أوضح(ي) مضمون القولة ،وَََبِّين(ي) أبعادها :مطلب الفهم1- يضعنا مضمون هذا القول ،أمام موضوع الغير ،وهو من المواضيع التي استأثرت باهتمام الفلسفات الحديثة منها والمعاصرة ،وخاصة فلسفات الوعي ،التي أكدت معظمها على أن األنا ال يمكن أن يستكمل وعيه بذاته إال باإلنفتاح على الغير والتعرف عليه ،وإقامة عالقة معه ،لكن األنا ،وفي محاولتها للتواصل مع الغير ،وتحقيق الغايات المنشودة معه، تصطدم بمفارقات يكشف عنها واقع الغير ،فهو تارة يكشف عن عالم من السعادة والطمأنينة واالرتياح ،وتارة أخرى، يكشف عن عالم من القلق والتوثر والمعاناة ،مما يجعل األنا في حيرة من أمرها ،بين اإلندفاع نحو الغير وربط عالقات معه ،أو اإلنعزال عنه ،وفي ذلك قضاء على هويتها كشخص ،هذه المفارقة واإللتباس الذي يكشف عنها الغير ،هو ما حاول واضع القولة إثارته بصيغة " هل يمكن اعتبار الصداقة أساس العالقة مع الغير ؟ " ،وتساؤل من هذا النوع ،يجعل من :موضوع العالقة مع الغير ،موضوعا إشكاليا ،يحمل مفارقات يمكن تبينها في التساؤل التالي هو " Jean Paul Sartre ( -1905 -1980)،إذا كان الغير وكما عَّرفه الفيلسوف الفرنسي الوجودي جون بول سارتر اآلخر ،األنا الذي ليس أنا ،وإذا قبلنا بضرورة وجود الغير ومعرفته المعرفة اليقينية ،فكيف ينبغي أن ُتْبَنى العالقة معه ؟ فهل ينبغي بناء هذه العالقة على التفاهم والتعاون والتسامح ،أم على الصراع واإلقصاء والتشييء ؟ :مطلب التحليل2- يحيل مضمون القولة على تصور معين للعالقة مع الغير ،تصور يراهن على العالقة السلبية مع الغير ،يبدو هذا األمر واضحا من خالل تفكيك داللة المفاهيم واأللفاظ الواردة في هذا القول ،والذي يفتح بأداة توكيد "إن " ،فهي تؤكد على أطروحة ترى في القلق أساس للعالقة مع الغير ،و" القلق " حالة نفسية ،تحيل على كل معاني السلب ،من معاناة وألم وتوثر ،فمضمون القولة إذن ،يؤكد على العالقة السلبية مع الغير ،وهو الموقف الذي نلمسه لدى مجموعة من المفكرين، الذي ذهب في Jean Paul Sartre ( -1905 -1980)،نذكر منهم الفيلسوف واألديب الفرنسي المعاصر جون بول سارتر إلى التأكيد أوال على ضرورة الغير لوجود األنا ،وهو األمر L'être et Le Néant"،مؤلف له بعنوان " :الوجود والعدم الذي يبدو في قوله " :الغير هو الوسيط الذي ال غنى عنه بيني وبين نفسي " ،وعبارة " ال غنى عنه " تعني ضرورة الغير لتشكيل هوية األنا ،لدرجة يصعب معها التمييز بين األنا والغير ،لكن هذه الضرورة ،ال تلغي سلبيات الغير ،فهو بنظراته – La Honte ،يقول سارتر -يقيد تصرفاتنا ويرصد حركاتنا ،بل يخلق لدى األنا حاالت نفسية متوترة ،أبرزها حالة الخجل وفي Ses Regards،وهذه الحالة السيكولوجية التي تنتاب األنا أحيانا ،ال يمكن الشعور بها إال بحضور اآلخر ونظراته في تركيبه األول هو خجل من الذات أمام اآلخر ،فأنا خجول من نفسي من حيث la Honteهذا يقول سارتر ":إن الخجل أتبدى للغير" ،ويضيف موضحا ،قد تصدر عني حركة غير الئقة ،وهذه الحركة تلتصق بي ،ال أحكم عليها وال ألومها ،لكن بمجرد ما أشاهد شخصا يرمقني ،ويتبين لي أنه اكتشف ما في حركتي هذه من سوقية ،فأشعر بحالة الخجل تدب في أوصالي ،ال أجد لها مخرجا إال بالهروب والتستر عن نظرات الغير التي تجمد حركاتي ،فالغير إذن له تأثير كبير على كل مكونات وجودي كذات ،فعندما يراني فإنه يصبح خارجا عني ومنفلتا مني ،ويصبح قادرا على تأويل سلوكي ومنحه معنى، يمكن أن يكون مخالفا للمعنى الذي أتصوره أنا ،فالحكم علي من الخارج من طرف اآلخر ،يصبح جزءا من الحكم الذي ( Leأصدره على نفسي" أنا خجول من نفسي من حيث أتبدى لآلخر" ،فالرابطة بين األنا والغير ،هو قدرته على النظر إلَّي فيحولني إلى موضوع ،فأصبح موجودا للغير أتحجر تحت نظرته ،ومن هنا ينشأ جزعي وقلقي على نفسي ،ألن ) Regard إمكانياتي مهددة من طرفه ،فهو بنظرته إلي يشلني وأنا بدوري أنظر إليه وأشله وأحيله كذلك إلى موضوع ،فهناك إذن هوة ال تردم بين األنا واآلخر ،يستحيل معها كل التواصل ،ألن كل منهما ُيشِّي ء اآلخر ويسلب منه مقوماته كوعي وحرية الغير إذن ،تضايق حرية الذات وتنزل بها إلى مستوى األشياء ،يقول سارتر في Les regardsوتلقائية وفرضية ،فنظرات هذا الصدد " :أنا في الحديقة العامة قرب ممشى محفوف باألزهار ،أتأمل الموجود ألجلي ،هاهو زائر آخر يأتي ويقف ليتأمل المنظر نفسه والذي يستغرق تأمالتي ،لقد أصبح هذا المنظر موجودا من أجل اآلخر ،فالكون هجرني ليصبح ملكا لسواي ،وال يكفي اآلخر بسلب الكون مني ،بل إنه يحاول أن يسلبني محتوى صيرورتي وحريتي أي وجودي الذي أحاول أن أكونه" ،معنى هذا هو أنني حين أكون وحدي أتصرف بحرية ،وما أن أنتبه إلى أن إنسانا آخر يراقبني حتى تتغير األمور ،حيث أن نظرة الغير قد تسبب لي شعورا بالضيق وتجمد إمكانياتي وتفقد ذاتي حريتها ،بهذه األمثلة الواقعية ،يحاول Huisسارتر أن يبين أن العالقة مع الغير ليست بالعالقة اإليجابية ،وهو األمر دفع سارتر بأن يختم مسرحته " جلسة مغلقة عبارة تجسد بوضوح ، L’Enfer, c’est les autres "،بعبارة مشهورة لديه ،وهي " :الجحيم هم اآلخرون clos"، .موقف سارتر من العالقة مع الغير ،التي هي عالقة سلبية يتبين إذن من هذا التحليل لموقف سارتر من العالقة مع الغير ،وهو الموقف المعبر عنه في القولة ،أن العالقة بين األنا والغير هي عالقة سلبية ،إنها من النوع الجحيم ،فنظرات الغير تسلب األنا حريتها ،وتجعلها في حالة قلق ومعاناة وألم ،لكن هل يمكن القبول بهذا التصور كحل إلشكالية العالقة مع الغير ؟ أ فعال أن العالقة مع الغير هي عالقة سلبية ،وأن نظرات الغير هي من نوع الجحيم ،أم أن األمر عكس ذلك ؟ :مطلب المناقشة3- لقد لقي هذا الموقف الفكري لساتر ،والذي يجعل من القلق أساس العالقة مع الغير ،تأييدا من طرف الفيلسوف األلماني فقد أكد هو أيضا على العالقة السلبية مع الغير ،المؤسسة على الصراع ،وهو ، F.Hegel (1770-1831)،فردريك هيجل فينومينولوجيا الروح" ،حيث ََبًَّين أن الصراع ":" La phénoménologie de L’espritاألمر الذي أوضحه في مؤلفه هو ما يحكم العالقة مع الغير ،إنه صراع من أجل انتزاع االعتراف بالذات كذات حرة ،ذلك أن انبثاق األنا من حيث هي وعي بالذات ،ال يمنح من طرف الغير بشكل سلمي ،وإنما ينتزع عبر صراع ،يخاطر كل من الوعيين( األنا والغير) بحياته ويسعى إلى موت اآلخر ،دون أن يكون في وسع " األنا " أن تنكر حق " اآلخر " في البقاء ،ألنها لو فعلت ذلك لما استطاعت أن تظفر منه باإلقرار المنشود أو االعتراف المطلوب ،ويقدم هيحل كنموذج لهذا الصراع مثال " جدلية العبد والسيد ،التي ينتزع السيد من خاللها اعتراف العبد له بالسيادة ،و أيضا ينتزع من خاللها العبد اعتراف السيد له بالسيادة، ،حين يضعف السيد ويستكين للراحة ،هكذا يحتل الصراع ـ في نظر هيجل ـ صلب العالقة بين األنا والغير لقد تعرض هذا الموقف السلبي من العالقة مع الغير ،إلى انتقاد مجموعة من المفكرين ،رأوا في العالقة مع الغير عالقة Aristoteإيجابية وليست سلبية ،واعتبروا الصداقة أساس هذه العالقة ،نذكر من هؤالء الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو الذي منح الصداقة أهمية كبرى في حياة اإلنسان ،إنها في نظره تجلي من تجليات التعاطف مع )،ق.م ( 384-322 : " Ethique àاآلخرين ،أو بتعبيره " إحدى الحاجات األشّد ضرورة للحياة " ،وهو األمر الذي أكده في مؤلفه األخالق إلى نيقوماخوس " ،حيث اعتبر الصداقة الماهية الحقيقية التي تربط اإلنسان باآلخرين ،مهما كان Nicomaque سن هذا اإلنسان ومرتبته االجتماعية ،وما يدعم هذا القول بالنسبة ألرسطو هو تأسيس الصداقة على مفهوم " الفضيلة "، والفضيلة قيمة أخالقية ومدنية ،تنبي على محبة الخير والجمال لذاته أوال ثم لألصدقاء ثانيا ،إنها الوسط الذهبي الذي ال يمنع تحقق المنفعة والمتعة ،لذا فهي المالذ الوحيد الذي يمكن االعتصام به ،في حالة البؤس و الشدائد المختلفة ،وفي هذا القول تأكيد على العالقة اإليجابية مع الغير ،نفس التصور اإليجابي للعالقة مع الغير المؤسس على الصداقة كفضيلة ،نلمسه مع Doctrine de La vertu "،في مؤلفه " :مذهب الفضيلة E. Kant ( 1724-1804 )،الفيلسوف األلماني إيمانويل كانط حيث أكد هو أيضا على أهمية الصداقة كفضيلة ،في تأسيس عالقة إيجابية مع الغير ،صداقة تتعالى عن كل ما هو نفعي، وَتنُش ُد الشخص في ذاته ،بغض النظر عن انتماءاته العرقية والطبقية والدينية ،استجابة لنداء الواجب األخالقي الكوني الذي يقوم على القاعدة األخالقية التالية " :اعمل دائما ،حيث تعامل اإلنسانية في ذاتك وذات اآلخرين ،ال كوسائل وإنما كغايات " ،وانطالقا من هذا التصور األخالقي للشخص الذي توجهه اإلرادة الطيبةُ ،يَع ِّر ف كانط الصداقة باعتبارها "اتحاد بين شخصين يتبادالن نفس مشاعر الحب و االحترام" ،إنها صورة مثالية ،وتحمل غاية أخالقية طيبة ،ألنها تستهدف تحقيق الخير للصديقين معا ،ومن هنا كانت واجبا أخالقيا يلزم على كل إنسان السعي نحو تحقيقه ،وهذا الواجب يستدعي المساواة بين مشاعر الحب من جهة ،باعتبارها قوة جذب وتجاذب بين الصديقين ،ومشاعر االحترام من جهة أخرى ،باعتبارها قوة دفع وتباعد بينهما ،لذلك يجب -يقول كانط -أن تكون مشاعر الصداقة المتبادلة بين الصديقين ،متعالية عن كل ما هو نفعي آني مباشر ،صدى هذا القول الكانطي األخالقي لمفهوم الصداقة ،نجده يتردد في العصر المعاصر ،بشكل أكثر واقعية مع في مؤلف " :ديريدا وآخرونHannah Arendt )1906-1975(، ،الباحثة األمريكية ،ذات األصل األلماني حنا أراندت المصالحة والتسامح وسياسة الذاكرة " ،فهي تمنح الصداقة معاني الحب والصفح واالحترام ،وهذه الصداقة ينبغي أن تكون بال حميمية وال قرب ،إنها تقدير للشخص من خالل المسافة التي يضعها العالم بين األنا والغير ،وهذا التقدير ال ينبغي أن يخضع ـ في نظر حنا آراندت ـ لمزايا يمكن أن تثير اإلعجاب ،وال ألعمال يمكن أن تحظى باإلجالل ،فاالحترام مثال كشكل من أشكال الصداقة ،ينبغي أن يكون واجبا في حق الجميع ،وليس في حق من ينالون اإلعجاب واإلجالل ،هكذا تنتهي حنا آراندت ،إلى القول بضرورة الصداقة مع الغير ،المؤسسة على الحب واالحترام والصفح ،وهذا ال يمكن أن يتم ،إال باالنفتاح على الغير ،ألنه ـ تقول حنا آراندت ـ بتقوقعنا على ذواتنا ،لن نستطيع الصفح لبعضنا البعض عن أتفه السيئات ،هكذا يكون كل من أرسطو وكانظ وحنا أراند ،قد رسموا عالقة إيجابية مع الغير مؤسسة على مفهوم الصداقة ،لكن هذه العالقة اإليجابية مع الغير ال يمكن أن تكتمل ،إال بانفتاح األنا على الغير الغريب ،المتمثل في األجنبي الدخيل أو المهاجر، Julia Kristevaوالمختلف ثقافيا أو دينيا ،أو عرقيا أو سياسيا ،وهو األمر الذي نَّبهْت إليه الباحثة والناقدة األدبية البلغارية بقولها " :ليس الغريب-الذي هو اسم مستعار للحقد ولآلخر -هو ذلك : " Etrangers à nous-mêmes "،في كتابها الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها ،وال ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه إلعادة السلم إلى الجماعة ،إن الغريب يسكننا على نحو غريب ،إنه القوة الخفية لهويتنا والفضاء الذي ينسف بيتنا ،والزمان الذي يتبدد فيه وفاقنا وتعاطفنا ،ونحن إذ نتعرف على الغريب فينا نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته ،"...فالغير الغريب إذن كما حددته كريستيفا ليس ذلك القادم من الخارج والغريب عن الجماعة ،الذي يهدد تماسكها وانسجامها ،ذلك أن وحدة الجماعة ليست في الواقع سوى مظهر عام عندما ندقق فيها ،وينكشف لنا أن الجماعة تحمل في ذاتها بحكم اختالفاتها وتناقضاتها الداخلية ،غريبا قبل أن ينفذ إليها غريب أجنبي ،إن فكرة الغريب تدل ،حسب كريستيفا ،على غياب التمتع بمواطنة اإلنسان داخل وطنه ،أليس المجنون غريب جماعته؟ أليس المهمش كذلك؟ أليس ضحايا انتهاكات حقوق اإلنسان غرباء أوطانهم؟...إن هذه الشرائح المنسية هي الغريب الذي يجب الكشف عنه في ذوات المواطنين ،الذين يعتقدون أنهم يتمتعون بجميع شروط المواطنة ،و أخيرا أليس الغريب تلك النوازع و الميوالت العنصرية ،واإلثنية و القبلية التي تشكل أنا آخر داخل األنا ،و تجعل من الصعب إقامة عالقة مع الغير ،هكذا تنتهي كريستيفا إلى التأكيد على أن العالقة اإليجابية مع الغير ،ال ينبغي أن تقف عند حدود الغير .القريب أو الصديق ،وإنما ينبغي أن تتجاوزها إلى الغير البعيد أو الغريب :مطلب التركيب4 - يتبين من تحليل ومناقشة الموقف المعبر عنه في القولة ،أن هناك تباينا في فهم مسألة العالقة مع الغير ،فهناك من ذهب إلى تأكيد الطابع اإليجابي لهذه العالقة ،وهناك من ذهب عكس ذلك ،إلى التنصيص على العالقة السلبية مع الغير ،المؤسسة على الصراع والتشييئ ،لكن رغم المبررات التي يقدمها أصحاب القول بالعالقة السلبية مع الغير ،فإن ما يمكن تأكيده في هذا المجال ،هو أن العالقة مع الغير يجب أن تكون إيجابية ،لما لهذا الغير من أهمية قصوى في تشكيل هوية األنا كشخص، وفي غيابه تعيش األنا عزلة قاتلة ،لذا ال بد من رسم عالقة إيجابية مع الغير ،سواء كان هذا الغير قريبا منا أو غريبا عنا، وال يمكن بالتالي القبول بحكم الفيلسوف الفرنسي سارتر على الغير بأنه جحيم ،تَح َِّّو ل نظراته األنا إلى موضوع ،كما تحِّو ل نظرات األنا الغير إلى موضوع " ،إال إذا كانت نظرة بعضنا إلى بعض ال إنسانية ،وإال إذا شعر كل منا بأن أفعاله ،بدال من أن تتقبل وتفهم ،تخضع للمالحظة مثل أفعال حشرة ،كما قال بذلك الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي ،كما أنها ليست من نوع الصراع ،كما قال بذلك هيجل ،ألن الصراع بين البشر ،ال يفضي إال إلى الهدم والفناء ،فالعالقة اإليجابية مع الغير ،هي ما ينبغي أن يطبع الوجود اإلنساني ،ألن هذا النوع من العالقة ،هو الذي يضمن استمرارية هذا الوجود ،وهذه العالقة ال ينبغي أن تقف عند حدود الغير الصديق ،بل ينبغي أن تمتد إلى الغير الغريب ،حقا أن الصداقة تعتبر مختبرا حقيقيا لقدرات البشر على الوفاء والصدق ،لكن يبقى هذا المفهوم غير ذي معنى إذا ما انحصر في نطاق الغير القريب ،وُأقِص ِِى ما عداه من األغيار ،أي الغير الغريب ،مع العلم أن الموقف إزاء ما هو غريب ،هو أيضا مختبر حقيقي إلمكانيات البشر على تقبل وتفهم المخالف لنا في العقيدة والمأكل والمشرب ،إنه اختبار حقيقي لقبول االختالف ،أي قبول ما يفرق بين البشر ،وليس فقط لما يجمع بينهم ،لذا فالغير سواء كان فردا أو جماعة أو ثقافة ،صديقا أو غريبا ،قريبا منا أو بعيدا عنا ،هو جزء ال ينفصل عن الذات ،يمنحها الوجود والتحقق ،لهذا ال بد من إقامة عالقة تواصل معه ،عالقة تقوم على أساس االعتراف المتبادل ،مع نبذ كل أشكال التمييز واإلقصاء والعنف ،ألن الغير في نهاية المطاف ،ما هو إال أنا آخر بشري مثلنا ،ووجوده هو نداء للغير من أجل تجاوز النقص الذي يعتري األنا ،ونداء له من أجل حوار حضاري مبني على االحترام المتبادل .والتسامح ،بعيدا عن كل أنواع الهيمنة والتسلط