Professional Documents
Culture Documents
مقالة حول النسيان
مقالة حول النسيان
مقالة حول النسيان
الموضوع:يقول أحد الفالسفة " :النسيان ليس مرضا من أمراض الذاكرة وإنما هو شرط من شروط سالمتها وبقائها
"؟
حلل و ناقش
:مرحلة الفهم
:مرحلة التحليل
طرح المشكلة
المدخل :إذا كانت الذاكرة من حيث وظيفتها تعمل على حفظ الماضي واسترجاعه عند الحاجة فإنها ال تقوى في بعض الحاالت
على استدعاء جزء من هذا الماضي بالرغم من الجهد المبذول الستحضاره وهذا يعني أن الذاكرة مرتبطة بالنسيان الذي يعرف
بأنه الفقدان المؤقت أو الكلي أو الدائم للذكريات
المسار :و قد قال بعض الفالسفة أن النسيان ظاهرة سلبية تعيق وظيفة التذكر فهو يحدث بسبب التالشي الذي يصيب بعض
ذكرياتنا و هناك من الفالسفة من أكد على ضرورته باعتباره عملية طبيعية
طرح اإلشكال :ومن هذه المقدمة نتساءل كيف يمكن التوفيق بين وظيفتين متناقضتين إحداهما تبني وتفيد واألخرى
بعبارة أخرى متى يكون النسيان حقا مناقضا للذاكرة ومتى يكون شرطا لها ؟
:محاولة حل المشكلة
عرض منطق األطروحة :و يؤكد مجموعة من الفالسفة ان النسيان حالة طبيعية
المسلمة :من طبيعة الذاكرة
فالنسيان حالة طبيعية موجودة عند جميع الناس لكن بدرجات متفاوتة ،فالنسيان حسب قانون "بيبرون" يتناسب طردا مع
لوغاريتم الزمن أي أن الذكريات تتالشى كلما تقادمت في الماضي ،و هو يؤثر إيجابا على وظيفة الذاكرة و على حياة اإلنسان
بصفة عامة حيث يخلص الذاكرة من الصور غير المفيدة حتى تستطيع اكتساب صور جديدة ،فلو بقي الماضي ماثل في الذهن
بكامله لما كانت لدينا القدرة على تخزين معلومات جديدة حتى قيل أن " النسيان ملكة الذاكرة" فلو اضطر اإلنسان إلى حفظ كل
شيء لتعبت حويصالته الدماغية ونفذت قوى استيعابها ،قال "ريبو"":خير للذاكرة أن تكون ملكة نّس اءة" فيجب أن يزول عن
الذهن شيء ويبقى شيء آخر
كما يؤثر النسيان إيجابا على نفسية اإلنسان ألنه يسمح بتجاوز اآلالم واألحزان ،فلواله لما صبر اإلنسان و يقول"دوغاس"
ليس النسيان في كل الحاالت نقيضا للذاكرة ،فقد يكون شرطا لها في ضوء داللته النفسية ألن له معان نفسية تنّم عن ميول
"الشخص واهتماماته
و قد يعود إلى عدة عوامل أو قوانين أهمها :ضعف تثبيت المعلومة في الذهن ،وذلك إما نتيجة للمرور عليها بصورة
سريعة أي عدم التركيز عليها ،او لتشابه المعلومات وعدم وضع حدود او فوارق بين المعلومات المتشابهة ،نتيجة لكثرة
المعلومات من جهة ،ولحالة القلق واإلجهاد الذي يرافق اقتباس المعلومة من جهة ثانية .ولضعف او عدم تصنيف المعلومات إلى
أصنافها الرئيسة من جهة ثالثة .حيث أن المعلومات مثل الكتب المرتبة في المكتبة ،كل مجموعة منها تتبع حقال رئيسا من
المعرفة .فالكتب التي تتناول مختلف المواضيع الجغرافية تقع تحت حقل الجغرافيا ،وهكذا بالنسبة للمواضيع والحقول األخرى
وكذلك عامل الترك :فالذكريات السابقة تضعف أثارها نتيجة لعدم استعمالها كما تضمر العضلة التي ال يستعملها اإلنسان
:أما القوانين فمنها
قانون التراجع العكسي :ألن النسيان تراجع عكسي من الحديث الى القديم ،فمع تقدم السن ينسى المرء األحداث القريبة
ويبقى محتفظا باألحداث و الصور القديمة ،ويعود السبب الى التالشي التدريجي للخاليا الدماغية وعجزها على االحتفاظ بالصور
اآلنية فتظهر بعض الصعوبات في تذكر األسماء أوال ،ثم األحداث ثانيا ،وفيما بعد األماكن .ويسمى ذلك بنسيان الشيخوخة الحميد
قانون الفاصلة :يعود النسيان عادة الى عدم الفصل بين النشاطات الذهنية فالمراجعة المستمرة دون استراحة تقلل من نسبة
التحصيل وتساعد على النسيان
قانون التداخل :النشاط المتعاقبة التي يقوم بها الفرد تتداخل في بعضها وينسي بعضها األخر
قانون التباين :إن أداء نشاطين ذهنيين متشابهين يقلل من نسبة التحصيل و يساعد النسيان
"فالنسيان كما يقول ريبو " :ليس مرضا من أمراض الذاكرة وإنما هو شرط من شروط سالمتها وبقائها
و لهذا يؤكد":برغسن" "إن النسيان حالة طبيعية يعيشها الفرد ألن اإلنسان ال يلتفت إلى الماضي إال لحاجته في إحداث التوافق
"مع بيئته
النتيجة :و منه كان النسيان حالة طبيعية ال مرضية
النقد :و رغم ذلك فإن النسيان ال يجوز بوجه أو بآخر اعتباره وظيفة إيجابية دائمة إذ يعاني الكثير من األشخاص من النسيان
خاصة حين نكون بحاجة ماسة إلى بعض الخبرات فتخوننا الذاكرة ويكون النسيان عدوا لصاحبه و مرضا فلو كان النسيان من
محاسن الذاكرة لما قاومه اإلنسان بالوسائل الطبية ،فغالبا ما يكون النسيان سببا في اإلخفاق كأن ينسى الطالب معطيات مهمة
أثناء االمتحـــــــان
عرض نقيض األطروحة :و لهذا يذهب البعض اآلخر من العلماء الى تعديد سلبياته خاصة في الحاالت المرضية
المسلمة :باعتباره يعيق تكيف الفرد مع المحيط
فالنسيان حالة غير طبيعية وخاصة اذا كانت موجودة عند من يعانون من أمراض الذاكرة ،فهو يعرقل عملية التذكر ويؤثر
سلبا على السلوك اإلنساني ،إذ يقول"دوغاس"" :النسيان متناقض مع الذاكرة
ف الذاكرة باعتبارها نفسية تعمل على حفظ الذكريات و استرجاعها عند الضرورة فإن كل فقدان أو عجز في االستحضار يعتبر
حالة سلبية .ومن بين العلماء الذين يرون أن النسيان مرض نجد "ريبو" الذي فسر النسيان تفسيرا ماديا يرده إلى إصابة في
الدماغ ,فأية إصابة في خاليا القشرة الدماغية تؤدي حتما إلى زوال الذكريات المسجلة عليها ,مما ينتج عنه فقدان الذكريات
وهذا الفقدان قد يكون كليا فيبدأ من الحوادث القريبة العهد ويمتد إلى األفعال واإلشارات ,كما يمكن و أن يتماثل المريض إلى
الشفاء فيسترجع ذاكرته فتعود الذكريات وفقا للترتيب المعاكس لفقدانها ,ومن بين األمراض التي تصيب الذاكرة :األمنيزيا,
"األفازيا ..و يقول "جميل صليبا" صاحب كتاب [علم النفس] "أن النسيان يولد في الغالب خلال في الشخصية
أما فرويد فقد اعتبر النسيان كبت في جانب الالشعور أحيانا ,فالمريض ال ينسى كل الحوادث التي عاشها في الماضي وإنما ينسى
بعض الحوادث المؤلمة التي ال يرغب في تذكرها فهي التي تستقر في الالشعور ألن األنا يعمل على إبعادها من ساحة الشعور وفقا
لعامل الكبت ،ويروي "فرويد" عن نفسه أنه نسي ذات يوم اسم مريضته ألنه عجز عن تشخيص مرضها .ونتيجة هذا التفسير
يكون النسيان مرض مهما كانت أسبابه ,وهو يعيق نشاط الفرد
ويعرض الفيلسوف جون دوالي حالة شخص عمره 59سنة مصاب بداء الكحول يملك ذكريات دقيقة عن ماضيه البعيد فيتحدث
عن عمله في الجيش أثناء الحرب العالمية األولى ويصف جميع الحوادث دون تحريف يذكر ،غير أنه منذ سنة تقريبا ال يستطيع
االحتفاظ بذكريات الحوادث التي يمر بها وال يتعرف في المستشفى الذي يوجد فيه ال على غرفته وال حتى سريره و حتى طريقه
الذي يمر فيه ينساه ويبدوا وكأن وظيفة التذكر قد توقفت عن نشاطها إبتداء من فترة معينة كما يقدم لنا "بيار جاني" مثاال عن
فقدان القدرة على استحضار الذكريات وهو نوع من األمراض "األمينيزيا" في قصة فتاة كانت تعالج أمها المريضة غير أن
والدتها ماتت وهي تعالجها فأصيبت بصدمة نتج عنها إضطربات مختلفة كفقدان القدرة على تذكر الحادث بحيث انشطرت حالتها
النفسية إلى قسمين تارة تنسي كل ما يتعلق بوالدتها وتارة أخرى تتذكر كل شيء
النتيجة :و منه كان النسيان حالة سلبية و مرضية
النقد :لكن لماذا ينظر الى النسبان على أنه وظيفة سلبية ؟ وعلى أنه عجز وفشل ؟ في حين أنه ليس مناقضا من الناحية النفسية
للذاكرة وليس أيضا ظاهرة سلبية إن فقدان اآلثار واألشياء الماضية بصورة تدريجية ظاهرة طبيعية ثم إننا من الناحية العلمية
والنفسية نتذكر ما يفيدنا وينفعنا وماله قيمة بالنسبة لنا ألن التذكر معناه القيام بعملية اختيار حسب اهتماماتنا ومقتضياتنا
التركيب
و منه لبد من القول أن النسيان من طبيعة الذاكرة فاإلنسان الذي يشتكي من زوال المعلومات واآلثار الماضية والذي يأسف عن
عدم قدرته استرجاع بعض الذكريات الجميلة ,فيصف ذاكرته بالخائنة هو اإلنسان الذي يشعر بحاجة الى نسيان ما تم اكتسابه من
معارف و خبرات ماضية حتى يفسح المجال لذاكرته في تحصيل علوم جديدة ,وهو الذي يشعر برحمة النسيان في تجاوزه آلثار
الذكريات المؤلمة والحقد و الكراهية التي تعتري الحياة االجتماعية للناس ,وهكذا ال يعتبر النسيان حالة مرضية وسلبية دائما ,
.كما ال يعتبر حالة عادية وطبيعية دائما
فالذاكرة السليمة ليست تلك الذاكرة التي يصيبها النسيان و إنما الذاكرة التي تنتقي موضوعاتها فتحتفظ بما هو ضروري لها
وتطرح الباقي جانبا فتكسب قدرة جديدة على الحفظ واالسترجاع .و يقول الباحث الفرنسي المعاصر" جورج غوسدورف" في
"كتابه الذاكرة والشخص " :النسيان شرط الستمرار الوجود
:حل المشكلة
و نستنتج مما سبق أن النسيان ظاهرة تفترضها طبيعة الذاكرة فهو شرط من شروط توازنها وسالمتها ,والحكم على
النسيان بأنه نقيض الذاكرة حكم ساذج ألنه ليس نفيا للذاكرة و ال نقيضا لها في جميع األحوال ,فلوال النسيان لما استطاع اإلنسان
.أن يتكيف مع المواقف الجديدة وهذا ال يعني أن النسيان حالة إيجابية دائما بل قد يكون سلبيا ومعيقا لصاحبه متى كان مرضيا