Professional Documents
Culture Documents
6-أدلة الأحكام 3
6-أدلة الأحكام 3
6-أدلة الأحكام 3
1
الناس عليها فاختار أال خيالفها ،خصوصا إذا علمنا أف فقهاء ادلدينة كانوا خيتلفوف ،فيأخذ أمراؤىم برأم بعضهم دكف
1
بعض ،كىذا ما كاف يُنسب إىل السنة ،بل حىت اإلماـ مالكا ما كاف يعتربه حجة.
ككاف عمل أىل ادلدينة عند اإلماـ مالك معيارا من معايَت اختبار ادلتوف ،فاخلرب إذا كافق العمل تقول بو ،كدؿ
على إحكامو كقوة االحتجاج بو ،كإذا خالفو كاف ذلك عالمة على ضعفو أك عدـ إحكامو أك ترؾ العمل بو .كىذه
ادلسألة بلغت حدا من الشهرة عند ادلالكية،
2
* اثنيا :حجية عمل أهل املدينة
استمد اإلماـ مالك حجية عمل أىل ادلدينة ،كاعترب دليال من األدلة الشرعية نظرا جملموعة من االعتبارات اليت
كجد عليها علماء التابعُت من أىل بلده ادلدينة ادلنورة اليت عاش هبا رسوؿ هللا فًتسخت يف أىلها رلموعة من
السنن اليت نقلوىا بطريقة عملية بدؿ نقلها بطريقة نقل األخبار ،كشلا نقل يف ذلك:
.قاؿ زيد بن اثبت :إذا رأيت أىل ادلدينة على شيء فاعلم أنو السنة.
.كقاؿ ابن عمر :لو أف الناس إذا كقعت فتنة ردكا األمر فيو إىل أىل ادلدينة ،فإذا اجتمعوا على شيء -يعٍت فعلوه-
صلح األمر ،كلكنو إذا نعق انعق تبعو الناس.
.كقاؿ مالك :كاف ابن مسعود يُسأؿ ابلعراؽ عن شيء فيقوؿ فيو ،مث يقدـ ادلدينة فيجد األمر على غَت ما قاؿ،
فإذا رجع مل حيط راحلتو كمل يدخل إىل بيتو حىت يرجع إىل ذلك الرجل فيخربه بذلك .قاؿ :ككاف عمر بن عبد العزيز
يكتب إىل األمصار يعلمهم السنن كالفقو كيكتب إىل ادلدينة يسأذلم عما مضى كيُعلموف دبا عندىم ،ككتب إىل أيب
بكر بن حزـ أف جيمع لو السنن كيكتب هبا إليو ،فتويف كقد كتب لو ابن حزـ كتبان قبل أف يبعث هبا إليو.
.قاؿ عبد هللا بن عمر بن اخلطاب :كتب إيل عبد هللا ابن الزبَت كعبد ادللك بن مركاف ،كالمها يدعوين إىل ادلشورة،
فكتبت إليهما إف كنتما تريداف ادلشورة فعليكما بدار اذلجرة كالسنة.
.كقاؿ رجل أليب بكر بن عمر بن حزـ يف أمر :كهللا ما أدرم كيف أصنع يف كذا ،فقاؿ أبو بكر :اي ابن أخي إذا
كجدت أىل ىذا البلد (ادلدينة) ،قد أمجعوا على شيء فال يكن يف قلبك منو شيء.
.كقاؿ الشافعي أيضان :أما أصوؿ أىل ادلدينة فليس فيها حيلة من صحتها...قاؿ مسعر :قلت حلبيب بن أيب اثبت:
أديا أعلم ابلسنة أك الفقو أىل احلجاز أـ أىل العراؽ؟ قاؿ :أىل احلجاز.
.قاؿ ابن أيب حازـ :كاف أبو الدرداء يُسأؿ فيجيب فيقاؿ :إنو بلغنا كذا ككذا -خبالؼ ما قاؿ -فيقوؿ :كأان قد
مسعتو ،كلكٍت أدركت العمل على غَت ذلك.
-1السنة كعالقتها ابلعمل كادلذاىب الفقهية ،د الناجي دلُت ص92 :
-2ترتيب ادلدارؾ كتقريب ادلسالك ،أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصيب (ت 544ىػ) ،38 /1 ،ربقيق :ابن اتكيت الطنجي ،عبد القادر الصحراكم ،دمحم بن
شريفة ،سعيد أمحد أعراب ،مطبعة فضالة ،احملمدية ،ادلغرب ط1983 ،1ـ.
2
.قاؿ ابن أيب الزاند :كاف عمر بن عبد العزيز جيمع الفقهاء كيسأذلم عن السنن كاألقضية اليت يُعمل هبا فيثبتها ،كما
كاف منو ال يعمل بو الناس ألغاه ،كإف كاف سلرجو من ثقة.
* قاؿ مالك يف رسالتو إىل الليث بن سعد " :فإمنا الناس تػبع ألىل ادلدينة ،إليها كانت اذلجرة ،كهبا نزؿ القرآف،
كأُحل احلالؿ كحرـ احلراـ ،إذ رسوؿ هللا بُت أظهرىم حيضركف الوحي كالتنزيل ،كأيمرىم فيطيعونو كيسن ذلم فيتبعونو،
حىت توفاه هللا كاختار لو ما عنده صلوات هللا عليو كرمحتو كبركاتو .مث قاـ من بعده أتبع الناس لو من أمتو ،شلن كيل
األمر من بعده ،فما نزؿ هبم شلا علموا أنفذكه ،كما مل يكن عندىم فيو علم سألوا عنو ،مث أخذكا أبقول ما كجدكا يف
كعمل بغَته، ذلك يف اجتهادىم كحداثة عهدىم ،كإف خالفهم سلالف أك قاؿ امرؤ" :غَتُه أقول منو كأكىل" تُرؾ قولو ُ
مث كاف التابعوف من بعدىم يسلكوف تلك السبيل كيتبعوف تلك السنن .فإذا كاف األمر ابدلدينة ظاىران معموالن بو مل أر
ألحد خالفُو ،للذم يف أيديهم من تلك الوراثة اليت ال جيوز ألحد انتحاذلا كال ادعاؤىا"...
* اثلثا :أبرز القواعد والضوابط األصولية املرتبطة بعمل أهل املدينة عند املالكية
نقل عن القاضي أيب بكر األهبرم (ت375ق) أف إمجاع أىل ادلدينة حجة فيما كاف طريقو النقل كاألخبار،1
أما ما كاف طريقو االجتهاد ،فهم كغَتىم فيو سواء.2
كيذىب القاضي عبد الوىاب (ت422ق) إىل أف «عمل أىل ادلدينة ادلتواتر حجة» ،3كيقرر أف:
-إمجاع أىل ادلدينة ادلبٍت على النقل ،ال يعارض أبحاديث اآلحاد.4
-إذا ركم خرب من أخبار اآلحاد يف مقابلة عمل أىل ادلدينة ادلتصل ،كجب اطراحو كادلصَت إىل عملهم.5
-إمجاع أىل ادلدينة الذم طريقو االجتهاد ،ليس حبجة كال ربرـ سلالفتو ،كىو أكىل من اجتهاد غَتىم إذا اقًتف أبحد
اخلربين ادلعارضُت رجح بو على ما عرل عنو.6
-اجتهاد أىل ادلدينة أكىل من اجتهاد غَتىم.7
يقوؿ أبو القاسم ابن جزم (ت741ق) إف« :إمجاع أىل ادلدينة حجة عند مالك كأصحابو ،كىو عندىم مقدـ
على األخبار خالفا لسائر العلماء ،كىو من كجوه الًتجيح عند اجلميع».8
-1اإلحكاـ يف أصوؿ األحكاـ ،ابن حزـ ( - )145 /4اللمع يف أصوؿ الفقو ،أبو اسحاؽ الشَتازم (ت 476ىػ) ،ص -91 :قواطع األدلة يف األصوؿ ،أبو ادلظفر
السمعاين احلنفي مث الشافعي (ت489ىػ) ،ربقيق :دمحم حسن الشافعي.)24 /2( ،
-2البحر احمليط يف أصوؿ الفقو ،الزركشي (.)441 /6
-3ادلعونة )183 /1( ،ك( -)437 /3اإلشراؼ - )480 ،217 /1( ،شرح الرسالة ،القاضي عبد الوىاب.) 34/2( ،
-4ادلعونة على مذىب عامل ادلدينة ،القاضي عبد الوىاب - )182 /1( ،شرح الرسالة ،القاضي عبد الوىاب.)50/2( ،
-5ادلعونة ،القاضي عبد الوىاب.)440 /3( ،
-6ادلرجع السابق - )439 -437 /3( ،شرح الرسالة ،القاضي عبد الوىاب.)45/2( ،
-7شرح الرسالة ،القاضي عبد الوىاب.)48/2( ،
-8تقريب الوصوؿ إىل علم األصوؿ ،ابن جزم ص.337 :
3
المحور الثبني :قول الصحببي
* أوال :مفهوم قول الصحايب
اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص مؤمنا بو كمات على اإلسالـ.
الصحايب ىو :كل من اجتمع برسوؿ ه
اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص منذ البعثة حىت الوفاة بقدر ما تسمح ذلم ظركفهم ،كاطلعوا على مقاصد
كقد الزـ الصحابة رسوؿ ه
الشريعة كرأكا أسباب النزكؿ ،كشاىدكا التطبيق الصحيح للقرآف الكرمي الذم ذبسد يف سَتة الرسوؿ ،كتلقوا منو
اَّلل للتدريس
احلكمة ،كمن رلموع ىذا تك هوف عند أكثرىم ثركة علمية كملكة فقهية ،كقد تصدكا بعد كفاة رسوؿ ه
كدكهنا
كاإلفتاء كالقضاء كاحلكم كاالجتهاد فيما يسوغ االجتهاد فيو ،ككصلوا إىل آراء اجتهادية نقلها عنهم التابعوف ه
العلماء.
* اثنيا :حجية قول الصحايب
حبث األئمة يف حجية آراء الصحابة االجتهادية يف اعتبارىا ملزمة دلن بعدىم أـ ال ،كىل تقدـ على القياس ،أـ
ال؟
.فاتفق العلماء على أف قوؿ الصحايب الذم ال يدرؾ ابالجتهاد كالعقل أبنو حجة على ادلسلمُت ،ألف قوؿ
الصحايب يف مثل ىذه األحواؿ يستند إىل دليل شرعي ،كال ديكن أف يقولو تشهينا كعبثنا ،مثل قوؿ السيدة عائشة
اهنع هللا يضر يف فساد بيع النقود قبل نقد الثمن ،كأنو حيبط العمل الصاحل كاجلهاد ،فهذا ال يدرؾ ابلعقل ،كمثل قوؿ عمر
كعلي كابن مسعود مهنع هللا يضر بتقدير أقل مدة احليض بثالثة أايـ ،كىو ما أخذ بو احلنفية.
.كك ذلك اتفق العلماء على قبوؿ قوؿ الصحايب الذم أبداه كمل خيالفو فيو أحد من الصحابة كيكوف حجة على
ادلسلمُت ،ألف اتفاقهم دليل على كقوفهم على مستند شرعي صحيح.
.كاتفقوا على أف قوؿ الصحايب يف االجتهاد ليس حجة على غَته من الصحابة اجملتهدين.
كاختلف األصوليوف كالفقهاء عند تعدد أقواؿ الصحابة كاختالؼ اجتهاداهتم ،ىل ىي حجة على التابعُت كمن
بعدىم أـ ال؟ فيو قوالف:
-القوؿ األكؿ :كىو قوؿ اإلماـ أيب حنيفة كاإلماـ مالك ،قاال بوجوب االلتزاـ أبحد أقواؿ الصحابة بدكف تعيُت،
كاختيار ادلناسب منها مع عدـ اخلركج عن رلموع آرائهم ،كأف قوؿ الصحايب يقدـ على القياس ،كاستدلوا على ذلك
اَّلل تعاىل مدح كأثٌت على
أبف اختالؼ الصحابة يف ادلسألة على قولُت إمجاع منهم على عدـ القوؿ الثالث ،كأف ه
اف رضيالتابعُت ابتباعهم الصحابة فقاؿ تعاىل{ :كال هساب ُقوف أاأل هكلُوف من الأمهاجرين ك أاألنأصار كالهذين اتهػبػعوىم إبحس ر
ُ ُأ أ ُ
ضوا عأنوُ} [التوبة ،]100 :كأف الظاىر من حاؿ الصحابة أف قوذلم مستند إىل مساع ،كإف مل يكن مساع اَّللُ عأنػ ُه أم كر ُ
ه
فرأيهم أقول من رأم غَتىم.
4
-القوؿ الثاين :كىو قوؿ اإلماـ الشافعي كاإلماـ أمحد ،فقاال بعدـ اعتبار قوؿ الصحايب حجة ،كأنو جيوز اتباعو،
كجيوز سلالفتو ،كأف العمل كاالتباع يعتمد على األدلة اليت احتج هبا الصحابة ابلفتول كاالجتهاد كالقضاء ،كليس
أبقواذلم.
معصوما ،ككما جاز للصحايب أف خيالف صحابيًّا آخر - ن مشرعا ،كليس
كاستدلوا على ذلك أبف الصحايب ليس ن
أيضا ،كأف التابعُت خالفوا الصحابة يف أقواذلم كاجتهاداهتم ،كمل
ابتفاؽ العلماء -جاز للتابعُت كبقية ادلسلمُت سلالفتو ن
ينكر عليهم الصحابة ،كأف الصحايب رلتهد كغَته من اجملتهدين ،كحيرـ على اجملتهد تقليد رلتهد آخر.
* اثلثا :أبرز القواعد والضوابط األصولية لالحتجا بقول الصحايب عند املالكية
أتكد لدل عدد من الباحثُت أف األصل عند مالك يف أقواؿ الصحابة كأقضيتهم ،خاصة األئمة منهم كأيب بكر
كعمر ،ىو الرفع إىل رسوؿ هللا كإف مل يصرحوا بو حىت يثبت العكس ،كبذلك أمكنهم القوؿ إف قوؿ الصحايب -
ادلنفرد -ليس حبجة عند مالك كما صرح بذلك غَت كاحد من أصوليي ادلالكية ،كلكنو مظنة السنة.1
كمن القواعد اليت تصح نسبتها إىل اإلماـ مالك يف نظره إىل أقواؿ الصحابة ،ما يلي:
-قوؿ الصحايب الذم ال يعلم لو سلالف منهم حجة ،سواء انتشر كاشتهر أـ ال.2
-إذا اختلف الصحابة فال حجة يف قوؿ كاحد منهم.3
كيقرر أبو القاسم بن جزم (ت741ق) يف ىذه ادلسألة أف:
-قوؿ الصحايب إذا مل يكن لو سلالف ،فإف انتشر ذلك القوؿ يف الصحابة فهو حجة كاإلمجاع السكويت ،كإف مل
ينتشر فمذىب مالك أنو حجة.4
-إذا اختلف الصحابة على قولُت ،فهما دليالف تعارضا ،فَتجح أحدمها بكثرة العدد أك دبوافقة أحد اخللفاء األربعة
عليو ،كإف استواي كجب الرجوع إىل دليل آخر.5
كيعترب أبو إسحاؽ الشاطيب (ت790ق) سنة الصحابة سنة يعمل عليها كيرجع إليها ،6كما يعترب قوؿ
الصحايب نوعا من أنواع البياف ،كيقوؿ حبجيتو إف مل يعلم لو سلالف ،أما يف حاؿ اختالؼ الصحابة فال حجة يف قوؿ
الواحد منهم ،كيقوؿ يف ذلك« :بياف رسوؿ هللا بياف صحيح ال إشكاؿ يف صحتو...كأما بياف الصحابة فإف
أمجعوا على ما بينوه فال إشكاؿ يف صحتو أيضا ،كإف مل جيمعوا...يًتجح االعتماد عليهم يف البياف..فمىت جاء عنهم
5
تقييد بعض ادلطلقات أك زبصيص بعض العمومات فالعمل عليو صواب ،كىذا إف مل ينقل عن أحد منهم خالؼ يف
ادلسألة ،فإف خالف بعضهم فادلسألة اجتهادية...أما إذا علم أف ادلوضع موضع اجتهاد...فهم كمن سواىم فيو
سواء».1
كىذا ما أكده العالمة عبد احلي بن الصديق (ت1415ق) بقولو« :الصحايب جيوز عليو اخلطأ يف اجتهاده،
كمن قولو عرضة للخطأ ال جيوز نظرا كشرعا أف يكوف قولو حجة يف شريعة هللا» ،2كيف موضع آخر يقوؿ« :إذا
اختلف فعل الصحابة ،مل يكن فعل بعضهم حجة على بعض».3
المحور الثبلث :االستصحبة
* أوال :تعريف االستصحاب
االستصحاب يف اللغة :ادلالزمة ،كاستصحاب احلاؿ ىو التمسك دبا كاف اثبتنا ،كأنك جعلت احلالة
مصاحبة غَت مفارقة ،كاستصحبو دعاه إىل الصحبة كالزمو.
أما يف االصطالح فعرفو الشوكاين بقولو" :ما ثبت يف الزمن ادلاضي فاألصل بقاؤه يف الزمن ادلستقبل حىت
يثبت ما يغَته" .فيقاؿ :احلكم الفالين قد كاف فيما مضى ،فيثبت يف الزمن الثاين كذلك لفقداف ما يغَته،
كاستصحاب الوضوء ،كاستصحاب الوجود كالعدـ.
موجودا ،فيعترب حيًّا يف الوقت
ن مثالو :ادلفقود يعترب حيًّا الستصحاب حالو عند فقده يف ادلاضي عندما كاف
احلاضر ،كتثبت لو احلقوؽ من ادلَتاث كغَته ،كدينع كرثتو من توزيع أموالو ،كتبقى زكجتو على عصمتو ،كال تعتد
كال تتزكج من غَته.
مثال يف ادلاضي ،فتبقى لو ادللكية يف احلاضر ما مل يثبت
كمثل استصحاب ادللك اآلف دلن تثبت ملكيتو لعقار ن
الناقل ذلا ،ككذلك براءة الذمة فاألصل أف تبقى بريئة حىت يثبت العكس ،كإف شغلت الذمة ابلتزاـ ما ،فتبقى
مشغولة بو إىل الوقت احلاضر ما مل يثبت الوفاء أك اإلبراء.
كمثاؿ استصحاب نفي احلكم الشرعي عدـ كجوب صوـ شهر شواؿ كغَته من الشهور سول رمضاف.
* اثنيا :حجية االستصحاب
كمصدرا من مصادر التشريع على عدة أقواؿ، ن كدليال شرعيًّا
اختلف األئمة يف اعتبار االستصحاب حجة ن
أمهها اثناف:
-القوؿ األكؿ :أنو حجة عند عدـ الدليل سواء يف حاليت اإلثبات كالنفي ،كبو قاؿ ادلالكية كاحلنابلة كأكثر
الشافعية كالظاىرية.
6
كاستدلوا على ذلك من الشرع أبف مجيع األحكاـ الشرعية تعترب اثبتة يف زللها من اإلجياب كاإلابحة كالتحرمي
حبسب الدليل حىت يقوـ دليل على التغيَت ،كأف ظن البقاء أغلب من ظن التغَت ،كالظن حجة متبعة يف األحكاـ
مثال ،كدـ اإلنساف مصوف حىت يثبت موجب اذلدر الشرعية ،كاخلمر تبقى حر ناما حىت يثبت تغَتىا إىل خل ن
كالقصاص ،كالعقل يؤيد ذلك ،فاإلنساف حيكم على األمور بعقلو يف احلاضر بناء على معرفتو السابقة ما مل يثبت
العكس ،فالبداىة العقلية تؤيد االستصحاب.
-القوؿ الثاين :االستصحاب ليس حجة شرعية ،كال يصح اعتماد األحكاـ عليو ،كىو مذىب احلنفية ،ألف
إثبات الدليل كاحلجة للحكم الشرعي يف الزمن األكؿ حيتاج إىل دليل ،ككذلك يف الزمن احلاضر حيتاج إىل دليل
دليال للدفع كالرفع أم إلبقاء ما
الحتماؿ كجوده أك عدمو ،كقاؿ أكثر زلققي احلنفية :إف االستصحاب يصلح ن
كاف على ما كاف ،كال يصلح إلثبات أمر مل يكن ،مثل استصحاب حياة ادلفقود إىل الزمن احلاضر ،فهو حجة
لدفع ادلوت كنفيو عنو ،كمنع كرثتو من اقتساـ أموالو ،كلكن ال يصلح حجة إلثبات ما مل يكن ،فال يثبت لو إرث
من مورثو الذم يتوىف يف ىذه األثناء.
* اثلثا :أنواع االستصحاب
يتنوع االستصحاب حبسب احلالة األكىل السابقة إىل ثالثة أنواع:
-1استصحاب احلكم األصلي لألشياء ،كىو اإلابحة عند عدـ الدليل ،فاألصل يف األشياء اإلابحة ،ما مل يرد
حكما يف الشيء ،ككاف فيو منفعة ،حكم إبابحتو بناء على األصل يف أف هللا دليل خيالفو ،فإف مل جيد اجملتهد ن
خلق األرض كما فيها لإلنساف .كىذا النوع متفق على العمل بو بُت العلماء ،كإف خالف بعضهم يف تسميتو
استصحااب ،كيدخلو بعضهم يف اإلابحة.
ن
-2استصحاب العدـ األصلي ،أك الرباءة األصلية ،كاحلكم برباءة الذمة من التكاليف الشرعية كحقوؽ الناس
حىت يوجد دليل شغلها .كىذا النوع مل خيالف أحد من أىل العلم بو.
-3استصحاب ما دؿ الشرع على ثبوتو لوجود سببو حىت يقوـ الدليل على زكالو ،كثبوت ادللك لشخص من
قائما حىت يقوـ الدليل على انتفائو كنقلو ،كمثل ثبوت احلل بُت الزكجُت عند العقد البيع كاإلرث فيبقى ملكو ن
فتبقى الزكجية قائمة إىل أف ربصل الفرقة ،كمثل شغل الذمة بدين أك ضماف فتبقى الذمة مشغولة حىت يقوـ
الدليل على الرباءة .كقد استنبط الفقهاء عدة مبادئ فقهية كقواعد كلية من االستصحاب منها:
أ -األصل بقاء ما كاف على ما كاف حىت يثبت ما يغَته.
ب -إف كل شيء مل يقم الدليل ادلعُت على حكمو فهو على اإلابحة األصلية.
ج -اليقُت ال يزكؿ ابلشك.
7
* رابعا :حكم االستصحاب ومرتبته
االستصحاب دليل ظٍت يف إثبات األحكاـ ،كىو مصدر احتياطي يثبت احلكم بو عند عدـ كجود دليل يف
الكتاب كالسنة كاإلمجاع كالقياس ،كاعتربه ابن بدراف من األصوؿ ادلتفق عليها كىي :الكتاب كالسنة كاإلمجاع
كاالستصحاب ،مع ذكره خالؼ احلنفية فيو.
دليال
كإف ادلبدأ العاـ يف االستصحاب ُمسلم بو بُت األئمة ،كلكن االختالؼ يف التطبيق كالفركع ،أك يف اعتباره ن
مستقال.
ن
* خامسا :أبرز القواعد األصولية املتعلقة ابالستصحاب عند املالكية
يطلق االستصحاب حسب علي بن إمساعيل األبيارم (ت616ق) على أربعة أمور ،يصح يف نظره منها ثالثة
كيبطل الرابع:
« األول- :كىو ادلشهور -داللة العقل على انتفاء األحكاـ السمعية قبل كركد األنبياء عليهم السالـ ،فال تكليف
على العقالء قبل كركد الشرع ،كىذا يدرؾ عقال عند قوـ ،كعلم مسعا عند آخرين ،كقد قاؿ هللا تعاىل :كما ُكنها
ُمعذبُت ح هىت نػأبػعث ر ُسوال ،1كاألمة رلمع ة على أنو ال تكليف قبل كركد األنبياء ،كبعد الوركد ال تكليف إال بعد
نصب دليل ،كإذا تقرر ذلك فكل حكم مل ينصب هللا للمكلفُت دليال عليو ،فهو غَت اثبت عليهم ،فنحن على ذلك
حىت يرد التغيَت على ألسنة األنبياء.
.الثاين :استصحاب العموـ إىل أف يرد زبصيص ،كاستصحاب النص إىل أف يرد نسخ ،فالعموـ حجة إىل قياـ
ادلخصصات كالنص حجة إىل قياـ النسخ ،كليس ىذا من قبيل االستصحاب حباؿ ،فإف احلكم مستند إىل الدليل ال
إىل االستصحاب.
.الثالث :استصحاب حكم دؿ الشرع على ثبوتو كدكامو ،كادللك بعد جرايف العقد ادلملهك كدكامو ،ككشغل الذمة
عند جرايف اإلتالؼ أك االلتزاـ ،فإف ىذا كإف مل يكن حكما أصليا ،فهو حكم شرعي دؿ الشرع على ثبوتو كدكامو،
كلوال داللة الشرع على دكامو دلا جاز استصحابو ،فاالستصحاب ليس حبجة إال فيما إذا دؿ الدليل على دكامو
بشرط عدـ ادلغَت ،كما دؿ على الرباءة العقلية كعلى الشغل الشرعي كعلى ادللك الشرعي.
كمن ىذا القبيل :احلكم بتكرر اللزكـ كالوجوب ،إذا تكررت أسباهبا كتكرر شهور رمضاف كأكقات الصالة
كنفقات األقارب عند تكرر احلاجات ،إذا فهم انتصاب ىذه ادلعاين أسبااب...فإذا االستصحاب عبارة عن التمسك
بدليل عقلي عند قوـ أك شرعي عند اجلميع ،كليس راجعا إىل عدـ العلم ابلدليل ،بل إىل دليل مع العلم ابنتفاء
ادلغَت ،أك مع ظن انتفاء ادلغَت عند بذؿ اجلهد يف البحث كالطلب.
8
.والرابع :استصحاب حاؿ اإلمجاع يف زلل اخلالؼ ،كىو ابطل ،كصورتو :ادلتيمم إذا رأل ادلاء يف أثناء الصالة،
فقاؿ قائلوف :ديض ي على صالتو ألف اإلمجاع منعقد على صحة الصالة كدكامها كطرايف كجود ادلاء كطرايف ىبوب
الريح كطلوع الفجر كسائر احلوادث ،فنحن نستصحب دكاـ الصالة ،إال أف يدؿ دليل على كوف رؤية ادلاء قاطعة،
كىذا فاسد ألان إمنا نستصحب احلكم الذم ثبت دكامو شرعا أما الذم علمنا انتفاء الدليل فكيف يتصور
استصحابو مع العلم ابنتفائو؟.1»..
كدييز شهاب الدين القرايف (ت684ق) بُت االستصحاب كالرباءة األصلية ،فيعرؼ االستصحاب بقولو:
«اعتقاد كوف الشيء يف ادلاضي أك احلاضر ،يوجب ظن ثبوتو يف احلاؿ أك االستقباؿ...كىذا الظن عند مالك
حجة».2
كيعرؼ الرباءة األصلية بقولو« :ىي استصحاب حكم العقل يف عدـ األحكاـ ...كثبوت عدـ احلكم يف ادلاضي
يوجب ظن عدمو يف احلاؿ ،فيجب االعتماد على ىذا الظن بعد الفحص عن رافعو كعدـ كجوده».3
كيقرر القرايف أف:4
-األصل يف الكالـ احلقيقة.
-األصل براءة الذمة.
-مهما أمكن البقاء على موافقة األصل فعلنا.
كدييز أبو القاسم ابن جزم (ت741ق) بُت االستصحاب كالرباءة األصلية كاألخذ ابألخف ،كجيعل ىذا األخَت
نوعا من الرباءة األصلية ،كيعترب الرباءة األصلية نوعا من االستصحاب ،فيقوؿ« :أما االستصحاب فهو بقاء األمر
كاحلاؿ كاال ستقباؿ على ما كاف عليو يف ادلاضي ،كىو قوذلم" :األصل بقاء ما كاف على ما كاف حىت يدؿ الدليل على
خالؼ ذلك" كىو حجة عند ادلالكية...
كأما الرباءة األصلية فهي ضرب من االستصحاب كمعناىا البقاء على عدـ احلكم حىت يدؿ الدليل عليو ،ألف
األصل براءة الذمة من لزكـ األحكاـ كىي حجة...
كأما األخذ ابألخف فهو ضرب من الرباءة األصلية كمعناه األخذ أبخف األقواؿ حىت يدؿ الدليل على االنتقاؿ
إىل األثقل».5
9
*** أسئلة التقويم ***
)1حدد مفهوـ عمل أىل ادلدينة ،كبُت كيف كاف يعرب عنو اإلماـ مالك يف ادلوطأ ؟
)2ميز بُت أنواع عمل أىل ادلدينة كحدد أيها يعترب حجة عند مالك ؟
)3بُت دلاذا ال يستدؿ على حجية عمل أىل ادلدينة من القرآف أك السنة ؟
)4استدؿ على حجية عمل أىل ادلدينة من أقواؿ الصحابة كالتابعُت ؟
)5حدد كجهة نظر ادلالكية يف عمل أىل ادلدينة ادلبٍت على االجتهاد ؟
)6حدد مفهوـ الصحايب كأبرز مكانة الصحابة يف ادلنظومة التشريعية ؟
)7بُت كيف استدؿ األصوليوف على مشركعية االحتجاج بقوؿ الصحايب ؟
)8كضح موقف اإلماـ الشاطيب من أقواؿ الصحابة كسننهم ؟
)9حدد معٌت االستصحاب كبُت الفرؽ بينو كبُت الرباءة األصلية ،كبُت األخذ ابألخف ؟
)10بُت أنواع االستصحاب كما ذكرىا األبيارم ادلالكي ؟
11