6-أدلة الأحكام 3

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫مسلك اإلجازة يف الرتبية ‪ :‬ختصص التعليم الثانوي ‪ -‬الدراسات اإلسالمية‬


‫‪Licence d’éducation: Spécialité Enseignement Secondaire- Etudes Islamique‬‬
‫األسبوع ‪6‬‬ ‫وحدة‬ ‫الفصل‬
‫أدلة األحكام‪ :‬عمل أهل املدينة‪ -‬قول الصحايب‪ -‬االستصحاب‬ ‫أصول الفقه‪ :‬األدلة ‪ -‬األحكام‬ ‫الثاين‬
‫مقدمة‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا كصلى هللا كسلم كابرؾ على سيدان دمحم النيب الطاىر األمُت‪ ،‬كعلى آلو كصحبو كالتابعُت‬
‫كمن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪.‬‬
‫المحور األول ‪ :‬عمل أهل المدينة‬
‫* أوال ‪ :‬مفهوم عمل أهل املدينة‬
‫يقصد بعمل أىل ادلدينة "ما جرل عليو عمل الصحابة كالتابعُت من أىل ادلدينة ادلنورة يف العبادات كادلعامالت‬
‫كسائر األمور الشرعية من زمن رسوؿ هللا ‪ ‬إىل زمن اإلماـ مالك"‪.‬‬
‫ابلرجوع إىل ادلوطأ صلد اإلماـ مالكا يذكر أصل عمل أىل ادلدينة بصيغ سلتلفة‪ ،‬فمرة يقوؿ‪" :‬كالسنة اليت ال‬
‫اختالؼ فيها‪ ،"...‬أك "األمر الذم ال اختالؼ فيو عندان"‪ ،‬كمرة يذكر حديثا أك أثرا كيقوؿ بعده‪" :‬كليس على ىذا‬
‫العمل عندان"‪ ،‬كاترة يركم حديثا أك أثرا مث يقوؿ‪" :‬كذلك األمر عندان"‪ ،‬أك يقوؿ‪" :‬األمر اجملتمع عليو عندان"‪ ،‬كضلو‬
‫ىذا كثَت يف ادلوطأ‪.‬‬
‫كيذكر أبو الوليد الباجي يف "إحكاـ الفصوؿ" ما نصو‪« :‬قاؿ إمساعيل بن أيب أكيس‪ :‬سألت خايل مالكا رمحة‬
‫هللا عليو عن قولو يف "ادلوطأ"‪" :‬األمر اجملتمع عليو‪ ،‬كاألمر عندان" ففسره يل فقاؿ‪ :‬أما قويل األمر اجملتمع عليو عندان‪:‬‬
‫الذم ال اختالؼ فيو‪ ،‬فهذا ما ال اختالؼ فيو قدديا كال حديثا‪ .‬كأما قويل‪" :‬األمر اجملتمع عليو" فهو الذم اجتمع‬
‫عليو من أرضى من أىل العلم كأقتدم بو‪ ،‬كإف كاف فيو بعض اخلالؼ‪ .‬كأما قويل‪ :‬األمر عندان‪ ،‬كمسعت بعض أىل‬
‫العلم‪ ،‬فهو قوؿ أرتضيو كأقتدم بو‪ ،‬كما اخًتتو من قوؿ بعضهم»‪.‬‬
‫كذبدر اإلشارة إىل أف عمل أىل ادلدينة الذم كاف طريقو النقل ىو ما كاف يعتربه مالك من السنة‪ ،‬كلو من‬
‫احلجية ما ديكن أف تعارض بو أخبار اآلحاد‪ ،‬أما عمل أىل ادلدينة الذم كاف طريقو االجتهاد‪ ،‬فإف مالكا كاف أيخذ‬
‫بو أحياان‪ ،‬كقد يكوف ذلك عبارة عن رلرد فتول التزمت هبا العامة أك ألزمتهم هبا اجلهات الرمسية‪ ،‬فجاء مالك فوجد‬

‫‪1‬‬
‫الناس عليها فاختار أال خيالفها‪ ،‬خصوصا إذا علمنا أف فقهاء ادلدينة كانوا خيتلفوف‪ ،‬فيأخذ أمراؤىم برأم بعضهم دكف‬
‫‪1‬‬
‫بعض‪ ،‬كىذا ما كاف يُنسب إىل السنة‪ ،‬بل حىت اإلماـ مالكا ما كاف يعتربه حجة‪.‬‬
‫ككاف عمل أىل ادلدينة عند اإلماـ مالك معيارا من معايَت اختبار ادلتوف‪ ،‬فاخلرب إذا كافق العمل تقول بو‪ ،‬كدؿ‬
‫على إحكامو كقوة االحتجاج بو‪ ،‬كإذا خالفو كاف ذلك عالمة على ضعفو أك عدـ إحكامو أك ترؾ العمل بو‪ .‬كىذه‬
‫ادلسألة بلغت حدا من الشهرة عند ادلالكية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫* اثنيا ‪ :‬حجية عمل أهل املدينة‬
‫استمد اإلماـ مالك حجية عمل أىل ادلدينة‪ ،‬كاعترب دليال من األدلة الشرعية نظرا جملموعة من االعتبارات اليت‬
‫كجد عليها علماء التابعُت من أىل بلده ادلدينة ادلنورة اليت عاش هبا رسوؿ هللا ‪ ‬فًتسخت يف أىلها رلموعة من‬
‫السنن اليت نقلوىا بطريقة عملية بدؿ نقلها بطريقة نقل األخبار‪ ،‬كشلا نقل يف ذلك‪:‬‬
‫‪ .‬قاؿ زيد بن اثبت‪ :‬إذا رأيت أىل ادلدينة على شيء فاعلم أنو السنة‪.‬‬
‫‪ .‬كقاؿ ابن عمر‪ :‬لو أف الناس إذا كقعت فتنة ردكا األمر فيو إىل أىل ادلدينة‪ ،‬فإذا اجتمعوا على شيء ‪-‬يعٍت فعلوه‪-‬‬
‫صلح األمر‪ ،‬كلكنو إذا نعق انعق تبعو الناس‪.‬‬
‫‪ .‬كقاؿ مالك‪ :‬كاف ابن مسعود يُسأؿ ابلعراؽ عن شيء فيقوؿ فيو‪ ،‬مث يقدـ ادلدينة فيجد األمر على غَت ما قاؿ‪،‬‬
‫فإذا رجع مل حيط راحلتو كمل يدخل إىل بيتو حىت يرجع إىل ذلك الرجل فيخربه بذلك‪ .‬قاؿ‪ :‬ككاف عمر بن عبد العزيز‬
‫يكتب إىل األمصار يعلمهم السنن كالفقو كيكتب إىل ادلدينة يسأذلم عما مضى كيُعلموف دبا عندىم‪ ،‬ككتب إىل أيب‬
‫بكر بن حزـ أف جيمع لو السنن كيكتب هبا إليو‪ ،‬فتويف كقد كتب لو ابن حزـ كتبان قبل أف يبعث هبا إليو‪.‬‬
‫‪ .‬قاؿ عبد هللا بن عمر بن اخلطاب‪ :‬كتب إيل عبد هللا ابن الزبَت كعبد ادللك بن مركاف‪ ،‬كالمها يدعوين إىل ادلشورة‪،‬‬
‫فكتبت إليهما إف كنتما تريداف ادلشورة فعليكما بدار اذلجرة كالسنة‪.‬‬
‫‪ .‬كقاؿ رجل أليب بكر بن عمر بن حزـ يف أمر‪ :‬كهللا ما أدرم كيف أصنع يف كذا‪ ،‬فقاؿ أبو بكر‪ :‬اي ابن أخي إذا‬
‫كجدت أىل ىذا البلد (ادلدينة)‪ ،‬قد أمجعوا على شيء فال يكن يف قلبك منو شيء‪.‬‬
‫‪ .‬كقاؿ الشافعي أيضان‪ :‬أما أصوؿ أىل ادلدينة فليس فيها حيلة من صحتها‪...‬قاؿ مسعر‪ :‬قلت حلبيب بن أيب اثبت‪:‬‬
‫أديا أعلم ابلسنة أك الفقو أىل احلجاز أـ أىل العراؽ؟ قاؿ‪ :‬أىل احلجاز‪.‬‬
‫‪ .‬قاؿ ابن أيب حازـ‪ :‬كاف أبو الدرداء يُسأؿ فيجيب فيقاؿ‪ :‬إنو بلغنا كذا ككذا ‪-‬خبالؼ ما قاؿ‪ -‬فيقوؿ‪ :‬كأان قد‬
‫مسعتو‪ ،‬كلكٍت أدركت العمل على غَت ذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬السنة كعالقتها ابلعمل كادلذاىب الفقهية‪ ،‬د الناجي دلُت ص‪92 :‬‬
‫‪ -2‬ترتيب ادلدارؾ كتقريب ادلسالك‪ ،‬أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصيب (ت ‪544‬ىػ)‪ ،38 /1 ،‬ربقيق‪ :‬ابن اتكيت الطنجي‪ ،‬عبد القادر الصحراكم‪ ،‬دمحم بن‬
‫شريفة‪ ،‬سعيد أمحد أعراب‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬احملمدية‪ ،‬ادلغرب ط‪1983 ،1‬ـ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .‬قاؿ ابن أيب الزاند‪ :‬كاف عمر بن عبد العزيز جيمع الفقهاء كيسأذلم عن السنن كاألقضية اليت يُعمل هبا فيثبتها‪ ،‬كما‬
‫كاف منو ال يعمل بو الناس ألغاه‪ ،‬كإف كاف سلرجو من ثقة‪.‬‬
‫* قاؿ مالك يف رسالتو إىل الليث بن سعد‪ " :‬فإمنا الناس تػبع ألىل ادلدينة‪ ،‬إليها كانت اذلجرة‪ ،‬كهبا نزؿ القرآف‪،‬‬
‫كأُحل احلالؿ كحرـ احلراـ‪ ،‬إذ رسوؿ هللا بُت أظهرىم حيضركف الوحي كالتنزيل‪ ،‬كأيمرىم فيطيعونو كيسن ذلم فيتبعونو‪،‬‬
‫حىت توفاه هللا كاختار لو ما عنده صلوات هللا عليو كرمحتو كبركاتو‪ .‬مث قاـ من بعده أتبع الناس لو من أمتو‪ ،‬شلن كيل‬
‫األمر من بعده‪ ،‬فما نزؿ هبم شلا علموا أنفذكه‪ ،‬كما مل يكن عندىم فيو علم سألوا عنو‪ ،‬مث أخذكا أبقول ما كجدكا يف‬
‫كعمل بغَته‪،‬‬ ‫ذلك يف اجتهادىم كحداثة عهدىم‪ ،‬كإف خالفهم سلالف أك قاؿ امرؤ‪" :‬غَتُه أقول منو كأكىل" تُرؾ قولو ُ‬
‫مث كاف التابعوف من بعدىم يسلكوف تلك السبيل كيتبعوف تلك السنن‪ .‬فإذا كاف األمر ابدلدينة ظاىران معموالن بو مل أر‬
‫ألحد خالفُو‪ ،‬للذم يف أيديهم من تلك الوراثة اليت ال جيوز ألحد انتحاذلا كال ادعاؤىا‪"...‬‬
‫* اثلثا ‪ :‬أبرز القواعد والضوابط األصولية املرتبطة بعمل أهل املدينة عند املالكية‬
‫نقل عن القاضي أيب بكر األهبرم (ت‪375‬ق) أف إمجاع أىل ادلدينة حجة فيما كاف طريقو النقل كاألخبار‪،1‬‬
‫أما ما كاف طريقو االجتهاد‪ ،‬فهم كغَتىم فيو سواء‪.2‬‬
‫كيذىب القاضي عبد الوىاب (ت‪422‬ق) إىل أف «عمل أىل ادلدينة ادلتواتر حجة»‪ ،3‬كيقرر أف‪:‬‬
‫‪ -‬إمجاع أىل ادلدينة ادلبٍت على النقل‪ ،‬ال يعارض أبحاديث اآلحاد‪.4‬‬
‫‪ -‬إذا ركم خرب من أخبار اآلحاد يف مقابلة عمل أىل ادلدينة ادلتصل‪ ،‬كجب اطراحو كادلصَت إىل عملهم‪.5‬‬
‫‪ -‬إمجاع أىل ادلدينة الذم طريقو االجتهاد‪ ،‬ليس حبجة كال ربرـ سلالفتو‪ ،‬كىو أكىل من اجتهاد غَتىم إذا اقًتف أبحد‬
‫اخلربين ادلعارضُت رجح بو على ما عرل عنو‪.6‬‬
‫‪ -‬اجتهاد أىل ادلدينة أكىل من اجتهاد غَتىم‪.7‬‬
‫يقوؿ أبو القاسم ابن جزم (ت‪741‬ق) إف‪« :‬إمجاع أىل ادلدينة حجة عند مالك كأصحابو‪ ،‬كىو عندىم مقدـ‬
‫على األخبار خالفا لسائر العلماء‪ ،‬كىو من كجوه الًتجيح عند اجلميع»‪.8‬‬

‫‪ -1‬اإلحكاـ يف أصوؿ األحكاـ‪ ،‬ابن حزـ (‪ - )145 /4‬اللمع يف أصوؿ الفقو‪ ،‬أبو اسحاؽ الشَتازم (ت ‪476‬ىػ)‪ ،‬ص‪ -91 :‬قواطع األدلة يف األصوؿ‪ ،‬أبو ادلظفر‬
‫السمعاين احلنفي مث الشافعي (ت‪489‬ىػ)‪ ،‬ربقيق‪ :‬دمحم حسن الشافعي‪.)24 /2( ،‬‬
‫‪ -2‬البحر احمليط يف أصوؿ الفقو‪ ،‬الزركشي (‪.)441 /6‬‬
‫‪ -3‬ادلعونة‪ )183 /1( ،‬ك(‪ -)437 /3‬اإلشراؼ‪ - )480 ،217 /1( ،‬شرح الرسالة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪.) 34/2( ،‬‬
‫‪ -4‬ادلعونة على مذىب عامل ادلدينة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪ - )182 /1( ،‬شرح الرسالة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪.)50/2( ،‬‬
‫‪ -5‬ادلعونة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪.)440 /3( ،‬‬
‫‪ -6‬ادلرجع السابق‪ - )439 -437 /3( ،‬شرح الرسالة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪.)45/2( ،‬‬
‫‪ -7‬شرح الرسالة‪ ،‬القاضي عبد الوىاب‪.)48/2( ،‬‬
‫‪ -8‬تقريب الوصوؿ إىل علم األصوؿ‪ ،‬ابن جزم ص‪.337 :‬‬

‫‪3‬‬
‫المحور الثبني ‪ :‬قول الصحببي‬
‫* أوال ‪ :‬مفهوم قول الصحايب‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص مؤمنا بو كمات على اإلسالـ‪.‬‬
‫الصحايب ىو‪ :‬كل من اجتمع برسوؿ ه‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص منذ البعثة حىت الوفاة بقدر ما تسمح ذلم ظركفهم‪ ،‬كاطلعوا على مقاصد‬
‫كقد الزـ الصحابة رسوؿ ه‬
‫الشريعة كرأكا أسباب النزكؿ‪ ،‬كشاىدكا التطبيق الصحيح للقرآف الكرمي الذم ذبسد يف سَتة الرسوؿ ‪ ،‬كتلقوا منو‬
‫اَّلل للتدريس‬
‫احلكمة‪ ،‬كمن رلموع ىذا تك هوف عند أكثرىم ثركة علمية كملكة فقهية‪ ،‬كقد تصدكا بعد كفاة رسوؿ ه‬
‫كدكهنا‬
‫كاإلفتاء كالقضاء كاحلكم كاالجتهاد فيما يسوغ االجتهاد فيو‪ ،‬ككصلوا إىل آراء اجتهادية نقلها عنهم التابعوف ه‬
‫العلماء‪.‬‬
‫* اثنيا ‪ :‬حجية قول الصحايب‬
‫حبث األئمة يف حجية آراء الصحابة االجتهادية يف اعتبارىا ملزمة دلن بعدىم أـ ال‪ ،‬كىل تقدـ على القياس‪ ،‬أـ‬
‫ال؟‬
‫‪ .‬فاتفق العلماء على أف قوؿ الصحايب الذم ال يدرؾ ابالجتهاد كالعقل أبنو حجة على ادلسلمُت‪ ،‬ألف قوؿ‬
‫الصحايب يف مثل ىذه األحواؿ يستند إىل دليل شرعي‪ ،‬كال ديكن أف يقولو تشهينا كعبثنا‪ ،‬مثل قوؿ السيدة عائشة‬
‫اهنع هللا يضر يف فساد بيع النقود قبل نقد الثمن‪ ،‬كأنو حيبط العمل الصاحل كاجلهاد‪ ،‬فهذا ال يدرؾ ابلعقل‪ ،‬كمثل قوؿ عمر‬
‫كعلي كابن مسعود مهنع هللا يضر بتقدير أقل مدة احليض بثالثة أايـ‪ ،‬كىو ما أخذ بو احلنفية‪.‬‬
‫‪ .‬كك ذلك اتفق العلماء على قبوؿ قوؿ الصحايب الذم أبداه كمل خيالفو فيو أحد من الصحابة كيكوف حجة على‬
‫ادلسلمُت‪ ،‬ألف اتفاقهم دليل على كقوفهم على مستند شرعي صحيح‪.‬‬
‫‪ .‬كاتفقوا على أف قوؿ الصحايب يف االجتهاد ليس حجة على غَته من الصحابة اجملتهدين‪.‬‬
‫كاختلف األصوليوف كالفقهاء عند تعدد أقواؿ الصحابة كاختالؼ اجتهاداهتم‪ ،‬ىل ىي حجة على التابعُت كمن‬
‫بعدىم أـ ال؟ فيو قوالف‪:‬‬
‫‪ -‬القوؿ األكؿ‪ :‬كىو قوؿ اإلماـ أيب حنيفة كاإلماـ مالك‪ ،‬قاال بوجوب االلتزاـ أبحد أقواؿ الصحابة بدكف تعيُت‪،‬‬
‫كاختيار ادلناسب منها مع عدـ اخلركج عن رلموع آرائهم‪ ،‬كأف قوؿ الصحايب يقدـ على القياس‪ ،‬كاستدلوا على ذلك‬
‫اَّلل تعاىل مدح كأثٌت على‬
‫أبف اختالؼ الصحابة يف ادلسألة على قولُت إمجاع منهم على عدـ القوؿ الثالث‪ ،‬كأف ه‬
‫اف رضي‬‫التابعُت ابتباعهم الصحابة فقاؿ تعاىل‪{ :‬كال هساب ُقوف أاأل هكلُوف من الأمهاجرين ك أاألنأصار كالهذين اتهػبػعوىم إبحس ر‬
‫ُ ُأ أ‬ ‫ُ‬
‫ضوا عأنوُ} [التوبة‪ ،]100 :‬كأف الظاىر من حاؿ الصحابة أف قوذلم مستند إىل مساع‪ ،‬كإف مل يكن مساع‬ ‫اَّللُ عأنػ ُه أم كر ُ‬
‫ه‬
‫فرأيهم أقول من رأم غَتىم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬القوؿ الثاين‪ :‬كىو قوؿ اإلماـ الشافعي كاإلماـ أمحد‪ ،‬فقاال بعدـ اعتبار قوؿ الصحايب حجة‪ ،‬كأنو جيوز اتباعو‪،‬‬
‫كجيوز سلالفتو‪ ،‬كأف العمل كاالتباع يعتمد على األدلة اليت احتج هبا الصحابة ابلفتول كاالجتهاد كالقضاء‪ ،‬كليس‬
‫أبقواذلم‪.‬‬
‫معصوما‪ ،‬ككما جاز للصحايب أف خيالف صحابيًّا آخر ‪-‬‬ ‫ن‬ ‫مشرعا‪ ،‬كليس‬
‫كاستدلوا على ذلك أبف الصحايب ليس ن‬
‫أيضا‪ ،‬كأف التابعُت خالفوا الصحابة يف أقواذلم كاجتهاداهتم‪ ،‬كمل‬
‫ابتفاؽ العلماء‪ -‬جاز للتابعُت كبقية ادلسلمُت سلالفتو ن‬
‫ينكر عليهم الصحابة‪ ،‬كأف الصحايب رلتهد كغَته من اجملتهدين‪ ،‬كحيرـ على اجملتهد تقليد رلتهد آخر‪.‬‬
‫* اثلثا ‪ :‬أبرز القواعد والضوابط األصولية لالحتجا بقول الصحايب عند املالكية‬
‫أتكد لدل عدد من الباحثُت أف األصل عند مالك يف أقواؿ الصحابة كأقضيتهم‪ ،‬خاصة األئمة منهم كأيب بكر‬
‫كعمر‪ ،‬ىو الرفع إىل رسوؿ هللا ‪ ‬كإف مل يصرحوا بو حىت يثبت العكس‪ ،‬كبذلك أمكنهم القوؿ إف قوؿ الصحايب ‪-‬‬
‫ادلنفرد‪ -‬ليس حبجة عند مالك كما صرح بذلك غَت كاحد من أصوليي ادلالكية‪ ،‬كلكنو مظنة السنة‪.1‬‬
‫كمن القواعد اليت تصح نسبتها إىل اإلماـ مالك يف نظره إىل أقواؿ الصحابة‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬قوؿ الصحايب الذم ال يعلم لو سلالف منهم حجة‪ ،‬سواء انتشر كاشتهر أـ ال‪.2‬‬
‫‪ -‬إذا اختلف الصحابة فال حجة يف قوؿ كاحد منهم‪.3‬‬
‫كيقرر أبو القاسم بن جزم (ت‪741‬ق) يف ىذه ادلسألة أف‪:‬‬
‫‪ -‬قوؿ الصحايب إذا مل يكن لو سلالف‪ ،‬فإف انتشر ذلك القوؿ يف الصحابة فهو حجة كاإلمجاع السكويت‪ ،‬كإف مل‬
‫ينتشر فمذىب مالك أنو حجة‪.4‬‬
‫‪ -‬إذا اختلف الصحابة على قولُت‪ ،‬فهما دليالف تعارضا‪ ،‬فَتجح أحدمها بكثرة العدد أك دبوافقة أحد اخللفاء األربعة‬
‫عليو‪ ،‬كإف استواي كجب الرجوع إىل دليل آخر‪.5‬‬
‫كيعترب أبو إسحاؽ الشاطيب (ت‪790‬ق) سنة الصحابة ‪ ‬سنة يعمل عليها كيرجع إليها‪ ،6‬كما يعترب قوؿ‬
‫الصحايب نوعا من أنواع البياف‪ ،‬كيقوؿ حبجيتو إف مل يعلم لو سلالف‪ ،‬أما يف حاؿ اختالؼ الصحابة فال حجة يف قوؿ‬
‫الواحد منهم‪ ،‬كيقوؿ يف ذلك‪« :‬بياف رسوؿ هللا ‪ ‬بياف صحيح ال إشكاؿ يف صحتو‪...‬كأما بياف الصحابة فإف‬
‫أمجعوا على ما بينوه فال إشكاؿ يف صحتو أيضا‪ ،‬كإف مل جيمعوا‪...‬يًتجح االعتماد عليهم يف البياف‪..‬فمىت جاء عنهم‬

‫‪ -1‬التجديد األصويل‪ ،‬إعداد مجاعي‪ ،‬ص‪.266:‬‬


‫‪ -2‬عزاه دلالك ابن أيب زيد القَتكاين كالقرايف كابن جزم كالرىوين‪ ،‬كنسب خالفو دلالك القاضي عبد الوىاب كالباجي‪ .‬التحقيق يف مسائل أصوؿ الفقو اليت اختلف النقل فيها‬
‫عن اإلماـ مالك‪ ،‬د حامت ابم‪ ،‬ص‪.413 -399 :‬‬
‫‪" -3‬قاؿ أشهب‪ :‬سئل مالك عن اختالؼ أصحاب رسوؿ هللا ‪ ‬فقاؿ‪ :‬خطأ كصواب فانظر يف ذلك"‪ .‬نظر‪ :‬جامع بياف العلم‪ ،‬ابن عبد الرب (‪ -)905 /2‬التحقيق يف‬
‫مسائل أصوؿ الفقو اليت اختلف النقل فيها عن اإلماـ مالك‪ ،‬د حامت ابم‪ ،‬ص‪.408 :‬‬
‫‪ -4‬تقريب الوصوؿ إىل علم األصوؿ‪ ،‬ابن جزم ص‪.341 :‬‬
‫‪ -5‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪.342 :‬‬
‫‪ -6‬ادلوافقات‪ ،‬أبو إسحاؽ الشاطيب (‪.)446 /4‬‬

‫‪5‬‬
‫تقييد بعض ادلطلقات أك زبصيص بعض العمومات فالعمل عليو صواب‪ ،‬كىذا إف مل ينقل عن أحد منهم خالؼ يف‬
‫ادلسألة‪ ،‬فإف خالف بعضهم فادلسألة اجتهادية‪...‬أما إذا علم أف ادلوضع موضع اجتهاد‪...‬فهم كمن سواىم فيو‬
‫سواء»‪.1‬‬
‫كىذا ما أكده العالمة عبد احلي بن الصديق (ت‪1415‬ق) بقولو‪« :‬الصحايب جيوز عليو اخلطأ يف اجتهاده‪،‬‬
‫كمن قولو عرضة للخطأ ال جيوز نظرا كشرعا أف يكوف قولو حجة يف شريعة هللا»‪ ،2‬كيف موضع آخر يقوؿ‪« :‬إذا‬
‫اختلف فعل الصحابة‪ ،‬مل يكن فعل بعضهم حجة على بعض»‪.3‬‬
‫المحور الثبلث ‪ :‬االستصحبة‬
‫* أوال ‪ :‬تعريف االستصحاب‬
‫االستصحاب يف اللغة‪ :‬ادلالزمة‪ ،‬كاستصحاب احلاؿ ىو التمسك دبا كاف اثبتنا‪ ،‬كأنك جعلت احلالة‬
‫مصاحبة غَت مفارقة‪ ،‬كاستصحبو دعاه إىل الصحبة كالزمو‪.‬‬
‫أما يف االصطالح فعرفو الشوكاين بقولو‪" :‬ما ثبت يف الزمن ادلاضي فاألصل بقاؤه يف الزمن ادلستقبل حىت‬
‫يثبت ما يغَته"‪ .‬فيقاؿ‪ :‬احلكم الفالين قد كاف فيما مضى‪ ،‬فيثبت يف الزمن الثاين كذلك لفقداف ما يغَته‪،‬‬
‫كاستصحاب الوضوء‪ ،‬كاستصحاب الوجود كالعدـ‪.‬‬
‫موجودا‪ ،‬فيعترب حيًّا يف الوقت‬
‫ن‬ ‫مثالو‪ :‬ادلفقود يعترب حيًّا الستصحاب حالو عند فقده يف ادلاضي عندما كاف‬
‫احلاضر‪ ،‬كتثبت لو احلقوؽ من ادلَتاث كغَته‪ ،‬كدينع كرثتو من توزيع أموالو‪ ،‬كتبقى زكجتو على عصمتو‪ ،‬كال تعتد‬
‫كال تتزكج من غَته‪.‬‬
‫مثال يف ادلاضي‪ ،‬فتبقى لو ادللكية يف احلاضر ما مل يثبت‬
‫كمثل استصحاب ادللك اآلف دلن تثبت ملكيتو لعقار ن‬
‫الناقل ذلا‪ ،‬ككذلك براءة الذمة فاألصل أف تبقى بريئة حىت يثبت العكس‪ ،‬كإف شغلت الذمة ابلتزاـ ما‪ ،‬فتبقى‬
‫مشغولة بو إىل الوقت احلاضر ما مل يثبت الوفاء أك اإلبراء‪.‬‬
‫كمثاؿ استصحاب نفي احلكم الشرعي عدـ كجوب صوـ شهر شواؿ كغَته من الشهور سول رمضاف‪.‬‬
‫* اثنيا ‪ :‬حجية االستصحاب‬
‫كمصدرا من مصادر التشريع على عدة أقواؿ‪،‬‬ ‫ن‬ ‫كدليال شرعيًّا‬
‫اختلف األئمة يف اعتبار االستصحاب حجة ن‬
‫أمهها اثناف‪:‬‬
‫‪ -‬القوؿ األكؿ‪ :‬أنو حجة عند عدـ الدليل سواء يف حاليت اإلثبات كالنفي‪ ،‬كبو قاؿ ادلالكية كاحلنابلة كأكثر‬
‫الشافعية كالظاىرية‪.‬‬

‫‪ -1‬ادلرجع السابق‪.)134 -128 -127 /4( ،‬‬


‫‪ -2‬رخص الطهارة كالصالة كتشديدات الفقهاء‪ ،‬عبد احلي بن الصديق‪ ،‬ص‪ ،13 :‬مطبعة البوغاز‪ ،‬ط ‪1413 ،1‬ق‪1992 /‬ـ‪.‬‬
‫‪ -3‬أريج اآلس يف إبطاؿ فتول عامل فاس‪ ،‬عبد احلي بن الصديق‪ ،‬ص‪ ،21 :‬مطبعة طنجة‪ ،‬ط ‪1407 ،2‬ق‪1986 /‬ـ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫كاستدلوا على ذلك من الشرع أبف مجيع األحكاـ الشرعية تعترب اثبتة يف زللها من اإلجياب كاإلابحة كالتحرمي‬
‫حبسب الدليل حىت يقوـ دليل على التغيَت‪ ،‬كأف ظن البقاء أغلب من ظن التغَت‪ ،‬كالظن حجة متبعة يف األحكاـ‬
‫مثال‪ ،‬كدـ اإلنساف مصوف حىت يثبت موجب اذلدر‬ ‫الشرعية‪ ،‬كاخلمر تبقى حر ناما حىت يثبت تغَتىا إىل خل ن‬
‫كالقصاص ‪ ،‬كالعقل يؤيد ذلك‪ ،‬فاإلنساف حيكم على األمور بعقلو يف احلاضر بناء على معرفتو السابقة ما مل يثبت‬
‫العكس‪ ،‬فالبداىة العقلية تؤيد االستصحاب‪.‬‬
‫‪ -‬القوؿ الثاين‪ :‬االستصحاب ليس حجة شرعية‪ ،‬كال يصح اعتماد األحكاـ عليو‪ ،‬كىو مذىب احلنفية‪ ،‬ألف‬
‫إثبات الدليل كاحلجة للحكم الشرعي يف الزمن األكؿ حيتاج إىل دليل‪ ،‬ككذلك يف الزمن احلاضر حيتاج إىل دليل‬
‫دليال للدفع كالرفع أم إلبقاء ما‬
‫الحتماؿ كجوده أك عدمو‪ ،‬كقاؿ أكثر زلققي احلنفية‪ :‬إف االستصحاب يصلح ن‬
‫كاف على ما كاف‪ ،‬كال يصلح إلثبات أمر مل يكن‪ ،‬مثل استصحاب حياة ادلفقود إىل الزمن احلاضر‪ ،‬فهو حجة‬
‫لدفع ادلوت كنفيو عنو‪ ،‬كمنع كرثتو من اقتساـ أموالو‪ ،‬كلكن ال يصلح حجة إلثبات ما مل يكن‪ ،‬فال يثبت لو إرث‬
‫من مورثو الذم يتوىف يف ىذه األثناء‪.‬‬
‫* اثلثا ‪ :‬أنواع االستصحاب‬
‫يتنوع االستصحاب حبسب احلالة األكىل السابقة إىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬استصحاب احلكم األصلي لألشياء‪ ،‬كىو اإلابحة عند عدـ الدليل‪ ،‬فاألصل يف األشياء اإلابحة‪ ،‬ما مل يرد‬
‫حكما يف الشيء‪ ،‬ككاف فيو منفعة‪ ،‬حكم إبابحتو بناء على األصل يف أف هللا‬ ‫دليل خيالفو‪ ،‬فإف مل جيد اجملتهد ن‬
‫خلق األرض كما فيها لإلنساف‪ .‬كىذا النوع متفق على العمل بو بُت العلماء‪ ،‬كإف خالف بعضهم يف تسميتو‬
‫استصحااب‪ ،‬كيدخلو بعضهم يف اإلابحة‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ -2‬استصحاب العدـ األصلي‪ ،‬أك الرباءة األصلية‪ ،‬كاحلكم برباءة الذمة من التكاليف الشرعية كحقوؽ الناس‬
‫حىت يوجد دليل شغلها‪ .‬كىذا النوع مل خيالف أحد من أىل العلم بو‪.‬‬
‫‪ -3‬استصحاب ما دؿ الشرع على ثبوتو لوجود سببو حىت يقوـ الدليل على زكالو‪ ،‬كثبوت ادللك لشخص من‬
‫قائما حىت يقوـ الدليل على انتفائو كنقلو‪ ،‬كمثل ثبوت احلل بُت الزكجُت عند العقد‬ ‫البيع كاإلرث فيبقى ملكو ن‬
‫فتبقى الزكجية قائمة إىل أف ربصل الفرقة‪ ،‬كمثل شغل الذمة بدين أك ضماف فتبقى الذمة مشغولة حىت يقوـ‬
‫الدليل على الرباءة‪ .‬كقد استنبط الفقهاء عدة مبادئ فقهية كقواعد كلية من االستصحاب منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬األصل بقاء ما كاف على ما كاف حىت يثبت ما يغَته‪.‬‬
‫ب‪ -‬إف كل شيء مل يقم الدليل ادلعُت على حكمو فهو على اإلابحة األصلية‪.‬‬
‫ج‪ -‬اليقُت ال يزكؿ ابلشك‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫* رابعا ‪ :‬حكم االستصحاب ومرتبته‬
‫االستصحاب دليل ظٍت يف إثبات األحكاـ‪ ،‬كىو مصدر احتياطي يثبت احلكم بو عند عدـ كجود دليل يف‬
‫الكتاب كالسنة كاإلمجاع كالقياس ‪ ،‬كاعتربه ابن بدراف من األصوؿ ادلتفق عليها كىي‪ :‬الكتاب كالسنة كاإلمجاع‬
‫كاالستصحاب‪ ،‬مع ذكره خالؼ احلنفية فيو‪.‬‬
‫دليال‬
‫كإف ادلبدأ العاـ يف االستصحاب ُمسلم بو بُت األئمة‪ ،‬كلكن االختالؼ يف التطبيق كالفركع‪ ،‬أك يف اعتباره ن‬
‫مستقال‪.‬‬
‫ن‬
‫* خامسا ‪ :‬أبرز القواعد األصولية املتعلقة ابالستصحاب عند املالكية‬
‫يطلق االستصحاب حسب علي بن إمساعيل األبيارم (ت‪616‬ق) على أربعة أمور‪ ،‬يصح يف نظره منها ثالثة‬
‫كيبطل الرابع‪:‬‬
‫« األول‪- :‬كىو ادلشهور‪ -‬داللة العقل على انتفاء األحكاـ السمعية قبل كركد األنبياء عليهم السالـ‪ ،‬فال تكليف‬
‫على العقالء قبل كركد الشرع‪ ،‬كىذا يدرؾ عقال عند قوـ‪ ،‬كعلم مسعا عند آخرين‪ ،‬كقد قاؿ هللا تعاىل‪ :‬كما ُكنها‬
‫ُمعذبُت ح هىت نػأبػعث ر ُسوال‪ ،1‬كاألمة رلمع ة على أنو ال تكليف قبل كركد األنبياء‪ ،‬كبعد الوركد ال تكليف إال بعد‬
‫نصب دليل‪ ،‬كإذا تقرر ذلك فكل حكم مل ينصب هللا للمكلفُت دليال عليو‪ ،‬فهو غَت اثبت عليهم‪ ،‬فنحن على ذلك‬
‫حىت يرد التغيَت على ألسنة األنبياء‪.‬‬
‫‪ .‬الثاين‪ :‬استصحاب العموـ إىل أف يرد زبصيص‪ ،‬كاستصحاب النص إىل أف يرد نسخ‪ ،‬فالعموـ حجة إىل قياـ‬
‫ادلخصصات كالنص حجة إىل قياـ النسخ‪ ،‬كليس ىذا من قبيل االستصحاب حباؿ‪ ،‬فإف احلكم مستند إىل الدليل ال‬
‫إىل االستصحاب‪.‬‬
‫‪ .‬الثالث‪ :‬استصحاب حكم دؿ الشرع على ثبوتو كدكامو‪ ،‬كادللك بعد جرايف العقد ادلملهك كدكامو‪ ،‬ككشغل الذمة‬
‫عند جرايف اإلتالؼ أك االلتزاـ‪ ،‬فإف ىذا كإف مل يكن حكما أصليا‪ ،‬فهو حكم شرعي دؿ الشرع على ثبوتو كدكامو‪،‬‬
‫كلوال داللة الشرع على دكامو دلا جاز استصحابو‪ ،‬فاالستصحاب ليس حبجة إال فيما إذا دؿ الدليل على دكامو‬
‫بشرط عدـ ادلغَت‪ ،‬كما دؿ على الرباءة العقلية كعلى الشغل الشرعي كعلى ادللك الشرعي‪.‬‬
‫كمن ىذا القبيل‪ :‬احلكم بتكرر اللزكـ كالوجوب‪ ،‬إذا تكررت أسباهبا كتكرر شهور رمضاف كأكقات الصالة‬
‫كنفقات األقارب عند تكرر احلاجات‪ ،‬إذا فهم انتصاب ىذه ادلعاين أسبااب‪...‬فإذا االستصحاب عبارة عن التمسك‬
‫بدليل عقلي عند قوـ أك شرعي عند اجلميع‪ ،‬كليس راجعا إىل عدـ العلم ابلدليل‪ ،‬بل إىل دليل مع العلم ابنتفاء‬
‫ادلغَت‪ ،‬أك مع ظن انتفاء ادلغَت عند بذؿ اجلهد يف البحث كالطلب‪.‬‬

‫‪ -1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.15 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .‬والرابع ‪ :‬استصحاب حاؿ اإلمجاع يف زلل اخلالؼ‪ ،‬كىو ابطل‪ ،‬كصورتو‪ :‬ادلتيمم إذا رأل ادلاء يف أثناء الصالة‪،‬‬
‫فقاؿ قائلوف‪ :‬ديض ي على صالتو ألف اإلمجاع منعقد على صحة الصالة كدكامها كطرايف كجود ادلاء كطرايف ىبوب‬
‫الريح كطلوع الفجر كسائر احلوادث‪ ،‬فنحن نستصحب دكاـ الصالة‪ ،‬إال أف يدؿ دليل على كوف رؤية ادلاء قاطعة‪،‬‬
‫كىذا فاسد ألان إمنا نستصحب احلكم الذم ثبت دكامو شرعا أما الذم علمنا انتفاء الدليل فكيف يتصور‬
‫استصحابو مع العلم ابنتفائو؟‪.1»..‬‬
‫كدييز شهاب الدين القرايف (ت‪684‬ق) بُت االستصحاب كالرباءة األصلية‪ ،‬فيعرؼ االستصحاب بقولو‪:‬‬
‫«اعتقاد كوف الشيء يف ادلاضي أك احلاضر‪ ،‬يوجب ظن ثبوتو يف احلاؿ أك االستقباؿ‪...‬كىذا الظن عند مالك‬
‫حجة»‪.2‬‬
‫كيعرؼ الرباءة األصلية بقولو‪« :‬ىي استصحاب حكم العقل يف عدـ األحكاـ‪ ...‬كثبوت عدـ احلكم يف ادلاضي‬
‫يوجب ظن عدمو يف احلاؿ‪ ،‬فيجب االعتماد على ىذا الظن بعد الفحص عن رافعو كعدـ كجوده»‪.3‬‬
‫كيقرر القرايف أف‪:4‬‬
‫‪ -‬األصل يف الكالـ احلقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬األصل براءة الذمة‪.‬‬
‫‪ -‬مهما أمكن البقاء على موافقة األصل فعلنا‪.‬‬
‫كدييز أبو القاسم ابن جزم (ت‪741‬ق) بُت االستصحاب كالرباءة األصلية كاألخذ ابألخف‪ ،‬كجيعل ىذا األخَت‬
‫نوعا من الرباءة األصلية‪ ،‬كيعترب الرباءة األصلية نوعا من االستصحاب‪ ،‬فيقوؿ‪« :‬أما االستصحاب فهو بقاء األمر‬
‫كاحلاؿ كاال ستقباؿ على ما كاف عليو يف ادلاضي‪ ،‬كىو قوذلم‪" :‬األصل بقاء ما كاف على ما كاف حىت يدؿ الدليل على‬
‫خالؼ ذلك" كىو حجة عند ادلالكية‪...‬‬
‫كأما الرباءة األصلية فهي ضرب من االستصحاب كمعناىا البقاء على عدـ احلكم حىت يدؿ الدليل عليو‪ ،‬ألف‬
‫األصل براءة الذمة من لزكـ األحكاـ كىي حجة‪...‬‬
‫كأما األخذ ابألخف فهو ضرب من الرباءة األصلية كمعناه األخذ أبخف األقواؿ حىت يدؿ الدليل على االنتقاؿ‬
‫إىل األثقل»‪.5‬‬

‫‪ -1‬التحقيق كالبياف‪ ،‬األبيارم‪.)184 -180/4( ،‬‬


‫‪ -2‬الذخَتة‪ ،‬القرايف (‪ )151 /1‬كانظر‪.)..277 ،184 /1( :‬‬
‫‪ -3‬ادلرجع السابق‪.)151 /1( ،‬‬
‫‪ -4‬ادلرجع السابق‪.)53 /3( )57 /1( )326 /3(،‬‬
‫‪ -5‬تقريب الوصوؿ إىل علم األصوؿ‪ ،‬ابن جزم ص‪.395 -391 :‬‬

‫‪9‬‬
‫*** أسئلة التقويم ***‬

‫‪ )1‬حدد مفهوـ عمل أىل ادلدينة‪ ،‬كبُت كيف كاف يعرب عنو اإلماـ مالك يف ادلوطأ ؟‬
‫‪ )2‬ميز بُت أنواع عمل أىل ادلدينة كحدد أيها يعترب حجة عند مالك ؟‬
‫‪ )3‬بُت دلاذا ال يستدؿ على حجية عمل أىل ادلدينة من القرآف أك السنة ؟‬
‫‪ )4‬استدؿ على حجية عمل أىل ادلدينة من أقواؿ الصحابة كالتابعُت ؟‬
‫‪ )5‬حدد كجهة نظر ادلالكية يف عمل أىل ادلدينة ادلبٍت على االجتهاد ؟‬
‫‪ )6‬حدد مفهوـ الصحايب كأبرز مكانة الصحابة يف ادلنظومة التشريعية ؟‬
‫‪ )7‬بُت كيف استدؿ األصوليوف على مشركعية االحتجاج بقوؿ الصحايب ؟‬
‫‪ )8‬كضح موقف اإلماـ الشاطيب من أقواؿ الصحابة كسننهم ؟‬
‫‪ )9‬حدد معٌت االستصحاب كبُت الفرؽ بينو كبُت الرباءة األصلية‪ ،‬كبُت األخذ ابألخف ؟‬
‫‪ )10‬بُت أنواع االستصحاب كما ذكرىا األبيارم ادلالكي ؟‬

‫‪11‬‬

You might also like