العلوم الإنسانية هواري 2024

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫العلوم اإلنسانية‬

‫االسئلة المحتملة‬

‫‪ -‬هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على النفس وعلى التاريخ؟‬


‫‪ -‬هل تستطيع العلوم اإلنسانية الوصول إلى الموضوعية والدقة العلمية؟‬
‫ً ‪ -‬هل تستطيع البحوث اإلنسانية تجاوز جميع العوائق لتصبح علوما؟‬

‫‪ )1‬المقدمة‪:‬‬
‫بعد القرن السابع عشر ظهر ما يسمى بالمنهج التجريبي وطرحت فكرة التجريب على المواد بمختلف أنواعها‪ ،‬فطبق هذا‬
‫المنهج على المادة الجامدة وظهرت الفيزياء والكيمياء‪ ،‬وطبق على المادة الحية وظهرت البيولوجيا‪ ،‬وبعد نهاية القرن‬
‫التاسع عشر أراد بعض العلماء التجريب على النفس البشرية وكذلك على التاريخ وهذا ما يسمونه بالعلوم اإلنسانية‪ ،‬ويمكننا‬
‫تعريف العلوم االنسانية على أنها «مجموعة دراسات وأبحاث عقالنية تتناول اإلنسان في جانبيه التاريخي والنفسي» وأراد‬
‫بعض العلماء التجريب عليهم بهدف أن تصبح علومًا مستقلة مثل الفيزياء وغيرها‪ ،‬لكن هذا لم يكن محل إتفاق عند‬
‫الجميع مما أدى إلى وجود موقفين متعارضين األول يرى أنه ال يمكن التجريب سواء على النفس أو التاريخ نظرا لوجود عوائق‪،‬‬
‫والثاني يرى أنه يمكن تخطي وتجاوز جميع العوائق وتصبح هذه الدراسات علومًا‪ ،‬لذلك نطرح التساؤالت اآلتية لنعالج بها هذه‬
‫المشكلة‪ ،‬هل يمكن تطبيق المنهج التجريبي على النفس وعلى التاريخ؟ وبصيغة فلسفية أخرى نقول هل تستطيع العلوم‬
‫اإلنسانية الوصول إلى الموضوعية والدقة العلمية؟‬

‫‪ )2‬الموقف األول‪:‬‬
‫يرى أنصار األطروحة األولى أن النفس والتاريخ حوادث ال يمكن التعامل معها على أساس أنها علوم بسبب وجود عدة عوائق مثل‬
‫تعذر المالحظة وعدم القدرة على تعميم القوانين‪ ،‬كما أنهم ال يخضعون لمبدأ الحتمية والسببية‪ ،‬وأهم من دافع عن هذا الموقف‬
‫نجد «ديدرو » « وليام جيمس» «وليام ستانلي» ميشيل فوكو» « فولتير» وكانت حججهم كاآلتي‬

‫العوائق التاريخية‪:‬‬
‫غياب الموضوعية‪ :‬يرى الفرنسي صاحب النزعة المادية «ديدرو» أنه يجب على العلوم التي تطبق المنهج التجريبي أن تعطي‬
‫األولوية للموضوعية العلمية‪ ،‬أي أن ال ينحاز الكاتب إلى أي طرف عندما يكون يسرد في األحداث والوقائع الماضية‪ ،‬ولكن من‬
‫المستحيل أن نجد هذا في التاريخ‪ ،‬أي غياب الدقة العلمية‪ ،‬بمعنى أن المؤرخ إنسان وينتمي إلى بلد معين وتربطه مع هذا‬
‫البلد عواطف و ذكريات وروابط عرقية أخرى يستحيل على أي إنسان أن يتجاوز هذه الروابط كلها‪ ،‬فهو يحدد بناء الماضي تبعا‬
‫لمعطيات الحاضر والدليل على ذلك أن الثورة الجزائرية إذا كان مؤرخها جزائري تكون بأسلوب معين وإذا كان المؤرخ فرنسي‬
‫سيكون هناك أسلوب آخر وتختلف األحداث والروايات من مؤرخ إلى آخر على حسب البلد على الرغم من أنهم يدرسون الموضوع‬
‫نفسه حتى المؤرخ الواحد ولو كان جزائري فأسلوبه قبل ‪ 1962‬ليس كأسلوبه بعد هذا العام‪ ،‬يقول « ديدرو» «هناك نوعان‬
‫من التاريخ التاريخ الذي يدرس في المدارس والتاريخ الذي تحجبه السياسة»‬

‫غياب مبدأ الحتمية‪ :‬الذي ينص على أن نفس االسباب تؤدي إلى نفس النتائج‪ ،‬وهي أحد الركائز األساسية في العلوم ولكن الوقائع التاريخية‬
‫فريدة من نوعها بحيث تكون لها ظروفها الخاصة ال نجدها كخصائص لهاد مشتركة في وقع آخر مما يصعب علينا وضع قانون معين‪ ،‬أي‬
‫أن الخصائص هذه (‪ )XX‬ال ينتج عنها (‪ )x‬على سبيل المثال السبب الذي أدى إلى شن فرنسا الحرب على الجزائر واستعمارها هو حادثة المروحة‬
‫ولكن وقعت حوادث مشابهة لحادثة المروحة مع العديد من السياسيين ولكن لم يحدث أي شيء فاألسباب التي أدت بفرنسا إلى االستعمار‬
‫وغزو تونس ليست األسباب نفسها التي أدت إلى استعمار الجزائر‪ ،‬وعلى الرغم من أن النتيجة هي نفسها أي االستعمار والغزو ولكن نجد أن‬
‫األسباب تختلف‪ ،‬يقول « ويليام ستانلي» «من السخف التفكير في أن التاريخ علم بالمعنى الصحيح» وعلى سبيل المثال لو وفرنا نفس األسباب‬
‫التي أدت إلى غزوات الرسول صلى اهلل عليه وسلم كغزوة أحد أو األحزاب في زماننا هذا فلن تقوم تلك الغزوات ألن الزمان يختلف واآلن‬
‫كل شبه الجزيرة العربية مسلمين وليس هناك داعي لقيام الحرب‪ ،‬بمعنى أنه نفس األسباب ال تؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج في الوقائع‬
‫التاريخية فهي تتأثر بالظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية وتختلف من زمان إلى آخر‪ .‬ال نستطيع التكرار في الوقائع التاريخية‪ :‬هناك‬
‫شرط في التجربة العلمية يجب أن يقوم به العالم وهو التكرار حتى يتأكد من القانون المضبوط وهذا مستحيل في التاريخ‪ ،‬حيث ال يمكن‬
‫إعادة األحداث وتكرارها لدراستها مجددا على سبيل المثال ال يمكننا إعادة أحداث أول نوفمبر أو هجومات الشمال القسنطيني لكي ندرسها‪.‬‬

‫‪Houari.Philo‬‬

‫‪1‬‬
‫العلوم اإلنسانية‬
‫غياب المالحظة العلمية‪ :‬ال نستطيع القيام بالمالحظة العلمية الدقيقة والتي من شروطها أنها تكون شاملة لكل األطراف‬
‫وفيها متابعة زمنية ومتابعة تطورات هذه الظاهرة‪ ،‬ففي التاريخ ال يمكن القيام بالمالحظة ألن الحوادث التاريخية حوادث‬
‫جرت في الماضي وليست حاضرة معنا في الوقت الحالي وحتى ولو كان هناك باحث في ذلك الوقت وأراد القيام بالمالحظة فإنه‬
‫لن يستوفي كل شروط المالحظة ألن المؤرخ في زمن الحرب يغلب عليه القلق والخوف والمؤرخ الحديث الذي يدرس اآلثار يجد‬
‫أن تلك األحداث قد تكون مغلوطة أو مشوهة‪ ،‬ومنه ال يمكن أن تكون النتائج دقيقة ومضبوطة بالشكل المطلوب وهذا‬
‫ما يمنع التنبؤ باألحداث المستقبلية‪ ،‬يقول «جون كيميني» «يستحيل التنبؤ مع البشر» ال يوجد معيار للصدق في التاريخ ألن‬
‫التاريخ يكتبه المنتصر على حسب دينه وعواطفه‪ ،‬فال يمكننا االطالع عن الحقائق واألمور الصحيحة‪ ،‬يقول «فولتير» «التاريخ‬
‫مجموعة من الخدع يحكمها األحياء على األموات على حسب رغباتهم»‬

‫العوائق التي تواجه الحالة النفسية‬


‫النفس غير مرئية وهي موجودة داخل الجسد‪ ،‬مما يصعب علينا مالحظتها علميا وال يمكننا األخذ والعمل ما يصعب علينا مالحظتها‬
‫علمها و بما يقوله اإلنسان المجرب عليه ألنه قد يغير أو يكتم ما يشعر به حقا هذا ما يمنعنا من وضع قانون على سبيل المثال‬
‫شخص يريد وظيفة معينة ولكنه يكره مدير تلك الوظيفة ولكن لكي يحقق مبتغاه عليه أن يتظاهر بالحب تجاه ذلك المدير حتى أن‬
‫المرضى النفسيين عندما يذهبون إلى طبيب نفساني يكتمون ما يشعرون به حقا وذلك بحكم خوفهم من الطبيب أو لعدم رغبتهم‬
‫في انكشاف أسرارهم‪ ،‬هذا ما الحظناه عند مرضى الطبيب النفساني «سيغموند فرويد» حيث كانوا يقاومون التنويم المغناطيسي‬
‫لكي ال يعلم ما بداخلهم حتى وإن علم ثم يخبرهم بعدما يستيقظون من النوم المغناطيسي قد ينتحرون رفضًا لفعل الطبيب‪،‬‬
‫يقول «مونتانيه» «ال أحد يعلم إن كنت جبان أو شجاع فهم ال يرونك» يقول «ميشال فوكو» «ال يوجد علم الظواهر الباطنية»‬

‫يقول «جون بول سارتر» «الحالة النفسية تتطور فال تعطي فرصة للمنهج التجريبي لكي يتدخل فيها» فمن العوائق أن‬
‫نفسية االنسان متغيرة وبالتالي ال نستطيع تطبيق االستقراء فيها‪ ،‬وهي غير ثابتة على وضع معين فاإلنسان يصبح بحالة‬
‫نفسية معينة ويمسي بحالة نفسية أخرى مغايرة للحالة النفسية السابقة تماما‪ ،‬فاإلنسان قد يغير حالته النفسية من الفرح‬
‫إلى الحزن بكلمة واحدة فقط‪ ،‬هذا ما ينتج لنا منحنى متباين النقاط‪ ،‬مما يصعب وضع قانون واحد ينطبق عليه‪ ،‬كما أنها‬
‫متغيرة من شخص إلى آخر أي أن ما يزعج شخص ما كوفاة صديق له قد يجعل شخص آخر ‪،‬فرحا ومنه فهي ليست ثابتة عند‬
‫الفرد الواحد وال عند مجموعة من األفراد هذا ما يمنع من وضع قانون عام وتطبيق االستقراء يقول «ويليام جيمس» في‬
‫هذا الصدد «كثيرا ما ننتقل من حكم إلى عزم ومن حب إلى بغضاء ومن ذكرى إلى ألم» الحالة النفسية كيفية فهي معنوية‬
‫وليست مادية وال نستطيع الوصول إليها باستخدام الحواس‪ ،‬أي أن العلم الطبيعي قائم على قوانين كمية من أوزان وكتل‬
‫يستطيع المجرب الوصول إليها والتحكم فيها والزيادة فيها والنقصان غير أن الحاالت النفسية ال نستطيع أن نقيسها أو أن‬
‫نزنها فال نستطيع أن نقول كم حالك بل نقول كيف حالك‪ ،‬وعادة ما نقول في حياتنا اليومية ال أستطيع أن أعبر كم أشعر‬
‫بالفرح وهذا ما يولد نسبية عظيمة في البحث ألن معيار الفرح عند شخص ما تختلف عن معيار الفرح عند شخص آخر‪.‬‬

‫‪ )3‬النقد‪:‬‬
‫على الرغم مما أتى به أنصار هذا الموقف من حجج صحيحة إال أنه يتخلله بعض السلبيات والنقائص فالمنهج التجريبي مرن وليس‬
‫ثابت في المالحظة والفرضية والتجربة على منوال واحد‪ ،‬ففي الظاهرة التاريخية تستطيع استعمال المالحظة غير المباشرة في‬
‫الملفات واالثار والناس والوقائع ونستطيع استعمال التجربة غير المباشرة في المقارنة بين األحداث التاريخية‪ ،‬كما أن هناك‬
‫العديد من المؤرخين الموضوعين في كتاباتهم والذين يتحلون باألمانة والصدق في نقل األحداث‪ ،‬كما أن للحاالت النفسية‬
‫علم ألن علماء النفس استطاعوا أن يحلوا العديد من المشاكل النفسية كالهستيريا وغيرها من الحاالت المرضية النفسية‬
‫وبالتالي نستطيع أن نطبق المنهج التجريبي على العلوم اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ )4‬الموقف الثاني‪:‬‬
‫يرى أنصار الموقف الثاني أنه يمكن تجاوز كل المعيقات والمشاكل التي تواجه العلوم اإلنسانية في تطبيقها للمنهج التجريبي‪،‬‬
‫ويمكننا اعتبار التاريخ عن يبحث في الوقائع واألحوال البشرية الماضية ‪ -‬ويمكننا اعتبار علم النفس بحث في السلوكات اإلنسانية‬
‫من أجل التحكم فيه والتنبؤ وأهم من دافع عنهذا الموقف نجد «رینان» ابن خلدون» «فرويد» «بافلوف» «واتسون»‬
‫تجاوز علم التاريخ للمعيقات‬
‫يقول «ارنست رينان» عن التاريخ «أنه فيه من النظام ما يجعله قريب إلى الدقة» فلكي نصل إلى الدقة الالزمة علينا أن نمر بمجموعة مراحل‬
‫(‪ )1‬جمع الملفات والمعلومات للوقائع اإلرادية مثل الروايات والقصائد النثور والوثائق الرسمية والصور الملفات غير اإلرادية مثل‬
‫السكن والسالح واللباس والمتاحف (‪ )2‬نخضع هذه المعلومات للنقد الخارجي أي المظهر كنوع الورق والحبر والخط ثم النقد الداخلي‬
‫‪Houari.Philo‬‬

‫‪2‬‬
‫العلوم اإلنسانية‬
‫وهو ما ورد في تلك الوثائق وما يوجد في تلك البالد‪ )3( .‬التركيب التاريخي حسب الترتيب الزمني بعد جمع المعلومات وتمحيصها‬
‫وغربلتها بالنقد نجد أنها مجموعة من األجزاء المفككة ثم نقوم بربط بعضها ببعض حسب التسلسل الزمني والتاريخي وهكذا‬
‫نكون وصلنا إلى الدقة العلمية المطلوبة ولكي تكون شاملة نقوم بتفسير الظواهر التاريخية التي نمتلكها بإرجاعها إلى االسباب‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الزمن هكذا نجد مبدأ السببية العلمي والدقة الشاملة مما يؤهله‬
‫لكي يصبح علما‪ ،‬ولكن يشترط أن يقوم بكل ما سبق مؤرخ مصطنع أي ليس له عالقة بأحد دون ذاتية فستظهر الموضوعية العلمية‪.‬‬

‫يقول «ابن خلدون» «األخبار والوقائع الماضية البد من المطابقة لها لمعرفة صدقها من كذبها» «فابن خلدون» بعد‬
‫أن وجد العديد من األخطاء التاريخية ألن المؤرخون كان يعتمدون على منهج الراوي‪ ،‬قام بإبداع المطابقة وهي أن نذهب‬
‫لتلك الحضارة أو المكان فإن كان ما روي صحيح موجود أم ال‪ ،‬وهكذا نكون قد طبقنا المالحظة ضمن صدق الظواهر التاريخية‬
‫ومن عند «ابن خلدون» في علم العمران البشري يتضح لنا أن هناك حتمية في التاريخ حيث أنه ال يوجد حضارات ودول ظهرت‬
‫عبر التاريخ إال ومرت بعدة مراحل وتكون بالشكل اآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬مرحلة النشأة‪ :‬ففي بداية األمر كان هناك عشائر وقبائل تقوم أما على العصبية أو الفضيلة الدينية | حيث نجد انهم كانوا يبحثون‬
‫عما هو ضروري للعيش ليس إال‪ 2 .‬مرحلة الملك ونجدهم قد تخلوا عن العصبية نوعا ما وبدأوا بالبحث عن نظام وملك يقودهم‬
‫وتتوسع الدائرة الجغرافية التي يقيمون فيها وتظهر حدود جغرافية ‪ 3‬مرحلة الترف عندما تصبح الدولة منظمة وتمتلك خزينة‬
‫مالية تدخل الملوك المفاسد االخالقية ‪ -‬وتضطرب االوضاع الداخلية‪ 4 .‬مرحلة السقوط وبعد ظهور المفاسد االخالقية للملوك‬
‫تبدأ الدولة في السقوط إما عن طريق الغزو ‪ -‬الخارجي أو االنقالب الداخلي‪ .‬هناك عدة امثلة على ذلك حيث نجد أن الحضارة الفرعونية‬
‫والبابلية واليونانية وحتى الدولة العباسية قد مرت بهذه المراحل ومنه نستنتج أن هناك دقة وتنظيم وحتمية في التاريخ‪.‬‬

‫تجاوز علم النفس للمعيقات‬


‫خصوصًا بعد ظهور علم النفس الفيزيولوجي الذي يعتمد على التجربة في المخبر كدليل على صدق الظاهرة أو كذبها وظهرت‬
‫العديد من المدارس السيكولوجية نذكر منها المدرسة السلوكية للعالم «جون واتسون» ركزت على السلوك الخارجي لإلنسان‬
‫وردود افعاله في المواقف بدال من دراسة الحالة الذهنية الداخلية‪ ،‬بحكم أن السلوك هو مرآة عاكسة لما يحدث في الداخل‬
‫أي في الحياة الذهنية بكل موضوعية وتدافع المدرسة السلوكية على أن السلوك الخاطئ‪ ،‬القلق المفرط‪ ،‬القوبيا‪ ،‬الخطأ في‬
‫الكالم أو الفعل هي نتيجة حوادث سابقة عاشها اإلنسان وليست عبثية ‪ ،‬وإذا حللناها تعلم بكل ما يخبئه وتسمى هذه‬
‫المالحظة غير المباشرة‪ ،‬وقد استوحى «واتسون» هذه الفكرة من عالم الفيزيولوجيا «بافلوف» المتحصل على جائزة نوبل‬
‫في عام ‪ 1905‬حول المنعكس الشرطي وطبقها «واتسون» مع الطفل البرت‪ .‬عام‬

‫تجربة «واتسون» وكانت مع طفل صغير عمره خمسة أشهر‪ ،‬وذات مرة عندما كان في المستشفى ‪ -‬أحضر معه فأر ذو‬
‫فراء أبيض ناصع جميل ووضعه بجانب الطفل ليتلمسه بكل براءة وحب تكررت هذه العملية عده مرات وذات مرة أمر بقرع‬
‫قطبي حديد واصدر صوت مزعج عند لمس الطفل للفأر وكانت النتيجة هي انهيار الطفل بالبكاء‪ ،‬وبتكرار تلك العملية حدثت‬
‫نفس النتائج ثم بعد ذلك أصبح يقوم بضرب قطبي الحديد دون لمس الطفل للفار ولكن بكى الطفل‪ ،‬كررها عدة مرات وكان‬
‫الطفل يبكي في كل مرة‪ ،‬وهذه نتيجة لمالحظة قام بها واستنتج كيفية تشكل الفوبيا والمخاوف وكيف أنه يكفي دراسة‬
‫سلوك اإلنسان وتحليله لمعرفة ما يجري بداخله وكانت هذه قاعدته المستخلصة ‪ :‬الحوادث السابقة تشكل سلوك الفرد ويجب‬
‫دراستها وتحليلها‪ ،‬وعمم هذه النتائج وأصبح بمجرد رؤيته لكائن حي ذو فراء أبيض يبكي لذلك يقول «واتسون» «علم النفس‬
‫كما يراه السلوكي جذع علمي تجريبي محض هدفه التنبؤ بالسلوك وضبطه» ويقول أيضًا « السيكولوجيا هي علم السلوك»‬

‫من بين المدارس التي اخضعت الظاهرة النفسية للتجربة مدرسة التحليل النفسي بقيادة «سيغموند فرويد» وقام باكتشاف‬
‫نظرية الالشعور و معالجة مرض الهستيريا النفسي الذي هو تحول االنفعاالت النفسية الحادة إلى امراض فيزيولوجية مثل‬
‫الحزن الشديد الذي يتسبب في فقدان البصر أو فقدان القدرة على الكالم أو شلل في الجسم بعدما كان األطباء يعالجون المرضى‬
‫بالهستيريا باإلبر واألدوية العتقادهم أنه مرض فيزيولوجي‪ ،‬ولكن مع «فرويد» تبين أنه مرض نفسي ومن بين هذه التجارب‬
‫هي على الطفلة «فروليف أنا» التي اصيبت بالعمى لحزنها الشديد والبكاء الدائم التي كانت تخفيها عن والدها الذي كان على‬
‫فراش الموت ومن جراء ذلك الكبت للبكاء اصبيت بالعمى ألنها كانت تبكي وتخفي دموعها على ابيها لكي ال يعلم أنها حزينة‬
‫ففي المرة األولى قام «فرويد» بتطبيق المنهج التجريبي وافترض أنه مرض عضوي فقام بفحص القرنية والشبكة وبؤرة‬
‫العين ووجدوا كل شيء سليم واعطى فرضية ثانية على أنه مرض نفسي وأنها فقدت بصرها كرد فعل عن تأثير الالشعور وقام‬
‫بتجريب عدة طرق عليها منها التنويم المغناطيسي فلم ينجح ثم قام بتجريب طريقة التداعي الحر لألفكار ونجح معها استنتج‬

‫‪Houari.Philo‬‬

‫‪3‬‬
‫العلوم اإلنسانية‬
‫قانون عام وهو أن المكبوتات إذا تركت قد تصبحهستيريا‪ ،‬لقد اعطى قاعدة عامة وهي تقسيم الجهاز النفسي‬
‫‪ 1‬الهو‪ :‬وهو مستودع الطاقة الغريزية وهو محل العقد‪.‬‬
‫‪ 2‬األنا‪ :‬وهو الذات وهو الحكم والموازن بين األنا األعلى والهو‬
‫‪ 3‬االنا األعلى‪ :‬وهي مجموع من الروادع لغرائز الهو وفيه الدين والمجتمع والقانون واالسرة وقام فرويد بإعطائنا اكتشاف‬
‫ما يوجد في الالشعور وعندما جربها نجحت واصبحت قواعد منها تفسير االحالم وزالت اللسان واالقالم أي الهفوات والنسيان‪.‬‬

‫‪ )5‬النقد‪:‬‬
‫على الرغم مما أتى به أنصار هذا الموقف من حجج صحيحة إال أنه يتخلله بعض السلبيات والنقائص منها غياب الفرضيات في‬
‫التاريخ‪ ،‬فال يمكن إعطاء تفسيرات مؤقتة لحوادث قد جرت مسبقا وكذلك غياب التنبؤ يقول «جون كامني» «يستحيل التنبو‬
‫مع البشر»‪ .‬كما أن النفس جوهرها الشعور وليس السلوك هم اهملوا دراسة الحال الباطنية كما أن النفس ذاتية مختلفة من‬
‫إنسان إلى آخر مما يمنع تطبيق مبدأ الحتمية‪.‬‬

‫‪ )6‬التركيب‪:‬‬
‫بعد التعرف على مختلف اآلراء ووجهات النظر حول موضوع تطبيق المنهج التجريبي على اإلنسان فمنهم من رأى أنه ال يمكن تطبيق‬
‫المنهج التجريبي في العلوم اإلنسانية‪ ،‬ومنهم من رأى العكس أي أنه يمكن ذلك‪ ،‬لكن األصح والمنطقي هو أن تعتبر كل من األبحاث‬
‫التاريخية ودراسة األحوال النفسية علوم‪ ،‬ولكن تحت شروط‪ ،‬فيجب مراعاة خصائص الظاهرة اإلنسانية ومميزاتها ألنها هي من تفرض‬
‫نوعية الدراسة والمنهجية المطبقة عليها بحكم التعقيد الذي فيها‪ ،‬وأن يكون للمجرب مسلمات ينطلق منها ونقاط يتوقف عندها‬
‫لكي ال يكون لدينا نتائج سلبية خاصة في علم النفس‪ .‬كذلك ال يمكن تكرار التجربة إذا أدت إلى أضرار على اإلنسان أو تشوهات يقول‬
‫«كلود ليفي ستراوس» «العلوم اإلنسانية لها القدرة على القيام بالتجارب واعادتها كما هو فيها العلوم الفيزيائية»‪.‬‬

‫‪ )7‬الخاتمة‪:‬‬
‫وفي األخير وكحل للتساؤل المطروح اعاله نستنتج ان تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر اإلنسانية ممكن‪ ،‬ولكن ال يمكن‬
‫إنكار المعيقات لهذا التطبيق ولكن هذه المعيقات قد تقل مع تطور العلم أكثر فأكثر وتقل نسبة الخطأ‪ ،‬فمن ناحية ال يمكن‬
‫انكار قيمة العلوم اإلنسانية ألنها اعطتنا فوائد كثيرة‪ ،‬من بينها االقتران الشرطي الذي حقق فوائد كثيرة للبشرية‪ ،‬حتى أنه‬
‫اصبحنا نراه في االعالنات‪ ،‬فعلى سبيل المثال شركة كوكا كوال تظهر إعالناتها مع المباريات وارتبطت بالرياضة والحركة‪،‬‬
‫هناك أيضا شركة اإلنتاج السيارات افلست واشترتها شركة أخرى أصبحت هذه الشركة تقوم بربط منتجاتها بالرفاهية وقاموا‬
‫باستدعاء المشاهير ليتحدثوا عن منتجهم من أجل ترك إنطباعات جميلة في نفسية المشاهد لكي يشتري منهم‪ ،‬وأما علم‬
‫التاريخ فقد حرر اإلنسانية من الخرافة والمعتقدات الخاطئة والكاذبة التي كانت سائدة في الماضي‬

‫‪Houari.Philo‬‬

‫‪4‬‬

You might also like