Professional Documents
Culture Documents
14809 - الأخلاق تعريفها ومؤشراتها ومصدرها ومكانتها
14809 - الأخلاق تعريفها ومؤشراتها ومصدرها ومكانتها
1
)(2
المفردات للراغب .158
)(3صحيح الجامع الصغير رقم .2328
)(4كشف الخفاء للعجلوني .2/350
)(5األجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية ،1/300وقال عنه إسناده ضعيف والصحيح وقفه ،ومراده أنه ال
يصح رفعه للنبي صلى هللا عليه وسلم ،ويصح موقوفًا على عثمان رضي هللا عنه.
-أدلة ومؤشرات األخالق:
المراد بها تلك األمور الظاهرة التي تدل على وجود خلق معين أو تشير إلى وجود ذلك الخلق قطعًا أو ظنًا.
(فليس الخلق عبارة عن الفعل ،فرب شخص خلقه السخاء وال يبذل ،إما لفقد المال أو لمانع ،وربما يكون خلقه
البخل ،وهو يبذل لباعث أو رياء) (.)6
والمسلم مطلوب منه أن يبتعد عن األلفاظ واألعمال والمظاهر التي تؤدي إلى اتهامه بالخلق الهابط ،كما جاء في
بعض اآلثار (من عرض نفسه للتهم فال يلومن من أساء به الظن) (.)7
وأبرز ما يدل على أخالق اإلنسان أربعة أمور:
األول :الكالم:
فإن اإلنسان صندوق مقفل فإذا تكلم أبان عما هو كامن داخل نفسه ،ولذلك قيل في وصف اللسان بأنه (أداة يظهر
بها البيان وشاهد يخبر عن الضمير.)8( )...
وقد تعارف الناس على أن األلفاظ والعبارات التي يفوه بها اإلنسان تدل على أخالقه – غالبًا – فإذا تكررت منه
تلك األلفاظ ترجح أنه متصف بذلك الخلق الذي تدل عليه ألفاظه ،فخلق الصدق يعرف بكالم صاحبه ،وكذلك خلق
الكذب والغيبة والنميمة.
وبذاءة اللسان تدل على الوقاحة ،وحسن القول يدل على الحياء وعفة النفس ،وهذا ما أشار إليه بعض العرب
بقولهم( :إذا ثبتت األصول في القلوب نطقت األلسنة بالفروع)(.)9
ولوال أن اللسان معبر عن األخالق الكامنة لما أمر هللا بإقامة الحد على القاذف ،ولما أوجبت الشريعة تعزير شاهد
الزور ،ونحو ذلك من العقوبات الدنيوية واألخروية المترتبة على عمل اللسان ،حتى قال بعض أهل العلم( :إذا
أردت أن ُيستدل على ما في القلوب فاستدل عليها بحركة اللسان ،فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم
أبى ،قال يحيى بن معاذ" :القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها" فانظر الرجل حين يتكلم فإن لسانه
يغترف لك به مما في قلبه حلوًا أو حامضًا وعذبًا أو أجاجًا وغير ذلك ،ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ،أي كما
تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته ،كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه ،فتذوق
ما في قلبه من لسانه ،كما تذوق ما في القدر بلسانك) (.)10
6
7
8
9
ولخطورة المظهر الخارجي ولداللته على الكامن من أخالق صاحبه (لعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
المتشبهين من الرجال بالنساء ،والمتشبهات من النساء بالرجال)( ،)11وأخبر صلى هللا عليه وسلم أن (من تشبه
بقوم فهو منهم)( ،) 12وحذر أهل اإلسالم من األلبسة الشاذة في لونها أو تفصيلها فقال صلى هللا عليه وسلم( :من
لبس ثوب شهرة ألبسه هللا يوم القيامة ثوب مذلة)(.)13
ومن أوضح األدلة على أن المظهر الخارجي لإلنسان يدل على خلقه نهي النبي صلى هللا عليه وسلم عن إسبال
الرجل مالبسه إلى ما تحت الكعبين مبينًا أن هذا من الخيالء والكبر الذي يبغضه هللا تعالى ،قال صلى هللا عليه
وسلم( :وإياك وإسبال اإلزار فإنها من المخيلة ،وإن هللا ال يحب المخيلة)(.)14
وقال بعض العلماء( :إن من أعظم الدالئل على معرفة ما فيه المرء من تقلبه وسكونه هو االعتبار بمن يحادثه
ويوده ،ألن المرء على دين خليله ،وطير السماء على أشكالها تقع ،وما رأيت شيئًا أدل على شيء – وال الدخان
على النار – مثل الصاحب على الصاحب) (.)17
-3مصدر األخالق:
هل األخالق فطرية أم مكتسبة؟ هذا السؤال هو الذي تحدد إجابته مصدر األخالق عند الناس ،فهناك من ذهب إلى
أن مصدر األخالق هو الفطرة التي فطر هللا الناس عليها ،وهناك من ذهب إلى أن المجتمع هو صانع أخالق
األفراد ،أي أن األخالق كلها مكتسبة.
وكال القولين أخذ بطرف وأهمل الطرف اآلخر ،إذ من األخالق ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب وإيضاح ذلك
كما يلي:
-1هناك أدلة تدل على أن بعض األخالق فطري خلقه هللا في نفس اإلنسان ومنها قول النبي صلى هللا عليه وسلم
ألشج عبدالقيس( :إن فيك خصلتين يحبهما هللا :الحلم واألناة)( ،)18وفي سياق آخر أن األشج قال( :يا رسول هللا أنا
أتخلق بهما أم هللا جبلني عليهما؟ قال :بل هللا جبلك عليهما ،قال :الحمد هلل الذي جبلني على خلتين يحبهما هللا
ورسوله) (.)19
ومن األدلة على فطرية بعض األخالق حديث النواس بن سمعان قال :سألت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن
البر واإلثم ،فقال( :البر حسن الخلق ،واإلثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)(.)20
ومما استدل به بعضهم على فطرية األخالق األحاديث الواردة في الفطرة وبعض اآليات كقوله تعالى :ونفس
وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ،)21( ونحو ذلك من النصوص التي تدل على المعنى داللة اقتضاء أو
لزوم.
ومن هذه النصوص نستنتج أن الفطرة من مصادر األخالق ،بمعنى أن هللا أوجد في النفس اإلنسانية أخالقًا في
أصل خلقتها ،وهي توجد مع اإلنسان منذ والدته وترسخ وتقوى بما يناسبها من أعمال كسبية ،وتضعف وتتالشى
باإلهمال ،أو باكتساب ما يضادها من أخالق.
-2ومن األدلة على أن بعض األخالق مكتسب:
أ -الدعاء النبوي في استفتاح الصالة ،ومنه قوله صلى هللا عليه وسلم( :اللهم أهدني ألحسن األعمال وأحسن
األخالق ،ال يهدي ألحسنها إال أنت ،وقني سيئ األعمال وسيء األخالق ال يقي سيئها إال أنت)(.)22
ولو كانت كل األخالق فطرية موجودة في النفس لما دعا النبي صلى هللا عليه وسلم ربه أن يهديه لتحصيل
األخالق الحسنة وأن يقيه األخالق السيئة.
)(17المصدر السابق .108
)(18أخرجه مسلم من حديث عبدهللا بن عباس .1/48
)(19أخرجه أبو داود في سننه 4/357وسكت عنه ،وأخرجه أحمد في مسنده 3/22و .4/205
)(20أخرجه مسلم في صحيحه .4/1980
)(21الشمس.8-7 ،
)(22أخرجه النسائي من حديث جابر بن عبدهللا ،2/129انظر صحيح النسائي لأللباني .895
ب -ومثل ذلك دعاؤه صلى هللا عليه وسلم( :اللهم إني أعوذ بك من منكرات األخالق واألعمال واألهواء)(،)23
فهذه استعاذة من أخالق يمكن أن تحصل باالكتساب كما تحصل األعمال وكما تحدث األهواء.
جـ -المتأمل في طباع الناس وأخالقهم وخاصة األطفال يرى أن هناك جملة من األخالق الحسنة أو الرديئة
موجودة فيهم خلقة ،وال يوجد دليل على أنهم تعلموها من غيرهم ،ويمكن إدراك هذا المعنى بجالء عندما تتأمل
حال طفلين شقيقين أو توأمين نشاءا في بيئة واحدة وفي ظروف متطابقة ،وتجد أحدهما حاد الطبع سريع الغضب
واآلخر هادئ الطبع فيه أناة ،أو أحدهما كريم سخي ،واآلخر شحيح ممسك.
-3اعتبار بعض األخالق جبلي وبعضها مكتسب يتوافق مع الواقع والمشاهد من أحوال الناس ،وبه يحصل إعمال
جميع األدلة الشرعية ،قال ابن القيم بعد أن أورد حديث أشج عبدالقيس السابق( :فأخبر النبي صلى هللا عليه وسلم
أن هللا جبله على الحلم واألناة ،وهما من األفعال االختيارية ،وإن كانا خلقين قائمين بالعبد ،فإنه األخالق ما هو
كسبي ومنها ماال يدخل تحت الكسب ،والنوعان قد جبل هللا العبد عليهما وهو سبحانه يجب ما ُجبل عبده عليه من
محاسن األخالق ،ويكره ما جبله عليه من مساوئها فكالهما بجبله وهذا محبوب له وهذا مكروه)(.)24
/ 4أن األخالق الفطرية كالحلم واألناة والكرم والشجاعة تنمو بتأكيدها وتثبيتها بما يناسبها من االكتساب ،وتذوي
باإلهمال أو باالكتساب المضاد ،فالمفطور – مثًال – على األناة تزداد هذه الخصلة األخالقية لديه باالكتساب ،وقد
تضعف إذا أهملها ،أو اكتسب ما ينافيها كالعجلة والطيش والتسرع.
بقي أن يشار هنا إلى أن األخالق الجبلية أو المكتسبة لها تعلق بمكونات اإلنسان األساسية ،فمنها ما له عالقة
باللسان كالصدق والكذب ،ومنها ما هو متعلق بالعقل واإلدراك كالفهم والحكمة والسفه والحماقة ،ومنها ما هو
متعلق بالجوارح كالخيالء والرشوة والعنف واإليثار والرفق.
-4مكانة األخالق:
األخالق هي عنوان أية أمة ،وهي أساس الحضارة وقاعدة التنمية اإليجابية الشاملة ،وركن السعادة األخروية بعد
اإليمان باهلل تعالى ،وهي الرابط االجتماعي الحقيقي الذي تتحقق به الكثير من األهداف العظيمة ،واألدلة على هذا
المعنى من القرآن والسنة كثيرة جدًا وليس المقصود هنا سرد هذه األدلة فكثير منها معروف مشهور ،ولكن
المقصود بهذا العنوان اإلجابة عن سؤالين مهمين هما:
-1هل األخالق في ذاتها ثابتة أم نسبية؟
-2هل األخالق نفعية أم أصيلة الزمة في كل األحوال؟
وتنبع أهمية هذين السؤالين من كونهما جزءًا أساسيًا من أية نظرية أخالقية ،ويتبين ذلك – مثًال – من خالل
معرفة الفلسفة الغربية المتعلقة باألخالق.
السؤال األول :متعلق بما يسميه الغرب وأتباعهم بنسبية األخالق ،بمعنى أن األخالق الحسنة عندهم ليست ثابتة
وال مستمرة في كل األحوال ،فقد يكون خلق العدل – مثًال – جيدًا ومطلوبًا في بعض األحوال ،ثم يمكن أن يصبح
في أحوال أخرى سيئًا ومرفوضًا ،فحسن العدل وقبحه متعلق باألوضاع والظروف التي يطبق فيها ،هذه هي
النسبية األخالقية عندهم ،ولذلك شاع في تعامالتهم مع غيرهم ما يعرف اليوم بالمكاييل المزدوجة ،وهو
25
26
27
28
-3معاملته مع الخلق ،باألمانة والعدل والمسئولية والتواضع وغير ذلك.
وبهذا يمكننا فهم كالم النبي صلى هللا عليه وسلم في الحديث السابق الذي بين فيه الهدف من بعثته عليه الصالة
والسالم ،ويتضح لنا عظم مكانة األخالق.