذا الجزء‬
‫العديد من االتفاقيات الدولية (المالحة الجوية)‪.‬‬
‫وال يشترط في إقليم الدولة أن يبلغ م ساحة معينة وإن كان اتساع رقعة اإلقليم ما يمنح‬
‫للدولة قوة‪ ،‬نظرا للدور اإلستراتيجي لإلقليم في العالقات الدولية‪ ،1‬ولكن ضيق المساحة ال يؤثر‬
‫على وجود الدولة وتمتعها بالشخصية الدولية إذا ما توفرت لها المقومات األخرى من سكان‬
‫وسيادة‪.‬‬

‫‪- 1‬حسنة كجي‪ ،‬العالقات الدولية األسس المفاهيمية والفكرية الفاعلون والتفاعالت‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2019‬‬
‫‪49‬‬

‫‪-2‬الشعب ‪ :‬هو مجموعة من األفراد المكونين للدولة من الجنسين معا‪ ،‬والمتواجدين على إقليم‬
‫الدولة أو خارجه وبصرف النظر عن عددهم وال يشترط عددا معينا لألفراد؛ بحيث ال يوجد‬
‫فرق بين الدول كثيرة العدد والدولة قليلة العدد‪ ،‬من حيث المركز القانوني الدولي وما يتصل به‬
‫من حقوق وواجبات‪ ،‬وهذه المجموعة التي تشكل شعب الدولة تجمع بينهم رابطة والء األفراد‬
‫للهيئة الحاكمة في الدولة‪ ،‬وخضوعهم للقوانين مقابل تمتعهم بحمايتها بصرف النظر عن أصلهم‬
‫أو لغتهم أو ديانتهم أو تقاليدهم‪ ،‬وهذه الرابطة هي رابطة الجنسية‪.‬‬
‫ويضم إقليم الدولة أشخاص ال ينتسبون إليها وال تربطهم بها سوى رابطة اإلقامة على‬
‫هذا اإلقليم‪ ،‬وهو ما يطلق عليهم وصف األجانب‪ ،‬ويتمتعون بحقوق والتزامات تختلف في مداها‬
‫عن تلك التي يتمتع بها المواطنين‪ ،‬كتولي الوظائف العامة وتملك العقارات‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫‪-3‬السلطة الحاكمة ‪ :‬إن السلطة الحاكمة هي التي تؤكد وحدة الشعب المعنوية واالقتصادية‬
‫وتحقق مصالح الشعب وتتولى الدفاع عن كيان اإلقليم داخليا وخارجيا‪ ،‬ويعبر عن السلطة العامة‬
‫في لغة القا نون الدولي بالسيادة‪ ،‬والسيادة هي التي تجعل الدولة تظهر في مواجهة الدول األخرى‬
‫كوحدة متميزة لها شخصية دولية‪ ،‬وال عبرة بالشكل السياسي للسلطة في الدولة مادامت تمثل‬
‫من القوة والتنظيم ما يمكنها من فرض سلطتها على إقليم الدولة فال فرق أن تكون ملكية فردية‬
‫أم ديمقراطية‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المقومات القانونية‪.‬‬


‫ال يكفي للقول بوجود الدولة اجتماع المقومات المادية الثالثة السالفة الذكر‪ ،‬إذ ال بد من‬
‫توافر مقومات قانونية وهي السيادة والشخصية القانونية واالعتراف‪.‬‬

‫‪-1‬السيادة‬

‫‪ - 1‬حسنة كجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬


‫‪50‬‬

‫السيادة هي القدرة على اإلنفراد بإصدار القرار السياسي في داخل الدولة وخارجها‪ ،‬ومن‬
‫ثم القدرة الفعلية على االحتكار الشرعي ألدوات القمع في الداخل وعلى رفض االمتثال ألية‬
‫سلطة تأتيها من الخارج‪ ،‬وللسيادة مظهران‪:‬‬
‫مظهر دا خلي وتعني سلطان الدولة على األشخاص وعلى إقليمها‪ ،‬بحيث ال تستطيع أي دولة‬
‫أخرى أن تعلو عليها في فرض إرادتها على األفراد والهيئات داخل حدودها‪ ،‬أو في تنظيم شؤون‬
‫إقليمها‪ .1‬ومعنى ذلك أن السيادة تمكن الدولة من ممارسة االختصاص أو السلطة بشكل منفرد‬
‫ومستقل وشمولي‪.‬‬
‫أما المظهر الخارجي للسيادة فهو يعني عدم خضوع الدولة ألي وحدة دولية أخرى إال‬
‫بمحض إرادتها‪ ،‬وذلك يعني حرية الدولة في إدارة شؤونها الخارجية وتحديد عالقتها بسائر‬
‫الدول األخرى‪ ،‬وحريتها في التعاقد معها أو حقها في إعالن الحرب أو التزام موقف الحياد‪.‬‬
‫فالسيادة واحدة‪ ،‬بمعنى أن والية الدولة في حدود إقليمها والية انفرادية ومطلقة‪ ،‬فالسيادة‬
‫ال تقبل التجزئة بمعنى أنه ال يمكن تقسيمها في الدولة الواحدة‪ ،‬كما أنها ال تقبل التصرف ألن‬
‫الدولة التي تنازل عن سيادتها تفقد ركنا من أركان قيامها وتنقضي شخصيتها الدولية‪ ،‬كما أنها‬
‫ال تقبل التقادم‪ ،‬فهي ال تكتسب بمجرد مرور الوقت‪ ،‬وال تسقط بالمدة الطويلة‪.‬‬
‫‪-2‬الشخصية القانونية‪.‬‬
‫الشخصية القانونية تعني أهلية الدولة الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات الدولية‬
‫بإرادتها‪ ،‬كما أنها تفيد من ناحية أخرى قدرة الدولة في إرساء قواعد القانون الدولي‪ ،‬عبر إبرام‬
‫المعاهدات الدولية أو االشتراك في خلق األعراف المتواترة‪.‬‬
‫ويعتبر تمتع الدولة بالشخصية القانونية أثرا من آثار السيادة فكل دولة ذات سيادة تعتبر‬
‫شخصا قانونيا دوليا‪ ،‬ولكن العكس غير صحيح‪ ،‬فليس كل شخص دولي يعد متمتعا بالسيادة‪،‬‬
‫فبعض المنظمات الدولية مثال‪ ،‬تتمتع بالشخصية الدولية‪ ،‬دون اكتسابها مع ذلك السيادة‪.2‬‬

‫‪ - 1‬ماجد عمران وفيصل كلثوم‪ ،‬السيادة في ظل الحماية الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬مجلة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية‬
‫العدد األول‪ ،‬دمشق‪ ،2011 ،‬ص ‪.464‬‬

‫‪ - 2‬حسنة كجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬


‫‪51‬‬

‫ويقصد بالشخصية القانونية‪ ،‬إقرار القانون لشخص معين األهلية الكتساب حقوق معينة‪،‬‬
‫وتحمل التزامات معينة في ظل نظام قانوني معين‪.‬‬
‫ومن نتائج تمتع الدولة بالشخصية القانونية‪ ،‬نجد في المقام األول استمرارية الدولة‬
‫وبمعنى أن حقوق الدولة والتزاماتها الناجمة عن المعاهدات تظل قائمة مادامت الدولة نفسها‬
‫باقية رغم زوال األشخاص الذين وقعوا تلك المعاهدات‪ ،‬وبالرغم كذلك من التبدل الذي قد‬
‫يحدث في شكل الدولة أو نظام الحكم فيها‪.‬‬
‫ثم أن الشخصية القانونية تجعل الدولة على قدم المساواة من الدول األخرى رغم التفاوت‬
‫الكبير بين الدول من حيث عدد السكان والمساحة والقدرة والنفوذ‪ .‬ومن جانب آخر تخول‬
‫الشخصية القانونية للدولة التمتع بذمة مالية خاصة بها‪ ،‬فالدولة لكي تدير المصالح العامة من‬
‫جيش وشرطة ومحاكم ومشاريع عامة‪ ،‬وال تتمتع الدولة بهذه الذمة المالية للقيام بوظيفتها‪ ،‬إال‬
‫ألنها تعتبر كشخص قانوني‪ ،‬ثم أخيرا المسؤولية الدولية‪ ،‬ففكرة الشخصية القانونية الدولية تفيد‬
‫في تسيير نظام المسؤولية الدولية‪ ،‬فهي دائما عالقة بين دولة ودول أخرى؛ بين دولة مخطئة‬
‫ودولة متضررة‪ ،‬فالد ولة المتضررة تستطيع أن تثير مسؤولية الدولة المخطئة وفقا للشروط‬
‫واألوضاع التي يقررها القانون الدولي‪.‬‬
‫‪-3‬االعتراف ‪ :‬تطلب القانون الدولي أن يصاحب استكمال الدولة لعناصرها األساسية وجود‬
‫إجراء قانوني يتمثل في اعتراف العائلة الدولية بالنظام الجديد‪ ،‬ويمكن تعريف االعتراف بأنه‬
‫إعالن يتم بموجبه قبول دولة ما دولة أخرى في المجموعة الدولية وتقر لها بالحقوق‬
‫واالمتيازات الالحقة بالسيادة‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء حول تكييف االعتراف الدولي وانتهى األمر إلى نظريتين‪:‬‬
‫أ‪-‬نظرية االعتراف المنشئ‪ :‬ومن أنصارها (أوبنهايم) ويفيد بأن االعتراف بالدولة الجديدة شرط‬
‫الزم إلدخالها إلى األسرة الدولية وتمتعها بالشخصية الدولية‪ ،‬فاالعتراف هو اإلجراء الذي‬
‫يحول الوجود المادي للدولة إلى وجود قانوني‪ ،‬ولكن تربط وجود الدولة هنا بإرادة الدولة‬
‫األخرى فيجعلها بمثابة منحة‪.‬‬
‫ب‪-‬نظرية االعتراف (الكاشف أو التصريحي)‬
‫‪52‬‬

‫من أنصارها (هنسيل) وتعتبر أن الدولة تتمتع باألهلية القانونية عندما تستجمع‬
‫عناصرها‪ ،‬فاالعتراف ال يعدو أن يكون اعتراف بواقع سبق وجوده فهو يعلن عن وجود الدولة‬
‫ال يخلقها‪ ،‬وعدم االعتراف بالدولة ال ينال من وجودها وال يمنعها من مباشرة حقوقها‪.1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أنواع الدول‬


‫تنقسم الدول من حيث تكوينها الدستوري إلى دول بسيطة ودول مركبة ‪ ،‬ومن حيث‬
‫مركزها السياسي إلى دول تامة السيادة ودول ناقصة السيادة ودول محايدة ‪.‬أما من حيث نظام‬
‫الحكم فتنقسم إلى ملكية مطلقة أو ملكية دستورية أو جمهورية أو دكتاتورية‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الدول البسيطة والمركبة‪:‬‬


‫الدولة البسيطة هي التي تنفرد بإدارة شؤونها الخارجية والداخلية سلطة واحدة مكلفة‬
‫بتصريف شؤون الدولة ومستعمراتها وإن وجدت خارج إقليمها‪.‬‬
‫فالفيصل في اعتبار الدولة من مجموع الدول البسيطة هو وجود حكومة واحدة تنفرد‬
‫بالسيادة على إقليم الدولة في كل من المجالين الداخلي والدولي‪.‬‬
‫وأغلب دول العالم دول بسيطة كسورية وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا‪ ،‬أما الدولة المركبة‬
‫فهي تتألف من عدة كيانات (دول‪ ،‬واليات) مرتبطة مع بعضها بطريقة تظهر فيها في المجتمع‬
‫الدولي كدولة واحدة‪ ،‬وقد عرف القانون الدولي عددا ً من االتحادات و أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬االتحاد الشخصي ‪:‬ويتكون االتحاد الشخصي من اجتماع دولتين تحت عرش واحد مع احتفاظ‬
‫كل منهما باستقاللها الداخلي والخارجي ‪ .‬وتجمع هذا اإلتحاد وحدة األسرة المالكة‪.‬‬
‫وال يكون االتحاد شخص دولي جديد‪ ،‬بل تبقى لكل من الدولتين شخصيتهما الدولية الخاصة‪.‬‬
‫ومن أمثلة االتحاد الشخصي اجتماع إنكلتر وهانوفر في اتحاد شخصي سنة ‪ 1714‬عندما تولى‬
‫أمير هانوفر عن طريق الوراثة عرش إنكلترا وانفصمت عرى االتحاد سنة ‪ 1737‬باعتالء‬
‫الملكة فكتوريا العرش‪.‬‬

‫‪ - 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78‬‬


‫‪53‬‬

‫‪ -‬االتحاد الحقيقي أو الفعلي ‪ :‬ويكون عندما يكون دولتين اتحادا ً دائما ً تحت حكم رئيس واحد‬
‫وتخضع لهيئة واحدة فيما يتعلق بشؤونها الخارجية مع احتفاظ كل منهما بإدارة شؤونها‬
‫الداخلية‪ .‬فالدول المتحدة اتحادا ً فعليا ً تفقد ذاتيتها الخارجية ‪.‬وتندمج شخصيتها الدولية في‬
‫شخصية االتحاد الذي يصبح نائبا ً عنها في تصريف الشؤون الخارجية ومن أمثلة االتحاد‬
‫الفعلي االتحاد الذي قام بين الدنمارك وإيسالندا بمقتضى اتفاق تم بينهما سنة ‪ 1918‬وقد ظل‬
‫هذا االتفاق معموالً به حتى سنة ‪ 1949‬حينما احتلت ألمانيا الدنمارك فأعلنت إيسالندا انفصالها‬
‫عنها‪.1‬‬
‫اإلتحاد الفدرالي (الدول االتحادية)‪:‬‬
‫هو نظام دائم يتكون من مجموعة من الدول تخضع بموجب الدستور االتحادي لحكومة‬
‫عليا واحدة تباشر في حدود اختصاصاتها السلطات على رعايا وحكومات الدول األعضاء‪،‬‬
‫وتهيمن سلطة اإلتحاد على كل مظاهر السياسة الخارجية من إبرام المعاهدات وإعالن الحرب‬
‫والتمثيل الدبلوماسي وتحمل المسؤولية الدولية‪.‬‬
‫و تتنازل الدول األعضاء في االتحاد الفدرالي عن جانب من سيادتها اإلقليمية للسلطة‬
‫االتحادية‪ ،‬أما المسائل الداخلية فيتم توزيع االختصاصات بمقتضى الدستور االتحادي‪ ،‬وتتولى‬
‫المحكمة الدستورية العليا سلطة الفصل في تنازع االختصاص‪ .‬ومن أمثلته الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬كندا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الدول ذات السيادة الكاملة‪.‬‬


‫وهي الدول التي تمارس جميع مظاهر السيادة الداخلية والخارجية دون تدخل من أي‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وهذا هو الوضع بالنسبة إلى معظم الدول‪ ،‬ولكن كمال السيادة ال يتنافى مع خضوع‬
‫الدولة لقواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫الفقرة الثالث ‪:‬الدول ذات السيادة الناقصة‪.‬‬

‫‪- 1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136-135-134 :‬‬


‫‪54‬‬

‫وهي الدول التي تخضع في ممارسة اختصاصاتها الخارجية إلى إشراف أو رقابة دولة أجنبية‪.‬‬
‫أما داخليا فهي دولة لها حقوق وعليها واجبات‪ .‬و قد ساد هذا الشكل في ظل األنظمة االستعمارية‬
‫حيث أن الدول االستعمارية الكبرى فرضت إرادتها على الدول الضعيفة تحت مسميات مختلفة‬
‫(انتداب‪ ،‬حماية‪ ،‬وصاية) ‪ ،‬وقد تقلصت هذه األشكال بعد نشوء األمم المتحدة التي قررت مبدأ‬
‫المساواة بين الدول األعضاء‪. 1‬‬

‫الفقرة الرابعة ‪:‬الدول المحايدة‪.‬‬


‫والحياد هو وضع قانوني تتقيد به الدول بناء على رغبتها أو بمقتضى معاهدة‪ ،‬وتلتزم‬
‫بمقتضاه أن تبقى خارج نطاق العمليات العسكرية وعدم التدخل في النزاعات وهو ينقسم إلى‬
‫عدة أنواع‪:‬‬
‫أ ‪-‬الحياد المؤقت ‪ :‬ويعني بقاء الدولة بعيدة عن نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر مقابل عدم‬
‫إقحامها في النزاع‪ .‬ويمكن إنهاء هذا الحياد في الوقت المناسب مثال‪ :‬أمريكا واليابان مع بداية‬
‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫ب‪-‬الحياد الدائم ‪:‬هو حالة قانونية تضع الدولة نفسها فيها بناء على نص دستوري أو معاهدة‬
‫يترتب عليها تقييد اختصاصاتها الخارجية (حرب‪ ،‬تحالف) وذلك مقابل ضمان سالمتها‪ .‬الهدف‬
‫من هذا النظام هو حماية الدول الضعيفة من اعتداء الدول القوية‪ .‬من األمثلة سويسرا‪ ،‬بلجيكا‪،‬‬
‫النمسا‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحياد االيجابي ‪:‬فهو نظرية سياسية وليست قانونية ترفض بموجبها دولة ما االنحياز إلى‬
‫معسكر من المعسكرات الدولية وتصر على إتباع سياسة حرة تمليها المصلحة الوطنية للدولة‪.‬‬
‫ابتدع هذا الشكل من الحياد رئيس وزراء الهند”نهرو" وتبعه عدد من الدول العربية‪.2‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬حقوق وواجبات الدول‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 2‬الفقرة ‪ 1‬من ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬

‫‪- 2‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬


‫‪55‬‬

‫يترتب على ثبوت الشخصية الدولية للدولة مجموعة من الحقوق والواجبات تهدف إلى‬
‫تحقيق الغرض من وجود الدولة‪ ،‬ومن أجل تسهيل المهام المختلفة التي تضطلع بها والحفاظ‬
‫على السلم واألمن الدوليين‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬حقوق الدول‬


‫أوال ‪-‬حق البقاء‪ :‬ويعني أن للدولة مطلق الصالحية في المحافظة على وجودها واتخاذ‬
‫جميع التدابير الالزمة لدفع كل خطر داخلي أو خارجي يهدد كيانها‪ ،‬فالدولة لها الحق في حماية‬
‫نفسها من االعتداءات الخارجية‪ ،‬ومن مظاهر حق الدفاع الشرعي حيث أن المادة ‪ 51‬من‬
‫ميثاق األمم المتحدة قد أعطت للدول هذا الحق‪ ،‬ولكن ضمن ضوابط محددة أهمها‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون هناك اعتداء مسلح من دولة أخرى ‪ :‬وال يكفي مجرد التهديد باستعمال القوة‬
‫أو الدعاية اإلعالمية حتى الحصار ال يعتبر مبررا ً ألنه ليس خطر داهم‪.‬‬
‫‪-‬أن يكون االعتداء غير مشروع‪ :‬أي يكون عدواني وأن ال يكون تنفيذا ً لقرارات األمم المتحدة‬
‫أو دفاعا ً عن النفس‪.‬‬
‫‪-‬أن يكون الخطر داهما وان يكون االعتداء وقع أو وشيك الوقوع ‪ :‬غير أن تطور أسلحة‬
‫التدمير الشامل أثر كثيرا ً في لحظة تقدير الخطر ولحظة بدء الرد عليه‪ ،‬كما دفع بعض الدول‬
‫إلى التمسك بنظرية الدفاع الشرعي االستباقي التي لم يقرها الفقه‪.‬‬
‫ومن أهم الضوابط التي يترتب على الدول أن تراعيها عند استخدام حق الدفاع الشرعي‪:‬‬
‫‪-‬التناسب بين رد فعل الدفاع وفعل التعدي ‪:‬أي أن تكون الوسائل المستخدمة في الدفاع‬
‫متناسبة وضرورية‪.‬‬
‫‪-‬أال يتحول رد الفعل إلى عمل انتقامي ‪:‬طبقا ً للقاعدة التي تنص على انه ال يجوز ألحد أن يقيم‬
‫العدالة لنفسه‪.‬‬
‫‪-‬إبالغ مجلس األمن‪ :‬فالمجلس هو السلطة المخولة بالفض في النزاعات الدولية طبقا ً للفصل‬
‫السادس والسابع من الميثاق‪.1‬‬

‫‪- 1‬قاسم أحمد قاسم البرواري‪ ،‬مرجع سابق‪.6،‬‬


‫‪56‬‬

‫ثانيا‪-‬حق المساواة‪:‬‬
‫تتمتع الدول بحق المساواة كنتيجة لسيادتها واستقاللها‪ ،‬وهذا ما أكده ميثاق األمم المتحدة‪،‬‬
‫واالتفاقيات الدولية ويترتب عن هذه المساواة النتائج التالية"‬
‫‪ -‬ليس لدولة كاملة السيادة أن تملي إرادتها على غيرها من الدول تامة السيادة في أي‬
‫شأن من شؤونها الخاصة‪.‬‬
‫‪-‬ال تخضع دولة في تصرفاتها لقضاء دولة أجنبية‪.‬‬
‫‪-‬إن شخصية الدولة مصونة وكذلك سالمة إقليمها واستقاللها السياسي‪.‬‬
‫ولكن ال تؤدي المساواة القانونية حتما إلى المساواة السياسية‪ ،‬حيث أن ثروات الدولة‬
‫وقوتها العسكرية واالقتصادية قد تخل بهذه المساواة؛ حيث تكون هناك دول كبرى ودول صغرى‬
‫وتجسد ذلك عمل يا بإعطاء حق الفيتو للدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس األمن‪.1‬‬
‫ثالثا ‪-‬حق الحرية واالستقالل‪:‬‬
‫وهو حق الدولة في أن تتصرف في شؤونها الداخلية والخارجية وفي ممارسة سيادتها‬
‫واستقاللها بمحض اختيارها دون أن تخضع إلرادة دولة أخرى أو تتأثر بتوجيهات أية دولة ‪.‬‬

‫رابعا ‪-‬حق االحترام المتبادل‪:‬‬


‫و هو كنتيجة لتساوي الدول قانونياً‪ ،‬ال بد أن تحترم جميع الدول بعضها البعض‪ ،‬وهذا‬
‫االحترام يشمل احترام كيانها المادي ومركزها السياسي ومراعاة كرامتها واعتبارها‪.‬‬
‫‪ -‬احترام كيان الدولة المادي ‪:‬يعني احترام حدودها اإلقليمية وعدم االعتداء عليها واالمتناع‬
‫عن عرقلة مشاريعها أو زرع العقبات في تجارتها كإغالق األسواق في وجهها وفرض رسوم‬
‫جمركية فادحة على منتجاتها‪.‬‬
‫‪ -‬احترام مركز الدولة السياسي ‪:‬أي احترام نظمها السياسية واإلدارية واالجتماعية وعقائدها‬
‫الدينية وكل ما يتعلق بشؤونها العامة وعدم تحريض رعاياها على سلطاتها الشرعية وعدم‬
‫القيام بأعمال الجاسوسية في إقليمها أو نشر الدعاية ضد نظامها أو حكومتها‪.‬‬

‫‪- 1‬إدريس لكريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48-47 :‬‬


‫‪57‬‬

‫‪ -‬مراعاة كرامة الدولة واعتبارها ‪ :‬ويقتضي ذلك تجنب كل فعل فيه مساس بمركز الدولة‬
‫األدبي‪ ،‬أي احترام مبعوثيها وممثليها واحترام اسمها وعلمها وشاراتها الرسمية وألقاب‬
‫رؤسائها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬واجبات الدول‪.‬‬


‫أوال ‪-‬واجب عدم التدخل في شؤون الغير‪:‬‬
‫التدخل هو تعرض دولة للشؤون الداخلية‪ ،‬أو الخارجية لدول أخرى دون أن يكون لهذا‬
‫التعرض سند قانوني‪ ،‬ويكون الهدف منه إلزام الدولة المتدخل في شؤونها بإتباع ما تمليه عليها‪،‬‬
‫لذا في التدخل تقييد لحرية الدولة واعتداء على سيادتها‪ ،‬ولقد حرم ميثاق األمم المتحدة التدخل‬
‫في الشؤون الداخلية للدولة األخرى إال تطبيقا للفصل السابع من الميثاق في المسائل التي تمس‬
‫السلم واألمن الدوليين‪.1‬‬
‫ثانيا ‪-‬واجب تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية‪:‬‬
‫تتضمن الفقرة الثالثة من المادة الثانية من ميثاق األمم المتحدة على أن أعضاء المنظمة‬
‫يفضون المنازعات التي تنشأ بينهم بالوسائل السلمية على نحو ال يكون فيه السلم واألمن الدوليان‬
‫عرضة للخطر ‪.‬‬
‫ثم جاء ميثاق األمم المتحدة فأكد في الفصل السادس في المواد(‪ )38.33‬على‬
‫دعوة الدول إلى إتباع األساليب السلمية لفض المنازعات التي قد تعرض حفظ السلم واألمن‬
‫الدوليين للخطر ورتب عقوبات في حالة مخالفة مقتضيات هذه المواد المذكورة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك هناك واجبات أخرى من قبيل‪:‬‬
‫➢ احترام حقوق اإلنسان‬
‫➢ واجب تقديم المساعدة لألمم المتحدة لتحقيق األمن الجماعي‪.‬‬
‫➢ احترام العهود التي ارتبطت بها وتنفيذ تعهداتها الدولية بحسن نية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المنظمات الدولية‬

‫‪- 1‬إدريس لكريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51-50 :‬‬


‫‪58‬‬

‫ظلت الدولة مركز ومحور النظام العالمي ومصدر تفاعالته ‪ ،‬سواء أكانت تفاعالت‬
‫تعاونية أم صراعية‪ ،‬لكن تطورات وتحوالت المنتظم الدولي ‪ ،‬أفسحت المجال أمام فاعلين جدد‪،‬‬
‫إضافة إلى الدول‪ .‬فمع بدايات القرن ‪ 19‬لم تبق العالقات الدولية حكرا على الدول ‪ ،‬إذ ظهرت‬
‫المنظمات الدولية و بدأت تنافس الدولة على العضوية في المجتمع الدولي ‪ .‬سنتناول في هذا‬
‫المطلب المنظمات الدولية كشخص من أشخاص القانون الدولي ‪ ،‬ثم سنتطرق إلى منظمة األمم‬
‫المتحدة‬

‫الفرع األول ‪ :‬المنظمات الدولية كشخص من أشخاص القانون‬


‫الدولي‪.‬‬
‫يمكن التعرض لتعريف المنظمات الدولية الحكومية‪ ،‬ثم بحث قضايا الشخصية القانونية‬
‫لهذه المنظمات ‪ ،‬تم تصنيفها‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تعريف المنظمات الدولية الحكومية‪.‬‬


‫تتعدد تعريفات المنظمات الدولية ويمكن القول إن المنظمة هي تجمع دول بموجب معاهدة‬
‫‪ ،‬تتمتع بدستور وأجهزة مشتركة وتتمتع بشخصية قانونية متميزة عن تلك الخاصة بالدول‬
‫األعضاء‪.1‬‬
‫ويمكن تعريف المنظمة هي عبارة عن تجمع عدد من الدول في هيئة أو مؤسسة أنشئت على‬
‫وجه الدوام واالستمرار بمقتضى معاهدة دولية متعددة األطراف تمنحها شخصية قانونية دولية‬
‫متميزة عن شخصية الدول األعضاء بهدف تحقيق جملة من األهداف المحددة‪.2‬‬
‫ومن التعابير الدالة الواردة في هذا التعريف نذكر ما يلي ‪:‬‬
‫تجمع عدد من الدول‪ ،‬إذ يتم التركيزعلى فكرة البنية والتجمع لعدد معين من الدول‪.‬‬
‫هيئة على وجه الدوام‪ ،‬إذ إن صفة الديمومة واالستمرارية صفة واجبة في التنظيم الدولي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cédric Milhat,les indispensables du droit international public , ellipses,2016,p27.‬‬

‫‪- 2‬الحسين شكراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.124‬‬


‫‪59‬‬

‫الشخصية القانونية‪ ،‬التي تسمح بتحقيق الحقوق وااللتزام بالواجبات‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬الشخصية القانونية للمنظمات الدولية الحكومية‪.‬‬

‫يقصد بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية األهلية من أجل اكتساب الحقوق وتحمل‬
‫االلتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعوى أمام القضاء ‪.‬‬
‫وأثار الوضع القانوني للمنظمات الدولية جدال كبيرا؛ حيث انقسم الفقه إلى اتجاهين‪ ،‬اتجاه‬
‫يعارض تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية‪ ،‬واتجاه يؤيد تمتع المنظمة الدولية بالشخصية‬
‫القانونية على أساس أنها تشكل كيان مستقل‪ ،1‬لكن تغير الوضع بعد إنشاء األمم المتحدة حيث‬
‫اعترفت محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري عام ‪ 1949‬بأن المنظمات الدولية تتمتع‬
‫بالشخصية الدولية وتجسد ذلك من خالل اعترافها لألمم المتحدة بحق تحريك المسؤولية الدولية‬
‫لمن أصابه أحد موظفيها باألضرار من قبل دولة أخرى‪ ،‬فالمحكمة قد حسمت هذا الخالف في‬
‫رأيها االستشاري الصادر في ‪11‬أبريل ‪ 1949‬بطلب من الجمعية العامة بمناسبة مقتل الكونت‬
‫بيرنادوت وسيط المنظمة لتسوية الخالف الفلسطيني اإلسرائيلي والذي اعترفت فيه بالشخصية‬
‫القانونية لمنظمة األمم المتحدة‪ ،‬حيث أكدت أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام‬
‫‪ ،‬ألن الهيئات الدولية التي نشأت نتيجة للتطورات التي عرفتها ظروف المجتمع الدولي تعتبر‬
‫أشخاصا قانونيين لهم طبيعة قانونية خاصة تتناسب من حيث اتساع مجالها أو ضيقه مع األهداف‬
‫التي أنشئت المنظمة من أجل تحقيقها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬تصنيف المنظمات الدولية الحكومية‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪-Cédric MILHAT ;op.cit;2016 ;p29 .‬‬


‫‪60‬‬

‫وتنقسم المنظمات الدولية من حيث نطاق العضوية إلى منظمات عالمية تكون العضوية فيها‬
‫مفتوحة كمنظمة األمم المتحدة أو منظمات عالمية إقليمية تكون العضوية فيها مقتصرة على‬
‫عدد محدد من الدول في نطاق رقعة جغرافية معينة كمنظمة الوحدة األفريقية ومنظمة الدول‬
‫األمريكية‪ .‬أما من حيث االختصاص فلدينا منظمات عامة ومنظمات متخصصة ‪ ،‬المنظمات‬
‫العامة يمتد اختصاصها ليشمل مظاهر متعددة في العالقات الدولية كمنظمة األمم المتحدة ‪ ،‬أما‬
‫المنظمات المتخصصة فهي التي ينحصر اختصاصها في نشاط أو مجال معين كصندوق النقد‬
‫الدولي ومنظمة الصحة العالمية‪ ،...‬أما من حيث األعضاء تنقسم المنظمات إلى منظمات حكومية‬
‫ومنظمات غير حكومية ‪ .‬فالمنظمات الحكومية تقتصر فيها العضوية على الدول فقط‪ ،‬أما‬
‫المنظمات غير الحكومية يقصد بها المنظمات التي يتم تأسيسها من قبل األفراد كمنظمة العفو‬
‫الدولية ومنظمة أطباء بال حدود‪.‬‬
‫ولما كانت منظمة األمم المتحدة الراعي األول للقانون الدولي العام ‪ ،‬القانون الذي خرج من‬
‫رحم األمم المتحدة وترعرع في حضنها ‪ ،‬لذلك سنقتصر في هذه المحاضرات على ميثاق‬
‫منظمة األمم المتحدة‪.‬‬
‫فما هي األمم المتحدة؟ وما هي أجهزتها؟‬
‫يتوجب على الطالب هنا معرفة نشوء األمم المتحدة وأهدافها ثم أجهزة األمم المتحدة‬
‫واختصاصاتها‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نشوء األمم المتحدة وأهدافها‪.‬‬


‫وضع تسمية "األمم المتحدة "رئيس الواليات المتحدة األسبق فرانكلين د‪.‬روزفلت‪،‬‬
‫واستُخدم هذا االسم للمرة األولى في" إعالن األمم المتحدة "الصادر في ‪ 1‬كانون‬
‫الثاني‪/‬يناير‪ ،1942‬خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬عندما أخذ ممثلو ‪ 26‬دولة من حكوماتهم‬
‫تعهدا بمواصلة القتال سويا ضد قوات المحور‪.‬‬
‫وقد اشترك في وضع ميثاق األمم المتحدة ممثلو ‪ 50‬بلدا أثناء انعقاد المؤتمر الذي انعقد‬
‫في سان فرانسيسكو في الفترة من ‪ 25‬أبريل إلى ‪ 26‬يونيو ‪ . 1945‬وقد تباحث‬
‫‪61‬‬

‫المتفاوضون على أساس مقترحات أعدها ممثلو االتحاد السوفياتي والصين والمملكة المتحدة‬
‫والواليات المتحدة في دمبارتون أوكس في غشت ‪ .1944‬ووقع الميثاق ممثلو البلدان الخمسين‬
‫يوم ‪ 26‬يونيو‪ .1945‬ووقعته بعد ذلك بولندا‪ ،‬التي لم يكن لها ممثل في المؤتمر‪ ،‬فأصبحت‬
‫واحدا من األعضاء المؤسسين البالغ عددهم ‪ 51‬دولة‪.‬‬
‫وبرز كيان األمم المتحدة رسميا إلى حيز الوجود يوم ‪ 24‬أكتوبر ‪1945‬عندما صادق‬
‫على الميثاق كل من االتحاد السوفياتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة‪ ،‬والواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬ومعظم الدول الموقعة عليه‪ .‬ويحتفل بيوم األمم المتحدة في ‪ 24‬أكتوبر من كل عام ‪.‬‬
‫وتنتمي إلى األمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريبا ً ‪ 192‬دولة‪.‬‬
‫واألمم المتحدة ليست حكومة عالمية وهي ال تسن القوانين ‪.‬ولكنها توفر سبل المساعدة‬
‫على حل الصراعات الدولية وصياغة السياسات المتعلقة بالمسائل التي تمسنا جميعا ً ‪ .‬وكل‬
‫الدول األعضاء ‪ -‬كبيرها وصغيرها‪ ،‬غنيها وفقيرها‪ ،‬بما لها من آراء سياسية ونظم اجتماعية‬
‫متباينة ‪ -‬لها في األمم المتحدة أن تعرب عن آرائها وتدلي بأصواتها في هذه العملية‪.‬‬
‫وقد تأسست األمم المتحدة من اجل تحقيق األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬المحافظة على السلم واألمن الدوليين‪.‬‬
‫‪ -2‬تنمية العالقات الودية بين الدول‪.‬‬
‫‪ - 3‬تحقيق التعاون الدولي في كافة المجاالت‪.‬‬
‫‪ 4‬تحسين مستويات المعيشة وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أجهزة األمم المتحدة واختصاصاتها‪.‬‬


‫تتألف األمم المتحدة بصفتها تلك من ستة أجهزة رئيسية هي‪ :‬الجمعية العامة‪ ،‬مجلس‬
‫األمن ‪ ،‬المجلس االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬مجلس الوصاية‪ ،‬محكمة العدل الدولية و األمانة‬
‫العامة‪ ،‬والعضوية في األمم المتحدة مباحة لجميع الدول األخرى المحبة للسالم‪ ،‬والتي تأخذ‬
‫نفسها بااللتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق‪ ،‬والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه‬
‫االلتزامات وراغبة فيه ‪.‬إذ أن قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية" األمم المتحدة "يتم‬
‫‪62‬‬

‫بقرار من الجمعية العامة بناءا على توصية مجلس األمن(‪.‬المادة‪ ، 4‬الفقرة ‪ ،2‬ميثاق األمم‬
‫المتحدة (‪.‬‬
‫و فيما يلي لمحة مختصرة عن األجهزة الرئيسية لألمم المتحدة واختصاصاتها‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬الجمعية العامة‬


‫جميع الدول األعضاء في األمم المتحدة ممثلة في الجمعية العامة التي تجتمع دوريا ً‬
‫للنظر في أشد المشاكل العالمية إلحاحا ً‪ ،‬ولكل دولة عضو صوت واحد‪ ،‬وتتخذ القرارات في‬
‫المسائل الهامة‪ ،‬كالتوصيات المتعلقة بالسلم واألمن الدوليين أو قبول أعضاء جدد أو التوصيات‬
‫المتعلقة بميزانية األمم المتحدة بأغلبية ثلثي األعضاء الحاضرين‪. 1‬أما المسائل األخرى فيبت‬
‫فيها باألغلبية البسيطة ‪.‬وقد بذل جهد خاص في السنوات األخيرة للتوصل إلى القرارات عن‬
‫طريق توافق اآلراء عوضا ً عن التصويت الرسمي ‪.‬وليس بوسع الجمعية أن تجبر أية دولة‬
‫على اتخاذ إجراء ما‪ ،‬ولكن توصياتها تعد مؤشرا ً هاما ً على الرأي العام العالمي وتمثل السلطة‬
‫األدبية لمجتمع األمم‪.‬‬
‫وتعقد الجمعية العامة دورتها العادية السنوية من سبتمبر إلى ديسمبر ‪،‬ولها عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬أن تستأنف دورتها أو أن تعقد دورة استثنائية أو طارئة بشأن المواضيع التي تشكل‬
‫شواغل ذات شأن ‪.‬وتضطلع بأعمال الجمعية العامة لجانها الرئيسية الست وهيئات فرعية أخرى‬
‫واألمانة العامة لألمم المتحدة‪.‬‬
‫ويتطلب التخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الهامة‪ ،‬مثل قضايا السالم األمن‪ ،‬وقبول‬
‫األعضاء الجدد‪ ،‬والمواضيع المتصلة بالميزانية‪ ،‬أغلبية ثلثي األعضاء‪ .‬ويتم اعتماد القرارات‬
‫المتعلقة بالمسائل األخرى عن طريق األغلبية البسيطة‪ .‬وتتخذ هذه القرارات بالتصويت أو‬
‫بدون تصويت‪ ،‬ويمكن أن يكون التصويت مسجال أو غير مسجل أو بنداء األسماء‪.‬‬
‫وفي حين أن قرارات الجمعية العامة ال تلزم الحكومات قانونياً‪ ،‬فإنها تحمل رأي العالم‬
‫في القضايا الدولية الرئيسية‪ ،‬فضال عن كونها تمثل السلطة األدبية للمجتمع الدولي‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 18‬من ميثاق األمم المتحدة‬


‫‪63‬‬

‫وأعمال األمم المتحدة على مدى العام ناشئة أساسا ً عن قرارات الجمعية العامة‪ ،‬التي تعبر عن‬
‫إرادة غالبية الدول األعضاء ممثلة في القرارات التي تتخذها الجمعية ‪.‬ويجري هذا العمل‬
‫بالوسائل التالية‪:‬‬
‫❖ عن طريق اللجان وسائر الهيئات التي أنشأتها الجمعية العامة لدراسة مسائل معينة‬
‫وإعداد‬
‫❖ تقارير عنها‪ ،‬مثل نزع السالح‪ ،‬والفضاء الخارجي‪ ،‬وعمليات حفظ السالم‪ ،‬وإنهاء‬
‫االستعمار‪ ،‬وحقوق اإلنسان؛‬
‫❖ عن طريق المؤتمرات الدولية التي تدعو الجمعية العامة إلى عقدها؛‬
‫❖ عن طريق األمانة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬أي األمين العام وموظفو الخدمة المدنية التابعين‬
‫له‪.‬‬
‫‪-1‬المهام والسلطات‪:‬‬
‫ومن مهام الجمعية العامة وسلطاتها بموجب ميثاق األمم المتحدة ما يلي‪:‬‬
‫❖ النظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السالم واألمن الدوليين‪ ،‬بما في ذلك نزع‬
‫السالح وتنظيم التسلح‪.‬‬
‫❖ مناقشة أية مسألة تكون لها صلة بالسالم واألمن الدوليين‪ ،‬فيما عدا ما يكون معروضا‬
‫منها للمناقشة على مجلس األمن؛‬
‫❖ مناقشة أية مسألة تدخل في نطاق الميثاق أو تؤثر على سلطات أية هيئة من هيئات األمم‬
‫المتحدة أو وظائفها‪ .‬إجراء دراسات وإصدار توصيات لتعزيز التعاون السياسي الدولي‪،‬‬
‫وتطوير القانون الدولي وتدوينه؛ وتحقيق تمتع الجميع بحقوق اإلنسان والحريات‬
‫األساسية‪ ،‬والتعاون الدولي في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتعليمية‬
‫والصحية‪.‬‬
‫❖ إصدار توصيات لتسوية أي موقف بالوسائل السلمية‪ ،‬بغض النظر عن أسبابه‪ ،‬متى كان‬
‫يعكر صفو العالقات الودية بين األمم‪1‬؛‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 11‬من ميثاق األمم المتحدة‬


‫‪64‬‬

‫❖ تلقي تقارير من مجلس األمن وسائر هيئات األمم المتحدة‪ ،‬والنظر فيها؛‬
‫❖ النظر في ميزانية األمم المتحدة واعتمادها‪ ،‬وتحديد أنصبة الدول األعضاء في دفع‬
‫االشتراكات؛‬
‫❖ انتخاب أعضاء مجلس األمن غير الدائمين‪ ،‬وأعضاء المجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪،‬ومن يعينون من أعضاء مجلس الوصاية باالنتخاب؛ ومشاركة مجلس األمن‬
‫في انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية؛ وتعيين األمين العام بتوصية من مجلس األمن‪.‬‬
‫❖ وفي ظل قرار" االتحاد من أجل السالم "الذي اتخذته الجمعية العامة في تشرين‬
‫الثاني‪/‬نوفمبر ‪ ، 1950‬يجوز للجمعية العامة أن تتخذ إجراء عندما يتعذر على مجلس‬
‫األمن‪ ،‬بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين‪ ،‬التصرف حيال قضية يتضح أنها تشكل‬
‫عدوانا أو تهديدا ً للسالم أو خرقا ً له ‪.‬وللجمعية العامة سلطة النظر في المسألة على الفور‬
‫بهدف إصدار توصيات لألعضاء باتخاذ إجراءات جماعية‪ ،‬تشمل في حالة وقوع اعتداء‬
‫أو خرق للسالم استخدام القوة المسلحة عند الضرورة للحفاظ على السالم واألمن‬
‫الدوليين واستعادتهما‪.‬‬
‫‪- 2‬الدورات واالجتماعات‪:‬‬
‫تبدأ الدورة العادية للجمعية العامة يوم الثالثاء الثالث من شهر سبتمبر من كل عام‪،‬‬
‫وتستمر عادة حتى األسبوع الثالث من ديسمبر ‪.‬وفي السنوات األخيرة‪ ،‬ظلت دورات الجمعية‬
‫العامة منعقدة طوال العام ‪.‬وفي بداية كل دورة عادية‪ ،‬تنتخب الجمعية العامة رئيسا جديدا‪ ،‬و‬
‫‪ 21‬نائبًا للرئيس‪ ،‬ورئيسا لكل لجنة من لجانها الرئيسية الست ‪.‬وتعقد الجمعية العامة أيضا‬
‫مناقشة عامة‪ ،‬تعبر فيها الدول األعضاء عن آرائها بشأن مجموعة كبيرة من مسائل االهتمام‬
‫الدولي‪ .‬ولكفالة التمثيل الجغرافي العادل‪ ،‬تنتقل رئاسة الجمعية العامة كل سنة إلى واحدة من‬
‫مجموعات الدول الخمس التالية ‪:‬الدول األفريقية‪ ،‬والدول اآلسيوية‪ ،‬ودول أوروبا الشرقية‪،‬‬
‫ودول أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي‪ ،‬ودول أوروبا الغربية وسائر الدول‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫وتعقد الجمعية العامة باإلضافة إلى دوراتها العادية دورات استثنائية بناء على طلب‬
‫مجلس األمن‪ ،‬أو غالبية الدول األعضاء في األمم المتحدة‪ ،1‬أو أحد األعضاء في حالة موافقة‬
‫أغلبية الدول األعض اء‪ .‬ويمكن الدعوة إلى عقد دورات استثنائية طارئة خالل ‪ 24‬ساعة من‬
‫مطالبة مجلس األمن بعقدها‪ ،‬بناء على تأييد تسعة أعضاء في المجلس‪ ،‬أو بناء على طلب إحدى‬
‫الدول األعضاء في األمم المتحدة إذا وافقت عليه أغلبية األعضاء‪.‬‬
‫‪-3‬اللجان الرئيسية‪:‬‬
‫نظرا للعدد الكبير من القضايا التي تُدعى الجمعية العامة إلى النظر فيها ( ‪ 166‬بندا‬
‫منفصالً في جدول أعمال الدورة العادية الحادية والخمسين للجمعية العامة (‪)1997/1996‬‬
‫على سبيل المثال)‪ ،‬تحيل الجمعية العامة معظم قضاياها إلى لجانها الرئيسية الست‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫▪ اللجنة األولى ‪:‬لجنة نزع السالح واألمن الدولي‪.‬‬
‫▪ اللجنة الثانية ‪:‬اللجنة االقتصادية والمالية ‪.‬‬
‫▪ اللجنة الثالثة ‪:‬اللجنة االجتماعية واإلنسانية والثقافية‪.‬‬
‫▪ اللجنة الرابعة ‪:‬لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء االستعمار‪.‬‬
‫▪ اللجنة الخامسة ‪:‬لجنة اإلدارة والميزانية‪.‬‬
‫▪ اللجنة السادسة ‪:‬اللجنة القانونية‪.‬‬
‫ويوجد أيضًا مكتب الجمعية المشكل من رئيس الجمعية العامة ونوابه ال ‪ ، 21‬ورؤساء‬
‫اللجان الرئيسية الست‪ ،‬وللجمعية لجنة وثائق تفويض مؤلفة من تسعة أعضاء تعينهم الجمعية‬
‫العامة كل دورة بناء على اقتراح من الرئيس وتقدم للجمعية العامة تقارير عن وثائق تفويض‬
‫ممثلي الدول األعضاء‪.‬‬
‫وينظر في بعض القضايا مباشرة في جلسات عامة‪ ،‬بدالً من النظر فيها في إحدى اللجان‬
‫الرئيسية ‪.‬ويجري التصويت على جميع القضايا في جلسات عامة‪ ،‬تعقد عادة قرب انتهاء الدورة‬
‫العادية‪ ،‬بعد أن تكون اللجان قد انتهت من النظر فيها وقدمت مشاريع قرارات بشأنها إلى‬
‫جلسات الجمعية العامة‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 20‬من ميثاق األمم المتحدة‬


‫‪66‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬مجلس األمن‬


‫يتولى مجلس األمن بموجب الميثاق‪ ،‬المسؤولية األساسية في المحافظة على السالم‬
‫واألمن الدوليين‪ .‬وهو منظم بحيث يستطيع العمل بدون انقطاع‪ ،‬ويجب أن يكون ممثل عن كل‬
‫واحد من أعضائه موجودا في مقر األمم المتحدة طول الوقت ‪.‬وفي ‪ 31‬يناير ‪ ،1992‬عقد‬
‫أول اجتماع قمة للمجلس في المقر‪ ،‬وحضره رؤساء دول وحكومات ‪ 13‬من أعضائه ال ‪15‬‬
‫ووزيرا ً خارجية العضوين اآلخرين ‪.‬ويجوز للمجلس أن يجتمع في مكان غير المقر؛ ففي عام‬
‫‪ ، 1972‬عقد دورة في أديس أبابا‪(،‬إثيوبيا)‪ ،‬وعقد في العام التالي دورة في بنما‪.‬‬
‫وعندما ترفع إلى المجلس شكوى تتعلق بخطر يتهدد السالم‪ ،‬يبادر عادة بتقديم توصيات‬
‫إلى األطراف بمحاولة التوصل إلى اتفاق بالوسائل السلمية ‪.‬وفي بعض الحاالت‪ ،‬يضطلع‬
‫المجلس نفسه بالتحقيق والوساطة ‪.‬ويجوز له أن يعين ممثلين خاصين أو يطلب إلى األمين العام‬
‫أن يفعل ذلك أو يبذل مساعيه الحميدة‪ .‬كما يجوز له أن يضع مبادئ من أجل تسوية سلمية‪.‬‬
‫وعندما يفضي نزاع ما إلى القتال‪ ،‬يكون شغل المجلس الشاغل إنهاء ذلك في أقرب‬
‫وقت ممكن ‪.‬وفي مناسبات عديدة‪ ،‬أصدر المجلس تعليمات لوقف إطالق النار كانت لها أهمية‬
‫حاسمة في الحيلولة دون اتساع رقعة االقتتال‪ .‬وهو يوفد أيضا قوات األمم المتحدة لحفظ السالم‬
‫للمساعدة على تخفيف التوتر في مناطق االضطرابات‪ ،‬والفصل بين القوات المتحاربة وتهيئة‬
‫ظروف الهدوء التي يمكن أن يجري في ظلها البحث عن تسويات سلمية ‪ .‬ويجوز للمجلس أن‬
‫يقرر جزاءات اقتصادية مثل عمليات الحظر التجاري أو اتخاذ إجراء عسكري جماعي‪.‬‬
‫وعندما يتخذ مجلس األمن إجراء ضد دولة عضو ما‪ ،‬يجوز للجمعية العامة‪ ،‬أن تعلق‬
‫تمتع تلك الدولة بحقوق العضوية وامتيازاتها‪ ،‬بناء على توصية المجلس‪ .‬وإذا تكررت انتهاكات‬
‫دولة عضو ما لمبادئ الميثاق‪ ،‬يجوز للجمعية العامة أن تقصيها من األمم المتحدة‪ ،‬بناء على‬
‫توصية المجلس‪.‬‬
‫ويجوز للدولة العضو في األمم المتحدة التي ليست عضوا ً في مجلس األمن‪ ،‬أن تشارك‬
‫في مناقشات المجلس‪ ،‬بدون حق التصويت‪ ،‬إذا اعتبر هذا األخير أن مصالحها عرضة للضرر‪.‬‬
‫ويدعى كل من أعضاء األمم المتحدة وغير األعضاء‪ ،‬إذا كانوا أطرافا في نزاع معروض على‬
‫‪67‬‬

‫المجلس‪ ،‬إلى المشاركة في مناقشاته‪ ،‬بدون حق التصويت؛ ويضع المجلس شروط مشاركة‬
‫الدولة غير العضو‪.‬‬
‫‪-1‬المهام والسلطات‪:‬‬
‫فيما يلي المهام التي يضطلع بها مجلس األمن والسلطات التي يتمتع بها‪ ،‬بموجب الميثاق‪:‬‬
‫✓ المحافظة على السالم واألمن الدوليين وفقا لمبادئ األمم المتحدة ومقاصدها؛‬
‫✓ التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خالف دولي؛‬
‫✓ تقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشروط التسوية؛‬
‫✓ وضع خطط للتصدي ألي خطر يتهدد السالم أو أي عمل عدواني‪ ،‬وتقديم توصيات‬
‫باإلجراءات التي ينبغي اتخاذها؛‬
‫✓ دعوة جميع األعضاء إلى تطبيق الجزاءات االقتصادية وغيرها من التدابير التي ال‬
‫تستتبع استخدام القوة للحيلولة دون العدوان أو وقفه؛‬
‫✓ اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي؛‬
‫✓ التوصية بقبول األعضاء الجدد في محكمة العدل الدولية وبشأن الشروط التي تجيز للدول‬
‫أن تصبح أطرافا في النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية؛‬
‫✓ االضطالع بمهام األمم المتحدة للوصاية في " المواقع االستراتيجية" ؛‬
‫✓ تقديم التوصيات إلى الجمعية العامة بشأن انتخاب األمين العام‪ ،‬والقيام مع الجمعية‪،‬‬
‫بانتخاب قضاة المحكمة الدولية‪.‬‬
‫عضوية مجلس األمن‪:‬‬
‫يتكون المجلس من ‪ 15‬عضوا‪ ،‬منهم خمسة أعضاء دائمين‪ -‬االتحاد الروسي والصين‬
‫وفرنسا والمملكة المتحدة و الواليات المتحدة‪ .‬أما األعضاء العشرة اآلخرون فتنتخبهم الجمعية‬
‫العامة لفترات مدة كل منها سنتان‪.1‬‬
‫يتناوب أعضاء مجلس األمن على رئاسة المجلس بحسب الترتيب الهجائي االنكليزي‬
‫ألسمائهم ‪.‬ويشغل كل رئيس منصبه لفترة شهر‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 23‬من ميثاق األمم المتحدة‬


‫‪68‬‬

‫وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من األمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير‬
‫دائمين في المجلس ‪.‬وقد زيد عدد األعضاء الغير دائمين في المجلس من ستة إلى عشرة أعضاء‬
‫عام ‪ 1965‬عندما تم تعديل ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬
‫ولكل عضو من أعضاء المجلس صوت واحد ‪.‬وتتخذ القرارات بشأن المسائل اإلجرائية‬
‫بموافقة تسعة على األقل من األعضاء ال ‪ . 15‬وتتطلب القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية‬
‫تأييد تسعة أصوات‪ ،‬من بينها أصوات كافة األعضاء الخمسة الدائمين‪ .‬وهذه القاعدة هي قاعدة‬
‫"إجماع الدول الكبرى"‪ ،‬التي كثيرا ً ما تسمى حق" الفيتو‪".‬‬
‫وبموجب الميثاق‪ ،‬يوافق جميع أعضاء األمم المتحدة على قبول قرارات مجلس األمن‬
‫وتنفيذها‪ .‬والمجلس هو الجهاز الوحيد التابع لألمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة اتخاذ قرارات‬
‫تكون الدول ملزمة بتنفيذها بموجب الميثاق أما األجهزة األخرى فإنها تقدم التوصيات إلى‬
‫الحكومات‪.‬‬
‫‪-3‬اللجــان الدائمــة‪:‬‬
‫توجد حاليا لجنتان‪ ،‬تضم كل منهما ممثلين عن جميع الدول األعضاء في مجلس األمن‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫✓ لجنة الخبراء المعنية بالنظام الداخلي ‪.‬‬
‫✓ اللجنة المعنية بقبول األعضاء الجدد ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪:‬المجلس االقتصادي واالجتماعي‬

‫ينسق المجلس االقتصادي واالجتماعي أعمال وكاالت األمم المتحدة المتخصصة‬


‫وعددها‪ ،14‬و ‪ 15‬لجنة فنية‪ ،‬وخمس لجان إقليمية؛ ويتلقى تقارير من ‪ 11‬صندوقا وبرنامجا‬
‫لألمم المتحد ‪ .‬وهو يصدر التوصيات في مجال السياسة العامة إلى منظومة األمم المتحدة‬
‫‪69‬‬

‫والدول األعضاء ‪.‬وبموجب ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬فإن المجلس االقتصادي واالجتماعي مسئول‬
‫عن تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب االستخدام المتصل لكل فرد‪ ،‬والنهوض بعوامل‬
‫التطور والتقدم االقتصادي واالجتماعي؛ وتيسير الحلول للمشاكل الدولية االقتصادية‬
‫واالجتماعية والصحية‪ ،‬وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم؛ وإشاعة احترام حقوق‬
‫اإلنسان والحريات األساسية للجميع في العالم ‪.‬ويشمل اختصاص المجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي أكثر من ‪ 70‬في المائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة األمم المتحدة بأكملها‪.‬‬
‫وفي اضطالع المجلس االقتصادي واالجتماعي بواليته‪ ،‬يتشاور مع األكاديميين‪ ،‬وممثلي‬
‫قطاع األعمال‪ ،‬وأكثر من ‪ 2100‬منظمة غير حكومية مسجلة ‪.‬ويعقد المجلس في شهر يوليوز‬
‫دورة موضوعية مدتها أربعة أسابيع‪ ،‬وذلك في نيويورك وجنيف بالتناوب‬ ‫من كل عام‪،‬‬
‫‪.‬وتشمل الدورة جزءا رفيع المستوى يقوم فيه وزراء الدول ورؤساء الوكاالت الدولية وغيرهم‬
‫من كبار المسئولين بتركيز انتباههم على مواضيع مختارة ذات أهمية عالمية‪.‬‬
‫وتنتخب الجمعية العامة الحكومات األعضاء ال ‪ 54‬في المجلس لفترات متداخلة من‬
‫ثالثة أعوام ‪.‬وتخصص المقاعد في المجلس على أساس التمثيل الجغرافي بتخصيص أربعة‬
‫عشر مقعدا للدول األفريقية‪ ،‬وأحد عشر مقعدا للدول اآلسيوية‪ ،‬وستة مقاعد لدول أوروبا‬
‫الشرقية‪ ،‬وعشر مقاعد لدول أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي‪ ،‬وثالثة عشر مقعدا لدول‬
‫أوروبا الغربية ودول أخرى‪.‬‬
‫وينتخب المجلس االقتصادي واالجتماعي بكامل أعضائه مكتب المجلس في بداية كل‬
‫دورة سنوية ‪.‬وتشمل المهام الرئيسية للمكتب اقتراح جدول األعمال‪ ،‬وصياغة برنامج العمل‪،‬‬
‫وتنظيم الدورة بدعم من األمانة العامة لألمم المتحدة‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة ‪:‬مجلس الوصاية‬


‫عندما وضع الميثاق نظاما دوليا للوصاية‪ ،‬أنشأ مجلس الوصاية كأحد األجهزة الرئيسية‬
‫لألمم المتحدة وأناط به مهمة اإلشراف على إدارة األقاليم المشمولة بنظام الوصاية‪ .‬وكان من‬
‫األهداف الرئيسية للنظام تشجيع النهوض بسكان األقاليم المشمولة بالوصاية وتقدمهم التدريجي‬
‫صوب الحكم الذاتي أو االستقالل‪ .‬ويتألف مجلس الوصاية من أعضاء مجلس األمن الدائمين‬
‫‪70‬‬

‫الخمسة‪ ،‬وهم االتحاد الروسي‪ ،‬والصين‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬والمملكة المتحدة‪ ،‬والواليات المتحدة‬
‫األمريكية باإلضافة إلى الدول األعضاء المكلفة بإدارة أقاليم مشمولة بنظام الوصاية‪ .1‬وقد‬
‫تحققت أهداف نظام الوصاية إلى درجة أن جميع األقاليم المشمولة بالوصاية حصلت على الحكم‬
‫الذاتي أو االستقالل ‪ ،‬إما كدول على حدة أو باالنضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة‪.‬‬
‫علق مجلس الوصاية عمله في‪1‬نوفمبر ‪ ،1994‬و بموجب قرار اتخذ في نفس السنة‬
‫عدل المجلس نظامه الداخلي للتخلي عن االلتزام باالجتماع سنويا ووافق على االجتماع حسب‬
‫االقتضاء بموجب قراره أو بناء على طلب أغلبية أعضائه أو الجمعية العامة أو مجلس األمن‪.‬‬
‫وقد تحققت أهداف نظام الوصاية إلى درجة أن جميع األقاليم المشمولة بالوصاية حصلت‬
‫على الحكم الذاتي أو االستقالل‪ ،‬إما كدول على حدة أو باالنضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة‪.‬‬

‫الفقرة الخامسة ‪:‬محكمة العدل الدولية‬


‫وهي الجهاز القضائي الرئيسي لألمم المتحدة ‪.‬ومهمتها األساسية هي الفصل في المنازعات‬
‫بين الدول‪.‬‬
‫وقد أنشئت محكمة العدل الدولية سنة ‪ ،1946‬ويقع مقرها في الهاي ) هولندا ( وتتكون‬
‫من ‪ 15‬قاضيا تشترك الجمعية العامة ومجلس األمن في انتخابهم بشكل مستقل‪.‬‬
‫ويعد النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية جزءا ال يتجزأ من ميثاق األمم المتحدة دليالً‬
‫واضحا على مدى اهتمام الميثاق بهذه الهيئة القضائية‪ ،‬ونتج عن ذلك جميع الدول األعضاء في‬
‫األمم المتحدة أصبحت بالضرورة أعضاء في النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ‪.‬وقد سمح‬
‫الميثاق لكل الدول بأن ترفع نزاعاتها أمام المحكمة‪ ،‬بالشروط التي تحددها الجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة بناء على توصية من مجلس األمن (مادة ‪.)35‬‬
‫وقد حدد مجلس األمن في قراره الصادر في ‪ 15‬أكتوبر ‪1946‬م‪ ،‬ثم الجمعية العامة في‬
‫قرارها الصادر في ‪ 11‬ديسمبر ‪1946‬م تلك الشروط‪ ،‬وهي قبول النظام األساسي للمحكمة‪،‬‬
‫وااللتزامات المنصوص عليها في المادة ‪ 94‬من ميثاق األمم المتحدة؛ وهي المادة التي توجب‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 86‬من ميثاق األمم المتحدة‬


‫‪71‬‬

‫على األعضاء تنفيذ أحكام المحكمة‪ ،‬وتخول مجلس األمن سلطة اتخاذ ما يراه ضروريا لفرض‬
‫احترام وتنفيذ هذه األحكام والمساهمة في تحمل نفقات المحكمة‪ ،‬وفقا لنظام الحصص الذي‬
‫تحدده الجمعية العامة لألمم المتحدة‪.‬‬
‫‪-1‬تشكيل المحكمة‪:‬‬
‫تتكون هيئة المحكمة من خمسة عشر قاضيا‪ ،‬يعينون باالنتخاب لمدة تسع سنوات قابلة‬
‫للتجديد‪ ،‬وأعضاء المحكمة ال يمثلون أحدا وال يخضعون ألي سلطة‪ ،‬ويختارون لعلمهم‬
‫وكفاءتهم في المجال القانوني والقضائي‪ ،1‬ويتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة لألمم المتحدة‬
‫ومجلس األمن من بين قائمة يعدها األمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬ويتم االنتخاب والتصويت سواء‬
‫داخل الجمعية العامة أو مجلس األمن بشكل مستقل في كل جهة منهما‪.‬‬
‫ويشترط في القضاة المنتخبين أن يتمتعوا بالنزاهة والموضوعية والكفاءة العلمية أو‬
‫المهنية في مجال القانون الدولي‪ ،‬وال يجوز انتخاب أكثر من قاض من بلد واحد‪ ،‬ويراعى في‬
‫تشكيل أعضاء المحكمة أن يكونوا ممثلين للحضارات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية في‬
‫العالم‪.2‬‬
‫ويصبح عضوا ً في المحكمة كل من حصل على األغلبية المطلقة لألصوات في كل من‬
‫الجمعية العامة ومجلس األمن‪.‬‬
‫ويعطى أعضاء المحكمة مميزات تكفل لهم استقاللهم وعدم التأثير عليهم‪ ،‬ال من الدول‬
‫التي ينتمون إليها‪ ،‬أو حتى من الجمعية العامة ومجلس األمن اللذين انتخبوهم؛ فهم يتمتعون عند‬
‫مباشرة وظائفهم بالمزايا والحصانات الدبلوماسية المقررة عادة لرؤساء البعثات الدبلوماسية‪،‬‬
‫والجهة الوحيدة التي لها حق عزل عضو من أعضائها هي المحكمة نفسها‪ ،‬وبإجماع اآلراء؛‬
‫سواء نظر عزله لعدم أهلية العضو أو استطاعته تأدية وظائفه المنوط بها ألسباب صحية أو‬
‫عقلية‪.‬‬
‫و حرصا على ضمانات الموضوعية عند نظر القضايا ال يجوز حسب نظام المحكمة‬

‫‪ -1‬المادة ‪ 3‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‬

‫‪ -‬المادة ‪4‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‬ ‫‪2‬‬


‫‪72‬‬

‫للعضو أن يشغل وظائف سياسية أو يتولى مناصب إدارية أو يمتهن أية جهة أخرى غير وظيفته‬
‫القضائية تلك‪ ،‬وال يجوز له االشتراك في نظر أية قضية سبق له االرتباط بها أو كانت له‬
‫مصلحة فيها بأي وجه من الوجوه‪.‬‬
‫‪-2‬اختصاصات المحكمة‪:‬‬
‫تنحصر اختصاصات المحكمة في جزأين‪:‬‬
‫أ‪-‬االختصاص القضائي‪:‬‬
‫تنظر المحكمة في النزاعات المرفوعة إليها بين الدول بعضها البعض فقط‪ ،‬وال تنظر‬
‫أية قضايا مرفوعة من األفراد أو من أية هيئات عامة أو خاصة‪ ،‬وال تنظر المحكمة أية قضية‬
‫أو نزاع مهما كان أهميته أو خطورته من تلقاء نفسها‪ ،‬بل ال بد أن يرفع إليها ومن الجهتين‬
‫المتنازعتين معا؛ فهي ال تفصل في أي قضية يرفعها طرف بمفرده على طرف آخر‪،1‬‬
‫واختصاص المحكمة اختياري؛ ولذلك فقد اشترط على المحكمة عند الفصل في المنازعات‬
‫الدولية ما يلي‪:‬‬
‫‪- 1‬أن تكون لديها موافقة كتابية من أطراف النزاع معا على إحالة القضية إلى محكمة العدل‬
‫الدولية؛ فمثال في قضية طابا المصرية لم تحكم المحكمة بخصوصها‪ ،‬أو لم تنظر فيها‬
‫إال بعد موافقة إسرائيل المحتلة لهذا الجزء من األراضي المصرية‪ ،‬وموافقة مصر كذلك ‪.‬فلو‬
‫رفعتها مصر وحدها فال تُنظر القضية‪ ،‬يضاف لذلك أنه يجب إخطار المحكمة رسميا ‪:‬ما‬
‫المطلوب منها أن تفصل فيه بالضبط‪ ،‬أو يكون ضمنيا عندما يقبل أطراف النزاع أن تنظر‬
‫المحكمة بشأن نزاعهم‪.‬‬
‫‪- 2‬أن يكون هناك اتفاقيات أو معاهدات بين دولتين أو أكثر‪ ،‬وينص في هذه االتفاقيات أو‬
‫المعاهدات على اختصاص محكمة العدل الدولية نظر أية قضية أو الفصل في أي نزاع قد ينشأ‬
‫بين األطراف حول تطبيق أو تفسير أي بند من بنود هذه االتفاقيات والمعاهدات‪..‬‬
‫ب‪-‬االختصاص االستشاري‪:‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 34‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‬


‫‪73‬‬

‫الجهات التي لها حق طلب الفتوى أو االستشارة القانونية هي الجمعية العامة ل ألمم‬
‫المتحدة ومجلس األمن فقط ‪.‬وقد ورد في المادة ‪ 96‬من ميثاق األمم المتحدة أنه يمكن لفروع‬
‫األمم المتحدة أو لمنظماتها المتخصصة طلب الفتوى من محكمة العدل الدولية بالنسبة ألي‬
‫مسألة تدخل في مجال اختصاصها إذا ما صرحت لها الجمعية العامة بذلك‪ ،‬وقد صرحت‬
‫الجمعية العامة بالفعل لغالبية فروع األمم المتحدة ووكاالتها المتخصصة باللجوء للمحكمة‬
‫وطلب الفتوى أو االستشارة القانونية منها‪.‬‬
‫وهذه الفتوى أيضا غير ملزمة للجهات التي طلبتها‪ ،‬ومع ذلك فلهذه الفتاوى‬
‫واالستشارات قيمة كبرى‪ ،‬كما يقول المختصون ‪..‬وتتمثل هذه القيمة في نظرهم من حيث إنها‬
‫تعبر عن التفسير القانوني الرسمي أو األكثر حجية‪ ،‬وتعكس وجهة النظر القضائية حول‬
‫الموضوع أو المسألة المطلوب شرحها أو تفسيرها‪ ،‬وقد أغنت هذه اآلراء االستشارية القانون‬
‫الدولي كثيراً‪ ،‬وساعدت في الوقت نفسه على تفسير وتطوير سلطات واختصاصات األجهزة‬
‫السياسية لألمم المتحدة نفسها‪.‬‬
‫ت ‪-‬طرق اللجوء إلى المحكمة‪:‬‬
‫تكون المحكمة مؤهلة للنظر في نزاع ما فقط في حالة موافقة الدول المعنية على صالحيتها‬
‫بواحدة أو بأكثر من وسيلة من الوسائل التالية‪:‬‬
‫❖ بموجب االتفاق في ما بينها لعرض النزاع على المحكمة‪.‬‬
‫❖ عندما تكون الدول أطرافا في اتفاق يتضمن بندا يمكن وفقا له‪ ،‬في حالة حدوث خالف‬
‫على تفسيره أو تطبيقه‪ ،‬أن تحيل إحدى هذه الدول النزاع إلى المحكمة‪.‬‬
‫❖ في إطار التأثير المتبادل لتصريحات الدول و بموجبه توافق كل دولة على قبول صالحية‬
‫المحكمة كإلزام في حالة التنازع مع دولة أخرى أطلقت تصريحا مشابها‪.‬‬
‫ث‪-‬اإلجراء المتبع أمام المحكمة‪:‬‬
‫يشمل اإلجراء المتبع من قبل المحكمة في القضايا محل النزاع مرحلة المرافعات الكتابية‬
‫ومرحلة المشافهة وتشمل الجلسات العلنية لالستماع للحجج التي يخاطب فيها الوكالء‬
‫والمستشارون المحكمة‪ .‬وبما أن اللغتين الرسميتين للمحكمة هما اإلنجليزية والفرنسية‪ ،‬فإن كل‬
‫مدون أو ملفوظ بإحدى اللغتين يترجم إلى اللغة األخرى‪.‬‬
‫‪74‬‬

‫وبعد المرافعات الشفهية تتداول المحكمة سرا وتصدر حكمها في جلسة علنية‪ .‬ويكون‬
‫الحكم نهائيا وغير مستأنف ‪.‬وإذا لم تذعن إحدى الدول المعنية للحكم‪ ،‬فيجوز للطرف اآلخر أن‬
‫يلجأ إلى مجلس األمن‪.‬‬
‫ومنذ العام ‪ 1946‬أصدرت محكمة العدل الدولية ‪ 78‬حكما في نزاعات تتعلق من بين‬
‫أشياء أخرى بالحدود البرية والحدود البحرية والسيادة اإلقليمية وعدم استخدام القوة وعدم‬
‫التدخل في الشؤون الداخلية للدول والعالقات الدبلوماسية والرهائن وحق اللجوء السياسي‬
‫والجنسية والوصاية وحقوق المرور المائي والحقوق االقتصادية‪.‬‬

‫العامــــة‪.‬‬ ‫الفقرة السادسة ‪:‬األمانــة‬


‫تتألف األمانة العامة من موظفين دوليين يعملون في مقر األمم المتحدة في نيويورك وفي‬
‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬ويضطلع باألعمال اليومية المتنوعة للمنظمة‪ .‬وتتولى األمانة العامة خدمة‬
‫أجهزة األمم المتحدة الرئيسية األخرى وإدارة البرامج والسياسات التي تضعها‪ .‬ويرأس األمانة‬
‫العامة األمين العام‪ ،‬الذي تعينه الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس األمن لفترة خمس‬
‫سنوات قابلة للتجديد‪.‬‬

‫وتتنوع المهام التي تضطلع بها األمانة العامة بمثل تنوع المشاكل التي تعالجها األمم‬
‫المتحدة‪ .‬ويمتد نطاق هذه المهام من إدارة حفظ السالم إلى التوسط لتسوية المنازعات الدولية‪،‬‬
‫ومن استقصاء االتجاهات والمشاكل االقتصادية واالجتماعية إلى إعداد الدراسات عن حقوق‬
‫اإلنسان والتنمية المستدامة‪ .‬كما يقوم موظفو األمانة العامة بتوعية وسائط االتصال في العالم‬
‫بأعمال األمم المتحدة وتعريفها بها؛ وتنظيم المؤتمرات الدولية بشأن المسائل التي تهم العالم‬
‫أجمع؛ ورصد مدى تنفيذ القرارات التي تتخذها هيئات األمم المتحدة؛ والترجمة الشفوية للخطب‬
‫والترجمة التحريرية للوثائق إلى اللغات الرسمية للمنظمة‪.‬‬

‫ويبلغ عدد موظفي األمانة العامة‪ ،‬في إطار الميزانية العادية‪ ،‬نحو ‪ 8600‬من النساء‬
‫والرجال ينتمون إلى ‪ 170‬بلدا‪ .‬وبوصفهم موظفين مدنيين دوليين‪ ،‬فإنهم واألمين العام مسؤولون‬
‫عن أنشطتهم أمام األمم المتحدة وحدها‪ ،‬ويؤدون القسم على أال يلتمسوا أو يتلقوا أي تعليمات‬
‫‪75‬‬

‫من أي حكومة أو سلطة خارجية‪ .‬وبموجب الميثاق‪ ،‬تتعهد كل دولة من الدول األعضاء باحترام‬
‫الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات األمين العام والموظفين وبعدم السعي إلى التأثير فيهم على أي‬
‫نحو غير الئق عند اضطالعهم بمسؤولياتهم‪.1‬‬

‫وفي حين أن األمم المتحدة تتخذ من نيويورك مقرا لها‪ ،‬فإن لها حضورا بارزا في جنيف‬
‫وفيينا ونيروبي‪ .‬فمكتب األمم المتحدة في جنيف يمثل مركزا للمؤتمرات الدبلوماسية ومحفال‬
‫لمواضيع نزع السالح وحقوق اإلنسان‪ .‬أما مكتب األمم المتحدة في فيينا فهو مقر أنشطة األمم‬
‫المتحدة في مجاالت المكافحة الدولية إلساءة استعمال المخدرات‪ ،‬ومنع الجريمة والعدالة‬
‫الجنائية‪ ،‬واستخدام الفضاء الخارجي في األغراض السلمية‪ ،‬والقانون التجاري الدولي‪ .‬ومكتب‬
‫األمم المتحدة في نيروبي هو مقر أنشطة األمم المتحدة في مجالي البيئة والمستوطنات البشرية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الفرد‬


‫كان القانون الدولي التقليدي ينكر أي حقوق دولية للفرد‪ ،‬أما القانون الدولي المعاصر فقد‬
‫اهتم باألفراد إلى حد كبير من خالل االتفاقيات والقوانين الدولية والمنظمات العالمية الخاصة‬
‫بهذا المجال‪ ،‬وقد شكلت مسؤولية الفرد في القانون الدولي محط جدال ونقاش كبيرين بين مختلف‬
‫فقهاء القانون الدولي‪ ،‬فعلى عكس االتجاه الوضعي الذي ال يعتبر الفرد من أشخاص القانون‬
‫الدولي وبالتالي ال يعتر ف للفرد بالشخصية القانونية الدولية‪ ،‬على أساس أن القانون الدولي ينظم‬
‫العالقات بين الدول‪ ،‬فإن االتجاه االجتماعي يرى أن الفرد بإمكانه ارتكاب أفعال غير مشروعة‬
‫في القانون الدولي‪ ،‬حيث ال تكون مسؤولية الدولة فقط بقدر ما تبرز مسؤولية األفراد أيضا‪ .‬أما‬
‫اهتمام القانون الدولي بالفرد تجلى في اتجاهين‪ ،‬اتجاه يجعل الفرد موضع حماية من الرق‬
‫واالضطهاد وحماية الالجئين‪ ،‬واتجاه يجعل من الفرد موضع الزجر‪ ،‬أي منع القرصنة واإلبادة‬
‫الجماعية والعمل كمرتزقة في الحروب‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اتجاه يجعل من الفرد موضع الحماية‪:‬‬

‫‪ - 1‬ماهر ملندي وماجد الحموي ‪ ،‬مرجع سابق ص‪.105‬‬


‫‪76‬‬

‫برز اهتمام القانون الدولي بحماية الفرد من خالل الكثير من االتفاقيات والمعاهدات مثل‬
‫نظام حماية األقليات الذي تقرر في نهاية الحرب العالمية األولى في معاهدات الصلح األربع‬
‫التي أبرمت مع كل من النمسا‪ ،‬المجر‪ ،‬بلغاريا وتركيا‪ ،‬وفي معاهدات األقليات التي عقدت مع‬
‫الدول التي نشأت حديثا كبولونيا ويوغسالفيا ورومانيا واليونان‪،‬وتضمن ألفراد هذه األقليات‬
‫حقوقهم المدنية والسياسية‪ ،‬وتسمح لهم باستعمال لغتهم األصلية وممارستهم الدينية بكل حرية‪،‬‬
‫لكن الواقع حاليا يشير إلى أن حماية األقليات لم تطبق بشكل مرضي وال تزال تواجه تحديات‬
‫وصعوبات كثيرة‪.1‬‬
‫وفي ذات السياق نشأت المنظمات الدولية المتخصصة لحماية الفرد مثل المنظمة الدولية لالجئين‬
‫والتي تعرف حاليا ً بالمفوضية العليا لألمم المتحدة لشؤون الالجئين‪ .‬أما اإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان فقد أبدى اهتماما أكبر بالحقوق التي يمكن االعتراف بها للفرد تمثلت‬
‫في حوالي ثالثين مادة كحق الحياة وحق الحرية وحق المساواة إلخ‪ ،‬غير أن الجدل ال يزال‬
‫قائما ً حول القيمة القانونية لهذا اإلعالن‪ ،‬فعلى الرغم من ما يملكه من قيمة أخالقية بوصفه‬
‫أول وثيقة دولية رسمية سجلت فيها حقوق اإلنسان على وجه التحديد فهذا اإلعالن الصادر على‬
‫شكل توصية من قبل الجمعية العامة‪ ،‬ال يتصف بقوة قانونية أخالقية إلزامية وال يتضمن أي‬
‫جزاءات في حال مخالفة أحكامه أو ضمانات لتنفيذه‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اتجاه يجعل من الفرد موضع الزجر‪.‬‬


‫ترتب بعض القواعد القانونية الدولية للفرد مسؤولية جنائية وتمس الناحية الشخصية من‬
‫حياته و مثال ذلك األحكام الخاصة بمنع القرصنة حيث يعتبر مرتكب هذا الفعل مجرما ً دوليا ً‬
‫يوجب على كل دولة إلقاء القبض عليه ومحاكمته ومعاقبته حسب قوانينها المرعية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باتفاقية ‪ 1948‬الخاصة بجريمة إبادة الجنس البشري‪ ،‬فقد نصت المادة الرابعة‬
‫منها معاقبة كل من يرتكب هذه الجريمة سواء كان حاكما ً أو موظفا ً أو فردا ً عادياً‪ ،‬ولما كان‬

‫‪- 1‬عبد الكبير علوان خضير‪ ،‬القانون الدولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.168-167 :‬‬
‫‪77‬‬

‫تنفيذ هذه االتفاقية تنفيذا ً جبريا ً يقتضي وجود هيئة قضائية دولية إذا لم تقم الدولة التي وقعت‬
‫الجريمة على إقليمها بعقاب فاعلها أو كانت هذه الجريمة قد وقعت بفعل حكومة الدولة أو بإذن‬
‫منها فقد دعت الجمعية لجنتها القانونية لبحث إقامة مثل هذه الهيئة القضائية الجنائية الدولية‪،‬‬
‫وهو ما توصلت إليه الجماعة الدولية سنة ‪ ،2002‬بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة‬
‫التي جعلت من اختصاصها المعاقبة على ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية‪.1‬‬
‫أما بالنسبة للذين يعملون في الحروب بدافع االحتراف والحصول على الثروة‬
‫(المرتزقة)‪ ،‬فقد استثنتهم المادة ‪ 44‬من بروتوكول عام ‪ 1977‬األول الملحق باتفاقيات‬
‫جنيف لعام ‪ 1949‬من عداد أسرى الحرب‪ ،‬واعتبرتهم مجرمين عاديين يمكن محاكمتهم حسب‬
‫قوانين البلد الذي يلقي القبض عليهم‪.‬‬
‫وقد نتج عن االهتمام المتزايد بالفرد من جانب حقوق اإلنسان تحول كبير بخصوص‬
‫مركز الفرد في القانوني الدولي حيث أضحى مركزه ال يقل أهمية عن المركز الذي يتمتع به‬
‫أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬فالفرد لم يعد محال لقواعد القانون الدولي فقط‪ ،‬وإنما أصبح‬
‫كشخص من أشخاصه‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مصادر القانون الدولي العام‬


‫تنص المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية إلى أن "وظيفة المحكمة أن تفصل‬
‫في المنازعات التي ترفع إليها وفقا ألحكام القانون الدولي‪ ،‬وهي تطبق في هذا الشأن‪:‬‬
‫أ‪ -‬االتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول‬
‫المتنازعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر االستعمال‪.‬‬
‫ج‪ -‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم المتمدنة‪.‬‬
‫د‪ -‬أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف األمم‪"..‬‬

‫‪-1‬‬
‫‪78‬‬

‫وقد اتجه مختلف الفقهاء و الباحثين في القانون الدولي العام إلى تصنيف مصادر هذا‬
‫األخير إلى مصادر أصلية وأخرى إحتياطية‪.‬‬
‫المصادر األصلية هي‪:‬‬
‫‪-1‬المعاهدات – ‪-2‬العرف‪ -3 -‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم المتحدة‪.‬‬
‫أما المصادر اإلحتياطية فهي‪:‬‬
‫‪-1‬األحكام والفتاوى الصادرة عن المحاكم الدولية‪ -2 .‬الفقه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المصادر األصلية‬


‫تعد المصادر األصلية أقوى من المصادر اإلحتياطية ألنه يرجع إليها أوال وحسب‬
‫الترتيب السابق الذكر فإن لم نجد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق يتم الرجوع إلى المصادر‬
‫اإلحتياطية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المعاهدات الدولية‬


‫تلعب المعاهدات الدولية دورا كبيرا في مجال القانون الدولي من حيث احترام مبادئه وسيادة‬
‫أحكامه‪ ،‬ليشكل بذلك اآللية الكفيلة لتنظيم العالقات الدولية المعتمدة والمتشعبة ‪،‬فتنظيم المجتمع‬
‫الدولي‪ ،‬وضبط العالقات االقتصادية والسياسية والقانونية بين مختلف كياناته رهين بالقانون‬
‫الدولي‪ ،‬هذا األخير يتجسد في مجموع االتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الدول فيما بينها‪.1‬‬
‫والمعاهدة الدولية هي المصدر األول المباشر إلنشاء القواعد القانونية الدولية‪ ،‬والمعاهدات هي‬
‫اتفاقات رسمية تبرمها الدول في شأن من الشؤون الدولية‪ ،‬وينتج عنها بعض اآلثار القانونية‬
‫يحددها القانون الدولي العام‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم المعاهدة الدولية‬

‫‪-1‬خالد الحمدوني ‪،‬إشكالية توزيع السلط بالمغرب في مجال المعاهدات الدولية‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‬
‫‪،‬العدد ‪ ،137‬نونبر‪-‬دجنبر ‪ ،2017‬ص ‪.279-265 :‬‬
‫‪79‬‬

‫المعاهدة الدولية أو االتفاقية ‪ ،‬هي اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم عالقة‬
‫قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضه لها هذه العالقة‪ .1‬وعرفتها اتفاقية ﭭيينا المتعلقة بقانون‬
‫المعاهدات لسنة ‪": 1969‬بأنها اتفاق دولي أبرم كتابة بين الدول وينطبق عليه القانون الدولي‪،‬‬
‫وذلك سواء كانت المعاهدة مضمنة في وثيقة أو في وثيقتين أو عدة وثائق مرتبطة ببعضها‬
‫ومهما كانت التسمية الخاصة المطلقة عليها"‪.2‬‬

‫يترتب عن هذا التعريف العناصر التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬المعاهدات هي اتفاقيات تعقد بين أشخاص القانون الدولي‪.‬‬


‫‪ -‬أن تكون المعاهدة مكتوبة في وثيقة واحدة أو أكثر‪ ،‬أيا كانت التسمية التي تطلق عليها‪.‬‬
‫‪ -‬خضوع المعاهدة ألحكام القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ -‬المعاهدة هي اتفاق هدفه إحداث آثار قانونية‪.‬‬
‫ويطلق على المعاهدة اسم االتفاقية أو االتفاق الدولي أو البرتوكول أو الميثاق وهي تدل‬
‫على نفس المعنى‪ ،‬رغم أن البعض حاول التفريق بين هذه األدوات االتفاقية إال أنه حسب‬
‫محمد عزيز شكري ال جدوى عملية من ذلك لسببين األول هو أن العقد شريعة المتعاقدين‬
‫مهما كانت تسمي ته‪ ،‬والثاني أن الدول ال تتبع قاعدة موحدة في تسميتها للمعاهدات التي‬
‫توقعها فما الفرق بين صك عصبة األمم وميثاق منظمة األمم المتحدة سواء من حيث‬
‫الموضوع أو من حيث األطراف الموقعة‪. 3‬‬

‫وتصنف المعاهدات حسب عدة معايير‪ ،‬فمن حيث الموضوع‪ ،‬تنقسم المعاهدات إلى‬
‫معاهدات سياسية واجتماعية واقتصادية‪ ،‬ومن حيث الطبيعة تنقسم المعاهدات إلى معاهدات‬

‫‪ - 1‬علي صادق أبو الهيف‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬بدون تاريخ الطبع ‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬منشأة المعارف‪ ،‬ص‪.156 :‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪- Selon l’article 2 de la convention de Vienne sur la droit des traités : L’expression « Traité » s’entend d’un accord‬‬
‫‪international conclu par écrit entre Etats et régi par le droit international, qu’il soit consigné dans un instrument‬‬
‫‪unique ou dans deux ou plusieurs instruments connexes, et quelque soit sa dénomination particulière.‬‬

‫‪ - 3‬محمد عزيز شكري ‪ ،‬المدخل إلى القانون الدولي العام وقت السلم ‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬دمشق ‪،‬دار الفكر ‪،1981 ،‬‬
‫ص‪.373‬‬
‫‪80‬‬

‫تعاقدية خاصة ومعاهدات شارعة عامة‪ ،‬أما من جانب األطراف‪ ،‬فنجد المعاهدات ثنائية‬
‫وجماعية‪ ،‬ومن جانب الحيز ال جغرافي تقسم إلى معاهدات إقليمية وعالمية‪ ،‬ووفقا لصفة‬
‫المتعاقدين‪ ،‬تقسم إلى معاهدات بين الدول ومعاهدات بين المنظمات وثالثة بين الدول‬
‫والمنظمات‪.1‬‬

‫ومن المفاهيم المشابهة للمعاهدة الدولية نجد ما يلي ‪:‬‬

‫‪-‬االتفاق ‪ :‬وهو يطلق على الوثائق الدولية أو المعاهدات الدولية التي ليست لها صبغة سياسية‬
‫ومثال ذلك االتفاقية التجارية والمالية والثقافية‪.‬‬

‫االتفاقية ‪ :‬يطلق على المعاهدات الدولية التي تتناول بالتحديد المواضيع القانونية‪ ،‬أو تلك التي‬
‫تنظم أو تعالج تنظيما قانونيا للعالقا ت بين الدول كاتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات‪.‬‬

‫‪-‬البروتوكول ‪ :‬وهو معاهدة تتضمن تعديالت لبعض بنود وأحكام معاهدة أصلية أو تنظيم قضايا‬
‫تكميلية أو متفرعة عن المعاهدة األصلية‪.‬‬

‫الميثاق أو العهد‪ :‬يطلق على المعاهدات التي يراد منها أن تكون ذات أهمية قصوى في منظور‬
‫المجتمع الدولي كالمعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية‪.‬‬

‫أما من حيث اإلجراءات المتبعة في إبرام المعاهدات فتسقم إلى معاهدات شكلية (مطوية)‬
‫ال تنعقد إال بإتمام مراحل ثالث (المفاوضات – التوقيع‪-‬التصديق)‪ .‬واتفاقات مبسطة أو تنفيذية‬
‫ال تستوجب لنفاذها سوى التفاوض والتوقيع‪ .‬ويؤكد الفقه على أن ال خالف بين هذين النوعين‬
‫من حيث القيمة القانونية وقوتها اإللزامية في مواجهة أطرافها‪ ،‬كما ال تختلف من حيث أهمية‬
‫المواضيع التي يسمونها بالتنظيم‪.2‬‬

‫‪1-‬‬ ‫‪Emmanuel Decaux et Olivier de Frouville,droit international public,dalloz,2018,p’44-45‬‬

‫‪- 2‬علي يوسف الشكري‪ ،‬الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية دراسة مقارنة في الدساتير العربية‪ ،‬مجلة مركز دراسات‬
‫الكوفة‪ ،‬العدد السابع‪ ،2008 ،‬ص ‪.15-14‬‬
‫‪81‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مراحل إبرام المعاهدة الدولية‬


‫تمر المعاهدة الدولية عند إبرامها وقبل أن يتم إبرامها نهائيا بعدة مراحل وهي التفاوض‬
‫والتحرير والتوقيع‪.‬‬

‫أوال ‪:‬التفاوض‪.‬‬

‫تبدأ عملية صياغة االتفاقية أو المعاهدة بمرحلة االتصاالت بين الدول المزمع إشراكها‬
‫فيها لالتفاق مبدئ يا على موضوعها‪ ،‬وعلى المضي قدما في اتخاذ اإلجراءات الالزمة إلبرامها‪،‬‬
‫ثم مرحلة المفاوضات بين الدول‪ ،1‬لتحديد المسائل التي سوف تتناولها أحكام المعاهدة ومناقشة‬
‫هذه األحكام واالتفاق بشأنها‪ . 2‬وتعتبر المفاوضات أصعب مرحلة وأهمها في إبرام المعاهدات‬
‫سواء كانت ثنائ ية أم جماعية‪ .‬وتبعا لذلك تحرص الدول على اختيار المفاوضين بعناية تامة ‪،‬‬
‫فهي فن يجب تعلمه وإتقانه‪ .‬والمفاوضات تعني تبادل وجهات النظر بين الدول األطراف حول‬
‫موضوع ما وتقديم االقتراحات بشأنه وهي تتم بين ممثلي الدول الذين يحملون وثائق التفويض‬
‫الموقعة من قبل السل طات المختصة في دولهم‪ .‬وال يشترط في المفاوضات أن تتخذ شكال معينا‬
‫فقد تكون علنية أو سرية أو في شكل تبادل مذكرات وأحيانا في شكل مؤتمرات أو لجان في‬
‫مكان وزمان واحد أو في فترات أو أماكن مختلفة‪ .‬وقد تنجح المفاوضات فيتم االتفاق أو يعلن‬
‫عن فشلها أو تأجيلها إلى وقت الحق تسمح به الظروف‪ .3‬ومرحلة التفاوض بشأن االتفاقية يمكن‬
‫أن نسميها بمرحلة المخاض الذي تعرفها هذه األخيرة قبل أن ترى النور‪.4‬‬

‫‪ - 1‬عبد القادر القادري‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬الرباط ‪،‬مكتبة المعارف‪ ،1984 ،‬ص ‪.31:‬‬

‫‪ - 2‬تتم هذه المرحلة بالنسبة للمعاهدات الثنائية عن طريق اجتماعات خاصة بين ممثلي الدول صاحبة الشأن‪ ،‬بينما تكون بالنسبة‬
‫للمعاهدات الجماعية عن طريق مؤتمر تدعى إليه الدول المرغوب ا شتراكها‪ ،‬أنظر علي صادق أبو الهيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.459:‬‬

‫‪ - 3‬ماهر ملندي وماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪،2008 ،‬ص‪.43‬‬

‫‪ 4‬خالد الحمدوني‪ ،‬سلطات إبرام المعاهدات في ضوء الدستور المغربي لعام ‪،2011‬مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية‪،‬‬
‫العدد الرابع‪،‬يوليوز‪،2020،‬ص‪.102-83‬‬
‫‪82‬‬

‫ثانيا ‪:‬التحريـــر‪:‬‬

‫التحرير هي المرحلة التنفيذية‪ ،‬ويمكن أن نسيمها بمرحلة الوالدة في مسار صياغة‬


‫االتفاقية الدولية‪ ،‬وهي تأتي إذا ما انتهت الدول األطراف االتفاق على فحواها‪ ،‬حيث تحرر‬
‫المعاهدة أو االتفاقية ‪ ،‬أما اللغة التي تحرر بها المعاهدات فعادة ال تثير إشكاال في المعاهدات‬
‫الثنا ئية تحرر بلغة المتعاقدين أو اللغة التي يتم االتفاق عليها‪ ،‬أما المعاهدات الجماعية عادة ما‬
‫تحرر بإحدى اللغات العالمية كالفرنسية أو االنجليزية إال إذا اتفق األطراف على غير ذلك‬
‫‪،‬ومهما تعددت اللغات التي حررت بها االتفاقية فلها نفس الحجية‪.‬‬

‫ويسبق تحرير الصيغة النهاية لالتفاقية بعض اإلجراءات الشكلية‪،‬ومنها تفويضات‬


‫مندوبي الدول المشتركة فيها لتأكد من أن المسائل المتفق بشأنها تدخل في حدود تفويض كل‬
‫منهم‪ ،‬وذلك حتى ال تكون المعاهدة عرضة لعدم التصديق عليها من إحدى هذه الدول بحجة أن‬
‫مندوبها قد تعدى حدود توكيله‪.‬‬

‫وتأخذ ال صيغة النهائية للمعاهدة شكل هندسي يبدأ بمقدمة أو ديباجة‪ ،‬ويلي ذلك صلب‬
‫االتفاقية أو أحكام االتفاقية ثم أحكام انتقالية وأخيرا خاتمة تتضمن تاريخ نفاذ المعاهدة وكيفية‬
‫االنضمام إليها والمالحق إن وجذت‪ ،‬فغالبا ما تصحب الصيغة األصلية لالتفاقية ملحقات باسم‬
‫تصريح أو بروتوكول أو ملحق لتفسير بعض النصوص الواردة في ذات المعاهدة أوال إليضاح‬
‫وجهة نظر بعض الدول بشأنها‪ ،‬ولها نفس الشروط ونفس قيمة المعاهدة نفسها‪ ،‬وتختم االتفاقية‬
‫بعد ذلك بتوقيعها من طرف ممثلي الدول المشتركة في إبرامها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬التوقيــــع‪.‬‬

‫بعد االتفاق على أحكام المعاهدة و تحريرها تأتي مرحلة توقيعها من طرف المفاوضين‬
‫والتوقيع هو إجراء شكلي يصدر من الدول المشاركة في المفاوضات‪ ،‬فتوقيع المعاهدة يترجم‬
‫تعبير الدولة الموقعة عن رضاها بأن تكون مرتبطة باتفاقية أو معاهدة دولية‪ .‬ويوقع عليها ممثلو‬
‫الدول المتفاوضة لكي يحلوا ما تم االتفاق عليه في بينهم‪ ،‬وعادة ما يتم التوقيع على مرحلتين‬
‫التوقيع باألحرف األولى ويعني ذلك إعطاء فرصة للمفاوضين للرجوع إلى حكوماتهم لتبدي‬
‫‪83‬‬

‫رأيها النهائي في المعاهدة قبل االلتزام بها رسميا ويسمى أيضا التوقيع بشرط المشاورة‪ ،1‬أما‬
‫المرحلة الثانية فهي التوقيع النهائي أو الرسمي‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬صور االلتزام بالمعاهدة الدولية‬


‫بعد إقرار نص المعاهدة‪ ،‬يكون على الدول األطراف اعتمادها بشكل رسمي ونهائي‪،‬‬
‫ويتم ذلك عن طريق إتباع اإلجراءات المنصوص عليها في نصوص المعاهدة أو المتفق عليها‬
‫ف يما بين الدول المشتركة في صياغتها والتي تحدد آلية االعتماد النهائي‪ .‬وقد جرى العرف‬
‫الدولي على أن المعاهدة ال تصبح سارية المفعول بمجرد التوقيع عليها من قبل ممثلي الدولة‪،‬‬
‫إنما يلزم لنفاذها القيام بإجراءات وطنية الحقة‪ ،‬وهذه اإلجراءات تفيد قبول الدولة نهائيا االلتزام‬
‫بها‪ ،‬وللتعبير عن هذا القبول وسائل مختلفة أشارت إليها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬وذلك‬
‫بقولها‪ " :‬يمكن التعبير عن رضا الدولة االلتزام بالمعاهدة بتوقيعها‪ ،‬أو بتبادل وثائق إنشائها‪،‬‬
‫أو بالتصديق عليها‪ ،‬أو بالموافقة عليها‪ ،‬أو بقبولها‪ ،‬أو باالنضمام إليها‪ ،‬أو بأيـة وسيلة أخرى‬
‫متفق عليها"‪.2‬‬

‫أوال‪ :‬التعبير عن رضا الدولة االلتزام بالمعاهدة بتوقيعها‬

‫التوقيع غالبا ما يسبق التصديق ‪ ،‬ومن تم ليس باإلجراء النهائي لدخول المعاهدة حيز التنفيذ‪،‬‬
‫ولكن يمكن للتوقيع أن يكون كافيا كما ورد في نص المادة ‪ 12‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‬
‫‪ ، 1969‬حيث تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة بتوقيعها من قبل ممثلها في إحدى‬
‫الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫(أ) إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا األثر؛ أو‬

‫‪ - 1‬محمد خالد برع‪ ،‬المعاهدات الدولية وآليات توطينها في القانون الدولي دراسة مقارنة في إطار القانونين الدولي‬
‫والدستوري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،2017 ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪ - 2‬المادة ‪ 11‬من اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬


‫‪84‬‬

‫(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا‬
‫األثر؛ أو‬

‫(ج) إذا بدت نية الدولة المعينة في إعطاء التوقيع هذا األثر من وثيقة التفويض الكامل‬
‫الصادرة لممثلها أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات‪.‬‬

‫إن االلتزام بالمعاهدة بمجرد التوقيع عليها هو إجراء تتسم به مجمل االتفاقيات ذات‬
‫ا لشكل المبسط‪ ،‬حيث تتميز هذه الفئة من االتفاقيات بأنها تصبح ملزمة بمجرد التوقيع عليها‪.‬‬
‫كما أنها تتميز بالتنوع الكبير ‪ ،‬وكذلك بالبساطة ومرونة مسطرتها وسرعتها ألنها اتفاقات دولية‬
‫ال تنطوي على تدخل السلطة المكلفة بإبرام المعاهدات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة بتبادل وثائق إنشائها‬

‫تعبر الدول عن رضاها االلتزام بمعاهدة ناشئة عن وثائق متبادلة فيما بينها بمثل هذا‬
‫التبادل في إحدى الحالتين التاليتين‪:‬‬

‫(أ) إذا نصت الوثائق على أن يكون لتبادلها هذا األثر؛‬

‫(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن تلك الدول كانت قـد ا تفقت على أن يكون لتبادل الوثائق هذا‬
‫األثر‪.1‬‬

‫ويعين محل إيداع المعاهدات سواء كان ذلك دولة أو منظمة دولية بواسطة الدول المتفاوضة في‬
‫المعاهدة نفسها أو بطريقة أخرى‪ .‬وتعتبر وظائف الجهة التي يتم اإليداع لديها ذات صفة‬
‫دولية وتلتزم بأن تؤدي هذه الوظائف بشكل محايد تماما‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة بالتصديق عليها أو بقبولها أو بالموافقة عليها‪.‬‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 13‬من اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬


‫‪85‬‬

‫التصديق هو اإلجراء الذي تعبر به الدول عن رضاها بقبولها الرسمي للمعاهدة من قبل‬
‫السلطة التي يحددها الدستور‪ ،‬وهو إجراء أساسي لتطبيق المعاهدة ‪ .‬فالمعاهدات ال تطبق إال‬
‫بتبادل وثائق التصديق من قبل الدول األطراف ‪ ،‬وتسند للدساتير الوطنية مهمة تحديد الهيئة‬
‫المكلفة بالتصديق ففي المملكة المتحدة تختص السلطة التنفيذية بالمصادقة على المعاهدات ‪ ،‬إال‬
‫إذا تضمنت تعديال لقانون من قوانين البالد إذ تحتاج عندئذ لموافقة البرلمان ‪ ،‬أما في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية فإن رئيس الجمهورية هو الذي يبرم المعاهدات ولكن بموافقة ونصيحة مجلس‬
‫الشيوخ‪ 1.‬أما في المغرب فالمصادقة اختصاصا خالصا للملك ‪ ،‬باعتباره رئيس الدولة وممثلها‬
‫‪2‬‬
‫األسمى فهو الذي يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة‪.‬‬

‫وحسب اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة بالتصديق‬
‫عليها في إحدى الحاالت التالية‪:‬‬

‫(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم بالتصديق؛ أو‬

‫(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق؛ أو‬

‫(ج) إذا كان ممثل الدولة قد وقع المعاهدة بشرط التصديق؛ أو‬

‫(د) إذا بدت نية الدولة المعنية من وثيقة تفويض ممثلها أن يكون توقيعها مشروطا ً بالتصديق‬
‫على المعاهدة‪ ،‬أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات‪.3‬‬

‫رابعا‪ :‬التعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة باالنضمام إليها‬

‫يمكن ألي دولة لم تشارك في المفاوضات الخاصة بإبرام المعاهدة أن تكتسب صفة‬
‫الطرف عن طريق إصدار خطاب بقبول أحكام المعاهدة من جانبها في شكل إعالن وفقا‬
‫ألحكام ومقتضيات هذه المعاهدة ‪ ،‬وغالبا ما يتم االنضمام للمعاهدات المتعددة األطراف أو‬

‫‪ - 1‬الحسين الشكراني‪ ،‬تناقضات القانون الدولي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬بيروت ‪،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،2019 ،‬ص‪.84‬‬

‫‪ - 2‬الفصل ‪ 42‬من دستور ‪.2011‬‬

‫‪ - 3‬المادة ‪ 14‬من اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬


‫‪86‬‬

‫المنشئة للمنظمات الدولية شرط أن تكون هذه المعاهدة مفتوحة‪ ،‬أما المعاهدات المغلقة فال‬
‫يمكن االنضمام إليها‪.‬‬

‫وحسب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ‪ 1969‬تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة‬
‫باالنضمام إليها في إحدى الحاالت التالية‪:‬‬

‫(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم باالنضمام؛ أو‬

‫(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن التعبير عن الرضا يتم‬
‫باالنضمام؛ أو‬

‫(ج) إذا اتفقت جميع األطراف فيما بعد على أن التعبير عن الرضا يتم باالنضمام‪.1‬‬

‫الفقرة الرابعة ‪ :‬التحفظ على المعاهدات الدولية‪.‬‬

‫يحصل أحيانا أن الدولة مع قبولها للمعاهدة تبدي التحفظات‪ ،‬أي تدخل بعض التغييرات‬
‫أو التعديالت على المعاهدة أو تعطي تحديدا أو تفسيرا معينا لبعض بنودها‪.‬‬

‫عموما ال يتخذ التحفظ شكال محددا‪ ،‬فهو تصرف من جانب واحد تقوم بموجبه دولة‬
‫معينة بإبالغه إلى الدولة األخرى األطراف ومسألة التحفظات واردة في االتفاقيات الجماعية‪.‬‬
‫أما االتفاقيات الثنائية فهي ليست واردة مبدئيا ضمن هذا المنظور‪ ،‬إذ يؤدي التحفظ حتما إلى‬
‫إلغاء البند المتعلق بالتحفظ أو تغيير بنود االتفاقية الثنائية‪ ،‬ويمكن تصور وجود التحفظ في‬
‫االتفاقيات الثنائية شرط قبوله من الطرف اآلخر‪ .‬ومن شروط التحفظ أن أال يكون منافيا‬
‫لموضوع المعاهدة أو هدفها أو مبادئها األساسية وأن تسمح بنود المعاهدة بالتحفظ‪ .‬ويمكن للدول‬
‫أن تبدي التحفظات في مرحلة التوقيع (وفي هذه الحالة يمكن مناقشتها)‪ ، 2‬وقد يقترن التحفظ‬

‫‪ - 1‬المادة ‪ 15‬من اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬

‫‪ - 2‬الحسين شكراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82-81 :‬‬


‫‪87‬‬

‫بالتصديق على المعاهدة أو االن ضمام إليها وهنا يجب قبوله من الدول األطراف األخرى‪ ،‬ويمكن‬
‫للدولة أن تسحب التحفظ الذي أبدته في أي وقت دون اشتراط موافقة الدولة التي قبلته‪.‬‬

‫والتحفظ على المعاهدات نوعان التحفظ باالستبعاد والتحفظ التفسيري‪.‬‬

‫‪ -‬التحفظ باالستبعاد‪ :‬يهدف هذا النوع من التحفظ إلى استبعاد األثر القانوني للنص (البند أو‬
‫المادة) محل التحفظ بأن ال ينطبق على الدولة أو المنظمة التي أبدت التحفظ‪.‬‬

‫‪ -‬التحفظ التفسيري‪ :‬يهدف إلى إعطاء النص المتحفظ عليه معنى معينا يطبق في ضوئه على‬
‫الدولة أو المنظمة الدولية المبدية للتحفظ‪.‬‬

‫الفقرة الخامسة‪:‬تسجيل المعاهدة الدولية ونشرها‪.‬‬


‫عانى المجتمع الدولي من االتفاقيات السرية وخطورتها على زعزعة أمن واستقرار‬
‫العالقات الدولية لذلك تم اشتراط تسجيل المعاهدات ‪ ،‬حيث يتم تسجيل المعاهدة لدى األمانة‬
‫العامة لألمم المتحدة وهذا اإلجراء فرضته هيئة األمم المتحدة في نص الفقرة األولى من المادة‬
‫‪( 102‬الفصل السادس عشر) من ميثاق األمم المتحدة على" أن كل معاهدة وكل اتفاق دولي‬
‫يعقده عضو من أعضاء األمم المتحدة بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة‬
‫وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن‪" .‬‬

‫ويحصل نشر المعاهدة الدولية بعد التسجيل باألمانة العامة لألمم المتحدة في أقرب وقت‬
‫ممكن‪ ،‬ويكون النشر في مجموعة واحدة باللغة أو باللغات األصلية‪ ،‬التي حررت بها المعاهدة‬
‫متبوعة بترجمة إلى اإلنجليزية أو الفرنسية‪.‬‬

‫وتبعث األمانة بهذه المجموعة إلى جميع أعضاء األمم المتحدة‪ ،‬هذا على مستوى األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬أما على المس توى الداخلي لكل دولة‪ ،‬فإن كل دولة تقوم بنشر المعاهدة وفق الكيفيات‬
‫القانونية الخاصة بها‪ ،‬واآلليات المتاحة لذلك‪.‬‬
‫‪88‬‬

‫الفقرة السادسة‪ :‬شروط صحة انعقاد المعاهدات الدولية‬


‫الشك أن المعاهدة الدولية‪ ،‬عبارة عن تصرف قانوني يصدر بشكل معين‪ ،‬ويعبر عن إرادة‬
‫الدول األطراف‪ ،‬ليرتب على أطرافه التزامات وتقرر حقوقا‪ ،‬ومن أجل قيام المعاهدة بهذه‬
‫األدوار‪ ،‬يجب أن تتوافر فيها بعض الشروط ذات الطابع الموضوعي حتى تعد صحيحة‪،‬‬
‫ويمكن االعتداد بها‪ ،‬وي ؤكد الفقه الدولي بأن المعاهدة الدولية كي تكتمل شروط صحتها البد‬
‫أن تتوافر في أطرافها األهلية القانونية للتعاقد إضافة لتوفر شروط الرضا وأخيرا مشروعية‬
‫موضوع المعاهدة‪.‬‬

‫أوال‪) :‬أهلية التعاقد )أهلية الدولة إلبرام المعاهدات‬

‫يملك أشخاص القانون الدولي العام أهلية إبرام المعاهدات الدولية ويتمتع بهذه الشخصية‬
‫في الوقت الحاضر الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان ‪.‬‬

‫وفي إطار أشخاص القانون الدولي )الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان(‪ ،‬فإن أحكام‬
‫أهليتها تختلف باختالف الوضع القانوني الواقعي الذي يتواجد في الدولة‪ .‬وقد أقرت اتفاقية‬
‫ڤيينا لقانون المعاهدات في المادة ‪ 6‬بوجوب صحة أي معاهدة‪ ،‬أن يكون طرفها من أشخاص‬
‫القانون الدولي الذين يتمتعون باألهلية القانونية‪.‬‬

‫فالدول الناقصة السيادة التي تكون تحت االحتالل‪ ،‬أو الوصاية‪ ،‬أو االنتداب تكون ناقصة‬
‫األهلية‪ ،‬وبالتالي ال تملك القدرة القانونية وفقا لمفهوم القانون الدولي على إبرام المعاهدات‬
‫الدولية‪.1‬‬

‫كذلك ال يجوز للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم المعاهدات بما يتنافى مع حالة‬
‫الحياد كمعاهدات التحالف‪،‬ومن جهة أخرى وحتى في إطار الدولة الكاملة األهلية‪ ،‬وذات السيادة‪،‬‬

‫‪- 1‬محمد خالد برع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.105-104‬‬


‫‪89‬‬

‫وخاصة ذات الطابع الفدرالي‪ ،‬فإنه يحظر على الواليات الفدرالية‪ ،‬إبرام المعاهدات دون علم‬
‫الحكومة المركزية‪ ،‬كما هو الحال في ماليزيا والهند والنمسا والمكسيك‪ ،‬اللهم إذا أجاز الدستور‬
‫االتحادي لتلك الواليات التوقيع على بعض االتفاقيات ذات الطابع الدولي‪ ،‬ولكن في الحدود‬
‫المقررة في الدستور االتحادي‪ ،‬وهذا ما عليه الحال في الدستور السويسري‪ ،1‬ودستور ألمانيا‬
‫االتحادية‪.2‬‬

‫أما المنظمات الدولية فمن المتفق عليه أن شخصيتها الدولية شخصية وظيفية يتحدد في‬
‫إطارها إبرام المعاهدات في حدودها وتعتبر هذه القاعدة نتيجة منطقية لمبدأ تخصص‬
‫المنظمات الدولية‪ ، 3‬فال يحق لها إبرام معاهدة ال تدخل ضمن اختصاصها ووظيفتها‪ ،‬أو تخالف‬
‫الغرض الذي أنشأت من أجله المعاهدة‪ ،‬في حين ال تملك دولة مدنية الفاتيكان إال إبرام‬
‫المعاهدات ذات الطابع الديني فقط‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صحة الرضا وسالمته من العيوب‬

‫إن توفر شروط األهلية‪ ،‬في شخصية الدولة المعنوية ال يكفي الكتمال التعبير عن إرادتها‬
‫بشكل قانوني‪ ،‬بل يلزم أن تكون اإلرادة ا لمعبر عنها في المعاهدة منسوبة إلى الدولة وأن تكون‬
‫صحيحة‪ ،‬وسليمة من عيوب الرضا‪ ،‬وقد أقرت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬المبادئ العامة‬
‫لعيوب الرضا والواردة في نطاق القانون الخاص‪ ،‬من غلط وغش وإكراه لتضيف عليها نوعا‬
‫جديدا أسمته بإفساد إرادة ممثل الدولة‪.‬‬

‫وم ن هذا المنطلق‪ ،‬سنحاول في هذه الفقرة بحث هذه العيوب التي قد تعيب إرادة الدولة‪،‬‬
‫وبالتالي قد ترغمها على الدخول في معاهدة‪ ،‬أو تكبلها بالتزامات‪ ،‬هي ال تريد االلتزام بها‬
‫وذلك على النحو التالي‪.‬‬
‫✓ ‪ :1‬اإلكراه‬

‫‪ -1‬نص على جواز قيام المقاطعات السويسرية‪ ،‬عقد اتفاق لتنظيم شؤون الجوار والحدود ‪.‬‬
‫‪ -2‬نص على منح المقاطعات األلمانية حق إبرام اإلتفاقيات مع الدول األجنبية في حدود اختصاصاتهم التشريعية‪.‬‬
‫‪-3‬صالح البصيصي‪ ،‬المعاهدات الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد‪ ،‬مجلة الغري للعلوم اإلقتصادية‬
‫واإلدارية‪ ،‬العدد ‪ ،2008 ،2‬ص‪.255-241:‬‬
‫‪90‬‬

‫✓ ‪ :2‬الغلط‬

‫✓ ‪ :3‬الغش والتدليس‪.‬‬

‫✓ ‪ :4‬إفساد إرادة ممثل الدولة‪.‬‬


‫‪91‬‬

‫‪:1‬اإلكراه‬

‫يعد اإلكراه من أخطر عيوب اإلرادة‪ ،‬بسبب أن الدول قد تسلب إرادتها ‪،‬وتكون مرغمة على‬
‫القيام بعمل معين أو االمتناع عنه‪ ،‬وعلى الرغم من أن ذلك يبدو من األشياء المستحيلة كون‬
‫الدولة شخصية معنوية تتكون من آالف ماليين المواطنين‪ ،‬كما أن الدولة ال تعلو إرادتها أية‬
‫إرادة خارجية السيما إذا كانت دولة مماثلة إال أن الوقائع التاريخية أثبتت حقيقة إبرام اتفاقيات‬
‫ومعاهدات دولية كانت مشوبة بعنصر اإلكراه‪ ،‬كاتفاقيات الصلح الموقعة بين الحلفاء والدول‬
‫المنهزمة في الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫ومن هنا يمكن القول أن اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات قد ميزت في مضمون المادة ‪ 51‬بين‬
‫حالتين من اإلكراه‪.‬‬

‫‪-‬الحالة األولى‪ :‬إكراه ممثلي الدولة إبرام المعاهدات‪ ،‬وهذا النوع من اإلكراه ال يثور إال في‬
‫المعاهدات ذات الشكل المبسط‪ ،‬وتحديدا الثنائية منها‪ ،‬عندما يتعرض ممثل الدولة إلى اإلكراه‪.‬‬
‫األمر الذي يدفعه للتوقيع على المعاهدة‪ . 1‬وهنا تكون المعاهدة باطلة بإجماع الفقه وهذا ما‬
‫قررته اتفاقية ڤيينا‪.‬‬

‫‪-‬الحالة الثانية ‪ :‬اإلكراه الواقع على ذات الدولة‪ ،‬وقد يكون اإلكراه ماديا كالحرب وقد يكون‬
‫معنويا كالضغط السياسي أو االقتصادي ‪ ،‬وقد اختلف بشأن مثل هذا النوع من اإلكراه وهل‬
‫يجوز للدولة االحتجاج باإلكراه إلبطال المعاهدة أم ال‪ ،‬فكان هناك اتجاهين‪ :‬األول يرى أنه‬
‫ال يجوز للد ولة أن تحتج باإلكراه ألن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار األوضاع الدولية ويقلل من‬
‫قيمة المعاهدة كما يساعد الدولة على التهرب من المعاهدات واستدل هذا االتجاه على صحة‬
‫كالمه بصحة اتفاقية الصلح التي تنشأ عادة تحت اإلكراه الناتج عن الهزيمة في الحرب‪.‬‬

‫أما االتجاه الثا ني يرى أن من حق الدولة طلب إبطال المعاهدة ألن ذلك ما تفرضه مبادئ‬
‫العدالة واإلنسانية والمساواة بين الدول‪ ،‬فاالتجاه السابق يتعارض مع المبادئ المسلم بها في‬

‫‪-1‬محمد خالد برع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪92‬‬

‫كافة األنظمة القانونية التي تقتضي وجود إرادة حرة‪ ،‬وأخذت اتفاقية ڤيينا باالتجاه الثاني ألنه‬
‫أقرب إلى العدالة والمساواة بين الدول‪.‬‬

‫‪ :2‬الغلط‬
‫إن الغلط في المعاهدة‪ ،‬وحسبما ورد في اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ 1969‬قد‬
‫يأخذ شكلين‪:‬‬

‫األول‪ :‬الغلط في صياغة نصوص المعاهدة‪ ،‬والثاني‪ :‬يتمثل بالغلط في انصراف نية األطراف‬
‫فيما يتعلق بمضمون معين في المعاهدة‪ ،‬ووفقا للمفهوم األول إذا ما وجد خطأ في نصوص‬
‫المعاهدة‪ ،‬فإنه يجب تصحيح ذلك الخطأ كما بينت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات ‪،‬أما بخصوص‬
‫الغلط في نية األطراف‪ ،‬فقد نصت المادة ‪ 48‬بفقرتيها األولى والثانية‪ ،‬على أحكام الغلط‪ ،‬إذ‬
‫تضمنت الفقرة األولى على أنه " يجوز للدولة أو المنظمة الدولية االستناد إلى الغلط في معاهدة‬
‫كسبب إلبطال رضاها االلتزام بالمعاهدة إذا كان الغلط يتعلق بواقعة أو حالة توهمت الدولة‬
‫أو ال منظمة وجودها عند إبرام المعاهدات وشكلت سببا جوهريا في رضاء هذه الدولة أو تلك‬
‫المنظمة االلتزام بالمعاهدة "‪.‬‬

‫ويفهم من هذه المادة أنه إذا كان الغلط جوهريا‪ ،‬أي كان هو الباعث الدافع لاللتزام ‪،‬وأن‬
‫الدولة لو علم ت به لما أقدمت على إبرام المعاهدة‪ ،‬ففي هذه الحالة يجوز االعتداد بالغلط‬
‫كسبب إلبطال المعاهدة ‪.‬‬

‫‪ :3‬الغش والتدليس‬

‫يعد الغش والتدليس من الحاالت النادرة التي تقع على صعيد الواقع العملي الدولي بسبب أن‬
‫إبرام المعاهدة الدولية يتطلب المرور كقاعدة عامة بمراحل عديدة من مفاوضات وتحرير‬
‫وتوقيع وتصديق‪ ،‬وعلى الرغم من ندرة هذه الحاالت‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع من وقوعه‪ ،‬ويقصد‬
‫بالتدليس ا ستخدام وسائل الخداع في المفاوضات‪ ،‬كأن يعد أحد األطراف المتفاوضة خداع‬
‫الطرف اآلخر عن طريق اإلدالء بمعلومات كاذبة أو تقديم مستندات على أنها صحيحة دون‬
‫‪93‬‬

‫أن يعلم الطرف اآلخر باألمر ولو عرف لما ارتضى بإبرام المعاهدات‪ ،1‬وفي نص المادة ‪49‬‬
‫من اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات" بأن الدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة‬
‫أخرى إلى إبرام معاهدة لها أن تستند إلى الغش إلبطال ارتضائها بااللتزام بالمعاهدة"‪.‬‬

‫‪ :4‬إفساد إرادة ممثل الدولة‪.‬‬

‫أوردت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات وبسابقة غير معهودة‪ ،‬مفهوم إفساد إرادة ممثل‬

‫الدولة‪ ،‬إذ نصت االتفاقية في المادة‪ 50‬على" أنه إذا كان تعبير الدولة أو المنظمة الدولية‬
‫عن رضاها االلتزام بمعاهدة قد صدر نتيجة اإلفساد المباشر أو غير المباشر لممثلها بواسطة‬
‫دولة أو منظمة متفاوضة أخرى فيجوز للدولة أو المنظمة أن تستند إلى هذا اإلفساد إلبطال‬
‫رضاها في االلتزام بالمعاهدة"‪.‬‬
‫وتتعدد صور اإلفساد التي قد يتعرض لها ممثل الدولة‪ ،‬إذ تتراوح بين الرشوة أو تقديم الهدايا‪،‬‬
‫أو التأثير عليه بمختلف وسائل اإلغراء المادية والمعنوية لدفعه إلى إبرام المعاهدة‪.2‬‬
‫ويمكن أن تلجأ الدولة إلى إفساد إرادة ممثل الدولة األخرى لحمله على عقد اتفاقية قد‬
‫تحصل بمقتضاها الدولة على امتيازات تجارية أو اقتصادية‪ ،‬أو بعض المنافع السياسية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مشروعية موضوع المعاهدة‬

‫يجب لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوع المعاهدة مشروعا وجائزا أي أن يكون األمر‬
‫الذي ثم االتفاق عليه فيها مما يبيحه القانون وتقره مبادئ األخالق وال يتعارض مع تعهدات‬
‫أو التزامات سابقة‪ ،‬وطبقا لهذا ال تعتبر المعاهدة صحيحة في الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪-‬أن يكون موضوعها مخالفا لنصوص ميثاق األمم المتحدة‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون موضوعها منافيا لقاعدة من قواعد القانون الدولي اآلمرة‪ ،‬كما لو اتفقت دولتان على‬
‫منع السفن التابعة لدولة ثالثة من المالحة في أعالي البحار أو على تنظيم االتجار بالرقيق‪.‬‬

‫‪-1‬صالح البصيصي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.255-241‬‬


‫‪ -2‬محمد خالد بدع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113 :‬‬
‫‪94‬‬

‫‪ -‬أن يكون موضوعها منافيا لحسن األخالق ولمبادئ اإلنسانية العامة كما لو اتفقت دولتان‬
‫على اتخاذ تدابير اضطهادية ال مبرر لها ضد جنس معين بغرض إذالله أو القضاء عليه‪ ،‬أو‬
‫كما لو فرضت دولة على أخرى معاهدة تتضمن شروط فيها اعتداء صارخ على الحقوق‬
‫األساسية لهذه الدولة ‪.‬‬

‫الفقرة السابعة‪ :‬اآلثار القانونية للمعاهدات الدولية‪.‬‬


‫تحدث المعاهدات أثرها أصال بين الدول األطراف فيها‪ ،‬إنما قد يمتد أثرها في بعض‬
‫الحاالت إلى دول لم تشترك في إبرامها وفيما يلي بيان ذلك‪:‬‬

‫أوال‪ :‬آثار المعاهدات بالنسبة ألطرافها‪.‬‬

‫للمعاهدة المبرمة بشكل صحيح‪-‬أثناء نفاذها‪ -‬قوة القانون بين أطرافها فهي تلزم جميع الدول‬
‫األطراف فيها‪ ،‬ويجب على كل دولة طرف توفير وسائل تنفيذ المعاهدة وإال سوف تتحمل‬
‫المسؤولية الدولية‪ ،‬كما ال يجوز لها التحلل من التزاماتها بحجة أنها أصبحت مجحفة أو أنها‬
‫أكرهت عليها تحت تأثير ظروف خاصة ألن هذا يؤدي إلى فوضى دولية‪ ،‬ولقد أكدت اتفاقية‬
‫ڤيينا ذلك وقررت أولوية أحكام المعاهدة على القانون الداخلي لكل دولة‪.‬‬

‫ومن المقرر أن المعاهدات ال يمتد أثرها على الماضي بالنسبة لألعمال أو الوقائع التي تمت‬
‫قبل نفاذها ما لم يتفق األطراف على غير ذلك‪.‬‬

‫أما بالنسبة للسريان المكاني للمعاهدات‪ ،‬فالقاعدة العامة المقررة في هذا الصدد‪ ،‬هي أن‬
‫المعاهدة إذا أصبحت نافذة فإنها تصبح واجبة التطبيق في كافة األقاليم الخاضعة لسيادة أي‬
‫من األطراف المتعاقدة‪ ،‬ما لم يتفق صراحة أو ضمنا على غير ذلك‪ ،1‬وهذا ما أيدته اتفاقية‬
‫ڤيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬

‫ثانيا‪ :‬آثار المعاهدات بالنسبة لغير أطرافها‬

‫‪-1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.296‬‬


‫‪95‬‬

‫القاعدة العامة أن المعاهدة ال ترتب حقوقا وواجبات إال بين أطرافها وأن أثرها ال يمتد‬
‫إلى الدول التي لم تساهم في إبرامها وهذا المبدأ مسلم به ويجمع عليه الفقه والقضاء الدوليين‬
‫وعليه يجري العمل بين الدول‪ ،‬لكن قد يحدث أن يمتد أثر المعاهدات المبرمة بين دول معينة‬
‫إلى دول أخرى لم تكن طرفا فيها‪ ،‬وتشتمل آثار المعاهدات بالنسبة لغير أطرافها في المعاهدات‬
‫المنظمة ألوضاع دائمة‪ ،‬واالنضمام الالحق للمعاهدة وشرط الدولة األكثر رعاية ‪.‬‬

‫‪ :1‬المعاهدات المنظمة ألوضاع دائمة‬

‫تلتزم كافة الدول باحترام المبادئ الواردة في المعاهدات الجماعية‪ ،‬المنظمة ألمور تهم‬
‫المجتمع الدولي إذا ما استقرت هذه المبادئ في العرف الدولي‪ ،‬ومن أهم أمثلة ذلك النظام‬
‫القانوني الخاص بالمضايق التركية ونظام قناة السويس أو غيرها من القنوات البحرية الهامة‪،‬‬
‫ومعاهدة سنة ‪ 1895‬التي فرضت حياد سويسرا الدائم‪ .‬فهذه المعاهدات ينصرف أثرها للغير‬
‫باعتبار أنها استقرت في العرف الدولي وأنها تتفق مع الصالح العام للجماعة الدولية وأنه في‬
‫مقدور الدول التي شاركت فيها أن تلزم الغير باحترامها‪ ،‬ومثال ذلك ما نصت عليه المادة‬
‫الثانية الفقرة السادسة من ميثاق األمم المتحدة‪ .1‬التي نصت على " تعمل الهيئة على أن تسير‬
‫الدول غير األعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم و األمن‬
‫الدولي‪".‬‬

‫‪ :2‬االنضمام الالحق للمعاهدة‪.‬‬

‫هناك النوعان من المعاهدات‪ ،‬المعاهدات المغلقة التي تشترط لدخول عضو جديد فيها‬
‫الدخول في مفاوضات مع أطراف المعاهدة وبالمقابل هناك المعاهدات المفتوحة وهي التي‬
‫تحوي نصا يبيح انضمام الغير إليها أو قبولها لها وكثيرا ما تتخذ المعاهدات الهامة الشكل‬

‫‪-1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.302‬‬


‫‪96‬‬

‫األخير بعد استيفاء شروط أو إجراءات معينة‪ ،‬والنص المبيح لالنضمام للمعاهدة يتخذ في‬
‫غالب األحوال شكل دعوة موجهة إلى الدول غير األطراف لكي تقبل االنضمام إلى المعاهدة‪.‬‬

‫وال يحصل االنضمام إلى المعاهدات إال بعد نفاذها بين أطرافها األصليين وبتمام‬
‫إجراءات االنضمام تصبح الدولة طرفا في المعاهدة ويكون لها كافة الحقوق والمزايا التي‬
‫تتمتع بها أطرافها كما تتحمل كافة األعباء وااللتزامات التي تقررها المعاهدة بالنسبة ألطرافها‬
‫‪.‬‬
‫‪ :3‬شرط الدولة األكثر رعاية‬

‫عند إبرام معاهدة أو اتفاق بين دولتين قد تتعهد كل منهما لألخرى بمقتضى نص خاص بأن‬
‫تسمح لها باالستفادة من كل امتياز تمنحه في المستق بل لدولة أو دول غيرها بالنسبة لموضوع‬
‫من المواضيع التي ثم االتفاق عليها في المعاهدة‪ ،‬فإذا تضمنت معاهدة بين دولتين هذا النص‬
‫ثم أبرمت إحدى الدولتين معاهدة مع دولة ثالثة تمنحها فيها بعض الحقوق أو المزايا التي لم‬
‫ترد في المعاهدة األولى‪ ،‬كان للدولة الثانية الحق في االستفادة من هذه الحقوق والمزايا استنادا‬
‫إلى شرط الدولة األكثر رعاية‪ ،‬ويعد هذا الشرط وسيلة انضمام غير مباشرة لدولة في معاهدة‬
‫هي ليست طرفا فيها‪.‬‬

‫وغالبا ما يتم اللجوء إلى هذا الشرط في االتفاقيات ذات الصفة االقتصادية أو التجارية‬
‫و المسائل المتعلقة بإقامة األجانب‪.‬‬

‫الدولية ‪.‬‬ ‫الفقرة الثامنة‪ :‬تفسير المعاهدات‬


‫عندما يشوب المعاهدات بعض الغموض أو يعتريها عدم الوضوح فهي عندئذ تحتاج‬
‫إلى تحديد مضمون النص أو تفسيره‪ ،‬وخاصة أن المعاهدة قد تصاغ بعدة لغات‪ ،‬وتجمع بين‬
‫عدة دول بمشارب فكرية وقانونية وسياسية ودينية مختلفة‪ ،‬لذلك حددت اتفاقية ڤيينا كيفية‬
‫التفسير في المادة ‪ 31‬عندما نصت على أن "تفسر المعاهدات بحسن نية طبقا للمعنى العادي‬
‫‪97‬‬

‫أللفاظ المعاهدة في اإل طار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها‪ ".‬سوف نحدد‬
‫في هذه النقطة الجهات المختصة بالتفسير ووسائل التفسير ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اختصاص التفسير‬

‫تبنى المعاهدات على رضا أطرافها‪ ،‬ولما كان المجتمع الدولي تنقصه السلطة‬
‫التشريعية أو القضائية بالمعنى المتعارف عليه في القانون الداخلي‪ ،‬ووجود تنافس في تفسير‬
‫القواعد نفسها من قبل مختلف األطراف حول تطبيقها‪ ،1‬فإذا قام خالف بين الدول بشأن التفسير‬
‫فلكل دولة حق ت فسير المعاهدة غير أن هذا التفسير ال يلزم غيرها من األطراف ‪.‬‬

‫وقد يحال أمر التفسير إلى هيئات التحكيم أو القضاء الدولي‪ ،‬ولقد أصبح من الضروري‬
‫في الوقت الراهن أن تشير المعاهدة في نصوصها إلى واجب اللجوء من قبل أطرافها في حال‬
‫وجود خالف على تفسير نصوصها إلى التحكيم أو إلى محكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وسائل التفسير‪.‬‬

‫هناك القواعد العامة للتفسير والوسائل المكملة لتفسير المعاهدات‪ ،‬وتفسير المعاهدات المعتمدة‬
‫بأكثر من لغة واحدة‪.‬‬

‫‪ :1‬القاعدة العامة للتفسير‬

‫‪ -1‬قاعدة عامة يجب أن تفسر المعاهدة بحسن نية في المعنى العادي الواجب إعطاؤه لتعبير‬
‫المعاهدة في إطارها العام وعلى ضوء غرضها وهدفها ‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير يشمل إلى جانب نص المعاهدة بما في ذلك الديباجة‬
‫والملخصات ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين األطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة‪.‬‬

‫‪-1‬پيار‪ -‬ماري دويري‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.344 :‬‬
‫‪98‬‬

‫‪ -‬أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها األطراف األخرى كوثيقة‬
‫لها صلة بالمعاهدة ‪.‬‬

‫‪-3‬يؤخذ في االعتبار إلى جانب اإلطار الخاص بالمعاهدة‪.‬‬

‫‪ -‬أي اتفاق الحق بين األطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها ‪.‬‬

‫‪ -‬أي مسلك الحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه األطراف بشأن تفسيرها‪.‬‬

‫‪-‬أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العالقة بين األطراف ‪.‬‬

‫‪ :2‬الوسائل المكملة للتفسير‬

‫هذه الوسائل عددها اثنان ‪ :‬يتعلق األمر من جهة في اللجوء إلى األعمال التحضيرية ومن‬
‫جهة أخرى في الظروف الني عقدت فيها المعاهدة و السلوك الالحق للفرقاء‪ .1‬قالت محكمة‬
‫العدل الدولية الدائمة في قضية ‪ Lotus‬عام ‪ 1927‬أنه ليس ثمة مجال ألخذ األعمال‬
‫التحضيرية في الحسبان إذا كان نص االتفاقية واضحا بشكل كاف ‪.‬‬

‫وغالبا ما يتم اللجوء إلى األعمال التحضيرية لتحديد المعنى إذا أدى التفسير إلى‪:‬‬

‫‪ -‬بقاء المعنى غامضا أو غير واضح‪.‬‬

‫‪-‬أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة ‪.‬‬

‫أما بخصوص الظروف التي عقدت فيها االتفاقية ‪ ،‬فإن التدقيق في الظروف التي تم فيها‬
‫التفاوض على االتفاق يسمح في المقابل ‪ ،‬وفي أغلب األحيان ‪ ،‬بإعادة تحديد موقع نية الفرقاء‬
‫وهدف المعاهدة بالنسبة لالهتمامات التي كانت تظهر في فترة إعدادها‪ .‬وقد لجأ االجتهاد إليها‬
‫في الغالب‪.‬‬

‫‪ -1‬پيار‪ -‬ماري دويري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪353-352 :‬‬


‫‪ : 3‬تفسير المعاهدة المعتمدة بأكثر من لغة‪.‬‬

‫تنشأ صعوبات تكون مهمة غالبا عن الفوارق المألوفة في التفسير ناجمة عن تحرير‬
‫المعاهدة نفسها في عدة لغات‪ ،‬في حين أعلن كل نص أنه أصلي ومعترف به‪" .‬إن المادة‬
‫‪33‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪ ،1‬تعطي حلوال ناقصة جدا وذات سمة تكميلية عبر‬
‫التذكير أن " تعابير المعاهدة يفترض أن لها المعنى نفسه في النصوص الصحيحة المختلفة"‪،‬‬
‫لتحليل‪ ،‬في حال نشوء صعوبات‪ ،‬إلى تطبيق قواعد ووسائل مطروحة في المادتين السابقتين‬
‫اللتين يقتضي التعويض عن فشلهما المحتمل في البحث عن المعنى الذي يوفق بشكل أفضل‬
‫بين النصوص‪ ،‬استنادا إلى غرض المعاهدة وهدفها‪.2‬‬

‫الفقرة التاسعة‪ :‬انقضاء المعاهدات الدولية‪.‬‬


‫إنهاء المعاهدة هو وضع حد للعمل بأحكامها‪ ،‬ويعني أنها توقفت عن السريان وزالت‬
‫قوتها الملزمة‪ ،‬وحينما نتكلم عن االنقضاء فيعني أننا أمام وجود معاهدة صحيحة ‪،‬أما بطالن‬
‫المعاهدة فيتحقق عندما تفقد المعاهدة شرطا من شروط االنعقاد‪.‬‬

‫سوف نتطرق هنا إلى طرق انقضاء المعاهدة وأسباب انقضائها ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬طرق انقضاء المعاهدة‪.‬‬

‫تنتهي المعاهدة ويتوقف العمل بها بطريقتين إما باالتفاق أو بغير االتفاق‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬انقضاء المعاهدة باالتفاق‬

‫قد يتفق أطراف المعاهدة على طريقة إنهاء العمل بها بإحدى الصور اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬قد تنص المعاهدة على أنها تسري ألجل محدد وقد تحتوي على شرط فاسخ فتنقضي المعاهدة‬
‫بانقضاء المدة الزمنية المحددة لها‪ ،‬أو يتحقق الشرط الفاسخ‪ ،‬وقد ينص على انقضاء المعاهدة‬

‫‪-1‬المادة ‪ 33‬من اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪.1969‬‬


‫‪ - 2‬پيار‪ -‬ماري دويري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪353 :‬‬

‫‪99‬‬
‫بمجرد تنفيذها تنفيذا كامال‪ ،‬كمعاهدات تعيين الحدود ومعاهدات الصداقة ومعاهدات التحكيم‬
‫أو التعاقد على صفقة شراء سالح‪.1‬‬

‫وقد تتضمن المعاهدة كما قلنا سابقا شرطا فاسخا‪ ،‬والشرط الفاسخ هو أمر مستقبلي غير‬
‫موجود وقت عقد المعاهدة لكنه قد يتحقق في المستقبل وبعد نفاذ المعاهدة فإذا ما تحقق هذا‬
‫الشرط انتهت المعاهدة‪ ، 2‬كما هو الحال إذا تنازلت دولة عن إقليم معين لدولة ثانية وتم هذا‬
‫التنازل بموجب معاهدة جاء في أحد بنودها إجراء استفتاء في هذا اإلقليم المعين فإذا ما تم‬
‫هذا االستفتاء واختار سكان اإلقليم العودة إلى الدولة المتنازلة فإن أحكام المعاهدة التي‬
‫وضعتهم تحت سيادة الدولة الثانية تزول وتنقضي في مثل هذه الحالة‪ .‬وقد حدث هذا بالنسبة‬
‫إلقليم السار إذ وضع تحت حكم عصبة األمم المتحدة بمقتضى معاهدة فرساي ثم جرى استفتاء‬
‫فيه سنة ‪ 1935‬فاختار سكانه االنضمام إلى ألمانيا‪.‬‬

‫وقد تبيح المعاهدة انسحاب أحد األطراف منها بشروط معينة‪ ،‬ويترتب على االنسحاب في‬
‫المعاهدات الثنائية انقضاء المعاهدة‪ ،‬أما في المعاهدات الجماعية فتظل المعاهدة سارية‬
‫المفعول في مواجهة باقي األطراف‪ ،‬و تعتبر المعاهدة منتهية في مواجهة الطرف المنسحب‬
‫منها‪.‬‬

‫وتنقضي المعاهدة أيضا باتفاق الدول األطراف فيها صراحة على إنهائها أو تعديلها وقد‬
‫يكون اتفاق األطراف ضمنيا باستبدال معاهدة جديدة لها أو بعقد معاهدة جديدة بين أطراف‬
‫المعاهدة األولى تحتوي على نصوص تتعارض مع نصوص المعاهدة األولى التي لم يوافقوا‬
‫عليها‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬انقضاء المعاهدة بغير االتفاق‪.‬‬

‫يجوز للدول استثناء من المبدأ العام التحلل من المعاهدة بإرادتها المنفردة‪.‬‬

‫‪ :1‬انقضاء المعاهدة بالفسخ‬

‫‪-1‬الحسين شكراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬


‫‪-2‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.323 :‬‬
‫‪100‬‬
‫يجوز لدولة طرف فسخ المعاهدة بإرادتها المنفردة أو توقف أحكامها كليا أو جزئيا إذا ما أخل‬
‫الطرف اآلخر بالتزاماته المقررة في المعاهدة‪ ،‬ولكن يجب أن يكون الفسخ مقترنا بأسباب‬
‫وجيهة ومعقولة تتعلق بإخالل بمسائل جوهرية في المعاهدة‪ ،‬أما الفسخ غير المشروع أو‬
‫التعسفي فيرتب تحمل الدولة الفاسخة تبعة المسؤولية الدولية ‪.‬‬

‫وأجازت معاهدة ڤيينا في المادة ‪ 60‬إنهاء المعاهدة سواء كانت ثنائية أم جماعية إذا كان‬
‫هناك إخالل جوهري بأحكام المعاهدة ولكن يقتصر أثر اإلنهاء في المعاهدة الجماعية تجاه‬
‫الدول المخالفة فقط‪ ،‬ولكن معاهدة ڤيينا فرضت على الدولة التي ترغب في إنهاء المعاهدة‬
‫على أساس ا لفسخ األحادي الجانب أو غيرها من المبررات إخطار الطرف اآلخر للمعاهدة‬
‫بذلك‪ ،‬فإذا أبدى هذا الطرف اعتراضه كان عليهم ا أن يتفقا على حل المسألة بطريقة سلمية‬
‫وفق أحكام ميثاق األمم المتحدة المتعلقة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية‪.‬‬

‫‪ :2‬انقضاء المعاهدة بانقطاع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬

‫ولكن ال تطبق هذه الحالة إال حينما يكون وجود هذه العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫أمرا ضروريا لتنفيذ المعاهدة وفي مثل هذه الحاالت يوقف تنفيذ المعاهدة حتى تعود العالقات‬
‫بين الدول مرة أخرى ثم يستأنف تنفيذ المعاهدة‪.‬‬

‫‪ :3‬انقضاء المعاهدة بسبب الحرب‬

‫إذا قامت الح رب بين دولتين أو أكثر كان من الطبيعي أن تؤثر على المعاهدات القائمة بين‬
‫هذه الدول المتحاربة‪ ،‬فالحرب تؤدي إلى قطع العالقات السلمية بين الدول المتحاربة مما يؤثر‬
‫على المعاهدات التي تربط بينها‪ ،‬ولكن هناك معاهدات ال تنتهي بقيام الحرب وهي‪:‬‬

‫‪-‬المعاهدات التي أبرمت خصيصا لتنظيم حالة الحرب نفسها وبيان ما يترتب عليها من آثار‬
‫تصبح نافذة المفعول بقيام الحرب ألن مجال تطبيقها هو حالة الحرب نفسها ومن ذلك اتفاقيات‬
‫جنيف لعام ‪.1949‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -‬المعاهدات التي أبرمت لتنظيم حالة دائمة نهائية وثم تنفيذها بالفعل كمعاهدات الحدود‬
‫ومعاهدات التنازل عن األقاليم‪.1‬‬
‫‪ -‬المعاهدات الجماعية التي تنظم أمورا تهم الدول جميعا فهي ال تنقضي بقيام الحرب وإنما‬
‫يوقف نفاذها فقط بالنسبة للدول المتحاربة حتى انتهاء الحرب‪ ،‬وهذه هي المعاهدات الجماعية‬
‫التي تعقد بين أكثر من دولتين وتقوم الحرب بين بعض األطراف فقط‪.‬‬

‫أما المعاهدات التي تنتهي بقيام الحرب فهي‪:‬‬

‫المعاهدات التي تبرمها دولتان بغرض توثيق عالقاتهما وتحقيق التعاون بينهما في ناحية من‬
‫النواحي‪ ،‬إ ن المعاهدات الثنائية زمن الحرب‪ ،‬وكذا المعاهدات الخاصة كمعاهدات التحالف‬
‫والصداقة والتجارة تصبح ال قيمة لها باندالع الحرب بين الطرفين المتعاقدين وال تنفذ أحكامها‬
‫إال بمعاهدة جديدة‪ ،‬ولذلك تحاول الدول دائما عندما تكون بصدد عقد معاهدات الصلح أن‬
‫تضمن فيها أو تشير إلى االتفاقيات التي ترغب في إحيائها من جديد‪.2‬‬

‫‪ :4‬انقضاء المعاهدة بتغير الظروف بشكل جذري‪.‬‬

‫يمكن أن تؤدي ظروف معينة وغير متوقعة إلى استحالة تطبيق المعاهدة بين األطراف‬
‫المتعاقدة‪ ،‬ويمكن أن يؤدي استمرار المعاهدة إلى اإلضرار بحقوق المتعاهدين أو بعضهم‪،‬‬
‫وقد اشترطت المادة ‪ 62‬من اتفاقية ڤيينا ‪ 1969‬من أجل االستناد إلى تغير الظروف بشكل‬
‫جذري أن تكون هذه الظروف أساسا إلرضاء األطراف المتعاقدة االلتزام بالمعاهدة وأن يكون‬
‫التغيير جوهريا في االلتزامات التي يجب أن تنفذ في المستقبل طبقا للمعاهدة‪.3‬‬

‫وقررت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات بأن ال يجوز االستناد إلى التغير الجذري في الظروف‬
‫كسبب إلنهاء المعاهدة أو االنسحاب منها في األحوال التالية‪:‬‬

‫‪-‬إذا كانت المعاهدة منشئة لحدود‪.‬‬

‫‪-1‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.333 :‬‬


‫‪ -2‬الحسين شكراني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.90 :‬‬
‫‪-3‬نفس المرجع‪ ،‬نفس الصفحة ‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫‪ -‬إذا كان التغير الجذري ناجم عن إخالل طرف بالتزام طبقا للمعاهدة أو بأي التزام دولي‬
‫ألي طرف آخر في المعاهدة‪.‬‬

‫ثاني ‪:‬أسباب انقضاء المعاهدة‬


‫تنقضي المعاهدات لسببين هما‪:‬‬
‫انتهاك أحكام المعاهدة‬ ‫❖‬

‫استحالة تنفيذ المعاهدة‬ ‫❖‬

‫‪ :1‬انتهاك أحكام المعاهدة‪.‬‬


‫ال تنقضي المعاهدة بانتهاك أحكامها بشكل تلقائي وإنما تصبح المعاهدة قابلة لإللغاء من‬
‫جانب الطرف الذي انتهكت األحكام حياله‪ ،‬وعلى ذلك فإن إنهاء المعاهدة ال يتحقق إال من‬
‫وقت طلبه ال من وقت تحقق سببه‪ .‬وطلب إنهاء المعاهدة النتهاك أحكامها ال يثير أي مشاكل‬
‫بالنسبة للمعاهدات الثنائية حيث تكون العالقة منحصرة بين دولتين فقط‪ .‬أما في المعاهدات‬
‫الجماعية فال يجوز لطرف واحد أن يلغي المعاهدة ألن طرف آخر قد أخل بالتزاماته‪ ،‬فالبد‬
‫من إجماع أطراف المعاهدة ماعدا الطرف المخالف على إنهاء المعاهدة وال يجوز أن يتم ذلك‬
‫بطريق فردي من أحد الدول ‪.‬‬

‫وشروط اإلخالل بالمعاهدة هي‪:‬‬

‫✓ أن يكون اإلخالل جوهريا سواء بنص من نصوص المعاهدة أو بروح االتفاق نفسه‪.‬‬

‫✓ أن يحدث من أجهزة الدولة المسئولة‪ ،‬وال يعتد باإلخالل الصادر من األفراد أو‬
‫الجماعات األخرى التي ال تكون الدولة مسئولة عن تصرفاتهم ‪.‬‬
‫‪ :2‬استحالة تنفيذ المعاهدة‪.‬‬

‫استحالة تنفيذ المعاهدة يعني استحالة تطبيق أحكامها على واقعة معينة بسبب قوة قاهرة أو‬
‫حالة الضرورة واالستحالة قد تكون موضوعية وقد تكون قانونية‪.‬‬

‫أ‪ :‬االستحالة الموضوعية‬


‫‪103‬‬
‫من صورها أن تبرم دولتان معاهدة لتنظيم حقوق كل منهما على جزيرة معينة ثم فجأة تختفي‬
‫هذه الجزيرة بعد أن تكون مياه البحر قد غمرتها‪.‬‬

‫‪ :‬االستحالة القانونية‪.‬‬

‫من صورها أن تبرم معاهدة تحالف بين ثالث دول ثم تنشب الحرب بين اثنتين منهما‪ ،‬فإن‬
‫الدولة الثالثة تكون في حل من هذه المعاهدة ألنه يستحيل عليها من الناحية القانونية القيام‬
‫بالتزاماتها اتجاه كل من الدولتين المتحاربتين في نفس الوقت‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العرف الدولي‬


‫وهو المصدر الثاني المباشر لقواعد القانون الدولي العام وهو المهم ألنه غالبا ما تكون‬
‫المعاهدات تعبيرا عما استقر عليه العرف قبل إبرام المعاهدات‪ .‬ويمكن تعريف العرف الدولي‬
‫بأنه مجموعة أحكام قانونية عامة غير مدونة‪ ،‬تنشأ نتيجة إتباع الدول لها في عالقة معينة‪،‬‬
‫فيثبت اإلعتقاد لدى غالبية الدول المتحضرة بقوتها القانونية وأنها أصبحت مقبولة من المجتمع‬
‫الدولي‪ .‬ويعرفه البعض بكونه مجموعة من القواعد التي اعتاد الناس على استعمالها في‬
‫معامالتهم جيال بعد جيل‪ ،‬والتي يشعرون بضرورة احترامها خشية الجزاء الذي سوف يقع‬
‫عليهم عند مخالفتهم لهذه القواعد‪.1‬‬
‫ويشكل العرف مصدرا أساسيا للقانون الدولي‪،‬ويرتكز العرف الدولي على ركنين‬
‫أساسيين أولهما مادي‪ ،‬مرتبط بتواتر الناس على استخدامه لمدة طويلة ومستمرة دون أن‬
‫يتعارض مع نص قانوني أو مع عناصر النظام العام بمكوناته المختلفة‪ ،‬وآخر معنوي‪ ،‬متصل‬
‫باقتناع اآلخر‪ ،‬بإلزاميته وبوجود جزاء يلحق خارقه‪.‬‬
‫وكما قد يكون العرف‪ -‬محليا وإقليميا‪ ،-‬يمكن أن يكون أيضا عالميا‪ ،‬وتشير الكثير من‬
‫الدراسات إلى أن التطورات الدولية المتسارعة أسهمت بشكل كبير في إعادة اإلعتبار للدور‬
‫الهام إلى العرف كمصدر أساسي للقانون الدولي‪.2‬‬

‫‪- 1‬هذا التعريف يعود للدكتور عاشور سليمان شوايل أورده إدريس لكريني في كتابه القانون الدولي العام‪ ،‬مكتبة المعرفة‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2017‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 2‬إدريس لكريني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪104‬‬
‫وعلى عكس المعاهدات التي غالبا ما يطبعها الجمود تتسم قواعد العرف بالمرونة‬
‫والقابلية للتطور للتكيف مع حاجيات المجتمع الدولي‪ ،‬لكن مع ذلك تبقى قواعده غامضة وغير‬
‫واضحة مما يرتب مشاكل في التطبيق‪ ،‬كما أن استقرار قواعده تحتاج إلى وقت طويل جدا‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم‬


‫المتحدة‬
‫هي مجموعة المبادئ األساسية التي تعترف بها وتقرها النظم القانونية في مختلف‬
‫األمم المتمدنة‪ ،‬حيث ال يقتصر تطبيقها على األفراد في إطار القانون الداخلي بل يمتد على‬
‫العالقات الدولية مما يجعل القاضي الدولي ملزما بالرجوع إليها‪ ،‬إذا لم تتوافر معاهدة أو‬
‫عرف دولي‪ ،‬وبما أن هذه المبادئ تختلف من دولة ألخرى نظرا إلختالف المرجعيات‬
‫المستمدة منها من قبيل النظام الروماني والنظام األنجلوساكسوني والشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإن‬
‫تشكيل المحكمة الدولية يجب أن يضم قضاة يمثلون المدنيات الكبرى والنظم الرئيسية في‬
‫العالم‪.‬‬
‫ومن أهم هذه المبادئ نذكر مبدأ حسن النية في المعامالت ومبدأ احترام حقوق اإلنسان‬
‫ومبدأ تأثير القوة القاهرة على تنفيذ اإللتزامات التعاقدية‪ ،‬ومبدأ استقالل القضاء‪ ،‬ومبدأ‬
‫المساواة بين أطراف النزاع ومبدأ ال جريمة وال عقوبة إال بنص‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المصادر االحتياطية للقانون الدولي‪.‬‬

‫وهي تتركز في مجموعة من المصادر المكملة للمصادر األصلية‪ ،‬والتي تسمح‬


‫بتجاوز قصور أو غموض هذه األخيرة‪ ،‬وهي تتكون في مجملها من األحكام والفتاوى‬
‫الصادرة عن المحاكم الدولية‪ ،‬وأراء الفقه الدولي ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األحكام والفتاوى الصادرة عن المحاكم الدولية‪.‬‬
‫هي مصادر تنطوي على أهمية كبرى بالنظر إلى كونها تصدر عن أجهزة دائمة وذات‬
‫اختصاص عام‪ ،‬تسمح بتطبيق القوانين وتفسيرها‪ ،‬وفي هذا السياق‪ ،‬أسهمت محكمة العدل‬
‫الدولية التابعة لألمم المتحدة في تأكيد احترام القانون الدولي وسبل تطبيقه وتطويره وإزالة‬
‫القصور والغموض عن بعض مقتضياته من خالل بلورة مجموعة من اإلجتهادات القضائية‪،‬‬
‫ونفس األمر بالنسبة للمحكمة الدائمة للعدل على عهد عصبة األمم‪.1‬‬
‫ومن هنا يتبين أن ألحكام المحاكم دور كبير في نطاق العالقات الدولية‪ ،‬فمجموعة‬
‫األحكام التي يصدرها القضاء الدولي قد تسهم في تكوين قواعد قانونية دولية‪ ،‬فضال عن‬
‫دورها كعنصر من عناصر تكوين واستنباط العرف الدولي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الفقه الدولي‬


‫يضاف إلى المصدر االحتياطي األول مصدر ثان‪ ،‬وهو مذاهب كبار المؤلفين في‬
‫القانون الدولي العام في مختلف األمم‪ ،‬وهو ال يخلق قواعد قانونية دولية بل يساعد على‬
‫التعرف عليها ‪،‬فكثيرا ما تساعد آراء الفقهاء في إنشاء قواعد قانونية جديدة وذلك عقب تأثير‬
‫نظرياتهم القانونية في الرأي العام ‪ ،‬مما قد يدفع الدول إلى تبني األفكار الواردة في هذه‬
‫النظريات من طرف الدول ال سيما إن كانت تحظى بإجماع عريض لدى الفقه الدولي ‪ ،‬فال‬
‫يمكن إنكار جهود الفقهاء في تكريس العديد من المفاهيم القانونية واستقرار القواعد القانونية‬
‫الخاصة بها في القانون الدولي ‪ ،‬كالقانون الدولي للبحار ونظام المنطقة االقتصادية الخالصة‬
‫ومبدأ التراث المشترك لإلنسانية‪ ،‬وقواعد حماية البيئة البحرية‪.‬‬
‫ولقد كان لمذاهب الفقهاء دور كبير في الماضي‪ ،‬إال أن هذا الدور قد تقلص في الوقت‬
‫الحالي بسبب تدوين كثير من أحكام القانون الد ولي واستقرارها‪ ،‬وكذلك بسبب ازدياد األهمية‬
‫النسب ية للقرارات القضائية والقواعد التقليدية والقانون التقليدي من جهة‪ ،2‬واضطالع‬
‫المؤسسات الدولية السيما اللجنة القانونية لألمم المتحدة للقانون الدولي بدراسة موضوعات‬

‫‪ - 1‬إدريس لكريني‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪ - 2‬عبد الكريم علوان خضير‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.119‬‬


‫‪106‬‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬غير أن هذا ال يعني أن الفقه فقد أهميته بل الزالت أراء الفقهاء تغذي‬
‫موضوعات القانون الدولي سواء على مستوى الهيئات الرسمية عند طرح مشروعات‬
‫المعاهدا ت و القرارات أو في ساحات القضاء الوطني أو الدولي ‪ ،‬رغم ما قيل عن النزعة‬
‫الوطنية أو القومية أو السياسية لدى بعض الفقهاء و القضاة‪ ، 1‬لذلك يجب النظر إلى مذاهب‬
‫الفقهاء في الوقت الحالي بقدر من الحيطة والحذر نظرا الختالف المذاهب واحتمال تغلب‬
‫النزاعات الفردية أو الوطنية أو السياسية على هذه اآلراء‪.‬‬

‫‪- 1‬ماهر ملندي و ماجد الحموي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪63‬‬

‫‪107‬‬
108
109

You might also like