عيد الفداء .. وفقه الأضحية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫الشريعة اإلسالمية وعلومها‬

‫عيد الفداء ‪ِ ..‬‬


‫وفقْ هُ الأ�ضحية‬

‫حينم��ا تتلق��ى ه��ذا الع��دد من المجل��ة ـ عزيزي‬


‫القارئ ـ وتقرأ هذه الس��طور ‪ ..‬فإن العيد منا يكون على‬
‫مس��افة زمنية قريبة‪ ،‬فكل عام وأنتم من اإليمان والعافية‬
‫ثم في خير وس��عادة وحسن مقام‪.‬‬ ‫في كمال وتمام‪ ،‬ومن َّ‬
‫وعيدنا هذا هو عيد األضحى‪ ،‬الذي اكتس��ب اس��مه من‬
‫األضحية‪ ،‬وهي سنة طيبة عن نبي اإلسالم محمد بن عبد‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد فتحي فرج *‬
‫( )‬
‫اهلل ‪-‬عليه الصالة وأزكى السالم‪.-‬‬

‫الحج وهو الوقوف بعرفة‪ .‬وفي كلتا المناسبتين‬ ‫ولألعياد في شريعة اإلسالم مكانة خاصة ‪ ،‬ال‬
‫من الفرائض والسنن ما يهيئ جو الفرحة‪ ،‬وينشر‬ ‫ُيقدِّ ُرها حق قدرها إال من التزم منهج اهلل –تعالى‪،-‬‬
‫السرور في ديار المسلمين‪.‬‬ ‫وآثر الجد ‪ ،‬وبذل الجهد في طاعته ‪ -‬سبحانه ‪،-‬‬
‫كما أن عيد األضحى هو في جوهره عيد انتصار‬ ‫وقت الشدة وحال الرخاء‪ .‬ولذلك فإنها بمثابة‬
‫اإلنسان على ذاته وعلى الشيطان ‪ ..‬إنه عيد‬ ‫وقفات مباركات من اهلل – تعالى‪ ، -‬لالسترواح في‬
‫الطاعة المطلقة هلل – تعالى ‪ ،-‬ثقة في أن كل ما‬ ‫الطريق الشاقة الطويلة اللتقاط األنفاس ‪ ،‬وتعبئة‬
‫يأمرنا به إن هو ـ في واقع األمر ـ إال الخير ‪ ..‬كل‬ ‫النفوس ‪ ،‬واستجماع القوى لمواصلة المسير في‬
‫الخير‪ .‬فقد أوحى اهلل –تعالى ‪ -‬إلى نبيه إبراهيم‬ ‫دروب الحياة الصعبة ومسالكها الوعرة؛ إذ إن‬
‫أن يذبح بِكره (أى ولده األول) المحبوب ‪ ،‬الذي‬ ‫لكل يوم من أيام اإلنسان أعباءه وتبعاته ‪ ،‬وصدق‬
‫ُرز َقه في شيخوخته ‪ ،‬بعدما أخذ اليأس في النسل‬ ‫اهلل – تعالى‪ -‬القائل في كتابه العزيز ‪﴿ :‬ﮀ ﮁ‬
‫منه مأخذه ‪ ،‬وكاد أن ينقطع أمله في اإلنجاب‪،‬‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ﴾‪( .‬البلد‪.)4:‬‬
‫ولما كان إبراهيم خليل الرحمن ‪ ،‬والخلة مكانة‬ ‫وأعيادنا مرتبطة بعقيدتنا ‪ ،‬فطبيعة الفرح‬
‫تقتضي توحيد المحبوب بالمحبة‪ ،‬وأن ال يشارك‬ ‫والسرور بالعيد هنا تنشأ من إحساس المسلم‬
‫غيره فيها‪ ،‬فلما أخذ االبن شعب ًة من قلب الوالد‬ ‫بالسعادة ‪ ،‬نتيجة طاعته هلل – تعالى‪ ،-‬فعيد الفطر‬
‫بمحبته‪ ،‬جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب‬ ‫مثال يأتي بعد تأدية فريضة الصوم ‪ ،‬وعيد األضحى‬
‫الخليل‪ ،‬بأمر اهلل له بذبح محبوبه‪ .‬فلما أقدم على‬ ‫يأتي عقب تأدية المسلم للركن األعظم من أركان‬
‫(*) أستاذ متفرغ بكلية العلوم ـ جامعة المنوفية‪.‬‬

‫‪2368‬‬ ‫ذو الحجة ‪ 1438‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪ 2017‬م‬


‫عيد الفداء ‪ ....‬وقفة األضحى‬

‫في موسم الحج ‪ ،‬شعيرة من الشعائر اإلسالمية‬ ‫ذبحه وكانت محبة اهلل أعظم عنده من محبة الولد‬
‫‪ ،‬وعبادة دينية لها أهدافها االجتماعية‪ ،‬وال يجوز‬ ‫خلصت الخلة ‪ -‬حينئذ ‪ -‬من شوائب المشاركة‪،‬‬
‫لمن يكون قادرا عليها أن يستبدل بها غيرها من‬ ‫فلم يبق من الذبح مصلحة ‪ ،‬فقد ظهرت نتيجة‬
‫القربات‪ .‬كما أهاب المؤتمر بجماعة المسلمين‬ ‫االمتحان واالبتالء العظيم ‪ ،‬ف ُن ِسخ األمر بالذبح‪،‬‬
‫في كل األقطار ـ شعوبا وحكومات ـ أن يتعاونوا‬ ‫وكان فداء الذبيح ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬حينما‬
‫على دفع المضار ‪ ،‬التي قد تكون في موسم الحج‬ ‫صدَّ ق خليل الرحمن الرؤيا‪ .‬وقد جاء في كتاب‬
‫بسبب هذه الذبائح ‪ ،‬وعلى أن تحقق منافعها التي‬ ‫ربنا ‪ -‬جل وعال ‪ ﴿ : -‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫أرادها الشارع ‪ ،‬وأن يتخذوا السبل المؤدية إلى‬ ‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫ﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭦ‬
‫من فقه األضحية‪:‬‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ (الصافات‪:‬‬
‫‪103‬ـ ‪.)107‬‬
‫واألضحية هي كل ما ُيذبح من اإلبل والبقر‬
‫وقد ارتبطت سنة الذبح بهذا الموقف‬
‫والغنم تقربا هلل – تعالى ‪ -‬خالل أيام عيد األضحى‪.‬‬ ‫االمتثالي العظيم ‪ ،‬لتعيد إلى األذهان قصة هذه‬
‫أما حكمها فهي سنة عند األئمة الثالثة‪ :‬مالك‪،‬‬ ‫الطاعة المطلقة هلل – تعالى ‪ ،-‬وإيثار محبته على‬
‫والشافعي وابن حنبل‪ ،‬أما اإلمام أبو حنيفة فقد‬ ‫كل ما عداها‪ ،‬حتى لو تمثلت في محبة الولد‬
‫اعتبرها واجبة على المسلم الذي يمتلك نصاب‬ ‫البكر الذي جاء بعد طول انتظار ‪ ،‬بل بعد ذهاب‬
‫الزكاة ‪ ،‬ولهذا فمن لم يفعلها من القادرين فهو آثم‬ ‫األمل‪ ،‬وانقطاع الرجاء‪ .‬ال شك أنه موقف جدير‬
‫طبقا لهذا المذهب‪ .‬وقد شُ ِرعت في السنة الثانية‬ ‫باالستدعاء والتذكار عاما بعد عام على مر األزمان‪.‬‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫وفي غمرة التعايش مع هذا الموقف النبيل‪،‬‬
‫فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي‬ ‫وفي أجوائه اإليثارية المفعمة بإسالم الوجه هلل‪ ،‬فإن‬
‫اهلل عنها ‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما عمل‬ ‫التضحية في سبيله ـ على هذه السنة الحسنة ـ في‬
‫ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى اهلل من إهراق‬ ‫هذا اليوم الذي ارتبط اسمه بها سيدخل الفرحة‬
‫الدم ‪ ،‬وإنه ليؤتى يوم القيامة ‪ ،‬بقرونها وأشعارها‬ ‫على الفقير ‪ ،‬وسيشعر أنه حقا يوم عيد‪ .‬وعلى‬
‫وأظالفها (يعني األضحية) ‪ ،‬وإن الدم ليقع من اهلل‬ ‫هذا ‪ ،‬فعيد األضحى مرتبط بسنة لو ُأ ِ‬
‫حسن أداؤُها‪،‬‬
‫فطيبوا بها نفسا»‪.‬‬ ‫بمكان قبل أن يقع باألرض ‪ِ ،‬‬ ‫فإنها ستكون سببا في إسعاد كثير من الفقراء ‪ ،‬من‬
‫(رواه الترمذي وابن ماجه)‪.‬‬ ‫غير القادرين على تناول سيد الطعام وهو اللحم ‪،‬‬
‫وتتلخص حكمة مشروعية األضحية في تذكير‬ ‫الذي بات في غير متناول كثير من الناس؛ الرتفاع‬
‫المسلمين بالذبح العظيم الذي اف ُتدي به أبوهم‬ ‫سعره ارتفاعا جنونيا في هذه األيام‪.‬‬
‫إسماعيل ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬وفيها أيضا إظهار‬ ‫وألهمية ذلك في ديار المسلمين فقد أعلن‬
‫لشكر اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬على جزيل نعمه وسابغ‬ ‫مؤتمر مجمع البحوث اإلسالمية الثالث‪ ،‬ضمن‬
‫فضله على الغني القادر عليها ‪ ،‬كما يراد منها‬ ‫قراراته وتوصياته‪ ،‬أن الذبائح من هدي وغيره‬

‫‪magazine.azhar.eg‬‬
‫‪2369‬‬
‫الشريعة اإلسالمية وعلومها‬
‫والقاعدة‪ :‬أال تكون معيبة فاهلل – تعالى‪ -‬طيب‬ ‫أيضا التوسعة على الفقراء والمساكين في هذا‬
‫ال يقبل إال طيبا ‪ ،‬ويقول تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ‬ ‫اليوم العظيم‪ .‬وقد ورد عن الحسين بن علي ‪-‬‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﴾ (البقرة‪.)267 :‬‬ ‫رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من‬
‫وتجزئ الشاة عن واحد (أي عن رب األسرة‬ ‫ضحى طيبة بها نفسه ‪ُ ،‬محتسبا ألضحيته كانت‬
‫وعمن تلزمه نفقتهم من زوجته وعياله) لحديث‬ ‫له حجابا من النار»‪(.‬كنز العمال ‪.)85/5‬‬
‫أبي أيوب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ « :-‬كان الرجل في عهد‬ ‫أما دليل مشروعيتها من الكتاب‬
‫رسول اهلل ﷺ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته‬ ‫والسنة‪ ،‬فقد ورد قول اهلل –تعالى ‪ -‬من سورة‬
‫فيأكلون ويطعمون» (سنن ابن ماجه) أما الواحد‬ ‫الكوثر‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ﴾ (الكوثر‪،)2:‬‬
‫من اإلبل والبقر فيجزئ عن سبعة ‪ ،‬والشاة للواحد‬ ‫صل صالة عيد األضحى ثم انحر األضحية‪ .‬أما‬ ‫أي ِّ‬
‫أفضل من ُسبع بقرة أو بدنة (وهى واحدة اإلبل)‪.‬‬ ‫للسنة المشرفة‪ ،‬فقد ورد فيها‪ :‬أن النبي‬‫بالنسبة ُّ‬
‫أما وقت نحر األضحية فيكون بعد الفراغ من‬ ‫ﷺ جاء بكبشين أملحين أقرنين‪ ،‬ذبحهما بيده‬
‫صالة العيد ‪ ،‬أو قدرها لمن فاتته صالة العيد‪ ،‬لقول‬ ‫فسمى وك َّبر ووضع رجله على صفاحهما‬ ‫الشريفة َّ‬
‫اهلل تعالى ‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ﴾ (الكوثر‪،)2:‬‬ ‫(أي جانب عنقيهما)‪( .‬رواه مسلم)‪.‬‬
‫ولقول النبى ﷺ‪« :‬أول ما نبدأ به يومنا هذا ـ يوم‬ ‫ومن شروطها بعد القدرة ـ كما قدمنا ـ الحرية‬
‫عيد األضحى ـ أن نصلي ثم نرجع فننحر‪ .‬من فعل‬ ‫فإنها تسقط عن العبد‪ ،‬كما اشترط بعض األئمة‬
‫هذا فقد أصاب سنتنا ‪ ،‬ومن ذبح قبل ذلك فإنما‬ ‫اإلقامة ‪ ،‬فتسقط عن المسافر‪.‬‬
‫هو لحم قدمه ألهله ‪ ،‬ليس من النسك في شيء»‬ ‫أما أنواع الحيوان التي تصح التضحية بها‬
‫(صحيح البخاري)‪ .‬ويمتد وقت الذبح إلى غروب‬ ‫فترتيبها بحسب أفضليتها على هذا النحو‪ :‬اإلبل‪،‬‬
‫اليوم الثالث من أيام التشريق أي الرابع من أيام‬ ‫ثم البقر ثم الغنم ‪ ،‬ويجوز منها الذكر واألنثى على‬
‫النحر طبقا للشافعية ‪ ،‬وعند غيرهم بانتهاء اليوم‬ ‫حد سواء باتفاق المذاهب‪ .‬ويصح أن ُيراعى في‬
‫الثاني من أيام التشريق أي ثالث يوم العيد ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫هذا مصلحة الفقراء والمتاح بالنسبة للمضحي‪.‬‬
‫الذي عليه الجمهور‪ .‬ولم يرد نص قاطع في كيفية‬ ‫ويفضل في أضحية الغنم أن تتم الحول ‪ ،‬وقد‬
‫توزيعها مقدارا ‪ ،‬فاهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬يقول‪﴿ :‬ﯙ‬ ‫يجزئ من الغنم ما تم ثمانية أشهر ‪ ،‬وقيل ستة‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﴾ (الحج‪ .)36:‬وما‬ ‫أشهر أيضا‪ .‬أما المعز فيجزئ منها ما أتم نحو عام‬
‫ينطبق على الهدي ينطبق على األضحية‪.‬‬ ‫ودخل في الثاني ‪ ،‬ومن اإلبل ما دخل في السادسة‬
‫فعلى القادر أن يضحي امتثاال لسنة رسول‬ ‫ومن البقر ما دخل في الثالثة‪.‬‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬ليوسع على نفسه وأهله وعلى الفقراء‬ ‫وال تجزئ في األضحية العوراء وال العرجاء‬
‫والمساكين في هذه األيام المباركات ‪ ،‬وكل عام‬ ‫الب ِّين عرجها وال العجفاء التي ال شحم لها ‪ ،‬وال‬
‫وأنتم من اهلل في نعمة وتوفيق وحسن إيمان‪.‬‬ ‫المريضة‪.‬‬

‫‪2370‬‬ ‫ذو الحجة ‪ 1438‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪ 2017‬م‬

You might also like