Professional Documents
Culture Documents
عيد الفداء .. وفقه الأضحية
عيد الفداء .. وفقه الأضحية
عيد الفداء .. وفقه الأضحية
الحج وهو الوقوف بعرفة .وفي كلتا المناسبتين ولألعياد في شريعة اإلسالم مكانة خاصة ،ال
من الفرائض والسنن ما يهيئ جو الفرحة ،وينشر ُيقدِّ ُرها حق قدرها إال من التزم منهج اهلل –تعالى،-
السرور في ديار المسلمين. وآثر الجد ،وبذل الجهد في طاعته -سبحانه ،-
كما أن عيد األضحى هو في جوهره عيد انتصار وقت الشدة وحال الرخاء .ولذلك فإنها بمثابة
اإلنسان على ذاته وعلى الشيطان ..إنه عيد وقفات مباركات من اهلل – تعالى ، -لالسترواح في
الطاعة المطلقة هلل – تعالى ،-ثقة في أن كل ما الطريق الشاقة الطويلة اللتقاط األنفاس ،وتعبئة
يأمرنا به إن هو ـ في واقع األمر ـ إال الخير ..كل النفوس ،واستجماع القوى لمواصلة المسير في
الخير .فقد أوحى اهلل –تعالى -إلى نبيه إبراهيم دروب الحياة الصعبة ومسالكها الوعرة؛ إذ إن
أن يذبح بِكره (أى ولده األول) المحبوب ،الذي لكل يوم من أيام اإلنسان أعباءه وتبعاته ،وصدق
ُرز َقه في شيخوخته ،بعدما أخذ اليأس في النسل اهلل – تعالى -القائل في كتابه العزيز ﴿ :ﮀ ﮁ
منه مأخذه ،وكاد أن ينقطع أمله في اإلنجاب، ﮂ ﮃ ﮄ﴾( .البلد.)4:
ولما كان إبراهيم خليل الرحمن ،والخلة مكانة وأعيادنا مرتبطة بعقيدتنا ،فطبيعة الفرح
تقتضي توحيد المحبوب بالمحبة ،وأن ال يشارك والسرور بالعيد هنا تنشأ من إحساس المسلم
غيره فيها ،فلما أخذ االبن شعب ًة من قلب الوالد بالسعادة ،نتيجة طاعته هلل – تعالى ،-فعيد الفطر
بمحبته ،جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب مثال يأتي بعد تأدية فريضة الصوم ،وعيد األضحى
الخليل ،بأمر اهلل له بذبح محبوبه .فلما أقدم على يأتي عقب تأدية المسلم للركن األعظم من أركان
(*) أستاذ متفرغ بكلية العلوم ـ جامعة المنوفية.
في موسم الحج ،شعيرة من الشعائر اإلسالمية ذبحه وكانت محبة اهلل أعظم عنده من محبة الولد
،وعبادة دينية لها أهدافها االجتماعية ،وال يجوز خلصت الخلة -حينئذ -من شوائب المشاركة،
لمن يكون قادرا عليها أن يستبدل بها غيرها من فلم يبق من الذبح مصلحة ،فقد ظهرت نتيجة
القربات .كما أهاب المؤتمر بجماعة المسلمين االمتحان واالبتالء العظيم ،ف ُن ِسخ األمر بالذبح،
في كل األقطار ـ شعوبا وحكومات ـ أن يتعاونوا وكان فداء الذبيح -عليه السالم ،-حينما
على دفع المضار ،التي قد تكون في موسم الحج صدَّ ق خليل الرحمن الرؤيا .وقد جاء في كتاب
بسبب هذه الذبائح ،وعلى أن تحقق منافعها التي ربنا -جل وعال ﴿ : -ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أرادها الشارع ،وأن يتخذوا السبل المؤدية إلى ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ
ذلك. ﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭦ
من فقه األضحية: ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ (الصافات:
103ـ .)107
واألضحية هي كل ما ُيذبح من اإلبل والبقر
وقد ارتبطت سنة الذبح بهذا الموقف
والغنم تقربا هلل – تعالى -خالل أيام عيد األضحى. االمتثالي العظيم ،لتعيد إلى األذهان قصة هذه
أما حكمها فهي سنة عند األئمة الثالثة :مالك، الطاعة المطلقة هلل – تعالى ،-وإيثار محبته على
والشافعي وابن حنبل ،أما اإلمام أبو حنيفة فقد كل ما عداها ،حتى لو تمثلت في محبة الولد
اعتبرها واجبة على المسلم الذي يمتلك نصاب البكر الذي جاء بعد طول انتظار ،بل بعد ذهاب
الزكاة ،ولهذا فمن لم يفعلها من القادرين فهو آثم األمل ،وانقطاع الرجاء .ال شك أنه موقف جدير
طبقا لهذا المذهب .وقد شُ ِرعت في السنة الثانية باالستدعاء والتذكار عاما بعد عام على مر األزمان.
للهجرة.
وفي غمرة التعايش مع هذا الموقف النبيل،
فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي وفي أجوائه اإليثارية المفعمة بإسالم الوجه هلل ،فإن
اهلل عنها -قالت :قال رسول اهلل ﷺ« :ما عمل التضحية في سبيله ـ على هذه السنة الحسنة ـ في
ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى اهلل من إهراق هذا اليوم الذي ارتبط اسمه بها سيدخل الفرحة
الدم ،وإنه ليؤتى يوم القيامة ،بقرونها وأشعارها على الفقير ،وسيشعر أنه حقا يوم عيد .وعلى
وأظالفها (يعني األضحية) ،وإن الدم ليقع من اهلل هذا ،فعيد األضحى مرتبط بسنة لو ُأ ِ
حسن أداؤُها،
فطيبوا بها نفسا». بمكان قبل أن يقع باألرض ِ ، فإنها ستكون سببا في إسعاد كثير من الفقراء ،من
(رواه الترمذي وابن ماجه). غير القادرين على تناول سيد الطعام وهو اللحم ،
وتتلخص حكمة مشروعية األضحية في تذكير الذي بات في غير متناول كثير من الناس؛ الرتفاع
المسلمين بالذبح العظيم الذي اف ُتدي به أبوهم سعره ارتفاعا جنونيا في هذه األيام.
إسماعيل -عليه السالم ،-وفيها أيضا إظهار وألهمية ذلك في ديار المسلمين فقد أعلن
لشكر اهلل -تعالى -على جزيل نعمه وسابغ مؤتمر مجمع البحوث اإلسالمية الثالث ،ضمن
فضله على الغني القادر عليها ،كما يراد منها قراراته وتوصياته ،أن الذبائح من هدي وغيره
magazine.azhar.eg
2369
الشريعة اإلسالمية وعلومها
والقاعدة :أال تكون معيبة فاهلل – تعالى -طيب أيضا التوسعة على الفقراء والمساكين في هذا
ال يقبل إال طيبا ،ويقول تعالى﴿ :ﮡ ﮢ اليوم العظيم .وقد ورد عن الحسين بن علي -
ﮣ ﮤ ﮥ ﴾ (البقرة.)267 : رضي اهلل عنهما -أن رسول اهلل ﷺ قال« :من
وتجزئ الشاة عن واحد (أي عن رب األسرة ضحى طيبة بها نفسه ُ ،محتسبا ألضحيته كانت
وعمن تلزمه نفقتهم من زوجته وعياله) لحديث له حجابا من النار»(.كنز العمال .)85/5
أبي أيوب -رضي اهلل عنه « :-كان الرجل في عهد أما دليل مشروعيتها من الكتاب
رسول اهلل ﷺ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته والسنة ،فقد ورد قول اهلل –تعالى -من سورة
فيأكلون ويطعمون» (سنن ابن ماجه) أما الواحد الكوثر﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ﴾ (الكوثر،)2:
من اإلبل والبقر فيجزئ عن سبعة ،والشاة للواحد صل صالة عيد األضحى ثم انحر األضحية .أما أي ِّ
أفضل من ُسبع بقرة أو بدنة (وهى واحدة اإلبل). للسنة المشرفة ،فقد ورد فيها :أن النبيبالنسبة ُّ
أما وقت نحر األضحية فيكون بعد الفراغ من ﷺ جاء بكبشين أملحين أقرنين ،ذبحهما بيده
صالة العيد ،أو قدرها لمن فاتته صالة العيد ،لقول فسمى وك َّبر ووضع رجله على صفاحهما الشريفة َّ
اهلل تعالى ﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ﴾ (الكوثر،)2: (أي جانب عنقيهما)( .رواه مسلم).
ولقول النبى ﷺ« :أول ما نبدأ به يومنا هذا ـ يوم ومن شروطها بعد القدرة ـ كما قدمنا ـ الحرية
عيد األضحى ـ أن نصلي ثم نرجع فننحر .من فعل فإنها تسقط عن العبد ،كما اشترط بعض األئمة
هذا فقد أصاب سنتنا ،ومن ذبح قبل ذلك فإنما اإلقامة ،فتسقط عن المسافر.
هو لحم قدمه ألهله ،ليس من النسك في شيء» أما أنواع الحيوان التي تصح التضحية بها
(صحيح البخاري) .ويمتد وقت الذبح إلى غروب فترتيبها بحسب أفضليتها على هذا النحو :اإلبل،
اليوم الثالث من أيام التشريق أي الرابع من أيام ثم البقر ثم الغنم ،ويجوز منها الذكر واألنثى على
النحر طبقا للشافعية ،وعند غيرهم بانتهاء اليوم حد سواء باتفاق المذاهب .ويصح أن ُيراعى في
الثاني من أيام التشريق أي ثالث يوم العيد ،وهذا هو هذا مصلحة الفقراء والمتاح بالنسبة للمضحي.
الذي عليه الجمهور .ولم يرد نص قاطع في كيفية ويفضل في أضحية الغنم أن تتم الحول ،وقد
توزيعها مقدارا ،فاهلل -تعالى -يقول﴿ :ﯙ يجزئ من الغنم ما تم ثمانية أشهر ،وقيل ستة
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﴾ (الحج .)36:وما أشهر أيضا .أما المعز فيجزئ منها ما أتم نحو عام
ينطبق على الهدي ينطبق على األضحية. ودخل في الثاني ،ومن اإلبل ما دخل في السادسة
فعلى القادر أن يضحي امتثاال لسنة رسول ومن البقر ما دخل في الثالثة.
اهلل ﷺ ،ليوسع على نفسه وأهله وعلى الفقراء وال تجزئ في األضحية العوراء وال العرجاء
والمساكين في هذه األيام المباركات ،وكل عام الب ِّين عرجها وال العجفاء التي ال شحم لها ،وال
وأنتم من اهلل في نعمة وتوفيق وحسن إيمان. المريضة.