Professional Documents
Culture Documents
القانون الدولي خالد الحمدوني
القانون الدولي خالد الحمدوني
ذ خالد الحمدوني
أستاذ باحث بكلية المتعددة التخصصات الرشيدية
محاضـــــرات فــــي
القانـــون الدولي العــام
مسلك القانون
السداسي الثاني
الفهرس
تقديــــــم:
إن القانون الدولي ليس وليد العصر الحالي ،بل مر بعدة تطورات ومراحل إلى أن وصل
إلى شكله الحالي ،ويسعى هذا القانون منذ نشأته إلى وقاية المجتمعات من النزعات والحروب
المدمرة ،وقد تزاي دت أهميته في المرحلة الحالية بعد أن تحقق حد أدنى من السالم في العالم،
وابتعد شبح الحرب العالمية ،و ازداد التواصل بين الدول ،وارتبطت المصالح ببعضها البعض،
وظهرت عالقات متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية ،وهذا ما جعل هدف
القانون الدولي العام يس عى إلى تقوية الروابط والتعاون والتنسيق بين الشعوب وتحقيق التنمية
الشاملة على جميع المستويات.
وقد شهد القانون الدولي تطورا مهما من حيث مداه ،أشخاصه ،موضوعاته ،ومصادره،
وهو األمر الذي كان سبب عدم استقرار قواعد محددة وثابتة في نطاق القانون الدولي على
غرار ا لقانون الداخلي .كما أن مفهوم السيادة قد حال دون بلورة مفهوم الحكومة العالمية ،أو
على األقل توسيع صالحيات األجهزة الدولية في مواجهة الدول ذات السيادة.
إن أبرز سمات التطور الحديث في مجال القانون الدولي العام هو ظهور فروع جديدة
ومستقلة لمواكبة المستجدات الح اصلة على الصعيد الدولي ،سواء تعلق األمر بالقانون الدولي
اإلنساني الذي يرتبط بالقواعد القانونية الواجبة التطبيق في حاالت الحرب ،والقانون الدولي
لحقوق اإلنسان الذي يحدد مجمل القواعد التي ترمي إلى حماية الحقوق والحريات اإلنسانية،
والقانون الدولي االقتصادي الذي يرمي إلى ضبط العالقات الدولية االقتصادية ،ناهيك عن
القانون الدولي الجنائي الذي تزايدت الحاجة إليه مع ارتفاع حدة النزاعات والصراعات الدولية
التي ترتبت عنها ان تهاكات جرائم خطيرة ضد اإلنسانية وغيرها من الفروع األخرى التي تعكس
تطور وتشابك العالقات الدولية في عالم اليوم.
7
ظهر القانون الدولي لوقاية وحماية مصالح المجتمعات وازدادت أهمية في المرحلة الحالية
لضمان استتباب األمن والسالم بحد أدنى في العالم ،ولقد تطور هذا القانون عبر التاريخ بفعل
التغيرات الفكرية والتجارب الدولية ،وقد بدأ القانون الدولي يتطور منذ نشأ ،وفي كل مرحلة
9
كان هناك جديد سلبا أو إيجابا بحسب مدى االلتزام بقواعده أو خرقها .و يضم القانون الدولي
العام القواعد القانونية التي تحدد حقوق األشخاص الدولية والتزاماتها ،وكذا القواعد التي تحكم
العالقات المتبادلة بين هؤالء األشخاص زمن السلم والحرب.
وتبعا لذلك يسعى القانون الدولي العام إلى تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب ،وكذا
تحقيق التنمية الشاملة على جميع األصعدة.
ومما تقدم فإن دراسة ماهية القانون الدولي العام ،تتطلب التطرق إلى مفهومه (المبحث
األول) ،ورصد تطوره التاريخي (المبحث الثاني ) ومن تم تحديد طبيعته القانونية (المبحث
الثالث) ،ثم تبيان العالقة بينه وبين القانون الداخلي (المبحث الرابع).
نستعرض مفهوم القانون الدولي العام من خالل التعريف بهذا القانون (المطلب األول) ثم بيان
مجاله (المطلب الثاني)
حاول الكثير من الفقهاء تعريف القانون الدولي معتمدين على موضوعه أو
أشخاصه ،أو أساس اإللزام به ،وقد تعددت هذه التعاريف واختلفت ،ويرجع هذا االختالف
بالدرجة األولى إلى التطور الذي عرفه هذا الفرع من القانون سواء من حيث األشخاص أو
الموضوعات التي يحكمها 1،أو بالنظر إلى التحوالت والتطورات التي يشهدها المجتمع الدولي
باستمرار في مختلف الميادين والمجاالت.
- 1ماهر ملندي وماجد الحموي ،القانون الدولي العام ،منشورات الجامعة اإلفتراضية السورية ،2018 ،ص.4
10
و يعزى تعدد التعاريف التي وضعها الفقهاء للقانون الدولي العام إلى تباين وجهات
نظرهم حول إظهار األولوية في التعاريف ألحد مكونات التعريف دون آخر ،حيث يذهب غالبية
الفقهاء إلى إظهار أشخاص القانون الدولي العام في تعريفه وهم غالبا الدول ،بينما يذهب فقهاء
آخرون إلى تعريف القانون الدولي العام من خالل موضوعه وصفته اإللزامية ،أما قلة من
الفقهاء فتذهب إلى إظهار غاية وهدف القانون الدولي العام ،وبذلك انقسم الفقهاء في تعريف
القانون الدولي العام إلى ثالث مذاهب تمثلت في المذهب التقليدي ،المذهب الموضوعي والمذهب
الحديث.
وعرفه ترابل بأنه" :القانون الذي ينظم العالقات بين الدول تامة السيادة".
أما بالنسبة للقضاء الدولي ،فقد أيد التعريف التقليدي في القرار الذي أصدرته محكمة العدل
الدولية الدائمة حول قضية "اللوتس" سنة ،1927ومن خالله جاء تعريف القانون الدولي العام
بأنه" :القانون الذي يحكم العالقات ما بين الدول المستقلة".
والسبب في تعريف القانون الدولي العام على أنه القانون الذي يحكم العالقات بين الدول
فقط ،هو تشكل المجتمع الدولي آنذاك من دول أوروبا القومية فقط ،حيث كانت الدولة هي
الشخص الوحيد للقانون الدولي العام.
11
ومن الفقهاء العرب الذين يتب نون هذا التعريف التقليدي للقانون الدولي العام د .جعفر عبد
السالم الذي عرفه على أنه " :مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل
منها وواجباتها".
وعرفه د .أحمد محمد رفعت بأنه "فرع من فروع القانون ينحصر نشاطه وفعاليته في
تنظيم النشاط الخارجي للدولة بمناسبة دخولها في عالقات ثنائية أو جماعية مع غيرها من
الدول ،فهو إذن "مجموعة القواعد القانونية االتفاقية الصادرة نتيجة التراضي الصريح أو
الضمني ،والتي تنظم المجتمع الدولي وتكون ملزمة لمجموعة الدول في تصرفاتها على
المستوى الخارجي ،كما تحدد حقوق كل دولة وواجباتها في مواجهة غيرها من الدول."1
إن التعريفات التقليدية للقانون الدولي العام أصبحت قاصرة لكونها ال تواكب التطور
الذي حدث في مجال العالقات بين أشخاص القانون الدولي العام ،حيث لم تعد الدول الشخص
الوحيد للقانون الدولي العام ،بل ظهرت إلى جانبها أشخاص دولية أخرى مخاطبة بأحكام القانون
الدولي العام.
ويؤخذ على هذا المذهب إنكاره لمكانة الدولة وشخصيتها القانونية في المجتمع الدولي،
وأنه من الثابت أن الدولة هي شخص من أشخاص القانون الدولي المعاصر إن لم تكن الشخص
الرئيسي من أشخاصه ،وهو ما ال يمكن تجاهله.
- 1منصوري صونية ،محاضرات في القانون الدولي العام ،جامعة البويرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،2021-2020 ،
ص.7
12
وفي نفس السياق ،عرفه الفقيه جورج سال القانون الدولي العام على أنه" :النظام القانوني
الذي يحوي المبادئ المنشئة والمنظمة للمجتمع الدولي".
وعرفه الفقيه شتروب الفرنسي بأنه" :مجموعة القواعد القانونية التي تضمن حقوق
الدول وواجباتها وحقوق وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي".
أما بالنسبة للفقه العربي ،فتوجد مؤلفات عديدة تضمنت تعريفات للقانون الدولي العام
على أساس فكرة المجتمع الدولي ،ومن بينها تعريف الدكتور صالح الدين عامر الذي يرى أن
"القانون الدولي العام هو" :مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم المجتمع الدولي وما
يقوم في إطاره من عالقات بين أشخاصه المختلفة".
حيث يأخذ هذا التعريف بالحسبان ما لحق بالحياة الدولية من تطور ،وتغير ،فالدول لم
تعد الشخص الوحيد للقانون الدولي ،لذلك فهي ليست الوحيدة المخاطبة بأحكامه نظرا لبروز
المنظمات الدولية كأشخاص قانونية ،فاعلة في المجتمع الدولي ،وتساهم في تكوين قواعد قانونية
جديدة للقانون ال دولي ،فضال عن دورها في حماية حقوق أفراد المجتمع الدولي ورعاية العالقات
المتبادلة بينها .كما يظهر معطى جديد في القانون الدولي ،يتمثل في تغيير مركز الفرد ووضعه
في إطار قواعد هذا القانون ،نظرا لتنامي قدر ا لعناية القانونية الدولية التي لم ينفك يحظى بها
13
تدريجيا ،وذلك من قبل اتفاقيات القانون الدولي لحقوق اإلنسان، 1حيث إكتسب هذا القانون
الطابع اإلنساني حاليا النصراف غالبية قواعده إلى صيانة أوضاع الفرد المختلفة.
وبالتالي فإن االنتقال من تعريف القانون الدولي بوصفه قانون يعنى بتنظيم العالقات بين
الدول إلى قانون للم جتمع الدولي ككل هو نتيجة حتمية لتطور مفهوم هذا القانون من قانون
يتعامل مع الدول ويحفظ مصالحها فقط إلى قانون لكافة أشخاص المجتمع الدولي ومكوناتها
األساسية.
ومن بين مكونات المجتمع الدولي وعالقتها ببعضها البعض ،أدخل الكثير من الفقهاء
العرب الفرد كشخص من أشخا ص القانون الدولي العام ،ورأوا بأن هذا القانون ال يسير العالقات
بين الدول والمنظمات الدولية بعضها البعض ،ولكن أيضا يسير عالقات الفرد الدولية ،السيما
في ما يخص موضوع حقوق اإلنسان.
وانطالقا من هذا ،عرف د .محمد طلعت الغنيمي القانون الدولي بأنه" :مجموعة القواعد
التي تحكم العالقات الجوهرية ذات األثر الجوهري على الجماعة الدولية ألنها تلمس أمنها
والتي تقوم على أشخاص القانون الدولي أو بينهم أو بين األفراد".
كما عرفه د .رجب عبد المنعم متولي بأنه " :مجموعة القواعد القانونية التي تتمتع
بقوة اإللزام التي تخاطب األشخاص الدولية دوال كانت أو منظمات فضال عن ضبطها للعالقات
التي تقوم فيما بين هذه األشخاص وما بين األفراد".
هذا ما دفع البعض من الفقهاء العرب إلى توسيع أكثر في تعريف القانون الدولي العام
فامتدوا به ،زيادة على كونه قواعد قانونية دولية تنظم المجتمع ،إلى تنظيم الشؤون اإلنسانية
كافة ،وهو ما جاء به د .محمد حافظ غانم حين قال بأن القانون الدولي هو" :مجموعة من
القواعد القانونية التي تحدد حقوق الدول والتزاماتها فيما بينها ،وتنظم كافة المسائل التي
1 -Pierre-Marie Dupuy et Yann Kerbrat , droit international public,15 édition, dalloz,p345 .
14
تكون لها أهمية تتعدى حدود دولة واحدة ،وذلك بقصد تحقيق المصالح العليا للمجتمع الدولي
ولإلنسانية".
مما تقدم يتبين أن التعريف التوفيقي الجامع للقانون الدولي العام هو ذلك الذي يتضمن
موضوعه وأشخاصه وطابعه اإللزامي .وعلى هذا يمكننا أن نعرفه بأنه "مجموعة القواعد
الملزمة الناظمة للعالقات بين الكائنات التي تتمتع بالشخصية القانونية الدولية".
ويمكن تعريفه أيضا بأنه مجموعة من القواعد التي تنظم العالقات بين الدول والعالقات بين
الدول والمنظمات الدولية ،والعالقات بين المنظمات الدولية بعضها البعض ،ويمتد القانون
الدولي أيضا ،على نحو متزايد ليشمل تنظيم العالقات بين الدول واألفراد ،بما في ذلك
االلتزامات المفروضة على الدول فيما يتعلق بمعاملة األشخاص الخاضعين لواليتها أو
سيطرتها الفعلية .1
الفرع األول :تمييز قواعد القانون الدولي العام عن بقية القواعد المشابهة لها
تسمح إلزامية القانون الدولي العام بالتفرقة بينه وبين قواعد السلوك الدولية األخرى
المتمثلة في قواعد المجامالت الدولية (الفقرة األولى) ،وقواعد األخالق الدولية (الفقرة الثانية)،
مع العلم بأن جميع قواعد السلوك هذه بما فيها قواعد القانون الدولي العام ،تشترك في ذات
الغرض ،والمتمثل في تحقيق المصلحة العليا للمجتمع الدولي ككل ثم تمييزه عن قواعد القانون
الدولي الخاص (الفقرة الثالثة).
ليان مكاي ،نحو ثقافة سيادة القانون ،معهد الواليات المتحدة للسالم ،2015 ،ص.139 1
15
من بين األمثلة على قواعد المجامالت الدولية ،مراسيم استقبال رؤساء الدول األجنبية،
تبادل التهاني في المناسبات القومية واألعياد الوطنية والدينية ،قبول استمرار تمتع رؤساء الدول
السابقين باالمتيازات والحصانات الدبلوماسية ،عدم نشر المراسالت أو محاضر المفاوضات.
ولهذا تتميز القواعد القانونية الدولية عن قواعد المجامالت الدولية في أن األولى ملزمة،
حيث تشعر الدول بأن مخالفتها يعرضها إلى الجزاء ،في حين أن الخروج على قواعد المجامالت
الدولية ال يعرض منتهكيها إلى المسؤولية الدولية وإنما إلى المعاملة بالمثل.1
وقد تتحول قواعد المجامالت الدولية مع الزمن إلى قواعد قانونية ملزمة ،ومثالها
الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية التي بدأت مجامالت وتحولت إلى أعراف دولية
ومن ثم جرى تدوين هذه األعراف في اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لعام 1961واتفاقية
فيينا للعالقات القنصلية لعام . 1963واألمر ذاته ينطبق كذلك على القواعد الخاصة بالتعاون
القضائي الدولي في مجال تسليم المجرمين العاديين ،والقاعدة الخاصة بعدم التعرض لصيادي
الدول المعادية في البحر العالي (اتفاقية الهاي لعام .)1907
وعلى العكس قد تتحول القاعدة القانونية الدولية الملزمة مع الزمن إلى مجاملة دولية،
فقاعدة تبادل السفن البحرية للتحية في أعالي البحار مثال تركت اآلن الختيار السفن بعد أن كانت
في الماضي قاعدة قانونية ملزمة.
وتتميز قواعد األخالق الدولية عن قواعد القانون الدولي العام ،في أن مخالفة أحكام هذه
األخيرة يعرض المخالف إلى المسؤولية الدولية ،في حين أن خرق قواعد األخالق الدولية يؤدي
إلى سخط واستنكار الرأي العام الدولي .إذن فاألخالق الدولية هي مجموعة من المبادئ السامية
التي يم ليها الضمير العالمي ويفرضها على تصرفات الدول ولكن ليس لها إلزام قانوني ،وعدم
األخذ بها ال يترتب عليها أي مسؤولية قانونية،1
ومثلها مثل قواعد المجامالت الدولية ،يمكن أيضا لقواعد األخالق الدولية أن تتحول إلى
قواعد قانونية دولية ،فالقواعد األخالقية الخاصة بمعاملة ضحايا الحروب تحولت تدريجيا إلى
قواعد قانونية ملزمة جرى تضمينها في اتفاقيات جنيف األربع لحماية ضحايا الحرب عام
، 1949والبروتوكولين اإلضافيين لهذه االتفاقيات عام ،1977وقد أسفر ذلك عن ظهور فرع
جديد للقانون الدولي هو القانون الدولي اإلنساني الذي يعنى بالتخفيف من ويالت الحروب .كما
- 1عبد الكريم علوان خضير ،الوسيط في القانون الدولي العام ،الكتاب األول ،المبادئ العامة ،الدار العلمية الدولية ودار الثقافة
للنشر والتوزيع ،عمان ،2002 ،ص .35-34
17
أن العديد من قواعد حقوق اإلنسان كانت عبارة عن قواعد أخالقية قبل أن تتحول إلى قواعد
قانونية ملزمة مثل تحريم تجارة الرق والتمييز العنصري وإبادة األجناس وغيرها.
يضم قانون التنظيم الدولي القواعد التي تحكم إنشاء المنظمات الدولية ونشاطها
وأجهزتها ،وما يتعلق بشؤونها وتعدد وسائلها في تحقيق األهداف التي تنشأ من أجلها ،والعالقة
القانونية بين المنظمات الدولية والدول.
1 - Jean Combacau et Serge Sur , droit international public,alpha,2009,474 .
- 2شارل روسو ،القانون الدولي العام ،األهلية للنشر والتوزيع ،بيروت.1987 ،
19
يتضمن القانون الدولي الجوي القواعد الخاصة بكيفية استعمال المجال الجوي ألغراض
المواصالت الدولية وتنظيمها للتوفيق بين المصلحة الدولية المشتركة من جهة ،ومصالح الدول
المنفردة من جهة أخرى.
ويجد هذا القانون أساسه في عدد من االتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس عام 1919
لتنظيم المالحة الجوية ،اتفاقية شيكاغو عام 1944لقمع الجرائم المرتكبة على متن الطائرات،
اتفاقية الهاي عام 1970لمنع االستيالء غير المشروع على الطائرات ،اتفاقية مونتلاير عام
1971لقمع األفعال غير المشروعة ضد سالمة الطيران المدني ،فضال عن إنشاء منظمة
الطيران المدني كمنظمة متخصصة في هذا المجال سنة 1947ودورها في وضع وإثراء قواعد
القانون الدولي الجوي.
يهتم القانون الدولي البحري بالمشاكل القانونية للبحار سواء ما تعلق بوسائل النقل البحري
أو استغالل الموارد الطبيعية للبحار ومنع استخدامها لتخزين األسلحة النووية أو إلجراء
التجارب الخاصة لتطويرها ،وكذا منع تلويث مياه البحار.
يعتبر القانون الدولي االقتصادي فرعا من فروع القانون الدولي العام ،وهو ومجموعة
من القواعد والمؤسسات التي ت نظم نشاط أشخاص القانون الدولي على المستوى االقتصادي
وتنظيم العالقات االقتصادية الدولية الحكومية ،ويحدد دور اآلليات الدولية المنظمة للعالقات
االقتصادية الدولية ،ونشاط المنظمات االقتصادية الدولية ،من حيث طرق االستثمار والتجارة
الدولية ،و يضم هذا الفرع القواعد القانونية التي تنظم الحلول القانونية للعالقات االقتصادية
والتجارية الدولية فيما بين أعضاء المجتمع الدولي ،فضال عن العالقات التي تنشأ بين المؤسسات
االقتصادية التي تضطلع بدور المساهمة في التنمية االقتصادية واالجتماعية في صيغة
االستثمارات األجنبية ،وأخيرا يسعى هذا الفرع من القانون الدولي إلى تقرير عالقات التعاون
20
االقتصادي الدولي وتحقيق التطور االقتصادي واالجتماعي للدول ،وتنظيم العالقات االقتصادية
والتجارية دوليا ،وتأطير العالقات القائمة بين مختلف المؤسسات االقتصادية الداعمة لتعميق
االستثمارات وتشابك العالقات االقتصادية الدولية.1
-5قانون القضاء الدولي:
يضم هذا الفرع القواعد الخاصة بتشكيل المحاكم الدولية واختصاصاتها وإجراءاتها،
وكيفية صدور األحكام عنها وإمكانية الطعن فيها ،ويجد أساسه في األنظمة األساسية للمحاكم
الدولية واإلقليمية (المحكمة الدائمة للعدل الدولي عام ،1920محكمة العدل الدولية عام 1945
ومحكمة عدل أوروبا عام .)...1950
يهتم القانون الدولي الجنائي بوضع القواعد التي تحدد الجرائم الدولية وسلطة العقاب
عليها ،وشروط المسؤولية الجنائية للفرد وحاالت انتفائها ،ومبادئ الشرعية الجنائية ،وإجراءات
المحاكمة والعقوبات المقررة لهذه الجرائ م .ويجد هذا القانون أساسه في اتفاقية فرساي عام
،1919والئحتي محكمتي نورمبرغ عام 1945وطوكيو عام 1946لمحاكمة مجرمي الحرب
العالمية الثانية ،ونظامي المحكمتين الدوليتين ليوغسالفيا ورواندا في مطلع تسعينات القرن
الماضي لمحاكمة منتهكي أحكام القانون الدولي اإلنسا ني ،وأخيرا نظام روما األساسي للمحكمة
الجنائية الدولية عام .1998
ظهرت معظم هذه الفروع وتطورت خالل عصر التنظيم الدولي أي بعد إنشاء األمم
المتحدة عام ،1945وتتمثل فيما يلي:
- 1رضا عبد السالم ،العالقات االقتصادية الدولية بين النظرية والتطبيق ،المكتبة العصرية ،المنصورة.2010 ،
21
يعرف القانون الدولي لحقوق اإلنسان بأنه مجموعة من القواعد القانونية المتكونة أساسا
من اإلعالنات والمواثيق واالتفاقيات الدولية المتعلقة بتكريس وحماية الحقوق األساسية لإلنسان
بوصفه إنسانا وقت السلم خاصة ،وبيان الضمانات اإلجرائية واآلليات المرصودة الحترام هذه
الحقوق وإنفاذها.
وتعمل منظومة حقوق اإلنسان على ضمان حق كل فرد في أن تحترم حقوقه وحرياته سواء
المدنية أو السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية أو الثقافية ،وقد أسهمت العديد من االعتبارات
في تنامي االهتمام بقضايا حقوق اإلنسان وتزايد قيمة مفاهيمها محليا ودوليا ،ويمكن إجمال ذلك
فيما يلي:
-عالمية حقوق اإلنسان وتزايد أهميتها ضمن األولويات الدولية وتطور التشريعات المحلية
والدولية في هذا الشأن.
-أضحى احترام حقوق اإلنسان مؤشرا من مؤشرات تقييم تطور وتقدم الدول ،وشرعية
ومشروعية األنظمة السياسية.
-خطورة االنتهاكات التي تطال حقوق اإلنسان على السلم واألمن الدوليين ،وتأثيرها على
االستقرار الدولي ،وتزايد التدخالت الدولية في إطار األمم المتحدة لحماية حقوق اإلنسان في
مناطق مختلفة ،مثلما حدث مع العراق والصومال في التسعينات القرن الماضي.
وتتعدد االتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية ،التي تعنى بحماية حقوق اإلنسان،
فعالوة على ميثاق األمم المتحدة واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،هناك العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية ،1966والعهد الدولي بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية،
واتفاقية مناهضة التعذيب 1987واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ،1981
بما فيه اتفاقية حقوق الطفل .1989
22
يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة بحماية األشخاص المتضررين أثناء النزاعات المسلحة
الدولية من األضرار التي تلحق بممتلكاتهم العقارية والمنقولة ،والتي ليس لها عالقة مباشرة
بالعمليات العسكرية ،كما يحمي هذا القانون األشخاص الذين ال يشاركون في المعارك ،وتحديد
وسائل وطرق الحرب ،وهو بذلك يهدف إلى التخفيف من ويالت الحروب.
يسعى هذا القانون إلى وضع حد للمعاناة التي يتعرض لها األشخاص خالل فترات
الحروب والنزاعات المسلحة ،واستحضار األبعاد اإلنسانية في التعاطي معهم ،سواء على
مستوى ضبط األسلحة المستخدمة وحماية األفراد والمنشآت المدنية والحد من الجرائم التي
يمكن أن تتعرض لها فئات المقاتلين.
وقد شهد هذ ا الفرع الحديث من القانون الدولي العام ،تطورا كبيرا في العصر الحالي،
ونظرا الرتباطه بالنزاعات والحروب العسكرية ،فإن مرتكزاته تمتد إلى حضارات وأنظمة
وتشريعات إنسانية قديمة ،ومن بينها النظام القانوني اإلسالمي.
وتشكل اتفاقيات جنيف واتفاقيات الهاي األساس الذي تقوم عليه مبادئ القانون الدولي
اإلنساني في صورته الحديثة ،فهي التي تشكل اإلطار القانوني لهذا الفرع القانوني.1
فقد جاءت اتفاقيات الهاي لعامي 1899و 1907لتنظيم سير العمليات العسكرية ومنع
استخدام بعض األسلحة البالغة الخطورة ،فيما جاءت اتفاقية جنيف لعام 1949والمكملة
ببروتوكول عام 1977و 2005لحماية ضحايا الحرب من أسرى وجرحى ومرضى.2
وعموما تستهدف اتفاقيات القانون الدولي اإلنساني حماية المدنيين ضحايا النزاعات
المسلحة والحروب وحماية المقاتلين كذلك الذين كفوا عن القتال ،وتنظيم سير العمليات
- 1خالد الحمدوني ،اآلليات الوطنية والدولية لتطبيق القانون الدولي اإلنساني ،أطروحة لنيل الدكتوراه الوطنية ،جامعة
محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال.2014 ،
- 2السعدية بنهاشم الحروني ،تعريف القانون الدولي اإلنساني ،أصوله ومصادره ،في القانون الدولي اإلنساني أصوله ،أحكامه
وتطبيقاته ،منشورات جمعية نشر ال معلومة القانونية والقضائية ،سلسلة الدراسات واألبحاث ،العدد -3دجنبر 2007م ،ص :ط
.15-29
23
العسكرية ،كما اعترفت للهيئة الدولية للصليب األحمر بوظيفة تنفيذ مقتضيات القانون الدولي
اإلنساني الذي تعتبر كل مخالفة ألحكامه جريمة دولية.
-3القانون الدولي للتنمية:
يضم هذا الفرع القواعد القانونية التي تعنى بتوحيد الجهود الدولية من أجل تحقيق قدر
مناسب من التوازن في معدالت النمو فيما ما بين الدول المختلفة ومحاولة تصحيح االختالل في
التوازن في إطار العالقا ت االقتصادية الدولية المعاصرة لصالح خدمة قضايا اإلنسانية.
يضم هذا القانون القواعد القانونية التي تعنى بحماية البيئة والمحافظة على مواردها
السيما األنواع النادرة منها ،حيث يعتبر هذا الفرع من أهم مظاهر التجديد في القانون الدولي
المعاصر ،لكون قضايا البيئة لم تكن محصورة في نطاق القوانين والتشريعات الوطنية ،بل
أضحى لل قانون الدولي دور فعال فيها ،ولعل المؤتمرات والندوات واالتفاقيات الدولية العديدة
التي انعقدت أو أبرمت خالل العقود الماضية تعكس مدى عناية القانون الدولي بالبيئة ،كما
تتجلى مظاهر التجديد أيضا في تطوير قانون المسؤولية الدولية ،ومنها المسؤولية عن المخاطر
وعدم ا شتراط أن يكون الفعل المتسبب في حدوث الضرر عمال غير مشروع بالضرورة ،إن
القانون الدولي للبيئة يهتم بكل ما من شأنه أن يضمن الحماية الالزمة للبيئة من مختلف المخاطر
التي تتجاوز حدود الدول بالنظر إلى تطور الصناعات وما يرافقها من ملوثات .1ومع ذلك ال
يزال هذا النوع بحاجة إلى صياغة قواعد إضافية بإيجاد آليات جديدة لمواجهة المخاطر البيئية
الجدية السيما في مجالي تحمل األعباء والتمويل.
- 1الهدف من القانون الدولي للهيئة أ) هو حماية المح يط الجوي من التلوث .ب) حماية النباتات والغابات والحيوانات البرية.
ج)-حماية مياه وثروات األنهار الدولية ،ت) منع تلوث المياه البحرية وتوفير الحماية واالستخدام المعمول للثروات واألحياء
البحرية .د) حماية المخلوقات النادرة وحماية البيئة المحيطة من التلوث الذري وغيرها ...أنظر :أنيسة اكحل العيون ،األمن
على اختالف أبعاده ،الغدائي -البيئي -اإلنساني ،أفريقيا للشرق .2012
24
يشمل هذا الفرع مجموعة القواعد ذات الصلة بتحديد المركز القانوني لالجئ من حيث
تعريفه ،والشروط الواجب توافره ا فيه لالعتراف له دوليا بهذا الوصف ،والحقوق التي تتمتع
بها وااللتزامات التي تترتب عليها إزاء دولة الملجأ ومسؤوليتها في التقيد بأحكام هذا القانون،
ويجد أساسه خاصة في اتفاقية األمم المتحدة لالجئين عام 1951وبروتوكولها الملحق عام
1967وعدد كبير من القرارات ذات صلة.
يضم هذا الفرع القواعد المتعلقة برسم الحدود ،وتخطيطها عمليا سواء كانت برية أم
بحرية ،والتي منها تعيين الجرف القاري للمنطقة االقتصادية الخالصة ،وتتمثل مرجعية هذا
القانون في االتفاقيات الدولية للدول المتجاورة حول الحدود ،وقرارات المنظمات الدولية ،وأحكام
القضاء الدولي إليجاد وسائل حل المنازعات التي تثار بين الدول بشأن الحدود الوطنية لكل
منها ،وحرمة األراضي الوطنية للدول.
يضم هذا الفرع القواعد التي تحدد المساحات البحرية للدول (مياه داخلية ،بحر إقليمي،
م نطقة متاخمة ،منطقة اقتصادية خالصة ،البحر العالي ،الجرف القاري ومنطقة التراث المشترك
لإلنسانية) ،وكذا القواعد الناظمة لالستغالل المشترك لثروات البحار ومواردها الحية وغير
الحية سواء في الماء أو تحت القاع ،ويجد أساسه على الخصوص في اتفاقية جنيف عام ،1958
اتفاق ية األمم المتحدة لقانون البحار عام ،1982وأحكام محكمة العدل الدولية (قضية مضيق
كورفو عام .)1949
يعنى هذا الفرع بحماية الموظفين الدوليين في مواجهة المنظمات الدولية التي يتبعونها
في إطار الرابطة الوظيفية ،حيث يعنى ببيان مراكزهم القانونية (حقوقهم وواجباتهم واالمتيازات
25
والحصانات التي يتمتعون بها) ،ويجد أساسه على الخصوص في أحكام المحكمة اإلدارية لألمم
المتحدة.
ظهر هذا القانون إثر التنافس الكبير في رحالت غزو الفضاء بين اإلتحاد السوفياتي
سابقا والواليات المتحدة األمريكية ،مما دفع باألمم المتحدة إلى وضع قواعد قانونية لتنظيم
استعمال الفضاء الخارجي عن طريق جملة من القرارات كالقرار المتعلق باستعمال الفضاء
الخارجي لألغراض السلميةعام ، 1957والقرار المتعلق بالمبادئ المتعين إتباعها في استعمال
الفضاء الخارجي عام ،1961إلى أن تم اعتماد اتفاقية عام 1967المتعلقة بتنظيم نشاط الدول
في استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر و األجرام السماوية األخرى.
العالقات العابرة غير المستقرة حيث شهدت تلك المجتمعات قدرا معينا من اإلختالط ،عن طريق
التجارة ،وعن طريق الحروب ،وعن طريق إرسال الرسل وكذلك بعض معاهدات التحالف
والصداقة.
- 1صالح عبد البديع شلبي ،الوجيز في القانون الدولي ،القاهرة ،2000 ،ص .5
- 2عبد الكريم علوان خضير ،مرجع سابق ،ص .58
27
والبعد عن الرحمة والعدالة ،ولكن من جانب آخر قد خضعت هذه العالقات لنوع من التنظيم
كإعالن الحرب قبل الدخول فيها ،وإمكانية تبادل األسرى ،واحترام حياة الالجئين إلى المعابد.1
في إنشاء وتطوير قواعد القانون الدولي ،ووضع العديد من أسسه ومبادئه موضع التطبيق ،مما
ال يزال العمل به ساريا في المجتمع الدولي حتى اآلن.
وقسم بعض فقهاء اإلسالم العالم إلى دارين دار اإلسالم ،ودار الحرب ،1أما دار اإلسالم
فهي األقاليم التي تطبق فيها أحكام اإلسالم ويتمتع جميع من فيها باألمان الذي يتمتع به المسلمون،
أما دار الحرب فهي البالد التي لم تدخل في الفتح اإلسالمي ،وال تجري فيها أحكام اإلسالم،
سواء أكانت بحالة حرب فعلية مع المسلمين ،أم ال ،أما دار العهد فهي البالد أو األقاليم التي
دخلت مع الدولة اإلسالمية في معاهدة سالم.2
ونظم اإلسالم عالقة الدولة اإلسالمية بغيرها من الدولـ على أساس مبادئ التعايش
السلمي.
أما فيما يتعلق بمساهمة الشريعة اإلسالمية في إنشاء وتطوير قواعد القانون الدولي.
يمكن القول أن مساهمة اإلسالم في ذلك مساهمة غنية ومتعددة األوجه ،وحسبنا أن نقول هنا إذا
كان استخدام القوة المسلحة في النزاعات بين الدول هو آفة العالقات الدولية ،وأن القوة المسلحة
هي أكثر ما يهدد حياة اإلنسان وأمن المجتمع الدولي ونظامه وسالمته ،فإنه من فضل الشريعة
اإلسالمية على العالم بأسره أنها حد ث من استعمال القوة ،وحظرت العدوان وحرمته ،وبينت
بنصوص واضحة وقاطعة حدود استخدام القوة وشروطها وضوابطها وهو ما تبناه واعترف به
القانون ا لدولي بعد اإلسالم بقرون ،فالعدوان محرم وفقا ألحكام الشريعة اإلسالمية ،واستخدام
القوة ال يكون إال لرد العدوان والدفاع عن النفس والعقيدة ،يقول تعالى في كتابه العزيز" :وقاتلوا
في سبيل هللا الذين يقاتلونكم وال تعتدوا ،إن هللا ال يحب المعتدين".3
ويحق للمسلمين المستهدفون بالعدوان أن يدافعوا عن أنفسهم لرد العدوان ،إذ يقول هللا
تعالى " :فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ،واتقوا هللا ،واعلموا أن هللا
- 1إيناس محمد البهجي و يوسف المصري،القانون الدولي العام وعالقته بالشريعة االسالمية،المركز القومي لالصدارات
القانونية،2013،ص.287
مع المتقين" ،1ولعل ذلك ما يسمى اليوم في أدبيات القانون الدولي بحق الدفاع الشرعي عن
النفس ، 2وكذلك من حق المسلمين ،بل من واجبهم ،استخدام القوة لرد العدوان الذي يقع في
الدول أو المجتمعات الطاغية في العالم ،ويستهدف النيل من حقوق أو كرامة الدول أو المجتمعات
الضعيفة بصرف النظر عن كون هؤالء المعتدى عليهم من المسلمين أو من غير المسلمين،
وهذا ما يأمر به هللا تعالى في القرآن الكريم بقوله "وما لكم ال تقاتلون في سبيل هللا
والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان".3
لقد كانت مساهمة اإلسالم في تنظيم العالقات الدولية منذ ظهوره إلى اليوم مساهمة
كبيرة بحيث أرسى هذا األخير نظرية متكاملة الستخدام القوة في العالقات الدولية منذ إعالن
الحرب إلى نهايتها ،4وقد كان لهاته النظرية األثر في الكثير من المبادئ التي تبناها القانون
الدولي اإلنساني فيما بعد ،5كشروط استخدام القوة ،وحدودها والضمانات الكفيلة بحماية اإلنسان
واألعيان المدنية وأسرى الحرب خالل تلك المنازعات.
ولم تتوقف مساهمة الشريعة اإلسالمية في نشأة وتطوير قواعد القانون الدولي عند تلك
الحدود ،وإنما كان لإلسالم دور في صياغة نظرية متكاملة للقانون الدولي وأصول العالقات
الدولية تشمل شتى فروع هذا القانون كحقوق اإلنسان والعالقات الدبلوماسية ،كما أنه حث على
كثير من المبادئ والقيم التي يجب أن تسود بين مختلف شعوب المنتظم الدولي ،كالمساواة
والتعاون اإلنساني ،والكرامة والتسامح والعدالة ،والوفاء بالعهد.6
أخرى شهد هذا العصر صراعا بين الدولة في مواجهة أمراء اإلقطاع تحقيقا لوحدتها الداخلية
وتأكيدا لسيادتها انتهى بتغلب الدولة وزوال النظام اإلقطاعي.
من جهة أخرى ،ظهر في هذا العصر تسلط الكنيسة وذلك نتيجة إلنتشار الدين المسيحي
بين الدول األوروبية من جهة ،وظهور اإلسالم والخوف من انتشار نفوذه مما يؤدي إلى انتزاع
السيادة من المسيحية.
لم تسمح ظروف هذا العصر أن يتطور القانون الدولي العام ،ذلك أن تسلط الكنيسة والبابا
يتنافى مع وجود دول مستقلة قادرة على تنظيم العالقات فيما بينها ،كما أن إسناد العالقات الدولية
إلى الروابط الدينية دون غيرها كان من شأنه أن تقتصر العالقات على الدول المسيحية دون
سواها ،ولكن تخلص الدولة من سلطان البابا وظهور الحرية الفكرية والعلمية المعروفة بعصر
النهضة ،واكتشاف القارة األمريكية وما أثارته من مسائل دولية جديدة أهمها االستعمار وحرية
البحار أدى إلى تزايد اإلهتمام بتوجيه القانون الدولي لتنظيمها.
-3تطبيق مبدأ التوازن الدولي للمحافظة على السلم واألمن الدوليين ،ومعنى هذا المبدأ أنه إذا
ما حاولت دولة أن تنمو وتتوسع على حساب غيرها من الدول فإن هذه الدول تتحد لتحول دون
هذا التوسع محافظة على التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السالم العام السائدة
بين هذه الدول.
-4ظهور فكرة المؤتمر األوربي الذي يتألف من مختلف الدول األوربية والتي ينعقد لبحث
مشاكلها وتنظيم شؤونها.
-5نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم محل نظام السفارات المؤقتة مما أدى إلى قيام عالقات
دائمة ومنظمة بين الدول األوربية.
-6اإلتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية التي اتفقت الدول عليها في تنظيم عالقاتها
المتبادلة ،فقد قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى تدعيم
القانون الدولي وترسيخ قواعده بين الدول.
نبهت حروب نابليون دول أوربا إلى ضرورة التعاون فيما بينها على السالم ،وكان انتهاء
هذه الحروب فرصة إلجراء تجربة جديدة في محيط العالقات الدولية ،وقد تبلورت هذه التجربة
في عقد معاهدات وسلسلة من المؤتمرات ،ومن أهم المؤتمرات األوروبية التي تلت مؤتمر
وستفاليا وكان لها أكبر األثر في تطور القانون الدولي العام فهي:
-1مؤتمر فيينا:
حاول نابليون أن يطبق أفكار الثورة الفرنسية القائمة على المساواة واإلعتراف بحقوق
اإلنسان فشن حروبه على األنظمة الديكتاتورية مما أدلى إلى زوال دول عديدة وظهور دول
جديدة ،ولكن تبدل الوضع فيما بعد حيث انهزم نابليون مما أدى إلى انعقاد مؤتمر فيينا عام
1815لتنظيم شؤون العائلة األوربية وإعادة التوازن الدولي وعدم اإلعتراف إال بالملكيات
الشرعي ة ،ونتج عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أبرزها إقرار بعض القواعد الدولية الجديدة
كالحياد الدائم لبعض الدول ،والقواعد الخاصة بحرية المالحة في األنهار الدولية وقواعد ترتيب
المبعوثين الدبلوماسيين وتحريم اإلتجار بالرقيق.1
-2التحالف المقدس
نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المشتركة في مؤتمر فيينا بضمان تنفيذ قرارته ،وقد
اتفق أعضاء التحالف على تطبيق مبادئ الدين المسيحي في إدارة شؤون الدول الداخلية
والخارجية ،ولكن الهدف الحقيقي كان الحفاظ على عروش هذه الدول الكبرى وقمع كل ثورة
ضدها ،وأكدت ذلك معاهدة "إكس ال شبيل" سنة 1818بين إنجلترا وبروسيا والنمسا ثم فرنسا،
حيث اتفقت هذه الدول على التدخل المسلح لقمع أي حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوربا.1
-3تصريح مونرو.
أصدر هذه التصريح الرئيس األمريكي عام 1823حيث تضمن أن الواليات المتحدة
األمريكية ال تسمح ألي دولة أوربية بالتدخل في شؤون القارة األمريكية أو احتالل جزء منها
وذلك ردا على سياسة التدخل التي انتهجتها دول أوربا الخمس الكبرى (روسيا-بروسيا -النمسا-
إنكلترا وفرنسا) عندما حا ولت هذه الدول التدخل في شؤون تلك القارة لمساعدة إسبانيا على
استرداد مستعمراتها في القارة األمريكية.2
ولقد كان لهذا التصريح شأن كبير في إرساء مبدأ عدم التدخل في شؤون الداخلية للدول
من الناحية العملية ،وكان له أثره أيضا في توجيه العالقات الدولية بين القارتين األمريكية
واألوربية.
-4مؤتمرات السالم بالهاي عام .1907-1899
تضمنت هذه المؤتمرات قواعد فض المنازعات بالطرق السلمية ،وإقرار قواعد خاصة
بقانون الحرب البرية والبحرية وقواعد الحياد ،وإن كان طابع المؤتمر األول أوربي صرف فإن
المؤتمر الثاني 1907غلب عليه الطابع العالمي لمشاركة دول من القارة األمريكية.
وال غرو أن لهذه المؤتمرات دورا بارزا في تطوير العالقات الدولية وتطوير القانون
الدولي بما يتفق مع مصالح الجماعة الدولية ،فقد اتجهت مؤتمرات الهاي إلى استحداث نظم
ثابتة ،وتم التوصل إلى إنشاء هيئات يمكن للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات
التي قد تقع بين دولتين أو أكثر كما امتدت جهود المؤتمر إلى إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي
محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي.
- 1فتوح عبد هللا الشاذلي ،القانون الدولي الجنائي ،أوليات القانون الدولي الجنائي النظرية العامة للجريمة الدولية ،اإلسكندرية
دار المطبوعات الجامعية .2002
34
لها أداء مهمتها على أتم وجه ،وبالتالي كانت نوعا ما أقوى من عصبة األمم المتحدة ،وقامت
المنظمة بجهود مكثفة في سبيل تحقيق أهدافها في السالم واألمن الدوليين ولكن نظرا لبعض
االعتبارات السياسية لم يستطع واضعو الميثاق الحد من مبدأ سيادة الدول األعضاء مما نجم
عنه منح الدول الخمس الكبرى حق الفيتو ،ولهذا فقد تعرضت األمم المتحدة منذ نشأتها لظروف
صعبة إل ى حد أنها كانت تصاب في بعض األوقات وفي بعض القضايا بالشلل التام ،فقد كان
عليها في ظل ميثاقها وما يحوطه من تناقض أن تعمل على الحد من المنافسات القومية الحادة
وصراع القوى الكبرى ،وبالرغم من تأكيد الميثاق على تحريم استخدام القوة في العالقات
الدولية وعلى مبد أ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ،فإن الدول الكبرى ال تزال تستخدم
القوة كما أنها تتسابق لزيادة أسلحتها بما فيها األسلحة النووية ،ورغم مرور زمن طويل على
إنشاء المنظمة فإنها لم تحقق المأمول منها ولكن رغم ذلك وجودها ضروريا وذلك لتمسك الدول
بالتنظيم الدولي وازدياد اإلقبال عليها من قبل دول العالم الثالث ،وقد مارست المنظمة ومازالت
نشاطا متزايدا في كافة المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والقانونية.
القانون الدولي ليس بقانون ألنه يفتقر إلى السلطة التشريعية ،ألن القاعدة القانونية حسب
هذا االتجاه ال تنشأ إال في مجتمع منظم مما يتطلب وجود سلطة أو هيئة تضع القانون بإرادتها،
وهو ما ال يتوفر في القاعدة الدولية ،لذلك يشبه عدد الفقهاء (هوبز ،كانط )،حالة المجتمع الدولي
بحالة الطبيعة ، 2إذ يرون أن العالقات بين الدول ال تقوم في غياب مشرع دولي إال على القوة،
حتى لو افترضنا وجود معاهدا ت بينها ،فهي ال تشكل قواعد ثابتة ،ألنه يمكن للقوة أن تؤدي
إلى إنهائها مادامت قواعد هذه المعاهدات من وضع الدول ال من وضع مشرع دولي أعلى منها،
ولذلك يعتبر أوستن أن ما يطلق عليه القانون الدولي ليس قانونا بمعنى الكلمة ،وإنما هو عبارة
عن مجرد أخالق دولية أو أفكار ومشاعر سارية بين األمم.
يقترن تعريف القاعدة القانونية في المجتمعات الداخلية بالجزاء باعتباره الضمانة القوية
لحماية هذه القاعدة من الخرق واالنتهاك ،ونظرا للطبيعة الخاصة للمجتمع الدولي على اعتباره
- 2أنسام عامر السوداني ،فلسفة حقوق اإلنسان ،بيروت ،دار الرافدين ،ص .85
36
مجتمعا ال مركزيا ،1من حيث غياب سلطة عليا فيه تتولى توقيع الجزاء على مخالفة القاعدة
ا لقانونية الدولية ،فإن هذه القاعدة أساسا تعد غير موجودة ،ومادامت كل قواعد القانون الدولي
من هذا القبيل فال محل للقول بوجود هذا القانون أصال.
ال يعرف نظام المجتمع الدولي نظام السلطات ،ويفتقر إلى السلطة القضائية التي يفترض
أن تطبق قواعد القانون الدولي على جميع الدول ،ولهذا أنكر الفقهاء الصفة القانونية لقواعد هذا
األخير ،فحتى وإن افترضنا وجود سلطة قضائية دولية ممثلة في محكمة العدل الدولية ،فإن
اللجوء إليها من أجل التقاضي أمامها يكون اختياريا يخضع إلرادة الدولة ،عالوة على افتقاد
أحكامها لضمانات التنفيذ كتلك التي يجري العمل بها في المحاكم الداخلية.
وبناء على ذلك ،يعتقد أنصار هذا االتجاه أنه ال وجود لتالزم بين القاعدة القانونية الدولية
والشروط الثالثة السابقة ،وتفصيل ذلك على النحو التالي:
وألن قواعد القانون الدولي هي عرفية باألساس ،فهو قانون بمعنى الكلمة ،وإن أنكرنا
ذلك فيجب معه أن ننكر الصفة القانونية للقانون اإلنجليزي وكل القوانين الداخلية ذات المصدر
العرفي ،وهذا غير ممكن .ومع كل هذا فقد بدأت الدول منذ القرن الماضي في تدوين الكثير من
القواعد الدولية التي استقر العمل بمقتضاها عن طريق النص عليها في االتفاقيات الدولية
الكبرى ،فهذه االتفاقيات الدولية تقابل التشريع في القانون الداخلي ،فالدول حين تدخل في مثل
هذه االتفاقيات تصبح ملزمة بما فيها من أحكام عمال بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.1
يعتقد البعض بأن السبب الحقيقي في االنصياع للقانون يعود إلى الخوف من لجوء سلطة
عليا إلى استعمال القوة ،وبالنظر لعدم وجود مثل هذه السلطة العليا في المجال الدولي فإنه ال
يمكن التسليم أن القانون الدولي قانونا ملزما ،إال أن هذا الرأي غير سليم ،فالجزاء وإن كان
يحمي القاعدة القانونية لحد ما من العبث بها إال أنه ليس شرطا لوجودها ،فالقاعدة توجد نتيجة
حاجة اجتماعية تدفعها للوجود وهي توجد ولو لم يصا حبها جزاء أو كان الجزاء الذي يحميها
ضعيفا ،دون أن يؤثر ذلك في صفتها القانونية ،وبالتالي فإن انعدام الجزاء أو ضعفه ليس عيب
القاعدة القانونية ذاتها ،وإنما هو عيب النظام االجتماعي الذي يطبق فيه.
- 1عبد الكريم علوان خضير ،مرجع سابق ،ص .39-38 :
38
ومع ذلك فإن القانون الدولي العام ال يخلو من الجزاءات وهي على عدة صور :
احتجاجات الرأي العام العالمي ،ممارسة الضغوط األدبية ،التدابير السياسية أو
االقتصادية واستخدام القوة العسكرية في بعض الحاالت.1
يؤكد هذا االتجاه أن انعدام القضاء ال يؤثر في وجود القانون ألن مهمة القاضي أساسا
تنحصر في تطبيق القوانين ال خلقها ،وأن ظهور القواعد القانونية سبق في المجتمع ظهور
القضاء ،ومهما يكن من أمر فالقانون الدولي رغم ذلك ال يخلو كلية من اقترانه بالقضاء ،فهناك
هيئات التحكيم الدولي ،و محكمة التحكيم الدائمة المنشأة بمقتضى اتفاقيات الهاي لعام ،1889
والمحكمة الدائمة للعدل الدولي عام ،1920والمحكمة الحالية ،محكمة العدل الدولية المنشأة
سنة ،1945فضال عن المحاكم اإلقليمية مثل محكمة العدل األوروبية ،المحاكم اإلقليمية لحقوق
اإلنسان ،األوروبية -األمريكية -اإلفريقية ،-المحاكم الجنائية الدولية ،محكمة نورمبرغ -طوكيو-
يوغسالفيا -رواندا ،وأخيرا المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.2
وبناءا على ذلك ،فإن القانون الدولي موجود والخالف أكاديمي ،حيث تعترف حكومات
جميع الدول بوجوده وإلزاميته ،فقد أعلن عن ذلك في كافة المواثيق الرسمية بشكل صريح من
معاهدات مشتركة وثنائية واتفاقيات جماعية ،وبل وأشارت إليها الكثير من الحكومات في
دساتيرها الخاصة التي تعلي من شأن القانون الدولي ،وتجعل له األسبقية على قوانينها الداخلية،
مما نشأ عنه مبدأ قانوني ،وهو سمو القانون الدولي على القوانين الداخلية.
في هذا المبحث نريد أن نتبين األساس الذي تستمد منه قواعد القانون الدولي صفتها
اإللزامية ،بعبارة أخرى من أين تستمد قواعد هذا القانون صفتها اإللزامية.
إن للفقهاء في تحديد هذا األساس مذهبين :المذهب اإلرادي ،والمذهب الوضعي.
دعا إليها الفقيه األلماني تريب ل ،ومفادها أن القانون الدولي العام نشأ نتيجة توافق إرادة
الدول على ذلك وبالتالي يستمد صفته اإللزامية من إرادة جماعية مشتركة تفوق في السلطة
اإلرادة الخاصة أو المنفردة للدولة .وما يعاب على هذه النظرية هو اعتمادها على فرضية
اجتماع إرادات الدول أوال لقبول االل تزام بالقانون الدولي وما دام األمر رهين باجتماع إرادة
الدول على االلتزام بقواعد القانون الدولي ،فإنه ال مانع من إمكانية اجتماع إرادات الدول مرة
أخرى على التحلل من اإللزام القانوني لقواعد القانون الدولي.1
جاء بها الفقيه الفرنسي دوركهايم وتبعه روجي وتتلخص أفكارها في أن أساس كل قانون
هو الحدث اإلجتماعي الذي يفرض نفسه على كل جماعة ويتحول إلى قاعدة قانونية من ذاع
الشعور بوجودها .وتكتسب القاعدة صفة اإللزام من ضرورة خضوع أعضاء الجماعة لها من
أجل المحافظة على بقائهم ،وقد استخفت هذه النظرية بمفهوم الدولة وسيادتها وأنكر دورها في
وضع القوانين ،وكذلك افترض هذا المذهب تلقائية نشأة القاعدة القانونية وتجاهل أهمية الجزاء
في القواعد القانونية.1
يمكن القول أن القانون وليد الحاجة االجتماعية ،والقانون الدولي ال يشذ عن هذه القواعد،
فالموافقة المشتركة التي أملتها ضرورة العيش في مجتمع منظم هي السبب األول لالنصياع
للقانون ،فال يمكن تصور الحياة االجتماعية بدون تنظيم فالرضا هو الذي أنتج اإللزام.
ومن جانب آخر هناك مصلحة مشتركة بين الدول في قبول حد أدنى من التنظيم للمحافظة على
الذ ات ،وهذا الشعور هو الذي يولد اإللزام ،والدليل على ذلك أنه حتى الدول الكبرى ال تجرؤ
على التصريح بمخالفة أحكام القانون الدولي –وإن خالفته أحيانا – علما أنها تعلم أنه ليس هناك
من يهددها بتوقيع الجزاء ،وبالتالي فإن الموافقة الجماعية أو القيد الذاتي الزال يمثل األساس
الجوهري في االلتزام بأحكام القاعدة القانونية الدولية.
يتبين أن هناك خالف كبير بين الفقهاء حول أساس اإللزام في القانون الدولي ،لكن الرأي
الراجح يميل إلى المذهب اإلرادي والذي يستند إلى رضاء الدول عامة صراحة أو ضمنا
بالخضوع للقانون الدولي وهذا ما أبدته المحكمة الدائمة للعدل الدولي ،لكن وجود بعض القواعد
التي لم توافق عليها الدول أو تسهم في إنشائها يجعل من الصعب الحديث عن إرادة مفترضة
للدول مما يضعف األساس الذي يستند إليه القانون الدولي ويؤدي إلى التشكيك في وجوده ،وأيا
كان الرأي فإن موضوع اإللزام في القانون الدولي يخرج من إطار القانون الوضعي ليدخل في
دائرة الحاجة إلى وجود قواعد تنظم عالقات الشعوب بين بعضها.
- 1خانزاد أحمد عبد ،القانون الدستوري الدولي ،دارسة في التأثيرات المتبادلة ما بين قواعد القانون الدستوري وقواعد
القانون الدولي ،منشورات الحلبي الحقوقية ،2011 ،ص.92-91-90 :
43
1- Heinrich Triepel, droit international et droit interne, Edition Panthéon ASSAS, Paris, 2010, p
27.
- 2نعيمة بن يحيى ،الممارسة االتفاقية لحماية حقوق اإلنسان بالمغرب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
نموذجا ،مركز الدراسات حول مساواة النوع والسياسات العمومية ،2017 ،ص.20-19 :
44
عند عقد االتفاقيات الدولية ويترتب على ذلك أن ترتبط به سائر فروع القانون الدولي العام
برباط التبعية ،وتكون األولوية للدستور على المعاهدات الدولية.
لكن هذا االتجاه المبني على السيادة المطلقة ال يمكن األخذ به نظرا للعديد من التعقيدات
المفروضة اليوم على السيادة باسم الحريات العامة وحقوق اإلنسان.1
اتجاه سيادة القانون الدولي:
يرى أنصار هذا االتجاه سيادة القانون الدولي ،ألن القاعدة األساسية للنظام العام كله
يحويها ال قانون الدولي ،والذي يفوض الدولة بإصدار القوانين الداخلية ،ومن جهة أخرى القانون
الدولي يبين الجماعات التي تتمتع بوصف الدولة ،ويرى أنصار هذا االتجاه أن مذهب سيادة
القانون الوطني يهدم القانون الدولي ويجعله عديم الفائدة ،كما أنه ال يساعد على بناء السالم
العالمي ،2كما أنه يؤدي إلى تهرب الدولة من التزاماتها الدولية بحجة معارضتها لقانونها
الداخلي ،وبالتالي يقرر أنصار هذا االتجاه أولوية المعاهدات الدولية وااللتزامات الدولية على
القانون الداخلي في حالة التعارض.
- 1الممارسة الدولية أضحت تتجه نحو تقويض المفهوم التقليدي للسيادة بفعل االهتمام ال دولي بقضايا حقوق اإلنسان .أنظر خالد
الحمدوني ،مرجع سابق ،ص 35
مباشرة ،وسوف نقوم بدارسة الدول والمنظمات الدولية والفرد كأشخاص أساسية في القانون
الدولي.
1 -Cédric MILHAT , les indispensables du droit international public , ellipses,2016,p 19.
- 2ال نتفق مع ما ذهب إليه األستاذ في وصفه لسيطرة الهيئة الحاكمة ،فمفهوم الدولة المعاصر ال يتماشى مع الفلسفة الجديدة
لمفهوم الدولة ،إذ لم تعد تلك اآللية التي تسيطر على الشعوب وإنما الدولة هي لخدمة الشعب والسهر على رفاهيته وليس
للسيطرة عليه.
- 3كذلك ال نتفق مع تعريف األستاذ في هذا الجانب ،إذ أن الدولة لم تعد تمارس السيادة على الشعب ،وإنما أضحت ذات
سيادة مسئولة إن لم تكن في خدمتهم ،فأكيد أن الشعوب لن تقبل بهذه السيادة.
48
المجتمع ،كما تتولى تمثيله في مواجهة اآلخرين ،ويمكن تعريف الدولة بأنها جمع من الناس
يقيمون على سبيل االستقرار في إقليم معين ،ويخضعون لسلطة عليا حاكمة ذات سيادة".
- 1حسنة كجي ،العالقات الدولية األسس المفاهيمية والفكرية الفاعلون والتفاعالت ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى
.2019
49
-2الشعب :هو مجموعة من األفراد المكونين للدولة من الجنسين معا ،والمتواجدين على إقليم
الدولة أو خارجه وبصرف النظر عن عددهم وال يشترط عددا معينا لألفراد؛ بحيث ال يوجد
فرق بين الدول كثيرة العدد والدولة قليلة العدد ،من حيث المركز القانوني الدولي وما يتصل به
من حقوق وواجبات ،وهذه المجموعة التي تشكل شعب الدولة تجمع بينهم رابطة والء األفراد
للهيئة الحاكمة في الدولة ،وخضوعهم للقوانين مقابل تمتعهم بحمايتها بصرف النظر عن أصلهم
أو لغتهم أو ديانتهم أو تقاليدهم ،وهذه الرابطة هي رابطة الجنسية.
ويضم إقليم الدولة أشخاص ال ينتسبون إليها وال تربطهم بها سوى رابطة اإلقامة على
هذا اإلقليم ،وهو ما يطلق عليهم وصف األجانب ،ويتمتعون بحقوق والتزامات تختلف في مداها
عن تلك التي يتمتع بها المواطنين ،كتولي الوظائف العامة وتملك العقارات ،وغير ذلك.
-3السلطة الحاكمة :إن السلطة الحاكمة هي التي تؤكد وحدة الشعب المعنوية واالقتصادية
وتحقق مصالح الشعب وتتولى الدفاع عن كيان اإلقليم داخليا وخارجيا ،ويعبر عن السلطة العامة
في لغة القا نون الدولي بالسيادة ،والسيادة هي التي تجعل الدولة تظهر في مواجهة الدول األخرى
كوحدة متميزة لها شخصية دولية ،وال عبرة بالشكل السياسي للسلطة في الدولة مادامت تمثل
من القوة والتنظيم ما يمكنها من فرض سلطتها على إقليم الدولة فال فرق أن تكون ملكية فردية
أم ديمقراطية.1
-1السيادة
السيادة هي القدرة على اإلنفراد بإصدار القرار السياسي في داخل الدولة وخارجها ،ومن
ثم القدرة الفعلية على االحتكار الشرعي ألدوات القمع في الداخل وعلى رفض االمتثال ألية
سلطة تأتيها من الخارج ،وللسيادة مظهران:
مظهر دا خلي وتعني سلطان الدولة على األشخاص وعلى إقليمها ،بحيث ال تستطيع أي دولة
أخرى أن تعلو عليها في فرض إرادتها على األفراد والهيئات داخل حدودها ،أو في تنظيم شؤون
إقليمها .1ومعنى ذلك أن السيادة تمكن الدولة من ممارسة االختصاص أو السلطة بشكل منفرد
ومستقل وشمولي.
أما المظهر الخارجي للسيادة فهو يعني عدم خضوع الدولة ألي وحدة دولية أخرى إال
بمحض إرادتها ،وذلك يعني حرية الدولة في إدارة شؤونها الخارجية وتحديد عالقتها بسائر
الدول األخرى ،وحريتها في التعاقد معها أو حقها في إعالن الحرب أو التزام موقف الحياد.
فالسيادة واحدة ،بمعنى أن والية الدولة في حدود إقليمها والية انفرادية ومطلقة ،فالسيادة
ال تقبل التجزئة بمعنى أنه ال يمكن تقسيمها في الدولة الواحدة ،كما أنها ال تقبل التصرف ألن
الدولة التي تنازل عن سيادتها تفقد ركنا من أركان قيامها وتنقضي شخصيتها الدولية ،كما أنها
ال تقبل التقادم ،فهي ال تكتسب بمجرد مرور الوقت ،وال تسقط بالمدة الطويلة.
-2الشخصية القانونية.
الشخصية القانونية تعني أهلية الدولة الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات الدولية
بإرادتها ،كما أنها تفيد من ناحية أخرى قدرة الدولة في إرساء قواعد القانون الدولي ،عبر إبرام
المعاهدات الدولية أو االشتراك في خلق األعراف المتواترة.
ويعتبر تمتع الدولة بالشخصية القانونية أثرا من آثار السيادة فكل دولة ذات سيادة تعتبر
شخصا قانونيا دوليا ،ولكن العكس غير صحيح ،فليس كل شخص دولي يعد متمتعا بالسيادة،
فبعض المنظمات الدولية مثال ،تتمتع بالشخصية الدولية ،دون اكتسابها مع ذلك السيادة.2
- 1ماجد عمران وفيصل كلثوم ،السيادة في ظل الحماية الدولية لحقوق اإلنسان ،مجلة دمشق للعلوم اإلقتصادية والقانونية
العدد األول ،دمشق ،2011 ،ص .464
ويقصد بالشخصية القانونية ،إقرار القانون لشخص معين األهلية الكتساب حقوق معينة،
وتحمل التزامات معينة في ظل نظام قانوني معين.
ومن نتائج تمتع الدولة بالشخصية القانونية ،نجد في المقام األول استمرارية الدولة
وبمعنى أن حقوق الدولة والتزاماتها الناجمة عن المعاهدات تظل قائمة مادامت الدولة نفسها
باقية رغم زوال األشخاص الذين وقعوا تلك المعاهدات ،وبالرغم كذلك من التبدل الذي قد
يحدث في شكل الدولة أو نظام الحكم فيها.
ثم أن الشخصية القانونية تجعل الدولة على قدم المساواة من الدول األخرى رغم التفاوت
الكبير بين الدول من حيث عدد السكان والمساحة والقدرة والنفوذ .ومن جانب آخر تخول
الشخصية القانونية للدولة التمتع بذمة مالية خاصة بها ،فالدولة لكي تدير المصالح العامة من
جيش وشرطة ومحاكم ومشاريع عامة ،وال تتمتع الدولة بهذه الذمة المالية للقيام بوظيفتها ،إال
ألنها تعتبر كشخص قانوني ،ثم أخيرا المسؤولية الدولية ،ففكرة الشخصية القانونية الدولية تفيد
في تسيير نظام المسؤولية الدولية ،فهي دائما عالقة بين دولة ودول أخرى؛ بين دولة مخطئة
ودولة متضررة ،فالد ولة المتضررة تستطيع أن تثير مسؤولية الدولة المخطئة وفقا للشروط
واألوضاع التي يقررها القانون الدولي.
-3االعتراف :تطلب القانون الدولي أن يصاحب استكمال الدولة لعناصرها األساسية وجود
إجراء قانوني يتمثل في اعتراف العائلة الدولية بالنظام الجديد ،ويمكن تعريف االعتراف بأنه
إعالن يتم بموجبه قبول دولة ما دولة أخرى في المجموعة الدولية وتقر لها بالحقوق
واالمتيازات الالحقة بالسيادة.
وقد اختلف الفقهاء حول تكييف االعتراف الدولي وانتهى األمر إلى نظريتين:
أ-نظرية االعتراف المنشئ :ومن أنصارها (أوبنهايم) ويفيد بأن االعتراف بالدولة الجديدة شرط
الزم إلدخالها إلى األسرة الدولية وتمتعها بالشخصية الدولية ،فاالعتراف هو اإلجراء الذي
يحول الوجود المادي للدولة إلى وجود قانوني ،ولكن تربط وجود الدولة هنا بإرادة الدولة
األخرى فيجعلها بمثابة منحة.
ب-نظرية االعتراف (الكاشف أو التصريحي)
52
من أنصارها (هنسيل) وتعتبر أن الدولة تتمتع باألهلية القانونية عندما تستجمع
عناصرها ،فاالعتراف ال يعدو أن يكون اعتراف بواقع سبق وجوده فهو يعلن عن وجود الدولة
ال يخلقها ،وعدم االعتراف بالدولة ال ينال من وجودها وال يمنعها من مباشرة حقوقها.1
-االتحاد الحقيقي أو الفعلي :ويكون عندما يكون دولتين اتحادا ً دائما ً تحت حكم رئيس واحد
وتخضع لهيئة واحدة فيما يتعلق بشؤونها الخارجية مع احتفاظ كل منهما بإدارة شؤونها
الداخلية .فالدول المتحدة اتحادا ً فعليا ً تفقد ذاتيتها الخارجية .وتندمج شخصيتها الدولية في
شخصية االتحاد الذي يصبح نائبا ً عنها في تصريف الشؤون الخارجية ومن أمثلة االتحاد
الفعلي االتحاد الذي قام بين الدنمارك وإيسالندا بمقتضى اتفاق تم بينهما سنة 1918وقد ظل
هذا االتفاق معموالً به حتى سنة 1949حينما احتلت ألمانيا الدنمارك فأعلنت إيسالندا انفصالها
عنها.1
اإلتحاد الفدرالي (الدول االتحادية):
هو نظام دائم يتكون من مجموعة من الدول تخضع بموجب الدستور االتحادي لحكومة
عليا واحدة تباشر في حدود اختصاصاتها السلطات على رعايا وحكومات الدول األعضاء،
وتهيمن سلطة اإلتحاد على كل مظاهر السياسة الخارجية من إبرام المعاهدات وإعالن الحرب
والتمثيل الدبلوماسي وتحمل المسؤولية الدولية.
و تتنازل الدول األعضاء في االتحاد الفدرالي عن جانب من سيادتها اإلقليمية للسلطة
االتحادية ،أما المسائل الداخلية فيتم توزيع االختصاصات بمقتضى الدستور االتحادي ،وتتولى
المحكمة الدستورية العليا سلطة الفصل في تنازع االختصاص .ومن أمثلته الواليات المتحدة
األمريكية ،ألمانيا ،كندا.
وهي الدول التي تخضع في ممارسة اختصاصاتها الخارجية إلى إشراف أو رقابة دولة أجنبية.
أما داخليا فهي دولة لها حقوق وعليها واجبات .و قد ساد هذا الشكل في ظل األنظمة االستعمارية
حيث أن الدول االستعمارية الكبرى فرضت إرادتها على الدول الضعيفة تحت مسميات مختلفة
(انتداب ،حماية ،وصاية) ،وقد تقلصت هذه األشكال بعد نشوء األمم المتحدة التي قررت مبدأ
المساواة بين الدول األعضاء. 1
يترتب على ثبوت الشخصية الدولية للدولة مجموعة من الحقوق والواجبات تهدف إلى
تحقيق الغرض من وجود الدولة ،ومن أجل تسهيل المهام المختلفة التي تضطلع بها والحفاظ
على السلم واألمن الدوليين.
ثانيا-حق المساواة:
تتمتع الدول بحق المساواة كنتيجة لسيادتها واستقاللها ،وهذا ما أكده ميثاق األمم المتحدة،
واالتفاقيات الدولية ويترتب عن هذه المساواة النتائج التالية"
-ليس لدولة كاملة السيادة أن تملي إرادتها على غيرها من الدول تامة السيادة في أي
شأن من شؤونها الخاصة.
-ال تخضع دولة في تصرفاتها لقضاء دولة أجنبية.
-إن شخصية الدولة مصونة وكذلك سالمة إقليمها واستقاللها السياسي.
ولكن ال تؤدي المساواة القانونية حتما إلى المساواة السياسية ،حيث أن ثروات الدولة
وقوتها العسكرية واالقتصادية قد تخل بهذه المساواة؛ حيث تكون هناك دول كبرى ودول صغرى
وتجسد ذلك عمل يا بإعطاء حق الفيتو للدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس األمن.1
ثالثا -حق الحرية واالستقالل:
وهو حق الدولة في أن تتصرف في شؤونها الداخلية والخارجية وفي ممارسة سيادتها
واستقاللها بمحض اختيارها دون أن تخضع إلرادة دولة أخرى أو تتأثر بتوجيهات أية دولة .
-مراعاة كرامة الدولة واعتبارها :ويقتضي ذلك تجنب كل فعل فيه مساس بمركز الدولة
األدبي ،أي احترام مبعوثيها وممثليها واحترام اسمها وعلمها وشاراتها الرسمية وألقاب
رؤسائها.
ظلت الدولة مركز ومحور النظام العالمي ومصدر تفاعالته ،سواء أكانت تفاعالت
تعاونية أم صراعية ،لكن تطورات وتحوالت المنتظم الدولي ،أفسحت المجال أمام فاعلين جدد،
إضافة إلى الدول .فمع بدايات القرن 19لم تبق العالقات الدولية حكرا على الدول ،إذ ظهرت
المنظمات الدولية و بدأت تنافس الدولة على العضوية في المجتمع الدولي .سنتناول في هذا
المطلب المنظمات الدولية كشخص من أشخاص القانون الدولي ،ثم سنتطرق إلى منظمة األمم
المتحدة
1
- Cédric Milhat,les indispensables du droit international public , ellipses,2016,p27.
يقصد بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية األهلية من أجل اكتساب الحقوق وتحمل
االلتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعوى أمام القضاء .
وأثار الوضع القانوني للمنظمات الدولية جدال كبيرا؛ حيث انقسم الفقه إلى اتجاهين ،اتجاه
يعارض تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية ،واتجاه يؤيد تمتع المنظمة الدولية بالشخصية
القانونية على أساس أنها تشكل كيان مستقل ،1لكن تغير الوضع بعد إنشاء األمم المتحدة حيث
اعترفت محكمة العدل الدولية في رأيها االستشاري عام 1949بأن المنظمات الدولية تتمتع
بالشخصية الدولية وتجسد ذلك من خالل اعترافها لألمم المتحدة بحق تحريك المسؤولية الدولية
لمن أصابه أحد موظفيها باألضرار من قبل دولة أخرى ،فالمحكمة قد حسمت هذا الخالف في
رأيها االستشاري الصادر في 11أبريل 1949بطلب من الجمعية العامة بمناسبة مقتل الكونت
بيرنادوت وسيط المنظمة لتسوية الخالف الفلسطيني اإلسرائيلي والذي اعترفت فيه بالشخصية
القانونية لمنظمة األمم المتحدة ،حيث أكدت أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام
،ألن الهيئات الدولية التي نشأت نتيجة للتطورات التي عرفتها ظروف المجتمع الدولي تعتبر
أشخاصا قانونيين لهم طبيعة قانونية خاصة تتناسب من حيث اتساع مجالها أو ضيقه مع األهداف
التي أنشئت المنظمة من أجل تحقيقها.
وتنقسم المنظمات الدولية من حيث نطاق العضوية إلى منظمات عالمية تكون العضوية فيها
مفتوحة كمنظمة األمم المتحدة أو منظمات عالمية إقليمية تكون العضوية فيها مقتصرة على
عدد محدد من الدول في نطاق رقعة جغرافية معينة كمنظمة الوحدة األفريقية ومنظمة الدول
األمريكية .أما من حيث االختصاص فلدينا منظمات عامة ومنظمات متخصصة ،المنظمات
العامة يمتد اختصاصها ليشمل مظاهر متعددة في العالقات الدولية كمنظمة األمم المتحدة ،أما
المنظمات المتخصصة فهي التي ينحصر اختصاصها في نشاط أو مجال معين كصندوق النقد
الدولي ومنظمة الصحة العالمية ،...أما من حيث األعضاء تنقسم المنظمات إلى منظمات حكومية
ومنظمات غير حكومية .فالمنظمات الحكومية تقتصر فيها العضوية على الدول فقط ،أما
المنظمات غير الحكومية يقصد بها المنظمات التي يتم تأسيسها من قبل األفراد كمنظمة العفو
الدولية ومنظمة أطباء بال حدود.
ولما كانت منظمة األمم المتحدة الراعي األول للقانون الدولي العام ،القانون الذي خرج من
رحم األمم المتحدة وترعرع في حضنها ،لذلك سنقتصر في هذه المحاضرات على ميثاق
منظمة األمم المتحدة.
فما هي األمم المتحدة؟ وما هي أجهزتها؟
يتوجب على الطالب هنا معرفة نشوء األمم المتحدة وأهدافها ثم أجهزة األمم المتحدة
واختصاصاتها.
المتفاوضون على أساس مقترحات أعدها ممثلو االتحاد السوفياتي والصين والمملكة المتحدة
والواليات المتحدة في دمبارتون أوكس في غشت .1944ووقع الميثاق ممثلو البلدان الخمسين
يوم 26يونيو .1945ووقعته بعد ذلك بولندا ،التي لم يكن لها ممثل في المؤتمر ،فأصبحت
واحدا من األعضاء المؤسسين البالغ عددهم 51دولة.
وبرز كيان األمم المتحدة رسميا إلى حيز الوجود يوم 24أكتوبر 1945عندما صادق
على الميثاق كل من االتحاد السوفياتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة ،والواليات المتحدة
األمريكية ،ومعظم الدول الموقعة عليه .ويحتفل بيوم األمم المتحدة في 24أكتوبر من كل عام .
وتنتمي إلى األمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريبا ً 192دولة.
واألمم المتحدة ليست حكومة عالمية وهي ال تسن القوانين .ولكنها توفر سبل المساعدة
على حل الصراعات الدولية وصياغة السياسات المتعلقة بالمسائل التي تمسنا جميعا ً .وكل
الدول األعضاء -كبيرها وصغيرها ،غنيها وفقيرها ،بما لها من آراء سياسية ونظم اجتماعية
متباينة -لها في األمم المتحدة أن تعرب عن آرائها وتدلي بأصواتها في هذه العملية.
وقد تأسست األمم المتحدة من اجل تحقيق األهداف التالية:
-1المحافظة على السلم واألمن الدوليين.
-2تنمية العالقات الودية بين الدول.
- 3تحقيق التعاون الدولي في كافة المجاالت.
4تحسين مستويات المعيشة وحقوق اإلنسان.
بقرار من الجمعية العامة بناءا على توصية مجلس األمن(.المادة ، 4الفقرة ،2ميثاق األمم
المتحدة (.
و فيما يلي لمحة مختصرة عن األجهزة الرئيسية لألمم المتحدة واختصاصاتها:
وأعمال األمم المتحدة على مدى العام ناشئة أساسا ً عن قرارات الجمعية العامة ،التي تعبر عن
إرادة غالبية الدول األعضاء ممثلة في القرارات التي تتخذها الجمعية .ويجري هذا العمل
بالوسائل التالية:
❖ عن طريق اللجان وسائر الهيئات التي أنشأتها الجمعية العامة لدراسة مسائل معينة
وإعداد
❖ تقارير عنها ،مثل نزع السالح ،والفضاء الخارجي ،وعمليات حفظ السالم ،وإنهاء
االستعمار ،وحقوق اإلنسان؛
❖ عن طريق المؤتمرات الدولية التي تدعو الجمعية العامة إلى عقدها؛
❖ عن طريق األمانة العامة لألمم المتحدة ،أي األمين العام وموظفو الخدمة المدنية التابعين
له.
-1المهام والسلطات:
ومن مهام الجمعية العامة وسلطاتها بموجب ميثاق األمم المتحدة ما يلي:
❖ النظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السالم واألمن الدوليين ،بما في ذلك نزع
السالح وتنظيم التسلح.
❖ مناقشة أية مسألة تكون لها صلة بالسالم واألمن الدوليين ،فيما عدا ما يكون معروضا
منها للمناقشة على مجلس األمن؛
❖ مناقشة أية مسألة تدخل في نطاق الميثاق أو تؤثر على سلطات أية هيئة من هيئات األمم
المتحدة أو وظائفها .إجراء دراسات وإصدار توصيات لتعزيز التعاون السياسي الدولي،
وتطوير القانون الدولي وتدوينه؛ وتحقيق تمتع الجميع بحقوق اإلنسان والحريات
األساسية ،والتعاون الدولي في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتعليمية
والصحية.
❖ إصدار توصيات لتسوية أي موقف بالوسائل السلمية ،بغض النظر عن أسبابه ،متى كان
يعكر صفو العالقات الودية بين األمم1؛
❖ تلقي تقارير من مجلس األمن وسائر هيئات األمم المتحدة ،والنظر فيها؛
❖ النظر في ميزانية األمم المتحدة واعتمادها ،وتحديد أنصبة الدول األعضاء في دفع
االشتراكات؛
❖ انتخاب أعضاء مجلس األمن غير الدائمين ،وأعضاء المجلس االقتصادي
واالجتماعي،ومن يعينون من أعضاء مجلس الوصاية باالنتخاب؛ ومشاركة مجلس األمن
في انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية؛ وتعيين األمين العام بتوصية من مجلس األمن.
❖ وفي ظل قرار" االتحاد من أجل السالم "الذي اتخذته الجمعية العامة في تشرين
الثاني/نوفمبر ، 1950يجوز للجمعية العامة أن تتخذ إجراء عندما يتعذر على مجلس
األمن ،بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين ،التصرف حيال قضية يتضح أنها تشكل
عدوانا أو تهديدا ً للسالم أو خرقا ً له .وللجمعية العامة سلطة النظر في المسألة على الفور
بهدف إصدار توصيات لألعضاء باتخاذ إجراءات جماعية ،تشمل في حالة وقوع اعتداء
أو خرق للسالم استخدام القوة المسلحة عند الضرورة للحفاظ على السالم واألمن
الدوليين واستعادتهما.
- 2الدورات واالجتماعات:
تبدأ الدورة العادية للجمعية العامة يوم الثالثاء الثالث من شهر سبتمبر من كل عام،
وتستمر عادة حتى األسبوع الثالث من ديسمبر .وفي السنوات األخيرة ،ظلت دورات الجمعية
العامة منعقدة طوال العام .وفي بداية كل دورة عادية ،تنتخب الجمعية العامة رئيسا جديدا ،و
21نائبًا للرئيس ،ورئيسا لكل لجنة من لجانها الرئيسية الست .وتعقد الجمعية العامة أيضا
مناقشة عامة ،تعبر فيها الدول األعضاء عن آرائها بشأن مجموعة كبيرة من مسائل االهتمام
الدولي .ولكفالة التمثيل الجغرافي العادل ،تنتقل رئاسة الجمعية العامة كل سنة إلى واحدة من
مجموعات الدول الخمس التالية :الدول األفريقية ،والدول اآلسيوية ،ودول أوروبا الشرقية،
ودول أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي ،ودول أوروبا الغربية وسائر الدول.
65
وتعقد الجمعية العامة باإلضافة إلى دوراتها العادية دورات استثنائية بناء على طلب
مجلس األمن ،أو غالبية الدول األعضاء في األمم المتحدة ،1أو أحد األعضاء في حالة موافقة
أغلبية الدول األعض اء .ويمكن الدعوة إلى عقد دورات استثنائية طارئة خالل 24ساعة من
مطالبة مجلس األمن بعقدها ،بناء على تأييد تسعة أعضاء في المجلس ،أو بناء على طلب إحدى
الدول األعضاء في األمم المتحدة إذا وافقت عليه أغلبية األعضاء.
-3اللجان الرئيسية:
نظرا للعدد الكبير من القضايا التي تُدعى الجمعية العامة إلى النظر فيها ( 166بندا
منفصالً في جدول أعمال الدورة العادية الحادية والخمسين للجمعية العامة ()1997/1996
على سبيل المثال) ،تحيل الجمعية العامة معظم قضاياها إلى لجانها الرئيسية الست ،وهي:
▪ اللجنة األولى :لجنة نزع السالح واألمن الدولي.
▪ اللجنة الثانية :اللجنة االقتصادية والمالية .
▪ اللجنة الثالثة :اللجنة االجتماعية واإلنسانية والثقافية.
▪ اللجنة الرابعة :لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء االستعمار.
▪ اللجنة الخامسة :لجنة اإلدارة والميزانية.
▪ اللجنة السادسة :اللجنة القانونية.
ويوجد أيضًا مكتب الجمعية المشكل من رئيس الجمعية العامة ونوابه ال ، 21ورؤساء
اللجان الرئيسية الست ،وللجمعية لجنة وثائق تفويض مؤلفة من تسعة أعضاء تعينهم الجمعية
العامة كل دورة بناء على اقتراح من الرئيس وتقدم للجمعية العامة تقارير عن وثائق تفويض
ممثلي الدول األعضاء.
وينظر في بعض القضايا مباشرة في جلسات عامة ،بدالً من النظر فيها في إحدى اللجان
الرئيسية .ويجري التصويت على جميع القضايا في جلسات عامة ،تعقد عادة قرب انتهاء الدورة
العادية ،بعد أن تكون اللجان قد انتهت من النظر فيها وقدمت مشاريع قرارات بشأنها إلى
جلسات الجمعية العامة.
المجلس ،إلى المشاركة في مناقشاته ،بدون حق التصويت؛ ويضع المجلس شروط مشاركة
الدولة غير العضو.
-1المهام والسلطات:
فيما يلي المهام التي يضطلع بها مجلس األمن والسلطات التي يتمتع بها ،بموجب الميثاق:
✓ المحافظة على السالم واألمن الدوليين وفقا لمبادئ األمم المتحدة ومقاصدها؛
✓ التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خالف دولي؛
✓ تقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشروط التسوية؛
✓ وضع خطط للتصدي ألي خطر يتهدد السالم أو أي عمل عدواني ،وتقديم توصيات
باإلجراءات التي ينبغي اتخاذها؛
✓ دعوة جميع األعضاء إلى تطبيق الجزاءات االقتصادية وغيرها من التدابير التي ال
تستتبع استخدام القوة للحيلولة دون العدوان أو وقفه؛
✓ اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي؛
✓ التوصية بقبول األعضاء الجدد في محكمة العدل الدولية وبشأن الشروط التي تجيز للدول
أن تصبح أطرافا في النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية؛
✓ االضطالع بمهام األمم المتحدة للوصاية في " المواقع االستراتيجية" ؛
✓ تقديم التوصيات إلى الجمعية العامة بشأن انتخاب األمين العام ،والقيام مع الجمعية،
بانتخاب قضاة المحكمة الدولية.
عضوية مجلس األمن:
يتكون المجلس من 15عضوا ،منهم خمسة أعضاء دائمين -االتحاد الروسي والصين
وفرنسا والمملكة المتحدة و الواليات المتحدة .أما األعضاء العشرة اآلخرون فتنتخبهم الجمعية
العامة لفترات مدة كل منها سنتان.1
يتناوب أعضاء مجلس األمن على رئاسة المجلس بحسب الترتيب الهجائي االنكليزي
ألسمائهم .ويشغل كل رئيس منصبه لفترة شهر.
وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من األمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير
دائمين في المجلس .وقد زيد عدد األعضاء الغير دائمين في المجلس من ستة إلى عشرة أعضاء
عام 1965عندما تم تعديل ميثاق األمم المتحدة.
ولكل عضو من أعضاء المجلس صوت واحد .وتتخذ القرارات بشأن المسائل اإلجرائية
بموافقة تسعة على األقل من األعضاء ال . 15وتتطلب القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية
تأييد تسعة أصوات ،من بينها أصوات كافة األعضاء الخمسة الدائمين .وهذه القاعدة هي قاعدة
"إجماع الدول الكبرى" ،التي كثيرا ً ما تسمى حق" الفيتو".
وبموجب الميثاق ،يوافق جميع أعضاء األمم المتحدة على قبول قرارات مجلس األمن
وتنفيذها .والمجلس هو الجهاز الوحيد التابع لألمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة اتخاذ قرارات
تكون الدول ملزمة بتنفيذها بموجب الميثاق أما األجهزة األخرى فإنها تقدم التوصيات إلى
الحكومات.
-3اللجــان الدائمــة:
توجد حاليا لجنتان ،تضم كل منهما ممثلين عن جميع الدول األعضاء في مجلس األمن،
وهما:
✓ لجنة الخبراء المعنية بالنظام الداخلي .
✓ اللجنة المعنية بقبول األعضاء الجدد .
والدول األعضاء .وبموجب ميثاق األمم المتحدة ،فإن المجلس االقتصادي واالجتماعي مسئول
عن تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب االستخدام المتصل لكل فرد ،والنهوض بعوامل
التطور والتقدم االقتصادي واالجتماعي؛ وتيسير الحلول للمشاكل الدولية االقتصادية
واالجتماعية والصحية ،وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم؛ وإشاعة احترام حقوق
اإلنسان والحريات األساسية للجميع في العالم .ويشمل اختصاص المجلس االقتصادي
واالجتماعي أكثر من 70في المائة من الموارد البشرية والمالية لمنظومة األمم المتحدة بأكملها.
وفي اضطالع المجلس االقتصادي واالجتماعي بواليته ،يتشاور مع األكاديميين ،وممثلي
قطاع األعمال ،وأكثر من 2100منظمة غير حكومية مسجلة .ويعقد المجلس في شهر يوليوز
دورة موضوعية مدتها أربعة أسابيع ،وذلك في نيويورك وجنيف بالتناوب من كل عام،
.وتشمل الدورة جزءا رفيع المستوى يقوم فيه وزراء الدول ورؤساء الوكاالت الدولية وغيرهم
من كبار المسئولين بتركيز انتباههم على مواضيع مختارة ذات أهمية عالمية.
وتنتخب الجمعية العامة الحكومات األعضاء ال 54في المجلس لفترات متداخلة من
ثالثة أعوام .وتخصص المقاعد في المجلس على أساس التمثيل الجغرافي بتخصيص أربعة
عشر مقعدا للدول األفريقية ،وأحد عشر مقعدا للدول اآلسيوية ،وستة مقاعد لدول أوروبا
الشرقية ،وعشر مقاعد لدول أمريكا الالتينية ومنطقة البحر الكاريبي ،وثالثة عشر مقعدا لدول
أوروبا الغربية ودول أخرى.
وينتخب المجلس االقتصادي واالجتماعي بكامل أعضائه مكتب المجلس في بداية كل
دورة سنوية .وتشمل المهام الرئيسية للمكتب اقتراح جدول األعمال ،وصياغة برنامج العمل،
وتنظيم الدورة بدعم من األمانة العامة لألمم المتحدة.
الخمسة ،وهم االتحاد الروسي ،والصين ،وفرنسا ،والمملكة المتحدة ،والواليات المتحدة
األمريكية باإلضافة إلى الدول األعضاء المكلفة بإدارة أقاليم مشمولة بنظام الوصاية .1وقد
تحققت أهداف نظام الوصاية إلى درجة أن جميع األقاليم المشمولة بالوصاية حصلت على الحكم
الذاتي أو االستقالل ،إما كدول على حدة أو باالنضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة.
علق مجلس الوصاية عمله في1نوفمبر ،1994و بموجب قرار اتخذ في نفس السنة
عدل المجلس نظامه الداخلي للتخلي عن االلتزام باالجتماع سنويا ووافق على االجتماع حسب
االقتضاء بموجب قراره أو بناء على طلب أغلبية أعضائه أو الجمعية العامة أو مجلس األمن.
وقد تحققت أهداف نظام الوصاية إلى درجة أن جميع األقاليم المشمولة بالوصاية حصلت
على الحكم الذاتي أو االستقالل ،إما كدول على حدة أو باالنضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة.
على األعضاء تنفيذ أحكام المحكمة ،وتخول مجلس األمن سلطة اتخاذ ما يراه ضروريا لفرض
احترام وتنفيذ هذه األحكام والمساهمة في تحمل نفقات المحكمة ،وفقا لنظام الحصص الذي
تحدده الجمعية العامة لألمم المتحدة.
-1تشكيل المحكمة:
تتكون هيئة المحكمة من خمسة عشر قاضيا ،يعينون باالنتخاب لمدة تسع سنوات قابلة
للتجديد ،وأعضاء المحكمة ال يمثلون أحدا وال يخضعون ألي سلطة ،ويختارون لعلمهم
وكفاءتهم في المجال القانوني والقضائي ،1ويتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة لألمم المتحدة
ومجلس األمن من بين قائمة يعدها األمين العام لألمم المتحدة ،ويتم االنتخاب والتصويت سواء
داخل الجمعية العامة أو مجلس األمن بشكل مستقل في كل جهة منهما.
ويشترط في القضاة المنتخبين أن يتمتعوا بالنزاهة والموضوعية والكفاءة العلمية أو
المهنية في مجال القانون الدولي ،وال يجوز انتخاب أكثر من قاض من بلد واحد ،ويراعى في
تشكيل أعضاء المحكمة أن يكونوا ممثلين للحضارات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية في
العالم.2
ويصبح عضوا ً في المحكمة كل من حصل على األغلبية المطلقة لألصوات في كل من
الجمعية العامة ومجلس األمن.
ويعطى أعضاء المحكمة مميزات تكفل لهم استقاللهم وعدم التأثير عليهم ،ال من الدول
التي ينتمون إليها ،أو حتى من الجمعية العامة ومجلس األمن اللذين انتخبوهم؛ فهم يتمتعون عند
مباشرة وظائفهم بالمزايا والحصانات الدبلوماسية المقررة عادة لرؤساء البعثات الدبلوماسية،
والجهة الوحيدة التي لها حق عزل عضو من أعضائها هي المحكمة نفسها ،وبإجماع اآلراء؛
سواء نظر عزله لعدم أهلية العضو أو استطاعته تأدية وظائفه المنوط بها ألسباب صحية أو
عقلية.
و حرصا على ضمانات الموضوعية عند نظر القضايا ال يجوز حسب نظام المحكمة
للعضو أن يشغل وظائف سياسية أو يتولى مناصب إدارية أو يمتهن أية جهة أخرى غير وظيفته
القضائية تلك ،وال يجوز له االشتراك في نظر أية قضية سبق له االرتباط بها أو كانت له
مصلحة فيها بأي وجه من الوجوه.
-2اختصاصات المحكمة:
تنحصر اختصاصات المحكمة في جزأين:
أ-االختصاص القضائي:
تنظر المحكمة في النزاعات المرفوعة إليها بين الدول بعضها البعض فقط ،وال تنظر
أية قضايا مرفوعة من األفراد أو من أية هيئات عامة أو خاصة ،وال تنظر المحكمة أية قضية
أو نزاع مهما كان أهميته أو خطورته من تلقاء نفسها ،بل ال بد أن يرفع إليها ومن الجهتين
المتنازعتين معا؛ فهي ال تفصل في أي قضية يرفعها طرف بمفرده على طرف آخر،1
واختصاص المحكمة اختياري؛ ولذلك فقد اشترط على المحكمة عند الفصل في المنازعات
الدولية ما يلي:
- 1أن تكون لديها موافقة كتابية من أطراف النزاع معا على إحالة القضية إلى محكمة العدل
الدولية؛ فمثال في قضية طابا المصرية لم تحكم المحكمة بخصوصها ،أو لم تنظر فيها
إال بعد موافقة إسرائيل المحتلة لهذا الجزء من األراضي المصرية ،وموافقة مصر كذلك .فلو
رفعتها مصر وحدها فال تُنظر القضية ،يضاف لذلك أنه يجب إخطار المحكمة رسميا :ما
المطلوب منها أن تفصل فيه بالضبط ،أو يكون ضمنيا عندما يقبل أطراف النزاع أن تنظر
المحكمة بشأن نزاعهم.
- 2أن يكون هناك اتفاقيات أو معاهدات بين دولتين أو أكثر ،وينص في هذه االتفاقيات أو
المعاهدات على اختصاص محكمة العدل الدولية نظر أية قضية أو الفصل في أي نزاع قد ينشأ
بين األطراف حول تطبيق أو تفسير أي بند من بنود هذه االتفاقيات والمعاهدات..
ب-االختصاص االستشاري:
الجهات التي لها حق طلب الفتوى أو االستشارة القانونية هي الجمعية العامة ل ألمم
المتحدة ومجلس األمن فقط .وقد ورد في المادة 96من ميثاق األمم المتحدة أنه يمكن لفروع
األمم المتحدة أو لمنظماتها المتخصصة طلب الفتوى من محكمة العدل الدولية بالنسبة ألي
مسألة تدخل في مجال اختصاصها إذا ما صرحت لها الجمعية العامة بذلك ،وقد صرحت
الجمعية العامة بالفعل لغالبية فروع األمم المتحدة ووكاالتها المتخصصة باللجوء للمحكمة
وطلب الفتوى أو االستشارة القانونية منها.
وهذه الفتوى أيضا غير ملزمة للجهات التي طلبتها ،ومع ذلك فلهذه الفتاوى
واالستشارات قيمة كبرى ،كما يقول المختصون ..وتتمثل هذه القيمة في نظرهم من حيث إنها
تعبر عن التفسير القانوني الرسمي أو األكثر حجية ،وتعكس وجهة النظر القضائية حول
الموضوع أو المسألة المطلوب شرحها أو تفسيرها ،وقد أغنت هذه اآلراء االستشارية القانون
الدولي كثيراً ،وساعدت في الوقت نفسه على تفسير وتطوير سلطات واختصاصات األجهزة
السياسية لألمم المتحدة نفسها.
ت -طرق اللجوء إلى المحكمة:
تكون المحكمة مؤهلة للنظر في نزاع ما فقط في حالة موافقة الدول المعنية على صالحيتها
بواحدة أو بأكثر من وسيلة من الوسائل التالية:
❖ بموجب االتفاق في ما بينها لعرض النزاع على المحكمة.
❖ عندما تكون الدول أطرافا في اتفاق يتضمن بندا يمكن وفقا له ،في حالة حدوث خالف
على تفسيره أو تطبيقه ،أن تحيل إحدى هذه الدول النزاع إلى المحكمة.
❖ في إطار التأثير المتبادل لتصريحات الدول و بموجبه توافق كل دولة على قبول صالحية
المحكمة كإلزام في حالة التنازع مع دولة أخرى أطلقت تصريحا مشابها.
ث-اإلجراء المتبع أمام المحكمة:
يشمل اإلجراء المتبع من قبل المحكمة في القضايا محل النزاع مرحلة المرافعات الكتابية
ومرحلة المشافهة وتشمل الجلسات العلنية لالستماع للحجج التي يخاطب فيها الوكالء
والمستشارون المحكمة .وبما أن اللغتين الرسميتين للمحكمة هما اإلنجليزية والفرنسية ،فإن كل
مدون أو ملفوظ بإحدى اللغتين يترجم إلى اللغة األخرى.
74
وبعد المرافعات الشفهية تتداول المحكمة سرا وتصدر حكمها في جلسة علنية .ويكون
الحكم نهائيا وغير مستأنف .وإذا لم تذعن إحدى الدول المعنية للحكم ،فيجوز للطرف اآلخر أن
يلجأ إلى مجلس األمن.
ومنذ العام 1946أصدرت محكمة العدل الدولية 78حكما في نزاعات تتعلق من بين
أشياء أخرى بالحدود البرية والحدود البحرية والسيادة اإلقليمية وعدم استخدام القوة وعدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدول والعالقات الدبلوماسية والرهائن وحق اللجوء السياسي
والجنسية والوصاية وحقوق المرور المائي والحقوق االقتصادية.
وتتنوع المهام التي تضطلع بها األمانة العامة بمثل تنوع المشاكل التي تعالجها األمم
المتحدة .ويمتد نطاق هذه المهام من إدارة حفظ السالم إلى التوسط لتسوية المنازعات الدولية،
ومن استقصاء االتجاهات والمشاكل االقتصادية واالجتماعية إلى إعداد الدراسات عن حقوق
اإلنسان والتنمية المستدامة .كما يقوم موظفو األمانة العامة بتوعية وسائط االتصال في العالم
بأعمال األمم المتحدة وتعريفها بها؛ وتنظيم المؤتمرات الدولية بشأن المسائل التي تهم العالم
أجمع؛ ورصد مدى تنفيذ القرارات التي تتخذها هيئات األمم المتحدة؛ والترجمة الشفوية للخطب
والترجمة التحريرية للوثائق إلى اللغات الرسمية للمنظمة.
ويبلغ عدد موظفي األمانة العامة ،في إطار الميزانية العادية ،نحو 8600من النساء
والرجال ينتمون إلى 170بلدا .وبوصفهم موظفين مدنيين دوليين ،فإنهم واألمين العام مسؤولون
عن أنشطتهم أمام األمم المتحدة وحدها ،ويؤدون القسم على أال يلتمسوا أو يتلقوا أي تعليمات
75
من أي حكومة أو سلطة خارجية .وبموجب الميثاق ،تتعهد كل دولة من الدول األعضاء باحترام
الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات األمين العام والموظفين وبعدم السعي إلى التأثير فيهم على أي
نحو غير الئق عند اضطالعهم بمسؤولياتهم.1
وفي حين أن األمم المتحدة تتخذ من نيويورك مقرا لها ،فإن لها حضورا بارزا في جنيف
وفيينا ونيروبي .فمكتب األمم المتحدة في جنيف يمثل مركزا للمؤتمرات الدبلوماسية ومحفال
لمواضيع نزع السالح وحقوق اإلنسان .أما مكتب األمم المتحدة في فيينا فهو مقر أنشطة األمم
المتحدة في مجاالت المكافحة الدولية إلساءة استعمال المخدرات ،ومنع الجريمة والعدالة
الجنائية ،واستخدام الفضاء الخارجي في األغراض السلمية ،والقانون التجاري الدولي .ومكتب
األمم المتحدة في نيروبي هو مقر أنشطة األمم المتحدة في مجالي البيئة والمستوطنات البشرية.
برز اهتمام القانون الدولي بحماية الفرد من خالل الكثير من االتفاقيات والمعاهدات مثل
نظام حماية األقليات الذي تقرر في نهاية الحرب العالمية األولى في معاهدات الصلح األربع
التي أبرمت مع كل من النمسا ،المجر ،بلغاريا وتركيا ،وفي معاهدات األقليات التي عقدت مع
الدول التي نشأت حديثا كبولونيا ويوغسالفيا ورومانيا واليونان،وتضمن ألفراد هذه األقليات
حقوقهم المدنية والسياسية ،وتسمح لهم باستعمال لغتهم األصلية وممارستهم الدينية بكل حرية،
لكن الواقع حاليا يشير إلى أن حماية األقليات لم تطبق بشكل مرضي وال تزال تواجه تحديات
وصعوبات كثيرة.1
وفي ذات السياق نشأت المنظمات الدولية المتخصصة لحماية الفرد مثل المنظمة الدولية لالجئين
والتي تعرف حاليا ً بالمفوضية العليا لألمم المتحدة لشؤون الالجئين .أما اإلعالن
العالمي لحقوق اإلنسان فقد أبدى اهتماما أكبر بالحقوق التي يمكن االعتراف بها للفرد تمثلت
في حوالي ثالثين مادة كحق الحياة وحق الحرية وحق المساواة إلخ ،غير أن الجدل ال يزال
قائما ً حول القيمة القانونية لهذا اإلعالن ،فعلى الرغم من ما يملكه من قيمة أخالقية بوصفه
أول وثيقة دولية رسمية سجلت فيها حقوق اإلنسان على وجه التحديد فهذا اإلعالن الصادر على
شكل توصية من قبل الجمعية العامة ،ال يتصف بقوة قانونية أخالقية إلزامية وال يتضمن أي
جزاءات في حال مخالفة أحكامه أو ضمانات لتنفيذه.
- 1عبد الكبير علوان خضير ،القانون الدولي ،مرجع سابق ،ص.168-167 :
77
تنفيذ هذه االتفاقية تنفيذا ً جبريا ً يقتضي وجود هيئة قضائية دولية إذا لم تقم الدولة التي وقعت
الجريمة على إقليمها بعقاب فاعلها أو كانت هذه الجريمة قد وقعت بفعل حكومة الدولة أو بإذن
منها فقد دعت الجمعية لجنتها القانونية لبحث إقامة مثل هذه الهيئة القضائية الجنائية الدولية،
وهو ما توصلت إليه الجماعة الدولية سنة ،2002بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة
التي جعلت من اختصاصها المعاقبة على ارتكاب جريمة اإلبادة الجماعية.1
أما بالنسبة للذين يعملون في الحروب بدافع االحتراف والحصول على الثروة
(المرتزقة) ،فقد استثنتهم المادة 44من بروتوكول عام 1977األول الملحق باتفاقيات
جنيف لعام 1949من عداد أسرى الحرب ،واعتبرتهم مجرمين عاديين يمكن محاكمتهم حسب
قوانين البلد الذي يلقي القبض عليهم.
وقد نتج عن االهتمام المتزايد بالفرد من جانب حقوق اإلنسان تحول كبير بخصوص
مركز الفرد في القانوني الدولي حيث أضحى مركزه ال يقل أهمية عن المركز الذي يتمتع به
أشخاص القانون الدولي العام ،فالفرد لم يعد محال لقواعد القانون الدولي فقط ،وإنما أصبح
كشخص من أشخاصه.
-1
78
وقد اتجه مختلف الفقهاء و الباحثين في القانون الدولي العام إلى تصنيف مصادر هذا
األخير إلى مصادر أصلية وأخرى إحتياطية.
المصادر األصلية هي:
-1المعاهدات – -2العرف -3 -مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم المتحدة.
أما المصادر اإلحتياطية فهي:
-1األحكام والفتاوى الصادرة عن المحاكم الدولية -2 .الفقه.
-1خالد الحمدوني ،إشكالية توزيع السلط بالمغرب في مجال المعاهدات الدولية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية
،العدد ،137نونبر-دجنبر ،2017ص .279-265 :
79
المعاهدة الدولية أو االتفاقية ،هي اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم عالقة
قانونية دولية وتحديد القواعد التي تخضه لها هذه العالقة .1وعرفتها اتفاقية ﭭيينا المتعلقة بقانون
المعاهدات لسنة ": 1969بأنها اتفاق دولي أبرم كتابة بين الدول وينطبق عليه القانون الدولي،
وذلك سواء كانت المعاهدة مضمنة في وثيقة أو في وثيقتين أو عدة وثائق مرتبطة ببعضها
ومهما كانت التسمية الخاصة المطلقة عليها".2
وتصنف المعاهدات حسب عدة معايير ،فمن حيث الموضوع ،تنقسم المعاهدات إلى
معاهدات سياسية واجتماعية واقتصادية ،ومن حيث الطبيعة تنقسم المعاهدات إلى معاهدات
- 1علي صادق أبو الهيف ،القانون الدولي العام ،بدون تاريخ الطبع ،اإلسكندرية ،منشأة المعارف ،ص.156 :
2 - Selon l’article 2 de la convention de Vienne sur la droit des traités : L’expression « Traité » s’entend d’un accord
international conclu par écrit entre Etats et régi par le droit international, qu’il soit consigné dans un instrument
unique ou dans deux ou plusieurs instruments connexes, et quelque soit sa dénomination particulière.
- 3محمد عزيز شكري ،المدخل إلى القانون الدولي العام وقت السلم ،الطبعة األولى ،دمشق ،دار الفكر ،1981 ،
ص.373
80
تعاقدية خاصة ومعاهدات شارعة عامة ،أما من جانب األطراف ،فنجد المعاهدات ثنائية
وجماعية ،ومن جانب الحيز ال جغرافي تقسم إلى معاهدات إقليمية وعالمية ،ووفقا لصفة
المتعاقدين ،تقسم إلى معاهدات بين الدول ومعاهدات بين المنظمات وثالثة بين الدول
والمنظمات.1
-االتفاق :وهو يطلق على الوثائق الدولية أو المعاهدات الدولية التي ليست لها صبغة سياسية
ومثال ذلك االتفاقية التجارية والمالية والثقافية.
االتفاقية :يطلق على المعاهدات الدولية التي تتناول بالتحديد المواضيع القانونية ،أو تلك التي
تنظم أو تعالج تنظيما قانونيا للعالقا ت بين الدول كاتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات.
-البروتوكول :وهو معاهدة تتضمن تعديالت لبعض بنود وأحكام معاهدة أصلية أو تنظيم قضايا
تكميلية أو متفرعة عن المعاهدة األصلية.
الميثاق أو العهد :يطلق على المعاهدات التي يراد منها أن تكون ذات أهمية قصوى في منظور
المجتمع الدولي كالمعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية.
أما من حيث اإلجراءات المتبعة في إبرام المعاهدات فتسقم إلى معاهدات شكلية (مطوية)
ال تنعقد إال بإتمام مراحل ثالث (المفاوضات – التوقيع-التصديق) .واتفاقات مبسطة أو تنفيذية
ال تستوجب لنفاذها سوى التفاوض والتوقيع .ويؤكد الفقه على أن ال خالف بين هذين النوعين
من حيث القيمة القانونية وقوتها اإللزامية في مواجهة أطرافها ،كما ال تختلف من حيث أهمية
المواضيع التي يسمونها بالتنظيم.2
- 2علي يوسف الشكري ،الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية دراسة مقارنة في الدساتير العربية ،مجلة مركز دراسات
الكوفة ،العدد السابع ،2008 ،ص .15-14
81
أوال :التفاوض.
تبدأ عملية صياغة االتفاقية أو المعاهدة بمرحلة االتصاالت بين الدول المزمع إشراكها
فيها لالتفاق مبدئ يا على موضوعها ،وعلى المضي قدما في اتخاذ اإلجراءات الالزمة إلبرامها،
ثم مرحلة المفاوضات بين الدول ،1لتحديد المسائل التي سوف تتناولها أحكام المعاهدة ومناقشة
هذه األحكام واالتفاق بشأنها . 2وتعتبر المفاوضات أصعب مرحلة وأهمها في إبرام المعاهدات
سواء كانت ثنائ ية أم جماعية .وتبعا لذلك تحرص الدول على اختيار المفاوضين بعناية تامة ،
فهي فن يجب تعلمه وإتقانه .والمفاوضات تعني تبادل وجهات النظر بين الدول األطراف حول
موضوع ما وتقديم االقتراحات بشأنه وهي تتم بين ممثلي الدول الذين يحملون وثائق التفويض
الموقعة من قبل السل طات المختصة في دولهم .وال يشترط في المفاوضات أن تتخذ شكال معينا
فقد تكون علنية أو سرية أو في شكل تبادل مذكرات وأحيانا في شكل مؤتمرات أو لجان في
مكان وزمان واحد أو في فترات أو أماكن مختلفة .وقد تنجح المفاوضات فيتم االتفاق أو يعلن
عن فشلها أو تأجيلها إلى وقت الحق تسمح به الظروف .3ومرحلة التفاوض بشأن االتفاقية يمكن
أن نسميها بمرحلة المخاض الذي تعرفها هذه األخيرة قبل أن ترى النور.4
- 1عبد القادر القادري ،القانون الدولي العام ،الرباط ،مكتبة المعارف ،1984 ،ص .31:
- 2تتم هذه المرحلة بالنسبة للمعاهدات الثنائية عن طريق اجتماعات خاصة بين ممثلي الدول صاحبة الشأن ،بينما تكون بالنسبة
للمعاهدات الجماعية عن طريق مؤتمر تدعى إليه الدول المرغوب ا شتراكها ،أنظر علي صادق أبو الهيف ،مرجع سابق ،ص
.459:
4خالد الحمدوني ،سلطات إبرام المعاهدات في ضوء الدستور المغربي لعام ،2011مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية،
العدد الرابع،يوليوز،2020،ص.102-83
82
ثانيا :التحريـــر:
وتأخذ ال صيغة النهائية للمعاهدة شكل هندسي يبدأ بمقدمة أو ديباجة ،ويلي ذلك صلب
االتفاقية أو أحكام االتفاقية ثم أحكام انتقالية وأخيرا خاتمة تتضمن تاريخ نفاذ المعاهدة وكيفية
االنضمام إليها والمالحق إن وجذت ،فغالبا ما تصحب الصيغة األصلية لالتفاقية ملحقات باسم
تصريح أو بروتوكول أو ملحق لتفسير بعض النصوص الواردة في ذات المعاهدة أوال إليضاح
وجهة نظر بعض الدول بشأنها ،ولها نفس الشروط ونفس قيمة المعاهدة نفسها ،وتختم االتفاقية
بعد ذلك بتوقيعها من طرف ممثلي الدول المشتركة في إبرامها.
ثالثا :التوقيــــع.
بعد االتفاق على أحكام المعاهدة و تحريرها تأتي مرحلة توقيعها من طرف المفاوضين
والتوقيع هو إجراء شكلي يصدر من الدول المشاركة في المفاوضات ،فتوقيع المعاهدة يترجم
تعبير الدولة الموقعة عن رضاها بأن تكون مرتبطة باتفاقية أو معاهدة دولية .ويوقع عليها ممثلو
الدول المتفاوضة لكي يحلوا ما تم االتفاق عليه في بينهم ،وعادة ما يتم التوقيع على مرحلتين
التوقيع باألحرف األولى ويعني ذلك إعطاء فرصة للمفاوضين للرجوع إلى حكوماتهم لتبدي
83
رأيها النهائي في المعاهدة قبل االلتزام بها رسميا ويسمى أيضا التوقيع بشرط المشاورة ،1أما
المرحلة الثانية فهي التوقيع النهائي أو الرسمي.
التوقيع غالبا ما يسبق التصديق ،ومن تم ليس باإلجراء النهائي لدخول المعاهدة حيز التنفيذ،
ولكن يمكن للتوقيع أن يكون كافيا كما ورد في نص المادة 12من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
، 1969حيث تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة بتوقيعها من قبل ممثلها في إحدى
الحاالت اآلتية:
(أ) إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا األثر؛ أو
- 1محمد خالد برع ،المعاهدات الدولية وآليات توطينها في القانون الدولي دراسة مقارنة في إطار القانونين الدولي
والدستوري ،الطبعة األولى ،بيروت ،منشورات الحلبي الحقوقية،2017 ،ص .90
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا
األثر؛ أو
(ج) إذا بدت نية الدولة المعينة في إعطاء التوقيع هذا األثر من وثيقة التفويض الكامل
الصادرة لممثلها أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات.
إن االلتزام بالمعاهدة بمجرد التوقيع عليها هو إجراء تتسم به مجمل االتفاقيات ذات
ا لشكل المبسط ،حيث تتميز هذه الفئة من االتفاقيات بأنها تصبح ملزمة بمجرد التوقيع عليها.
كما أنها تتميز بالتنوع الكبير ،وكذلك بالبساطة ومرونة مسطرتها وسرعتها ألنها اتفاقات دولية
ال تنطوي على تدخل السلطة المكلفة بإبرام المعاهدات.
تعبر الدول عن رضاها االلتزام بمعاهدة ناشئة عن وثائق متبادلة فيما بينها بمثل هذا
التبادل في إحدى الحالتين التاليتين:
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن تلك الدول كانت قـد ا تفقت على أن يكون لتبادل الوثائق هذا
األثر.1
ويعين محل إيداع المعاهدات سواء كان ذلك دولة أو منظمة دولية بواسطة الدول المتفاوضة في
المعاهدة نفسها أو بطريقة أخرى .وتعتبر وظائف الجهة التي يتم اإليداع لديها ذات صفة
دولية وتلتزم بأن تؤدي هذه الوظائف بشكل محايد تماما.
ثالثا :التعبير عن الرضا بااللتزام بالمعاهدة بالتصديق عليها أو بقبولها أو بالموافقة عليها.
التصديق هو اإلجراء الذي تعبر به الدول عن رضاها بقبولها الرسمي للمعاهدة من قبل
السلطة التي يحددها الدستور ،وهو إجراء أساسي لتطبيق المعاهدة .فالمعاهدات ال تطبق إال
بتبادل وثائق التصديق من قبل الدول األطراف ،وتسند للدساتير الوطنية مهمة تحديد الهيئة
المكلفة بالتصديق ففي المملكة المتحدة تختص السلطة التنفيذية بالمصادقة على المعاهدات ،إال
إذا تضمنت تعديال لقانون من قوانين البالد إذ تحتاج عندئذ لموافقة البرلمان ،أما في الواليات
المتحدة األمريكية فإن رئيس الجمهورية هو الذي يبرم المعاهدات ولكن بموافقة ونصيحة مجلس
الشيوخ 1.أما في المغرب فالمصادقة اختصاصا خالصا للملك ،باعتباره رئيس الدولة وممثلها
2
األسمى فهو الذي يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة.
وحسب اتفاقية ﭭيينا لقانون المعاهدات تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة بالتصديق
عليها في إحدى الحاالت التالية:
(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم بالتصديق؛ أو
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق؛ أو
(ج) إذا كان ممثل الدولة قد وقع المعاهدة بشرط التصديق؛ أو
(د) إذا بدت نية الدولة المعنية من وثيقة تفويض ممثلها أن يكون توقيعها مشروطا ً بالتصديق
على المعاهدة ،أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات.3
يمكن ألي دولة لم تشارك في المفاوضات الخاصة بإبرام المعاهدة أن تكتسب صفة
الطرف عن طريق إصدار خطاب بقبول أحكام المعاهدة من جانبها في شكل إعالن وفقا
ألحكام ومقتضيات هذه المعاهدة ،وغالبا ما يتم االنضمام للمعاهدات المتعددة األطراف أو
- 1الحسين الشكراني ،تناقضات القانون الدولي ،الطبعة األولى ،بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية،2019 ،ص.84
المنشئة للمنظمات الدولية شرط أن تكون هذه المعاهدة مفتوحة ،أما المعاهدات المغلقة فال
يمكن االنضمام إليها.
وحسب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969تعبر الدولة عن رضاها االلتزام بالمعاهدة
باالنضمام إليها في إحدى الحاالت التالية:
(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم باالنضمام؛ أو
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن التعبير عن الرضا يتم
باالنضمام؛ أو
(ج) إذا اتفقت جميع األطراف فيما بعد على أن التعبير عن الرضا يتم باالنضمام.1
يحصل أحيانا أن الدولة مع قبولها للمعاهدة تبدي التحفظات ،أي تدخل بعض التغييرات
أو التعديالت على المعاهدة أو تعطي تحديدا أو تفسيرا معينا لبعض بنودها.
عموما ال يتخذ التحفظ شكال محددا ،فهو تصرف من جانب واحد تقوم بموجبه دولة
معينة بإبالغه إلى الدولة األخرى األطراف ومسألة التحفظات واردة في االتفاقيات الجماعية.
أما االتفاقيات الثنائية فهي ليست واردة مبدئيا ضمن هذا المنظور ،إذ يؤدي التحفظ حتما إلى
إلغاء البند المتعلق بالتحفظ أو تغيير بنود االتفاقية الثنائية ،ويمكن تصور وجود التحفظ في
االتفاقيات الثنائية شرط قبوله من الطرف اآلخر .ومن شروط التحفظ أن أال يكون منافيا
لموضوع المعاهدة أو هدفها أو مبادئها األساسية وأن تسمح بنود المعاهدة بالتحفظ .ويمكن للدول
أن تبدي التحفظات في مرحلة التوقيع (وفي هذه الحالة يمكن مناقشتها) ، 2وقد يقترن التحفظ
بالتصديق على المعاهدة أو االن ضمام إليها وهنا يجب قبوله من الدول األطراف األخرى ،ويمكن
للدولة أن تسحب التحفظ الذي أبدته في أي وقت دون اشتراط موافقة الدولة التي قبلته.
-التحفظ باالستبعاد :يهدف هذا النوع من التحفظ إلى استبعاد األثر القانوني للنص (البند أو
المادة) محل التحفظ بأن ال ينطبق على الدولة أو المنظمة التي أبدت التحفظ.
-التحفظ التفسيري :يهدف إلى إعطاء النص المتحفظ عليه معنى معينا يطبق في ضوئه على
الدولة أو المنظمة الدولية المبدية للتحفظ.
ويحصل نشر المعاهدة الدولية بعد التسجيل باألمانة العامة لألمم المتحدة في أقرب وقت
ممكن ،ويكون النشر في مجموعة واحدة باللغة أو باللغات األصلية ،التي حررت بها المعاهدة
متبوعة بترجمة إلى اإلنجليزية أو الفرنسية.
وتبعث األمانة بهذه المجموعة إلى جميع أعضاء األمم المتحدة ،هذا على مستوى األمم
المتحدة ،أما على المس توى الداخلي لكل دولة ،فإن كل دولة تقوم بنشر المعاهدة وفق الكيفيات
القانونية الخاصة بها ،واآلليات المتاحة لذلك.
88
يملك أشخاص القانون الدولي العام أهلية إبرام المعاهدات الدولية ويتمتع بهذه الشخصية
في الوقت الحاضر الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان .
وفي إطار أشخاص القانون الدولي )الدول والمنظمات الدولية والفاتيكان( ،فإن أحكام
أهليتها تختلف باختالف الوضع القانوني الواقعي الذي يتواجد في الدولة .وقد أقرت اتفاقية
ڤيينا لقانون المعاهدات في المادة 6بوجوب صحة أي معاهدة ،أن يكون طرفها من أشخاص
القانون الدولي الذين يتمتعون باألهلية القانونية.
فالدول الناقصة السيادة التي تكون تحت االحتالل ،أو الوصاية ،أو االنتداب تكون ناقصة
األهلية ،وبالتالي ال تملك القدرة القانونية وفقا لمفهوم القانون الدولي على إبرام المعاهدات
الدولية.1
كذلك ال يجوز للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم المعاهدات بما يتنافى مع حالة
الحياد كمعاهدات التحالف،ومن جهة أخرى وحتى في إطار الدولة الكاملة األهلية ،وذات السيادة،
وخاصة ذات الطابع الفدرالي ،فإنه يحظر على الواليات الفدرالية ،إبرام المعاهدات دون علم
الحكومة المركزية ،كما هو الحال في ماليزيا والهند والنمسا والمكسيك ،اللهم إذا أجاز الدستور
االتحادي لتلك الواليات التوقيع على بعض االتفاقيات ذات الطابع الدولي ،ولكن في الحدود
المقررة في الدستور االتحادي ،وهذا ما عليه الحال في الدستور السويسري ،1ودستور ألمانيا
االتحادية.2
أما المنظمات الدولية فمن المتفق عليه أن شخصيتها الدولية شخصية وظيفية يتحدد في
إطارها إبرام المعاهدات في حدودها وتعتبر هذه القاعدة نتيجة منطقية لمبدأ تخصص
المنظمات الدولية ، 3فال يحق لها إبرام معاهدة ال تدخل ضمن اختصاصها ووظيفتها ،أو تخالف
الغرض الذي أنشأت من أجله المعاهدة ،في حين ال تملك دولة مدنية الفاتيكان إال إبرام
المعاهدات ذات الطابع الديني فقط.
إن توفر شروط األهلية ،في شخصية الدولة المعنوية ال يكفي الكتمال التعبير عن إرادتها
بشكل قانوني ،بل يلزم أن تكون اإلرادة ا لمعبر عنها في المعاهدة منسوبة إلى الدولة وأن تكون
صحيحة ،وسليمة من عيوب الرضا ،وقد أقرت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات ،المبادئ العامة
لعيوب الرضا والواردة في نطاق القانون الخاص ،من غلط وغش وإكراه لتضيف عليها نوعا
جديدا أسمته بإفساد إرادة ممثل الدولة.
وم ن هذا المنطلق ،سنحاول في هذه الفقرة بحث هذه العيوب التي قد تعيب إرادة الدولة،
وبالتالي قد ترغمها على الدخول في معاهدة ،أو تكبلها بالتزامات ،هي ال تريد االلتزام بها
وذلك على النحو التالي.
✓ :1اإلكراه
-1نص على جواز قيام المقاطعات السويسرية ،عقد اتفاق لتنظيم شؤون الجوار والحدود .
-2نص على منح المقاطعات األلمانية حق إبرام اإلتفاقيات مع الدول األجنبية في حدود اختصاصاتهم التشريعية.
-3صالح البصيصي ،المعاهدات الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد ،مجلة الغري للعلوم اإلقتصادية
واإلدارية ،العدد ،2008 ،2ص.255-241:
90
✓ :2الغلط
✓ :3الغش والتدليس.
:1اإلكراه
يعد اإلكراه من أخطر عيوب اإلرادة ،بسبب أن الدول قد تسلب إرادتها ،وتكون مرغمة على
القيام بعمل معين أو االمتناع عنه ،وعلى الرغم من أن ذلك يبدو من األشياء المستحيلة كون
الدولة شخصية معنوية تتكون من آالف ماليين المواطنين ،كما أن الدولة ال تعلو إرادتها أية
إرادة خارجية السيما إذا كانت دولة مماثلة إال أن الوقائع التاريخية أثبتت حقيقة إبرام اتفاقيات
ومعاهدات دولية كانت مشوبة بعنصر اإلكراه ،كاتفاقيات الصلح الموقعة بين الحلفاء والدول
المنهزمة في الحرب العالمية الثانية.
ومن هنا يمكن القول أن اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات قد ميزت في مضمون المادة 51بين
حالتين من اإلكراه.
-الحالة األولى :إكراه ممثلي الدولة إبرام المعاهدات ،وهذا النوع من اإلكراه ال يثور إال في
المعاهدات ذات الشكل المبسط ،وتحديدا الثنائية منها ،عندما يتعرض ممثل الدولة إلى اإلكراه.
األمر الذي يدفعه للتوقيع على المعاهدة . 1وهنا تكون المعاهدة باطلة بإجماع الفقه وهذا ما
قررته اتفاقية ڤيينا.
-الحالة الثانية :اإلكراه الواقع على ذات الدولة ،وقد يكون اإلكراه ماديا كالحرب وقد يكون
معنويا كالضغط السياسي أو االقتصادي ،وقد اختلف بشأن مثل هذا النوع من اإلكراه وهل
يجوز للدولة االحتجاج باإلكراه إلبطال المعاهدة أم ال ،فكان هناك اتجاهين :األول يرى أنه
ال يجوز للد ولة أن تحتج باإلكراه ألن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار األوضاع الدولية ويقلل من
قيمة المعاهدة كما يساعد الدولة على التهرب من المعاهدات واستدل هذا االتجاه على صحة
كالمه بصحة اتفاقية الصلح التي تنشأ عادة تحت اإلكراه الناتج عن الهزيمة في الحرب.
أما االتجاه الثا ني يرى أن من حق الدولة طلب إبطال المعاهدة ألن ذلك ما تفرضه مبادئ
العدالة واإلنسانية والمساواة بين الدول ،فاالتجاه السابق يتعارض مع المبادئ المسلم بها في
كافة األنظمة القانونية التي تقتضي وجود إرادة حرة ،وأخذت اتفاقية ڤيينا باالتجاه الثاني ألنه
أقرب إلى العدالة والمساواة بين الدول.
:2الغلط
إن الغلط في المعاهدة ،وحسبما ورد في اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات لعام 1969قد
يأخذ شكلين:
األول :الغلط في صياغة نصوص المعاهدة ،والثاني :يتمثل بالغلط في انصراف نية األطراف
فيما يتعلق بمضمون معين في المعاهدة ،ووفقا للمفهوم األول إذا ما وجد خطأ في نصوص
المعاهدة ،فإنه يجب تصحيح ذلك الخطأ كما بينت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات ،أما بخصوص
الغلط في نية األطراف ،فقد نصت المادة 48بفقرتيها األولى والثانية ،على أحكام الغلط ،إذ
تضمنت الفقرة األولى على أنه " يجوز للدولة أو المنظمة الدولية االستناد إلى الغلط في معاهدة
كسبب إلبطال رضاها االلتزام بالمعاهدة إذا كان الغلط يتعلق بواقعة أو حالة توهمت الدولة
أو ال منظمة وجودها عند إبرام المعاهدات وشكلت سببا جوهريا في رضاء هذه الدولة أو تلك
المنظمة االلتزام بالمعاهدة ".
ويفهم من هذه المادة أنه إذا كان الغلط جوهريا ،أي كان هو الباعث الدافع لاللتزام ،وأن
الدولة لو علم ت به لما أقدمت على إبرام المعاهدة ،ففي هذه الحالة يجوز االعتداد بالغلط
كسبب إلبطال المعاهدة .
:3الغش والتدليس
يعد الغش والتدليس من الحاالت النادرة التي تقع على صعيد الواقع العملي الدولي بسبب أن
إبرام المعاهدة الدولية يتطلب المرور كقاعدة عامة بمراحل عديدة من مفاوضات وتحرير
وتوقيع وتصديق ،وعلى الرغم من ندرة هذه الحاالت ،إال أن هذا ال يمنع من وقوعه ،ويقصد
بالتدليس ا ستخدام وسائل الخداع في المفاوضات ،كأن يعد أحد األطراف المتفاوضة خداع
الطرف اآلخر عن طريق اإلدالء بمعلومات كاذبة أو تقديم مستندات على أنها صحيحة دون
93
أن يعلم الطرف اآلخر باألمر ولو عرف لما ارتضى بإبرام المعاهدات ،1وفي نص المادة 49
من اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات" بأن الدولة التي يدفعها السلوك التدليسي لدولة متفاوضة
أخرى إلى إبرام معاهدة لها أن تستند إلى الغش إلبطال ارتضائها بااللتزام بالمعاهدة".
أوردت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات وبسابقة غير معهودة ،مفهوم إفساد إرادة ممثل
الدولة ،إذ نصت االتفاقية في المادة 50على" أنه إذا كان تعبير الدولة أو المنظمة الدولية
عن رضاها االلتزام بمعاهدة قد صدر نتيجة اإلفساد المباشر أو غير المباشر لممثلها بواسطة
دولة أو منظمة متفاوضة أخرى فيجوز للدولة أو المنظمة أن تستند إلى هذا اإلفساد إلبطال
رضاها في االلتزام بالمعاهدة".
وتتعدد صور اإلفساد التي قد يتعرض لها ممثل الدولة ،إذ تتراوح بين الرشوة أو تقديم الهدايا،
أو التأثير عليه بمختلف وسائل اإلغراء المادية والمعنوية لدفعه إلى إبرام المعاهدة.2
ويمكن أن تلجأ الدولة إلى إفساد إرادة ممثل الدولة األخرى لحمله على عقد اتفاقية قد
تحصل بمقتضاها الدولة على امتيازات تجارية أو اقتصادية ،أو بعض المنافع السياسية.
يجب لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوع المعاهدة مشروعا وجائزا أي أن يكون األمر
الذي ثم االتفاق عليه فيها مما يبيحه القانون وتقره مبادئ األخالق وال يتعارض مع تعهدات
أو التزامات سابقة ،وطبقا لهذا ال تعتبر المعاهدة صحيحة في الحاالت التالية:
-أن يكون موضوعها منافيا لقاعدة من قواعد القانون الدولي اآلمرة ،كما لو اتفقت دولتان على
منع السفن التابعة لدولة ثالثة من المالحة في أعالي البحار أو على تنظيم االتجار بالرقيق.
-أن يكون موضوعها منافيا لحسن األخالق ولمبادئ اإلنسانية العامة كما لو اتفقت دولتان
على اتخاذ تدابير اضطهادية ال مبرر لها ضد جنس معين بغرض إذالله أو القضاء عليه ،أو
كما لو فرضت دولة على أخرى معاهدة تتضمن شروط فيها اعتداء صارخ على الحقوق
األساسية لهذه الدولة .
للمعاهدة المبرمة بشكل صحيح-أثناء نفاذها -قوة القانون بين أطرافها فهي تلزم جميع الدول
األطراف فيها ،ويجب على كل دولة طرف توفير وسائل تنفيذ المعاهدة وإال سوف تتحمل
المسؤولية الدولية ،كما ال يجوز لها التحلل من التزاماتها بحجة أنها أصبحت مجحفة أو أنها
أكرهت عليها تحت تأثير ظروف خاصة ألن هذا يؤدي إلى فوضى دولية ،ولقد أكدت اتفاقية
ڤيينا ذلك وقررت أولوية أحكام المعاهدة على القانون الداخلي لكل دولة.
ومن المقرر أن المعاهدات ال يمتد أثرها على الماضي بالنسبة لألعمال أو الوقائع التي تمت
قبل نفاذها ما لم يتفق األطراف على غير ذلك.
أما بالنسبة للسريان المكاني للمعاهدات ،فالقاعدة العامة المقررة في هذا الصدد ،هي أن
المعاهدة إذا أصبحت نافذة فإنها تصبح واجبة التطبيق في كافة األقاليم الخاضعة لسيادة أي
من األطراف المتعاقدة ،ما لم يتفق صراحة أو ضمنا على غير ذلك ،1وهذا ما أيدته اتفاقية
ڤيينا لقانون المعاهدات لسنة .1969
القاعدة العامة أن المعاهدة ال ترتب حقوقا وواجبات إال بين أطرافها وأن أثرها ال يمتد
إلى الدول التي لم تساهم في إبرامها وهذا المبدأ مسلم به ويجمع عليه الفقه والقضاء الدوليين
وعليه يجري العمل بين الدول ،لكن قد يحدث أن يمتد أثر المعاهدات المبرمة بين دول معينة
إلى دول أخرى لم تكن طرفا فيها ،وتشتمل آثار المعاهدات بالنسبة لغير أطرافها في المعاهدات
المنظمة ألوضاع دائمة ،واالنضمام الالحق للمعاهدة وشرط الدولة األكثر رعاية .
تلتزم كافة الدول باحترام المبادئ الواردة في المعاهدات الجماعية ،المنظمة ألمور تهم
المجتمع الدولي إذا ما استقرت هذه المبادئ في العرف الدولي ،ومن أهم أمثلة ذلك النظام
القانوني الخاص بالمضايق التركية ونظام قناة السويس أو غيرها من القنوات البحرية الهامة،
ومعاهدة سنة 1895التي فرضت حياد سويسرا الدائم .فهذه المعاهدات ينصرف أثرها للغير
باعتبار أنها استقرت في العرف الدولي وأنها تتفق مع الصالح العام للجماعة الدولية وأنه في
مقدور الدول التي شاركت فيها أن تلزم الغير باحترامها ،ومثال ذلك ما نصت عليه المادة
الثانية الفقرة السادسة من ميثاق األمم المتحدة .1التي نصت على " تعمل الهيئة على أن تسير
الدول غير األعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم و األمن
الدولي".
هناك النوعان من المعاهدات ،المعاهدات المغلقة التي تشترط لدخول عضو جديد فيها
الدخول في مفاوضات مع أطراف المعاهدة وبالمقابل هناك المعاهدات المفتوحة وهي التي
تحوي نصا يبيح انضمام الغير إليها أو قبولها لها وكثيرا ما تتخذ المعاهدات الهامة الشكل
األخير بعد استيفاء شروط أو إجراءات معينة ،والنص المبيح لالنضمام للمعاهدة يتخذ في
غالب األحوال شكل دعوة موجهة إلى الدول غير األطراف لكي تقبل االنضمام إلى المعاهدة.
وال يحصل االنضمام إلى المعاهدات إال بعد نفاذها بين أطرافها األصليين وبتمام
إجراءات االنضمام تصبح الدولة طرفا في المعاهدة ويكون لها كافة الحقوق والمزايا التي
تتمتع بها أطرافها كما تتحمل كافة األعباء وااللتزامات التي تقررها المعاهدة بالنسبة ألطرافها
.
:3شرط الدولة األكثر رعاية
عند إبرام معاهدة أو اتفاق بين دولتين قد تتعهد كل منهما لألخرى بمقتضى نص خاص بأن
تسمح لها باالستفادة من كل امتياز تمنحه في المستق بل لدولة أو دول غيرها بالنسبة لموضوع
من المواضيع التي ثم االتفاق عليها في المعاهدة ،فإذا تضمنت معاهدة بين دولتين هذا النص
ثم أبرمت إحدى الدولتين معاهدة مع دولة ثالثة تمنحها فيها بعض الحقوق أو المزايا التي لم
ترد في المعاهدة األولى ،كان للدولة الثانية الحق في االستفادة من هذه الحقوق والمزايا استنادا
إلى شرط الدولة األكثر رعاية ،ويعد هذا الشرط وسيلة انضمام غير مباشرة لدولة في معاهدة
هي ليست طرفا فيها.
وغالبا ما يتم اللجوء إلى هذا الشرط في االتفاقيات ذات الصفة االقتصادية أو التجارية
و المسائل المتعلقة بإقامة األجانب.
أللفاظ المعاهدة في اإل طار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها ".سوف نحدد
في هذه النقطة الجهات المختصة بالتفسير ووسائل التفسير .
تبنى المعاهدات على رضا أطرافها ،ولما كان المجتمع الدولي تنقصه السلطة
التشريعية أو القضائية بالمعنى المتعارف عليه في القانون الداخلي ،ووجود تنافس في تفسير
القواعد نفسها من قبل مختلف األطراف حول تطبيقها ،1فإذا قام خالف بين الدول بشأن التفسير
فلكل دولة حق ت فسير المعاهدة غير أن هذا التفسير ال يلزم غيرها من األطراف .
وقد يحال أمر التفسير إلى هيئات التحكيم أو القضاء الدولي ،ولقد أصبح من الضروري
في الوقت الراهن أن تشير المعاهدة في نصوصها إلى واجب اللجوء من قبل أطرافها في حال
وجود خالف على تفسير نصوصها إلى التحكيم أو إلى محكمة العدل الدولية .
ثانيا :وسائل التفسير.
هناك القواعد العامة للتفسير والوسائل المكملة لتفسير المعاهدات ،وتفسير المعاهدات المعتمدة
بأكثر من لغة واحدة.
-1قاعدة عامة يجب أن تفسر المعاهدة بحسن نية في المعنى العادي الواجب إعطاؤه لتعبير
المعاهدة في إطارها العام وعلى ضوء غرضها وهدفها .
-2اإلطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير يشمل إلى جانب نص المعاهدة بما في ذلك الديباجة
والملخصات ما يلي:
-أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين األطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة.
-1پيار -ماري دويري ،القانون الدولي العام ،مرجع سابق ،ص.344 :
98
-أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها األطراف األخرى كوثيقة
لها صلة بالمعاهدة .
-أي اتفاق الحق بين األطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها .
-أي مسلك الحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه األطراف بشأن تفسيرها.
-أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العالقة بين األطراف .
هذه الوسائل عددها اثنان :يتعلق األمر من جهة في اللجوء إلى األعمال التحضيرية ومن
جهة أخرى في الظروف الني عقدت فيها المعاهدة و السلوك الالحق للفرقاء .1قالت محكمة
العدل الدولية الدائمة في قضية Lotusعام 1927أنه ليس ثمة مجال ألخذ األعمال
التحضيرية في الحسبان إذا كان نص االتفاقية واضحا بشكل كاف .
وغالبا ما يتم اللجوء إلى األعمال التحضيرية لتحديد المعنى إذا أدى التفسير إلى:
أما بخصوص الظروف التي عقدت فيها االتفاقية ،فإن التدقيق في الظروف التي تم فيها
التفاوض على االتفاق يسمح في المقابل ،وفي أغلب األحيان ،بإعادة تحديد موقع نية الفرقاء
وهدف المعاهدة بالنسبة لالهتمامات التي كانت تظهر في فترة إعدادها .وقد لجأ االجتهاد إليها
في الغالب.
تنشأ صعوبات تكون مهمة غالبا عن الفوارق المألوفة في التفسير ناجمة عن تحرير
المعاهدة نفسها في عدة لغات ،في حين أعلن كل نص أنه أصلي ومعترف به" .إن المادة
33من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ،1تعطي حلوال ناقصة جدا وذات سمة تكميلية عبر
التذكير أن " تعابير المعاهدة يفترض أن لها المعنى نفسه في النصوص الصحيحة المختلفة"،
لتحليل ،في حال نشوء صعوبات ،إلى تطبيق قواعد ووسائل مطروحة في المادتين السابقتين
اللتين يقتضي التعويض عن فشلهما المحتمل في البحث عن المعنى الذي يوفق بشكل أفضل
بين النصوص ،استنادا إلى غرض المعاهدة وهدفها.2
سوف نتطرق هنا إلى طرق انقضاء المعاهدة وأسباب انقضائها .
تنتهي المعاهدة ويتوقف العمل بها بطريقتين إما باالتفاق أو بغير االتفاق.
قد يتفق أطراف المعاهدة على طريقة إنهاء العمل بها بإحدى الصور اآلتية:
-قد تنص المعاهدة على أنها تسري ألجل محدد وقد تحتوي على شرط فاسخ فتنقضي المعاهدة
بانقضاء المدة الزمنية المحددة لها ،أو يتحقق الشرط الفاسخ ،وقد ينص على انقضاء المعاهدة
99
بمجرد تنفيذها تنفيذا كامال ،كمعاهدات تعيين الحدود ومعاهدات الصداقة ومعاهدات التحكيم
أو التعاقد على صفقة شراء سالح.1
وقد تتضمن المعاهدة كما قلنا سابقا شرطا فاسخا ،والشرط الفاسخ هو أمر مستقبلي غير
موجود وقت عقد المعاهدة لكنه قد يتحقق في المستقبل وبعد نفاذ المعاهدة فإذا ما تحقق هذا
الشرط انتهت المعاهدة ، 2كما هو الحال إذا تنازلت دولة عن إقليم معين لدولة ثانية وتم هذا
التنازل بموجب معاهدة جاء في أحد بنودها إجراء استفتاء في هذا اإلقليم المعين فإذا ما تم
هذا االستفتاء واختار سكان اإلقليم العودة إلى الدولة المتنازلة فإن أحكام المعاهدة التي
وضعتهم تحت سيادة الدولة الثانية تزول وتنقضي في مثل هذه الحالة .وقد حدث هذا بالنسبة
إلقليم السار إذ وضع تحت حكم عصبة األمم المتحدة بمقتضى معاهدة فرساي ثم جرى استفتاء
فيه سنة 1935فاختار سكانه االنضمام إلى ألمانيا.
وقد تبيح المعاهدة انسحاب أحد األطراف منها بشروط معينة ،ويترتب على االنسحاب في
المعاهدات الثنائية انقضاء المعاهدة ،أما في المعاهدات الجماعية فتظل المعاهدة سارية
المفعول في مواجهة باقي األطراف ،و تعتبر المعاهدة منتهية في مواجهة الطرف المنسحب
منها.
وتنقضي المعاهدة أيضا باتفاق الدول األطراف فيها صراحة على إنهائها أو تعديلها وقد
يكون اتفاق األطراف ضمنيا باستبدال معاهدة جديدة لها أو بعقد معاهدة جديدة بين أطراف
المعاهدة األولى تحتوي على نصوص تتعارض مع نصوص المعاهدة األولى التي لم يوافقوا
عليها.
وأجازت معاهدة ڤيينا في المادة 60إنهاء المعاهدة سواء كانت ثنائية أم جماعية إذا كان
هناك إخالل جوهري بأحكام المعاهدة ولكن يقتصر أثر اإلنهاء في المعاهدة الجماعية تجاه
الدول المخالفة فقط ،ولكن معاهدة ڤيينا فرضت على الدولة التي ترغب في إنهاء المعاهدة
على أساس ا لفسخ األحادي الجانب أو غيرها من المبررات إخطار الطرف اآلخر للمعاهدة
بذلك ،فإذا أبدى هذا الطرف اعتراضه كان عليهم ا أن يتفقا على حل المسألة بطريقة سلمية
وفق أحكام ميثاق األمم المتحدة المتعلقة بتسوية المنازعات بالوسائل السلمية.
ولكن ال تطبق هذه الحالة إال حينما يكون وجود هذه العالقات الدبلوماسية والقنصلية
أمرا ضروريا لتنفيذ المعاهدة وفي مثل هذه الحاالت يوقف تنفيذ المعاهدة حتى تعود العالقات
بين الدول مرة أخرى ثم يستأنف تنفيذ المعاهدة.
إذا قامت الح رب بين دولتين أو أكثر كان من الطبيعي أن تؤثر على المعاهدات القائمة بين
هذه الدول المتحاربة ،فالحرب تؤدي إلى قطع العالقات السلمية بين الدول المتحاربة مما يؤثر
على المعاهدات التي تربط بينها ،ولكن هناك معاهدات ال تنتهي بقيام الحرب وهي:
-المعاهدات التي أبرمت خصيصا لتنظيم حالة الحرب نفسها وبيان ما يترتب عليها من آثار
تصبح نافذة المفعول بقيام الحرب ألن مجال تطبيقها هو حالة الحرب نفسها ومن ذلك اتفاقيات
جنيف لعام .1949
101
-المعاهدات التي أبرمت لتنظيم حالة دائمة نهائية وثم تنفيذها بالفعل كمعاهدات الحدود
ومعاهدات التنازل عن األقاليم.1
-المعاهدات الجماعية التي تنظم أمورا تهم الدول جميعا فهي ال تنقضي بقيام الحرب وإنما
يوقف نفاذها فقط بالنسبة للدول المتحاربة حتى انتهاء الحرب ،وهذه هي المعاهدات الجماعية
التي تعقد بين أكثر من دولتين وتقوم الحرب بين بعض األطراف فقط.
المعاهدات التي تبرمها دولتان بغرض توثيق عالقاتهما وتحقيق التعاون بينهما في ناحية من
النواحي ،إ ن المعاهدات الثنائية زمن الحرب ،وكذا المعاهدات الخاصة كمعاهدات التحالف
والصداقة والتجارة تصبح ال قيمة لها باندالع الحرب بين الطرفين المتعاقدين وال تنفذ أحكامها
إال بمعاهدة جديدة ،ولذلك تحاول الدول دائما عندما تكون بصدد عقد معاهدات الصلح أن
تضمن فيها أو تشير إلى االتفاقيات التي ترغب في إحيائها من جديد.2
يمكن أن تؤدي ظروف معينة وغير متوقعة إلى استحالة تطبيق المعاهدة بين األطراف
المتعاقدة ،ويمكن أن يؤدي استمرار المعاهدة إلى اإلضرار بحقوق المتعاهدين أو بعضهم،
وقد اشترطت المادة 62من اتفاقية ڤيينا 1969من أجل االستناد إلى تغير الظروف بشكل
جذري أن تكون هذه الظروف أساسا إلرضاء األطراف المتعاقدة االلتزام بالمعاهدة وأن يكون
التغيير جوهريا في االلتزامات التي يجب أن تنفذ في المستقبل طبقا للمعاهدة.3
وقررت اتفاقية ڤيينا لقانون المعاهدات بأن ال يجوز االستناد إلى التغير الجذري في الظروف
كسبب إلنهاء المعاهدة أو االنسحاب منها في األحوال التالية:
✓ أن يكون اإلخالل جوهريا سواء بنص من نصوص المعاهدة أو بروح االتفاق نفسه.
✓ أن يحدث من أجهزة الدولة المسئولة ،وال يعتد باإلخالل الصادر من األفراد أو
الجماعات األخرى التي ال تكون الدولة مسئولة عن تصرفاتهم .
:2استحالة تنفيذ المعاهدة.
استحالة تنفيذ المعاهدة يعني استحالة تطبيق أحكامها على واقعة معينة بسبب قوة قاهرة أو
حالة الضرورة واالستحالة قد تكون موضوعية وقد تكون قانونية.
:االستحالة القانونية.
من صورها أن تبرم معاهدة تحالف بين ثالث دول ثم تنشب الحرب بين اثنتين منهما ،فإن
الدولة الثالثة تكون في حل من هذه المعاهدة ألنه يستحيل عليها من الناحية القانونية القيام
بالتزاماتها اتجاه كل من الدولتين المتحاربتين في نفس الوقت.
- 1هذا التعريف يعود للدكتور عاشور سليمان شوايل أورده إدريس لكريني في كتابه القانون الدولي العام ،مكتبة المعرفة،
مراكش ،الطبعة األولى 2017ص .21
- 2إدريس لكريني ،نفس المرجع ،ص .21
104
وعلى عكس المعاهدات التي غالبا ما يطبعها الجمود تتسم قواعد العرف بالمرونة
والقابلية للتطور للتكيف مع حاجيات المجتمع الدولي ،لكن مع ذلك تبقى قواعده غامضة وغير
واضحة مما يرتب مشاكل في التطبيق ،كما أن استقرار قواعده تحتاج إلى وقت طويل جدا.
105
الفرع األول :األحكام والفتاوى الصادرة عن المحاكم الدولية.
هي مصادر تنطوي على أهمية كبرى بالنظر إلى كونها تصدر عن أجهزة دائمة وذات
اختصاص عام ،تسمح بتطبيق القوانين وتفسيرها ،وفي هذا السياق ،أسهمت محكمة العدل
الدولية التابعة لألمم المتحدة في تأكيد احترام القانون الدولي وسبل تطبيقه وتطويره وإزالة
القصور والغموض عن بعض مقتضياته من خالل بلورة مجموعة من اإلجتهادات القضائية،
ونفس األمر بالنسبة للمحكمة الدائمة للعدل على عهد عصبة األمم.1
ومن هنا يتبين أن ألحكام المحاكم دور كبير في نطاق العالقات الدولية ،فمجموعة
األحكام التي يصدرها القضاء الدولي قد تسهم في تكوين قواعد قانونية دولية ،فضال عن
دورها كعنصر من عناصر تكوين واستنباط العرف الدولي.
107
108
109