Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 244

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫رؤية إسالمية‬
‫ألحوال العالم المعاصر‬
‫تأليف‬
‫االستاذ محمد قطب‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم؛ (َقْد َخ َلْت ِم ْن َقْبِلُك ْم ُس َنٌن َفِس يُر وا ِفي اَأْلْر ِض َفاْنُظُر وا َك ْيَف َك اَن َعاِقَبُة اْلُم َك ِّذ ِبيَن ‪َ ،‬ه َذ ا‬
‫َبَياٌن ِللَّناِس َو ُه دًى َو َمْو ِع َظٌة ِلْلُم َّتِق يَن ) سورة آل عمران‪.‬‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬

‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫مقدمة‬
‫كيف يرى المسلم أحوال العالم المعاصر؟‬
‫ه ‪%%‬ل ل ‪%%‬ه ُر ْؤ ي ‪%%‬ة خاص ‪%%‬ة ب ‪%%‬ه؟ أم إن ‪%%‬ه يتن ‪%%‬اول األم ‪%%‬ور كم ‪%%‬ا ُتق ‪َّ%%‬دم ل ‪%%‬ه من خالل وس ‪%%‬ائل‬
‫اإلعالم العاملية؟‬

‫وما موقفه منها؟ أهو موقف المشارك‪ ،‬أم موقف المتفرج؟‬

‫وإذا شارك فمن أّي منطلق؟ وإذا تفّر ج فبعني من يتفرج؟‬

‫تلك أسئلة ينبغي أن نس‪%‬أهلا أنفس‪%‬نا‪ ،‬وأن تك‪%‬ون ل‪%‬دينا إجاب‪%‬ة واض‪%%‬حة عنه‪%%‬ا‪ .‬فالع‪%%‬امل‬
‫الي‪%%‬وم ُم تش‪%%‬ابٌك ‪ ،‬نعم‪ ،‬وُيعرَّب عن‪%%‬ه أحيان‪ً%‬ا بأن‪%%‬ه أص‪%%‬بح كالقري‪%%‬ة الص‪%%‬غرية بفع‪%%‬ل وس‪%%‬ائل االتص‪%%‬ال‬
‫احلديث‪%% %‬ة‪ ،‬ولكن الّن اس ‪ -‬حىّت يف القري‪%% %‬ة الص‪%% %‬غرية ‪ -‬ليسوا مش‪,, ,‬ربًا واح‪,, ,‬دًا‪ ،‬وال موقف ‪ً, ,‬ا‬
‫واحدًا‪ ،‬وال هلم رؤية واحدة جتاه مجيع األمور‪:‬‬

‫ِح‬ ‫ِلِف ِإ‬ ‫ِح‬


‫ِل(َوِل َل ْو َش اَء َر ُّب َك َلَجَع َل الَّن اَس ُأَّم ًة َو ا َد ًة َو ال َيَز اُلوَن ُمْخ َت يَن ‪ ،‬اَّل َمْن َر َم‬
‫َر ُّب َك َو َذ َك َخ َلَق ُه ْم )‪[ .‬س ‪%%‬ورة ه ‪%%‬ود‪ ،‬اآليت ‪%%‬ان ‪ .]119 ،118‬والكت ‪%%‬ل املتص ‪%%‬ارعة ‪ -‬يف‬
‫الع‪%‬امل الواس‪%‬ع أو يف القري‪%‬ة الص‪%‬غرية ‪ -‬لك‪ّ%‬ل منه‪%‬ا موقفه‪%‬ا اخلاّص ‪ ،‬ورؤيته‪%‬ا اخلاّص ة ملا جيري‬
‫يف األرض من أحداث‪.)1( .‬‬

‫واملسلمون ‪ -‬كما وصفهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬أمة من دون الّناس‬
‫" (‪.)2‬‬

‫فهل هم اليوم كذلك حًّق ا؟‬

‫ه ‪%%‬ل هلم ُر ْؤ يتهم اخلاّص ة وم ‪%%‬وقفهم اخلاص ‪ -‬على األق ‪%%‬ل كم ‪%%‬ا لك ‪ّ%‬ل أم ‪%%‬ة من األمم‬
‫األخ‪%% %‬رى ُر ْؤ يته‪%% %‬ا وموقفه‪%% %‬ا ‪ -‬أم إهنم أش‪%% %‬ياٌع متفرق‪%% %‬ون‪ ،‬وأتب‪%% %‬اع إم‪%% %‬ا هلذه الق‪%% %‬وة أو تل‪%% %‬ك‪،‬‬
‫ينظ‪%%‬رون باملنظ‪%%‬ار ال‪%%‬ذي يقّد م‪%%‬ه هلم س‪%%‬ادهتم‪ ،‬وي‪%%‬رون األم‪%%‬ور من خالل‪%%‬ه ‪ -‬أي كما ُيراد لهم‬

‫‪ )?(1‬أكتب ه‪%‬ذا وق‪%‬د اهنار املعس‪%‬كر الش‪%‬يوعي‪ ،‬وح‪%‬دث تق‪%‬ارب ملح‪%‬وظ بني روس‪%‬يا وأمريك‪%‬ا‪ ،‬ولكن ه‪%‬ذا‬
‫ال ينفي وجود الكتل العاملية املتصارعة‪.‬‬
‫‪ )?(2‬من وثيقة املوادعة بني املسلمني واليهود يف أول العهد باملدينة‪ .‬رواه ابن اسحاق‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أن َيَر ْو ها ‪ -‬ويش‪%%‬تجرون فيم‪%%‬ا بينهم‪ ،‬ال بس‪%%‬بب الّر ؤي‪%%‬ة اخلاص‪%%‬ة لك ‪ّ%‬ل منهم‪ ،‬ولكن بس‪%%‬بب‬
‫اختالف الرؤية من خالل املنظار الذي ُيقّد م لكل منهم!‬

‫والنتيجة‪..‬؟ ضياع‪!..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫المسلمون أّم ة من دون الناس‪ ،‬كم ‪%%‬ا أراد هلم خ ‪%%‬القهم وخمرجهم إىل الوج ‪%%‬ود‪،‬‬
‫وكم‪%%‬ا وص ‪%%‬فهم رس‪%%‬وله ص ‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ .‬وليس األم ‪%%‬ر جمّر د اختالٍف لالختالف‪ ،‬وال‬
‫ه‪%%‬و ك‪%%‬ذلك اختالٌف يف الّش كل أو يف الوجه‪%%‬ة م‪%%‬ع كون‪%%‬ه على املس‪%%‬توى ذاته م‪%%‬ع اآلخ‪%%‬رين‪.‬‬
‫إمنا هو اختالف له منشُؤ ه اخلاص‪ ،‬ومستواه اخلاص‪ ،‬وله هدفه اخلاص كذلك‪.‬‬

‫فأما من حيث المنشأ‪:‬‬

‫(ُقْل ِإَّنِني َه َد اِني َر ِّبي ِإَلى ِص َر اٍط ُمْس َتِق يٍم ِد ينًا ِقَيمًا ِم َّلَة ِإْبَر اِه يَم َح ِنيفًا َو َم ا َك اَن‬
‫ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.]161 :‬‬

‫(ُق ْل ِإِّني ُنِه يُت َأْن َأْع ُب َد اَّل ِذ يَن َتْد ُعوَن ِم ْن ُدوِن الَّل ِه ُق ْل ال َأَّتِب ُع َأْه َو اَءُك ْم َق ْد‬
‫َض َلْلُت ِإذًا َو َم ا َأَنا ِم َن اْلُم ْهَتِد يَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.]56 :‬‬

‫(ُق ِل الَّل َه َأْع ُب ُد ُمْخ ِلص ‪ً,‬ا َل ُه ِد يِني‪َ ،‬فاْع ُب ُد وا َم ا ِش ْئُتْم ِم ْن ُدوِنِه)‪[ .‬س‪%%‬ورة الزم‪%%‬ر‪،‬‬
‫اآليتان ‪.]15 ،14‬‬

‫وأما من حيث المستوى‪:‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]110 :‬‬

‫وأما من حيث الهدف‪:‬‬

‫(َو َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُن وا ُش َه َد اَء َعَلى الَّن اِس َو َيُك وَن الَّر ُس وُل‬
‫َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬البقرة‪ ،‬اآلية‪.]143 :‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومقتض ‪%%‬ى ك ‪%%‬وهنم أم ‪%%‬ة متم ‪%%‬يزة من دون الن ‪%%‬اس أن تك ‪%%‬ون هلم رْؤ يتهم الخاص‪,,‬ة لم‪,,‬ا‬
‫يج‪,‬ري من أح‪,‬داث في األرض‪ ،‬وم‪%%‬وقفهم اخلاص‪ ،‬فعلى أي أس‪%%‬اس يك‪%%‬ون م‪%%‬وقفهم‪ ،‬ومن‬
‫أي زاوية تكون رؤيتهم؟‬

‫إذا انطلق‪%%‬وا من املنطل‪%%‬ق " القومي " ‪ -‬كم‪%%‬ا يظّن بعض الن‪%%‬اس أّن ه‪%%‬ذا ه‪%%‬و املنطل‪%%‬ق‬
‫ال‪%%‬ذي مييز الن‪%%‬اس يف األرض بعض‪%%‬هم من بعض‪ ،‬وحُي ّد د هلم م‪%%‬وقفهم ورؤيتهم ‪ -‬فق‪%%‬د ض‪ّ,,‬لوا‬
‫الطريق من أول ُخ طوة‪ ،‬ودخلوا يف املتاهة اليت أدخلهم فيها الذين كانوا يوجهوهنم ‪ -‬وال‬
‫يزال ‪%%‬ون ‪ -‬ليفّر ُق وا وح ‪%%‬دهتم السياس ‪%%‬ية من جه ‪%%‬ة‪ ،‬وليميع ‪%%‬وا شخص ‪%%‬يتهم املتم ‪%%‬يزة من جه ‪%%‬ة‬
‫أخ ‪%%‬رى‪ ،‬ال ‪%%‬يت منه ‪%%‬ا اختذوا وج ‪%%‬ودهم اخلاص‪ ،‬وهي ك ‪%%‬وهنم " مسلمين "‪ " ..‬أم ‪,,‬ة من دون‬
‫الناس "‪.‬‬

‫وإذا انطلق ‪%%‬وا من املنطل ‪%%‬ق " األي‪,,‬ديولوجي " ‪ -‬كم ‪%%‬ا يس ‪%%‬مونه ‪ -‬إم ‪%%‬ا " ليربال ‪%%‬يني "‪،‬‬
‫وإم ‪%%‬ا " اشتراكيين " أو " ماركسيين "‪ ،‬فق ‪%%‬د دخل‪%%‬وا يف املتاه ‪%%‬ة ك‪%%‬ذلك‪ ،‬وَج َر ْو ا مغمض ‪%%‬ي‬
‫األعني وراء ال‪%‬ذي ُجَيّر وهنم إىل ه‪%%‬ذا االجتاه أو ذاك‪ ،‬ف‪%‬إن أرادوا أن " ينظ‪%‬روا " ق‪%‬دم هلم ك‪ّ%‬ل‬
‫اجتاه منظاره‪ ،‬وقال هلم كما قال فرعون من قب‪%%‬ل‪َ( :‬م ا ُأِر يُك ْم ِإاَّل َم ا َأَر ى َو َم ا َأْه ِد يُك ْم ِإاَّل‬
‫َس ِبيَل الَّر َش اِد ) [غافر‪ ،‬اآلية‪.]29 :‬‬

‫إنم‪,, ,‬ا منطلق المسلمين يح‪,, ,‬دده كونهم " مسلمين "‪ ..‬أي أّن منطلقهم هو‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫واإلسالم عقيدة‪ ،‬وشعرية‪ ،‬وشريعة‪ ،‬ونظام سياسي واقتصادي واجتماعي‪ ،‬ورؤية‬


‫خاص ‪%%‬ة للك ‪%%‬ون واحلي ‪%%‬اة واإلنس ‪%%‬ان‪ ،‬ورؤي ‪,,‬ة خاص ‪,,‬ة كذلك لم ‪,,‬ا يح ‪,,‬دث من أح ‪,,‬داث في‬
‫األرض‪ ،‬وتفسير خاص للتاريخ (‪.)3‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وق‪%%‬د يعيش الف‪%%‬رد الع‪%%‬ادي يف ك‪%%‬ل أم‪%%‬ة ‪ -‬ذل‪%%‬ك ال‪%%‬ذي يس‪%%‬مونه " رجل الش‪,,‬ارع! "‬
‫بغري وعي وال فهم ملا يدور حوله من أحداث‪ ،‬ألنه يتناول احلياة ُج زئية جزئية بغ‪%%‬ري تراب‪%%‬ط‪،‬‬
‫وألنه مشغول بأمور حياته اليومية أو أمور ش‪%‬هواته‪ ،‬وألن‪%‬ه ال ص‪%%‬رب ل‪%‬ه على حتلي‪%‬ل األح‪%‬داث‬
‫وتعمقها‪ ،‬فهو يتناول األمور جاهزة من وسائل إعالمه‪ ،‬كم‪%‬ا يتن‪%‬اول وجب‪%‬ة الطع‪%%‬ام اجلاهزة‬

‫‪ )?(3‬راجع إن شئت كتاب " حول التفسري اإلسالمي للتاريخ "‪.‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫من الس ‪%%‬وق‪ ،‬أو كم ‪%%‬ا يتن ‪%%‬اول حّب ة " الفيتامين ‪%%‬ات " اجلاهزة ال ‪%%‬يت أع ‪%%‬دها ل ‪%%‬ه األخص ‪%%‬ائيون يف‬
‫الدواء!‬

‫ولكن مفك ‪%%‬ري األمم وكتاهبا فض‪ً% %‬ال عن قادهتا وأويل األم ‪%%‬ر فيه ‪%%‬ا ال يعيش ‪%%‬ون هبذا‬
‫التبع ‪%% % %‬ثر وه ‪%% % %‬ذه الس ‪%% % %‬طحية وإال هلكوا وأهلكوا أممهم! إمنا هم ُيفّك رون‪ ،‬وحُي ّلل ‪%% % %‬ون‪،‬‬
‫وَيقيس ‪%%‬ون وُيرّج ح ‪%%‬ون‪ ،‬ويكّو ن ‪%%‬ون يف النهاي ‪%%‬ة رؤيتهم اخلاص ‪%%‬ة وم ‪%%‬وقفهم اخلاص‪ ،‬الن ‪%%‬ابع يف‬
‫النهاية من أفكارهم الرئيسية ومعتقداهتم‪.‬‬

‫وق ‪%% % % %‬د ُيق ‪%% % % %‬ال ‪ -‬يف عجل ‪%% % % %‬ة س ‪%% % % %‬طحية ‪ -‬إن ال ‪%% % % %‬ذي حُي ّر كهم‪ ،‬أو حُي دد هلم رؤيتهم‬
‫وموقفهم‪ ،‬هو " مصالحهم "‪.‬‬

‫وك ‪%%‬وهنم يس ‪%%‬عون إىل حتقي ‪%%‬ق مص ‪%%‬احلهم ه ‪%%‬ذا واق ‪%%‬ع ال س ‪%%‬بيل إىل الّش ّك في ‪%%‬ه‪ .‬ولكن‬
‫كي‪%%‬ف يتم تك‪%%‬ييفهم وحتدي‪%%‬دهم ملص‪%%‬احلهم؟ م‪%%‬ا " المصلحة " يف ع‪%%‬رفهم؟ م‪%%‬ا ح‪%%‬دودها‪ ،‬وم‪%%‬ا‬
‫مواصفاهتا‪ ،‬وما الوسائل املؤدية إىل حتقيقها؟‬

‫إهنا يف النهاي ‪%% %‬ة نظ ‪%% %‬رة " عقائدّي ة " أراد اإلنس ‪%% %‬ان أم مل ي ‪%% %‬رد! نظ ‪%% %‬رة مس ‪%% %‬تمّد ة من‬
‫معتقدات اإلنسان وتصوراته‪ ..‬من طريقة نظرته للكون واحلياة واإلنسان‪ ..‬من إجابته على‬
‫ه‪%%‬ذا الس‪%%‬ؤال اجلوهري‪ :‬م‪%%‬ا اإلنس‪%%‬ان؟ م‪%%‬ا تكوين‪%%‬ه؟ م‪%%‬ا ح‪%%‬دود طاقاته؟ م‪%%‬ا غاي‪%%‬ة وج‪%%‬وده؟ م‪%%‬ا‬
‫الوسائل اليت يستخدمها لتحقيق غاية وجوده‪ ..‬بعبارة أخرى‪ :‬ما منهج حياته؟‬

‫ومن مث نرجع إىل نقطة البدء‪ :‬إن كّل أمة لها ‪ -‬بداهة ‪ -‬معيارها الذي تقّو م به‬
‫أحوال العالم المعاصر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وللمسلمين رؤيتهم الخاص‪,, ,‬ة ‪ -‬أو يجب أن تكون لهم رؤيتهم الخاص‪,, ,‬ة ‪-‬‬
‫ألح‪,‬وال الع‪,,‬الم المعاص‪,‬ر‪ ،‬الرؤي‪,‬ة النابع‪,,‬ة من معتقداتهم وتص‪,,‬وراتهم وقيمهم‪ ،‬ونظرتهم‬
‫للكون والحياة واإلنسان‪ ،‬وإدراكهم لغاي‪,,‬ة وجودهم الخاص‪,,‬ة‪ ،‬ومهمتهم في األرض‪..‬‬
‫أي إدراكهم أنهم " مسلمون "‪.‬‬

‫ولقد ناقش‪%‬ت يف كت‪%‬اب س‪%‬ابق (‪ )4‬الُّش َبَه ال‪%‬يت ُتث‪%‬ار حني ُيْد َعى املس‪%‬لمون لكي َيَر ْو ا‬
‫رؤيتهم اخلاص ‪%%‬ة‪ ،‬ويقف ‪%%‬وا م ‪%%‬واقفهم اخلاص ‪%%‬ة‪ ،‬والتهم ال ‪%%‬يت توج ‪%%‬ه إليهم‪ :‬هتم ‪%%‬ة الرجعي‪,,‬ة وهتم ‪%%‬ة‬
‫‪ )?(4‬كتاب " حول التفسري اإلسالمي للتاريخ "‪.‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫التعصب‪ ،‬وهتمة اتخاذ " عملة خاصة "‪ ،‬غري العملة املتداول‪%%‬ة اآلن يف األرض‪ ..‬وقلت إهنا‬
‫كلها كالم ال وزن له‪ .‬فأوربا هلا " عملتها " اخلاصة‪ ،‬وتريد أن تفرضها علين‪%‬ا ب‪%‬دعوى أهنا‬
‫هي العمل ‪%%‬ة " العالمي‪,,‬ة "! ف ‪%%‬إذا حنن أردن ‪%%‬ا أن نس ‪%%‬تخدم عملتن ‪%%‬ا اخلاص ‪%%‬ة ‪ -‬على األق ‪%%‬ل كم ‪%%‬ا‬
‫يس ‪%% %‬تخدمون هم عملتهم ‪ -‬قي ‪%% %‬ل لن ‪%% %‬ا إنكم متعص‪,, ,‬بون‪ ..‬ورّدده ‪%% %‬ا وراءهم أتب ‪%% %‬اعهم من "‬
‫المسلمين "! وزادوا على ذلك قصة العامل الذي أصبح كالقري‪%%‬ة الص‪%%‬غرية‪ ،‬ال حيتم‪%%‬ل التم‪%%‬يز‬
‫وال االختالف! بينما القرية ‪ -‬أمامهم ‪ -‬تعج باخلالف!!!‬

‫وما أريد هنا أن أكرر ما قلته هناك يف ذلك الكتاب‪.‬‬

‫إمنا أقول فقط إن الرْؤ ية اإلسالمية ألحوال العامل املعاصر ليست هوًى خاًّص ا‪ ،‬وال‬
‫مزاج ‪ً%‬ا شخص ‪ًّ%‬يا‪ ،‬وال تعص ‪%%‬بًا ألي مع ‪%%‬ىن من املع ‪%%‬اين " األرض ‪%%‬ية " ال ‪%%‬يت يتعص ‪%%‬ب هلا الن ‪%%‬اس يف‬
‫اجلاهلية‪:‬‬

‫" ليس مّنا من دعا إلى عصبية‪ ،‬وليس مّنا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس مّنا من‬
‫مات على عصبية " (‪.)5‬‬

‫إمنا هي حماول ‪%%‬ة للتع‪%% %‬رف على " السنن الرباني ‪,,‬ة " ال ‪%%‬يت حتكم واق ‪%%‬ع الع‪%% %‬امل الي ‪%%‬وم‪،‬‬
‫وحماولة لتفسري األحداث اجلارية على ضوء تل‪%‬ك الس‪%‬نن الرباني‪%‬ة‪ ،‬للتع‪%‬رف على مغ‪%‬زى تل‪%‬ك‬
‫األحداث من جهة‪ ،‬وما ميكن أن تئول إليه من جهة أخرى‪.‬‬

‫ومن مث فهي دراس‪,,‬ة " موض‪,,‬وعية " بحت‪,,‬ة‪ " ،‬علمي‪,,‬ة " بحت‪,,‬ة‪ ..‬ولكن بالمقاييس‬
‫الصحيحة للعلمية وللموضوعية‪ ،‬المستمدة من كتاب اهلل‪ ،‬ومن س‪,,‬نة رس‪,,‬وله ص‪,,‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ال من أهواء البشر وشهواتهم‪.‬‬

‫واالس‪%%‬تمداد من كت‪%%‬اب اهلل وس‪%%‬نة رس‪%%‬وله ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬يف تفس‪%%‬ري أح‪%%‬وال‬
‫الع‪%%‬امل املعاص‪%%‬ر‪ ،‬ه‪%%‬و ‪ -‬كم‪%%‬ا قلت يف كت‪%%‬ايب الس‪%%‬ابق " ح‪%%‬ول التفس‪%%‬ري اإلس‪%%‬المي للت‪%%‬اريخ " ‪-‬‬
‫اجته‪%% %‬اد بش‪%% %‬ري‪ ،‬ميكن أن خُي طئ وأن ُيص‪%% %‬يب‪ ،‬كاجته‪%% %‬اد الفقي‪%% %‬ه يف اس‪%% %‬تنباط األحك‪%% %‬ام من‬
‫كت ‪%%‬اب اهلل وس ‪%%‬نة رس ‪%%‬وله ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ..‬ولكن ‪%%‬ه يظ ‪%%‬ل أك ‪%%‬ثر انض ‪%%‬باطا وأق ‪%%‬رب إىل‬
‫الصواب من التفسري الذي يستند فقط إىل األهواء‪:‬‬

‫(َو َل ِو اَّتَب َع اْلَح ُّق َأْه َو اَءُه ْم َلَف َس َد ِت الَّس َم اَو اُت َو اَأْلْرُض َو َمْن ِفيِه َّن )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫املؤمنون‪ ،‬اآلية‪.]71 :‬‬

‫‪ )?(5‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫(‪)5‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نظرة سريعة إىل أحوال العامل املعاصر تبني ثالثة خطوط عريضة رئيسية‪:‬‬

‫الخط األول‪ :‬ه ‪%%‬و متّك ن أورب ‪%%‬ا يف األرض‪ ،‬وس ‪%%‬يطرهتا على الع ‪%%‬امل‪ ،‬س ‪%%‬واء غ ‪%%‬رب‬
‫أوربا بامتداده الذي يشمل أمريكا‪ ،‬أم شرق أوربا الذي يشمل روسيا وملحقاهتا‪.‬‬

‫والخط الثاني‪ :‬ه‪%%‬و الس‪%%‬يطرة العاملي‪%%‬ة لليه‪%%‬ود‪ ،‬ال‪%%‬يت متت‪%%‬د فتش‪%%‬مل معظم دول األرض‬
‫‪ -‬الغربية والشرقية ‪ -‬وتوجهها لتحقيق مصاحل اليهود وأهدافهم وخمططاهتم‪.‬‬

‫والخط الث‪,‬الث‪ :‬ه‪%%‬و الض‪%%‬عف املزري ال‪%%‬ذي يعيش‪%%‬ه املس‪%%‬لمون يف األرض‪ ،‬وس‪%%‬يطرة‬
‫األعداء على بالدهم‪ ،‬س‪%‬واء ك‪%‬انت س‪%‬يطرة عس‪%‬كرية أو سياس‪%‬ية أو اقتص‪%‬ادية أو فكري‪%‬ة‪ ،‬أو‬
‫مزيج ‪ً,‬ا من ذل‪,,‬ك كّله‪ ،‬وه ‪%%‬وان املس‪%%‬لمني على أنفس ‪%%‬هم وعلى الن ‪%%‬اس‪ ،‬وض ‪%%‬ياعهم وتش ‪%%‬تتهم‬
‫وقلة حيلتهم يف املعركة الضارية اليت يعيشها الناس اليوم يف األرض‪.‬‬

‫هذا الواقع امللموس له أسبابه وال شّك ‪ ،‬وله نتائجه كذلك‪.‬‬

‫ودرستنا يف ه‪%‬ذا الكت‪%‬اب املوجز معنّي ة أساس‪ً%‬ا بدراس‪%‬ة األس‪%‬باب ال‪%‬يت أدت إىل ه‪%‬ذا‬
‫الواق‪%%‬ع من خالل الُّس نن الرّباني‪,,‬ة ال‪%%‬يت بينه‪%%‬ا اهلل يف كتاب‪%%‬ه املنزل ويف س‪%%‬نة رس‪%%‬وله ص‪%%‬لى اهلل‬
‫علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬الس‪%%‬تخالص حقيق‪%%‬ة أولي‪%%‬ة مهم‪%%‬ة هي كون هذا الواق‪,,‬ع ‪ -‬بكّل ح‪,,‬ذافيره ‪-‬‬
‫هو التحقيق الدقيق لتلك السنن الرَّبانية‪ ،‬ولوعد اهلل ووعي‪,,‬ده ؛ مث اس‪%%‬تخالص الع‪%%‬ربة من‬
‫ذلك‪ ،‬وهي وجوب الرجوع إلى تلك الّس نن إذا رغبنا يف تغيري واقعنا السيئ الذي نعيشه‬
‫اليوم إىل واقع أفضل‪ .‬فالتغيري كذلك له س‪%‬ننه الرَّباني‪%‬ة ال‪%‬يت جيري مبقتض‪%‬اها‪ ،‬وال‪%‬يت ال ب‪%‬د من‬
‫التعرف عليها إن أردنا االستفادة منها‪.‬‬

‫كما هتدف هذه الدراسة كذلك ‪ -‬إىل جانب حماول‪%%‬ة رْؤ ية الواق‪,,‬ع المعاص‪,‬ر على‬
‫ضوء الّس نن الربانية ‪ -‬إىل إلقاء نظرة على المستقبل‪ ،‬وم‪%%‬ا يتوق‪%%‬ع من أحوال‪%%‬ه‪ ،‬انطالق‪ً%‬ا من‬
‫األحوال احلاضرة وترتيبًا عليها‪.‬‬

‫ولن تكون هذه احملاولة رمجًا بالغيب‪ ،‬فالغيب ال يعلمه إال اهلل‪:‬‬

‫(ُق ْل ال َيْع َلُم َمْن ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض اْلَغْيَب ِإاَّل الَّل ُه)‪[ .‬س‪%%‬ورة النم‪%%‬ل‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]65‬‬

‫(‪)6‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن تكون تتبعًا للسنن الرّبانية‪ ،‬ولوعد اهلل ووعيده‪ ،‬ومحاولة لقراءة المستقبل‬
‫على ذلك الضوء‪.‬‬

‫ولئن كانت رْؤ ية الحاضر تش‪%‬تمل أساس‪ً%‬ا على تق‪%%‬ومي مواق‪%‬ع الُق وى العاملي‪%‬ة الثالث‬
‫العامل ‪%%‬ة في ‪%%‬ه‪ ،‬وهي اليه‪,,‬ود والنص‪,,‬ارى والمسلمون‪ ،‬وتق ‪%%‬دير م ‪%%‬واقفهم‪ ،‬فق ‪%%‬راءة المستقبل‬
‫كذلك هي حماولة للتعرف على املواقع المتوقعة لتلك القوى الثالث ومواقفها يف املس‪%%‬تقبل‬
‫القريب واملستقبل البعيد (‪ - )6‬على ضوء السنن الربانية كم‪%‬ا أس‪%‬لفنا‪ ،‬وعلى ض‪%‬وء وع‪%‬د اهلل‬
‫ووعي‪%% %‬ده ‪ -‬م‪%% %‬ع الرتك‪%% %‬يز على م‪%% %‬ا يلقي‪%% %‬ه ذل‪%% %‬ك من التبع‪%% %‬ات على األم‪%% %‬ة اإلس‪%% %‬المية‪ ،‬وعلى‬
‫الص‪,,‬حوة اإلس‪,,‬المية بص‪,,‬فة خاص‪,,‬ة‪ ،‬إن أرادت أن تص ‪%%‬ل إىل ش ‪%%‬يٍء حقيقّي ‪ ،‬وأن حُت ّق ق م ‪%%‬ا‬
‫ندبت نفسها إليه من أهداف‪.‬‬

‫وفي ظّني أن التوعية بأحوال العالم المعاصر‪ ،‬وم‪,,‬ا يتوق‪,,‬ع أن تُئ ول إلي‪,‬ه األم‪,,‬ور‬
‫في المستقبل‪ ،‬هي مسألة من صميم اهتمامات الدعوة‪ ،‬وواجب من الواجبات المهم‪,,‬ة‬
‫الملقاة على عاتق الدعاة الذين ندُبوا أنفسهم إليقاظ هذه األم‪,,‬ة وإرشادها إلى السبيل‬
‫المؤدية إلى النصر بعون اهلل وتوفيقه‪.‬‬

‫ويف ختام هذه املقدمة أوجه كلمة إىل القارئ‪:‬‬

‫إن القارئ املتتبع لكتيب السابقة‪ ،‬وخباصة األخرية منها‪ " :‬مذاهب فكرية معاصرة‬
‫" و " واقعنا المعاص‪,,‬ر " و " مف‪,,‬اهيم ينبغي أن ُتص ‪ّ,‬ح ح " و " ح‪,,‬ول التفسير اإلس‪,,‬المي‬
‫للت‪,,‬اريخ "‪ ،‬ق ‪%%‬د حيّس أن ‪%%‬ه ال ُيوج ‪%%‬د يف كت ‪%%‬اب الي ‪%%‬وم " معلوم‪,,‬ات " جدي ‪%%‬دة يض ‪%%‬يفها إىل م ‪%%‬ا‬
‫سبق أن قرأه يف تلك الكتب‪ ..‬ولكن اجلديد فيه ‪ -‬م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك ‪ -‬ه‪%%‬و حماول‪%%‬ة جتمي‪%%‬ع الخيوط‬
‫لرسم صورة متكاملة للواقع الذي يعيشه العالم اليوم‪ ،‬وموقع المسلمين منه‪ ،‬وكذلك‬
‫محاولة رسم صورة لما ُيتوّقع أن تئول إليه األمور في المستقبل‪.‬‬

‫ويف ظيّن أن هذا أمر يستحق أن ُيفرد بالبحث‪ ،‬وأن ُتوّج ه إلي‪%‬ه األنظ‪%‬ار‪ ،‬ح‪%‬ىت وإن‬
‫ك ‪%%‬انت مفرداته متن ‪%%‬اثرة يف عش ‪%%‬رات الكتب من قب ‪%%‬ل‪ .‬فليس املهم هن ‪%%‬ا ه ‪%%‬و " المعلوم‪,,‬ات "‬
‫بق ‪%%‬در م ‪%%‬ا ه ‪%%‬و " الدالل‪,,‬ة " املس ‪%%‬تخرجة من املعلوم ‪%%‬ات‪ ،‬وال ‪%%‬يت ُي رجى من دراس ‪%%‬تها اكتس ‪%%‬اب‬
‫البصرية الالزمة يف حركة الّد عوة‪ ،‬واليت أشارت إليها اآلية الكرمية‪:‬‬
‫‪ )?(6‬الواقع أن القوى العاملية – كما أشار إليها القرآن الكرمي – أربع‪ :‬اليهود والنصارى واملش‪%%‬ركون من‬
‫غ ‪%%‬ري أه ‪%%‬ل الكت ‪%%‬اب واملس ‪%%‬لمون‪ .‬ولكن ‪%%‬ا اكتفين ‪%%‬ا يف دراس ‪%%‬ة الواق ‪%%‬ع املعاص ‪%%‬ر ب ‪%%‬القوى الثالث ذوات األمهي ‪%%‬ة‬
‫اخلاص ‪%%‬ة‪ ،‬على أس ‪%%‬اس أن املش ‪%%‬ركني يف األرض الي ‪%%‬وم خاض ‪%%‬عون يف احلقيق ‪%%‬ة إلح ‪%%‬دى الق ‪%%‬وتني‪ :‬اليه ‪%%‬ود أو‬
‫النصارى أو كلتيهما معًا‪.‬‬

‫(‪)7‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ُقْل َه ِذِه َس ِبيِلي َأْد ُع و ِإَلى الَّل ِه َعَلى َبِص يَر ٍة َأَنا َو َم ِن اَّتَبَعِني َو ُس ْبَح اَن الَّل ِه َو َم ا‬
‫َأَنا ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ) [سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.]108 :‬‬

‫ويف اآلي‪%%‬ة إش‪%%‬ارة واض ‪%%‬حة إىل أن البص ‪%%‬رية مطلوب‪%%‬ة يف ال ‪ّ%‬د عوة هلذا ال ‪ّ%‬د ين‪ ،‬كاإلميان‬
‫سواء بسواء‪ ،‬وأن على أتباع حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أن يتلّم س‪%‬وا تل‪%‬ك البص‪%%‬رية لريُمسوا‬
‫على هداها خطواهتم‪ ،‬مث يرجوا من اهلل السداد‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فما اهتديت إليه من ص‪%%‬واب يف ه‪%%‬ذه الدراس‪%‬ة فه‪%%‬و من توفي‪%‬ق اهلل‪ ،‬وم‪%%‬ا قع‪%%‬د‬
‫به العجز البشري فهو مردود إليه‪..‬‬

‫" َو َم ا َتْو ِفيِق ي ِإاَّل ِبالَّلِه َعَلْيِه َتَو َّك ْلُت َو ِإَلْيِه ُأِنيُب "‪.‬‬

‫محمد قطب‬

‫(‪)8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫الجاهلية المعاصرة‬
‫أوال‪ :‬تمهيد في معنى الجاهلية‬
‫يستنكر كثٌري من الناس أن نصف األوضاع السائدة يف معظم أرج‪%%‬اء األرض الي‪%%‬وم‬
‫بأهنا " جاهلي‪,,‬ة "‪ ،‬وحيس ‪ُ%‬بون ذل ‪%%‬ك تزاي ‪%%‬دًا ال يلي ‪%%‬ق‪ ،‬ووص ‪%%‬فًا خاطئ ‪ً%‬ا‪ ،‬ال يتناس ‪%%‬ب م ‪%%‬ع واق ‪%%‬ع‬
‫احلال‪.‬‬

‫والسبب يف ذلك أهنم يفهمون من اجلاهلية صورة معينة‪ ،‬يروهنا غ‪%%‬ري منطبق‪%%‬ة على‬
‫الواقع اليوم‪ ..‬فيبنغي أوًال أن نفهم حقيقة اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬ل‪%‬نرى م‪%‬دة انطباقه‪%‬ا على ه‪%‬ذا الواق‪%‬ع أو‬
‫ُبعدها عنه‪.‬‬

‫ولنعلم ‪ -‬ب‪%%‬ادئ ذي ب‪%%‬دٍء ‪ -‬أن لف‪%%‬ظ " الجاهلي‪,,‬ة " مص‪%%‬طلح ق‪%%‬رآين‪ .‬وه‪%%‬ذه الص‪%%‬يغة‬
‫بالذات ‪ -‬صيغة " الفاعلية " ‪ -‬مل ترد يف اس‪%‬تعمال احلرب قب‪%‬ل ن‪%‬زول الق‪%%‬رآن الك‪%‬رمي‪ .‬فق‪%%‬د‬
‫اس ‪%%‬تخدموا الفع ‪%%‬ل " َج ِه َل "‪ ،‬وتص ‪%%‬ريفاته املختلف ‪%%‬ة‪ ،‬واس ‪%%‬تخدموا املص ‪%%‬در‪ " :‬الجه‪,,‬ل " و "‬
‫الجهال‪,,‬ة "‪ ،‬ولكنهم مل يس‪%%‬تخدموا ص‪%%‬يغة " الفاعلي‪,,‬ة " (جاهلي‪,,‬ة)‪ ،‬وال هم وص‪%%‬فوا أنفس‪%%‬هم‬
‫وال غ‪%%‬ريهم ب‪%%‬أهنم " جاهليون "‪ .‬إمنا ج‪%%‬اء وص‪%%‬فهم هبذه الص‪%%‬فة يف الق‪%%‬رآن الك‪%%‬رمي‪ ،‬ويف س‪%%‬نة‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫واملص ‪%% %‬طلح الق ‪%% %‬رآين ‪ -‬ك‪%% %‬ل مص ‪%% %‬طلح ق‪%% %‬رآين ‪ -‬ه ‪%% %‬و اس‪%% %‬تخدام خ‪%% %‬اٌّص للف‪ٍ% % %‬ظ من‬
‫األلف ‪%% %‬اظ‪ ،‬خُي صص ‪%% %‬ه مبع ‪%% %‬ىن ُمعنّي ‪ ،‬ال ُيفهم من املع ‪%% %‬ىن اللغ ‪%% %‬وّي على ه ‪%% %‬ذا النح ‪%% %‬و اخلاص إال‬
‫بتخصيص القرآن الكرمي له‪ ،‬وإن كان يدخل ‪ -‬بداهة ‪ -‬يف إطار املعىن العام‪..‬‬

‫فالص‪%%‬الة يف اللغ‪%%‬ة مثًال هي ال‪ّ,‬د عاء‪ .‬والزك‪%%‬اة هي الّطه‪,,‬ارة‪ .‬وال‪ّ%‬د ين ه‪%%‬و م‪,,‬ا يعتقده‬
‫اإلنسان ويدين به‪ .‬واإلميان هو التصديق‪..‬‬

‫ولكن " الص‪,,‬الة " يف املص ‪%%‬طلح الق ‪%%‬رآين‪ ،‬هي تل ‪%%‬ك اهليئ ‪%%‬ة اخلاص ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت يق ‪%%‬ف فيه ‪%%‬ا‬
‫اإلنس‪%%‬ان بني ي‪%%‬دي م‪%%‬واله‪ ،‬مّتجه ‪ً%‬ا وجه‪%%‬ة معين‪%%‬ة‪ ،‬راكع ‪ً%‬ا س‪%%‬اجدًا قائم ‪ً%‬ا قاع‪%%‬دًا داعي ‪ً%‬ا مس ‪ّ%‬بحًا‬
‫كما أمر اهلل‪ ،‬وكما بنّي رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫و " الزكاة " هي تلك النسبة املعينة اليت ُيؤّديها املسلم من مال‪%‬ه لُتنف‪%‬ق يف مص‪%‬ارفها‬
‫احملددة يف كتاب اهلل‪.‬‬

‫(‪)9‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫و " الدين " هو اإلسالم ‪ -‬إسالم الوج‪%‬ه هلل ‪ -‬وم‪%‬ا يس‪%‬تتبعه من ش‪%‬هادة أال إل‪%‬ه إال‬
‫اهلل‪ ،‬وأن حممدًا رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيت‪%‬اء الزك‪%‬اة‪ ،‬وص‪%%‬وم رمض‪%%‬ان‪ ،‬وحج ال‪%‬بيت من‬
‫استطاع إليه سبيًال‪.‬‬

‫واإليم ‪,,‬ان ه ‪%%‬و اإلميان باهلل ومالئكت ‪%%‬ه وكتب ‪%%‬ه ورس ‪%%‬له والي ‪%%‬وم اآلخ ‪%%‬ر والق ‪%%‬در خ ‪%%‬ريه‬
‫وشّر ه‪ ،‬وما يقتضيه ذلك من أعمال القلب وأعمال اجلوراح (‪.)7‬‬

‫ف‪%%‬إذا ذك‪%%‬ر لف‪%%‬ظ الص‪%%‬الة أو الزك‪%%‬اة أو ال‪%%‬دين أو اإلميان مل ينص‪%%‬رف ذهن املس‪%%‬لم إىل‬
‫املع‪%%‬ىن اللغ‪%%‬وي الع‪%%‬ام‪ ،‬إمنا ينص‪%%‬رف ذهن‪%%‬ه ابت‪%%‬داء إىل املع‪%%‬ىن االص‪%%‬طالحي ال‪%%‬ذي ورد يف كت‪%%‬اب‬
‫اهلل‪ ،‬ويف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫و " الجاهلية " ‪ -‬كس‪%%‬ائر املص‪%%‬طلحات القرآني‪%%‬ة ‪ -‬هلا معناه‪%%‬ا احملّد د‪ ،‬ال‪%%‬ذي ي‪%%‬دخل‬
‫بطبيع ‪%%‬ة احلال يف إط ‪%%‬ار املع ‪%%‬ىن اللغ ‪%%‬وي الع‪,,‬ام‪ ،‬ولكنه يّتخذ داللت‪,,‬ه المح ‪ّ,‬د دة من اس‪,,‬تخدام‬
‫القرآن له‪ ،‬وتحديده لمعناه‪.‬‬

‫يق‪%%‬ول ابن تيمي‪%%‬ة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بي‪%%‬ان املع‪%%‬ىن اللغ‪%%‬وي للجه‪%%‬ل‪ " :‬هو عدم العلم‪،‬‬
‫أو عدم اتباع العلم‪ .‬ف ‪%%‬إّن من مل يعلم احلّق فه ‪%%‬و جاه ‪%%‬ل جهًال بس ‪%%‬يطًا‪ ،‬ف ‪%%‬إن اعتق ‪%%‬د خالف ‪%%‬ه‬
‫فه‪%%‬و جاه‪%%‬ل جهًال مركب ‪ً%‬ا‪ ..‬وكذلك من عم‪,,‬ل بخالف الح‪ّ,‬ق فه‪,,‬و جاهل‪ ،‬وإن علم أنه‬
‫مخالف للحّق ‪.)8( " ..‬‬

‫وق ‪%%‬د ورد اللف ‪%%‬ظ يف كالم الع ‪%%‬رب بكال املعن ‪%%‬يني‪ ،‬وبص ‪%%‬فة خاص ‪%%‬ة يف املع ‪%%‬ىن الث ‪%%‬اين‪،‬‬
‫الذي يفيد عدم اتباع العلم‪ ،‬والعمل مبا خُي الف مقتضاه‪.‬‬

‫فحني يقول الشاعر (‪:)9‬‬

‫فنجهل فوق جهل اجلاهلينا‬ ‫أال ال جيهلن أحد علينا‬

‫‪ )?(7‬يق‪%%‬ول الس‪%%‬لف – وق‪%%‬وهلم احلق – إن اإلميان ق‪%%‬ول وعم‪%%‬ل‪ .‬أم‪%%‬ا املرجئ‪%%‬ة – ال‪%%‬ذين أخ‪%%‬ذوا املع‪%%‬ىن اللغ‪%%‬وي‬
‫دون االص‪%%‬طالحي – فيقول‪%%‬ون إن‪%%‬ه التص‪%%‬ديق واإلق‪%%‬رار‪ ،‬وليس العم‪%%‬ل داخًال يف مس‪%%‬مى اإلميان‪ .‬وه‪%%‬و ق‪%%‬ول‬
‫واضح البطالن‪.‬‬
‫‪ " )?(8‬اقتض ‪%%‬اء الص ‪%%‬راط املس ‪%%‬تقيم خمالف ‪%%‬ة أص ‪%%‬حاب اجلحيم " بتحقي ‪%%‬ق الش ‪%%‬يخ حمم ‪%%‬د حام ‪%%‬د الفقي‪ ،‬الطبع ‪%%‬ة‬
‫الثانية‪ ،‬مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة ص ‪.78 – 77‬‬
‫‪ )?(9‬هو عمرو بن كلثوم‪.‬‬

‫(‪)10‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فهو يستخدم اجلهل مبعىن‪ :‬نغضب غضبًا شديدًا‪ ،‬ونتصرف مبا ميليه علينا الغضب‬
‫من بظش وعدوان‪ ،‬وال نقف عند الضوابط اليت حتكم سلوكنا يف حالة اِحلْلم‪.‬‬

‫وحني يقول الشاعر اآلخر (‪:)10‬‬

‫بكت عيين اليسرى فلما زجرهتا عن اجلهل بعد احللم أسبلتا معًا!‬

‫فهو كذلك يستخدم اجلهل مبعىن السلوك غري املنضبط بالضوابط الالئقة مبثل‪%%‬ه‪ ،‬من‬
‫صرب وكتمان‪ ،‬وعدم إظهار للوعة األسى وفرط احلزن‪.‬‬

‫أم ‪%% %‬ا يف الق ‪%% %‬رآن الك‪%% %‬رمي فاللف ‪%% %‬ظ ي‪%% %‬رد يف مع ‪%% %‬ىن خ‪%% %‬اص‪ ،‬أو يف احلقيق ‪%% %‬ة يف معنيين‬
‫مح‪ّ, ,‬د دين‪ :‬إم‪%% %‬ا الجه ‪,,‬ل بحقيقة األلوهي ‪,,‬ة وخصائص ‪,,‬ها‪ ،‬وإم‪%% %‬ا السلوك غ ‪,,‬ير المنض ‪,,‬بط‬
‫بالضوابط الربانية‪ ،‬أي بعبارة أخرى‪ :‬عدم اتباع ما أنزل اهلل‪.‬‬
‫ٍم‬
‫فحني يقول جّل ش‪%%‬أنه‪َ( :‬و َج اَو ْزَنا ِبَبِني ِإْس رائيَل اْلَبْح َر َف َأَتْو ا َعَلى َقْو َيْع ُك ُف وَن‬
‫َعَلى َأْصَناٍم َلُه ْم َقاُلوا َيا ُموَس ى اْجَعْل َلَنا ِإَله‪ً,‬ا َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة َق اَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُل وَن )‪.‬‬
‫[سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪ .]138 :‬فاجلهل املقصود هنا هو عدم العلم بحقيقة األلوهي‪,,‬ة‪ .‬إذ‬
‫لو علموا أنه تعاىل (ال ُتْد ِر ُك ُه اَأْل ا )‪[ .‬سورة األنع‪%%‬ام‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]103‬وأن‪%%‬ه (َل َك ِم ْثِلِه‬
‫ْيَس‬ ‫ْبَص ُر‬
‫َش ْي ٌء)‪[ .‬س‪%%‬ورة الش‪%%‬ورى‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‪ .]11 :‬وأن‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل (َخ اِلُق ُك ِّل َش ْي ٍء )‪[ .‬س‪%%‬ورة األنع ‪%%‬ام‪،‬‬
‫اآلية‪ .]102 :‬وليس مبخلوق‪ ،‬وال صفاته تشبه صفات اخللق‪ .‬ما سألوا هذا الس‪%‬ؤال ال‪%‬ذي‬
‫ينّم عن جهلهم هبذه األمور كّلها‪.‬‬

‫ِب َّل ِه‬ ‫ِئ‬


‫‪%‬ول س ‪%%‬بحانه وتع ‪%%‬اىل‪ِ :‬م(َو َطا َف ٌة َقِمْد َأَه َّم ْتُهٍءْم َأْنُفُس ُه ْم َيُظُّن وَن ال َغْيَر‬
‫ِة‬
‫وحني يق ‪%‬‬
‫ِهِل‬
‫اْلَح ِّق َظَّن اْلَج ا َّي َيُقوُل وَن َه ْل َلَن ا َن اَأْلْم ِر ْن َش ْي )‪[ .‬س ‪%%‬ورة آل عم ‪%%‬ران‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‪:‬‬
‫‪ .]154‬فالذي يعيبه اهلل على هذه الطائفة ه‪%%‬و تصور معين ألمر يتعلق بحقيقة األلوهي‪,,‬ة‪.‬‬
‫ه ‪%%‬و تص ‪%%‬ورهم أن هن‪%%‬اك من ميكن ان ُيش‪%%‬ارك اهلل س‪%%‬بحانه وتع ‪%%‬اىل يف تدبري األم ‪%%‬ر‪ ،‬وجهلهم‬
‫بأن م‪%‬ا يتّم بالفع‪%‬ل ه‪%‬و إرادة اهلل وح‪%‬ده‪ ،‬وتدبريه وح‪%‬ده‪ ،‬ال تدبريهم هم وال تدبري غ‪%‬ريهم‪،‬‬
‫وأهنم سواء كانوا اسُُتِش ريُو ا أم مل ُيْس تَش اُر وا‪ ،‬أخذ برأيهم أم مل ُيْؤ خذ ب‪%%‬ه‪ ،‬فليس لش‪%%‬يٍء من‬
‫ذل‪%%‬ك تأثري يف ق‪%%‬در اهلل وتدبريه‪ ،‬كم‪%%‬ا تص‪%%‬وروا يف جه‪%%‬التهم‪ .‬ل‪%%‬ذلك رّد عليهم بقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل‪:‬‬
‫(ُقْل ِإَّن اَأْلْم َر ُك َّلُه ِلَّلِه)‪.‬‬

‫‪ )?(10‬هو الُصّم ة بن عبد اهلل القشريي‪.‬‬

‫(‪)11‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وحني يق‪%%‬ول تع‪%%‬اىل‪َ( :‬و َقاَل اَّلِذ يَن ال َيْع َلُم وَن َل ْو ال ُيَك ِّلُم َن ا الَّل ُه َأْو َتْأِتيَن ا آَيٍمٌة‬
‫(‪)11‬‬
‫ِت ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِذ ِم ِل ِم‬ ‫ِل‬
‫َك َذ َك َق اَل اَّل يَن ْن َقْب ِه ْم ْث َل َقْو ِه ْم َتَش اَبَه ْت ُقُل وُبُه ْم َق ْد َبَّيَّن ا اآْل ي ‪,,‬ا َق ْو‬
‫ُيوِقُن وَن ) [س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‪ .]118 :‬فاملقص‪%%‬ود ك‪%%‬ذلك أن ه‪%%‬ؤالء اجلاهلني أو اجلاهليني‬
‫يجهلون أمرًا يتعلق باأللوهية‪ ،‬وه‪%%‬و أن اهلل ال يكلم الن‪%%‬اس إال وحي‪ً%‬ا أو من وراء حج‪%%‬اب‪،‬‬
‫ِء ِح‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬
‫كم ‪%%‬ا ق ‪%%‬ال س ‪%%‬بحانه‪َ( :‬و َم ا َك اَن َبَش ٍر َأْن ُيَك ِّلَم ُه الَّل ُه ِإاَّل َو ْح ي ‪ً,‬ا َأْو ْن َو َر ا َج اٍب َأْو‬
‫ُيْر ِس َل َرُس وًال َفُيوِح َي ِبِإ ْذِنِه َم ا َيَش اُء ِإَّنُه َعِلٌّي َح ِكيٌم)‪[ .‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪ .]51‬وأن‪%‬ه‬
‫تعاىل ال ُينّز ل اآلي‪%‬ات حس‪%‬ب أمزج‪%‬ة الّن اس‪ ،‬إمنا ُينّز هلا حني يش‪%‬اء س‪%‬بحانه‪ ،‬حلكم‪%‬ة ُيري‪%‬دها‪،‬‬
‫ف‪%% %‬إذا أن‪%% %‬زلت ترتبت عليه‪%% %‬ا نتائجه‪%% %‬ا‪ ،‬وهي الت ‪,,‬دمير العاجل على الكافرين‪ ،‬كم‪%% %‬ا ق‪%% %‬ال‬
‫سبحانه‪َ( :‬و َلْو َأْنَز ْلَنا َم َلكًا َلُقِض َي اَأْلْم ُر ُثَّم ال ُيْنَظُر وَن ) [سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.]8 :‬‬

‫وحني يقول سبحانه على لسان يوسف عليه الس‪%%‬الم‪َ( :‬و ِإاَّل َتْص ِر ْف َعِّني َك ْي َد ُه َّن‬
‫َأْص ُب ِإَلْيِه َّن َو َأُك ْن ِم َن اْلَج اِهِليَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة يوس‪%%‬ف‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‪ .]33 :‬ف‪%%‬املعىن ُم تعّل ق بسلوك‬
‫غير منض‪,‬بط بالض‪,‬وابط الرباني‪,‬ة‪ ،‬وه‪%%‬و الص‪%%‬بّو إىل النس‪%%‬وة‪ ،‬وخمالف‪%%‬ة أم‪%%‬ر اهلل‪ ،‬والوق‪%%‬وع فيم‪%%‬ا‬
‫حّر م اهلل‪ ،‬وهو األمر الذي خَي شى يوسف عليه السالم أن يقع فيه‪ ،‬ويستعيذ باهلل منه‪.‬‬

‫وحني يق‪%% %‬ول تع‪%% %‬اىل‪َ( :‬و ال َتَبَّر ْج َن َتَبُّر َج اْلَج اِهِلَّي ِة اُأْلوَلى)‪[ .‬س‪%% %‬ورة األح‪%% %‬زاب‪،‬‬
‫اآلية ‪ .]33‬فاملقصود كذلك سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية‪ ،‬واتب‪%‬اع لغ‪%‬ري م‪%‬ا أن‪%‬زل‬
‫اهلل من وجوب التحشم وعدم إبداِء النساِء لزينتهن إال حملارمهن‪.‬‬

‫وحني يق‪%% %‬ول ج ‪ّ% %‬ل ش‪%% %‬أنه‪ِ( :‬إْذ َجَع َل اَّل ِذ يَن َكَف ُر وا ِفي ُقُل وِبِه ُم اْلَح ِم َّي َة َح ِم َّي َة‬
‫اْلَج اِهِلَّيِة)‪[ .‬س‪%%‬ورة الفتح‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]26‬فاملقص‪%%‬ود سلوك غير منض‪,,‬بط بالض‪,,‬وابط الرباني‪,‬ة‪،‬‬
‫اليت تلزم اإلنسان أال ُيقاتل إال يف سبيل اهلل‪ ،‬وال ُيقاتل ِمَح َّيًة‪ ،‬وال َعصبّية‪ ،‬وال ألمر ُيغض‪%%‬ب‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل‪:‬‬

‫ِم‬ ‫ِهِل ِة‬


‫حني يق ‪%%‬ول س ‪%%‬بحانه وتع ‪%%‬اىل‪َ( :‬أَفُح ْك َم اْلَج ا َّي َيْبُغ وَن َو َمْن َأْح َس ُن َن‬ ‫وأخ ‪%%‬ريٍمًا‬
‫الَّلِه ُح ْك مًا ِلَق ْو ُيو ُنوَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪ .]50‬فاألمر متعلق مباشرة باتباع غير ما‬
‫ِق‬
‫ِئ‬ ‫َّل‬ ‫ِب‬
‫أنزل اهلل من التش‪,,‬ريع‪ ،‬ال ‪%%‬ذي ق ‪%%‬ال اهلل في ‪%%‬ه‪َ( :‬و َمْن َلْم َيْح ُك ْم َم ا َأْنَز َل ال ُه َفُأوَل َك ُه ُم‬
‫اْلَك اِفُر وَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]44‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ )?(11‬أي الذين جيهلون‪.‬‬

‫(‪)12‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ذل ‪%%‬ك ه ‪%%‬و املع ‪%%‬ىن " االص ‪,,‬طالحي " للجاهلي ‪%%‬ة‪ ،‬ال ‪%%‬ذي ج ‪%%‬اء يف كت ‪%%‬اب اهلل الك ‪%%‬رمي‪،‬‬
‫وال ‪%%‬ذي خالص ‪%%‬ته الجه‪,,‬ل بحقيقة األلوهي‪,,‬ة‪ ،‬والجه‪,,‬ل بم‪,,‬ا يجب هلل س‪,,‬بحانه وتع‪,,‬الى من‬
‫إخالص العب ‪%%‬ادة ل ‪%%‬ه وح ‪%%‬ده دون ش ‪%%‬ريك‪ .‬وهي هبذا املع ‪%%‬ىن ليس ‪%%‬ت حمددة ب ‪%%‬زمن معني‪ ،‬وال‬
‫مكان معني‪ ،‬وال قوم معينني‪ .‬إمنا هي تصورات معينة‪ ،‬وسلوك معني‪ ،‬حيثما وجدت فهي‬
‫اجلاهلية‪ ،‬بصرف النظر عن الّز مان واملكان والقوم‪.‬‬

‫وبهذا المعيار الرباني‪ ،‬نصف الجاهلية المعاصرة بأنها جاهلية!‬

‫والذين يظنون أن اجلاهلية كانت فرتة زمنية معين‪%‬ة يف اجلزي‪%‬رة العربي‪%‬ة‪ ،‬انتهت ببعث‪%‬ة‬
‫الرس‪%%‬ول اخلامت ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬ومل يع‪%%‬د هلا وج‪%%‬ود يف أي مك‪%%‬ان يف األرض‪ ،‬يغفل‪%%‬ون‬
‫عن الواق ‪%%‬ع ال ‪%%‬ذي تعيش ‪%%‬ه معظم األرض الي ‪%%‬وم‪ ،‬كم ‪,,‬ا يغفلون عن أق ‪,,‬وال العلم ‪,,‬اء في هذا‬
‫الشأن‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ -‬رمحه اهلل ‪:-‬‬

‫" فإذا تبني ذلك (‪ ،)12‬فالن‪%‬اس قب‪%‬ل مبعث الرس‪%‬ول ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬ك‪%‬انوا يف‬
‫ح‪%%‬ال جاهلي‪%%‬ة منس‪%%‬وبة إىل اجله‪%%‬ل‪ ،‬ف‪%%‬إن م‪%%‬ا ك‪%%‬انوا علي‪%%‬ه من األق‪%%‬وال واألعم‪%%‬ال إمنا أحدث‪%%‬ه هلم‬
‫ُجّه ال‪ ،‬وإمنا يفعل‪%% %‬ه جاه‪%% %‬ل‪ .‬وك‪%% %‬ذلك ك ‪ُّ% %‬ل م‪%% %‬ا خيالف م‪%% %‬ا ج‪%% %‬اء ب‪%% %‬ه املرس‪%% %‬لون من يهودي ‪%%‬ة‬
‫ونصرانية فهو جاهلية‪ .‬وتلك كانت الجاهلية العامة "‪.‬‬

‫" فأم ‪%%‬ا بع ‪%%‬د م ‪%%‬ا بعث اهلل الرس ‪%%‬ول ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬فالجاهلي‪,,‬ة المطلقة ق‪,,‬د‬
‫تكون في مص ‪ٍ, ,‬ر دون مص ‪ٍ, ,‬ر ‪ ،‬كم‪,, ,‬ا هي في دار الكّف ار‪ ،‬وق‪%% %‬د تك‪%% %‬ون يف ش‪%% %‬خٍص دون‬
‫شخٍص كالرجل قبل أن يسلم‪ ،‬فإنه يكون يف جاهلية‪ ،‬وإن كان يف دار اإلسالم‪.‬‬

‫" فأم‪,,‬ا في زم‪,,‬اٍن مطلق فال جاهلي‪,,‬ة بع‪,,‬د مبعث محم‪,,‬د ص‪,,‬لى اهلل علي‪,,‬ه وس‪,,‬لم‪،‬‬
‫فإنه ال تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحّق إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫"والجاهلي ‪,, ,‬ة المقي ‪,, ,‬دة ق ‪,, ,‬د تقوم في بعض دي ‪,, ,‬ار المسلمين‪ ،‬وفي كث ‪,, ,‬ير من‬
‫المسلمين‪.)13("..‬‬

‫‪ )?(12‬أي الش‪%‬رح ال‪%‬ذي ش‪%‬رح ب‪%‬ه مع‪%‬ىن اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬واش‪%‬تماهلا على التص‪%‬ورات اخلاطئ‪%‬ة واألعم‪%‬ال املخالف‪%‬ة ملا‬
‫أنزل اهلل‪.‬‬
‫‪ )?(13‬اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم ص ‪.79 – 78‬‬

‫(‪)13‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وخالص‪%%‬ة الكالم ال‪%%‬دقيق ال‪%%‬ذي يقول‪%%‬ه ابن تيمي‪%%‬ة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أن الجاهلي‪,‬ة العام‪,‬ة‬
‫اليت تشكل ك‪ّ%‬ل وج‪%‬ه األرض ق‪%‬د انتفت بع‪%‬د بعث‪%‬ة حمم‪%‬د ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬ألن األرض‬
‫ال ختلو يف أّية حلظة من وجود طائفة من أمته ظاهرين على احلّق ‪ .‬ولكن الجاهلية المطلقة‬
‫(التامة الكاملة) قد توجد يف بعض البالد بعد بعثة الرس‪%‬ول ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬كم‪%‬ا أن‬
‫الجاهلي‪,‬ة المقي‪,‬دة (أي ال‪%%‬يت ال تش‪%%‬مل ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء وال ك‪%%‬ل أح‪%%‬د)‪ .‬ق‪%%‬د توج‪%%‬د يف بعض دي‪%%‬ار‬
‫املسلمني ويف كثري منهم‪.‬‬

‫ف ‪%%‬إذا نظرن ‪%%‬ا إىل الغ ‪%%‬رب الي ‪%%‬وم (بص ‪%%‬رف النظ ‪%%‬ر عن بالد اإلس ‪%%‬الم ال ‪%%‬يت ال حيكمه ‪%%‬ا‬
‫اإلسالم) فبأي وصف نصفه؟ أي تص‪%%‬ورات حتكم‪%‬ه؟ وأي س‪%‬لوك يس‪%‬لكه؟ وم‪%%‬ا حكم ه‪%%‬ذه‬
‫األرب‪%%‬اب املعب‪%%‬ودة في‪%%‬ه‪ ،‬وأوهلا اهلوى‪ ،‬ال‪%%‬ذي ق‪%%‬ال اهلل في‪%%‬ه‪َ( :‬أَفَر َأْيَت َم ِن اَّتَخ َذ ِإَلَه ُه َه َو اُه)‪.‬‬
‫[سورة اجلاثية‪ ،‬اآلية‪ .]23 :‬وما حكم التشريع بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬وحتليل ما ح‪ّ%‬ر م اهلل؟ وم‪%%‬ا‬
‫حكم التربج القائم اليوم‪ ،‬الذي مل تصل إليه جاهلية يف التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن ج ‪%%‬انب آخ ‪%%‬ر ف ‪%%‬إن كث ‪%%‬ريًا من الن ‪%%‬اس يستنكر أن نص‪,,‬ف الجاهلي‪,,‬ة المعاص‪,,‬رة‬
‫بأنه ‪,,‬ا جاهلي ‪,,‬ة‪ ،‬حني تبه‪%% %‬رهم ق‪%% %‬وة أورب‪%% %‬ا املادي‪%% %‬ة وعمارهتا لألرض‪ ،‬وم‪%% %‬ا ل‪%% %‬ديها من العلم‪،‬‬
‫ويعتربون هذا الوصف هتّج مًا عليها بغري حّق ‪ .‬وهؤالء ال يدركون أن اجلاهلية يف املص‪%‬طلح‬
‫الق‪%%‬رآين ال‪%%‬ذي نل‪%%‬تزم ب‪%%‬ه‪ ،‬ليست مقابًال للقّو ة المادّية‪ ،‬وال العم‪,,‬ارة المادّية لألرض‪ ،‬وال‬
‫العلم بظواهر الحي‪,,‬اة ال‪,,‬دنيا‪ .‬فق ‪%%‬د وص ‪%%‬ف اهلل جاهلي ‪%%‬ات كث ‪%%‬رية يف الت ‪%%‬اريخ ب ‪%%‬القّو ة والعلم‬
‫وعمارة األرض‪ ،‬فلم ين‪%‬ف عنه‪%‬ا ذل‪%‬ك كّله أهنا جاهلي‪%‬ة‪ ،‬ومل حيمه‪%‬ا من املص‪%‬ري احملت‪%‬وم ال‪%‬ذي‬
‫قدره اهلل للجاهلية حبسب السنن الربانية‪.‬‬

‫(َفَأَّما َعاٌد َفاْسَتْك َبُر وا ِفي اَأْلْر ِض ِبَغْيِر اْلَح ِّق َو َقاُلوا َمْن َأَش ُّد ِم َّنا ُقَّو ًة َأَو َلْم َيَر ْو ا‬
‫َأَّن الَّلَه اَّلِذ ي َخ َلَق ُه ْم ُه َو َأَش ُّد ِم ْنُه ْم ُقَّو ًة)‪[ .‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫(َأَو َلْم َيِس يُر وا ِفي اَأْلْر ِض َفَيْنُظ ُر وا َك ْي َف َك اَن َعاِقَب ُة اَّل ِذ يَن ِم ْن َقْبِلِه ْم َك اُنوا‬
‫ُلُه ِباْل ِّيَناِت‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫َأَش َّد ْنُه ْم ُقَّو ًة َو َأَثاُر وا اَأْلْرَض َو َعَمُر وَه ا َأْك َثَر َّم ا َعَمُر وَه ا َو َج اَءْتُه ْم ُرُس ْم َب‬
‫َفَم ا َك اَن الَّلُه ِلَيْظِلَم ُه ْم (‪َ )14‬و َلِكْن َك اُنوا َأْنُفَس ُه ْم َيْظِلُم وَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬

‫‪ )?(14‬أي ملا دمر عليهم حني كذبوا الرسل ومل يؤمنوا مبا جاءوهم به من البينات‪.‬‬

‫(‪)14‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َلِكَّن َأْك َثَر الَّن اِس ال َيْع َلُم وَن ‪َ ،‬يْع َلُم وَن َظ اِه رًا ِم َن اْلَحَي اِة ال ‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ُه ْم َعِن‬
‫اآْل ِخ َر ِة ُه ْم َغاِفُلوَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآليتان ‪.]7 - 6‬‬

‫(َأَفَلْم َيِس يُر وا ِفي اَأْلْر ِض َفَيْنُظ ُر وا َك ْي َف َك اَن َعاِقَب ُة اَّل ِذ يَن ِم ْن َقْبِلِه ْم َك اُنوا‬
‫َأْك َثَر ِم ْنُه ْم َو َأَش َّد ُقَّو ًة َو آَث ارًا ِفي اَأْلْر ِض َفَم ا َأْغَنى َعْنُه ْم َم ا َك اُنوا َيْك ِس ُبوَن ‪َ ،‬فَلَّم ا‬
‫ُل ِباْل ِّيَن اِت َفِر وا ِب ا ِع ْن َد ُه ِم اْلِعْلِم اَق ِبِه ا َك اُنوا ِب ِه‬
‫ْم َم‬ ‫َو َح‬ ‫ْم َن‬ ‫ُح َم‬ ‫َج اَءْتُه ْم ُرُس ُه ْم َب‬
‫َيْس َتْه ِز ُئوَن )‪[ .‬غافر‪ ،‬اآليتان ‪.]83 - 82‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أم ‪%%‬ر آخ ‪%%‬ر يع ‪%%‬رتض يف أذه ‪%%‬ان الن ‪%%‬اس‪ ،‬حني نص ‪%%‬ف احلض ‪%%‬ارة الغربي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة بأهنا‬
‫جاهلي ‪%% %‬ة‪ .‬ذل ‪%% %‬ك ه ‪%% %‬و تص ‪%% %‬ورهم أنن ‪%% %‬ا ننفي عن الجاهلي‪,, ,‬ة أن يكون فيه‪,, ,‬ا أي خير على‬
‫اإلطالق‪ ،‬وَنِص ُم َه ا بأهنا َش ٌّر حبٌت ‪ .‬ف‪%% %‬إذا وج‪%% %‬دوا يف اجلاهلي‪%% %‬ة املعاص‪%% %‬رة ج‪%% %‬وانب من اخلري‬
‫رفضوا وصفنا هلا بأهنا جاهلية‪ ،‬وتصوروا أننا نفتئت عليها هبذا الوصف!‬

‫وليس األمر كذلك! فما من جاهلية من جاهليات التاريخ خلت من ج‪%‬وانب من‬
‫اخلري‪ ،‬ومن أفراد خرّي ين! وإذا كان القرآن الكرمي ‪ -‬حلكمة معينة ‪ -‬قد رك‪%%‬ز على ج‪%%‬وانب‬
‫السوء يف اجلاهلية واجلاهليني‪ ،‬فإن السنة النبوي‪%‬ة املطَّه رة ق‪%‬د فص‪%‬لت األم‪%‬ر‪ ،‬وبينت أن هن‪%‬اك‬
‫أفرادًا خرّي ين وجوانب خرية يف اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬ولكّنه‪%‬ا كّله‪%‬ا ذاهب‪%‬ة ب‪%‬ددًا‪ ،‬بس‪%‬بب ج‪%‬وانب الس‪%‬وء‬
‫ال‪%% %‬يت أبرزه‪%% %‬ا الق‪%% %‬رآن الك‪%% %‬رمي‪ ،‬وهي شرك العبادة وشرك االتباع‪ ،‬أي لبطالن القاعدة‬
‫األساسية التي تقوم عليها حياتهم كّلها‪.‬‬

‫يقول الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وس‪%%‬لم‪ " :‬خياركم في الجاهلي‪,‬ة خي‪,‬اركم في‬
‫اإلسالم إذا َفِق ُه وا " (‪.)15‬‬

‫فيبني عليه الصالة والسالم أن يف اجلاهلية " خيارًا " من الناس‪ .‬وال يوصف الناس‬
‫ب ‪%%‬أهنم خي ‪%%‬ار ح ‪%%‬ىت يك ‪%%‬ون فيهم ق ‪%%‬دٌر ك ‪%%‬اٍف من اخلري ُي ؤهلهم هلذا الوص ‪%%‬ف‪ .‬ولكنهم إذا مل‬
‫يفقه‪%%‬وا ‪ -‬أي إذا َج ِه ُلوا ‪ -‬يض‪%%‬يع خ‪%%‬ريهم َبَد دًا‪ ،‬أو يس‪%%‬تنفدون أج‪%%‬رهم يف احلي‪%%‬اة ال‪%%‬دنيا وال‬
‫يقبل منهم عملهم يوم القيامة كما قال تعاىل‪:‬‬

‫‪ )?(15‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫(‪)15‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َمْن َك اَن ُيِر ي ‪ُ,‬د اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا ُنَو ِّف ِإَلْيِه ْم َأْع َم اَلُه ْم ِفيَه ا َو ُه ْم ِفيَه ا ال‬
‫ُيْبَخ ُس وَن ‪ُ ،‬أوَلِئَك اَّلِذ يَن َلْيَس َلُه ْم ِفي اآْل ِخ َر ِة ِإاَّل الَّناُر َو َح ِبَط َم ا َص َنُعوا ِفيَه ا َو َباِط ٌل َم ا‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ) [سورة هود‪ ،‬اآليتان ‪.]16 ،15‬‬

‫وق‪%%‬د ك‪%%‬ان يف اجلاهلي‪%%‬ة العربي‪%%‬ة فض‪%%‬ائل ال ش‪%%‬ك فيه‪%%‬ا‪ ،‬ك‪%%‬إكرام الض‪%%‬يف‪ ،‬والش‪%%‬جاعة‬
‫وإب‪%%‬اء الض‪%%‬يم‪ ،‬وإج‪%%‬ارة الض‪%%‬عيف‪ ..‬اخل‪ ،‬ولع ‪ّ%‬ل قم‪%%‬ة م‪%%‬ا ك‪%%‬ان فيه‪%%‬ا من الفض‪%%‬يلة ذل‪%%‬ك احلل‪%%‬ف‬
‫الذي ذكره رسول اهلل صلى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬فق‪%%‬ال في‪%%‬ه‪ُ " :‬دِع يُت إلى حلف في الجاهلية‬
‫في بيت ابن جدعان‪ ،‬لو دعيت إليه في اإلسالم ألجبت " (‪ )16‬يقصد حلف الفضول‪.‬‬

‫ولكن ه‪%%‬ذا كّل ه مل مين‪%%‬ع عنه‪%%‬ا ص‪%%‬فة الجاهلية ال‪%%‬يت وص‪%%‬فها هبا رّب الع‪%%‬املني ‪ -‬وه‪%%‬و‬
‫أص ‪%%‬دق الق ‪%%‬ائلني ‪ -‬ومل مين ‪%%‬ع عنه ‪%%‬ا مص ‪%%‬ريها احملت ‪%%‬وم يف ال ‪%%‬دنيا ويف اآلخ ‪%%‬رة‪ ،‬ألن ‪%%‬ه من الس ‪%%‬نن‬
‫الربانية‪ ،‬ومن احلّق الذي خلقت به السموات واألرض‪َ( .‬و َم ا َر ُّبَك ِبَظاَّل ٍم ِلْلَعِبيِد )‪[ .‬سورة‬
‫فصلت‪ ،‬اآلية ‪.]46‬‬

‫فليس من الظلم وصف اجلاهلية بأهنا جاهلية على الرغم من اخلري اجلزئي الذي ق‪%‬د‬
‫تش‪%%‬تمل علي‪%%‬ه‪ ،‬وعلى ال‪%%‬رغم من اش‪%%‬تماهلا على خي‪%%‬ار من الن‪%%‬اس ال ُيش‪ُّ%%‬ك يف وج‪%%‬ود اخلري يف‬
‫نفوسهم‪ ..‬ذلك أن األمر ليس منظورًا فيه إىل احلياة الدنيا وحدها‪ ،‬بل إلى الحياة مكتملة‬
‫بجمي‪,,‬ع حلقاته‪,,‬ا‪ .‬وعم ‪%%‬ل اجلاهليني ض ‪%%‬ائع يف اآلخ ‪%%‬رة غ ‪%%‬ري مقب ‪%%‬ول منهم‪ ،‬بس ‪%%‬بب إش ‪%%‬راكهم‬
‫باهلل‪:‬‬

‫(َو َق ِد ْم َنا ِإَلى َم ا َعِم ُل وا ِم ْن َعَم ٍل َفَجَعْلَن اُه َه َب اًء َم ْنُثورًا)‪[ .‬س‪%%‬ورة الفرق‪%%‬ان‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]23‬‬

‫ِق‬ ‫ِل ِئِه‬ ‫ِت‬ ‫ِئ ِذ‬


‫ِق ِة (ُأوَل َك اَّل يَن َكَف ُر وا ِبآي‪,,‬ا َر ِّبِه ْم َو َق ا َفَح ِبَطْت َأْع َم اُلُه ْم َفال ُن يُم َلُه ْم َيْو َم‬
‫اْل َياَم َو ْز نًا)‪[ .‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.]105‬‬

‫والعمُل ال‪%%‬ذي ُتؤدي هنايت‪%%‬ه إىل الب‪%%‬وار األكي‪%%‬د ه‪%%‬و عم‪%%‬ل ال خ‪%%‬ري في‪%%‬ه‪ ،‬مهم‪%%‬ا ب‪%%‬دا في‪%%‬ه‬
‫من مظاهر اخلري اجلزئية يف أثناء الطريق‪.‬‬

‫بل حىت لو أخذنا احلياة ال‪%‬دنيا وح‪%‬دها يف حس‪%‬ابنا وه‪%‬و أم‪%‬ر غ‪%‬ري ج‪%‬ائز‪ ،‬ألن‪%‬ه ُيهم‪%‬ل‬
‫حقيقة أكرب من حقيقة احلياة الدنيا‪.‬‬

‫‪ )?(16‬انظر سرية ابن هشام ج ‪ 1‬ص ‪.133‬‬

‫(‪)16‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو ِإَّن ال‪َّ,,‬داَر اآْل ِخ َر َة َلِه َي اْلَح َيَو اُن (‪َ )17‬ل ْو َك اُنوا َيْع َلُم وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة العنكب‪%%‬وت‪،‬‬
‫اآلية ‪.]64‬‬

‫نق‪%%‬ول ح‪%%‬ىت ل‪%%‬و أخ‪%%‬ذنا احلي‪%%‬اة ال‪%%‬دنيا وح‪%%‬دها يف حس‪%%‬ابنا‪ ،‬فاجلاهلي‪%%‬ة هي اجلاهلي‪%%‬ة ول‪%%‬و‬
‫احتوت على جوانب من اخلري اجلزئي‪ ..‬والواقع الذي نراه في الغرب اليوم هو مصداق‬
‫هذه الحقيقة‪ .‬ف‪%‬أين اإلنس‪%‬ان يف النهاي‪%‬ة؟ ه‪%%‬ل ه‪%%‬و يف مكان‪%‬ه الالئ‪%‬ق بإنس‪%‬انيته‪ .‬ه‪%%‬ل ه‪%%‬و حُم ق‪%%‬ق‬
‫لغاي ‪%%‬ة وج ‪%%‬وده؟ ه ‪%%‬ل ه ‪%%‬و س ‪%%‬عيد ُم طمئن حبياته؟ وإذن فم ‪%%‬ا دالل ‪%%‬ة ه ‪%%‬ذه النس ‪%%‬ب املتزاي ‪%%‬دة من‬
‫األم ‪%% %‬راض النفسية والعص‪,, ,‬بية‪ ،‬والقلق واالنتح‪,, ,‬ار‪ ،‬والجنون والخم‪,, ,‬ر والمخدرات‬
‫والجريمة‪..‬؟ وإن هو استمتع حبياته فأي نوع من املتاع؟‬

‫(َو اَّل ِذ يَن َكَف ُر وا َيَتَم َّتُع وَن َو َي ْأُك ُلوَن َك َم ا َتْأُك ُل اَأْلْنَع اُم َو الَّن اُر َم ْث وًى َلُه ْم )‪.‬‬
‫[سورة حممد‪ ،‬اآلية ‪.]12‬‬

‫فبحس‪%%‬اب ال‪%%‬دنيا ذاهتا تظ ‪ّ%‬ل اجلاهلي‪%%‬ة جاهلي‪%%‬ة كم‪%%‬ا وص‪%%‬فها اهلل‪ ،‬حني جته‪%%‬ل حقيقة‬
‫األلوهي‪,‬ة‪ ،‬وتتبع غ‪,‬ير منهج اهلل‪ ،‬وال يمنع هذا أن تكون له‪,‬ا " حض‪,‬ارة " وتقدم م‪,‬ادي‬
‫وعلمي وتكنولوجي‪ .‬وأن تتناثر على سطحها بقع من اخلري ال يربط بينها بينها رباط!‬

‫‪ )?(17‬أي احلياة احلقيقية الدائمة اليت تستحق أن تعاش‪.‬‬

‫(‪)17‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثانيا‪ :‬جذور الجاهلية المعاصرة ومكوناتها‬


‫تع ‪%%‬تّز أورب ‪%%‬ا جباهليته ‪%%‬ا املعاص ‪%%‬رة اع ‪%%‬تزازًا ش ‪%%‬ديدًا‪ ،‬وترى أهنا ش ‪%%‬يء غ ‪%%‬ري مس ‪%%‬بوق يف‬
‫التاريخ‪ ،‬وأنه ال يتأتى ألمة يف الوجود أن تربز مثله‪%%‬ا أو قريب‪ً%‬ا منه‪%%‬ا‪ ..‬وترى أهنا مجاع اخلري‬
‫كله‪.‬‬

‫ويف أثناء اعتزازها تنسب نفسها أحيانًا إىل املسيحية‪ ،‬فتتحدث يف نربة اعتزاز عما‬
‫تس‪%%‬ميه " الحض‪,,‬ارة المسيحية "! ‪ Christian Civilization‬ولكنه‪%%‬ا تع‪%%‬ود فتنس‪%%‬ب نفس‪%%‬ها إىل‬
‫الحضارة اإلغريقية الرومانية ‪ Greco - Roman‬وتق‪%‬ول‪ :‬إن ج‪%‬ذورها كّله‪%‬ا نابع‪%‬ة من هن‪%‬اك‪.‬‬
‫ويف مجيع األحوال تنكر أثر اإلسالم والحضارة اإلسالمية في قيام " نهضتها " الحديثة‪،‬‬
‫وتقدمها حىت استوت على قدميها‪.‬‬

‫واحلقيقة أن هذه اجلاهلية املعاصرة قد مجعت أصوًال متعددة وتأثرات ش‪%‬ىّت ‪ ،‬جتم‪%%‬ع‬
‫بني اخلري والشّر ‪ ،‬وإن غلب عليها الشّر يف النهاية بس‪%‬بب بع‪%%‬دها عن اهلل‪ ،‬ومترده‪%%‬ا على ك‪ّ%‬ل‬
‫شيء يأيت من طريق الوحي الرباين‪ ..‬األمر الذي دخلت من أجله يف عداد اجلاهلي‪%%‬ات‪ ،‬ومل‬
‫ينفعها ما اشتملت عليه من جوانب اخلري‪.‬‬

‫وإذا تتبعن ‪%%‬ا النش ‪%%‬أة التارخيي ‪%%‬ة للجاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة فس ‪%%‬يتبني لن ‪%%‬ا ج ‪%%‬ذورها ومكّو ناهتا‪،‬‬
‫والعناصر اليت أثرت يف تشكيلها على النحو الذي تشكلت به‪.‬‬

‫ومن الواض‪%% % %‬ح أن اجلذور اإلغريقي ‪,, ,‬ة الروماني ‪,, ,‬ة عميق‪%% % %‬ة يف الرتب‪%% % %‬ة األوربي‪%% % %‬ة‪ ،‬وأن‬
‫(‪،)18‬‬
‫اجلاهلي ‪%% %‬ة املعاص ‪%% %‬رة ُتعت ‪%% %‬رب حبّق هي الوريث ‪%% %‬ة للجاهلي ‪%% %‬ة اإلغريقي ‪%% %‬ة واجلاهلي ‪%% %‬ة الروماني ‪%% %‬ة‬
‫واالمت‪%% %‬داد احلقيقّي هلم‪%% %‬ا‪ ،‬ولكن مخائر جدي‪%% %‬دة تف‪%% %‬اعلت م‪%% %‬ع ال‪%% %‬رتاث اإلغ‪%% %‬ريقي الروم‪%% %‬اين‪،‬‬
‫فك‪%%‬ونت من‪%%‬ه الواق‪%%‬ع املعاص‪%%‬ر‪ ،‬حبيث ُيص‪%%‬بح قولن‪%%‬ا إن أورب‪%%‬ا الي‪%%‬وم هي االمت‪%%‬داد ل‪%%‬ذلك ال‪%%‬رتاث‬
‫قوًال ناقص الداللة مع أنه صحيح يف مجلته‪.‬‬

‫ففي الف‪%%‬رتة ال‪%%‬يت س‪%%‬يطرت فيه‪%%‬ا جاهلي‪%%‬ة ال‪%%‬دين الكنس‪%%‬ي احملرف (‪ ،)19‬ك‪%%‬انت اجلذور‬
‫اإلغريقي ‪%%‬ة الروماني ‪%%‬ة ق ‪%%‬د جّف ت وك ‪%%‬ادت متوت‪ ،‬وس ‪%%‬اد أورب ‪%%‬ا الظالم ال ‪%%‬ذي أحدثت ‪%%‬ه جهال ‪%%‬ة‬

‫‪ )?(18‬نس‪%%‬ميها جاهلي‪%%‬ة باملقي‪%%‬اس الرب‪%%‬اين ال‪%%‬ذي أش‪%%‬رنا إلي‪%%‬ه آنف ‪ً%‬ا وه‪%%‬و اجله‪%%‬ل حبقيق‪%%‬ة األلوهي‪%%‬ة واتب‪%%‬اع غ‪%%‬ري م‪%%‬ا‬
‫أن‪%%‬زل اهلل‪ ،‬وكتب الت‪%%‬اريخ تس‪%%‬ميها " حض‪%%‬ارة " فتق‪%%‬ول " احلض‪%%‬ارة اإلغريقي‪%%‬ة " و " احلض‪%%‬ارة الروماني‪%%‬ة "‬
‫ونقول حنن‪ :‬ال بأس! فهي " حضارة جاهلية " باملعيار الرباين‪.‬‬
‫‪ )?(19‬هي جاهلية بنفس االعتبار الذي أشرنا إليه آنفًا وإن كانت ترفع شعارات " الدين "‪.‬‬

‫(‪)18‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫الكنيس‪%%‬ة وطغياهنا‪ ،‬وحتريفه‪%%‬ا لل‪%%‬دين املنزل‪ ،‬وحتويل‪%%‬ه من دين توحي‪%%‬د إىل دين تثليث وش‪%%‬رك‪،‬‬
‫وفصل عقيدته عن شريعته‪ ،‬وتقدميه للناس عقيدة ‪ -‬حمّر فة ‪ -‬بال شريعة (‪.)20‬‬

‫وحقيق ‪%% %‬ة إن اللغ ‪%% %‬ة الالتيني ‪%% %‬ة ظلت هي لغ ‪%% %‬ة ال ‪ِّ%% %‬دين الرمسية‪ ،‬واإلغريقي ‪%% %‬ة لغ ‪%% %‬ة العلم‬
‫واألدب‪ ،‬ولكن جماهلم‪%%‬ا ظ‪ّ%‬ل يض‪%%‬يق باس‪%%‬تمرار‪ ،‬وظ‪ّ%‬ل الن‪%%‬اس ينص‪%%‬رفون عن املعرف‪%%‬ة‪ ،‬ويغرق‪%%‬ون‬
‫يف الظالم‪ ..‬حتى جاء اإلسالم فأيقظهم‪.‬‬

‫وكتب الت‪%%‬اريخ األوربي‪%%‬ة ال تنك‪%%‬ر أن االحتك‪%%‬اك باملس‪%%‬لمني‪ ،‬ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي أيق‪%%‬ظ أورب‪%%‬ا‬
‫من س ‪%%‬باهتا ‪ -‬إال ُغالة الغالة منهم! ‪ -‬ولكن الك ‪%%‬ثرة الك ‪%%‬اثرة ُترج ‪%%‬ع اليقظ ‪%%‬ة إىل أن أورب ‪%%‬ا‬
‫حني احتكت باملس ‪%% % %‬لمني ع ‪%% % %‬ثرت على تراثه ‪%% % %‬ا اإلغ ‪%% % %‬ريقي حمفوظ‪ً% % % %‬ا عن ‪%% % %‬دهم‪ ،‬فع ‪%% % %‬ادت إىل‬
‫االستمداد منه بعد أن كانت قد نسيته ‪ -‬أو فقدته ‪ -‬يف فرتة الظالم الكنسي!‬

‫وتلك مغالطة تنطوي على مجموعة من المغالطات!‬

‫فمم ‪%%‬ا ال ش ‪%%‬ك في ‪%%‬ه ‪ -‬عن ‪%%‬دي ‪ -‬أن م ‪%%‬ا ُيس‪ّ% %‬م ى " الفلسفة اإلس ‪,,‬المية " ه ‪%%‬و فك ‪%%‬ر‬
‫إغريقي وإن تناول موضوعات إسالمية‪ ،‬أو قل إن شئت إنه عرض لإلسالم من خالل أداة‬
‫غريبة على اإلسالم‪ ،‬هي " الفلسفة اإلغريقية "‪ ،‬و " المنطق اإلغريقي "‪.‬‬

‫ومما ال ش ‪%%‬ك في ‪%%‬ه ك ‪%%‬ذلك أن أورب ‪%%‬ا ‪ -‬حني أرس ‪%%‬لت مبعوثيه ‪%%‬ا ليتعلم ‪%%‬وا يف املدارس‬
‫اإلسالمية يف األندلس والش‪%‬مال األف‪%‬ريقي وص‪%‬قلية اإلس‪%‬المية وبالد املش‪%‬رق‪ ،‬وحني ترمجت‬
‫الكتب اإلس ‪%%‬المية‪ ،‬ق ‪%%‬د وج ‪%%‬دت ‪ -‬فيم ‪%%‬ا وج ‪%%‬دت ‪ -‬تراثه ‪%%‬ا اإلغ ‪%%‬ريقي م ‪%%‬رة أخ ‪%%‬رى مرتمجًا‬
‫بالعربي‪%%‬ة يف كتب " الفلسفة اإلس‪,‬المية "‪ ،‬ومض‪%%‬افًا إليه‪%%‬ا إض‪%%‬افات‪ ..‬فوص‪%%‬ل ذل‪%%‬ك م‪%%‬ا بينه‪%%‬ا‬
‫وبني تراثها الذي كانت قد فقدته أو نسيته يف عصور الظالم الكنسي‪.‬‬

‫ولكن الق ‪%%‬ول ب ‪%%‬أن ه ‪%%‬ذا ه ‪%%‬و ال ‪%%‬ذي أيق ‪%%‬ظ أورب ‪%%‬ا‪ ،‬ه ‪%%‬و تبجح املغ ‪%%‬رور منك ‪%%‬ر اجلمي ‪%%‬ل‪،‬‬
‫الذي ال يريد أن يعرتف باحلّق ‪ ،‬واحلّق حميط به من كل جوانبه!‬

‫فلق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان ال ‪%%‬رتاث اإلغ ‪%%‬ريقي الروم ‪%%‬اين األص ‪%%‬لي قائم‪ً% %‬ا موج ‪%%‬ودًا يف متن ‪%%‬اول أي ‪%%‬دي‬
‫األورب‪%% % %‬يني يف عص‪%% % %‬ور الظالم‪ ،‬فال ه‪%% % %‬و أيقظهم من س‪%% % %‬باهتم‪ ،‬وال هم م‪%% % %‬دوا أي‪%% % %‬ديهم إلي‪%% % %‬ه‬
‫ليتناولوه!‬

‫إمنا الذي أيقظهم هو اإلسالم‪.‬‬

‫‪ )?(20‬انظر بالتفصيل إن شئت فصل " دور الكنيسة " يف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)19‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وسواء كان احتكاكهم باإلسالم واملسلمني‪ ،‬هو االحتكاك السلمي يف األندلس‪،‬‬


‫أو االحتكاك الحربي يف احلروب الصليبية‪ ،‬فقد كان هذا االحتكاك ه‪%‬و ال‪%‬ذي أش‪%‬عرهم مبا‬
‫هم في‪%% %‬ه من ظالم وتخلف‪ ،‬وحف‪%% %‬زهم إىل إرادة الحي ‪,,‬اة‪ ،‬بع‪%% %‬د أن ك‪%% %‬انوا ق‪%% %‬د أخل‪%% %‬دوا إىل‬
‫الّس بات الذي ُيشبه املوت‪.‬‬

‫يقول " الفارو القرطيب " عن أثر املسلمني يف نصارى األندلس‪:‬‬

‫" يط‪%% %‬رب إخ‪%% %‬واين املس‪%% %‬يحيون بأش‪%% %‬عار الع‪%% %‬رب وقصص‪%% %‬هم‪ ،‬فهم يدرس‪%% %‬ون كتب‬
‫الفقهاء والفالسفة احملم‪%‬ديني ال لتفني‪%‬دها‪ ،‬ب‪%‬ل للحص‪%‬ول على أس‪%‬لوب ع‪%‬ريب ص‪%‬حيح رش‪%‬يق‪.‬‬
‫فأين جتد اليوم علمانًّي ا (‪ )21‬يق‪%%‬رأ التعليق‪%%‬ات الالتيني‪%‬ة على الكتب املقدس‪%‬ة؟ وأين ذل‪%‬ك ال‪%‬ذي‬
‫يدرس اإلجنيل وكتب األنبياء والرسل؟ واأسفاه! إن شباب املسيحيني الذين هم أبرز الناس‬
‫م ‪%%‬واهب‪ ،‬ليس ‪%%‬وا على علم ب ‪%%‬أي أدب وال أي ‪%%‬ة لغ ‪%%‬ة غ ‪%%‬ري العربي ‪%%‬ة‪ ،‬فهم يق ‪%%‬رأون كتب الع ‪%%‬رب‬
‫ويدرس ‪%%‬وهنا بلهف ‪%%‬ة وش ‪%%‬غف‪ ،‬وهم جيمع ‪%%‬ون منه ‪%%‬ا مكتب ‪%%‬ات كامل ‪%%‬ة تكلفهم نفق ‪%%‬ات باهظ ‪%%‬ة‪،‬‬
‫وإهنم لي‪%% %‬رتمنون يف ك ‪ّ% %‬ل مك‪%% %‬ان مبدح ت ‪,,‬راث الع ‪,,‬رب‪ .‬وإن‪%% %‬ك ل‪%% %‬رتاهم من الناحي‪%% %‬ة األخ‪%% %‬رى‬
‫حيتج ‪%%‬ون يف زراي ‪%%‬ة إذا ذك ‪%%‬رت الكتب املس ‪%%‬يحية ب ‪%%‬أن تل ‪%%‬ك املؤلف ‪%%‬ات غ ‪%%‬ري ج ‪%%‬ديرة بالتف ‪%%‬اهتم!‬
‫فواحّر قلباه! لقد نسي املسيحيون لغتهم‪ ،‬وال يكاد يوجد منهم واحد يف األل‪%%‬ف ق‪%%‬ادر على‬
‫إنش‪%%‬اء رس‪%%‬الة إىل ص‪%%‬ديق بالتيني‪%%‬ة مس‪%%‬تقيمة! ولكن إذا اس‪%%‬تدعى األم‪%%‬ر كتاب‪%%‬ة بالعربي‪%%‬ة‪ ،‬فكم‬
‫منهم من يس‪%%‬تطيع أن يع‪%%‬رب عن نفس‪%%‬ه يف تل‪%%‬ك اللغ‪%%‬ة ب‪%%‬أعظم م‪%%‬ا يك‪%%‬ون من الرش‪%%‬اقة‪ ،‬ب‪%%‬ل ق‪%%‬د‬
‫يقرضون من الشعر ما يفوق يف صحة نظمه شعر العرب أنفسهم " (‪.)22‬‬

‫وق‪%%‬د ك‪%%‬ان مث‪%%‬ل ه‪%%‬ذا الت‪%%‬أثري‪ ،‬العائ‪%%‬د م‪%%‬ع املبتع‪%%‬ثني األورب‪%%‬يني إىل م‪%%‬دارس املس‪%%‬لمني يف‬
‫املغ‪%%‬رب واألن‪%%‬دلس وبالد املش‪%%‬رق‪ ،‬ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي أث‪%%‬ار جن‪%%‬ون الكنيس‪%%‬ة األوربي‪%%‬ة‪ ،‬ف‪%%‬راحت تحرق‬
‫العلم‪,,‬اء ال‪,,‬ذين نادوا بأفكار اكتسبوها من علوم المسلمين‪ ،‬حماول‪%%‬ة منه ‪%%‬ا لوق‪%%‬ف التي‪%%‬ار‬
‫اجلارف الذي نشأ يف الفكر األوريب نتيجة االحتكاك باإلسالم‪.‬‬

‫يقوول بريفولت يف كتاب " بناء اإلنسانية ‪:" Making of Humanity‬‬

‫" فالع‪%% %‬امل الق‪%% %‬دمي ‪ -‬كم‪%% %‬ا رأين‪%% %‬ا ‪ -‬مل يكن للعلم في‪%% %‬ه وج‪%% %‬ود‪ .‬وعلم النج‪%% %‬وم عن‪%% %‬د‬
‫اليون‪%% %‬ان ورياض‪%% %‬ياهتم ك‪%% %‬انت علوم ‪ً% %‬ا أجنبي‪%% %‬ة اس‪%% %‬تجلبوها من خ‪%% %‬ارج بالدهم وأخ‪%% %‬ذوها عن‬
‫س ‪%%‬واهم‪ ،‬ومل تت ‪%%‬أقلم يف ي ‪%%‬وم من األي ‪%%‬ام فتم ‪%%‬تزج امتزاج‪ً% %‬ا كلًّي ا بالثقاف ‪%%‬ة اليوناني ‪%%‬ة‪ .‬وق ‪%%‬د نّظم‬

‫‪ )?(21‬لعله يقصد املشتغلني بالعلم‪.‬‬


‫‪ )?(22‬ف ‪%%‬ون جرونيب ‪%%‬اوم‪ ،‬حض ‪%%‬ارة اإلس ‪%%‬الم‪ ،‬ص ‪ 82 – 81‬من الرتمجة العربي ‪%%‬ة‪ ،‬إص ‪%%‬دار مش ‪%%‬روع األل ‪%%‬ف‬
‫كتاب‪ ،‬وزارة التعليم العايل‪ ،‬بالقاهرة‪.‬‬

‫(‪)20‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اليون‪%% %‬ان املذاهب وعمم‪%% %‬وا األحك‪%% %‬ام ووض‪%% %‬عوا النظري‪%% %‬ات‪ .‬ولكن أس‪%% %‬اليب البحث يف دأب‬
‫وأن‪%%‬اة‪ ،‬ومجي‪%%‬ع املعلوم‪%%‬ات اإلجيابي‪%%‬ة وتركيزه‪%%‬ا‪ ،‬واملن‪%%‬اهج التفص‪%%‬يلية للعلم‪ ،‬واملالحظ‪%%‬ة الدقيق‪%%‬ة‬
‫املستمرة‪ ،‬والبحث التجرييب‪ ،‬كّل ذلك كان غريبًا متامًا عن املزاج اليوناين‪ .‬أما ما ندعوه "‬
‫العلم " فق‪%% %‬د ظه‪%% %‬ر يف أورب‪%% %‬ا نتيج‪%% %‬ة ل‪%% %‬روح من البحث جدي‪%% %‬دة‪ ،‬ولط‪%% %‬رق من االستقص‪%% %‬اء‬
‫مس‪%% %‬تحدثة‪ ،‬من ط‪%% %‬رق التجرب‪%% %‬ة واملالحظ‪%% %‬ة واملق‪%% %‬اييس‪ ،‬ولتط‪%% %‬ور الرياض‪%% %‬يات إىل ص‪%% %‬ورة مل‬
‫يعرفها اليونان‪ .‬وهذه الروح وتلك المناهج العلمية‪ ،‬أدخلها العرب إلى الع‪,,‬الم األوربي‬
‫" (‪.)23‬‬

‫" ولم يكن العلم وح ‪,,‬ده هو ال ‪,,‬ذي أعاد أوربا إلى الحي ‪,,‬اة‪ ،‬بل إن م ‪,,‬ؤثرات‬
‫أخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة اإلسالمية بعثت باكورة أشعتها إلى الحياة األوربية‬
‫" (‪.)24‬‬

‫لق‪%% %‬د ك‪%% %‬ان أهم م‪%% %‬ا كس‪%% %‬بته أورب‪%% %‬ا من االحتك‪%% %‬اك باإلس‪%% %‬الم واملس‪%% %‬لمني هو إرادة‬
‫الحياة‪.‬‬

‫لقد احتكوا بأمة حية قوية متعّلم‪%‬ة ذات حض‪%‬ارة وفك‪%‬ر َو َّثاب‪ ..‬ف‪%‬أرادوا أن تك‪%‬ون‬
‫هلم حي ‪%%‬اة مماثل ‪%%‬ة‪ ،‬فغ ‪%%‬ريوا نظ ‪%%‬رهتم إىل األم ‪%%‬ور كّله ‪%%‬ا‪ ،‬وغ ‪%%‬ريوا منهج حي ‪%%‬اهتم من ج ‪%%‬ذوره‪..‬‬
‫فانبعثوا أمة جديدة‪.‬‬

‫كان دينهم الذي حرفته الكنيسة يدعوهم إىل إمهال احلياة الدنيا من أج‪%%‬ل اآلخ‪%%‬رة‪،‬‬
‫تفس ‪%%‬ريًا خاطئ ‪ً%‬ا منهم لق ‪%%‬ول املس ‪%%‬يح علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم ‪ -‬إن ك ‪%%‬ان ق ‪%%‬د ق ‪%%‬ال بالفع ‪%%‬ل ‪ " -‬من أراد‬
‫امللك‪%%‬وت فلي‪%%‬رتك مال‪%%‬ه وأبن‪%%‬اءه وليتبع‪%%‬ين‪ ،" ..‬فق‪%%‬د أن‪%%‬زل اهلل على املس‪%%‬لمني مث‪%%‬ل ه‪%%‬ذا التوجي‪%%‬ه‬
‫فلم يفهموا منه ما فهمت الكنيسة من القول املنسوب إىل املسيح عليه السالم‪.‬‬

‫ِش‬
‫ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل‪ُ( :‬قِتْل ِإْن َك اَن آَباُؤ ُك ْم َو َأْبَن اُؤ ُك ْم َوِك ِإْخ َو اُنُك ْم َو َأْز َو اُج ُك ِإْم َو َع ِم يَر ُتُكَّل ِهْم‬
‫َو َأْم َو اٌل اْقَتَر ْفُتُم وَه ا َو َج اَر ٌة َتْخَش ْو َن َك َس اَدَه ا َو َم َس ا ُن َتْر َض ْو َنَه ا َأَح َّب َلْيُك ْم َن ال‬
‫ِد‬ ‫ِه‬ ‫ِت‬ ‫ِلِه‬ ‫ِلِه ِج ٍد ِف‬
‫َو َرُس و َو َه ا ي َس ِبي َفَتَر َّبُص وا َح َّتى َي ْأ َي الَّل ُه ِب َأْم ِر َو الَّل ُه ال َيْه ي اْلَق ْو َم‬
‫اْلَف اِس ِق يَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة التوب‪%%‬ة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]24‬ولكن املس‪%%‬لمني مل ي‪%%‬رتمجوا ذل‪%%‬ك إىل رهباني‪%%‬ة س‪%%‬لبية‬
‫مهمل‪%%‬ة لواق‪%%‬ع األرض‪ ،‬ألن تع‪%%‬اليم اإلس‪%%‬الم كّله‪%%‬ا ك‪%%‬انت تدعو إىل ممارسة الحياة الواقعي‪,‬ة‬
‫بكّل اتجاهاته‪,,‬ا وكل مجاالته‪,,‬ا‪ ،‬لتحقي ‪%%‬ق " امللك ‪%%‬وت " يف واق ‪%%‬ع األرض‪ ،‬وذل ‪%%‬ك بتط ‪%%‬بيق‬
‫‪ )?(23‬عن كت‪%%‬اب " جتدي‪%%‬د الفك‪%%‬ر ال‪%%‬ديين " تأليف حمم‪%%‬د إقب‪%%‬ال ترمجة عب‪%%‬اس حمم‪%%‬ود‪ ،‬ص ‪ 250‬من الرتمجة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ )?(24‬املصدر السابق ص ‪.149‬‬

‫(‪)21‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫المنهج الرباني يف دني‪%% %‬ا الواق‪%% %‬ع‪ ،‬وحتكيم‪%% %‬ه يف ك ‪ّ% %‬ل ش‪%% %‬ئون البش‪%% %‬ر السياس‪%% %‬ية واالقتص‪%% %‬ادية‬
‫واالجتماعية والفكرية واألخالقية (‪ ،)25‬وتظّل اجلنة بنعيمها اخلال‪%%‬د هي اجلزاء على م‪%%‬ا يبذل‪%%‬ه‬
‫البش‪%%‬ر يف األرض من اجله‪%%‬د لتط‪%%‬بيق ذل‪%%‬ك املنهج يف واق‪%%‬ع احلي‪%%‬اة‪ ،‬وال تك‪%%‬ون هي اجلزاء على‬
‫ترك الدنيا يعمل الفساد فيها فال ُيقاَو م‪ ،‬وحَي كم القيصر فيها هبواه فيفسد يف األرض‪.‬‬

‫وكان دينهم ال‪%‬ذي حّر فت‪%‬ه الكنيس‪%‬ة ي‪%‬دعو الن‪%‬اس إىل الرض‪%‬ا بال‪%‬ذّل واهلوان يف احلي‪%‬اة‬
‫ال‪%%‬دنيا من أج‪%%‬ل نعيم اآلخ‪%%‬رة‪ ،‬تفس‪%%‬ريًا خاطئ‪ً%‬ا لق‪%%‬ول املس‪%%‬يح علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم ‪ -‬إن ك‪%%‬ان ق‪%%‬د ق‪%%‬ال‬
‫بالفع ‪%%‬ل ‪ " -‬من خدم س‪,,‬يدين في ال‪,,‬دنيا خير ممن خدم س‪,,‬يدًا واح‪,,‬دًا " ولكن اإلس ‪%%‬الم‬
‫كان يعلم الناس أال يرضخوا للظلم يف احلي‪%‬اة ال‪%‬دنيا‪ ،‬ب‪%‬ل يق‪%‬اوموه م‪%‬ا وس‪%‬عهم اجله‪%‬د‪ ،‬إلقام‪%‬ة‬
‫العدل الرباين املتمثل يف الشريعة املنزلة‪ ،‬وأنذر الذين يرضون بالذّل والظلم وال يقاومونه ‪-‬‬
‫وهم مستطيعون ‪ -‬بالع‪%% %‬ذاب األليم يف اآلخ‪%% %‬رة‪ِ( :‬إَّن اَّل ِذ يَن َتَو َّف اُه ُم اْلَم الِئَك ُة َظ اِلِم ي‬
‫َأ ُفِس ِه َق اُلوا ِفي ُك ْنُت َق اُلوا ُك َّن ا َتْض ِف ي ِفي اَأْل ِض َق اُلوا َأَل َتُك َأ الَّل ِه‬
‫ْم ْن ْرُض‬ ‫ْر‬ ‫ُمْس َع َن‬ ‫َم ْم‬ ‫ْن ْم‬
‫ا ْت ِص يرًا‪ِ ،‬إاَّل اْل ْض ِف ي ِم‬ ‫ِئ‬ ‫ِف‬ ‫ِج‬ ‫ِس‬
‫ُمْس َت َع َن َن‬ ‫َو ا َعًة َفُتَه ا ُر وا يَه ا َفُأوَل َك َم ْأَو اُه ْم َج َه َّنُم َو َس َء َم‬
‫ِح‬ ‫ِط‬ ‫ِء‬
‫الِّر َج اِل َو الِّنَس ا َو اْلِو ْل َد اِن ال َيْس َت يُعوَن يَل ًة َو ال َيْهَت ُد وَن َس ِبيًال‪َ ،‬فُأوَلِئ َك َعَس ى الَّل ُه‬
‫َأْن َيْع ُفَو َعْنُه ْم َو َك اَن الَّل ُه َعُف ّو ًا َغُف ورًا)‪[ .‬س‪%%‬ورة النس‪%%‬اء‪ ،‬اآلي‪%%‬ات ‪ .]99 - 97‬وه‪%%‬ؤالء‬
‫املستض‪%%‬عفون حًّق ا‪ ،‬ال‪%%‬ذين ال يس‪%%‬تطيعون حيل‪%%‬ة وال يهت‪%%‬دون س‪%%‬بيًال‪ ،‬ليس‪%%‬وا ك‪%%‬ذلك م‪%%‬رتوكني‬
‫للُذ ِّل يأكلهم ويسحق وجودهم‪ ،‬إمنا هناك من َحُيُّض على ختليصهم مما هو واقع هبم‪:‬‬

‫(َفْلُيَق اِت ْل ِفي َس ِبيِل الَّل ِه اَّل ِذ يَن َيْش ُر وَن اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا ِب اآْل ِخ َر ِة َو َمْن ُيَق اِت ْل ِفي‬
‫َس ِبيِل الَّلِه َفُيْق َت ْل َأْو َيْغِلْب َفَس ْو َف ُنْؤ ِتي‪ِ,‬ه َأْج رًا َعِظ يم‪ً,‬ا‪َ ،‬و َم ا َلُك ْم ال ُتَق اِتُلوَن ِفي َس ِبيِل‬
‫ِم‬ ‫ِن ِذ‬ ‫ِء‬ ‫الَّلِه اْل ْض ِف ي (‪ِ )26‬م‬
‫َن الِّر َج اِل َو الِّنَس ا َو اْلِو ْل َد ا اَّل يَن َيُقوُلوَن َر َّبَن ا َأْخ ِر ْج َن ا ْن‬ ‫َو ُمْس َت َع َن‬
‫ِذ‬ ‫َّل‬ ‫ِص‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِذِه ِة ِل‬
‫َه اْلَق ْر َي الَّظا ِم َأْه ُلَه ا َو اْجَعْل َلَنا ْن َلُد ْنَك َو ّي ًا َو اْجَع ْل َلَن ا ْن َل ُد ْنَك َن يرًا‪ ،‬ا يَن‬
‫ِل‬ ‫ِت ِت‬ ‫ِت ِف ِب‬ ‫ِه َّلِذ‬ ‫ِت ِف ِب‬
‫آَم ُنوا ُيَق ا ُلوَن ي َس يِل الَّل َو ا يَن َكَف ُر وا ُيَق ا ُلوَن ي َس يِل الَّطاُغو َفَق ا ُلوا َأْو َي اَء‬
‫الَّش ْيَطاِن ِإَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيفًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآليات ‪.]76 - 74‬‬

‫وكان دينهم الذي حّر فته الكنيسة يضفي على " رجال الدين " قداسة ليست هلم‬
‫يف الدين احلقيقي‪ ،‬مبنية على سلسلة من األساطري اليت ابت‪%%‬دعها ب‪%%‬ولس وغ‪%%‬ريه من املبت‪%%‬دعني‪،‬‬
‫تبدأ بتأليه عيسى عليه الس‪%‬الم‪ ،‬ودع‪%‬اء بنّو ته هلل س‪%‬بحانه وتع‪%‬اىل‪ ،‬مث بق‪%‬ول منس‪%‬وب للمس‪%‬يح‬

‫‪ )?(25‬التفت املستشرق الكندي املعاصر ولف‪%‬رد ك‪%‬انتول مسيث إىل ه‪%‬ذه النقط‪%‬ة يف مقدم‪%‬ة كتاب‪%‬ه " اإلس‪%‬الم‬
‫يف الت ‪%% %‬اريخ احلديث " فق ‪%% %‬رر أن النص ‪%% %‬ارى ي ‪%% %‬رون أن امللك ‪%% %‬وت ال يتحق‪%% %‬ق إال يف اآلخ‪%% %‬رة بينم‪%% %‬ا يس ‪%% %‬عى‬
‫املسلمون إىل حتقيقه يف احلياة الدنيا بتطبيق الشريعة‪.‬‬
‫‪ )?(26‬أي املستضعفني حقيقة‪.‬‬

‫(‪)22‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم‪ ،‬أن‪%%‬ه ق‪%%‬ال لبط‪%%‬رس‪ " :‬أنت بط‪%%‬رس‪ ،‬وعلى ه‪%%‬ذه الص‪%%‬خرة اب‪%%‬ين كنيس‪%%‬يت‪ ،‬وأب‪%%‬واب‬
‫اجلحيم لن تقوى عليها‪ ،‬وأعطيك مفاتيح ملكوت الس‪%%‬موات‪ ،‬فك‪ّ%‬ل م‪%%‬ا تربط‪%%‬ه على األرض‬
‫يكون مربوطًا يف السماوات‪ ،‬وكّل ما حتّله على األرض يكون حملوًال يف الس‪%%‬موات " (‪.)27‬‬
‫مث إن بط ‪%%‬رس منح ه ‪%%‬ذا الس ‪%%‬لطان القدس ‪%%‬ي للب ‪%%‬ابوات من بع ‪%%‬ده‪ ،‬فص ‪%%‬ار لك‪ّ% %‬ل منهم قداس ‪%%‬ة‪،‬‬
‫ولكلمت ‪%%‬ه س ‪%%‬لطان مق‪ّ% %‬د س‪ .‬وهبذا الس ‪%%‬لطان طغ ‪%%‬وا يف األرض بغ ‪%%‬ري احلّق ‪ ،‬وك ‪%%‬ان من ض ‪%%‬من‬
‫طغي ‪%%‬اهنم حظر التفكير على العقل البش‪,,‬ري ‪ -‬لكي ال ُيفّك ر فيم ‪%%‬ا ابتدعت ‪%%‬ه الكنيس ‪%%‬ة من‬
‫اخلزعبالت‪ ،‬ولكي يظ ‪ّ%‬ل للكنيس ‪%%‬ة س ‪%%‬لطاهنا املق ‪%%‬دس ‪ -‬فجم ‪%%‬د العق ‪%%‬ل األوريب عش ‪%%‬رة ق ‪%%‬رون‬
‫متوالي‪%% %‬ة هي عص‪%% %‬ور الظالم ال‪%% %‬يت رف‪%% %‬رف عليه‪%% %‬ا دين الكنيس‪%% %‬ة احملرف‪ ،‬وامتأل ه‪%% %‬ذا العق‪%% %‬ل‬
‫باألساطري‪ ،‬وُح ّر م علي‪%%‬ه أن ي‪%%‬رى الن‪%%‬ور فرض‪%%‬ي ب‪%%‬الظالم‪ .‬بينما كان اإلسالم بريئا من ذل‪,‬ك‬
‫ألنه دين اهلل الحّق ‪ ،‬فال قداسة في‪%‬ه ألح‪%‬د غ‪%‬ري اهلل س‪%‬بحانه وتع‪%‬اىل‪ ،‬وح‪%‬ىت رس‪%‬وله ص‪%‬لى اهلل‬
‫علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ُ ،‬ي ؤمر أن يق ‪%%‬ول للن ‪%%‬اس (ُس ْبَح اَن َر ِّبي َه ْل ُك ْنُت ِإاَّل َبَش رًا َرُس وًال)‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ..]93‬واملسلمون ُيوّقرون رسوهلم صلى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬ويطيعون‪%‬ه يف ك‪ّ%‬ل‬
‫أم ‪%%‬ر‪ ،‬ويس ‪%%‬ارعون إىل مرض ‪%%‬اته‪ ،‬ولكنهم يعرف ‪%%‬ون أنه بش‪,,‬ر‪ ،‬وأن دوره ه ‪%%‬و التبلي ‪%%‬غ عن رب ‪%%‬ه‪،‬‬
‫وه ‪%%‬و البي ‪%%‬ان ملا أن ‪%%‬زل من عن ‪%%‬د اهلل‪ ،‬وه ‪%%‬و الرتبي ‪%%‬ة والتوجي ‪%%‬ه هلم‪ ،‬ولكن ‪%%‬ه ال يملك لهم وال‬
‫لنفسه ضًّر ا وال نفعًا إال ما شاء اهلل‬

‫مث إن ه‪%%‬ذا ال‪%%‬دين ال حيج‪%%‬ر على العق‪%%‬ل أن ُيفّك ر‪ ،‬بل يدعوه دعوة ملّح ة أن يقوم‬
‫بالتفكير والت‪,,‬دبر‪ ،‬والنظ‪%%‬ر يف ملك‪%%‬وت الس‪%%‬ماوات واألرض‪ ،‬والتع‪%%‬رف على الس‪%%‬نن الرباني‪%%‬ة‬
‫يف الك ‪%%‬ون املش ‪%%‬هود ويف حي ‪%%‬اة البش ‪%%‬ر‪ ،‬وأن يس ‪%%‬ريوا يف األرض ويتفك ‪%%‬روا‪ ..‬ومن مث انطلقت‬
‫األم ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت آمنت هبذا ال ‪%%‬دين‪ ،‬جتوب اآلف ‪%%‬اق‪ ..‬آف ‪%%‬اق الفك ‪%%‬ر وآف ‪%%‬اق األرض وآف ‪%%‬اق العلم‪..‬‬
‫وتتفوق يف كّل امليادين‪.‬‬

‫لقد كان كّل شيء يف حياة املسلمني كأنه املقابل الكامل ملا ألفت‪%‬ه أورب‪%‬ا يف قروهنا‬
‫الوسطى املظلمة‪ ..‬لذلك كان االحتكاك بين أوربا والمسلمين عظيم األث‪,‬ر في حياته‪,‬ا‪،‬‬
‫شامًال لكّل مي‪,,‬ادين الحي‪,,‬اة فيه‪,,‬ا‪ ،‬كم‪%%‬ا ق‪%%‬ال " بريف‪%%‬ولت " يف عبارته ال‪%%‬يت نقلناه‪%%‬ا عن‪%%‬ه من‬
‫قبل‪ " :‬ومل يكن العلم وحده هو الذي أعاد أورب‪%‬ا إىل احلي‪%‬اة‪ ،‬ب‪%‬ل إن م‪%‬ؤثرات أخ‪%‬رى كث‪%‬رية‬
‫من مؤثرات احلضارة اإلسالمية بعثت باكورة أشعتها إىل احلياة األوربية "‪.‬‬

‫وك ‪%%‬انت أورب ‪%%‬ا قمين ‪%%‬ة ‪ -‬كم ‪%%‬ا ق ‪%%‬ال املؤرخ الربيط ‪%%‬اين " ويل ‪%%‬ز " يف كت ‪%%‬اب " مع‪,,‬الم‬
‫تاريخ اإلنسانية " ‪ -‬أن تدخل يف اإلس‪%%‬الم‪ .‬يق‪%%‬ول‪ " :‬ول‪%%‬و هتي‪%%‬أ لرج‪%%‬ل ذي بص‪%%‬رية نّف اذة أن‬

‫‪ )?(27‬إجنيل مىت‪ ،‬اإلصحاح السادس عشر‪.20 – 19 ،‬‬

‫(‪)23‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ينظ‪%%‬ر إىل الع‪%%‬امل يف مفتتح الق‪%%‬رن الس‪%%‬ادس عش‪%%‬ر فلعل‪%%‬ه ك‪%%‬ان يس‪%%‬تنتج أن‪%%‬ه لن متض‪%%‬ي إال بض‪%%‬عة‬
‫أجيال قليلة ال يلبث بعدها العامل أمجع أن ُيصبح مغولًّيا ‪ -‬وربما أصبح إسالمًّيا " (‪.)28‬‬

‫ولكن الكنيس‪%% % % % %‬ة وقفت ألورب‪%% % % % %‬ا باملرص‪%% % % % %‬اد متنعه‪%% % % % %‬ا من ال‪%% % % % %‬دخول يف اإلس‪%% % % % %‬الم!‬
‫واستخدمت يف سبيل ذلك كّل ما متلك من الوسائل مبا يف ذلك محاكم التفتيش‪ ،‬ومبا يف‬
‫ذل ‪%%‬ك تكلي ‪%%‬ف ُك ّت اب الكنيس ‪%%‬ة ومفكريه ‪%%‬ا وأدبائه ‪%%‬ا أن يش ‪%%‬وهوا ص ‪%%‬ورة اإلس ‪%%‬الم يف نف ‪%%‬وس‬
‫األورب‪%%‬يني‪ ،‬بتش‪%%‬ويه ص‪%%‬ورة الرس‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬وص‪%%‬حابته الك‪%%‬رام ‪ -‬رض‪%%‬وان اهلل‬
‫عليهم ‪ -‬وتزيي ‪%%‬ف وق ‪%%‬ائع الت ‪%%‬اريخ‪ ،‬وتص ‪%%‬وير اإلس ‪%%‬الم بربري ‪%%‬ة ووحش ‪%%‬ية ودموي ‪%%‬ة وش ‪%%‬هوانية‬
‫واحنطاطًا وقسوة ومهجية‪ ..‬اخل‪ ..‬اخل‪.‬‬

‫ووقعت أورب ‪%%‬ا يف م ‪,,‬أزق ت ‪,,‬اريخي‪ ..‬فهي ن ‪%%‬افرة من الكنيس ‪%%‬ة وطغياهنا وجهالته ‪%%‬ا‪،‬‬
‫وحجرها على الفكر‪ ،‬وصرفها الناس عن ممارسة احلياة‪ ،‬وإصالح الواقع األرضي‪ ،‬وهي يف‬
‫الوقت ذاته مصدودة عن الّد ين احلّق مبا شوه الُك ّت اب من ص‪%%‬ورته يف نف‪%%‬وس الن‪%‬اس‪ ..‬وك‪%‬ان‬
‫امللجأ الذي جلأت إليه يف مأزقها التارخيي هو نبذ الفكر الديني جملة‪ ،‬والعودة إىل الرتاث‬
‫الوث ‪%%‬ين‪ ،‬املتمث ‪%%‬ل يف اجلاهلي ‪%%‬ة اإلغريقي ‪%%‬ة واجلاهلي ‪%%‬ة الروماني ‪%%‬ة‪ ،‬وحماول ‪%%‬ة بن ‪%%‬اء " النهض ‪%%‬ة " على‬
‫أساس ذلك الرتاث‪.‬‬

‫وكان هذا هو الميالد النكد للجاهلية المعاصرة!‬

‫‪ )?(28‬ويل‪%%‬ز‪ ،‬مع‪%%‬امل تاريخ اإلنس‪%%‬انية‪ ،‬ترمجة عب‪%%‬د العزي‪%%‬ز توفي‪%%‬ق جاوي‪%%‬د‪ ،‬طب‪%%‬ع جلن‪%%‬ة الت‪%%‬أليف والرتمجة والنش‪%%‬ر‬
‫بالقاهرة ج ‪ 3‬ص ‪.966‬‬

‫(‪)24‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثالثا‪ :‬خصائص الجاهلية المعاصرة‬


‫كان هلذا امليالد النكد آثار خطرية يف تشكيل خصائص اجلاهلية املعاصرة‪.‬‬

‫فلقد مجعت هذه اجلاهلية يف أطوائها مواريث خمتلفة وتأثرات خمتلف‪%%‬ة‪ ،‬جعلت منه‪%%‬ا‬
‫يف النهاي ‪%%‬ة ص ‪%%‬ورهتا احلالي ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت ميكن تلخيص ‪%%‬ها يف كلم ‪%%‬تني‪ :‬تقدم هائ‪,,‬ل يف العل ‪%%‬وم املادي ‪%%‬ة‬
‫والتكنولوجي‪%%‬ا والعم‪%%‬ارة املادي‪%%‬ة لألرض‪ ،‬وانتكاسة هائلة يف اجلانب ال‪%%‬روحي والقيم املعنوي‪%%‬ة‬
‫الالزمة حلياة اإلنسان‪.‬‬

‫لقد ورثت من اجلاهلية اإلغريقية عبادة العقل‪ ،‬وعبادة الجسد في صورة جمال‬
‫حسّي ‪ ،‬وال‪%% %‬روح الوثني‪%% %‬ة يف النظ‪%% %‬ر إىل الك‪%% %‬ون واحلي‪%% %‬اة واإلنس‪%% %‬ان‪ ،‬وبص‪%% %‬فة خاص‪%% %‬ة عالق‪%% %‬ة‬
‫الصراع بني البشر واآلهلة‪ ،‬حيث اآلهلة تري‪%‬د تدمري اإلنس‪%‬ان‪ ،‬واإلنس‪%‬ان يري‪%‬د أن ُيثبت ذاته‬
‫بالتمّر د على اآلهلة‪.‬‬

‫وورثت من اجلاهلية الروماني‪%%‬ة عبادة الجسد في ص‪,‬ورة شهوات حسّية‪ ،‬وتزيني‬


‫احلياة الدنيا لزيادة االستمتاع احلس‪ّ%‬ي هبا إىل أقص‪%%‬ى الغاي‪%‬ة‪ ،‬ومن مث االهتم‪%‬ام الب‪%‬الغ بالعم‪%‬ارة‬
‫املادية لألرض‪.‬‬

‫وورثت منهم‪%%‬ا مع‪ً%‬ا نزع‪%%‬ة االستعمار‪ ،‬واس‪%%‬تعباد اآلخ‪%%‬رين من أج‪%%‬ل ش‪%%‬هوة الس‪%%‬يطرة‬
‫من ناحية‪ ،‬ومن أجل زيادة الفراهية احلسية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫وأخ‪%%‬ذت من املس‪%%‬لمني المنهج التجري‪,,‬بي في البحث العلمي‪ ،‬ال‪%%‬ذي ك‪%%‬ان أس‪%%‬اس‬


‫ك ‪ّ% %‬ل التق‪%% %‬دم العلمي احلديث‪ ،‬واس‪%% %‬تفادت من عل‪%% %‬ومهم كّله‪%% %‬ا مبا فيه‪%% %‬ا الفيزي‪%% %‬اء والكيمي‪%% %‬اء‬
‫والرياضيات والطّب والفل‪%%‬ك‪ ،‬كم‪%%‬ا اس‪%%‬تفادت من وس‪%%‬ائلهم احلض‪%%‬ارية األخ‪%%‬رى‪( ،‬وأضافت‬
‫إليه‪,,‬ا كث‪,,‬يرًا بالطبع)‪ ،‬كم ‪%%‬ا أخ ‪%%‬ذت منهم روح التفكير الح ‪ّ,‬ر يف خمتل ‪%%‬ف جماالت الفك ‪%%‬ر‪،‬‬
‫وروح المغامرة يف فجاج األرض واستكشاف جماهيلها‪.‬‬

‫ويف األخ ‪%%‬ري جاءه ‪%%‬ا الت ‪%%‬أثري اليه ‪%%‬ودي‪ ،‬ال ‪%%‬ذي نف ‪%%‬ذ من الثغ ‪%%‬رات ال ‪%%‬يت أوج ‪%%‬دها نف ‪%%‬ور‬
‫أوربا من الدين‪ ،‬فص‪%‬بغ احلي‪%‬اة األوربي‪%‬ة بالص‪%‬بغة النفعي‪%‬ة‪ ،‬وعّم ق االجتاه‪%‬ات املادي‪%‬ة‪ ،‬وزاد من‬
‫اجلف‪%% %‬وة الروحي ‪%%‬ة‪ ،‬ونش ‪%%‬ر التفسخ األخالقي يف اجملتم ‪%%‬ع األوريب‪ ،‬مس ‪%%‬تغًّال أح ‪%%‬داث الث ‪%%‬ورة‬
‫الفرنس‪%%‬ية مث الث‪%%‬ورة الص‪%%‬ناعية مث النظري‪%%‬ة الدارويني‪%%‬ة على أوس‪%%‬ع نط‪%%‬اق‪ .‬ذلك موجز مختص‪,‬ر‬
‫يحتاج إلى تفصيل‪.‬‬

‫(‪)25‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اش‪%% %‬تهرت اجلاهلي‪%% %‬ة اإلغريقي‪%% %‬ة جبه‪%% %‬د فك‪%% %‬رّي ض‪%% %‬خم‪ ،‬متمث‪%% %‬ل يف " الفلسفة " و "‬
‫المنطق "‪ ،‬معٍّين بالتفكري يف الكليات‪ ،‬واستنباط النظريات‪ ،‬ووضع القواعد ال‪%%‬يت يق‪ّ%‬و م على‬
‫أساس ‪%% %‬ها الفك ‪%% %‬ر‪ .‬وه ‪%% %‬ذه ‪ -‬يف ذاهتا ‪ -‬أدوات نافع ‪%% %‬ة‪ ،‬ب ‪%% %‬ل هي ض ‪%% %‬رورية للحي ‪%% %‬اة الفكري ‪%% %‬ة‬
‫الس ‪%% % %‬ليمة‪ ،‬وال يس ‪%% % %‬تطيع الفك ‪%% % %‬ر أن ي ‪%% % %‬رتقي إىل آفاق ‪%% % %‬ه العلي ‪%% % %‬ا بغ ‪%% % %‬ري اإلملام بتل ‪%% % %‬ك األدوات‬
‫واستخدامها يف جماهلا الصحيح‪.‬‬

‫ولكن املأخوذ على تل‪%%‬ك اجلاهلي‪%%‬ة ليس ه‪%%‬و " إعم‪,,‬ال العقل " إمنا ه‪%%‬و م‪%%‬ا ميكن أن‬
‫نس‪%%‬ميه " عبادة العقل "‪ ،‬أي جعل‪%%‬ه ه‪%%‬و احملكم يف األم‪%%‬ور كّله‪%%‬ا‪ ،‬وه‪%%‬و املرج‪%%‬ع ال‪%%‬ذي تنتهي‬
‫إليه " المعرفة " من كّل جوانبها ‪ -‬وهو ما يبدو واضحًا في الجاهلية المعاصرة بشكل‬
‫بارز‪.‬‬

‫إّن العق‪%%‬ل أداة مفي‪%%‬دة دون ش‪%%‬ك‪ ،‬وق‪,‬د عّظم‪,‬ه اإلس‪,‬الم‪ ،‬وجعل‪%%‬ه من كربي‪%%‬ات النعم‬
‫ال ‪%%‬يت مَّن اهلل هبا على اإلنس ‪%%‬ان‪ ،‬وأس ‪%%‬ند إليهم فهم ال ‪%%‬وحي‪ ،‬واس ‪%%‬تنباط أحكام ‪%%‬ه‪ ،‬والنظ ‪%%‬ر يف‬
‫جماالت تطبيق‪%%‬ه‪ ،‬كم‪%%‬ا أس‪%%‬ند إلي‪%%‬ه أم‪%%‬ورًا أخ‪%%‬رى مهم‪%%‬ة يف حي‪%%‬اة املس‪%%‬لم‪ .‬ولكن‪%%‬ه مل جيعل‪%%‬ه ه‪%%‬و‬
‫المرجع الوحي ‪,,‬د‪ ،‬وال المرجع األعلى‪ ،‬ألن اهلل اخلالق ‪ -‬س‪%% %‬بحانه ‪ -‬يعلم ح‪%% %‬دود ه‪%% %‬ذه‬
‫األداة‪ ،‬ويعلم اجملاالت الصاحلة لعملها‪ ..‬ويعلم أهنا ‪ -‬وحدها ‪ -‬ال تصلح أن تكون حكمًا‬
‫يف األم ‪%%‬ور ال ‪%%‬يت تتع ‪%%‬رض هلوى النفس‪ ،‬أو ألوه ‪%%‬ام النفس‪ ..‬كم ‪%%‬ا أهنا حمدودة حبدود الق ‪%%‬درة‬
‫البشرية‪ ..‬أو فلنقل‪ :‬العجز البشري!‬

‫إن العق‪%%‬ل أداة ص‪%%‬احلة للتعام‪%%‬ل م‪%%‬ع الكون الم‪,,‬ادّي ‪ ،‬واس‪%%‬تنباط الس‪%%‬نن ال‪%%‬يت حتكم‪%%‬ه‬
‫(ال ‪%%‬يت مستها أورب ‪%%‬ا يف جاهليته ‪%%‬ا املعاص ‪%%‬رة " ق‪,,‬وانين الطبيع‪,,‬ة "!)‪ ،‬ألن ه ‪%%‬ذه الس ‪%%‬نن ال دخ ‪%%‬ل‬
‫لإلنسان فيها‪ ،‬إمنا دوره هو التع‪%‬رف عليه‪%‬ا‪ ،‬وحماول‪%‬ة االس‪%‬تفادة منه‪%‬ا يف حتس‪%‬ني أحوال‪%‬ه على‬
‫األرض‪ ،‬وال تت‪%‬أثر برغباته وال أهوائ‪%‬ه وال أوهام‪%‬ه‪ ..‬وه‪%‬و ق‪%‬د خُي طئ يف فهمه‪%‬ا وق‪%‬د ُيص‪%‬يب‪،‬‬
‫ولكنه‪%%‬ا تظ ‪ّ%‬ل على حاهلا كم‪%%‬ا خلقه‪%%‬ا اهلل‪ ،‬ال تت‪%%‬أثر " بموق‪,,‬ف " اإلنس‪%%‬ان‪ :‬مْؤ من ‪ً%‬ا أو ك‪%%‬افرًا‪،‬‬
‫مقبًال أو م ‪%%‬دبرًا‪ ،‬مس ‪%%‬تقيمًا أو منحرف‪ً% %‬ا‪ ..‬ومن مث فبحث ‪%%‬ه فيه ‪%%‬ا ميكن أن يص ‪%%‬ل يف النهاي ‪%%‬ة إىل‬
‫احلقيقة‪ ،‬يف احلدود املتاحة للقدرة البشرية‪ ،‬احملّد دة هلا من عند اهلل (‪.)29‬‬

‫وك‪%‬ذلك ميكن أن يك‪%‬ون العق‪%‬ل أداة ص‪%‬احلة يف ك‪ّ%‬ل أم‪%‬ر ينطب‪%‬ق علي‪%‬ه ه‪%‬ذا الوص‪%‬ف‪،‬‬
‫أنه " سنن " ال تتأثر مبوق‪%‬ف اإلنس‪%‬ان وال رغباته وال أهوائ‪%‬ه وال أوهام‪%‬ه‪ ،‬يف احلدود املتاح‪%‬ة‬

‫‪ )?(29‬م‪%%‬ا زال " العلم " رغم ك‪%%‬ل اآلف‪%%‬اق ال‪%%‬يت وص‪%%‬ل إليه‪%%‬ا يق‪%%‬ف ح‪%%‬ائرًا يف قض‪%%‬ايا ك‪%%‬ان يظن أهنا حس‪%%‬مت‬
‫للمرة األخرية‪ ..‬فبعد تفجري الذرة واستخالص طاقتها انساحت احلواجز بني " املادة " و " الطاقة " ومل‬
‫يعد أحد يعرف على وجه الدقة حدود هذه وتلك!‬

‫(‪)26‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫للقدرة البش‪%‬رية‪ ..‬أم‪%‬ا األم‪%‬ور ال‪%‬يت تتع‪%‬رض هلوى النفس وأوهامه‪%‬ا‪ ،‬أو ال‪%‬يت خترج عن ح‪%‬دود‬
‫الق ‪%%‬درة البش ‪%%‬رية املنوح ‪%%‬ة لإلنس ‪%%‬ان‪ ،‬فهن ‪%%‬ا يك ‪%%‬ون العق ‪%%‬ل ه ‪%%‬و احملكم‪ ،‬وال يك ‪%%‬ون ه ‪%%‬و املرج ‪%%‬ع‬
‫النهائي‪ ،‬وإن مل ُيستغن عنه يف الفهم واالستنباط والتطبيق‪.‬‬

‫وهنا يأتي دور الوحي الرباني‪..‬‬

‫فق ‪%%‬د علم اهلل أن هن ‪%%‬اك أم ‪%%‬ورًا ال يهت ‪%%‬دي اإلنس ‪%%‬ان فيه ‪%%‬ا إىل احلّق مبف ‪%%‬رده‪ .‬وأم ‪%%‬ورًا‬
‫تغلب اإلنس‪%%‬ان فيه‪%%‬ا ش‪%%‬هوته ورغباته‪ ،‬ف‪%%‬تزين ل‪%%‬ه أم‪%%‬ورًا ُمهلك‪%%‬ة يظّن فيه‪%%‬ا جناته‪ ،‬وتنف‪%%‬ره من‬
‫أم‪%%‬ور فيه‪%%‬ا جناته تب‪%%‬دو ل‪%%‬ه أض‪%%‬رارًا ومهال‪%%‬ك‪ .‬فتكف‪,‬ل اهلل بتعليم اإلنسان هذه األم‪,‬ور كّله‪,‬ا‬
‫عن طري‪,,‬ق ال‪,,‬وحي‪ ..‬وت‪,,‬رك ل‪,,‬ه األم‪,,‬ور األخرى‪ ،‬ال‪,,‬تي يص‪,,‬لح عقله الس‪,,‬تيعابها والحكم‬
‫فيها‪ ،‬يجرب فيها مقدرته‪ُ ،‬يخطئ وُيصيب‪.‬‬

‫واإلنس ‪%% %‬ان يف وض ‪%% %‬عه الط ‪%% %‬بيعي ‪ -‬وض ‪%% %‬عه األمث ‪%% %‬ل ‪ -‬حني يتلقى " المعرفة " من‬
‫مصدريها‪.‬‬

‫من الوحي في األمور التي تكّف ل بها الوحي‪ :‬حقيقة األلوهية‪ ،‬وحقيقة الخلق‪،‬‬
‫وحقيقة اليوم اآلخر‪ ،‬والتشريع‪ ،‬والمنهج الذي يحكم الحياة‪.‬‬

‫ومن العقل في األم ‪,,‬ور المتروكة للعقل‪ :‬التع ‪,,‬رف على السنن الرباني ‪,,‬ة ال ‪,,‬تي‬
‫تحكم الحي‪,,‬اة البش‪,,‬رية لتنظيم الحي‪,,‬اة بمقتض‪,,‬اها والتع‪%%‬رف على الس‪%%‬نن الرباني‪%%‬ة ال‪%%‬يت حتكم‬
‫الك ‪%% %‬ون املادي لتحقي ‪%% %‬ق م ‪%% %‬ا س ‪ّ% %‬خ ره اهلل من طاق ‪%% %‬ات الس ‪%% %‬موات واألرض لتحس ‪%% %‬ني احلي ‪%% %‬اة‬
‫وجتميلها (‪.)30‬‬

‫أما الجاهلية اإلغريقية فقد جعلت األمر كّله موكوًال للعقل وحده‪ ..‬فأّلهته!‬

‫وص‪%%‬ار العق‪%%‬ل ‪ -‬عن‪%%‬دها ‪ -‬ه‪%%‬و املرج‪%%‬ع ال‪%%‬ذي ترج‪%%‬ع إلي‪%%‬ه يف قض‪%%‬ية األلوهي‪%%‬ة‪ ،‬وقض‪%%‬ية‬
‫اخللق‪ ،‬وقضية م‪%‬ا يك‪%‬ون بع‪%‬د املوت‪ ،‬وقض‪%‬ية التش‪%‬ريع‪ ،‬وقض‪%‬ية املنهج ال‪%‬ذي حيكم احلي‪%‬اة‪ .‬يف‬
‫حني حولت امليدان الرئيسي للعقل ‪ -‬وهو النظ‪%‬ر يف الك‪%‬ون املادي والتع‪%‬رف على خواص‪%‬ه‪،‬‬
‫وحماولة تسخري طاقاته ‪ -‬إىل نظريات ذهنية جمردة‪ ،‬ال ّجترب ملعرفة مدى صدقها وانطباقها‬
‫على الواق ‪%% %‬ع‪ ،‬إمنا مُت رر على " العقل "‪ ،‬ف ‪%% %‬إن رآه ‪%% %‬ا ص ‪%% %‬حيحة فهي يف حكم ‪%% %‬ه ص ‪%% %‬حيحة‪،‬‬
‫بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر عن واقعه‪%%‬ا احلقيقي‪ ،‬وإن رآه‪%%‬ا ‪ -‬ألي س‪%%‬بب من األس‪%%‬باب ‪ -‬غ‪%%‬ري ص‪%%‬حيحة‬
‫فهي يف حكمه غري صحيحة‪ ،‬بصرف النظر عن واقعها احلقيقي!‬

‫‪ )?(30‬اقرأ – إن شئت – فصل " العقالنية " يف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)27‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وك‪%‬ان ال ب‪%‬د هلذا االحنراف يف اجلاهلي‪%‬ة اإلغريقي‪%‬ة أن يص‪%%‬ل إىل نتيجت‪%‬ه‪ ..‬فق‪%%‬د ع‪%%‬اش‬
‫الن ‪%%‬اس يف دوام‪,,‬ة من النظري‪,,‬ات الفلسفية المتناقض‪,,‬ة في قض‪,,‬ايا الحي‪,,‬اة الرئيسية كّله‪,,‬ا‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته لم يتقدم العلم! وك‪%‬ان ه‪%‬ذا املنهج قمين‪ً%‬ا أن يص‪%‬ل باحلي‪%‬اة إىل الب‪%‬وار ح‪%‬ىت‬
‫ل ‪%%‬و ق ‪%%‬در ل ‪%%‬ه أن يعيش أك ‪%%‬ثر مما ع ‪%%‬اش‪ ،‬ومل تأت الكنيس ‪%%‬ة لتطمس ‪%%‬ه أو تس ‪%%‬خره ألغراض ‪%%‬ها‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫وإذا تفهمن ‪%%‬ا ه ‪%%‬ذه احلقيق ‪%%‬ة نس ‪%%‬تطيع أن ن ‪%%‬درك مع ‪%%‬ىن االحنراف الواق ‪%%‬ع يف اجلاهلي ‪%%‬ة‬
‫املعاصرة من " إحياء " اجلاهلية اإلغريقية مرة أخرى‪.‬‬

‫حقيقة إنه حدثت تغيريات جوهرية يف بعض نواحي املنهج‪..‬‬

‫فق‪%% %‬د تس‪%% %‬لم املس‪%% %‬لمون املنهج اإلغ‪%% %‬ريقي‪ ،‬وأدرك‪%% %‬وا م‪%% %‬ا في‪%% %‬ه من خل‪%% %‬ل يف الناحي‪%% %‬ة‬
‫العلمي ‪%%‬ة‪ ،‬إذ أن العلم ال يص‪%% %‬لح نظري ‪%%‬ات ذهني ‪%%‬ة جتريدي ‪%%‬ة بغ‪%% %‬ري جتريب‪ ،‬واهت ‪%%‬دوا ‪ -‬بوحي‬
‫إسالمهم ‪ -‬إىل املنهج الص‪%%‬حيح‪ ،‬فحّو ل‪%%‬وا العلم إىل مالحظ‪%%‬ة وجترب‪%%‬ة واس‪%%‬تنباط‪ ،‬وكان هذا‬
‫هو المنهج ال ‪,,‬ذي انبنى علي ‪,,‬ه كّل التقدم العلمي في العص ‪,,‬ر الحاض ‪,,‬ر‪ ،‬كم ‪%%‬ا أش ‪%%‬ار "‬
‫بريفولت "‪ ،‬وكثري غريه من الباحثني واملؤرخني‪.‬‬

‫وم ‪%%‬ا من ش ‪%%‬ك أن أورب ‪%%‬ا هلا جه ‪%%‬دها الض ‪%%‬خم يف ه ‪%%‬ذا املي ‪%%‬دان‪ ،‬ال ‪%%‬ذي حيس ‪%%‬ب هلا يف‬
‫النت‪%%‬ائج األخ‪%%‬رية ال‪%%‬يت توص‪%%‬ل إليه‪%%‬ا العلم‪ ،‬نتيج‪%%‬ة اجلل‪%%‬د واملث‪%%‬ابرة وروح اجلّد والعزمية ال‪%%‬يت محل‬
‫األوربي‪%%‬ون عبئه‪%%‬ا يف الق‪%%‬رون الثالث‪%%‬ة األخ‪%%‬رية‪ ،‬ولكن هذا ال ينقص من قيم‪,,‬ة االهت‪,,‬داء إلى‬
‫المنهج الص‪,,‬حيح‪ ،‬ال‪%%‬ذي جع‪%%‬ل ه‪%%‬ذه النت‪%%‬ائج ممكن‪%%‬ة باجلل‪%%‬د واملث‪%%‬ابرة والعزمية‪ ،‬وال‪%%‬ذي ل‪%%‬واله‬
‫لبقي العلم نظريات جتريدية‪ ،‬كما كان على عهد اليونان‪.‬‬

‫كم ‪%%‬ا أن العقالني ‪%%‬ة التجريدي ‪%%‬ة ق ‪%%‬د حتولت ‪ -‬بفع ‪%%‬ل التق ‪%%‬دم العلمي التجري ‪%%‬يب ‪ -‬إىل‬
‫عقالني‪%%‬ة جتريبي‪%%‬ة‪ ،‬فانص‪%%‬رفت عن ع‪%%‬امل " ما وراء الطبيعة " (الميتافيزيقا) إىل ع‪%%‬امل الطبيع‪%%‬ة‪،‬‬
‫واكتس‪%% %‬بت ب‪%% %‬ذلك " واقعي‪,, ,‬ة " يف تن‪%% %‬اول مش‪%% %‬كالت احلي‪%% %‬اة البش‪%% %‬رية مل تكن هلا من قب‪%% %‬ل‪،‬‬
‫ونش‪%%‬أت من ذل‪%%‬ك دوائ‪%%‬ر واس‪%%‬عة من األحباث‪ ،‬حتاول أن توج‪%%‬د حل‪%%‬وًال عملي‪%%‬ة للمش‪%%‬كالت‬
‫ال ‪%%‬يت تواج ‪%%‬ه الن ‪%%‬اس يف حي ‪%%‬اهتم‪ ،‬وتص ‪%%‬ل إىل تيس ‪%%‬ريات ض ‪%%‬خمة يف جماالت احلي ‪%%‬اة املختلف ‪%%‬ة‪،‬‬
‫تستخدم فيها مثار العلم أوًال بأول‪ ،‬وُتؤدي هي ذاهتا إىل مزيد من التقدم العلمي‪..‬‬

‫ولكن تبقى بع ‪%% %‬د ذل ‪%% %‬ك حقيق ‪%% %‬ة مبدئي ‪%% %‬ة‪ ..‬هي االحنراف اجلوهري ال ‪%% %‬ذي ورثت ‪%% %‬ه‬
‫اجلاهلية املعاصرة من اجلاهلية اإلغريقية ‪ -‬بالرغم من التغيريات اليت أحدثها املنهج التجرييب‬

‫(‪)28‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ذو األص‪%%‬ل اإلس‪%%‬المي ‪ -‬ذل‪%%‬ك االحنراف املتمث‪%%‬ل يف تحكيم العقل فيم‪,,‬ا ال مج‪,,‬ال ل‪,,‬ه في‪,,‬ه‪،‬‬
‫واتخاذه حكمًا فيما ال يصلح أن يكون حكمًا فيه‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د حّك مت اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة عقله ‪%%‬ا يف قض ‪,,‬ية األلوهي ‪,,‬ة‪ ،‬ف ‪%%‬أدت هبا عقالنيته ‪%%‬ا‬
‫التجريبي ‪%%‬ة إىل نفي وجود اهلل! جملرد أن اهلل س ‪%%‬بحانه وتع ‪%%‬اىل " ال تدركه األبص ‪,,‬ار "‪ ،‬وال‬
‫ميكن إدراك وجوده بتجربة علمية معملية‪ ،‬على طريقة الكون املادّي ‪ ..‬وحقيقة أن اجلاهلية‬
‫املعاص‪%%‬رة ح‪ّ%‬و لت عقالنيته‪%%‬ا عن البحث فيم‪%%‬ا وراء الطبيع‪%%‬ة‪ ،‬وك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا حتوًال ص‪%‬حًّيا س‪%%‬ليمًا‬
‫يف ذاته‪ ،‬ألن عقالني‪%%‬ة اإلغري‪%%‬ق يف ه‪%%‬ذا اجملال مل ُتفض إىل علم ن‪%%‬افع ينف‪%%‬ع البش‪%%‬رية يف دنياه‪%%‬ا‬
‫وال آخرهتا (‪ ،)31‬ولكن حكمها ‪ -‬بعقالنيته‪%‬ا ‪ -‬بنفي وج‪%‬ود اهلل جملرد أن قض‪%‬ية األلوهي‪%‬ة ال‬
‫ختضع للتجربة املعملية‪ ،‬كان خطًال ضخمًا هوى بالبشرية في حمأة اإللحاد‪ ،‬وما صاحبه‬
‫من انتك ‪%%‬اس القيم املعنوي ‪%%‬ة كّله ‪%%‬ا إىل احلض ‪%%‬يض‪ .‬وخس ‪%%‬رت البش ‪%%‬رية من وراء ه ‪%%‬ذا االحنراف‬
‫أضعاف أضعاف ما كس‪%‬بته من اخلري اجلزئي ال‪%‬ذي حق‪%%‬ق توج‪%‬ه العقالني‪%‬ة إل احلل‪%‬ول العملي‪%‬ة‬
‫ملشكالت احلياة الواقعية‪ ،‬والتقدم العلمي يف شىت اجملاالت‪.‬‬

‫وحّك مت اجلاهلي‪%% %‬ة املعاص‪%% %‬رة عقله‪%% %‬ا يف قض ‪,,‬ية الخلق ‪ -‬بع‪%% %‬د نفيه‪%% %‬ا لوج‪%% %‬ود اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬أو يف القليل نفي هيمنته وتدبريه لشئون الك‪%‬ون ‪ -‬ف‪%‬أدت هبا عقالنيته‪%‬ا إىل‬
‫أس ‪%%‬طورة ض ‪%%‬خمة ليس هلا واق ‪%%‬ع علمي‪ ،‬هي " الطبيع ‪,,‬ة الخالقة " من ناحي ‪%%‬ة‪ ،‬و " الخلق‬
‫ال‪,,‬ذاتي " من ناحي‪%%‬ة أخ‪%%‬رى‪ ..‬وص‪%%‬ارت ه‪%%‬ذه األس‪%%‬طورة " علم‪ً,‬ا " يتداول‪%%‬ه " العلم‪%%‬اء " بغ‪%%‬ري‬
‫بره‪%%‬ان علمي‪ ،‬يف ال‪%%‬وقت ال‪%%‬ذي يرفض‪%%‬ون في‪%%‬ه رّد األم‪%%‬ور إىل اهلل حبج‪%%‬ة ع‪%%‬دم وج‪%%‬ود بره‪%%‬ان‬
‫علمي على وجوده أو تدبريه لشئون اخللق!‬

‫واعجب إن ش ‪%%‬ئت لس ‪%%‬ريان ه ‪%%‬ذه األس ‪%%‬طورة يف عص ‪%%‬ر " العلم "! عجب أك ‪%%‬ثر من‬
‫أن " العالم " إذا ذكر اهلل يف البحث العلمي س‪%%‬قط من أعني " العلماء "! وص‪%%‬ار مض‪%%‬غة يف‬
‫أفواههم يتندرون جبهله وسذاجته‪ ،‬وعدم علميته‪ ،‬وعدم موضوعيته‪ ،‬وتعلقه " بالغيبيات "‪،‬‬
‫فإذا ذكر " الطبيعة " رفعوه بذكرها‪ ،‬وخروا هلا ساجدين!! وصدق اهلل العظيم‪:‬‬

‫ِم ِب ِخ ِة ِإ ِك‬ ‫َّل ِذ‬ ‫ِإ ِك َّل‬


‫َّلِذ ِم (َو َذاِنِهُذِإ َر ال ُه َو ْحِشَدُه اْش َم َأَّز ْت ُقُل وُب ا يَن ال ُيْؤ ُن وَن اآْل َر َو َذا ُذ َر‬
‫ا يَن ْن ُدو َذا ُه ْم َيْس َتْب ُر وَن )‪[ .‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.]45‬‬

‫‪ )?(31‬ك‪%‬ان م‪%%‬ا يس‪%%‬مى " الفلس‪%%‬فة اإلس‪%‬المية " حماول‪%%‬ة لالس‪%%‬تفادة من الفك‪%%‬ر اإلغ‪%‬ريقي يف إثب‪%‬ات وج‪%‬ود اهلل‪،‬‬
‫ومل تفض ه‪%%‬ذه احملاول‪%%‬ة إىل ش‪%%‬يء ذي قيم‪%%‬ة‪ ،‬واملنهج الق‪%%‬رآين ه‪%%‬و األوىل باالتب‪%%‬اع‪ ،‬ألن م‪%%‬نزل الق‪%%‬رآن ه‪%%‬و‬
‫خالق النفس البشرية العليم مبا يصلح هلا يف دينها ودنياها‪.‬‬

‫(‪)29‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واحلق أن ه‪%%‬ذه األس‪%%‬طورة تس‪%%‬تحق مّن ا وقف‪%%‬ة ب‪%%‬النظر إىل م‪%%‬دى توغله‪%%‬ا يف اجلاهلي‪%%‬ة‬
‫املعاص ‪%%‬رة‪ ،‬وتأثريه ‪%%‬ا على كث ‪%%‬ري من جماري الفك ‪%%‬ر وجماري الس ‪%%‬لوك‪ ،‬م ‪%%‬ع ع ‪%%‬دم اس ‪%%‬تنادها إىل‬
‫شيء على اإلطالق!‬

‫وكم ‪%%‬ا يق ‪%%‬ول " ول دي ‪%%‬ورانت " عن األث ‪%%‬ري إن ‪%%‬ه " خراق ‪,,‬ة ابت ‪%%‬دعت إلخف ‪%%‬اء اجله ‪%%‬ل‬
‫املثقف للعلم احلديث‪ ،‬فه‪%‬و غ‪%‬امض غم‪%‬وض الش‪%‬بح أو ال‪%‬روح " (‪ )32‬فالطبيع‪%‬ة اخلالق‪%‬ة خراف‪%‬ة‬
‫مبتدع ‪%%‬ة على ذات املس‪%%‬توى‪ ،‬وإن ك ‪%%‬انت أس ‪%%‬باهبا أعم ‪%%‬ق‪ ،‬وآثاره ‪%%‬ا أخط ‪%%‬ر‪ .‬ف ‪%%‬إذا ك ‪%%‬ان األث ‪%%‬ري‬
‫خرافة قد ابتدعت ألسباب " علمية "‪ ،‬أي لتفس‪%%‬ري أم‪%%‬ور غامض‪%%‬ة يف ه‪%%‬ذا الك‪%%‬ون مل يتوص‪%%‬ل‬
‫العلم ‪%%‬اء إليه ‪%%‬ا بع ‪%%‬د‪ ،‬فافرتض ‪%%‬وا فرض‪ً% %‬ا واختذوه كأن ‪%%‬ه حقيق ‪%%‬ة‪ ..‬فالطبيع ‪%%‬ة اخلالق ‪%%‬ة خراف ‪%%‬ة ق ‪%%‬د‬
‫ابت ‪%%‬دعت ألس ‪%%‬باب " ديني‪,,‬ة "! فق ‪%%‬د ك ‪%%‬انت مهرب ‪ً%‬ا وج ‪%%‬دانًّيا ‪ -‬ال علمًّي ا ‪ -‬من إل ‪%%‬ه الكنيس ‪%%‬ة‬
‫الذي تستعبد الناس بامسه‪ ،‬وتس‪%‬لب أم‪%%‬واهلم‪ ،‬وتقل‪%‬ق راحتهم‪ ،‬وتتعقب أفك‪%‬ارهم‪ ،‬وتتدس‪%‬س‬
‫إىل داخ ‪%%‬ل أرواحهم‪ ،‬إىل إل ‪%%‬ه آخ ‪%%‬ر ل ‪%%‬ه معظم خص‪%% %‬ائص اإلل ‪%%‬ه األول‪ :‬أب ‪%%‬دّي أزّيل‪ ،‬خ ‪%%‬الق‪،‬‬
‫قادر‪ ..‬ولكن ليست له كنيس‪%‬ة‪ ،‬وليس ل‪%‬ه على البش‪%‬ر التزام‪%‬ات‪ ..‬فُعّب اده أح‪%‬رار ال يتقي‪%‬دون‬
‫جتاهه بشيء يف أخالقهم‪ ،‬وال قيمهم‪ ،‬وال سلوكهم! وإىل هنا يكون األمر أقرب إىل اهلزل‬
‫منه إىل اجلد‪.‬‬

‫أما أن تتحول هذه اخلرافة املبتدع‪%%‬ة ألس‪%%‬باب وجداني‪%%‬ة إىل م‪%%‬ا ُيعت‪%%‬رب " حقيقة علمية‬
‫"‪ ،‬هي اليت تقبل من العلماء‪ ،‬وغريها ‪ -‬ال‪%‬ذي ه‪%‬و احلّق ‪ُ -‬يرفض منهم‪ ،‬فه‪%‬ذه هي العجيب‪%‬ة‬
‫ال‪%‬يت ال ُيفّس رها ش‪%‬يء‪ ،‬وال حىّت الف‪%‬زع من س‪%‬لطان الكنيس‪%‬ة املف‪%‬زع‪ ..‬فق‪%‬د ك‪%‬انت األس‪%‬باب‬
‫الرئيس ‪%%‬ية ال ‪%%‬يت من أجله ‪%%‬ا رفض ‪%%‬ت العقالني ‪%%‬ة التجريبي ‪%%‬ة أن تع ‪%%‬رتف بوج ‪%%‬ود اهلل‪ ،‬أو تع ‪%%‬رتف‬
‫هبيمنته على الكون‪ ،‬هي أن اهلل " ال ُتدِر كه األبصار "‪ ،‬وأن‪%%‬ه قض‪%%‬ية " غيبية " ال تدخل يف‬
‫ع‪%%‬امل احلس‪ .‬فم‪,,‬ا الطبيع‪,,‬ة الخالقة؟ هل ت‪,,‬دركها األبص‪,,‬ار؟ أم إنه‪,,‬ا قض‪,,‬ية غيبي‪,,‬ة ال ت‪,,‬دخل‬
‫في عالم الحّس ؟! إن الذي تدركه األبصار هو الطبيعة املخلوقة ال الطبيعة اخلالقة‪ ..‬وه‪%%‬ذه‬
‫ال خيتلف وضعها س‪%‬واء آمّن ا باهلل احلّق ‪ ،‬أم آمنت اجلاهلي‪%‬ة بإهله‪%‬ا الزائ‪%‬ف‪ ..‬ف‪%‬أي ش‪%‬يء ميكن‬
‫أن ُيفّس ر ‪ -‬فض‪ً% %‬ال عن أن ُي ّربر ‪ -‬اإلميان باألس ‪%%‬طورة يف عه ‪%%‬د العلم؟! وب ‪%%‬أي ُح َّج ة حيتّج‬
‫عص‪%%‬ر العلم على أس‪%%‬اطري الكنيس‪%%‬ة وخرافاهتا " الديني‪,‬ة "‪ ،‬إذا وق‪%%‬ع ه‪%%‬ذا العص‪%%‬ر يف أس‪%%‬اطري "‬
‫اإللحاد " وخرافاته؟‬

‫على أن القض‪%% %‬ية ال تق‪%% %‬ف يف خطورهتا عن‪%% %‬د ه‪%% %‬ذا احلّد ‪ ،‬وه‪%% %‬و خط‪%% %‬ري يف ذاته‪ ،‬إمنا‬
‫تتع‪%‬داه إىل آث‪%‬اره اخلط‪%‬رية يف حي‪%‬اة البش‪%‬رية‪ .‬فم‪%‬ا من " وهم " يف تاريخ البش‪%‬رية ك‪%‬ان ل‪%‬ه من‬
‫اآلث‪%%‬ار املدمرة مث‪%%‬ل م‪%%‬ا ك‪%%‬ان من آث‪%%‬ار ه‪%%‬ذا ال‪%%‬وهم ال‪%%‬ذي اعتنقت‪%%‬ه اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة لتس‪%%‬ند ب‪%%‬ه‬

‫‪ )?(32‬ول ديورانت‪ ،‬مباهج الفلسفة‪ ،‬ترمجة الدكتور أمحد فؤاد األهواين‪ ،‬ص ‪.72‬‬

‫(‪)30‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إحلاده‪%%‬ا وحتلله‪%%‬ا وتفس‪%%‬خها‪ ..‬فق‪%%‬د اس‪%%‬تندت إلي‪%%‬ه ب‪%%‬ادئ ذي ب‪%%‬دٍء لتواج‪%%‬ه ب‪%%‬ه طغي‪%%‬ان الكنيس‪%%‬ة‪،‬‬
‫وتس ‪%%‬ند ب ‪%%‬ه متّر ده ‪%%‬ا على ذل ‪%%‬ك الس ‪%%‬لطان‪ ،‬ف ‪%%‬إذا ب ‪%%‬ه يه ‪%%‬وي هبا يف مه ‪%%‬اٍو من الفس ‪%%‬اد الفك ‪%%‬ري‬
‫والفس‪%%‬اد اخللقي ال حيص‪%%‬يها احلص‪%%‬ر‪ ..‬ونظ‪%%‬رة س‪%%‬ريعة إىل اجملتم‪%%‬ع الغ‪%%‬ريب ‪ -‬بعد إلح‪,‬اده باهلل‪،‬‬
‫وإعطائ ‪,,‬ه الش ‪,,‬رعية للفساد الخلقي والفوض ‪,,‬ى الجنسية ‪ -‬كفيل ‪%%‬ة ب ‪%%‬أن ترين ‪%%‬ا كم ك ‪%%‬ان‬
‫إلنك‪%% %‬ار وج‪%% %‬ود اهلل‪ ،‬ونفي " الغائي‪,, ,‬ة " عن اخلالق الب‪%% %‬ديل‪ ،‬من نت‪%% %‬ائج خط‪%% %‬رية‪ ،‬ليس أقّله‪%% %‬ا‬
‫انتشار األمراض النفسية والعصبية والقلق واجلنون واالنتحار واخلمر واملخدرات واجلرمية‪..‬‬

‫إن اإلنسان ‪ -‬بغري اإلميان باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬واإلميان بأن هن‪%‬اك غاي‪%‬ة من خلق‪%%‬ه ‪-‬‬
‫ال بد أن يصل إىل العبثية اليت عرب عنها شاعر جاهلي معاصر (‪.)33‬‬

‫جئت ال أعلم من أين ولكين أتيت‬

‫ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت‬

‫وتنقلب احلي‪%%‬اة حبث ‪ً%‬ا جمنون ‪ً%‬ا عن " المت‪,,‬اع "‪ُ ،‬ي ؤدي يف النهاي‪%%‬ة إىل اهلب‪%%‬وط‪ ،‬وُي ؤدي‬
‫إىل الدمار‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحّك مت اجلاهلية املعاصرة عقلها يف قضية التشريع‪ُ ..‬حبجة أن اإلنسان قد ش‪ّ%‬ب‬
‫عن الّط وق‪ ،‬ومل يع‪%% %‬د يف حاج‪%% %‬ة إىل وص‪%% %‬اية اهلل‪ .‬وحبج‪%% %‬ة أن األم‪%% %‬ور ق‪%% %‬د تط ‪ّ% %‬و رت‪ ،‬بينم‪%% %‬ا‬
‫التشريع السماوي جامد ال يتحرك‪ ،‬وال يواكب التطور‪.‬‬

‫وقضية التشريع بالنسبة ألوربا قضية مركبة‪ ،‬تص‪ّ%‬ب فيه‪%%‬ا اعتب‪%%‬ارات كث‪%%‬رية يف وقت‬
‫واحد‪.‬‬

‫فالواقع أن " العلمانية " مبعىن فصل الدين عن الدولة‪ ،‬والتشريع بغري م‪%%‬ا أن‪%%‬زل اهلل‪،‬‬
‫أم‪%‬ر عمي‪%‬ق اجلذور يف الرتب‪%‬ة األوربي‪%‬ة‪ ،‬مل تعّد ل‪%‬ه ح‪%‬ىت ف‪%‬رتة ال‪%‬دين الكنس‪%‬ي احملرف‪ ،‬فق‪%‬د ك‪%‬ان‬
‫من حتريف‪%%‬ات ذل‪%%‬ك ال‪%%‬دين‪ ،‬ال‪%%‬يت ارتكبته‪%%‬ا الكنيس‪%%‬ة ض‪%%‬من م‪%%‬ا ارتكبت‪%%‬ه من التحريف‪%%‬ات‪ ،‬فصل‬
‫الدين عن الدولة‪ ،‬أو فص‪,,‬ل العقي‪,‬دة عن الش‪,,‬ريعة‪ ،‬وتق‪%%‬دمي ال‪ّ%‬د ين عقي‪%%‬دة بال ش‪%%‬ريعة‪ ،‬على‬
‫أساس قول منسوب للسيد املسيح‪ " :‬أّد ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل! "‪.‬‬

‫‪ )?(33‬هو الشاعر اللبناين املعاصر إيليا أبو ماضي‪.‬‬

‫(‪)31‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أم‪%%‬ا العلماني‪%%‬ة ال‪%%‬يت أبرزهتا اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة وأك‪%%‬دهتا فهي إقصاء كل أث‪,‬ر للتع‪,‬اليم‬
‫الديني‪,, ,‬ة في التش‪,, ,‬ريع‪ ،‬وإقام ‪%% %‬ة التش ‪%% %‬ريع على مبع ‪%% %‬دة من ال ‪%% %‬دين ‪ -‬إن مل يكن على عداء‬
‫ص ‪,,‬ريح م ‪,,‬ع ال ‪,,‬دين ‪ -‬ويب ‪%%‬دو ذل ‪%%‬ك واض ‪%%‬حًا يف تحلي ‪,,‬ل الربا‪ ،‬وإباح ‪,,‬ة الفاحش ‪,,‬ة‪ ،‬وعدم‬
‫اعتباره‪%%‬ا جرمية م‪%%‬ا دامت برض‪%%‬ى الط‪%%‬رفني‪ ،‬ب‪%%‬ل التوس‪%%‬ع يف ذل‪%%‬ك ‪ -‬ح‪%%‬ديثًا ‪ -‬إىل ح‪ّ%‬د إباح‪%%‬ة‬
‫الفاحشة الشاذة وزنا احملارم‪ ..‬إىل غري ذلك من ألوان التحّد ي الصارخ ألوامر اهلل‪.‬‬

‫ويربز معىن " الجاهلية " يف هذه القضية من زاويتني اثنتني على األقل‪.‬‬

‫األولى‪ :‬هي التم‪ّ, ,‬ر د على ح‪ّ, ,‬ق اهلل في التش ‪,,‬ريع‪ ،‬املرتتب على كون‪%% %‬ه ه‪%% %‬و اخلالق‬
‫س ‪%% %‬بحانه‪ ،‬ال ‪%% %‬ذي خل ‪%% %‬ق البش ‪%% %‬ر‪ ،‬وخل ‪%% %‬ق هلم طع ‪%% %‬امهم وش ‪%% %‬راهبم وكس ‪%% %‬اءهم واهلواء ال ‪%% %‬ذي‬
‫يتنفسونه‪ ،‬وسّخ ر هلم ما يف السموات وما يف األرض مجيعًا منه‪ ..‬وهم ال ميلك‪%‬ون ش‪%‬يئًا من‬
‫ذلك كّله بغري متليك اهلل هلم إياه‪:‬‬

‫(َأال َلُه اْلَخ ْلُق َو اَأْلْم ُر )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]54‬‬

‫أي أنه هو صاحب األمر سبحانه مبا أنه هو اخلالق‪ .‬وال‪%‬رزق ذاته ه‪%‬و من خل‪%‬ق اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪:‬‬

‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِن‬


‫ِء (َيا َأُّيَه ا الَّناِإُس ِإاْذُك ُر وا ْع َم َت الَّل َعَلْيُك ْم َه ْل ْن َخ ا ٍق َغْيُر الَّل َيْر ُزُقُك ْم َن‬
‫الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض ال َلَه اَّل ُه َو َفَأَّنى ُتْؤ َفُك وَن )‪[ .‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.]3‬‬

‫الثاني‪,‬ة‪ :‬هي التم‪ّ,‬ر د على حكم‪,‬ة اهلل الحكيم الخبير‪ ،‬ال‪%%‬ذي خل‪%%‬ق اإلنس‪%%‬ان ويعلم‬
‫دخائل‪%%‬ه‪ ،‬ويعلم م‪%%‬ا ُيص‪%%‬لحه وم‪%%‬ا َيص‪%%‬لح ل‪%%‬ه‪ ،‬وحُي ي‪%%‬ط ب‪%%‬الزمن كل‪%%‬ه ماض‪%%‬يه وحاض‪%%‬ره ومس‪%%‬تقبله‪،‬‬
‫ويعلم م‪%%‬ا ميكن أن ُيَؤ دي إلي‪%%‬ه ك‪%%‬ل تش‪%%‬ريع من التش‪%%‬ريعات‪ ،‬ال يف احلاض‪%%‬ر وح‪%%‬ده‪ ،‬ولكن يف‬
‫ال ‪%%‬زمن املقب ‪%%‬ل كل ‪%%‬ه إىل أن ي ‪%%‬رث اهلل األرض ومن عليه ‪%%‬ا‪ .‬بينم ‪%%‬ا علم اإلنس ‪%%‬ان قاص ‪%%‬ر‪ ،‬وأش ‪%%‬د‬
‫علم‪%%‬ه قص‪%%‬ورًا ‪ -‬كم‪%%‬ا بنّي " الكس‪%%‬يس كاري‪%%‬ل " يف كتاب‪%%‬ه " اإلنس‪%%‬ان ذل‪%%‬ك اجمله‪%%‬ول " ‪ -‬ه‪%%‬و‬
‫علمه بنفسه‪.‬‬

‫وكان من نتائج التشريع بغري ما أنزل اهلل يف اجلاهلية املعاصرة‪ ،‬أن انقسم الناس ‪-‬‬
‫كم ‪%%‬ا حيدث يف ك ‪ّ%‬ل جاهلي ‪%%‬ات الت ‪%%‬اريخ ‪ -‬إىل س‪,,‬ادة وعبي‪,,‬د‪ :‬س ‪%%‬ادة يملكون ويش‪,,‬رعون‪،‬‬
‫وعبي ‪%%‬د يقع على كاهلهم التش ‪,,‬ريع‪ ،‬كم ‪%%‬ا ه ‪%%‬و احلال يف ك‪ّ% %‬ل من املعس ‪%%‬كرين املتن ‪%%‬ازعني‪:‬‬
‫المعسكر الرأس‪,‬مالي‪ ،‬ال‪%%‬ذي ميل‪%%‬ك الرأمساليون ناص‪%%‬ية األم‪%%‬ر في‪%%‬ه‪ ،‬ويس‪%%‬تعبدون الك‪%%‬ادحني ‪-‬‬

‫(‪)32‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫على ال ‪%%‬رغم من مس ‪%%‬رحية الدميقراطي ‪%%‬ة اجلميل ‪%%‬ة (‪ - )34‬والمعسكر الش ‪,,‬يوعي ال ‪%%‬ذي ميل ‪%%‬ك‬
‫احلزب ‪ -‬أو اللجن‪%%‬ة املركزي‪%%‬ة العلي‪%%‬ا للح‪%%‬زب‪ ،‬أو األعض‪%%‬اء الب‪%%‬ارزون يف اللجن‪%%‬ة املركزي‪%%‬ة‪ ،‬أو‬
‫الزعيم األوحد‪ ،‬أو االستخبارات ‪ -‬ناص‪%‬ية األم‪%‬ر في‪%‬ه‪ ،‬ويق‪%‬ع العبء في‪%‬ه على الك‪%‬ادحني‪ ،‬أو‬
‫طبقة " الربوليتاريا " اليت زعمت الشيوعية أهنا حّطمت الّنظم السائدة كّلها من أجلهم!‬

‫كما كان من نتائجه خلط وخبط ال تنتهي آثاره عند حّد ‪..‬‬

‫ك‪%%‬انت المرأة يف اجملتم‪%%‬ع الغ‪%%‬ريب مظلومة ف‪%%‬أراد ق‪%%‬وم إنص‪%%‬افها مبا رأت " عقولهم "‬
‫أن‪%%‬ه احلّق والع‪%%‬دل‪ ،‬وك‪%%‬انت النتيج‪%%‬ة م‪%%‬ا ه‪%%‬و مع‪%%‬روف من آث‪%%‬ار " تحري‪,,‬ر الم‪,,‬رأة " من تف‪%%‬تيت‬
‫األسرة‪ ،‬وتشّر د الطفال‪ ،‬وجنوح األحداث‪ ،‬وحتول اجملتمع إىل ماخور كبري‪..‬‬

‫وك ‪%% %‬ان العم‪,, ,‬ال مظل ‪%% %‬ومني ف ‪%% %‬أراد ق ‪%% %‬وم إنص ‪%% %‬افهم مبا رأت " عقولهم " أن ‪%% %‬ه احلّق‬
‫والع ‪%%‬دل‪ ..‬وك ‪%%‬انت النتيج ‪%%‬ة ك ‪ّ%‬ل الش ‪ّ%‬ر ال ‪%%‬ذي اع ‪%%‬رتف ب ‪%%‬ه أخ ‪%%‬ريًا " جورباتش ‪%%‬وف " يف نق ‪%%‬ده‬
‫للشيوعية!‬

‫وه‪%%‬ذان جمرد مث‪%%‬الني من أمثل‪%%‬ة التش‪,‬ريع بغ‪,‬ير م‪,‬ا أنزل اهلل‪ ..‬وإّال فاحلي‪%%‬اة الغربي‪%%‬ة ‪-‬‬
‫يف كال املعس‪%% %‬كرين ‪ -‬مليئ‪%% %‬ة بالنم‪%% %‬اذج الص‪%% %‬ارخة للخل‪%% %‬ل الق‪%% %‬ائم يف حي‪%% %‬اة الن‪%% %‬اس‪ ،‬أف‪%% %‬رادًا‬
‫ومجاعات‪ ،‬يفسد حياهتم‪ ،‬ويبدد طاقاهتم‪ ،‬ويسلمهم إىل الضياع‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحّك مت اجلاهلية املعاصرة عقلها يف رسم منهج للحياة‪..‬‬

‫واحلّق أن ‪%%‬ه منهج ب ‪%%‬الغ الّد ق ‪%%‬ة‪ ..‬وأن ‪%%‬ه ملِّب لأله‪%% %‬داف الرئيس ‪%%‬ية للحي ‪%%‬اة األوربي ‪%%‬ة‪..‬‬
‫وملٍّب هلا على درجة كبرية من التمّك ن‪.‬‬

‫واحلّق كذلك أن فيه كثريًا من " الفضائل "‪.‬‬

‫ولكن‪ ..‬فلننظ‪%% %‬ر إىل " األهداف " فلعله‪%% %‬ا هي ال‪%% %‬يت تبني لن‪%% %‬ا موض‪%% %‬ع اخلل‪%% %‬ل يف "‬
‫المنهج " الذي رسم لتحقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫‪ )?(34‬انظر – إن شئت – فصل " الدميقراطية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)33‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ميكن تلخيص األم‪%% %‬ر يف قول‪%% %‬ه تع‪%% %‬اىل‪َ( :‬مْن َك اَن ُيِر ي‪ُ, ,‬د اْلَحَي اَة ال ‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا)‪.‬‬
‫[سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫ف ‪%%‬القوم ق ‪%%‬د ورُث وا من كلت ‪%%‬ا اجلاهليتني اإلغريقي ‪%%‬ة والروماني ‪%%‬ة إرادة الحي ‪,,‬اة ال ‪,,‬دنيا‬
‫وزينتها‪ ،‬كما أشرنا من قبل‪ ،‬فقد قلنا إهنم ورث‪%%‬وا عن اجلاهلي‪%%‬ة اإلغريقي‪%%‬ة عبادة الجسد يف‬
‫ص ‪%%‬ورة مجاٍل حس‪ٍّ% %‬ي ‪ ،‬ومن اجلاهلي ‪%%‬ة الروماني ‪%%‬ة عبادة الجسد يف ص ‪%%‬ورة ش ‪%%‬هوات حس ‪%%‬ية‪،‬‬
‫وتزيني احلي‪%%‬اة ال‪%%‬دنيا لزي‪%%‬ادة االس‪%%‬تمتاع احلس‪ّ%‬ي هبا إىل أقص‪%%‬ى الغاي‪%%‬ة‪ ،‬ومن مث االهتم‪%%‬ام الب‪%%‬الغ‬
‫بالعمارة املادية لألرض‪..‬‬

‫وذلك كّله شأن من كان ُيريد الحياة الدنيا وزينتها‪:‬‬


‫َو اْلَق َناِط يِر اْلُم َق ْنَطَر ِة ِم َن ال‪َّ,‬ذ َه ِب‬ ‫ِء ِن‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِل‬
‫ِع‬ ‫ِف ِة (ُز ِّيَن لَّناِس ُح ُّبِة الَّش َه َو اِم َن الِّنِثَس ا(‪َ35‬و) اْلَبِل يَن‬
‫َم َت اُع اْلَحَي اِة ال‪ُّ,‬د ْنَيا َو الَّل ُه ْنَدُه‬ ‫َذ َك‬ ‫َو اْل َّض َو اْلَخ ْيِل اْلُمَس َّو َم َو اَأْلْنَع ا َو اْلَح ْر‬
‫ُح ْسُن اْلَم آِب )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]14‬‬

‫وإذا ك‪%%‬انت ف‪%%‬رتة ال‪%%‬دين الكنس‪%%‬ي احملرف ق‪%%‬د نقلت أورب‪%%‬ا ‪ -‬ف‪%%‬رتة من ال‪%%‬زمن ‪ -‬من‬
‫النقيض إلى النقيض‪ :‬من االستغراق يف ملذات احلّس ‪ ،‬والفتنة باحلي‪%‬اة ال‪%‬دنيا‪ ،‬إىل الرهباني‪%‬ة‪،‬‬
‫والّز هد يف متاع األرض كّله‪ ،‬وإمهال احلياة الدنيا من أجل اآلخ‪%%‬رة (‪ ..)36‬فق‪%%‬د نقلهم التم‪ّ%‬ر د‬
‫على الدين والكنيسة مرة أخرى من النقيض إلى النقيض‪ ..‬من الرهباني‪%%‬ة والّز ه‪%%‬د إىل الفتن‪%%‬ة‬
‫مبلذات احلياة (‪.)37‬‬

‫عادوا ‪ -‬كا يصفون أنفسهم حبّق ‪ -‬إغريقيني رومانيني!‬

‫ووضعوا ألنفس‪%‬هم " منهج حياة " حُي ق‪%%‬ق هلم أه‪%%‬دافهم‪ ،‬مس‪%‬تفيدين بك‪ّ%‬ل م‪%%‬ا أم‪ّ%‬د هم‬
‫به التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أحرزوه يف أثناء الطريق‪.‬‬

‫أرادوا القّو ة‪ ،‬فوضعوا ألنفسهم منهجًا حُي ّق ق هلم الق‪%%‬وة يف ك‪ّ%‬ل املي‪%‬ادين‪ ،‬وك‪%‬ان من‬
‫بني أدواته االستعمار‪ ،‬الذي ورثوا نزعته من اجلاهليتني اإلغريقية والرومانية‪.‬‬

‫‪ )?(35‬ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ور م‪%%‬ذكورة يف اآلي‪%%‬ة ال على س‪%%‬بيل احلص‪%%‬ر‪ ،‬وق‪%%‬د ج‪ّ%‬د ت بع‪%%‬د اخلي‪%%‬ل أش‪%%‬ياء أخ‪%%‬رى أش‪%%‬ارت‬
‫إليه ‪%%‬ا س ‪%%‬ورة النح ‪%%‬ل يف قول ‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل‪َ( :‬و اَخْلْي َل َو اْلِبَغ اَل َو اَحْلِم َري ِلَتْر َك ُبوَه ا َو ِز يَن ًة َو ْخَيُل ُق َم ا ال َتْع َلُم وَن )‪.‬‬
‫[ سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.] 8‬‬
‫‪ )?(36‬ال ينفي هذا وجود أغنياء مرتفني غارقني يف املتاع‪.‬‬
‫‪ )?(37‬ال ينفي هذا وجود زاهدين يف املتاع‪.‬‬

‫(‪)34‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومل يكن االستعمار شيئًا عارض‪ً%‬ا يف حي‪%‬اة اجلاهلي‪%‬ة املعاص‪%‬رة‪ ،‬وال ش‪%‬يئًا خارج‪ً%‬ا عن‬
‫خطه ‪%%‬ا األص ‪%%‬يل ‪ -‬كم ‪%%‬ا يعت ‪%%‬ذر عن ‪%%‬ه ال ‪%%‬ذين اس ‪%%‬تعبدت أرواحهم للغ ‪%%‬رب‪ ،‬إمنا ك ‪%%‬ان وس ‪,,‬يلة‬
‫مشروعة عندها من وسائل الق‪%‬وة‪ ،‬موروث‪%‬ة ‪ -‬هي والنظ‪%‬ر إليه‪%‬ا على أهنا أداة ش‪%‬رعية ‪ -‬من‬
‫اجلاهلية اإلغريقية الرومانية اليت كانت جتد لذهتا يف التوسع واستعباد اآلخرين‪.‬‬

‫وبص‪%% %‬رف النظ‪%% %‬ر ‪ -‬مؤقت ‪ً% %‬ا ‪ -‬عن ال ‪,,‬روح الص ‪,,‬ليبية ال‪%% %‬يت ك‪%% %‬انت من أك‪%% %‬رب دواف ‪%%‬ع‬
‫االس ‪%%‬تعمار احلديث (‪ ،)38‬ف ‪%%‬إن الفظ ‪%%‬ائع ال ‪%%‬يت ارتكبت يف ه ‪%%‬ذا االس ‪%%‬تعمار الوحش ‪%%‬ي‪ ،‬ك ‪%%‬انت‬
‫م‪%%‬ربرة متام ‪ً%‬ا عن‪%%‬د أص‪%%‬حاهبا‪ ،‬على أهنا " ح‪ّ,‬ق " من حق‪%%‬وق األقوي‪%%‬اء ال‪%%‬ذين يس‪%%‬عون إىل متكني‬
‫قوهتم وترسيخها‪ ،‬و " عقاب مشروع " على جرمية املقاومة هلذا احلّق املشروع!‬

‫ولو أن الساسة وحدهم هم ال‪%‬ذين ب‪ّ%‬ر روا ه‪%‬ذه اجلرائم ‪ -‬أو يف القلي‪%‬ل غُّطوا عليه‪%‬ا‬
‫‪ -‬أو ل‪%‬و أن العس‪%‬كريني وح‪%‬دهم هم ال‪%‬ذين ق‪%‬اموا ب‪%‬ذلك‪ ،‬لقلن‪%‬ا‪ " :‬شنش‪%‬نة نعرفه‪%%‬ا من أخ‪%‬زم‬
‫"‪ ،‬كم‪%%‬ا ق‪%%‬ال الع‪%%‬رب يف أمث‪%%‬اهلم‪ ،‬مبع‪%%‬ىن أن الش‪%%‬يء من معدن‪%%‬ه ال ُيس‪%%‬تغرب! ولكن‪%%‬ا أذا راجعن‪%%‬ا‬
‫الكّتاب واألدب‪%‬اء واملفك‪%‬رين والفالس‪%‬فة وُدع‪%‬اة احلري‪%‬ة وُدع‪%‬اة اإلنس‪%‬انية‪ ..‬اخل‪ ..‬اخل‪ ..‬ونظرن‪%‬ا‬
‫يف اجله‪%%‬د ال‪%‬ذي ب‪%‬ذلوه لوق‪%‬ف اجملازر الوحش‪%‬ية ال‪%‬يت ص‪%%‬احبت ذل‪%‬ك االس‪%‬تعمار ‪ -‬وق‪%‬د ك‪%‬انوا‬
‫ميلك‪%%‬ون وقفه‪%%‬ا ل‪%%‬و جن‪%%‬دوا أنفس‪%%‬هم لوقفه‪%%‬ا ‪ -‬ل‪%%‬و نظرن‪%%‬ا يف ذل‪%%‬ك اجله‪%%‬د لعرفن‪%%‬ا كم مّر األم‪,‬ر‬
‫سهًال على " ضمير " أوربا‪ ..‬وما يزال!‬

‫وق‪%% %‬د اس‪%% %‬تخدموا ‪ -‬بطبيع‪%% %‬ة احلال ‪ -‬وس‪%% %‬ائل نافع‪%% %‬ة‪ ،‬ب‪%% %‬ل وس‪%% %‬ائل فاض‪%% %‬لة يف بعض‬
‫األحيان‪ ،‬لتحقيق القوة اليت أرادوها‪.‬‬

‫استخدموا التعليم‪.‬‬

‫ووض‪%%‬عوا من‪%%‬اهج تعليمي‪%%‬ة مدروس‪,,‬ة‪ ،‬ب‪%%‬ذلت يف دراس‪%%‬تها عناي‪%%‬ة ملحوظ‪%%‬ة‪ ،‬وُج ّر بت‪،‬‬
‫وأج‪%% %‬ريت املالحظ‪%% %‬ات عليه‪%% %‬ا يف أثن‪%% %‬اء التجرب‪%% %‬ة‪ ،‬وع ‪ّ% %‬د لت أخطاؤه‪%% %‬ا‪ ،‬واس‪%% %‬تكمل نقص‪%% %‬ها‪،‬‬
‫للوص‪%% %‬ول هبا إىل أقص‪%% %‬ى طاقته‪%% %‬ا اإلنتاجي‪%% %‬ة‪ .‬وُر وعي يف ه‪%% %‬ذه املن ‪%%‬اهج ختريج ق‪%% %‬وم عمل‪%% %‬يني‪،‬‬
‫ومنتجني‪ ،‬ولديهم الق‪%‬درة على االبتك‪%‬ار‪ ،‬والق‪%‬درة على االخ‪%‬رتاع‪ُ .‬ع ِّو ُدوا من ص‪%‬غرهم على‬
‫الق ‪%%‬راءة واالطالع‪ ،‬ورؤي ‪%%‬ة املوض ‪%%‬وع الواح ‪%%‬د من أك ‪%%‬ثر من زاوي ‪%%‬ة‪ ،‬وب ‪%%‬أكثر من طريق ‪%%‬ة‪ ،‬فال‬
‫ينحص‪%%‬ر ذهنهم يف االس‪%%‬تظهار واحلف‪%%‬ظ‪ ،‬وال ينحص‪%%‬ر يف رؤي‪%%‬ة واح‪%%‬دة معين‪%%‬ة مفروض‪%%‬ة تعي‪%%‬ق‬
‫الّذ هن عن رؤي‪%‬ة ص‪%‬ور أخ‪%‬رى‪ ..‬وُع ِّو ُدوا على جترب‪%‬ة م‪%‬ا ميكن جتربت‪%‬ه من املعلوم‪%‬ات‪ ،‬فنش‪%‬أوا‬

‫‪ )?(38‬سنتحدث عن الروح الصليبية فيما بعد‪.‬‬

‫(‪)35‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واقع ‪,,‬يين تجريبيين‪ ،‬ويف ال‪%% %‬وقت ذته م ‪,,‬دربين ذوي خبرة‪ ،‬وذوي اس‪%% %‬تعدادات عملي‪%% %‬ة‪،‬‬
‫مستعدة لبذل اجلهد‪ ،‬راغبة يف اإلنتاج (‪.)39‬‬

‫ووض‪%% %‬عوا من‪%% %‬اهج تربوي‪%% %‬ة مدروس ‪,,‬ة‪ُ ،‬تع ‪ِّ% %‬و د الص‪%% %‬غار على كث‪%% %‬ري من الفض‪%% %‬ائل ال‪%% %‬يت‬
‫حيتاجون إليها وهم كبار‪.‬‬

‫تعّو دهم على النظام واالنضباط‪..‬‬

‫وتعّو دهم على املثابرة واَجلَلد‪..‬‬

‫وتعّو دهم على االعتماد على النفس وحتمل املسئولية‪.‬‬

‫وتعّو دهم على النشاط يف احلركة‪.‬‬

‫وتعّو دهم على اجلرأة يف مواجهة املواقف‪.‬‬

‫وتعّو دهم على الصدق واألمانة‪.‬‬

‫وتعّو دهم على السلوك املهذب مع اآلخرين‪.‬‬

‫وكّله ‪%%‬ا كم ‪%%‬ا ترى " فض‪,,‬ائل " نافع ‪%%‬ة‪ ،‬وكّله ‪%%‬ا من أدوات التمكني والق ‪%%‬وة الالزم ‪%%‬ة‬
‫للشعوب اليت ترغب يف التمكني يف األرض‪.‬‬

‫واس‪%%‬تخدموا العلم‪ ..‬ويّس روا ب‪%%‬ه كث‪%%‬ريًا من مش‪%%‬قات احلي‪%%‬اة‪ ،‬إذ ّمحل‪%%‬وا اآلل‪%%‬ة م‪%%‬ا ك‪%%‬ان‬
‫حيم‪%‬ل اإلنس‪%‬ان من قب‪%‬ل من الك‪ّ%‬د ‪ ،‬وص‪%%‬ارت اآلل‪%‬ة تق‪%%‬وم بأض‪%%‬عاف م‪%%‬ا ك‪%‬ان يق‪%%‬وم ب‪%‬ه اإلنس‪%‬ان‬
‫من اإلنتاج من قبل‪ ،‬ويف زمن ال ُيق‪%‬اس يف قص‪%‬ره بالنس‪%‬بة ملا ك‪%‬ان يقض‪%‬يه اإلنس‪%‬ان من قب‪%‬ل‪.‬‬
‫كم‪%%‬ا اس‪%%‬تخدموه يف ح‪ّ%‬ل مش‪%%‬كالهتم‪ ،‬فدرس‪%%‬وها بطريق‪%%‬ة علمي‪%%‬ة منظم‪%%‬ة‪ ،‬ووض‪%%‬عوا هلا حل‪%%‬وًال‬
‫مبنية على أسس علمية‪.‬‬

‫‪ )?(39‬الح‪%%‬ظ كي‪%%‬ف ك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا من مسات احلي‪%%‬اة اإلس‪%%‬المية حني ك‪%%‬ان املس‪%%‬لمون متمس‪%%‬كني حًّق ا باإلس‪%%‬الم‪،‬‬
‫وش‪%%‬اعرين ب‪%%‬أن هلم رس‪%%‬الة يؤدوهنا‪ .‬وق‪%%‬د وج‪%%‬دت أورب‪%%‬ا ذل‪%%‬ك كل‪%%‬ه يف احلض‪%%‬ارة األندلس‪%%‬ية حني احتكت‬
‫باملس ‪%%‬لمني هن ‪%%‬اك‪ ،‬وأخ ‪%%‬ذت عنهم املنهج التجري ‪%%‬يب يف البحث العلمي‪ ،‬كم ‪%%‬ا أخ ‪%%‬ذت عنهم روح البحث‬
‫احلر يف اجلامعات اإلسالمية‪.‬‬

‫(‪)36‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واس‪%%‬تخدموا ‪ -‬باختص‪%%‬ار ‪ -‬أنطم‪%%‬ة سياسية واقتص‪,‬ادية واجتماعي‪,‬ة حُت ق‪%%‬ق لإلنس‪%%‬ان‬


‫كث‪%%‬ريًا من ض‪%%‬رورّيات حياته‪ ،‬وق‪%%‬درًا من حتقي‪%%‬ق ال‪%%‬ذات (يف النظم الليربالي‪%%‬ة على األق‪%%‬ل‪ ،‬وإن‬
‫كانت النظم االشرتاكية تزعم أهنا هي اليت تعمل على حتقيق الذات!)‪.‬‬

‫وإىل هن ‪%% %‬ا ينتهي " المنهج "‪ ..‬ينتهي عن ‪%% %‬د حتقي ‪%% %‬ق التمكني يف األرض‪ ..‬يف احلي‪%% %‬اة‬
‫الدنيا‪ ..‬وال يلتفت إىل شيٍء وراء ذلك!‬

‫كّال! ب‪%%‬ل إن‪%%‬ه ال ينتهي هن‪%%‬ا! فم‪%%‬ا زالت يف األه‪%%‬داف املراد حتقيقه‪%%‬ا بقي‪%%‬ة‪ ،‬حتت‪%%‬اج إىل‬
‫ما يقابلها يف املنهج‪.‬‬

‫إن احلياة الدنيا ليست قوة ومتكينًا فقط‪ ..‬إنما هي كذلك متاع!‬

‫وق‪%%‬د ورثت اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة من أص‪%%‬وهلا اإلغريقي‪%%‬ة الروماني‪%%‬ة ‪ -‬والروماني‪%%‬ة خاص‪%%‬ة‬


‫‪ -‬حّب املتاع‪ ،‬واملتاع اجلسدي خاصة‪ .‬إذن ينبغي أن يك‪%‬ون يف " المنهج " م‪%%‬ا ُيقاب‪%‬ل ه‪%%‬ذا‬
‫" الهدف " األساسي األصيل‪.‬‬

‫ويدخل يف هذا " املنهج " " برامج " متعددة‪.‬‬

‫تدخل وس ‪,, ,‬ائل اإلعالم‪ ،‬ووس ‪,, ,‬ائل الترفي ‪,, ,‬ه‪ ،‬ووس ‪,, ,‬ائل " الله ‪,, ,‬و "‪ ،‬والحري ‪,, ,‬ة‬
‫الجنسية‪ .‬و " تحري ‪,,‬ر الم ‪,,‬رأة "‪ ،‬والنظري ‪,,‬ات (والتطبيقات) ال ‪,,‬تي ُتح ‪,,‬ارب " الكبت "!‬
‫كما يدخل بصفة أساسية محاربة الّد ين واألخالق والتقاليد!‬

‫إن م ‪%% %‬ا نس ‪%% %‬ميه حنن ب " الفساد الخلقي " أو ب " الفوض‪,, ,‬ى الجنسية " أو "‬
‫التحلل " أو ما شابه ذلك من العبارات‪ ،‬ليس أمرًا عارض‪ً%‬ا يف حي‪%%‬اة اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة‪ ،‬وال‬
‫شيئًا خارجًا عن خّطها األصيل ‪ -‬كما يعتذر عنه الذين اس‪%%‬تعبدت أرواحهم للغ‪%%‬رب ‪ -‬إمنا‬
‫ه‪%%‬و خط أص‪,,‬يل فيه‪,,‬ا‪ُ ،‬يحّق ق هدفًا أص‪,,‬يًال من أهدافها‪ ..‬وق‪%%‬د ك‪%%‬ان موج‪%%‬ودًا يف اجلاهلي‪%%‬ة‬
‫اإلغريقي ‪%%‬ة واجلاهلي ‪%%‬ة الروماني ‪%%‬ة (‪ )40‬كلتيهم ‪%%‬ا‪ ،‬وك ‪%%‬ان من األس ‪%%‬باب ال ‪%%‬يت أدت بكلتيهم ‪%%‬ا إىل‬
‫ال ‪%%‬دمار‪ .‬وإمنا احت ‪%%‬اج األم ‪%%‬ر إىل ف ‪%%‬رتة من ال ‪%%‬وقت‪ ،‬وإىل " جه‪,,‬ود " تب ‪%%‬ذل إلزال ‪%%‬ة م ‪%%‬ا عل ‪%%‬ق يف‬
‫النفس األوربي ‪%%‬ة من آث ‪%%‬ار الف ‪%%‬رتة املس ‪%%‬يحية ال ‪%%‬يت امت ‪%%‬دت ع‪ّ% %‬د ة ُق رون‪ ،‬تس ‪%%‬ميها أورب ‪%%‬ا قروهنا‬
‫(‪.)41‬‬
‫الوسطى املظلمة‬

‫‪ )?(40‬سنتكلم فيما بعد عن الذين بذلوا اجلهود إلفساد أوربا‪ ،‬والعامل كله من ورائها‪.‬‬
‫‪ )?(41‬هي مظلم ‪%%‬ة حًّق ا بالنس ‪%%‬بة ألورب‪%%‬ا ولكن ال بس ‪%%‬بب ال ‪%%‬دين يف ذاته كم ‪%%‬ا يزعم ‪%%‬ون‪ ،‬ب‪%%‬ل بس ‪%%‬بب ال ‪%%‬دين‬
‫الكنسي احملرف‪.‬‬

‫(‪)37‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وق‪%%‬د يب‪%%‬دو للعني الس‪%%‬طحية النظ‪%%‬رة أن م‪%%‬ا ه‪%%‬و موج‪%%‬ود الي‪%%‬وم خ‪%%‬اص هبذه اجلاهلي‪%%‬ة ‪-‬‬
‫أو كما يسموهنا هم‪ :‬هذه " الحضارة " ‪ -‬ولكن األم‪%%‬ر ليس ك‪%%‬ذلك ملن يراج‪%%‬ع الت‪%%‬اريخ‪..‬‬
‫حقيق‪%%‬ة إن " الوس‪,,‬ائل " ق‪%%‬د تغ‪%%‬ريت‪ .‬فلم يكن عن‪%%‬د اإلغري‪%%‬ق والروم‪%%‬ان س‪%%‬ينما وال تلفزي‪%%‬ون‬
‫وال في ‪%%‬ديو‪ ،‬وال وس ‪%%‬ائل إفس ‪%%‬اد مجاعي ‪%%‬ة ك ‪%%‬املوجودة الي ‪%%‬وم‪ .‬ولكن من الس ‪%%‬ذاجة ا ْف ِر ط ‪%%‬ة أن‬
‫يك‪%%‬ون حكمن‪%%‬ا مرتبط‪ً%‬ا بالوس‪%%‬ائل ‪ -‬ال‪%%‬يت من ش‪%%‬أهنا أن تتغ‪%%‬ري من عص‪%%‬ر إىل عص‪%%‬ر ‪ُ-‬مل إمنا جيب‬
‫أن يكون احلكم مرتبطًا باألهداف واألفكار واملبادئ أكثر من ارتباطه بالوس‪%%‬ائل‪ ،‬ألهنا هي‬
‫ال ‪%%‬يت تتش ‪%%‬ابه فيه ‪%%‬ا اجلاهلي ‪%%‬ات ع ‪%%‬رب الت ‪%%‬اريخ‪ ،‬وال ‪%%‬يت تتش ‪%%‬ابه فيه ‪%%‬ا " القلوب "‪ ،‬كم ‪%%‬ا ج ‪%%‬اء يف‬
‫الق‪%%‬رآن احلكيم‪َ( :‬تَش اَبَه ْت ُقُل وُبُه ْم ) [س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]118‬وإن اختلفت األجن‪%%‬اس‬
‫واللغات واألمكنة واألزمان‪.‬‬

‫حمبب لإلنس ‪%%‬ان‪ ،‬والعب ‪%%‬ارة القرآني ‪%%‬ة احلكيم ‪%%‬ة ُتؤك ‪%%‬د ه ‪%%‬ذه احلقيق ‪%%‬ة‪ُ( :‬ز ِّيَن‬ ‫إن املت ‪%%‬اع‬
‫ِللَّناِس ُح ُّب الَّش َه َو ا )‪[ .‬س ‪%%‬ورة آل عم ‪%%‬ران‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة ‪ .]14‬فليس املزين للن ‪%%‬اس ‪ -‬يف اآلي ‪%%‬ة‬
‫ِت‬
‫القرآني‪%%‬ة ‪ -‬ه‪%%‬و الش‪%%‬هوات‪ .‬إمنا ه‪%%‬و " حُّب الش‪,,‬هوات "‪ .‬وه‪%%‬و تعب‪%%‬ري دقي‪%%‬ق عن م‪%%‬دى توغ‪%%‬ل‬
‫الش‪%%‬هوات يف النفس اإلنس‪%%‬انية‪ .‬وك ‪ّ%‬ل زي‪%%‬ادة يف املب‪%%‬ىن تدّل على زي‪%%‬ادة يف املع‪%%‬ىن كم‪%%‬ا يق‪%%‬ول‬
‫البالغي‪%%‬ون‪ .‬ومن ّمث ف‪%%‬إن َتْز يني " حّب الشهوات " آك‪%%‬د يف بي‪%%‬ان عم‪%%‬ق الش‪%%‬هوات يف النفس‬
‫من تزيني الشهوات ذاهتا‪ ،‬وأدّل على أن النفس مفطورة على حّب املت‪%‬اع ‪ ,‬وحلكم‪%‬ة رباني‪%‬ة‬
‫أراد اهلل ذل ‪%% %‬ك‪ .‬ولكن ‪%% %‬ه س ‪%% %‬بحانه وتع ‪%% %‬اىل أم ‪%% %‬ر الن ‪%% %‬اس أن يض ‪%% %‬بطوا منطل ‪%% %‬ق الش ‪%% %‬هوات (‪،)42‬‬
‫وأعط ‪%%‬اهم األداة املعين ‪%%‬ة على الض ‪%%‬بط‪ ،‬والتوجيه ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت جتعل ‪%%‬ه ميس ‪%%‬رًا على أص ‪%%‬حابه‪ ،‬ويف‬
‫مقدمة ذلك اإليمان باهلل واليوم اآلخر والتوجه إلى القيم الُعليا‪ ،‬والجهاد في سبيلها‪.‬‬

‫فحني ال ُي ؤمن اإلنس ‪%%‬ان ب ‪%%‬اليوم اآلخ ‪%%‬ر‪ُ ،‬تص ‪%%‬بح احلي ‪%%‬اة يف حّس ه فرص ‪%%‬ة واح ‪%%‬دة إن‬
‫ذهبت ال تع‪%% %‬ود‪ ،‬وهي فرص‪%% %‬ة حمدودة حبدود العم‪%% %‬ر البش‪%% %‬ري‪ ،‬ب‪%% %‬ل حبدود الّص حة والق‪%% %‬وة‬
‫واالس ‪%% %‬تطاعة من ذل ‪%% %‬ك العم ‪%% %‬ر‪ ،‬وهي من مث فرص ‪%% %‬ة قص ‪%% %‬رية قص ‪%% %‬رية ال ُتْش ِبع! فيك ‪%% %‬ون َه ُّم‬
‫اإلنس‪%% %‬ان يف تل‪%% %‬ك احلال‪%% %‬ة أن ينكب على املت ‪%%‬اع بك‪%% %‬ل طاقت‪%% %‬ه‪ ،‬ليعب من‪%% %‬ه م‪%% %‬ا يس‪%% %‬تطيع قب ‪%%‬ل‬
‫الف‪%%‬وات! ويكون كذلك كارهًا لكّل الض‪,,‬وابط ‪ -‬أو المش‪,,‬اغل ‪ -‬ال‪,,‬تي تح‪ّ,‬د من ذل‪,,‬ك‬
‫المتاع!‬

‫وليس ك‪%‬ذلك من ي‪%‬ؤمن باهلل والي‪%‬وم االخ‪%‬ر‪ .‬ف‪%‬األمر يف حّس ه خمتل‪%‬ف‪ .‬إن‪%‬ه يس‪%‬تمتع‪،‬‬
‫نعم! ولكن يف غري هلفة على املتاع‪ ،‬ألنه يؤمن أن ما يفوته من املتاع يف احلياة ال‪%%‬دنيا نتيج‪%%‬ة‬
‫تقيده بالضوابط الربانية‪ ،‬أو بأي سبب كالجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬ليس ضائعًا‪ ،‬وليس ذاهب‪ً%‬ا‬

‫‪ )?(42‬الضبط غري الكبت‪ .‬راجع إن شئت فصل " فرويد " يف كتاب " اإلنسان بني املادية واإلسالم "‪.‬‬

‫(‪)38‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫بال عودة‪ .‬بل ه‪%‬و حمف‪%‬وظ ل‪%‬ه عن‪%‬د اهلل أوًال‪ ،‬مث ه‪%‬و مع‪%‬وض عن‪%‬ه ثاني‪ً%‬ا بنعيم ال ينف‪%‬د‪ ،‬يف اجلن‪%‬ة‬
‫اليت " فيها ما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر " (‪.)43‬‬

‫ومن مث " يضبط " شهواته‪ ،‬دون أن تتلف نفسه من عملية الضبط‪.‬‬

‫مث إن ‪%%‬ه مش ‪%%‬غول بقيم علي ‪%%‬ا‪ ،‬وجه ‪%%‬اد يف س ‪%%‬بيل ه ‪%%‬ذه القيم‪ ،‬يص ‪%%‬رفه عن التعل ‪%%‬ق هبذه‬
‫ِء ِن‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِل‬
‫الش‪%%‬هوات ح‪%%‬ىت تص‪%%‬بح مهه املقع‪%%‬د املقيم‪ُ( :‬ز ِّيَن لَّناِس ُح ُّب الَّش َه َو ا َن الِّنَس ا َو اْلَب يَن‬
‫َو اْلَق َن اِط يِر اْلُم َق ْنَط َر ِة ِم َن ال ‪َّ,‬ذ َه ِب َو اْلِف َّض ِة َو اْلَخ ْي ِل اْلُمَس َّو َم ِة َو اَأْلْنَع اِم َو اْلَح ْر ِث َذِل َك‬
‫َم َتاُع اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو الَّلُه ِع ْنَدُه ُح ْسُن اْلَم آِب ‪ُ ،‬ق ْل َأُؤ َنِّبُئُك ْم ِبَخ ْي ٍر ِم ْن َذِلُك ْم ِلَّل ِذ يَن اَّتَق ْو ا‬
‫ِم‬ ‫ِلِد ِف‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِع‬
‫ْنَد َر ِّبِه ْم َج َّناٌت َتْج ِر ي ْن َتْح َه ا اَأْلْنَه اُر َخ ا يَن يَه ا َو َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة َو ِر ْض َو اٌن َن‬
‫ِق‬ ‫ِف‬ ‫ِع ِد ِذ‬ ‫ِص‬ ‫ِه‬
‫الَّل َو الَّل ُه َب يٌر ِباْل َب ا ‪ ،‬اَّل يَن َيُقوُلوَن َر َّبَن ا ِإَّنَن ا آَم َّنا َف اْغ ْر َلَن ا ُذُنوَبَن ا َو َن ا َع َذ اَب‬
‫الَّناِر ‪ ،‬الَّص اِبِر يَن َو الَّص اِدِقيَن َو اْلَق اِنِتيَن َو اْلُم ْنِفِق يَن َو اْلُمْس َتْغِف ِر يَن ِباَأْلْس َح اِر )‪[ .‬س‪%%‬ورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اآليات ‪.]17 - 14‬‬

‫(َيا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُن وا َه ْل َأُدُّلُك ْم َعَلى ِتَج اَر ٍة ُتْنِج يُك ْم ِم ْن َع َذ اٍب َأِليٍم ‪ُ ،‬تْؤ ِم ُن وَن‬
‫ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِف ِب‬ ‫ِه‬ ‫ِلِه‬ ‫ِه‬
‫ِبالَّل َو َرُس و َو ُتَج ا ُد وَن ي َس يِل الَّل ِب َأْم َو ا ُك ْم َو َأْنُف ُك ْم َذ ُك ْم َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُك ْنُتْم‬
‫َتْع َلُم وَن ‪َ ،‬يْغِف ْر َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو ُيْد ِخ ْلُك ْم َج َّناٍت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا اَأْلْنَه اُر َو َم َس اِكَن َطِّيَب ًة‬
‫ِفي َج َّناِت َعْد ٍن َذِلَك اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم) [سورة الصف‪ ،‬اآليات ‪.]12 - 10‬‬

‫وهذه نقط‪%%‬ة اختالف جوهري‪%%‬ة بني " المنهج الرباني "‪ ،‬و " املنهج " ال‪%%‬ذي ختت‪%%‬اره‬
‫اجلاهليات ‪ -‬كل اجلاهليات ‪ -‬مبا يف ذل‪%%‬ك اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة‪ ..‬وحمموره‪%%‬ا ه‪%%‬و اإلميان ‪ -‬أو‬
‫عدم اإلميان ‪ -‬باهلل واليوم اآلخر‪.‬‬

‫وهن‪%%‬ا ن‪%%‬أيت إىل م‪%%‬رياث من أخط‪%%‬ر م‪%%‬ا ورثت‪%%‬ه اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة من اجلاهلي‪%%‬ة اإلغريقي‪%%‬ة‬
‫بالذات‪.‬‬

‫إن‪%%‬ه املرياث ال‪%%‬ذي ُيص ‪ّ,‬و ر العالق‪,,‬ة بين البش‪,,‬ر وبين " اآلله‪,,‬ة " (‪ )44‬عالق‪,,‬ة ص‪,,‬راع‬
‫دائم ال يكّف لحظة‪ :‬اآلهلة تري‪%%‬د أن تدمر اإلنس‪%%‬ان‪ ،‬ألن‪%%‬ه ُيري‪%%‬د أن ُيش‪%%‬اركها يف ألوهيته‪%%‬ا‪،‬‬
‫وهي ُتري‪%%‬د أن تتف‪%%‬رد وح‪%%‬دها باأللوهي‪%%‬ة‪ ،‬والبش‪%%‬ر دائم‪%%‬و التم ‪ّ%‬ر د على اآلهلة ألهنم يري‪%%‬دون أن‬
‫يثبتوا ذواهتم‪ ،‬وال سبيل هلم إىل إثبات ذواهتم إال بالتمّر د والعصيان!‬

‫‪ )?(43‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ )?(44‬يف ك‪%%‬ل اجلاهلي‪%%‬ات الوثني‪%%‬ة تتع‪%%‬دد اآلهلة كم‪%%‬ا ه‪%%‬و معل‪%%‬وم‪ ،‬ولكن يظ‪%%‬ل الف‪%%‬رق قائم ‪ً%‬ا بني األلوهي‪%%‬ة من‬
‫جهة‪ ،‬والبشرية من جهة أخرى‪.‬‬

‫(‪)39‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولعل أسطورة " بروميثيوس " سارق النار املقدسة هي أوضح متثيل هلذا املعىن‪.‬‬

‫تقول األسطورة ‪ -‬ال‪%‬يت تش‪%‬تمل على بعض احلق‪%%‬ائق مش‪%‬وهة تش‪%‬ويهًا أس‪%‬طورًّيا‪ ،‬إىل‬
‫ج‪%%‬انب بعض التص‪%%‬ورات اجلاهلي‪%%‬ة الوثني‪%%‬ة اخلاطئ‪%%‬ة ‪ -‬إن " زي‪%%‬وس " إل‪%%‬ه اآلهلة خل‪%%‬ق اإلنس‪%%‬ان‬
‫من قبض‪%% %‬ة من طني األرض‪ ،‬وس‪%% %‬واه على الن‪%% %‬ار املقدس‪%% %‬ة‪( ،‬ال ‪,,‬تي ترم ‪,,‬ز في األس ‪,,‬طورة إلى‬
‫المعرفة)‪ ،‬مث أهبط ‪%% % % %‬ه إىل األرض وح ‪%% % % %‬ده يف ظالم دامس‪( ،‬يرم ‪,, , ,‬ز في األس ‪,, , ,‬طورة إلى‬
‫الجهل)‪ ،‬فأشفق عليه كائن أس‪%%‬طوري ُيس‪%%‬مى " برومي‪%%‬ثيوس "‪( ،‬قد يكون رم‪,,‬زًا للش‪,,‬يطان‬
‫واهلل أعلم) فس ‪%% %‬رق ل ‪%% %‬ه الن ‪%% %‬ار املقدس ‪%% %‬ة من اإلل ‪%% %‬ه زي ‪%% %‬وس وأعطاه ‪%% %‬ا ل ‪%% %‬ه (رم‪,, ,‬زًا لبدء تعلم‬
‫اإلنسان)‪ ،‬فغض‪%%‬ب اإلل‪%%‬ه من ه‪%%‬ذا األم‪%%‬ر غض‪%%‬بًا ش‪%%‬ديدًا‪ ،‬ألن إلنس‪%%‬ان ق‪%%‬د اكتس‪%%‬ب ص‪%%‬فة من‬
‫صفات اإلله (وهي العلم) ؛ فصب جام غضبه على اإلنسان ؛ (المسمى في األسطورة "‬
‫إيبيم‪,‬ثيوس ")‪ ،‬وعلى " برومي‪%%‬ثيوس " مع‪ً%‬ا‪ ،‬فأم‪%%‬ا " برومي‪%%‬ثيوس " فق‪%%‬د وك‪%%‬ل ب‪%%‬ه نس‪%%‬رًا ي‪%%‬رعى‬
‫كب ‪%%‬ده ط ‪%%‬وال النه ‪%%‬ار‪ ،‬وتنبت ل ‪%%‬ه كب ‪%%‬د جدي ‪%%‬دة يف اللي ‪%%‬ل‪ ،‬في ‪%%‬أيت النس ‪%%‬ر يف النه ‪%%‬ار ليأكله ‪%%‬ا من‬
‫جديد‪ ،‬وهكذا يف عذاب أبدي!! أما اإلنسان " إيبيمثيوس " فقد أرس‪%%‬ل إلي‪%%‬ه ام‪%%‬رأة (ُتسمى‬
‫في األس‪,‬طورة باندورا‪ ،‬وترم‪,‬ز إلى ح‪,‬واء)‪ ،‬لكي ُتْؤ نس‪%%‬ه (يف ظ‪%%‬اهر األم‪%%‬ر)‪ .‬وأرس‪%%‬ل معه‪%%‬ا‬
‫هدي‪%%‬ة ص‪%%‬ندوقًا مغلق ‪ً%‬ا‪ ،‬فلم‪%%‬ا فتح‪%%‬ه إذا ه‪%%‬و ممل‪%%‬وء بالش‪%%‬رور‪ ،‬فتن‪%%‬اثرت الش‪%%‬رور من الص‪%%‬ندوق‬
‫ومألت سطح األرض!‬

‫وليس ال ‪%%‬ذي يهمن ‪%%‬ا من األس ‪%%‬طورة يف ه ‪%%‬ذا املق ‪%%‬ام ه ‪%%‬و عالق ‪%%‬ة الكراهي ‪%%‬ة املتبادل ‪%%‬ة بني‬
‫اإلنس‪%% % %‬ان وخالق‪%% % %‬ه فحس‪%% % %‬ب ‪ -‬وإن ك‪%% % %‬انت ه‪%% % %‬ذه مص‪%% % %‬يبة من مص‪%% % %‬ائب التص‪%% % %‬ور اجلاهلي‬
‫اإلغ ‪%% %‬ريقي‪ ،‬ال أظن هلا م ‪%% %‬ثيًال يف أس ‪%% %‬اطري الوثني ‪%% %‬ات األخ ‪%% %‬رى ‪ -‬إمنا ه ‪%% %‬و ك ‪%% %‬ذلك ش ‪%% %‬عور "‬
‫اإلنسان " يف هذه األسطورة أنه ال حُي ّق ق ذاته إال مبعصية اإلله!‬

‫كال األمرين خيّر ب املشاعر اإلنسانية‪..‬‬

‫حقيقة إن التصور اإلسالمي ُيقّر ر أن اإلنسان خلق لالبتالء‪:‬‬

‫(ِإَّن ا َخ َلْق َن ا اِأْل ْنَس اَن ِم ْن ُنْطَف ٍة َأْم َش اٍج َنْبَتِلي ‪ِ,‬ه َفَجَعْلَن اُه َس ِم يعًا َبِص يرًا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫اإلنسان‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬

‫ولكن االبتالء أوًال ليس بالشّر وحده‪:‬‬

‫(َو َنْبُلوُك ْم ِبالَّش ِّر َو اْلَخ ْيِر ِفْتَنًة)‪[ .‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.]35‬‬

‫(‪)40‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واالبتالء ثاني‪ً%‬ا انتقام‪ً%‬ا إهلي‪ً%‬ا يوقع‪%%‬ه اخلالق باإلنس‪%%‬ان ال‪%%‬ذي خلق‪%%‬ه‪ ،‬إمنا ه‪%%‬و اختب‪%%‬ار ل‪%%‬ه‪،‬‬
‫بع ‪,, ,‬د أن أنعم علي ‪,, ,‬ه بش‪ّ, , ,‬تى النعم‪ ،‬ال‪%% % %‬يت تش‪%% % %‬مل العلم فيم‪%% % %‬ا تش‪%% % %‬مل‪ ،‬هب‪%% % %‬ة رباني‪%% % %‬ة من اهلل‬
‫لإلنسان‪ ..‬اختبار له بعد كل الّنعم اليت أنعم عليه هبا‪ :‬هل يشكر النعم‪%%‬ة ‪ -‬بطاع‪%%‬ة اهلل ‪ -‬أم‬
‫يكفرها بعصيانه؟‬

‫مث إن احلي‪%%‬اة ال‪%%‬دنيا ليست نهاي‪,‬ة المط‪,‬اف‪ ،‬وال هي أهم مرحل‪%%‬ة يف حي‪%%‬اة اإلنس‪%%‬ان‪،‬‬
‫إمنا هي فقط مرحلة االختبار من حياته‪ ،‬فإذا اجتاز االختبار بنجاح ‪ -‬بطاعة اهلل ‪ -‬ف‪%%‬إن ل‪%%‬ه‬
‫جزاء من النعيم اخلالد جيّل عن الوصف‪.‬‬

‫فال كراهي ‪%% %‬ة إذن من اخلالق لإلنس ‪%% %‬ان ال ‪%% %‬ذي خلق ‪%% %‬ه وأنعم علي ‪%% %‬ه‪ ،‬وال كراهي ‪%% %‬ة من‬
‫اإلنسان السوي خلالقه‪ ،‬بل شكر للنعمة وإخبات‪ ،‬وتقرب وطاعة هلل‪.‬‬

‫ومن ناحي‪%%‬ة أخ‪%%‬رى ف‪%%‬إن اهلل ي‪%%‬دمر على اإلنس‪%%‬ان الك‪%%‬افر ال‪%%‬ذي ي‪%%‬دعي األلوهي‪%%‬ة‪ ،‬أو‬
‫يدعي لنفسه خصيصة من خصائصها‪ ،‬هذا حّق ‪ .‬ولكن هل مجرد سعي اإلنسان لتحقي‪,,‬ق‬
‫ذاته هو ال‪,‬ذي يستوجب غض‪,‬ب اهلل علي‪,‬ه وت‪,‬دميره؟ أليس اهلل س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي‬
‫خلقه ليكون خليفة يف األرض؟‬

‫(َو ِإْذ َق اَل َر ُّب َك ِلْلَم الِئَك ِة ِإِّني َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَف ًة)‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]30‬‬

‫أو ليس اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي سخر له ما يف السماوات واألرض؟‬

‫(َو َس َّخ َر َلُك ْم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يع ‪ً,‬ا ِم ْن ُه)‪[ .‬س ‪%%‬ورة اجلاثي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫اآلية ‪.]13‬‬

‫أو ليس اهلل هو الذي أَتاح له عمارة األرض؟‬

‫(ُه َو َأْنَش َأُك ْم ِم َن اَأْلْر ِض َو اْس َتْع َم َر ُك ْم ِفيَه ا)‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫أو ليس اهلل هو الذي منحه األدوات املعينة له لعمارة األرض؟‬

‫(َأَلْم َنْجَع ْل َل ُه َعْيَنْيِن ‪َ ،‬و ِلَس انًا َو َش َف َتْيِن ‪َ ،‬و َه َد ْيَناُه الَّنْج َد ْيِن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة البل ‪%%‬د‪،‬‬
‫اآليات ‪.]10 - 8‬‬

‫(‪)41‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َعَّلَم آَدَم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَه ا) [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫(َو َجَعَل َلُك ُم الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو اَأْلْفِئَد َة)‪[ .‬سورة تبارك‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬

‫(َخ َلَق اِأْل ْنَس اَن ‪َ ،‬عَّلَم ُه اْلَبَياَن ) [سورة الرمحن‪ ،‬اآليتان ‪.]4 ،3‬‬

‫(اْقَر ْأ َو َر ُّب َك اَأْلْك َر ُم‪ ،‬اَّل ِذ ي َعَّلَم ِب اْلَق َلِم ‪َ ،‬عَّلَم اِأْل ْنَس اَن َم ا َلْم َيْع َلْم )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫العلق‪ ،‬اآليات ‪.]5 - 3‬‬

‫فاهلل هو الذي قّد ر لإلنسان أن يكون ذا ُقّو ة وذا فاعلية‪ ،‬وذا نزع‪%%‬ة فطري‪%%‬ة لتحقي‪%%‬ق‬
‫ذاته من خالل قوته وفاعليت‪%%‬ه‪ ،‬وال يغض‪%%‬ب اهلل علي‪%%‬ه حني مُي ارس ه‪%%‬ذه الُق وة وه‪%%‬ذه الفاعلي‪%%‬ة‬
‫يف احلدود اليت رمسها له‪ ،‬وهي احلدود اليت يعلم اللطيف اخلبري أهنا ُتصلح احلياة الدنيا ومتنع‬
‫عنها الفساد‪.‬‬

‫إمنا يغض ‪%%‬ب علي ‪%%‬ه فق ‪%%‬ط حني يتم ‪ّ%‬ر د على اهلل‪ ،‬ويعص ‪%%‬يه عام ‪%%‬دًا ليجع ‪%%‬ل نفس ‪%%‬ه ‪ -‬أو‬
‫غريه ‪ -‬نًّدا هلل‪َ ،‬فُيخالف بذلك إرادة اهلل‪ ،‬وخُي الف احلّق كذلك‪ ،‬إذ أنه ال نّد هلل يف احلقيق‪%%‬ة‬
‫وال ش ‪%%‬ريك‪ ،‬فمن اختذ ل ‪%%‬ه ن ‪ًّ%%‬دا أو ش ‪%%‬ريكًا فق ‪%%‬د ك ‪%%‬ذب على احلّق واتب ‪%%‬ع الباط ‪%%‬ل‪ ،‬فاس ‪%%‬تحق‬
‫غضب اهلل‪.‬‬

‫ولكن العجيب يف األسطورة أهنا جتعل هذا السلوك املتمّر د ‪ -‬وحده ‪ -‬هو وسيلة‬
‫حتقيق اإلنسان لذاته‪ ،‬فإذا غضب اهلل عليه من أجل ذلك ق‪%‬الت األس‪%‬طورة‪ :‬انظ‪%‬روا! ه‪%‬ا ه‪%‬و‬
‫ذا اإلله ينتقم من اإلنسان‪ ،‬ألن اإلنسان أراد أن حُي قق ذاته!!‬

‫إنه تص‪ّ,‬و ر م‪,,‬ريض‪ ..‬ال ن‪%%‬درك ل‪%%‬ه س‪%%‬ببًا ظ‪%%‬اهرًا‪ ،‬وليس بني أي‪%%‬دينا من الدراس‪%%‬ات يف‬
‫تاريخ تل‪%%‬ك اجلاهلي‪%%‬ة م‪%%‬ا ُيفّس ر لن‪%%‬ا ه‪%%‬ذا االحنراف العجيب‪ ،‬اللهم إال ش‪%%‬يئًا واح‪%%‬دًا نقول‪,‬ه من‬
‫باب الحدس‪ ،‬ال من باب اليقين وال ح‪,‬تى ال‪,‬ترجيح‪ :‬إن الطف‪%%‬ل يف س‪%%‬ن معين‪%%‬ة‪ ،‬حني يب‪%%‬دأ‬
‫حيّس بذاته‪ ،‬جيب أن ُيثبت ذاته باالعتماد على نفسه ورفض العون ال‪%‬ذي ُيقّد م‪%‬ه ل‪%‬ه الكب‪%‬ار!‬
‫ف ‪%%‬إذا م ‪%%‬ددت إلي ‪%%‬ه ي ‪%%‬دك مثًال لتعين ‪%%‬ه على الس ‪%%‬ري يف الطري ‪%%‬ق املزدحم ‪ -‬خوف‪ً% %‬ا من ‪%%‬ك علي ‪%%‬ه ‪-‬‬
‫س‪%%‬حب ي‪%%‬ده من ي‪%%‬دك ومش‪%%‬ى وح‪%%‬ده‪ِ ،‬لُيثبت ل‪%%‬ك أن‪%%‬ه ش‪ّ%‬ب عن الط‪%%‬وق‪ ،‬واس‪%%‬تطاع االعتم‪%%‬اد‬
‫على نفسه! هذا يقع من الطفل السوّي ‪ ،‬أما الطفل املنحرف فهو يعصي أوامرك عنادًا من‪%‬ه‪،‬‬
‫ِلُيثبت لنفسه ولك أنه يستطيع أن يقول ال!‬

‫ف‪%%‬إذا ك‪%%‬انت ه‪%%‬ذه احلق‪%%‬ائق الس‪%%‬لوكية ُتلقي بعض الض‪%%‬وء على القض‪%%‬ية‪ ،‬فهي ُت وحي‬
‫بش‪%%‬يئني مع‪ً%‬ا بالنس‪%%‬بة للجاهلي‪%%‬ة اإلغريقي‪%%‬ة‪ :‬األول أهنا ك‪%%‬انت طفل‪%%‬ة من الوجه‪%%‬ة النفس‪%%‬ية‪ ،‬على‬

‫(‪)42‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫الرغم من كّل ُنضجها الفكري‪ ،‬والثاين أهنا ك‪%‬انت مريض‪%%‬ة منحرف‪%‬ة‪ ،‬على ال‪%‬رغم من ك‪%‬ل "‬
‫حكمتها " الفلسفية " (‪.)45‬‬

‫وأًّيا كان األمر بالنسبة للجاهلي‪%‬ة اإلغريقي‪%‬ة‪ ،‬ف‪%‬إن بعثه‪%‬ا من جدي‪%‬د على ي‪%‬د اجلاهلي‪%‬ة‬
‫املعاص‪%%‬رة يع‪ُّ%%‬د أشّد انحرافًا وأشّد مرض‪ً%‬ا‪ ،‬حيث ال ع‪%%‬ذر في‪%%‬ه من " الطفول‪%%‬ة " ال‪%%‬يت ميكن أن‬
‫توص ‪%%‬ف هبا اجلاهلي ‪%%‬ة اإلغريقي ‪%%‬ة‪ ،‬وخاص ‪%%‬ة من ق ‪%%‬وم يزعم ‪%%‬ون أهنم يف قم ‪%%‬ة ال ‪%%‬رقي البش ‪%%‬ري‪..‬‬
‫وقمة النضوج‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ظلت األس‪%%‬طورة ‪ -‬بإحياءاهتا املس‪%%‬مومة ‪ -‬كامن‪%%‬ة حتت القش‪%%‬رة املس‪%%‬يحية طيل‪%%‬ة‬
‫عصور أوربا الوسطى " المظلمة "‪ ،‬وكان املفروض أن يكون " الِّدين " ق‪%%‬د قض‪%%‬ى عليه‪%%‬ا‪،‬‬
‫وخاص ‪%%‬ة ذل ‪%%‬ك ال ‪%%‬دين ال ‪%%‬ذي يص ‪%%‬ل إىل ح‪ّ% %‬د الرهباني ‪%%‬ة تبتًال إىل اهلل‪ ،‬ويص ‪%%‬ل إىل ح‪ّ% %‬د إنك ‪%%‬ار‬
‫اإلنسان لذاته‪ ،‬ولوجوده اإلنساين كّله‪ ،‬تعظيمًا هلل وتبجيًال له‪ .‬ولكن صدق اهلل إذ يقول‪:‬‬

‫(َو َر ْه َباِنَّي ًة اْبَتَدُعوَه ا َم ا َك َتْبَناَه ا َعَلْيِه ْم ِإاَّل اْبِتَغ اَء ِر ْض َو اِن الَّل ِه َفَم ا َر َعْو َه ا َح َّق‬
‫ِر َعاَيِتَه ا َفآَتْيَن ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ِم ْنُه ْم َأْج َر ُه ْم َو َك ِث يٌر ِم ْنُه ْم َفاِس ُقوَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة احلدي‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]27‬‬

‫وكأمنا ك ‪%%‬ان رّد الفع ‪%%‬ل لتل ‪%%‬ك الرهباني ‪%%‬ة الكابت ‪%%‬ة للوج ‪%%‬ود اإلنس ‪%%‬اين ه ‪%%‬و الع ‪%%‬ودة ‪-‬‬
‫املريض‪%%‬ة ‪ -‬إىل تل‪%%‬ك األس‪%%‬طورة املنحرف‪%%‬ة‪ ،‬ال‪%%‬يت تزعم أن إثب‪%%‬ات اإلنس‪%%‬ان لذاته ال يك‪%%‬ون إال‬
‫مبعصية اهلل!‬

‫ورمبا ك‪%%‬ان طغي‪%%‬ان الكنيس‪%%‬ة ك‪%%‬ذلك س‪%%‬ببًا من أس‪%%‬باب ه‪%%‬ذه الع‪%%‬ودة املريض‪%%‬ة‪ .‬فاهلل يف‬
‫حّس الّنص ‪%%‬ارى متلبس بعيس ‪%%‬ى ابن م ‪%%‬رمي علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم‪ ،‬والباب ‪%%‬ا متلبس بعيس ‪%%‬ى ابن م ‪%%‬رمي من‬
‫خالل بطرس‪ ،‬كما قال البابا‪ " :‬نقوال األول " يف بيانه الذي أعلنه على الناس‪:‬‬

‫" إن ابن اإلنس ‪%%‬ان أنش ‪%%‬أ الكنيس ‪%%‬ة ب ‪%%‬أن جع ‪%%‬ل الرس ‪%%‬ول بط ‪%%‬رس أول رئيس هلا‪ ،‬وإن‬
‫أساقفة روما َو ِر ُثوا س‪%%‬لطان بط‪%%‬رس يف تسلس‪%%‬ل مس‪%%‬تمر متص‪%%‬ل‪ ،‬ول‪%%‬ذلك ف‪%%‬إن الباب‪%%‬ا ممثل اهلل‬
‫على األرض جيب أن تك ‪%%‬ون ل ‪%%‬ه الس ‪%%‬يادة العلي ‪%%‬ا والس ‪%%‬لطان األعظم على مجي ‪%%‬ع املس ‪%%‬يحيني‪،‬‬
‫حكامًا كانوا أو حمكومني " (‪.)46‬‬

‫‪ " )?(45‬الفلسفة " – باللغة اإلغريقية – تعين اتباع احلكمة‪.‬‬


‫‪ )?(46‬ول ديورانت‪ ،‬قصة احلضارة ج ‪ 14‬ص ‪ 352‬من الرتمجة العربية‪.‬‬

‫(‪)43‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن خالل هذه السيادة طغت الكنيسة طغياهنا البش‪%%‬ع‪ ،‬ال‪%%‬ذي نّف رت في‪%%‬ه الن‪%%‬اس يف‬
‫النهاي ‪%%‬ة من ال ‪ّ%‬د ين‪ ،‬فرفض ‪%%‬وا اخلض ‪%%‬وع لس ‪%%‬لطان الباب ‪%%‬ا‪ ،‬املتلبس يف حّس هم بس ‪%%‬لطان اهلل ج ‪ّ%‬ل‬
‫جالل ‪%%‬ه (أو بس ‪%%‬لطان املس ‪%%‬يح ال ‪%%‬ذي أهّل وه وعب ‪%%‬دوه)‪ ،‬وأص‪,,‬بح التم ‪ّ,‬ر د على ذل‪,,‬ك السلطان‬
‫اإللهي هو طريقهم إلثبات الذات! واستيقظت بذلك األس‪%‬طورة الكامن‪%‬ة يف حّس هم‪ ،‬ال‪%‬يت‬
‫مل تقض عليه‪%% %‬ا ف‪%% %‬رتة الت‪%% %‬دين الطويل‪%% %‬ة‪ ،‬إمنا ك‪%% %‬انت كامن‪%% %‬ة يف ظلم‪%% %‬ات نفوس‪%% %‬هم تنتظ‪%% %‬ر م‪%% %‬ا‬
‫ُيوقظها!‬

‫‪Man in the‬‬ ‫يق ‪%%‬ول " جولي ‪%%‬ان هكس ‪%%‬لي " يف كتاب ‪%%‬ه " اإلنس ‪%%‬ان يف الع ‪%%‬امل احلديث‬
‫‪ " Modern World‬م ‪%%‬ا خالص ‪%%‬ته‪ :‬إن أس ‪%%‬طورة برومي ‪%%‬ثيوس م ‪%%‬ا تزال تعيش يف احلّس األوريب‬
‫وُت ؤثر على س ‪%% %‬لوك الن ‪%% %‬اس‪ .‬واألوريب املعاص ‪%% %‬ر ه ‪%% %‬و " برومي ‪%% %‬ثيوس احلديث " املتم‪ّ% % %‬ر د على‬
‫س ‪%%‬لطان اهلل‪ .‬لق ‪%%‬د خض ‪%%‬ع اإلنس ‪%%‬ان هلل يف املاض ‪%%‬ي بس ‪%%‬بب عج ‪%%‬زه وجهل ‪%%‬ه‪ ،‬واآلن‪ ،‬وق ‪%%‬د تعّلم‬
‫وس‪%%‬يطر على البيئ‪%%‬ة فق‪%%‬د آن ل‪%%‬ه أن حيم‪%%‬ل على ع‪%%‬اتق نفس‪%%‬ه م‪%%‬ا ك‪%%‬ان يلقي‪%%‬ه من قب‪%%‬ل يف عص‪%%‬ر‬
‫العجز واجلهل على عاتق اهلل‪ ،‬ومن ثّم ُيصبح هو اهلل!‬

‫نستعيد باهلل‪..‬‬

‫إن هذه العق‪%‬دة ‪ -‬أو َّمَسها م‪%‬ا ش‪%‬ئت من األمساء ‪ -‬هي ال‪%‬يت تش‪%‬كل " املنهج " كّله‬
‫لدى اجلاهلية املعاصرة!!‬

‫إن األوريب يس ‪%%‬عى لعم ‪%%‬ارة األرض نعم‪ ،‬ويتخ ‪%%‬ذ ل ‪%%‬ذلك ك ‪%%‬ل الوس ‪%%‬ائل ال ‪%%‬يت يراه ‪%%‬ا‬
‫ُموّص لة لتحقي‪%%‬ق أهداف‪%%‬ه‪ ،‬وكث‪%%‬ري منه‪%%‬ا ُموّص ل لله‪%%‬دف بالفع‪%%‬ل‪ ،‬ولكن القض‪%%‬ية ليس‪%%‬ت عم‪%%‬ارة‬
‫األرض يف ذاهتا‪ .‬إمنا هي قض ‪%%‬ية " المنهج " ال ‪,,‬تي تتم على أساس ‪,,‬ه عم ‪,,‬ارة األرض‪ ..‬أه ‪%%‬و‬
‫املنهج الرب‪%%‬اين ال‪%%‬ذي حيق‪%%‬ق الفالح يف ال‪%%‬دنيا واآلخ‪%%‬رة؟ أم ه‪%%‬و منهج غ‪%%‬ري اهلل؟! وحني يك‪%%‬ون‬
‫ِن‬
‫منهج غ‪%%‬ري اهلل فه‪%%‬و منهج الش‪%%‬يطان!! منهج " برومي‪%%‬ثيوس "‪َ( :‬أَلْم َأْع َه ْد ِإَلْيُك ْم َي ا َب ي آَدَم‬
‫َأْن ال َتْع ُبُد وا الَّش ْيَطاَن ِإَّنُه َلُك ْم َعُد ٌّو ُمِبيٌن ‪َ ،‬و َأِن اْع ُبُد وِني َه َذ ا ِص َر اٌط ُمْس َتِق يٌم)‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫ّيس‪ ،‬اآليتان ‪.]61 ،60‬‬

‫وه ‪%%‬ذا املنهج ‪ -‬منهج " برومي ‪%%‬ثيوس " ‪ -‬حُي ّق ق ج ‪%%‬وانب من النف ‪%%‬ع‪ ،‬وج ‪%%‬وانب من‬
‫اخلري‪ ،‬ولكنه إىل جانب ذلك حُي قق كثريًا من الشّر ‪ ،‬وُيؤدي يف النهاية إىل الدمار‪..‬‬

‫لق ‪%%‬د مّك ن ه ‪%%‬ذا املنهج ألورب‪%%‬ا يف األرض‪ ،‬وأعطاه ‪%%‬ا ُق وة فائق ‪%%‬ة يف مي‪%%‬ادين متع ‪%%‬ددة‪:‬‬
‫العلم والتكنولوجي‪%%‬ا والعم‪%%‬ارة املادي‪%%‬ة لألرض وتيس‪%%‬ريات ش‪%%‬ىت يف حي‪%%‬اة اإلنس‪%%‬ان‪ ..‬ولكن‪%%‬ه يف‬
‫ال‪%%‬وقت ذاته ‪ -‬النح‪,‬راف القاعدة ال‪,‬تي يقوم عليه‪,,‬ا ‪ -‬ق‪%%‬د أدى إىل الفس‪%%‬اد اخللقي ال‪ّ%‬ذ ريع‬

‫(‪)44‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ال‪%%‬ذي تب‪%%‬دو آث‪%%‬اره واض‪%%‬حة يف اجملتم‪%%‬ع الغ‪%%‬ريب‪ ،‬وال‪%%‬ذي يهب‪%%‬ط باإلنس‪%%‬ان يف محأة الش‪%%‬هوات إىل‬
‫َدْر ك أض ‪ّ%‬ل من احلي ‪%%‬وان‪ُ( :‬أوَلِئ َك َك اَأْلْنَع اِم َب ْل ُه ْم َأَض ُّل ُأوَلِئ َك ُه ُم اْلَغ اِفُلوَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]179‬‬

‫وأدى إىل الص‪%% %‬راع املدّم ر بني ال‪%% %‬دول ال‪%% %‬يت متل‪%% %‬ك الق‪%% %‬وة‪ ،‬وال تملك الض ‪,,‬وابط "‬
‫اإلنسانية " الس‪,‬تخدام القوة‪ .‬ويكفي من أم‪%%‬ر ه‪%%‬ذا الص‪%%‬راع حرب‪%%‬ان عامليت‪%%‬ان يف رب‪%%‬ع ق‪%%‬رن‪،‬‬
‫والتهديد املستمر باحلرب الثالثة اليت ميكن أن تدّم ر وجه األرض‪.‬‬

‫وأدى إىل االس‪,,‬تعمار الوحش‪,,‬ي‪ ،‬ال‪%%‬ذي ُيلغي ك ‪ّ%‬ل كرام‪%%‬ة للض‪%%‬عيف ال‪%%‬ذي ال ميل‪%%‬ك‬
‫وسائل القوة‪ ،‬ذلك االستعمار الذي يقع يف قبضته ما ُيسمى باالعامل الثالث‪ ،‬وهو أك‪%%‬ثر من‬
‫نصف األرض‪ .‬ألن القانون الس‪%‬ائد يف اجلاهلي‪%‬ة ه‪%‬و ق‪%‬انون الغ‪%‬اب‪ :‬الق‪ %‬ة هي احلّق ‪Might is‬‬
‫ّو‬
‫‪ Right‬والق ‪%%‬وي يأك ‪%%‬ل الض ‪%%‬عيف‪ .‬والبق ‪%%‬اء " لألص ‪%%‬لح " يف ع ‪%%‬رفهم تع ‪%%‬ين البق ‪%%‬اء " لألق ‪%%‬وى "‪،‬‬
‫مهما يكن ما ينطوي عليه من الشّر ‪ ،‬وهو معىن مستمد من التفسري احليواين لإلنسان‪.‬‬

‫وأدى إىل إفس‪%% %‬اد الفط‪%% %‬رة البش‪%% %‬رية بص‪%% %‬رفها عن َتَو ّج هه‪%% %‬ا الفط‪%% %‬ري إىل عب‪%% %‬ادة اهلل‪.‬‬
‫ِك‬ ‫َّل ِه ِل‬ ‫ِد ِل‬ ‫َّلِه َّلِت‬ ‫ِف‬
‫( ْطَر َت ال ا ي َفَطَر الَّناَس َعَلْيَه ا ال َتْب يَل َخ ْل ِق ال َذ َك ال‪ِّ,‬ديُن اْلَقِّيُم َو َل َّن َأْك َثَر‬
‫الَّناِس ال َيْع َلُم وَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]30‬‬

‫مث أفس‪%%‬د فط‪%%‬رة الرج‪%%‬ل وفط‪%%‬رة املرأة كليهم‪%%‬ا بقض‪%%‬ية املس‪%%‬اواة‪ ،‬فَر َّج َل املرأة‪ ،‬ونّف ره‪%%‬ا‬
‫من وظيفتها الفطرية‪ ،‬من البيت واألس‪%‬رة ورعاي‪%‬ة النشء‪ ،‬كم‪%‬ا نّف ره‪%‬ا من ِقَو ام‪%‬ة الّر ج‪%‬ل ال‪%‬يت‬
‫ال يس ‪%%‬تقيم ب ‪%%‬دوهنا ح ‪%%‬ال األس ‪%%‬رة‪ ،‬فتفككت األس ‪%%‬رة‪ ،‬وتش‪ّ% %‬ر د األطف ‪%%‬ال‪ ،‬وجنح األح ‪%%‬داث‪،‬‬
‫وانتش‪%%‬ر الش‪%%‬ذوذ ال‪%%‬ذي أفس‪%%‬د فط‪%%‬رة الرج‪%%‬ل فقت‪%%‬ل رجولت‪%%‬ه‪ ،‬أو ص‪%%‬رفها عن ميله‪%%‬ا الفط‪%%‬ري‪..‬‬
‫وذل‪%%‬ك كّل ه إىل ج‪%%‬انب اخلم‪%%‬ر واملخ‪%%‬درات واجلرمية‪ ،‬والقل‪%%‬ق واالنتح‪%%‬ار واجلن‪%%‬ون واألم‪%%‬راض‬
‫النفسية والعصبية‪.‬‬

‫ه‪%%‬ذا ومل نتح‪%%‬دث بع‪%%‬د عن الت‪,‬أثير اليه‪,‬ودي في الجاهلي‪,‬ة المعاص‪,‬رة‪ ،‬ال‪%%‬ذي عّم ق‬
‫فيها كّل معاين الشّر ‪ ،‬وأفسح له اجملال يف شىت امليادين‪ ،‬فقد أرجأناه إىل فصل مستقل‪.‬‬

‫وهكذا نصل مع اجلاهلية املعاصرة إىل خالصتها اليت بدأنا هبا احلديث عنها‪ :‬تقّد م‬
‫هائ‪,,‬ل في العلوم المادي‪,,‬ة والتكنولوجي‪,,‬ا والعم‪,,‬ارة المادي‪,,‬ة لألرض‪ ،‬وانتكاس‪,,‬ة هائلة في‬
‫الجانب الروحي والقيم المعنوية الالزمة لحياة اإلنسان‪.‬‬

‫(‪)45‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫رابعا‪ :‬السننن الربانية‬


‫التي تحكم أوضاع الجاهلية المعاصرة‬
‫يظن " برومي‪%%‬ثيوس " احلديث ‪ -‬ال‪%%‬ذي تكّلم عن‪%%‬ه جولي‪%%‬ان هكس‪%%‬لي‪ ،‬وق‪%%‬ال إن‪%%‬ه مُي ث‪%%‬ل‬
‫األوريب املعاص ‪%%‬ر ‪ -‬أن ‪%%‬ه ق ‪%%‬د حتّد ى اهلل ج ‪ّ%‬ل جالل ‪%%‬ه‪ ،‬وجنح يف حتدي ‪%%‬ه (‪ !)47‬ومن جه ‪%%‬ة أخ ‪%%‬رى‬
‫يعجب بعض الن‪%%‬اس كي‪%%‬ف متكنت أورب‪%%‬ا ك ‪ّ%‬ل ه ‪%%‬ذا التمكني وهي ك‪%%‬افرة‪ .‬ويتس‪%%‬اءلون‪ :‬أين‬
‫إذن سنن اهلل التي توعدت الكّف ار بالمحق والتدمير؟!‬

‫واحلقيق‪%%‬ة أن أح‪%‬وال اجلاهلي‪%‬ة املعاص‪%%‬رة وأوض‪%%‬اعها كّله‪%%‬ا م‪%%‬ذكورة يف الس‪%‬نن الرباني‪%‬ة‬


‫ال‪%%‬واردة يف كت‪%%‬اب اهلل وس‪%%‬نة رس‪%%‬وله ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ .‬ب‪%%‬ل يعجب اإلنس‪%%‬ان حني يتل‪%%‬و‬
‫اآلي ‪%%‬ات كي ‪%%‬ف انطبقت حبذافريها على أوض ‪%%‬اع اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة كأمنا أن ‪%%‬زلت بش ‪%%‬أهنا‪ ،‬م ‪%%‬ع‬
‫أهنا ن ‪%%‬زلت قب ‪%%‬ل أربع ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر قرن‪ً% %‬ا‪ ..‬ذل ‪%%‬ك أن اجلاهلي ‪%%‬ات كّله ‪%%‬ا متش ‪%%‬اهبة يف جوهره ‪%%‬ا‪ ،‬وإن‬
‫اختلفت يف تفصيالهتا‪ ،‬وك‪%‬ان لك‪ٍّ%‬ل منه‪%‬ا خصائص‪%‬ها ال‪%‬يت تش‪ّ%‬ك لها ظ‪%‬روف الزم‪%‬ان واملك‪%‬ان‪،‬‬
‫والسنن الربانية متعلقة باجلوهر وليست متعلقة باألشكال‪.‬‬

‫ولكي نفهم أوض ‪%%‬اع اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة على ض ‪%%‬وء الس ‪%%‬نن الرباني ‪%%‬ة علين ‪%%‬ا أن نت ‪%%‬دبر‬
‫مجم‪,,‬وع الس ‪%%‬نن ال ‪%%‬وواردة يف اآلي ‪%%‬ات التالي ‪%%‬ة‪ ،‬ذل ‪%%‬ك أن الس ‪%%‬نن الرباني ‪%%‬ة ال تعم ‪%%‬ل يف الغ ‪%%‬الب‬
‫فرادى‪ ،‬إمنا تعمل جمتمعة‪ ،‬وخاّص ة يف حياة اجملتمعات والّش عوب‪:‬‬

‫‪َ( )1‬و ُقْلَن ا اْه ِبُط وا َبْع ُض ُك ْم ِلَبْع ٍض َع ُد ٌّو َو َلُك ْم ِفي اَأْلْر ِض ُمْس َتَقٌّر َو َم َت اٌع ِإَلى‬
‫ِح يٍن )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]36‬‬

‫‪ُ( )2‬ك ًاّل ُنِم ُّد َه ُؤ الِء َو َه ُؤ الِء ِم ْن َعَط اِء َر ِّبَك َو َم ا َك اَن َعَط اُء َر ِّبَك َم ْح ُظورًا)‪.‬‬
‫[سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫‪َ( )3‬مْن َك اَن ُيِر يُد اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا ُنَو ِّف ِإَلْيِه ْم َأْع َم اَلُه ْم ِفيَه ا َو ُه ْم ِفيَه ا ال‬
‫ُيْبَخ ُس وَن )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫‪ )?(47‬مما يثري السخرية أن الصاروخ الذي كان حيمل اسم املتحِّدي ‪ Challenger‬ق‪%‬د انفج‪%‬ر بع‪%‬د ث‪%‬وان من‬
‫إطالقه وقتل كل من كان فيه من البشر‪.‬‬

‫(‪)46‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ُك ِّل َش ْي ٍء َح َّتى ِإَذا َفِر ُح وا‬ ‫ا َل ِه َأ ا‬ ‫‪َ ( )4‬ل ا وا ا ُذِّك وا ِب ِه‬
‫اَّل ِذ ي َظَل وا اْل ُد ِلَّل ِه‬ ‫ِب ا ُأو وا َأ ْذ َفا َّم َنُس َفِإَمَذا ُر ِل و َف‪َ،‬تْحَنُقِطَع ْي اْمِب اْبَوْلَق َبِم‬
‫َن ُم َو َحْم‬ ‫ُه ْم ُمْب ُس َن َف َع َد ُر ْو‬ ‫َم ُت َخ َن ُه ْم َبْغَتًة‬
‫َر ِّب اْلَعاَلِم يَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]45 - 44‬‬

‫‪َ( )5‬و َك َأِّيْن َمْن َقْر َيٍة َأْم َلْيُت َلَه ا َو ِه َي َظاِلَم ٌة ُثَّم َأَخ ْذ ُتَه ا َو ِإَلَّي اْلَم ِص يُر )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫احلج‪ ،‬اآلية ‪.]48‬‬

‫ِم‬ ‫ِص‬ ‫ِذ‬


‫ِه ‪ِ( )6‬تَو ال َيَز اُل اَّلِه يَن َكَف ُر وا ُت ِل يُبُه ْمِم ِبَم ا َص َنُعوا َقاِر َع ٌة َأْو َتُح ُّل َقِر يبًا ْن‬
‫َد اِر ْم َح َّتى َيْأ َي َو ْعُد الَّل ِإَّن الَّلَه ال ُيْخ ُف اْل يَعاَد )‪[ .‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫إذا تدبرنا ه‪%%‬ذه اآلي‪%%‬ات وه‪%%‬ذه الس‪%%‬نن تت‪%%‬بني لن‪%%‬ا جمموع‪%%‬ة من احلق‪%%‬ائق ح‪%%‬ول اجلاهلي‪%%‬ة‬
‫املعاصرة‪.‬‬

‫فقدر اهلل لإلنسان أن ينال يف األرض مستقًّر ا ومتاعًا إىل حني‪ ،‬هو قدر عام شامل‬
‫لإلنسان كّله‪ ،‬مؤمنه وكافره‪ ،‬غري متعّلق بالكفر وال باإلميان‪ ،‬وإمنا متعّلٌق بنوع اإلنسان‪.‬‬

‫ُيؤي‪%%‬د ه‪%%‬ذا قول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل عن الف‪%%‬ريقني الل‪%%‬ذين ق‪ّ%‬د ر اهلل أن ينقس‪%%‬م إليهم‪%%‬ا البش‪%%‬ر نتيج‪%%‬ة‬
‫احلر ة اليت وهبها اهلل لإلنسان‪ ،‬وعدم قه‪%%‬ره على اهلدى كبقي‪%%‬ة الكائن‪%%‬ات‪ُ( :‬ك ًاّل ُنِم ُّد ُؤ الِء‬
‫َه‬ ‫ّي‬
‫َو َه ُؤ الِء ِم ْن َعَط اِء َر ِّب َك َو َم ا َك اَن َعَط اُء َر ِّب َك َم ْح ُظ ورًا)‪[ .‬س‪%%‬ورة اإلس‪%%‬راء‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪.]20‬‬
‫فعط ‪%%‬اء اهلل ‪ -‬من حيث املب ‪%%‬دأ ‪ -‬مب ‪%%‬ذول للف ‪%%‬ريقني‪ :‬المؤم ‪,,‬نين والكف ‪,,‬ار‪ ،‬غ ‪%%‬ري حمظ ‪%%‬ور على‬
‫واح‪%%‬د منهم‪%%‬ا‪ .‬والعط‪%%‬اء ش‪%%‬امل غ‪%%‬ري حمّد د‪ ،‬فه‪%%‬و يش‪%%‬مل ك‪%%‬ل م‪%%‬ا وهب‪%%‬ه اهلل لإلنس‪%%‬ان من ه‪%%‬واء‬
‫يتنفس‪%%‬ه‪ ،‬وم ‪%%‬اء يش‪%%‬ربه‪ ،‬وطع ‪%%‬ام يأكل‪%%‬ه‪ ،‬وَخ ْل ٍق يف أحس‪%%‬ن تق ‪%%‬ومي‪ ،‬وأدوات معين‪%%‬ة على مهم‪%%‬ة‬
‫اخلالف ‪%%‬ة يف األرض‪ ،‬وتس ‪%%‬خري ملا يف الس ‪%%‬موات واألرض لص ‪%%‬احل اإلنس ‪%%‬ان لكي تك ‪%%‬ون حياته‬
‫على األرض ممكنة ومستقّر ة وحمتوية على قدر من املتاع‪..‬‬

‫والتمكني يف األرض ل ‪%%‬ون من أل ‪%%‬وان االس ‪%%‬تقرار واملت ‪%%‬اع ال ‪%%‬ذي وهب ‪%%‬ه اهلل لإلنس ‪%%‬ان‬
‫عامة‪ ،‬وجزء من العطاء الذي ُتق‪ّ%‬ر ر اآلي‪%‬ة الكرمية أن‪%‬ه مب‪%‬ذول هلؤالء وه‪%‬ؤالء‪ ..‬أي للمؤم‪%‬نني‬
‫والكفار‪.‬‬

‫ب ‪%%‬ل إن إح ‪%%‬دى اآلي ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت استش ‪%%‬هدنا هبا ُتق ‪ّ%‬ر ر حقيق ‪%%‬ة تب ‪%%‬دو عجيب ‪%%‬ة ألول وهل ‪%%‬ة‪،‬‬
‫ألهنا تب‪%%‬دو يف الظ‪%%‬اهر متناقضة لما نتص‪,‬وره نحن ‪ -‬دون تعم‪%%‬ق ‪ -‬من أم‪,‬ر السنن الرباني‪,‬ة‬
‫التي يجريها اهلل في حياة البشر‪ ،‬إذ تقرر هذه اآلية أن الكّف ار حني َنُس وا م‪%‬ا ُذِّك ُر وا ب‪%‬ه ‪-‬‬

‫(‪)47‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أي َنُس وا م‪%%‬ا ُنّز ل عليهم من ال‪%%‬وحي على ي‪%%‬د األنبي‪%%‬اء والرس‪%%‬ل ‪ -‬فتح اهلل عليهم أب‪%%‬واب ك‪ّ%‬ل‬
‫شيء‪ ،‬ومّك ن هلم يف األرض!‬

‫(َفَلَّم ا َنُس وا َم ا ُذِّك ُر وا ِب ِه َفَتْحَن ا َعَلْيِه ْم َأْبَو اَب ُك ِّل َش ْي ٍء ‪[ .)..‬س‪%%‬ورة األنع‪%%‬ام‪،‬‬
‫اآلية ‪.]44‬‬

‫نتص‪%%‬ور ألول وهل‪%%‬ة أن ه‪%%‬ذا من‪%%‬اقض لوعي‪%%‬د اهلل للكف‪%%‬ار بالت‪%%‬دمري عليهم‪ ،‬ووع‪%%‬ده ‪-‬‬
‫على العكس من ذل ‪%% % %‬ك ‪ -‬مبنح التمكني للمؤم ‪%% % %‬نني ال ‪%% % %‬ذين يعب ‪%% % %‬دون اهلل ح ‪%% % %‬ق عبادته وال‬
‫ُيشركون به‪َ( :‬و َعَد الَّلُه اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ْنُك ْم َو َعِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َلَيْس َتْخ ِلَف َّنُه ْم ِفي اَأْلْر ِض‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِد‬ ‫ِذ ِم ِل‬
‫َك َم ا اْس َتْخ َلَف اَّل يَن ْن َقْب ِه ْم َو َلُيَم ِّك َنَّن َلُه ْم يَنُه ُم اَّل ي اْر َتَض ى َلُه ْم َو َلُيَب ِّد َلَّنُه ْم ْن‬
‫َبْع ِد َخ ْو ِفِه ْم َأْم نًا َيْع ُبُد وَنِني ال ُيْش ِر ُك وَن ِبي َش ْيئًا)‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]55‬‬

‫ولكن ه‪%%‬ذا التن‪%%‬اقض الظ‪%%‬اهري ‪ -‬يف تص‪%%‬ورنا ‪ -‬ي‪%%‬زول حني ُنْنِعم الّنظ‪%%‬ر يف اآلي‪%%‬ات‪،‬‬
‫ونزداد تعرفًا على السنن الربانية‪.‬‬

‫إن اهلل ج ‪ّ%‬ل وعال مل حيظ ‪%%‬ر العط ‪%%‬اء ال ‪%%‬دنيوي على الكف ‪%%‬ار ابت ‪%%‬داء‪ ،‬ب ‪%%‬ل بذل ‪%%‬ه ‪ -‬كم ‪%%‬ا‬
‫رأين‪%%‬ا ‪ -‬لكال الف‪%%‬ريقني الك‪%%‬افر واملؤمن س‪%%‬واء‪ ،‬ومن العط‪%%‬اء التمكين في األرض كم‪%%‬ا س‪%%‬بق‬
‫الق‪%%‬ول‪ .‬وبي‪%%‬ان ذل‪%%‬ك أن ال‪%%‬دنيا ال تس‪%%‬اوي عن‪%%‬د اهلل جن‪%%‬اح بعوض‪%%‬ة‪ ،‬فه‪%%‬و ُيعطي منه‪%%‬ا الك‪%%‬افر‪،‬‬
‫هلواهنا عليه سبحانه وتعاىل‪ ،‬أما اآلخرة فيدخرها للمْؤ منني وحدهم‪.‬‬

‫يق‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ " :‬لو كانت الدنيا تع‪,‬دل عند اهلل جناح بعوض‪,‬ة م‪,‬ا‬
‫َس َق ى الكافَر منها َش ْر َبَة ماٍء " (‪.)48‬‬

‫ويق ‪%%‬ول ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ " :‬إن اهلل ُيعطي ال‪,,‬دنيا لمن أحّب ومن لم ُيحّب ‪،‬‬
‫ولكنه ال ُيعطي اآلخرة إّال لمن أحَّب " (‪.)49‬‬

‫وإىل هن ‪%%‬ا ي ‪%%‬زول ج ‪%%‬زء من العجب ال ‪%%‬ذي يعرتين ‪%%‬ا ألول وهل ‪%%‬ة‪ ،‬حني ن ‪%%‬رى اهلل يب ‪%%‬ذل‬
‫للكفار من عطائه‪ ،‬ويفتح عليهم " أبواب كِّل شيٍء " وهم كفار‪.‬‬

‫لقد كان السبب يف عجبنا هو نظرتنا إىل ال‪%%‬دنيا‪ ،‬وإىل التمكني فيه‪%%‬ا‪ ،‬بعني اإلكب‪%%‬ار‬
‫واإلعظام‪ ،‬كأنها غاية الغايات ال‪%%‬يت خل‪%%‬ق اإلنس‪%%‬ان لتحص‪%%‬يلها‪ ..‬ف‪%%‬إذا علمن‪%%‬ا هواهنا على اهلل‪،‬‬

‫‪ )?(48‬صححه الرتمذي واحلاكم‪.‬‬


‫‪ )?(49‬رواه أمحد ‪.387 / 1‬‬

‫(‪)48‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واهنا ال ُتساوي عنده َج َناَح َبُعوَض ة‪ ،‬تط‪%‬امن إكبارن‪%‬ا وإعظامن‪%‬ا هلا‪ ،‬وزال عجبن‪%‬ا ‪ -‬أو ج‪%‬زء‬
‫من عجبنا على األق‪%‬ل ‪ -‬من ك‪%‬ون اهلل يفتح أبواهبا للك‪%‬افرين املعان‪%‬دين اخلارجني على طاع‪%%‬ة‬
‫اهلل‪.‬‬

‫مث ي‪%%‬زول م‪%%‬ا بقي من عجبن‪%%‬ا حني نعلم أم‪,,‬رين آخرين جيري هبم‪%%‬ا ق‪%%‬در اهلل وس‪%%‬نته‪،‬‬
‫ووعده ووعيده‪.‬‬

‫األم‪,,‬ر األول أن من س‪,,‬ننه الجاري‪,,‬ة س‪,,‬بحانه وتع‪,,‬الى أن يملي للكف‪,,‬ار في األرض‬


‫قبل أن ي ‪,, ,‬دمر عليهم‪َ( .‬و َك َأِّيْن َمْن َقْر َي ٍة َأْم َلْيُت َلَه ا َو ِه َي َظاِلَم ٌة ُثَّم َأَخ ْذ ُتَه ا َو ِإَلَّي‬
‫اْلَم ِص يُر )‪[ .‬سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.]48‬‬

‫(َو َلَق ِد اْس ُتْه ِز َئ ِبُر ُس ٍل ِم ْن َقْبِل َك َف َأْم َلْيُت ِلَّل ِذ يَن َكَف ُر وا ُثَّم َأَخ ْذ ُتُه ْم َفَك ْي َف‬
‫َك اَن ِع َق اِب )‪[ .‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬

‫وظاهر من هذه اآليات وأمثاهلا يف القرآن أن اإلمالء جييء " بالفاء " واألخذ يأيت‬
‫م ‪%%‬ع " ثم " أي أن اإلمالء ي ‪%%‬أيت مباش ‪%%‬رة بع ‪%%‬د التك ‪%%‬ذيب‪ ،‬وأم ‪%%‬ا األخ ‪%%‬ذ في ‪%%‬أيت على املدى‪ ،‬مبا‬
‫يشري إىل أن اإلمالء قد يطول مع الكفر والتكذيب!‬

‫ف ‪%% % % % %‬إذا فهمن ‪%% % % % %‬ا أن من مع ‪%% % % % %‬اين اإلمالء للكف ‪%% % % % %‬ار التمكين لهم في األرض (إذ أن‬
‫التكذيب يصدر ع‪%%‬ادة من الطغ‪%%‬اة املمك‪%‬نني يف األرض‪ ،‬وبس‪%‬بب من ذل‪%‬ك التمكني) (‪ .)50‬مل‬
‫نعد نعجب أن يفتح اهلل أبواب كل شيء على الذين نسوا ما ذكروا به‪ ،‬ف‪%‬إن ه‪%%‬ذا ه‪%%‬و عني‬
‫اإلمالء‪ ،‬الذي حتدثت به آيات كثرية يف كتاب اهلل‪.‬‬

‫واألم‪,,‬ر الث‪,,‬اني أن هذا اإلمالء للكف‪,,‬ار ال‪,,‬ذي يش‪,,‬مل التمكين لهم في األرض‪،‬‬
‫وفتح أبواب كل شيء عليهم إلى حين ‪ -‬يطول أو يقصر ‪ -‬يصحبه ويالزمه حرمانهم‬
‫من ثواب اآلخرة‪ ،‬وصيرورتهم إلى النار‪:‬‬

‫(َمْن َك اَن ُيِر ي ‪ُ,‬د اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا ُنَو ِّف ِإَلْيِه ْم َأْع َم اَلُه ْم ِفيَه ا َو ُه ْم ِفيَه ا ال‬
‫ُيْبَخ ُس وَن ‪ُ ،‬أوَلِئَك اَّلِذ يَن َلْيَس َلُه ْم ِفي اآْل ِخ َر ِة ِإاَّل الَّناُر َو َح ِبَط َم ا َص َنُعوا ِفيَه ا َو َباِط ٌل َم ا‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآليتان‪.]16 - 15 :‬‬

‫‪ )?(50‬يقول تعاىل عن النمرود‪َ( :‬أْمَل َتَر ِإىَل اَّلِذ ي َح اَّج ِإْبَر اِه يَم يِف َر ِّبِه َأْن آَتاُه الَّل ُه اْلُم ْل َك ) أي بس‪%‬بب أن‬
‫اهلل آتاه امللك! (سورة البقرة‪.)258 :‬‬

‫(‪)49‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َيْو َم ُيْع َر ُض اَّل ِذ يَن َكَف ُر وا َعَلى الَّن اِر َأْذَهْبُتْم َطِّيَب اِتُك ْم ِفي َحَي اِتُك ُم ال ‪ُّ,,‬د ْنَيا‬
‫َو اْس َتْم َتْعُتْم ِبَه ا َف اْلَيْو َم ُتْج َزْو َن َع َذ اَب اْلُه وِن ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْس َتْك ِبُر وَن ِفي اَأْلْر ِض ِبَغْي ِر‬
‫اْلَح ِّق َو ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْف ُس ُقوَن )‪[ .‬سورة االحقاف‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫فإذا ُفهمت هذه احلقائق كلها‪ ،‬وُعرفت سنن اهلل يف هذا الشأن‪ ،‬مل يع‪%‬د عجيب‪ً%‬ا أن‬
‫يفتح اهلل أبواب كل شيء على الكفار كلما أوغلوا يف الكف‪%%‬ر‪ ،‬اس‪%%‬تدراجًا هلم لكي ي‪%%‬زدادوا‬
‫إمثًا‪ ،‬وليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة‪:‬‬

‫ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِذ‬


‫(ِإَو ال َيْح َس َبَّن اَّل يَن َكَف ُر وا َأَّنَم ا ُنْم ي َلُه ْم َخ ْيٌر َأِلْنُف ِه ْم ِإَّنَم ا ُنْم ي َلُه ْم‬
‫ِلَيْز َد اُدوا ْثمًا َو َلُه ْم َعَذ اٌب ُمِه يٌن )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]178‬‬

‫(َس َنْس َتْد ِر ُج ُه ْم ِم ْن َح ْيُث ال َيْع َلُم وَن ‪َ ،‬و ُأْم ِلي َلُه ْم ِإَّن َك ْي ِد ي َم ِتيٌن )‪[ .‬س ‪%% %‬ورة‬
‫القلم‪ ،‬اآليتان ‪.]45 - 44‬‬

‫(ِلَيْح ِم ُلوا َأْو َز اَر ُه ْم َك اِم َلًة َيْو َم اْلِق َياَم ِة َو ِم ْن َأْو َز اِر اَّلِذ يَن ُيِض ُّلوَنُه ْم ِبَغْي ِر ِع ْلٍم َأال‬
‫َس اَء َم ا َيِز ُروَن )‪[ .‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]25‬‬

‫كما قد يكون من ِح َك م اإلمالء حتقيق س‪%%‬نن أخ‪%%‬رى من س‪%%‬نن اهلل‪ ،‬من بينهم‪%%‬ا س‪%%‬نة‬
‫االبتالء للمؤمنين‪ ،‬ومتحيصهم ليمحق هبم الكافرين‪:‬‬

‫َّل ِذ‬ ‫ِس‬


‫ِم ِل (َأَح َب الَّناَّلُس َأَّلْنِذ ُيْتَر ُك وا َأْن َيُقوُلوا آَم َّنا َوِذُهِبْم ال ُيْف َتُن وَن ‪َ ،‬و َلَق ْد َفَتَّنا ا يَن‬
‫ْن َقْب ِه ْم َفَلَيْع َلَم َّن ال ُه ا يَن َص َد ُقوا َو َلَيْع َلَم َّن اْلَك ا يَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة العنكب‪%%‬وت‪ ،‬اآليت‪%%‬ان‬
‫‪.]3 - 2‬‬

‫(َو ِلُيَم ِّح َص الَّل ُه اَّل ِذ يَن آَم ُن وا َو َيْمَح َق اْلَك اِفِر يَن )‪[ .‬س‪%% %‬ورة آل عم‪%% %‬ران‪ ،‬اآلي‪%% %‬ة‬
‫‪.]141‬‬

‫وق‪%% %‬د يك‪%% %‬ون الس‪%% %‬بب غي‪%% %‬اب أه‪%% %‬ل احلق عن الس‪%% %‬احة‪ ،‬ال‪%% %‬ذين يتم هبم حتقي‪%% %‬ق س‪%% %‬نة‬
‫التدافع اليت جعلها اهلل أداة إلصالح األرض‪:‬‬

‫(َو َل ْو ال َدْف ُع الَّل ِه الَّناَس َبْع َض ُه ْم ِبَبْع ٍض َلَف َس َد ِت اَأْلْرُض َو َلِكَّن الَّل َه ُذو َفْض ٍل‬
‫َعَلى اْلَعاَلِم يَن )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.]251 :‬‬

‫(‪)50‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فيملي اهلل للكف‪%% %‬ار‪ ،‬إىل أن يظه‪%% %‬ر أه‪%% %‬ل احلق‪ ،‬ويص‪%% %‬بحوا أهًال ألن يرث‪,, ,‬وا األرض‬
‫لتحقيق وعد اهلل‪:‬‬

‫(َو َلَق ْد َك َتْبَن ا ِفي الَّز ُبوِر ِم ْن َبْع ِد ال‪ِّ,‬ذ ْك ِر َأَّن اَأْلْرَض َيِر ُثَه ا ِع َب اِد َي الَّص اِلُح وَن )‪.‬‬
‫[األنبياء ‪.]105‬‬

‫وه ‪%%‬ذا األم ‪%%‬ر األخ ‪%%‬ري بال ‪%%‬ذات ق ‪%%‬د يك ‪%%‬ون أق‪,,‬رب تفسير ألح‪,,‬وال الع‪,,‬الم المعاص‪,,‬ر‪،‬‬
‫وتمكين الجاهلي‪,,‬ة المعاص‪,,‬رة‪ ،‬بسبب غي‪,,‬اب أهل الح‪,,‬ق عن الساحة‪ ،‬وغي‪,,‬اب المنهج‬
‫الرباني عن التطبيق‪.‬‬

‫على أن األم ‪%%‬ر ال يتم مبج ‪%%‬رد الكف ‪%%‬ر‪ ..‬أي أن ‪%%‬ه ليس جمرد كف ‪%%‬ر الك ‪%%‬افرين ه ‪%%‬و ال ‪%%‬ذي‬
‫ي‪%%‬ؤدي إىل متكينهم يف األرض‪ .‬ف‪%%‬إن التمكني ل‪%%‬ه س‪%%‬ننه اخلاص‪%%‬ة ال‪%%‬يت ال ب‪%%‬د أن تت‪%%‬وفر ل‪%%‬ه ح‪%%‬ىت‬
‫يوج ‪%% %‬د‪ .‬وك ‪%% %‬ل ش ‪%% %‬يء إمنا يتم مبش ‪%% %‬يئة اهلل‪ .‬ولكن مش ‪%% %‬يئة اهلل هي ال ‪%% %‬يت اقتض ‪%% %‬ت أن تك ‪%% %‬ون‬
‫للتمكني أسباب‪ ،‬وأنه ال بد من اختاذ األسباب لكي يتم التمكني‪.‬‬

‫ال بد من إرادة ومن جهد يبذل‪.‬‬

‫(َمْن َك اَن ُيِر ي ‪ُ,‬د اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا ُنَو ِّف ِإَلْيِه ْم َأْع َم اَلُه ْم ِفيَه ا َو ُه ْم ِفيَه ا ال‬
‫ُيْبَخ ُس وَن )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫(َلَق ْد َخ َلْق َنا اِأْل ْنَس اَن ِفي َك َبٍد )‪[ .‬سورة البلد‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬

‫(َيا َأُّيَه ا اِأْل ْنَس اُن ِإَّنَك َك اِد ٌح ِإَلى َر ِّبَك َك ْد حًا َفُم الِقيِه)‪[ .‬سورة االنش‪%%‬قاق‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]6‬‬

‫واألس‪%%‬باب يف ذاهتا ليس‪%%‬ت هي ال‪%%‬يت تؤدي إىل النت‪%%‬ائج بطريق‪%%‬ة ذاتي‪%%‬ة‪ ،‬إمنا يتم ذل‪%%‬ك‬
‫بمش ‪,,‬يئة من اهلل‪ .‬وإذا مل يش‪%% %‬أ اهلل ف‪%% %‬إن األم‪%% %‬ر ال يتم مهم‪%% %‬ا ب‪%% %‬ذلت في‪%% %‬ه األس‪%% %‬باب‪ ..‬ولكن‬
‫اجلاهليني جيهل ‪%% %‬ون ذل ‪%% %‬ك‪ ،‬ويتكل ‪%% %‬ون على األس ‪%% %‬باب وح ‪%% %‬دها دون التوك ‪%% %‬ل على اهلل‪ .‬ومن‬
‫االس‪%% %‬تدراج ال‪%% %‬ذي يفتنهم اهلل ب‪%% %‬ه أن يكلهم إىل األس‪%% %‬باب ال‪%% %‬يت يتخ‪%% %‬ذوهنا‪ ،‬وينجحه‪%% %‬ا هلم‪،‬‬
‫فيزدادون فتنة هبا‪ ،‬واتكاال عليها‪ ،‬وبعدًا عن اهلل!‬

‫ولكي نوضح هذه احلقيقة اليت تغشى عليها اجلاهلية املعاصرة‪ ،‬حقيقة أن األس‪%%‬باب‬
‫ال تفعل بذاهتا‪ ،‬ولكنها تفعل مبشيئة اهلل‪ ،‬نضرب بعض األمثلة‪:‬‬

‫(‪)51‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فهتلر ق ‪%%‬د اختذ كل م ‪%%‬ا يف وس ‪%%‬ع البش ‪%%‬ر من األس ‪%%‬باب لكي ينتص ‪%%‬ر على احللف ‪%%‬اء‪.‬‬
‫وحتدى بأسبابه ق‪%‬در اهلل‪ .‬وك‪%‬ان يق‪%‬ول إن قواته س‪%‬تتوغل يف روس‪%‬يا بالس‪%‬هولة ال‪%‬يت تقط‪%‬ع هبا‬
‫الس ‪%%‬كني قطع ‪%%‬ة اجلنب! وك ‪%%‬ان يق ‪%%‬ول إن ‪%%‬ه لن خيطئ كم ‪%%‬ا أخط ‪%%‬أ ن ‪%%‬ابليون‪ ،‬ولن ُيس ‪%%‬تدرج إل‬
‫الص‪%%‬قيع ال‪%‬ذي أهل‪%‬ك جيش ن‪%‬ابليون! مث ش‪%‬اء ق‪%‬در اهلل غ‪%%‬ري م‪%%‬ا أراد هتل‪%‬ر‪ .‬واس‪%‬تدرجه ال‪%‬روس‬
‫إىل الصقيع الذي أهلك جيشه كما أهلك جيش نابليون!‬

‫ودخ‪%%‬ل ال‪,,‬روس أفغانس‪%%‬تان وهم واثق‪%%‬ون متام ‪ً%‬ا من النص‪%%‬ر‪ ،‬وأن األم‪%%‬ر لن يس‪%%‬تغرق‬
‫منهم أك‪%%‬ثر من ش‪%%‬هور‪ ،‬نظ‪%%‬رًا لتف‪%%‬وقهم الس‪%%‬احق يف الع‪%%‬دد والع‪%%‬دة‪ ،‬ومل حيس‪%%‬بوا أي حس‪%%‬اب‬
‫لق ‪%% %‬در اهلل‪ .‬فهم ال يؤمن ‪%% %‬ون باهلل اص‪ً% % %‬ال‪ ،‬وال يؤمن ‪%% %‬ون إال باألس ‪%% %‬باب املادي ‪%% %‬ة‪ ،‬ويف حس ‪%% %‬اب‬
‫األسباب املادية ال تناسب على اإلطالق بني م‪%%‬ا ميلك‪%‬ون هم وم‪%%‬ا ميل‪%‬ك األفغ‪%%‬ان! مث ش‪%‬اء اهلل‬
‫غ‪%%‬ري م‪%%‬ا ش‪%%‬اء ال‪%%‬روس‪ ،‬فص‪%%‬مد األفغ‪%%‬ان عش‪%%‬ر س‪%%‬نوات كامل‪%%‬ة‪ ،‬واض‪%%‬طر ال‪%%‬روس يف النهاي‪%%‬ة إىل‬
‫االنسحاب دون أن حيققوا النصر‪..‬‬

‫ويف هذا وذاك عربة ملن يعترب‪ ..‬ولكن الكفار ال يعتربون!‬

‫(ُقِل اْنُظُر وا َم اَذا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َو َم ا ُتْغِني اآْل ي‪,‬اُت َو الُّن ُذ ُر َعْن َقْو ٍم ال‬
‫ُيْؤ ِم ُنوَن )‪[ .‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.]101‬‬

‫كال! ليست األسباب هي اليت تؤدي بذاهتا إىل النتائج إال أن يش‪%%‬اء اهلل‪ .‬ولكن اهلل‬
‫يستدرج الكفار ‪ -‬جزاء كفرهم وإعراضهم ‪ -‬فيكلهم إىل األس‪%‬باب ال‪%‬يت يتخ‪%‬ذوهنا‪ ..‬ح‪%‬ىت‬
‫هتلكهم األسباب يف النهاية!‬

‫ولكن هن‪%% %‬اك حقيق‪%% %‬ة واقع‪%% %‬ة من اجلانب اآلخ‪%% %‬ر هي أن‪%% %‬ه ال يمكن أن يتم التمكين‬
‫بغير اتخاذ األسباب‪ ..‬ال للكفار وال للمؤمنين‪.‬‬

‫وق‪%%‬د ب‪%%‬ذلت أورب‪%%‬ا ك‪%%‬ل م‪%%‬ا متل‪%%‬ك من جه‪%%‬د‪ ،‬وك‪%%‬دحت بك‪%%‬ل م‪%%‬ا متل‪%%‬ك من الك‪%%‬دح‪،‬‬
‫وتوجهت بكل ما متلك من إرادة‪ ،‬فمكن اهلل هلا يف األرض حسب سننه اليت قدرها وبينه‪%%‬ا‬
‫س ‪%%‬بحانه يف كتاب ‪%%‬ه املنزل‪ :‬أن ‪%%‬ه من أراد ال ‪%%‬دنيا‪ ،‬وس ‪%%‬عى هلا س ‪%%‬عيها‪ ،‬ي ‪%%‬وفيهم اهلل ج ‪%%‬زاءهم يف‬
‫الدنيا‪ ،‬وال يبخسهم جهدهم‪ ،‬وكدحهم‪ ،‬وتوجههم‪:‬‬

‫(َمْن َك اَن ُيِر ي ‪ُ,‬د اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا َو ِز يَنَتَه ا ُنَو ِّف ِإَلْيِه ْم َأْع َم اَلُه ْم ِفيَه ا َو ُه ْم ِفيَه ا ال‬
‫ُيْبَخ ُس وَن )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫(َو َمْن ُيِر ْد َثَو اَب الُّد ْنَيا ُنْؤ ِتِه ِم ْنَه ا)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]145‬‬

‫(‪)52‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َمْن َك اَن ُيِر يُد َحْر َث الُّد ْنَيا ُنْؤ ِتِه ِم ْنَه ا َو َم ا َلُه ِفي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن َنِص يٍب )‪[ .‬سورة‬
‫الشورى‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫وهك‪%% % % % %‬ذا مت ألورب‪%% % % % %‬ا التمكني ‪ -‬مبش‪%% % % % %‬يئة اهلل وحس‪%% % % % %‬ب س‪%% % % % %‬نته ‪ -‬يف حني يظن "‬
‫برومي ‪%% %‬ثيوس " احلديث أن األم ‪%% %‬ر مت حتديًا هلل! ويظن ال ‪%% %‬ذين اس ‪%% %‬تعبدت أورب ‪%% %‬ا أرواحهم أن‬
‫األمر كله راجع إىل اختاذ األسباب! يف حني كان اهلل ي‪%‬ريب األم‪%%‬ة املس‪%‬لمة على منهج ب‪%‬ديع‪،‬‬
‫ي ‪%%‬وازن م ‪%%‬ا بني ض ‪%%‬رورة اختاذ األس ‪%%‬باب وبني ع ‪%%‬دم االتك ‪%%‬ال عليه ‪%%‬ا أو الفتن ‪%%‬ة هبا‪ ،‬وض ‪%%‬رورة‬
‫التوكل على اهلل مع اتخاذ األسباب‪.‬‬

‫فحني أخ‪%%‬ربهم س‪%%‬بحانه أن‪%%‬ه ق‪%%‬در هلذا ال‪%%‬دين أن ميّك ن يف األرض‪ ،‬وأن الك‪%%‬افرين لن‬
‫يق ‪%%‬دروا على حموه من األرض كم ‪%%‬ا متن ‪%%‬وا يف دخيل ‪%%‬ة أنفس ‪%%‬هم‪ ،‬أم ‪%%‬رهم يف ال ‪%%‬وقت ذاته باختاذ‬
‫األسباب لكيال يتواكلوا اعتمادًا على وعد اهلل بالتمكني لدينه‪:‬‬

‫ِع‬ ‫ِج‬ ‫ِذ‬


‫ٍة (َو ال َيْح َس َبَّن اَّل يَن َكَف ُر وا َس َبُقوا ِإَّنُه ْم ال ُيْع ُز وَن ‪َ ،‬و َأ ُّدوا َلُه ْم َم ا اْس َتَطْعُتْم‬
‫ِم ْن ُقَّو )‪[ .‬سورة األنفال‪ ،‬اآليتان ‪.]60 - 59‬‬

‫وحني خ‪%%‬دعتهم األس‪%%‬باب فق‪%%‬الوا‪ :‬لن نغلب الي‪%%‬وم من قل‪%%‬ة‪ ،‬ق‪%%‬در هلم اهلزمية لينتبه‪%%‬وا‬
‫إىل أن األسباب ال تؤدي بذاهتا إىل النتائج‪:‬‬

‫ِإ‬
‫ِب(َو َيْو َم ُح َنْيٍن ْذ َّلَأْع َج َبْت ِبُك ْم َك ْثَر ُتُك ْم َفَلْم ُتْغِن َعْنُك ْم َش ْيئًا َو َض اَقْت َعَلْيُك ُم‬
‫اَأْلْرُض َم ا َرُحَبْت ُثَّم َو ْيُتْم ُمْد ِر يَن )‪[ .‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]25‬‬

‫إمنا وجههم أن يتخذوا األسباب ويتوكلوا على اهلل يف ذات الوقت‪ ،‬فتتم هلم ع‪%%‬دة‬
‫النصر‪:‬‬

‫(َفِإ َذا َعَزْم َت َفَتَو َّك ْل َعَلى الَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]159‬‬

‫والعزمية تتضمن اختاذ األسباب فإهنا ال تكون عزمية صادقة بغري ذلك‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إذا خلص‪%% %‬نا إىل ه‪%% %‬ذه احلقيق‪%% %‬ة‪ ،‬وهي أن متكني اجلاهلي‪%% %‬ة املعاص‪%% %‬رة‪ ،‬وإيتاءه‪%% %‬ا ك‪%% %‬ل‬
‫أس‪%%‬باب الق‪%%‬وة‪ ،‬وفتح " أب‪%%‬واب ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء " عليه‪%%‬ا‪ ،‬إمنا يتم حس‪%%‬ب الس‪%%‬نن الرباني‪%%‬ة ال خمالف ‪ً%‬ا‬

‫(‪)53‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫هلا‪ ،‬فيجب أن نع‪%%‬رف بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك أن هن‪%%‬اك فرق‪ً,‬ا ‪ -‬ب‪%%‬ل فروق ‪ً%‬ا ‪ -‬بين تمكين الرض‪,,‬ا‪ ،‬ال‪%%‬ذي‬
‫يع‪%%‬د اهلل ب‪%%‬ه عب‪%%‬اده املؤم‪%%‬نني‪ ،‬وتمكين االس‪,,‬تدراج ال‪%%‬ذي يعطي‪%%‬ه للك‪%%‬افرين حني " يري‪%%‬دون "‬
‫ال ‪%%‬دنيا‪ ،‬ويب ‪%%‬ذلون اجله ‪%%‬د املك ‪%%‬افئ لتل ‪%%‬ك اإلرادة‪ ،‬في ‪%%‬وفيهم ج ‪%%‬زاءهم يف احلي ‪%%‬اة ال ‪%%‬دنيا‪ ،‬ويفتح‬
‫عليهم " أبواب كل شيء " مما يتعلق بذلك التمكني‪.‬‬

‫الفرق األول‪ :‬أن تمكين االستدراج تمكين م‪,‬ؤقت مهم‪,‬ا طالت مدت‪,‬ه‪ ،‬وينتهي‬
‫دائمًا بالدمار‪ ..‬بينما متكني الرضا ممتد حىت يغري الن‪%‬اس م‪%‬ا بأنفس‪%‬هم‪ ،‬وحيي‪%‬دوا عن الطري‪%‬ق‪،‬‬
‫فيزيل عنهم التمكني‪ ..‬فإن مل يغريوا ما بأنفسهم امتد هلم التمكني‪.‬‬

‫يقول اهلل عن الكفار‪:‬‬

‫ُك ِّل َش ْي ٍء َح َّتى ِإَذا َفِر ُح وا ِبَم ا‬ ‫ا َل ِه َأ ا‬ ‫( َل ا وا ا ُذِّك وا ِب ِه‬


‫اَّلِذ يَن َظَلُم وا َو اْلَحْم ُد ِلَّل ِه َر ِّب‬ ‫ُأو وا َأ ْذَفا َّم َنُس َفِإَمَذا ُر ِل وَف ‪َ،‬تْحَن ُقِطَع ْي اْمِب ْباَوْلَقَبِم‬
‫ُه ْم ُمْب ُس َن َف َع َد ُر ْو‬ ‫ُت َخ َن ُه ْم َبْغَتًة‬
‫اْلَعاَلِم يَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]45 - 44‬‬

‫بينما يقول عن املؤمنني‪:‬‬

‫(َذِلَك ِبَأَّن الَّلَه َلْم َيُك ُمَغِّيرًا ِنْع َم ًة َأْنَعَم َه ا َعَلى َقْو ٍم َح َّتى ُيَغِّيُر وا َم ا ِبَأْنُفِس ِه ْم )‪.‬‬
‫[سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]53‬‬

‫والفرق الثاني أن " أبواب كل شيء " المفتوحة على الكفار حين يوغلون في‬
‫الكف‪,,‬ر‪ ،‬هي أبواب التمكين الم‪,,‬ادي وح‪,,‬ده‪ ،‬ولكن هن ‪%%‬اك ب ‪%%‬ابني ال يفتح ‪%%‬ان على الكف ‪%%‬ار‬
‫أب‪%%‬دًا ألن اهلل حرمهم‪%%‬ا على الك‪%%‬افرين‪ :‬ب‪%%‬اب البركة‪ ،‬وب‪%%‬اب الطمأنينة‪ ،‬ومها باب‪%%‬ان يفتحهم‪%%‬ا‬
‫اهلل على املؤمنني فحسب‪:‬‬

‫( َل َأَّن َأ اْلُق ى آ وا اَّتَق ا َلَف ا َل ِه َك اٍت ِم الَّس اِء‬


‫َم‬ ‫َن‬ ‫َو ْو ْه َل َر َم ُن َو ْو َتْحَن َع ْي ْم َبَر‬
‫َو اَأْلْر ِض )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]96‬‬

‫(اَّل ِذ يَن آَم ُن وا َو َتْطَم ِئُّن ُقُل وُبُه ْم ِب ِذ ْك ِر الَّل ِه َأال ِب ِذ ْك ِر الَّل ِه َتْطَم ِئُّن اْلُقُل وُب )‪.‬‬
‫[سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]28‬‬

‫ولف‪,,‬ظ البركة ال ينحص‪%%‬ر معن‪%%‬اه يف الرخ‪%%‬اء املادي‪ ..‬إن‪%%‬ه أوس‪%%‬ع وأمشل‪ ..‬ب‪%%‬ل نك‪%%‬اد‬
‫نقول إن‪%‬ه ليس الرخ‪%‬اء املادي أساس‪ً%‬ا ‪ -‬وإن مشله ‪ -‬إمنا ه‪%‬و ش‪%‬يء م‪%‬ا يف حي‪%‬اة الن‪%‬اس جيعله‪%‬ا‬
‫مباركة طيبة وضيئة شفيفة عالية نظيفة تسرتوحها النفس‪.‬‬

‫(‪)54‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وهناك معاٍن لأللفاظ يصعب حتديدها‪ ،‬ولكن من ذاقها عرفها‪.‬‬

‫فالثقة المتبادل‪,,‬ة بني الن‪%%‬اس ن‪%%‬وع من الربك‪%%‬ة‪ .‬والحب المتبادل ن‪%%‬وع من الربك‪%%‬ة‪.‬‬
‫والتعاون على البر والتقوى ن‪%%‬وع من الربك‪%%‬ة‪ .‬وغ‪,‬يرة كل إنسان على عرض أخي‪,‬ه ن‪%%‬وع‬
‫من الربك ‪%%‬ة‪ .‬والحف ‪,,‬اظ على القيم العلي ‪,,‬ا في المجتم ‪,,‬ع ن ‪%%‬وع من الربك ‪%%‬ة‪ .‬والح ‪,,‬رص على‬
‫صالت الرحم نوع من الربك‪%%‬ة‪ .‬وكفالة القادرين لغ‪,‬ير القادرين ن‪%%‬وع من الربك‪%%‬ة‪ .‬وطلب‬
‫العلم لنف‪,,‬ع الناس ن‪%%‬وع من الربك ‪%%‬ة‪ ..‬ومئ‪%%‬ات ومئ‪%%‬ات من املش‪%%‬اعر واألعم‪%%‬ال جتمعه ‪%%‬ا ه ‪%%‬ذه‬
‫اللفظة املفردة‪ ،‬اليت يفيض اهلل عليها من رمحته فيجعلها " بركات "‪.‬‬

‫أم ‪,, ,‬ا الطمأنينة‪ ،‬فاس ‪%% %‬أل عنه ‪%% %‬ا اخلائفني القلقني احلائرين املض ‪%% %‬طربني املتوجس ‪%% %‬ني‬
‫املرهقي األعص ‪%%‬اب من القل ‪%%‬ق واخلوف والت ‪%%‬وجس‪ ..‬إهنم يعرف ‪%%‬ون جي ‪%%‬دًا م ‪%%‬ا يبحث ‪%%‬ون عن ‪%%‬ه‪..‬‬
‫إنهم يبحث ‪,,‬ون عن الطمأنينة! واهلل ي ‪%%‬بني هلم الب ‪%%‬اب ال ‪%%‬ذي ي ‪%%‬ؤدي إليه‪%% %‬ا‪َ( :‬أال ِب ِذ ْك ِر الَّل ِه‬
‫َتْطَم ِئُّن اْلُقُلوُب )‪[ .‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]28‬‬

‫ولعلن‪%%‬ا ال حنت‪%%‬اج أن نق‪%%‬ول إن اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة ب‪%%‬رغم ك‪%%‬ل أدوات التمكني املتاح‪%%‬ة‬
‫هلا من الق ‪%%‬وة احلربي ‪%%‬ة والق ‪%%‬وة السياس ‪%%‬ية والق ‪%%‬وة املادي ‪%%‬ة والق ‪%%‬وة االقتص ‪%%‬ادية والق ‪%%‬وة العلمي ‪%%‬ة‪..‬‬
‫تفتقد الطمأنينة‪ ،‬وتفتقد السعادة ال‪,‬تي ينش‪,‬دها اإلنسان في حيات‪,‬ه‪ .‬واخلم‪%%‬ر واملخ‪%%‬درات‬
‫واجلرمية وحدها دليل على فقدان السعادة والطمأنينة‪ ،‬فضًال عن القلق واالنتحار واجلنون‬
‫واألم‪%%‬راض النفس‪%%‬ية والعص‪%%‬بية‪ .‬ف‪%%‬اخلمر ‪ -‬ومثله‪%%‬ا املخ‪%%‬درات ‪ -‬حماول‪%%‬ة لله‪%%‬روب من الواق‪%%‬ع‪.‬‬
‫فلماذا يسعى الناس للهروب من واقعهم لو كانوا سعداء به!! واجلرمية ل‪%%‬ون من الش‪%%‬عور‬
‫املرضي حنو اجملتمع‪ ،‬يعرب عن عدم الرضا عن هذا اجملتمع‪ ..‬فلماذا تنتشر الجريم‪,,‬ة وت‪,,‬زداد‬
‫نسبتها؟‬

‫أم‪%%‬ا املرح اجملن‪%‬ون ال‪%%‬ذي تغ‪%%‬رق في‪%%‬ه اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة يف حلظ‪%%‬ات " االنفالت "‪ ..‬يف‬
‫املراقص واملالهي واحلان ‪%% %‬ات وعلب اللي ‪%% %‬ل فليس دليًال على الس ‪%% %‬عادة‪ ،‬بل هو أح‪,, ,‬رى أن‬
‫يكون دليًال على فقدانها‪ ،‬وحماول‪%% % %‬ة التع‪%% % %‬ويض املفتع‪%% % %‬ل عن اخلواء النفس‪%% % %‬ي الناش‪%% % %‬ئ من‬
‫فقداهنا‪.‬‬

‫وه ‪%%‬ذه هي الص ‪%%‬ورة الكاحلة للجاهلي‪%%‬ة‪ ،‬ال‪%%‬يت تعج‪%%‬ز عن إخفائه ‪%%‬ا املص ‪%%‬انع الض ‪%%‬خمة‪،‬‬
‫واإلنتاج املادي الكبري‪ ،‬والصواريخ الذاهبة إىل القمر أو إىل املريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪)55‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫س ‪ّ%‬نة أخ‪%%‬رية نش‪%%‬ري إليه‪%%‬ا يف ح‪%%‬ديثنا عن اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة‪ ،‬ك‪%%‬انت قمين‪%%‬ة أن تك‪%%‬ون‬
‫عربة لربوميثيوس املعاصر‪ ،‬لوال أن اجلاهلية قد أصمت أذنيها وأغلقت أعينها عن ك‪%%‬ل ع‪%%‬ربة‬
‫من العرب‪.‬‬

‫(َلُه ْم ُقُلوٌب ال َيْفَق ُه وَن ِبَه ا َو َلُه ْم َأْع ُيٌن ال ُيْبِص ُر وَن ِبَه ا َو َلُه ْم آَذاٌن ال َيْسَم ُعوَن‬
‫ِبَه ا ُأوَلِئَك َك اَأْلْنَعاِم َبْل ُه ْم َأَض ُّل ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَغاِفُلوَن )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]179‬‬

‫يقول تعاىل‪َ( :‬و ال َيَز اُل اَّلِذ يَن َكَف ُر وا ُتِص يُبُه ْم ِبَم ا َص َنُعوا َقاِر َع ٌة َأْو َتُح ُّل َقِر يبًا‬
‫ِم ْن َد اِر ِه ْم َح َّتى َيْأِتَي َو ْعُد الَّلِه)‪[ .‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫إهنا نذر ربانية ال تزال تصيب الكفار حىت يأيت التدمري النه‪%%‬ائي ال‪%%‬ذي توع‪%%‬د اهلل ب‪%%‬ه‬
‫املعاندين املستكربين‪ ..‬وما أكثرها‪ ..‬وما أقل االعتبار‪.‬‬

‫كان يكفي " اإليدز " ليوقظ قلوب الغافلني ويفتح بصائرهم‪ ..‬إنه قارعة بكل ما‬
‫حتمل‪%%‬ه اللفظ‪%%‬ة من مع‪%%‬اٍن ‪ .‬وه‪%%‬و ينتش‪%%‬ر وينتش‪%%‬ر‪ ،‬وهم يف هل‪%%‬ع من‪%%‬ه‪ ،‬وال يس‪%%‬تطيعون وقف‪%%‬ه عن‬
‫االنتشار‪.‬‬

‫وكان يكفي االنتشار البشع ألمراض السرطان‪.‬‬

‫وكان يكفي ما يهدد غالف األوزون‪ ،‬وما يه‪%%‬دد ب‪%‬ه التغ‪%%‬ري الواق‪%‬ع ب‪%‬ه من ح‪%‬دوث‬
‫طوفان كطوفان نوح‪..‬‬

‫وكان يكفي الفساد ذاته‪ ،‬احلادث على وج‪%%‬ه األرض يف ك‪%%‬ل اجتاه ل‪%%‬ريد الن‪%%‬اس إىل‬
‫رهبم‪:‬‬

‫(َظَه َر اْلَف َس اُد ِفي اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر ِبَم ا َك َس َبْت َأْي ِد ي الَّناِس ِلُي ِذ يَق ُه ْم َبْعَض اَّل ِذ ي‬
‫َعِم ُلوا َلَعَّلُه ْم َيْر ِج ُعوَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]41‬‬

‫كان يكفي هذا كله ليوقن الناس أن س‪,‬نن اهلل ماض‪,‬ية في حي‪,‬اتهم‪ ،‬وأهنم ليس‪%%‬وا‬
‫ناجني منها مهما خيل إليهم أهنم ناجون‪ ،‬ومهما ظنوا أهنم قادرون‪ ،‬وأهنم عاملون!‬

‫لقد قال ق‪%%‬ارون من قب‪%%‬ل حنب عاتب‪%%‬ه قوم‪%%‬ه‪ِ " :‬إَّنَم ا ُأوِتيُتُه َعَلى ِع ْلٍم ِع ْن ِد ي "! متام‪ً%‬ا‬
‫ِم ِل ِه ِم‬
‫كم ‪%%‬ا تق‪%% %‬ول اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص‪%% %‬رة‪ .‬وق ‪%%‬ال اهلل‪َ( :‬أَو َلْم َيْع َلْم َأَّن الَّل َه َق ْد َأْه َل َك ْن َقْب َن‬
‫اْلُقُر وِن َمْن ُه َو َأَش ُّد ِم ْنُه ُقَّو ًة َو َأْك َثُر َجْم عًا)‪[ .‬سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.]78‬‬

‫(‪)56‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َح َّتى ِإَذا َأَخ َذ ِت اَأْلْرُض ُز ْخ ُر َفَه ا َو اَّز َّيَنْت َو َظَّن َأْه ُلَه ا َأَّنُه ْم َق اِد ُروَن َعَلْيَه ا‬
‫َأَتاَه ا َأْم َنا َلْيًال َأ َه ارًا َف ْلَناَه ا ِص يدًا َك َأْن َل ْغ ِب اَأْلْم ِس َك َذ ِلَك َف ِّص اآْل ي‪,‬اِت‬
‫ُن ُل‬ ‫ْم َت َن‬ ‫َح‬ ‫َجَع‬ ‫ْو َن‬ ‫ٍم ُر‬
‫ِلَق ْو َيَتَف ُر وَن )‪[ .‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.]24‬‬ ‫َّك‬

‫وقب‪%%‬ل عش‪%%‬ر س‪%%‬نوات أو عش‪%%‬رين مل يكن الن‪%%‬اس يص‪%%‬دقون أن ه‪%%‬ذه اجلاهلي‪%%‬ة ميكن ان‬
‫تنه‪%%‬ار! وم‪%%‬ا زال ق‪%%‬وم يعتق‪%%‬دون أهنا ال ميكن أن تبي‪%%‬د أب‪%%‬دًا‪ ..‬ولكن قوم ‪ً%‬ا من عقالء اجلاهلي‪%%‬ة‬
‫ذاهتا بدأوا يرون بوادر االهنيار‪.‬‬

‫ومهما يكن االهنيار بطيئًا ‪ -‬بسبب ما يبذل أهل الجاهلية من جهد في الحفاظ‬
‫عليها ‪ -‬فإن االهنيار سّنة حتمية‪.‬‬

‫( َه ْنُظ وَن ِإاَّل َّنَت اَأْلَّو ِلي َل َتِج َد ِل َّنِت الَّلِه ْبِد يًال َل َتِج َد ِل َّنِت‬
‫ُس‬ ‫َت َو ْن‬ ‫ُس‬ ‫َن َف ْن‬ ‫ُس‬ ‫َف ْل َي ُر‬
‫الَّلِه َتْح ِو يًال)‪[ .‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.]43‬‬

‫(‪)57‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫السيطرة العالمية لليهود‬


‫أوال‪ :‬تمهيد في المخططات اليهودية‬
‫لليهود خمطط‪%‬ات أص‪%%‬بحت الي‪%‬وم معروف‪%‬ة مكش‪%‬وفة‪ ،‬بع‪%%‬د أن ك‪%‬انوا يعتربوهنا أس‪%‬رارًا‬
‫ال جيوز ألح‪%%‬د أن يطل‪%‬ع عليه‪%%‬ا‪ ،‬ب‪%%‬ل أص‪%%‬بحوا الي‪%%‬وم هم ال‪%%‬ذين يس‪%%‬عون إىل كش‪%%‬فها‪ ،‬والتب‪%%‬اهي‬
‫بقدرهتم على تنفيذها وحتقيقها رغم أنف العامل كله!‬

‫والس‪%% %‬بب يف التس‪%% %‬رت عليه‪%% %‬ا يف املاض‪%% %‬ي ك‪%% %‬ان خ‪%% %‬وفهم من أن ي‪%% %‬ؤدي كش‪%% %‬فها إىل‬
‫إحباطها والوقوف يف سبيلها‪ .‬أما اليوم وقد ملكوا ناصية األمر‪ ،‬وتمكنوا من التنفي‪,‬ذ فلم‬
‫يع‪%% %‬د يض‪%% %‬ريهم أن تنكش‪%% %‬ف خمطط‪%% %‬اهتم‪ ،‬ب‪%% %‬ل ص‪%% %‬اروا يس‪%% %‬تخدمون كش‪%% %‬فها أداة لتخ‪%% %‬ذيل "‬
‫األمميين " عن مقاومتهم‪ ،‬إذ يوح‪%‬ون إليهم أن ك‪%‬ل م‪%‬ا خطط‪%‬وه ق‪%‬د نف‪%‬ذوه‪ ،‬فال يقفن أح‪%‬د‬
‫يف س‪%%‬بيلهم!! ومن مث ص‪%%‬اروا هم الي‪%%‬وم ال‪%%‬ذين ينش‪%%‬رون الكتب ال‪%%‬يت حتوي خمطط‪%%‬اهتم‪ ،‬وال‪%%‬يت‬
‫ك ‪%% % %‬انوا خيفوهنا من قب ‪%% % %‬ل ويس ‪%% % %‬حبوهنا من األس ‪%% % %‬واق كلم ‪%% % %‬ا نش ‪%% % %‬رت‪ ،‬وخباص ‪%% % %‬ة كت ‪%% % %‬اب "‬
‫البروتوكوالت "‪ ،‬وكتاب " الحكومة الخفية "‪ ،‬وكتاب " أحجار على رقع‪,,‬ة الش‪,,‬طرنج‬
‫"!‬

‫وحني نتكلم عن خمطط‪%%‬اهتم‪ ،‬فال نقص‪%%‬د بطبيع‪%%‬ة احلال تفاص‪%%‬يل م‪%%‬ا يدبرون‪%%‬ه ‪ -‬ك‪%%‬ل‬
‫يوم ‪ -‬من مؤمرات و " عمليات " لتنفيذ أهدافهم‪ ،‬فمن البديهي أن هذه األمور حيتفظ‪%%‬ون‬
‫بس‪%%‬ريتها‪ ،‬كم‪%%‬ا تفع‪%%‬ل ك‪%%‬ل دول‪%%‬ة أو مجاع‪%%‬ة من البش‪%%‬ر هلا أه‪%%‬داف ختش‪%%‬ى من انكش‪%%‬افها قب‪%%‬ل‬
‫موعدها‪ .‬إمنا نقصد األهداف العامة التي يخطون للوصول إليه‪,‬ا‪ ،‬والسياس‪,‬ة العام‪,‬ة ال‪,‬تي‬
‫يتبعونه‪,,‬ا للوص‪,,‬ول إلى تلك األهداف‪ ،‬وال ‪%%‬يت أص ‪%%‬بحت الي ‪%%‬وم من " المعلوم من الواق‪,,‬ع‬
‫بالضرورة "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لليه ‪%%‬ود مص ‪%%‬دران يوحي ‪%%‬ان إليهم بأه ‪%%‬داف وج ‪%%‬ودهم‪ ،‬ومنهج وص ‪%%‬وهلم إىل حتقي ‪%%‬ق‬
‫أهدافهم‪ ،‬هعما التوراة والتلمود‪.‬‬

‫التوراة هي الكتاب السماوي املنزل إليهم على موسى علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم (وقد أدخلوا‬
‫عليه تحريفات عدة)‪.‬‬

‫(‪)58‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫والتلمود هو كتاب مؤلف‪ ،‬جيمع حكمة حكم‪%‬ائهم‪ ،‬ووص‪%‬ايا ق‪%‬ادهتم وم‪%‬وجهيهم‪،‬‬


‫وم‪%%‬ع أن‪%%‬ه بش‪%%‬ري املص‪%%‬در إال أن ل‪%%‬ه قداس‪,‬ة في نفوس‪,‬هم أشد من قداس‪,‬ة الكت‪,‬اب الم‪,‬نزل‪،‬‬
‫الذي حرفوا فيه ما شاء هلم اهلوى أن حيرفوه‪.‬‬

‫والكتاب‪%% %‬ان مع ‪ً% %‬ا هلم‪%% %‬ا تأثري ق‪%% %‬وي يف تش‪%% %‬كيل " النفسية اليهودي ‪,,‬ة " و " العقلي ‪,,‬ة‬
‫اليهودية " و " المخططات اليهودية "‪.‬‬

‫وخالصة التوجيه املستمد من الكتابني مع ‪ً%‬ا أن اليهود شعب متم‪,,‬يز عن كل أهل‬


‫األرض‪ ،‬ألنه شعب اهلل المختار‪ ،‬الذي اختاره اهلل لمزايا معينة تتوفر فيه وال تت‪,,‬وفر في‬
‫غ‪,,‬يره‪ ،‬وأن من حقه ‪ -‬إن لم يكن من واجبه ‪ -‬أن يسود الع‪,,‬الم كله ويسيطر علي‪,,‬ه‪،‬‬
‫ويتخذه عبيدًا له‪ ،‬مسخرين لقضاء مصالحه وتحقيق أهدافه‪.‬‬

‫ورمبا ك‪%%‬ان أب‪%%‬رز عب‪%%‬ارتني يف الت‪%%‬وراة والتلم‪%%‬ود‪ ،‬تش‪%%‬كالن الوض‪%%‬ع اليه‪%%‬ودي ‪ -‬أو ق‪%%‬ل‬
‫إن ش ‪%%‬ئت " األزم ‪,,‬ة اليهودي ‪,,‬ة " ‪ -‬مها ق ‪%%‬ول الت ‪%%‬وراة‪ " :‬وكلم ال ‪%%‬رب اإلل ‪%%‬ه إس ‪%%‬رائيل ق ‪%%‬ائًال‪:‬‬
‫سأنزل يا إسرائيل‪ ،‬وأضع السيف في يدك‪ ،‬وأقطع رقاب األمم وأستذلها ل‪,,‬ك "‪ .‬وق‪%%‬ول‬
‫التلم ‪%%‬ود‪ " :‬األممي ‪,,‬ون (‪ )51‬هم الحم ‪,,‬ير ال ‪,,‬ذين خلقهم اهلل ل ‪,,‬يركبهم شعب اهلل المخت ‪,,‬ار‪،‬‬
‫وكلما نفق منهم حمار ركبنا حمارًا آخر "!‬

‫هذا هو التوجيه‪ ،‬وهذه هي أزمة البشرية مع اليهود!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" الَّلُه َأْع َلُم َح ْيُث َيْجَعُل ِر َس اَلَتُه " [سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.]124‬‬

‫ولق‪%% %‬د اخت‪%% %‬ار اهلل ب‪%% %‬ين إس‪%% %‬رائيل بالفع‪%% %‬ل ذات ي‪%% %‬وم حلم‪%% %‬ل رس‪%% %‬الته‪ ،‬وفض‪%% %‬لهم على‬
‫العاملني‪ ،‬ومل يقل اهلل لنا يف كتابه العزيز ‪ -‬وال يف سنة رسوله ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪ -‬ملاذا‬
‫اخت‪%‬ار ب‪%‬ين إس‪%‬رائيل بال‪%‬ذات حلم‪%‬ل الرس‪%‬الة‪ ،‬وفض‪%‬لهم ه‪%‬ذا التفض‪%‬يل‪ ،‬إال م‪%‬ا ي‪%‬رد من عب‪%‬ارات‬
‫عامة يف القرآن الكرمي‪ ،‬من مثل قوله تعاىل‪َ( :‬و الَّلُه ُيْؤ ِتي ُمْلَك ُه َمْن َيَش اُء)‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪،‬‬
‫اآلية ‪ .]247‬أو قوله تعاىل‪َ( :‬يْخ َتُّص ِبَر ْح َم ِتِه َمْن َيَش اُء)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]74‬‬

‫‪ )?(51‬األممي ‪%%‬ون هم ك ‪%%‬ل " األمم " من غ ‪%%‬ري اليه ‪%%‬ود‪ ،‬وهي ترمجة للكلم ‪%%‬ة العربي ‪%%‬ة " ج ‪%%‬وييم " وق ‪%%‬د نش ‪%%‬أت‬
‫عندهم من تقسيم البشر إىل فئتني‪ ،‬اليهود من جهة‪ ،‬وكل األمم من غري اليهود من جهة أخرى‪.‬‬

‫(‪)59‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وال جدال يف أن اهلل قد اخت‪%‬ارهم ذات ي‪%‬وم ألداء رس‪%‬الته‪ ،‬وفض‪%‬لهم يف وقته‪%‬ا على‬
‫ع‪%‬املي زم‪%‬اهنم حلكم‪%‬ة معين‪%‬ة ‪ -‬علمناه‪%‬ا أو جلهناه‪%‬ا ‪ -‬ولكن مش‪%‬كلة ه‪%‬ذا الش‪%‬عب أن‪%‬ه يص‪%‬ر‬
‫على أن ‪%%‬ه م ‪%%‬ا زال إىل ه ‪%%‬ذه اللحظ ‪%%‬ة ه ‪%%‬و " شعب اهلل المخت ‪,,‬ار " ال ‪%%‬ذي من حق ‪%%‬ه أن يقط ‪%%‬ع‬
‫رق ‪%% %‬اب األمم ويس ‪%% %‬تذهلا‪ ،‬ومن حق ‪%% %‬ه أن " يستحمرها " ويس ‪%% %‬خرها لتنفي ‪%% %‬ذ مآرب ‪%% %‬ه‪ ،‬رغم‬
‫النصوص الكث‪%%‬رية ال‪%%‬واردة يف الت‪%%‬وراة ذاهتا بلعنهم وإعالن الغضب عليهم‪ ،‬فض‪ً%‬ال عم‪%%‬ا ورد‬
‫يف اإلجني‪%%‬ل والق‪%%‬رآن‪ .‬فق‪%%‬د تك‪%%‬رر يف الت‪%%‬وراة ورود ه‪%%‬ذا التعب‪%%‬ري‪ " :‬وحمي غضب الرب على‬
‫شعبه "‪ ،‬كم ‪%%‬ا تك ‪%%‬رر يف اإلجني‪%%‬ل ق ‪%%‬ول عيس ‪%%‬ى علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم لليه ‪%%‬ود‪ " :‬ي ‪%%‬ا أوالد األف ‪%%‬اعي! "‬
‫وقوله هلم‪ " :‬أنتم شعب صلب الرقبة "!‬

‫وال يفوتنا وحنن نستشهد بكلمات من الت‪%‬وراة أهنا ق‪%‬د ح‪%‬رفت حتريف‪ً%‬ا كث‪%‬ريًا‪ ،‬غّطى‬
‫على األص‪%% %‬ل املنزل من عن‪%% %‬د اهلل‪ ،‬ولكن االستش‪%% %‬هاد بتل‪%% %‬ك الكلم‪%% %‬ات يف اجملال ال‪%% %‬ذي حنن‬
‫بصدده أبلغ داللة‪ .‬ذلك أنه على ال‪%‬رغم من أهنم حرفوه‪%‬ا لتواف‪%‬ق أه‪%‬واءهم وأم‪%‬زجتهم ف‪%‬إهنم‬
‫لم يستطيعوا أن يحذفوا منها كل ما ورد فيها من أنباء غضب اهلل عليهم ولعنه لهم‪.‬‬

‫أم ‪%%‬ا يف الق ‪%%‬رآن الك ‪%%‬رمي‪ ،‬كالم اهلل احلق ال ‪%%‬ذي ال يأتي ‪%%‬ه الباط ‪%%‬ل من بني يدي ‪%%‬ه وال من‬
‫خلفه‪ ،‬فقد ج‪%‬اء الكالم عن ب‪%‬ين إس‪%‬رائيل مفص‪ً%‬ال يف مواض‪%‬ع كث‪%‬رية‪ ،‬حلكم‪%‬ة يعلمه‪%‬ا اهلل‪ ،‬ق‪%‬د‬
‫يكون من بني جوانبها أن اهلل يعرض على املس‪%‬ملني أنب‪%‬اء األم‪%‬ة الس‪%‬ابقة ال‪%‬يت ن‪%‬زل هلا كت‪%‬اب‬
‫من عن‪%% %‬د اهلل‪ ،‬وأعزه‪%% %‬ا اهلل بالكت‪%% %‬اب املنزل‪ ،‬ومّك ن هلا يف األرض‪ ،‬فلم ترع الكت‪%% %‬اب ح‪%% %‬ق‬
‫رعايت‪%%‬ه‪ ،‬فنزع اهلل السلطان منه‪,‬ا وأذله‪,‬ا‪ ،‬وحّك م أعداءها في أمرها‪ .‬لع‪%%‬ل األم‪%%‬ة املس‪%%‬لمة‬
‫‪ -‬وهي األم‪%%‬ة الثاني‪%%‬ة ال‪%%‬يت ن‪%%‬زل هلا كت‪%%‬اب من عن‪%%‬د اهلل‪ ،‬وأعزه‪%%‬ا اهلل بالكت‪%%‬اب املنزل‪ ،‬ومّك ن‬
‫هلا يف األرض ‪ -‬أن تح‪,,‬ذر الوق‪,,‬وع فيم‪,,‬ا وقعت في‪,,‬ه األم‪,,‬ة األولى‪ ،‬فيناله‪,,‬ا م‪,,‬ا نال األم‪,,‬ة‬
‫األولى من العقاب (‪.)52‬‬

‫يف القرآن الكرمي جند قص‪%‬ة ب‪%‬ين إس‪%‬رائيل كامل‪%‬ة ومفص‪%‬لة‪ ،‬من أول ج‪%‬دهم إب‪%‬راهيم‬
‫علي‪%% %‬ه الس‪%% %‬الم إىل أبيهم يعق‪%% %‬وب (إس‪%% %‬رائيل) إىل يوس‪%% %‬ف إىل موس‪%% %‬ى ‪ -‬عليهم ص‪%% %‬لوات اهلل‬
‫وس ‪%%‬المه ‪ -‬إىل اض ‪%%‬طهادهم يف مص ‪%%‬ر على ي ‪%%‬د الفرع ‪%%‬ون‪ ،‬وخالص ‪%%‬هم على ي ‪%%‬د موس ‪%%‬ى علي ‪%%‬ه‬
‫الس‪%%‬الم‪ ،‬ودخ‪%%‬وهلم األرض املقدس‪%%‬ة من بع‪%%‬د موس‪%%‬ى ‪ -‬بع‪%%‬د تقاعس‪%%‬هم وختاذهلم عن دخوهلا‬
‫أي‪%%‬ام موس‪%%‬ى‪ ،‬وتيههم أربعني س‪%%‬نة يف أرض س‪%%‬يناء ‪ -‬مث التمكني هلم يف أي‪%%‬ام داود وس‪%%‬ليمان‬
‫عليهما السالم‪ ،‬مث كفرهم وطردهم من رمحة اهلل‪ ،‬وتأذن رب الع‪%%‬املني أن يس‪%%‬لط عليهم إىل‬

‫‪ )?(52‬يالحظ أنه رغم هذا التحذير الواضح وقع املسلمون يف كثري مما وقع فيه بنو إس‪%‬رائيل‪ ،‬ون‪%‬اهلم ش‪%‬يء‬
‫مما ن ‪%%‬اهلم من العق ‪%%‬اب‪ ،‬وإن ك ‪%%‬ان اهلل مل يكتب عليهم اللعن ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت كتبه ‪%%‬ا على ب ‪%%‬ين إس ‪%%‬رائيل‪ ،‬ألهنم دائم ‪ً%‬ا‬
‫يعودون‪ ،‬ويبعث اهلل هلم على رأس كل قرن من جيدد هلم أمر دينهم‪.‬‬

‫(‪)60‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ي‪%% %‬وم القيام‪%% %‬ة من يس‪%% %‬ومهم س‪%% %‬وء الع‪%% %‬ذاب‪ ..‬مث م‪%% %‬وقفهم من حمم‪%% %‬د ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم‬
‫ورس‪%% %‬الته‪ ،‬وإب‪%% %‬ائهم اإلس‪%% %‬الم (‪ ،)53‬ورمسهم بالض‪%% %‬الل‪ ،‬ولعنهم إىل ي‪%% %‬وم القيام‪%% %‬ة‪ ،‬وتوع‪%% %‬دهم‬
‫باخللود يف النار‪.‬‬

‫وجتيء قصة اختيار بين إسرائيل وتفضيلهم على العاملني يف مثل هذه اآليات‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِم ِف‬ ‫ِئ ِم‬ ‫ِن‬
‫ِف (َو َلَق ْد َنِدَّج ْيَن ا َب ي ِإْس َر ا يَلِع َن اْلَع َذ اِب اِمْلُم ِه يِن ‪ ،‬ن ْر َع ْو َن ِإَّن ُه ِتَك اَن َعِفا ًيِه ا ِّمَن‬
‫اْلُمْس ِر يَن ‪َ ،‬و َلَق اْخ َتْر َناُه ْم َعَلى ْلٍم َعَلى اْلَع اَل يَن ‪َ ،‬و آَتْيَن اُه م ِّمَن اآْل َيا َم ا ي‪َ ,‬باَل ء‬
‫ُّمِبيٌن ) [سورة الدخان‪ ،‬اآليات ‪.]32 - 30‬‬

‫(َي ا َبِني ِإْس رائيَل اْذُك ُر وا ِنْع َم ِتَي اَّلِتي َأْنَعْم ُت َعَلْيُك ْم َو َأِّني َفَّض ْلُتُك ْم َعَلى‬
‫اْلَعاَلِم يَن ) [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]47‬‬

‫(َو َأْو َر ْثَنا اْلَق ْو َم اَّلِذ يَن َك اُنوا ُيْس َتْض َعُفوَن َم َش اِر َق اَأْلْر ِض َو َم َغاِر َبَه ا اَّلِتي َباَر ْك َن ا‬
‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِف‬
‫يَه ا َو َتَّم ْت َك َم ُت َر ِّبَك اْلُحْس َنى َعَلى َب ي ِإْس رائيَل ِبَم ا َص َبُر وا َو َدَّمْر َنا َم ا َك اَن َيْص َنُع‬
‫ِفْر َعْو ُن َو َقْو ُمُه َو َم ا َك اُنوا َيْع ِر ُش وَن ) [سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]137‬‬

‫كم‪%% %‬ا جييء ذك‪%% %‬ر غض‪%% %‬ب اهلل عليهم ولعنهم ‪ -‬بس‪%% %‬بب كف‪%% %‬رهم ‪ -‬يف مث‪%% %‬ل ه‪%% %‬ذه‬
‫اآليات‪:‬‬

‫ِع‬ ‫ِم ِدِه ِب‬ ‫ِك‬


‫ِت (َو َلَق ْد آِبَتْيَن ا ُموَس ى اْل َت اَّلَب َو َقَّف ْيَن ا ن َبْع ِب الُّر ُس ِل َو آَتْيَن ا يَس ى اْبَن َم ْر َيَم‬
‫اْلَبِّيَنا َو َأَّيْدَناُه ُر وِح اْلُقُد ِس َأَفُك َم ا َج اءُك ْم َرُس وٌل َم ا َال َتْه َو ى َأنُفُس ُك ُم اْس َتْك َبْر ُتْم‬
‫َفَف ِر يقًا َك َّذ ْبُتْم َو َفِر يقًا َتْق ُتُل وَن ‪َ ،‬و َق اُلوْا ُقُلوُبَن ا ُغْل ٌف َبل َّلَعَنُه ُم الَّل ه ِبُكْف ِر ِه ْم َفَق ِليًال َّم ا‬
‫ُيْؤ ِم ُنوَن ‪َ ،‬و َلَّم ا َج اءُه ْم ِكَتاٌب ِّمْن ِع نِد الّلِه ُمَص ِّد ٌق ِّلَم ا َم َعُه ْم َو َك اُنوْا ِم ن َقْبُل َيْسَتْف ِتُح وَن‬
‫َعَلى اَّل ِذ يَن َكَف ُر وْا َفَلَّم ا َج اءُه م َّم ا َعَر ُف وْا َكَف ُر وْا ِب ِه َفَلْعَن ُة الَّل ه َعَلى اْلَك اِفِر يَن ‪ِ ،‬بْئَس َم ا‬
‫اْش َتَر ْو ْا ِبِه َأنُفَس ُه ْم َأن َيْك ُفُر وْا ِبَم ا أَنَز َل الّلُه َبْغيًا َأن ُيَنِّز ُل الّلُه ِم ن َفْض ِلِه َعَلى َم ن َيَش اء‬
‫ِم ْن ِع َباِدِه َفَبآُؤ وْا ِبَغَض ٍب َعَلى َغَض ٍب َو ِلْلَك اِفِر يَن َع َذ اٌب ُّمِه يٌن )‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ات‬
‫‪.]90 - 87‬‬

‫(َو ُض ِر َبْت َعَلْيِه ُم الِّذ َّل ُة َو اْلَمْس َك َنُة َو َب اُءوا ِبَغَض ٍب ِم َن الَّل ِه َذِل َك ِب َأَّنُه ْم َك اُنوا‬
‫َيْك ُف ُر وَن بآَي اِت الَّل ِه َو َيْق ُتُل وَن الَّنِبِّييَن ِبَغْي ِر اْلَح ِّق َذِل َك ِبَم ا َعَص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَت ُد وَن )‪.‬‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫‪ )?(53‬إال قليًال منهم‪.‬‬

‫(‪)61‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِإ ِن‬
‫َكَفِمُر وْا َبْع َد ِئ يَم ا ِه ْم َو َش ِه ُد وْا َأَّن ِهالَّر ُس وَل َحِهٌّق َو َج اءِئُه ِةُم‬ ‫(َك ْيَف َيْه ِد ي الّلُه َقْو ًم ا‬
‫ِل‬
‫اْلَبِّيَناُت َو الّلُه َال َيْه ِد ي اْلَق ْو َم الَّظا يَن ‪ُ ،‬أْو َل َك َجَز آُؤ ُه ْم َأَّن َعَلْي ْم َلْعَنَة الّل َو اْلَم آل َك‬
‫َّل ِذ‬ ‫ِل ِد ِف‬ ‫ِع‬
‫َو الَّن اِس َأْج َم يَن ‪َ ،‬خ ا يَن يَه ا َال ُيَخ َّف ُف َعْنُه ُم اْلَع َذ اُب َو َال ُه ْم ُينَظ ُر وَن ‪ِ ،‬إَّال ا يَن‬
‫َت اُبوْا ِم ن َبْع ِد َذِل َك َو َأْص َلُح وْا َف ِإ َّن اهلل َغُف وٌر َّر ِح يٌم) [س‪%%‬ورة آل عم‪%%‬ران‪ ،‬اآلي‪%%‬ات ‪- 86‬‬
‫‪.]89‬‬

‫تل‪%% %‬ك قص‪%% %‬ة ب‪%% %‬ين إس‪%% %‬رائيل من حني اص‪%% %‬طفاء اهلل هلم حين كانوا على الح ‪,,‬ق‪ ،‬إىل‬
‫وقوع الكفر من جانبهم واستحقاقهم للغضب واللعنة من اهلل‪:‬‬

‫ِل‬ ‫ِب‬ ‫ِت ِه ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِب ِض‬


‫(َف َم ا َنْق ِه م ِّميَث اَقُه ْم َوِب ُكْف ِرِه م َبآَيا ِم الّل ِإَو َقْت ِهِل ُم اَألْن ِبَي اء ِبَغِهْي ِر َح ًّق ِل َو َقْو ِه ْم‬
‫ُقُلوُبَنا ُغْلٌف َبْل َطَبَع الّلُه َعَلْيَه ا ُكْف ِر ْم َفَال ُيْؤ ُنوَن َّال َق يًال‪َ ،‬و ُكْف ِر ْم َو َقْو ِه ْم َعَلى‬
‫ِع‬ ‫ِل‬
‫َمْر َيَم ُبْهَتاًنا َعِظ يًم ا‪َ ،‬و َقْو ِه ْم ِإَّنا َقَتْلَن ا اْلَم ِس يَح يَس ى اْبَن َم ْر َيَم َرُس وَل الّل ِه َو َم ا َقَتُل وُه‬
‫َو َم ا َص َلُبوُه َو َلِكن ُش ِّبَه َلُه ْم َو ِإَّن اَّلِذ يَن اْخ َتَلُفوْا ِفيِه َلِف ي َش ٍّك ِّم ْن ُه َم ا َلُه م ِب ِه ِم ْن ِع ْلٍم ِإَّال‬
‫اِّتَباَع الَّظِّن َو َم ا َقَتُلوُه َيِق يًنا‪َ ،‬بل َّر َفَعُه الّل ُه ِإَلْي ِه َو َك اَن الّل ُه َعِز ي‪ً,‬ز ا َح ِكيًم ا‪َ ،‬و ِإن ِّمْن َأْه ِل‬
‫َّل ِذ‬ ‫ِب‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِتِه‬ ‫ِم ِب ِه‬ ‫ِك‬
‫اْل َت اِب ِإَّال َلُيْؤ َنَّن َقْب َل َمْو َو َيْو َم اْل َياَم َيُك وُن َعَلْيِه ْم َش ِه يًد ا‪َ ،‬ف ُظْلٍم ِّمَن ا يَن‬
‫َه اُدوْا َح َّر ْم َن ا َعَلْيِه ْم َطِّيَب اٍت ُأِح َّلْت َلُه ْم َو ِبَص ِّد ِه ْم َعن َس ِبيِل الّل ِه َك ِث يًر ا‪َ ،‬و َأْخ ِذِه ُم الِّر َبا‬
‫َو َق ْد ُنُه وْا َعْن ُه َو َأْك ِلِه ْم َأْم َو اَل الَّن اِس ِباْلَباِط ِل َو َأْع َت ْدَنا ِلْلَك اِفِر يَن ِم ْنُه ْم َع َذ اًبا َأِليًم ا)‪.‬‬
‫[سورة النساء‪ ،‬اآليات ‪.]161 - 155‬‬

‫تل ‪%%‬ك ص ‪%%‬حيفة ج ‪%%‬رائمهم‪ ،‬أو تل ‪%%‬ك أب ‪%%‬رز " أعم ‪%%‬اهلم اجملي ‪%%‬دة! " ال ‪%%‬يت اس ‪%%‬تحقوا عليه ‪%%‬ا‬
‫اللعنة والط‪,,‬رد من رحم‪,,‬ة اهلل‪ .‬ولكنهم يتش‪%%‬بثون دائم ‪ً%‬ا بعه‪%%‬د االص‪%%‬طفاء األول ويتش‪%%‬دقون‬
‫به‪ ،‬ويغضون الطرف عما أحدثوا بعده‪ ،‬مما أدى هبم إىل اس‪%%‬تحقاق اللعن‪%%‬ة إىل ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة‪..‬‬
‫ويزعم‪%%‬ون أهنم م‪%%‬ا زال‪%%‬وا " شعب اهلل المخت‪,,‬ار "‪ ،‬وأن موع‪%%‬وده ق‪%%‬ائم بالنس‪%%‬بة هلم‪ ،‬فم‪%%‬ا زال‬
‫من حقهم ‪ -‬إن مل يكن واجبهم ‪ -‬أن يقطع‪%% % % % % % % %‬وا رق‪%% % % % % % % %‬اب األمم ويس‪%% % % % % % % %‬تذلوها هلم‪ ،‬وأن‬
‫يستحمروا األمميني ويسخروهم خلدمتهم‪.‬‬

‫وتلك أزمتهم وأزمة البشرية معهم!‬

‫فهم من جهة يزعمون أهنم مض‪%‬طهدون بغ‪%‬ري ذنب‪ ،‬وأن من حقهم من أج‪%‬ل ذل‪%‬ك‬
‫أن ينتقموا من كل البشرية!‬

‫ويزعمون من جهة أخ‪%‬رى أهنم ‪ -‬ب‪%‬ذواهتم‪ ،‬أو جبنس‪%‬هم‪ ،‬أو ب‪%‬دمهم‪ ،‬أو بنس‪%‬بهم ‪-‬‬
‫شعب له مميزات خاصة تؤهله حلكم البشرية كلها وإخضاعها!‬

‫(‪)62‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن كلتا " العقدتني " تنطلق خمططاته الشريرة لنشر الفساد يف األرض‪.‬‬

‫فلق ‪%%‬د علم‪%%‬وا ‪ -‬من خ‪%%‬ربهتم الطويل‪%%‬ة‪ ،‬ومن تدبر الكتب املنزل‪%%‬ة ‪ -‬أن ق‪%%‬وة اإلنس‪%%‬ان‬
‫احلقيقية هي يف عقيدته وأخالقه‪ .‬وأن اإلنسان صاحب العقيدة واألخالق الفاض‪%%‬لة ال ميكن‬
‫أن " يستحمر " وال أن يس‪%%‬خر للفس‪%%‬اد‪ .‬إمنا يس‪%%‬تحمر إذا ختلى عن عقيدته وأخالق‪%%‬ه‪ ،‬وق‪%%‬د‬
‫وصف اهلل اليهود أنفسهم‪ ،‬وغريهم ممن بدل دينه وكفر‪ ،‬بأهنم محر ضالة‪:‬‬

‫(َم َث ُل اَّل ِذ يَن ُح ِّم ُل وا الَّتْو َر اَة ُثَّم َلْم َيْح ِم ُلوَه ا َك َم َث ِل اْلِح َم اِر )‪[ .‬س ‪%%‬ورة اجلمع ‪%%‬ة‪،‬‬
‫اآلية ‪.]5‬‬

‫(َفَم ا َلُه ْم َعِن الَّتْذ ِكَر ِة ُمْع ِر ِض يَن ‪َ ،‬ك َأَّنُه ْم ُحُم ٌر ُمْس َتْنِف َر ٌة‪َ ،‬فَّر ْت ِم ْن َقْس َو َر ٍة)‪.‬‬
‫[سورة املدثر‪ ،‬اآليات ‪.]51 - 49‬‬

‫(َلُه ْم ُقُلوٌب ال َيْفَق ُه وَن ِبَه ا َو َلُه ْم َأْع ُيٌن ال ُيْبِص ُر وَن ِبَه ا َو َلُه ْم آَذاٌن ال َيْسَم ُعوَن‬
‫ِبَه ا ُأوَلِئَك َك اَأْلْنَعاِم َبْل ُه ْم َأَض ُّل ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَغاِفُلوَن )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]179‬‬

‫وإذ أدرك اليهود تلك احلقيق‪%%‬ة‪ ،‬وك‪%%‬ان من ه‪%%‬دفهم استحمار األمم‪,‬يين ل‪,‬يركبوهم‪،‬‬
‫فق ‪%%‬د عمل ‪%%‬وا جاه ‪%%‬دين من ‪%%‬ذ ب ‪%%‬دءوا احنرافهم وكف ‪%%‬رهم‪ ،‬إىل إفساد عقائ ‪,,‬د الناس وإفساد‬
‫أخالقهم بك ‪%%‬ل الوس ‪%%‬ائل ال ‪%%‬يت تؤدي إىل الفس ‪%%‬اد‪ ،‬ليظف ‪%%‬روا هبدفهم الش ‪%%‬يطاين الش ‪%%‬رير‪ ،‬واهلل‬
‫يصفهم يف كتابه املنزل بالفس‪%‬اد واإلفس‪%‬اد‪ ،‬وأن ذل‪%‬ك ق‪%‬د أص‪%‬بح جبل‪%‬ة فيهم‪ ،‬ال تزول عنهم‬
‫وال يعملون على تغيريها‪.‬‬

‫(َو َيْس َعْو َن ِفي اَأْلْر ِض َفَس ادًا َو الَّل ُه ال ُيِح ُّب اْلُم ْف ِس ِد يَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة املائ‪%%‬دة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]64‬‬

‫(َو َتَر ى َك ِث يرًا ِم ْنُه ْم ُيَس اِر ُعوَن ِفي اِأْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن َو َأْك ِلِه ُم الُّس ْح َت َلِبْئَس َم ا‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]62‬‬

‫(ُلِعَن اَّل ِذ يَن َكَف ُر وا ِم ْن َبِني ِإْس رائيَل َعَلى ِلَس اِن َد اُو َد َو ِع يَس ى اْبِن َم ْر َيَم َذِل َك‬
‫ِبَم ا َعَص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَت ُد وَن ‪َ ،‬ك اُنوا ال َيَتَن اَه ْو َن َعْن ُمْنَك ٍر َفَعُل وُه َلِبْئَس َم ا َك اُنوا‬
‫َيْف َعُلوَن )‪[ .‬سورة املائدة اآليتان ‪.]79 - 78‬‬

‫وما بنا من حاجة إىل مناقشة مزاعمهم اليت يبنون عليها وج‪%%‬ودهم كل‪%%‬ه وختطيطهم‬
‫كله‪.‬‬

‫(‪)63‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن ال بد مع ذلك من كلمات تقال‪..‬‬

‫فأم‪,, ,‬ا أنهم مض‪,, ,‬طهدون خالل الت ‪%% %‬اريخ ف ‪%% %‬ذلك ح ‪%% %‬ق يف عموم ‪%% %‬ه (‪ ،)54‬وأم ‪%% %‬ا أهنم‬
‫مض ‪%%‬طهدون بغ ‪%%‬ري ذنب فمغالط ‪%%‬ة ال يس ‪%%‬ندها الت ‪%%‬اريخ‪ .‬إمنا يك ‪%%‬رههم الن ‪%%‬اس لس ‪%%‬وء خص ‪%%‬اهلم‬
‫وس ‪%% %‬وء أفع ‪%% %‬اهلم‪ .‬من أكلهم الرب ‪%% %‬ا‪ ،‬وأكلهم أم ‪%% %‬وال الن ‪%% %‬اس بالباط ‪%% %‬ل‪ ،‬ومس ‪%% %‬ارعتهم يف اإلمث‬
‫والع ‪%%‬دوان‪ ،‬ونش ‪%%‬رهم الفاحش ‪%%‬ة يف األرض‪ ،‬وس ‪%%‬عيهم إىل إي ‪%%‬ذاء الن ‪%%‬اس ول ‪%%‬و أحس ‪%%‬نوا إليهم‪،‬‬
‫ونش‪%%‬رهم االض‪%%‬طراب يف ك‪%%‬ل مك‪%%‬ان حل‪%%‬وا في‪%%‬ه‪ ،‬ونك‪%%‬راهنم اجلمي‪%%‬ل‪ ..‬وخص‪%%‬ال أخ‪%%‬رى كث‪%%‬رية‬
‫منفرة‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د اض ‪%%‬طهدهم النص ‪%%‬ارى يف أورب ‪%%‬ا بس ‪%%‬بب اعتق ‪%%‬ادهم أهنم ص ‪%%‬لبوا املس ‪%%‬يح علي ‪%%‬ه‬
‫الس ‪%%‬الم (‪ ،)55‬ومل جيدوا هلم ص ‪%%‬درًا حنون‪ً% %‬ا إال يف الع ‪,,‬الم اإلس ‪,,‬المي‪ ،‬فف ‪%%‬روا من االض ‪%%‬طهاد‬
‫األوريب إىل األن‪%%‬دلس اإلس‪%%‬المية حيتم‪%%‬ون فيه‪%%‬ا من الظلم‪ ،‬وينعم‪%%‬ون بالع‪%%‬دل واحلري‪%%‬ة واألمن‪،‬‬
‫وميارسون نشاطهم كله مطمئنني‪.‬‬

‫وملا ق ‪%% %‬امت الص ‪%% %‬ليبية مبط ‪%% %‬اردة املس ‪%% %‬لمني وإخ ‪%% %‬راجهم من األن ‪%% %‬دلس‪ ،‬ه ‪%% %‬اجروا إىل‬
‫املغرب‪ ،‬فهاجر اليهود معهم ف‪%%‬رارًا من االض‪%%‬طهاد الكنس‪%%‬ي‪ ،‬وس‪%%‬عيًا وراء األمن والطمأنين‪%%‬ة‬
‫يف رب ‪%%‬وع اإلس ‪%%‬الم‪ .‬ك ‪%%‬ذلك أووا إىل الدول ‪%%‬ة العثماني ‪%%‬ة‪ ،‬وعاش ‪%%‬وا يف خمتل ‪%%‬ف البالد اإلس ‪%%‬المية‬
‫اخلاض ‪%%‬عة للحكم العثم ‪%%‬اين آم ‪%%‬نني مطمئ ‪%%‬نني‪ ،‬ن ‪%%‬اجني من االض ‪%%‬طهاد األوريب‪ ..‬فكي‪,,‬ف كان‬
‫عرفانهم بالجميل؟! لقد س‪%‬عوا إىل تدمري الدول‪%‬ة العثماني‪%‬ة‪ ،‬والقض‪%%‬اء على احلكم اإلس‪%‬المي‬
‫يف األرض‪ ،‬وك‪%%‬ان س‪%%‬لوكهم يف فلس‪%%‬طني خاص‪%%‬ة ه‪%%‬و ت‪,,‬ذبيح المسلمين‪ :‬نس‪%%‬ائهم وأطف‪%%‬اهلم‬
‫وش‪%%‬يوخهم‪ ،‬واإلس‪,,‬اءة إلى المقدس‪,,‬ات اإلس‪,,‬المية والع‪%%‬دوان على املس‪%%‬جد األقص‪%%‬ى‪ ..‬وه‪%%‬و‬
‫أمر واضح الداللة على عمق الشر يف نفوس‪%‬هم‪ ،‬فهم ال يس‪%‬تطيعون أن يزعم‪%‬وا أن املس‪%‬لمني‬
‫ق ‪%%‬د أس ‪%%‬اءوا هلم خالل معيش ‪%%‬تهم يف ظ ‪%%‬ل احلكم اإلس ‪%%‬المي‪ ،‬وال أهنم يث ‪%%‬أرون من ظلم واق ‪%%‬ع‬
‫عليهم‪ .‬إمنا هم ال ‪%%‬ذين يب ‪%%‬دأون بالع ‪%%‬دون اإلج ‪%%‬رامي‪ ،‬ف ‪%%‬إذا ك ‪%%‬رههم الن ‪%%‬اس من أج ‪%%‬ل أعم ‪%%‬اهلم‬
‫العدوانية‪ ،‬أو قذارة سلوكهم‪ ،‬تصاحيوا بأهنم مظلومون مضطهدون بغري ذنب جنوه!‬

‫‪ )?(54‬إال فيم‪%%‬ا يتعل‪%%‬ق بالع‪%%‬امل اإلس‪%%‬المي‪ ،‬فق‪%%‬د أم‪%%‬ر اإلس‪%%‬الم باإلحس‪%%‬ان إىل ال‪%%‬ذميني من أه‪%%‬ل الكت‪%%‬اب ونف‪%%‬ذ‬
‫املسلمون األمر‪.‬‬
‫‪ )?(55‬نعلم حنن املسلمني أن املسيح عليه السالم مل يصلب‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي عن اليه‪%%‬ود جه‪%%‬دهم ال‪%%‬ذي‬
‫ب‪%%‬ذلوه يف حتريض احلاكم الروم‪%%‬اين على ص‪%%‬لبه‪ ،‬ح‪%%‬ىت أم‪%%‬ر بص‪%%‬لبه بالفع‪%%‬ل‪ ،‬ل‪%%‬وال أن اهلل رفع‪%%‬ه إلي‪%%‬ه وجناه من‬
‫كيد اليهود‪.‬‬

‫(‪)64‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وحادث ‪%% %‬ة اليه ‪%% %‬ود األربع ‪%% %‬ة ال ‪%% %‬ذين ذحبوا أح ‪%% %‬د " األمم‪,, ,‬يين " يف عه ‪%% %‬د حمم ‪%% %‬د علي‪،‬‬
‫ليعجنوا بدمه فطرية عيد الفصح‪ ،‬مش‪%‬هورة معروف‪%‬ة‪ ،‬فق‪%‬د ك‪%‬ان هلا دوي يف الع‪%‬امل كل‪%‬ه‪ ،‬بع‪%‬د‬
‫اعرتاف اجملرمني جبرميتهم‪ ،‬واستنكار العامل كله هلا‪ ..‬ومع ذلك فهم ال يتأمثون!‬

‫* أم‪,,‬ا زعمهم اآلخر ب ‪%%‬أهنم ‪ -‬ب ‪%%‬ذواهتم أو جبنس ‪%%‬هم أو ب ‪%%‬دمهم أو بنس ‪%%‬بهم ‪ -‬ذوو‬
‫خصائص معينة تؤهلهم حلكم العامل كله‪ ،‬فزعم يشتمل على قلي‪,,‬ل من الح‪,,‬ق‪ ،‬وكث‪,,‬ير من‬
‫الباطل‪.‬‬

‫فأما أن منهم نابغني يف جماالت خمتلفة فصحيح‪( ..‬وص‪%%‬حيح ك‪%%‬ذلك يف املقاب‪%%‬ل أن‬
‫يف بعضهم بالهة شديدة معروفة يف الطب باسم " العته اليهودي ")‪.‬‬

‫وأم ‪%%‬ا أن نب ‪%%‬وغهم راج ‪%%‬ع إىل امتي ‪%%‬از خ ‪%%‬اص متيزوا ب ‪%%‬ه عن الع ‪%%‬املني ف ‪%%‬زعم ال يس ‪%%‬نده‬
‫الواقع!‬

‫ف‪%% %‬دعوى نق‪%% %‬اء ال‪%% %‬دم اإلس‪%% %‬رائيلي ال تزي‪%% %‬د على أن تك‪%% %‬ون أس‪%% %‬طورة! واليه‪%% %‬ود ذوو‬
‫العيون الزرق والش‪%‬عر األش‪%‬قر ش‪%‬اهد ال يك‪%‬ذب على أن‪%‬ه ليس ك‪%‬ل اليه‪%‬ود من ب‪%‬ين إس‪%‬رائيل‪،‬‬
‫فبن ‪%%‬و إس ‪%%‬رائيل من اجلنس الس ‪%%‬امي‪ ،‬وال يع ‪%%‬رف عن اجلنس الس ‪%%‬امي زرق ‪%%‬ة العي ‪%%‬ون وال ش ‪%%‬قرة‬
‫الشعر! ومعظم يه‪%‬ود أورب‪%‬ا ‪ -‬والبولن‪%‬ديني خاص‪%‬ة ‪ -‬وكث‪%‬ري من يه‪%‬ود أمريك‪%‬ا ليس‪%‬وا من ب‪%‬ين‬
‫إسرائيل‪ ،‬إمنا هم من نسل يهود دول‪%‬ة اخلزر ال‪%‬يت هتودت بكامله‪%‬ا يف الق‪%‬رن الث‪%‬امن امليالدي‪،‬‬
‫مث تف‪%%‬رقت يف بالد أورب‪%%‬ا إث‪%%‬ر ع‪%%‬دوان كاس‪%%‬ح وق‪%%‬ع عليه‪%%‬ا يف الق‪%%‬رن الث‪%%‬الث عش‪%%‬ر‪ ،‬وكلهم لم‬
‫يكونوا من بني إس ‪,,‬رائيل‪ ،‬إنم ‪,,‬ا دخلوا في ال ‪,,‬دين اليه ‪,,‬ودي في فترة كانت ال ‪,,‬دعوة‬
‫اليهودية فيها قد نشطت‪ ،‬قبل أن يقرر اليه‪,‬ود وق‪,‬ف ال‪,‬دعوة‪ ،‬واعتزال الع‪,‬الم‪ ،‬والنفي‬
‫االختياري في " الجيتو " (‪.)56‬‬

‫إمنا يرج ‪%%‬ع النب ‪%%‬وغ يف بعض أف ‪%%‬رادهم من طبيع ‪%%‬ة ك ‪%%‬وهنم أقلي ‪%%‬ة مض ‪%%‬طهدة‪ ،‬بص ‪%%‬رف‬
‫النظ ‪%%‬ر عن س ‪%%‬بب اض ‪%%‬طهادهم‪ ،‬فاألقلي ‪%%‬ة املض ‪%%‬طهدة يف ك ‪%%‬ل مك ‪%%‬ان يف األرض تك ‪%%‬ون دائم‪ً% %‬ا‬
‫مشحوذة اهلمة ملقاومة الضغط الواقع عليها إلفنائها أو سحقها‪ ..‬فيص‪%%‬ل الش‪%%‬حذ عن‪%%‬د بعض‬
‫األف‪%%‬راد إىل النب‪%%‬وغ‪ ،‬ويك‪%%‬ون عن‪%%‬د جمم‪%%‬وع الن‪%%‬اس باعث ‪ً%‬ا إىل النش‪%%‬اط واحلرك‪%%‬ة واإلنت‪%%‬اج‪ ..‬وال‬
‫عالقة هلذا بالدم أو اجلنس أو النسب أو غريها مما يتشدق به بنو إسرائيل!‬

‫‪ )?(56‬راج ‪%%‬ع كت ‪%%‬اب " اليه ‪%%‬ود ليس ‪%%‬وا يه ‪%%‬ودا " تأليف بني ‪%%‬امني فري ‪%%‬دمان وترمجة زه ‪%%‬دي الف ‪%%‬اتح‪ ،‬طب ‪%%‬ع دار‬
‫النفائس ببريوت الطبعة الثانية ‪ 1403‬ه ‪ 1984 /‬م‪.‬‬

‫(‪)65‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وال جيوز أن ننسى عامًال أساسيًا يف القضية ال تفهم القض‪%%‬ية بدون‪%%‬ه‪ ،‬ه‪%%‬و تق‪%%‬دير اهلل‬
‫أن يبقى ه ‪%%‬ذا الش ‪%%‬عب وال يف ‪%%‬ىن حتت االض ‪%%‬طهاد كم ‪%%‬ا ف ‪%%‬ين غ ‪%%‬ريه من األقلي ‪%%‬ات التارخيي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫حلكمة يريدها اهلل‪ ،‬قد تظهر بعض جوانبها عند استعراض واقعهم املعاصر‪.‬‬

‫ومن مث اجتمعت ثالث‪,,‬ة عوام‪,,‬ل تؤدي يف جمموعه‪%%‬ا إىل نب‪%%‬وغ بعض األف‪%%‬راد‪ ،‬وبث‬
‫النشاط الدءوب يف اجملموع‪ .‬فهم أوًال أقلي‪%‬ة ال أم‪%%‬ل هلا أن تص‪%%‬بح أغلبي‪%‬ة عددي‪%‬ة يف أي ي‪%‬وم‬
‫من األي‪%%‬ام‪ .‬وهم ثاني ‪ً,‬ا أقلي‪%%‬ة مض‪%%‬طهدة ألن اهلل كتب عليهم ه‪%%‬ذا االض‪%%‬طهاد عقاب ‪ً%‬ا هلم على‬
‫سجاياهم الرديئ‪%%‬ة وأعم‪%%‬اهلم الس‪%%‬يئة‪ .‬وهم ثالثًا أقلي‪%%‬ة ق‪%%‬در اهلل هلا أن تبقى‪ ،‬ف‪%%‬أودع يف نفس‪%%‬ها‬
‫إرادة قوي‪%%‬ة للبق‪%%‬اء‪ ،‬وعزمية قوي‪%%‬ة ملقاوم‪%%‬ة عوام‪%%‬ل الفن‪%%‬اء‪ ..‬وال ش‪%%‬يء من ه‪%%‬ذه العوام‪%%‬ل الثالث‪%%‬ة‬
‫يرجع إىل اجلنس أو العنصر أو الدم أو النسب‪ ..‬إنما هو قدر رباني‪ ،‬وس‪,,‬نن رباني‪,,‬ة جاري‪,,‬ة‬
‫كاملعادالت الكيماوية‪ ،‬حيثما وجدت ظروفها أدت إىل نتائجها بقدر من اهلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولس ‪%%‬نا هن ‪%%‬ا على أي ح ‪%%‬ال معن ‪%%‬يني بتفني ‪%%‬د م ‪%%‬زاعم اليه ‪%%‬ود‪ ،‬بق ‪%%‬در م ‪%%‬ا حنن مع ‪%%‬نيون‬
‫بالتعرف على خمططاهتم‪ ،‬والدوافع اليت تدفعهم إليها‪ ،‬والوسائل اليت يتخذوهنا لتحقيقها‪.‬‬

‫وق‪%%‬د خلص لن‪%%‬ا من الع‪%%‬رض الس‪%%‬ابق أن املخط‪%%‬ط يف مجلت‪%%‬ه يس‪%%‬عى إلفساد عقائ‪,,‬د "‬
‫األمم‪,,‬يين " وأخالقهم‪ ،‬باعتب‪%%‬ار أن ه ‪%%‬ذا أجنع الوس‪%%‬ائل وآك‪%%‬دها الس‪%%‬تحمار أولئ‪%%‬ك األمميني‬
‫وتسخريهم لشعب اهلل املختار!‬

‫ويف حبثن ‪%%‬ا ه ‪%%‬ذا س ‪%%‬نحاول ‪ -‬بش ‪%%‬يء من التفص ‪%%‬يل ‪ -‬إب ‪%%‬راز أهم أعم ‪%%‬ال الفس ‪%%‬اد ال ‪%%‬يت‬
‫ق‪%%‬اموا هبا يف القرنين األخيرين بال‪,,‬ذات‪ ،‬باعتبارمها الق‪%%‬رنني الل‪%%‬ذين ب‪%%‬رزت فيهم‪%%‬ا الس‪%%‬يطرة‬
‫احلالي‪%‬ة لليه‪%‬ود‪ .‬ولكن ه‪%‬ذا ال مينعن‪%‬ا من إش‪%‬ارة س‪%‬ريعة إىل أب‪%‬رز أعم‪%‬ال الفس‪%‬اد ال‪%‬يت ق‪%‬اموا هبا‬
‫يف التاريخ املاضي لتحقيق ذات األهداف الشريرة ال‪%‬يت يس‪%‬عون إليه‪%‬ا‪ ،‬ونكتفي بنب‪%‬ذة س‪%‬ريعة‬
‫خمتصرة عما قام به " شاول " إلفساد النص‪,‬رانية‪ ،‬وم‪%%‬ا ق‪%%‬ام ب‪%%‬ه " عبد اهلل بن س‪,‬بأ " حملاول‪%%‬ة‬
‫فتن‪%%‬ة املس‪%%‬لمني عن دينهم‪ ،‬ونب‪%%‬ذة ك‪%%‬ذلك س‪%%‬ريعة خمتص‪%%‬رة عن تب‪%%‬نيهم ألعم‪%%‬ال البغاء وإشاعة‬
‫الفاحشة في األرض‪.‬‬

‫فأم ‪%%‬ا ش ‪%%‬اول ‪ -‬ال ‪%%‬ذي مسي ب ‪%%‬ولس فيم ‪%%‬ا بع ‪%%‬د ‪ -‬فلنس ‪%%‬تمع في ‪%%‬ه إىل قول ‪%%‬ة الفيلس ‪%%‬وف‬
‫الفرنسي رينان‪:‬‬

‫(‪)66‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" إن‪%‬ه ينبغي لفهم تعليم يس‪%‬وع املس‪%‬يح احلقيقي كم‪%‬ا ك‪%‬ان يفهم‪%‬ه ه‪%‬و أن نبحث يف‬
‫تل ‪%%‬ك التفاس ‪%%‬ري والش ‪%%‬روح الكاذب ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت شوهت وجه التعليم المسيحي ح‪,,‬تى أخفت‪,,‬ه عن‬
‫األبص‪,,‬ار تحت طبقة كثيف‪,,‬ة من الظالم‪ .‬ويرج‪%%‬ع حبثن‪%%‬ا إىل أي‪%%‬ام ب‪%%‬ولس ال‪%%‬ذي مل يفهم تعليم‬
‫املسيح‪ ،‬بل محله على حممل آخر‪ ،‬مث مزجه بكثري من تقاليد الفريسيني وتعاليم العهد القدمي‬
‫(‪ .)57‬وب‪%% %‬ولس كم‪%% %‬ا ال خيفى ك‪%% %‬ان رس‪%% %‬وًال لألمم‪ ،‬أو رس‪%% %‬ول اجلدال واملنازع‪%% %‬ات الديني‪%% %‬ة‪،‬‬
‫وك ‪%%‬ان ميي ‪%%‬ل إىل املظ ‪%%‬اهر اخلارجي ‪%%‬ة الديني ‪%%‬ة كاخلت ‪%%‬ان وغ ‪%%‬ريه‪ ،‬فأدخ ‪%%‬ل أميال ‪%%‬ه ه ‪%%‬ذه على ال ‪%%‬دين‬
‫املسيحي فأفسده (‪ .)58‬ويف عهد بولس ظهر التلم‪%‬ود املع‪%‬روف بتع‪%‬اليم الكن‪%‬ائس‪ .‬وأم‪%‬ا تعليم‬
‫املس ‪%%‬يح األص ‪%%‬لي احلقيقي فخس ‪%%‬ر ص ‪%%‬فته اإلهلي ‪%%‬ة الكمالي ‪%%‬ة‪ ..‬وإن أولئ ‪%%‬ك الش ‪%%‬راح واملفس ‪%%‬رين‬
‫ي ‪%%‬دعون املس ‪%%‬يح إهلا دون أن يقيم ‪%%‬وا على ذل ‪%%‬ك احلج ‪%%‬ة‪ ،‬ويس ‪%%‬تندون يف دع ‪%%‬واهم على أق ‪%%‬وال‬
‫وردت يف مخسة أسفار‪ :‬موس‪%‬ى والزب‪%‬ور وأعم‪%‬ال الرس‪%‬ل ورس‪%‬ائلهم وتآليف آب‪%‬اء الكنيس‪%‬ة‪.‬‬
‫مع أن تلك األقوال ال تدل أقل داللة على أن املسيح هو اهلل (‪.)59‬‬

‫ويقول املؤرخ اإلجنليزي ويلز‪:‬‬

‫" وظه ‪%%‬ر لل ‪%%‬وقت معلم آخ ‪%%‬ر عظيم (‪ )60‬يع ‪%%‬ده كث ‪%%‬ري من الثق ‪%%‬ات العص ‪%%‬ريني املؤس ‪%%‬س‬
‫احلقيقي للمس‪%% %‬يحية‪ ،‬وهو شاول الطرسوس ‪,,‬ي أو بولس‪ .‬وال ‪,,‬راجح أنه كان يه ‪,,‬ودي‬
‫المول ‪,,‬د‪ ،‬وإن ك ‪%%‬ان بعض الكت ‪%%‬اب اليه ‪%%‬ود ينك ‪%%‬رون ذل ‪%%‬ك (‪ .)61‬وال م ‪%%‬راء يف أن ‪%%‬ه تعلم على‬
‫أس‪%%‬اتذة من اليه‪%%‬ود‪ ،‬بي‪%%‬د أن‪%%‬ه ك‪%%‬ان متبح‪%%‬رًا يف الهوتي‪%%‬ات االس‪%%‬كندرية اهلليني‪%%‬ة‪ ..‬ويتض‪%%‬ح لك‪%%‬ل‬
‫من يقرأ رسائله املتنوع‪%‬ة جنب‪ً%‬ا إىل جنب م‪%‬ع األناجي‪%‬ل أن ذهن‪%‬ه ك‪%‬ان مش‪%‬بعًا بفك‪%‬رة ال تظه‪%‬ر‬
‫ق‪%%‬ط ب‪%%‬ارزة قوي‪%%‬ة فيم‪%%‬ا نق‪%%‬ل عن يس‪%%‬وع من أق‪%%‬وال وتع‪%%‬اليم‪ ،‬أال وهي فك‪%%‬رة الش‪%%‬خص الض‪%%‬حية‬
‫ال‪%%‬ذي يق‪%%‬دم قربان ‪ً%‬ا هلل كف‪%%‬ارة عن اخلطيئ‪%%‬ة‪ .‬فم‪%%‬ا بش‪%%‬ر ب‪%%‬ه يس‪%%‬وع ك‪%%‬ان ميالدًا جدي‪%%‬دًا لل‪%%‬روح‬

‫‪ )?(57‬نشك كثريًا يف أن اإلفساد ال‪%‬ذي أحدث‪%‬ه ب‪%‬ولس يف النص‪%‬رانية ك‪%‬ان نتيج‪%‬ة " ع‪%‬دم الفهم " كم‪%‬ا يق‪%‬ول‬
‫رينان!‪.‬‬
‫‪ )?(58‬مل يكن الفساد ال‪%‬ذي أحدث‪%‬ه ب‪%‬ولس يف النص‪%‬رانية حمص‪%‬ورًا يف قض‪%‬ية اخلت‪%‬ان كم‪%‬ا ي‪%‬ذكر رين‪%‬ان يف ه‪%‬ذا‬
‫املوض‪%%‬ع – وإن ك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا من الفس‪%%‬اد املتعم‪%%‬د ال‪%%‬ذي أحدث‪%%‬ه يف دين اهلل – ولكن الفس‪%%‬اد األك‪%%‬رب ك‪%%‬ان يف‬
‫تأليه عيسى كما ذكر رينان يف هناية كالمه‪.‬‬
‫‪ )?(59‬عن كتاب " حماضرات يف النص‪%‬رانية " للش‪%‬يخ حمم‪%‬د أب‪%‬و زه‪%‬رة‪ ،‬طب‪%‬ع الرئاس‪%‬ة العام‪%‬ة إلدارة البح‪%‬وث‬
‫العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد بالرياض‪ ،‬سنة ‪ 1404‬ه‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪ )?(60‬وص‪%%‬ف ويل‪%%‬ز لش‪%%‬اول بالعظم‪%%‬ة ه‪%%‬و إق‪%%‬رار فق‪%%‬ط بق‪%%‬وة تأثريه‪ ،‬وبراعت‪%%‬ه يف نش‪%%‬ر دعوته‪ .‬وإال فق‪%%‬د أق‪%%‬ر‬
‫صراحة بأنه بدل دين املسيح‪ ،‬ونشر ديانة جديدة من صناعته اخلاصة!‬
‫‪ )?(61‬ال قيمة هلذا اإلنكار ولدينا اعرتافه هو عن نفسه يف سفر " أعمال الرسل "‪.‬‬

‫(‪)67‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اإلنسانية (‪ .)62‬أما ما علمه بولس فهو الديانة القدمية‪ :‬ديانة الك‪%‬اهن واملذبح وس‪%‬فك ال‪%‬دماء‬
‫السرتضاء اإلله " (‪.)63‬‬

‫أم‪%%‬ا ش‪%%‬اول ه‪%%‬ذا ‪ -‬أو ب‪%%‬ولس كم‪%%‬ا مسي فيم‪%%‬ا بع‪%%‬د ‪ -‬ف‪%%‬ريوى عن‪%%‬ه أن‪%%‬ه ك‪%%‬ان يف مب‪%%‬دأ‬
‫حياته من أش‪%‬د أع‪%%‬داء النص‪%%‬رانية‪ ،‬ومن أش‪%‬د الع‪%%‬املني على إي‪%‬ذاء املؤم‪%%‬نني هبا‪ ،‬والتنكي‪%‬ل هبم‪،‬‬
‫كما يروي هو عن نفسه يف اإلص‪%%‬حاح الث‪%%‬اين والعش‪%%‬رين من س‪%%‬فر أعم‪%%‬ال الرس‪%%‬ل‪ " :‬كنت‬
‫(‪)65‬‬ ‫(‪)64‬‬
‫غيورًا هلل ‪ -‬كما أنتم مجيعكم اليوم ‪ -‬واضطهدت هذا الطريق حىت املوت‪ ،‬مقيدًا‬
‫ومس‪%%‬لمًا إىل الس‪%%‬جون رج‪%%‬اًال ونس‪%%‬اء‪ ،‬كم‪%%‬ا يش‪%%‬هد يل أيض ‪ً%‬ا رئيس الكهن‪%%‬ة ومجي‪%%‬ع املش‪%%‬يخة‪،‬‬
‫ال‪%%‬ذين إذا اخ‪%%‬ذت منهم رس‪%%‬ائل لإلخ‪%%‬وة يف دمش‪%%‬ق‪ ،‬ذهبت آليت بال‪%%‬ذين هن‪%%‬اك إىل أورش‪%%‬ليم‬
‫مقيدين لكي يعاقبوا " (‪.)66‬‬

‫ولكن سفر األعمال يروي عنه يف اإلصحاح التاسع قصة طريف‪%‬ة‪ ،‬مفاده‪%‬ا أن‪%‬ه " يف‬
‫ذهاب ‪%%‬ه ح ‪%%‬دث أن ‪%%‬ه اق ‪%%‬رتب إىل دمش ‪%%‬ق‪ ،‬فبغت ‪%%‬ة أب ‪%%‬رق حول ‪%%‬ه ن ‪%%‬ور من الس ‪%%‬ماء‪ ،‬فس ‪%%‬قط على‬
‫األرض‪ ،‬ومسع ص‪%‬وتًا ق‪%‬ائًال ل‪%‬ه‪ :‬ش‪%‬اول‪ ،‬ش‪%‬اول‪ :‬ملاذا تض‪%‬طهدين؟ فق‪%‬ال‪ :‬من أنت ي‪%‬ا س‪%‬يدي؟‬
‫قال‪ :‬أنا يسوع الذي تضطهده‪ ،‬صعب عليك أن ترفس مناخس‪ ،‬فقال وهو مرتعد متحري‪:‬‬
‫ي‪%%‬ا رب! م‪%%‬اذا تري‪%%‬د أن أفع‪%%‬ل؟ فق‪%%‬ال ل‪%%‬ه ال‪%%‬رب‪ :‬قم وادخ‪%%‬ل املدين‪%%‬ة‪ ،‬فيق‪%%‬ال ل‪%%‬ك م‪%%‬اذا ينبغي أن‬
‫تفعل " (‪.!)67‬‬

‫ومن حلظته‪%%‬ا ص‪%%‬ار مؤمن‪ً%‬ا " ب‪%‬الرب " متحمس‪ً%‬ا لتألي‪%‬ه عيس‪%‬ى‪ ،‬ونش‪%‬ر دع‪%%‬وى ألوهيت‪%‬ه‬
‫بني الناس!‬

‫يقول اهلل جل شأنه‪:‬‬


‫ِم‬ ‫ِخ ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِع‬
‫ِن ِه(َو ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا يَس ى اْبَن ِل َم ْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت لَّناِلِس ِباَّت ُذ و ي َو ُأِّمَي ِإَلَهْيِن ْن‬
‫ُدو الَّل َق اَل ُس ْبَح اَنَك َم ا َيُك وُن ي َأْن َأُق وَل َم ا َلْيَس ي َح ٍّق ِإْن ُك ْنُت ُقْلُت ُه َفَق ْد‬
‫َعِلْم َت ُه َتْع َلُم َم ا ِفي َنْف ِس ي َو ال َأْع َلُم َم ا ِفي َنْف ِس َك ِإَّن َك َأْنَت َعاَّل ُم اْلُغُي وِب ‪َ ،‬م ا ُقْلُت‬
‫ِف‬ ‫ِن ِه ِن‬
‫َلُه ْم ِإاَّل َم ا َأَم ْر َت ي ِب َأ اْع ُب ُد وا الَّل َه َر ِّبي َو َر َّبُك ْم َو ُك ْنُت َعَلْيِه ْم َش ِه يدًا َم ا ُدْم ُت يِه ْم‬

‫‪ )?(62‬ألنه كان وحيًا صادقًا عن اهلل‪ ،‬أما ما علمه بولس فهو الديانة الوثنية القدمية‪.‬‬
‫‪ " )?(63‬معامل تاريخ اإلنسانية " سبقت اإلشارة إليه ج ‪ ،3‬ص ‪ 705‬من الرتمجة العربية‪.‬‬
‫‪ )?(64‬خياطب اليهود‪.‬‬
‫‪ )?(65‬طريق النصرانية‪.‬‬
‫‪ )?(66‬عن كتاب " حماضرات يف النصرانية " ص ‪.88‬‬
‫‪ )?(67‬املرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫(‪)68‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫َفَلَّم ا َتَو َّفْيَتِني ُك ْنَت َأْنَت ال‪َّ,‬ر ِقيَب َعَلْيِه ْم َو َأْنَت َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِه يٌد )‪[ .‬س‪%%‬ورة املائ‪%%‬دة‪،‬‬
‫اآليتان ‪.]117 - 116‬‬

‫وال ندري حنن ما الذي حدا بالنصارى إىل تصديق تلك القصة املفتعلة ال‪%‬يت رواه‪%‬ا‬
‫ب‪%% % %‬ولس عن جتلي " ال‪%% % %‬رب " ل‪%% % %‬ه وه‪%% % %‬و يف طريق‪%% % %‬ه إىل دمش‪%% % %‬ق إليق‪%% % %‬اع الع‪%% % %‬ذاب ب‪%% % %‬املؤمنني‬
‫بالنصرانية‪ .‬فإن كانت شهادة برنابا له ‪ -‬وهو من حواريي املس‪%‬يح علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم ‪ -‬وحماول‪%%‬ة‬
‫إقناع احلواريني بصدق إميانه‪ ،‬فإن برنابا قد اختل‪%‬ف مع‪%%‬ه فيم‪%‬ا بع‪%%‬د ملا تبني ل‪%‬ه زي‪%‬ف دع‪%%‬واه‪،‬‬
‫وكانت نقطة االفرتاق بينهما هي قضية تأليه عيسى كما يتبني من إجنيل برنابا نفسه‪.‬‬

‫ومهم‪%% %‬ا يكن من أم‪%% %‬ر النص‪%% %‬ارى حي‪%% %‬ال ب‪%% %‬ولس‪ ،‬فال‪%% %‬ذي ن‪%% %‬راه حنن ‪ -‬من منظورن‪%% %‬ا‬
‫اإلس ‪%%‬المي ‪ -‬أهنا قص ‪%%‬ة اخرتعه ‪%%‬ا ذل ‪%%‬ك اليه ‪%%‬ودي ليغطي على املؤامرة ال ‪%%‬يت اع ‪%%‬تزم تنفي ‪%%‬ذها‪،‬‬
‫وهي التظاهر بال‪,,‬دخول في ال‪,,‬دين الجدي‪,,‬د ليكي‪,,‬د ل‪,,‬ه من ال‪,,‬داخل‪ ،‬ويص‪%%‬رفه عن حقيقت‪%%‬ه‬
‫الرباني ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت ن ‪%%‬زل هبا‪ ،‬إىل دين آخ ‪%%‬ر حمرف‪ ،‬يف حماول ‪%%‬ة ل ‪%%‬ه إلبط ‪%%‬ال مفع ‪%%‬ول ه ‪%%‬ذا ال ‪%%‬دين يف‬
‫تص‪%%‬حيح عقائ‪%%‬د " األمميين " وتعبي‪%%‬دهم هلل وح‪%%‬ده ال ش‪%%‬ريك ل‪%%‬ه‪ ،‬ملا يعلم من مقاوم‪%%‬ة ال‪%%‬دين‬
‫احلقيقي ملخططات اليهود الشريرة اليت يسعون هبا إىل نشر الفساد يف األرض‪.‬‬

‫والذي يشجعنا على ه‪%‬ذا الظن أن هلذا اليه‪%‬ودي أخ‪ً%‬ا آخ‪%‬ر يف اليهودي‪%‬ة‪ ،‬ج‪%‬اء بع‪%‬ده‬
‫بقراب ‪%%‬ة س ‪%%‬بعة ق ‪%%‬رون‪ ،‬يح ‪,,‬اول ذات المحاول ‪,,‬ة م ‪,,‬ع اإلس ‪,,‬الم‪ ،‬فيتظ ‪%%‬اهر بال ‪%%‬دخول يف ال ‪%%‬دين‬
‫اجلديد ليكيد ل‪%‬ه من ال‪%‬داخل‪ ،‬وحياول ص‪%‬رفه عن حقيقت‪%‬ه الرباني‪%‬ة إىل دين آخ‪%‬ر حمرف‪ ،‬يؤل‪%‬ه‬
‫فيه واحد من البشر هو علّي بن أيب طالب كرم اهلل وجهه‪ ،‬ليكون إهلًا مع اهلل!‬

‫* ذلكم هو عبد اهلل بن سبأ‪.‬‬

‫" يرد يف تاريخ الطربي ويتابعه ابن األثري يف أحداث سنة ‪ 35‬ه أن ابن سبأ ك‪%%‬ان‬
‫يهودًّيا من أهل صنعاء‪ ،‬وأن‪%%‬ه أس‪%%‬لم زمن عثم‪%%‬ان‪ ،‬وأخ‪%%‬ذ ينتق‪%%‬ل يف بل‪%%‬دان املس‪%%‬لمني من قط‪%%‬ر‬
‫آلخر حماوًال ضاللتهم‪ ،‬فابتدأ باحلجاز‪ ،‬مث البصرة‪ ،‬فالكوفة‪ ،‬مث الشام‪ ،‬فلم يقدر على شيء‬
‫فيها‪ ،‬فأتى مصر واستقر هبا‪ ،‬وطابت له أجواؤها " (‪.)68‬‬

‫ولقد كاد اليهود لإلسالم منذ مقدم رسول اهلل صلى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم إىل املدين‪%‬ة ‪-‬‬
‫بل قبل ذلك ‪ -‬وحاولوا بكل قوهتم أن يقفوا منوه‪ ،‬ويفتنوا الناس عنه بالتشكيك يف ص‪%%‬دق‬
‫نبوته ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬والتش‪%%‬كيك يف ص‪%%‬دق ال‪%%‬وحي‪ ،‬والتفري‪%%‬ق بني املؤم‪%%‬نني‪ ،‬ونش‪%%‬ر‬

‫‪ )?(68‬عن كت‪%%‬اب " عب‪%%‬د اهلل بن س‪%%‬بأ وأث‪%%‬ره يف إح‪%%‬داث الفتن‪%%‬ة يف ص‪%%‬در اإلس‪%%‬الم " تأليف س‪%%‬ليمان بن محد‬
‫العودة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬بالرياض‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫(‪)69‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫األراجيف يف املدينة‪ ،‬بل حاولوا قتل الرسول صلى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ب‪%‬دس الس‪%‬م ل‪%‬ه يف ذراع‬
‫الش‪%%‬اة م ‪%%‬رة‪ ،‬وحماول‪%%‬ة إلق ‪%%‬اء احلج‪%%‬ر علي‪%%‬ه م ‪%%‬رة‪ ..‬وح‪%%‬الفوا املش‪%%‬ركني واملن‪%%‬افقني وأّلب‪%%‬وهم على‬
‫املس‪%%‬لمني‪ ..‬ونقض‪%%‬وا العه‪%%‬ود ليخ‪%%‬ذلوا املس‪%%‬لمني‪ ..‬فلم‪%%‬ا مّك ن اهلل لدين‪%%‬ه على ال‪%%‬رغم من ك‪%%‬ل‬
‫حماوالهتم‪ ،‬س ‪,,‬كتوا ظ ‪,,‬اهرًا وهم يض ‪,,‬مرون الحقد في قلوبهم‪ ،‬ثم لج ‪,,‬أوا إلى التظاهر‬
‫بإلس ‪,,‬الم ليكي ‪,,‬دوا ل ‪,,‬ه من ال ‪,,‬داخل‪ ..‬وك‪%% %‬ان عب‪%% %‬د اهلل بن س‪%% %‬بأ واح‪%% %‬دًا من أولئ‪%% %‬ك ال‪%% %‬ذين‬
‫تظاهروا باإلسالم من أجل الفتنة والتخريب على املؤمنني‪.‬‬

‫وق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان ل ‪%%‬ه دور ب ‪%%‬ارز يف فتن ‪%%‬ة عثم ‪%%‬ان‪ ،‬إذ ح ‪%%‬رض علي ‪%%‬ه أه ‪%%‬ل األمص ‪%%‬ار‪ ،‬وزور‬
‫الكتب‪ ،‬ونش ‪%%‬ر األراجي ‪%%‬ف‪ ،‬وتآمر م ‪%%‬ع احلاق ‪%%‬دين واملوتورين ح ‪,,‬تى أدت الفتنة إلى مقت ‪,,‬ل‬
‫عثمان رضي اهلل عنه‪ .‬مث نشط يف إح‪%%‬داث الفتن‪%%‬ة ال‪%%‬يت أدت إىل اخلروج على علي ك‪ّ%‬ر م اهلل‬
‫وجه ‪%%‬ه‪ ،‬ويف وقع ‪%%‬ة اجلم ‪%%‬ل بص ‪%%‬فة خاص ‪%%‬ة‪ ،‬حيث ت ‪,,‬آمر على إح ‪,,‬داث البلبلة في ص ‪,,‬فوف‬
‫المؤم‪,, ,‬نين بع‪,, ,‬د أن كانوا ق‪,, ,‬د اتفقوا على المص‪,, ,‬الحة وحقن ال‪,, ,‬دماء فم‪,, ,‬ا شعروا إال‬
‫وبعضهم يباغت بعضًا بالقتال (‪!)69‬‬

‫وفي األخير نجد ابن سبأ يؤله علًّيا ويدعو الناس إلى تأليهه!‬

‫م‪%%‬ا أش‪%%‬به ابن س‪%%‬بأ بأخي‪%%‬ه ش‪%%‬اول! وإن ك‪%%‬انت النت‪%%‬ائج ال‪%%‬يت توص‪%%‬ل إليه‪%%‬ا ك‪%%‬ل منهم‪%%‬ا‬
‫ختتلف عن اآلخر!‬

‫وال يرجع الفارق يف النتائج إىل اختالف اهلدف أو اختالف املنهج!‬

‫إمنا يرج ‪%%‬ع إىل أن ال ‪%%‬دين ال ‪%%‬ذي س ‪%%‬عى ش ‪%%‬اول إىل تزييف ‪%%‬ه مل يكن ل ‪%%‬ه كت ‪%%‬اب حمف ‪%%‬وظ‬
‫يرج‪%%‬ع إلي‪%%‬ه‪ ،‬بينم‪%%‬ا ال‪%%‬دين ال‪%%‬ذي ح‪%%‬اول ابن س‪%%‬بأ إفس‪%%‬اده ك‪%%‬ان ل‪%%‬ه كت‪%%‬اب حمف‪%%‬وظ‪ ،‬تكف‪%%‬ل اهلل‬
‫حبفظه‪:‬‬

‫(ِإَّنا َنْح ُن َنَّز ْلَنا الِّذ ْك َر َو ِإَّنا َلُه َلَح اِفُظوَن )‪[ .‬سورة احلجر‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬

‫ومن مث مل يس‪%%‬تطع ابن س‪%%‬بأ ‪ -‬ب‪%%‬رغم ك‪%%‬ل الكي‪%%‬د اخلبيث ال‪%%‬ذي ق‪%%‬ام ب‪%%‬ه ‪ -‬أن يفس‪%%‬د‬
‫أص‪,,‬ل ال‪,,‬دين‪ ،‬وإن ك ‪%%‬ان ق ‪%%‬د ج ‪%%‬ر إلي ‪%%‬ه ع ‪%%‬ددًا من الف ‪%%‬رق الض ‪%%‬الة م ‪%%‬ا زالت تتبع ‪%%‬ه ح ‪%%‬ىت الي ‪%%‬وم‪،‬‬
‫ولكنها قلة قليلة بالنسبة جملموع املسلمني الذين يؤمنون بالتوحيد‪ ،‬بينما اس‪%%‬تطاع ش‪%%‬اول أن‬
‫ينس‪%%‬ي الن‪%%‬اس حقيق‪%%‬ة التوحي‪%%‬د يف دين اهلل املنزل على عيس‪%%‬ى علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم‪ ،‬ويس‪%%‬تبدل ب‪%%‬ه دين‪ً%‬ا‬
‫يقبل التعدد يف ذات اإلله‪ ،‬وإن حاول أن يضفي عليه ثوب التوحيد‪.‬‬

‫‪ )?(69‬راجع يف هذا الشأن املرجع السابق لسليمان العودة وهو من أجود ما ُك تب يف املوضوع‪.‬‬

‫(‪)70‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫* أما دورهم يف نشر الفاحشة في األرض فرمبا كان خ‪%%‬ري مرج‪%%‬ع في‪%%‬ه ه‪%%‬و كتابهم‬
‫" المقدس! " ال‪%%‬ذي ح‪%%‬وى من أل‪%%‬وان الفحش م‪%%‬ا يتق‪%%‬زز من‪%%‬ه الش‪%%‬خص الع‪%%‬ادي‪ ،‬وم‪%%‬ا يع‪%%‬اب‬
‫على الكت ‪%%‬اب اهلابطني أن يهبط ‪%%‬وا ملثل ‪%%‬ه‪ ،‬واألنكى من ذل ‪%%‬ك نسبتهم كل أل ‪,,‬وان الج ‪,,‬رائم‬
‫الفاحشة إلى أنبيائهم! حتى تكتسب تلك الجرائم صفة " الشرعية " وتصبح جزءًا من‬
‫منهج حياتهم!‬

‫ف ‪%%‬إذا أض ‪%%‬يف إىل ذل ‪%%‬ك م ‪%%‬ا ج ‪%%‬اء يف التلم ‪%%‬ود من النظ ‪%%‬ر إىل " األمم ‪,,‬يين " على أهنم‬
‫دواب يف صورة بشرية‪ ،‬وليسوا بشرًا حقيقيني‪ ،‬وأن ارتكاب الفاحشة مع األممية ال ي‪%%‬دخل‬
‫يف ب ‪%%‬اب احملظ ‪%%‬ور أص‪ً% %‬ال (!) اس ‪%%‬تطعنا أن نفهم " م ‪,,‬ذهبهم " يف نش ‪%%‬ر الفاحش ‪%%‬ة وط ‪%%‬ريقتهم‬
‫ك ‪%%‬ذلك! فاليهودي ‪%%‬ة ميكن أن ُتْف َس َد إذا ك ‪%%‬ان وراء ذل ‪%%‬ك " مص‪,,‬لحة " لش ‪%%‬عب اهلل املخت ‪%%‬ار‪،‬‬
‫واألممية ميكن أن تفسد بال حرج لتحقيق " المصلحة " كذلك لشعب اهلل املختار‪..‬‬

‫ولفرتة طويلة من التاريخ كان اليهود يتبنون البغاء في المدن األوربية‪ ،‬جيت ‪%%‬ذبون‬
‫إلي‪%%‬ه األغني‪%%‬اء من الري‪%%‬ف‪ ،‬س‪%%‬واًء أم‪%%‬راء اإلقط‪%%‬اع أو من ح‪%%‬وهلم‪ ،‬لينفق‪%%‬وا األم‪%%‬وال احلرام فيم‪%%‬ا‬
‫ح‪%%‬رم اهلل من اآلث‪%%‬ام‪ ،‬لتنتق‪%%‬ل تل‪%%‬ك األم‪%%‬وال من جي‪%%‬وب أولئ‪%%‬ك األغني‪%%‬اء الفس‪%%‬اق إىل جي‪%%‬وب‬
‫املرابني اليه ‪%%‬ود‪ ..‬ح ‪%%‬ىت إذا احت ‪%%‬اجوا إىل مزي ‪%%‬د من املال أقرض ‪%%‬وهم بالرب ‪%%‬ا‪ ،‬وس ‪%%‬لبوهم ب ‪%%‬ذلك‬
‫أرضهم وأمواهلم باإلضافة إىل ما يسلبونه من " األخالق "!‬

‫ومع ذلك كله فق‪%‬د ظ‪%‬ل كي‪%‬د اليه‪%‬ود قرون‪ً%‬ا طويل‪%‬ة حمدود األث‪%‬ر يف إفس‪%‬اد " األمميني‬
‫" حتى جاء العصر الحديث!‬

‫(‪)71‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثانيا‪ :‬كيف سيطر اليهود؟‬


‫يف الق‪%%‬رنني األخ‪%%‬ريين بص‪%%‬فة خاص‪%%‬ة ب‪%%‬رزت السيطرة العالمية لليهود‪ ..‬وق‪%%‬د يك‪%%‬ون‬
‫من الص‪%%‬عب حتدي‪%%‬د س‪%%‬نة بعينه‪%%‬ا أو ح‪%%‬دث بعين‪%%‬ه لب‪%%‬دء املرحل‪%%‬ة احلالي‪%%‬ة ال‪%%‬يت س‪%%‬يطر فيه‪%%‬ا اليه‪%%‬ود‬
‫على نط ‪%%‬اق واس ‪%%‬ع من األرض‪ ،‬ونط ‪%%‬اق واس ‪%%‬ع من األح ‪%%‬داث‪ ،‬فالت ‪%%‬اريخ هنر مس ‪%%‬تمر‪ ،‬جتري‬
‫األحداث فيه جريانًا متصًال‪ ،‬ي‪%‬ؤثر بعض‪%‬ها يف بعض‪ ،‬ويت‪%‬أثر بعض‪%‬ها ببعض‪ ،‬دون أن تتوق‪%‬ف‬
‫حلظة ليتم فيه‪%‬ا الت‪%‬أثري والت‪%‬أثر‪ ..‬إمنا جيري ك‪%‬ل ذل‪%‬ك يف أثن‪%‬اء انس‪%‬ياب التي‪%‬ار يف جمرى النه‪%‬ر‪،‬‬
‫وامتزاج منابعه بعضها ببعض‪.‬‬

‫وم‪%% %‬ع ذل‪%% %‬ك فإن‪%% %‬ه مما ال ش‪%% %‬ك في‪%% %‬ه أن هن‪%% %‬اك أح ‪,,‬داثًا بارزة في مج ‪,,‬رى الت ‪,,‬اريخ‪،‬‬
‫ومنحنيات واضحة يتغري على إثرها اجتاه التيار‪.‬‬

‫ف‪%%‬إذا أردن‪%%‬ا أن حندد تل‪%%‬ك األح‪%%‬داث الب‪%%‬ارزة واملنحني‪%%‬ات الواض‪%%‬حة بالنس‪%%‬بة لس‪%%‬يطرة‬
‫اليهود احلالية‪ ،‬فسنجد بادئ ذي بدء حالة النفور من الدين‪ ،‬ال‪%%‬يت أح‪%%‬دثها طغي‪%%‬ان الكنيس‪%%‬ة‬
‫ورجال الدين (مع سد الطريق أمام التأثير اإلسالمي الذي كان وشيكًا أن ُيْد ِخ َل أوربا‬
‫في اإلسالم)‪ ،‬وسنجد بعد ذلك أحداث الثورة الفرنسية‪ ،‬والث‪,‬ورة الص‪,,‬ناعية‪ ،‬وم‪%%‬ا ميكن‬
‫أن نطلق عليه الثورة الداروينية‪ ..‬وكله‪%%‬ا أح‪%‬داث اس‪%‬تغلها اليه‪%%‬ود على نط‪%‬اق واس‪%‬ع لتنفي‪%‬ذ‬
‫املخطط الشرير‪.‬‬

‫إن اليهود يزعمون أهنم هم صانعو أحداث التاريخ! ويكاد " وليم كار " صاحب‬
‫كت‪%%‬اب " أحجار على رقع‪,‬ة الش‪,‬طرنج " أن يق‪%%‬ع يف ه‪%%‬ذا ال‪%%‬وهم‪ ،‬من ش‪%%‬دة فزع‪%%‬ه من الت‪%%‬أثري‬
‫اليهودي والسيطرة اليهودية!‬

‫ولكنا نعلم ‪ -‬يقينًا ‪ -‬أن اهلل سبحانه وتعاىل هو ال‪%%‬ذي ْجُيِر ي ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء يف الك‪%%‬ون‬
‫بقدر منه‪:‬‬

‫(ِإَّنا ُك َّل َش ْي ٍء َخ َلْق َناُه ِبَق َد ٍر )‪[ .‬سورة القمر‪ ،‬اآلية ‪.]49‬‬

‫(َو ُك ُّل َش ْي ٍء ِع ْن َدُه ِبِم ْق َد اٍر ‪َ ،‬ع اِلُم اْلَغْيِب َو الَّش َه اَد ِة اْلَك ِب يُر اْلُم َتَع اِل )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫الرعد‪ ،‬اآليتان ‪.]9 - 8‬‬

‫وال مينع هذا ‪ -‬يف التص‪%‬ور اإلس‪%‬المي ‪ -‬أن يك‪%‬ون لإلنس‪%‬ان فاعلي‪%‬ة‪ ،‬فق‪%‬در اهلل ذاته‬
‫هو الذي قضى بأن تكون لإلنسان فاعلية يف احلياة الدنيا‪ ،‬ليبتليه اهلل من خالهلا‪:‬‬

‫(‪)72‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ِإَّن ا َخ َلْق َن ا اِأْل ْنَس اَن ِم ْن ُنْطَف ٍة َأْم َش اٍج َنْبَتِلي ‪ِ,‬ه َفَجَعْلَن اُه َس ِم يعًا َبِص يرًا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫اإلنسان‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬

‫(َو ِإْذ َق اَل َر ُّب َك ِلْلَم الِئَك ِة ِإِّني َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَف ًة)‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]30‬‬

‫(ُه َو َأْنَش َأُك ْم ِم َن اَأْلْر ِض َو اْس َتْع َم َر ُك ْم ِفيَه ا)‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫(َو َس َّخ َر َلُك ْم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يع ‪ً,‬ا ِم ْن ُه)‪[ .‬س ‪%%‬ورة اجلاثي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫اآلية ‪.]13‬‬

‫واليه‪%%‬ود بش‪%%‬ر من أولئ‪%%‬ك البش‪%%‬ر ال‪%%‬ذين خلقهم اهلل‪ ،‬هلم ق‪%%‬در من الفاعلي‪%%‬ة‪ ،‬يزي‪%%‬د أو‬
‫ينقص عن غ‪%%‬ريهم من البش‪%%‬ر‪ ،‬ولكنهم ق‪%%‬ط ال ينش‪%%‬ئون األح‪%%‬داث إنش‪%%‬اء بق‪%%‬وهتم الذاتي‪%%‬ة كم‪%%‬ا‬
‫يزعم‪%%‬ون ألنفس‪%%‬هم‪ ،‬وكم‪%%‬ا يق‪%%‬ع يف وهم املف‪%%‬زعني من خمطط‪%%‬اهتم الش‪%%‬يطانية يف العص‪%%‬ر األخ‪%%‬ري‬
‫خاصة‪.‬‬

‫وال أدل على هذه احلقيقة من أهنم خيططون ويدبرون من‪%‬ذ أك‪%‬ثر من عش‪%‬رين قرن‪ً%‬ا‪،‬‬
‫ولكن جناحهم يف خمططاهتم كان دائم‪ً%‬ا جناح‪ً%‬ا جزئي‪ً%‬ا خالل الت‪%%‬اريخ‪ ،‬وكانوا يخرجون من‬
‫أكثر أعمالهم خاسرين‪ ،‬كما خرجوا يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وس‪%%‬لم **** (‪،)70‬‬
‫الذي وصل إىل حد السيطرة العاملية لظروف معينة قدرها اهلل‪ ،‬سنشرحها يف هذا اجلزء من‬
‫الفص ‪%%‬ل‪ ،‬مل يكن دور اليه ‪%%‬ود فيه ‪%%‬ا ه ‪%%‬و اإلنش ‪%%‬اء‪ ،‬إمنا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬و اس ‪,,‬تغاللها لص ‪,,‬الحهم إلى‬
‫أقصى حدود االستغالل‪.‬‬

‫إن احلقيق‪%% %‬ة ال‪%% %‬يت ال ش‪%% %‬ك فيه‪%% %‬ا أن اليه‪%% %‬ود يحسنون انته ‪,,‬از الف ‪,,‬رص واس ‪,,‬تغالل‬
‫األحداث‪.‬‬

‫وال يرج‪%%‬ع ه‪%%‬ذا إىل مزي‪%%‬ة عنص‪%%‬رية اختص‪%%‬وا هبا‪ ،‬إمنا ه‪%%‬و نتيج‪%%‬ة املعادل‪%%‬ة الثالثي‪%%‬ة ال‪%%‬يت‬
‫أش ‪%%‬رنا إليه ‪%%‬ا من قب ‪%%‬ل‪ ،‬وال ‪%%‬يت تش ‪%%‬كل حي ‪%%‬اهتم ودوافعهم ووس ‪%%‬ائلهم‪ .‬ك ‪%%‬وهنم أقلي‪,,‬ة مقه‪,,‬ورة‬
‫كتب لها أن تبقى وال تفنى تحت الضغط لحكمة ربانية‪.‬‬

‫‪ )?(70‬كالم حمذوف من األصل (الناشر)‪.‬‬

‫(‪)73‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إهنم كالوحش احملصور داخل اجلحر‪ ،‬عيناه دائمًا على احلارس ال‪%‬ذي مين‪%‬ع خروج‪%‬ه‬
‫من األس‪%% %‬ر‪ ،‬ف‪%% %‬إذا آنس غفل‪%% %‬ة من احلارس انطل‪%% %‬ق بك‪%% %‬ل قوته‪ ،‬منته‪%% %‬زًا فرص‪%% %‬ة ه‪%% %‬ذه الغفل‪%% %‬ة‪،‬‬
‫ومستغًال هلا إىل أقصى حد‪ ،‬قبل أن يفيق احلارس من غفلته ويعيده إىل األسر من جديد‪.‬‬

‫وهذه خالصة تاريخهم سواء في الماضي أو في الحاض‪,‬ر‪ ..‬أم‪%%‬ا املس‪%%‬تقبل فغيب‬


‫ال يعلم‪%%‬ه إال اهلل‪ ،‬وإن كن‪%%‬ا حناول أن نس‪%%‬تكنه م‪%%‬ا كش‪%%‬ف لن‪%%‬ا من ذل‪%%‬ك الغيب يف كت‪%%‬اب اهلل‬
‫املنزل‪ ،‬ويف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫اخلالص‪%%‬ة هي ال‪,‬تربص ال‪,‬دائم من جانبهم‪ ،‬والغفلة ‪ -‬أو اليقظة ‪ -‬من جانب "‬
‫األمميين "‪.‬‬

‫والقرن ‪%%‬ان األخ ‪%%‬ريان بص ‪%%‬فة خاص ‪%%‬ة كان ‪%%‬ا ف ‪%%‬رتة غفلة عظيم‪,,‬ة من جانب األمم‪,,‬يين‪،‬‬
‫لذلك كانت فترة نجاح هائل من جانب اليهود!‬

‫بدأت الغفلة ‪ -‬يف أوربا ‪ -‬بالنفور من الدين بسبب فظائع الكنيسة وجرائمها‪.‬‬

‫واإلنس‪%% % %‬ان إذا ختلى عن دين‪%% % %‬ه فه‪%% % %‬و يف غفل‪%% % %‬ة تس‪%% % %‬هل على الش‪%% % %‬يطان وأعوان‪%% % %‬ه أن‬
‫يستغلوه‪.‬‬

‫(َلُه ْم ُقُلوٌب ال َيْفَق ُه وَن ِبَه ا َو َلُه ْم َأْع ُيٌن ال ُيْبِص ُر وَن ِبَه ا َو َلُه ْم آَذاٌن ال َيْسَم ُعوَن‬
‫ِبَه ا ُأوَلِئَك َك اَأْلْنَعاِم َبْل ُه ْم َأَض ُّل ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَغاِفُلوَن )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]179‬‬

‫(ِإْن َي ْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه ِإاَّل ِإَناث ‪ً,‬ا َو ِإْن َي ْد ُعوَن ِإاَّل َش ْيَطانًا َم ِر ي‪,,‬دًا‪َ ،‬لَعَن ُه الَّل ُه َو َق اَل‬
‫َأَلَّتِخ َذ َّن ِم ْن ِع َب اِد َك َنِص يبًا َم ْف ُر وض ‪ً,‬ا‪َ ،‬و ُأَلِض َّلَّنُه ْم َو ُأَلَم ِّنَيَّنُه ْم َو آَل ُم َر َّنُه ْم َفَلُيَبِّتُك َّن آَذاَن‬
‫ِس‬ ‫ِن َّلِه‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِخ ِذ‬ ‫َّلِه‬ ‫ِم‬
‫اَأْلْنَعا َو آَل ُمَر َّنُه ْم َفَلُيَغِّيُر َّن َخ ْلَق ال َو َمْن َيَّت الَّش ْيَطاَن َو ّيًا ْن ُدو ال َفَق ْد َخ َر‬
‫ُخ ْسَر انًا ُمِبينًا‪َ ،‬يِعُد ُه ْم َو ُيَم ِّنيِه ْم َو َم ا َيِعُد ُه ُم الَّش ْيَطاُن ِإاَّل ُغ ُر ورًا)‪[ .‬س‪%%‬ورة النس‪%%‬اء‪ ،‬اآلي‪%%‬ات‬
‫‪.]120 - 117‬‬

‫(َف ِإ َذا َقَر ْأَت اْلُق ْر آَن َفاْس َتِعْذ ِبالَّل ِه ِم َن الَّش ْيَطاِن ال ‪َّ,‬ر ِج يِم ‪ِ ،‬إَّن ُه َلْيَس َل ُه ُس ْلَطاٌن‬
‫َّل َنُه اَّلِذ ي ُه ِبِه‬ ‫ِذ‬ ‫ِذ‬
‫َعَلى اَّل يَن آَم ُنوا َو َعَلى َر ِّبِه ْم َيَتَو َّك ُلوَن ‪ِ ،‬إَّنَم ا ُس ْلَطاُنُه َعَلى اَّل يَن َيَتَو ْو َو َن ْم‬
‫ُمْش ِر ُك وَن )‪[ .‬سورة النحل‪ ،‬اآليات ‪.]100 - 98‬‬

‫(‪)74‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وقد أش‪%‬رنا يف الفص‪%‬ل الس‪%‬ابق إىل بعض املالبس‪%‬ات ال‪%‬يت أح‪%‬اطت بأورب‪%‬ا فنفرهتا من‬
‫دينها‪ ،‬وسدت الطريق يف الوقت ذاته أم‪%‬ام الت‪%‬أثري اإلس‪%‬المي‪ ،‬ومنعت أورب‪%‬ا من ال‪%‬دخول يف‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫ولس‪%%‬نا نتح‪%%‬دث هن‪%%‬ا عن مس‪%%‬ئولية األورب‪%%‬يني إزاء ه‪%%‬ذه املالبس‪%%‬ات‪ ،‬فق‪%%‬د ك‪%%‬انوا على‬
‫ح ‪%%‬ق كام ‪%%‬ل يف نف ‪%%‬ورهم من ال ‪%%‬دين احملرف ال ‪%%‬ذي قدمت ‪%%‬ه هلم الكنيس ‪%%‬ة‪ ،‬ومن الطغي ‪%%‬ان البش ‪%%‬ع‬
‫ال‪%% %‬ذي مارس‪%% %‬ته عليهم باس‪%% %‬م ذل‪%% %‬ك ال‪%% %‬دين‪ .‬ولكنهم مل يكون‪%% %‬وا على ح‪%% %‬ق يف نف‪%% %‬ورهم من‬
‫اإلس‪%%‬الم ‪ -‬وإن ك‪%%‬انت الكنيس‪%%‬ة ق‪%%‬د ش‪%%‬وهته يف حس‪%%‬هم ‪ -‬فهم يزعم‪%%‬ون أن هنض‪%%‬تهم ق‪%%‬امت‬
‫على أس ‪%% %‬اس حترر " العق ‪%% %‬ل " من القي ‪%% %‬ود ال ‪%% %‬يت كبلت ‪%% %‬ه هبا الكنيس ‪%% %‬ة‪ ،‬واالنطالق إىل البحث‬
‫املتحرر من القيود‪ .‬ولو فعلوا ذلك حقًا لكشفوا زيف ما شنعت به الكنيسة على اإلسالم‪،‬‬
‫ولعرف ‪%%‬وا حقيقت ‪%%‬ه ودخل ‪%%‬وا في ‪%%‬ه‪ .‬ولكن " حتررهم " مل يكن حتررًا حقيقًّي ا‪ ،‬إمنا ه ‪%%‬و رد فع ‪%%‬ل‬
‫متطرف ألعمال الكنيسة‪ ،‬نافر من الدين مجلة‪ ،‬غري راغب يف الرتيث ملعرفة احلق‪.‬‬

‫ك ‪%%‬ذلك ال نتح ‪%%‬دث هن ‪%%‬ا عن مسئولية المسلمين في هذا الش ‪,,‬أن‪ ،‬فق ‪%%‬د أرجأن ‪%%‬ا‬
‫احلديث عن املسلمني إىل الفصل القادم‪ .‬وإن كنا نقول يف هذه العجال‪%%‬ة إن مس‪%%‬ئوليتهم هي‬
‫المسئولية األولى سواء في بروز الجاهلية المعاصرة أو في سيطرة اليهود العاملية‪ ،‬كما‬
‫سنبني يف الفصل اخلاص بواقع املسلمني‪.‬‬

‫إمنا نكتفي هنا بسرد العوامل التي أدت إلى سيطرة اليهود‪.‬‬

‫وأوله‪,,‬ا ‪ -‬كم‪%%‬ا قلن‪%%‬ا ‪ -‬هو نف‪,,‬ور الناس في أوربا من ال‪,,‬دين‪ ..‬وأي فرص‪%%‬ة ميكن‬
‫أن تسنح لليهود أكرب من هذه الفرصة؟!‬

‫إن أقص‪%‬ى م‪%‬ا يتمن‪%‬اه اليه‪%‬ود ‪ -‬ويس‪%‬عون إلي‪%‬ه ‪ -‬أن يتخلى األممي‪%‬ون عن دينهم! ف‪%‬إذا‬
‫ك‪%%‬ان األممي‪%%‬ون ‪ -‬ألي س‪%%‬بب من األس‪%%‬باب ‪ -‬ق‪%%‬د ختل‪%%‬وا عن دينهم من ذات أنفس‪%%‬هم‪ ،‬ودون‬
‫جه ‪%%‬د من ج ‪%%‬انب اليه ‪%%‬ود‪ ،‬أفال تك ‪%%‬ون ه ‪%%‬ذه فرص ‪%%‬ة عظيم ‪%%‬ة هلم‪ ،‬يس ‪%%‬تغلوهنا ‪ -‬كع ‪%%‬ادهتم يف‬
‫استغالل الفرص اليت يغفل فيها األمميون ‪ -‬فيذهبوا هبا إىل أقصى املدى؟!‬

‫ولقد حدث ذلك بالفعل‪..‬‬

‫واس ‪%%‬تغلوا الفرص ‪%%‬ة املتاح ‪%%‬ة‪ ،‬ال ‪%%‬يت أتاحه ‪%%‬ا هلم نف ‪%%‬ور األورب ‪%%‬يني من دينهم‪ ،‬فأس ‪%%‬رعوا‬
‫برك‪%%‬وب احلم‪%%‬ر املس‪%%‬تنفرة‪ ،‬ال‪%%‬يت ف‪%%‬رت من قس‪%%‬ورة! إن ه‪%%‬دفهم ال‪%%‬دائم ه‪%%‬و اس‪%%‬تحمار األمميني‬

‫(‪)75‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وتس‪%%‬خريهم ملص‪%%‬احلهم‪ .‬وه‪%%‬اهم أوالء األممي‪%%‬ون النص‪%%‬ارى ق‪%%‬د اس‪%%‬تحمروا أنفس‪%%‬هم بأنفس‪%%‬هم‪،‬‬
‫أفال يركب شعب اهلل املختار؟!‬

‫وسنحت أول فرصة ‪ -‬عظيمة ‪ -‬للركوب يف الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫ويزعم اليهود ‪ -‬ويطاوعهم يف هذا الزعم " وليم ك‪%%‬ار " يف كت‪%%‬اب " أحج‪%%‬ار على‬
‫رقع ‪%%‬ة الش ‪%%‬طرنج " ‪ -‬أهنم هم ال ‪%%‬ذين أشعلوا الث ‪%%‬ورة الفرنس ‪%%‬ية‪ .‬وه ‪%%‬و ق ‪%%‬ول حيم ‪%%‬ل نص ‪%%‬يبًا من‬
‫احلق‪ ،‬وق ‪,,‬درًا كبيرًا من المغالط ‪,,‬ة! واألص‪%% %‬وب أن نق‪%% %‬ول إهنم اس ‪,,‬تغلوا الث‪%% %‬ورة الفرنس‪%% %‬ية‬
‫استغالًال جيدًا لتنفيذ خمططاهتم وحتقيق مصاحلهم‪.‬‬

‫إهنم هم الذين أش‪%‬علوا الث‪%‬ورة الفرنس‪%‬ية ‪ -‬خبطب‪%‬ائهم واخلالي‪%‬ا املاس‪%‬ونية املنبث‪%‬ة حينئ‪%‬ذ‬
‫يف أرج‪%%‬اء فرنس‪%%‬ا ‪ -‬مبع‪%%‬ىن أهنم وض‪%%‬عوا الن‪%%‬ار يف الوق‪%%‬د القاب‪%%‬ل لالش‪%%‬تعال‪ .‬ولكنهم ليس‪%%‬وا هم‬
‫الذين صنعوا الوقود‪ ..‬إمنا الذي صنع الوقود هو املالبسات ال‪%‬يت م‪%‬رت هبا فرنس‪%‬ا ‪ -‬وغريه‪%‬ا‬
‫‪ -‬من ظلم اإلقط ‪%%‬اع وطغي ‪%%‬ان رج ‪%%‬ال ال ‪%%‬دين‪ ..‬ول ‪%%‬وال ذل ‪%%‬ك ‪ -‬ل ‪%%‬وال وج ‪%%‬ود الوق ‪%%‬ود اجلاهز‬
‫لالش‪%‬تعال ‪ -‬م‪%‬ا اس‪%‬تطاع اليه‪%‬ود أن يص‪%‬نعوا ش‪%‬يئًا مهم‪%‬ا أش‪%‬علوا من الن‪%‬ريان! ب‪%‬ل ك‪%‬انت الن‪%‬ار‬
‫اليت يشعلوهنا قمينة أن تأكلهم هم أول املأكولني!‬

‫ك ‪%%‬ان اإلقط ‪%%‬اع ق ‪%%‬د ثق ‪%%‬ل محل ‪%%‬ه على الش ‪%%‬عب‪ ،‬يتوج ‪%%‬ه املل ‪%%‬ك ل ‪%%‬ويس الس ‪%%‬ادس عش ‪%%‬ر‬
‫وامللك ‪%%‬ة م ‪%%‬اري انط ‪%%‬وانيت‪ ،‬ويزي ‪%%‬دان من ثقلت ‪%%‬ه وإرهاق ‪%%‬ه لكاه ‪%%‬ل الش ‪%%‬عب‪ ،‬وك ‪%%‬ان الطغي ‪%%‬ان‬
‫الكنسي قد بلغ مداه‪ ،‬مبساندة اإلقطاع وحماول‪%‬ة ترس‪%‬يخه من جه‪%‬ة‪ ،‬ونش‪%‬اط حماكم التف‪%‬تيش‬
‫يف مطاردة الناس وإرعاهبم من جهة أخرى‪.‬‬

‫ومل يكن العجب أن يث‪%% %‬ور الن‪%% %‬اس ض‪%% %‬د ه‪%% %‬ذا الطغي‪%% %‬ان وذاك‪ ،‬إمنا ك‪%% %‬ان العجب أن‬
‫يرضخوا لكال الطغيانني كل هذه القرون! ومهما يكن من مفاج‪%‬أة الث‪%‬ورة للطغ‪%‬اة أنفس‪%‬هم‪،‬‬
‫الذين ظنوا ‪ -‬كما يظن الطغاة دائمًا ‪ -‬أهنم قابضون على ناصية األمر‪ ،‬وأن األمر ال ميكن‬
‫أن خيرج من أيديهم أبدًا‪ ،‬ومهما يكن كذلك من مفاجأة الثورة لبالد أوربا األخرى‪ ،‬فق‪%%‬د‬
‫كان كل ذي نظر ث‪%%‬اقب يتوقع أن يحدث االنفجار في أي‪,,‬ة لحظة‪ ،‬وك‪%%‬ان اإلجنل‪%%‬يز بص‪%%‬فة‬
‫خاصة يرقبون األمور يف حذر وإشفاق‪..‬‬

‫وهنا جاء دور اليهود‪ ..‬خبطبائهم ال‪%‬ذين أهلب‪%‬وا محاس‪%‬ة اجلم‪%‬اهري‪ ،‬ونش‪%‬اطهم الس‪%‬ري‬
‫يف اخلاليا املاسونية‪ ،‬ليشعلوا النار يف ذلك الوقود اجلاهز لالشتعال‪.‬‬

‫وكان لليهود مأرب واضح في إشعال الثورة‪.‬‬

‫(‪)76‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ففض ‪ً% % %‬ال عن حب اليه‪%% % %‬ود للفنت والث‪%% % %‬ورات عام‪%% % %‬ة ‪ -‬أي احلاالت ال‪%% % %‬يت تعم فيه‪%% % %‬ا‬
‫الفوض ‪%%‬ى ‪ -‬لس ‪%%‬هولة العم ‪%%‬ل يف وس ‪%%‬طها‪ ،‬وتدمري م ‪%%‬ا يري ‪%%‬دون من تدمريه من مب ‪%%‬ادئ وقيم‬
‫وعقائ ‪%%‬د يف ظ ‪%%‬ل االض ‪%%‬طراب املوار ال ‪%%‬ذي يص ‪%%‬احب الث ‪%%‬ورات‪ ،‬بأيس ‪%%‬ر كث ‪%%‬ريًا مما ل ‪%%‬و ك ‪%%‬انت‬
‫األمور مستقرة وهادئة‪.‬‬

‫فض‪ً% %‬ال عن ذل ‪%%‬ك‪ ،‬فق ‪%%‬د ك ‪%%‬انت هلم أهداف مباشرة‪ ،‬حيققه ‪%%‬ا هلم االنفج ‪%%‬ار ال ‪%%‬ذي‬
‫أشعل الثورة‪.‬‬

‫كانت الثورة موجهة ضد جهتني بالذات‪ ،‬رجال الدين‪ ،‬ورجال اإلقطاع‪.‬‬

‫ومص ‪%%‬لحة اليه ‪%%‬ود يف إض ‪%%‬عاف نف ‪%%‬وذ رج ‪%%‬ال ال ‪%%‬دين أوض ‪%%‬ح من أن حتت ‪%%‬اج إىل بي ‪%%‬ان‪.‬‬
‫فزوال الدين ‪ -‬بصفة عامة ‪ -‬ييسر استحمار األمميني‪ ،‬الذي يسعى إلي‪%‬ه املخط‪%‬ط اليه‪%%‬ودي‪،‬‬
‫وزوال ال‪%%‬دين املس‪%%‬يحي بص‪%%‬فة خاص‪%%‬ة ييس‪%%‬ر التخلص من االض‪%%‬طهاد ال‪%%‬ذي يعاني‪%%‬ه اليه‪%%‬ود من‬
‫رجال الدين‪ ،‬ومن املتدينني النصارى عمومًا‪ ،‬بسبب اعتق‪%%‬ادهم أن اليه‪%%‬ود تس‪%‬ببوا يف ص‪%%‬لب‬
‫املسيح‪.‬‬

‫* أما مصلحتهم يف حتطيم اإلقطاع فرمبا تحتاج إلى بيان‪.‬‬

‫ك‪%%‬انت الث‪%%‬ورة الص‪%%‬ناعية تدق أب‪%%‬واب أورب‪%%‬ا‪ ..‬بأي‪%%‬د كليل‪%%‬ة يف مب‪%%‬دأ األم‪%%‬ر! فلم يكن‬
‫الن ‪%%‬اس مقبلني وال مس ‪%%‬رتوحني للث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية يف مب ‪%%‬دأ أمره ‪%%‬ا! وك ‪%%‬انوا يتوجس ‪%%‬ون منه ‪%%‬ا‬
‫ويتوقع ‪%%‬ون من جانبه ‪%%‬ا الش ‪%%‬ر‪ ..‬وأق ‪%%‬ل الش ‪%%‬ر حمق الربك ‪%%‬ة من حي ‪%%‬اهتم‪ ،‬ألن اآلل ‪%%‬ة هبا مس من‬
‫الشيطان (‪!)71‬‬

‫ولكن اليهود ك‪%‬انوا مقبلني على تل‪%‬ك الث‪%‬ورة بعي‪%‬ون متطلع‪%‬ة‪ ،‬وقل‪%‬وب ‪ -‬أو جي‪%‬وب‬
‫‪ -‬تتلمظ جلمع املال! فقد ك‪%‬انوا هم ال‪%‬ذين مول‪%‬وا الث‪%‬ورة الص‪%‬ناعية ‪ -‬كم‪%‬ا س‪%‬يجيء بيان‪%‬ه ‪-‬‬
‫وهم الذين يتوقعون األرباح!‬

‫وكان من أكرب العقبات أما الثورة الصناعية نظام اإلقطاع‪ ،‬ال‪%%‬ذي حيبس " العم‪%%‬ال‬
‫" عن مراكز العمل يف املدن‪ ،‬وهم عبيد لألرض يف إقطاعيات أمراء اإلقطاع‪.‬‬

‫‪ )?(71‬ك ‪%%‬ان توجس الن ‪%%‬اس على ح ‪%%‬ق – رغم س ‪%%‬ذاجته – فق ‪%%‬د حمقت الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية الربك ‪%%‬ة من حي ‪%%‬اة‬
‫الن ‪%%‬اس‪ ،‬ال بس ‪%%‬بب التق ‪%%‬دم الص ‪%%‬ناعي يف ذاته‪ ،‬ولكن بس ‪%%‬بب قي ‪%%‬ام ه ‪%%‬ذا التق ‪%%‬دم على قاع ‪%%‬دة منحرف ‪%%‬ة من‬
‫األصل‪ ،‬هي التمرد على اهلل‪ ،‬وعبادة الشيطان‪.‬‬

‫(‪)77‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وك ‪%% %‬ان ال ب ‪%% %‬د لليه ‪%% %‬ود من حتطيم اإلقط ‪%% %‬اع أوًال‪ ،‬ح ‪%% %‬ىت حيرر عبي ‪%% %‬د األرض‪ ،‬وجتد‬
‫الصناعة حاجتها من العمال‪ ،‬ينزحون إىل املدينة بعد أن يتحرروا من القيود‪ ،‬وينالوا " ح‪%%‬ق‬
‫االنتقال " (‪.)72‬‬

‫ومل يكن عجيب ‪ً% %‬ا واحلال ‪%% %‬ة ه ‪%% %‬ذه أن يض ‪%% %‬عوا ك ‪%% %‬ل ثقلهم يف إش ‪%% %‬عال الوق ‪%% %‬ود اجلاهز‬
‫لالشتعال‪ ،‬املوجه ضد نظام اإلقطاع‪ ،‬والذي يؤذن باهنياره إذا جنحت ثورة " اجلماهري "!‬

‫وم‪%%‬ع وض‪%%‬وح ه‪%%‬ذه احلق‪%%‬ائق بالنس‪%%‬بة للث‪%%‬ورة الفرنس‪%%‬ية‪ ،‬ومص‪%%‬لحة اليه‪%%‬ود يف إش‪%%‬عاهلا‪،‬‬
‫ف ‪%% %‬إن بعض املفت ‪%% %‬ونني " بالدميقراطي ‪%% %‬ة " عن ‪%% %‬دنا ‪ -‬وهي النظ ‪%% %‬ام ال ‪%% %‬ذي انبث ‪%% %‬ق عن الث ‪%% %‬ورة ‪-‬‬
‫يستبعدون ‪ -‬أو ال يصدقون أصًال ‪ -‬أن يكون لليهود مصلحة يف ذلك النظام‪ ،‬الذي ح‪%%‬رر‬
‫العبي ‪%%‬د ‪ -‬يف تص ‪%%‬ورهم ‪ -‬ب ‪%%‬دافع اإلنس ‪%%‬انية البحت ‪%%‬ة‪ ،‬وال ‪%%‬ذي منح الش ‪%%‬عوب املس ‪%%‬تعبدة كرام ‪%%‬ة‬
‫اإلنسان!‬

‫وه ‪%%‬ؤالء نق ‪%%‬ول هلم‪ :‬إن الدميقراطي ‪%%‬ة أعطت الش ‪%%‬عوب بالفع ‪%%‬ل حقوق ‪ً%‬ا وض ‪%%‬مانات مل‬
‫تكن هلم من قبل‪ ،‬وإن هذه احلق‪%%‬وق والض‪%‬مانات حتق‪%‬ق جانب‪ً%‬ا من الكرام‪%‬ة اإلنس‪%‬انية‪ ،‬وتعت‪%‬رب‬
‫من أفضل ما تشتمل عليه اجلاهلية املعاصرة من نواحي اخلري (‪.)73‬‬

‫ولكن نقول هلم مع ذلك إننا جيب أن جنعل بالنا إىل ثالث حقائق يف هذا الشأن‪:‬‬

‫الحقيقة األولى‪ :‬أن م ‪%%‬ا نالت ‪%%‬ه الش ‪%%‬عوب من حق ‪%%‬وق وض ‪%%‬مانات ق ‪%%‬د نالت ‪%%‬ه بجه‪,,‬دها‬
‫ودمائها وتضحياتها‪ ،‬ال بفضل اليهود!‬

‫والحقيقة الثاني‪,,‬ة‪ :‬أنه لم يكن بٌّد لليه‪,,‬ود من أن ي‪,,‬تركوا الش‪,,‬عوب تنال هذه‬
‫الحقوق والض ‪,, ,‬مانات ‪ -‬س ‪%% %‬واء اس ‪%% %‬رتاحت نفوس ‪%% %‬هم إليه‪%% % %‬ا أم مل تس ‪%% %‬رتح ‪ -‬يف مقاب ‪%% %‬ل‬
‫املكاس ‪%%‬ب الض ‪%%‬خمة ال ‪%%‬يت كس ‪%%‬بوها من وراء حتطيم نف ‪%%‬وذ رج ‪%%‬ال ال ‪%%‬دين وحتطيم اإلقط ‪%%‬اع مما‬
‫يعد مكسب الشعوب إىل جانبها شيئًا تافهًا ال يذكر!‬

‫‪ )?(72‬مل يكن لعبي ‪%%‬د األرض ح ‪%%‬ق االنتق ‪%%‬ال وال ح ‪%%‬ىت من اإلقطاعي ‪%%‬ة إىل اإلقطاعي ‪%%‬ة اجملاورة هلا إال ب ‪%%‬إذن من‬
‫السيد‪ ،‬وإذا انتقل بغري إذن السيد اعترب عبدًا آبقًا‪ ،‬وأعيد إىل سيده مكبًال باألغالل!‬
‫‪ )?(73‬قلن ‪%%‬ا يف الفص ‪%%‬ل الس ‪%%‬ابق إن اجلاهلي ‪%%‬ات ال ختل ‪%%‬و من ج ‪%%‬وانب خ ‪%%‬رية‪ ،‬ولكن ه ‪%%‬ذا اخلري اجلزئي فيه ‪%%‬ا ال‬
‫ينفي عنها جاهليتها‪ ،‬وال حيميها من الدمار‪.‬‬

‫(‪)78‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫والحقيقة الثالثة‪ :‬أن هذه الحقوق والضمانات ذاتها ‪ -‬بل مس‪%‬رحية الدميقراطي‪%‬ة‬
‫كله ‪%%‬ا مبا فيه ‪%%‬ا من حري ‪%%‬ات وض ‪%%‬مانات ومتثي ‪%%‬ل برملاين‪ ..‬اخل ‪ -‬ق‪,,‬د ركب اليه‪,,‬ود موجته‪,,‬ا‪،‬‬
‫ووجهوها في النهاية لحسابهم الخاص‪ ،‬وجعلوها جزًءا من خمططهم الشرير (‪!)74‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ركب اليه‪%%‬ود الث‪%%‬ورة الفرنس‪%%‬ية‪ ،‬ورفع‪%%‬وا عليه‪%%‬ا ش‪%%‬عارهم املاس‪%%‬وين‪ :‬الحرية واإلخاء‬
‫والمساواة‪ ،‬ووجهوه‪%%‬ا الوجه‪%%‬ة ال‪%%‬يت يري‪%%‬دوهنا هم‪ ،‬بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر عن كوهنا حتق‪%%‬ق ‪ -‬أو ال‬
‫حتقق ‪ -‬مصاحل الثوار أنفسهم!‬

‫ك‪%%‬انت الث‪%%‬ورة يف أص‪%%‬لها قائم‪%%‬ة ض‪%%‬د رج‪%%‬ال ال‪%%‬دين لطغي‪%%‬اهنم وإذالهلم لكي‪%%‬ان البش‪%%‬ر‪،‬‬
‫س‪%% %‬واء طغي‪%% %‬اهنم ال‪%% %‬روحي أو املايل أو العقلي‪ ..‬ومس‪%% %‬اندهتم ملظ‪%% %‬امل اإلقط‪%% %‬اع حبكم أهنم هم‬
‫أنفسهم من كبار اإلقطاعيني! وكان حتطيم هذا الطغيان ض‪%%‬روريًا لتنطل‪%%‬ق احلي‪%%‬اة يف مس‪%%‬ارها‬
‫الط‪%%‬بيعي‪ ،‬ولتتق‪%%‬دم احلي‪%%‬اة وترتقى حني تف‪%%‬ك عنه‪%%‬ا األغالل ال‪%%‬يت فرض‪%%‬تها الكنيس‪%%‬ة وق‪%%‬ام على‬
‫حراستها رجال الدين‪.‬‬

‫وكانت فرصة ساحنة لتصحيح " ال‪,‬دين " بع‪%%‬د إزاح‪%%‬ة رجال‪%%‬ه احملرتفني من الطري‪%%‬ق‪،‬‬
‫وهم الذين يأمرون الناس بالرب وينسون أنفسهم‪ ،‬وي‪%%‬دعون الن‪%%‬اس للزه‪%%‬د وهم غارقون في‬
‫ترف فاجر يعف عنه الرجل العادي ولو كان من غري املتدينني!‬

‫ولكن اليه‪%%‬ود م‪%%‬ا ك‪%%‬انوا يري‪%%‬دون للن‪%%‬اس أن يص‪%%‬ححوا دينهم! فهم على العكس من‬
‫ذلك يكرهون أن يكون للناس دين‪ ،‬فضًال عن أن يكون ه‪%%‬و ال‪%‬دين الص‪%%‬حيح‪ ،‬ال‪%‬ذي ي‪%‬أمر‬
‫الناس باملعروف وينهاهم عن املنكر وحيرم عليهم الفساد يف األرض‪ .‬والدين عامة‪ ،‬وال‪,‬دين‬
‫الص ‪,,‬حيح خاص ‪,,‬ة‪ ،‬ع‪%% %‬دوهم األول واألك‪%% %‬رب‪ ،‬ال‪%% %‬ذي يس‪%% %‬عون إىل إفس‪%% %‬اده وتدمريه‪ ،‬لينه ‪%%‬ار‬
‫احلاجز األك ‪%%‬رب ال ‪%%‬ذي حيول بينهم وبني تنفي ‪%%‬ذ خمطط ‪%%‬اهتم الش ‪%%‬ريرة من أول الت ‪%%‬اريخ إىل آخ ‪%%‬ر‬
‫التاريخ!‬

‫لذلك أسرع اليهود بركوب موج‪%%‬ة الث‪%%‬ورة ليوجهوها حيث يري‪,,‬دون هم‪ ،‬وحيث‬
‫تقتض‪,,‬ي " مص‪,,‬الحهم "‪ ..‬فوجهوه ‪%%‬ا ض ‪%%‬د ال ‪%%‬دين ذاته ال ض ‪%%‬د رجال ‪%%‬ه فحس ‪%%‬ب! وق ‪%%‬امت يف‬
‫أورب‪%%‬ا أول دول‪%%‬ة علماني‪%%‬ة ال جتع‪%%‬ل ال‪%%‬دين قاع‪%%‬دة حلياهتا‪ ..‬وك‪%%‬انت خط‪%%‬وة " إىل األم‪%%‬ام " يف‬

‫‪ )?(74‬راجع – إن شئت – فصل " الدميقراطية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)79‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫تنفي‪%‬ذ املخط‪%‬ط الش‪%‬رير‪ ،‬م‪%‬ا ك‪%‬انوا ليحلم‪%‬وا هبا باليس‪%‬ر ال‪%‬ذي متت ب‪%‬ه يف َّمُحى الث‪%‬ورة‪ ،‬والن‪%‬اس‬
‫مندفعون يف محاسة االنتقام‪ ،‬ال يلوون على أحد وال يبقون على شيء!‬

‫وأصبحت فرنسا من بعد منوذجًا حيتذى‪ ..‬وكسبت اليهودية معرك‪%%‬ة من معاركه‪%%‬ا‬


‫احلامسة مع " الدين "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ثم جاءت الثورة الصناعية بطوفانها‪..‬‬

‫وق ‪%%‬د أش ‪%%‬رنا من قب ‪%%‬ل إش ‪%%‬ارة ع ‪%%‬ابرة إىل أن اليه ‪%%‬ود ك ‪%%‬انت هلم " مص ‪%%‬احل " يف الث ‪%%‬ورة‬
‫الص ‪%%‬ناعية‪ ،‬دعتهم إىل املش ‪%%‬اركة يف حتطيم اإلقط ‪%%‬اع‪ ،‬لتحري ‪%%‬ر عبي ‪%%‬د األرض‪ ،‬وتوجيههم إىل‬
‫العمل يف املدن يف املصانع‪.‬‬

‫فاآلن نفصل هذه اإلشارة شيئًا من التفصيل‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ك‪%%‬انت الص‪%%‬ناعة يف حاج‪%%‬ة إىل متوي‪%%‬ل‪ ..‬وك‪%%‬ان املال الوف‪%%‬ري ال‪%%‬ذي ميكن أن ميّو ل‬
‫الصناعة يف يد فئتني رئيسيتني‪ :‬رجال اإلقطاع‪ ،‬والمرابين اليهود‪.‬‬

‫فأم‪,,‬ا رجال اإلقط‪,,‬اع فقد رفض‪,,‬وا أن ي‪,,‬دخلوا المي‪,,‬دان اجلدي‪%%‬د ألس‪%%‬باب عدي‪%%‬دة‪.‬‬
‫منها أهنم " فالحون " وإن كانوا ال يعملون بأيدهم! والفالح ال حيب أن يغامر باس‪%%‬تخدام‬
‫مال‪%%‬ه يف غ‪%%‬ري ال‪%%‬دورة الزراعي‪%%‬ة املألوف‪%%‬ة عن‪%%‬ده‪ ،‬املعلوم‪%%‬ة لدي‪%%‬ه بك‪%%‬ل تفص‪%%‬يالهتا‪ ،‬وك‪%%‬ل خطواهتا‬
‫الرتيب ‪%%‬ة املوروث ‪%%‬ة من آالف الس ‪%%‬نني‪ .‬ف ‪%%‬إذا أض ‪%%‬فنا إىل ذل ‪%%‬ك أن كث ‪%%‬ريًا من الص ‪%%‬ناعات مل يكن‬
‫يربح يف أول األمر‪ ،‬بل كان كثري منها خيسر ويفلس‪ ،‬لسوء املواص‪%‬الت وقتئ‪%‬ذ‪ ،‬وقل‪%‬ة إقب‪%‬ال‬
‫الن ‪%%‬اس على على املص ‪%%‬نوعات اآللي ‪%%‬ة خوف‪ً% %‬ا من حمق الربك ‪%%‬ة‪ ،‬وع ‪%%‬دم وج ‪%%‬ود أدوات لإلعالن‬
‫ترغب الن‪%‬اس يف الش‪%‬راء‪ ..‬وغ‪%‬ري ذل‪%‬ك من األس‪%‬باب‪ ..‬إذا أض‪%‬فنا ه‪%‬ذه املالبس‪%‬ات فهمن‪%‬ا ملاذا‬
‫أحجم اإلقط‪%% %‬اعيون عن التح‪%% %‬ول من الزراع‪%% %‬ة إىل الص‪%% %‬ناعة‪ ،‬وبق‪%% %‬وا يتفرج‪%% %‬ون على الث‪%% %‬ورة‬
‫الصناعية من بعيد‪.‬‬

‫وأما المرابون اليهود فقد أقبلوا بصدور منش‪,,‬رحة وأي‪ٍ,‬د مم‪,,‬دودة‪ ..‬فق‪%%‬د ك‪%%‬انت‬
‫بالنسبة إليهم فرص‪%‬ة مواتي‪%‬ة‪ ،‬ال يغ‪%‬ريون فيه‪%‬ا ش‪%‬يئًا من دي‪%‬دهنم ال‪%‬ذي اعت‪%‬ادوا علي‪%‬ه‪ ،‬ب‪%‬ل تتس‪%‬ع‬
‫دائرة أعماهلم اتساعًا هائًال على نفس احملور الذي يدورون حوله‪ ،‬وهو اإلقراض بالربا!‬

‫(‪)80‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إهنم مل يش ‪%%‬اركوا بأنفس ‪%%‬هم وال ب ‪%%‬أمواهلم اخلاص ‪%%‬ة (في مبدأ األم ‪,,‬ر) إمنا اش ‪%%‬رتكوا‬
‫بالتموي‪%%‬ل يف ص‪%%‬ورة ق‪%%‬روض ربوي‪%%‬ة يقرض‪%%‬وهنا للراغ‪%%‬بني مقاب‪%%‬ل ض‪%%‬مانات‪ ،‬فأم‪%%‬ا املق‪%%‬رتض فه‪%%‬و‬
‫الذي يواجه املغامرة وحده‪ ..‬يكسب أو خيسر‪ ،‬أو حىت يفلس‪ ..‬وأما اليهودي فال يخسر‬
‫شيئًا! فبالضمانات ال‪%‬يت أخ‪%‬ذها على املق‪%‬رتض يس‪%‬رتد أموال‪%‬ه كامل‪%‬ة‪ ،‬مض‪%‬افًا إليه‪%‬ا املال احلرام‬
‫ال ‪%%‬ذي جيني ‪%%‬ه بالفوائ ‪%%‬د الربوي ‪%%‬ة‪ ..‬وذل ‪%%‬ك فض‪ً% %‬ال عن أن املال ال ‪%%‬ذي أقرض ‪%%‬ه مل يكن مال ‪,,‬ه في‬
‫الحقيقة! إمنا هو مال املودعني الذين أودعوا عنده املال مقابل شيء من الربح‪ .‬فهو يقرضه‬
‫للمحت‪%%‬اجني‪ ،‬ويف‪%%‬رض عليهم م‪%%‬ا ش‪%%‬اء من الرب‪%%‬ا‪ ،‬فيعطي ص‪%%‬احب الوديع‪%%‬ة جانب ‪ً%‬ا من‪%%‬ه ويض‪%%‬ع‬
‫الب‪%%‬اقي يف جيب‪%%‬ه وه‪%%‬و القس‪%%‬م األك‪%%‬رب‪ ،‬وه‪%%‬و مل يص‪%%‬نع ش‪%%‬يئًا يف احلقيق‪%%‬ة أك‪%%‬ثر من نق‪%%‬ل املال من‬
‫مكان إىل مكان‪ ،‬وهو جالس آمن مسرتيح!‬

‫ِل ِف‬ ‫ِب ِط‬ ‫ِل‬ ‫ِذِه‬


‫(َو َأْخِل ُم الِّر با َو َقْد ُنُه وا َعْنُه َو َأْك ِه ْم َأْم َو اَل الَّناِس اْلَبا ِل َو َأْع َت ْدَنا ْلَك ا ِر يَن‬
‫ِم ْنُه ْم َعَذ ابًا َأ يمًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]161‬‬

‫أقب‪%%‬ل اليه‪%%‬ود املراب‪%%‬ون على متوي‪%%‬ل الث‪%%‬ورة الص‪%%‬ناعية كم‪%%‬ا قلن‪%%‬ا بص‪%%‬دور منش‪%%‬رحة وأي‪ٍ%‬د‬
‫ممدودة‪ ،‬حتس‪%%‬بًا لألرب‪%%‬اح الض‪%%‬خمة ال‪%%‬يت س‪%%‬يدرها الرب‪%%‬ا الص‪%%‬ناعي عليهم بع‪%%‬د أن ك‪%%‬ان الرب‪%%‬ا يف‬
‫احملي ‪%%‬ط الف ‪%%‬ردي ه ‪%%‬و س ‪%%‬ندهم األك ‪%%‬رب‪ .‬وبالفع ‪%%‬ل اهنالت األم ‪%%‬وال وتض ‪%%‬خمت اجلي ‪%%‬وب وس ‪%%‬عى‬
‫اليه‪%%‬ود إىل مجع ال‪%%‬ذهب‪ ،‬معبودهم القديم المتج‪,,‬دد (‪ ،)75‬وس‪%%‬يطروا من مث س‪%%‬يطرة واس‪%%‬عة‬
‫على احلي ‪%%‬اة االقتص ‪%%‬ادية يف الغ ‪%%‬رب‪ ،‬مما أتاح هلم السيطرة على وس ‪,,‬ائل اإلعالم العالمي ‪,,‬ة‪،‬‬
‫وعلى السياسة العالمية كذلك!‬

‫ولسنا هنا بصدد ذكر التفاصيل‪ ،‬بل نكتفي برءوس املسائل اليت توضح لن‪%‬ا أح‪%‬وال‬
‫العامل املعاصر‪ ،‬ومن بينها ‪ -‬أو قل من أبرزها ‪ -‬السيطرة العالمية لليهود‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د تض ‪%%‬خمت ث ‪%%‬رواهتم عن طري ‪%%‬ق الرب ‪%%‬ا احملرم‪ ..‬وملا تص ‪%%‬احيت الكنيس ‪%%‬ة ب ‪%%‬أن الرب ‪%%‬ا‬
‫حرام‪ ،‬صاح اليهود يف وجهه‪%%‬ا ‪ -‬ومعهم " األمميون " املس‪%%‬تحمرون ال‪%%‬ذين ب‪%%‬دأوا ي‪%%‬دورون‬
‫مغمضي األعني يف دوامة اليهود ‪ -‬إن الصناعة ال تسير إال به‪,,‬ذه الطريقة‪ ،‬وتلك مسألة‬
‫اقتصادية‪ ،‬وال عالقة للدين باالقتصاد!‬

‫وأصبح من البديهيات ‪ -‬يف حس هؤالء " األمميني " ‪ -‬أن الربا هو عم‪,,‬اد الحي‪,,‬اة‬
‫االقتص ‪,,‬ادية ال ‪,,‬ذي ال يمكن أن تسير بغ ‪,,‬يره‪ ،‬وال يتص ‪,,‬ور أن يكون ل ‪,,‬ه بديل! وأن من‬

‫‪ )?(75‬عب‪%%‬د اليه ‪%%‬ود العج ‪%%‬ل ال ‪%%‬ذهب ال ‪%%‬ذي ص‪%%‬نعه هلم الس ‪%%‬امري‪ ،‬مث تاب من تاب منهم يف حينه ‪%%‬ا‪ ،‬وبقيت‬
‫عبادة الذهب ال تبارح أجياهلم املتعاقبة!‬

‫(‪)81‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫يع ‪%%‬رتض على الرب ‪%%‬ا ‪ -‬ال ‪%%‬ذي ه ‪%%‬و أس ‪%%‬اس التق ‪%%‬دم االقتص ‪%%‬ادي كل ‪%%‬ه يف ومههم ‪ -‬فه ‪%%‬و يري ‪%%‬د أن‬
‫يعطل دورة اإلنتاج‪ ،‬وحيطم التق‪%‬دم االقتص‪%‬ادي‪ ،‬ويقع‪%‬د بالن‪%‬اس عن‪%‬د ح‪%‬دود العص‪%‬ر ال‪%‬زراعي‬
‫املت ‪%%‬أخر‪ ،‬ويري ‪%%‬د لنفس ‪%%‬ه وبالده الفق ‪%%‬ر‪ ..‬وذل ‪%%‬ك ف ‪%%‬وق ارتكاب ‪%%‬ه جرمية أص ‪%%‬لية‪ ،‬هي انطالق ‪%%‬ه يف‬
‫تفكريه من منطلق " ال‪%‬دين "‪ ..‬ال‪%‬دين املنب‪%‬وذ ال‪%‬ذي ثرن‪%‬ا علي‪%‬ه وحطمن‪%‬اه‪ ،‬وانفلتن‪%‬ا من أغالل‪%‬ه‬
‫اجلائرة!!‬

‫وانفتحت لليه‪%‬ود ‪ -‬من خالل الث‪%‬ورة الص‪%‬ناعية ‪ -‬أب‪%‬واب جدي‪%‬دة للش‪%‬ر‪ ،‬مل يتوان‪%‬وا‬
‫يف استغالهلا‪ ،‬وقد اطمأنوا إىل " الغفلة " اليت وقع فيها احلراس‪ ،‬حني ألقوا الدين جانبًا‪ ،‬بل‬
‫فروا منه فرارًا (َك َأَّنُه ْم ُحُمٌر ُمْس َتْنِف َر ٌة‪َ ،‬فَّر ْت ِم ْن َقْسَو َر ٍة)‪[ .‬س‪%%‬ورة املدثر‪ ،‬اآليت‪%%‬ان ‪- 50‬‬
‫‪.]51‬‬

‫سهل عليهم أوًال السيطرة على وسائل اإلعالم‪ ،‬والصحافة بصفة خاصة‪.‬‬

‫فالص‪%%‬حيفة تتكل‪%%‬ف كث‪%%‬ريًا يف ورقه‪%%‬ا وطباعته‪%%‬ا واألج‪%%‬ور ال‪%%‬يت تدفعها لتك‪%%‬وين مادهتا‬
‫الصحفية سواء كانت إخبارية أو أدبية أو علمية أو ترفيهية‪ ..‬اخل‪ .‬ولو بيعت بالس‪%%‬عر ال‪%%‬ذي‬
‫يغطي تكاليفه‪%%‬ا‪ ،‬وي‪%%‬وفر بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك رحبًا ألص‪%%‬حاهبا‪ ،‬لغال مثنه‪%%‬ا وق‪%%‬ل توزيعه‪%%‬ا وض‪%%‬عف أثره‪%%‬ا‪.‬‬
‫إمنا تس‪%%‬تمد تأثريه‪%%‬ا الواس‪%%‬ع من رخص مثنه‪%%‬ا‪ ،‬وق‪%%‬درة مجه‪%%‬ور ع‪%%‬ريض من الن‪%%‬اس على ش‪%%‬رائها‬
‫وقراءهتا‪ .‬والب ‪%%‬اب الوحي ‪%%‬د ال ‪%%‬ذي يغطي ه ‪%%‬ذه النفق ‪%%‬ات‪ ،‬وي ‪%%‬وفر بع ‪%%‬دها أرباح‪ً% %‬ا طائل ‪%%‬ة‪ ،‬هو‬
‫اإلعالنات‪..‬‬

‫وأًّيا كان املفكر الذي فك‪%‬ر يف ه‪%‬ذا الب‪%‬اب‪ ،‬يهودًّيا أو أممًّيا‪ ،‬فق‪%‬د أتاح للرأمسالية ‪-‬‬
‫ال ‪%%‬يت ي ‪%%‬ديرها اليه ‪%%‬ود مباش ‪%%‬رة أو من طري ‪%%‬ق غ ‪%%‬ري مباش ‪%%‬ر (‪ - )76‬أن تس ‪%%‬يطر على الص ‪%%‬حافة‪،‬‬
‫وحتيطه ‪%%‬ا ب‪%%‬أغالل ال قب‪%%‬ل هلا هبا‪ ..‬فإم ‪%%‬ا أن " تستقيم " على ال‪,,‬درب الم‪,,‬راد له‪,,‬ا‪ ،‬وإم‪,,‬ا أن‬
‫تمنع عنها اإلعالنات فتسقط على الفور!‬

‫ويف لعبة الدميقراطية ‪ -‬اليت انبثقت عن الث‪%%‬ورة الفرنس‪%%‬ية‪ ،‬وال‪%%‬يت يعجب املس‪%‬تعبدون‬
‫للغ ‪%% %‬رب حني نق ‪%% %‬ول إن اليه ‪%% %‬ود هلم فيه ‪%% %‬ا م ‪%% %‬آرب متع ‪%% %‬ددة ‪ -‬يف تل ‪%% %‬ك اللعب ‪%% %‬ة تس ‪%% %‬تخدم "‬
‫الجم‪,, ,‬اهير " أداة سياس‪%% %‬ية تنف‪%% %‬ذ عن طريقه‪%% %‬ا مص‪%% %‬احل الرأمسالية (‪ )77‬دون وعي من تل‪%% %‬ك "‬
‫الجم‪,,‬اهير " ال‪%%‬يت ال متل‪%%‬ك من الثقااف‪%%‬ة وال من اخلربة وال من الق‪%%‬درة على التحلي‪%%‬ل والتق‪%%‬ومي‬
‫وال من النظ‪%%‬ر الث‪%%‬اقب م ‪%%‬ا تؤدي ب‪%%‬ه املهم‪%%‬ة احلقيقي‪%%‬ة املنوط ‪%%‬ة هبا ‪ -‬نظرًّي ا ‪ -‬يف الدميقراطي‪%%‬ة‪،‬‬
‫وهي " حكم الشعب بواسطة الش‪,,‬عب " أو " من الش‪%%‬عب إىل الش‪%%‬عب بواس‪%%‬طة الش‪%%‬عب "‬
‫‪ )?(76‬عن طريق " البنوك " اليت تقرض املؤسسات الصناعية قروضًا ربوية‪.‬‬
‫‪ )?(77‬راجع إن شئت فصل " الدميقراطية " يف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)82‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫كم ‪%% %‬ا يع ‪%% %‬رب أص ‪%% %‬حاب الدميقراطي ‪%% %‬ة أحيان‪ً% % %‬ا! ومن مث فعم ‪%% %‬ادهم األول يف تك ‪%% %‬وين أفك ‪%% %‬ارهم‬
‫ومواقفهم هو وسائل اإلعالم المختلفة‪ ،‬والصحافة في أولها‪..‬‬

‫وإذ ك‪%%‬ان اليه‪%%‬ود هم ال‪%%‬ذين يس‪%%‬يطرون على وس‪%%‬ائل اإلعالم بطري‪%%‬ق مباش‪%%‬ر أو غ‪%%‬ري‬
‫مباشر‪ ،‬فهم ‪ -‬من مث ‪ -‬الذين يصنعون فكر " الجماهير " أو فك‪%%‬ر ذل‪%%‬ك ال‪%%‬ذي يس‪%%‬مونه "‬
‫رجل الش ‪,,‬ارع " ‪ -‬عم ‪%%‬اد الدميقراطي ‪%%‬ة! ‪ -‬وهي تس ‪%%‬مية واقعي ‪%%‬ة ج ‪%%‬دًا ودقيق ‪%%‬ة ج ‪%%‬دًا‪ ..‬فه ‪%%‬و‬
‫شخص ليس له موقف ذايت‪ ،‬وال عقيدة تبصره حبق‪%%‬ائق األم‪%%‬ور‪ ..‬يأخ‪%%‬ذ فك‪%%‬ره وموقف‪%%‬ه من "‬
‫الشارع " الذي تصنعه وتسيطر عليه وسائل اإلعالم‪..‬‬

‫وعن طريق لعبة " الجماهير " جتري لعبة " السياسة "‪ ..‬ويديرها اليهود!‬

‫إن الدميقراطي ‪%%‬ة ‪ -‬كم ‪%%‬ا قلت يف كت ‪%%‬اب " م‪,,‬ذاهب فكري‪,,‬ة معاص‪,,‬رة " ‪ -‬مس ‪%%‬رحية‬
‫مجيل‪%%‬ة‪ ،‬تت‪%%‬وهم اجلم‪%%‬اهري من خالهلا أهنا ذات وزن حقيقي‪ ،‬وأهنا هي ال‪%%‬يت تس‪%%‬ند ه‪%%‬ذا احلزب‬
‫أو ذاك ليص‪%% %‬ل إىل احلكم‪ .‬بينم‪%% %‬ا األح‪%% %‬زاب كله‪%% %‬ا ‪ -‬راض‪%% %‬ية أو كاره‪%% %‬ة ‪ -‬تدور يف رحى‬
‫الرأمسالية‪ ،‬وتنف ‪%%‬ذ هلا أغراض ‪%%‬ها‪ ،‬وحتق ‪%%‬ق هلا مص ‪%%‬احلها‪ ،‬وال خيتل ‪%%‬ف ح ‪%%‬زب عن ح ‪%%‬زب إال يف‬
‫طريقة التنفيذ!‬

‫وليست " الجماهير " وحدها بطبيع‪%‬ة احلال هي الوس‪%‬يلة الوحي‪%‬دة ال‪%‬يت يس‪%‬تخدمها‬
‫اليه ‪%%‬ود لتوجي ‪%%‬ه " لعبة السياس‪,,‬ة "‪ ،‬إمنا ق ‪%%‬د تك ‪%%‬ون هي " أشرف " الوس‪,,‬ائل المستخدمة!‬
‫فالذهب ‪ -‬لشراء الضمائر ‪ -‬وس‪%%‬يلة‪ ،‬والنساء وس‪%%‬يلة‪ ،‬والتهدي‪,‬د الخفي والعلني وس‪%%‬يلة‪،‬‬
‫واس ‪,,‬تغالل الش ‪,,‬هوات المريض ‪,,‬ة ‪ -‬ومنه ‪%%‬ا ش ‪%%‬هوة الس ‪%%‬لطة ‪ -‬وس ‪%%‬يلة‪ ..‬وكله ‪%%‬ا يف النهاي ‪%%‬ة‬
‫خي‪%% % % %‬وط متس‪%% % % %‬ك هبا الي‪%% % % %‬د الش‪%% % % %‬ريرة‪ ،‬لتح‪%% % % %‬رك هبا سياس‪%% % % %‬ة األرض‪ ..‬أرض " األمم‪,, , ,‬يين "‬
‫املستغفلني!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن خالل الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية انفتح ب ‪%%‬اب كب ‪%%‬ري للش ‪%%‬ر‪ ،‬أطل ‪%%‬ق علي ‪%%‬ه اس ‪%%‬م " قض ‪,,‬ية‬
‫المرأة"!‬

‫وق ‪%% %‬د قصص ‪%% %‬ت قص ‪%% %‬ة ه ‪%% %‬ذه القض ‪%% %‬ية يف أك ‪%% %‬ثر من كت ‪%% %‬اب‪ ،‬ولكن ال ب ‪%% %‬د هن ‪%% %‬ا من‬
‫تلخيص ‪%% %‬ها يف س ‪%% %‬طور لتكتم ‪%% %‬ل يف ذهن الق ‪%% %‬ارئ ص ‪%% %‬ورة الس ‪%% %‬يطرة احلالي ‪%% %‬ة لليه ‪%% %‬ود يف ك‪%% %‬ل‬
‫األرض‪ ..‬إال ما رحم ربك‪..‬‬

‫(‪)83‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫حني " تح‪,,‬رر " عبي ‪%%‬د األرض بتحطيم اإلقط ‪%%‬اع‪ ،‬واجت ‪%%‬ذبتهم الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية إىل‬
‫املدين‪%% %‬ة‪ ،‬فرح‪%% %‬وا يف مب‪%% %‬دأ األم‪%% %‬ر باحلري‪%% %‬ة واالنطالق‪ ،‬ولكنهم وج‪%% %‬دوا أنفس‪%% %‬هم يف عبودي‪%% %‬ة‬
‫جدي ‪%%‬دة ألص ‪%%‬حاب رؤوس األم ‪%%‬وال‪ ،‬يش ‪ّ%‬غلوهنم ف ‪%%‬وق ط ‪%%‬اقتهم‪ ،‬ويعط ‪%%‬وهنم من األج ‪%%‬ور م ‪%%‬اال‬
‫يق ‪%%‬وم ب ‪%%‬أودهم‪ ،‬فض‪ً% %‬ال عن أن يكّو ن ‪%%‬وا ب ‪%%‬ه أس ‪%%‬رة‪ ،‬أو ينفق ‪%%‬وا على أس ‪%%‬رهم ال ‪%%‬يت تركوه ‪%%‬ا يف‬
‫الريف‪ ،‬ومن مث وجدت نساء يف الريف بال عائل‪ ،‬يف جمتم‪%%‬ع ج‪%%‬اهلي ال حيكم مبا أن‪%%‬زل اهلل‪،‬‬
‫وليس فيه ‪ -‬شرعًا ‪ -‬من يكفل املراة يف مجيع أحواهلا‪ ،‬أمًا أو أختًا أو بنتًا أو زوجة (‪.)78‬‬

‫واض ‪%%‬طرت املرأة املرتوك ‪%%‬ة بال عائ ‪%%‬ل أن تقتفي خطى الرج ‪%%‬ل إىل املدين ‪%%‬ة‪ ،‬لتخص ‪,,‬ل‬
‫على لقمة العيش‪ ،‬وإال تعرضت ألن تموت جوعًا!‬

‫وهن‪%%‬اك اس‪%%‬تغلها الرج‪%%‬ل اجلاهلي املوج‪%%‬ود يف املدين‪%%‬ة أس‪%%‬وأ اس‪%%‬تغالل‪ ،‬فش ‪ّ%‬غلها نفس‬
‫س‪%%‬اعات العم‪%%‬ل وأعطاه‪%%‬ا نص‪%%‬ف األج‪%%‬ر! فض‪ً,‬ال عن مساومتها على شرفها لتحص‪,,‬ل على‬
‫العمل الذي يوصلها إلى لقمة الخبز‪.‬‬

‫وص‪%%‬ارت قض‪%%‬ية! قض‪%%‬ية املس‪%%‬اواة بني املرأة والرج‪%%‬ل يف األجر م‪%%‬ا دام‪%%‬ا يش‪%%‬تغالن مع‪ً%‬ا‬
‫يف نفس العمل ونفس القدر من الساعات‪.‬‬

‫وكان هذا مطلبًا عادًال وال شك‪ ،‬وإن كانت القضية كله‪%‬ا إف‪%‬رازًا جاهلًّيا ال ميكن‬
‫أن ينبث‪%% %‬ق من نظ‪%% %‬ام رب‪%% %‬اين يطب‪%% %‬ق ش‪%% %‬ريعة اهلل‪ ،‬ففي الش‪%% %‬ريعة الرباني‪%% %‬ة املنزل‪%% %‬ة من عن‪%% %‬د العليم‬
‫احلكيم‪ ،‬يوج‪%% % % %‬د دائم ‪ً% % % %‬ا عالج لألزم‪,, , ,‬ات ال ي‪,, , ,‬ؤدي إلى الظلم‪ ،‬وال ي‪,, , ,‬ؤدي إلى فساد‬
‫األخالق‪.‬‬

‫ومل يس‪%% %‬تجب الرج‪%% %‬ل اجلاهلي لص‪%% %‬راخ املرأة بطلب املس‪%% %‬اواة يف األج‪%% %‬ر‪ ،‬فانت‪%% %‬دب‬
‫أْنُف َس هم هلا حمامون ي ‪%% %‬دافعون عن " قض‪,, ,‬ية الم‪,, ,‬رأة " من الكت ‪%% %‬اب واخلطب ‪%% %‬اء والص ‪%% %‬حفيني‬
‫وغ‪%%‬ريهم‪ ..‬بعض‪%%‬هم حس‪%%‬ن الني‪%%‬ة بال ش‪%%‬ك‪ ،‬ال يرض‪%%‬ى ض‪%%‬مريه ب‪%%‬الظلم‪ ،‬وبعض‪%%‬هم يص‪,,‬طاد في‬
‫الماء العكر‪ ..‬ألمر يراد‪.‬‬

‫ونص ‪%% % %‬حت املرأة أن الظلم الواق ‪%% % %‬ع عليه ‪%% % %‬ا س ‪%% % %‬ببه جهله ‪,, ,‬ا وجلوس ‪,, ,‬ها في بيته ‪,, ,‬ا‪،‬‬
‫وخضوعها لقوامة الرجل‪ ،‬وعدم اشتغالها بالقض‪,‬ايا العام‪,‬ة‪ ،‬وعدم مش‪,‬اركتها في أم‪,‬ور‬
‫المجتمع‪ ..‬فال بد من إزالة هذه األسباب كلها لرفع ذلك الظلم‪.‬‬

‫‪ )?(78‬يف النظ ‪%%‬ام الرب ‪%%‬اين يوج ‪%%‬د دائم ‪ً%‬ا كفي ‪%%‬ل يكف ‪%%‬ل املرأة يف مجي ‪%%‬ع أحواهلا لكي ال تتع ‪%%‬رض ملا تعرض ‪%%‬ت ل ‪%%‬ه‬
‫املرأة األوروبية " املتحررة "! وحني ال يوجد كافل من أقربائها يكفلها بيت املال‪.‬‬

‫(‪)84‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وتوس ‪%%‬عت القض ‪%%‬ية وتع ‪%%‬ددت أبعاده ‪%%‬ا‪ ..‬وط ‪%%‬ولب هلا ‪ -‬على الت ‪%%‬وايل ‪ -‬بحقه ‪,,‬ا في‬
‫التعليم‪ ،‬وحقه ‪,, ,‬ا في وظ ‪,, ,‬ائف الدول ‪,, ,‬ة‪ ،‬وحقه ‪,, ,‬ا في االنتح ‪,, ,‬اب‪ ،‬وحقه ‪,, ,‬ا في الترشيح‬
‫للبرلمان‪ ،‬وحقها في " الوالية " العامة‪.‬‬

‫ومن خالل التعليم ‪ -‬التعليم الجامعي بصفة خاصة ‪ -‬ولدت قضية االحتالط‪.‬‬

‫وس‪%%‬واء أك‪%%‬انت داخل‪%%‬ة يف التخطي‪%%‬ط يف أذه‪%%‬ان املخططني من مب‪%%‬دأ األم‪%%‬ر أم ج‪%%‬اءت‬


‫يف الطري‪%% %‬ق‪ ،‬فق‪%% %‬د اس‪%% %‬تغلها املخطط‪%% %‬ون أس‪,, ,‬وأ اس‪,, ,‬تغالل ممكن‪ ،‬وجعلوه‪%% %‬ا األداة الك‪%% %‬ربى‬
‫إلفساد اجملتمع كله من أيسر سبيل!‬

‫اإلفساد هو المطلوب‪..‬‬

‫وقد حتول جمتمع الثورة الصناعية إىل طبق‪%‬ات ثالث‪ ،‬بع‪%‬د أن ك‪%‬ان اجملتم‪%‬ع ال‪%‬زراعي‬
‫طبق‪%%‬تني اثن‪%%‬تني (‪ - )79‬فك‪%%‬ان هن‪%%‬اك طبق‪%%‬ة الرأمساليني (الطبقة األرس‪,‬تقراطية) وطبق‪%%‬ة العم‪%%‬ال‪،‬‬
‫وطبق ‪%%‬ة جدي ‪%%‬دة تول ‪%%‬دت من الظ ‪%%‬روف اجلدي ‪%%‬دة أطل‪%%‬ق عليه ‪%%‬ا اس ‪%%‬م الطبقة الوس‪,,‬طى‪ ،‬تتك ‪%%‬ون‬
‫أساس‪ً%‬ا من أص‪%%‬حاب احلرف وخ‪%%‬رجيي املدارس واجلامع‪%%‬ات وم‪%%‬وظفي الدول‪%%‬ة‪ ،‬ال‪%%‬ذين ال تص‪%%‬ل‬
‫دخوهلم أن ترفعهم إىل مستوى األرستقراطية‪ ،‬وال هم يف الوقت ذاته من الفقراء الكادحني‬
‫الذين يعملون بأيديهم‪.‬‬

‫وكان المطلوب هو إفساد الطبقات جميعًا‪ ،‬إلفساد المجتمع كله‪..‬‬

‫فأم ‪,,‬ا الطبقة الرأس ‪,,‬مالية ‪ -‬ال‪%% %‬يت ورثت اإلقط‪%% %‬اع ‪ -‬فهي فاس ‪,,‬دة بحكم ال ‪,,‬ترف‬
‫والترهل وس‪,‬هولة الحص‪,‬ول على الم‪,‬ال الوفير‪ ،‬وق‪%%‬د أع‪%%‬د اليه‪%%‬ود هلا م‪%%‬ا يلزمه‪%%‬ا من فنون‬
‫البغاء " األرستقراطي " ال‪%%‬ذي يص‪%%‬ل معظم مال‪%%‬ه يف النهاي‪%%‬ة إىل جي‪%%‬وهبم‪ ،‬كم‪%%‬ا أع‪%%‬دوا هلا من‬
‫أدوات ال ‪%%‬رتف والزين ‪%%‬ة و " االس‪,,‬تمتاع "‪ ،‬م ‪%%‬ا ميتص أم ‪%%‬واهلم وحيوهلا إىل جي ‪%%‬وب اليه ‪%%‬ود من‬
‫جهة وميتص آدميتهم من جهة أخرى‪ ،‬وجيعلهم محريًا طيعة لشعب الشيطان‪.‬‬

‫وأما طبقة العمال ‪ -‬ال‪%%‬ذين ك‪%%‬انوا يف أص‪%%‬لهم فالحني حمافظني ش‪%%‬ديدي احملافظ‪%%‬ة ‪-‬‬
‫فق ‪%%‬د أفس ‪%%‬دوا يف املدين ‪%%‬ة بحرم‪,,‬انهم من فرص ال‪,,‬زواج النظي‪,,‬ف من جه‪,,‬ة‪ ،‬لقل ‪%%‬ة أج ‪%%‬ورهم‪،‬‬
‫وعج‪%%‬زهم عن إعال‪%%‬ة أس‪%%‬رة يف املدين‪%%‬ة الغالي‪%%‬ة التك‪%%‬اليف‪ ،‬وبتيسير البغ‪,,‬اء ال‪,,‬رخيص من جه‪,,‬ة‬
‫أخرى‪ ،‬من بني الع ‪%%‬امالت الل ‪%%‬وايت س ‪%%‬قطن يف حبائ ‪%%‬ل الرج ‪%%‬ل اجلاهلي ليحص ‪%%‬لن على لقم ‪%%‬ة‬
‫العيش‪..‬‬

‫‪ )?(79‬مها طبقة رجال اإلقطاع (ومعها رجال الدين) وطبقة الشعب‪.‬‬

‫(‪)85‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وبقيت الطبق‪%%‬ة الوس‪%%‬طى‪ ،‬وهي أح‪%%‬د أعم‪%%‬دة " السياس‪,,‬ة " يف لعب‪%%‬ة الدميقراطي‪%%‬ة‪ .‬ومل‬
‫يكن بد من إفسادها هي األخرى لكي يتم للشيطان ما يريد‪.‬‬

‫ووج ‪%%‬د الش ‪%%‬يطان وس ‪%%‬يلته الس ‪%%‬هلة امليس ‪%%‬رة إلفس ‪%%‬اد ه ‪%%‬ذه الطبق ‪%%‬ة على مب ‪%%‬دأ الت‪,,‬درج‬
‫البطيء األكيد المفع‪,‬ول‪ Slow but sure :‬وك‪%%‬انت تل‪%%‬ك الوس‪%%‬يلة امليس‪%%‬رة هي االختالط في‬
‫معاهد التعليم‪ ،‬الذي يؤدي بدوره إلى االختالط في المجتمع الكبير‪.‬‬

‫وما بنا أن نعيد الكالم يف قص‪%%‬ة االختالط فهي معروف‪%%‬ة (‪ )80‬اختالط " بريء " يف‬
‫مب‪%% %‬دأ األم‪%% %‬ر‪ ،‬ينقلب م‪%% %‬ع ال‪%% %‬زمن إىل فس‪%% %‬اد غ‪%% %‬ري ب‪%% %‬ريء‪ ..‬وينظ‪%% %‬ر اجملتم‪%% %‬ع إىل الفس‪%% %‬اد بعني‬
‫االس ‪%%‬تنكار يف مب ‪%%‬دأ األم ‪%%‬ر‪ ،‬وخاص‪,,‬ة فساد الم‪,,‬رأة‪ ،‬ولكن األعص ‪%%‬اب حني تتبل ‪%%‬د‪ ،‬وتالح ‪%%‬ق‬
‫املرأة الرج ‪%%‬ل يف ك ‪%%‬ل ش ‪%%‬يء‪ ،‬ب ‪%%‬دعوى " المساواة "‪ ،‬ف ‪%%‬إذا مت فس ‪%%‬اد الرج ‪%%‬ل وأص ‪%%‬بح أم ‪%%‬رًا‬
‫متعارفًا عليه‪ ،‬طالبت املرأة حبق الفساد مثله حتت عنوانني متدرجة‪ ،‬تب‪%‬دأ حبق ال غب‪%‬ار علي‪%‬ه‪،‬‬
‫ه‪%% %‬و ح‪%% %‬ق اختي ‪,,‬ار ال ‪,,‬زوج‪ ،‬وتنتهي حبق اختي ‪,,‬ار العش ‪,,‬يق (‪ ،)81‬أو " ح‪%% %‬ق املرأة يف أن تهب‬
‫نفسها لمن تش‪,,‬اء "‪ ..‬وتص ‪%%‬بح " األخالق " ال ‪%%‬يت ك ‪%%‬انت من قب ‪%%‬ل مب ‪%%‬دأ متفق ‪ً%‬ا علي ‪%%‬ه‪ ،‬أم ‪%%‬رًا‬
‫مستهجنًا من اجلميع‪ ،‬ال ينادي به إال الرجعيون املتزمتون‪ ،‬وتذهب ص‪%%‬يحاهتم ‪ -‬إن فك‪%%‬روا‬
‫أن يصيحوا ‪ -‬أدراج الرياح!‬

‫ومن خالل قض ‪%%‬ية " االختالط "‪ ،‬وقض ‪%%‬ية " تحري‪,,‬ر الم‪,,‬رأة " وقض ‪%%‬ية " المساواة‬
‫"‪ ،‬وقض‪%%‬ايا أخ‪%%‬رى مماثل‪%%‬ة‪ ،‬انفتحت أم‪%%‬ام املخططني أب‪%%‬واب كث‪%%‬رية من الش‪%%‬ر‪ ،‬تولت وس‪,,‬ائل‬
‫اإلعالم ‪ -‬ال ‪%%‬يت ميلكه ‪%%‬ا اليه ‪%%‬ود ‪ -‬ال ‪%%‬رتويج هلا‪ ،‬وال ‪%%‬دفاع عنه ‪%%‬ا‪ ،‬وتق ‪%%‬دميها للن ‪%%‬اس على أهنا "‬
‫أخالقيات " العصر الصناعي " المتطور "‪.‬‬

‫وال نري ‪%% %‬د أن نس ‪%% %‬بق احلديث عن " الث ‪%% %‬ورة الدارويني ‪%% %‬ة " واس ‪%% %‬تغالل اليه ‪%% %‬ود هلا يف‬
‫إفس‪%‬اد اجملتم‪%‬ع األوريب‪ ،‬فس‪%‬يأيت الكالم عنه‪%‬ا بع‪%‬د قلي‪%‬ل‪ ،‬ولكن‪%‬ا نري‪%‬د هن‪%‬ا فق‪%‬ط أن نثبت دور‬
‫وس ‪,,‬ائل اإلعالم ‪ -‬والص ‪,,‬حافة خاص ‪,,‬ة ‪ -‬في ال ‪,,‬ترويج ألبواب الش ‪,,‬ر ال ‪,,‬تي انبثقت عن‬
‫االختالط وتحرير المرأة‪ ،‬وتقدميها للن‪%‬اس ال على أهنا ش‪%‬رور واف‪%‬دة‪ ،‬ب‪%‬ل على أهنا " تط‪%‬ور‬
‫حضاري " و" حسنات " ينبغي احلرص عليها واالستزادة منها!‬

‫‪ )?(80‬إق‪%%‬رأ إن ش‪%%‬ئت عن ه‪%%‬ذه القص‪%%‬ة فص‪%%‬ل " دور اليه‪%%‬ود يف إفس‪%%‬اد أورب‪%%‬ا " من كت‪%%‬اب " م‪%%‬ذاهب فكري‪%%‬ة‬
‫معاصرة "‪.‬‬
‫‪ )?(81‬ه‪%%‬ذا ه‪%%‬و املع‪%%‬ىن احلقيقي من وراء م‪%%‬ا يس‪%%‬مونه " الص‪%%‬داقة " و " الص‪%%‬ديق " و " الص‪%%‬ديقة "‪ ..‬ولفظ‪%%‬ه‬
‫الص‪%%‬حيح يف اللغ‪%%‬ة ه‪%%‬و " املخادن‪%%‬ة " كم‪%%‬ا يف قول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل‪َ( :‬غْيَر ُمَس اِفِح َني َو ال ُمَّتِخ ِذي َأْخ َد اٍن )‪ [ .‬س‪%%‬ورة‬
‫املائدة‪ ،‬اآلية ‪.] 5‬‬

‫(‪)86‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫‪Enjoy‬‬ ‫لق‪%%‬د حتول اجملتم‪%%‬ع إىل فتن‪%%‬ة م‪%%‬وارة‪ ..‬ك‪%%‬ل إنس‪%%‬ان فيه‪%%‬ا يبحث عن " المتاع "!‬
‫‪.yourself‬‬

‫والرغب‪%%‬ة يف املت‪%‬اع الزائ‪%%‬د عن احلد كم‪%%‬ا أش‪%%‬رنا من قب‪%%‬ل م‪%%‬رياث كري‪%%‬ه ورثت‪%%‬ه اجلاهلي‪%%‬ة‬
‫املعاص‪%‬رة من كلت‪%‬ا اجلاهليتني اإلغريقي‪%‬ة والروماني‪%‬ة‪ ،‬والروماني‪%‬ة خاص‪%‬ة‪ ،‬ولكن اليه‪%‬ود عمق‪%‬وا‬
‫هذه الرغبة حلساهبم اخلاص‪ ،‬حىت حولوا اجملتم‪%%‬ع إىل ماخور كب‪%%‬ري يعج بالفساد‪ ،‬تف‪%%‬وح من‪%%‬ه‬
‫رائح‪%%‬ة ال‪%%‬دنس املننت‪ ،‬وم‪%%‬ع ذل‪%%‬ك تظ‪%%‬ل " الدي‪%%‬دان البش‪%%‬رية " تس‪%%‬رح في‪%%‬ه وتروح‪ ،‬غ‪%%‬ري ش‪%%‬اعرة‬
‫بالننت‪ ،‬بل مستعذبة إياه!‬

‫وك‪%%‬ان لليه‪%%‬ود مأربان مباشران على األق‪%%‬ل من ه‪%%‬ذا ال‪%%‬دنس ايل حتول إلي‪%%‬ه اجملتم‪%%‬ع‬
‫الغريب‪.‬‬

‫األول تحطيم ح‪,,‬اجز " األخالق " وه ‪%%‬و أح ‪%%‬د احلواجز الواقي ‪%%‬ة لإلنس ‪%%‬ان من أن "‬
‫ُيْس َتْح مر " ويركب‪%%‬ه الش‪%%‬يطان‪ .‬وك‪%%‬ان حتطيم‪%%‬ه ‪ -‬بع‪%%‬د حتطيم ال‪%%‬دين ‪ -‬من أع‪%%‬ز األم‪%%‬اين ال‪%%‬يت‬
‫يسعى إليها " شعب اهلل املختار "‪.‬‬

‫والثاني ترويج " األزياء " وأدوات الزينة للمرأة المتبرجة ال‪%%‬يت تري‪%%‬د أن تتجم‪%%‬ل‬
‫لتلفت أنظ ‪%%‬ار الرج ‪%%‬ل الب ‪%%‬احث عن املتع ‪%%‬ة‪ ،‬ليغرق ‪%%‬ا مع‪ً% %‬ا يف املت ‪%%‬اع ال ‪%%‬دنس‪ ،‬وي ‪%%‬ذهب املال إىل‬
‫اليهود‪ ،‬فهم أصحاب بيوت الزينة الكربى وبيوت األزياء!‬

‫ولكن الشر الذي نتج عن هذه الفتنة كان أوس‪,,‬ع بكث‪,,‬ير مم‪,,‬ا يخط‪,,‬ر على البال‬
‫ألول وهلة‪.‬‬

‫فمن ع‪%%‬ادة احلس البش‪%%‬ري أن يتبل‪%%‬د على أن‪%%‬واع املت‪%%‬اع ال‪%%‬يت يعتاده‪%%‬ا‪ ،‬فيبحث دائم ‪ً%‬ا‬
‫عن اجلديد‪.‬‬

‫وحني يك‪%%‬ون اإلنس‪%%‬ان كم‪%%‬ا خلق‪%%‬ه اهلل " في أحسن تقويم " يك‪%%‬ون مش‪%%‬غوًال ‪ -‬إىل‬
‫ج‪%%‬انب املت‪%%‬اع احلس‪%%‬ي ‪ -‬بقيم علي‪,,‬ا تستنفد الطاق‪,,‬ة الفائض‪,,‬ة وتس‪%%‬تعلي هبا إىل آف‪%%‬اق رحب‪%%‬ة‪،‬‬
‫تغين نفسه عن طلب التنويع يف متع احلس القريبة‪ ،‬وجتعله يقنع منها بالض‪%%‬رورات‪ .‬أم‪%%‬ا حني‬
‫ينس ‪%%‬ى قيم ‪%%‬ه العلي ‪%%‬ا‪ ،‬ويس ‪%%‬تغرق يف مت ‪%%‬اع احلس‪ ،‬ويوج ‪%%‬ه إلي ‪%%‬ه مهه كل ‪%%‬ه أو جل ‪%%‬ه‪ ،‬فإن ‪%%‬ه يص ‪%%‬بح‬
‫منهوم ‪ً,‬ا ال يش ‪,,‬بع‪ ،‬وحيت ‪%%‬اج يف ال ‪%%‬وقت نفس ‪%%‬ه إىل التنوي ‪%%‬ع املس ‪%%‬تمر لي ‪%%‬ذهب عن نفس ‪%%‬ه مالل‬
‫التكرار!‬

‫(‪)87‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وحني هب‪%‬ط اليه‪%%‬ود ب‪%‬األمميني إىل ه‪%%‬ذا ال‪%‬درك ‪ -‬أو يف القلي‪%‬ل عمق‪%%‬وا فيهم م‪%%‬ا ك‪%‬انوا‬
‫قد ورثوه من استعدادات ‪ -‬فقد أس‪%%‬رعوا يلب‪%%‬ون " حاجتهم " إىل التنوي‪%%‬ع‪ ..‬وهم الكاس‪%%‬بون‬
‫دائم‪ً%‬ا من وراء ك‪%%‬ل تنوي‪%%‬ع! وحتول اجملتم‪%%‬ع ‪ -‬على أي‪%%‬ديهم ‪ -‬إىل ملهاة كبرى‪ ،‬إلى جانب‬
‫تحول‪,,‬ه إلى م‪,,‬اخور كبير‪ ..‬ف‪%%‬إىل ج‪%%‬انب جن‪%%‬ون " املودة " (جنون األزي‪,,‬اء) وجن‪%%‬ون الزين‪%%‬ة‬
‫(التبرج) أوج‪%%‬دوا جنون السينما وجنون التليفزي‪,‬ون‪ ،‬وجنون الفي‪,‬ديو‪ ،‬وجنون الكرة‪،‬‬
‫وجنون العري‪ ،‬ومسابقات الجمال‪ ..‬ومئ‪%%‬ات أخ‪%%‬رى من فن‪%%‬ون الله‪%%‬و الع‪%%‬ابث ال‪%%‬يت ال تلي‪%%‬ق‬
‫بالبش‪%%‬ر األس‪%%‬وياء‪ ،‬وال ينغمس فيه‪%%‬ا " إنسان " يعي حقيق‪%%‬ة إنس‪%%‬انيته‪ ،‬وي‪%%‬درك غاي‪%%‬ة الوج‪%%‬ود‬
‫البشري يف األرض‪.‬‬

‫وص ‪%%‬حيح أن ه ‪%%‬ؤالء الق ‪%%‬وم يب ‪%%‬ذلون يف س ‪%%‬اعات العم ‪%%‬ل جه‪,,‬دًا جادًا ال هزل في‪,,‬ه‪،‬‬
‫وينتجون إنتاًج ضخمًا بذلك اجلهد‪ ،‬ولكن ال ينبغي أن يغيب عن بالنا أن‪%%‬ه إنت‪%%‬اج م‪%%‬ادي يف‬
‫معظم ‪%%‬ه‪ ،‬ال يقيم ‪ -‬وح ‪%%‬ده ‪ -‬حض ‪%%‬ارة‪ ،‬وال يل ‪%%‬يب ‪ -‬وح ‪%%‬ده ‪ -‬حاج ‪%%‬ات اإلنس ‪%%‬ان الفطري ‪%%‬ة‪،‬‬
‫املك‪%%‬ون من جس‪%%‬د وعق‪%%‬ل وروح‪ ،‬لك‪%%‬ل منه‪%%‬ا متطلباهتا‪ ،‬ولك‪%%‬ل منه‪%%‬ا غ‪%%‬ذاؤها ال‪%%‬ذي جيب أن‬
‫يقدم هلا لتنمو وترتقي‪.‬‬

‫وال يغيب عن بالن‪%%‬ا ك‪%%‬ذلك أن املخططني األش‪%%‬رار ال مصلحة لهم ‪ -‬ح‪%%‬ىت اآلن ‪-‬‬
‫في ت ‪,,‬دمير ذل ‪,,‬ك اإلنت ‪,,‬اج‪ ،‬وال تدمري اجله ‪%%‬د اجلاد ال ‪%%‬ذي يب ‪%%‬ذل في ‪%%‬ه‪ ،‬ألن ج ‪%%‬زًءا كب ‪%%‬ريًا من‬
‫أرباحه يدخل يف النهاية يف جيوهبم‪ ،‬وألن ج‪%‬زًءا غ‪%‬ري قلي‪%‬ل من‪%‬ه ينف‪%‬ق يف إنت‪%‬اج امللهي‪%‬ات ال‪%‬يت‬
‫يلّه ون هبا األمميني!‬

‫إنما نحن ننظر إلى " اإلنسان " في النهاية‪ ..‬أين هو؟‬

‫يعم‪%%‬ل يف ج‪%%‬د ص‪%%‬ارم س‪%%‬حابة يوم‪%%‬ه يف اإلنت‪%%‬اج املادي‪ ،‬وينفلت بع‪%%‬د س‪%%‬اعات العم‪%%‬ل‬
‫إىل املله‪%%‬اة الك‪%%‬ربى واملاخور الكب‪%%‬ري‪ ،‬فال ه‪%%‬و حيق‪%%‬ق إنس‪%%‬انيته وه‪%%‬و يعم‪%%‬ل يف الص‪%%‬باح كاآلل‪%%‬ة‪،‬‬
‫وال ه ‪%%‬و حيققه ‪%%‬ا حني ينفلت إىل الله ‪%%‬و والفج ‪%%‬ور يف اللي ‪%%‬ل أو يف أي ‪%%‬ام العطل ‪%%‬ة‪ ..‬إمنا ه ‪%%‬و يف‬
‫جمموعه آلة حيوانية‪ ،‬أو حيوان آلي‪ ..‬سهل التسخري للشعب الشرير!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وكان من أعقاب تلك الفتنة كذلك تحطيم األسرة‪..‬‬

‫(‪)88‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واألس‪%%‬رة هي احملض ‪%%‬ن الط‪%%‬بيعي ال‪%%‬ذي أوج‪%%‬ده اهلل يف الفط‪%%‬رة لتنش‪%%‬ئة أطف ‪%%‬ال أس‪%%‬وياء‬
‫يعم ‪%%‬ر هبم وج ‪%%‬ه األرض‪ .‬وهي ذات تك ‪%%‬اليف‪ :‬نفس ‪%%‬ية وعص ‪%%‬بية ومالي ‪%%‬ة واجتماعي ‪%%‬ة‪ ..‬ولكن‬
‫الناس ُيْق ِبلون ‪ -‬بالفطرة ‪ -‬على أداء ه‪%%‬ذه التك‪%%‬اليف حين يكونون على فطرتهم السوية‪،‬‬
‫ألن اهلل اخلالق املبدع أودع ذلك يف فطرهتم‪.‬‬

‫أم‪%% %‬ا حني تنتكس تل ‪%%‬ك الفط ‪%%‬رة‪ ،‬ويك ‪%%‬ون " االس ‪,,‬تمتاع " ه‪%% %‬و مهه‪%% %‬ا األك ‪%%‬رب‪ ،‬فإهنا‬
‫تستثقل هذه التكاليف ألهنا حتد من االستمتاع أو تقلص حجم‪%‬ه‪ ،‬فينف‪%‬ر الن‪%‬اس من ال‪%‬زواج‬
‫واألسرة ويفض‪%%‬لون عليه‪%%‬ا ال‪%%‬دنس املننت ال‪%%‬ذي يس‪%%‬مونه " الصداقة "‪ ..‬وح‪%%‬ىت إذا تزوج‪%%‬وا ‪-‬‬
‫بع ‪%%‬د ف ‪%%‬رتة غ ‪%%‬ري قص ‪%%‬رية من ال ‪%%‬دنس والله ‪%%‬و ‪ -‬فإن ‪%%‬ه ال يك ‪%%‬ون ذل ‪%%‬ك ال ‪%%‬زواج اهلادئ املس ‪%%‬تقر‬
‫املأنوس الدافئ بالعواطف‪ ،‬الذي يتعلم فيه الطفل البشري معىن بشريته (‪!)82‬‬

‫وبالنس‪%%‬بة للمرأة بالذات تك‪%%‬البت ع‪%%‬دة عوام‪%%‬ل لتنفيرها من ال‪,,‬بيت‪ ،‬ومن وظيفته‪%%‬ا‬
‫الفطري‪%%‬ة ال‪%%‬يت هيأه‪%%‬ا اهلل هلا جس‪%%‬دًا وقلب‪ً%‬ا وروح‪ً%‬ا وكيان‪ً%‬ا ش‪%%‬امًال‪ ..‬وك‪%%‬انت تل‪%%‬ك العوام‪%%‬ل إم‪%%‬ا‬
‫من ختطيط الشعب الشرير‪ ،‬وإما مما استغله الشريرون إلفساد البشرية‪.‬‬

‫لق‪%‬د ك‪%‬ان مما نفره‪%‬ا من ال‪%‬بيت تعي‪%‬ري اجلاهلي‪%‬ة هلا ‪ -‬يف ف‪%‬رتة الظلم ال‪%‬ذي ك‪%‬ان واقع‪ً%‬ا‬
‫عليها ‪ -‬بأهنا قعيدة البيت‪ ،‬حتمل وتل‪%‬د وترض‪%%‬ع‪ ،‬وال ش‪%‬أن هلا وال دراي‪%‬ة باحلي‪%‬اة العام‪%%‬ة ال‪%‬يت‬
‫خيتص هبا الرجل‪ .‬وكان رد الفعل ‪ -‬اجلاهلي ‪ -‬يف نفسها ه‪%%‬و كراهية ال‪,‬بيت والنف‪,‬ور من‬
‫البقاء فيه!‬

‫وكال الوض‪%%‬عني إفراز جاهلي مخت‪,‬ل‪ ،‬س‪%%‬واء تعي‪%%‬ري الرج‪%%‬ل للم‪%%‬رأة بوظيفته‪%%‬ا‪ ،‬أو رد‬
‫الفعل النافر من الوظيفة الفطرية‪.‬‬

‫وتص ‪%%‬حيح االختالل األول ‪ -‬ال ‪%%‬ذي أفرزته اجلاهلي ‪%%‬ة ‪ -‬مل يكن يقتض ‪%%‬ي بالض ‪%%‬رورة‬
‫إجياد اختالل مقاب ‪%% %‬ل! ولكن هكذا تص‪,, ,‬نع الجاهلي‪,, ,‬ة دائم ‪ً, ,‬ا في غيبة المنهج الرباني‪:‬‬
‫تصحح اختالًال باختالل مقابل‪ ،‬وتنتقل من طرف إىل الطرف اآلخر‪ ،‬دون أن تتوقف عند‬
‫نقط‪%‬ة الوس‪%‬ط املوزون‪%‬ة ال‪%‬يت يت‪%‬وازن عن‪%‬دها كي‪%‬ان اإلنس‪%‬ان‪ .‬وجييء دور اليه‪%%‬ود دائم‪ً%‬ا بتعمي‪%‬ق‬

‫‪ 82‬سبق أن أشرنا يف الفصل السابق إىل منهج الرتبية الذي متارسه اجلاهلية املعاص‪%‬رة‪ ،‬وأن‪%‬ه خيرج إنس‪%%‬انًا‬
‫(?)‬

‫جمدًا عامًال مثابرًا جلدًا ذا طبيعة عملية ورؤية واقعية‪ ..‬اخل‪ .‬ولكنه يق‪%‬ف عن‪%‬د ح‪%‬دود احلي‪%‬اة ال‪%‬دنيا فيخت‪%‬ل‬
‫توازنه‪ ،‬مث يضاف إليه حرية اللهو واجملون وحرية اإلحلاد فتفسد بشريته‪.‬‬

‫(‪)89‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اخللل الذي تف‪%‬رزه اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬وإبع‪%‬اد الن‪%‬اس عن الرؤي‪%‬ة الص‪%‬حيحة واملنهج الص‪%‬حيح (‪ ،)83‬لئال‬
‫يسرتد البشر بشريتهم‪ ،‬فيتمردوا على " شعب اهلل املختار "!‬

‫وكان من أدوات التعميق اليت استخدمها املخططون " ترجيل الم‪,‬رأة " من خالل‬
‫مناهج التعليم‪ ،‬اليت تعلم املرأة على منهج الرجل‪ ،‬املع‪%%‬د أص‪ً%‬ال ليناس‪%%‬ب احتياجاته ووظيفت‪%%‬ه‪،‬‬
‫ال احتياج ‪%%‬ات املرأة ووظيفته ‪%%‬ا‪ .‬وك ‪%%‬ذلك من خالل تش‪,,‬غيل الم‪,,‬رأة في جمي‪,,‬ع المج‪,,‬االت‬
‫ال‪,,‬تي يعم‪,,‬ل فيه‪,,‬ا الرجل حبج ‪%%‬ة املس ‪%%‬اواة التام ‪%%‬ة يف ك ‪%%‬ل ش ‪%%‬يء‪ .‬وحني تس ‪%%‬رتجل املرأة فإهنا‬
‫تص‪%%‬بح مثل‪%%‬ه‪ ،‬ال تطي‪%%‬ق البق‪%%‬اء يف ال‪%%‬بيت إال ريثم‪%%‬ا تس‪%%‬رتيح وتس‪%%‬تعد جلول‪%%‬ة جدي‪%%‬دة من العم‪%%‬ل‬
‫واإلنتاج‪.‬‬

‫وك ‪%% %‬ان من أدوات التعمي ‪%% %‬ق ك ‪%% %‬ذلك بث روح " الزمال‪,, ,‬ة " يف أثن ‪%% %‬اء الدراس ‪%% %‬ة ‪-‬‬
‫والدراس‪%%‬ة اجلامعي‪%%‬ة خاص‪%%‬ة ‪ -‬بين الف‪,,‬تى والفت‪,,‬اة على أس‪%%‬اس فك‪%%‬رة املس‪%%‬اواة التام‪%%‬ة في كل‬
‫شيء‪ .‬فإذا قضت سنوات الدراسة " زميلة " للفىت " وصديقة له " أو " خدينة "‪ ..‬مث ج‪%%‬اء‬
‫يتزوجه ‪%%‬ا ‪ -‬إن عّن هلم ‪%%‬ا أن يتزوج ‪%%‬ا ‪ -‬ف ‪%%‬أي مفاج ‪%%‬أة " س ‪%%‬خيفة " يفاجئه ‪%%‬ا هبا حني يطلب‬
‫منه‪%%‬ا ‪ -‬فج‪%%‬أة ‪ -‬أن يك‪%%‬ون قيمًا عليه‪,‬ا‪ ،‬وق‪%%‬د قض‪%%‬ت مع‪%%‬ه تل‪%%‬ك الس‪%%‬نوات كله‪%%‬ا بال قوام‪%%‬ة؟!‬
‫وم‪%‬ا الف‪%‬رق بني م‪%‬ا ك‪%‬ان من عالق‪%‬ة بينهم‪%‬ا (‪ ،)84‬وبني تل‪%‬ك العالق‪%‬ة اجلدي‪%‬دة ال‪%‬يت يطل‪%‬ق عليه‪%‬ا‬
‫اس ‪%%‬م " ال ‪%%‬زواج "؟ كال! إن ‪%%‬ه ال قوام ‪%%‬ة للرج ‪%%‬ل عليه ‪%%‬ا‪ ،‬وال مي ‪%%‬ل يف نفس ‪%%‬ها لل ‪%%‬بيت‪ ،‬إذا ك ‪%%‬ان‬
‫معىن البيت هو قوامة الرجل عليها!‬

‫مث إهنا مل تكن زميلت ‪%%‬ه يف الدراس ‪%%‬ة وص ‪%%‬ديقته وخدينت ‪%%‬ه فحس ‪%%‬ب‪ ،‬ب ‪%%‬ل إهنا تتكس ‪%%‬ب‬
‫كذلك‪ ،‬وتنف‪%%‬ق من كس‪%%‬بها على ال‪%%‬بيت " املش‪%%‬رتك "‪ ..‬فليكن ال‪%%‬بيت احلديث إذًا بال قوامة‪،‬‬
‫وإال فال ضرورة للبيت على اإلطالق!‬

‫وانص ‪%%‬ب ذل ‪%%‬ك كل ‪%%‬ه على األس ‪%%‬رة فحطمه ‪%%‬ا‪ .‬ونس ‪%%‬ب األم ‪%%‬ر إىل الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية!‬
‫واحلق أنه من نتاج املخطط الشرير!‬

‫وحني كس ‪%%‬ب اليه ‪%%‬ود مع ‪%%‬ركتهم ض ‪%%‬د " األس‪,,‬رة " ‪ -‬وهي كال ‪%%‬دين واألخالق من‬
‫أل ‪%%‬د أع ‪%%‬دائهم‪ ،‬ألهنا من احلواجز ال ‪%%‬يت متن ‪%%‬ع اس ‪%%‬تحمار البش ‪%%‬ر وتس ‪%%‬خريهم ‪ -‬امت ‪%%‬د الش ‪%%‬ر إىل‬

‫‪ )?(83‬ملا كتب ألكس ‪%%‬يس كاري ‪%%‬ل كتاب ‪%%‬ه اجلي ‪%%‬د " اإلنس ‪%%‬ان‪ ،‬ذل ‪%%‬ك اجمله ‪%%‬ول " وحتدث في ‪%%‬ه عن أنوث ‪%%‬ة املرأة‬
‫ووظيفتها الفطرية‪ ،‬قالت اجلاهلية عنه إنه جمنون!! ونبذت دعوته‪.‬‬
‫‪ )?(84‬ال نقص‪%%‬د هن‪%%‬ا عالق‪%%‬ة ف‪%%‬رد معني من الرج‪%%‬ال بف‪%%‬رد معني من النس‪%%‬اء‪ .‬إمنا نقص‪%%‬د عالق‪%%‬ة جنس الرج‪%%‬ال‬
‫جبنس النساء‪.‬‬

‫(‪)90‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ج‪%% % % %‬وانب جدي‪%% % % %‬دة‪ ،‬رمبا مل تكن يف ذهن املخططني من أول األم‪%% % % %‬ر‪ ،‬ولكنه‪%% % % %‬ا ج‪%% % % %‬اءت يف‬
‫الطريق‪..‬‬

‫فظ‪%% %‬اهرة تش‪%% %‬رد األطف‪%% %‬ال‪ ،‬وجن‪%% %‬وح األح‪%% %‬داث‪ ،‬وانتش‪%% %‬ار املخ‪%% %‬درات بني األطف ‪%%‬ال‬
‫واملراهقني‪ ،‬جاءت كلها نتيجة غي‪%%‬اب " األم المتفرغة " من ال‪%%‬بيت‪ ،‬وغي‪%%‬اب س‪%%‬يطرة األب‬
‫على األسرة (أي غياب قوامة الرجل) كم‪%‬ا تق‪%%‬ول دراس‪%‬اهتم هم أنفس‪%‬هم بعب‪%‬ارات مباش‪%‬رة‬
‫أو ملفوف‪%‬ة‪ .‬ف‪%‬إذا أض‪%‬يف إليه‪%‬ا تزاي‪%‬د ظ‪%‬اهرة الش‪%‬ذوذ ‪ -‬وهي إف‪%‬راز ج‪%‬اهلي تتس‪%‬بب في‪%‬ه ع‪%‬دة‬
‫عوام‪%%‬ل‪ ،‬من أبرزه‪%%‬ا ترجي‪%%‬ل املرأة وإلغ‪%%‬اء قوام‪%%‬ة الرج‪%%‬ل ومتييع رجولت‪%%‬ه (‪ - )85‬فق‪%%‬د ارتس‪%%‬مت‬
‫صورة كئيبة للمجتمع‪ ،‬مآهلا احلتمي إىل الدمار!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وليس الص‪%%‬غار وح‪%%‬دهم بطبيع‪%%‬ة احلال هم ال‪%%‬ذي أص‪%%‬اهبم م‪%%‬ا أص‪%%‬اهبم بس‪%%‬بب تفك‪%%‬ك‬
‫األسرة‪ ،‬وفقدان السكن والسكينة اليت مّن اهلل هبا على عباده‪:‬‬

‫ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِت ِه‬


‫َأْنُف َّك ُك ْم َأْز َو اجًا َتْس ُك ُنوا ِإَلْيَه ا َو َجَع َل َبْيَنُك ْم‬ ‫(َو ْن آَياِف َأْنِل َخ َل َق َلٍتُك ْمِل ٍمْن‬
‫َيَتَف ُر وَن ) [سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]21‬‬ ‫َم َو َّدًة َو َر ْح َم ًة ِإَّن ي َذ َك آَل يا َق ْو‬

‫فاحلاالت ال ‪%%‬يت أش ‪%%‬رنا إليه ‪%%‬ا يف الفص ‪%%‬ل الس ‪%%‬ابق‪ :‬ح ‪%%‬االت القل ‪%%‬ق واالنتح ‪%%‬ار واجلن ‪%%‬ون‬
‫األمراض النفسية والعصبية‪ ،‬واخلمر واملخ‪%‬درات واجلرمية‪ ،‬ال‪%‬يت تؤك‪%‬د إحص‪%‬اءاهتم أهنا تتزاي‪%‬د‬
‫باس ‪%%‬تمرار‪ ،‬هي نت ‪%%‬اج مش ‪%%‬رتك لع ‪%%‬دة عوام ‪%%‬ل يف وقت واح ‪%%‬د‪ ،‬ولكنه ‪%%‬ا مت ‪%%‬أثرة ابت ‪%%‬داء بفقدان‬
‫السكينة يف داخ‪%% %‬ل األس‪%% %‬رة‪ ،‬والش ‪,,‬قاء ال‪%% %‬ذي حيس‪%% %‬ه الرج‪%% %‬ل واملرأة كالمها س‪%% %‬واء بقي‪%% %‬ا يف‬
‫عالق ‪%%‬ات " ح ‪,,‬رة " بغ ‪%%‬ري زواج‪ ،‬أو تزوج ‪%%‬ا ودارت بينهم ‪%%‬ا املع ‪%%‬ارك اخلفي ‪%%‬ة أو املعلن ‪%%‬ة على "‬
‫السيادة "‪ ،‬أو تزوجا وأحسا باملالل يف بيت الزوجي‪%‬ة بع‪%%‬د احلي‪%‬اة الص‪%%‬اخبة ال‪%‬يت عاش‪%‬ها ك‪%‬ل‬
‫منهم‪%%‬ا وه‪%%‬و " يستمتع " بال ح‪%%‬دود‪ ،‬فيحن ك‪%%‬ل منهم‪%%‬ا إىل هج‪%%‬ر ال‪%%‬بيت والع‪%%‬ودة إىل حي‪%%‬اة‬
‫املتاع! (‪.)86‬‬

‫‪ )?(85‬من العوام ‪%%‬ل األخ‪%%‬رى ال ‪%%‬رتف والرته‪%%‬ل والرغب‪%%‬ة يف " التنوي‪%%‬ع "‪ ..‬ولكن العام ‪%%‬ل الرئيس ‪%%‬ي ه‪%%‬و ترجي‪%%‬ل‬
‫املرأة واستئناث الرجل‪.‬‬
‫‪ )?(86‬اق‪%%‬رأ وص‪%‬فًا دقيق‪ً%‬ا هلذه األح‪%‬وال يف كت‪%‬اب " مب‪%‬اهج الفلس‪%%‬فة " للك‪%%‬اتب األم‪%%‬ريكي " ول دي‪%‬ورانت "‬
‫ص ‪ – 126‬ص ‪ 236‬من الرتمجة العربية‪.‬‬

‫(‪)91‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وال تكتم ‪%%‬ل ص ‪%%‬ورة اإلفس ‪%%‬اد ال ‪%%‬ذي بث ‪%%‬ه املخطط ‪%%‬ون األش ‪%%‬رار دون أن نض ‪%%‬يف إلي ‪%%‬ه‬
‫عامًال قد يبدو اقتصاديًا حبتًا يف ظ‪%%‬اهر األم‪%%‬ر‪ ،‬ولكن‪%%‬ه ‪ -‬كك‪%%‬ل ش‪%%‬يء ‪ -‬اقتصادي اجتماعي‬
‫أخالقي نفسي فكري في ذات الوقت!‬

‫ذل ‪%% %‬ك ه ‪%% %‬و الهبوط المستمر في أس‪,, ,‬عار العملة والغالء المتزاي‪,, ,‬د في أس‪,, ,‬عار‬
‫األشياء‪ ،‬والتزاي ‪%% %‬د املس ‪%% %‬تمر يف األش ‪%% %‬ياء ال ‪%% %‬يت تب ‪%% %‬دأ كمالي ‪%% %‬ات‪ ،‬مث تتح ‪%% %‬ول م ‪%% %‬ع ال ‪%% %‬زمن إىل‬
‫ضروريات‪.‬‬

‫إن ه‪%%‬ذا ال حيدث بص‪%%‬ورة تلقائي‪%%‬ة‪ ..‬إنم‪,‬ا هو مخط‪,‬ط‪ ..‬وخمط‪%%‬ط على ي‪%%‬د األش‪%%‬رار!‬
‫وهلم فيه مآرب شىت!‬

‫فمن م‪%%‬آرهبم شغل الناس مش‪,,‬غلة دائم‪,,‬ة بأمور الحي‪,,‬اة اليومي‪,,‬ة‪ ،‬وباجلانب املادي‬
‫من حياهتم بصفة خاصة حبيث ال يفيقون من الدوام‪%‬ة‪ ،‬وال يتنبه‪%‬ون ملا جيري ح‪%‬وهلم وال م‪%‬ا‬
‫ي‪%% %‬راد هبم‪ " ،‬فالغفلة " هي احلال‪%% %‬ة املطلوب‪%% %‬ة يف األمميني‪ ،‬لكي ينف‪%% %‬ذ " ش‪%% %‬عب اهلل املخت‪%% %‬ار "‬
‫خمططه وهو آمن‪ .‬وجزء من الغفلة املطلوبة يتم يف احلانات واملواخ‪%‬ري وعلب اللي‪%‬ل ووس‪%‬ائل‬
‫" الرتفي‪%%‬ه " ووس‪%%‬ائل الله‪%%‬و الع‪%%‬ابث‪ ،‬وجزء آخر يتم في س‪,‬اعات " اليقظة "! حني تص‪%%‬حو‬
‫عق ‪%%‬وهلم فتفك ‪%%‬ر‪ ،‬فيش ‪%%‬غلوهنا ب ‪%%‬التفكري يف مط‪,,‬الب الحي‪,,‬اة وغالء األس‪,,‬عار وانخف‪,,‬اض القوة‬
‫الشرائية للعملة‪ ،‬والبحث الدائم عن م‪,,‬وارد جدي‪,‬دة لزي‪,‬ادة ال‪,‬دخل‪ ..‬ف‪%%‬إذا ارتف‪%%‬ع ال‪%%‬دخل‬
‫‪ -‬م‪%‬ع الك‪%‬د املتواص‪%‬ل ‪ -‬التهمت الزي‪%‬ادَة مس‪%‬تحدثاٌت جدي‪%‬دة مما ي‪%‬نزل يف الس‪%‬وق‪ ،‬مما يب‪%‬دو‬
‫كمالًّي ا يف مب ‪%%‬دأ األم ‪%%‬ر مث يتح ‪%%‬ول إىل أم ‪%%‬ر ض ‪%%‬روري! ويعم ‪%%‬ل " اإلعالن " عمل ‪%%‬ه يف إغ ‪%%‬راء‬
‫الناس بالشراء‪ ،‬وإيهامهم أن راحتهم لن تتم حىت يشرتوا هذا أو ذاك‪:‬‬

‫والنفس راغبة إذا رّغبتها وإذا ترد إىل قليل تقنع!‬

‫والقناعة يف األمميني ليست من مصلحة الشعب املختار‪ ..‬لذلك ال بد من الرتغيب‬


‫الذي يصل إىل درجة اهلم املقعد املقيم!‬

‫ومن مآرهبم كذلك تشغيل المرأة لكي تنصرف عن األسرة والبيت!‬

‫فإن‪%‬ه كلم‪%‬ا ارتفعت تك‪%‬اليف احلي‪%‬اة أص‪%‬بح دخ‪%‬ل الرج‪%‬ل وح‪%‬ده غ‪%‬ري ك‪%‬اٍف ‪ ،‬وأص‪%‬بح‬
‫من الضروري أن تعاونه املرأة لسد العجز‪ .‬فكيف تستطيع معاونته إال بالعمل؟!‬

‫(‪)92‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وهكذا يبدو عمل املرأة " ضرورة "! ويبدو عدم قيامها هلذه الض‪%%‬رورة نك‪%%‬وًال عن‬
‫واجب!! ويتج‪%%‬ه حبث الرج‪%%‬ل ‪ -‬حني يري‪%%‬د أن ي‪%%‬تزوج ‪ -‬إىل الم‪,‬رأة العاملة ذات ال‪,‬دخل‪،‬‬
‫ومن جانبه ‪%%‬ا جتد فرص ‪%%‬ة ال ‪%%‬زواج أيس ‪%%‬ر حني تك ‪%%‬ون عامل ‪%%‬ة! ف ‪%%‬إن مل تكن عامل ‪%%‬ة فق ‪%%‬د ال جتد‬
‫الزوج أبدًا‪ ..‬وعندئذ يتعني عليها أن تعمل لكي تعيش‪ ،‬ألنه ال عائل هلا وال كفيل!‬

‫وحني تعم ‪%%‬ل املرأة‪ ،‬ويص ‪%%‬بح عمله ‪%%‬ا يف نظره ‪%%‬ا ونظ ‪%%‬ر اجملتم ‪%%‬ع كل ‪%%‬ه ض ‪%%‬رورة‪ ،‬تنفتح‬
‫أبواب الشر اليت أحملنا إليها من قبل‪ .‬ترتك التف‪%%‬رغ لألموم‪%%‬ة ورعاي‪%‬ة النشء‪ ،‬فيتش‪%‬رد األطف‪%%‬ال‬
‫نفس‪ًّ%‬يا مهم‪%%‬ا أغ‪%%‬دق عليهم من املال‪ ،‬ومهم‪%%‬ا وض‪%%‬عوا يف احملاض‪%%‬ن للرعاي‪%%‬ة نياب‪%%‬ة عن األم (‪،)87‬‬
‫وينف‪%%‬ق مزي‪%%‬د من املال لش‪%%‬راء األدوات ال‪%%‬يت تع‪%%‬وض ع‪%%‬دم وج‪%%‬ود األم العامل‪%%‬ة يف ال‪%%‬بيت‪ ،‬وق‪%%‬د‬
‫كان وجودها يف البيت قمينًا أن يوفر جانبًا من هذا املال‪ ،‬كما ينفق ج‪%‬انب من‪%‬ه يف أدوات‬
‫الزين‪%%‬ة وش‪%%‬راء املالبس املتمش‪%%‬ية م‪%%‬ع " الم‪,,‬ودة "‪ ،‬وهي دائم‪%%‬ة التغ‪%%‬ري‪ ،‬حبج‪%%‬ة أن املرأة تش‪%%‬رتي‬
‫من ك‪ّ% %‬د ها اخلاص‪ ،‬فمن حقه ‪%%‬ا أن تش ‪%%‬رتي كم ‪%%‬ا تش ‪%%‬اء‪ ..‬فينف ‪,,‬ق الم ‪,,‬ال‪ ،‬وتت ‪,,‬برج الم ‪,,‬رأة‪،‬‬
‫ويربح اليهود!‬

‫وإذا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذا الق ‪%%‬در كل ‪%%‬ه من الش ‪%%‬ر ق ‪%%‬د " كس ‪%%‬به " اليه ‪%%‬ود من اس ‪%%‬تغالل الث ‪%%‬ورة‬
‫الصناعية‪ ،‬فنحن مل نتحدث بعد عن " مكاسبهم " من استغالل " الثورة الداروينية "!‬

‫وإذا ك ‪%%‬انت احلرك ‪%%‬ة الص ‪%%‬ناعية ق ‪%%‬د مسيت " ث ‪%%‬ورة " بس ‪%%‬بب عن ‪%%‬ف التغي ‪%%‬ريات ال ‪%%‬يت‬
‫أح‪%%‬دثتها يف حي‪%%‬اة البش‪%%‬ر‪ ،‬وهي مل تس‪%%‬فك دم‪ً%‬ا ومل تطل‪%‬ق طلق‪%%‬ة‪ ،‬ف‪%%‬أحرى بالنظري‪%%‬ة الدارويني‪%%‬ة‬
‫أن تس‪%%‬مى ث‪,‬ورة ك‪%%‬ذلك‪ ،‬ألن آثاره‪%%‬ا يف الفك‪%%‬ر األوريب واحلي‪%%‬اة األوربي‪%%‬ة أشد من أي ث‪,‬ورة‬
‫حقيقية مبا يف ذلك الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫ب‪%%‬ل إن أعن‪%%‬ف ث‪%%‬ورة يف الت‪%%‬اريخ احلديث ‪ -‬وهي الث‪%%‬ورة الش‪%%‬يوعية يف روس‪%%‬يا ‪ -‬إن‬
‫هي إال واح‪,,‬دة من آث‪,,‬ار الث‪,,‬ورة الدارويني‪,,‬ة بع ‪%%‬د أن اس ‪%%‬تغلها اليه ‪%%‬ود‪ ،‬وص ‪%%‬نعوا منه ‪%%‬ا م ‪%%‬ادة‬
‫متفجرة قادرة على حتطيم كل شيء‪.‬‬

‫ولق‪%% %‬د حتدثنا يف غ‪%% %‬ري ه‪%% %‬ذا الكت‪%% %‬اب عن الدارويني‪%% %‬ة وإحياءاهتا وآثاره‪%% %‬ا‪ ،‬واس‪%% %‬تغالل‬
‫اليه‪%% %‬ود هلا (‪ ،)88‬ولكن‪%% %‬ا مض‪%% %‬طرون إىل ذكره‪%% %‬ا هن‪%% %‬ا م‪%% %‬رة أخ‪%% %‬رى ملخص‪%% %‬ة‪ ،‬لكي ال نش‪%% %‬غل‬
‫القارئ عن متابعة البحث احلاضر بإرجاعه إىل حبث آخر سابق‪.‬‬

‫‪ )?(87‬اقرأ يف هذ االشأن كتاب " أطفال بال أسر " من تأليف أّنا فرويد‪.‬‬
‫‪ )?(88‬راجع إن شئت كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " فصل " دور اليهود يف إفساد أوربا "‪.‬‬

‫(‪)93‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫نش‪%% %‬ر دارون نظريت‪%% %‬ه يف النص‪%% %‬ف الث‪%% %‬اين من الق‪%% %‬رن التاس‪%% %‬ع عش‪%% %‬ر‪ ،‬وخالص‪%% %‬تها أن‬
‫الكائن‪%%‬ات احلي‪%%‬ة تدرجت من الك‪%%‬ائن الوحي‪%%‬د اخللي‪%%‬ة إىل اإلنس‪%%‬ان‪ ،‬ع‪%%‬رب مراح‪%%‬ل " تطوري‪,,‬ة "‬
‫متع ‪%%‬ددة‪ ،‬فك ‪%%‬انت طح ‪%%‬الب مث نباتات‪ ،‬مث نباتات ش ‪%%‬بيهة ب ‪%%‬احليوان (كاهلي ‪%%‬درا) مث حيوان ‪%%‬ات‬
‫ش‪%%‬بيهة بالنب‪%%‬ات كاملرج‪%%‬ان‪ ،‬مث حيوان‪%%‬ات ال فقاري‪%%‬ة (كالدي‪%%‬دان واحلش‪%%‬رات) مث فقاري‪%%‬ات دني‪%%‬ا‬
‫(كاألمساك والطيور والزواحف) مث ثدييات دنيا مث ث‪%‬دييات علي‪%‬ا‪ ،‬مث ق‪%‬ردة‪ ،‬مث ق‪%‬ردة علي‪%‬ا‪ ،‬مث‬
‫تأيت حلقة مفقودة (هي اإلنسان القرد) ثم يجيء اإلنسان‪..‬‬

‫وتش ‪%%‬تمل النظري ‪%%‬ة ‪ -‬وهي يف احلقيق ‪%%‬ة مج‪,,‬رد فرض مل يرتق ألن يك ‪%%‬ون نظري ‪%%‬ة ‪-‬‬
‫على جمموعة من املقررات‪ ،‬كالقول بأن " الطبيعة " ختلق ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء وال ح‪%%‬د لق‪%%‬درهتا على‬
‫اخلل‪%%‬ق‪ ،‬وأهنا م‪%%‬ع ذل‪%%‬ك ختب‪%%‬ط خب‪%%‬ط عش‪%%‬واء‪ ،‬وأن خل‪%%‬ق اخللي‪%%‬ة احلي‪%%‬ة من اجلم‪%%‬اد مت بطري‪%%‬ق "‬
‫الخلق الذاتي " دون تدخل من اإلرادة اإلهلي‪%‬ة‪ ،‬وأن التط‪%‬ور يه‪%‬دف دائم‪ً%‬ا إىل ترقي‪%‬ة الك‪%‬ائن‬
‫احلي‪ ،‬وأن احلياة كلها صراع بين الكائنات‪ ،‬وأن البقاء في هذا الصراع لألصلح‪ ،‬مبعىن‬
‫األنس ‪%%‬ب للظ ‪%%‬روف القائم ‪%%‬ة من حول ‪%%‬ه‪ ،‬أي للبيئ ‪%%‬ة املادي ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت تق ‪%%‬رر وح ‪%%‬دها ش ‪%%‬كل التط ‪%%‬ور‬
‫وحجمه ووجهته‪ ،‬بطريقة حتمية ال إرادة فيها للكائن احلي‪.‬‬

‫وم‪%%‬ا بن‪%%‬ا هن‪%%‬ا أن نن‪%%‬اقش ش‪%%‬يئًا من مق‪%%‬ررات النظري‪%%‬ة وال ح‪%%‬ىت إحياءاهتا‪ .‬إمنا حنن هن‪%%‬ا‬
‫مع‪%% %‬نيون بش‪%% %‬يء واح‪%% %‬د‪ :‬ه‪%% %‬و اس ‪,,‬تغالل اليه ‪,,‬ود له ‪,,‬ذه النظري ‪,,‬ة على نط ‪,,‬اق واس ‪,,‬ع لتنفي ‪,,‬ذ‬
‫مخططاتهم الخاصة‪.‬‬

‫تق ‪%%‬ول ال ‪%%‬ربوتوكوالت‪ " :‬حنن رتبن ‪%%‬ا جناح دارون ونيتش ‪%%‬ه‪ .‬وإن تأثري أفكارمها على‬
‫عقائد األمميني واضح لنا بكل تأكيد " (‪.)89‬‬

‫وبصرف النظر عن مدى حجية كتاب ال‪%%‬ربوتوكوالت من الناحي‪%%‬ة الوثائقي‪%%‬ة‪ ،‬وه‪%%‬ل‬


‫هو بالفعل حيتوي على أق‪%‬وال اليه‪%‬ود بنص‪%‬ها‪ ،‬أم إن‪%‬ه ترمجة ألفك‪%‬ار اليه‪%‬ود وخمطط‪%‬اهتم كتبه‪%‬ا‬
‫أح‪%%‬د الع‪%%‬املني ب‪%%‬أحواهلم ونس‪%%‬بها إليهم‪ ..‬بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر عن ذل‪%%‬ك فنحن نعت‪%%‬ربه معرّب ًا بص‪%%‬دق‬
‫عن املخطط ‪%%‬ات اليهودي ‪%%‬ة‪ ،‬ألن كل م‪,,‬ا جاء في‪,,‬ه بلسان المستقبل‪ :‬س ‪%%‬نفعل ك ‪%%‬ذاو نفع ‪%%‬ل‬
‫(‪)90‬‬
‫كذا‪ ،‬قد فعلوه بالفعل ومت تنفيذه!‬

‫‪ )?(89‬ال ‪%% %‬ربوتوكول رقم (‪ )2‬من بروتوك ‪%% %‬والت حكم ‪%% %‬اء ص ‪%% %‬هيون‪ .‬راج‪%% %‬ع الرتمجة العربي‪%% %‬ة حملم‪%% %‬د خليف ‪%% %‬ة‬
‫التونسي ص ‪.113‬‬
‫‪ )?(90‬صدرت أول طبعة من الربوتوكوالت س‪%‬نة ‪ 1902‬م وك‪%‬ل م‪%‬ا ج‪%‬اء فيه‪%‬ا بص‪%%‬يغة املس‪%%‬تقبل مت تنفي‪%‬ذه‬
‫خالل السنوات التالية‪.‬‬

‫(‪)94‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ق ‪%%‬الوا‪ :‬سننش ‪,,‬ر اإللح ‪,,‬اد‪ ،‬ونش ‪%%‬روه‪ .‬وق ‪%%‬الوا‪ :‬سننش ‪,,‬ر الفساد الخلقي ونش ‪%%‬روه‪.‬‬
‫وقالوا سنستولي على الصحافة العالمية ونوجهها كما نشاء وفعلوا‪ ..‬اخل‪.‬‬

‫ومن هن ‪%%‬ا ننظ ‪%%‬ر إىل تروجيهم ألفك ‪%%‬ار دارون على أن ‪%%‬ه حقيق‪%% %‬ة‪ .‬ويكفي أن تك ‪%%‬ون‬
‫نظريت ‪%%‬ه تدرس يف ك ‪%%‬ل بالد الع ‪%%‬امل ال على أهنا ف ‪%%‬رض علمي ‪ -‬كم ‪%%‬ا هي يف احلقيق ‪%%‬ة ‪ -‬وال‬
‫ح‪%%‬ىت على أهنا نظري‪%%‬ة حتتم‪%%‬ل اخلط‪%%‬أ والص‪%%‬واب‪ ،‬ولكن على أهنا حقيقة علمي‪,,‬ة‪ ،‬على ال‪%%‬رغم‬
‫من كل اآلراء املعارضة هلا على ألسنة علماء متخصصني يف علوم احلياة!‬

‫لقد وجد فيها اليهود سندًا ضخمًا لكل ما يريدون حتقيقه من الشر!‬

‫ووجدوا فيها ‪ -‬ببساطة ‪ -‬سندًا لتثبيت كل ما أحدثوا من الفساد في المجتم‪,,‬ع‬


‫األوربي‪ ،‬ال على أنه " فساد " ولكنه على أن‪%%‬ه " تطور "! تط‪%%‬ور " حتمي " ك‪%%‬ان ال ب‪%%‬د أن‬
‫يقع‪ ،‬وال قبل ألحد بوقفه أو تغيري وجهته!‬

‫كم‪%%‬ا وج‪%%‬دوا فيه‪%%‬ا ‪ -‬بنفس البس‪%%‬اطة ‪ -‬س‪%%‬ندًا لك‪%%‬ل م‪%%‬ا ميكن أن حيدثوه من الفساد‬
‫في المستقبل‪ ،‬على نفس القاعدة‪ :‬أنه تطور حتمي!‬

‫وال شك أهنا عملية بارعة‪ ..‬ولكنها براعة شريرة!‬

‫مما يتن ‪%%‬در ب ‪%%‬ه أن رجًال ج ‪%%‬اء يع ‪%%‬رض على أح ‪%%‬د اخللف ‪%%‬اء العباس ‪%%‬يني لعب ‪%%‬ة بارع ‪%%‬ة‪ ،‬أن‬
‫يثبت إبرة يف األرض‪ ،‬مث يرمي وه‪%‬و واق‪%‬ف إب‪%‬رة أخ‪%‬رى في‪%‬دخل س‪%‬نها يف فتح‪%‬ة اإلب‪%‬رة املثبت‪%‬ة‬
‫يف األرض‪ ،‬مث يرمي أخرى وثانية وثالثة حىت املائة‪ ،‬كل إبرة تدخل يف فتحة سابقتها! فلما‬
‫قام بالتجربة بنجاح أمر له اخلليفة مبائة دينار ومائ‪%‬ة جل‪%‬دة! فلم‪%‬ا س‪%‬أل مفزوع‪ً%‬ا عن الس‪%‬بب‪،‬‬
‫قال له‪ :‬مائة دينار لبراعتك‪ ،‬ومائة جلدة الستخدام هذه البراعة فيما ال طائل وراءه!‬

‫فإذا كان ذلك الرجل قد استحق مائة جلدة على استخدام براعته يف أمر ال طائ‪%%‬ل‬
‫وراءه ولكن ال ضرر من‪%%‬ه‪ ..‬فكم جلدة يستحق اليه‪,,‬ود على اس‪,,‬تخدام براعتهم في نش‪,,‬ر‬
‫الشر وتثبيته على أوسع نطاق في األرض؟!‬

‫لق‪%%‬د ب‪%%‬رز ثالث‪%%‬ة من " عباقرتهم " ك‪%%‬ل واح‪%%‬د ينهش نهش‪,‬ة من الدارويني‪,‬ة ويك‪%%‬ون‬
‫منها يف جمال حبثه نظرية خاصة‪ ،‬والنظريات الثالث كله‪%%‬ا موجه‪%%‬ة لهدم ال‪,‬دين واألخالق‪،‬‬
‫والتقاليد المستمدة من الدين‪ ،‬األعداء الثالثة األلداء لشعب اهلل املختار!‬

‫ماركس‪ ..‬وفرويد‪ ..‬ودوركايم‪..‬‬

‫(‪)95‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫األول أحدث نظرية اقتصادية اجتماعية سياسية فلسفية هي المادية الجدلي‪,,‬ة ال‪%%‬يت‬
‫انبثق عنها التفسري املادي للتاريخ‪ ،‬وانبثقت عنها الشيوعية‪.‬‬

‫والثاني أحدث نظرية نفسية ميكن أن نطلق عليه‪%%‬ا‪ " :‬التفسير الجنسي للسلوك‬
‫البشري "‪.‬‬

‫والثالث أح‪%%‬دث نظري‪%%‬ة يف علم االجتم‪%%‬اع أب‪%%‬رز م‪%%‬ا فيه‪%%‬ا " العقل الجمعي " ال‪%%‬ذي‬
‫حيرك األف‪%%‬راد من خ‪%%‬ارج كي‪%%‬اهنم بص‪%%‬ورة حتمي‪%%‬ة‪ ،‬وال‪%%‬ذي ه‪%%‬و يف ال‪%%‬وقت ذاته دائم التقلب ال‬
‫يثبت على حال‪.‬‬

‫ولن نناقش هنا نظرياهتم‪ ،‬فقد ناقشناها يف كتب أخرى (‪.)91‬‬

‫إمنا جنتزئ هن ‪%%‬ا بنقط ‪%%‬ة واح ‪%%‬دة معين ‪%%‬ة جتّم ع عليه ‪%%‬ا " العباقرة " الثالث ‪%%‬ة‪ ،‬ك‪ٌّ% %‬ل من‬
‫موقع‪%% %‬ه‪ ،‬كأن‪%% %‬ه مدفعي‪%% %‬ة ض‪%% %‬اربة‪ ،‬ي‪%% %‬دق تل‪%% %‬ك القالع الثالث‪ :‬ال‪%% %‬دين‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والتقالي‪%% %‬د‬
‫املستمدة من الدين‪.‬‬

‫ق‪%%‬ال فروي‪%%‬د إن الطاق‪%%‬ة احليوي‪%%‬ة يف اإلنس‪%%‬ان هي طاق‪,,‬ة جنسية بص‪,,‬فة رئيسية‪ ،‬تول‪%%‬د‬
‫م‪%‬ع الطف‪%‬ل‪ ،‬فريض‪%‬ع بل‪%‬ذة جنس‪%‬ية‪ ،‬وميص إهبام‪%‬ه بل‪%‬ذة جنس‪%‬ية‪ ،‬وحيرك أعض‪%‬اءه بل‪%‬ذة جنس‪%‬ية‪،‬‬
‫ويتبول ويتربز بلذة جنسية‪ ،‬وحيس الول‪%‬د ‪ -‬ال‪%‬ذكر ‪ -‬بعش‪%‬ق جنس‪%‬ي حنو األم‪ ،‬مث " يكبت‪%‬ه "‬
‫بسبب اخلوف من األب‪ ،‬فتنش‪%‬أ يف نفس‪%‬ه " عق‪%‬دة " تس‪%‬مى عق‪%‬دة أوديب‪ ،‬هي منش‪%‬أ ال‪%‬دين‬
‫واألخالق والتقاليد‪ ،‬ومنشأ الضمري (وتقابلها عق‪%‬دة " إليك‪%‬رتا " عن‪%‬د الطفل‪%‬ة) (‪ )92‬وأن ه‪%‬ذه‬
‫العق ‪%%‬دة تس ‪%%‬بب عن ‪%%‬د املراهقني والش ‪%%‬باب أمراض ‪ً%‬ا نفس ‪%%‬ية وعص ‪%%‬بية منش ‪%%‬ؤها الكبت اجلنس ‪%%‬ي‪،‬‬
‫وعالجها االنفالت من قيود الدين واألخالق والتقاليد والضمير!‬

‫واهلدف واض ‪%% % %‬ح من ه ‪%% % %‬ذه " النظري ‪%% % %‬ة " ال ‪%% % %‬يت ال تعتم ‪%% % %‬د على أس ‪%% % %‬اس علمي على‬
‫اإلطالق! فإن مل يكن اهلدف واضحًا فلنرجع إىل الربوتوكوالت!‬

‫يقول الربوتوكول الرابع‪ :‬إن فرويد منا‪ ،‬وسيظل يعرض أم‪,,‬ور الجنس في وض‪,,‬ح‬
‫الشمس حتى ال يخجل الشباب من نشاطه الجنسي‪.‬‬

‫مفهوم‪..‬؟‬
‫‪ )?(91‬انظر إن شئت كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " فصل " دور اليهود يف إفساد أوربا " أو كت‪%%‬اب "‬
‫جاهلية القرن العشرين " فصل " اليهود الثالثة "‪.‬‬
‫‪ )?(92‬عقدة عشق األب‪.‬‬

‫(‪)96‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وهنا قد يقول قائل " رجعي " إن هذا فساد ال يليق بالكائن اإلنساين‪..‬‬

‫عندئ ‪%%‬ذ يس ‪%%‬رع إلي ‪%%‬ه م ‪,,‬اركس فيق ‪%%‬ول‪ :‬إن ه ‪%%‬ذا ليس فس ‪%%‬ادًا ولكن ‪%%‬ه تط ‪%%‬ور‪ ..‬تط ‪,,‬ور‬
‫حتمي!‬

‫ويزي‪%% % %‬د األم‪%% % %‬ر ش‪%% % %‬رحًا فيق‪%% % %‬ول‪ :‬إن " البن‪%% % %‬اء الف‪%% % %‬وقي " من عقائ‪%% % %‬د وأفك‪%% % %‬ار ونظم‬
‫ومؤسس ‪%%‬ات إن ه ‪%%‬و إال انعك ‪%%‬اس للط ‪%%‬ور املادي ال ‪%%‬ذي يك ‪%%‬ون في ‪%%‬ه اإلنس ‪%%‬ان‪ .‬والط ‪%%‬ور املادي‬
‫يتط ‪%%‬ور بص ‪%%‬ورة حتمي ‪%%‬ة‪ ،‬ومن مث يتغ ‪%%‬ري البن ‪%%‬اء الف ‪%%‬وقي تبع‪ً% %‬ا ل ‪%%‬ذلك‪ .‬فتتغ ‪%%‬ري العقائ ‪%%‬د واألفك ‪%%‬ار‬
‫واألخالقيات والتقاليد ويس‪%‬تبدل هبا غريه‪%‬ا مما يك‪%‬ون مناس‪%‬بًا للط‪%‬ور اجلدي‪%‬د‪ .‬وال يمكن من‬
‫ثم أن يكون هناك ثبات في العقائد وال األفكار وال األخالق‪.‬‬

‫مث يرك‪%%‬ز على أخالقي‪%%‬ات اجلنس بال‪%%‬ذات‪ ،‬فيق ‪%%‬ول إن العص ‪%%‬ر ال‪%%‬زراعي ‪ -‬املت‪%%‬أخر ‪-‬‬
‫ك ‪%%‬انت قض ‪%%‬ية العف ‪%%‬ة في ‪%%‬ه ذات ش ‪%%‬أن كب ‪%%‬ري‪ ،‬ألن ‪%%‬ه ك ‪%%‬ان عص ‪%%‬ر س ‪%%‬يطرة الرج ‪%%‬ل‪ ،‬بوص ‪%%‬فه ه ‪%%‬و‬
‫املتكس ‪%%‬ب ال ‪%%‬ذي ينف ‪%%‬ق‪ .‬أم ‪%%‬ا اآلن فق ‪%%‬د حتررت املرأة اقتص ‪%%‬اديًا ففقدت قض‪,,‬ية العف‪,,‬ة قيمته‪,,‬ا‬
‫ال‪,‬تي كانت له‪,‬ا في العص‪,‬ر ال‪,‬زراعي‪ ،‬إذ مل يص‪%%‬بح للرج‪%%‬ل س‪%%‬يطرة على املرأة‪ ،‬وأص‪%%‬بح من‬
‫حقه ‪%%‬ا ‪ -‬بع ‪%%‬د التح ‪%%‬رر االقتص ‪%%‬ادي ‪ -‬أن هتب نفس ‪%%‬ها ملن تش ‪%%‬اء‪ ..‬فنش ‪%%‬أت " أخالقي ‪%%‬ات "‬
‫جدي‪%% %‬دة تناس‪%% %‬ب العص‪%% %‬ر الص‪%% %‬ناعي املتط‪%% %‬ور‪ ..‬قائم‪%% %‬ة على " العالق‪%% %‬ات احلرة " بني الرج‪%% %‬ل‬
‫(‪)93‬‬
‫واملرأة!‬

‫أرأيت‪..‬؟!‬

‫مث يأيت دوركايم فيساند القضية من جانب آخر‪.‬‬

‫يق ‪%%‬ول يف كتاب ‪%%‬ه " قواعد المنهج في علم االجتم‪,,‬اع "‪ " :‬ومن ه ‪%%‬ذا القبي ‪%%‬ل (أي‬
‫من قبي‪%%‬ل تفس‪%%‬ري الس‪%%‬لوك البش‪%%‬ري بأن‪%%‬ه فط‪%%‬ري) أن بعض العلم‪%%‬اء يق‪%%‬ول بوج‪%%‬ود عاطفة دينية‬
‫فطرية لدى اإلنسان‪ ،‬وب‪%%‬أن ه‪%%‬ذا األخ‪%%‬ري م‪%%‬زود حبد أدىن من الغ‪%%‬رية اجلنس‪%%‬ية وال‪%%‬رب بالوال‪%%‬دين‬
‫وحمب ‪%%‬ة األبن ‪%%‬اء‪ ،‬وغ ‪%%‬ري ذل ‪%%‬ك من العواط ‪%%‬ف‪ .‬وق ‪%%‬د أراد بعض ‪%%‬هم تفس ‪%%‬ري نش ‪%%‬أة ك ‪%%‬ل من ال‪,,‬دين‬
‫وال‪,,‬زواج واألس‪,,‬رة على ه‪%%‬ذا النح‪%%‬و‪ .‬ولكن الت‪%%‬اريخ يوقفن‪%%‬ا على أن ه‪%%‬ذه النزع‪%%‬ات ليست‬
‫فطرية في اإلنسان " (‪!!)94‬‬

‫‪ )?(93‬راجع فصل " الشيوعية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬
‫‪ )?(94‬إمي ‪%%‬ل دورك ‪%%‬امي‪ ،‬قواع ‪%%‬د املنهج يف علم االجتم ‪%%‬اع‪ ،‬ترمجة ال ‪%%‬دكتور حمم ‪%%‬ود قاس ‪%%‬م ومراجع ‪%%‬ة ال ‪%%‬دكتور‬
‫السيد حممد بدوي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ص ‪.3‬‬

‫(‪)97‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وهكذا تلتقي النظريات الثالث وتتساند‪ ..‬تلتقي كلها عند ضرب األعداء األل‪%%‬داء‬
‫للمخط ‪%%‬ط اليه ‪%%‬ودي‪ :‬ال ‪%%‬دين‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والتقالي ‪%%‬د املس ‪%%‬تمدة من ال ‪%%‬دين‪ ،‬وهي تش ‪%%‬مل فيم ‪%%‬ا‬
‫تشمل‪ :‬الزواج واألسرة وأخالقيات اجلنس!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كان استغالل اليه‪%%‬ود لقض‪%%‬ية التط‪%‬ور‪ ،‬وقض‪%%‬ية التفس‪%‬ري احلي‪%‬واين لإلنس‪%‬ان‪ ،‬ال‪%‬ذي‬
‫تضمنته نظرية دارون‪ ،‬بارعًا إىل أقصى حد‪ ،‬وماكرًا كذلك إىل أقصى حد‪.‬‬

‫لق‪%%‬د اس‪%%‬تغلوا كلت‪%%‬ا القض‪%%‬يتني يف ه‪%%‬دم ك‪%%‬ل املع‪%%‬اين " اإلنس‪%%‬انية "‪ ،‬وه‪%%‬دم ك‪%%‬ل القيم "‬
‫الثابتة " يف حياة البش‪%‬رية‪ ،‬كم‪%‬ا اس‪%‬تغلوها يف تث‪%‬بيت الواق‪%‬ع الفاس‪%‬د ال‪%‬ذي أح‪%‬دثوه من خالل‬
‫الث‪%%‬ورة الص‪%%‬ناعية‪ ،‬وس‪%%‬نده بنظري‪%%‬ات " علمي‪%%‬ة " ال جتعل‪%%‬ه مستس‪%%‬اغًا فحس‪%%‬ب‪ ،‬ب‪%%‬ل جتعل‪%%‬ه ه‪%%‬و‬
‫الش‪%%‬يء ال‪%%‬واجب الوج‪%%‬ود‪ ،‬وغ‪%%‬ريه ‪ -‬مما حيم‪%%‬ل ش‪%%‬يئًا من القيم اإلنس‪%%‬انية أو األخالقي‪%%‬ة ‪ -‬أم‪%%‬رًا‬
‫مستنكرًا‪ ،‬رجعًّيا‪ ،‬واجب الزوال!!‬

‫أي براعة يف الشر! وأي غفلة من جانب األمميني؟!‬

‫وص ‪%%‬دق رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ " :‬فكي‪,,‬ف بك إذا أص‪,,‬بح المع‪,,‬روف‬
‫منكرًا والمنكر معروفًا؟! " (‪.)95‬‬

‫لقد كان الفكر الكنسي السائد يف أوربا من قب‪%‬ل ميي‪%‬ل إىل تث‪%‬بيت ك‪%‬ل ش‪%‬يء‪ :‬القيم‬
‫والنظم واألخالق والتقاليد واألوضاع السياسية واالجتماعية واالقتصادية والفكرية‪ .‬وكان‬
‫هذا خطأ وال شك‪ .‬ففي احلياة دائمًا ثواتب ومتغريات‪ .‬أو قل إن شئت أص‪%%‬ول ثابت‪%%‬ة تدور‬
‫حوهلا صور متغرية (‪.)96‬‬

‫وجاء اليهود ‪ -‬مستغلني الفك‪%‬ر ال‪%‬دارويين ‪ -‬لينقل‪%‬وا ك‪%‬ل ش‪%‬يء على اخلط املتغ‪%%‬ري‪..‬‬
‫ال الص ‪%%‬ور وح ‪%%‬دها‪ ،‬ولكن األص ‪%%‬ول ك ‪%%‬ذلك‪ .‬وكان هذا خط ‪,,‬أ أخط ‪,,‬ر من األول‪ ..‬ففي‬
‫األول ْجَتُم ُد احلي‪%%‬اة وتْأًس ن ولكنه‪%%‬ا يف الث‪%%‬اين ‪ -‬حني تفق‪%%‬د أص‪%%‬وهلا الثابت‪%%‬ة ‪ -‬تنه‪%%‬ار! وه‪%%‬ل يف‬
‫أم‪%%‬اين الش‪%%‬عب املخت‪%%‬ار أمني‪%%‬ة أع‪ّ%‬ز من ه‪%%‬دم حي‪%%‬اة األمميني من أساس‪%%‬ها‪ ،‬وه‪%%‬دم إنس‪%%‬انيتهم ال‪%%‬يت‬
‫تقف حاجزًا أمام االستحمار؟!‬
‫‪ )?(95‬رواه أبو يعلى املوصلي يف مسنده ‪ – 6389‬ج ‪ 6‬ص ‪.50‬‬
‫‪ )?(96‬إق ‪%%‬رأ إن ش ‪%%‬ئت فص ‪%%‬ل " الث ‪%%‬ابت واملتط ‪%%‬ور يف حي ‪%%‬اة البش ‪%%‬رية " من كت ‪%%‬اب " ح ‪%%‬ول التفس ‪%%‬ري اإلس ‪%%‬المي‬
‫للتاريخ "‪.‬‬

‫(‪)98‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هبذه الوس ‪%%‬ائل جمتمع ‪%%‬ة‪ ..‬باس ‪,,‬تغالل الث ‪,,‬ورات الثالث‪ :‬الث ‪%%‬ورة الفرنس ‪%%‬ية‪ ،‬والث ‪%%‬ورة‬
‫الصناعية‪ ،‬والثورة الداروينية‪ ،‬سيطر اليهود سيطرهتم العاملية اليت ميارسوهنا اليوم‪.‬‬

‫فأم ‪,,‬ا السيطرة العالمي ‪,,‬ة فواق ‪,,‬ع مش ‪,,‬هود‪ .‬فهم ال ‪%%‬ذين يق ‪%%‬ررون من يف ‪%%‬وز برئاس ‪%%‬ة‬
‫الوالي‪%%‬ات املتح‪%%‬دة‪ ،‬وهم ال‪%%‬ذين ي‪%%‬دفعون أعض‪%%‬اء اللجن‪%%‬ة املركزي‪%%‬ة العلي‪%%‬ا يف احلزب الش‪%%‬يوعي‬
‫الروس‪%% %‬ي إىل الس‪%% %‬لطة‪ .‬ومن خالل أمريك‪%% %‬ا وروس‪%% %‬يا حيكم اليه‪%% %‬ود األرض‪ .‬ه‪%% %‬ذا يف عالم‬
‫السياسة‪.‬‬

‫أم ‪%%‬ا يف عالم االقتص ‪,,‬اد فهم أص ‪%%‬حاب رءوس األم ‪%%‬وال الض ‪%%‬خمة‪ ،‬وهم أص ‪%%‬حاب‬
‫البن ‪%%‬وك الك ‪%%‬ربى‪ ،‬وهم ال ‪%%‬ذين يف ح ‪%%‬وزهتم ال ‪%%‬ذهب ال ‪%%‬ذي يتحكم ‪%%‬ون ب ‪%%‬ه يف أس ‪%%‬عار العمالت‬
‫العاملية‪.‬‬

‫ويف دني‪,, ,‬ا اإلعالم هم ال‪%% %‬ذين يس‪%% %‬يطرون على وس‪%% %‬ائل اإلعالم العاملي‪%% %‬ة فيبث‪%% %‬ون من‬
‫خالهلا م‪%%‬ا يري‪%%‬دون من أفك‪%%‬ار وأخب‪%%‬ار‪ ،‬وعقائ‪%%‬د ومن‪%%‬اهج حي‪%%‬اة‪ ،‬كله‪%%‬ا تعم‪%%‬ل يف النهاي‪%%‬ة على‬
‫إفساد األمميني وتسخريهم ملصاحل اليهود‪.‬‬

‫وهم تج‪,,‬ار السالح الع‪,,‬الميون ومث‪%%‬ريو احلروب ك‪%%‬ذلك الس‪%%‬تهالك الس‪%%‬الح ال‪%%‬ذي‬
‫يصنعونه ويبيعونه لألمميني ليقتل بعضهم بعضًا‪.‬‬

‫وهم صانعو أزياء المرأة‪ ،‬وهم جتار أدوات الزينة اليت تتربج هبا النساء‪.‬‬

‫وهم جتار البغ ‪%%‬اء الع ‪%%‬امليون ال ‪%%‬ذين يص ‪%%‬طادون ب ‪%%‬ه من مل تكف ‪%%‬ه ك ‪%%‬ل وس ‪%%‬ائل ال ‪%%‬دنس‬
‫املعروضة يف األسواق‪.‬‬

‫باختص ‪%% % %‬ار‪ ،‬هم اذلين يص‪,, , ,‬وغون لألمم‪,, , ,‬يين عقائ‪,, , ,‬دهم‪ ،‬وأفكارهم‪ ،‬وأنم‪,, , ,‬اط‬
‫حياتهم‪ ،‬وأساليب جدهم وله‪,‬وهم‪ ..‬وكل شيء في حي‪,‬اتهم‪ ..‬إال من رحم رب‪%%‬ك‪ ..‬من‬
‫كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬

‫ويف ع‪%% %‬ام ‪ 1789‬م ألقى ال‪%% %‬رئيس بنج‪%% %‬امني ف‪%% %‬رنكلني خطاب ‪ً% %‬ا عن‪%% %‬د وض‪%% %‬ع دس‪%% %‬تور‬
‫الواليات املتحدة جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫(‪)99‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" هن‪%%‬اك خط‪%%‬ر عظيم يته‪%%‬دد الوالي‪%‬ات املتح‪%%‬دة األمريكي‪%%‬ة‪ ،‬وذل‪%%‬ك اخلط‪%%‬ر العظيم ه‪%%‬و‬
‫خطر اليهود‪.‬‬

‫أيها السادة‪ :‬يف كل أرض حَّل هبا اليهود أطاحوا باملستوى اخللقي وأفسدوا الذم‪%%‬ة‬
‫التجاري‪%%‬ة فيه‪%%‬ا‪ ،‬ومل يزال‪%%‬وا منع‪%%‬زلني ال ين‪%%‬دجمون بغ‪%%‬ريهم‪ ،‬وق‪%%‬د أدى هبم االض‪%%‬طهاد إىل العم‪%%‬ل‬
‫على خنق الشعوب ماليًا‪ ،‬كما هو احلال يف الربتغال وأسبانيا‪.‬‬

‫من‪%%‬ذ أك‪%%‬ثر من ‪ 1700‬ع‪%%‬ام وهم ين‪%%‬دبون حظهم األس‪%%‬يف‪ ،‬ويعن‪%%‬ون ب‪%%‬ذلك أهنم ق‪%%‬د‬
‫ط‪%% % %‬ردوا من دي ‪%% %‬ار آب ‪%% %‬ائهم ولكنهم أيه‪%% % %‬ا الس ‪%% %‬ادة‪ ،‬لن يلبث ‪%% %‬وا إذا َّر دت إليهم ال ‪%% %‬دول الي ‪%% %‬وم‬
‫فلس‪%% %‬طني‪ ،‬أن جيدوا أس‪%% %‬بابًا حتملهم على أال يع‪%% %‬ودوا إليه‪%% %‬ا‪ ،‬ملاذا؟ ألهنم طفيلي‪%% %‬ات ال يعيش‬
‫بعض ‪%% % %‬هم على بعض‪ ،‬وال ب ‪%% % %‬د هلم من العيش بني املس ‪%% % %‬يحيني وغ ‪%% % %‬ريهم ممن ال ينتم ‪%% % %‬ون إىل‬
‫عرقهم‪.‬‬

‫إذا مل ُيْبَعد هؤالء عن الواليات املتحدة (بنص دس‪%‬تورها) ف‪%‬إن س‪%‬يلهم س‪%‬يتدفق إىل‬
‫الوالي‪%% %‬ات املتح‪%% %‬دة يف غض‪%% %‬ون مائ‪%% %‬ة س‪%% %‬نة إىل ح ‪ّ% %‬د يق‪%% %‬درون مع‪%% %‬ه على أن حيكم‪%% %‬وا ش‪%% %‬عبنا‬
‫وي‪%% %‬دمروه ويغرّي وا ش‪%% %‬كل احلكم ال‪%% %‬ذي ب‪%% %‬ذلنا يف س‪%% %‬بيله وض ‪ّ% %‬ح ينا ل‪%% %‬ه بأرواحن‪%% %‬ا وممتلكاتن‪%% %‬ا‬
‫وحرياتنا الفردية‪.‬‬

‫ولن متض ‪%%‬ي مئت ‪%%‬ا س ‪%%‬نة ح ‪%%‬ىت يك ‪%%‬ون مص ‪%%‬ري أحفادن ‪%%‬ا أن يعمل ‪%%‬وا يف احلق ‪%%‬ول إلطع ‪%%‬ام‬
‫اليهود‪ ،‬على حني يظل اليهود يف البيوتات املالية يفركون أيديهم مغتبطني‪.‬‬

‫وإن‪%% %‬ين أح‪%% %‬ذركم أيه‪%% %‬ا الس‪%% %‬ادة‪ ،‬أنكم إال تبع‪%% %‬دوا اليه‪%% %‬ود هنائي ‪ً% %‬ا‪ ،‬فلس‪%% %‬وف يلعنكم‬
‫أبناؤكم وأحفادكم يف قبوركم‪ ،‬إن اليهود لن يتخ‪%‬ذوا ُمُثَلن‪%‬ا العلي‪%‬ا ول‪%‬و عاش‪%‬وا بني ظهرانين‪%‬ا‬
‫عشرة أجيال‪ ،‬فإن الفهد ال يستطيع إبدال جلده األرقط‪.‬‬

‫إن اليه ‪%%‬ود خط ‪%%‬ر على ه ‪%%‬ذه البالد إذا م ‪%%‬ا مسح هلم حبري ‪%%‬ة ال ‪%%‬دخول‪ ،‬إهنم سيقض ‪%%‬ون‬
‫على مؤسساتنا‪ ،‬وعلى ذلك ال بد من أن ُيستْبَعُد وا بنص الدستور " اه (‪.)97‬‬

‫ولق ‪%%‬د ب ‪%%‬ذل اليه ‪%%‬ود دون ش ‪%%‬ك جه ‪%%‬ودًا جب ‪%%‬ارة مكثف ‪%%‬ة للوص ‪%%‬ول إىل ه ‪%%‬ذه الس ‪%%‬يطرة‬
‫العاملية‪ ..‬ولكن جهدهم كله‪ ،‬ومكرهم كله‪ ،‬لم يكن ليفعل شيئًا لوال غفلة األمميين‪.‬‬

‫‪ )?(97‬عن كت‪%%‬اب " غ‪%%‬زوة ب‪%%‬ين قريظ‪%%‬ة " تأليف حمم‪%%‬د أمحد بامشيل‪ ،‬ص ‪ 32 – 30‬ج‪%%‬دة‪ 1386 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 1966‬م‪.‬‬

‫(‪)100‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولننظر يف بعض الظروف اليت مكنت لليهود‪ ،‬ولنتصور أن حال األمميني فيها كان‬
‫غري احلال‪ ..‬فهل كان اليهود يسيطرون!‬

‫ل ‪,,‬و كانت أوربا مل تنف ‪%%‬ر من دينه ‪%%‬ا بس ‪%%‬بب محاق ‪%%‬ات الكنيس ‪%%‬ة‪ ،‬ه ‪%%‬ل ك ‪%%‬ان اليه ‪%%‬ود‬
‫جيدون الفرصة الساحنة لنشر اإلحلاد يف األرض؟‬

‫وه‪%%‬ل ك‪%%‬انوا جيدون الفرص‪%%‬ة الس‪%%‬احنة لتفكي‪%%‬ك اجملتم‪%%‬ع األوريب ونش‪%%‬ر الفس‪%%‬اد اخللقي‬
‫فيه؟‬

‫لو كانت أوربا مَّو لت الثورة الصناعية عن غري طريق املرابني اليهود‪..‬‬

‫لو كانت أوربا تطبق شريعة ربانية تكفل املرأة وال حتوجها إىل العمل لتأكل‪..‬‬

‫وقب ‪%%‬ل ك ‪%%‬ل ش ‪%%‬يء‪ ،‬وف ‪%%‬وق ك ‪%%‬ل ش ‪%%‬يء‪ ،‬ل‪,,‬و أن األم‪,,‬ة المسلمة لم تكن تقاعست‬
‫ونكلت عن رس‪,,‬التها‪ .‬هل كان اليه‪,,‬ود يص‪,,‬لون إلى س‪,,‬يطرتهم الحالي‪,,‬ة مهم‪,,‬ا بذلوا من‬
‫جهد‪ ،‬ومهما كان لديهم من عبقرية الشر؟!‬

‫ونرتك اإلجابة عن السؤال األخري خاصة حىت نعرض لواقع املسلمني‪..‬‬

‫(‪)101‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثالثًا‪ :‬أحوال اليهود بين الكتاب والسنة‬


‫ووعد اهلل ووعيده‬
‫يعجب كث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس‪ ،‬ممن يؤمن‪%%‬ون باهلل والي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر‪ ،‬ويؤمن‪%%‬ون بالكت‪%%‬اب املنّز ل‬
‫على رس ‪%%‬وله ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬كي ‪%%‬ف وص ‪%%‬ل اليه ‪%%‬ود إىل ه ‪%%‬ذه الس ‪%%‬يطرة العجيب ‪%%‬ة بينم ‪%%‬ا‬
‫كتب اهلل عليهم الذل واملسكنة والغضب واللعنة األبدية‪.‬‬

‫(َو ُض ِر َبْت َعَلْيِه ُم الِّذ َّل ُة َو اْلَمْس َك َنُة َو َب اُءوا ِبَغَض ٍب ِم َن الَّل ِه َذِل َك ِب َأَّنُه ْم َك اُنوا‬
‫َيْك ُف ُر وَن بآَي اِت الَّل ِه َو َيْق ُتُل وَن الَّنِبِّييَن ِبَغْي ِر اْلَح ِّق َذِل َك ِبَم ا َعَص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَت ُد وَن )‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫ِإ ِن‬
‫َكَفِمُر وا َبْع َد ِئ يَم ا ِه ْم َو َش ِه ُد وا َأَّنِه الَّر ُس وَل َّلَحِهٌّق َو َج ا ِئَءُه ِةُم‬ ‫(َك ْيَف َيْه ِد ي الَّلُه َقْو مًا‬
‫اْلَبِّيَناُت َو الَّلُه ال َيْه ِد ي اْلَق ْو َم الَّظاِل يَن ‪ُ ،‬أوَل َك َجَز اُؤ ُه ْم َأَّن َعَلْي ْم َلْعَنَة ال َو اْلَم ال َك‬
‫َو الَّناِس َأْج َم ِعيَن ‪َ ،‬خ اِلِد يَن ِفيَه ا ال ُيَخ َّف ُف َعْنُه ُم اْلَع َذ اُب َو ال ُه ْم ُيْنَظ ُر وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اآليات ‪.]88 - 86‬‬

‫ويقف بعضهم خاصة عند قوله تعاىل‪:‬‬

‫(َو ِإْذ َت َأَّذَن َر ُّب َك َلَيْبَعَثَّن َعَلْيِه ْم ِإَلى َيْو ِم اْلِق َياَم ِة َمْن َيُس وُمُه ْم ُس وَء اْلَع َذ اِب )‪.‬‬
‫[سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]167‬‬

‫ويهجس يف نفوس بعضهم خاطر‪ ،‬ولو مل يعلن‪%%‬وه‪ :‬هل توق‪,,‬ف وعد اهلل ووعي‪,‬ده؟‬
‫هل تغيرت السنن الربانية؟ هل كانت كله‪,,‬ا خاص‪,,‬ة بالماض‪,,‬ي ال‪,,‬ذي حكى عنه القرآن‪،‬‬
‫ولكنها ال تشمل الحاضر وال المستقبل؟!‬

‫ونق ‪%%‬ول‪ :‬حاش ‪%%‬ا هلل أن يق ‪%%‬ع ش ‪%%‬يء يف ه ‪%%‬ذا الك ‪%%‬ون كل ‪%%‬ه خمالف‪ً% %‬ا للس ‪%%‬نن الرباني ‪%%‬ة‪ ،‬أو‬
‫خارج‪ً% %‬ا عن وع ‪%%‬د اهلل ووعي ‪%%‬ده‪ .‬ولكن الن ‪%%‬اس ق ‪%%‬د ينظ ‪%%‬رون إىل بعض الس ‪%%‬نن ويغفلون عن‬
‫بعضها اآلخر‪ ،‬أو ينظرون إىل بعض الوعد والوعيد وُيْغفُلون سائره‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د ض ‪%%‬رب اهلل الذل ‪%%‬ة واملس ‪%%‬كنة على اليه ‪%%‬ود‪ ،‬وتوع ‪%%‬دهم أن يبعث عليهم إىل ي ‪%%‬وم‬
‫القيامة من يسومهم سوء العذاب‪ .‬ولكنه استثىن من ذلك فرتة من ال‪%‬زمن أو ف‪%‬رتات‪ ،‬بعب‪%‬ارة‬
‫صرحية ال حتتمل اللبس‪.‬‬

‫(‪)102‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ُضِر َبْت َعَلْيِه ُم الِّذ َّلُة َأْيَن َم ا ُثِق ُف وا ِإاَّل ِبَح ْبٍل ِم َن الَّلِه َو َح ْبٍل ِم َن الَّناِس )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]112‬‬

‫ومعىن ذلك أن األصل الدائم بالنس‪%%‬بة هلم ه‪%%‬و ضرب الذلة عليهم في كل أرجاء‬
‫األرض‪ ،‬واالس‪%% %‬تثناء ‪ -‬املنص‪%% %‬وص علي‪%% %‬ه نًص ا ص‪%% %‬رحيًا يف اآلي‪%% %‬ة ‪ -‬أن يمكنوا في األرض‬
‫ويكونوا مسيطرين‪( :‬بحبل من اهلل وحبل من الناس)‪.‬‬

‫وهم اآلن يف قمة االستثناء!‬

‫وبص ‪%%‬رف النظ ‪%%‬ر عن ك ‪%%‬ون ه ‪%%‬ذا االس ‪%%‬تثناء حيدث م ‪%%‬رة واح ‪%%‬دة أو يتك ‪%%‬رر ‪ -‬وذل ‪%%‬ك‬
‫غيب ال يعلم ‪%%‬ه إال اهلل ‪ -‬فلننظ ‪%%‬ر يف األس ‪%%‬باب ال ‪%%‬يت مت من خالهلا االس ‪%%‬تثناء‪ ،‬والوس ‪%%‬ائل ال ‪%%‬يت‬
‫حققت وقوع‪%%‬ه‪ ،‬ف‪%%‬إن اهلل ال‪%%‬ذي يق‪%%‬در املق‪%%‬ادير ق‪%%‬د جع‪%%‬ل لق‪%%‬دره أس‪%%‬بابًا‪ ،‬وجع‪%%‬ل أعم‪%%‬ال البش‪%%‬ر‬
‫من بني تلك األسباب (‪.)98‬‬

‫لق ‪%%‬د كل ‪%%‬ف اهلل فئ ‪%%‬تني من البش ‪%%‬ر أن يكون ‪%%‬وا حراس‪ً% %‬ا على اليه ‪%%‬ود‪ ،‬مينع ‪%%‬وهنم من أن‬
‫يعيثوا فسادًا يف األرض‪ ،‬وحيققوا خمططاهتم الشريرة يف إضالل البشرية‪.‬‬

‫فأما الفئة األولى فهي النصارى‪.‬‬


‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِع‬
‫‪%‬اىل‪ِ( :‬إَّلْذِذَق اَل الَّل ُه َي ا يَس َّلى ِذِإِّني ُمَتَو ِّفي ‪َ,‬كِإ َو َر ا ِمُع َكِق ِإَلَّيِة َو ُمَطِّه ُر َك َن‬‫يق ‪%%‬ول تع ‪%‬‬
‫اَّل ِذ يَن َكَف ُر وا َو َج اِع ُل ا يَن اَّتَبُع وَك َفْو َق ا يَن َكَف ُر وا َلى َيْو اْل َياَم )‪[ .‬س‪%%‬ورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اآلية ‪.]55‬‬

‫ومع‪%%‬ىن ذل‪%%‬ك أن النص‪%%‬ارى مكلف‪%%‬ون باحلراس‪%%‬ة الدائم‪%%‬ة على اليه‪%%‬ود إىل ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة‪،‬‬
‫مينعوهنم من اخلروج من قبضة أيديهم‪ ،‬مبا أهنم " فوقهم " أي مسيطرون عليهم‪.‬‬

‫وأم‪,,‬ا الفئة الثاني‪,,‬ة فق ‪%%‬د كلفت باحلراس ‪%%‬ة على الف ‪%%‬ريقني مع ‪ً%‬ا‪ :‬اليه ‪%%‬ود والنص ‪%%‬ارى‪..‬‬
‫وتل‪%%‬ك هي األم‪,,‬ة المسلمة‪َ( :‬و َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس‬
‫َو َيُك وَن الَّر ُس وُل َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]143‬‬

‫فكيف صنع احلراس يف ذلك التكليف‪ ..‬وهو تكليف رباين؟!‬

‫‪ )?(98‬راجع إن شئت فصل " اإلنسان وقدر اهلل " من كتاب " حول التفسري اإلسالمي للتاريخ "‪.‬‬

‫(‪)103‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فأم‪,,‬ا الح‪,,‬ارس األول فق‪%%‬د نك‪%%‬ل عن احلراس‪%%‬ة من‪%%‬ذ خ‪%%‬رج من دين‪%%‬ه ولم ي‪,,‬دخل في‬
‫دين اهلل الصحيح‪.‬‬

‫وأما الحارس الثاني ‪ -‬املكل‪%%‬ف باحلراس‪%%‬ة على الف‪%%‬ريقني مع‪ً%‬ا ‪ -‬فقد نسي رس‪,‬الته‬
‫للبشرية ونكل عنها‪ ،‬مث مل يق‪%‬ف ب‪%‬ه األم‪%‬ر عن‪%‬د ه‪%‬ذا احلد‪ ،‬فنس‪%‬ي رس‪%‬الته حنو نفس‪%‬ه‪ ،‬وف‪%‬رط‬
‫فيها أي تفريط (‪!)99‬‬

‫فماذا يتوقع من الوحش احملصور يف داخل اجلحر حني يغيب احلراس؟!‬

‫هل يتوقع منه إال أن ينفلت من اجلحر مستغًال غفلة احلراس؟!‬

‫وهكذا مت األمر‪( ..‬بحبل من اهلل وحبل من الناس)‪.‬‬

‫فأما حبل اهلل فهو قدره ومشيئته‪ ،‬ومدده وإرادته‪ ،‬فإنه ال شيء حيدث يف الكون‬
‫كله إال بقدر من اهلل ومشيئة‪ ،‬وإرادة من اهلل وإمداد‪.‬‬

‫وأما الحبل من الناس فلننظر يف تفاصيله القائمة اليوم‪.‬‬

‫إن‪%% % %‬ه ليس فق‪%% % %‬ط أمريكا وم ‪,, ,‬ا تم ‪,, ,‬د به إس ‪,, ,‬رائيل من الع ‪,, ,‬ون‪ :‬املايل والسياس‪%% % %‬ي‬
‫والعس‪%%‬كري واألديب‪ ،‬وك‪%%‬ل أن‪%%‬واع الع‪%%‬ون‪ ..‬وليس فق‪%%‬ط روس‪,,‬يا‪ ،‬وم‪,,‬ا تم‪,,‬د به إس‪,,‬رائيل من‬
‫الع ‪,,‬ون السياس‪,,‬ي‪ ،‬مبس ‪%%‬رحية التص ‪%%‬ايح الف ‪%%‬ارغ كلم ‪%%‬ا ارتكبت إس ‪%%‬رائيل جرمية من جرائمه ‪%%‬ا‬
‫الوحش‪%% % %‬ية البش‪%% % %‬عة‪ ،‬دون أن تفع‪%% % %‬ل ش‪%% % %‬يئًا ملن‪%% % %‬ع الع‪%% % %‬دوان أو رده‪ ..‬والع ‪,, ,‬ون التكنول ‪,, ,‬وجي‬
‫بس‪%‬ماحها هبج‪%‬رة اليه‪%‬ود التكنولوج‪%‬يني إىل إس‪%‬رائيل‪ .‬والع‪%‬ون األديب بتص‪%‬رحياهتا الدائم‪%‬ة بأهنا‬
‫تع‪%%‬رتف ب‪%%‬الوجود اإلس‪%%‬رائيلي يف املنطق‪%%‬ة ولكن بش‪%%‬رط االع‪%%‬رتاف حبق‪%%‬وق الع‪%%‬رب (وه‪%%‬و نفس‬
‫الكالم ال ‪%%‬ذي ص ‪%%‬در ب ‪%%‬ه وع ‪%%‬د بلف ‪%%‬ور س ‪%%‬نة ‪ 1917‬م!) وهي ترى جي ‪%%‬دًا أن ه ‪%%‬ذا الش ‪%%‬رط ال‬
‫يتحقق أبدًا‪ ،‬ومع ذلك ال تسحب اعرتافها بإسرائيل وال حىت هتدد بسحبه جمرد هتديد!‬

‫إن احلب ‪%% %‬ل من الن ‪%% %‬اس ال يقتص ‪%% %‬ر على ه ‪%% %‬ذا املدد من " هؤالء الناس "‪ :‬ال‪,, ,‬روس‬
‫واألمريكان!‬

‫إنه يأيت من كل الناس‪ ..‬كل سكان األرض‪ ..‬إال من رحم ربك!‬

‫ولنضرب بعض األمثلة اليت توضح ما نقول‪:‬‬


‫‪ )?(99‬انظر الفصل التايل‪.‬‬

‫(‪)104‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫السينما مؤسسة يهودي‪%‬ة م‪%‬اًال وفك‪%‬رًا وختطيط‪ً%‬ا وتنفي‪%‬ذًا‪ ..‬وه‪%‬دفها األول ه‪%‬و إفس‪%‬اد‬
‫األوالد والبن ‪%%‬ات مبا تع ‪%%‬رض من ص ‪%%‬ور احلي ‪%%‬اة العابث ‪%%‬ة الالهي ‪%%‬ة‪ ،‬القائم ‪%%‬ة على العالق ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت‬
‫حرمه ‪%%‬ا اهلل ورس ‪%%‬له‪ ،‬يف أوض ‪%%‬اع جذاب ‪%%‬ة خالب ‪%%‬ة م ‪%%‬ؤثرة بالص ‪%%‬وت والص ‪%%‬ورة واحلرك ‪%%‬ة‪ ،‬فتفنت‬
‫(‪)100‬‬
‫ألب ‪%%‬اب األوالد والبن ‪%%‬ات‪ ،‬حني يتص ‪%%‬ورون أنفس ‪%%‬هم يف مك ‪%%‬ان " البط ‪%%‬ل! " والبطل ‪%%‬ة! "‬
‫ميارسون ما يرون هؤالء ميارسونه أمامهم على الشاشة‪ ..‬فيفسدون! (‪.)101‬‬

‫وكل ول‪,,‬د أو بنت في األرض كله‪,,‬ا أص‪,,‬ابه " جنون السينما " فه‪,,‬و حبل من‬
‫الناس يمد اليهود! ميدهم باملال الذي ينفقه يف السينما من جه‪%%‬ة‪ ،‬وبالفس‪%%‬اد يف ذات نفس‪%%‬ه‬
‫من جه‪%%‬ة أخ‪%%‬رى‪ ،‬ألن‪%%‬ه حيق‪%%‬ق يف ذات نفس‪%%‬ه ج‪%%‬زًءا من املخط‪%%‬ط اليه‪%%‬ودي ال‪%%‬ذي يه‪%%‬دف إىل‬
‫إفساد أخالق األمميني لتيسري استحمارهم‪ ،‬واستغالهلم لتنفيذ مصاحل الشعب الشيطان!‬

‫وك‪%%‬ذلك جن‪%%‬ون التليفزي‪,,‬ون والفي‪,,‬ديو‪ ،‬فهم‪%%‬ا يس‪%%‬ريان على ذات ال‪%%‬درب‪ ،‬أًّيا ك‪%%‬ان‬
‫املخرج واملنتج و " الفنان "!‬
‫(‪)102‬‬
‫وبيوت األزياء الكربى يهودية‪ ،‬وكذلك بيوت الزينة‬

‫وكل بنت في األرض أص‪,,‬ابها جنون " الم‪,,‬ودة " وجنون الزينة فهي حبل من‬
‫الناس‪ .‬متد اليه‪%%‬ود باملال‪ ،‬ومتدهم بالفس‪%%‬اد يف ذات نفس‪%%‬ها ويف اجملتم‪%%‬ع كل‪%%‬ه‪ ،‬حني يتح‪%%‬ول‬
‫اجملتم ‪%%‬ع إىل فتن ‪%%‬ة هائج ‪%%‬ة جتت ‪%%‬اح األوالد والبن ‪%%‬ات على الس ‪%%‬واء وتق ‪%%‬رب األش ‪%%‬رار من حتقي ‪%%‬ق‬
‫هدفهم الشرير‪.‬‬

‫وجنون الرياض ‪,,‬ة عام ‪,,‬ة وجن ‪%%‬ون الك ‪%%‬رة خاص ‪%%‬ة‪ ،‬ل ‪%%‬ون من اجلن ‪%%‬ون يبث ‪%%‬ه اليه ‪%%‬ود يف‬
‫(‪)103‬‬
‫األرض من خالل وسائل اإلعالم اليت يسيطرون عليها ويوجهوهنا‬

‫‪ )?(100‬من ش‪%‬ر البلي‪%‬ة ال‪%‬ذي يض‪%‬حك أن يس‪َّ%‬م ى الول‪%‬د ال‪%‬ذي يق‪%‬وم بالتمثي‪%‬ل يف الفيلم " بطًال "! والفت‪%‬اة ال‪%‬يت‬
‫تتماي ‪%%‬ل مين ‪%%‬ة ويس ‪%%‬ارًا يف تكس ‪%%‬ر وختل ‪%%‬ع " بطل ‪%%‬ة "! فتهب ‪%%‬ط " البطول ‪%%‬ة " يف حس األوالد والبن ‪%%‬ات إىل ه ‪%%‬ذا‬
‫املستوى الدنس‪ ،‬وينسون صور البطولة احلقة اليت ترفع البشر من محأة الطني وترتقي هبم يف اآلفاق!‬
‫‪ )?(101‬هن‪%%‬اك وال ش ‪%%‬ك أفالم متث‪%%‬ل مع ‪%%‬اين عالي‪%%‬ة‪ ،‬ومواق ‪%%‬ف إنس ‪%%‬انية حقيقي‪%%‬ة‪ ،‬ولكنه ‪%%‬ا قل ‪%%‬ة ن‪%%‬ادرة بني أل ‪%%‬وف‬
‫األفالم التافه‪%%‬ة املنحل‪%%‬ة ال‪%%‬يت متأل الس‪%%‬احة‪ .‬والع‪%%‬ربة بالفس‪%%‬اد ال‪%%‬ذي حتدث‪%%‬ه الك‪%%‬ثرة الك‪%%‬اثرة‪ ،‬ال بتل‪%%‬ك اللفت‪%%‬ات‬
‫العابرة بني احلني واحلني‪.‬‬
‫‪ )?(102‬يكاد اليهود حيتك‪%‬رون ثالث ص‪%‬ناعات عاملي‪%‬ة‪ :‬ص‪%‬ناعة األس‪%‬لحة‪ ،‬وص‪%‬ناعة األدوي‪%‬ة‪ ،‬وص‪%‬ناعة أدوات‬
‫الزينة‪ ،‬ألهنا تدر أرباحًا خيالية بالنسبة لتكاليفها احلقيقية‪ ،‬فضًال عن أهداف أخرى حيققها الشيطان‪.‬‬
‫‪ )?(103‬ال حيرم اإلس‪%%‬الم الرياض‪%%‬ة وال الك‪%%‬رة‪ ،‬ب‪%%‬ل ي‪%%‬دعو دع‪%%‬وة ص‪%%‬رحية إىل تقوي‪%%‬ة األجس‪%%‬ام بالرياض‪%%‬ة‪ ،‬ولكن‪%%‬ه‬
‫ينك ‪%%‬ر اجلن ‪%%‬ون ال ‪%%‬ذي أص ‪%%‬اب الن ‪%%‬اس يف متابع ‪%%‬ة املس ‪%%‬ابقات الرياض ‪%%‬ية والكروي ‪%%‬ة‪ ،‬فال هم أنفس ‪%%‬هم مارس ‪%%‬وا‬
‫الرياضة‪ ،‬وال صانوا وقتهم وعقوهلم!‬

‫(‪)105‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وكل فتى ‪ -‬أو فتاة ‪ -‬أصابه جنون الرياضة أو جنون الكرة (‪ ،)104‬فه‪,‬و حبل‬
‫من الناس ميد اليه‪%%‬ود بتفاه‪%%‬ة اهتماماته‪ ،‬وال‪%‬وقت احلي ال‪%‬ذي يقتل‪%‬ه يف االهتمام‪%%‬ات الفارغ‪%%‬ة‪،‬‬
‫بعيدًا عن الرشد‪ ،‬بعيدًا عن الوعي‪ ،‬بعيدًا عن رمحة اهلل‪.‬‬

‫وجنون‪ ..‬وجنون‪ ..‬وجنون‪..‬‬

‫وترجيل املرأة ‪ -‬بقضية املس‪%‬اواة وغريه‪%‬ا من الوس‪%‬ائل ‪ -‬ه‪%‬دف يه‪%‬ودي حتدثنا عن‪%‬ه‬
‫من قب‪%% %‬ل‪ ..‬وكل فت‪,, ,‬اة أص‪,, ,‬ابتها حّم ى المساواة‪ ،‬وطلب االختالط الح‪,, ,‬ر‪ ،‬وغش‪,, ,‬يان "‬
‫المجتم ‪,,‬ع "‪ ،‬وهج ‪,,‬رت بيته ‪,,‬ا ووظيفته ‪,,‬ا الطبيعي ‪,,‬ة‪ ،‬واس ‪,,‬تنكرت أنوثته ‪,,‬ا‪ ،‬واعتقدت أن‬
‫وظيفته ‪,,‬ا األولى أن تعم ‪,,‬ل خارج ال ‪,,‬بيت‪ ..‬هي حبل من الناس‪ ،‬يحقق أمني ‪,,‬ة من أعز‬
‫أماني الشعب الشيطان!‬

‫هذا‪ ،‬ومل نتحدث عن كل سياسي خضع لتوجيهات اليهود وأوامرهم‬

‫وكل اقتصادي أدار األموال بالربا‪.‬‬

‫وكل " كاتب " أو " مفكر " أو " فنان " دعا إلى تحطيم المقدس‪,,‬ات‪ ،‬وس‪,,‬مى‬
‫(‪)105‬‬
‫الدين رجعية‪ ،‬واألخالق الفاضلة تزمتًا‪ ،‬والقيم اإلنسانية مثالية جوفاء‬

‫مل نتح‪%‬دث عن ه‪%%‬ؤالء وأمث‪%‬اهلم‪ ،‬ألهنم ال حيت‪%‬اجون إىل ح‪%‬ديث‪ ..‬وكلهم حب‪%‬ل من‬
‫الناس ميد اليهود!‬

‫نعم‪ ..‬هكذا مت التمكني لليه‪%%‬ود يف األرض اس‪%‬تثناء من القاع‪%%‬دة العام‪%%‬ة بش‪%‬أهنم‪ .‬ومل‬
‫يكن ذل‪%‬ك بس‪%‬بب من عبق‪%%‬ريتهم الف‪%%‬ذة‪ ،‬وال ب‪%‬رتاكم التخطي‪%‬ط كم‪%‬ا يزعم‪%‬ون ألنفس‪%‬هم‪ ،‬وال‬
‫كم ‪%%‬ا ي ‪%%‬زعم هلم املفزع ‪%%‬ون من األمميني منهم‪ ،‬كم ‪%%‬ا ي ‪%%‬زعم " وليم ك ‪%%‬ار " وغ ‪%%‬ريه من ال ‪%%‬ذين‬
‫يكتب ‪%%‬ون أحيان ‪ً%‬ا عن املخطط ‪%%‬ات اليهودي ‪%%‬ة‪ .‬إمنا ك ‪%%‬ان ذل ‪%%‬ك أساس ‪ً%‬ا بس ‪%%‬بب غفل ‪%%‬ة األمميني‪ ،‬أو‬
‫بعب‪%% %‬ارة أخ‪%% %‬رى بس‪%% %‬بب غفلة الح‪,, ,‬راس ال‪,, ,‬ذين كلفهم اهلل أن يكونوا يقظين دائم ‪ً, ,‬ا في‬
‫مراقبتهم لليهود‪ ،‬لمنعهم من اإلفساد في األرض‪.‬‬

‫‪ )?(104‬من البالء فتنة البنات أيضا بالكرة وهن ال ميارسنها!‬


‫‪ )?(105‬يس ‪%%‬تخدم " املثقف ‪%%‬ون " كلم ‪%%‬ة املثالي ‪%%‬ة لل ‪%%‬ذم ال للم ‪%%‬دح! مبع ‪%%‬ىن القيم النظري ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت ال تتحق ‪%%‬ق يف ع ‪%%‬امل‬
‫الواقع‪ ،‬ومن مث ال تستحق بذل اجلهد فيها وال التعب‪.‬‬

‫(‪)106‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫بل مل يقف األمر عند حد الغفلة من جانب احلراس‪ ،‬فقد متكن الش‪%%‬عب الش‪%%‬رير ‪-‬‬
‫حني اطم‪%%‬أن متام ‪ً%‬ا إىل غفل‪%%‬ة احلراس ‪ -‬أن ين ‪ّ%‬و مهم‪ ،‬ثم يسخرهم خدمًا لمص‪,,‬الحه‪ ،‬ب‪%%‬وعي‬
‫منهم أو بغ‪%% % %‬ري وعي‪ ..‬فص‪%% % %‬اروا ي‪%% % %‬دورون يف احللق‪%% % %‬ة ال‪%% % %‬يت رمسها هلم الش‪%% % %‬ياطني‪ ،‬ويظل‪%% % %‬ون‬
‫ي ‪%%‬دورون وي ‪%%‬دورون ح ‪%%‬ىت يس ‪%%‬تنفدوا جه ‪%%‬دهم‪ ،‬ويتس ‪%%‬اقطوا اله ‪%%‬ثني عن ‪%%‬د أرجلهم يف هناي ‪%%‬ة‬
‫املطاف!‬

‫ِض‬
‫وق ‪%% %‬دميًا ق ‪%% %‬ال الش ‪%% %‬يطان كم ‪%% %‬ا حكى عن ‪%% %‬ه رب الع ‪%% %‬املني‪َ( :‬و ُأَل َّلَّنُه ْم َو ُأَلَم ِّنَيَّنُه ْم‬
‫َو آَل ُمَر َّنُه ْم ‪[ )..‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]119‬‬

‫فه ‪%% %‬و يب ‪%% %‬دأ بإض ‪%% %‬الهلم‪ ،‬مث مينيهم ب ‪%% %‬أن طري ‪%% %‬ق الض ‪%% %‬الل ال ‪%% %‬ذي س ‪%% %‬لكوه ه ‪%% %‬و ال ‪%% %‬ذي‬
‫سيوصلهم لتحقيق مآرهبم‪ ،‬فإذا وقع منهم هذا وذاك ركب الشيطان ظه‪%‬ورهم وأص‪%‬بح ه‪%‬و‬
‫اآلمر املطاع!‬

‫وهم املسئولون عما حيدث هلم!‬

‫فلو أن النص‪,,‬ارى كانوا نص‪,,‬ارى ‪ -‬على ك‪%%‬ل م‪%%‬ا يف دينهم من احنراف‪%%‬ات أح‪%%‬دثها‬
‫اليه ‪%%‬ودي ش ‪%%‬اول فيم ‪%%‬ا مض ‪%%‬ى من الزم ‪%%‬ان ‪ -‬م ‪%%‬ا قبل ‪%%‬وا أن يكون ‪%%‬وا عبي ‪%%‬دًا لليه ‪%%‬ود جيث ‪%%‬ون عن ‪%%‬د‬
‫أق‪%% %‬دامهم ‪ -‬س‪%% %‬واء يف ذل‪%% %‬ك أمريك‪%% %‬ا أو روس‪%% %‬يا أو دول أورب‪%% %‬ا ‪ -‬ولك‪%% %‬انت هلم الي‪%% %‬د العلي ‪%%‬ا‬
‫عليهم‪ ،‬كم ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان األم ‪%%‬ر خالل أربع ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر قرن ‪ً%‬ا من الق ‪%%‬رن الراب ‪%%‬ع إىل الق ‪%%‬رن الث ‪%%‬امن عش ‪%%‬ر‬
‫امليالدي‪.‬‬

‫ولو أن المسلمين كانوا على إسالم صحيح‪ ،‬م‪%%‬ا جترأ اليه‪%%‬ود عليهم ه‪%%‬ذه اجلرأة‪،‬‬
‫ح ‪%%‬ىت ينهش ‪%%‬وا ج ‪%%‬زًءا من جس ‪%%‬دهم احلي ‪ -‬فلس ‪%%‬طني ‪ -‬مث يرهب ‪%%‬وهم بك ‪%%‬ل وس ‪%%‬ائل اإلره ‪%%‬اب‬
‫حىت يكمنوا ويستكينوا!‬

‫كال! إن املس ‪%%‬ئول عن خ ‪%%‬روج ال ‪%%‬وحش من جح ‪%%‬ره‪ ،‬وعيث ‪%%‬ه فس ‪%%‬ادًا يف األرض‪ ،‬إمنا‬
‫هم أولئ ‪%%‬ك احلراس ال ‪%%‬ذين نس ‪%%‬وا اهلل فأنس ‪%%‬اهم أنفس ‪%%‬هم‪ .‬واملس ‪%%‬ئول األول واألك ‪%%‬رب يف ه ‪%%‬ذا‬
‫الش ‪%%‬أن ه ‪%%‬و األم ‪,,‬ة اإلس ‪,,‬المية‪ ،‬ألهنا هي املكلف ‪%%‬ة بالش ‪%%‬هادة على ك ‪%%‬ل البش ‪%%‬رية مبا فيه ‪%%‬ا من‬
‫اليهود‪ ..‬فلما نكلت أصاهبا ما أصاهبا بقدر من اهلل‪ ،‬وحسب سنة اهلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪)107‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويتساءل بعض الناس‪ :‬ما احلكمة من متكني اليه‪%%‬ود الي‪%%‬وم‪ ،‬وهم حيمل‪%%‬ون يف قل‪%‬وهبم‬
‫هذا الشر كله‪ ،‬ويسعون إىل هذا الفساد كله؟!‬

‫(َو َيْس َعْو َن ِفي اَأْلْر ِض َفَس ادًا َو الَّل ُه ال ُيِح ُّب اْلُم ْف ِس ِد يَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة املائ‪%%‬دة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]64‬‬

‫(َو َق اُلوا ُقُلوُبَن ا ُغْل ٌف َب ْل َلَعَنُه ُم الَّل ُه ِبُكْف ِر ِه ْم َفَق ِليًال َم ا ُيْؤ ِم ُن وَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]88‬‬

‫وما نزعم أننا ‪ -‬وال غرينا من البشر ‪ -‬نلم حبكم‪%%‬ة اهلل على س‪%%‬بيل القط‪%%‬ع‪ ،‬حني ال‬
‫يرد ذكر احلكمة يف كتاب اهلل أو يف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم على سبيل القطع‪.‬‬

‫ومل ي‪%%‬رد يف كت‪%%‬اب اهلل وال يف س‪%%‬نة رس‪%%‬وله ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم بي‪%%‬ان عن حكم‪%%‬ة‬
‫االس‪%%‬تثناء ال‪%%‬وارد يف آي‪%%‬ة س‪%%‬ورة آل عم‪%%‬ران‪ُ( :‬ض ِر َبْت َعَلْيِه ُم الِّذ َّل ُة َأْيَن َم ا ُثِق ُف وا ِإاَّل ِبَح ْب ٍل‬
‫ِم َن الَّلِه َو َح ْبٍل ِم َن الَّناِس )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]112‬‬

‫فك‪%%‬ل م‪%%‬ا نقول‪%%‬ه عن‪%%‬ه ظن ال يبل‪%%‬غ اليقني‪ ..‬ومما نظن‪%%‬ه يف ه‪%%‬ذا الش‪%%‬أن أن اهلل يع‪,,‬اقب‬
‫البشرية على كفرها اليوم بتسليط اليهود عليها‪.‬‬

‫ِد‬
‫‪%‬رون علىِت الكف‪%%‬رِل بقول‪%%‬ه تع‪ِ %‬ب‪%‬اىل‪ُ( :‬قْلِش ُه َو اْلَقِذا ُر‬ ‫إن اهلل ق‪%%‬د توع‪%%‬د الك‪%%‬افرين حني يص‪%‬‬
‫َعَلى َأْن َيْبَعَث َعَلْيُك ْم َعَذ ابًا ِم ْن َفْو ِقُك ْم َأْو ْن َتْح َأْرُج ُك ْم َأْو َيْل َس ُك ْم َيعًا َو ُي يَق‬
‫ِم‬
‫َبْع َض ُك ْم َبْأَس َبْع ٍض )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.]65‬‬

‫وقد كفرت البشرية اليوم كفرًا مل تكفره يف تارخيه‪%‬ا كل‪%‬ه‪ ،‬وتبجحت ب‪%‬الكفر كم‪%‬ا‬
‫مل تتبجح ب‪%%‬ه يف تارخيه‪%%‬ا كل‪%%‬ه‪ ،‬ف‪%%‬أنكرت اهلل جه‪%%‬رة‪ ،‬ونفت هيمنت‪%%‬ه وس‪%%‬يطرته وتدبريه‪ .‬فق‪%%‬ال‬
‫قائل منهم‪ " :‬ال إله‪ .‬والكون مادة " (‪ .)106‬وق‪%%‬ال قائ‪%%‬ل منهم‪ " :‬الطبيعة تخلق كل شيء‬
‫وال ح ‪,,‬د لقدرتها على الخلق " (‪ .)107‬وق ‪%%‬ال قائ ‪%%‬ل منهم‪ " :‬لقد خض ‪,,‬ع اإلنسان هلل في‬
‫الماض ‪,,‬ي بسبب عج ‪,,‬زه وجهله‪ ،‬واآلن وق ‪,,‬د تعلم وس ‪,,‬يطر على البيئة‪ ،‬فقد آن ل ‪,,‬ه أن‬
‫يحمل على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عص‪,‬ر العج‪,‬ز والجه‪,‬ل على عاتق اهلل‪،‬‬
‫ومن ثم يصبح هو اهلل " (‪.)108‬‬

‫‪ )?(106‬هذه قولة الشيوعيني‪.‬‬


‫‪ )?(107‬هذه قولة دارون‪.‬‬
‫‪ )?(108‬هذه قولة جوليان هكسلي‪.‬‬

‫(‪)108‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومل تع‪%%‬د تل‪%%‬ك عقي‪%%‬دة ف‪%%‬رد أو أف‪%%‬راد‪ ،‬إمنا أص‪%%‬بحت عقائ‪%%‬د الك‪%%‬ثرة من البش‪%%‬ر‪ ،‬س‪%%‬واء‬
‫قهروا عليها باحلديد والنار واجلاسوسية كما ك‪%%‬ان األم‪%%‬ر يف العالم الشيوعي‪ ،‬أو " ُه ُد وا "‬
‫إليها بفعل مناهج التعليم ووسائل اإلعالم يف العامل " احلر! "‪.‬‬

‫وحقق اهلل وعيده‪ ،‬فلبسهم شيعًا وأذاق بعضهم بأس بعض‪..‬‬

‫واقتض ‪%%‬ت حكمت ‪%%‬ه س ‪%%‬بحانه أن ي ‪%%‬ذيق البش ‪%%‬رية الك ‪%%‬افرة املتبجح ‪%%‬ة ب ‪%%‬الكفر ب ‪%%‬أس ش ‪%%‬ر‬
‫اخللق الذي خلقهم اهلل‪ ،‬وهم أولئك اليهود‪ ..‬جزاء وفاقًا على ذل‪%‬ك الكف‪%%‬ر ال‪%‬ذي ه‪%%‬و أس‪%‬وأ‬
‫كفر مر بالناس‪.‬‬

‫ولقائل أن يق‪%%‬ول‪ :‬ولكن " المسلمين " مل يص‪%%‬لوا إىل م‪%%‬ا وص‪%%‬ل إلي‪%%‬ه الغ‪%%‬رب الك‪%%‬افر‬
‫امللحد‪ ،‬إال أقلية منهم ال تكاد ُتذكر‪ ،‬وما زال القوم يؤمنون بوجود اهلل!‬

‫نعم! ولكنهم فرط ‪%%‬وا يف مقتض ‪%%‬يات ال إل ‪,,‬ه إال اهلل (‪ )109‬وفرط ‪%%‬وا يف رس ‪%%‬التهم ال ‪%%‬يت‬
‫ندهبم اهلل هلا‪ ،‬وهي الشهادة على البشرية‪ ،‬وفرطوا يف أمر اهلل هلم أن يعدوا ما اس‪,,‬تطاعوا‬
‫من قوة‪:‬‬

‫ا ا َتَطْعُت ِم َّو ٍة ِم ِر اِط اْلَخ ِل ِه وَن ِب ِه َع ُد َّو الَّل ِه‬ ‫ِع‬


‫ْي ُتْر ُب‬ ‫َم ْس ْم ْن ُق َو ْن َب‬ ‫(َو َأ ُّدوا َلِمُه ْم‬
‫ُدوِنِه ْم ال َتْع َلُم وَنُه ُم الَّلُه َيْع َلُم ُه ْم ) [سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]60‬‬ ‫َو َعُد َّو ُك ْم َو آَخ ِر يَن ْن‬

‫فرطوا فأصاهبم النذير‪:‬‬

‫" يوشك أن ت‪,‬داعى عليكم األمم كم‪,‬ا ت‪,‬داعى األكلة إلى قص‪,‬عتها‪ .‬ق‪,‬الوا‪ :‬أمن‬
‫قلة نحن يومئذ يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬بل أنتم يومئذ كث‪,‬ير‪ ،‬ولكنكم غث‪,‬اء كغث‪,‬اء السيل‪.‬‬
‫ولي‪,,‬نزعن اهلل المهابة من ص‪,,‬دور أعدائكم‪ ،‬وليقذفن في قلوبكم ال‪,,‬وهن‪ .‬ق‪,,‬الوا‪ :‬وم‪,,‬ا‬
‫الوهن يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الموت " (‪.)110‬‬

‫وك‪%% %‬ان من بني األمم ال‪%% %‬يت تداعت على األم‪%% %‬ة املس‪%% %‬لمة ش‪%% %‬ر أم‪%% %‬ة يف األرض‪ ،‬أم ‪,,‬ة‬
‫اليهود‪..‬‬

‫مث حتقق يف األرض كلها نذير آخر من نذر اهلل‪:‬‬

‫‪ )?(109‬انظر الفصل التايل‪.‬‬


‫‪ )?(110‬أخرجه أمحد وأبو داود بسند صحيح‪.‬‬

‫(‪)109‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َظَه َر اْلَف َس اُد ِفي اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر ِبَم ا َك َس َبْت َأْي ِد ي الَّناِس ِلُي ِذ يَق ُه ْم َبْعَض اَّل ِذ ي‬
‫َعِم ُلوا َلَعَّلُه ْم َيْر ِج ُعوَن ) [سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]41‬‬

‫واخت‪%‬ار اهلل ش‪%‬ر املفس‪%‬دين من اخلل‪%‬ق‪ ،‬ليظه‪%‬ر على أي‪%‬ديهم الفس‪%‬اد يف األرض‪ ..‬لع‪%‬ل‬
‫الناس يرجعون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويتس ‪%%‬اءل بعض الن ‪%%‬اس ‪ -‬وهلم احلق ‪ -‬أو ليس اليه ‪%%‬ود هم أفس ‪%%‬د أه ‪%%‬ل األرض‪ ،‬ال‬
‫يف احلاضر وحده ولكن يف التاريخ كله؟!‬

‫فكيف ال تصيبهم سيئات ما عملوا‪ ،‬وكيف ال يدمر اهلل عليهم بفسادهم؟!‬

‫ونق ‪%% %‬ول‪ :‬بلى وال ش ‪%% %‬ك!‪ ..‬إهنم الي ‪%% %‬وم أش ‪%% %‬د الن ‪%% %‬اس فس ‪%% %‬ادًا يف األرض‪ ..‬وم‪,, ,‬ا هم‬
‫بناجين من سنة اهلل التي كتبت الدمار على المفسدين‪..‬‬

‫ولكن تظ‪%% %‬ل حكم‪%% %‬ة اهلل قائم‪%% %‬ة يف التمكني هلم الي‪%% %‬وم (بحبل من اهلل وحبل من‬
‫الناس)‪.‬‬

‫فمع كوهنم فاسدين إىل أقصى حد يتص‪%%‬وره العق‪%%‬ل‪ ،‬فهم أش‪%%‬د من يف األرض الي‪%%‬وم‬
‫جتمع‪ً% %‬ا هلدف حمدد يص ‪%%‬بون إىل حتقيق ‪%%‬ه‪ ،‬وحيتش ‪%%‬دون لبلوغ ‪%%‬ه‪ ،‬بينم ‪%%‬ا " األممي ‪,,‬ون " ‪ -‬مهم ‪%%‬ا‬
‫تكن درج ‪%% %‬ة جتمعهم‪ ،‬وب ‪%% %‬ذهلم للجه ‪%% %‬د يف س ‪%% %‬بيل حتقي ‪%% %‬ق أه ‪%% %‬دافهم ‪ -‬هم أق ‪%% %‬ل من اليه ‪%% %‬ود‬
‫احتشادًا وجتمعًا وعزمية‪ ،‬وجتنيدًا ألنفسهم من أجل حتقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫مث هناك جانب آخر من القض‪%‬ية‪ ..‬ف‪%‬اليهود فاس‪%‬دون‪ ،‬ويف رأس‪%‬هم ه‪%‬دف معني ه‪%‬و‬
‫إفساد األمميني‪ .‬بينما األمميون فاسدون من أجل الفساد فحسب!‬

‫فالفتاة اليهودية تفسد‪ ،‬والفتاة األممية تفسد‪ ،‬ولكن تختلف النتائج!‬

‫تفسد األممية من أجل الفساد وحده‪ ،‬الذي يسمونه " االستمتاع "‪.‬‬

‫أم‪%% %‬ا اليهودي ‪,,‬ة فهي تفس‪%% %‬د‪ ،‬وتغ‪%% %‬وي بفس‪%% %‬ادها رجًال من األمميني‪ ،‬فينتف‪%% %‬ع بفس‪%% %‬اده‬
‫الشعب الشيطان‪ .‬سواء كان االنتفاع ماًال يكتسب‪ ،‬أو مصلحة سياسية تتحقق‪ ،‬أو فس‪%%‬ادًا‬
‫عامًا يسهل " استحمار " األمميني‪.‬‬

‫(‪)110‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن أج‪%%‬ل ذل‪%%‬ك ‪ -‬بس‪%%‬نن رباني‪%%‬ة ‪ -‬يتف‪%%‬وق ص‪%%‬احب اهلدف على ال‪%%‬ذين ال أه‪%%‬داف‬
‫هلم‪ ،‬ويتف ‪%% %‬وق ص ‪%% %‬احب اهلدف األبع ‪%% %‬د على ص ‪%% %‬احب اهلدف الق ‪%% %‬ريب‪ ..‬وإن ك ‪%% %‬انوا كلهم‬
‫فاسدين‪..‬‬

‫وكل ذلك إلى حين‪ ..‬ثم تأتي سنة الدمار‪.‬‬

‫(َو َك َأِّيْن َمْن َقْر َي ٍة َأْم َلْيُت َلَه ا َو ِه َي َظاِلَم ٌة ُثَّم َأَخ ْذ ُتَه ا َو ِإَلَّي اْلَم ِص يُر )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫احلج‪ ،‬اآلية ‪.]48‬‬

‫وظ‪%%‬اهر ك‪%%‬ذلك من آي‪%%‬ة آل عم‪%%‬ران أن‪%%‬ه متكني إىل حني‪ ..‬ألن‪%%‬ه اس‪%%‬تثناء من القاع‪%%‬دة‪،‬‬
‫وليس هو أصل القاعدة‪ ،‬واالستثناء ‪ -‬بطبيعته ‪ -‬ينتهي‪ ،‬واألصل يدوم‪.‬‬

‫أما املدى احملدد لذلك االستثناء فهو غيب ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬

‫ولكنا نقول ‪ -‬حسب سنة اهلل ‪ -‬إنه يزول حين ت‪,‬زول األس‪,‬باب ال‪,‬تي أدت إلي‪,‬ه‬
‫في تقدير اهلل‪ .‬أي حين يستيقظ األمميون من غفلتهم ويعودون إلى اهلل‪.‬‬

‫وتظل األم‪,, ,‬ة اإلس‪,, ,‬المية هي المسئولة عن كل م‪,, ,‬ا يج‪,, ,‬ري في األرض من‬
‫األحداث‪ ،‬ألن اهلل نصبها لتكون مسئولة عن إزالة المنكر في كل األرض‪:‬‬

‫(َو َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُن وا ُش َه َد اَء َعَلى الَّن اِس َو َيُك وَن الَّر ُس وُل‬
‫َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]143‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫(‪)111‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أمة التوحيد‬
‫بين الماضي والحاضر‬
‫حني حتدثنا يف الفص ‪%% %‬لني الس ‪%% %‬ابقني عن الواق ‪%% %‬ع املعاص ‪%% %‬ر لألم ‪%% %‬ة النص ‪%% %‬رانية واألم ‪%% %‬ة‬
‫اليهودي ‪%%‬ة‪ ،‬احتجن ‪%%‬ا أن نتع ‪%%‬رف على اجلذور التارخيي ‪%%‬ة لك ‪%%‬ل منهم ‪%%‬ا‪ ،‬لكي نق ‪%%‬رأ احلاض ‪%%‬ر على‬
‫ض‪%%‬وء تل‪%%‬ك اجلذور‪ ،‬ونع‪%%‬رف من خالل املس‪%%‬رية التارخيي‪%%‬ة لك‪%%‬ل منهم‪%%‬ا أي عوام‪%%‬ل أث‪%%‬رت يف‬
‫كياهنا ح‪%% %‬ىت وص‪%% %‬لت هبا إىل واقعه‪%% %‬ا املعاص‪%% %‬ر‪ ،‬مث بين‪%% %‬ا أث‪%% %‬ر ه‪%% %‬ذا احلاض‪%% %‬ر يف أح‪%% %‬وال الع‪%% %‬امل‬
‫املعاصرة‪.‬‬

‫ونحن مع األمة اإلسالمية كذلك‪..‬‬

‫ال نس ‪%%‬تطيع أن نق ‪%%‬رأ حاض ‪%%‬رها ح ‪%%‬ىت نتع ‪%%‬رف أوًال على رس ‪%%‬التها ال ‪%%‬يت ُأخ ‪%%‬رجت من‬
‫أجله‪%%‬ا‪ ،‬والص‪%%‬ورة الص‪%%‬حيحة ألداء ه‪%%‬ذه الرس‪%%‬الة يف ع‪%%‬امل الواق‪%%‬ع‪ ،‬كم‪%%‬ا ب‪%%‬دت من خالل ف‪%%‬رتة‬
‫غري قصرية من املسرية التارخيية ؛ مث نتعرف على العوامل اليت أثرت فيه‪%%‬ا فح‪ّ%‬و لت مس‪%%‬ريهتا‪،‬‬
‫وأوصلتها إىل واقعها املعاصر ؛ مث نستعرض أثر هذا احلاضر يف أحوال البشرية املعاصرة‪..‬‬

‫أوال‪ :‬تمهيد في رسالة األمة المسلمة‬

‫(‪)112‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫لق ‪%%‬د أخ ‪%%‬رج اهلل ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة لت ‪%%‬ؤدي رس ‪%%‬الة خاص ‪%%‬ة مل ُتكَّل ف هبا أم ‪%%‬ة من قب ‪%%‬ل‪ ،‬ومل‬
‫تتهيأ هلا أمة يف التاريخ‪.‬‬

‫فأما األمم السابقة كلها فقد ُك لفت أن تستقيم هلل يف ذات نفسها فحسب‪:‬‬

‫(َو َم ا ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َل ُه ال‪ِّ,,‬ديَن ُح َنَف اَء َو ُيِق يُم وا الَّص الَة َو ُيْؤ ُتوا‬
‫الَّز َك اَة َو َذِلَك ِد يُن اْلَقِّيَم ِة)‪[ .‬سورة البينة‪ ،‬اآلية ‪.]5‬‬

‫وكذلك كلفت هذه األمة ذات التكليف‪:‬‬

‫(َو اْع ُبُد وا الَّلَه َو ال ُتْش ِر ُك وا ِبِه َش ْيئًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]36‬‬

‫(َفاْد ُعوا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن )‪[ .‬سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.]14‬‬
‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِص ِب َّل ِه‬ ‫ِق‬
‫ِص (َفَأ يُم وا الَّص الَة َو آُتوا الَّز َك اَة َو اْع َت ُم وا ال ُه َو َم ْو الُك ْم َف ْع َم اْلَم ْو َلى َو ْع َم‬
‫الَّن يُر )‪[ .‬سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.]78‬‬

‫ولكنه ‪%%‬ا ‪ -‬إىل ج ‪%%‬انب ه ‪%%‬ذا التكلي ‪%%‬ف األساس ‪%%‬ي ال ‪%%‬ذي ال يق ‪%%‬وم بغ ‪%%‬ريه بن ‪%%‬اء إنس ‪%%‬اين‬
‫صحيح ‪ُ -‬ك ِّلفت أن تكون هادية لكل البشرية‪ ،‬وشاهدة على كل البشرية‪:‬‬

‫(َو َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُن وا ُش َه َد اَء َعَلى الَّن اِس َو َيُك وَن الَّر ُس وُل‬
‫َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]143‬‬

‫وهذا هو التكليف الخاص الذي من أجله ُأخرجت هذه األمة للناس‪:‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫وواض ‪%%‬ح من كلت ‪%%‬ا اآلي ‪%%‬تني الل ‪%%‬تني تص ‪%%‬فان ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة وحتددان مهمته ‪%%‬ا أن هن ‪%%‬اك‬
‫تكليفًا خاًّصا ُك لفت به هذه األمة ال من أجل نفسها ولكن لناس‪..‬‬

‫كان التكليف األول لكل األمم ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬هو " التوحيد "‪ .‬ه‪%%‬و عب‪%%‬ادة اهلل‬
‫وحده بال شريك‪:‬‬

‫(‪)113‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َلَق ْد َأْرَس ْلَنا ُنوح ‪ً,‬ا ِإَلى َقْو ِم ِه ِإِّني َلُك ْم َن ِذ يٌر ُمِبيٌن ‪َ ،‬أْن ال َتْع ُب ُد وا ِإاَّل الَّل َه ِإِّني‬
‫َأَخ اُف َعَلْيُك ْم َعَذ اَب َيْو ٍم َأِليٍم )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآليتان‪.]26 - 25 :‬‬

‫(َو ِإَلى َعاٍد َأَخ اُه ْم ُه ودًا َقاَل َيا َقْو ِم اْع ُبُد وا الَّلَه َم ا َلُك ْم ِم ْن ِإَل ٍه َغْيُر ُه)‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫هود‪ ،‬اآلية ‪.]50‬‬

‫(َو ِإَلى َثُم وَد َأَخ اُه ْم َص اِلحًا َق اَل َي ا َقْو ِم اْع ُب ُد وا الَّل َه َم ا َلُك ْم ِم ْن ِإَل ٍه َغْيُر ُه)‪.‬‬
‫[سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫(َو ِإَلى َم ْد َيَن َأَخ اُه ْم ُش َعْيبًا َق اَل َي ا َقْو ِم اْع ُب ُد وا الَّل َه َم ا َلُك ْم ِم ْن ِإَل ٍه َغْيُر ُه)‪.‬‬
‫[سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]84‬‬

‫كذلك جاء األمر هلذه األمة‪:‬‬

‫(َو اْع ُبُد وا الَّلَه َو ال ُتْش ِر ُك وا ِبِه َش ْيئًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]36‬‬

‫فما حقيقة التوحيد الذي ُبعث به الرسل مجيع‪ً%‬ا‪ ،‬وعلى رأس‪%‬هم خ‪%‬امت األنبي‪%‬اء ص‪%‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم؟‬

‫أهو كلمة ينطقها الناس بأفواههم َفُيصبحوا مبجرد نطقها مؤمنني؟‬

‫أهو جمرد االعتقاد بأن اهلل واحد يف ذاته وصفاته؟‬

‫أهو وجدان مستسر يف الضمري؟!‬

‫كال! إمنا هو الكلمة اليت تنطق باألفواه‪ ،‬واالعتق‪%%‬اد الراس‪%%‬خ يف القل‪%%‬وب‪ ،‬والوج‪%%‬دان‬
‫املستس ‪%%‬ر يف الض ‪%%‬مائر‪ ،‬مترجم ‪ً,‬ا ذل ‪,,‬ك كله إلى واق ‪,,‬ع شعوري وواق ‪,,‬ع س ‪,,‬لوكي‪ ،‬يتوج ‪%%‬ه‬
‫بالعبادة إىل اهلل وحده بال شريك‪ ،‬ويلتزم بشريعة اهلل وحدها دون غريها من الشرائع‪ ،‬وإال‬
‫فهو الشرك الذي روى اهلل عنه على لسان املشركني‪:‬‬

‫(َو َقاَل اَّلِذ يَن َأْش َر ُك وا َلْو َش اَء الَّلُه َم ا َعَب ْدَنا ِم ْن ُدوِنِه ِم ْن َش ْي ٍء َنْح ُن َو ال آَباُؤ َنا‬
‫َو ال َح َّر ْم َنا ِم ْن ُدوِنِه ِم ْن َش ْي ٍء )‪[ .‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]35‬‬

‫وال‪%% %‬ذي ق‪%% %‬ال اهلل عن‪%% %‬ه‪َ( :‬و َم ا ُيْؤ ِم ُن َأْك َثُر ُه ْم ِبالَّل ِه ِإاَّل َو ُه ْم ُمْش ِر ُك وَن )‪[ .‬س‪%% %‬ورة‬
‫يوسف اآلية ‪.]106‬‬

‫(‪)114‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إن املطلوب من الناس لكي ُيصبحوا مؤمنني‪ ،‬أن يعب‪%%‬دوا اهلل " مخلصين ل‪,,‬ه ال‪,,‬دين‬
‫" وليس جمرد أن يعرفوا أن هلم رًّبا‪ ،‬أو أن رهبم واحد‪ ،‬فقد كان الشيطان يعرف ذلك!‬

‫(َقاَل َر ِّب ِبَم ا َأْغَو ْيَتِني ُأَلَز ِّيَنَّن َلُه ْم ِفي اَأْلْر ِض َو ُأَلْغِو َيَّنُه ْم َأْج َم ِعيَن ‪ِ ،‬إاَّل ِع َب اَدَك‬
‫ِم ْنُه ُم اْلُم ْخ َلِص يَن )‪[ .‬سورة احلجر‪ ،‬اآليتان ‪.]40 - 39‬‬

‫واإلخالص ‪ -‬الذي هو الشرط املطلوب لكي تصح العباة وُتصبح مقبولة عن‪%%‬د اهلل‬
‫‪ -‬تش ‪%%‬تمل على أم ‪,,‬ور ثالث ‪,,‬ة‪ ،‬بينه ‪%%‬ا اهلل يف كتاب ‪%%‬ه املنزل‪ ،‬ويف س ‪%%‬نة رس ‪%%‬وله ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫االعتقاد الراسخ بأن اهلل واحد متفرد يف ذاته وص‪%%‬فاته وأمسائه وأفعال‪%%‬ه‪ ،‬ال ش‪%%‬ريك‬
‫له يف شيء من ذلك‪.‬‬

‫والتوجه بالعبادة إليه وحده دون شريك‪.‬‬

‫والتحاكم إلى شريعته وحدها دون غريها من الشرائع‪.‬‬

‫والثالث‪%%‬ة كله‪%%‬ا هي المقتض‪,‬ى المباشر لال إل‪,‬ه إال اهلل‪ ،‬ونقض أي واح‪%%‬د منه‪%%‬ا ه‪%%‬و‬
‫نقض " لإلخالص " ال‪%%‬ذي ال تقب‪%%‬ل بدون‪%%‬ه عب‪%%‬ادة‪ ،‬وال ُيعت‪%%‬رب أح‪%%‬د بدون‪%%‬ه مؤمن ‪ً%‬ا‪ ،‬وإن ص ‪ّ%‬لى‬
‫وصام وزعم أنه مسلم!‬

‫واإلخالص حمل ‪%%‬ه القلب‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن ل ‪%%‬ه ش ‪%%‬واهد تدل علي ‪%%‬ه‪ ،‬أو تدل على نقض ‪%%‬ه‬
‫حني ينتقض‪ .‬فمن اعتق‪%% % %‬د أن م‪%% % %‬ع اهلل من خيل ‪%% %‬ق أو ي‪%% % %‬رزق‪ ،‬أو حُي يي أو مُي يت‪ ،‬أو يض‪%% % %‬ر أو‬
‫ينفع‪ ،‬أو ُيدبر األمر فقد أشرك‪.‬‬

‫ومن توجه بشيء من شعائر العبادة لغري اهلل ‪ -‬معه أو من دونه ‪ -‬فقد أشرك‪.‬‬

‫ومن حتاكم راضيًا مريدًا عاملًا إىل شريعة غري شريعة اهلل فقد أشرك‪.‬‬

‫وقض ‪,,‬ية التش ‪,,‬ريع بال ‪,,‬ذات‪ ،‬وكوهنا متض‪%% %‬منة تض‪%% %‬منًا مباش‪%% %‬رًا يف ال إل‪%% %‬ه إال اهلل ‪-‬‬
‫بالنسبة لألمم املؤمنة مجيعًا ‪ -‬قد حتت‪%%‬اج إىل ش‪%%‬يء من البي‪%%‬ان‪ ،‬إذا اعتربن‪%%‬ا أن قضية االعتقاد‬
‫وقضية العبادة من املسلمات اليت ال جيادل فيها إنسان‪.‬‬

‫(‪)115‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫لقد أم‪%‬ر اهلل اليه‪%‬ود والنص‪%‬ارى بتط‪%‬بيق م‪%‬ا أن‪%‬زل إليهم من الش‪%‬رائع‪ ،‬وش‪%‬دد يف ذل‪%‬ك‬
‫األم‪%%‬ر ح‪%%‬ىت رب‪%%‬ط ذل‪%%‬ك التط‪%%‬بيق باإلميان‪ ،‬وجع‪%%‬ل ع‪%%‬دم احلكم مبا أن‪%%‬زل اهلل ناقض ‪ً%‬ا لال إل‪%%‬ه إال‬
‫اهلل‪ ،‬وخمرجًا ألصحابه من دائرة اإلميان‪.‬‬

‫يقول تعاىل يف شأن اليهود‪:‬‬


‫ِل ِذ‬ ‫َّل ِذ‬ ‫ِب ِب‬ ‫ِف‬
‫(ِإَّن ا َأِنْنَز ْلَن ا الَّتْو َر اَة يِبَه ا ُه دًى ِفَو ُن وٌر ِمَيْح ُكِكُم َهِب ا الَّلَّن ِهُّي وَن ا يَن َأْسِه َلُم وا َّل يَن‬
‫َه اُدوا َو الَّر َّب ا ُّيوَن َو اَأْلْحَب اُر َم ا اْس ُتْح ُظوا ْن َت ا ال َو َك اُنوا َعَلْي ُش َه َد اَء َفال‬
‫ِل‬
‫َتْخَش ُو ا الَّن اَس َو اْخَش ْو ِن َو ال َتْش َتُر وا ِبآَي اِتي َثَم نًا َق يًال َو َمْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه‬
‫َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]44‬‬

‫ويقول جل شأنه عن النصارى‪:‬‬

‫ِئ (َو ْلَيْح ُكِسْم َأْه ُل اِأْل ْنِج ي‪ِ, , ,‬ل ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه ِفي‪ِ, , ,‬ه َو َمْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه‬
‫َفُأوَل َك ُه ُم اْلَف ا ُقوَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]47‬‬

‫ف‪%%‬بني تع ‪%%‬اىل ب‪%%‬ذلك أن‪%%‬ه أم ‪%%‬رهم أم ‪%%‬رًا ص ‪%%‬رحيًا ‪ -‬ب‪%%‬ل ش‪%%‬دد عليهم ‪ -‬يف التح‪,,‬اكم إلى‬
‫الش‪,,‬ريعة الرباني‪,,‬ة المنزل‪,,‬ة إليهم في حينه‪,,‬ا‪ ،‬وجع‪%%‬ل ذل‪%%‬ك حمك ‪ً%‬ا إلمياهنم‪ .‬وم‪%%‬ع ذل‪%%‬ك فحني‬
‫حدد اهلل ما أمرهم به فقد حصر األمر حصرًا يف هذه األمور الثالثة‪:‬‬

‫(َو َم ا ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َل ُه ال‪ِّ,,‬ديَن ُح َنَف اَء َو ُيِق يُم وا الَّص الَة َو ُيْؤ ُتوا‬
‫الَّز َك اَة َو َذِلَك ِد يُن اْلَقِّيَم ِة)‪[ .‬سورة البينة‪ ،‬اآلية ‪.]5‬‬

‫ونفى اهلل يف تل ‪%%‬ك اآلي ‪%%‬ة احملكم ‪%%‬ة أن ‪%%‬ه أم ‪%%‬رهم بش ‪%%‬يء خالف ذل ‪%%‬ك‪ ،‬ف ‪%%‬دل ذل ‪%%‬ك ‪-‬‬
‫بالض‪%%‬رورة ‪ -‬على أن ك‪%‬ل م‪%%‬ا أم‪%%‬رهم ب‪%‬ه من التك‪%‬اليف ‪ -‬ومن بينه‪%%‬ا حتكيم ش‪%‬ريعة اهلل ‪ -‬ال‬
‫بد أن يكون داخًال في واح‪,‬د من هذه الثالث‪,‬ة ومتض‪,‬منًا في‪,‬ه‪ .‬ف‪%%‬أين ي‪%%‬ا ترى ي‪%%‬دخل األم‪%%‬ر‬
‫بتحكيم الشريعة؟ أيدخل يف إقامة الصالة؟ أم يف إيتاء الزك‪%%‬اة؟ أم إن‪%%‬ه ‪ -‬بداه‪%%‬ة ‪ -‬ال بد أن‬
‫يكون متض‪,,‬منًا في أص‪,,‬ل العبادة‪ ،‬أي يف أم ‪%%‬ر اهلل هلم أن يعبدوا اهلل مخلص‪,,‬ين ل‪,,‬ه ال‪,,‬دين‬
‫حنف‪,,‬اء؟! ومن أج‪%%‬ل ارتباط‪%%‬ه املباش‪%%‬ر ب‪%%‬أمر العب‪%%‬ادة ‪ -‬ب‪%%‬أمر اإلميان ‪ -‬ق‪%%‬ال س‪%%‬بحانه‪َ( :‬و َمْن َلْم‬
‫ِئ‬ ‫َّظ ِل‬ ‫ِئ‬ ‫ِف‬ ‫ِئ‬ ‫َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َّل‬
‫‪َ)111‬ل ال ُه َفُأوَل َك ُه ُم اْلَك ا ُر وَن )‪َ(.‬فُأوَل َك ُه ُم ال ا ُم وَن )‪َ( .‬فُأوَل َك ُه ُم‬
‫اْلَف اِس ُقوَن ) ( ‪.‬‬

‫‪ )?(111‬الك ‪%%‬افرون والظ ‪%%‬املون والفاس ‪%%‬قون يف اآلي ‪%%‬ات الثالث من س ‪%%‬ورة املائ ‪%%‬دة (‪ )47 ،45 ،44‬كله ‪%%‬ا‬
‫وصف ملن مل حيكم مبا أنزل اهلل‪ ،‬فهم كافرون‪ ،‬وهم يف ال‪%‬وقت نفس‪%‬ه ظ‪%%‬املون وفاس‪%‬قون‪ .‬وه‪%‬ذا أوىل من‬

‫(‪)116‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وك ‪%%‬ذلك احلال بالنس ‪%%‬بة لألم ‪%%‬ة األخ ‪%%‬رية‪ ..‬فق ‪%%‬د ق ‪%%‬ال أن ‪%%‬اس ب ‪%%‬أفواههم ال إل‪,,‬ه إال اهلل‬
‫محم ‪,,‬د رس ‪,,‬ول اهلل‪ ،‬ب‪%% %‬ل زعم‪%% %‬وا ف‪%% %‬وق ذل‪%% %‬ك أهنم مطيع‪%% %‬ون هلل ورس‪%% %‬وله‪ ،‬مث دع‪%% %‬وا إىل اهلل‬
‫ورسوله ليحكم بينهم فأعرضوا عن شريعة اهلل‪ ،‬فنفى اهلل عنهم اإلميان‪:‬‬

‫(َو َيُقوُلوَن آَم َّنا ِبالَّلِه َو ِبالَّر ُس وِل َو َأَطْعَنا ُثَّم َيَتَو َّلى َفِر يٌق ِم ْنُه ْم ِم ْن َبْع ِد َذِلَك َو َم ا‬
‫ِم‬ ‫ِلِه ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِم ِن‬ ‫ِئ‬
‫ُأوَل َك ِب اْلُم ْؤ يَن ‪َ ،‬و ِإَذا ُدُع وا ِإَلى الَّل َو َرُس و َيْح ُك َم َبْيَنُه ْم ِإَذا َفِر ي‪ٌ, , , ,‬ق ْنُه ْم‬
‫ُمْع ِر ُضوَن )‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآليتان ‪.]48 ،47‬‬

‫وبنّي تعاىل أهنم ال يؤمنون حىت حُي ّك موا شريعة اهلل‪.‬‬

‫(َفال َو َر ِّب َك ال ُيْؤ ِم ُن وَن َح َّتى ُيَح ِّك ُم وَك ِفيَم ا َش َج َر َبْيَنُه ْم ُثَّم ال َيِج ُد وا ِفي‬
‫َأْنُفِس ِه ْم َح َر جًا ِم َّم ا َقَض ْيَت َو ُيَس ِّلُم وا َتْس ِليمًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]65‬‬

‫وهكذا تتبني طبيعة التكلي‪%‬ف الع‪%‬ام ال‪%‬ذي كلف‪%‬ه اهلل للمؤم‪%‬نني مجيع‪ً%‬ا من ك‪%‬ل األمم‪،‬‬
‫مبا فيهم األمة األخرية‪ ،‬وأنه يشمل العقيدة والشعيرة والش‪,‬ريعة كله‪%%‬ا يف آن واح‪%%‬د‪ .‬كله‪%%‬ا‬
‫هي " العبادة " املطلوب ‪%%‬ة من املؤم ‪%%‬نني‪ .‬ال جيزئ بعض ‪%%‬ها عن بعض‪ ،‬وال ي ‪%%‬ؤدي واح ‪%%‬د منه ‪%%‬ا‬
‫مبفرده إىل اتصاف اإلنسان باإلميان‪ ،‬ونقض أٍّي منها نقص جلملة اإلميان‪.‬‬

‫أما التكليف الذي اختصت به األمة األخرية‪ ،‬اليت أرسل إليها الرسول اخلامت ص‪%%‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فله حكمته عند اهلل‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ك‪%%‬ان الرس‪%%‬ل الس‪%%‬ابقون ص‪%%‬لوات اهلل وس‪%%‬المه عليهم‪ُ ،‬يرس‪%%‬ل ك‪%%‬ل واح‪%%‬د منهم‬
‫لقوم معينني ولفرتة من الزمن حمدودة‪ ،‬ح‪%‬ىت ك‪%‬ان خ‪%‬امت النب‪%‬يني ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬ال‪%‬ذي‬
‫أرس ‪%%‬ل إلى البش‪,,‬ر كافة إلى قي‪,,‬ام الساعة‪ ،‬بالرس ‪%%‬الة ال ‪%%‬يت اكتم‪,,‬ل به‪,,‬ا ال‪,,‬دين‪ ،‬وتمت به‪,,‬ا‬
‫النعمة الربانية‪:‬‬

‫ِن ِت ِض‬ ‫ِد‬


‫(اْلَيْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم يَنُك ْم َو َأْتَمْم ُت َعَلْيُك ْم ْع َم ي َو َر يُت َلُك ُم اِأْل ْس الَم‬
‫ِد ينًا)‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]3‬‬

‫اللبنة اليت اكتمل هبا البناء‪..‬‬

‫القول بأهنا درجات خمتلفة يف احلكم على العمل الواحد‪.‬‬

‫(‪)117‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" مثلي ومث‪,,‬ل األنبي‪,,‬اء من قبلي كمث‪,,‬ل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله‪ ،‬إال‬
‫موض‪,,‬ع لبنة من زاوي‪,,‬ة من زواي‪,,‬اه‪ ،‬فجع‪,,‬ل الناس يطوفون به‪ ،‬ويعجبون ل‪,,‬ه‪ ،‬ويقول‪,,‬ون‪:‬‬
‫هّال وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم األنبياء " (‪.)112‬‬

‫وإذا ك ‪%%‬انت أم ‪%%‬ة ك ‪%%‬ل رس ‪%%‬ول ق ‪%%‬د ُك ّلفت أن حتم ‪%%‬ل رس ‪%%‬الة رس ‪%%‬وهلا من بع ‪%%‬ده ح ‪%%‬ىت‬
‫ِب‬ ‫ِم‬
‫يأتيه‪%%‬ا رس‪%%‬ول آخ‪%%‬ر مص‪%%‬دق لال إل‪%%‬ه إال اهلل‪ ،‬فتتبع‪%%‬ه وتؤازره‪َ( :‬و ِإْذ َأَخ َذ الَّل ُه يَث اَق الَّن ِّييَن‬
‫ِّد ٌق ِل ا ُك َل ْؤ ِم ُنَّن ِب ِه‬ ‫ِح ٍة‬ ‫ِم ِك‬
‫َم َمَع ْم ُت‬ ‫َلَم ا آَتْيُتُك ْم ْن َت اٍب َو ْك َم ُثَّم َج اَءُك ْم َرُس وٌل ُمَص‬
‫َو َلَتْنُصُر َّنُه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]81‬‬

‫فق‪%%‬د كلفت األم‪%%‬ة األخ‪%%‬رية ك‪%%‬ذلك أن تحمل رسالة رس‪,‬ولها من بع‪,‬ده‪ ،‬ولكن م‪%%‬ع‬
‫فارق أساسي‪ ،‬أو فارقين في الحقيقة‪.‬‬

‫الف ‪,,‬ارق األول‪ :‬أن ه‪%% %‬ذه األم‪%% %‬ة حتم‪%% %‬ل رس‪%% %‬الة رس‪%% %‬وهلا من بع‪%% %‬ده ح ‪,,‬تى َي ِر َث اهلل‬
‫األرض ومن عليها‪ ،‬ألنه ال نيب بعده صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال رسالة بعد رسالته‪.‬‬

‫والفارق الثاني‪ :‬أن رسالة الرسول اخلامت صلى اهلل عليه وس‪%%‬لم‪ ،‬هي للناس كافة‪،‬‬
‫وليست لقوم معينين‪ ،‬ومن مث ِّمُحَلْت أمته رس‪%%‬الته من بع‪%%‬ده للن‪%%‬اس كاف‪%%‬ة‪ ،‬وج‪%%‬اء النص على‬
‫الناس صرحيًا سواء يف وصف األمة أو حتديد رسالتها‪:‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّمٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّناِس )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫(َو َكَذ ِلَك َجَعْلَناُك ْم ُأَّمًة َو َس طًا ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫‪.]143‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما طبيعة هذا التكليف الخاص؟‬

‫أش‪%%‬رنا فيم‪%%‬ا س‪%%‬بق إىل أن اخلصوص‪%%‬ية يف التكلي‪%%‬ف ناش‪%%‬ئة من أن ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة هي أم‪%%‬ة‬
‫الرس ‪%%‬ول اخلامت ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬ال ‪%%‬ذي اكتم ‪%%‬ل ب ‪%%‬ه ال ‪%%‬دين‪ ،‬وال ‪%%‬ذي أرس ‪%%‬ل إىل البش ‪%%‬رية‬
‫كافة‪ ،‬والذي ال نيب بعده‪.‬‬

‫‪ )?(112‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫(‪)118‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن مث تتح‪%% %‬دد مهم‪%% %‬ة ه‪%% %‬ذه األم‪%% %‬ة ب‪%% %‬أن توص‪%% %‬ل الرس‪%% %‬الة إىل ك‪%% %‬ل فج‪%% %‬اج األرض‬
‫املعم‪%% %‬ورة‪ ،‬وأن تبلغه‪,, ,‬ا للن‪%% %‬اس كم‪%% %‬ا تلقته‪%% %‬ا عن رس‪%% %‬ول اهلل ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم (‪،)113‬‬
‫وبالطريق‪%%‬ة ال‪%%‬يت تلقته‪%%‬ا هبا عن رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم (‪ ،)114‬وتتحم‪,‬ل م‪,‬ا يقتض‪,‬يه‬
‫التبلي‪,,‬غ من جه ‪%%‬اد يف س ‪%%‬بيل اهلل كم ‪%%‬ا جاه ‪%%‬د الرس ‪%%‬ول ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬مث أن تك ‪%%‬ون‬
‫شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫وقب ‪%%‬ل أن نش ‪%%‬رح ح ‪%%‬دود ه ‪%%‬ذا التكلي ‪%%‬ف ووس ‪%%‬يلته‪ ،‬حُن ّب أن ُنك ‪%%‬رر اإلش ‪%%‬ارة إىل أن‬
‫رس‪%%‬الة األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية وتكاليفه‪%%‬ا هي رس‪%%‬الة نبيه‪%%‬ا ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم وس‪%%‬لمذاهتا‪ ،‬وم‪%%‬ا‬
‫ُك لف من التكاليف‪.‬‬

‫فالرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أمر بالدعوة والتبليغ‪.‬‬

‫(اْد ُع ِإَلى َس ِبيِل َر ِّب َك ِباْلِح ْك َم ِة َو اْلَمْو ِع َظ ِة اْلَح َس َنِة)‪[ .‬س‪%% %‬ورة النح‪%% %‬ل‪ ،‬اآلي‪%% %‬ة‬
‫‪.]125‬‬

‫(َيا َأُّيَه ا الَّر ُس وُل َبِّلْغ َم ا ُأْنِز َل ِإَلْيَك ِم ْن َر ِّبَك َو ِإْن َلْم َتْف َعْل َفَم ا َبَّلْغَت ِر َس اَلَتُه)‪.‬‬
‫[سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]67‬‬

‫وأمر بالجهاد‪..‬‬
‫ِب‬ ‫ِه‬ ‫ِفِق‬ ‫ِب ِه ِد َّف‬
‫ِص (َي ا َأُّيَه ا الَّن ُّي َج ا اْلُك اَر َو اْلُم َن ا يَن َو اْغُلْظ َعَلْي ْم َو َم ْأَو اُه ْم َج َه َّنُم َو ْئَس‬
‫اْلَم يُر )‪[ .‬سورة التحرمي‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬

‫وُأرسل شاهدًا على الناس‪..‬‬

‫(َي ا َأُّيَه ا الَّنِبُّي ِإَّن ا َأْرَس ْلَناَك َش اِه دًا َو ُمَبِّش رًا َو َن ِذ يرًا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة األح ‪%%‬زاب‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]45‬‬

‫واألمة كلفت التكاليف ذاهتا‪:‬‬

‫(َو ْلَتُك ْن ِم ْنُك ْم ُأَّم ٌة َي ْد ُعوَن ِإَلى اْلَخ ْي ِر َو َي ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َيْنَه ْو َن َعِن‬
‫اْلُم ْنَك ِر )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]104‬‬

‫‪ )?(113‬أي دون حتريف فيها وال زيادة وال نقص‪.‬‬


‫‪ )?(114‬أي بالقدوة العملية أساسًا كما سيأيت بيانه‪.‬‬

‫(‪)119‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" بلغوا عني ولو آية " (‪.)115‬‬

‫(َو َج اِه ُد وا ِفي الَّلِه َح َّق ِج َه اِدِه)‪[ .‬سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.]78‬‬

‫(َو َكَذ ِلَك َجَعْلَناُك ْم ُأَّمًة َو َس طًا ِلَتُك وُنوا ُش َه َد اَء َعَلى الَّناِس )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫‪.]143‬‬

‫وتلك األهداف املنصوص عليها يف كتاب اهلل وسنة رسوله صلى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪،‬‬
‫هي أهداف ذات اعتبار‪ ،‬س ‪%%‬واء يف حكم ‪%%‬ة " إخ ‪%%‬راج " ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة‪ ،‬أو يف تقري ‪%%‬ر خرييته ‪%%‬ا‬
‫كذلك‪.‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫ونقف قليًال عند قضية " الخيرية " اليت وصفت هبا هذه األمة‪:‬‬

‫ما الفرق بينها وبين دعوى اليه‪,,‬ود أنهم شعب اهلل المخت‪,‬ار إلى هذه اللحظة‪،‬‬
‫المفضل على العالمين إلى األبد‪ ،‬ودعوى كل قومية أنها أفضل األمم جميعًا وأرقاها؟‬

‫هن‪%%‬اك ع‪%%‬دة ف‪%%‬وارق‪ ،‬تنطل‪%%‬ق كله‪%%‬ا من ف‪%%‬ارق أساس‪%%‬ي‪ :‬أن خيرية هذه األمم ليست‬
‫خيرية عنصرية وال عرقية كدعوى بني إس‪,‬رائيل‪ ،‬وليست منبثقة من عص‪,,‬بية جنس وال‬
‫انتماء ألرض معينة كعصبية القومية احلمقاء‪.‬‬

‫إهنا خريي‪%% %‬ة أعم ‪,,‬ال‪ ..‬خيري ‪,,‬ة مبادئ‪ ..‬خيري ‪,,‬ة قيم‪ ..‬خيري ‪,,‬ة س ‪,,‬لوك‪ ،‬ناش‪%% %‬ئة من‬
‫اإلميان باهلل‪ ،‬واألم‪%%‬ر ب‪%%‬املعروف والنهي عن املنك‪%%‬ر‪ .‬ول‪%%‬ذلك فهي ليست حكرًا على شعب‬
‫معين وال عنصر معين وال دم معين‪ ،‬إمنا هي مل‪%%‬ك لك‪%%‬ل مس‪%%‬لم آمن باهلل ومالئكت‪%%‬ه وكتب‪%%‬ه‬
‫ورسله واليوم اآلخر والقدر خ‪%%‬ريه وش‪%%‬ره‪ ،‬وعمل بمقتضى إيمانه‪ ،‬أًّيا ك‪%%‬ان جنس‪%%‬ه أو لغت‪%%‬ه‬
‫أو أرض ‪%% %‬ه أو منش ‪%% %‬ؤه‪ ،‬كم ‪%% %‬ا ك ‪%% %‬انت ملك‪ً% % %‬ا لبالل احلبش ‪%% %‬ي‪ ،‬وص ‪%% %‬هيب ال ‪%% %‬رومي‪ ،‬وس ‪%% %‬لمان‬
‫الفارس‪%%‬ي‪ ،‬على املس‪%%‬توى نفس‪%%‬ه ال‪%%‬ذي ك‪%%‬انت في‪%%‬ه ملك ‪ً%‬ا للمؤم‪%%‬نني من ق‪%%‬ريش‪ .‬وإمنا يتفاض‪%%‬ل‬
‫الناس فيما بينهم بالتقوى‪:‬‬

‫" ال فضل لعربي على عجمي‪ ،‬وال ألبيض على أحمر إال بالتقوى " (‪.)116‬‬
‫‪ )?(115‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ )?(116‬رواه أمحد يف مسنده‪.‬‬

‫(‪)120‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ول‪%% %‬ذلك أيض ‪ً% %‬ا مل تكن ص‪%% %‬فة الص‪%% %‬قة بش‪%% %‬خص معني وال ش‪%% %‬عب معني وال عنص‪%% %‬ر‬
‫معني‪ ،‬مهما يعمل من الس‪%‬يئات‪ ،‬ومهم‪%‬ا يق‪%%‬ع من‪%‬ه من احنراف‪%‬ات‪ ،‬ك‪%‬دعوى ب‪%‬ين إس‪%‬رائيل أهنم‬
‫م‪%%‬ا زال‪%%‬وا ش‪%%‬عب اهلل املخت‪%%‬ار‪ ،‬وق‪%%‬د كف‪%%‬روا باهلل ورس‪%%‬له‪ ،‬وارتكب‪%%‬وا من املوبق‪%%‬ات م‪%%‬ا ارتكب‪%%‬وا‪،‬‬
‫وك‪%% % % %‬دعوى ك‪%% % % %‬ل قومي‪%% % % %‬ة أهنا أفض‪%% % % %‬ل األمم‪ ،‬مهم‪%% % % %‬ا ارتكبت من اجلرائم‪ ،‬ومارس‪%% % % %‬ت من‬
‫احلماق‪%%‬ات‪ .‬بل ت‪,,‬ذهب الخيري‪,,‬ة عن األمم ‪ -‬كم‪,,‬ا هو ح‪,,‬ال األم‪,,‬ة المسلمة الي‪,,‬وم ‪ -‬إن‬
‫هي نكلت عن رس‪,,‬التها ولم تقم بتكاليفه‪,,‬ا‪ ،‬وال تسترد اس‪,,‬تحقاقها له‪,,‬ا ح‪,,‬تى تع‪,,‬ود إلى‬
‫العمل بمقتضياتها‪.‬‬

‫تلك هي الفوارق‪..‬‬

‫فهي ليست " عصبية " لقوم ال وجلنس وال ألرض وال لشعار‪..‬‬

‫" ليس منا من دعا إلى عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من‬
‫مات على عصبية " (‪.)117‬‬

‫وليست كذلك دعوى بال دليل‪ .‬إمنا هي قيم ومبادئ وعمل وسلوك‪ ،‬إن وجدت‬
‫وج ‪%% %‬دت معه ‪%% %‬ا اخلريي ‪%% %‬ة‪ ،‬وإن زالت زالت اخلريي ‪%% %‬ة‪ ،‬وإن بقي الن ‪%% %‬اس ال ‪%% %‬ذين حيمل ‪%% %‬ون أمساء‬
‫إسالمية‪ ،‬ويقولون بأفواههم ال إله إال اهلل‪ ،‬حممد رسول اهلل!‬

‫وم ‪,,‬ا أعظم الف ‪,,‬ارق في واق ‪,,‬ع األرض‪ ،‬وعند اهلل في الي ‪,,‬وم اآلخر‪ ،‬بني دع ‪%%‬وى‬
‫حتم‪%%‬ل رص‪%%‬يدًا من احلق‪ ،‬ودع‪%%‬وى حتم‪%%‬ل الرص‪%%‬يد‪َ( :‬لْي ِبَأَم اِنِّيُك ْم َو ال َأَم اِنِّي َأْه ِل اْلِكَت اِب‬
‫َس‬
‫ِم‬ ‫ِص‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِج‬ ‫ِب ِه‬
‫َمْن َيْع َم ْل ُس وءًا ُيْج َز َو ال َي ْد َل ُه ْن ُدو الَّل َو ّي ًا َو ال َن يرًا‪َ ،‬و َمْن َيْع َم ْل َن‬
‫الَّص اِلَح اِت ِم ْن َذَك ٍر َأْو ُأْنَثى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفُأوَلِئ َك َيْد ُخ ُلوَن اْلَج َّن َة َو ال ُيْظَلُم وَن َنِق يرًا)‪.‬‬
‫[سورة النساء‪ ،‬اآليتان ‪.]124 - 123‬‬

‫ونعود إلى رسالة األمة المسلمة‪..‬‬

‫إن ال إل‪%%‬ه إال اهلل‪ ،‬ال‪%%‬يت ج‪%%‬اء هبا ك‪%%‬ل رس‪%%‬ول من ل‪%%‬دن آدم إىل حمم‪%%‬د ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬هي األساس الذي يقوم عليه البناء اإلمياين‪ ،‬املليب للفطرة‪ ،‬والذي يصبح به اإلنسان‬
‫يف أحسن تقومي كما خلقه اهلل‪:‬‬

‫(َلَق ْد َخ َلْق َنا اِأْل ْنَس اَن ِفي َأْح َس ِن َتْق ِو يٍم )‪[ .‬سورة التني‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬

‫‪ )?(117‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫(‪)121‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫َّل ِه ِل‬ ‫ِد ِل‬ ‫َّل ِه َّلِت‬ ‫ِف‬


‫ِك ( ْط َر َت ال ا ي َفَط َر الَّن اَس َعَلْيَه ا ال َتْب يَل َخ ْل ِق ال َذ َك ال‪ِّ,,‬ديُن اْلَقِّيُم‬
‫َو َل َّن َأْك َثَر الَّناِس ال َيْع َلُم وَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]30‬‬

‫" كل مولود يولد على الفطرة " (‪.)118‬‬

‫ولكن ن‪%%‬وع األس‪%%‬اس وحجم‪%%‬ه وطبيعت‪%%‬ه تتناس‪%%‬ب دائم ‪ً%‬ا م‪%%‬ع حجم البن‪%%‬اء املق‪%%‬ام فوق‪%%‬ه‬
‫ونوعه وطبيعته‪.‬‬

‫والبناء الذي أخرجت هذه األمة لتقيمه هو أعظم بناء في ت‪,,‬اريخ البش‪,,‬رية‪ :‬هو‬
‫تحقي ‪,, ,‬ق المنهج الرباني في عالم الواق ‪,, ,‬ع‪ ،‬في مواجه ‪,, ,‬ة الجاهلي ‪,, ,‬ة العالمي ‪,, ,‬ة في كل‬
‫األرض‪ ..‬لذلك ُح ّق لألساس الذي يقوم عليه ذل‪,,‬ك البناء أن يكون أمتن أس‪,,‬اس وض‪,,‬ع‬
‫في تاريخ البشرية‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ظ‪%%‬ل الق‪%%‬رآن الك‪%%‬رمي يت‪%%‬نزل ثالث‪%%‬ة عش‪%%‬ر عام ‪ً%‬ا يف مك‪%%‬ة يف موض‪%%‬وع واح‪%%‬د‪ ،‬ه‪%%‬و‬
‫العقي‪,,‬دة ومقتض‪,,‬ياتها‪ ،‬ألهنا هي األس ‪%%‬اس ال ‪%%‬ذي س ‪%%‬يقوم علي ‪%%‬ه ذل ‪%%‬ك البن ‪%%‬اء الض ‪%%‬خم‪ .‬وأنف ‪%%‬ق‬
‫رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬ثالث ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر عام ‪ً%‬ا يف مك ‪%%‬ة‪ ،‬مهه األول تأس ‪%%‬يس األس ‪%%‬اس‬
‫ومتكينه وترسيخه ليحمل البناء من بعد‪ ..‬وملا بدأ البناء بالفعل ‪ -‬يف املدين‪%%‬ة ‪ -‬فإن‪%%‬ه مشخ يف‬
‫سنوات قالئل‪ ،‬بسرعة ومتُّك ن‪ ،‬ألنه كان راسخ األساس‪.‬‬

‫كان أساسه يف النفوس‪ .‬يف قلوب تلك العصبة املؤمنة‪ ،‬القليلة العدد‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكنها‬
‫متث‪%%‬ل أض‪%%‬عاف أض‪%%‬عاف حجمه‪%%‬ا الع‪%%‬ددي‪ ،‬ألنه‪,,‬ا تحم‪,‬ل طاق‪,,‬ة مركزة من اإليم‪,‬ان الص‪,,‬افي‬
‫المتجرد هلل‪ ،‬تكفي إلض‪%‬اءة الس‪%‬احة الواس‪%‬عة بإش‪%‬عاعها‪ ..‬ال س‪%‬احة املدين‪%‬ة املن‪%‬ورة وح‪%‬دها‪،‬‬
‫وال ساحة اجلزيرة العربية وحدها‪ ،‬ولكن ساحة البشرية‪.‬‬

‫إن أصفى بيان للتوحيد‪ ،‬وأكمل بيان وأمشل بيان‪ ،‬هو الذي نزل به القرآن الك‪%‬رمي‬
‫وبينت‪%%‬ه الس‪%%‬نة النبوي‪%%‬ة املطه‪%%‬رة‪ ،‬ألن اهلل ك‪%%‬ان ُيِع ُّد هبذا البي‪%%‬ان‪ " ،‬خير أمة أخرجت للناس "‪.‬‬
‫األمة اليت ُك ّلفت أن تكون شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫وما نقول إهنا األمة الوحيدة اليت جتردت هلل‪ ،‬أو جترد " احلواري‪%%‬ون " ال‪%%‬ذين جتمع‪%%‬وا‬
‫حول نبيها هلل‪ ..‬كال! فحول كل نيب أرسل إىل الناس جتمعت قلوب صافية‪ ،‬باعت ال‪%%‬دنيا‪،‬‬
‫وجتردت للح‪%%‬ق ال‪%%‬ذي آمنت ب‪%%‬ه‪ ،‬ورض‪%%‬يت باهلل رًّب ا‪ ،‬وبنبيه‪%%‬ا رس‪%%‬وًال‪ ،‬وب‪%%‬اآلخرة عوض ‪ً%‬ا عن‬
‫الدنيا‪..‬‬

‫‪ )?(118‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ‪ ،1385‬مسلم ‪.2658‬‬

‫(‪)122‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكّنا نضع في حسابنا أمرًا آخر‪..‬‬

‫إن احلركة باإلميان ليست كمج‪%‬رد اإلميان مهم‪%‬ا ك‪%‬ان راس‪%‬خًا‪ ..‬فمن ش‪%‬أن احلرك‪%‬ة‬
‫أن حتدث اهتزازات يف الكيان املتحرك‪ ،‬فيحتاج إلى تمكين األساس أكثر‪ ،‬لكي ال ت‪,,‬ؤثر‬
‫الحركة في ثباته واستقراره‪ .‬وكلما كانت احلرك‪%‬ة أوس‪%‬ع م‪%%‬دى وأش‪%‬د َم ْو رًا احت‪%‬اج األم‪%%‬ر‬
‫إىل متكني األساس أكثر‪ ،‬لكي يظل متماسكًا على الرغم من احلراكة املوارة‬

‫ولق‪%%‬د ك‪%%‬انت حرك‪%%‬ة ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة بإمياهنا يف جماالت احلي‪%%‬اة املختلف‪%%‬ة أعظم حرك‪%%‬ة يف‬
‫الت ‪%%‬اريخ‪ ،‬فل ‪%%‬زم ‪ -‬يف علم اهلل ‪ -‬أن يك ‪%%‬ون األس ‪%%‬اس ال ‪%%‬ذي يق ‪%%‬وم علي ‪%%‬ه بناؤه ‪%%‬ا أرس ‪%%‬خ أس ‪%%‬اس‬
‫وأعم ‪%%‬ق أس ‪%%‬اس‪ ..‬ف ‪%%‬نزل الق ‪%%‬رآن ثالث ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر عام‪ً% %‬ا كامل ‪%%‬ة‪ ،‬ي ‪%%‬بني حقيق ‪%%‬ة التوحي ‪%%‬د الش ‪%%‬املة‪،‬‬
‫ويدخل هبا كل مسارب النفس البشرية ومنحنياهتا‪ ،‬ليستقر هن‪%%‬اك عميق‪ً%‬ا يف حناي‪%%‬ا النف‪%%‬وس‪.‬‬
‫وبقي رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬ثالث ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر عام ‪ً%‬ا كامل ‪ً%‬ة يرك ‪%%‬ز جه ‪%%‬ده األعظم يف‬
‫تربي‪%%‬ة هاتي‪%%‬ك النف‪%%‬وس‪ ،‬لتحم‪%%‬ل أك‪%%‬رب طاق‪%%‬ة إمياني‪%%‬ة يتس‪%%‬ع هلا القلب البش‪%%‬ري‪ .‬وك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا كل‪%%‬ه‬
‫عنصرًا ملحوظًا من عناصر خريية هذا األمة‪.‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]110 :‬‬

‫ول ‪%%‬و ك ‪%%‬ان األم ‪%%‬ر جمرد اإلميان فال وج ‪%%‬ه خلريي ‪%%‬ة ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة في ‪%%‬ه‪ ،‬فقد آمنت قبله‪,,‬ا‬
‫أمم‪ ..‬ولكنه ‪%%‬ا احلرك‪%%‬ة الواس‪%%‬عة باإلميان‪ ،‬املتمثل‪%%‬ة يف األم‪,,‬ر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫على نط‪,,‬اق شامل‪ ،‬هي ال ‪%%‬يت جعلت األم ‪%%‬ة اخلريي ‪%%‬ة يف جمال اإلميان ذاته‪ ،‬كم ‪%%‬ا نص ‪%%‬ت اآلي ‪%%‬ة‬
‫الكرمية‬

‫وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪.‬‬

‫وحني قام بناء األمة يف املدينة املنورة ‪ -‬باملهاجرين واألنصار ‪ -‬تت‪%%‬ابعت التك‪%%‬اليف‬
‫واتسع نطاقه‪%‬ا ح‪%‬ىت مشلت احلي‪%‬اة كله‪%‬ا يف ك‪%‬ل جوانبه‪%‬ا السياس‪%‬ية واالقتص‪%‬ادية واالجتماعي‪%‬ة‬
‫والفكري ‪%%‬ة واألخالقي ‪%%‬ة‪ ..‬التص ‪%%‬ورية والس ‪%%‬لوكية‪ ،‬الداخلي ‪%%‬ة واخلارجي ‪%%‬ة‪ ..‬ح ‪%%‬ىت اكتم ‪%%‬ل ال ‪%%‬دين‬
‫ومتت النعمة‪:‬‬

‫ِن ِت ِض‬ ‫ِد‬


‫(اْلَيْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم يَنُك ْم َو َأْتَمْم ُت َعَلْيُك ْم ْع َم ي َو َر يُت َلُك ُم اِأْل ْس الَم‬
‫ِد ينًا)‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]3‬‬

‫وكانت هذه التكاليف ُتِعُّد األمة هلدفني يف آن واحد‪:‬‬

‫(‪)123‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اله ‪,,‬دف األول أن تستقيم هذه األم ‪,,‬ة لربه ‪,,‬ا في ذات نفسها ‪ -‬وه‪%% %‬و اهلدف‬
‫املش‪%% %‬رتك بينه‪%% %‬ا وبني األمم املؤمن‪%% %‬ة الس‪%% %‬ابقة كله‪%% %‬ا ‪ -‬ولكن على أوس‪,, ,‬ع مساحة عرفته‪,, ,‬ا‬
‫البش‪,,‬رية‪ :‬تش‪%%‬مل الف‪%%‬رد واجلماع‪%%‬ة‪ ،‬الرج‪%%‬ل واملرأة‪ .‬الص‪%%‬غار والكب‪%%‬ار‪ .‬التعام‪%%‬ل م‪%%‬ع األص‪%%‬دقاء‬
‫واألع‪%%‬داء‪ .‬املؤم‪%%‬نني وغ‪%%‬ري املؤم‪%%‬نني‪ ،‬احملاربني واملس‪%%‬املني‪ ،‬كم‪%%‬ا تش‪%%‬مل ك‪%%‬ل تص‪%%‬رف س‪%%‬لوكي‪،‬‬
‫وك‪%%‬ل تص‪%%‬رف فك‪%%‬ري‪ ،‬وك‪%%‬ل هاجس‪%%‬ة ختط‪%%‬ر يف داخ‪%%‬ل النفس ال يراه‪%%‬ا الن‪%%‬اس‪ ،‬ولكن يطل‪%%‬ع‬
‫عليها من يعلم خائنة األعني وما ْخُتِف ي الُّص دور‪.‬‬

‫والهدف الثاني‪ :‬أن تقوم هذه األمة بالشهادة على كل البشرية‪..‬‬

‫وإهنا لتق‪%%‬وم ب‪%%‬التكليفني مع‪ً%‬ا على أس‪%%‬اس واح‪%%‬د‪ ،‬هو ال إل‪,‬ه إال اهلل‪ ،‬محم‪,‬د رس‪,‬ول‬
‫اهلل‪.‬‬

‫إهنا ال تص ‪%%‬طنع ش ‪%%‬يئًا خاًّص ا من أج ‪%%‬ل الش ‪%%‬هادة على البش ‪%%‬رية غ ‪%%‬ري ال ‪%%‬ذي تق ‪%%‬وم ب ‪%%‬ه‬
‫لذات نفسها‪ ..‬اللهم إال الدعوة وتكاليفها‪ ..‬ولكن‪%%‬ه األس‪%%‬اس ذاته‪ ،‬واملنهج ذاته‪ ،‬والتوج‪%%‬ه‬
‫ذاته‪..‬‬

‫إهنا تتح ‪%%‬رك ‪ -‬مبا اس ‪%%‬تقامت لرهبا يف ذات نفس ‪%%‬ها ‪ -‬لتع ‪%%‬رض على الن ‪%%‬اس اإلس ‪%%‬الم‬
‫من خالل س‪%% %‬لوكها العملي ب‪%% %‬املنهج الرب‪%% %‬اين‪ ،‬وتدعوهم ‪ -‬من خالل القدوة العملي ‪,,‬ة ‪-‬‬
‫لل‪%%‬دخول في‪%%‬ه‪ .‬مث تبلغهم أن ه‪%%‬ذا ال‪%%‬دين ه‪%%‬و املعتم‪%%‬د عن‪%%‬د اهلل‪ ،‬الناس‪%%‬خ لك‪%%‬ل م‪%%‬ا س‪%%‬واه‪ ،‬وأهنا‬
‫مكلفة من قبل رهبا أن تدعوهم إليه‪ ،‬وأن تزيل كل احلواجز اليت حتجب احلق عن النف‪%%‬وس‪،‬‬
‫وحتج ‪%%‬ز النف ‪%%‬وس عن احلق‪ ،‬ليخت ‪%%‬ار الن ‪%%‬اس ألنفس ‪%%‬هم م ‪%%‬ا خيت ‪%%‬ارون غ ‪%%‬ري مض ‪%%‬غوط عليهم وال‬
‫مضللني (‪.)119‬‬

‫وهك‪%%‬ذا جند أن األس‪%%‬اس احلقيقي للتكلي‪%%‬ف اخلاص ال‪%%‬ذي كلفت ب‪%%‬ه ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة من‬
‫دع‪%%‬وة وش‪%%‬هادة وجه‪%%‬اد‪ ،‬هو األس‪,,‬اس ذات‪,,‬ه ال‪%%‬ذي يق‪%%‬وم ب‪%%‬ه إس‪%%‬المها‪ .‬فهي تتح‪%%‬رك حركته‪%%‬ا‬
‫الطبيعي‪%%‬ة الذاتي‪%%‬ة هبذا ال‪%%‬دين‪ ،‬ومن خالل حركته‪%%‬ا تدعو‪ ،‬ومن خالل حركته‪%%‬ا تش‪,‬هد‪ ،‬ومن‬
‫خالل حركتها تقوم مبا تستلزمه الدعوة والشهادة من الجهاد‪.‬‬

‫فما هي الحركة الذاتية له‪,,‬ذه األم‪,,‬ة به‪,,‬ذا ال‪,‬دين؟ وكي‪,‬ف ق‪,,‬ام به‪,,‬ا الجي‪,‬ل األول‬
‫الفريد؟‬

‫ليس هنا جمال التفصيل‪..‬‬

‫‪ )?(119‬سنتكلم فيما بعد عن مهمة اجلهاد اإلسالمي يف حياة األمة ويف حياة البشرية‪.‬‬

‫(‪)124‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إمنا جنتزئ هنا باخلطوط العريضة جًّدا هلذه احلركة‪.‬‬

‫إهنا ص‪,,‬دق اإليم‪,,‬ان باهلل والي‪,,‬وم اآلخر‪ ،‬وجدي‪,,‬ة األخذ من الكت‪,,‬اب والسنة يف‬
‫كل أمر يعرض يف حياة الناس‪ ،‬وصدق اجلهاد يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫وهي حتقي ‪%%‬ق مع ‪%%‬ىن " األم ‪,,‬ة " ب ‪%%‬املعىن اإلس ‪%%‬المي الص ‪%%‬حيح الق ‪%%‬ائم على العقي ‪%%‬دة‪ ،‬ال‬
‫تدخل فيه عصبية اجلنس وال اللون وال اللغة وال األرض‪ ..‬إمنا هي األخوة يف اإلسالم‪.‬‬

‫وهي حتقيق التكافل الذي يربط بناء األمة‪ ،‬وجيعل القادرين حيمل‪%‬ون غ‪%‬ري الق‪%‬ادرين‬
‫مبا أفاء اهلل عليهم من فضله‪.‬‬

‫وهي حتقيق العدل الرباني يف واقع األرض‪.‬‬

‫وهي حتقيق أخالقيات ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫وهي الوفاء بالمواثيق (‪.)120‬‬

‫مث هي حركة علمية منبثقة من العقيدة‪.‬‬

‫وحركة حضارية منبثقة من هذا الدين (‪.)121‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن ه ‪%%‬ذه ‪ -‬كم ‪%%‬ا قلت يف فص ‪%%‬ل " نظ ‪%%‬رة إىل اجلي ‪%%‬ل الفري ‪%%‬د " من كت ‪%%‬اب " واقعن ‪%%‬ا‬
‫املعاصر " ‪ -‬ليس‪%‬ت مثالي‪%‬ات ُطوِلَب هبا اجلي‪%‬ل األول وح‪%‬ده‪ ،‬وق‪%‬ام هبا على الوج‪%‬ه األكم‪%‬ل‪.‬‬
‫إمنا هي السمات الدائم‪,, ,‬ة لألم‪,, ,‬ة المسلمة‪ ،‬املكل‪%% %‬ف هبا ك‪%% %‬ل جي‪%% %‬ل من أجياهلا إىل قي‪%% %‬ام‬
‫الساعة‪ ،‬وال‪%‬يت تعت‪%‬رب األم‪%‬ة ُمقّص رة يف ال‪%‬دنيا واآلخ‪%‬رة إن هي َنَك َلْت عن القي‪%‬ام هبا يف ح‪%‬دها‬
‫األدىن املفروض‪.‬‬

‫‪ )?(120‬الوف‪%%‬اء ب‪%%‬املواثيق ه‪%%‬و من أخالقي‪%%‬ات ال إل‪%%‬ه إال اهلل‪ ،‬ولكن‪%%‬ا أفردن‪%%‬اه ألمهيت‪%%‬ه اخلاص‪%%‬ة يف التوجي‪%%‬ه الرب‪%%‬اين‬
‫هلذه األمة‪.‬‬
‫‪ )?(121‬حتدثت عن ه‪%%‬ذه الس‪%%‬مات بتفص‪%%‬يل ك‪%%‬اف يف فص‪%%‬ل " نظ‪%%‬رة إىل اجلي‪%%‬ل الفري‪%%‬د " من كت‪%%‬اب " واقعن‪%%‬ا‬
‫املعاصر "‪.‬‬

‫(‪)125‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إمنا ك‪%%‬ان ال‪%%‬ذي تف ‪%%‬رد ب‪%%‬ه اجلي‪%%‬ل األول ه ‪%%‬و الدرجة العجيبة ال‪,,‬تي وص‪,,‬ل إليه‪,,‬ا في‬
‫تحقيق تلك السمات في أعلى آفاقه‪,,‬ا‪ ،‬وجتاوز هبا احلد األدىن املف‪%%‬روض‪ ،‬إىل احلد األعلى‬
‫املرغوب‪ ،‬تطوعًا منه‪ ،‬ورغبة يف مرضاة اهلل‪.‬‬

‫أما تلك السمات ذاتها فهي هي كيان األمة األصيل‪ ،‬من أجلها أخرجت هذه‬
‫األمة‪ ،‬ومن أجلها كانت خيريتها‪ .‬ولن يتحقق له‪,,‬ا كيانه‪,,‬ا اإلس‪,,‬المي الحقيقي ‪ -‬فض‪ً,‬ال‬
‫عن الخيري‪,,‬ة المنوطة به‪,,‬ا ‪ -‬ح‪,,‬تى تقوم به‪,,‬ا‪ ،‬وتجاهد في س‪,,‬بيلها‪ ،‬وتمنحه‪,,‬ا عزيمته‪,,‬ا‬
‫الصادقة‪ .‬وال تكون قد أدت رسالتها س‪,,‬واء لنفسها أو للناس‪ ،‬إن هي اكتفت من كل‬
‫ذلك باألماني الفارغة واألحالم الجميلة‪.‬‬

‫إن هذه السمات ‪ -‬بالنس‪%%‬بة هلذه األم‪%%‬ة ‪ -‬هي مقتضيات ال إل‪,‬ه إال اهلل‪ ،‬ذل‪%%‬ك أهنا‬
‫‪ -‬كله‪%%‬ا ‪ -‬تكلي‪%%‬ف رب‪%%‬اين‪ ،‬وك‪%%‬ل تكلي‪%%‬ف رب‪%%‬اين داخ‪%%‬ل ‪ -‬بالض‪%%‬رورة ‪ -‬يف مقتض‪%%‬يات ال إل‪%%‬ه‬
‫إال اهلل‪.‬‬

‫ومن مث كانت ال إله إال اهلل يف حياة هذه األمة أمنت أساس قام عليه بناء يف تاريخ‬
‫أية أمة‪ ،‬وأوسع أساس‪ ،‬وأمشل أساس‪.‬‬

‫إنه منهج حي ‪,,‬اة كام ‪,,‬ل‪ ،‬يش ‪,,‬مل كل جزئي ‪,,‬ات الحي ‪,,‬اة‪ ،‬ويربطه ‪,,‬ا بعض ‪,,‬ها ببعض‬
‫برباط اإليمان (‪.)122‬‬

‫‪ )?(122‬ختتل ‪%%‬ف مواض ‪%%‬ع التك ‪%%‬اليف من قض ‪%%‬ية اإلميان‪ ،‬فبعض ‪%%‬ها إن نقض ينقض أص ‪%%‬ل اإلميان‪ ،‬وبعض ‪%%‬ها إن‬
‫نقض ينقص من اإلميان وال ينقض أصله‪ ،‬ولكنها كلها مرتبطة بال إله إال اهلل‪.‬‬

‫(‪)126‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثانيا‪ :‬لمحات من التاريخ‬


‫ليس القص ‪%%‬د هن ‪%%‬ا ه ‪%%‬و اس ‪%%‬تعراض تاريخ األم ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬المية‪ ،‬وال ح ‪%%‬ىت أب ‪%%‬رز مالحمه ‪%%‬ا‪،‬‬
‫ف‪%‬ذلك أم‪%‬ر يط‪%‬ول‪ ،‬وختتص ب‪%‬ه الدراس‪%‬ات التارخيي‪%‬ة املتخصص‪%‬ة‪ .‬إمنا القص‪%‬د ه‪%‬و إعط‪%‬اء حملات‬
‫‪ -‬مج ‪,,‬رد لمح ‪,,‬ات ‪ -‬من ذل ‪%%‬ك الت ‪%%‬اريخ‪ ،‬تربز ش ‪%%‬يئًا مما منحت ‪%%‬ه للبش ‪%%‬رية تل ‪%%‬ك األم ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت‬
‫أخ‪%%‬رجت للناس‪ ،‬يف الف‪%%‬رتة ال‪%%‬يت ك‪%%‬انت قائم‪%%‬ة فيه‪%%‬ا برس‪%%‬التها على اس‪%%‬تقامة كامل‪%%‬ة‪ ،‬أو ح‪%%‬ىت‬
‫على استقامة نسبية مشوبة بشيء من االحنراف‪ ،‬فق‪%‬د مض‪%‬ت عليه‪%‬ا ف‪%‬رتة غ‪%‬ري قص‪%‬رية ك‪%‬انت‬
‫فيها دائمة العطاء للبشرية‪ ،‬حىت وهي واقعة يف شيء من االحنراف!‬

‫ومل نقصد من هذه اللمحات أن تغطي كل جوانب العطاء الذي قدمته هذه األمة‬
‫للبش‪%%‬رية‪ ،‬فه‪%%‬ذا أيض ‪ً%‬ا أم‪%%‬ر يط‪%%‬ول‪ ،‬وختتص ب‪%%‬ه الدراس‪%%‬ات التارخيي‪%%‬ة املتخصص‪%%‬ة‪ .‬إمنا هي جمرد‬
‫لقط‪%%‬ات متفرق‪%%‬ة‪ ،‬بق‪%%‬در م‪%%‬ا يس‪%%‬مح ب‪%%‬ه املق‪%%‬ام يف ك‪%%‬تيب كه‪%%‬ذا حياول أن ُيعطي ص‪%%‬ورة س‪%%‬ريعة‬
‫ألحوال العالم المعاصر من زاوي‪,‬ة الرص‪,‬د اإلس‪,‬المية‪ .‬ومن أمانين‪%%‬ا أن يتف‪%%‬رغ لبحث ه‪%%‬ذه‬
‫اجلوانب ب‪%%‬احثون متخصص‪%%‬ون‪ ،‬يت‪%%‬وفرون على دراس‪%%‬ة ذل‪%%‬ك العط‪%%‬اء الض‪%%‬خم ال‪%%‬ذي تتنك‪%%‬ر ل‪%%‬ه‬
‫البشرية اليوم‪ ،‬بدافع الغفلة من جانب األمة‪ ،‬ودافع التعصب املقيت من جانب األعداء!‬

‫(‪)1‬‬
‫كانت الهداية إلى التوحيد هي قم‪%%‬ة العط‪%%‬اء الرب‪%%‬اين هلذه األم‪%%‬ة‪ .‬وهي ك‪%%‬ذلك قم‪%%‬ة‬
‫العطاء الذي قدمته هذه األمة للبشرية‪:‬‬

‫ِس‬ ‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِم ِن‬


‫ِت ِه (َلَق ْد َم َّن الِّلَّل ُه َعَلىِكاْلُم ْؤ يَن ِحِإْذ َبَعَث ِإ يِه ْم َرُس وِمًال ْن َأْنُف ِف ِه ْم َيْتُلٍلو َعِبَلْيِه ْم‬
‫آَيا َو ُيَز ِّك يِه ْم َو ُيَع ُم ُه ُم اْل َت اَب َو اْل ْك َم َة َو ْن َك اُنوا ْن َقْب ُل َل ي َض ال ُم يٍن )‪.‬‬
‫[سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]164‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫(َو ْلَتُك ْن ِم ْنُك ْم ُأَّم ٌة َي ْد ُعوَن ِإَلى اْلَخ ْي ِر َو َي ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َيْنَه ْو َن َعِن‬
‫اْلُم ْنَك ِر )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]104‬‬

‫(‪)127‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وإذا كانت اجلاهلي‪%‬ة املعاص‪%‬رة بال‪%‬ذات تص‪%‬غر من قيم‪%‬ة اإلميان‪ ،‬ومن قيم‪%‬ة التوحي‪%‬د‪،‬‬
‫حىت جتعله مزاجًا شخصًّيا يتخذ كل إنسان موقفه منه على هواه بال فارق‪ ،‬وتستوي احلياة‬
‫باإلميان كم ‪%%‬ا تس ‪%%‬توي ب ‪%%‬الكفر‪ ،‬س ‪%%‬واء احلي ‪%%‬اة السياس ‪%%‬ية أو االقص ‪%%‬ادية أو االجتماعي ‪%%‬ة‪ ..‬اخل‪،‬‬
‫ويظل الدين صلة شخصية بني العبد والرب‪ ،‬حملها القلب‪ ،‬وال عالقة هلا بواقع احلياة‪..‬‬

‫إذا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذه موق ‪%%‬ف اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة بال ‪%%‬ذات‪ ،‬ف ‪%%‬إن قيم ‪%%‬ة التوحي ‪%%‬د‪ ،‬وض ‪%%‬رورته‬
‫للحي ‪%%‬اة اإلنس ‪%%‬انية‪ ،‬مستمدة من طبيع ‪,,‬ة اإلنسان ذات ‪,,‬ه‪ ،‬ال من طبيع ‪%%‬ة البيئ ‪%%‬ة وال من طبيع ‪%%‬ة‬
‫الظروف‪..‬‬

‫فاإلنسان عابد بفطرته‪ ،‬وال يوجد يف احلقيقة من ال َيْع ُبد!‬

‫وليس الف‪%%‬ارق بني إنس‪%%‬ان وإنس‪%%‬ان أن ه‪%%‬ذا يعب‪%%‬د وذاك ال يعب‪%%‬د‪ ..‬إمنا يف‪%%‬رتق إنس‪%%‬ان‬
‫عن إنس ‪%%‬ان يف " المعبود "‪ ،‬ال ‪%%‬ذي يتوج ‪%%‬ه إليه ‪%%‬ا بالعب ‪%%‬ادة‪ ،‬ال يف مب ‪%%‬دأ التوج ‪%%‬ه بالعب ‪%%‬ادة إىل‬
‫معبود ما‪.‬‬

‫والف ‪%%‬ارق الرئيس ‪%%‬ي بني الن ‪%%‬اس على نط ‪%%‬اق البش ‪%%‬رية كله ‪%%‬ا‪ ،‬أن هن ‪%%‬اك من يعب ‪%%‬د اهلل‬
‫وح‪%%‬ده بال ش‪%%‬ريك‪ ،‬وهن‪%%‬اك من يعب‪%%‬د غ‪%%‬ري اهلل‪ ،‬مع‪%%‬ه أو من دون‪%%‬ه‪ ،‬ومن مث ينقس‪%%‬م الن‪%%‬اس كم‪%%‬ا‬
‫أخرب عنهم خالقهم إىل فريقين اثنين‪:‬‬

‫(ُه َو اَّلِذ ي َخ َلَقُك ْم َفِم ْنُك ْم َك اِفٌر َو ِم ْنُك ْم ُمْؤ ِم ٌن )‪[ .‬سورة التغابن‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬

‫وتنقسم العبادة إىل عبادتين اثنتين‪ :‬إما عبادة اهلل وإما عبادة الشيطان‪:‬‬
‫(َأَل َأْع َه ْد ِإَلْيُك ا ِني آَد َأْن ال ْع ُد وا الَّش ْيَطاَن ِإَّن ُه َلُك َع ُد ٌّو ِبي ‪َ ،‬أِن‬
‫ُم ٌن َو‬ ‫ْم‬ ‫َت ُب‬ ‫َم‬ ‫ْم َي َب‬ ‫ْم‬
‫اْع ُبُد وِني َه َذ ا ِص َر اٌط ُمْس َتِق يٌم)‪[ .‬سورة ّيس‪ ،‬اآليتان ‪.]61 ،60‬‬

‫أما الذي حيسب أنه ال يعبد شيئًا على اإلطالق فذلك من الذين قال اهلل عنهم‪:‬‬

‫(َأَفَر َأْيَت َم ِن اَّتَخ َذ ِإَلَهُه َه َو اُه)‪[ .‬سورة اجلاثية‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬

‫وعب ‪%% %‬ادة اهلوى ال خترج يف النهاي ‪%% %‬ة عن كوهنا عب ‪%% %‬ادة للش ‪%% %‬يطان‪ ،‬ألن ‪%% %‬ه ه ‪%% %‬و ال ‪%% %‬ذي‬
‫حيركها يف النفوس‪.‬‬

‫(‪)128‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َأَلْم َتَر َأَّن ا َأْرَس ْلَنا الَّش َياِط يَن َعَلى اْلَك اِفِر يَن َتُؤ ُّز ُه ْم َأّز ًا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة م ‪%%‬رمي‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]83‬‬

‫والقض‪%%‬ية الك‪%%‬ربى يف حي‪%%‬اة اإلنس‪%%‬ان‪ :‬القض‪%%‬ية ال‪%%‬يت تق‪%%‬رر مص‪%%‬ريه يف ال‪%%‬دنيا واآلخ‪%%‬رة‪،‬‬
‫وال‪%%‬يت تق‪%%‬رر ل‪%%‬ه منهج حياته‪ ،‬وتص‪%%‬وراته وس‪%%‬لوكه‪ ،‬هي ه‪%%‬ذه القض‪%%‬ية‪ :‬أيهم‪,,‬ا أولى بالعبادة؟‬
‫آهلل أم م‪,,‬ا يش‪,,‬ركون؟ وأي الوض ‪%%‬عني أك ‪%%‬رم لإلنس ‪%%‬ان وألي ‪%%‬ق بكيان ‪%%‬ه‪ :‬حني يك ‪%%‬ون عاب ‪%%‬دًا هلل‬
‫احلق؟ أم حني يكون عابدًا لآلهلة املزيفة فيكون عابدًا للشيطان؟‬

‫(آلَّلُه َخ ْيٌر َأَّما ُيْش ِر ُك وَن )؟! [سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.]59‬‬

‫(َأَفَمْن َيْم ِش ي ُمِكّبًا َعَلى َو ْج ِه ِه َأْهَد ى َأَّمْن َيْم ِش ي َس ِو ّيًا َعَلى ِص َر اٍط ُمْس َتِق يٍم )‪.‬‬
‫[سورة امللك‪ ،‬اآلية ‪.]22‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫التوحيد هو رسالة الرسل جميعًا‪ ،‬ولكنه جاء أصفى ما يكون‪ ،‬وآكد ما يكون‬
‫في رسالة محمد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وك‪%%‬ل األمم ال‪%%‬يت آمنت برس‪%%‬وهلا آمنت بالتوحي‪%%‬د‪ ،‬ولكن م‪%%‬ا من أم‪%%‬ة ح‪%%‬افظت على‬
‫التوحيد أطول مدى وال أشد صفاء من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د ج ‪%%‬اء ك ‪%%‬ل الرس ‪%%‬ل ليقول ‪%%‬وا ألق ‪%%‬وامهم‪ ( :‬ا ِم اْع ُد وا الَّل َه ا َلُك ِم ِإَل ٍه‬
‫َم ْم ْن‬ ‫َي َقْو ُب‬
‫َغْيُر ُه)‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]50‬‬

‫قاهلا ن‪%% %‬وح لقوم‪%% %‬ه‪ ،‬وقاهلا ه‪%% %‬ود وص‪%% %‬احل وش‪%% %‬عيب ألق‪%% %‬وامهم‪ ،‬وقاهلا إب‪%% %‬راهيم علي‪%% %‬ه‬
‫السالم‪ ،‬وقاهلا موسى وعيسى وحممد صلوات اهلل وسالمه عليهم مجيعًا‪.‬‬

‫(َو ُرُس ًال َق ْد َقَص ْص َناُه ْم َعَلْي َك ِم ْن َقْب ُل َو ُرُس ًال َلْم َنْق ُصْص ُه ْم َعَلْي َك )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫النساء‪ ،‬اآلية ‪.]164‬‬

‫(َو َم ا َأْرَس ْلَنا ِم ْن َقْبِل َك ِم ْن َرُس وٍل ِإاَّل ُنوِح ي ِإَلْي ِه َأَّنُه ال ِإَل َه ِإاَّل َأَنا َفاْع ُب ُد وِن )‪.‬‬
‫[سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.]25‬‬

‫(‪)129‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن احلجم ال‪%% %‬ذي اس‪%% %‬تغرقته قض‪%% %‬ية التوحي‪%% %‬د يف الكت‪%% %‬اب املنزل على رس‪%% %‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وضح الداللة‪ ..‬لقد ك‪%‬ان مقص‪%‬ودًا تأص‪%‬يل ه‪%‬ذه القض‪%‬ية بك‪%‬ل أبعاده‪%‬ا‬
‫يف ِح ِّس األمة اليت ستحمل اهلدى للبشرية كلها على مدى الزمان‪.‬‬

‫وف‪%%‬رق ‪ -‬يف اإلع‪%%‬داد والتوجي‪%%‬ه ‪ -‬بني من ُيراد ل‪%%‬ه أن يتعلم ل‪%%‬ذات نفس‪%%‬ه فحس‪%%‬ب‪،‬‬
‫ومن يراد له أن يتعلم ليكون معلمًا لغريه‪.‬‬

‫مث ف‪%%‬رق آخ‪%%‬ر ‪ -‬يف اإلع‪%%‬داد والتوجي‪%%‬ه ك‪%%‬ذلك ‪ -‬بني من ي‪%%‬راد ل‪%%‬ه أن يك‪%%‬ون معلم ‪ً%‬ا‬
‫لق‪%%‬وم حمدودي الع‪%%‬دد يف بقع‪%%‬ة معين‪%%‬ة من األرض وظ‪%%‬رف معني من الزم‪%%‬ان‪ ،‬وبني من ي‪%%‬راد ل‪%%‬ه‬
‫أن يكون معلمًا للناس كافة على مدى الزمان كله‪..‬‬

‫وقد كان ذلك كله منظورًا إليه يف خريية هذه األمة!‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫ونظ ‪%%‬رة واح ‪%%‬دة يف كت ‪%%‬اب اهلل ترين ‪%%‬ا كم ك ‪%%‬انت قض ‪%%‬ية التوحي ‪%%‬د هي القض ‪%%‬ية األوىل‬
‫والك ‪%%‬ربى يف ذل ‪%%‬ك الكت ‪%%‬اب‪ ،‬وكم تن ‪%%‬اولت من آف ‪%%‬اق‪ ،‬وكم ُو ِّثقت توثيق ‪ً%‬ا عميق ‪ً%‬ا م ‪%%‬ع ك ‪%%‬ل‬
‫خط ‪%%‬رة نفس ختط ‪%%‬ر يف قل ‪%%‬وب البش ‪%%‬ر‪ ،‬وم ‪%%‬ع ك ‪%%‬ل ح ‪%%‬دث من أح ‪%%‬داث الك ‪%%‬ون املادي‪ ،‬وك ‪%%‬ل‬
‫حدث يف حياة البشر يف دنياهم وآخرهتم سواء‪.‬‬

‫مل يكن الس‪%% %‬بب ‪ -‬كم‪%% %‬ا أحملت إىل ذل‪%% %‬ك يف كت‪%% %‬اب " دراس‪,, ,‬ات قرآني‪,, ,‬ة " ‪ -‬أن‬
‫املخ ‪%%‬اطبني األول هبذا الكت ‪%%‬اب ك ‪%%‬انوا مش ‪%%‬ركني‪ ،‬فل ‪%%‬زم يف تق ‪%%‬دير اهلل أن توث ‪%%‬ق القض ‪%%‬ية هلم‬
‫ليخرج‪%%‬وا من ش‪%%‬ركهم ويؤمن‪%%‬وا‪ ..‬فق‪%%‬د خوطب‪%%‬وا باخلط‪%%‬اب ذاته ‪ -‬خط‪%%‬اب التوحي‪%%‬د ‪ -‬وهم‬
‫مؤمنون جماهدون يف سبيل اهلل بأمواهلم وأنفسهم‪:‬‬

‫وِلِه‬ ‫ِذ‬ ‫ِلِه ِك‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬


‫ِك (َيَّلاِذَأُّيَه ا اَّل يِمَن آَم ُن وا آ ُن وا ِبالَّل َو َرُس و َو اْل َت اِب اَّل ي َنَّزَل َعَلى َرُس‬
‫َو اْل َتاِب ا ي َأْنَز َل ْن َقْبُل)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]136‬‬

‫ولعم‪%%‬ق التوجي‪%%‬ه الرب‪%%‬اين يف كتاب‪%%‬ه املنزل ‪ -‬م‪%%‬ع تكف‪%%‬ل رب الع‪%%‬املني حبف‪%%‬ظ كتاب‪%%‬ه ‪-‬‬
‫بقيت هذه األم ‪,,‬ة ‪ِ -‬بَق دِر اهلل ومش ‪%%‬يئته ‪ -‬حتاف ‪%%‬ظ على ص‪%% %‬فاء توحي ‪%%‬دها ف ‪%%‬رتة طويل ‪%%‬ة من‬
‫الوقت‪ ،‬وتنشره يف اآلفاق‪ ،‬بينما األمة اليهودية ال‪%‬يت ن‪%‬زل هلا كت‪%‬اب توحي‪%‬د من قب‪%‬ل حرفت‪%‬ه‬

‫(‪)130‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫بتصوراهتا الوثنية اهلابطة (‪ ،)123‬واألمة النصرانية تقبلت حتريف شاول اليهودي‪ ،‬ومتسكت‬
‫من بعده بعقيدة أبعد ما تكون عن التوحيد! (‪.)124‬‬

‫ولم تكن قض‪,,‬ية التوحي‪,,‬د مج‪,,‬رد تص‪,,‬ديق عقلي بأن اهلل واح‪,,‬د ال شريك ل‪,,‬ه في‬
‫ذاته وال في أسمائه وصفاته‪ ،‬وال مجرد وجدان مستسر في الضمير‪ ..‬فقد صحب هذا‬
‫التصديق العقلي وهذا الوجدان القليب منذ البدء " أعمال " معينة‪ ،‬س‪%%‬واء ك‪%%‬انت من أعم‪%%‬ال‬
‫القلب أو من أعم‪%%‬ال الج‪,,‬وراح‪ ،‬ش‪%%‬كلت يف جمموعه‪%%‬ا " منهج حي‪,,‬اة " كام‪%%‬ل‪ ،‬يش‪%%‬مل ك‪%%‬ل‬
‫مناحي احلياة‪.‬‬

‫لقد كان المقتضى األول للتوحيد في حّس األمة المسلمة هو التلقي من عند‬
‫اهلل‪ ،‬ال من أي مص‪,, ,‬در س‪,, ,‬واه‪ .‬ومنهج التلقي هو مف‪,, ,‬رق الطري‪,, ,‬ق بين الجاهلي‪,, ,‬ة وبين‬
‫اإلس ‪,,‬الم‪ .‬وفي اإلس ‪,,‬الم يتلقى الناس من ربهم‪ ،‬وهذا مع ‪,,‬نى إس ‪,,‬الم وجههم هلل‪ ،‬وفي‬
‫الجاهلية يتلقى الناس من عند غير اهلل ‪ -‬معه أو من دونه‪.‬‬

‫ومما حيس ‪%%‬ب له‪,,‬ذه األم‪,,‬ة ‪ -‬يف الت ‪%%‬اريخ ‪ -‬أهنا رّس خت مع ‪%%‬ىن التوحي ‪%%‬د يف ص ‪%%‬ورته‬
‫احلقيقية ‪ -‬ص‪%‬ورة التلقي من عن‪%‬د اهلل ‪ -‬وأنش‪%‬أت على أساس‪%‬ه حض‪%‬ارة هائل‪%‬ة متش‪%‬عبة أل‪%‬وان‬
‫النش‪%%‬اط‪ ،‬وحرك‪%%‬ة علمي‪%%‬ة يف ش‪%%‬ىت ف‪%%‬روع العلم (‪ ،)125‬فك‪%%‬انت األم‪%%‬ة الفري‪%%‬دة يف الت‪%%‬اريخ ال‪%%‬يت‬
‫طبقت املنهج الرب ‪%%‬اين يف واق ‪%%‬ع األرض‪ ،‬وعرض ‪%%‬ته للبش ‪%%‬رية رائق ‪ً%‬ا ص ‪%%‬افيًا‪ ،‬تس ‪%%‬ري في ‪%%‬ه أعم ‪%%‬ال‬
‫البشر مصبوغة بصبغة اهلل‪:‬‬

‫(ِص ْبَغَة الَّلِه َو َمْن َأْح َسُن ِم َن الَّلِه ِص ْبَغًة َو َنْح ُن َلُه َعاِبُد وَن )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]138‬‬

‫‪ )?(123‬تصور التوراة اإلله جل وعال يف صورة زرية ال تليق حىت بإنسان عادي‪ .‬انظر على سبيل املثال يف‬
‫س‪%%‬فر التك‪%%‬وين قص‪%%‬ة اإلل‪%%‬ه م‪%%‬ع آدم وح‪%%‬واء بع‪%%‬د أن ذاق‪%%‬ا الش‪%%‬جرة فب‪%%‬دت هلم‪%%‬ا س‪%%‬وآهتما‪ ،‬إذ ش‪%%‬عرا ب‪%%‬أن اإلل‪%%‬ه‬
‫ق ‪%%‬ادم فاختب ‪%%‬آ من ‪%%‬ه‪ .‬فظ ‪%%‬ل يبحث عنهم ‪%%‬ا – تع ‪%%‬اىل اهلل عن ذل ‪%%‬ك عل ‪ًّ%‬و ا كب ‪%%‬ريًا – ح ‪%%‬ىت وج ‪%%‬دمها! ويف قص ‪%%‬ة‬
‫إسرائيل مع اهلل إذ تشاجر إسرائيل مع اهلل املتخفي يف صورة إنسان فكسر إسرائيل حقوه – نستغفر اهلل‬
‫– وأمسك به ال يريد أن يفلته من قبضته حىت تعهد له اهلل أن مينحه العهد فأطلق سراحه!!‬
‫‪ )?(124‬ال يس ‪%%‬تحي املستش ‪%%‬رقون بع ‪%%‬د ذل ‪%%‬ك أن يزعم ‪%%‬وا أن حمم ‪%%‬دًا ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬ق ‪%%‬د أخ ‪%%‬ذ فك ‪%%‬رة‬
‫التوحيد عن اليهود والنصارى!!‬
‫‪ )?(125‬سنتكلم فيما يلي من الفصل عن احلركة العلمية اإلسالمية واحلركة احلضارية اإلسالمية‪.‬‬

‫(‪)131‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫بينم‪%%‬ا األم‪,,‬ة اليهودي‪,,‬ة غ‪%%‬ريت ص‪%%‬بغة اهلل الرائق‪%%‬ة الص‪%%‬افية ‪ -‬بتحريفه‪%%‬ا للت‪%%‬وراة ‪ -‬إىل‬
‫أنانية وَص َلف وجح‪%‬ود وع‪%‬دوان وجش‪%‬ع م‪%‬ادي وبالدة روحي‪%‬ة وقس‪%‬وة قلب‪ ،‬كم‪%‬ا خ‪%‬اطبهم‬
‫اهلل تعاىل يف كتابه املنزل‪:‬‬

‫ِم‬ ‫ِح ِة‬ ‫ِد ِل‬ ‫ِم‬


‫ِح ِة(ُثَّم َقَس ْت ِمُقُل وُبُك ْم ْن َبِإْع ِم َذ َك َفِه َي َك اْل َج اَر َأِمْو َأَش ُّد َقْس ِإ َو ًةِم َو ِإَّن َن‬
‫اْل َج اَر َلَم ا َيَتَف َّج ُر ْن ُه اَأْلْنَه اُر َو َّن ْنَه ا َلَم ا َيَّش َّق ُق َفَيْخ ُر ُج ْن ُه اْلَم اُء َو َّن ْنَه ا َلَم ا‬
‫َيْه ِبُط ِم ْن َخ ْش َيِة الَّلِه َو َم ا الَّلُه ِبَغاِفٍل َعَّم ا َتْع َم ُلوَن )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]74‬‬

‫وبينم‪%%‬ا األم‪,,‬ة النص‪,,‬رانية انص‪%%‬رفت ‪ -‬من‪%%‬ذ الب‪%%‬دء ‪ -‬عن حماول‪%%‬ة تط‪%%‬بيق املنهج الرب‪%%‬اين‬
‫يف واق‪%%‬ع األرض‪ ،‬اعتق ‪%%‬ادًا خاطئ ‪ً%‬ا ‪ -‬حمّر ف ‪ً%‬ا ‪ -‬من جه ‪ٍ%‬ة أن‪%%‬ه يكفي البش‪%%‬ر أن ُيكّف ر اهلل عنهم‬
‫س ‪%%‬يئاهتم بص ‪%%‬لب ول ‪%%‬ده الوحي ‪%%‬د ‪ -‬عيس ‪%%‬ى علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم ‪ -‬فيعفيهم ب ‪%%‬ذلك من العم ‪%%‬ل ال ‪%%‬ذايت‬
‫لتحقيق املنهج الرباين يف احلياة الدنيا‪ ،‬واعتقادًا خاطئًا كذلك أنه ال فائدة ترجى من حماول‪%%‬ة‬
‫تط‪%%‬بيق املنهج الرب‪%%‬اين يف واق‪%%‬ع األرض ألن اإلنس‪%%‬ان خ‪%%‬اطئ بطبع‪%%‬ه‪ ،‬وال طري‪%%‬ق للخالص من‬
‫اخلطيئ‪%‬ة إال بكبت اجلس‪%‬د وإمهال‪%‬ه‪ ،‬والزه‪%‬د يف مت‪%‬اع احلي‪%‬اة ال‪%‬دنيا مجل‪%‬ة‪ ،‬وإمهال واق‪%‬ع األرض‬
‫(‪!)126‬‬

‫(َو َر ْه َباِنَّي ًة اْبَتَدُعوَه ا َم ا َك َتْبَناَه ا َعَلْيِه ْم ِإاَّل اْبِتَغ اَء ِر ْض َو اِن الَّل ِه َفَم ا َر َعْو َه ا َح َّق‬
‫ِر َعاَيِتَه ا َفآَتْيَن ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ِم ْنُه ْم َأْج َر ُه ْم َو َك ِث يٌر ِم ْنُه ْم َفاِس ُقوَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة احلدي‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]27‬‬

‫ومنذ البدء اقترن باإليمان باهلل اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬س‪,‬واء في حال‪,‬ة النفي أو‬
‫في حالة اإلثبات‪.‬‬

‫ف ‪%%‬املؤمنون يوص ‪%%‬فون ب ‪%%‬أهنم‪ُ( ،‬يْؤ ِم ُن وَن ِبالَّل ِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر )‪[ .‬س ‪%%‬ورة آل عم ‪%%‬ران‪،‬‬
‫اآلي‪%%‬ة ‪ .]114‬والك‪%%‬افرون يوص‪%%‬فون ب‪%%‬أهنم‪( ،‬ال ُيْؤ ِم ُن وَن ِبالَّل ِه َو ال ِب اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫التوبة‪ ،‬اآلية ‪ .]29‬وصار اإلميان باليوم اآلخر جزءًا ال يتجزًا من عقيدة التوحيد‪.‬‬

‫ومل يكن اإلميان ب‪%%‬اليوم اآلخ‪%%‬ر جمرد معرفة ذهني‪,‬ة ب‪%%‬أن هن‪%%‬اك يوم‪ً%‬ا يبعث في‪%%‬ه الن‪%%‬اس‬
‫من أج ‪%%‬داثهم ِلُيَح اس ‪%%‬بوا‪ ،‬وال جمرد وج ‪%%‬دان مستس ‪%%‬ر يف الض ‪%%‬مري‪ .‬فه ‪%%‬ذا كل ‪%%‬ه ال يك ‪ّ%‬و ن إميان ‪ً%‬ا‬
‫ب‪%%‬اليوم اآلخ‪%%‬ر‪ .‬وق‪%%‬د روى الت‪%%‬اريخ أن املص‪%%‬ريني الق‪%%‬دامى‪ ،‬ك‪%%‬انوا يعرف‪%%‬ون تفاص‪%%‬يل كث‪%%‬رية عن‬
‫الي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر ‪ -‬كم‪%%‬ا وردت عن‪%%‬دهم يف " كت‪,,‬اب الم‪,,‬وتى "‪ ،‬ال‪%%‬ذي ع‪%%‬ثر علي‪%%‬ه مكتوب ‪ً%‬ا على‬

‫‪ )?(126‬انظ ‪%%‬ر يف ه ‪%%‬ذا املع ‪%%‬ىن ولف ‪%%‬رد ك ‪%%‬انتول مسيث – املستش ‪%%‬رق الكن ‪%%‬دي املعاص ‪%%‬ر – يف مقدم ‪%%‬ة كتاب ‪%%‬ه "‬
‫اإلسالم يف التاريخ احلديث " الطبعة األوىل‪ ،‬مطبعة جامعة أكسفورد‪ ،‬ص ‪ 21‬من األصل اإلجنليزي‪.‬‬

‫(‪)132‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أوراق ال‪%%‬ربدى (‪ - )127‬وم‪%%‬ع ذل‪%%‬ك ف‪%%‬إن ن‪%%‬يب اهلل يوس‪%%‬ف يق‪%%‬ول عنهم ‪ -‬مبا علم‪%%‬ه اهلل ‪ِ( -‬إِّني‬
‫ِإ ِه‬ ‫ِم َّل‬ ‫ِف‬ ‫ِب ِخ ِة‬ ‫ِم ِب َّلِه‬ ‫ِم َّل ٍم‬
‫َتَر ْك ُت َة َقْو ال ُيْؤ ُنوَن ال َو ُه ْم اآْل َر ُه ْم َك ا ُر وَن ‪َ ،‬و اَّتَبْعُت َة آَبائي ْبَر ا يَم‬
‫َو ِإْسَح اَق َو َيْع ُقوَب )‪[ .‬سورة يوسف‪ ،‬اآليتان ‪ .]38 ،37‬وذلك ألهنم ‪ -‬م‪,‬ع " علمهم "‬
‫هبذا ‪ -‬ك‪%‬انوا يعتق‪%%‬دون أن هن‪%‬اك إجاب‪%‬ة حمفوظ‪%%‬ة ميكن أن تنجي اإلنس‪%‬ان من احلس‪%‬اب مهم‪%‬ا‬
‫كانت أعماله يف احلياة الدنيا!‬

‫إمنا اإلميان ‪ -‬س ‪%%‬واء اإلميان باهلل أو اإلميان ب ‪%%‬اليوم اآلخ ‪%%‬ر ‪ -‬ه ‪%%‬و التص ‪%%‬ديق‪ ،‬والعم ‪%%‬ل‬
‫مبقتضى التص‪%‬ديق‪ ..‬وه‪%‬ذا ال‪%‬ذي آمنت ب‪%‬ه أم‪%‬ة حمم‪%‬د ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬ونش‪%‬رت اإلميان‬
‫به يف ربوع األرض‪.‬‬

‫ولق‪%%‬د آمنت ك‪%%‬ل من األم‪%%‬تني الس‪%%‬ابقتني ب‪%%‬اليوم اآلخ‪%%‬ر‪ ،‬ولكن م‪,,‬ا أبع‪,,‬د الف‪,,‬رق بين‬
‫إيمان كل منهما وإيمان األمة اإلسالمية!‬

‫فأما اليهود فق‪%%‬د ق‪%%‬الوا‪َ( :‬لْن َتَم َّس َنا الَّناُر ِإاَّل َأَّيام‪ً,‬ا َم ْع ُد وَد ًة)‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪ .]80‬وب ‪%%‬ذك خ ‪%%‬ف وزن الي ‪%%‬وم اآلخ ‪%%‬ر يف حس ‪%%‬هم كث ‪%%‬ريًا ومل يع ‪%%‬د رادع‪ً% %‬ا هلم عن ش ‪%%‬يء‪..‬‬
‫وارتكبوا موبقاهتم كلها باستخفاف استنادًا إىل ذلك الوهم!‬

‫(َفَخ َلَف ِم ْن َبْع ِدِه ْم َخ ْلٌف َو ِر ُثوا اْلِكَتاَب َيْأُخ ُذ وَن َعَر َض َه َذ ا اَأْلْدَنى َو َيُقوُلوَن‬
‫َس ُيْغَف ُر َلَنا َو ِإْن َيْأِتِه ْم َعَر ٌض ِم ْثُلُه َيْأُخ ُذ وُه َأَلْم ُيْؤ َخ ْذ َعَلْيِه ْم ِم يَثاُق اْلِكَت اِب َأْن ال َيُقوُلوا‬
‫َعَلى الَّل ِه ِإاَّل اْلَح َّق َو َدَرُس وا َم ا ِفي ‪ِ,‬ه َو ال‪َّ,,‬داُر اآْل ِخ َر ُة َخ ْيٌر ِلَّل ِذ يَن َيَّتُق وَن َأَفال َتْع ِق ُل وَن )‪.‬‬
‫[سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]169‬‬

‫وأما النصارى فقد خيلوا ألنفسهم‪ ،‬أو خي‪%‬ل هلم ش‪%‬اول اليه‪%‬ودي‪ ،‬أن جمرد اإلميان‬
‫ب ‪%%‬الرب ‪ -‬أي عيس ‪%%‬ى علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم يف ومههم ‪ -‬كفي ‪%%‬ل ب ‪%%‬أن جيع ‪%%‬ل اإلنس ‪%%‬ان جيلس عن ميني‬
‫ال‪%%‬رب ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة‪ ،‬وتغف‪%%‬ر ل‪%%‬ه ذنوب‪%%‬ه‪ ،‬خاص‪%%‬ة وأن األب ق‪%%‬د ض‪%%‬حى بابن‪%%‬ه الوحي‪%%‬د تكف‪%%‬ريًا عن‬
‫خطيئة آدم‪ ،‬فأصبح الناس مغفوري اخلطيئة مبجرد اإلميان بتلك القصة املزعومة!‬

‫وال شك أن أتقي‪%‬اءهم ك‪%‬انوا خيافون اهلل‪ ،‬ويقوم‪%‬ون بأعم‪%‬ال اخلري ابتغ‪%‬اء مرض‪%‬اته ‪-‬‬
‫وهذا فرق واضح بينهم وبني اليهود ‪ -‬ولكن العدوى ذاهتا سرت إليهم‪:‬‬

‫‪ )?(127‬ترجح ه‪%‬ذه التفاص‪%‬يل أن املص‪%‬ريني الق‪%‬دامى ق‪%‬د بعث إليهم رس‪%‬ول من عن‪%‬د اهلل‪ ،‬فبقيت من تعاليم‪%‬ه‬
‫هذه املعلومات‪ ،‬مث حرفت كما حرفت كل جاهلية تعاليم رسوهلا من بعده‪.‬‬

‫(‪)133‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِل‬ ‫ِه ِح‬ ‫ِت‬


‫ِب ِب (َو َق اَل اْلَيُه وُد َو الَّنَص اَر ى َنْح ُن َأْبَن اُء الَّل َو َأ َّب اُؤ ُه ُق ْل َف َم ُيَع ِّذ ُبُك ْم‬
‫ُذ ُنو ُك ْم )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]18‬‬

‫إن العقي ‪%%‬دة الص ‪%%‬حيحة يف الي ‪%%‬وم اآلخ ‪%%‬ر مبني ‪%%‬ة على أن اهلل ال يظلم أح ‪%%‬دًا وال حيايب‬
‫أحدًا كذلك‪:‬‬

‫(َو َنَض ُع اْلَم َو اِز يَن اْلِق ْس َط ِلَيْو ِم اْلِق َياَم ِة َفال ُتْظَلُم َنْف ٌس َش ْيئًا َو ِإْن َك اَن ِم ْثَق اَل‬
‫َح َّبٍة ِم ْن َخ ْر َدٍل َأَتْيَنا ِبَه ا َو َكَف ى ِبَنا َح اِس ِبيَن )‪[ .‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.]47‬‬

‫(َفَمْن َيْع َم ْل ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة َخ ْي رًا َيَر ُه‪َ ،‬و َمْن َيْع َم ْل ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة َش ّر ًا َيَر ُه)‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫الزلزلة‪ ،‬اآليتان‪.]8 ،7 :‬‬

‫ومن هنا تكون فعاليتها يف النفس املؤمنة‪..‬‬

‫فقد خلق اهلل يف اإلنسان دوافع عميقة حلكمة يريدها‪:‬‬


‫(ُز ِّيَن ِللَّناِس ُح ُّب الَّش َه َو اِت ِم َن الِّنَس اِء َو اْلَبِنيَن َو اْلَق َناِط يِر اْلُم َق ْنَطَر ِة ِم َن ال‪َّ,‬ذ َه ِب‬
‫َو اْلِف َّض ِة َو اْلَخ ْي ِل اْلُمَس َّو َم ِة َو اَأْلْنَع اِم َو اْلَح ْر ِث َذِل َك َم َت اُع اْلَحَي اِة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اآلية ‪.]14‬‬

‫بعض الحكمة أن تكون هذه الدوافع حمركات تدفع اإلنسان للعمل‪ ،‬للقيام مبهم‪%‬ة‬
‫اخلالفة وعمارة األرض‪..‬‬

‫وبعض الحكمة أن تك‪%%‬ون موض‪%%‬ع ابتالء لإلنس‪%%‬ان‪ :‬ه‪%%‬ل يق‪%%‬ف يف تن‪%%‬اول ه‪%%‬ذا املت‪%%‬اع‬
‫عند احلدود اليت رمسها اهلل؟ أم يتجاوزها طمعًا يف مزيد من متاع احلياة الدنيا فتفسد حياته‬
‫يف الدنيا ويذوق العذاب يف اآلخرة؟‬

‫وال ش ‪%%‬يء يقن ‪%%‬ع اإلنس ‪%%‬ان أن يق ‪%%‬ف عن ‪%%‬د احلدود ال ‪%%‬يت رمسها اهلل إال إميان ‪%%‬ه ب ‪%%‬أن م ‪%%‬ا‬
‫يفتق‪%%‬ده يف احلي‪%%‬اة ال‪%%‬دنيا ‪ -‬طاع‪%%‬ة هلل واحتس‪%%‬ابًا ‪ -‬ليس ض‪,,‬ائعًا في الحقيقة‪ ،‬إمنا ه‪%%‬و رص‪%%‬يد‬
‫م ‪%%‬ذخور‪ ،‬يتس‪%%‬لمه أض ‪%%‬عافًا مض ‪%%‬اعفة ي‪%%‬وم القيام ‪%%‬ة‪ ،‬يهن‪%%‬أ ب‪%%‬ه ويس‪%%‬تمتع‪ ،‬بينم‪%%‬ا ال‪%%‬ذين غرق‪%%‬وا يف‬
‫املتاع احلرام حمرومون!‬

‫ب‪%%‬ل ترتقي نفس‪%%‬ه درج‪%%‬ات ف‪%%‬وق ذل‪%%‬ك‪ ..‬فال يع‪%%‬ود ح‪ّ%‬د املب‪%%‬اح ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي حيج‪%%‬زه عن‬
‫التج‪%‬اوز‪ .‬إمنا يش‪%‬عر ‪ -‬قانع‪ً%‬ا ‪ -‬أن‪%‬ه ال حيت‪%‬اج ألن يص‪%%‬ل إىل آخ‪%‬ر احلد املب‪%‬اح! فقبَل ه ‪ -‬بقلي‪%‬ل‬

‫(‪)134‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أو كث‪%%‬ري ‪ -‬تنتهي رغباته‪ ،‬ويزهد ح‪,,‬تى في المت‪,,‬اع المباح! ألن نفس‪%%‬ه ق‪%%‬د م‪%%‬اتت ومل تع‪%%‬د‬
‫ترغب! كال! فم‪%%‬ا يري‪%%‬د اإلس‪%%‬الم أن يقت‪%%‬ل رغ‪%%‬ائب النفس‪ ،‬وق‪%%‬د خلقه‪%%‬ا اهلل لعم‪%%‬ارة األرض‪.‬‬
‫ولكن ألن رغباته قد اجتهت وجهة أخرى أرحب وأعمق‪ ،‬وأعلى وأشف‪:‬‬

‫(ُز ِّيَن ِللَّناِس ُح ُّب الَّش َه َو اِت ِم َن الِّنَس اِء َو اْلَبِنيَن َو اْلَق َناِط يِر اْلُم َق ْنَطَر ِة ِم َن ال‪َّ,‬ذ َه ِب‬
‫ِع‬ ‫ِة‬ ‫ِث ِل‬ ‫ِة‬ ‫ِف ِة‬
‫َو اْل َّض َو اْلَخ ْيِل اْلُمَس َّو َم َو اَأْلْنَعاِم َو اْلَحْر َذ َك َم َتاُع اْلَحَيا الُّد ْنَيا َو الَّلُه ْنَدُه ُح ْسُن‬
‫اْلَم آِب ‪ُ ،‬ق ْل َأُؤ َنِّبُئُك ْم ِبَخ ْي ٍر ِم ْن َذِلُك ْم ِلَّل ِذ يَن اَّتَق ْو ا ِع ْن َد َر ِّبِه ْم َج َّناٌت َتْج ِر ي ِم ْن َتْح ِتَه ا‬
‫ِص ِب ِع ِد َّل ِذ‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِل ِد ِف‬
‫اَأْلْنَه اُر َخ ا يَن يَه ا َو َأْز َو اٌج ُمَطَّه َر ٌة َو ِر ْض َو اٌن َن الَّل َو الَّل ُه َب يٌر اْل َب ا ‪ ،‬ا يَن‬
‫ِدِق‬ ‫ِب‬ ‫ِق‬ ‫ِف‬
‫َيُقوُل وَن َر َّبَن ا ِإَّنَن ا آَم َّن ا َف اْغ ْر َلَن ا ُذُنوَبَن ا َو َن ا َع َذ اَب الَّن اِر ‪ ،‬الَّص ا ِر يَن َو الَّص ا يَن‬
‫َو اْلَق اِنِتيَن َو اْلُم ْنِفِق يَن َو اْلُمْس َتْغِف ِر يَن ِباَأْلْسَح اِر )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآليات ‪.]17 - 14‬‬

‫وهكذا تتوجه الطاقة احلية إىل عامل أرفع من عامل احلس‪ ،‬إىل " عالم القيم "‪ ،‬ال‪%%‬يت‬
‫جتع‪%%‬ل حي‪%%‬اة اإلنس‪%%‬ان كرمية عالي‪%%‬ة رفيع‪%%‬ة‪ ،‬الئق‪%%‬ة " باإلنس‪%%‬ان "‪ ،‬ال‪%%‬ذي أس‪%%‬جد اهلل ل‪%%‬ه املالئك‪%%‬ة‬
‫وكّر مه وفضله على كثري ممن خلق‪:‬‬

‫ْلَن اُه ِفي اْل ِّر اْل ْح ِر َز ْقَن اُه ِم الَّطِّي اِت‬ ‫ِن‬
‫ْم َن َب‬ ‫َب َو َب َو َر‬ ‫َكَّر ْم َن ِما َب ي آَدَم َو َحَمِض ْم‬
‫ِث‬
‫(َو َلَق ْد‬
‫ٍر‬
‫َو َفَّض ْلَناُه ْم َعَلى َك ي َّم ْن َخ َلْق َنا َتْف يًال)‪[ .‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]70‬‬

‫ذل‪%%‬ك أث‪%%‬ر اإلميان ب‪%%‬اليوم اآلخ‪%%‬ر حني يص‪%%‬دق اإلميان‪ .‬ولكن األمم الس‪%%‬ابقة لم تثبت‬
‫على اإليمان‪..‬‬

‫فأم‪,,‬ا اليه‪,,‬ود ‪ -‬كم‪%%‬ا قلن‪%%‬ا ‪ -‬فق ‪%%‬د اس‪%%‬تخفوا ب‪%%‬اليوم اآلخ‪%%‬ر أمّي ا اس‪%%‬تخفاف‪ ،‬فغ ‪%%‬رقت‬
‫حي‪%%‬اهتم يف أل‪%%‬وان من اجلرائم ال حيص‪%%‬يها الع ‪ّ%‬د ‪ ،‬وفس‪%%‬دوا وأفس‪%%‬دوا‪ ،‬ح‪%%‬ىت ص‪%%‬اروا عنوان ‪ً%‬ا على‬
‫الفساد‪ ،‬وانحطوا بالبشرية كلها إلى الّد ْر ِك األسفل‪ ..‬إال من رحم ربك‪.‬‬

‫وأم‪,,‬ا النص‪,,‬ارى فق‪%%‬د زاول‪%%‬وا اخلوف من الي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر زمن ‪ً%‬ا مل يط‪%%‬ل كث‪%%‬ريًا‪ ،‬مث ب‪%%‬دأوا‬
‫يتكل‪%%‬ون على أهنم أبن‪%%‬اء اهلل وأحب‪%%‬اؤه‪ ..‬مث ج‪%%‬اءت مهزل‪%%‬ة ص‪,‬كوك الغف‪,‬ران ال‪%%‬يت ذهبت بك‪%%‬ل‬
‫اجلدي‪%‬ة ال‪%‬يت حيمله‪%‬ا اإلميان ب‪%‬اآلخرة‪ ،‬واجلن‪%‬ة والن‪%‬ار (‪ ..)128‬مث ج‪%‬اءت الف‪%‬رتة ال‪%‬يت أنك‪%‬روا فيه‪%‬ا‬
‫عامل الغيب كله‪ ،‬وأخلدوا إىل األرض وغرقوا يف الشهوات‪.‬‬

‫‪ )?(128‬راجع يف مهزلة صكوك الغفران " حماضرات يف النصرانية " للشيخ حممد أبو زهرة‪ ،‬إصدار الرئاس‪%%‬ة‬
‫العام‪%% %‬ة إلدارات البح‪%% %‬وث العلمي‪%% %‬ة واإلفت‪%% %‬اء وال‪%% %‬دعوة واإلرش‪%% %‬اد بالري‪%% %‬اض‪ ،‬ط ‪ 4‬س‪%% %‬نة ‪ 1404‬ه‪ ،‬ص‬
‫‪.210‬‬

‫(‪)135‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وظلت األم‪%% %‬ة اإلس‪%% %‬المية أط‪%% %‬ول ف‪%% %‬رتة تؤمن باهلل والي‪%% %‬وم اآلخ‪%% %‬ر‪ ،‬وترس‪%% %‬خ اإلميان‬
‫ب ‪%%‬البعث والنش ‪%%‬ور واحلس ‪%%‬اب واجلزاء‪ ،‬وترتجم إمياهنا ب ‪%%‬ذلك كل ‪%%‬ه أعم ‪%%‬اًال مش ‪%%‬هودة يف واق ‪%%‬ع‬
‫األرض‪.‬‬

‫ولع ‪%%‬ل من أب ‪%%‬رز ه ‪%%‬ذه األعم ‪%%‬ال الجه‪,,‬اد في س‪,,‬بيل اهلل‪ .‬فق ‪%%‬د اق ‪%%‬رتن اجله ‪%%‬اد يف حس‬
‫هذه األمة بالشهادة‪:‬‬

‫(ُق ْل َه ْل َتَر َّبُص وَن ِبَن ا ِإاَّل ِإْح َد ى اْلُحْس َنَيْيِن )‪[ .‬س‪%% %‬ورة التوب‪%% %‬ة‪ ،‬اآلي‪%% %‬ة ‪.]52‬‬
‫الشهادة أو النصر!‬

‫(َفْلُيَق اِتْل ِفي َس ِبيِل الَّلِه اَّلِذ يَن َيْش ُر وَن اْلَحَي اَة ال‪ُّ,,‬د ْنَيا ِب اآْل ِخ َر ِة)‪[ .‬س‪%%‬ورة النس‪%%‬اء‪،‬‬
‫اآلية ‪.]74‬‬

‫(َو ال َتْح َس َبَّن اَّل ِذ يَن ُقِتُل وا ِفي َس ِبيِل الَّل ِه َأْم َو ات‪ً,‬ا َبْل َأْحَي اٌء ِع ْنَد َر ِّبِه ْم ُيْر َز ُق وَن ‪،‬‬
‫َف ِر ِح يَن ِبَم ا آَت اُه ُم الَّل ُه ِم ْن َفْض ِلِه َو َيْس َتْبِش ُر وَن ِباَّل ِذ يَن َلْم َيْلَح ُق وا ِبِه ْم ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم َأاَّل‬
‫ِض‬ ‫ِه‬ ‫ِن ٍة ِم‬ ‫ِش‬
‫َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُن وَن ‪َ ،‬يْس َتْب ُر وَن ِب ْع َم َن الَّل َو َفْض ٍل َو َأَّن الَّل َه ال ُي يُع‬
‫َأْج َر اْلُم ْؤ ِم ِنيَن )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآليات ‪.]171 - 169‬‬

‫(ِإَّن الَّل َه اْش َتَر ى ِم َن اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َأْنُفَس ُه ْم َو َأْم َو اَلُه ْم ِب َأَّن َلُه ُم اْلَج َّن َة ُيَق اِتُلوَن ِفي‬
‫َس ِبيِل الَّلِه َفَيْق ُتُلوَن َو ُيْق َتُلوَن َو ْع دًا َعَلْيِه َح ّق ًا ِفي الَّتْو َر اِة َو اِأْل ْنِج يِل َو اْلُق ْر آِن َو َمْن َأْو َفى‬
‫ِبَعْه ِدِه ِم َن الَّل ِه َفاْس َتْبِش ُر وا ِبَبْيِعُك ُم اَّل ِذ ي َب اَيْعُتْم ِب ِه َو َذِل َك ُه َو اْلَف ْو ُز اْلَعِظ يُم)‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]111‬‬

‫وجاه‪%%‬دت ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة جه‪%%‬ادًا متواص‪ً%‬ال لق‪%%‬رون ع‪%%‬دة متوالي‪%%‬ة من أج‪%%‬ل نش‪%%‬ر ال‪%%‬دعوة‪،‬‬
‫وصد العدوان عن اإلسالم‪ ،‬وتوغلت باإلسالم يف قارات ال‪%‬دنيا الثالث ال‪%‬يت ك‪%‬انت معروف‪%‬ة‬
‫يومئذ‪ ،‬حيدوها اإلميان باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬والرغبة يف اجلنة‪ ،‬وحب الشهادة يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫وما زالت جذوة اجله‪%%‬اد تش‪%%‬تعل بع‪%%‬دما مخدت ف‪%%‬رتة من ال‪%%‬زمن‪ ،‬فرأيناه‪%%‬ا يف الجهاد‬
‫األفغاني حيث استش‪%‬هد ملي‪%‬ون ونص‪%‬ف ملي‪%‬ون ش‪%‬هيد‪ ،‬وه‪%‬زوا جبه‪%‬ادهم أع‪%‬ىت نظ‪%‬ام وحش‪%‬ي‬
‫عرف ‪%%‬ه الن ‪%%‬اس يف العص ‪%%‬ر احلديث (‪ ،)129‬ورأيناه ‪%%‬ا يف الجه‪,,‬اد الفلسطيني ال ‪%%‬ذي جياه ‪%%‬د حتت‬
‫راي ‪%%‬ة ال إل ‪%%‬ه إال اهلل‪ ،‬والجه ‪,,‬اد الفلبي ‪,,‬ني‪ ،‬والجه ‪,,‬اد في جامو وكش ‪,,‬مير‪ ..‬وغ ‪,,‬دًا تت ‪,,‬وهج‬
‫الشعلة إلنقاذ العامل اإلسالمي مما هو واقع فيه‪..‬‬

‫‪ )?(129‬إقرأ – إن شئت – فصل " اجلهاد األفغاين " يف كتاب " اجلهاد األفغاين ودالالته "‪.‬‬

‫(‪)136‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومل يكن اجله‪%%‬اد يف س‪%%‬بيل اهلل ه‪%%‬و املي‪%%‬دان الوحي‪%%‬د ال‪%%‬ذي ح‪%%‬داهم إىل خوض‪%%‬ه اإلميان‬
‫ب ‪%%‬اليوم اآلخ ‪%%‬ر والرغب ‪%%‬ة يف جن ‪%%‬ة اخلل ‪%%‬د‪ .‬فكث ‪%%‬ري من أعم ‪%%‬ال ال ‪ّ%‬رب ك ‪%%‬ان ال ‪%%‬دافع إليه ‪%%‬ا ه ‪%%‬و ال ‪%%‬دافع‬
‫ذاته‪..‬‬

‫من ذل‪%%‬ك " األوق‪,,‬اف " ال‪%%‬يت وقفه‪%%‬ا املس‪%%‬لمون ألعم‪%%‬ال اخلري‪ ،‬زه‪%%‬دًا يف مت‪%%‬اع احلي‪%%‬اة‬
‫الدنيا‪ ،‬أو رغبة يف بذل شيء من ماهلم " للصالح العام " ابتغاء مرضاة اهلل‪.‬‬

‫ومن هذه األوقاف أنش‪%‬ئت املدارس لتعليم الطالب باجملان من أول مك‪%‬اتب حتفي‪%‬ظ‬
‫الق‪%% %‬رآن الك‪%% %‬رمي إىل آخ‪%% %‬ر درج‪%% %‬ات التخص‪%% %‬ص العلمي‪ ،‬ب‪%% %‬ل مل يقتص‪%% %‬ر األم‪%% %‬ر على تعليمهم‬
‫باجملان‪ ،‬وإمنا مشل كف ‪%%‬التهم طيل ‪%%‬ة ف ‪%%‬رتة الدراس ‪%%‬ة ليتفرغ ‪%%‬وا لطلب العلم غ ‪%%‬ري مش ‪%%‬غولني بطلب‬
‫املعاش‪ .‬فعرفت األمة اإلسالمية التعليم المجاني قبل أن تعرفه البشرية بعدة قرون‪.‬‬

‫ومنه‪%%‬ا أنش‪%%‬ئت املستش‪%%‬فيات (البيمارس‪%%‬تانات) لعالج املرض‪%%‬ى باجملان فع‪,,‬رفت األم‪,,‬ة‬


‫اإلسالمية العالج المجاني قبل أن تعرفه البشرية بعدة قرون‪.‬‬

‫ومنه ‪%%‬ا أنش‪%%‬ئت دور رعاي‪%%‬ة األيت‪%%‬ام والعج‪%%‬زة واملنقطعني‪ ..‬ودور للعناي‪%%‬ة باحليوان‪%%‬ات‬
‫احملتاجة إىل الرعاية‪ ..‬قبل أن تعرف البشرية شيئًا من ذلك بعدة قرون‪.‬‬

‫وفوق ذلك كله كانت روح من التقوى ومخافة اهلل تظلل حياة الن‪%%‬اس‪ ،‬ومتنحه‪%%‬ا‬
‫من الربك ‪%%‬ة والطمأنين ‪%%‬ة م ‪%%‬ا تفتق ‪%%‬ده اجلاهلي ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت ال تؤمن بع ‪%%‬امل الغيب‪ ،‬وال تؤمن إال مبا‬
‫تدركه احلواس‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وارتبطت قضية التوحيد كذلك بتطبيق شريعة اهلل‪ ،‬فأصبح مح‪,,‬ك اإليم‪,,‬ان هو‬
‫التح‪,,‬اكم إلى شريعة اهلل‪ ،‬ومن آي‪,,‬ات الكف‪,,‬ر الحكم بغ‪,,‬ير م‪,,‬ا أنزل اهلل‪ ،‬والمنافقون ‪-‬‬
‫ال‪,,‬ذين هم في ال‪,,‬درك األس‪,,‬فل من النار ‪ -‬هم ال‪,,‬ذين يتظاهرون باإلس‪,,‬الم ثم يعرض‪,,‬ون‬
‫عن التحاكم إلى شريعة اهلل‪ ،‬يريدون التحاكم إلى الطاغوت‪.‬‬

‫(َأَلْم َتَر ِإَلى اَّل ِذ يَن َيْز ُعُم وَن َأَّنُه ْم آَم ُنِم وا ِبَم ا ُأْن ِز َل ِإَلْي َك َو َم ا ُأْن ِز َل ِم ْن َقْبِل َك‬
‫ُيِر ي‪ُ, ,‬د وَن َأْن َيَتَح اَك ُم وا ِإَلى الَّط اُغوِت َو َق ْد ُأ ُر وا َأْن َيْك ُف ُر وا ِب ِه َو ُيِر ي‪ُ, ,‬د الَّش ْيَطاُن َأْن‬
‫ُيِض َّلُه ْم َض الًال َبِعي‪,, ,‬دًا)‪[ .‬س ‪%% %‬ورة النس ‪%% %‬اء‪ ،‬اآلي ‪%% %‬ة ‪َ( .]60‬فال َو َر ِّب َك ال ُيْؤ ِم ُن وَن َح َّتى‬

‫(‪)137‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ُيَح ِّك ُم وَك ِفيَم ا َش َج َر َبْيَنُه ْم ُثَّم ال َيِج ُد وا ِفي َأْنُفِس ِه ْم َح َر جًا ِم َّم ا َقَض ْيَت َو ُيَس ِّلُم وا‬
‫َتْس ِليمًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]65‬‬

‫(َو َيُقوُلوَن آَم َّنا ِبالَّلِه َو ِبالَّر ُس وِل َو َأَطْعَنا ُثَّم َيَتَو َّلى َفِر يٌق ِم ْنُه ْم ِم ْن َبْع ِد َذِلَك َو َم ا‬
‫ِم‬ ‫ِلِه ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِم ِن‬ ‫ِئ‬
‫ُأوَل َك ِب اْلُم ْؤ يَن ‪َ ،‬و ِإَذا ُدُع وا ِإَلى الَّل َو َرُس و َيْح ُك َم َبْيَنُه ْم ِإَذا َفِر ي‪ٌ, , , ,‬ق ْنُه ْم‬
‫ُمْع ِر ُض وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة الن‪%%‬ور‪ ،‬اآليت‪%%‬ان ‪ِ( .]48 ،47‬إَّنَم ا َك اَن َقْو َل اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ِإَذا ُدُع وا ِإَلى‬
‫الَّل ِه َو َرُس وِلِه ِلَيْح ُك َم َبْيَنُه ْم َأْن َيُقوُلوا َس ِم ْعَنا َو َأَطْعَن ا َو ُأوَلِئ َك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫النور‪ ،‬اآلية ‪.]51‬‬

‫(َو َمْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه َفُأوَلِئ َك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة املائ ‪%%‬دة‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]44‬‬

‫ذلك هو ارتباط قضية التشريع بأصل اإلميان‬

‫وق‪%% %‬د ظ‪%% %‬ل حتكيم ش‪%% %‬ريعة اهلل يف حس ه‪%% %‬ذه األم‪%% %‬ة مرتبط ‪ً% %‬ا ارتباط ‪ً% %‬ا وثيق ‪ً% %‬ا بقض‪%% %‬ية‬
‫التوحي‪%%‬د ثالث‪%%‬ة عش‪%%‬ر قرن ‪ً%‬ا متوالي‪%%‬ة من تارخيه‪%%‬ا‪ ،‬ال خياجله‪%%‬ا ش‪%%‬ك يف أم‪%%‬ره‪ ،‬وال ترض‪%%‬ى ب‪%%‬ديًال‬
‫عنه‪ ،‬حتى غلبتها الجاهلية المعاصرة على دينها في القرن األخير‪.‬‬

‫وحني حدث ‪ -‬مرة واحدة ‪ -‬يف تارخيه‪%‬ا املاض‪%‬ي أن حكم التت‪%‬ار أج‪%‬زاء من الع‪%‬امل‬
‫اإلس ‪%%‬المي بغ ‪%%‬ري ش ‪%%‬ريعة اهلل‪ ،‬فحكم ‪%%‬وا " بالياس‪,,‬ق " ال ‪%%‬ذي ك ‪%%‬ان يش ‪%%‬مل أحكام ‪ً%‬ا من الت ‪%%‬وراة‬
‫وأحكامًا من اإلجنيل وأحكامًا من القرآن باإلضافة إىل أع‪%‬راف التت‪%‬ار املنتش‪%‬رة بينهم يومئ‪%‬ذ‪،‬‬
‫أمجع علم‪%% %‬اء األم‪%% %‬ة على أن‪%% %‬ه كف ‪,,‬ر بواح‪ ،‬يق‪%% %‬اتلون علي ‪%%‬ه ح‪%% %‬ىت يع‪%% %‬ودوا إىل ش‪%% %‬ريعة اهلل‪ ،‬ال‬
‫َحُيِّك ُم ون غريها يف كثري وال قليل (‪.)130‬‬

‫وما أبعد الفرق بني حتكيم شريعة اهلل وحتكيم شرائع اجلاهلية‪:‬‬
‫ِم الَّلِه ْك م‪ً%‬ا ِل ٍم‬ ‫ِهِل ِة‬
‫ِق قال اإلمام ابن كثري يف تفسري قوله تعاىل (َأَفُح ْك َم اَجْلا َّي َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن َن ُح‬
‫‪)?(130‬‬
‫َق ْو‬
‫ُيو ُن وَن )‪ " :‬ينك‪%%‬ر اهلل تع‪%%‬اىل على من خ‪%%‬رج عن حكم اهلل املش‪%%‬تمل على ك‪%%‬ل خ‪%%‬ري‪ ،‬الن‪%%‬اهي عن ك‪%%‬ل ش‪%%‬ر‪،‬‬
‫وَعَد َل إىل ما سواه من اآلراء واالصطالحات اليت وضعها الرجال بال مس‪%‬تند من ش‪%‬ريعة اهلل‪ ،‬كم‪%‬ا ك‪%‬ان‬
‫أه ‪%%‬ل اجلاهلي ‪%%‬ة حيكم ‪%%‬ون ب ‪%%‬ه من الض ‪%%‬الالت واجله ‪%%‬االت مما يض ‪%%‬عوهنا ب ‪%%‬أهوائهم وآرائهم‪ ،‬وكم ‪%%‬ا حيكم ب ‪%%‬ه‬
‫التت‪%‬ار من السياس‪%%‬ات امللكي‪%‬ة املأخوذة عن ملكهم جنك‪%%‬يز خ‪%‬ان ال‪%%‬ذي وض‪%‬ع هلم الياس‪%%‬ق‪ ،‬وه‪%‬و عب‪%‬ارة عن‬
‫كتاب جمموع من أحك‪%‬ام ق‪%‬د اقتبس‪%‬ها من ش‪%‬رائع ش‪%‬ىت من اليهودي‪%‬ة والنص‪%‬رانية واملل‪%‬ة اإلس‪%‬المية وغريه‪%‬ا‪،‬‬
‫وفيها كثري من األحكام أخذها مبج‪%‬رد نظ‪%‬ره وه‪%‬واه‪ ،‬فص‪%%‬ارت يف بني‪%‬ه ش‪%‬رعًا متبع‪ً%‬ا‪ ،‬يقدمون‪%‬ه على احلكم‬
‫بكتاب اهلل وسنة رس‪%‬وله ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ .‬فمن فع‪%‬ل ذل‪%‬ك منهم فه‪%‬و ك‪%‬افر‪ ،‬جيب قتال‪%‬ه ح‪%‬ىت يرج‪%‬ع‬
‫إىل حكم اهلل ورسوله‪ ،‬فال حيكم سواه يف قليل وال كثري " تفسري ابن كثري ج ‪ 2‬ص ‪.68‬‬

‫(‪)138‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َأَفُح ْك َم اْلَج اِهِلَّي ِة َيْبُغ وَن َو َمْن َأْح َس ُن ِم َن الَّل ِه ُح ْك م ‪ً,‬ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُن وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]50‬‬

‫وحينما كان حيكم األرض طغاة " مقدسون "‪ ،‬حيكمون ب‪%%‬أهوائهم‪ ،‬على أس‪%%‬اس "‬
‫احلق اإلهلي املق‪%% %‬دس " أو غ‪%% %‬ريه من األس‪%% %‬س الفاس‪%% %‬دة‪ ،‬ك‪%% %‬انت األرض اإلس‪%% %‬المية حمكوم‪%% %‬ة‬
‫بش‪%‬ريعة اهلل ‪ -‬على ال‪%‬رغم من االحنراف‪%‬ات ال‪%‬يت حلقت ب‪%‬التطبيق من ج‪%‬ور احلك‪%‬ام فيم‪%‬ا خيتص‬
‫مبصاحلهم ‪ -‬فعرفت األمة اإلسالمية معىن التحاكم إىل ش‪%%‬ريعة موح‪%%‬دة‪ ،‬مل يص‪%%‬نعها األغني‪%%‬اء‬
‫لص‪%%‬احلهم (‪ ،)131‬وال ص‪%%‬اغها الفق‪%%‬راء انتقام ‪ً%‬ا ألنفس‪%%‬هم من ظلم األغني‪%%‬اء (‪ ،)132‬إمنا أنزهلا اهلل‬
‫رب األغني‪%%‬اء والفق‪%%‬راء (ِلَيُق وَم الَّناُس ِباْلِق ْس ِط )‪[ .‬س‪%%‬ورة احلدي‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]25‬ويتح‪%%‬اكموا‬
‫بينهم بالع‪%%‬دل‪ ،‬وح‪%%‬ال حتكيم ش‪%%‬ريعة اهلل دون كث‪%%‬ري من الش‪%%‬ر ال‪%%‬ذي وق‪%%‬ع يف اجلاهلي‪%%‬ات عن‬
‫مشال وعن ميني‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان تط ‪%%‬بيق الش ‪%%‬ريعة اإلس ‪%%‬المية يف مس ‪%%‬احة واس ‪%%‬عة من األرض‪ ،‬ومس ‪%%‬احة‬
‫واسعة من التاريخ‪ ،‬هو ذاته من العطاء الذي مّن اهلل به على هذه األم‪,‬ة‪ ،‬وجاه‪%%‬دت األم‪%%‬ة‬
‫لتوصيله إىل الناس يف ربوع األرض الواسعة‪ ،‬فحق‪%‬ق اهلل على ي‪%‬ديها ذل‪%‬ك اخلري‪ ..‬ألول م‪%‬رة‬
‫يف التاريخ‪.‬‬

‫فقد كانت شريعة موسى شاملة ملتطلبات احلي‪%‬اة اإلمياني‪%‬ة يف وقته‪%‬ا‪ ،‬ولكنه‪%‬ا ك‪%‬انت‬
‫خاص ‪%% %‬ة بب ‪%% %‬ين إس ‪%% %‬رائيل وح ‪%% %‬دهم‪ ،‬ومل تكن مفتوح ‪%% %‬ة " لألمم‪,, ,‬يين "‪ ..‬فظلت حمص ‪%% %‬ورة يف‬
‫نظاقهم‪ ،‬فضًال عن التحريف البشع الذي ناهلا على أيدي " حكماء بني إسرائيل "‪ ،‬ال‪%%‬ذين‬
‫ِلَّل ِذ ي ْك ُت وَن اْلِكَت ا ِبَأ ِد يِه ُثَّم ُقوُل وَن َه َذ ا ِم ِع ْن ِد الَّل ِه‬
‫ْن‬ ‫َب ْي ْم َي‬ ‫ق ‪%%‬ال اهلل فيهم‪َ( :‬فَو ْي ٌل َن َي ُب‬
‫ِلَيْش َتُر وا ِبِه َثَم نًا َقِليًال َفَو ْي ٌل َلُه ْم ِم َّم ا َك َتَبْت َأْي ِد يِه ْم َو َو ْي ٌل َلُه ْم ِم َّم ا َيْك ِس ُبوَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫البق ‪%%‬رة‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة ‪ .]79‬أولئ ‪%%‬ك ال ‪%%‬ذين أحّل وا الرب ‪%%‬ا‪ ،‬واحت ‪%%‬الوا لي ‪%%‬أكلوا أم ‪%%‬وال الن ‪%%‬اس بالباط ‪%%‬ل‪،‬‬
‫وعّطلوا حكم ال‪%‬رجم لل‪%‬زاين احملص‪%‬ن‪ ،‬وأفس‪%‬دوا س‪%‬ري األنبي‪%‬اء ف‪%‬اهتموهم بك‪%‬ل كب‪%‬رية من أج‪%‬ل‬
‫إباحة ارتكاب هذه الكبائر " لشعب اهلل المختار "!‬

‫وجاء عيسى عليه السالم‪ ،‬ليقول لبين إسرائيل‪:‬‬

‫(َو ُمَص ِّدقًا ِلَم ا َبْيَن َي َد َّي ِم َن الَّتْو َر اِة َو ُأِلِح َّل َلُك ْم َبْعَض اَّل ِذ ي ُح ِّر َم َعَلْيُك ْم )‪.‬‬
‫[سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]50‬‬

‫‪ )?(131‬كما هو احلال يف الدميقراطية‪.‬‬


‫‪ )?(132‬كما هو احلال يف االشرتاكية‪.‬‬

‫(‪)139‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فكان املفروض يف النصارى أن حيكموا مبا جاء يف اإلجنيل ُمصِّدقًا ألحك‪%‬ام الت‪%‬وراة‬
‫بصفة عامة ومعدًال لبعضها على اخلصوص‪:‬‬

‫ِئ (َو ْلَيْح ُكِسْم َأْه ُل اِأْل ْنِج ي‪ِ, , ,‬ل ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه ِفي‪ِ, , ,‬ه َو َمْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه‬
‫َفُأوَل َك ُه ُم اْلَف ا ُقوَن )‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]47‬‬

‫ولكن أه‪%%‬ل اإلجني‪%%‬ل لم يحكم‪,,‬وا بم‪,,‬ا أنزل اهلل في‪,,‬ه‪ ،‬ب‪%%‬ل ج‪%%‬اء ب‪%%‬ولس فح ‪ّ%‬ر م عليهم‬
‫اخلت‪%% %‬ان وق‪%% %‬د أم‪%% %‬رهم اهلل ب‪%% %‬ه‪ ،‬وج‪%% %‬اء غ‪%% %‬ريه فأح‪%% %‬ل هلم اخلم‪%% %‬ر واخلنزير‪ ،‬وق‪%% %‬د حرمهم‪%% %‬ا اهلل‪،‬‬
‫فاتبعوهم يف ذلك كله فوقعوا يف الشرك الذي قال اهلل فيه‪:‬‬

‫(اَّتَخ ُذ وا َأْحَباَر ُه ْم َو ُر ْه َباَنُه ْم َأْرَبابًا ِم ْن ُدوِن الَّلِه)‪[ .‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫وبنّي رس‪%%‬ول اهلل وج‪%%‬ه الش‪%%‬رك يف ذل‪%%‬ك حني ق‪%%‬ال ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬لع‪%%‬دي بن‬
‫حامت‪ " :‬ألم يحلوا لهم الحرام ويحرموا عليهم الحالل فاتبعوهم؟ فتلك عبادتهم إياهم‬
‫" (‪.)133‬‬

‫بل كانت الطامة أن الش‪%%‬ريعة بكامله‪%%‬ا مل تطب‪%%‬ق‪ ،‬ب‪%%‬ل بقيت " وصايا " خلقي‪%%‬ة يل‪%%‬تزم‬
‫هبا األتقي ‪%%‬اء تقرب ‪ً%‬ا إىل اهلل ولكنه ‪%%‬ا ال حتكم واق ‪%%‬ع األرض‪ ،‬إمنا حيكم الق ‪%%‬انون الروم ‪%%‬اين ذل ‪%%‬ك‬
‫الواق‪%%‬ع‪ ،‬على أس‪%%‬اس ق‪%%‬ول م‪%%‬دخول اعتربته الكنيس‪%%‬ة يف إب‪%%‬ان ض‪%%‬عفها‪ ،‬ومل ترج‪%%‬ع عن اعتب‪%%‬اره‬
‫حني أص‪%%‬بح يف أي‪%%‬ديها الس‪%%‬لطان الك‪%%‬ايف إلل‪%%‬زام احلك‪%%‬ام بتط‪%%‬بيق الش‪%%‬ريعة‪ ،‬ذل‪%%‬ك م‪%%‬ا نس‪%%‬ب إىل‬
‫السيد املسيح من أنه قال‪ " :‬أّد ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل "!‬

‫وهك‪%%‬ذا ف‪%%‬إن األرض الواس‪%%‬عة ال‪%%‬يت انتش‪%%‬رت فيه‪%%‬ا ديان‪%%‬ة ب‪%%‬ولس ‪ -‬باس‪%%‬م النص‪%%‬رانية ‪-‬‬
‫لم تطبق فيه ‪,,‬ا الش ‪,,‬ريعة الرباني ‪,,‬ة أبدًا‪ ،‬ومل تع ‪%%‬رف كي ‪%%‬ف يك ‪%%‬ون االل ‪%%‬تزام مبا أن ‪%%‬زل اهلل يف‬
‫التش‪%%‬ريع‪ .‬وح‪%%‬ىت حني ك‪%%‬انت حتكمه‪%%‬ا " الحكوم‪,,‬ة الثيوقراطي‪,,‬ة "‪ ،‬كم‪%%‬ا يس‪%%‬موهنا فلم تكن‬
‫حتكم مبا أنزل اهلل‪ ،‬إمنا كانت حتكم بأهواء رجال الدين باسم الدين‪.‬‬

‫وهك ‪%%‬ذا انتقلت أورب ‪%%‬ا يف قض ‪%%‬ية التش ‪%%‬ريع من جاهلي ‪%%‬ة إىل جاهلي ‪%%‬ة‪ ،‬ح ‪%%‬ىت دخلت يف‬
‫حكم اجلاهلية املعاصرة اليت أباحت من املظامل واملفاسد ما مل تبحه شريعة يف التاريخ‪.‬‬

‫‪ )?(133‬رواه أمحد والرتمذي وحسنه‪.‬‬

‫(‪)140‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واألم‪,,‬ة اإلس‪,,‬المية ‪ -‬وح‪,,‬دها ‪ -‬هي ال ‪%%‬يت طبقت الش ‪%%‬ريعة الرباني ‪%%‬ة ب ‪%%‬إخالص غ ‪%%‬ري‬
‫مس‪%‬بوق‪ ،‬يف مس‪%‬احة واس‪%‬عة من األرض‪ ،‬ومس‪%‬احة واس‪%‬عة من الت‪%‬اريخ‪ ،‬إىل أن أجليت عنه‪%‬ا‬
‫يف االستضعاف األخري‪.‬‬

‫وحني حتكم ش ‪%% % %‬ريعة اهلل حتف الربك ‪%% % %‬ة والطمأنين ‪%% % %‬ة ألرض‪ ،‬وحني حتكم اجلاهلي ‪%% %‬ة‬
‫يظهر يف األرض الفساد‪..‬‬

‫ويكفي من برك ‪%%‬ة تط ‪%%‬بيق الش ‪%%‬ريعة أن األرض اإلس ‪%%‬المية مل تع ‪%%‬رف نظ ‪%%‬ام اإلقط ‪%%‬اع‬
‫األوريب‪ ،‬ال‪%%‬ذي ع‪%%‬اث يف أورب‪%%‬ا فس‪%%‬ادًا م‪%%‬ا ال يق‪ّ%‬ل عن أل‪%%‬ف ع‪%%‬ام‪ ،‬وال‪%%‬ذي ك‪%%‬ان اإلقط‪%%‬اعي في‪%%‬ه‬
‫جيم ‪%%‬ع يف شخص‪%% %‬ه الس ‪%%‬لطة التش ‪%%‬ريعية والس ‪%%‬لطة القض‪%% %‬ائية والس ‪%%‬لطة التنفيذي ‪%%‬ة كله‪%% %‬ا يف آن‬
‫واح‪%%‬د‪ ،‬ويف‪%%‬رض على الن‪%%‬اس ‪ -‬عبي‪%%‬د األرض ‪ -‬م‪%%‬ا يعّن ل‪%%‬ه أن يف‪%%‬رض من األه‪%%‬واء واملظ‪%%‬امل‪،‬‬
‫اليت رمبا كان من أشدها دنسًا " حق الليلة األولى "‪ ،‬الذي يبيح للسيد اغتص‪%%‬اب من ش‪%%‬اء‬
‫من زوجات " العبيد " من " الشعب "‪ ،‬فال تصل إىل زوجها إال وقد دنسها الشيطان‪.‬‬

‫ويكفي من برك ‪%%‬ة تط ‪%%‬بيق الش ‪%%‬ريعة الرباني ‪%%‬ة أن األرض اإلس ‪%%‬المية ك ‪%%‬انت ‪ -‬لف ‪%%‬رتة‬
‫طويل ‪%%‬ة ‪ -‬أطه‪,,‬ر أرض من الفاحش‪,,‬ة‪ ،‬وأطه‪,,‬ر أرض من الخم‪,,‬ر وموبقاته‪,,‬ا‪ ،‬وأطه‪,,‬ر أرض‬
‫من الربا‪ ،‬وأقل بالد األرض جرائم‪.‬‬

‫وليس معىن ذلك أن الناس كانوا مالئكة أطهارًا‪ ،‬فمجتمع الرسول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%‬ه‬
‫وس ‪%%‬لم‪ ،‬نفس ‪%%‬ه مل يكن جمتمع ‪ً%‬ا من املالئك ‪%%‬ة‪ ،‬إمنا ك ‪%%‬ان تط ‪%%‬بيق املنهج الرب ‪%%‬اين يف واق ‪%%‬ع األرض‬
‫حيص ‪%%‬ر اجلرمية يف أض ‪%%‬يق نط ‪%%‬اق ممكن‪ ،‬فتق ‪%%‬ع ‪ -‬حني تق ‪%%‬ع ‪ -‬ش ‪%%‬ذوذًا يس ‪%%‬تنكر‪ ،‬وتوق ‪%%‬ع على‬
‫مرتكبها العقوبة الرادعة‪ ،‬فال تتبلد عليها حواس الناس‪.‬‬

‫إن من مزية التشريع الرباني أنه يعمل على الحيلولة دون وق‪,,‬وع الجريم‪,‬ة قبل‬
‫أن يعم‪,,‬ل على عقاب مرتكبه‪,,‬ا‪ .‬والعقوبة الرادعة في هذه الش‪,,‬ريعة هي ذاته‪,,‬ا ل‪,,‬ون من‬
‫ألوان الوقاية من انتشار الجريمة في األرض‪.‬‬

‫لقد كان الزواج الباكر يغين عن ارتكاب الفاحشة‪ .‬وكانت تقوى اهلل والطمأنينة‬
‫ب ‪%%‬ذكره تغ ‪%%‬ين عن الخم‪,,‬ر‪ .‬وك ‪%%‬انت قناع ‪%%‬ة الن ‪%%‬اس ب ‪%%‬الربح احلالل والعيش احلالل حتول بينهم‬
‫وبني الربا‪ .‬وك ‪%%‬انت املودة املتبادل ‪%%‬ة بني الن ‪%%‬اس تقلل من حجم الجريم‪,,‬ة‪ ،‬فك ‪%%‬ان الن ‪%%‬اس يف‬
‫ريف اإلسالم الواسع ال يعرفون األبواب املغلقة على بيوهتم الستتباب األمن فيه‪.‬‬

‫(‪)141‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وك ‪%%‬انت املدين ‪%%‬ة ب ‪%%‬الطبع غ ‪%%‬ري الري ‪%%‬ف‪ ..‬فيه ‪%%‬ا أم ‪%%‬اكن الرتك ‪%%‬اب الفاحش ‪%%‬ة‪ ،‬وأم ‪%%‬اكن‬
‫لشرب اخلم‪%‬ر‪ ،‬وأم‪%‬اكن للمج‪%‬ون والله‪%‬و‪ ،‬وعلى أطرافه‪%‬ا يقب‪%‬ع قط‪%‬اع الطري‪%‬ق و " الش‪%‬طار "‬
‫(‪)134‬‬
‫‪ ..‬ومع ذلك كله فقد ك‪%‬انت بالنس‪%‬بة لغريه‪%‬ا من املدن يف خ‪%‬ارج الع‪%‬امل اإلس‪%‬المي أمن‪ً%‬ا‬
‫وسالمًا وطمأنين‪%‬ة وبرك‪%‬ة‪ ،‬وك‪%‬ان التج‪%‬ار ي‪%‬رتكون ح‪%‬وانيتهم مفتوح‪%‬ة لي‪%‬ذهبوا إىل الص‪%‬الة يف‬
‫املسجد فال يسطو عليها شذاذ اآلفاق!‬

‫وقدم علماء األمة وفقهاؤها ث‪%%‬روة " إنسانية " ث‪ّ%‬ر ة ال تزال متث‪%‬ل زادًا نافع‪ً%‬ا للبش‪%%‬رية‬
‫إىل هذه اللحظ‪%%‬ة‪ ،‬س‪%%‬واء يف علم األصول‪ ،‬لوض‪%%‬ع قواع‪%%‬د االس‪%%‬تدالل وقواع‪%%‬د االس‪%%‬تنباط من‬
‫نصوص الشريعة‪ ،‬أو علم الفقه لوضع األحكام التفص‪%%‬يلية ملا جيّد يف حي‪%‬اة الن‪%‬اس من أم‪%%‬ور‪،‬‬
‫أو يف التربي‪,,‬ة لته‪%%‬ذيب النفس اإلنس‪%%‬انية على ه‪%%‬دى التنزي‪%%‬ل الرب‪%%‬اين‪ ،‬وس‪%%‬نة رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو غري ذلك من العلوم النافعة للناس يف دينهم ودني‪%%‬اهم‪ ،‬وانتش‪%%‬ر ه‪%%‬ذا العلم‬
‫يف ربوع العامل اإلسالمي عن طريق املدارس وحلق‪%%‬ات العلم يف املس‪%%‬اجد‪ ،‬في وقت كانت‬
‫أوربا تعيش فيه في الظلمات‪..‬‬

‫وارتب ‪%%‬ط ه ‪%%‬ذا كل ‪%%‬ه يف حس الن ‪%%‬اس ويف واق ‪%%‬ع األم ‪%%‬ر بقض ‪%%‬ية التوحي ‪%%‬د‪ ،‬وأص ‪%%‬بح هلذه‬
‫القضية واقع عملي يف حياهتم‪ ،‬ميثل منهج حي‪%‬اة متكام‪%%‬ل‪ ،‬يش‪%‬مل احلي‪%‬اة كله‪%%‬ا‪ ،‬ألن الش‪%‬ريعة‬
‫الرباني ‪%% % %‬ة مشلت ك ‪%% % %‬ل ج ‪%% % %‬وانب احلي ‪%% % %‬اة‪ :‬السياس ‪%% % %‬ية واالقتص ‪%% % %‬ادية واالجتماعي ‪%% % %‬ة والفكري ‪%% % %‬ة‬
‫واألخالقي ‪%%‬ة‪ ..‬كم ‪%%‬ا مشلت الث ‪%%‬ابت ال ‪%%‬ذي يري ‪%%‬د اهلل ل ‪%%‬ه أن يثبت‪ ،‬واملتغ ‪%%‬ري ال ‪%%‬ذي أذن اهلل في ‪%%‬ه‬
‫باالجتهاد الدائم ملواكبة ما جيد من أمور احلياة‪ ،‬وربطه باألصول الثابتة يف ه‪%‬ذا ال‪%‬دين‪ ،‬ال‪%‬يت‬
‫أطلق عليها العلماء " مقاصد الشريعة "‪.‬‬

‫وهكذا صارت قضية التوحيد هي منهج الحياة‪:‬‬

‫(ُق ْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َم ْح َي اَي َو َمَم اِتي ِلَّل ِه َر ِّب اْلَع اَلِم يَن ‪ ،‬ال َش ِر يَك َل ُه)‪.‬‬
‫[سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]163 ،162‬‬

‫وكانت أكبر عطاء مّن اهلل به على هذه األم‪,,‬ة‪ ،‬وأكبر عط‪,‬اء أهدت‪,‬ه هذه األم‪,,‬ة‬
‫للناس‪..‬‬

‫‪ )?(134‬الش ‪%% %‬طار – يف األص ‪%% %‬ل – هم قط ‪%% %‬اع الط ‪%% %‬رق والنش ‪%% %‬الون‪ ،‬ألهنم يش ‪%% %‬طرون جي ‪%% %‬وب الن ‪%% %‬اس – أي‬
‫يش ‪%%‬قوهنا – ليس ‪%%‬رقوا م ‪%%‬ا فيه ‪%%‬ا‪ .‬مث تط ‪%%‬ور اس ‪%%‬تخدام اللف ‪%%‬ظ ح‪%%‬ىت مشل مع ‪%%‬ىن االحتي‪%%‬ال ال ‪%%‬ذكي لنهب أم ‪%%‬وال‬
‫الن ‪%%‬اس بغ ‪%%‬ري اس ‪%%‬تخدام العن ‪%%‬ف‪ ،‬مث تط ‪%%‬ور م ‪%%‬رة أخ ‪%%‬رى فأص ‪%%‬بح يع ‪%%‬ين امله ‪%%‬ارة بص ‪%%‬رف النظ ‪%%‬ر عن الوس ‪%%‬يلة‬
‫واألهداف!‬

‫(‪)142‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(‪)2‬‬
‫ك‪%%‬ان اإلس‪%%‬الم ميالدًا جدي‪%%‬دًا لإلنس‪%%‬ان‪ ،‬كم‪%%‬ا ك‪%%‬انت ك‪%%‬ل رس‪%%‬الة مساوية أن‪%%‬زلت من‬
‫عند اهلل‪.‬‬

‫ك ‪%%‬انت كله ‪%%‬ا حتري ‪%%‬رًا لإلنس ‪%%‬ان من خرافاته وأوهام ‪%%‬ه وتص ‪%%‬وراته الفاس ‪%%‬دة عن اهلل‬
‫والكون واحلي‪%‬اة واإلنس‪%‬ان‪ ،‬وحتري‪%‬رًا ل‪%‬ه من عبودياته الزائف‪%‬ة‪ ،‬س‪%‬واء عبوديت‪%‬ه لآلهلة املزعوم‪%‬ة‪،‬‬
‫أو لشهواته‪ ،‬أو لألعراف املنحرفة‪ ،‬أو عبودية البشر بعض‪%%‬هم لبعض يف ص‪%%‬ورة أش‪%‬خاص هلم‬
‫قداسة‪ ،‬أو يف صورة مشرعني من عند أنفسهم بغري ما أنزل اهلل‪.‬‬

‫ولكن الرس‪%%‬االت الس‪%%‬ابقة كله‪%%‬ا ُح ّر فت‪ ،‬فأفس‪%%‬دت " الميالد الجديد " لإلنس‪%%‬ان‪،‬‬
‫وأعادته ‪ -‬كما كان يف جاهليته ‪ -‬عبدًا لغري اهلل‪.‬‬

‫وبقي " الميالد الجدي ‪,,‬د " ال‪%% %‬ذي أحدث‪%% %‬ه اإلس‪%% %‬الم أط‪%% %‬ول ف‪%% %‬رتة من الت‪%% %‬اريخ ميث‪%% %‬ل‬
‫التحرير احلقيقي لإلنسان‪ ..‬لقد كان شيئًا ضخمًا جًّدا يف الواقع‪.‬‬

‫ك ‪%%‬ان ص ‪%%‬فاء " التوحي‪,,‬د " كم ‪%%‬ا بين ‪%%‬ه اهلل يف كتاب ‪%%‬ه املنزل‪ ،‬وكم ‪%%‬ا علم ‪%%‬ه رس ‪%%‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وس‪%‬لم‪ ،‬ألص‪%‬حابه‪ ،‬من النص‪%‬اعة والق‪%‬وة‪ ،‬والعم‪%‬ق واألص‪%‬الة‪ ،‬حبيث أح‪%‬دث يف‬
‫واق‪%%‬ع األرض تل‪%%‬ك الدفع‪%%‬ة اهلائل‪%%‬ة ال‪%%‬يت ال مثي‪%%‬ل هلا يف الت‪%%‬اريخ‪ ،‬س‪%%‬واء يف عظم‪%%‬ة الشخص‪%%‬يات‬
‫ال‪%%‬يت أبرزهتا‪ ،‬أو يف ص‪%%‬البة القاع‪%%‬دة ال‪%%‬يت أسس‪%%‬تها‪ ،‬أو يف متان‪%%‬ة اجملتم‪%%‬ع ال‪%%‬ذي ص‪%%‬اغته‪ ،‬أو يف‬
‫االنسياح الواسع يف أرجاء األرض‪.‬‬

‫ك ‪%%‬ان حتري ‪%%‬رًا للرج ‪%%‬ل واملرأة على الس ‪%%‬واء‪ ..‬ال يف ع ‪%%‬امل النظري ‪%%‬ات ولكن يف عالم‬
‫الواقع‪.‬‬

‫ويف جترب‪%%‬تني س‪%%‬ابقتني أخف‪%%‬ق البش‪%%‬ر يف ممارس‪%%‬ة ذل‪%%‬ك التح‪%%‬رر على املس‪%%‬توى المالئم‬
‫لإلنسان‪..‬‬

‫يف التجربة اليهودي ‪,,‬ة أخل ‪%%‬دوا إىل األرض‪ ،‬واتبع ‪%%‬وا أه ‪%%‬واءهم وش ‪%%‬هواهتم‪ ،‬وترك ‪%%‬وا‬
‫ع‪%%‬امل القيم جف‪%%‬اًء واس‪%‬تهتارًا ومتردًا على أوام‪%%‬ر اهلل‪ ،‬وتبجح‪ً%‬ا يف ال‪%‬وقت ذاته ب‪%‬أهنم هم الن‪%‬اس‬
‫ومن عداهم دواب!‬

‫(‪)143‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويف التجربة النص ‪,,‬رانية ترك‪%% %‬وا مت‪%% %‬اع األرض‪ ،‬لكي حيقق‪%% %‬وا القيم العلي‪%% %‬ا يف ع ‪%%‬امل‬
‫ال‪%%‬روح املنعتق‪%%‬ة من أغالل اجلس‪%%‬د‪ ،‬يف رهب‪%%‬انيتهم ال‪%%‬يت ابت‪%%‬دعوها‪ ،‬فم‪%%‬ا َر َعْو ه‪%%‬ا ح‪%%‬ق رعايته‪%%‬ا‪،‬‬
‫وانقلب أكثرهم فاسقني!‬

‫ويف التجربة اإلسالمية أفلح البشر فيما أخفقوا فيه من قبل‪.‬‬

‫عاش ‪%%‬وا حي ‪%%‬اهتم األرض ‪%%‬ية الواقعي ‪%%‬ة على ض ‪%%‬وء القيم ال ‪%%‬يت آمن ‪%%‬وا هبا‪ ..‬ف ‪%%‬التقى الواق ‪%%‬ع‬
‫باملثال!‬

‫انطل ‪%% %‬ق الرج ‪%% %‬ال ميش ‪%% %‬ون يف من ‪%% %‬اكب األرض يبتغ ‪%% %‬ون من فض ‪%% %‬ل اهلل‪ ،‬وي ‪%% %‬تزّو جون‬
‫وينس ‪%%‬لون‪ ،‬ويأخ ‪%%‬ذون قس ‪%%‬طهم من املت ‪%%‬اع املب ‪%%‬اح‪ ،‬ويف ال ‪%%‬وقت ذاته جياه ‪%%‬دون يف س ‪%%‬بيل اهلل‬
‫ب‪%%‬أمواهلم وأنفس‪%%‬هم‪ ،‬ويرتفع‪%%‬ون على مت‪%%‬اع األرض كل‪%%‬ه يف حلظ‪%%‬ة حني ي‪%%‬دعو إىل ذل‪%%‬ك داعي‬
‫اجلهاد‪ ،‬دون أن يفقدوا توازهنم‪ ،‬أو خيرجوا عن بشريتهم‪ ،‬أو يكبتوا دوافعهم‪..‬‬

‫وانطلقت املرأة بكل " إنسانيتها " تبين‪ ..‬تبين جمتمعًا ال مثيل له يف التاريخ‪..‬‬

‫لقد تحررت‪ ..‬حتررت من أوضاعها املذّلة اليت عاشتها يف اجلاهلية‪ ..‬وحتررت من‬
‫نظ‪%%‬رة اجملتم‪%%‬ع هلا‪ ،‬ونظرهتا لنفس‪%%‬ها يف ح‪%%‬دود ع‪%%‬امل احلس الق‪%%‬ريب‪ ،‬ال‪%%‬يت كث‪%%‬ريًا م‪%%‬ا تق‪%%‬رتب من‬
‫عامل احليوان!‬

‫حتررت فش‪%%‬عرت أهنا " إنسانة "‪ ،‬وأهنا تعيش هلدف " إنساني " ض‪%%‬خم‪ ،‬ه‪%%‬و بن‪%%‬اء‬
‫جمتم‪%%‬ع ذي عقي‪%%‬دة‪ ،‬جمتم‪%%‬ع ذي قيم علي‪%%‬ا‪ ،‬جمتم‪%%‬ع ذي فض‪%%‬ائل‪ ،‬هي ركن أساس‪%%‬ي في‪%%‬ه‪ ،‬وهي‬
‫الباين األساسي فيه‪ ..‬يف الوقت ذاته الذي تعيش في‪%‬ه حياهتا الواقعي‪%‬ة متام‪ً%‬ا‪ ..‬تتزوج‪ ،‬وحتم‪%‬ل‬
‫وتل ‪%%‬د‪ ،‬وتق‪%% %‬وم بأعب ‪%%‬اء ال ‪%%‬بيت وأعب ‪%%‬اء الزوجي ‪%%‬ة‪ ،‬ولكنه‪%% %‬ا يف ك ‪%%‬ل ذل ‪%%‬ك إنس ‪%%‬انة ذات آف ‪%%‬اق‬
‫إسالمية‪ ،‬ونظرة إسالمية لألمور‪ ،‬واهتمامات إسالمية بالدعوة وبأحوال اجملتمع‪.‬‬

‫وك ‪%%‬ان أب ‪%%‬دع م ‪%%‬ا يف ذل ‪%%‬ك التح ‪%%‬رر اإلنس ‪%%‬اين أّن حترره ‪%%‬ا مل ي ‪%%‬دفعها إىل التم ‪%%‬رد على‬
‫أنوثته‪%%‬ا‪ ،‬ب‪%%‬ل هي تعيش كياهنا األنث‪%%‬وي الكام‪%%‬ل‪ ،‬ومتارس إنس‪%%‬انيتها من خالل‪%%‬ه‪ ..‬كم‪%%‬ا أهنا ‪-‬‬
‫كالرج‪%%‬ل س‪%%‬واء ‪ -‬تعيش يف ظ‪%%‬ل القيم األخالقي‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية‪ ،‬ال‪%%‬يت تف‪%%‬رض قي‪%%‬ودًا كث‪%%‬رية على‬
‫شهوات النفس‪ ،‬ولكنها قيود " اإلنسان "‪ ،‬اليت ارتفع هبا عن عامل احليوان!‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)144‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ك ‪%%‬انت حرك ‪%%‬ة التوس ‪%%‬ع اإلس ‪%%‬المي حرك ‪%%‬ة فري ‪%%‬دة يف الت ‪%%‬اريخ من حيث مض ‪%%‬موهنا‬
‫وأهدافها‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د يكفين ‪%%‬ا يف ش ‪%%‬رح أه ‪%%‬دافها تل ‪%%‬ك الكلم ‪%%‬ات القالئ ‪%%‬ل ال ‪%%‬يت قاهلا ربعي بن ع ‪%%‬امر‬
‫حني سأله رستم قائد الفرس‪ :‬ما الذي أتى بكم إىل بالدن‪%‬ا؟! ق‪%‬ال‪ " :‬اهلل ابتعثن‪%‬ا لنخ‪%‬رج من‬
‫ش ‪%%‬اء من عب ‪%%‬ادة العب ‪%%‬ادة إىل عبادة اهلل‪ ،‬ومن ج ‪%%‬ور األدي ‪%%‬ان إىل عدل إلس‪,,‬الم‪ ،‬ومن ض ‪%%‬يق‬
‫الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة "!‬

‫ولق‪%%‬د يكفين‪%%‬ا يف ش‪%%‬رح مض‪%%‬موهنا قص‪%%‬ة الش‪%%‬اب القبطي ال‪%%‬ذي ض‪%%‬ربه ابن عم‪%%‬رو بن‬
‫الع‪%%‬اص بالعص‪%%‬ا حني تس‪%%‬ابقا فف‪%%‬از علي‪%%‬ه الش‪%%‬اب القبطي فض‪%%‬ربه وق‪%%‬ال ل‪%%‬ه‪ " :‬خ‪%%‬ذها وأن‪%%‬ا ابن‬
‫األك‪%% %‬رمني "! فلم يط‪%% %‬ق الش‪%% %‬اب ‪ -‬أو أب‪%% %‬وه ‪ -‬ض‪%% %‬ربة العص‪%% %‬ا‪ ،‬وهم ال‪%% %‬ذين ك‪%% %‬ان الروم‪%% %‬ان‬
‫جيل‪%% %‬دوهنم بالس‪%% %‬ياط فال جيدون ملج‪%% %‬أ من الظلم وال باعث ‪ً% %‬ا للش‪%% %‬كوى‪ ..‬فارحتل إىل املدين‪%% %‬ة‬
‫يشكو ضربة العصا إىل عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عن‪%%‬ه ‪ -‬فأعط‪%%‬اه عم‪%%‬ر ‪ -‬رض‪%%‬ي اهلل ع‪%%‬ه‬
‫‪ -‬دّر ته ليض ‪%%‬رب هبا " ابن األك ‪%%‬رمني "! وق ‪%%‬ال لعم ‪%%‬رو قولت ‪%%‬ه املش ‪%%‬هورة‪ " :‬ي ‪%%‬ا عم ‪%%‬رو! م‪,,‬تى‬
‫استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا! " ويف هذه القول‪%%‬ة املختص‪%%‬رة يكمن الف‪%%‬ارق‬
‫بني حركة التوسع اإلسالمي‪ ،‬وحركات التوسع األخرى يف التاريخ‪ ،‬فهذه كانت تستعبد‬
‫األحرار‪ ،‬بينما التوسع اإلسالمي كان يحرر العبيد‪..‬‬

‫نعم‪ ..‬إن ك‪%%‬ل حرك‪%%‬ات التوس‪%%‬ع تس‪%%‬تخدم الق‪%%‬وة لتتوس‪%%‬ع‪ ،‬ولق‪%%‬د اس‪%%‬تخدم اإلس‪%%‬الم‬
‫القوة يف حركته التوسعية‪ ،‬وكان استخدام القوة بأمر من اهلل‪:‬‬

‫(َو َأِع ُّدوا َلُه ْم َم ا اْسَتَطْعُتْم ِم ْن ُقَّو ٍة) [سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]60‬‬

‫(َيا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َقاِتُلوا اَّلِذ يَن َيُلوَنُك ْم ِم َن اْلُك َّف اِر َو ْلَيِج ُد وا ِفيُك ْم ِغ ْلَظ ًة‪.)..‬‬
‫[سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]123‬‬

‫ولكن فيم يستخدم اإلس ‪,,‬الم القوة؟ ألالس‪%% %‬تيالء على األرض؟ ألالس‪%% %‬تيالء على‬
‫الثروات؟ أإلذالل الناس واستعبادهم؟ أإلرواء شهوة الفتح والتوسع؟ أإلرضاء غرور طاغية‬
‫متعجرف أو قائد حريب معجب بنفسه؟!!‬

‫إن ه ‪%%‬ذه ‪ -‬وأمثاهلا ‪ -‬هي األه ‪%%‬داف ال ‪%%‬يت اس ‪%%‬تخدمت الق ‪%%‬وة من أجله ‪%%‬ا على م ‪%%‬دار‬
‫التاريخ‪ ،‬وكونت بواسطتها اإلمرباطوريات يف التاريخ‪ ،‬قدميه وحديثه سواء‪.‬‬

‫واإلسالم ال يستخدم القوة لشيء من هذا كله‬

‫(‪)145‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وال ك‪%%‬ذلك ليف‪%%‬رض العقي‪%%‬دة على الن‪%%‬اس ب‪%%‬اإلكراه‪ ،‬كم‪%%‬ا زعم املستش‪%%‬رقون وغ‪%%‬ريهم‬
‫من أعداء هذا الدين‪:‬‬

‫(ال ِإْك َر اَه ِفي الِّديِن َقْد َتَبَّيَن الُّرْش ُد ِم َن اْلَغِّي )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]256‬‬

‫وإمنا يستخدم اإلسالم القوة ‪ -‬بأمر من اهلل ‪ -‬إلزالة العقبات اليت تقف بني الن‪%%‬اس‬
‫وبني التعرف على احلق يف صورته احلقيقية‪ ،‬ممثلة هذه العقبات يف نظم جاهلي‪,‬ة‪ ،‬تق‪%%‬وم على‬
‫رأسها حكومات جاهلية‪ ،‬وحتميها جيوش جاهلية‪ ،‬فإذا أزيلت العقبات فالن‪%‬اس أح‪%‬رار بع‪%‬د‬
‫ذلك‪ ،‬خيتارون ألنفسهم ما يشاءون‪ ،‬دون ضغط من املسلمني وال إكراه‪.‬‬

‫ولق‪%%‬د أح‪%%‬اط هبذه القض‪%%‬ية كث‪%%‬ري من الغبش ال من قب‪%%‬ل املستش‪%%‬رقني وح‪%%‬دهم‪ ،‬ولكن‬
‫من قب‪%% %‬ل تالمي‪%% %‬ذهم ممن حيمل‪%% %‬ون أمساء إس‪%% %‬المية‪ ،‬ومن قب‪%% %‬ل املنه‪%% %‬زمني أم‪%% %‬ام " الحض‪,, ,‬ارة "‬
‫الغربي‪%%‬ة‪ ،‬ال‪%%‬ذين يقول‪%%‬ون إن ه‪%%‬ذا أم‪%%‬ر ق‪%%‬د انتهى بانته‪%%‬اء ظروف‪%%‬ه التارخيي‪%%‬ة‪ ،‬ومل يع‪%%‬د ل‪%%‬ه مك‪%%‬ان‬
‫الي ‪%%‬وم‪ .‬وق ‪%%‬د أتيحت لل ‪%%‬دعاة حري ‪%%‬ة ال ‪%%‬دعوة‪ ،‬واس ‪%%‬تخدام ك ‪%%‬ل الوس ‪%%‬ائل اإلعالمي ‪%%‬ة املتاح ‪%%‬ة من‬
‫كتاب وصحيفة وإذاعة وتلفاز!‬

‫ونقول هلؤالء ‪ -‬كم‪%%‬ا قلن‪%%‬ا يف كت‪%%‬اب " الجهاد األفغاني ودالالت‪,,‬ه " ‪ -‬إن القض‪%%‬ية‬
‫ليست قضية الوسائل اإلعالمية‪ ،‬وال قضية " إقناع " الناس باحلق عن طريق عرض احلقائق‬
‫على عق‪%%‬ول الن‪%%‬اس لتتأمله‪%%‬ا وتت‪%%‬دبرها‪ ،‬ف‪%%‬إن قليًال ج‪ًّ%%‬دا من الن‪%%‬اس هم ال‪%%‬ذين يتع‪%%‬املون م‪%%‬ع "‬
‫الحقائق المج ‪,,‬ردة " أو م ‪%%‬ع " الش ‪,,‬يء في ذات ‪,,‬ه "‪ .‬إمّن ا الغالبي ‪%%‬ة العظمى من الن ‪%%‬اس ي ‪%%‬رون‬
‫األشياء من خالل املالبسات الواقعية احمليطة هبا‪ ،‬أو بعبارة أخرى من خالل " القوة " ال ‪%%‬يت‬
‫حتيط هبا‪.‬‬

‫ونضرب مثالين من الواقع القريب يبينان هذه الحقيقة‪..‬‬

‫إّن أعداء اإلسالم من يهود ونصارى‪ ،‬يريدون القضاء على هذا الدين وال شك‪:‬‬

‫(َو َلْن َتْر َض ى َعْنَك اْلَيُه وُد َو ال الَّنَص اَر ى َح َّتى َتَّتِبَع ِم َّلَتُه ْم )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫‪.]120‬‬

‫ِم‬ ‫ِم ِد ِن‬ ‫ِك‬ ‫ِث ِم‬


‫ِع ِد ِس(َو َّد ِمَك يٌر ِدْن َأْه ِل اْل َت اِب َل ْو َيُر ُّدوَنُك ْم ْن َبْع ِإيَم ا ُك ْم ُك َّف ارًا َح َس دًا ْن‬
‫ْن َأْنُف ِه ْم ْن َبْع َم ا َتَبَّيَن َلُه ُم اْلَح ُّق)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]109‬‬

‫(‪)146‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فلما مل يكتف‪%‬وا ‪ -‬يف الق‪%‬دمي أو احلديث ‪ -‬بالدعاي‪%‬ة ض‪%‬د اإلس‪%‬الم‪ ،‬وتش‪%‬ويه ص‪%‬ورته‬
‫يف نف ‪%%‬وس الن ‪%%‬اس؟ لم‪,,‬اذا ح‪,,‬اربوا " دول‪,,‬ة اإلس‪,,‬الم " وعمل ‪%%‬وا ‪ -‬يف العص ‪%%‬ر األخ ‪%%‬ري ‪ -‬على‬
‫إزالتها من الوجود أمًال يف القضاء على اإلسالم ذاته؟‬

‫أليس ألهنم يعلم‪%%‬ون جي‪%%‬دًا أن اإلس‪%%‬الم م‪%%‬ع وج‪%%‬ود دول‪%%‬ة حتمي‪%%‬ه‪ ،‬غ‪%%‬ري اإلس‪%%‬الم اجملرد‬
‫الذي ال دولة له وال محاية وال جيوش؟ (‪.)135‬‬

‫أم‪%%‬ا املث‪%%‬ال الث‪%%‬اين فه‪%%‬و الشيوعية بع‪,‬د أن تخلت عنه‪,‬ا روس‪,‬يا! أتراه‪%%‬ا هي هي كم‪%%‬ا‬
‫ك ‪%%‬انت حتميه ‪%%‬ا روس ‪%%‬يا بك ‪%%‬ل قوهتا وتق ‪%%‬ف ألع ‪%%‬دائها باملرص ‪%%‬اد؟ أم بط ‪%%‬ل س ‪%%‬حرها يف النف ‪%%‬وس‬
‫وتغ ‪%%‬ريت نظ ‪%%‬رة الن ‪%%‬اس إليه ‪%%‬ا م ‪%%‬ع أن مبادئه ‪%%‬ا مل تتغ ‪%%‬ري‪ ،‬و " حقائقه ‪%%‬ا! " يف الكتب م ‪%%‬ا زالت‬
‫على ما كانت عليه!!‬

‫إن الن‪%%‬اس ال ي‪%%‬رون احلق‪%%‬ائق اجملردة وال يتع‪%%‬املون معه‪%%‬ا ‪ -‬إال القل‪%%‬ة الن‪%%‬ادرة منهم ‪-‬‬
‫إمنا تكون " القوة " يف حسهم من‪%‬اطق ج‪%‬ذب حترف مس‪%‬ار الفك‪%‬ر‪ ،‬وحترف مس‪%‬ار الش‪%‬عور!‬
‫وحني تك‪%%‬ون الق‪%%‬وة حميط‪%%‬ة بالباط‪%%‬ل فإهنا تزين‪%%‬ه يف قل‪%%‬وب الن‪%%‬اس فيحس‪%%‬بونه حًّق ا ويؤمن‪%%‬ون ب‪%%‬ه‬
‫ويدافعون عنه‪ ،‬بينما يتغري املوقف متامًا يف نفوس الناس لو زالت القوة اليت حتيط به‪ ،‬فريونه‬
‫باطًال ‪ -‬على حقيقته ‪ -‬ويتخلون عنه‪..‬‬

‫وهذا هو ال‪,,‬ذي أم‪,,‬ر اهلل المسلمين أن يفعلوه‪ ..‬أن يزيلوا القوة ال‪,,‬تي تحي‪,,‬ط‬
‫بالباطل فتزينه في قلوب الناس‪ ،‬فيحسبونه حًّق ا ويتشبثون به‪ ..‬فإذا أزيلت هذه القوة‬
‫فال إكراه في الدين‪..‬‬

‫ب‪%%‬ل إن األم‪%%‬ر ال يب‪%%‬دأ بالقت‪%%‬ال‪ ،‬إمنا يب‪%%‬دأ بع‪%%‬رض اإلس‪%%‬الم على الن‪%%‬اس‪ ،‬ف‪%%‬إن قبل‪%%‬وه فق‪%%‬د‬
‫انتهى األم ‪%%‬ر‪ ،‬وص ‪%%‬ار ال ‪%%‬داخلون يف اإلس ‪%%‬الم إخ ‪%%‬وة يف ال ‪%%‬دين‪ ،‬وص ‪%%‬اروا ج ‪%%‬زءًا من األم ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت‬
‫وصفها اهلل باخلريية‪ ،‬ال يتفاضلون بينهم إال بالتقوى‪.‬‬

‫ف‪%%‬إن رفض‪%%‬وا اإلس‪%%‬الم فق‪%%‬د أم‪%%‬ر اهلل بف‪%%‬رض اجلزي‪%%‬ة عليهم للهدف ذات‪,‬ه ال‪,‬ذي فرض‬
‫من أجله القت ‪,,‬ال‪ ،‬ولكن بأس ‪%%‬لوب س ‪%%‬لمي حيقن ال ‪%%‬دماء‪ ..‬ف ‪%%‬املطلوب ه ‪%%‬و أال تق ‪%%‬ف الق ‪%%‬وة‬
‫احمليط‪%%‬ة بالباط‪%%‬ل عقب‪%%‬ة يف س‪%%‬بيل رؤي‪%%‬ة الن‪%%‬اس للح‪%%‬ق على حقيقت‪%%‬ه‪ ،‬وأال تك‪%%‬ون منطق‪%%‬ة ج‪%%‬ذب‬
‫حترف مسار األفكار واملشاعر‪ ..‬وأداؤها للجزية يفيد هذا املع‪%%‬ىن من غ‪%%‬ري قت‪%%‬ال‪ .‬ف‪%%‬القوة ال‪%%‬يت‬

‫‪ )?(135‬ال شك أن إزالة دولة اخلالفة – الذي خطط له اليهود والنصارى – كان عامًال مهًّم ا يف الض‪%%‬عف‬
‫املزري والض‪%%‬ياع ال‪%%‬ذي آل إلي‪%%‬ه املس‪%%‬لمون يف العص‪%%‬ر احلاض‪%%‬ر‪ .‬ول‪%%‬وال أن اهلل قيض هلذه األم‪%%‬ة من جيدد هلا‬
‫أمر دينها لتحقق هدف األعداء كامًال‪ .‬انظر الفصل القادم‪.‬‬

‫(‪)147‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ُتْف َر ض عليه‪%%‬ا اجلزي‪%‬ة ال تع‪%%‬ود يف حّس الن‪%‬اس ق‪%‬وة‪ ،‬وال تق‪%%‬وى على حتري‪%‬ف مس‪%‬ار احلق ح‪%‬ىت‬
‫ينظر الناس إليه على أنه باطل!‬

‫فأم‪%%‬ا إن أب‪%%‬وا اإلس‪%%‬الم وأب‪%%‬وا اجلزي‪%%‬ة فعندئ‪%%‬ذ فق‪%%‬ط يق‪%%‬ع القت‪%%‬ال‪ ..‬ويق‪%%‬ع لله‪%%‬دف ال‪%%‬ذي‬
‫شرحناه من قبل‪ ،‬ال لفرض اإلسالم على الناس!‬

‫ومهم ‪%% %‬ا يكن من أم ‪%% %‬ر فنحن ال نتح‪,, ,‬دث عن األوض‪,, ,‬اع الحاض‪,, ,‬رة ال‪,, ,‬تي عج‪,, ,‬ز‬
‫المسلمون فيها حتى عن الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬إنما نتحدث عن التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫توسع اإلسالم في األرض‪ ..‬فماذا فعل بالناس؟‬

‫ُفتحت مصر فكان من أمرها ما رأينا يف قصة الشاب القبطي‪ ،‬ومل يقع إكراه على‬
‫األقب‪%%‬اط أن ي‪%%‬دخلوا يف اإلس‪%%‬الم‪ ،‬ومل ْجُيَل وا من أرض‪%%‬هم‪ ،‬ومل يط‪%%‬ردوا من بي‪%%‬وهتم‪ ،‬ومل حتّر ق‬
‫ق‪%%‬راهم‪ ،‬مل تنهب أم‪%%‬واهلم‪ ..‬وال‪%%‬دليل أن‪%%‬ه م‪%%‬ا زال يف مص‪%%‬ر بع‪%%‬د الفتح اإلس‪%%‬المي بأربع‪%%‬ة عش‪%%‬ر‬
‫قرن ‪ً%‬ا أقب‪%%‬اط يتزاي‪%%‬د ع‪%%‬ددهم‪ ،‬يس‪%%‬تمتعون ب‪%%‬أمنهم وطم‪%%‬أنينتهم‪ ،‬ودي‪%%‬ارهم وأم‪%%‬واهلم‪ ،‬مُي ارس‪%%‬ون‬
‫دينهم يف حرية كاملة حتت رعاية املسلمني ومحايتهم‪.‬‬

‫ق ‪,,‬ارن هذا بم ‪,,‬ا وق ‪,,‬ع للمسلمين في األندلس‪ ،‬وم ‪,,‬ا وق ‪,,‬ع لهم ‪ -‬مثًال ‪ -‬في‬
‫الفلبين‪.‬‬

‫كي‪%%‬ف فع‪%%‬ل النص‪%%‬ارى باملس‪%%‬لمني حني متكن‪%%‬وا منهم يف األن‪%%‬دلس؟ لق‪%%‬د أب‪%%‬ادوا منهم‬
‫مئ‪%%‬ات األل‪%%‬وف يف جمازر رهيب‪%%‬ة تع‪%%‬رتف ببش‪%%‬اعتها املراج‪%%‬ع األوربي‪%%‬ة ذاهتا‪ ،‬مث أجل‪%%‬وهم إجالء‬
‫ك‪%%‬امًال من البالد ال‪%%‬يت حكموه‪%%‬ا ‪ -‬بالع‪%%‬دل ‪ -‬مثاني‪%%‬ة ق‪%%‬رون‪ ،‬وال‪%%‬يت ك‪%%‬انت املن‪%%‬ارة ال‪%%‬يت علمت‬
‫أوربا‪ ،‬وأخرجتها من ظلمات قروهنا الوسطى إىل النور‪.‬‬

‫وكي ‪%%‬ف فع ‪%%‬ل النص ‪%%‬ارى ك ‪%%‬ذلك باملس ‪%%‬لمني حني غ ‪%%‬زوا الفل ‪%%‬بني؟ لق ‪%%‬د ط ‪%%‬ردوهم من‬
‫أرضهم‪ ،‬وحّر ق‪%‬وا عليهم ق‪%‬راهم‪ ،‬وظل‪%‬وا يزحزح‪%‬وهنم من أراض‪%‬يهم اخلص‪%%‬بة ويس‪%‬تولون عليه‪%‬ا‬
‫قس‪%%‬رًا‪ ،‬وي‪%%‬دفعوهنم دفع ‪ً%‬ا إىل األرض اجلرداء ال‪%%‬يت ال تثم‪%%‬ر‪ .‬وم‪%%‬ع ذل‪%%‬ك ال ي‪%%‬رتكوهنم هن‪%%‬اك يف‬
‫س‪%%‬الم‪ ،‬ب‪%%‬ل تس‪%%‬تمر عملي‪%%‬ات اإلب‪%%‬ادة اجلماعي‪%%‬ة ح‪%%‬ىت ه‪%%‬ذه اللحظ‪%%‬ة حتت مسع الع‪%%‬امل وبص‪%%‬ره‪..‬‬
‫وتتمت ‪,,‬ع الفلبين برعاي ‪,,‬ة خاص ‪,,‬ة من أمريكا تستعين به ‪,,‬ا على س ‪,,‬حق م ‪,,‬ا بقي من كي ‪,,‬ان‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫(‪)148‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وفتحت الش‪,, ,‬ام‪ ..‬فك‪%% %‬ان من أمره ‪%% %‬ا أهنم اش‪%% %‬رتطوا على أيب عبي‪%% %‬دة بن اجلراح أن‬
‫حيميهم من بطش الروم وطغياهنم مقابل دفع اجلزية للمسلمني‪ ،‬فقبل أبو عبيدة الشرط‪.‬‬

‫مث مسع أبو عبيدة أن هرقل ُيع‪ّ%‬د جيش‪ً%‬ا ض‪%%‬خمًا الس‪%%‬رتداد الش‪%%‬ام من املس‪%%‬لمني‪ .‬فقام‬
‫بعم‪,,‬ل ال مثي‪,,‬ل ل‪,,‬ه في الت‪,,‬اريخ كله‪ ..‬إذ رّد اجلزي‪%%‬ة أله‪%%‬ل الش‪%%‬ام‪ ،‬وق‪%%‬ال هلم‪ :‬لق‪%%‬د اش‪%%‬رتطتم‬
‫علين ‪%%‬ا أن حنميكم‪ .‬ولق ‪%%‬د مسعتم مبا جيه ‪%%‬ز لن ‪%%‬ا‪ .‬وإن ‪%%‬ا ال نق ‪%%‬در على ذل ‪%%‬ك (أي على محايتكم‬
‫حسب العهد بينن‪%‬ا وبينكم)‪ ،‬وحنن لكم على الش‪%‬رط إن نص‪%‬رنا اهلل عليهم‪ ..‬فلم‪%‬ا نص‪%‬ره اهلل‬
‫عليهم ع‪%%‬اد أه‪%%‬ل الش‪%‬ام ي‪%‬دفعون اجلزي‪%‬ة عن رض‪%%‬ى وهم يقول‪%‬ون‪ " :‬أنتم ‪ -‬ولس‪%‬تم على دينن‪%‬ا‬
‫‪ -‬أحّب إلين‪%%‬ا وأرأف بن‪%%‬ا من أه‪%%‬ل دينن‪%%‬ا " (‪ ..)136‬مث دخل‪%%‬وا يف دين اهلل أفواج ‪ً%‬ا بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك‪،‬‬
‫وبقي من بقي منهم على نص‪%%‬رانيته‪ ،‬يس‪%%‬تمتع باحلماي‪%%‬ة واألمن وحري‪%%‬ة العب‪%%‬ادة يف ظ‪%%‬ل احلكم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وامت‪,,‬د الفتح في س‪,,‬نوات قليلة فش‪,,‬مل مساحة واس‪,,‬عة من األرض ال مثي‪,,‬ل له‪,,‬ا‬
‫فيما عرف من حركات التوسع في التاريخ‪.‬‬

‫وك ‪%%‬ان لش ‪%%‬جاعة الف ‪%%‬احتني وروحهم القتالي ‪%%‬ة العالي ‪%%‬ة أثره ‪%%‬ا يف س ‪%%‬رعة ه ‪%%‬ذا الفتح وال‬
‫شك‪ .‬فقد جعل اهلل قوة املؤمن املقاتل عشرة أضعاف عدوه الكافر‪ ،‬وال تقل عن ضعفه يف‬
‫حالة االستضعاف‪:‬‬

‫(َي ا َأُّيَه ا الَّنِبُّي َح ِّر ِض اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َعَلى اْلِق َت اِل ِإْن َيُك ْن ِم ْنُك ْم ِع ْش ُر وَن َص اِبُر وَن‬
‫َيْغِلُبوا ِم اَئَتْيِن َو ِإْن َيُك ْن ِم ْنُك ْم ِم اَئٌة َيْغِلُبوا َأْلفًا ِم َن اَّلِذ يَن َكَف ُر وا ِب َأَّنُه ْم َقْو ٌم ال َيْفَق ُه وَن ‪،‬‬
‫اآْل َن َخ َّف َف الَّلُه َعْنُك ْم َو َعِلَم َأَّن ِفيُك ْم َض ْع فًا َفِإ ْن َيُك ْن ِم ْنُك ْم ِم اَئ ٌة َص اِبَر ٌة َيْغِلُب وا ِم اَئَتْيِن‬
‫َو ِإْن َيُك ْن ِم ْنُك ْم َأْل ٌف َيْغِلُب وا َأْلَف ْيِن ِب ِإ ْذِن الَّل ِه َو الَّل ُه َم َع الَّص اِبِر يَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة األنف ‪%%‬ال‪،‬‬
‫اآليتان ‪.]66 ،65‬‬

‫ولكن القض‪%% %‬ية ال‪%% %‬يت تلفت النظ‪%% %‬ر ليس‪%% %‬ت هي قض‪%% %‬ية " األرض " ال‪%% %‬يت فتحت هبذه‬
‫السرعة املذهلة‪ ،‬وإمنا قضية " القلوب "!‬

‫‪ )?(136‬انظر ت‪ .‬و‪ .‬آرنولد " الدعوة إىل اإلسالم " ترمجة حسن إبراهيم حسن وزميليه‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫(‪)149‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫لقد فتح الفتح اإلسالمي ماليني من القل‪%‬وب دخلت يف ال‪%‬دين اجلدي‪%‬د‪ ،‬بغ‪%%‬ري ض‪%%‬غط‬
‫وال إك‪%%‬راه‪ ،‬س‪%%‬واء يف مص‪%%‬ر والش‪%%‬ام‪ ،‬أو يف الع‪%%‬راق وف‪%%‬ارس‪ ،‬أو يف الش‪%%‬مال األف‪%%‬ريقي‪ ،‬أو يف‬
‫بالد السند أو غريها من البالد‪.‬‬

‫بل حدثت عجيبة أخرى ال مثي‪%%‬ل هلا يف الت‪%%‬اريخ‪ ..‬أن كث‪%%‬ريًا من الش‪%%‬عوب املفتوح‪%%‬ة‬
‫نسيت لغتها تمامًا‪ ،‬حىت أولئ‪%‬ك ال‪%‬ذين بق‪%‬وا من أهله‪%‬ا على دينهم ومل ي‪%‬دخلوا يف اإلس‪%‬الم‪،‬‬
‫فص‪%% %‬ارت العربي‪%% %‬ة ‪ -‬لغ‪%% %‬ة اإلس‪%% %‬الم ‪ -‬هي لغتهم‪ ،‬وص‪%% %‬ار النص‪%% %‬ارى منهم ي‪%% %‬ؤدون عب‪%% %‬ادهتم‬
‫بالعربي ‪%% %‬ة‪ ،‬ال بالقبطي ‪%% %‬ة وال بالس ‪%% %‬ريانية وال غريه ‪%% %‬ا من اللغ ‪%% %‬ات ال ‪%% %‬يت ك ‪%% %‬انت هلم قب ‪%% %‬ل الفتح‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مع أنه مل يقع عمل واحد من أعمال اإلكراه لتغي‪%‬ري لغ‪%%‬ات الن‪%‬اس‪ ،‬كال‪%‬ذي فعلت‪%‬ه‬
‫فرنسا يف الشمال اإلفريقي مثًال‪ ،‬إذ مل يرو التاريخ حادث‪%‬ة واح‪%‬دة يف ه‪%‬ذا الش‪%‬أن ؛ إمنا تعلم‬
‫الناس العربية عن رضا ورغبة دون إكراه‪.‬‬

‫هذه القلوب لم يفتحه‪,,‬ا السيف! فالسيف ق‪,,‬د يفتح األرض‪ ،‬ولكنه ال يفتح‬
‫القلوب!‬

‫إنما فتحتها العقيدة الجديدة ممثلة في سلوك واقعي من الفاتحين‪.‬‬

‫وذل‪%% %‬ك من بني م‪%% %‬ا تف‪%% %‬ردت ب‪%% %‬ه حرك‪%% %‬ة التوس‪%% %‬ع اإلس‪%% %‬المي عن حرك‪%% %‬ات التوس ‪%%‬ع‬
‫التارخيية يف القدمي واحلديث‪.‬‬

‫ففي القديم ك ‪%%‬ان القه ‪%%‬ر واإلذالل واالس ‪%%‬تعباد ه ‪%%‬و الس ‪%%‬لوك ال ‪%%‬واقعي للغ ‪%%‬زاة‪ ،‬بغ ‪%%‬ري‬
‫غطاء من الشعارات الزائفة‪.‬‬

‫وفي الح ‪,, , ,‬ديث رفعت الش ‪%% % % %‬عارات الزائف ‪%% % % %‬ة للتض ‪%% % % %‬ليل‪ ،‬وبقي القه ‪,, , ,‬ر واإلذالل‬
‫واالستعباد هو السلوك الواقعي للغزاة‪.‬‬

‫أم‪%%‬ا يف الفتح اإلس‪,,‬المي فق‪%%‬د ك‪%%‬ان الش‪%%‬عار املرف‪%%‬وع ه‪%%‬و اإلس‪,,‬الم‪ ،‬وك‪%%‬ان الس‪%%‬لوك‬
‫ال‪%%‬واقعي للف‪%%‬احتني ه‪%%‬و مص‪%%‬داق انتم‪%%‬ائهم هلذا ال‪%%‬دين‪ ..‬ف‪%%‬أحَّب الن‪%%‬اس ه‪%%‬ذا ال‪%%‬دين‪ ،‬ال‪%%‬ذي خيرج‬
‫هذه النماذج اخللقية واإلنسانية الرفيعة‪ ..‬فأصبحوا مسلمني‪.‬‬

‫وأم ‪%%‬ا ال ‪%%‬ذين رغب ‪%%‬وا يف البق ‪%%‬اء على دينهم فق ‪%%‬د كف ‪%%‬ل هلم الفتح اإلس ‪%%‬المي عقي ‪%%‬دهتم‬
‫وحريتهم وأمنهم وطمأنينتهم‪ ،‬فاستقروا يف ظله آمنني‪.‬‬

‫(‪)150‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن التسامح ال ‪,,‬ديني من أبرز ص ‪,,‬فات الفتح اإلس ‪,,‬المي‪ ،‬ال ‪,,‬تي أفردت ‪,,‬ه عن كل‬
‫حركات التوسع في التاريخ (‪.)137‬‬

‫ف‪%%‬اليهود املض ‪%%‬طهدون يف أورب‪%%‬ا على ي‪%%‬د النص ‪%%‬ارى ‪ -‬بس‪%%‬بب اعتق ‪%%‬اد النص ‪%%‬ارى أهنم‬
‫تس ‪%%‬ببوا يف ص ‪%%‬لب املس ‪%%‬يح‪ ،‬مل جيدوا هلم بل ‪%%‬دًا ي ‪%%‬ؤويهم ويعيش ‪%%‬ون في ‪%%‬ه مطمئ ‪%%‬نني إال األن ‪%%‬دلس‬
‫اإلس‪%%‬المية‪ .‬فلم‪%%‬ا ط‪%%‬رد املس‪%‬لمون من األن‪%%‬دلس ن‪%%‬زح اليه‪%%‬ود معهم إىل املغ‪%%‬رب حيث م‪%%‬ا زال‪%%‬وا‬
‫يعيشون حىت اليوم‪.‬‬

‫مث كان ملج‪%‬أهم اآلخ‪%‬ر ه‪%‬و الدول‪%‬ة العثماني‪%‬ة‪ ،‬حيث عاش‪%‬وا يف إس‪%‬الم وأمن يف ظ‪%‬ل‬
‫احلكم اإلسالمي‪ ،‬وإن ك‪%‬انوا خلبث ط‪%‬ويتهم ق‪%‬د دب‪%‬روا إلزال‪%‬ة احلكم اإلس‪%‬المي ال‪%‬ذي نعم‪%‬وا‬
‫حتت ظله بالسالم واألمن‪.‬‬

‫وأم‪,,‬ا النص‪,,‬ارى فق ‪%%‬د محاهم احلكم اإلس ‪%%‬المي من اض ‪%%‬طهاد بعض ‪%%‬هم لبعض‪ ،‬حيث‬
‫ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذا االض ‪%%‬طهاد قائم ‪ً%‬ا يف ك ‪%%‬ل األرض ال ‪%%‬يت ختالف عقائ ‪%%‬دها عقي ‪%%‬دة الدول ‪%%‬ة األم‪ .‬كم ‪%%‬ا‬
‫أّم نهم وكفل هلم االستقرار الروحي واملادي فعاشوا أربعة عشر قرنًا آمنني‪.‬‬

‫وإن هذا التسامح ال‪%‬ديين ليكش‪%‬ف عن حقيق‪%‬ة تف‪%‬ردت هبا ه‪%‬ذه األم‪%‬ة‪ ،‬وتف‪%‬ردت هبا‬
‫حركة التوسع اإلسالمي‪.‬‬

‫إن هذه األمة قد أعدت إع‪%‬دادًا خاًّص ا من ل‪%‬دن رهبا تب‪%‬ارك وتع‪%‬اىل لقي‪%‬ادة البش‪%‬رية‪،‬‬
‫بينما مل تكن هناك أمة أخرى أعدت هلذه القيادة أو صُلَح ت هلا خالل التاريخ‪.‬‬

‫إن اهلل هو ال‪%‬ذي أخ‪%‬رج ه‪%‬ذه األم‪%‬ة إىل الوج‪%‬ود‪ ،‬وه‪%‬و ال‪%‬ذي أع‪%‬دها لتك‪%‬ون ش‪%‬اهدة‬
‫ورائ‪%‬دة للبش‪%‬رية‪ .‬ل‪%‬ذلك جع‪%‬ل فيه‪%‬ا من الص‪%‬فات م‪%‬ا يؤهله‪%‬ا هلذه الرس‪%‬الة فرباه‪%‬ا على الع‪%‬دل‬
‫حىت مع الذين أساءوا إليها‪:‬‬

‫ٍم (َي ا َأُّيَه ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ُك وُنوا َقَّو اِم يَن ِلَّل ِه ُش َه َد اَء ِباْلِق ْس ِط َو ال َيْج ِر َم َّنُك ْم َش َنآُن‬
‫َقْو َعَلى َأاَّل َتْع ِد ُلوا اْعِد ُلوا ُه َو َأْقَر ُب ِللَّتْق َو ى)‪[ .‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]8‬‬

‫‪ )?(137‬إقرأ عن التسامح الديين عند املس‪%%‬لمني كت‪%‬اب املستش‪%%‬رق ت‪ .‬و‪ .‬آرنول‪%%‬د‪ " :‬ال‪%%‬دعوة إىل اإلس‪%‬الم "‪،‬‬
‫سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫(‪)151‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ِإَّن الَّل َه َي ْأُمُر ُك ْم َأْن ُتَؤ ُّدوا اَأْلَم اَن اِت ِإَلى َأْه ِلَه ا َو ِإَذا َح َك ْم ُتْم َبْيَن الَّن اِس َأْن‬
‫َتْح ُك ُم وا ِباْلَعْد ِل )‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]58‬‬

‫ووجه رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ليقول ألهل الكتاب‪:‬‬

‫(آَم ْنُت ِبَم ا َأْنَز َل الَّل ُه ِم ْن ِكَت اٍب َو ُأِم ْر ُت َأِلْع ِد َل َبْيَنُك ُم)‪[ .‬س ‪%%‬ورة الش ‪%%‬ورى‪،‬‬
‫اآلية ‪.]15‬‬

‫وجعل اإلميان مبا أنزل على الرسل السابقني جزءًا من عقيدة األمة‪:‬‬
‫(الم‪َ ،‬ذِل َك اْلِكَت اُب ال َر ْيَب ِفي‪ِ, , ,‬ه ُه دًى ِلْلُم َّتِق يَن ‪ ،‬اَّل ِذ يَن ُيْؤ ِم ُن وَن ِب اْلَغْيِب‬
‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬
‫َو ُي يُم وَن الَّص الَة َو َّم ا َر َز ْقَناُه ْم ُيْن ُقوَن ‪َ ،‬و اَّل يَن ُيْؤ ُن وَن ِبَم ا ُأْن ِز َل ِإَلْي َك َو َم ا ُأْن ِز َل ْن‬
‫َقْبِلَك َو ِباآْل ِخ َر ِة ُه ْم ُيوِقُنوَن )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآليات ‪.]4 - 1‬‬

‫وهذه النقطة األخرية هلا أمهية خاص‪%‬ة‪ .‬فج‪%‬زء كب‪%‬ري من الع‪%‬داء ال‪%‬ذي وق‪%‬ع بني األمم‬
‫الس‪%%‬ابقة ك‪%%‬ان مرجع‪%%‬ه إميان ك‪%%‬ل أم‪%%‬ة برس‪%%‬وهلا‪ ،‬وكفرها بمن بع‪,‬ده‪ .‬فق‪%%‬د آمن اليه‪%%‬ود مبوس‪%%‬ى‬
‫علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم‪ ،‬وكف‪%%‬روا بعيس‪%%‬ى‪ ،‬فاض‪%%‬طهدوا أتب‪%%‬اع عيس‪%%‬ى اض‪%%‬طهادًا بش‪%%‬عًا‪ ،‬وحّر ض‪%%‬وا الدول‪%%‬ة‬
‫الروماني‪%% %‬ة على إي‪%% %‬ذائهم ومط‪%% %‬اردهتم‪ ،‬ب‪%% %‬ل حّر ض‪%% %‬وا احلاكم الروم‪%% %‬اين بيالطس على ص‪%% %‬لب‬
‫عيسى نفسه عليه السالم‪ ،‬لوال أن اهلل جناه من كيدهم ورفعه إليه‪.‬‬

‫وآمن النص ‪%%‬ارى بعيس ‪%%‬ى علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم‪ ،‬ومل يؤمن ‪%%‬وا مبحم ‪%%‬د ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪،‬‬
‫فاض‪%%‬طهدوا أتباع‪%%‬ه اض‪%%‬طهادًا بش‪%%‬عًا حيثم‪%%‬ا وقع‪%%‬وا يف قبض‪%%‬تهم خالل الت‪%%‬اريخ كل‪%%‬ه‪ ،‬س‪%%‬واء يف‬
‫األن‪%%‬دلس‪ ،‬أو يف احلروب الص‪%%‬ليبية األوىل‪ ،‬أو يف احلروب الص‪%%‬ليبية الثاني‪%%‬ة‪ ،‬التي نعيشها إلى‬
‫هذه اللحظة في كل األرض بدرجات متفاوت‪,‬ة ووس‪,‬ائل متفاوت‪,‬ة‪ ،‬ت‪,‬تراوح بين الح‪,‬رب‬
‫االقتص ‪,,‬ادية لسلب أق ‪,,‬وات المسلمين وإفقارهم‪ ،‬والح ‪,,‬رب الفكري ‪,,‬ة لمحاول ‪,,‬ة إجالء‬
‫المسلمين عن عقيدتهم‪ ،‬والح‪,‬رب الدموي‪,‬ة في الم‪,‬ذابح ال‪,‬تي تقام للمسلمين في آس‪,‬يا‬
‫وأفريقي‪,,‬ا‪ ،‬فض‪ً,‬ال عن التح‪,,‬الف م‪,,‬ع كل أعداء اإلس‪,,‬الم إلعانتهم على إبادة المسلمين‪،‬‬
‫كما حيدث يف اهلند وجامو وكشمري‪ ،‬ويف فلسطني‪ ،‬ويف أرترييا وغريها من بالد األرض‪.‬‬

‫تلك احلرب اليت قال عنها اللنيب حني دخ‪%‬ل الق‪%‬دس س‪%‬نة ‪ 1917‬م‪ " :‬اآلن انتهت‬
‫احلروب الصليبية! " وما انتهت بعد في الحقيقة‪.‬‬

‫(‪)152‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وق‪%%‬ال عنه‪%%‬ا اجلنرال غ‪%%‬ورو الفرنس‪%%‬ي وه‪%%‬و يض‪%%‬ع قدم‪%%‬ه على ق‪%%‬رب ص‪%%‬الح ال‪%%‬دين‪ " :‬ه‪%%‬ا‬
‫قد عدنا يا صالح الدين! نحن أبناء الصليبيين! ومن أعجبه حكمنا فليب‪%%‬ق‪ ،‬ومن مل يعجب‪%%‬ه‬
‫حكمنا فليغادر البالد! "‪.‬‬

‫وقال عنها املسئول الفرنسي يف اجلمعية الوطنية الفرنسية‪ ،‬حني تقدم بعض النواب‬
‫باس ‪%%‬تجواب للحكوم ‪%%‬ة لوق ‪%%‬ف احلرب يف الش ‪%%‬مال اإلف ‪%%‬ريقي‪ ،‬ال ‪%%‬يت ك ‪%%‬انت تس ‪%%‬تنزف األم ‪%%‬وال‬
‫وال‪%%‬دماء وال يب‪%%‬دو أهنا س‪%%‬تؤدي إل نص‪%%‬ر حاس‪%%‬م‪ ..‬ق‪%%‬ال‪ " :‬إن ه‪%%‬ذه ح‪%%‬رب اهلالل والص‪%%‬ليب‪،‬‬
‫وينبغي أن ينتصر الصليب! "‪.‬‬

‫وق ‪%%‬ال عنه ‪%%‬ا نيكس ‪%%‬ون ال ‪%%‬رئيس األم ‪%%‬ريكي األس ‪%%‬بق‪ ،‬حني ع ‪%%‬اد من جول ‪%%‬ة ق ‪%%‬ام هبا يف‬
‫أفغانس‪%%‬تان لدراس‪%%‬ة األح‪%%‬وال هن‪%%‬اك‪ ،‬فس‪%%‬أله الص‪%%‬حفيون‪ :‬م‪%%‬اذا وج‪%%‬دت هن‪%%‬اك؟ ق‪%%‬ال‪ :‬وجدت‬
‫أن الخط‪,,‬ر هو اإلس‪,,‬الم! وجيب أن نص ‪%%‬في خالفاتن ‪%%‬ا م ‪%%‬ع روس ‪%%‬يا يف أق ‪%%‬رب وقت‪ ،‬فروس ‪%%‬يا‬
‫على أي ح‪%%‬ال بل‪%%‬د أوريب! واخلالف بينن‪%%‬ا وبينه‪%%‬ا قاب‪%%‬ل للتس‪%%‬وية‪ ،‬أم‪%%‬ا اخلالف ال‪%%‬ذي ال يقب‪%%‬ل‬
‫التسوية فهو اخلالف بيننا وبني اإلسالم "!!‬

‫أما هذه األمة فقد أعفاها اهلل من أن يكون في قلبه‪,,‬ا غ‪ٌّ,‬ل ألح‪,,‬د‪ ..‬فأرس‪%%‬ل إليه‪%%‬ا‬
‫الرس‪%%‬ول اخلامت ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬ال‪%%‬ذي ال ن‪%%‬يب بع‪%%‬ده‪ ،‬وجع‪%%‬ل ج‪%%‬زءًا من عقي‪%%‬دهتا اإلميان‬
‫بالرس‪%% %‬ل الس‪%% %‬ابقني ورس‪%% %‬االهتم‪ .‬فخلص قلبه‪%% %‬ا‪ ،‬واس‪%% %‬تعدت للق‪%% %‬اء البش‪%% %‬رية كله‪%% %‬ا بس‪%% %‬ماحة‬
‫اإلسالم‪ ،‬بال أحقاد وال عقد وال ضغائن‪ .‬فك‪%‬ان ذل‪%‬ك ج‪%‬زءًا من إع‪%‬دادها لرس‪%‬التها‪ ،‬وج‪%‬زءًا‬
‫كذلك من خرييتها‪.‬‬

‫وهبذا اإلعداد النفس‪%%‬ي المتصل مباشرة بأصل العقي‪,,‬دة‪ ،‬مض‪%%‬ت ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة تتوس‪%%‬ع‬
‫يف األرض‪ ،‬ب ‪%%‬إذن رهبا وأم ‪%%‬ره‪ ،‬لُتخ ‪%%‬رج الن ‪%%‬اس من عب ‪%%‬ادة العب ‪%%‬اد إىل عب ‪%%‬ادة اهلل‪ ،‬ومن َج ْو ر‬
‫األديان إىل عدل اإلسالم‪ ،‬ومن ض‪%‬يق ال‪%‬دنيا إىل س‪%‬عة ال‪%‬دنيا واآلخ‪%‬رة‪ .‬بينم‪%‬ا حتركت الق‪%‬وى‬
‫العاملي‪%%‬ة األخ‪%%‬رى خالل الت‪%%‬اريخ من أج‪%%‬ل اس‪%%‬تعباد الن‪%%‬اس وإذالهلم‪ ،‬وهنب أق‪%%‬واهتم‪ ،‬وإحلاقهم‬
‫ُخ دامًا خيدمون مصاحلهم عالنية أو من وراء ستار‪.‬‬

‫ثم تكّو ن من البالد المفتوحة تجمع فريد في التاريخ‪..‬‬

‫مل يكن ذل ‪%% % %‬ك التجم ‪%% % %‬ع إمرباطوري ‪%% % %‬ة كاإلمرباطوري ‪%% % %‬ة الروماني ‪%% % %‬ة أو اإلغريقي ‪%% % %‬ة أو‬
‫الفرعونية يف القدمي‪ ،‬أو الربيطانية أو الفرنسية أو األمريكية أو الروسية يف احلديث‪..‬‬

‫إنما كان " أمة "‪..‬‬

‫(‪)153‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أم ‪%%‬ة حتم ‪%%‬ل الس ‪%%‬مات احلقيقي ‪%%‬ة لألم ‪%%‬ة ألول م ‪%%‬رة ؛ بل ربم ‪,,‬ا للم ‪,,‬رة الوحي ‪,,‬دة في‬
‫التاريخ‪..‬‬

‫أم ‪%% %‬ة جتمعه ‪%% %‬ا العقي ‪%% %‬دة‪ ..‬وتك‪ّ% % %‬و ن العقي ‪%% %‬دة رابطته ‪%% %‬ا األوىل ورابطته ‪%% %‬ا األق ‪%% %‬وى‪ ،‬ال‬
‫األرض‪ ،‬وال اللغ‪%%‬ة وال اجلنس وال الق‪%%‬وم‪ ،‬وال أي عص‪%%‬بية من تل‪%%‬ك العص‪%%‬بيات اجلاهلي‪%%‬ة ال‪%%‬يت‬
‫قال عنها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬دعوها فإنه‪,‬ا منتنة " (‪ .)138‬وق‪%%‬ال عنه‪%%‬ا ص‪%%‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ " :‬ليس منا من دعا إلى عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عص‪,,‬بية‪ ،‬وليس‬
‫منا من مات على عصبية " (‪.)139‬‬

‫أم‪,, ,‬ة يجتم‪,, ,‬ع فيه‪,, ,‬ا بالل احلبش‪%% %‬ي‪ ،‬وُص هيب ال‪%% %‬رومي‪ ،‬وس‪%% %‬لمان الفارس‪%% %‬ي‪ ،‬على‬
‫مس‪%‬توى القم‪%‬ة من س‪%‬ادات ق‪%‬ريش‪ ..‬ب‪%‬ل يق‪%‬ول عم‪%‬ر بن اخلط‪%‬اب ‪ -‬رض‪%‬ي اهلل عن‪%‬ه ‪ " :-‬أب‪%‬و‬
‫بك‪%%‬ر س‪%%‬يدنا وأعتق س‪,‬يدنا! " إش‪%%‬ارة إىل بالل ‪ -‬رض‪%%‬ي اهلل عن‪%%‬ه ‪ -‬ويق‪%%‬ول رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ " :‬سلمان منا آل البيت " (‪.)140‬‬

‫ويجتم‪,‬ع يف ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة ال‪%%‬بيض والس‪%%‬ود‪ ،‬واحلم‪%%‬ر والص‪%%‬فر‪ " :‬ال فض‪,‬ل لع‪,‬ربي على‬
‫عجمي وال ألبيض على أسوَد إال بالتقوى " (‪.)141‬‬

‫ويجتم ‪,, , ,‬ع الع ‪%% % % %‬ريب من اجلزي ‪%% % % %‬رة‪ ،‬بالش ‪%% % % %‬امي‪ ،‬باملص ‪%% % % %‬ري‪ ،‬ب ‪%% % % %‬العجمي‪ ،‬باهلن ‪%% % % %‬دي‪،‬‬
‫باألندونيسي‪ ،‬بالزجني‪ ..‬إخوانًا يف اهلل‪ ،‬إخوانًا يف اإلسالم‪ ،‬إخوانًا يف التجمع الواحد ال‪%‬ذي‬
‫تشكله " األمة المسلمة "‪.‬‬

‫وي ‪%%‬دخل ذل ‪%%‬ك يف نط ‪%%‬اق عاملي ‪%%‬ة ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة وعاملي ‪%%‬ة رس ‪%%‬التها‪ ..‬وي ‪%%‬دخل ك ‪%%‬ذلك يف‬
‫حساب خرييتها اليت أخرجها هبا رب العاملني‪ ،‬بينما التجمعات العاملية التارخيي‪%‬ة مل ختل ق‪ّ%‬ط‬
‫من الروح اإلمرباطورية‪ ،‬اليت ُيشّك لها وجود " الدولة األم "‪ ،‬والدول املهزومة املغلوبة على‬
‫أمرها أمام القوة الساحقة للدولة الطاغية‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫قامت على يد هذه األمة حركة علمية واسعة‪..‬‬
‫‪ )?(138‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ )?(139‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ )?(140‬أخرجه احلاكم يف املستدرك‪.‬‬
‫‪ )?(141‬رواه أمحد يف مسنده‪.‬‬

‫(‪)154‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومل تكن ه ‪%%‬ذه األم ‪%%‬ة قب ‪%%‬ل إس ‪%%‬المها أم ‪%%‬ة علم‪ ،‬وال ك ‪%%‬انت هلا اجتاه ‪%%‬ات " علمي ‪%%‬ة "‬
‫حمددة‪ .‬ولكنها صارت ك‪%‬ذلك بع‪%‬د اإلس‪%‬الم‪ .‬وم‪%‬ا من ش‪%‬ك يف أن توجيه‪%‬ات اإلس‪%‬الم ك‪%‬ان‬
‫هلا األثر املباشر يف حتويل األمة إىل البحث العلمي يف شىت جماالته‪.‬‬

‫بعض ه‪%%‬ذه التوجيه‪%%‬ات ك‪%%‬انت توج‪%%‬ه النظ‪%%‬ر إىل ملك‪%%‬وت الس‪%%‬موات واألرض للنظ‪%%‬ر‬
‫يف إبداع اخلالق تبارك وتعاىل‪ ،‬للتيقن من تفرده سبحانه بالرببوبية واأللوهية‪:‬‬

‫ِت ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬


‫ِل (ِإَّن الَّلَّل َه َف ا ُق اْلَح ِّب َو الَّنِلَو ى ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي َنَّل اْلَم ِّي َو ُمْخ ِر ُج اْلَم ِّي َن‬
‫اْلَح ِّي َذ ُك ُم ال ُه َف َأَّنى ُتْؤ َفُك وَن ‪َ ،‬ف ا ُق اِإْل ْص َباِح َو َجَع َل ال ْي َل َس َك نًا َو الَّش ْم َس َو اْلَق َم َر‬
‫ُحْس َبانًا َذِل َك َتْق ِد يُر اْلَعِز ي‪ِ, ,‬ز اْلَعِليِم ‪َ ،‬و ُه َو اَّل ِذ ي َجَع َل َلُك ُم الُّنُج وَم ِلَتْهَت ُد وا ِبَه ا ِفي‬
‫ُظُلَم اِت اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر َق ْد َفَّص ْلَنا اآْل ي‪,,‬اِت ِلَق ْو ٍم َيْع َلُم وَن ‪َ ،‬و ُه َو اَّل ِذ ي َأْنَش َأُك ْم ِم ْن َنْف ٍس‬
‫ِم‬ ‫َّل ِذ‬ ‫ِت ِل ٍم‬ ‫ِح ٍة‬
‫َو ا َد َفُمْس َتَقٌّر َو ُمْس َتْو َدٌع َق ْد َفَّص ْلَنا اآْل ي ‪,,‬ا َق ْو َيْفَق ُه وَن ‪َ ،‬و ُه َو ا ي َأْنَز َل َن‬
‫الَّس َم اِء َم اًء َفَأْخ َر ْج َن ا ِب ِه َنَب اَت ُك ِّل َش ْي ٍء َفَأْخ َر ْج َن ا ِم ْن ُه َخ ِض رًا ُنْخ ِر ُج ِم ْن ُه َحّب ًا ُمَتَر اِكبًا‬
‫ِب‬ ‫ٍب‬ ‫ٍت ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِم ِع ِق‬ ‫ِم‬
‫َو َن الَّنْخ ِل ْن َطْل َه ا ْنَو اٌن َد ا َيٌة َو َج َّنا ْن َأْع َنا َو الَّز ْيُتوَن َو الٍمُّر َّم اَن ُمْش َت هًا َو َغْيَر‬
‫ُمَتَش اِبٍه اْنُظ ُر وا ِإَلى َثَم ِر ِه ِإَذا َأْثَم َر َو َيْنِع ِه ِإَّن ِفي َذِلُك ْم آَل ي‪,,‬اٍت ِلَق ْو ُيْؤ ِم ُن وَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫األنعام‪ ،‬اآليات ‪.]99 - 95‬‬

‫ولكن التوجي ‪%%‬ه ‪ -‬وإن ك ‪%%‬ان املقص ‪%%‬ود ب ‪%%‬ه أساس ‪ً%‬ا تقري ‪%%‬ر الوحداني ‪%%‬ة‪ ،‬ونفي الش ‪%%‬ركاء‬
‫عن اهلل (‪ - )142‬ف‪%‬إّن احلس البش‪%‬ري ال ميل‪%‬ك م‪%%‬ع تأم‪%%‬ل ه‪%%‬ذه اآلي‪%‬ات أال يلتفت إىل اجلانب "‬
‫العلمي " فيها‪ ..‬فكلها " ظواهر طبيعية "‪ .‬تلفت النظر‪ .‬والقرآن الكرمي يشد االنتب‪%%‬اه إليه‪%%‬ا‬
‫شًّدا ليتأملها اإلنسان ويتدبرها‪ .‬ويف أثن‪%%‬اء تدبرها ال عجب أن يبحث يف " السنن الرباني‪,,‬ة‬
‫"‪ ،‬ال ‪%% %‬يت جُي ري اهلل هبا ه ‪%% %‬ذه " الظواهر الطبيعي‪,, ,‬ة "‪ ،‬والبحث عن ه ‪%% %‬ذه الس ‪%% %‬نن‪ ،‬وحماول ‪%% %‬ة‬
‫التع‪%%‬رف عليه‪%%‬ا هي " ال‪,,‬روح العلمي‪,,‬ة "‪ ،‬احلقيقي‪%%‬ة ال‪%%‬يت يتق‪%%‬دم هبا البحث العلمي‪ ،‬ويكش‪%%‬ف‬
‫اجملهول‪.‬‬

‫وبعض هذه التوجيهات كان مباشرًا‪:‬‬

‫(َيْس َألوَنَك َعِن اَأْلِه َّل ِة ُق ْل ِه َي َم َو اِقيُت ِللَّن اِس َو اْلَح ِّج )‪( .‬س ‪%%‬ورة البق ‪%%‬رة‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]189‬‬

‫‪ )?(142‬جاء يف اآلية التالية مباشرة‪( :‬وجعلوا هلل شركاء اجلن)‪.‬‬

‫(‪)155‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو َجَعْلَن ا الَّلْي َل َو الَّنَه اَر آَيَتْيِن َفَمَحْو َن ا آَي َة الَّلْي ِل َو َجَعْلَن ا آَي َة الَّنَه اِر ُمْبِص َر ًة‬
‫ِلَتْبَتُغ وا َفْض ًال ِم ْن َر ِّبُك ْم َو ِلَتْع َلُم وا َع َدَد الِّس ِنيَن َو اْلِح َس اَب )‪[ .‬س ‪%%‬ورة اإلس ‪%%‬راء‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]12‬‬

‫وبعضها كان يعمق حاسة املالحظة واملتابعة الدقيقة‪:‬‬


‫ِك‬ ‫ِّظ‬ ‫ِإ‬
‫ِه ِل (َأَلْم َتَر َلى َر ِّب ِإَك َك ْي َف َم َّدِس ال َّل َو َل ْو َش اَء َلَجَعَل ُه َس ا نًا ُثَّم َجَعْلَن ا الَّش ْم َس‬
‫َعَلْي َد يًال‪ُ ،‬ثَّم َقَبْض َناُه َلْيَنا َقْبضًا َي يرًا)‪[ .‬سورة الفرقان‪ ،‬اآليتان‪.]46 ،45 :‬‬

‫(َو َأْو َح ى َر ُّب َك ِإَلى الَّنْح ِل َأِن اَّتِخ ِذ ي ِم َن اْلِج َب اِل ُبُيوت ‪ً, ,‬ا َو ِم َن الَّش َج ِر َو ِم َّم ا‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِل ِم‬
‫َيْع ِر ُش وَن ‪ُ ،‬ثَّم ُك ي ْن ُك ِّل الَّثَمَر اِت َفاْس ُل ي ُسُبَل َر ِّبِك ُذُلًال َيْخ ُر ُج ْن ُبُطوِنَه ا َش َر اٌب‬
‫ُمْخ َتِل ٌف َأْلَو اُن ُه ِفي ‪ِ,‬ه ِش َف اٌء ِللَّن اِس ِإَّن ِفي َذِل َك آَل َي ًة ِلَق ْو ٍم َيَتَف َّك ُر وَن )‪[ .‬س ‪%%‬ورة النح ‪%%‬ل‪،‬‬
‫اآليتان‪.]69 ،68 :‬‬

‫ومن ه‪%% %‬ذه التوجيه‪%% %‬ات ‪ -‬وكث‪%% %‬ري غريه‪%% %‬ا يف الكت‪%% %‬اب والس‪%% %‬نة ‪ -‬توّج ه املس‪%% %‬لمون‬
‫لطلب العلم‪.‬‬

‫ومل يكن ل ‪%%‬ديهم رص ‪%%‬يد س ‪%%‬ابق يرجع ‪%%‬ون إلي ‪%%‬ه‪ ،‬إمنا ك ‪%%‬ان العلم املوج ‪%%‬ود يف األرض‬
‫يومئ‪%%‬ذ ه‪%%‬و العلم اإلغ‪%%‬ريقي‪ .‬فتعّلم املس‪%%‬لمون اللغ‪%%‬ة اإلغريقي‪%%‬ة (والالتيني‪%%‬ة) (‪ ،)143‬ليحِّص لوا م‪%%‬ا‬
‫ك‪%%‬ان موج‪%%‬ودًا من العلم يومئ‪%%‬ذ‪ ،‬وُيش‪%%‬بعوا ه‪%%‬ذه الّر غب‪%%‬ة ال‪%%‬يت تول‪%%‬دت عن‪%%‬دهم يف التع‪%%‬رف على‬
‫السنن الربانية اليت جُي ري اهلل هبا " ظواهر الطبيعة "‪.‬‬

‫وك‪%%‬ان العلم ل‪%%‬دى اإلغري‪%%‬ق " نظريات " علمي‪%%‬ة‪ ،‬وفلس‪%%‬فية‪ ،‬ال تتج‪%%‬ه إىل التجريب‪.‬‬
‫إمنا يكفي أن تع ‪%%‬رض على " العقل " ف ‪%%‬إن أقره ‪%%‬ا ‪ -‬بص ‪%%‬ورة من الص ‪%%‬ور ‪ -‬فهي ص ‪%%‬حيحة‬
‫بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر عن واقعه‪%%‬ا العملي‪ ،‬وإن مل يقّر ه‪%%‬ا فهي غ‪%%‬ري ص‪%%‬حيحة بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر ك‪%%‬ذلك‬
‫عن واقعها العملي‪.‬‬

‫ولكن اجتاه املس‪%%‬لمني ‪ -‬ال‪%%‬ذي اكتس‪%%‬بوه من توجيه‪%%‬ات الكت‪%%‬اب والس‪%%‬نة ‪ -‬مل يكن‬
‫كذلك‪ .‬إمنا كان اجتاهًا علمًّيا من جهة‪ ،‬ومبنًّيا على املالحظة الدقيقة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ )?(143‬كان كثري من العلم مرتمجًا إىل اللغة الالتينية باعتبارها اللغة الرمسية لإلمرباطورية الرومانية الغربية‪.‬‬

‫(‪)156‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن مث بدأ املس‪%‬لمون " يجربون " م‪%%‬ا تلق‪%%‬وه من عل‪%‬وم اإلغري‪%‬ق‪ .‬وك‪%‬ان من بني م‪%%‬ا‬
‫أرادوا جتريب‪%%‬ه للتثبت من‪%%‬ه " حج‪,,‬ر الفالس‪,,‬فة "‪ ،‬ال‪%%‬ذي زعم اإلغري‪%%‬ق أن‪%%‬ه ُيض‪%%‬اف إىل املع‪%%‬ادن‬
‫اخلسيسة فتتحول إىل ذهب وفضة!‬

‫ويف املعمل التجرييب أخذ املسلمون يصهرون احلدي‪%%‬د والنح‪%%‬اس وغريه‪%%‬ا من املع‪%%‬ادن‬
‫" الخسيسة " ويض ‪%%‬يفون إليه ‪%%‬ا م ‪%%‬واد أخ ‪%%‬رى لعله ‪%%‬ا تتح ‪%%‬ول إىل ذهب وفض ‪%%‬ة! ومل تتح ‪%%‬ول‬
‫بالطبع! ولكن التجربة جعلت املسلمني يتقدمون تقدمًا هائًال يف علمي الفيزي‪%%‬اء والكيمي‪%%‬اء‪،‬‬
‫ويتعرف ‪%%‬ون على كث ‪%%‬ري من خ ‪%%‬واص املادة ال ‪%%‬يت ك ‪%%‬انت ن ‪%%‬واة النطالق ‪%%‬ة علمي ‪%%‬ة هائل ‪%%‬ة يف خمتل ‪%%‬ف‬
‫االجتاهات!‬

‫ويف الطري ‪%%‬ق ص‪,,‬حح المسلمون بعض أخط ‪%%‬اء العلم اإلغ ‪%%‬ريقي‪ ،‬وك ‪%%‬ان من بني م ‪%%‬ا‬
‫ص ‪%%‬ححوه تص ‪%%‬ورهم أن اإلبص ‪%%‬ار يتم خبروج ش ‪%%‬عاع من العني يس ‪%%‬قط على املرئي ‪%%‬ات فرتاه ‪%%‬ا‬
‫العني‪ ،‬فأثبتوا أن العكس هو الص‪%‬حيح‪ ،‬وأن الش‪%‬عاع يس‪%‬قط من املرئي‪%‬ات على العني فت‪%‬درك‬
‫وجودها‪.‬‬

‫واكتشف المسلمون الدورة الدموية‪ ،‬وتقدموا يف علم الطب‪.‬‬

‫واخترعوا علم اجلرب احلر حلل املسائل الرياضية املعقدة‪.‬‬

‫وتقدموا يف علم الض‪%%‬وء تق‪%%‬دمًا ه‪%%‬ائًال ك‪%%‬ان ه‪%%‬و ن‪%%‬واة عل‪%%‬وم الفل‪%%‬ك وأس‪%%‬اس ص‪%%‬ناعة‬
‫املناظري الفلكية‪.‬‬

‫ولكن هذا كله ليس أروع ما اتسمت به تلك الحركة العلمية‪.‬‬

‫يق ‪%% %‬ول املنص ‪%% %‬فون من كت ‪%% %‬اب الغ ‪%% %‬رب‪ :‬إن أورب ‪%% %‬ا تدين للمس ‪%% %‬لمني بإجياد المنهج‬
‫التجريبي في البحث العلمي‪ ،‬الذي هو أس‪%‬اس ك‪%‬ل التق‪%‬دم ال‪%‬ذي ح‪%‬دث يف العل‪%‬وم احلديث‪%‬ة‬
‫على أي‪%%‬دي املس‪%%‬لمني أوًال‪ ،‬مث على أي‪%%‬دي األورب‪%%‬يني ال‪%%‬ذين تتلم‪%%‬ذوا على علم املس‪%%‬لمني بع‪%%‬د‬
‫ذلك‪.‬‬

‫يقول بريفولت يف النص الذي سبق أن استشهدنا به يف فصل‪ " :‬اجلاهلية املعاصرة‬
‫"‪ ،‬ونعيده هنا للتذكرة به‪:‬‬

‫" فالع‪%% %‬امل الق‪%% %‬دمي ‪ -‬كم‪%% %‬ا رأين‪%% %‬ا ‪ -‬مل يكن للعلم في‪%% %‬ه وج‪%% %‬ود‪ .‬وعلم النج‪%% %‬وم عن‪%% %‬د‬
‫اليون‪%% %‬ان ورياض‪%% %‬ياهتم ك‪%% %‬انت علوم ‪ً% %‬ا أجنبي‪%% %‬ة اس‪%% %‬تجلبوها من خ‪%% %‬ارج بالدهم وأخ‪%% %‬ذوها عن‬

‫(‪)157‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫س ‪%%‬واهم‪ ،‬ومل تت ‪%%‬أقلم يف ي ‪%%‬وم من األي ‪%%‬ام فتم ‪%%‬تزج امتزاج‪ً% %‬ا كلًّي ا بالثقاف ‪%%‬ة اليوناني ‪%%‬ة‪ .‬وق ‪%%‬د نظم‬
‫اليون ‪%%‬ان املذاهب‪ ،‬وعمم ‪%%‬وا األحك ‪%%‬ام‪ ،‬ووض ‪%%‬عوا النظري ‪%%‬ات‪ .‬ولكن أس ‪%%‬اليب البحث يف دأب‬
‫وأن ‪%%‬اة‪ ،‬ومجع املعلوم ‪%%‬ات اإلجيابي ‪%%‬ة وتركيزه ‪%%‬ا‪ ،‬واملن ‪%%‬اهج التفص ‪%%‬يلية للعلم واملالحظ ‪%%‬ة الدقيق ‪%%‬ة‬
‫املستمرة‪ ،‬والبحث التجريبي‪ ،‬كل ذلك كان غريبًا متامًا عن املزاج اليوناين‪.‬‬

‫أم ‪%%‬ا م ‪%%‬ا ن‪%%‬دعوه " العلم " فق ‪%%‬د ظه ‪%%‬ر نتيج‪%%‬ة ل‪%%‬روح من البحث جدي‪%%‬دة‪ ،‬ولط‪%%‬رق من‬
‫االستقص ‪%%‬اء مس ‪%%‬تحدثة‪ ،‬من ط ‪%%‬رق التجرب ‪%%‬ة‪ ،‬واملالحظ ‪%%‬ة واملق ‪%%‬اييس‪ ،‬ولتط ‪%%‬ور الرياض ‪%%‬يات إىل‬
‫صورة مل يعرفها اليون‪%%‬ان‪ ..‬وه‪%%‬ذه ال‪%%‬روح وتل‪%%‬ك املن‪%%‬اهج العلمي‪%%‬ة‪ ،‬أدخلها العرب إلى العالم‬
‫األوربي "‪.‬‬

‫ولكنا نقول‪ :‬إن هذا ‪ -‬على أهميته البالغة ‪ -‬ليس أهم ما اتسمت به الحركة‬
‫العلمية اإلسالمية‪.‬‬

‫إن أهم م ‪,,‬ا تتسم به هذه الحركة ‪ -‬من منظورنا اإلس ‪,,‬المي ‪ -‬أنه ‪,,‬ا كانت‬
‫حركة منبثقة من العقيدة‪ ،‬غير معادية لها‪ ،‬وال متعارضة معها‪.‬‬

‫ولكي نعرف هذه النعمة ونق‪%‬درها ح‪ّ%‬ق ق‪%‬درها‪ ،‬فلننظ‪%‬ر إىل احلرك‪%‬ة العلمي‪%‬ة القائم‪%‬ة‬
‫اليوم يف ظل اجلاهلية املعاصرة‪.‬‬

‫إهنا ‪ -‬من حيث احلجم‪ ،‬ومن حيث ما كشفت من أسرار الك‪%%‬ون‪ ،‬ومن حيث م‪%%‬ا‬
‫سخرت من طاقات السموات واألرض ‪ -‬أكرب حركة علمية يف التاريخ‪.‬‬
‫(‪)144‬‬
‫ولكن ضريبتها يف الوقت نفسه ضريبة فادحة‪ ..‬وأفدح ما فيها هو اإللحاد‬

‫وما نريد أن نك‪%‬رر احلديث عن األس‪%‬باب ال‪%‬يت أدت إىل اف‪%‬رتاق طري‪%‬ق العلم وال‪%‬دين‬
‫يف أوربا‪ ،‬وعن جناية الكنيسة األوربي‪%‬ة يف ه‪%‬ذا الش‪%‬أن‪ ،‬ولكن‪%‬ا نتح‪%‬دث عن األم‪%‬ر الواق‪%‬ع أًّيا‬
‫كانت أسبابه‪.‬‬

‫إن افتراق الطري‪,,‬ق بين ال‪,,‬دين والعلم ليس أم‪,,‬رًا هّينًا‪ ،‬وال هامش ‪ًّ,‬يا‪ ،‬كم‪,,‬ا تنظر‬
‫إليه الجاهلية المعاصرة‪.‬‬

‫إن ‪%% %‬ه ميزق النفس البش ‪%% %‬رية بني نزع ‪%% %‬تني فطري ‪%% %‬تني‪ ،‬كلتامها أص ‪%% %‬يلة‪ ،‬وكلتامها الزم ‪%% %‬ة‬
‫لصحة النفس وتوازهنا وتناسقها‪ :‬نزعة التوجه إىل اهلل بالعبادة‪ ،‬ونزعة التعرف على الكون‬
‫‪ )?(144‬هناك ثغرات أخرى يف احلركة العلمية املعاصرة سنشري إليها فيما بعد‪.‬‬

‫(‪)158‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫املادي‪ ،‬وعلى خ ‪%% % %‬واص املادة‪ ،‬لتس ‪%% % %‬خري ه ‪%% % %‬ذه املعرف ‪%% % %‬ة يف تص ‪%% % %‬نيع خام ‪%% % %‬ات " الطبيع ‪,, ,‬ة "‪،‬‬
‫وحتسينها‪ ،‬وجتميلها مبا يالئم حياة اإلنسان‪.‬‬

‫واإلنس‪%% %‬ان ‪ -‬كم‪%% %‬ا خلق‪%% %‬ه اهلل ‪ -‬يش‪%% %‬تمل على النزع‪%% %‬تني مع ‪ً% %‬ا‪ ،‬يف تناس‪%% %‬ق وتوازن‬
‫وترابط وتكامل‪:‬‬

‫ِس‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِن‬


‫ِب (َو ِإْذ َأَخ َذ َر ُّب َك ْن َب ي آَدَم ْن ُظُه وِر ْم ُذِّر َّيَتُه ْم َو َأْش َه َد ُه ْم َعَلى َأْنُف ِه ْم‬
‫َأَلْس ُت َر ِّبُك ْم َقاُلوا َبَلى َش ِه ْدَنا)‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]172‬‬

‫(َو َعَّلَم آَدَم اَأْلْس َم اَء ُك َّلَه ا)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫(ِلَتْبَتُغوا َفْضًال ِم ْن َر ِّبُك ْم )‪[ .‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]12‬‬

‫(َو َس َّخ َر َلُك ْم َم ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو َم ا ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يع ‪ً,‬ا ِم ْن ُه)‪[ .‬س ‪%%‬ورة اجلاثي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫اآلية ‪.]13‬‬

‫(َو اْلَخ ْيَل َو اْلِبَغاَل َو اْلَح ِم يَر ِلَتْر َك ُبوَه ا َو ِز يَنًة)‪[ .‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]8‬‬

‫(َو َعَّلْم َن اُه َص ْنَعَة َلُب وٍس َلُك ْم ِلُتْح ِص َنُك ْم ِم ْن َبْأِس ُك ْم )‪[ .‬س‪%% %‬ورة األنبي‪%% %‬اء‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]80‬‬

‫(اْقَر ْأ َو َر ُّب َك اَأْلْك َر ُم‪ ،‬اَّل ِذ ي َعَّلَم ِب اْلَق َلِم ‪َ ،‬عَّلَم اِأْل ْنَس اَن َم ا َلْم َيْع َلْم )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫العلق‪ ،‬اآليات ‪.]5 - 3‬‬

‫وهباتني النزع ‪%%‬تني مع ‪ً%‬ا يق ‪%%‬وم اإلنس ‪%%‬ان ب ‪%%‬دور اخلالف ‪%%‬ة يف األرض‪ ،‬ال‪,,‬تي تش‪,,‬تمل على‬
‫عم ‪,,‬ارة األرض بمقتض ‪,,‬ى المنهج الرباني‪ ،‬وال ‪%%‬يت هي األمان ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت محله‪%% %‬ا اإلنس ‪%%‬ان بينم ‪%%‬ا‬
‫أش‪%%‬فقت من محله‪%%‬ا الس‪%%‬موات واألرض واجلب‪%%‬ال‪ ..‬وال‪%%‬يت من أجله‪%%‬ا خل‪%%‬ق اهلل اإلنس‪%%‬ان ونفخ‬
‫فيه من روحه‪ ،‬وأسجد له املالئكة‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د علم اهلل ‪ -‬وق‪%%‬د خل‪%%‬ق اإلنس‪%%‬ان ملهم‪%%‬ة معين‪%%‬ة ‪ -‬أن‪%%‬ه حيت‪%%‬اج إىل كلت‪%%‬ا النزع ‪%%‬تني‬
‫فركبهما يف فطرته‪ ،‬فجعله عاب‪%‬دًا بفطرته‪ ،‬وراغب‪ً%‬ا يف التعلم بفطرته‪ ،‬وجع‪%‬ل ه‪%‬اتني النزع‪%‬تني‬
‫معًا مها أداته للقيام باخلالفة الراشدة وعمارة األرض‪.‬‬

‫(‪)159‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وحني يكون اإلنسان على فطرته الس‪%‬وية ال‪%‬يت فط‪%‬ره اهلل عليه‪%‬ا يعم‪%‬ل ب‪%‬النزعتني مع‪ً%‬ا‬
‫بال تن‪%%‬اقض بينهم‪%%‬ا وال خص‪%%‬ام‪ ،‬فيعب‪%%‬د اهلل‪ ،‬ويف ال‪%%‬وقت ذاته يس‪%%‬عى إىل التع‪%%‬رف على أس‪%%‬رار‬
‫الكون‪ ،‬لُيحّق ق ما سخر اهلل له من طاقات السموات واألرض‪.‬‬

‫وه ‪%%‬و تس ‪%%‬خري يتم من عن ‪%%‬د اهلل ابت ‪%%‬داًء‪ ،‬ولكن ‪%%‬ه ال يتحق ‪%%‬ق يف ع ‪%%‬امل البش ‪%%‬ر إال جبه ‪%%‬د‬
‫يبذلونه‪ ،‬ككل شيء يف حياة البشر‪ :‬يقدره اهلل ابتداء‪ ،‬وحيّص لونه هم باجلهد الذي يقوم‪%%‬ون‬
‫ب‪%%‬ه‪ ،‬ألن اهلل ق‪ّ%‬د ر ‪ -‬حني خل‪%%‬ق اإلنس‪%%‬ان ‪ -‬أن جيعل‪%%‬ه كادح‪ً%‬ا‪ ،‬وأن جيعل‪%%‬ه حُي ق‪%%‬ق م‪%%‬ا حُي ق‪%%‬ق عن‬
‫طريق الكدح‪.‬‬

‫(َيا َأُّيَه ا اِأْل ْنَس اُن ِإَّنَك َك اِد ٌح ِإَلى َر ِّبَك َك ْد حًا َفُم الِقيِه)‪[ .‬سورة االنش‪%%‬قاق‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]6‬‬

‫(َلَق ْد َخ َلْق َنا اِأْل ْنَس اَن ِفي َك َبٍد )‪[ .‬سورة البلد‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬

‫وحني ميارس اإلنسان احلياة بكيانه الكام‪%‬ل املتناس‪%‬ق فإن‪%‬ه حُي ق‪%‬ق ذاته بطريق‪%‬ة س‪%‬وية‪،‬‬
‫وخيط طريق ‪%%‬ه يف احلي ‪%%‬اة خبطى ثابت ‪%%‬ة ونفس مطمئن ‪%%‬ة‪ ،‬وذل ‪,,‬ك م ‪,,‬ا حققت ‪,,‬ه الحركة العلمي ‪,,‬ة‬
‫اإلسالمية في أجمل صورة‪.‬‬

‫أم‪%% %‬ا حني تف‪%% %‬رتق النزعت ‪%%‬ان‪ ،‬وتتخاص‪%% %‬مان بفع‪%% %‬ل اجلاهلي ‪%%‬ة‪ ،‬فإن ‪%%‬ه حيدث انفص‪%% %‬ام يف‬
‫الشخصية‪ ،‬يؤدي إىل اخللل واالضطراب‪ ،‬سواء يف داخل النفس أو يف واقع احلياة‪.‬‬

‫ففي داخ‪%% %‬ل النفس يق‪%% %‬وم الص‪%% %‬راع بني نزع‪%% %‬تني توأم‪%% %‬تني‪ ،‬األص ‪,,‬ل فيهم ‪,,‬ا التوافق‬
‫والتناس ‪,,‬ق ووح ‪,,‬دة االتج ‪,,‬اه‪ .‬وليس هلذا الص ‪%%‬راع نتيج ‪%%‬ة إال املرض النفس ‪%%‬ي‪ ،‬س ‪%%‬واء كبتت‬
‫إحدى النزعتني‪ ،‬أو ظلتا معًا ‪ -‬على السطح ‪ -‬متصارعتني‪.‬‬

‫وأم‪%%‬ا يف واق‪%%‬ع احلي‪%%‬اة فم‪%%‬اذا يتوق‪%%‬ع من اجتم‪%%‬اع النف‪%%‬وس املريض‪%%‬ة إال مزي‪%%‬د من املرض‬
‫ومزيد من االضطراب؟!‬

‫ويف الص ‪%%‬ورة املقابل ‪%%‬ة‪ ،‬ال ‪%%‬يت حققته ‪%%‬ا األم ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬المية ح ‪%%‬ال ازدهاره ‪%%‬ا‪ ،‬التقى العلم‬
‫واإلميان‪ ،‬واتس‪%% %‬قت الشخص‪%% %‬ية املتكامل‪%% %‬ة املرتابط‪%% %‬ة املوح‪%% %‬دة االجتاه‪ ،‬فلم ينش ‪,,‬أ عن التقدم‬
‫العلمي فساد في العقي‪,‬دة‪ ،‬وال نش‪,‬أ عن اإليم‪,‬ان باهلل توق‪,‬ف في الم‪,‬د العلمي ال‪%%‬ذي مشل‬
‫ك‪%‬ل ج‪%‬وانب البحث‪ ،‬النظ‪%‬ري والعملي على الس‪%‬واء‪ .‬إمنا ك‪%‬ان ك‪%‬ل فتح جدي‪%‬د يف ب‪%‬اب من‬
‫أبواب العلم مدعاة ملزيد من التقّر ب إىل اهلل واإلخبات إليه‪:‬‬

‫(‪)160‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ِإَّنَم ا َيْخَش ى الَّلَه ِم ْن ِع َباِدِه اْلُعَلَم اُء)‪[ .‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.]28‬‬

‫(‪)5‬‬
‫وقامت على يد هذه األمة حركة حضارية ضخمة‪..‬‬

‫وتب ‪%%‬دي الكاتب ‪%%‬ة األملاني ‪%%‬ة زجيري ‪%%‬د هونك ‪%%‬ه إعجاهبا الش ‪%%‬ديد باحلض ‪%%‬ارة اإلس ‪%%‬المية يف‬
‫كتاهبا‪ " :‬شمس اهلل تشرق على الغرب "‪ ،‬كما يتح‪%‬دث كث‪%‬ري من املستش‪%‬رقني واملؤرخني‬
‫الغرب‪%‬يني عن ازده‪%%‬ار تل‪%‬ك احلض‪%%‬ارة يف بالد األن‪%‬دلس وبالد املش‪%‬رق يف ال‪%‬وقت ال‪%‬ذي ك‪%‬انت‬
‫أورب‪%%‬ا تعيش قروهنا الوس‪%%‬طى املظلم‪%%‬ة (‪ .)145‬وترك‪%%‬ز زجيري‪%%‬د هونك‪%%‬ه بص ‪%%‬فة خاص ‪%%‬ة على أث‪%%‬ر‬
‫احلض‪%% %‬ارة اإلس‪%% %‬المية يف هنض‪%% %‬ة أورب‪%% %‬ا‪ ،‬كم‪%% %‬ا يؤك‪%% %‬د ذل‪%% %‬ك بريف‪%% %‬ولت يف كتاب‪%% %‬ه ‪Making of‬‬
‫‪ Humanity‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫وليس هن ‪%%‬ا جمال ح ‪%%‬ديث مفص ‪%%‬ل عن تل ‪%%‬ك احلض ‪%%‬ارة ومشوهلا ك ‪%%‬ل ج ‪%%‬وانب احلي ‪%%‬اة‪:‬‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعلمية والفكري‪%‬ة والفني‪%‬ة واملادي‪%‬ة‪ ،‬وعنايته‪%‬ا بك‪%‬ل أل‪%‬وان‬
‫النش‪%%‬اط البش‪%%‬ري‪ ،‬من تنظيم " للدول‪,,‬ة " وحتدي‪%%‬د اختصاص‪%%‬اهتا ووظائفه‪%%‬ا‪ ،‬وتنظيم لعالق‪%%‬ات‬
‫اجملتم ‪%% %‬ع‪ ،‬وعاداته وتقالي ‪%% %‬ده‪ ،‬وتنظيم ل ‪%% %‬دور التعليم‪ ،‬وتنظيم للح ‪%% %‬رب والس ‪%% %‬لم وش ‪%% %‬ئوهنما‪،‬‬
‫وتنظيم للتج ‪%% %‬ارة والص ‪%% %‬ناعة‪ ،‬وتنظيم للعم ‪%% %‬ران‪ ..‬اخل‪ ..‬اخل‪ ،‬فمج ‪%% %‬ال ذل ‪%% %‬ك كم ‪%% %‬ا قلن ‪%% %‬ا ه ‪%% %‬و‬
‫البحوث املتخصصة‪.‬‬

‫إمنا حنن مع‪%%‬نيون هن‪%%‬ا ‪ -‬كم‪%%‬ا عنين‪%%‬ا يف الفق‪%%‬رة الس‪%%‬ابقة ال‪%%‬يت تكلمن‪%%‬ا فيه‪%%‬ا عن احلرك‪%%‬ة‬
‫العلمي‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية ‪ -‬بنقط‪%%‬ة معين‪%%‬ة‪ ،‬نراه‪%%‬ا هي األْو ىل ب‪%%‬اإلبراز يف ه‪%%‬ذا البحث بص‪%%‬فة خاص‪%%‬ة‪،‬‬
‫هي انطالق الحركة الحض ‪,,‬ارية اإلس ‪,,‬المية من العقي ‪,,‬دة‪ ،‬دون تناقض وال تع ‪,,‬ارض وال‬
‫خصام‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ك ‪%% %‬انت اجلزي ‪%% %‬رة العربي ‪%% %‬ة تعيش على ه ‪%% %‬امش الع ‪%% %‬امل ف ‪%% %‬رتة من حياهتا غ ‪%% %‬ري قص ‪%% %‬رية‪.‬‬
‫وك ‪%%‬انت " الحض‪,,‬ارات " تق ‪%%‬وم على أطرافه ‪%%‬ا يف الش ‪%%‬مال واجلن ‪%%‬وب‪ ،‬وحيت ‪%%‬ك الع ‪%%‬رب هبا يف‬
‫حركتهم التجارية الدائبة يف رحلة الشتاء والصيف‪ ،‬ولكنهم ظلوا عازفني عن تغي‪%%‬ري معه‪%%‬ود‬

‫‪ )?(145‬راجع آدم متز " حضارة اإلسالم يف القرن الثالث اهلجري "‪ ،‬وجرونيباوم " حضارة اإلسالم "‪ ،‬و‬
‫" قصة احلضارة " لول ديورانت وغريهم‪.‬‬

‫(‪)161‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫حي ‪%%‬اهتم‪ ،‬مش ‪%%‬غولني بالث ‪%%‬ارات القبلي ‪%%‬ة املس ‪%%‬تمرة عن تش ‪%%‬كيل دول ‪%%‬ة ذات حكوم ‪%%‬ة مركزي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫تتوحد فيها القبائل‪ ،‬وينشأ عنها حضارة مستقلة‪.‬‬

‫وحني جاء اإلسالم حدث ذلك كله‪:‬‬

‫(ُه َو اَّل ِذ ي َأَّي َد َك ِبَنْص ِر ِه َو ِب اْلُم ْؤ ِم ِنيَن ‪َ ،‬و َأَّل َف َبْيَن ُقُل وِبِه ْم َل ْو َأْنَف ْق َت َم ا ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َج ِم يع‪ً,‬ا َم ا َأَّلْف َت َبْيَن ُقُل وِبِه ْم َو َلِكَّن الَّل َه َأَّل َف َبْيَنُه ْم ِإَّنُه َعِز ي‪ٌ,‬ز َح ِكيٌم)‪[ .‬س‪%%‬ورة‬
‫األنفال‪ ،‬اآليتان‪.]63 ،62 :‬‬

‫ِه‬ ‫ِن‬
‫ِبِن ِتِه ِإ (َو اْذُك ُر وا ْع َم َت الَّل َعَلْيُك ْم ِإْذ ُك ْنُتْم َأْع َد اًء َف َأَّلَف َبْيَن ُقُل وِبُك ْم َفَأْص َبْحُتْم‬
‫ْع َم ْخ َو انًا)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]103‬‬

‫ووج ‪%%‬دت الدول ‪%%‬ة ذات احلكوم ‪%%‬ة املركزي ‪%%‬ة‪ ،‬ال ‪%%‬يت جتتم ‪%%‬ع يف ظله ‪%%‬ا القبائ ‪%%‬ل املتن ‪%%‬احرة‬
‫فتكّو ن أمة‪ ،‬وال‪%‬يت تق‪%‬وم يف ظله‪%‬ا حض‪%‬ارة‪ ،‬وغ‪%‬ين عن البي‪%‬ان أن تل‪%‬ك احلض‪%‬ارة ق‪%‬د ول‪%‬دت يف‬
‫ظل العقيدة اإلسالمية‪ ،‬بل انبثقت انبثاقًا من تلك العقي‪,,‬دة‪ ،‬فقبله‪%%‬ا مل يكن " لألم‪,,‬ة " ال‪%%‬يت‬
‫تنشئ احلضارة وجود‪.‬‬

‫ونقط ‪%%‬ة العظم ‪%%‬ة يف ه ‪%%‬ذه احلض ‪%%‬ارة أهنا حني ب ‪%%‬دأت تنم ‪%%‬و وتزده ‪%%‬ر مل خترج من ظ ‪%%‬ل‬
‫هذه العقيدة‪ ..‬إال حني أصاهبا ال‪%‬رتف واالحنراف‪ ..‬وح‪%‬ىت حينئ‪%‬ذ مل تنس‪%‬لخ انس‪%‬الخًا ك‪%‬امًال‬
‫من العقيدة‪ ،‬إمنا أصاهبا ما أصاب األمة كلها من احنراف (‪.)146‬‬

‫ومرة أخرى نق‪%%‬ول‪ :‬إن‪%%‬ه لكي نع‪%%‬رف ه‪%%‬ذه النعم‪%%‬ة ونق‪ّ%‬د رها ح‪%%‬ق ق‪%%‬درها فلننظر إلى‬
‫الحضارة القائمة اليوم في ظل الجاهلية المعاصرة‪.‬‬

‫إهنا من حيث حجمه ‪%%‬ا‪ ،‬وس ‪%%‬عة جماالهتا‪ ،‬ومن حيث عمارهتا املادي ‪%%‬ة لألرض‪ ،‬ومن‬
‫حيث م‪%%‬ا ق‪ّ%‬د مت خمرتع‪%‬ات حتم‪%‬ل العبء عن كاه‪%%‬ل اإلنس‪%‬ان وحتّم ل‪%‬ه لآلل‪%‬ة‪ ،‬ق‪%‬د بلغت ذروة‬
‫مل تبلغها حضارة يف التاريخ‪.‬‬

‫ولكنه ‪%%‬ا من حيث حتقيقه ‪%%‬ا " إلنس ‪%%‬انية اإلنسان "‪ ،‬ق ‪%%‬د تك ‪%%‬ون أس‪,,‬وأ حض ‪,,‬ارة في‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫والقضية يف جوهرها هي قضية‪ :‬ما اإلنسان؟ وما غاية وجوده؟‬

‫‪ )?(146‬انظر ما يلي من هذا الفصل‪.‬‬

‫(‪)162‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واحلض‪%%‬ارات ال ختتل‪%%‬ف فيم‪%%‬ا بينه‪%%‬ا بع‪%%‬دد م‪%%‬ا أنش‪%%‬أت من الط‪%%‬رق املعب‪%%‬دة‪ ،‬وع‪%%‬دد م‪%%‬ا‬
‫أنش‪%%‬أت من املدن‪ ،‬وع‪%%‬دد م‪%%‬ا أنش‪%%‬أت من املؤسس‪%%‬ات يف داخ‪%%‬ل ه‪%%‬ذه املدن‪ ..‬وإن ك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا‬
‫كل ‪%%‬ه داخًال يف احلس ‪%%‬اب‪ .‬وإمنا ختتل ‪%%‬ف ‪ -‬قب ‪%%‬ل ذل ‪%%‬ك‪ ،‬وأهم من ذل ‪%%‬ك ‪ -‬يف م‪,,‬دى تحقيقه‪,,‬ا‬
‫لغاية الوجود اإلنساني‪ ،‬ومدى تحقيقها إلنسانية اإلنسان‪.‬‬

‫القضية هي حتديد املعايري اليت يوزن هبا اإلجناز البشري‪.‬‬

‫وال ش‪%%‬ك أن من مزاي‪%%‬ا اإلنس‪%%‬ان ال‪%%‬يت اختص‪%%‬ه اهلل هبا‪ ،‬وفّض له على كث‪%%‬ري ممن خل‪%%‬ق‪،‬‬
‫أن ‪%%‬ه ال يتن ‪%%‬اول م ‪%%‬ا حول ‪%%‬ه من موج ‪%%‬ودات " الطبيع ‪%%‬ة " على حالته ‪%%‬ا اخلام ‪%%‬ة‪ ،‬إمنا ه ‪%%‬و م ‪%%‬دفوع‬
‫بفطرته إىل تص ‪,,‬نيع تل ‪%%‬ك اخلام ‪%%‬ات لينش ‪%%‬ئ هبا لنفس ‪%%‬ه عاملًا جدي ‪%%‬دًا غ ‪%%‬ري ال ‪%%‬ذي ألفى نفس ‪%%‬ه‬
‫موج ‪%%‬ودًا في ‪%%‬ه‪ .‬مث ال يكتفي ب ‪%%‬ذلك التص ‪%%‬نيع‪ ،‬إمنا ه ‪%%‬و يس ‪%%‬عى دائم ‪ً%‬ا إىل تحسين أحوال ‪%%‬ه ال ‪%%‬يت‬
‫أوجدها لنفسه بتصنيع خامات الطبيعة‪ ،‬وحياول أن يصل هبذه األح‪%%‬وال إىل درج‪%%‬ة الجمال‬
‫(‪.)147‬‬

‫وه ‪%% % % %‬ذه املراح ‪%% % % %‬ل الثالث‪ :‬التص ‪%% % % %‬نيع‪ ،‬والتحس ‪%% % % %‬ني‪ ،‬والتجمي ‪%% % % %‬ل‪ ،‬هي‪" :‬المظه ‪,, , ,‬ر‬
‫الجضاري" حلياة اإلنسان يف األرض‪ ،‬الذي مييزه عن غريه من الكائنات‪.‬‬

‫نعم! ولكن هذا جانب واحد من جوانب وجوده‪ ،‬وغاية واحدة من غايات ذلك‬
‫الوجود‪ ،‬ال تصلح وحدها أن تكون مقياسًا لإلجناز البشري‪.‬‬

‫إن اإلنس‪%%‬ان مُي ارس حياته بكل كيانه‪ ،‬ويك‪%%‬ون يف أحس‪%%‬ن تق‪%%‬ومي حني مُي ارس احلي‪%%‬اة‬
‫بكيانه كله متجمعًا متناسقًا متوازنًا مرتابطًا كما خلقه اهلل‪:‬‬

‫ِف ِه ِم‬ ‫ِم ِط‬ ‫ِل‬ ‫ِل ِئ ِة‬


‫ِح (ِإْذ َقاَل َر ُّبِجَكِد ْلَم ال َك ِإِّني َخ ا ٌق َبَش رًا ْن يٍن ‪َ ،‬ف ِإ َذا َس َّو ْيُتُه َو َنَف ْخ ُت ي‪ْ ,‬ن‬
‫ُرو ي َفَق ُعوا َلُه َس ا يَن )‪[ .‬سورة ص‪ ،‬اآليتان ‪.]72 ،71‬‬

‫ومقتض‪%%‬ى ذل‪%%‬ك التك‪%%‬وين أن لإلنس‪%%‬ان ج‪%%‬انبني يف آن واح‪%%‬د‪ :‬جانب م‪%%‬ادّي حس‪، %‬‬
‫وجانب روحي معن‪%%‬وي‪ ،‬م‪%%‬رتابطني مع‪ً%‬ا غ‪%%‬ري منفص‪%%‬لني‪ ،‬وغ‪%%‬ري متناقض‪%%‬ني وال متخاص‪%%‬مني ّيوال‬
‫متعاديني‪.‬‬

‫وحني يكون اإلنسان على فطرته ال‪%‬يت فط‪%‬ره اهلل عليه‪%%‬ا فإن‪%‬ه ينش‪%‬ئ حض‪%%‬ارة متوازن‪%‬ة‬
‫بني مطالب اجلسد ومطالب الروح‪ ،‬حتقق كيانه اإلنساين‪ ،‬وحتققه يف أحسن تقومي‪.‬‬

‫‪ )?(147‬أو درجة الكمال‪ .‬والكمال البشري قضية نسبية يف مجيع األحوال‪.‬‬

‫(‪)163‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولقد كانت المزي‪,,‬ة الكبرى للحض‪,,‬ارة اإلس‪,,‬المية أنه‪,,‬ا أخذت اإلنسان كله‪،‬‬
‫بكل جوانبه‪ ،‬فكانت حضارة " إنسانية " حًّق ا‪ ،‬شاملة لكل المج‪,‬االت ال‪,‬تي يتحقق به‪,‬ا‬
‫كيان " اإلنسان "‪.‬‬

‫فأما الجانب المادي من الحضارة‪ :‬جانب التصنيع‪ ،‬والتحسني‪ ،‬والتجمي‪%%‬ل‪ ،‬فق‪%%‬د‬


‫برع املسلمون فيه مبا يثبت أصالتهم‪ ،‬وتف‪%‬وقهم على ع‪%‬امل زم‪%‬اهنم‪ .‬ولكن ه‪%‬ذا مل يكن مههم‬
‫األكرب‪ ،‬وما ينبغي أن يكون‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ك‪%%‬ان منهجهم ه‪%%‬و " منهج العبادة "‪ ..‬العب‪%%‬ادة مبعناه‪%%‬ا الش‪%%‬امل الواس‪%%‬ع‪ ،‬ال‪%%‬ذي‬
‫يعين يف النهاية عمارة األرض مبقتضى املنهج الرباين‪:‬‬

‫(ُق ْل ِإَّن َص الِتي َو ُنُس ِكي َو َم ْح َي اَي َو َمَم اِتي ِلَّل ِه َر ِّب اْلَع اَلِم يَن ‪ ،‬ال َش ِر يَك َل ُه)‪.‬‬
‫[سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]163 ،162‬‬

‫(َو ِإْذ َق اَل َر ُّب َك ِلْلَم الِئَك ِة ِإِّني َج اِع ٌل ِفي اَأْلْر ِض َخ ِليَف ًة)‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]30‬‬

‫(ُه َو َأْنَش َأُك ْم ِم َن اَأْلْر ِض َو اْس َتْع َم َر ُك ْم ِفيَه ا)‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫ومن مث تص‪%% % % %‬بح " العم‪%% % %‬ارة " وتص‪%% % % %‬بح " احلض‪%% % % %‬ارة " مزجيًا من اإلجناز الم‪,, , ,‬ادي‪،‬‬
‫واإلجناز ال‪,,‬روحي يف ذات ال‪%%‬وقت‪ ،‬أو بعب‪%%‬ارة أخ‪%%‬رى‪ :‬إنج‪,,‬از م‪,,‬ادي محكوم بالقيم العلي‪,,‬ا‬
‫التي ُيقّر رها اإلسالم‪.‬‬

‫ونظ‪%‬رة س‪%‬ريعة إىل املدين‪%‬ة اإلس‪%‬المية " تكش‪%‬ف عن ه‪%‬ذه احلقيق‪%‬ة‪ .‬فلق‪%‬د ك‪%‬ان مرك‪%‬ز‬
‫املدين ‪%%‬ة ‪ -‬ال ‪%%‬ذي تتف ‪%%‬رع من ‪%%‬ه‪ ،‬وتتف ‪%%‬رع عن ‪%%‬ه الط ‪%%‬رق واملناش ‪%%‬ط ‪ -‬هو المسجد‪ .‬يف املس ‪%%‬جد‬
‫ُي ؤدي الن ‪%%‬اس ص ‪%%‬الهتم ‪ -‬ص ‪%%‬الة الص ‪%%‬بح ‪ -‬مث ينطلق ‪%%‬ون إىل أعم ‪%%‬اهلم يف التج ‪%%‬ارة والص ‪%%‬ناعة‬
‫وطلب العلم‪ ،‬وس ‪%%‬واها من املناش ‪%%‬ط‪ .‬وإىل املس ‪%%‬جد يع ‪%%‬ودون يف أوق ‪%%‬ات الص ‪%%‬الة‪ ،‬ي ‪%%‬تزودون‬
‫بالزاد الروحي الذي ُيعينهم على مسريهتم اليت قال اهلل فيها‪:‬‬

‫َلُك اَأْل َذُلوًال َفا ُش وا ِفي َناِكِب ا ُك ُل وا ِم ِر ْز ِقِه ِإَل ِه‬ ‫ِذ‬
‫َو ْي‬ ‫ْن‬ ‫َم َه َو‬ ‫ْم‬ ‫(ُه َو اَّل ي َجَعَل ُم ْرَض‬
‫الُّنُش وُر )‪[ .‬سورة امللك‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫وقال عن الزاد الذي يتزودون به يف مسريهتم‪:‬‬

‫(‪)164‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َف ِإ َذا ُقِض َيِت الَّص الُة َفاْنَتِش ُر وا ِفي اَأْلْر ِض َو اْبَتُغ وا ِم ْن َفْض ِل الَّل ِه َو اْذُك ُر وا‬
‫الَّلَه َك ِثيرًا َلَعَّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن )‪[ .‬سورة اجلمعة‪ ،‬اآلية ‪.]10‬‬

‫ونظ‪%%‬رة أخ‪%%‬رى س‪%%‬ريعة إىل " ال‪,,‬بيت اإلس‪,,‬المي "‪ ،‬تكش‪%%‬ف عن ه‪%%‬ذه احلقيق‪%%‬ة‪ .‬ففي‬
‫ال‪%%‬بيت " حرم مصون "‪ .‬وق‪%%‬د ص‪%%‬مم ال‪%%‬بيت حبيث ي‪%%‬تيح لس‪%%‬كانه قس‪%%‬طًا معق‪%%‬وًال من الش‪%%‬مس‬
‫واهلواء والفس ‪%%‬حة‪ ،‬دون أن ينكش ‪%%‬ف أهل ‪%%‬ه لعني األجن ‪%%‬يب ال ‪%%‬ذي ال جيوز ل ‪%%‬ه أن يّطل ‪%%‬ع على‬
‫عورات البيوت!!‬

‫وق‪%%‬ارن ه‪%%‬ذا ب‪%%‬بيت اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة ال‪%%‬يت ُتص ‪ّ%‬ر على أن تك‪%%‬ون حج‪%%‬رة الن‪%%‬وم هي "‬
‫أكشف " غرفة يف البيت‪ ،‬حبج‪%‬ة احلص‪%%‬ول على أك‪%‬رب قس‪%‬ط من الش‪%‬مس واهلواء! كم‪%‬ا ُتص‪ّ%‬ر‬
‫على أن تكون الساكنة يف البيت هي " أكشف " من فيه!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كانت الحضارة اإلسالمية حضارة روحية مادي‪,,‬ة في ال‪,,‬وقت ذات‪,,‬ه‪ .‬حض‪%%‬ارة‬
‫ملتزمة مبا أنزل اهلل‪ .‬متارس نش‪%‬اطها اإلنس‪%‬اين يف االجتاه‪%‬ات كاف‪%‬ة دون أن حتت‪%‬اج ‪ -‬لتحقي‪%‬ق‬
‫ذل‪%%‬ك ‪ -‬أن تكف‪%%‬ر باهلل‪ ،‬وال أن تنب‪%%‬ذ أخالقه‪%%‬ا وتقالي‪%%‬دها‪ ،‬وال أن حتول ج‪%%‬زءًا من حياهتا إىل‬
‫آلية رتيبة‪ ،‬وجزًءا آخر إىل جمون حيواين صاخب خليع‪ ،‬كما تصنع اجلاهلية املعاصرة حبجة‬
‫التحضر والتقدم والُّر قي‪.‬‬

‫لقد كانت األم‪%‬ة اإلس‪%‬المية مُت ارس ال‪%‬رقي احلقيقي ‪ -‬جبمي‪%‬ع املق‪%‬اييس ‪ -‬منطلق‪%‬ة من‬
‫عقيدهتا اإلسالمية‪ُ ،‬م طبقة ملنهجها الرباين‪ ،‬سيدة يف األرض‪ ،‬مُم كنة حسب وعد اهلل هلا‪:‬‬

‫(َو َعَد الَّلُه اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ْنُك ْم َو َعِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َلَيْس َتْخ ِلَف َّنُه ْم ِفي اَأْلْر ِض َك َم ا‬
‫ا َتْخ َلَف اَّل ِذ ي ِم ِلِه َل ِّك َنَّن َل ِد ي اَّل ِذ ي ا َتَض ى َل َل ِّد َلَّن ِم ِد‬
‫ُه ْم َو ُيَب ُه ْم ْن َبْع‬ ‫ْر‬ ‫ُه ْم َنُه ُم‬ ‫َن ْن َقْب ْم َو ُيَم‬ ‫ْس‬
‫ِب‬ ‫ِر‬
‫َخ ْو ْم ْم نًا َيْع ُبُد وَن ي ال ُيْش ُك وَن ي َش ْيئًا)‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]55‬‬ ‫ِن‬ ‫َأ‬ ‫ِه‬ ‫ِف‬

‫وكان أمجل ما يف هذه احلضارات ذلك التوازن الدقيق يف داخل الكي‪%%‬ان اإلنس‪%%‬اين‪،‬‬
‫ويف واقع احلياة‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫(‪)165‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫مما يلفت النظر يف تاريخ هذه األمة تأثري اإلس‪%%‬الم يف ج‪%%‬وانب كث‪%%‬رية من حياهتا في‬
‫اتجاه مغاير لتأثير البيئة‪.‬‬

‫فق‪%%‬د ك‪%%‬ان الع‪%%‬رب يف اجلاهلي‪%%‬ة قبائ‪%%‬ل متن‪%%‬احرة ال تلتقي يف أم‪%%‬ة‪ ،‬على ال‪%%‬رغم من ك‪%%‬ل‬
‫عوام‪%% %‬ل اللق‪%% %‬اء ال‪%% %‬يت تلتقي على مثله‪%% %‬ا ش‪%% %‬عوب أخ‪%% %‬رى‪ ،‬كوح‪%% %‬دة األرض‪ ،‬ووح‪%% %‬دة اللغ‪%% %‬ة‪،‬‬
‫ووح‪%%‬دة الع‪%%‬ادات والتقالي‪%%‬د‪ ،‬ووح‪%%‬دة املعتق‪%%‬دات‪ ،‬ووح‪%%‬دة ال‪%%‬رتاث‪ ،‬ومواس‪%%‬م احلج ال‪%%‬يت تلتقي‬
‫فيها القبائل من كل أحناء اجلزيرة‪ ،‬ومواسم الشعر اليت يلتقي فيها الشعراء والنقاد‪ ..‬اخل‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د ك ‪%%‬انت النع ‪%%‬رات القبلي ‪%%‬ة والث ‪%%‬ارات القبلي ‪%%‬ة أق ‪%%‬وى أث ‪%%‬رًا من ك ‪%%‬ل ه ‪%%‬ذه العوام ‪%%‬ل‬
‫جمتمعة‪ ،‬فحالت ‪ -‬ملدة ال يعلمه‪%%‬ا إال اهلل ‪ -‬دون التق‪%%‬اء ه‪%%‬ذه القبائ‪%%‬ل يف أم‪%%‬ة واح‪%%‬دة‪ ..‬حتى‬
‫جاء اإلسالم فمّن اهلل عليها بااللتقاء واأللفة‪ ،‬ومل تتكون منه‪%%‬ا جُم ّر د أم‪%%‬ة‪ ،‬ب‪%%‬ل تكّو ن منه‪,‬ا‬
‫بقدر من اهلل خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫وأش‪%‬ارت آي‪%‬ة س‪%‬ورة األنف‪%%‬ال ‪ -‬ال‪%‬يت استش‪%‬هدنا هبا من قب‪%‬ل ‪ -‬إىل أن ه‪%%‬ذا اللق‪%%‬اء مل‬
‫يكن ممكنًا لوال فضل اهلل ومشيئته‪:‬‬

‫ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِف‬


‫(َلْوِكَأْنَف ْق َت َم ا ي اَأْلْر ِض َج يع‪ً,‬ا َم ا َأَّلْف َت َبْيَن ُقُل وِبِه ْم َو َل َّن الَّل َه َأَّل َف َبْيَنُه ْم‬
‫ِإَّنُه َعِز يٌز َح يٌم)‪[ .‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]63‬‬

‫وحني ُيري ‪%%‬د اهلل ش ‪%%‬يئًا فإمنا يق ‪%%‬ول ل ‪%%‬ه كن‪ ،‬فيك ‪%%‬ون‪ .‬ولكن اهلل جيع ‪%%‬ل ملش ‪%%‬يئته أس ‪%%‬بابًا‬
‫تتحق‪%%‬ق من خالهلا‪ .‬وك‪%%‬ان الس‪%%‬بب ال‪%%‬ذي جعل‪%%‬ه اهلل لتحقي‪%%‬ق ه‪%%‬ذه األلف‪%%‬ة ه‪%%‬و اإلس‪%%‬الم‪ .‬فك‪%%‬ان‬
‫اإلس‪%%‬الم ه‪%%‬و الغ‪%%‬الب على ك‪%%‬ل آث‪%%‬ار البيئ‪%%‬ة ال‪%%‬يت ح‪%%‬الت دون حتقي‪%%‬ق الوح‪%%‬دة من قب‪%%‬ل‪ ،‬وق‪%%‬ال‬
‫رس‪%% % %‬ول اهلل ص‪%% % %‬لى اهلل علي‪%% % %‬ه وس‪%% % %‬لم‪ ،‬للمؤم‪%% % %‬نني‪ " :‬إن اهلل أذهب عنكم ُعبّي ة الجاهلي ‪,, ,‬ة‬
‫وفخرها باألنساب‪ .)148( " ..‬واحلديث واض ‪%% %‬ح الدالل ‪%% %‬ة يف أن عبي ‪%% %‬ة اجلاهلي ‪%% %‬ة وفخره ‪%% %‬ا‬
‫باألنس ‪%%‬اب مل تذهب من ذات نفس ‪%%‬ها‪ ،‬كم ‪%%‬ا ي ‪%%‬دعي ال ‪%%‬ذين يزعم ‪%%‬ون أن الع ‪%%‬رب ك ‪%%‬انوا على‬
‫وشك التجمع من ذوات أنفسهم‪ ،‬وكانوا ينتظرون " الزعيم " ال‪%‬ذي ُيوح‪%‬دهم‪ ،‬فلم‪%‬ا ج‪%‬اء‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬اختذوه زعيمًا هلم وتوحدوا!‬

‫وه‪%%‬و ق‪%%‬ول ب‪%%‬الغ الته‪%%‬افت‪ ،‬ي‪%%‬رّد علي‪%%‬ه ق‪%%‬ول اهلل تب‪%%‬ارك وتع‪%%‬اىل‪ :‬إن الرس‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مل يكن من ذات نفسه‪ ،‬ليؤلف بني هذه القل‪%%‬وب‪ ،‬ال بشخص‪%%‬ه‪ ،‬وال بإنف‪%%‬اق م‪%%‬ا‬
‫يف األرض مجيع‪ً%‬ا‪ ..‬ل‪%%‬وال مش‪%%‬يئة اهلل‪ ،‬واختاذ اهلل الس‪%%‬بب لتحقي‪%%‬ق ه‪%%‬ذه املش‪%%‬يئة وه‪%%‬و اإلس‪%%‬الم‪.‬‬
‫كم ‪%%‬ا ي ‪%%‬رّد علي ‪%%‬ه أن الع ‪%%‬رب ح ‪%%‬اربت الرج ‪%%‬ل ال ‪%%‬ذي متت على ي ‪%%‬ده الوح ‪%%‬دة ‪ -‬بق ‪%%‬در من اهلل‬

‫‪ )?(148‬رواه أبو داود وأخرجه الرتمذي وقال " حسن صحيح "‪.‬‬

‫(‪)166‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومش ‪%%‬يئته ‪ -‬حرب ‪ً%‬ا ال ه ‪%%‬وادة فيه ‪%%‬ا ثالث ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر عام ‪ً%‬ا كامل ‪%%‬ة يف مك ‪%%‬ة‪ ،‬وس ‪%%‬نوات أخ ‪%%‬رى بع ‪%%‬د‬
‫هجرته صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬إىل املدينة‪ ،‬ح‪%‬ىت دخل‪%‬وا يف اإلس‪%‬الم‪ ،‬فجع‪%‬ل اهلل اإلس‪%‬الم س‪%‬ببًا‬
‫يف الوحدة وتأليف القلوب‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وانتش ‪,,‬ر اإلس ‪,,‬الم في بقع ‪,,‬ة واس ‪,,‬عة من األرض‪ ،‬فح ‪,,‬دثت فيه ‪,,‬ا عج ‪,,‬ائب تش ‪,,‬به‬
‫المعج‪,,‬زات‪ ،‬أش ‪%%‬رنا إىل بعض ‪%%‬ها من قب ‪%%‬ل‪ ،‬من س ‪%%‬رعة انتش ‪%%‬ار اإلس ‪%%‬الم يف األرض املفتوح ‪%%‬ة‪،‬‬
‫واختاذ العربية لغ‪%‬ة يف كث‪%‬ري منه‪%‬ا ُتْنِس ي أهله‪%‬ا لغتهم األص‪%‬لية ح‪%‬ىت ال‪%‬ذين مل ي‪%‬دخلوا منهم يف‬
‫اإلسالم‪..‬‬

‫ونشير هنا إلى عجيبة أخرى تلفت النظر‪..‬‬

‫إن البيئ‪%% %‬ة ال‪%% %‬يت انتش‪%% %‬ر فيه‪%% %‬ا اإلس‪%% %‬الم ‪ -‬بق‪%% %‬در من اهلل ‪ -‬يق‪%% %‬ع معظمه‪%% %‬ا يف املنطق‪%% %‬ة‬
‫احلارة‪ ،‬واملنطقة املعتدلة احلارة‪ ،‬والقليل منها هو الذي يقع يف املنطقة املعتدلة الباردة‪.‬‬

‫وامللح‪%%‬وظ يف أه‪%%‬ل ه‪%%‬ذه البيئ‪%%‬ة أهنم ‪ -‬بت‪%%‬أثري البيئ‪%%‬ة ‪ -‬فوض‪,,‬ويون يكره‪%%‬ون النظ‪%%‬ام!‬
‫عفوي‪,, ,‬ون يكره ‪%% %‬ون التخطي ‪%% %‬ط! قص‪,, ,‬يرو النفس‪ ،‬يش‪,, ,‬تعلون بسرعة وتنطفئ حماس‪,, ,‬تهم‬
‫بسرعة (‪ ،)149‬أميل إىل الكسل منهم إىل اجلّد والنساط واحلركة!‬

‫ورمبا كان السبب يف هذه اخلصال أن هذه البيئة س‪%‬هلة يف عمومه‪%‬ا‪ ،‬فال أح‪%‬د فيه‪%‬ا‬
‫ميوت من ال ‪%%‬ربد‪ ،‬وال أح ‪%%‬د ميوت من احلّر ‪ ،‬وال أح ‪%%‬د ميوت من اجلوع يف األح ‪%%‬وال العادي ‪%%‬ة‪،‬‬
‫ويستطيع اإلنسان بأبسط اجلهد أن يقيم أَو َدُه‪ ،‬وأن يؤدي مطالب احلي‪%‬اة القهري‪%‬ة دون عن‪%‬اء‬
‫كبري‪.‬‬

‫ويف مث ‪%%‬ل ه ‪%%‬ذه الظ ‪%%‬روف يب ‪%%‬دو النظام أم ‪%%‬رًا ال ض ‪%%‬رورة ل ‪%%‬ه! ف ‪%%‬إن األم ‪%%‬ور ميكن أن‬
‫تقض ‪%%‬ى بغ ‪%%‬ري حاج ‪%%‬ة إىل تنظيم! وعندئ ‪%%‬ذ يك ‪%%‬ون النظ ‪%%‬ام عبئ‪ً% %‬ا على األعص ‪%%‬اب‪ ،‬ال م ‪%%‬ربر ل ‪%%‬ه‪،‬‬
‫وتكون الفوضى أمرًا مستساغًا ألهنا أيسر على األعصاب!‬

‫كما يب‪%%‬دو التخطيط أم‪%%‬رًا ال ض‪%%‬رورة ل‪%%‬ه ك‪%%‬ذلك! فحني تأيت املش‪%‬كلة حتّل! والنح‪%%‬و‬
‫الذي حتل به يوم جتيء هو النحو ذاته الذي حتل به اآلن لو ب‪%‬رزت يف ه‪%%‬ذه اللحظ‪%‬ة! فلم‪%‬اذا‬
‫التخطيط املسبق‪ ،‬ما دام التفكري اللحظي السريع عند حلول املشكلة ميكن أن حيلها؟!‬
‫‪ )?(149‬ذكرت هذه اإلشارة من قبل يف كتاب " واقعنا املعاصر "‪.‬‬

‫(‪)167‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وأم ‪%% %‬ا قص‪,, ,‬ر النفس فرمبا ك ‪%% %‬ان منش ‪%% %‬ؤه أن األم ‪%% %‬ور ميكن أن حُت ّل جبوالت قص ‪%% %‬رية‬
‫مرك ‪%%‬زة تغ ‪%%‬ري األوض ‪%%‬اع ‪ -‬ول ‪%%‬و إىل حني ‪ -‬وتتج ‪%%‬دد كلم ‪%%‬ا أري ‪%%‬د إح ‪%%‬داث تغي ‪%%‬ري‪ ..‬دون أن‬
‫حيتاج األمر إىل جولة طويلة منظمة خمططة حتتاج إىل متابعة مستمرة‪.‬‬

‫وأًّيا كانت األسباب اليت حتتويها البيئة‪ ،‬وتؤدي إىل وج‪%‬ود ه‪%‬ذه اخلص‪%%‬ال يف نف‪%‬وس‬
‫أهلها‪ ،‬فقد تسلم اإلسالم أهل هذه البيئة ‪ -‬على أوضاعهم تلك ‪ -‬ف‪%%‬أخرج منهم خير أم‪,,‬ة‬
‫أخرجت للناس!‬

‫ولقد بذل رسول اهلل ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪ ،‬جه‪%‬دًا تربوًّيا ض‪%‬خمًا يف ه‪%‬ذا الس‪%‬بيل‪،‬‬
‫روت منه كتب السرية أنه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬كان يصُّف املؤمنني للصالة كم‪%%‬ا يص‪%%‬فهم‬
‫للقت‪%%‬ال! وك‪%%‬ان مير بي‪%%‬ده الكرمية على أكت‪%%‬اف الرج‪%%‬ال يس‪%%‬ويها‪ ،‬وي‪%%‬أمرهم أن حياذوا بعض‪%%‬هم‬
‫بعضًا بأقدامهم‪ ،‬وال يبدأ الصالة صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬حىت يستقيم الصف‪.‬‬

‫واإلسالم كله مواقيت منظمة‪..‬‬

‫فالصالة مواقيت‪ ،‬والزكاة مواقيت‪ ،‬والصوم مواقيت‪ ،‬واحلج مواقيت‪ ،‬واألش‪%%‬هر‬


‫احلرم مواقيت‪..‬‬

‫مث إن اإلس ‪%%‬الم عّلم املس ‪%%‬لمني أن ُيخطط ‪,,‬وا لل ‪%%‬دعوة‪ ،‬وللس ‪%%‬لم واحلرب‪ ،‬وملواجه ‪%%‬ة‬
‫األع ‪%%‬داء‪ ،‬ولت ‪%%‬أليف القل ‪%%‬وب‪ ،‬ألهنم واجه ‪%%‬وا ‪ -‬باإلس ‪%%‬الم ‪ -‬ظروف‪ً% %‬ا جدي ‪%%‬دة ال تص ‪%%‬لح فيه ‪%%‬ا‬
‫العفوية اليت تدير البيئة هبا األمور‪.‬‬

‫وك ‪%% %‬ذلك ف ‪%% %‬إن اإلس ‪%% %‬الم أخ ‪%% %‬رجهم من النظ ‪%% %‬رة القريب ‪%% %‬ة ال ‪%% %‬يت ك ‪%% %‬انت تنتهي إليه ‪%% %‬ا‬
‫مص ‪%% %‬احلهم يف األرض‪ ،‬إىل نظ ‪%% %‬رة بعي ‪%% %‬دة بعي ‪%% %‬دة‪ ..‬أبع ‪%% %‬د من أي م ‪%% %‬دى ميكن أن يعيش ل ‪%% %‬ه‬
‫اإلنسان يف األرض‪ ،‬ألنه يتجاوز الزمان كل‪%‬ه‪ ،‬واملك‪%‬ان كل‪%‬ه‪ ،‬إىل م‪%%‬ا وراء الزم‪%%‬ان واملك‪%‬ان‪..‬‬
‫إلى الي‪,,‬وم اآلخر‪ ،‬ال‪%%‬ذي ال يع ‪%%‬رف أح‪%%‬د موقع ‪%%‬ه من الزم ‪%%‬ان واملك‪%%‬ان‪ ،‬ولكن‪%%‬ه واق‪%%‬ع ال ريب‬
‫في ‪%%‬ه‪ ،‬تؤمن ب ‪%%‬ه ه ‪%%‬ذه القل ‪%%‬وب‪ ،‬وتعم ‪%%‬ل ل ‪%%‬ه وهي يف واقعه ‪%%‬ا األرض ‪%%‬ي‪ ،‬فتخط ‪%%‬و خطواهتا على‬
‫األرض وهي معقلة بذلك األمد الذي ال حتده احلواس‪.‬‬

‫وتغريت بكل ذلك طبائع الناس‪ ..‬وتكّو نت منهم خري أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫وحني خّف ت قبضة اإلسالم على النفوس يف واقعها املعاص‪%%‬ر‪ ،‬عاد الناس إلى ت‪,‬أثير‬
‫البيئة! فوض ‪%%‬ويني يكره ‪%%‬ون النظ ‪%%‬ام‪ ،‬عف ‪%%‬ويني يكره ‪%%‬ون التخطي ‪%%‬ط‪ ،‬قص ‪%%‬ار النفس‪ ،‬يش ‪%%‬تعلون‬
‫بسرعة وينطفئون بسرعة‪.‬‬

‫(‪)168‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫والع‪%% %‬رب املس‪%% %‬تفادة من ه‪%% %‬ذه اللمح‪%% %‬ة من حملات الت‪%% %‬اريخ أن ك‪%% %‬ل التفسير الم ‪,,‬ادي‬
‫للتاريخ الذي جيعل للبيئ‪%%‬ة املادي‪%%‬ة الس‪%%‬يطرة الكامل‪%%‬ة على اإلنس‪%%‬ان‪ ،‬وك‪%%‬ل التفسير الدارويني‬
‫احليواين لإلنسان‪ ،‬الذي جيعل اإلنسان حيوان‪ً%‬ا متط‪%‬ورًا تط‪%‬ور جس‪%‬ده وعقل‪%‬ه فحس‪%‬ب‪ ،‬وك‪%‬ل‬
‫تفس‪%% %‬ري يغف‪%% %‬ل أث‪%% %‬ر العقي‪%% %‬دة‪ ..‬إنم ‪,,‬ا هي تفسيرات جاهلي ‪,,‬ة‪ ،‬ال تص ‪,,‬لح لتفسير حقيقة "‬
‫اإلنسان "‪.‬‬

‫والع ‪%%‬ربة املس‪%%‬تفادة من جه ‪%%‬ة أخ‪%%‬رى أن هن‪%%‬اك ش‪%%‬يئًا واح‪%%‬دًا يف ‪%%‬وق تأثريه أث‪%%‬ر البيئ‪%%‬ة‪.‬‬
‫ذلك هو العقيدة الصحيحة في اهلل‪ ،‬املتضمنة حتقيق املنهج الرباين يف واقع احلياة‪.‬‬

‫وأنه حين ُيكتب الت‪,‬اريخ‪ ،‬وحين ُتربي الجماعات‪ ،‬وحين ُتنش‪,‬أ ال‪,‬دول‪ ،‬وحين‬
‫ُتمارس الحياة‪ ،‬فينبغي أن يكون االعتبار األول في كل ذل‪,‬ك للعقي‪,‬دة الص‪,‬حيحة‪ ،‬ال‪,‬تي‬
‫تقف ‪ -‬وحدها ‪ -‬لكل تأثير البيئة‪ ،‬وتستطيع ‪ -‬وحدها ‪ -‬أن ُتص‪ّ,‬ح ح كل انحرافات‬
‫البيئة‪ ،‬حين تصل في نفوس أصحابها إلى درجة التوهج واالنطالق!‬

‫(‪)169‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثالثا‪ :‬الواقع المعاصر‬


‫ال يحت‪,,‬اج اإلنسان إلى كبير جه‪,,‬د لُي درك أن الواق‪,,‬ع المعاص‪,,‬ر للمسلمين هو‬
‫أسوأ ما مر بهم في تاريخهم كله‪.‬‬

‫وال حيت ‪%%‬اج إىل كب ‪%%‬ري جه ‪%%‬د ك ‪%%‬ذلك لي ‪%%‬درك أن أوض ‪%%‬اع املس ‪%%‬لمني من الس ‪%%‬وء حبيث‬
‫جتعلهم أس ‪%%‬وأ كث ‪%%‬ريًا ح ‪%%‬ىت من اجلاهلي ‪%%‬ة احمليط ‪%%‬ة هبم‪ ،‬ب ‪%%‬ل تب ‪%%‬دو اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة قم ‪%%‬ة ش ‪%%‬اخمة‬
‫يعيش " المسلمون " إىل جوارها يف احلضيض‪.‬‬

‫ف ‪%% %‬إىل ج ‪%% %‬انب التخلف الم ‪,, ,‬زري يف ك ‪%% %‬ل ج ‪%% %‬وانب احلي ‪%% %‬اة السياس ‪%% %‬ية واحلربي ‪%% %‬ة‬
‫واالقتص ‪%%‬ادية واالجتماعي ‪%%‬ة والعلمي ‪%%‬ة والفكري ‪%%‬ة واخللقي ‪%%‬ة‪ ،‬يوج ‪%%‬د الض ‪,,‬عف املزري ال أم ‪%%‬ام "‬
‫القوى العالمي‪,, ,‬ة " وح ‪%% %‬دها‪ ،‬ب ‪%% %‬ل أم ‪%% %‬ام أص ‪%% %‬غر الق ‪%% %‬وى وأض ‪%% %‬أهلا يف ال ‪%% %‬دويالت اآلس ‪%% %‬يوية‬
‫واألفريقية‪ ،‬املتخلفة يف ذاهتا‪ ،‬الضعيفة يف كياهنا‪ ،‬ولكنها تستأس‪%‬د على املس‪%‬لمني‪ ،‬فتقيم هلم‬
‫املذابح بني احلني واحلني‪ ،‬وجتت ‪%%‬اح أرض ‪%%‬هم‪ ،‬وخترب دي ‪%%‬ارهم‪ ،‬وتنته ‪%%‬ك أعراض ‪%%‬هم‪ ،‬وك ‪%%‬أهنم‬
‫محًى مباح لكل معتد أثيم‪.‬‬

‫وإىل جانب هذا وذلك‪ ،‬الضياع الفكري وال‪,,‬روحي ال‪%%‬ذي جع‪%%‬ل األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية‬
‫‪ -‬ألول مرة يف تارخيها ‪ -‬تنظر إىل اجلاهلي‪%‬ة على أهنا أفض‪%‬ل منه‪%‬ا‪ ،‬وتنظ‪%‬ر إىل اإلس‪%‬الم على‬
‫أنه رجعية وختلف ينبغي االنسالخ منه واتباع اجلاهلية!‬

‫ولقد حتدثُت بتفص‪%‬يل ك‪%‬اف عن ه‪%‬ذا الواق‪%‬ع املعاص‪%‬ر وأس‪%‬بابه ونتائج‪%‬ه يف كت‪%‬اب "‬
‫واقعنا المعاصر "‪ ،‬مما ال أحتاج مع‪%‬ه إىل إع‪%‬ادة احلديث‪ .‬ولكن ال ب‪%‬د م‪%‬ع ذل‪%‬ك من س‪%‬طور‬
‫قالئل يف وصف هذا الواقع‪ ،‬ليتبدى الفرق اهلائل املذهل بني ماضي األم‪%‬ة وحاض‪%‬رها‪ ،‬ح‪%‬ىت‬
‫لكأهنما خمتلفتان ال يربط بينهما رباط!‬

‫كيف احندرت األمة من مس‪%‬تواها الرفي‪%‬ع ال‪%‬ذي أش‪%‬رنا إىل حملات من‪%‬ه‪ ،‬ح‪%‬ىت ص‪%‬ارت‬
‫ذلك الغث‪%%‬اء ال‪%%‬ذي أخ‪%%‬رب عن‪%%‬ه رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ُ " :‬يوشك أن َتداعى عليكم‬
‫األمم كما تداعى األَك َلة إلى قصعتها‪ .‬ق‪,‬الوا‪ :‬أمن قّلة نحن يومئذ ي‪,‬ا رس‪,‬ول اهلل؟ ق‪,‬ال‪:‬‬
‫بل أنتم يومئذ كث ‪,,‬ير ولكنكم غث ‪,,‬اء كغث ‪,,‬اء السيل‪ .‬ولي ‪,,‬نزعن اهلل مه ‪,,‬ابتكم من ص ‪,,‬دور‬
‫أعدائكم‪ ،‬وليقذفن في قلويكم ال ‪َ,‬و ْه ُن ‪ .‬ق‪,,‬الوا‪ :‬وم‪,,‬ا ال‪,,‬وهن ي‪,,‬ا رس‪,,‬ول اهلل؟ ق‪,,‬ال‪ :‬حُّب‬
‫الدنيا وكراهية الموت " (‪.)150‬‬

‫‪ )?(150‬أخرجه أمحد وأبو داود‪.‬‬

‫(‪)170‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولقد خيل لبعض املستضعفني‪ ،‬املنهزمني أمام احلضارة الغربية‪ ،‬الذين استعبد الغزو‬
‫الفك ‪%%‬ري قل ‪%%‬وهبم وأرواحهم ‪ -‬وخاص ‪%%‬ة عب ‪%%‬دة التفس ‪%%‬ري املادي للت ‪%%‬اريخ منهم ‪ -‬أن ض ‪%%‬عف‬
‫املسلمني وتأخرهم كان نتيجة حتمية لتمسكهم باإلسالم!!‬

‫وأن اإلسالم كان حركة تقدمية يومًا ما! أي بالنسبة لوقته! وأنه فع‪%%‬ل م‪%%‬ا فع‪%%‬ل يف‬
‫النف‪%%‬وس بس‪%‬بب أن‪%‬ه ك‪%‬ان بالنس‪%‬بة لوقت‪%‬ه حرك‪%‬ة تقدمي‪%‬ة‪ ،‬ف‪%‬دفع احلي‪%‬اة كله‪%%‬ا إىل األم‪%%‬ام‪ .‬ولكن‬
‫دوره انتهى كحركة تارخيية وموقف تق‪%%‬دمي‪ ،‬ألن‪%%‬ه بقي مكان‪%%‬ه فس‪%%‬بقه " التطور "‪ ،‬فأص‪,‬بح‬
‫من ثم حركة رجعية! ومل يعد صاحلًا ملواكبة التطور احلديث‪ ،‬بل صار معوق‪ً%‬ا ينبغي طرح‪%%‬ه‬
‫والبحث عن بديل منه‪ ،‬والبديل هو احلضارة الغربية!‬

‫وُيلُّح املستش‪%% %‬رقون وتالم‪%% %‬ذهتم على ه‪%% %‬ذا املع‪%% %‬ىن يف كتاب‪%% %‬اهتم ال‪%% %‬يت يه‪%% %‬دفون هبا إىل‬
‫تسميم قلوب املسلمني وأفكارهم ليتخلوا عن دينهم‪ ،‬كم‪%‬ا ميث‪%‬ل الواق‪%‬ع الس‪%‬يئ ال‪%‬ذي يعيش‪%‬ه‬
‫املسلمون نقطة " تشويش " حُت ّر ف مسار احلق‪ ،‬فتجعل الناس ُيصدقون هذه األباطيل كأهنا‬
‫حقيقة‪ ،‬وينظرون إىل احلقائق كأهنا أساطري!‬

‫إن الذي تخلف لم يكن هو اإلسالم‪ ..‬إنما هم " المسلمون "!‬

‫وقد ختلفوا ال لتمسكهم باإلسالم‪ ،‬ولكن لتخليهم عنه‪ ،‬وتفريطهم فيه‪.‬‬

‫أم‪%%‬ا اإلس‪%%‬الم فم‪%%‬ا زال ه‪%%‬و ال‪%%‬دين احلق‪ ،‬وم‪%%‬ا زال ه‪%%‬و الطري‪%%‬ق الواص‪%%‬ل‪ ،‬وم‪%%‬ا زال ه‪%%‬و‬
‫الطريق املستقيم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ختلف املسمون لبعدهم عن حقيقة اإلسالم‪ ،‬وإن بقيت هلم بعض مظاهره‪..‬‬

‫لق ‪%%‬د بقي لهم أنهم ينطقون بأفواههم ال إل ‪,,‬ه إال اهلل محم ‪,,‬د رس ‪,,‬ول اهلل‪ .‬فه ‪,,‬ل‬
‫يعون معناها أو يعرفون مقتضياتها؟‬

‫وبقي لهم أهنم ي‪%%‬ؤدون بعض العب‪%%‬ادات‪ ،‬فه‪%%‬ل أدرك‪%%‬وا املقص‪%%‬ود هبا‪ ،‬أو رعوه‪%%‬ا ح‪%%‬ق‬
‫رعايتها؟‬

‫(‪)171‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وبقي لهم بعض " التقالي‪,,‬د " اإلس ‪%%‬المية‪ ،‬فه ‪%%‬ل تص ‪%%‬مد التقالي ‪%%‬د اخلاوي ‪%%‬ة من ال ‪%%‬روح‬
‫للمعركة الضارية اليت توجه إىل الدين عامة واإلسالم على وجه اخلصوص؟‬

‫وبقي لهم متني ‪%%‬ات ب ‪%%‬أن ينص ‪%%‬ر اهلل دين ‪%%‬ه‪ ،‬ويعي ‪%%‬د إلي ‪%%‬ه أجماده‪ ،‬فه ‪%%‬ل تكفي التمني ‪%%‬ات‬
‫لتغيري الواقع السيئ وإنشاء البديل؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نستطيع أن نقول ببساطة إن كل مف‪,, ,‬اهيم اإلس‪,, ,‬الم ق‪,, ,‬د فسدت في حس‬
‫األجيال المتأخرة من المسلمين (‪.)151‬‬

‫حتولت ال إله إال اهلل من منهج حياة كامل‪ ،‬إىل الكلمة التي ُتنطق باألفواه‪.‬‬

‫وحتولت العب‪%%‬ادة ‪ -‬بع‪%%‬د أن احنص‪%%‬رت يف الش‪%%‬عائر التعبدي‪%%‬ة وخ‪%%‬رجت منه‪%%‬ا األعم‪%%‬ال‬


‫واألخالق ‪ -‬إىل أداء آلي تقليدي خاٍو من الروح‪.‬‬

‫وحتولت عقيدة القضاء والقدر من قوة دافعة إىل النشاط واحلركة مع التوكل على‬
‫اهلل‪ ،‬إىل قعود عن النشاط والحركة مع تواكل سلبي مريض‪.‬‬

‫وحتول الت ‪%%‬وازن اجلمي ‪%%‬ل بني العم ‪%%‬ل لل ‪%%‬دنيا والعم ‪%%‬ل لآلخ ‪%%‬رة‪ ،‬إىل إهم‪,,‬ال للدنيا من‬
‫أجل الخالص في اآلخرة‪ ،‬فأمهلت عمارة األرض‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬وطلب التمكني والقوة‪،‬‬
‫وعّم اجله ‪%%‬ل والفق ‪%%‬ر واملرض‪ ،‬ورض ‪%%‬ي الن ‪%%‬اس ب ‪%%‬ذلك كل ‪%%‬ه على أن ‪%%‬ه ق ‪%%‬در رب ‪%%‬اين ال قب ‪%%‬ل هلم‬
‫بتغيريه‪ ،‬بل ال جيوز العمل على تغيري خوفًا من الوقوع يف خطيئة التمرد على قدر اهلل!‬

‫أهذا هو اإلسالم؟! أم هذه صورة مناقضة حلقيقة اإلسالم؟‬

‫وهل ميكن أن يؤدي الشيء ونقيضه إىل نتيجة واحدة؟!‬

‫إذا ك‪%% % %‬ان اإلس‪%% % %‬الم ي‪%% % %‬ؤدي يف حي‪%% % %‬اة الن‪%% % %‬اس إىل التمكن والق‪%% % %‬وة والنظاف‪%% % %‬ة ونق‪%% % %‬اء‬
‫األخالق‪ ،‬والتق ‪%%‬دم العلمي والتق ‪%%‬دم احلض ‪%%‬اري‪ ،‬ومقاوم ‪%%‬ة احنراف ‪%%‬ات البيئ ‪%%‬ة والتغلب عليه ‪%%‬ا‪..‬‬
‫فهل يمكن للصورة البديلة أن تؤدي إلى النتائج ذاتها؟‬

‫‪ )?(151‬راجع – إن شئت – كتاب " مفاهيم ينبغي أن ُتصحح "‪.‬‬

‫(‪)172‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أم إهنا ال ب‪%%‬د أن تؤدي إىل الض‪%%‬عف والتخل‪%%‬ف واخلض‪%%‬وع الحنراف‪%%‬ات البيئ‪%%‬ة والعج‪%%‬ز‬
‫عن تقوميها؟‬

‫وهذا الذي حدث بالفعل‪ ..‬فج‪%‬اء األع‪%%‬داء من ك‪%‬ل َح َد ب وَص ْو ب حيتل‪%‬ون أرض‬
‫اإلس ‪%%‬الم‪ ،‬ميزقوهنا متزيق ‪ً%‬ا‪ ،‬وُي ذلون أهله ‪%%‬ا‪ ،‬وينح ‪%%‬ون ش ‪%%‬ريعة اهلل عن احلكم‪ ،‬وينش ‪%%‬رون فيه ‪%%‬ا‬
‫الفس ‪%%‬اد‪ ،‬ويقتل ‪%%‬ون ك ‪%%‬ل م ‪%%‬ا بقي من قيم يف حي ‪%%‬اة املس‪%%‬لمني‪ ..‬مث ج ‪%%‬اء الغ ‪%%‬زو الفك ‪%%‬ري ليق ‪%%‬ول‬
‫لناس‪ :‬إن السبب يف كل ما حل هبم هو تمسكهم باإلسالم!!‬

‫أي إسالم هذا الذي كانوا يتمسكون به؟!‬

‫حقيق ‪%% %‬ة إهنم ك‪%% %‬انوا " متمسكين " بش‪%% %‬يء م ‪%% %‬ا! وإهنم ك‪%% %‬انوا يتومهون أن م ‪%% %‬ا هم‬
‫متمسكون به هو " اإلسالم "! ولكن مىت كان ال‪%‬وهم يغ‪%‬ين عن احلقيق‪%‬ة‪ ،‬أو ي‪%‬ؤدي يف ع‪%‬امل‬
‫الواقع ما تؤديه احلقيقة؟!‬

‫مث‪%%‬ل ال‪%%‬وهم ال‪%%‬ذي ك‪%%‬انوا متمس‪%%‬كني ب‪%%‬ه واحلقيق‪%%‬ة كمث‪%%‬ل ورق‪%%‬ة النق‪%%‬د الزائف‪%%‬ة حيس‪%%‬بها‬
‫املخ ‪%%‬دوع هبا ورق ‪%%‬ة حقيقي ‪%%‬ة‪ ،‬ح ‪%%‬ىت إذا ذهب هبا إىل الس ‪%%‬وق مل يس ‪%%‬تطع أن حيص ‪%%‬ل هبا على‬
‫ش‪%%‬يء مما يري‪%%‬د‪ ،‬وع‪%%‬اد باخليب‪%%‬ة واحلس‪%%‬رة‪ ،‬إن مل يتع‪%%‬رض أللق‪%%‬اء القبض علي‪%%‬ه وتوقي‪%%‬ع العقوب‪%%‬ة‬
‫عليه!‬

‫ولقد كان املسلمون متمسكني بأوهام حيسبوهنا حقيقة‪.‬‬

‫أول هذه األوهام أن اإلميان ه ‪%%‬و التص ‪%%‬ديق واإلق ‪%%‬رار‪ ،‬وأن العم ‪%%‬ل ليس داخًال يف‬
‫مسمى اإلميان!!‬

‫وهبذا الوهم حسبوا أنفسهم مؤمنني وهم ال يعملون مبقتضى اإلميان!‬

‫وتوهم ‪,,‬وا أهنم حني ي ‪%%‬ؤدون الركع ‪%%‬ات املفروض ‪%%‬ة بأي ‪%%‬ة ص ‪%%‬ورة‪ ،‬ويص ‪%%‬ومون األي ‪%%‬ام‬
‫املفروض ‪%%‬ة على أي ‪%%‬ة ص ‪%%‬ورة‪ ،‬وي ‪%%‬ؤدون الزك ‪%%‬اة املفروض ‪%%‬ة‪ ،‬وحيج ‪%%‬ون احلج ‪%%‬ة املفروض ‪%%‬ة ‪ -‬من‬
‫استطاع إليها سبيًال ‪ -‬فقد أدوا كل العبادة املفروضة‪.‬‬

‫ومن مث خ‪%%‬رجت أخالقي‪%%‬ات ال إل‪%%‬ه إال اهلل من دائ‪%%‬رة العب‪%%‬ادة‪ ،‬وأص‪%%‬بح من املستس‪%%‬اغ‬
‫عن ‪%%‬د كث ‪%%‬ري منهم أن ي ‪%%‬ؤدوا الركع ‪%%‬ات املفروض ‪%%‬ة يف املس ‪%%‬جد مث خيرج ‪%%‬وا ليك ‪%%‬ذبوا على الن ‪%%‬اس‬
‫ويغش ‪%% % % %‬وهم وخيدعوهم‪ ،‬وخُي لف ‪%% % % %‬وا وع ‪%% % % %‬ودهم معهم‪ ،‬وال خُي لص ‪%% % % %‬وا يف عملهم‪ ،‬وال يتقن ‪%% % %‬وا‬
‫ح‪%% %‬رفتهم‪ ،‬وال ي‪%% %‬أمروا ب‪%% %‬املعروف وال ينه‪%% %‬وا عن املنك‪%% %‬ر‪ ،‬وال يعمل‪%% %‬وا على وقاي‪%% %‬ة أنفس‪%% %‬هم‬

‫(‪)173‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وأهليهم من النار باجتناب ما حرم اهلل‪ ،‬وال يعاشروا زوج‪%‬اهتم ب‪%‬املعروف‪ ،‬وال يهتم‪%‬وا ب‪%‬أمر‬
‫املسلمني‪ ،‬وال جياهدوا بأمواهلم وأنفس‪%%‬هم يف س‪%%‬بيل اهلل‪ ..‬وفي حسهم أنهم أدوا " العبادة‬
‫"!‬
‫(‪.)152‬‬
‫هل كانت مثل تلك " العبادة " تصلح زادًا للدنيا أو لآلخرة؟!‬

‫ومن األوهام كذلك أنهم توهم‪,‬وا أنهم م‪,,‬ا دام‪,,‬وا " مسلمين " فسينص‪%%‬رهم اهلل‪،‬‬
‫وس‪%%‬يوفقهم‪ ،‬وسيقض‪%%‬ي هلم ح‪%%‬وائجهم وُينّج ح مقاص‪%%‬دهم‪ ،‬مهما يكن ح‪,,‬الهم‪ ،‬ومهم‪%%‬ا تكن‬
‫حقيقة أعماهلم!!‬

‫غفلة كاملة عن السنن الربانية!‬

‫لقد قال اهلل للمؤمنين‪َ( " :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإْن َتْنُصُر وا الَّل َه َيْنُص ْر ُك ْم َو ُيَثِّبْت‬
‫َأْقَد اَم ُك ْم )‪[ .‬سورة حممد‪ ،‬اآلية ‪.]7‬‬

‫ومل يقل هلم‪ :‬ما دمتم مؤمنني فسأنصركم‪ ،‬وأثبت أق‪%%‬دامكم مهم‪%%‬ا تكن أح‪%%‬والكم‪،‬‬
‫وأوضاعكم وأعمالكم!‬

‫ولق ‪%%‬د ُه زم املؤمن ‪%%‬ون ‪ -‬وفيهم رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪ -‬يف وقع ‪%%‬ة أح ‪%%‬د‬
‫حني عصوا أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وُه زم ‪%%‬وا ي ‪%%‬وم ح ‪%%‬نني ‪ -‬وفيهم رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ ،‬ك ‪%%‬ذلك ‪ -‬حني‬
‫أعجبتهم ك ‪%%‬ثرهتم فلم تغن عنهم ش ‪%%‬يئًا وهم خ ‪%%‬ري الق ‪%%‬رون‪ ..‬فكي ‪%%‬ف هباتي ‪%%‬ك الق ‪%%‬رون املتفلت ‪%%‬ة‬
‫الغارق ‪%%‬ة يف الب ‪%%‬دع واملعاص ‪%%‬ي؟! أفك ‪%%‬ان اهلل ناص ‪%%‬رهم وهم ال ينص ‪%%‬رونه؟! جملرد دع ‪%%‬واهم أهنم‬
‫مؤمن‪%% %‬ون؟ أفك‪%% %‬ان اهلل م‪%% %‬وفقهم وهم يعص‪%% %‬ونه‪ ،‬وال يقوم‪%% %‬ون ب‪%% %‬واجبهم حنوه؟ أفك‪%% %‬ان منجح‬
‫مقاصدهم‪ ،‬وقلوهبم مشغولة عن ذكره‪ ،‬غافلة عن أمره وهنيه؟!‬

‫(ِإَّن الَّل َه ال َيْظِلُم ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة َو ِإْن َتُك َح َس َنًة ُيَض اِع ْف َه ا َو ُيْؤ ِت ِم ْن َلُد ْن ُه َأْج رًا‬
‫َعِظ يمًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]40‬‬

‫كيف فسدت مفاهيم اإلسالم في حس تلك القرون المتأخرة؟‬


‫‪ )?(152‬حني تؤدى العب‪%%‬ادات املفروض‪%%‬ة على ه‪%%‬ذه الص‪%%‬ورة يس‪%%‬قط وزره‪%%‬ا‪ ،‬ولكن ال يث‪%%‬اب اإلنس‪%%‬ان عليه‪%%‬ا‪،‬‬
‫إمنا يكون الثواب يف اآلخ‪%‬رة على ق‪%‬در م‪%‬ا يف العب‪%‬ادة من ص‪%‬دق‪ .‬أم‪%‬ا يف ال‪%‬دنيا فال يك‪%‬ون هلا أث‪%‬ر حقيقي‪،‬‬
‫لذلك قال اهلل‪َ( :‬فَو ْيٌل ِلْلُم َص ِّلَني ‪ ،‬اَّلِذ يَن ُه ْم َعْن َص الِهِتْم َس اُه وَن )‪.‬‬

‫(‪)174‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ال ش ‪%%‬ك أن هن ‪%%‬اك أس ‪%%‬بابًا كث ‪%%‬رية تض ‪%%‬افرت ح ‪%%‬ىت زح ‪%%‬زحت املس ‪%%‬لمني عن حقيق ‪%%‬ة‬
‫دينهم‪ ،‬وهم حيس ‪%% %‬بون على ال ‪%% %‬دوام أهنم " متمس ‪%% %‬كون " بال ‪%% %‬دين! وح ‪%% %‬ىت إن أدرك ‪%% %‬وا أهنم‬
‫مقص‪%%‬رون ‪ -‬وال ب‪%%‬د أن ُيدركوا ذل‪%%‬ك بني احلني واحلني ‪ -‬أس‪%%‬رع إليهم من ُيومههم أهنم يف‬
‫مغفرة اهلل مهما فعلوا‪ ،‬حىت وقعوا فيما وقعت فيه بنو إسرائيل‪:‬‬

‫(َفَخ َلَف ِم ْن َبْع ِدِه ْم َخ ْلٌف َو ِر ُثوا اْلِكَتاَب َيْأُخ ُذ وَن َعَر َض َه َذ ا اَأْلْدَنى َو َيُقوُلوَن‬
‫َس ُيْغَف ُر َلَنا)‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]169‬‬

‫" ورثوا الكتاب "! أي أخ‪%‬ذوه وراث‪%‬ة واختذوه تراث‪ً%‬ا! ومل يش‪%‬عروا أن‪%‬ه كت‪%‬اهبم هم‪،‬‬
‫املنزل إليهم ليعمل ‪%%‬وا مبقتض ‪%%‬اه! إمنا ه ‪%%‬و كت ‪%%‬اب اآلب ‪%%‬اء واألج ‪%%‬داد‪ ،‬وهم جمرد ورث ‪%%‬ة ل ‪%%‬ه‪ ،‬غ ‪%%‬ري‬
‫مكلفني بالعمل مبا جاء فيه!!‬

‫لقد كانت هن‪%‬اك زحزح‪%‬ة مس‪%‬تمرة ‪ -‬اس‪%‬تمرت من عم‪%‬ر األم‪%‬ة ع‪%‬دة ق‪%‬رون ‪ -‬تبع‪%‬د‬
‫الن‪%%‬اس روي‪%%‬دًا روي‪%%‬دًا عن حقيق‪%%‬ة ال‪%%‬دين‪ ،‬وتأيت ص‪%%‬حوات ع‪%%‬ابرة‪ ،‬على أي‪%%‬دي العلم‪%%‬اء وال‪%%‬دعاة‬
‫واملص ‪%%‬لحني‪ ،‬مث تع ‪%%‬ود األم ‪%%‬ة إىل َغْف وهتا أك ‪%%‬ثر احنراف ‪ً%‬ا من ذي قب ‪%%‬ل‪ ،‬وأك ‪%%‬ثر بع ‪%%‬دًا عن حقيق ‪%%‬ة‬
‫الدين (‪.)153‬‬

‫وفي النهاية تحقق النذير‪ :‬تداعت عليهم األمم كم‪%%‬ا تداعى األكل‪%%‬ة إىل قص‪%%‬عتها‪،‬‬
‫بينما هم كثري كثري‪ ..‬ألف مليون من البشر‪ ..‬أكرب عدد وصلوا إليه يف التاريخ‪..‬‬

‫ويف الق‪%%‬رنني األخ‪%%‬ريين ك‪%%‬انت الكارث‪%%‬ة ال‪%%‬يت ال تزال تعيش األم‪%%‬ة عقابيله‪%%‬ا إىل ه‪%%‬ذه‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫ظلت الص‪%‬ليبية الص‪ْ%‬ه يونية تت‪%‬آمر على الدول‪%‬ة العثماني‪%‬ة ح‪%‬ىت قض‪%‬ت عليه‪%‬ا يف النهاي‪%‬ة‬
‫وأسقطتها‪ .‬وفتتت الع‪%%‬امل اإلس‪%‬المي إىل دويالت ص‪%%‬غرية هزيل‪%‬ة ض‪%%‬عيفة‪ ،‬تتص‪%%‬ارع فيم‪%‬ا بينه‪%%‬ا‬
‫وتتشاحن مبا حُي قق مصاحل األعداء دائمًا‪ ،‬وحيقق هلم السيطرة على مقّد رات املسلمني!‬

‫وان‪%% %‬تزعت فلس‪%% %‬طني‪ ،‬واس‪%% %‬توىل األع‪%% %‬داء على " بيت المقدس "‪ ،‬ال‪%% %‬يت ث‪%% %‬ارت من‬
‫أجله ‪%% %‬ا احلروب الص ‪%% %‬ليبية األوىل‪ ،‬وحتركت من أجله ‪%% %‬ا احلروب الص ‪%% %‬ليبية الثاني ‪%% %‬ة‪ ،‬ولكنه ‪%% %‬ا‬
‫أعطيت يف ه ‪%%‬ذه املرة للش ‪%%‬عب الش ‪%%‬يطان‪ ،‬واكتفت الص ‪%%‬ليبية ب ‪%%‬إرواء حق ‪%%‬دها بنزعه ‪%%‬ا من ي ‪%%‬د‬
‫املسلمني!‬

‫‪ )?(153‬انظ‪%%‬ر تفص‪%%‬يل احلديث يف ذل‪%%‬ك يف كت‪%%‬اب " واقعن‪%%‬ا املعاص‪%%‬ر "‪ ،‬فص‪%%‬ل " خ‪%%‬ط االحنراف "‪ ،‬وفص‪%%‬ل "‬
‫آثار االحنراف "‪.‬‬

‫(‪)175‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وُنحيت الش ‪,, ,‬ريعة اإلس ‪,, ,‬المية عن الحكم في ك ‪%% % %‬ل البالد ال ‪%% % %‬يت دنس ‪%% % %‬تها أق ‪%% % %‬دام‬
‫الص ‪%%‬ليبيني‪ ،‬تش‪% %‬فًّيا وحق ‪%%‬دًا من ناحي ‪%%‬ة‪ ،‬وزعزع ‪%%‬ة لل ‪%%‬دين من أص ‪%%‬وله من ناحي ‪%%‬ة أخ ‪%%‬رى‪ .‬فهم‬
‫يعرف ‪%%‬ون أهنم حني ينقض ‪%%‬ون ُع روة احلكم ُتنقض بع ‪%%‬دها بقي ‪%%‬ة الع ‪%%‬رى‪ ،‬كم ‪%%‬ا أخ ‪%%‬رب الص ‪%%‬ادق‬
‫املص‪%%‬دوق ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ " :‬لتنقضن عرى هذا ال‪,‬دين عروة عروة‪ ،‬كلم‪,‬ا نقض‪,‬ت‬
‫عروة تمسك الناس بالتي بعدها‪ ،‬فأولهن نقضًا الحكم وأخرهن نقضًا الصالة " (‪.)154‬‬

‫ومل يكت‪%% %‬ف األع ‪%% %‬داء بتنحي‪%% %‬ة الش‪%% %‬ريعة عن احلكم‪ ..‬فق ‪%% %‬د ك‪%% %‬انوا أخبث من ذل‪%% %‬ك‬
‫وأنكى ع ‪%%‬داوة‪ ،‬فق ‪%%‬د أق ‪,,‬اموا المت ‪,,‬اريس ال ‪,,‬تي تمنع عودته ‪,,‬ا إلى الحكم م ‪,,‬رة أخرة‪ ،‬من‬
‫األجي ‪%%‬ال ال ‪%%‬يت ربوه ‪%%‬ا على الغ ‪%%‬زو الفك ‪%%‬ري ‪ -‬عن طري ‪%%‬ق من ‪%%‬اهج التعليم ووس ‪%%‬ائل اإلعالم ‪-‬‬
‫أجي‪%%‬ال ال تع‪%%‬رف اإلس‪%%‬الم على حقيقت‪%%‬ه‪ ،‬ب‪%%‬ل هي ن‪%%‬افرة من‪%%‬ه منس‪%%‬لخة عن‪%%‬ه‪ُ ،‬م س‪%%‬ممة األفك‪%%‬ار‬
‫جتاه‪%%‬ه‪ ،‬تدعو ب‪%%‬دعوات الغ‪%%‬رب‪ ،‬وتعتن‪%%‬ق أفك‪%%‬اره‪ ،‬وترفض أن ْحُتَك م بش‪%%‬ريعة اهلل بع‪%%‬د أن قي‪%%‬ل‬
‫هلا إهنا رجعية ومجود وتأخر! وتقف للدعوة اإلسالمية بالمرص‪,‬اد‪ ..‬س‪,‬واء منه‪,,‬ا الحكام‪،‬‬
‫و " المفكرون "! و " الكت ‪,, , ,‬اب "! والسينمائيون‪ ،‬واإلذاعي ‪,, , ,‬ون‪ ،‬والتلفزيوني ‪,, , ,‬ون‪،‬‬
‫والقصاص‪,, ,‬ون‪ ،‬والمسرحيون و " الفنانات "‪ ،‬و " الفنانون "‪ ..‬واألوالد والبنات "‬
‫التقدميون "‪ ،‬المنحلو األخالق‪.‬‬

‫وك‪%%‬انت الطام‪%%‬ة ‪ -‬يف اجلول‪%%‬ة األخ‪%%‬رية ‪ -‬يف طائف‪%%‬ة من الحكام العسكريين‪ ،‬جيء‬
‫هبم ليس‪%%‬حقوا اإلس‪%%‬الم س‪%%‬حقًا‪ ،‬وأض‪%%‬فيت عليهم البط‪%%‬والت الكاذب‪%%‬ة‪ ،‬وهم ُيذحّب ون املس‪%%‬لمني‬
‫وتقط ‪%%‬ر دم ‪%%‬اؤهم من أي ‪%%‬ديهم‪ ،‬وُيعّب دون ش ‪%%‬عوهبم ملص ‪%%‬احل الص ‪%%‬ليبية الص ‪%%‬هيونّية لق ‪%%‬اء ش ‪%%‬هوة‬
‫الس‪%%‬لطة وش‪%%‬هوة الطغي‪%%‬ان‪ ..‬وُيفق‪%%‬رون ش‪%%‬عوهبم ويس‪%%‬تنزفون طاقاهتا‪ ،‬فرتكبه‪%%‬ا ال‪%%‬ديون وهتب‪%%‬ط‬
‫عمالهتا‪ ،‬ويزي ‪%% %‬د حتكم األع ‪%% %‬داء فيه ‪%% %‬ا‪ ،‬وهم جالس ‪%% %‬ون بغل‪%% %‬ظ أكب ‪%% %‬ادهم يتس ‪%% %‬لون مبص ‪%% %‬ائب‬
‫شعوهبم!‬

‫ويف ك‪%%‬ل حني هتجم الص‪%%‬ليبية هجم‪%%‬ة أو هتجم الص‪%%‬هيونية هجم‪%%‬ة‪ ،‬فيعي‪%%‬دون تف‪%%‬تيت‬
‫ال‪%%‬دويالت ال‪%%‬يت فتتوه‪%%‬ا من قب‪%%‬ل‪ ،‬ليحيلوه‪%%‬ا إىل تراب تس‪%%‬حقه أق‪%%‬دامهم! ويفتعل‪%%‬ون األزم‪%%‬ات‬
‫لتحقي ‪%% %‬ق أه ‪%% %‬دافهم‪ ،‬و " األبط‪,, ,‬ال " جالسون على مقاعدهم‪ ،‬يكذبون على شعوبهم‬
‫ويمّو هون عليها‪ ،‬في ظل " البطوالت " المزعومة‪ ..‬ح‪%%‬ىت تنف‪%%‬ذ أغ‪%%‬راض الس‪%%‬ادة‪ ،‬ف‪%%‬ريكلوا‬
‫األبط ‪%%‬ال ال ‪%%‬زائفني بأق ‪%%‬دامهم ويس ‪%%‬تهلكوهم‪ ،‬وال يعت ‪%%‬رب منهم أح ‪%%‬د ميا ُفع ‪%%‬ل مبن س ‪%%‬بقه من "‬
‫األبطال "!‬

‫‪ )?(154‬أخرجه أمحد‪.‬‬

‫(‪)176‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِك ِذ‬ ‫ِف‬


‫(َو َس َك ْنُتْم ي َم َس ا ِن اَّل يَن َظَلُم وا َأْنُف َس ُه ْم َو َتَبَّيَن َلُك ْم َك ْي َف َفَعْلَن ا ِبِه ْم‬
‫َو َض َر ْبَنا َلُك ُم اَأْلْم َثاَل ‪َ ،‬و َقْد َم َك ُر وا َم ْك َر ُه ْم )‪[ .‬سورة إبراهيم‪ ،‬اآليتان‪.]46 ،45 :‬‬

‫تلك نبذة سريعة عن مأساة األمة يف الق‪%‬رون األخ‪%‬رية‪ ،‬ال‪%‬يت ال تزال تعيش عقابيله‪%‬ا‬
‫حىت هذه اللحظة‪ ..‬وما أبعد الُّشقة بني األجيال اليت شهد هلا خالقها بقوله تعاىل‪:‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫واألجيال اليت حّذ ر منها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬غثاء كغث‪,,‬اء السيل "‬
‫(‪.)155‬‬

‫وُس نة اهلل ال تتبدل وال تتحول‪ ،‬وال حتايب أحدًا من اخللق‪:‬‬

‫(َذِلَك ِبَأَّن الَّلَه َلْم َيُك ُمَغِّيرًا ِنْع َم ًة َأْنَعَم َه ا َعَلى َقْو ٍم َح َّتى ُيَغِّيُر وا َم ا ِبَأْنُفِس ِه ْم )‪.‬‬
‫[سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]53‬‬

‫(َظَه َر اْلَف َس اُد ِفي اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر ِبَم ا َك َس َبْت َأْي ِد ي الَّناِس ِلُي ِذ يَق ُه ْم َبْعَض اَّل ِذ ي‬
‫َعِم ُلوا َلَعَّلُه ْم َيْر ِج ُعوَن )‪[ .‬سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.]41‬‬

‫‪ )?(155‬من حديث‪ " :‬يوشك أن تداعى عليكم األمم كما تداعى األكلة على قص‪%‬عتها "‪ .‬س‪%‬بقت اإلش‪%‬ارة‬
‫إليه‪.‬‬

‫(‪)177‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫رابعا‪ :‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟‬


‫نستعري هنا عنوان الكتاب الذي ألفه السيد أبو احلسن الندوي‪ ،‬ألننا جنده خير م‪,,‬ا‬
‫ُيعبر عن المعنى الذي قصدنا إليه في هذه الفقرة‪.‬‬

‫فلم تكن اخلس‪%%‬ارة ال‪%%‬يت نتجت من احنط‪%%‬اط املس‪%%‬لمني مقص‪%%‬ورة عليهم وح‪%%‬دهم‪ ،‬إمنا‬
‫كانت خسارة شاملة‪ ،‬شملت العالم كله‪.‬‬

‫ذل‪%%‬ك أن اهلل ‪ -‬من‪%%‬ذ أخرج‪%%‬ه ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة إىل الوج‪%%‬ود‪ ،‬وّمحله‪%%‬ا رس‪%%‬الة الرس‪%%‬ول اخلامت‬
‫ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪ -‬جع‪%%‬ل مق‪%%‬ادير البش‪%%‬رية كله‪%%‬ا مرتبط‪%%‬ة ب‪%%‬أحوال ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة‪ ،‬إن خ‪%%‬ريًا‬
‫فخ‪%‬ري‪ ،‬وإن ش‪ًّ%‬ر ا فش‪%‬ر‪ ..‬وذل‪%‬ك من مقتض‪%%‬ى ك‪%‬ون ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة أخ‪%‬رجت لتك‪%‬ون ش‪%‬اهدة على‬
‫كل البشرية‪:‬‬

‫(َو َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُن وا ُش َه َد اَء َعَلى الَّن اِس َو َيُك وَن الَّر ُس وُل‬
‫َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬البقرة‪ ،‬اآلية‪.]143 :‬‬

‫وحني نفّص ل مق‪%%‬دار الش‪ّ%‬ر ال‪%%‬ذي أص‪%%‬اب البش‪%%‬رية من ج‪%%‬راء غي‪%%‬اب األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية‬
‫عن الس‪%%‬احة‪ ،‬س‪%%‬يتبني لن‪%%‬ا جُم ددًا م‪%%‬دى املس‪%%‬ئولية امللق‪%%‬اة على ع‪%%‬اتق ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ة‪ ،‬وم‪%%‬دى ال‪%%‬وزر‬
‫الذي ارتكبته يف حق نفسها‪ ،‬وحق البشر مجيعًا‪ ،‬حني فرطت في مسئوليتها‪.‬‬

‫ولن نعيد الكالم هنا عن اخلسارة اليت حلقت باألمة اإلس‪%‬المية بال‪%‬ذات‪ ،‬فه‪%‬ذا واق‪%‬ع‬
‫تعيش ‪%%‬ه األم ‪%%‬ة بالفع ‪%%‬ل‪ ،‬وتع ‪%%‬اين آالم ‪%%‬ه‪ ،‬وإن مل تكن دائم ‪ً%‬ا تدرك أس ‪%%‬بابه‪ .‬فق ‪%%‬د قي ‪%%‬ل هلا إن م ‪%%‬ا‬
‫تعاني‪%%‬ه ه‪%%‬و نتيج‪%%‬ة التخلف العلمي والم‪,,‬ادي والسياس‪%%‬ي واحلريب واالقتص‪%%‬ادي واحلض‪%%‬اري‪،‬‬
‫وأن عليها أن جتاب‪%%‬ه ه‪%%‬ذا كل‪%%‬ه وتتغلب علي‪%%‬ه‪ .‬وهذا حق ولكنه ليس كل الح‪,‬ق‪ .‬والوق‪%%‬وف‬
‫عنده مضلل لألمة عن معرفة حقيقة دائها وحقيقة دوائها‪.‬‬

‫وإمنا ال‪%%‬ذي ينبغي أن ُتبّص ر ب‪%%‬ه األم‪%%‬ة جي‪%%‬دًا أن التخل‪%%‬ف العلمي واملادي والسياس‪%%‬ي‬
‫واحلريب واالقتص ‪%%‬ادي واحلض ‪%%‬اري ق ‪%%‬د أص ‪%%‬اهبا حني ختلت عن معين قوته ‪,,‬ا‪ ،‬ال ‪%%‬ذي أعطاه ‪%%‬ا‬
‫القوة من قبل يف هذه امليادين كلها‪ ،‬وما هو أبعد منها أيضًا‪ ،‬وأنه ال عالج هلا إال أن تع‪%‬ود‬
‫إىل املعني ذاته‪.‬‬

‫أم‪%‬ا إن ح‪%‬اولت أن تع‪%‬اجل ك‪%‬ل أن‪%‬واع التخل‪%‬ف الس‪%‬الفة بغ‪%‬ري الع‪%‬ودة إىل ذل‪%‬ك املعني‪،‬‬
‫فس‪%%‬يظل جه‪%%‬دها قاص‪%%‬رًا‪ ،‬وال ي‪%%‬ؤدي إىل مثرة‪ .‬وجترب‪%%‬ة ق‪%%‬رن كام‪%%‬ل من الزم‪%%‬ان ‪ -‬أو أك‪%%‬ثر من‬

‫(‪)178‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ق ‪%%‬رن يف بعض بالد الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي ‪ -‬كفيل ‪%%‬ة ببي ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذه احلقيق ‪%%‬ة‪ .‬فق ‪%%‬د ب ‪%%‬ذلت بالد الع ‪%%‬امل‬
‫اإلس‪%% %‬المي جه‪%% %‬دًا يف " اللح‪%% %‬اق " ب‪%% %‬ركب " احلض‪%% %‬ارة " ‪ -‬أو يف الله‪%% %‬اث وراء الغ‪%% %‬رب يف‬
‫الواق‪%% %‬ع ‪ -‬فك‪%% %‬انت النتيج‪%% %‬ة قش‪%% %‬رة حض‪%% %‬ارية زائف‪%% %‬ة ال تع‪%% %‬اجل ش‪%% %‬يئًا يف احلقيق‪%% %‬ة‪ ،‬ومزي‪%% %‬دًا من‬
‫الضعف السياسي واحلريب واالقتصادي‪ ..‬ويف مجيع امليادين‪.‬‬

‫والعالج " الموض ‪,,‬وعي " لك ‪%%‬ل أن ‪%%‬واع التخل ‪%%‬ف واجب مف ‪%%‬روض على األم ‪%%‬ة‪ ،‬إن‬
‫أرادت أن ُتصلح أحواهلا‪ ،‬ولكنه ‪ -‬وحده ‪ -‬لن حيل شيئًا‪ ،‬ما مل يقم على أساس حقيقي‪:‬‬

‫(َأَفَمْن َأَّس َس ُبْنَياَنُه َعَلى َتْق َو ى ِم َن الَّلِه َو ِر ْض َو اٍن َخ ْيٌر َأْم َمْن َأَّس َس ُبْنَياَن ُه َعَلى‬
‫َش َف ا ُج ُر ٍف َه اٍر َفاْنَه اَر ِبِه ِفي َناِر َج َه َّنَم َو الَّلُه ال َيْه ِد ي اْلَق ْو َم الَّظاِلِم يَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة التوب‪%%‬ة‪،‬‬
‫اآلية ‪.]109‬‬

‫ذلك ما ينبغي أن ُتبّص ر به األمة إن أريد هلا أي صالح حقيقي‪..‬‬

‫ولكن‪%%‬ا هن‪%%‬ا يف ه‪%%‬ذه الفق‪%%‬رة ال نتح‪%%‬دث عن األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية بال‪%%‬ذات‪ ..‬إمنا نتح‪%%‬دث‬
‫على مستوى العامل كله‪ ،‬لنعرف ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يمكن أن نلخص الخسارة الكبرى بأنه ‪,,‬ا غي ‪,,‬اب النم ‪,,‬وذج الص ‪,,‬حيح‪ ،‬ال ‪,,‬ذي‬
‫ترتب على غيابه بروز النم‪,‬وذج الفاس‪,‬د وتثبيت‪,‬ه وس‪,‬يطرته على الساحة‪ ،‬ونش‪,‬ر الفساد‬
‫منه إلى كل األرض‪.‬‬

‫وم‪%%‬ا نق‪%%‬ول إن بق‪%%‬اء األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية وقيامه‪%%‬ا برس‪%%‬التها ‪ -‬أو ب‪%%‬األحرى رس‪%%‬التيها ‪-‬‬
‫(‪ )156‬ك‪%‬ان س‪%‬يمنع الفس‪%‬اد كلي‪%‬ة من األرض! فق‪%%‬د س‪%‬بقت كلم‪%‬ة رب‪%‬ك أال جتتم‪%‬ع البش‪%‬رية يف‬
‫أمة واحدة‪ ،‬وال تكون كلها صاحلة‪:‬‬

‫ِح‬ ‫ِلِف ِإ‬ ‫ِح‬


‫ِل (ِلَو َل ْو َش اَء َر ُّب َك َلَجَع َل الَّن اَس ُأَّم ًة َو ا َد ًة َو ال َيَز اُلوَن ُمْخ َت يَن ‪ ،‬اَّل َمْن َر َم‬
‫َر ُّبَك َو َذ َك َخ َلَق ُه ْم )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآليتان ‪.]119 ،118‬‬

‫وقد وقفت الكنيسة بعناد وحشي حتارب تأثر أوربا باإلسالم‪ ،‬ال‪%%‬ذي ك‪%%‬ان وش‪%%‬يكًا‬
‫أن ينشر اإلسالم فيها على نطاق واس‪%‬ع‪ ،‬كم‪%‬ا ق‪%‬ال ويل‪%‬ز يف كت‪%‬اب " مع‪%‬امل تاريخ اإلنس‪%‬انية‬

‫‪ )?(156‬راجع " رسالة األمة املسلمة " يف أول هذا الفصل‪.‬‬

‫(‪)179‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" (‪ ،)157‬واس ‪%% %‬تخدمت الكنيس ‪%% %‬ة يف ذل ‪%% %‬ك مح‪,, ,‬اكم التف‪,, ,‬تيش من بني م ‪%% %‬ا اس ‪%% %‬تخدمت من‬
‫الوسائل‪.‬‬

‫فال ن‪%%‬زعم أن اس‪%%‬تمرار قي‪%%‬ام األم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية برس‪%%‬التها ك‪%%‬ان س‪%%‬يغري موق‪%%‬ف الكنيس‪%%‬ة‬
‫ويلنّي عنادها الوحشي‪.‬‬

‫ولكنا نقول مع ذلك‪ :‬إن نتائج خمتلفة متامًا عما هو ح‪%%‬ادث الي‪%%‬وم ك‪%%‬انت قمين‪%%‬ة أن‬
‫خترج إىل الوجود حبسب السنن الربانية ووعد اهلل ووعيده‪.‬‬

‫ونفّص ل الكالم بعض الشيء‪.‬‬

‫لق‪%%‬د ق‪%%‬امت الكنيس‪%%‬ة ب‪%%‬دور كب‪%%‬ري يف تنف‪%%‬ري أورب‪%%‬ا من ال‪%%‬دين‪ ،‬ودفعه‪%%‬ا إىل االنس‪%%‬الخ‬
‫منه‪ ،‬وكانت الص‪%%‬ورة ال‪%%‬يت ق‪%%‬دمتها عن ال‪%%‬دين ‪ -‬كم‪%%‬ا أش‪%%‬رنا م‪%%‬رارًا ‪ -‬صورة منّف ره بالفعل‪،‬‬
‫فضًال عن الطغيان البشع الذي مارسته الكنيسة باسم الدين يف خمتلف االجتاهات‪.‬‬

‫وب ‪%%‬رز يف أورب ‪%%‬ا منوذج من احلي ‪%%‬اة يبتع ‪%%‬د روي ‪%%‬دًا روي ‪%%‬دًا عن ال ‪%%‬دين‪ ،‬ح ‪%%‬ىت انس ‪%%‬لخ من ‪%%‬ه‬
‫اسنالخًا كامًال يف العه‪%‬د األخ‪%‬ري‪ ،‬ورأت أورب‪%‬ا يف عمله‪%‬ا ه‪%‬ذا أن‪%‬ه ه‪%‬و الص‪%‬واب ال‪%‬ذي ينبغي‬
‫عمله‪ ،‬وأن كل تص‪%‬رف ي‪%‬ؤدي إىل إبق‪%‬اء س‪%‬لطان ال‪%‬دين ‪ -‬فض‪ً%‬ال عن توس‪%‬يع س‪%‬لطانه ‪ -‬ه‪%‬و‬
‫عمل ضد الشعوب! وضد احلضارة! وضد العلم! وضد إنسانية اإلنسان!‬

‫وكما قلنا م‪%‬رارًا ف‪%‬إن أورب‪%‬ا مع‪%‬ذورة يف أن تق‪%‬ف من دينه‪%‬ا ه‪%‬ذا املوق‪%‬ف‪ ،‬فق‪%‬د ك‪%‬ان‬
‫ذلك الدين بالفعل معوقًا عن احلياة‪ ،‬ومفسدًا هلا يف كل اجتاه‪.‬‬

‫ولكن انتق‪%‬ال أورب‪%‬ا من الس‪%‬خط على دينه‪%‬ا وكنيس‪%‬تها‪ ،‬إىل الس‪%‬خط على ال‪%‬دين يف‬
‫ذاته‪ ،‬وك‪%%‬ل مقرراته‪ ،‬م‪%%‬ع س‪%%‬يطرة أورب‪%%‬ا على الع‪%%‬امل‪ ،‬كان هو س‪,,‬بب الكارث‪,,‬ة ال‪,,‬تي وقعت‬
‫فيها البشرية في ظل الجاهلية المعاصرة‪.‬‬

‫وهنا يبدو األث ‪,,‬ر الض ‪,,‬خم ال ‪,,‬ذي خّلف ‪,,‬ه غي ‪,,‬اب األم ‪,,‬ة اإلس ‪,,‬المية عن الساحة‪،‬‬
‫وُنكولها عن رسالتها‪.‬‬

‫فلنتصور جدًال أن األمة اإلسالمية ظلت قائمة برس‪%‬التها‪ ،‬مُم كن‪%‬ة يف األرض حس‪%‬ب‬
‫وعد اهلل هلا‪ ،‬حني تعبده ال تشرك به شيئًا‪ .‬فما الذي كان قمينًا أن حيدث؟!‬

‫‪ )?(157‬سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫(‪)180‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ك‪%%‬ان ميكن ‪ -‬يف أس‪%%‬وأ األح‪%%‬وال ‪ -‬أن تكف‪%%‬ر أورب‪%%‬ا وح‪%%‬دها وال ُي ؤثر كفره‪%%‬ا على‬
‫بقي‪%% %‬ة األرض‪ ..‬ف‪%% %‬إن تض‪%% %‬خم أورب‪%% %‬ا على الص‪%% %‬ورة ال‪%% %‬يت وص‪%% %‬لت إليه‪%% %‬ا‪ ،‬واتس‪%% %‬اع س‪%% %‬لطاهنا‪،‬‬
‫وس‪%% % %‬يطرهتا سياس ‪ًّ% % %‬يا واقتص‪%% % %‬ادًّيا وحربًّي ا وثقافًّي ا لم يح ‪,, ,‬دث إال بسبب ض ‪,, ,‬عف األم ‪,, ,‬ة‬
‫اإلس‪,‬المية‪ .‬وإال ف‪%%‬أين ك‪%%‬انت أورب‪%%‬ا؟ وكي‪%%‬ف ك‪%%‬انت‪ ،‬حني ك‪%%‬انت بقي‪%%‬ة من الق‪%%‬وة يف ح‪%%‬وزة‬
‫األمة اإلسالمية؟!‬

‫وه ‪%%‬ل تض ‪%%‬خمت أورب ‪%%‬ا‪ ،‬وبلغت قوهتا م ‪%%‬ا بلغت‪ ،‬وبل ‪%%‬غ س ‪%%‬لطاهنا م ‪%%‬ا بل ‪%%‬غ‪ ،‬إال حني‬
‫استعمرت العامل اإلسالمي وهنبت خرياته؟!‬

‫إن هن‪%%‬اك ومهًا " تارخيًّي ا " يعش‪%%‬ش يف أذه‪%%‬ان كث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس‪ ،‬م‪%%‬ؤداه أن أورب‪%%‬ا من‬
‫ذات نفسها‪ ،‬بقوهتا الذاتي‪%%‬ة‪ ،‬وبنوعي‪%%‬ة ش‪%%‬عوهبا‪ ،‬ق‪%%‬د ص‪%%‬ارت إىل م‪%%‬ا ص‪%%‬ارت إلي‪%%‬ه‪ ،‬وبس‪%%‬طت‬
‫سلطاهنا على العامل‪ ..‬وأن هذا األمر كان يف طريقه أن يقع مهما ك‪%%‬انت أوض‪%%‬اع الع‪%%‬امل من‬
‫حول أوربا‪ ،‬ومهما كانت نسبة القوى العاملية بعضها إىل بعض‪!..‬‬

‫والذي ثّبت هذا الوهم يف أذهان الناس دون شك هو كون‪%‬ه واقع‪ً%‬ا ح‪%‬دث بالفع‪%‬ل!‬
‫وللواقع دائم‪ً%‬ا ثق‪%‬ل يف حّس الن‪%‬اس! ولكن ه‪%‬ذا الواق‪%‬ع ق‪%‬د ح‪%‬دث ألس‪%‬باب! والس‪%‬بب األك‪%‬رب‬
‫في‪%%‬ه ه‪%%‬و ض‪,,‬عف الع‪,,‬الم اإلس‪,,‬المي! وإال فلنتص‪%%‬ور فق‪%%‬ط أن الدول‪%%‬ة العثماني‪%%‬ة ‪ -‬وهي املرحل‪%%‬ة‬
‫األخ‪%%‬رية من مراح‪%%‬ل الق‪%%‬وة اإلس‪%%‬المية ‪ -‬ق‪%%‬د بقيت على قوهتا‪ ،‬فه‪%%‬ل ك‪%%‬انت جترؤ أورب‪%%‬ا على‬
‫استعمار العامل اإلسالمي؟!‬

‫يق ‪%%‬ول أح ‪%%‬د املبش ‪%%‬رين يف ب ‪%%‬دايات الق ‪%%‬رن العش ‪%%‬رين امليالدي ‪ -‬قبي ‪%%‬ل اهني ‪%%‬ار الدول ‪%%‬ة‬
‫العثماني ‪%%‬ة ‪ -‬إن أورب ‪%%‬ا ك ‪%%‬انت ختش ‪%%‬ى الرج ‪%%‬ل املريض (وهو م ‪,,‬ريض!!) ألن وراءه ثلثمائ ‪%%‬ة‬
‫مليون من البشر على استعداد للقتال بإشارة من أصبعه!‬

‫ف ‪%%‬إذا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذا موق ‪%%‬ف أورب ‪%%‬ا من الرج ‪%%‬ل املريض‪ ،‬فكي ‪%%‬ف ك ‪%%‬ان موقفه ‪%%‬ا من ‪%%‬ه وه ‪%%‬و‬
‫ق‪%%‬وي؟! ولنتص‪%%‬ور فق‪%%‬ط أن اجلي‪%%‬وش العثماني‪%%‬ة ال‪%%‬يت حاص‪%%‬رت بطرس‪%%‬ربج (لننج‪%%‬راد حالًّي ا) من‬
‫س ‪%%‬نة ‪ 1707‬م إىل س ‪%%‬نة ‪ 1711‬م ق ‪%%‬د دخلته ‪%%‬ا‪ ،‬وأن اجلي ‪%%‬وش ال ‪%%‬يت حاص ‪%%‬رت فين ‪%%‬ا يف املرة‬
‫األوىل س‪%%‬نة ‪ 1529‬أو املرة الثاني‪%%‬ة س‪%%‬نة ‪ 1683‬م ق‪%%‬د دخلته‪%%‬ا‪ ..‬فماذا كان يكون موق‪,,‬ف‬
‫أوربا من العالم اإلسالمي‪ ،‬وكيف يتصور تجرؤها على استعماره؟!‬

‫وحنن ال نتح ‪%%‬دث عن الدول ‪%%‬ة العثماني ‪%%‬ة يف ال ‪%%‬وقت ال ‪%%‬ذي حاص ‪%%‬رت في ‪%%‬ه بطرس ‪%%‬ربج‬
‫وفينا على أهنا هي النموذج الذي نعنيه حني نتصور األمة اإلسالمية حمافظة على رسالتها‪..‬‬
‫فق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان الدول ‪%%‬ة العثماني ‪%%‬ة ‪ -‬يف وقت ازدهاره ‪%%‬ا ومتكنه ‪%%‬ا ‪ -‬متث ‪%%‬ل ق ‪%%‬وة سياس ‪%%‬ية وعس ‪%%‬كرية‬

‫(‪)181‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫هائل ‪%%‬ة‪ ،‬ومتث ‪%%‬ل ك ‪%%‬ذلك رغب ‪%%‬ة خملص ‪%%‬ة يف خدم ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬الم ونش ‪%%‬ره يف األرض‪ ،‬ولكنه ‪%%‬ا مل تكن‬
‫متث‪%%‬ل الص‪%%‬ورة العلمي‪%%‬ة واحلض‪%%‬ارية الص‪%%‬حيحة لألم‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية‪ .‬وإمنا ال‪%%‬ذي نعني‪%%‬ه ه‪%%‬و ص‪%%‬ورة‬
‫األمة اإلسالمية حني كانت حمافظة على رسالتها في جميع جوانبها كما كانت بالفعل يف‬
‫فرتة من تارخيها‪ .‬وهو أمر كان يف إمكان تلك األمة ‪ -‬ما دامت قد بلغت‪,,‬ه بالفع‪,,‬ل ‪ -‬ل‪%%‬وال‬
‫االحنراف‪%%‬ات ال‪%%‬يت وقعت فيه‪%%‬ا‪ ،‬وال‪%%‬يت هي مس‪%%‬ئولة عنه‪%%‬ا يف ال‪%%‬دنيا واآلخ‪%%‬رة‪ ،‬وال‪%%‬يت تس‪%%‬ببت ‪-‬‬
‫برتاكمه ‪%%‬ا على م ‪%%‬دى ال ‪%%‬زمن ‪ -‬يف زوال النم ‪%%‬وذج الص ‪%%‬حيح‪ ،‬وب ‪%%‬روز النم ‪%%‬وذج املنح ‪%%‬رف‪،‬‬
‫وتثبيت‪%%‬ه يف األرض‪ ،‬وإيه‪%%‬ام الن‪%%‬اس أن‪%%‬ه منوذج ص‪%%‬حيح‪ ،‬ب‪%%‬ل أن‪%%‬ه ه‪%%‬و النم‪%%‬وذج الص‪%%‬حيح ال‪%%‬ذي‬
‫ينبغي أن يبقى يف األرض!‬

‫وهذه مسئولية األمة اإلسالمية اليت نتحدث عنها يف هذه الفقرة‪ ،‬واليت اس‪%%‬تعرنا هلا‬
‫العنوان الذي عنوّناها به‪..‬‬

‫ونعود إلى متابعة األحداث‪..‬‬

‫إن ض‪%%‬عف الع‪%%‬امل اإلس‪%%‬المي ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي أغ‪%%‬رى أورب‪%%‬ا باس‪%%‬تعماره‪ .‬ولئن ك‪%%‬انت الق‪%%‬وة‬
‫احلربي‪%‬ة والسياس‪%‬ية للدول‪%‬ة العثماني‪%‬ة ق‪%‬د زج‪%‬رت أورب‪%‬ا م‪%‬دة أربع‪%‬ة ق‪%‬رون متوالي‪%‬ة عن أن تتج‪%‬ه‬
‫يف حروهبا الص‪%%‬ليبية احلديث‪%‬ة حنو املش‪%‬رق مباش‪%‬رة‪ ،‬كم‪%‬ا فعلت يف املرة األوىل لالس‪%‬تيالء على‬
‫الق ‪%%‬دس‪ ،‬فإهنا مل تس ‪%%‬تطع ‪ -‬بس ‪%%‬بب ض ‪%%‬عفها الت ‪%%‬درجيي ‪ -‬أن متن‪%%‬ع أورب ‪%%‬ا من االلتف ‪%%‬اف ح ‪%%‬ول‬
‫الع‪%%‬امل اإلس‪%%‬المي من جه‪%%‬ة الغ‪%%‬رب‪ ،‬وح‪%%‬ول رأس الرج‪%%‬اء الص‪%%‬احل حنو الش‪%%‬رق ‪ -‬على هدى‬
‫الخرائ ‪,,‬ط اإلس ‪,,‬المية!! ‪ -‬لتلتهم األج‪%% %‬زاء الض‪%% %‬عيفة من الع‪%% %‬امل اإلس‪%% %‬المي تباع ‪ً% %‬ا‪ ،‬ح‪%% %‬ىت إذا‬
‫كانت هناية القرن التاسع عشر امليالدي مل يكن قد بقي من العامل اإلسالمي مل ُيس‪%%‬تعمر إال‬
‫تركيا ذاهتا‪ ،‬وأجزاء من الجزيرة العربية!!‬

‫ومن هنب خريات العامل اإلسالمي تضخمت أوربا‪ ،‬وصارت إىل ما صارت إليه‪.‬‬

‫فإذا تص‪%‬ورنا أن األم‪%‬ة اإلس‪%‬المية مل تكن هتاونت‪ ،‬وال تراجعت‪ ،‬وال احنرفت‪ ،‬وال‬
‫فرطت‪ ،‬فإن أوربا ‪ -‬اليت استيقظت من سباهتا وخرجت من عص‪%‬ورها الوس‪%‬طى املظلم‪%‬ة مبا‬
‫اكتس ‪%% %‬بته من عل ‪%% %‬وم املس ‪%% %‬لمني وحض ‪%% %‬ارهتم ‪ -‬ك ‪%% %‬انت قمين ‪%% %‬ة أن تس ‪%% %‬عى إىل الق ‪%% %‬وة والعلم‬
‫واحلض ‪%% % %‬ارة‪ ،‬ولكن يف احلدود ال ‪%% % %‬يت يس ‪%% % %‬مح هلا هبا كياهنا‪ ،‬مهم ‪%% % %‬ا يكن من تدفق رغباهتا‪،‬‬
‫ومحاستها‪ ،‬وبذهلا اجلهد لتحقيق أهدافها!‬

‫(‪)182‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫إن ال‪%%‬وهم " الت‪%%‬ارخيي " ال‪%%‬ذي أش‪%%‬رنا إلي‪%%‬ه آنف ‪ً%‬ا‪ ،‬خُي ِّي ل لكث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس أن الش‪%%‬عوب‬
‫األوربي ‪%%‬ة ش ‪%%‬عوب عبقري ‪%%‬ة بفطرهتا‪ ،‬حض ‪%%‬ارية بفطرهتا‪ ،‬عظيم ‪%%‬ة بفطرهتا‪ ،‬متغلب ‪%%‬ة بفطرهتا‪ ،‬ال‬
‫تقف يف طريقها عقبة‪ ،‬وال حيجزها حاجز!!‬

‫فنحيل هؤالء إلى حقائق التاريخ!‬

‫تق ‪%%‬ول الرواي ‪%%‬ات التارخيي ‪%%‬ة‪ :‬إن فاس ‪%%‬كو داجام ‪%%‬ا ال ‪%%‬ذي ن ‪%%‬زعم ألبنائن ‪%%‬ا أن ‪%%‬ه ه ‪%%‬و ال ‪%%‬ذي‬
‫اكتشف طريق رأس الرجاء الص‪%‬احل (‪ ،)158‬التقى بالبح‪%‬ار الع‪%‬ريب املس‪%‬لم " ابن ماج‪%‬د "‪ ،‬بع‪%‬د‬
‫اكتش‪%% %‬افه ذل‪%% %‬ك الطري‪%% %‬ق‪ ،‬فع‪%% %‬رض علي‪%% %‬ه بعض اآلالت البحري‪%% %‬ة ال‪%% %‬يت ميلكه‪%% %‬ا (االص‪%% %‬طرالب‬
‫والبوص‪%%‬لة وحنوه‪%%‬ا)‪ ،‬فاس‪%%‬تمهله ابن ماج‪%%‬د قليًال‪ ،‬ودخ‪%%‬ل حجرته مث ع‪%%‬اد ومع‪%%‬ه من األج‪%%‬وات‬
‫ما ذهل له فاسكو داجاما! فعرض عليه أن يكون هو قائد رحلته إىل جزر اهلند الشرقية‪.‬‬

‫وتقول الروايات التارخيي‪%‬ة‪ :‬إن أورب‪%‬ا ‪ -‬ح‪%‬ىت الق‪%%‬رن الس‪%‬ابع عش‪%‬ر ‪ -‬مل تكن تع‪%%‬رف‬
‫احلمام ‪%%‬ات اخلاص ‪%%‬ة داخ ‪%%‬ل ال ‪%%‬بيوت! إمنا ك ‪%%‬انوا يس ‪%%‬تخدمون احلمام ‪%%‬ات العام ‪%%‬ة‪ .‬إمنا ك ‪%%‬انت‬
‫احلمامات اخلاصة داخل البيوت سمة إسالمية‪ ،‬تعلمتها أوربا من املس‪%‬لمني يف األن‪%%‬دلس‪ ،‬مث‬
‫أخذوا يطبقوهنا رويدًا رويدًا مع ارتفاع مس‪%‬توى معيش‪%‬تهم الت‪%‬درجيي‪ ،‬نتيج‪%‬ة االس‪%‬تعمار من‬
‫جه ‪%%‬ة والث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية من جه ‪%%‬ة أخ ‪%%‬رى‪ .‬وأن ‪%%‬ه يف أثن ‪%%‬اء قي ‪%%‬ام حماكم التف ‪%%‬تيش يف األن ‪%%‬دلس‬
‫ب‪%%‬البحث عن املس‪%%‬لمني املتنص‪%%‬رين ظ‪%%‬اهرًا للفت‪%%‬ك هبم والقض‪%%‬اء عليهم‪ ،‬ك‪%%‬انوا يعرف‪%%‬ون بي‪%%‬وت‬
‫املسلمني بعالمة مميزة ال ختطئ‪ ،‬وهي وجود محام خاص يف املنزل!‬

‫واحلي الالتي‪%‬ين يف ب‪%‬اريس ‪ -‬ال‪%‬ذي اْح ُتف‪%‬ظ ب‪%‬ه لل‪%‬ذكرى‪ ،‬وال‪%‬ذي يتغ‪%‬ىن عّباد ب‪%‬اريس‬
‫بأزقته الضيقة‪ ،‬ويتغنون أحيانًا بقذارة رواده! ‪ -‬هو منوذج ملا كانت عليه ب‪%%‬اريس كله‪%%‬ا إىل‬
‫وقت قي ‪%%‬ام الث ‪%%‬ورة الفرنس ‪%%‬ية (‪ 1789‬م)‪ .‬واق ‪%%‬رأ إن ش ‪%%‬ئت وص ‪%%‬فًا ملا ك ‪%%‬انت علي ‪%%‬ه الش ‪%%‬وارع‬
‫قبي‪%‬ل الث‪%‬ورة من الق‪%%‬ذارة‪ ،‬ومن الوح‪%‬ل الالزب حني ي‪%‬نزل املط‪%‬ر على األترب‪%‬ة املرتاكم‪%‬ة‪ ،‬يف "‬
‫قص‪%%‬ة املدينتني " ال‪%%‬يت كتبه‪%%‬ا ال‪%%‬روائي ش‪%%‬ارلز دك‪%%‬نز‪ ،‬ال‪%%‬ذي اش‪%%‬تهر بدقت‪%%‬ه وواقعيت‪%%‬ه يف وص‪%%‬ف‬
‫املشاهد اليت يرمسها‪.‬‬

‫كال! إمنا ال‪%%‬ذي ص ‪%%‬نع أورب‪%%‬ا احلديث‪%%‬ة الغني‪%%‬ة املتعالي‪%%‬ة ه ‪%%‬و ض‪,,‬عف الع‪,,‬الم اإلس‪,,‬المي‪،‬‬
‫وعدوان أوربا عليه ونهب خيراته!‬

‫‪ )?(158‬اكتش‪%%‬فه لنفس‪%%‬ه وألورب‪%‬ا‪ ،‬أم‪%%‬ا املس‪%%‬لمون ك‪%‬انوا يعرف‪%%‬ون الطري‪%‬ق ويرتادون‪%‬ه يف رحالهتم التجاري‪%‬ة قب‪%‬ل‬
‫ذلك بقرون‪.‬‬

‫(‪)183‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولو بقي العامل اإلسالمي على صورته اليت كان ينبغي أن يبقى عليه‪%%‬ا‪ ،‬فق‪%%‬د ك‪%%‬انت‬
‫أورب‪%%‬ا س‪%%‬تتعلم‪ ،‬وترتقي‪ ،‬وتتق‪%%‬وى‪ ،‬وتتحض‪%%‬ر‪ ،‬ولكن يف احلدود املتاح‪%%‬ة هلا‪ ،‬ال‪%%‬يت تتيحه‪%%‬ا هلا‬
‫قوهتا بإزاء قوة العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫ونف‪%‬رتض ج‪%‬دًال أهنا آث‪%‬رت الكف‪%‬ر بس‪%‬بب أفاعي‪%‬ل الكنيس‪%‬ة‪ ،‬ومل تدخل يف اإلس‪%‬الم‪،‬‬
‫على الرغم من إشارة ويلز إىل أن العامل كله كان عرضة ألن يدخل يف اإلسالم يف ب‪%‬دايات‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬فماذ كان ميكن أن حيدث؟‬

‫لقد كان النموذج املنحرف الذي اختارته أوربا لنفسها‪ ،‬املعادي للدين‪ ،‬أو املبتعد‬
‫عن ‪%%‬ه يف أق ‪%%‬ل تق ‪%%‬دير‪ ،‬س ‪,,‬يظل محص ‪,,‬ورًا في ح ‪,,‬دود أوربا‪ ،‬ال يتج ‪%%‬اوزه إىل الع ‪%%‬امل الواس ‪%%‬ع‪،‬‬
‫بس‪%%‬بب وج‪%%‬ود النم‪%%‬وذج الس‪%%‬وي يف رقع‪%%‬ة واس‪%%‬عة من األرض‪َ ،‬مُمَّك ن‪%%‬ا قوًّي ا‪ ،‬مس‪%%‬تعليًا بإميان‪%%‬ه‪،‬‬
‫وج ‪%%‬ذابًا يف ال ‪%%‬وقت نفس ‪%%‬ه مبا يش ‪%%‬تمل علي ‪%%‬ه النم ‪%%‬وذج اإلس ‪%%‬المي الص ‪%%‬حيح من توازن ورفع ‪%%‬ة‬
‫ونظافة ومشول وطمأنينة وبركة‪.‬‬

‫وفض ‪ً%‬ال عن ذل‪%%‬ك ف‪%%‬إن النم‪%%‬وذج األوريب املنح‪%%‬رف ‪ -‬ح‪%%‬ىت ول‪%%‬و مل‪%%‬ك الق‪%%‬وة املادي‪%%‬ة‬
‫والعلمي‪%%‬ة ‪ -‬ك‪%%‬ان س‪%%‬يظل موض‪%%‬ع االس‪%%‬تنكار ممن ميارس‪%%‬ون األس‪%%‬لوب الص‪%%‬حيح‪ ،‬وممن يقف‪%%‬ون‬
‫موق‪%%‬ف املتف‪%%‬رج بني املنهج املنح‪%%‬رف واملنهج الص‪%%‬حيح‪ .‬ومما ي‪%%‬دل على ذل‪%%‬ك أن الوثن‪%%‬يني يف‬
‫اهلن‪%%‬د ‪ -‬ال‪%%‬ذين حكمهم املس‪%%‬لمون مثاني‪%%‬ة ق‪%%‬رون دون أن ُيكره‪%%‬وهم على اعتن‪%%‬اق اإلس‪%%‬الم ‪-‬‬
‫كانوا يف مبدأ األمر أميل إىل احلكم اإلس‪%‬المي منهم إىل املس‪%‬تعمر الربيط‪%‬اين‪ ،‬وذل‪%‬ك قب‪%‬ل أن‬
‫يس ‪%%‬تميلهم اإلجنل ‪%%‬يز بش ‪%%‬ىت الط ‪%%‬رق إليهم‪ ،‬وحُي ّر ض ‪%%‬وهم على تذبيح املس ‪%%‬لمني وتق ‪%%‬تيلهم‪ ،‬على‬
‫طريقة اإلجنليز الشهرية‪ " :‬فرق تسد "!‬

‫ك ‪%% %‬انت أورب ‪%% %‬ا الك ‪%% %‬افرة ستمض ‪%% %‬ي ق ‪%% %‬دمًا يف " حض ‪%% %‬ارهتا " املادي ‪%% %‬ة‪ ،‬ويف ص ‪%% %‬راعاهتا‬
‫الداخلية اليت كان من مناذجها " احلرب اإليطالية " اليت استغرقت من ع‪%‬ام ‪ 1494‬إىل ع‪%‬ام‬
‫‪ 1559‬م‪ ،‬وشهدت انتقال السلطة من دولة إىل دولة أك‪%‬ثر من م‪%‬رة (‪ ،)159‬دون أن تس‪%‬ري‬
‫ع‪%% %‬دوى ذل‪%% %‬ك التحض‪%% %‬ر الك‪%% %‬افر إىل بقي‪%% %‬ة بالد الع‪%% %‬امل‪ ،‬ودون أن ُينظ‪%% %‬ر إىل الكف‪%% %‬ر على أن‪%% %‬ه‬
‫ض‪%%‬رورة من ض‪%%‬رورات التحض‪%%‬ر! وال إىل ال‪%%‬دين يف ذاته على أن‪%%‬ه عقب‪%%‬ة يف طري‪%%‬ق التق‪%%‬دم‪ ،‬إىل‬
‫آخ‪%%‬ر م‪%%‬ا مسمت ب‪%%‬ه " الحض‪,,‬ارة األوربي‪,,‬ة " أفك‪%%‬ار املاليني يف ش‪%%‬ىت بق‪%%‬اع األرض‪ ،‬وتومهت‬
‫تلك املاليني أنه حقيقة بسبب غياب النموذج الصحيح‪.‬‬

‫‪ )?(159‬من املراج‪%%‬ع اجلي‪%%‬دة يف ه‪%%‬ذا كت‪%%‬اب " أورب‪%%‬ا يف مطل‪%%‬ع العص‪%%‬ور احلديث‪%%‬ة " لل‪%%‬دكتور عب‪%%‬د العزي‪%%‬ز حمم‪%%‬د‬
‫الشناوي‪.‬‬

‫(‪)184‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وك ‪%%‬انت أورب ‪%%‬ا الك ‪%%‬افرة س ‪%%‬تتقدم يف العلم‪ ،‬مبا تعلمت من عل ‪%%‬وم املس ‪%%‬لمني‪ ،‬وعلى‬
‫ه ‪%%‬دي املنهج التجري ‪%%‬يب خاص ‪%%‬ة‪ ،‬ال ‪%%‬ذي ابتدع ‪%%‬ه املس ‪%%‬لمون ونقلت ‪%%‬ه أورب ‪%%‬ا عنهم‪ .‬ولكن هذا‬
‫النموذج المنحرف‪ ،‬ال‪%%‬ذي خيرّي الن‪%%‬اس بني العلم وبني اإلميان باهلل‪ ،‬ويعج‪%%‬ز عن التوفي‪%%‬ق بني‬
‫أمرين ال تع‪%%‬ارض بينهم‪%%‬ا يف الفط‪%%‬رة الس‪%%‬وية‪ ،‬لم يكن ليفتن البشرية كما فتنه‪,,‬ا الي‪,‬وم‪ ،‬ألن‬
‫النموذج السوَّي ‪ ،‬الذي يتقدم يف البحث العلمي وهو ُمؤمن‪ ،‬ومُي ارس ه‪%‬ذه النعم‪%‬ة الك‪%‬ربى‪:‬‬
‫نعمة التوافق والتناسق والتوازن‪ ،‬م‪%%‬ع حتقي‪%%‬ق مكاس‪%%‬ب العلم يف ال‪%%‬وقت ذاته‪ ،‬كان هو ال‪,‬ذي‬
‫سيجذب الناس إليه‪ ،‬ألنه ميثل وضع الفطرة السوية‪.‬‬

‫وحني ي ‪%%‬رى الن ‪%%‬اس النم ‪%%‬وذجني املختلفني‪ :‬أح‪,,‬دهما يتق ‪%%‬دم يف العلم وه ‪%%‬و عاب ‪%%‬د هلل‬
‫ش ‪%%‬اكر ألنعم ‪%%‬ه‪ ،‬متخل ‪%%‬ق ب ‪%%‬أخالق اإلميان‪ ،‬حماف ‪%%‬ظ على روابط ‪%%‬ه األس ‪%%‬رية‪ُ ،‬م طمئن النفس من‬
‫القل ‪%%‬ق واجلن ‪%%‬ون واألم ‪%%‬راض النفس ‪%%‬ية والعص ‪%%‬بية‪ ،‬ع ‪%%‬ازف عن اخلم ‪%%‬ر وم ‪%%‬ا ش ‪%%‬اهبها مما ُي ذهب‬
‫الوعي‪ُ ،‬م طمئن لعرضه‪ُ ،‬م طمئن لطهارة مال‪%‬ه‪ ،‬ش‪%‬اعر أن‪%‬ه يعيش من أج‪%‬ل قيم علي‪%‬ا جُي اه‪%%‬د يف‬
‫سبيلها‪..‬‬

‫واآلخر يتق ‪%%‬دم يف العلم‪ ،‬ولكن بين ‪%%‬ه وبني اهلل َج ْف وة‪ ،‬روابط ‪%%‬ه األس ‪%%‬رية ُمفكك ‪%%‬ة‪،‬‬
‫وروابط ‪%%‬ه االجتماعي ‪%%‬ة مفكك ‪%%‬ة‪ ،‬ميأل جمتمع ‪%%‬ه القل ‪%%‬ق واجلن ‪%%‬ون واألم ‪%%‬راض النفس ‪%%‬ية والعص ‪%%‬بية‬
‫واخلمر واملخدرات واجلرمية ؛ الفوضى اجلنسية أصل فيه‪ ،‬والُّطهر شذوذ مستنكر (‪.)160‬‬

‫حني ي‪%%‬رى الن‪%%‬اس النم‪%%‬وذجني‪ ،‬فأيهما يكون أحب إليهم؟ وأي نم‪,‬وذج يخت‪,‬ارون‬
‫ألنفسهم؟‬

‫وهب أن أوربا لسبب من األسباب تف‪ّ%‬و قت يف بعض مي‪%‬ادين العلم أك‪%‬ثر من الع‪%‬امل‬
‫اإلس ‪%%‬المي‪ ،‬واحت ‪%%‬اج الن ‪%%‬اس إىل م ‪%%‬ا بني أي ‪%%‬ديها من علم تف ‪%%‬ردت ب ‪%%‬ه‪ ،‬ف ‪%%‬إن وج ‪%%‬ود النم ‪%%‬وذج‬
‫السوي‪ ،‬املش‪%%‬تمل على هنض‪%%‬ة علمي‪%%‬ة ول‪%%‬و ك‪%%‬انت ال ُتغطي ك‪%%‬ل املي‪%%‬ادين‪ ،‬ستظّل له جاذبيته‪،‬‬
‫وس‪%%‬يظل الن‪%%‬اس ‪ -‬وإن احت‪%%‬اجوا إىل م‪%%‬ا عن‪%%‬د أورب‪%%‬ا يف بعض م‪%%‬ا يل‪%%‬زمهم ‪ -‬ال ينح‪%%‬ازون إىل‬
‫النم ‪%%‬وذج الفاس ‪%%‬د‪ ،‬وال يفض ‪%%‬لونه على النم ‪%%‬وذج الس ‪%%‬وي‪ ،‬وال يأخ ‪%%‬ذون الع ‪%%‬دوى من ‪%%‬ه‪ ،‬وال‬
‫يتصورون أن اجلفوة بني الدين والعلم هي من طبائع األشياء!‬

‫ونض ‪%%‬رب مثًال م ‪%%‬ع الف ‪%%‬ارق‪ ..‬ف ‪%%‬إن الياب ‪%%‬ان الي ‪%%‬وم متقدم ‪%%‬ة يف بعض مي ‪%%‬ادين العلم ‪-‬‬
‫اإلليك‪%‬رتوين خاص‪%‬ة ‪ -‬إىل درج‪%‬ة تعج‪%‬ز أورب‪%‬ا وأمريك‪%‬ا عن اللح‪%‬اق هبا فيه‪%‬ا‪ .‬وم‪%‬ع ذل‪%‬ك فلم‬
‫يفكر أحد وهو يس‪%‬تورد من الياب‪%‬ان م‪%‬ا حيت‪%‬اج إلي‪%‬ه من املنتج‪%‬ات‪ ،‬أن يعب‪%‬د م‪%‬ا تعب‪%‬ده الياب‪%‬ان‪،‬‬
‫‪ )?(160‬لق‪%%‬د ق‪%%‬ال ق‪%%‬وم ل‪%%‬وط من قب‪%‬ل‪( :‬أخرج‪%‬وهم من ق‪%%‬ريتكم إهنم أن‪%‬اس يتطه‪%%‬رون)!! واجملتم‪%%‬ع الغ‪%%‬ريب يعت‪%‬رب‬
‫الفتاة اليت بلغت الرابعة عشرة وليس هلا " صديق " حالة شاذة حتتاج إىل الطبيب النفساين ليعاجلها!‬

‫(‪)185‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أو يتخ‪%‬ذ التقالي‪%‬د الياباني‪%‬ة يف حياته‪ .‬فك‪%‬ذلك ل‪%‬و افرتض‪%‬نا أن أورب‪%‬ا تف‪%‬وقت على املس‪%‬لمني ‪-‬‬
‫املمارسني لدينهم على صورته الصحيحة ‪ -‬يف بعض ميادين العلم‪ ،‬فلم يكن ذلك لي‪,‬ؤدي‬
‫إلى أن يترك الناس عبادة اهلل من أجل حاجتهم إلى علم أوربا في بعض الميادين‪.‬‬

‫على أن ه ‪%%‬ذا الف ‪%%‬رض نفرض ‪%%‬ه من باب الج‪,,‬دل فحسب‪ .‬فليس األوربي ‪%%‬ون أذكى‬
‫بالطبيع‪%‬ة من غ‪%‬ريهم من الش‪%‬عوب‪ ،‬وليس املس‪%‬لمون بالطبيع‪%‬ة أق‪%‬ل ذك‪%‬اء منهم‪ ،‬ح‪%‬ىت نف‪%‬رتض‬
‫أن أورب‪%‬ا ك‪%‬انت س‪%‬تتفّو ق عليهم يف ح‪%‬ال ال‪%‬تزامهم مبنهج رهبم ال‪%‬ذي دفعهم إىل العلم دفع‪ً%‬ا‪،‬‬
‫وجعلهم ‪ -‬لقرون ‪ -‬سادة العلم يف األرض‪.‬‬

‫إمنا العلم ‪ -‬والعلم الحديث خاصة ‪ -‬ذك‪%%‬اء من جه‪%%‬ة‪ ،‬وإمكان‪%%‬ات حبث وجتريب‬
‫ينفق عليها بسخاء من جهة أخرى‪.‬‬

‫وال‪%% %‬ذي جع‪%% %‬ل أورب‪%% %‬ا تتف‪%% %‬وق يف العلم يف العص‪%% %‬ر احلديث مل يكن بالض‪%% %‬رورة ه‪%% %‬و‬
‫الذكاء العبقري مبقدار ما كان إمكانات البحث والتجريب التي ينفق عليها بسخاء‪.‬‬

‫ولسنا ننفي وجود عبقريات فذة لديهم‪ ،‬ولكننا ننفي تف‪%%‬ردهم بالعبقري‪%%‬ة‪ ..‬ولن‪%%‬ذكر‬
‫‪ -‬على س‪%%‬بيل املث‪%%‬ال فق‪%%‬ط ‪ -‬أن أول من تنب‪%%‬أ بإمك‪%%‬ان عم‪%%‬ل قنبل‪%%‬ة ذري‪%%‬ة ك‪%%‬ان الع‪%%‬امل املص‪%%‬ري‬
‫املسلم الدكتور مصطفى مشرفة‪ ،‬وكان مقعدًا بس‪%‬بب إص‪%‬ابته بش‪%‬لل األطف‪%‬ال! ولكن‪%‬ه ك‪%‬ان‬
‫عبقرًّي ا‪ ،‬وك‪%%‬ان ُيق ‪%%‬ال عن‪%%‬ه يف وقت‪%%‬ه إن‪%%‬ه أح‪%%‬د أربع ‪%%‬ة يف الع ‪%%‬امل كل‪%%‬ه اس‪%%‬توعبوا نظري‪%%‬ة أينش‪%%‬تني‬
‫استيعابًا علمًّيا كامًال! وقج تنب‪%‬أ بإمك‪%‬ان ص‪%‬نع القنبل‪%‬ة الذري‪%‬ة ‪ -‬بع‪%‬د دراس‪%‬ته لنظري‪%‬ة إينش‪%‬تني‬
‫‪ -‬يف وقت مبكر يف مب‪%‬ادئ الثالثيني‪%‬ات من الق‪%‬رن العش‪%‬رين‪ ،‬يف وقت مل يكن أح‪%‬د بع‪%‬د ق‪%‬د‬
‫فك ‪%%‬ر يف ذل ‪%%‬ك املوض ‪%%‬وع‪ .‬ولكن ‪%%‬ه ك ‪%%‬ان حمروم ‪ً%‬ا من اإلمكاني ‪%%‬ات العملي ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت تتيح ل ‪%%‬ه جترب ‪%%‬ة‬
‫فكرته يف داخل املعمل‪.‬‬

‫ولن ‪%%‬ذكر أيض‪ً% %‬ا أن قاع ‪%%‬دة إطالق الص ‪%%‬واريخ يف أمريك ‪%%‬ا تض ‪%%‬م عاملًا مص‪% %‬رًّيا مس ‪%%‬لمًا‬
‫يعترب من كبار املختصني يف هذا العلم‪.‬‬

‫ويف الع ‪%% %‬امل اإلس ‪%% %‬المي مبختل ‪%% %‬ف ش ‪%% %‬عوبه عبقري ‪%% %‬ات علمي ‪%% %‬ة يف جماالت متع ‪%% %‬ددة‪" ،‬‬
‫تش ‪,,‬تريها " أمريك ‪%%‬ا وغريه ‪%%‬ا من ال ‪%%‬دول الغني ‪%%‬ة‪ ،‬أو متوت كم ‪%%‬دًا من اإلمهال واالض ‪%%‬طهاد يف‬
‫بالدها! وذلك مع كل ما أصاب الع‪%%‬امل اإلس‪%‬المي من قع‪%%‬ود وختل‪%‬ف وانص‪%%‬راف عن العلم‪..‬‬
‫فكيف لو تصورناه على صورته التي كان عليها وقت ازدهاره؟!‬

‫(‪)186‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وقضية التقدم العلمي بالذات هلا أوجه متعددة‪ ،‬وكلها تؤكد مدى الخسارة التي‬
‫خسرها العالم بانحطاط المسلمين‪.‬‬

‫فلو أن األمة اإلسالمية حافظت على تقدمها العلمي ال‪%‬ذي ك‪%‬انت س‪%‬ابقة في‪%‬ه لك‪%‬ل‬
‫بالد األرض‪ ،‬وعلى منهجها التجرييب ال‪%%‬ذي أنش‪%%‬أته بتوجي‪%%‬ه اإلس‪%%‬الم هلا‪ ..‬فأين كان يتوق‪,‬ع‬
‫أن تبدأ " الثورة الصناعية "؟‬

‫إن مكاهنا الطبيعي ‪ -‬دون شك ‪ -‬كان ه‪%%‬و العالم اإلس‪,‬المي‪ .‬فق‪%%‬د ك‪%%‬انت الث‪%%‬ورة‬
‫الص ‪%%‬ناعية تطبيق ‪ً%‬ا " تكنولوجًّي ا " لثم‪%%‬ار التق ‪%%‬دم العلمي‪ .‬ل‪%%‬ذلك ف‪%%‬إن األم ‪%%‬ة ال‪%%‬يت متل‪%%‬ك التق ‪%%‬دم‬
‫العلمي كانت قمينة أن تكون هي اليت خترتع االلة‪ ،‬وهي اليت تبدأ الثورة الصناعية‪.‬‬

‫ول ‪%%‬و نش ‪%%‬أت احلرك ‪%%‬ة الص ‪%%‬ناعية احلديث ‪%%‬ة يف الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي‪ ،‬لك ‪%%‬ان هلا ‪ -‬من مجي ‪%%‬ع‬
‫األوج‪%%‬ه ‪ -‬ش‪%%‬أن آخ‪%%‬ر غ‪%%‬ري ال‪%%‬ذي ص‪%%‬ار هلا حني نش‪%%‬أت يف أورب‪%%‬ا‪ ،‬الن‪%%‬افرة من دينه‪%%‬ا‪ ،‬املعادي‪%%‬ة‬
‫لتعاليمه‪..‬‬

‫وأول وج‪%%‬ه ك‪%%‬انت س‪%%‬تختلف في‪%%‬ه عن احلرك‪%%‬ة الص‪%%‬ناعية األوربي‪%%‬ة أهنا مل تكن لتقوم‬
‫على الربا‪ ،‬وال لتسمح به‪.‬‬

‫وهذا األمر وحده على جانب كبري من اخلطورة يف أزمة البشرية احلالية‪.‬‬

‫فل‪%% %‬و أن احلرك‪%% %‬ة الص ‪%% %‬ناعية ق‪%% %‬امت على غ ‪%% %‬ري الرب‪%% %‬ا النتفت ب‪%% %‬ادئ ذي ب‪%% %‬دء تل‪%% %‬ك‬
‫األس‪%‬طورة ال‪%‬يت زعمت للن‪%‬اس أن‪%‬ه ال ب‪%‬د من خمالف‪%‬ة أوام‪%‬ر اهلل من أج‪%‬ل احلص‪%%‬ول على التق‪%‬دم‬
‫الصناعي! وأنه ال سبيل إىل تقدم البشرية صناعًّيا إذا التزمت بأوامر اهلل!‬

‫وهي فتن ‪%%‬ة جائح ‪%%‬ة أفس ‪%%‬دت عقائ ‪%%‬د الن ‪%%‬اس‪ ،‬وأخالقهم‪ ،‬وأفك ‪%%‬ارهم‪ ،‬ومش ‪%%‬اعرهم‪،‬‬
‫ب‪%%‬دعوى أن ه‪%%‬ذا الفس‪%%‬اد ك‪%%‬ان من مس‪%%‬تلزمات التق‪%%‬دم‪ ،‬مث زعمت هلم بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك أن ه‪%%‬ذا مل‬
‫يكن فسادًا‪ ،‬بل " تطورًا " حتمًّيا‪ ،‬وأن العقائ‪%‬د واألخالق والقيم هي ال‪%‬يت ك‪%‬انت ال ب‪%‬د أن‬
‫تبدل لتناسب " العصر الصناعي "!! وأن التطور املادي هو الذي حيكم حياة الناس!!‬

‫بعبارة أخرى مل تكن أباطي ‪%%‬ل التفس ‪%%‬ري املادي للت ‪%%‬اريخ لتج ‪%%‬د مكان‪ً% %‬ا هلا يف الفك ‪%%‬ر‬
‫البشري‪ ،‬وإن وجدت يف أذه‪%%‬ان بعض الن‪%‬اس فلم تكن لتنتش‪%‬ر انتش‪%‬ارها اجلائح ال‪%‬ذي حطم‬
‫كل القيم الثابتة اليت ال غىن عنها يف حياة البشر األسوياء‪.‬‬

‫(‪)187‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن جه‪%%‬ة أخ‪%%‬رى فل‪%%‬و أن احلرك‪%%‬ة الص‪%%‬ناعية ق‪%%‬امت على غ‪%%‬ري الرب‪%%‬ا فمن أين كانت‬
‫تأتي السيطرة الحالية للشعب الشيطان؟ ال‪%%‬يت أتاحت ل‪%%‬ه أن يفس‪%%‬د يف األرض م‪%%‬ا مل يق‪%%‬در‬
‫على إفس‪%%‬اده خالل أك‪%%‬ثر من عش‪%%‬رين قرن ‪ً%‬ا من الزم‪%%‬ان على ال‪%%‬رغم من اجله‪%%‬د املتواص‪%%‬ل و "‬
‫النية املسبقة " و " العزمية " اجملندة لإلفساد!‬

‫لقد كان متويل احلركة الصناعية يف أوربا عن طريق اإلقراض بالربا هو الذي أتاح‬
‫لليهود كل ما أتيح هلم من قوة ش‪%‬يطانية‪ ،‬حني مجع‪%‬وا ال‪%‬ذهب يف أي‪%‬ديهم‪ ،‬واس‪%‬تطاعوا أن "‬
‫يشتروا " به األفكار والضمائر و " الخدمات " الالزمة لتنفيذ خمططاهتم‪.‬‬

‫وإذا ك‪%%‬انت " الضرورة " الواقعي‪%%‬ة هي ال‪%%‬يت أجلأت أورب‪%%‬ا إىل االعتم‪%%‬اد على اليه‪%%‬ود‬
‫يف متوي ‪%%‬ل الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية (‪ ،)161‬فلم تكن تل ‪%%‬ك الض ‪%%‬رورة قائم ‪%%‬ة يف الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي‪ .‬فق ‪%%‬د‬
‫ك‪%%‬ان املال يف ي‪%%‬د التج‪%%‬ار املس‪%‬لمني وف‪%%‬ريًا‪ ،‬وك‪%%‬انوا هم األج‪%%‬در بتحوي‪%%‬ل رؤوس أم‪%%‬واهلم ‪ -‬أو‬
‫جزء منها ‪ -‬لتمويل احلركة الص‪%%‬ناعية دون رب‪%%‬ا وال فس‪%%‬اد يف األرض‪ ..‬وعندئذ كان يتغ‪,,‬ير‬
‫وجه التاريخ!‬

‫وه ‪%%‬ذه النقط ‪%%‬ة وح ‪%%‬دها تبني لن ‪%%‬ا كم ك ‪%%‬انت جس ‪%%‬امة ال ‪%%‬وزر ال ‪%%‬ذي ارتكبت ‪%%‬ه األم ‪%%‬ة‬
‫اإلسالمية بتفريطها وهتاوهنا يف أمر دينها‪ .‬وكم كانت اخلسارة اليت عادت على الع‪%%‬امل كل‪%%‬ه‬
‫من ج‪%%‬راء ه‪%%‬ذا التفري‪%%‬ط والته‪%%‬اون‪ ،‬فض‪ً%‬ال عن الض‪%%‬رر ال‪%%‬ذي ع‪%%‬اد على األم‪%%‬ة كله‪%%‬ا فيم‪%%‬ا بع‪%%‬د‪،‬‬
‫من ضياع مكانتها‪ ،‬وضياعها هي ذاهتا‪ ،‬وضياع فلسطني واقتطاعها من جس‪%%‬د األم‪%%‬ة احلي‪،‬‬
‫ليلتهمها اليهود‪.‬‬

‫حًّق ا! م ‪%% %‬ا أبع ‪%% %‬د الُّش قة بني قي ‪%% %‬ام احلرك ‪%% %‬ة الص ‪%% %‬ناعية يف أورب ‪%% %‬ا‪ ،‬وم ‪%% %‬ا البس ‪%% %‬ها من‬
‫مالبس‪%‬ات‪ ،‬وبني أن تك‪%‬ون ق‪%‬امت يف الع‪%%‬امل اإلس‪%‬المي‪ ،‬ال‪%‬ذي ك‪%‬ان ج‪%‬ديرًا أن تق‪%%‬وم في‪%‬ه‪ ،‬ل‪%‬و‬
‫بقي على صراط اهلل املستقيم‪.‬‬

‫ومل تكن ال‪%%‬رباءة من الرب‪%%‬ا ‪ -‬ال‪%%‬ذي ج ‪ّ%‬ر س‪%%‬يطرة اليه‪%%‬ود العاملي‪%%‬ة ‪ -‬هي اخلري الوحي‪%%‬د‬
‫ال ‪%%‬ذي ك ‪%%‬ان الع ‪%%‬امل ج ‪%%‬ديرًا أن يكتس ‪%%‬به من قي ‪%%‬ام احلرك ‪%%‬ة الص ‪%%‬ناعية يف الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي‪ .‬ب ‪%%‬ل‬
‫كانت معها النجاة من شرور كثرية أخرى وقعت يف األرض‪.‬‬

‫‪ )?(161‬مل تكن ض ‪%%‬رورة يف احلقيق ‪%%‬ة‪ .‬فق ‪%%‬د نش ‪%%‬أت تل ‪%%‬ك " الض‪%% %‬رورة " الومهي ‪%%‬ة من أن املال الوف ‪%%‬ري مل يكن‬
‫مت ‪%%‬وافرًا إال يف ي ‪%%‬د أم ‪%%‬راء اإلقط ‪%%‬اع واملرابني اليه ‪%%‬ود‪ ،‬فلم ‪%%‬ا امتن ‪%%‬ع اإلقط ‪%%‬اعيون عن متوي ‪%%‬ل الث ‪%%‬ورة الص ‪%%‬ناعية‬
‫للظروف اليت بيناه‪%‬ا يف فص‪%‬ل " الس‪%‬يطرة العاملي‪%‬ة لليه‪%‬ود "‪ ،‬انفتح الب‪%‬اب على مص‪%‬راعيه للم‪%‬رابني‪ ..‬ولكن‬
‫هذا الوض‪%‬ع اإلقط‪%‬اعي ذاته ك‪%‬ان نتيج‪%‬ة لع‪%‬دم حتكيم ش‪%‬ريعة اهلل يف أورب‪%‬ا‪ ،‬وحتكيم الق‪%‬انون الروم‪%‬اين ب‪%‬دًال‬
‫منها‪ ،‬وسكوت الكنيسة على هذا الوضع‪ ،‬بل تشجيعه كذلك!‬

‫(‪)188‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وخذ فقط " قضية المرأة "‪.‬‬

‫لق‪%% %‬د نش‪%% %‬أت القض‪%% %‬ية كم‪%% %‬ا ش‪%% %‬رحنا يف ه‪%% %‬ذا الكت‪%% %‬اب ‪ -‬ويف غ‪%% %‬ريه من قب‪%% %‬ل ‪ -‬من‬
‫اض‪%%‬طرار املرأة األوربي‪%%‬ة للعم‪%%‬ل حني ن‪%%‬زح كافله‪%%‬ا من الري‪%%‬ف إىل املدين‪%%‬ة للعم‪%%‬ل وتركه‪%%‬ا بال‬
‫عائ‪%‬ل‪ ،‬فتبعت‪%‬ه إىل املدين‪%‬ة لتعم‪%‬ل لتس‪%‬د جوعته‪%‬ا‪ ،‬فاس‪%‬تغلها أص‪%‬حاب املص‪%‬انع اس‪%‬تغالًال رديئ‪ً%‬ا‪،‬‬
‫إذ ساوموها على شرفها من جهة‪ ،‬وأعطوها نصف أجر الرجل الذي تعمل مع‪%%‬ه يف املص‪%%‬نع‬
‫نفس‪%% %‬ه وتؤدي الق‪%% %‬در ذاته من س‪%% %‬اعات العم‪%% %‬ل‪ .‬فأص‪%% %‬بحت هلا " قض‪,, ,‬ية "‪ ،‬هي قض‪%% %‬ية "‬
‫المساواة م‪,,‬ع الرجل في األجر "‪ ،‬مث تط‪%%‬ورت ح‪%%‬ىت ص‪%%‬ارت " المساواة م‪,,‬ع الرجل في‬
‫كل شيء "‪ ،‬وك‪%%‬ان من بني " ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء " ح‪%%‬ق الفس‪%%‬اد ال‪%%‬ذي يس‪%%‬مونه ح‪%%‬ق " االس‪%%‬تمتاع‬
‫باحلياة! " ‪.Enjoy yourself‬‬

‫فه‪,,‬ل كان شيء من ذل‪,,‬ك كله يمكن أن يح‪,,‬دث ل‪,,‬و ق‪,,‬امت الحركة الص‪,,‬ناعية‬
‫في العالم اإلسالمي؟!‬

‫لق ‪%%‬د كف ‪%%‬ل اإلس ‪%%‬الم للم ‪%%‬رأة من يكفله ‪%%‬ا يف جمي‪,,‬ع أحواله‪,,‬ا‪ ،‬حبيث ال حتت ‪%%‬اج ‪ -‬يف‬
‫األح‪%%‬وال العادي‪%%‬ة ‪ -‬للعم‪%%‬ل‪ ،‬ويكفله‪%%‬ا بيت املال حني ال يك‪%%‬ون هلا أي كاف‪%%‬ل من أس‪%%‬رهتا‪ .‬مث‬
‫إذا اض‪%%‬طرت إىل العم‪%%‬ل ف‪%%‬إن عدال‪%%‬ة اإلس‪%%‬الم تس‪%%‬وي بني األج‪%%‬ر واجله‪%%‬د املب‪%%‬ذول‪ ،‬ومن مث مل‬
‫تكن لتوجد للمرأة قضية أصًال‪ ،‬ومل يكن ليتاح للش‪%‬ياطني أن يس‪%‬تخدموا تل‪%‬ك القض‪%‬ية كم‪%‬ا‬
‫استخدموها بالفعل إلفساد اجملتمع البشري كله (‪.)162‬‬

‫ولقائ ‪%%‬ل أن يق ‪%%‬ول‪ :‬إن املرأة ك ‪%%‬انت مظلوم ‪%%‬ة يف اجملتم ‪%%‬ع األوريب وك ‪%%‬ان ال ب ‪%%‬د من‬
‫إنص‪%%‬افها‪ ،‬فنق‪%%‬ول‪ :‬نعم! ك‪%%‬ان ال ب‪%%‬د! ولكن بغ‪%%‬ري ه‪%%‬ذا الفس‪%%‬اد اهلائ‪%%‬ل ال‪%%‬ذي ح‪ّ%‬ل ب‪%%‬األرض من‬
‫ج‪%%‬راء حتطيم ال‪%%‬دين واألخالق والتقالي‪%%‬د‪ ،‬وإطالق األوالد والبن‪%%‬ات بال ح‪%%‬واجز وال ض‪%%‬وابط‬
‫حىت كضوابط احليوان!‬

‫ولقائل آخر أن يقول‪ :‬إن املرأة يف اجملتمع اإلسالمي ذاته ك‪%%‬انت مظلوم‪%%‬ة وك‪%%‬ان ال‬
‫بد من إنصافها‪ ،‬فنقول‪ :‬نعم! كان ال بد! ولكن الذي ظلمه‪%%‬ا مل يكن اإلس‪%%‬الم! إمنا ك‪%%‬انت‬
‫ِر َّدة جاهلية من املسلمني يف نظرهتم إىل املرأة ومعاملتهم هلا‪ ،‬فك‪%%‬ان التص‪%%‬حيح هو الرجوع‬
‫إلى اإلسالم الصحيح!‬

‫‪ )?(162‬يفرق اإلس‪%‬الم بني الرج‪%‬ل واملرأة يف املال املوروث باعتب‪%‬ار التك‪%‬اليف امللق‪%‬اة على ع‪%‬اتق ك‪%‬ل منهم‪%‬ا‪.‬‬
‫فالرج ‪%%‬ل ين ‪%%‬ال مث ‪%%‬ل ح ‪%%‬ظ األنث ‪%%‬يني وُيكل ‪%%‬ف يف ال ‪%%‬وقت ذاته باإلنف ‪%%‬اق على األس ‪%%‬رة‪ ،‬واملرأة تأخ ‪%%‬ذ نص ‪%%‬ف‬
‫نصيب الرجل وال ُتكلف باإلنفاق‪ .‬أما املال املكتسب فال تفريق فيه‪.‬‬

‫(‪)189‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويف مجي‪%% %‬ع األح‪%% %‬وال مل تكن لتت‪%% %‬اح للش‪%% %‬عب الش‪%% %‬يطان تل‪%% %‬ك الفرص‪%% %‬ة " الذهبي‪%% %‬ة "‬
‫إلفساد األمميني‪ ،‬واستحمارهم‪ ،‬لتنفيذ خمططاته الشيطانية‪..‬‬

‫وخ‪%%‬ذ ك‪%%‬ذلك " النظري‪%%‬ات العلمي‪%%‬ة " الزائف‪%%‬ة ال‪%%‬يت أفس‪%%‬دت الفك‪%%‬ر األوريب‪ ،‬ومن مث‬
‫الفكر العاملي كله‪ :‬نظري‪%‬ات م‪%‬اركس وفروي‪%‬د ودورك‪%‬امي وفري‪%‬زر (‪ )163‬ودارون وغ‪%‬ريهم من‬
‫" العباقرة "!‬

‫فل‪%%‬و مل يكن لليه‪%%‬ود الس‪%%‬يطرة ال‪%%‬يت أح‪%%‬دثها هلم قبض‪%%‬هم على ناص‪%%‬ية الث‪%%‬ورة الص‪%%‬ناعية‬
‫وامتالك الذهب‪ ،‬فهل كان يتوقع هلذه النظريات " العلمية " أن تنتش‪%%‬ر يف األرض‪ ،‬وحُت دث‬
‫ما أحدثت من الفساد؟!‬

‫مل يكن دارون أول قائ‪%% %‬ل بنظري‪%% %‬ة التط‪%% %‬ور‪ ..‬فق‪%% %‬د س‪%% %‬بقه الم‪%% %‬ارك‪ ،‬وم‪%% %‬اتت نظري‪%% %‬ة‬
‫الم ‪%%‬ارك يف مه ‪%%‬دها‪ ،‬ألهنا مل جتد البيئ ‪%%‬ة الص ‪%%‬احلة لالنتش ‪%%‬ار‪ .‬وك ‪%%‬انت نظري ‪%%‬ة دارون قمين ‪%%‬ة أن‬
‫متوت كما ماتت نظرية المارك‪ ،‬أو تنحصر يف النطاق العلمي املعملي وحده‪ُ ،‬يص‪%%‬دقها من‬
‫ُيص ‪%%‬دقها‪ ،‬وُيعارض‪%%‬ها من ُيعارض‪%%‬ها باألدّل ة العلمي‪%%‬ة‪ ،‬دون أن متت‪%%‬د إىل مي‪%%‬دان العقائ‪%%‬د والقيم‬
‫واألخالق كم ‪%% %‬ا ُم ّد دت عم ‪%% %‬دًا‪ ،‬على ي ‪%% %‬د م ‪%% %‬اركس وفروي ‪%% %‬د ودورك ‪%% %‬امي‪ ،‬لتحطيم ال ‪%% %‬دين‬
‫(‪)164‬‬
‫واألخالق والتقاليد‪ ،‬األعداء األلداء لليهود‬

‫وك‪%%‬ان التفس‪%%‬ري املادي للت‪%%‬اريخ ال‪%%‬ذي ابتدع‪%%‬ه م‪%%‬اركس‪ ،‬والتفس‪%%‬ري اجلنس‪%%‬ي للس‪%%‬لوك‬
‫ال‪%‬ذي ابتدع‪%‬ه فروي‪%‬د‪ ،‬والتفس‪%‬ري اجلمعي للس‪%‬لوك الف‪%‬ردي ال‪%‬ذي ابتدع‪%‬ه دورك‪%‬امي على أس‪%‬اس‬
‫نظري‪%%‬ة " القطي‪%%‬ع " أو " العق‪%%‬ل اجلمعي "‪ ..‬ك‪%%‬انت كله‪%%‬ا ميكن أن تظ‪%%‬ل " نظري‪%%‬ات " تن‪%%‬اقش‬
‫على مس‪%%‬توى العلم‪%%‬اء‪ُ ،‬يواف‪%%‬ق عليه‪%%‬ا من ُيواف‪%%‬ق‪ ،‬وُيعارض‪%%‬ها من ُيع‪%%‬ارض‪ ،‬دون أن ميت‪%‬د هليبه‪%%‬ا‬
‫إل احلي‪%%‬اة الواقعي‪%%‬ة لتلتهم مقّد س‪%%‬ات البش‪%%‬ر وِقَيمهم العلي‪%%‬ا‪ ،‬وتلبس احلّق بالباط‪%%‬ل على طريق‪%%‬ة‬
‫اليهود‪:‬‬

‫(َي ا َأْه َل اْلِكَت اِب ِلَم َتْلِبُس وَن اْلَح َّق ِباْلَباِط ِل َو َتْك ُتُم وَن اْلَح َّق َو َأْنُتْم َتْع َلُم وَن )‪.‬‬
‫[سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]71‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ )?(163‬فري‪%%‬زر " ع‪%%‬امل " بريط‪%%‬اين ختص‪%%‬ص يف دراس‪%%‬ة القبائ‪%%‬ل البدائي‪%%‬ة‪ ،‬مث زعم أن ال‪%%‬دين ال‪%%‬ذي نق‪%%‬ول عن‪%%‬ه إن‪%%‬ه‬
‫مساوي‪ ،‬إن هو إال " تطور " للديانات البدائية الوثنية!!‬
‫‪ )?(164‬إقرأ – إن شئت – فصل " دور اليهود يف إفساد أوربا " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫(‪)190‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫م‪%%‬ا أبع‪%%‬د الّش قة بني قي‪%%‬ام احلرك‪%%‬ة الص‪%%‬ناعية يف الع‪%%‬امل اإلس‪%%‬المي املتن‪%%‬ور‪ ،‬وقيامه‪%%‬ا يف‬
‫أوربا اليت خترج من جاهلية إىل جاهلية‪ ،‬تتخّبط فيها كما يتخبط الذي مّس ته الشياطني‪.‬‬

‫وقد قال تعاىل عن الربا‪:‬‬


‫ِم‬ ‫َّل ِذ‬ ‫َّل ِذ‬
‫(ا يَن َي ْأُك ُلوَن الِّر با ال َيُقوُم وَن ِإاَّل َك َم ا َيُق وُم ا ي َيَتَخ َّبُط ُه الَّش ْيَطاُن َن‬
‫اْلَم ِّس )‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]275‬‬

‫فكي‪%% %‬ف بال‪%% %‬ذين ي‪%% %‬أكلون الرب‪%% %‬ا ومُي ارس‪%% %‬ون الف‪%% %‬واحش ويش‪%% %‬ربون اخلم‪%% %‬ر وُي دمنون‬
‫املخدرات ويتعمدون خمالفة أمر اهلل يف الكبرية والصغرية ليطيعوا أمر الشيطان؟!‬

‫لق ‪%%‬د تق ‪%%‬دمت أورب ‪%%‬ا تق ‪%%‬دمًا ه ‪%%‬ائًال يف العل ‪%%‬وم النظري ‪%%‬ة والتطبيقي ‪%%‬ة والعم ‪%%‬ارة املادي ‪%%‬ة‬
‫لألرض‪ ..‬ولكن هذا كله جاء على حساب " اإلنسان "‪ ،‬كم‪%%‬ا ق‪%%‬ال ألكس‪%%‬يس كاري‪%%‬ل حبق‬
‫يف كتابه اجليد " اإلنسان‪ ..‬ذلك المجهول "‪.‬‬

‫مل يكن مقتض ‪%%‬ى التق ‪%%‬دم العلمي واملادي ‪ -‬والسياس ‪%%‬ي واحلريب واالقتص ‪%%‬ادي ‪ -‬أن‬
‫خيرج الن‪%%‬اس من دينهم وأخالقهم وإنس‪%%‬انيتهم‪ ،‬وال ك‪%%‬ان مقتض‪%%‬ى حمافظ‪%%‬ة الن‪%%‬اس على دينهم‬
‫وأخالقهم وإنس ‪%% % % % % %‬انيتهم‪ ،‬أن يقع ‪%% % % % % %‬دوا عن التق ‪%% % % % % %‬دم العلمي واملادي والسياس ‪%% % % % % %‬ي واحلريب‬
‫واالقتص‪%% %‬ادي‪ ،‬كم ‪%%‬ا ختيلت أورب ‪%%‬ا يف جاهليته‪%% %‬ا املعاص‪%% %‬رة‪ ،‬وكم ‪%%‬ا خّيلت للن ‪%%‬اس من خالل‬
‫سيطرهتا على العامل‪.‬‬

‫إمنا ك‪%% %‬ان ذل‪%% %‬ك كل‪%% %‬ه الحنراف‪%% %‬ات حملي‪%% %‬ة يف أورب‪%% %‬ا من ناحي‪%% %‬ة‪ ،‬ولغي‪,, ,‬اب النم‪,, ,‬وذج‬
‫الصحيح من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ففي أوربا ك‪%‬انت الكنيس‪%‬ة ومفاس‪%‬دها وحتريفه‪%‬ا لل‪%‬دين‪ ،‬ويف الع‪%‬امل اإلس‪%‬المي ك‪%‬ان‬
‫الرتاجع واالحنسار والضعف‪ ،‬نتيج‪%‬ة التفري‪%‬ط يف دين اهلل‪ ،‬ويف املنهج الرب‪%‬اين ال‪%‬ذي أنزل‪%‬ه اهلل‬
‫لتستقيم به حياة الناس يف األرض‪:‬‬

‫(ِد ينًا ِقَيم‪ً,‬ا ِم َّل َة ِإْبَر اِه يَم َح ِنيف‪ً,‬ا َو َم ا َك اَن ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة األنع‪%%‬ام‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]161‬‬

‫كلتا األّم تني وقعت يف الوزر‪ .‬ولكن الوزر األك‪%%‬رب واألثق‪%%‬ل ال ش‪ّ%‬ك ه‪%%‬و وزر األم‪%%‬ة‬
‫اليت أخرجها اهلل لتكون خري أمة‪ ،‬ولتكون شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫(‪)191‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫كنقص القادرين على التمام‬ ‫ومل أر يف عيوب الناس عيبًا‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن قائًال قد يقول ‪ -‬وقد ق‪%%‬رأ التفس‪%%‬ري املادي للت‪%%‬اريخ وتأثر ب‪%%‬ه ‪ -‬ما قيمة " ل‪,‬و‬
‫" في عالم الواقع؟‬

‫إن الذي ح‪%‬دث بالفع‪%‬ل أن املس‪%‬لمني عج‪%‬زوا يف ع‪%‬امل الواق‪%‬ع عن حتقي‪%‬ق اإلس‪%‬الم يف‬
‫ص ‪%%‬ورته " املثالي ‪%%‬ة "‪ ،‬واحنس ‪%%‬روا وَض عفوا وَتراجع ‪%%‬وا‪ ،‬وأن أورب ‪%%‬ا تق ‪%%‬دمت وحتض ‪%%‬رت وتق ‪ّ%‬و ت‬
‫حني نب‪%%‬ذت ال‪%%‬دين‪ .‬فم‪%%‬وت ال‪%%‬دين إذن ك‪%%‬ان " حتمية تاريخية "‪ ،‬كم‪%%‬ا أن‪%%‬ه ك‪%%‬ان أم‪%%‬رًا الزم‪ً%‬ا‬
‫من أجل تقدم البشرية و " تطورها "‪.‬‬

‫وكال األمرين غري صحيح‪..‬‬

‫فأما بالنسبة ألورب‪%‬ا فلم يكن حتم‪ً%‬ا أن جتري األم‪%‬ور فيه‪%‬ا على النح‪%‬و ال‪%‬ذي وقعت‬
‫به‪.‬‬

‫لق‪%% %‬د ك‪%% %‬ان نب‪%% %‬ذ أورب‪%% %‬ا ل‪%% %‬دين ب‪%% %‬ولس ض‪%% %‬رورًّيا هلا بالفع‪%% %‬ل‪ ،‬لكي تنعت‪%% %‬ق من أغالل‪%% %‬ه‬
‫وأوهام ‪%%‬ه واحنرافاته‪ ،‬وتنطل ‪%%‬ق حنو الق ‪%%‬وة والعلم والتمكني يف األرض‪ .‬أم ‪%%‬ا نب ‪%%‬ذ ال ‪%%‬دين مجل ‪%%‬ة‪،‬‬
‫وإقامة احلي‪%%‬اة على أس‪%%‬س معادي‪%%‬ة لل‪%%‬دين فلم يكن ض‪%%‬رورة‪ ،‬إمنا هي حماقة جديدة ارتكبته‪,‬ا‬
‫الكنيسة مبحاربته‪%%‬ا لألث‪%‬ر ال‪%‬ذي أحدثت‪%‬ه الثقاف‪%‬ة اإلس‪%‬المية يف رب‪%‬وع أورب‪%‬ا‪ ،‬مث اس‪%‬تغل اليه‪%%‬ود‬
‫تلك احلماقة حلساهبم اخلاص‪.‬‬

‫وأم‪%%‬ا التمكني املادي ال‪%%‬ذي حص‪%%‬لت علي‪%%‬ه أورب‪%%‬ا بع‪%%‬د نب‪%%‬ذها ل‪%%‬دين ب‪%%‬ولس مث نب‪%%‬ذها‬
‫للدين عامة‪ ،‬فهو حقيقة واقعة‪ ،‬ولكنه ال حيمل الدالل‪%‬ة ال‪%‬يت ُتلص‪%‬ق دائم‪ً%‬ا ب‪%‬ه‪ ..‬ألن‪%‬ه ال حيم‪%‬ل‬
‫يف طياته شهادة " الصالحية " باملقي‪%‬اس اإلنس‪%‬اين الص‪%‬حيح‪ .‬فلق‪%‬د حق‪%‬ق ج‪%‬وانب من الكي‪%‬ان‬
‫اإلنس ‪%%‬اين وال ش ‪%%‬ك‪ ،‬ولكن ‪%%‬ه عج ‪%%‬ز عن حتقي ‪%%‬ق اجلانب األعلى واألك ‪%%‬رم واألمثن يف اإلنس ‪%%‬ان‪،‬‬
‫وهو " القيم العليا " اليت خلق اإلنسان من أجلها‪ ،‬ومن أجلها أسجدت له املالئكة‪.‬‬

‫ولق ‪%% % %‬د م ‪%% % %‬ر بن ‪%% % %‬ا يف الس ‪%% % %‬نن الرباني ‪%% % %‬ة أن التمكني يف األرض يعطي ‪%% % %‬ه اهلل للمؤم ‪%% % %‬نني‬
‫والكافرين‪ ،‬للمصلحني واملفسدين‪:‬‬

‫(‪)192‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(ُك ًاّل ُنِم ُّد َه ُؤ الِء َو َه ُؤ الِء ِم ْن َعَط اِء َر ِّب َك َو َم ا َك اَن َعَط اُء َر ِّب َك َم ْح ُظ ورًا)‪.‬‬
‫[سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫(َفَلَّم ا َنُس وا َم ا ُذِّك ُر وا ِبِه َفَتْحَنا َعَلْيِه ْم َأْبَو اَب ُك ِّل َش ْي ٍء )‪[ .‬سورة األنع‪%‬ام‪ ،‬اآلي‪%‬ة‬
‫‪.]44‬‬

‫فليس ه ‪%%‬ذا التمكني يف ذاته دليًال على ص ‪%%‬الحية الق ‪%%‬ائمني علي ‪%%‬ه! وال دليًال على أن‬
‫احلياة بال دين هي النظام األصلح‪ ،‬الذي يكتب ل‪%‬ه البق‪%‬اء يف األرض‪ ،‬وال‪%‬ذي ميث‪%‬ل تق‪%‬دمًا يف‬
‫حياة البشر!‬

‫ومهم‪%% %‬ا يكن من أم‪%% %‬ر فلن‪%% %‬دع أورب‪%% %‬ا تق‪%% %‬ول يف دينه‪%% %‬ا وأحواهلا م‪%% %‬ا تش‪%% %‬اء! ولن‪%% %‬دع‬
‫املفتونني بأوربا‪ ،‬املنهزمني أمام سيطرهتا‪ ،‬يقولوا نيابة عنها ما شاءت هلم هزميتهم!‬

‫أما بالنسبة لإلسالم‪ ،‬فإن القول بأن " موت الدين " كان حتمية تاريخية‪ ،‬قول‬
‫مردود بيقين‪.‬‬

‫وأبلغ رّد يبين فساد تلك القولة وبعدها عن الواقع‪ ..‬هو الصحوة اإلسالمية!‬

‫وق ‪%% %‬د أبقين ‪%% %‬ا احلديث عن الص ‪%% %‬حوة اإلس ‪%% %‬المية‪ ،‬إىل الفص ‪%% %‬ل الق ‪%% %‬ادم‪ " ..‬توقع‪,, ,‬ات‬
‫المستقبل "‪.‬‬

‫(‪)193‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫توقعات المستقبل‬
‫استعرضنا يف الفصول الثالثة املاضية أحوال القوى الثالث الرئيسية اليت تؤثر الي‪%‬وم‬
‫يف جمرى األحداث‪ :‬النصارى واليهود والمسلمين‪.‬‬

‫والصورة اليت استخلصناها من ه‪%%‬ذا الع‪%%‬رض هي سيطرة الجاهلية المعاص‪,,‬رة على‬


‫ربوع األرض ‪ -‬إال م ‪%%‬ا رحم رب ‪%%‬ك ‪ -‬والس ‪%%‬يطرة اليهودي ‪%%‬ة على ك‪ّ% %‬ل رب ‪%%‬وع األرض ال ‪%%‬يت‬
‫تس‪%%‬يطر عليه ‪%%‬ا اجلاهلي‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة‪ ،‬لك‪%%‬ون اليه ‪%%‬ود هم ال‪%%‬ذين يرمسون لتل‪%%‬ك اجلاهلي‪%%‬ة أفكاَر ه‪%%‬ا‬
‫وتص ‪%%‬وراهتا وسياس ‪%%‬تها واقتص ‪%%‬ادها‪ ،‬ال عن ج ‪%%‬ربوت ذايت فيهم‪ ،‬ولكن لغفل ‪%%‬ة احلراس ال ‪%%‬ذين‬
‫كّلفهم اهلل بقم ‪%%‬ع تل ‪%%‬ك الق ‪%%‬وة الش ‪%%‬ريرة والقي ‪%%‬ام باحلراس ‪%%‬ة عليه ‪%%‬ا‪ ..‬وعلى اجلانب اإلس ‪%%‬المي‬
‫يوجد الضعف المزري‪ ،‬والضياع والتخلف‪ ،‬والهوان والّذ ل‪.‬‬

‫واآلن يجيء السؤال‪ :‬هل المتوق ‪,,‬ع له ‪,,‬ذه األوض ‪,,‬اع أن تستمر على م ‪,,‬ا هي‬
‫عليه؟ أم أهنا بدأت تتحول بالفعل؟ ويف أي اجتاه يكون التحول املتوقع يف تل‪%‬ك األوض‪%‬اع؟‬
‫وإىل مىت تظل كلتا اجلاهليتني اليهودية والنصرانية يف وضع السيطرة واالستعالء؟‬

‫في صورة الحاضر بعض الخطوط التي يمكن أن تعيننا في محاولة استخالص‬
‫صورة للمستقبل‪:‬‬

‫‪ ‬اهنيار الشيوعية‪.‬‬
‫‪ ‬عوامل التفسخ يف اجملتمعات املعاصرة‪.‬‬
‫‪ ‬الكتل املتصارعة داخل املعسكر اجلاهلي‪.‬‬
‫‪ ‬الصحوة اإلسالمية‪.‬‬

‫تلك خطوط عامة حيتاج احلديث عنها إىل شيء من البيان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كث ‪%%‬ري من الن ‪%%‬اس تس ‪%%‬تهويه األح ‪%%‬داث السياس ‪%%‬ية‪ ،‬وتتب ‪%%‬ع ص ‪%%‬راعات الكت ‪%%‬ل املتص ‪%%‬ارعة‬
‫على سطح األرض اليوم‪ ،‬العتقاده أن اخلط السياسي هو الذي ُيقّر ر مصاير األم‪%%‬ور‪ ،‬فض‪ً%‬ال‬
‫عن كون حديث السياسة " هواية " خاصة عند كثري من الناس‪.‬‬

‫(‪)194‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن ‪%%‬ا نعتق ‪%%‬د أن الخط السياس‪,,‬ي ‪ -‬مهم ‪%%‬ا يكن من تأثريه يف جمرى األح ‪%%‬داث ‪-‬‬
‫ليس هو الذي ُيقّر ر ‪ -‬يف ق‪%%‬در اهلل ‪ -‬مص‪,,‬اير األم‪,,‬ور‪ ..‬وال ك‪%%‬ذلك األح‪,,‬وال االقتص‪,,‬ادية‬
‫ال ‪%%‬يت ي ‪%%‬رى بعض الن ‪%%‬اس أهنا أش‪ّ% %‬د فاعلي ‪%%‬ة يف تقري ‪%%‬ر مص ‪%%‬اير األم ‪%%‬ور من اخلط السياس ‪%%‬ي‪ ،‬إذا‬
‫يعتربون األوضاع السياسية إن هي إال حصيلة األوضاع االقتصادية يف هناية األمر‪.‬‬

‫وال ‪%%‬ذي نعتق ‪%%‬ده أن ال ‪%%‬ذي ُيق ‪ّ%‬ر ر املص ‪%%‬ري ه ‪%%‬و " المنهج " ال ‪%%‬ذي حيكم احلي ‪%%‬اة كله ‪%%‬ا‪،‬‬
‫جبوانبها مجيعًا‪ :‬السياسية واالقتصادية واالجتماعية والفكرية واخللقية‪ ،‬والذي حُي ّد د وض‪%%‬ع "‬
‫اإلنسان " وأحواله مع ربه‪ ،‬وأحواله مع نفسه‪ ،‬وأحواله مع اآلخرين‪.‬‬

‫وص ‪%% %‬حيح أن من س ‪%% %‬نة اهلل ‪ -‬كم ‪%% %‬ا أس ‪%% %‬لفنا الق ‪%% %‬ول ‪ -‬أن مُي كن ألص ‪%% %‬حاب املنهج‬
‫الفاسد‪ ،‬بل قد يزيدهم متكينًا كلما أمعنوا يف الفساد‪:‬‬

‫(ُك ًاّل ُنِم ُّد َه ُؤ الِء َو َه ُؤ الِء ِم ْن َعَط اِء َر ِّب َك َو َم ا َك اَن َعَط اُء َر ِّب َك َم ْح ُظ ورًا)‪.‬‬
‫[سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫(َفَلَّم ا َنُس وا َم ا ُذِّك ُر وا ِبِه َفَتْحَنا َعَلْيِه ْم َأْبَو اَب ُك ِّل َش ْي ٍء )‪[ .‬سورة األنع‪%‬ام‪ ،‬اآلي‪%‬ة‬
‫‪.]44‬‬

‫ولكن سنة اهلل تقول‪ :‬إنه متكني موق‪%‬وت مهم‪%‬ا ط‪%‬ال‪ ،‬وإن هن‪%‬اك عالم‪%‬ات ميكن أن‬
‫يستشف منها بوادر التدمري‪:‬‬

‫ُك ِّل َش ْي ٍء َح َّتى ِإَذا َفِر ُح وا ِبَم ا‬ ‫ا َل ِه َأ ا‬ ‫( َل ا وا ا ُذِّك وا ِب ِه‬


‫اَّلِذ يَن َظَلُم وا َو اْلَحْم ُد ِلَّل ِه َر ِّب‬ ‫ُأو وا َأ ْذَفا َّم َنُس َفِإَمَذا ُر ِل وَف ‪َ،‬تْحَن ُقِطَع ْي اْمِب ْباَوْلَقَبِم‬
‫ُه ْم ُمْب ُس َن َف َع َد ُر ْو‬ ‫ُت َخ َن ُه ْم َبْغَتًة‬
‫اْلَعاَلِم يَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]45 ،44‬‬

‫وليست البغتة هي الصورة الوحيدة لألخذ يف سنة اهلل‪:‬‬


‫ِت‬ ‫ِس‬ ‫ِت‬ ‫ِم ِذ‬
‫(َأَفَأ َن اَّل يَن َم َك ُر وا الَّس ِّيَئا ِف َأْن َي ِبْخ َف الَّل ُه ِبِهِبُم ِجاَأْلْرَض َأْو َيْأ َيُه ُم اْلَع َذ اُب‬
‫ِم ْن َح ْيُث ال َيْش ُعُر وَن ‪َ ،‬أْو َيْأُخ َذ ُه ْم ي َتَق ُّل ِه ْم َفَم ا ُه ْم ُم ْع ِز يَن ‪َ ،‬أْو َيْأُخ َذ ُه ْم َعَلى‬
‫َتَخ ُّو ٍف َفِإ َّن َر َّبُك ْم َلَر ُؤ وٌف َر ِح يٌم)‪[ .‬سورة النحل‪ ،‬اآليات ‪.]47 - 45‬‬

‫ولكنه في جميع األحوال يأخذهم‪!..‬‬

‫(‪)195‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومن هن ‪%%‬ا ف ‪%%‬إن أح ‪%%‬د اخلط ‪%%‬وط الواض ‪%%‬حة يف توقع ‪%%‬ات املس ‪%%‬تقبل أن يأخذ اهلل هذه‬
‫الجاهلية بصورة من الصور إن هي أصّر ت على المضي فيم‪,‬ا هي في‪,‬ه‪ ،‬ولم تغ‪,‬ير حاله‪,‬ا‬
‫مع اهلل‪.‬‬

‫أما صورة األخذ وموعده فهما معلقان مبش‪%‬يئة اخلالق املدّبر‪ ،‬وهي مش‪%%‬يئة طليق‪%%‬ة ال‬
‫حُت ّد ها حدود وال قيود‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نقطة اخللل اجلوهرية يف هذه اجلاهلية هي املنهج الذي اختارته لتعيش عليه‪ ..‬وهو‬
‫منهج غير صالح لالس‪,‬تمرار‪ ..‬ومن مث ف‪%%‬إن ص‪%%‬راعات الكت‪%%‬ل املتص‪%%‬ارعة يف داخ‪%%‬ل املعس‪%%‬كر‬
‫اجلاهلي ليست هي اليت نركز انتباهنا عليها يف هذه اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬وإن كن‪%‬ا نش‪%‬ري إليه‪%‬ا من ب‪%‬اب‬
‫تسجيل الواقع فحسب‪.‬‬

‫هناك صراعات متعددة في داخل المعسكر الجاهلي‪.‬‬

‫وقد كان الصراع األكرب ‪ -‬يف ظاهر األمر ‪ -‬ه‪%%‬و الص‪%%‬راع بني املعس‪%%‬كر الشيوعي‬
‫واملعسكر الرأسمالي‪.‬‬

‫ومل يكن الن‪%‬اس ُيص‪ّ%‬د قون حني نق‪%‬ول هلم‪ :‬إن‪%‬ه ص‪%‬راع غ‪%‬ري ج‪%‬وهري‪ ،‬ألن‪%‬ه ال يوج‪%‬د‬
‫فارق حقيقي يف القاعدة اليت ينطلق منها كل من املعسكرين‪ ،‬وإن اليهود هم الذين يث‪%%‬ريون‬
‫ه ‪%%‬ذا الص ‪%%‬راع ملص ‪%%‬لحتهم اخلاص ‪%%‬ة‪ .‬وك ‪%%‬ان الن ‪%%‬اس يقول ‪%%‬ون لن ‪%%‬ا‪ :‬أفكل شيء تنسبونه إلى‬
‫اليهود؟!‬

‫والقض‪%%‬ية ‪ -‬كم‪%%‬ا أش‪%%‬رنا إليه‪%%‬ا بوض‪%%‬وح يف ه‪%%‬ذا الكت‪%%‬اب ‪ -‬ليس‪%%‬ت ق‪%%‬وة اليه‪%%‬ود‪ ،‬إمنا‬
‫هي غفلة األمميني!‬

‫إن لعب‪%%‬ة " المعسكرين "‪ ،‬و " الص‪,,‬راع بين المعسكرين "‪ ،‬ال‪%%‬ذي ق‪%%‬د يص ‪%%‬ل إىل‬
‫ح ‪ّ%‬د احلرب أحيان ‪ً%‬ا‪ ،‬لعب ‪%%‬ة قدمية ك ‪%%‬ان اليه‪,,‬ود يلعبوهنا يف املدين ‪%%‬ة (ي ‪%%‬ثرب)‪ ،‬قب ‪%%‬ل اإلس ‪%%‬الم بني‬
‫األوس واخلزرج‪ ،‬أكرب قبيلتني يومئذ يف يثرب‪ .‬فكان اليهود يدخلون يف األوس‪ ،‬ويدخلون‬
‫يف اخلزرج‪ ،‬ويثريون الصراع بينهما من ال‪%‬داخل ح‪%‬ىت تق‪%‬ع بينهم‪%‬ا احلرب ال‪%‬يت ق‪%‬د يقت‪%‬ل فيه‪%‬ا‬
‫أفراد من اليهود من اجلهتني‪ .‬ولكن يظل لليهود مصلحة " عليا " ب‪%%‬ل أك‪%%‬ثر من مص‪%%‬لحة يف‬
‫تلك احلروب اليت يفقدون فيها بعض األفراد‪.‬‬

‫(‪)196‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فأول مصلحة يحققونها أال تأتلف القبيلتان فتكون هلما الزعام‪%%‬ة يف املدين‪%%‬ة ويفق‪%%‬د‬
‫اليهود مركزهم املتميز فيها‪.‬‬

‫والمص‪,, ,‬لحة الثاني‪,, ,‬ة‪ :‬ان إث‪%% %‬ارة حال‪%% %‬ة احلرب الدائم‪%% %‬ة بني القبيل‪%% %‬تني تنش‪%% %‬ط س‪%% %‬وق‬
‫السالح‪ ،‬واليهود هم الكاسبون من ذلك ألهنم هم جتار السالح يف املدينة!‬

‫وق ‪%%‬د ن‪ّ% %‬د د اهلل بأفع ‪%%‬اهلم تل ‪%%‬ك يف قول ‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل‪َ( :‬و ِإْذ َأَخ ْذ َنا ِم يَث اَقُك ْم ال َتْس ِف ُك وَن‬
‫ُؤ الِء‬ ‫ِم‬
‫ِد َم اَءُك ْم َو ال ُتْخ ِر ُج وَن َأْنُفَس ُك ْم ْن ِد َي اِر ُك ْم ُثَّم َأْقَر ْر ُتْم َو َأْنُتْم َتْش َه ُد وَن ‪ُ ،‬ثَّم َأْنُتْم َه‬
‫َتْق ُتُل وَن َأْنُف َس ُك ْم (‪َ )165‬و ُتْخ ِر ُج وَن َفِر يقًا ِم ْنُك ْم ِم ْن ِد َي اِر ِه ْم َتَظ اَه ُر وَن َعَلْيِه ْم ِب اِأْل ْثِم‬
‫ِن (‪)166‬‬
‫َو ُه َو ُمَح َّر ٌم َعَلْيُك ْم ِإْخ َر اُج ُه ْم‬ ‫َو ِإْن َي ْأُتوُك ْم ُأَس اَر ى ُتَف اُدوُه ْم‬
‫(‪)167‬‬
‫َو اْلُع ْد َو ا‬
‫ِخ‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِم‬
‫َأَفُتْؤ ُن وَن ِبَبْع ِض اْل َت اِب َو َتْك ُف ُر وَن ِبَبْع ٍض َفَم ا َج َز اُء َمْن َيْف َع ُل َذ َك ْنُك ْم ِإاَّل ْز ٌي‬
‫ِفي اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو َيْو َم اْلِق َياَم ِة ُيَر ُّدوَن ِإَلى َأَش ِّد اْلَع َذ اِب َو َم ا الَّل ُه ِبَغاِف ٍل َعَّم ا َتْع َم ُل وَن )‪.‬‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬اآليتان‪.]85 - 84 ،‬‬

‫فلما جاء اإلسالم ائتلفت القبيلتان‪ ،‬وآخى بينهما سول اهلل ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪،‬‬
‫وفقد اليهود كل شيء هناك!‬

‫ودار الزمن دورته‪ ،‬وغفل احلراس‪ ،‬فخرج اليهود يعيثون فسادًا يف األرض‪ ،‬ولعب‪%%‬وا‬
‫لعبتهم القدمية ل ‪%%‬ذات األه ‪%%‬داف‪ ،‬وإن يكن على مس ‪%%‬احة من األرض أوس ‪%%‬ع‪ ،‬ومس ‪%%‬احة من‬
‫البش ‪%%‬ر أوس ‪%%‬ع‪ ..‬من بني األمميني املس ‪%%‬تغفلني‪ ..‬فص ‪%%‬ارت األرض معس ‪%%‬كرين‪ ،‬ب ‪%%‬دًال من قبيل ‪%%‬يت‬
‫األوس واخلزرج يف ي ‪%%‬ثرب‪ ،‬ودخ ‪%%‬ل اليه ‪%%‬ود يف املعس ‪%%‬كرين ي ‪%%‬ديروهنما من ال ‪%%‬داخل‪ ،‬ويث ‪%%‬ريون‬
‫بينهما الصراع‪ ،‬حىت تظل السيطرة هلم يف النهاية‪ ،‬وحىت ُتَر ّو ج صناعة الس‪%%‬الح‪ ..‬وهم هم‬
‫تجار السالح!‬

‫ثم حين بدت لليه ‪,, ,‬ود مص ‪,, ,‬لحة في اتج ‪,, ,‬اه آخر أداروا الدّف ة وقّر بوا بين‬
‫المعسكرين المتنازعين!!‬

‫‪ )?(165‬بدخول احلرب املثارة بني األوس واخلزرج‪ ،‬فريق مع األوس وفريق مع اخلزرج!‬
‫‪ )?(166‬بتحريض األوس واخلزرج على احلرب فيما بينهما‬
‫‪ )?(167‬ك‪%%‬انوا يف‪%%‬دون األس‪%%‬رى من اجلانبني اتباع ‪ً%‬ا – يف زعمهم – ألوام‪%%‬ر اهلل يف الت‪%%‬وراة! بينم‪%%‬ا اهلل أم‪%%‬رهم‬
‫أيض‪ً% %‬ا أال يقتل ‪%%‬وا أنفس ‪%%‬هم وال يعرض ‪%%‬وا أنفس ‪%%‬هم للقت ‪%%‬ل‪ .‬فلم ‪%%‬اذا يطيع ‪%%‬ون أم ‪%%‬ر اهلل يف ف ‪%%‬داء األس ‪%%‬رى وال‬
‫يطيعونه يف عدم تعريض أنفسهم للقتل؟!‬

‫(‪)197‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫والتق‪%%‬ارب الواض‪%%‬ح بني روس‪%%‬يا وأمريك‪%%‬ا ل‪%%‬ه أك‪%%‬ثر من س‪%%‬بب يف احلقيق‪%%‬ة‪ ،‬وإن ك‪%%‬ان‬
‫ال ‪%%‬ذي تلق ‪%%‬ف املكس ‪%%‬ب األول من ورائ ‪%%‬ه هم اليه‪,,‬ود‪ ،‬ب ‪%%‬إطالق املاليني من اليه ‪%%‬ود ال ‪%%‬روس "‬
‫التكنولوجيين " كم‪%‬ا يص‪%‬فوهنم‪ ،‬ليس‪%‬توطنوا الض‪%‬فة الغربي‪%‬ة متهي‪%‬دًا إلنش‪%‬اء إس‪%‬رائيل الك‪%‬ربى‪،‬‬
‫كم ‪%%‬ا ق ‪%%‬ال ش ‪%%‬امري عالني ‪%%‬ة‪ ،‬وتع ‪%%‬امت ك ‪%%‬ل من روس ‪%%‬يا وأمريك ‪%%‬ا عن تص ‪%%‬رحيه‪ ،‬وس ‪%%‬كتت عن‬
‫الكالم املباح!‬

‫لق‪%%‬د ك‪%%‬ان من أس‪%%‬باب اهني‪%%‬ار الش‪%%‬يوعية يف روس‪%%‬يا‪ ،‬والتق‪%%‬ارب بني روس‪%%‬يا وأمريك‪%%‬ا‪،‬‬
‫االنهي ‪,,‬ار االقتص ‪,,‬ادي في روس ‪,,‬يا في ظ ‪,,‬ل النظام الش ‪,,‬يوعي‪ ،‬ال ‪%%‬ذي ب ‪%%‬دأ مبك ‪%%‬رًا من أي ‪%%‬ام‬
‫س‪,,‬تالين‪ ،‬فح‪%%‬اول س‪%%‬تالني أن يتغلب علي‪%%‬ه بإح‪%%‬داث كس‪%%‬ر مب‪%%‬دئي يف املب‪%%‬ادئ الش‪%%‬يوعية ال‪%%‬يت‬
‫تقضي باملساواة بني العمال يف األج‪%‬ور (‪ .)168‬ف‪%‬أعلن س‪%‬تالني أن هن‪%‬اك وح‪%‬دة عم‪%‬ل إجباري‪%‬ة‬
‫تكف‪%%‬ل للعام‪%%‬ل احلي‪%%‬اة يف أدىن درج‪%%‬ات الكف‪%%‬اف‪ .‬ومن وج‪%%‬د يف نفس‪%%‬ه فض‪%%‬لة من جه‪%%‬د فإن‪%%‬ه‬
‫يس‪%%‬تطيع أن ي‪%%‬ؤدي وح‪%%‬دة عم‪%%‬ل ثاني‪%%‬ة إض‪%%‬افية‪ ،‬ين‪%%‬ال مقابله‪%%‬ا ش‪%%‬يئًا مما يعت‪%%‬رب كمالي‪%%‬ات‪ ،‬وإن‬
‫كان يف احلقيقة من الضروريات!‬

‫مث اش‪%%‬تدت األزم‪%%‬ة أي‪%%‬ام خروشوف‪ ،‬يف اإلنت‪%%‬اج ال‪%%‬زراعي خاص‪%%‬ة‪ ،‬فح‪%%‬اول مواجهت‪%%‬ه‬
‫بإح ‪%%‬داث كس ‪%%‬ر آخ ‪%%‬ر يف املب ‪%%‬ادئ الش ‪%%‬يوعية‪ ،‬ال ‪%%‬يت تقض ‪%%‬ي بإلغ ‪%%‬اء امللكي ‪%%‬ة الفردي ‪%%‬ة إلغ ‪%%‬اًء باتًا‪،‬‬
‫وجع ‪%%‬ل امللكي ‪%%‬ة اجلماعي ‪%%‬ة ب ‪%%‬ديًال عنه ‪%%‬ا‪ ،‬فس ‪%%‬مح خروش ‪%%‬وف للفالحني مبلكي ‪%%‬ة عش ‪%%‬ر احملص ‪%%‬ول‬
‫ل ‪%%‬ذوات أنفس ‪%%‬هم‪ ،‬وامتالك ال ‪%%‬دار ال ‪%%‬يت يس ‪%%‬كنوهنا وم ‪%%‬ا فيه ‪%%‬ا من أدوات‪ ،‬وك ‪%%‬ان ق ‪%%‬د وض ‪%%‬ح‬
‫خلروش ‪%% %‬وف جي ‪%% %‬دًا أن ‪%% %‬ه إن ك ‪%% %‬ان اإلنت ‪%% %‬اج الص ‪%% %‬ناعي ميكن الس ‪%% %‬يطرة علي ‪%% %‬ه باحلدي ‪%% %‬د والن‪%% %‬ار‬
‫والتجس ‪%%‬س (‪ ،)169‬فاإلنت ‪%%‬اج ال ‪%%‬زراعي ال ميكن ض ‪%%‬بطه هبذه الوس ‪%%‬ائل إال إذا عني لك ‪%%‬ل فالح‬
‫م‪%%‬راقب أو جاس‪%%‬وس! فلج‪%%‬أ إىل تش‪%%‬جيع اإلنت‪%%‬اج بإع‪%%‬ادة احلافز الف‪%%‬ردي يف ص‪%%‬ورة من ص‪%%‬ور‬
‫التملك‪.‬‬

‫وم‪%%‬ع ذل‪%%‬ك فق‪%%‬د ظ ‪ّ%‬ل اإلنت‪%%‬اج يتن‪%%‬اقص باس‪%%‬تمرار لض‪%%‬عف احلوافز على العم‪%%‬ل‪ ،‬ح‪%%‬ىت‬
‫حتولت روس‪%% % % % % %‬يا من مص ‪ّ% % % % % %‬د ر ع‪%% % % % % %‬املي للقمح‪ ،‬إلى بلد يتسول القمح من أعدائ ‪,, , , ,‬ه‬
‫األيديولوجيين!‬

‫‪ )?(168‬ك‪%%‬ان م‪%%‬اركس ين‪%%‬ادي بوج‪%%‬وب املس‪%%‬اواة يف أج‪%%‬ور مجي‪%%‬ع " املواط‪%%‬نني " م‪%%‬ا دام‪%%‬وا ي‪%%‬ؤدون " مق‪%%‬دارًا "‬
‫واح‪%%‬دًا من العم‪%%‬ل بص‪%%‬رف النظ‪%%‬ر عن ن‪%%‬وع العم‪%%‬ل‪ ،‬ولكن عن‪%%‬د التط‪%%‬بيق على ي‪%%‬د لي‪%%‬نني وج‪%%‬د أن ه‪%%‬ذا غ‪%%‬ري‬
‫معقول‪ ،‬فاكتفى بتوحيد األجور بني العمال‪.‬‬
‫‪ )?(169‬يف اإلنت ‪%%‬اج الص ‪%%‬ناعي احلديث يق ‪%%‬وم ك ‪%%‬ل عام ‪%%‬ل جبزء حمدد من العم ‪%%‬ل فعن ‪%%‬د املراجع ‪%%‬ة ميكن معرف ‪%%‬ة‬
‫العامل املقص‪%‬ر‪ ،‬وعندئ‪%‬ذ يق‪%‬وم حملاكم‪%‬ة فوري‪%‬ة‪ ،‬وحيكم علي‪%‬ه باإلع‪%‬دام بتهم‪%‬ة التخ‪%‬ريب‪ ،‬وينف‪%‬ذ احلكم أم‪%‬ام‬
‫بقية العمال لإلرهاب‪.‬‬

‫(‪)198‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫عندئ ‪%%‬ذ اهت ‪%%‬دى جورباتش ‪,,‬وف ‪ -‬أو ُه ِدَي ‪ -‬إىل حتطيم النظ ‪%%‬ام الش ‪%%‬يوعي إلنق ‪%%‬اذ‬
‫روسيا ولو إىل حني!!‬

‫ولكن مثت سببًا آخر جوهرًّيا الهنيار الشيوعية ال تذكره املص‪%‬ادر الغربي‪%‬ة‪ ،‬كراهي‪%‬ة‬
‫منها أن تذكره‪ ،‬هو تأثير الجهاد األفغاني‪.‬‬

‫ف‪%%‬إن ص‪%%‬مود دول‪%%‬ة ص‪%%‬غرية ش‪%%‬به ع‪%%‬زالء أم‪%%‬ام وحش‪%%‬ية ال ‪ّ%‬د ّب الروس‪%%‬ي عش‪%%‬ر س‪%%‬نوات‬
‫متوالية‪ ،‬واضطرار روسيا يف هناية األمر إىل سحب قواهتا من أفغانستان‪ ،‬قد أثر دون شك‬
‫في زلزلة النظام من قواعده‪ ،‬وهو الذي كان الناس ينظرون إليه على أنه نظام جبار ق‪%%‬اهر‬
‫ال يغلب!‬

‫أما التقارب بني روسيا وأمريكا‪ ،‬الذي تال اهنيار الش‪%%‬يوعية‪ ،‬بل س‪,‬بقه بقلي‪,‬ل‪ ،‬فإن‪%%‬ا‬
‫جند تفسريه واضحًا يف كالم نيكسون الذي أشرنا إليه من قبل‪ ،‬وال‪%‬ذي ق‪%‬ال في‪%‬ه‪ :‬إن‪%‬ه ال ب‪%‬د‬
‫من تصفية اخلالفات بني روسيا وأمريكا ملواجهة اخلطر املشرتك‪ ،‬وهو اإلسالم!‬

‫وس‪%%‬واء ك‪%%‬ان التق‪%%‬ارب ق‪%%‬د ح‪%%‬دث من ج‪%%‬انب روس‪%%‬يا أو من ج‪%%‬انب أمريك‪%%‬ا أو من‬
‫جانبهم‪%% %‬ا مع ‪ً% %‬ا يف ال‪%% %‬وقت ذاته بتوجي‪%% %‬ه " القي ‪,,‬ادة العلي ‪,,‬ا " لك‪%% %‬ل منهم‪%% %‬ا‪ ،‬ال‪%% %‬يت تعني رئيس‬
‫اجلمهورية األمريكية على هواها ((وتقتله إن عصى!) (‪ ،)170‬وتتحكم ك‪%%‬ذلك يف اختي‪%%‬ار "‬
‫ال‪,,‬زعيم األوح‪,,‬د " يف روس‪%%‬يا‪ ..‬فق‪%%‬د ك‪%%‬ان اهلدف واح‪%%‬دًا وهو التكت‪,,‬ل لمواجه‪,,‬ة اإلس‪,,‬الم!‬
‫وهذا أح‪,, ,‬د الخط‪,, ,‬وط البارزة في ص‪,, ,‬حيفة الحاض‪,, ,‬ر‪ ،‬وص‪,, ,‬حيفة التوقع‪,, ,‬ات بالنسبة‬
‫للمستقبل!‬

‫وأًّي ا م‪%%‬ا ك‪%%‬ان األم‪%%‬ر فق‪%%‬د هبطت ح ‪ّ%‬د ة الص‪%%‬راع بني م‪%%‬ا ك‪%%‬ان ُيس‪%%‬مى " املعس‪%%‬كرين‬
‫الشرقي والغريب "‪ ،‬وبرزت صراعات جديدة‪.‬‬

‫فالتكتل األوريب املتمحور حول السوق األوربية املش‪%%‬رتكة‪ ،‬هو محاول‪,,‬ة للح‪ّ,‬د من‬
‫السيطرة األمريكية‪ ،‬ب‪%%‬إبراز كتل‪%%‬ة أوربي‪%%‬ة يف مواجهته‪%%‬ا‪ ،‬يك‪%%‬ون هلا ثق‪%%‬ل معني‪ ،‬لكي ال تنف‪,‬ر‬
‫أمريكا باتخذا القرار‪ .‬وإن كان هذا التكتل يف الوقت ذاته ُموّج هًا ضّد " العالم الث‪,,‬الث "‬
‫أي ض ‪,,‬د المسلمين! فاملس ‪%%‬لمون هم أك ‪%%‬ثر س ‪%%‬كان الع ‪%%‬امل الث ‪%%‬الث! واملقص ‪%%‬ود من الس ‪%%‬وق‬
‫األوربية املشرتكة هو الضغط االقتصادي‪ ،‬أو قل‪ :‬القهر االقتصادي للع‪,,‬الم الث‪,,‬الث‪ ،‬حبيث‬
‫ُيكره على بيع خاماته بأرخص األسعار‪ ،‬مث يشرتيها ‪ -‬مصنعة ‪ -‬بأغلى األسعار!‬

‫‪ )?(170‬كم‪%%‬ا قت‪%%‬ل ج‪%%‬ون كني‪%%‬دي ع‪%%‬ام ‪ 1963‬م حني وق‪%%‬ف يف وج‪%%‬ه مص‪%%‬احل اليه‪%%‬ود‪ ،‬على ال‪%%‬رغم من أن‪%%‬ه –‬
‫من وجهة نظره – كان يريد خدمة املصاحل القومية األمريكية!‬

‫(‪)199‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وعلى ال ‪%% %‬رغم من اتف ‪%% %‬اق مص ‪%% %‬لحة ه ‪%% %‬ذا التكت ‪%% %‬ل على إب ‪%% %‬راز وج ‪%% %‬ود أوريب ي ‪%% %‬وازن‬
‫الس ‪%%‬يطرة األمريكي ‪%%‬ة‪ ،‬فه ‪%%‬و حيم ‪%%‬ل ص ‪,,‬راعاته الداخلي ‪,,‬ة بني أملاني ‪%%‬ا املوح ‪%%‬دة وك ‪%%‬ل من فرنس ‪%%‬ا‬
‫وبريطاني‪%%‬ا‪ ،‬وبني فرنس‪%%‬ا املتش‪%%‬ددة جتاه أمريك‪%%‬ا وبريطاني‪%%‬ا املتس‪%%‬اهلة معه‪%%‬ا‪ ،‬الس‪%%‬ائرة يف ركاهبا‬
‫من أجل احلصول على بعض املساعدات االقتصادية منها!‬

‫ولكن ه‪%%‬ذه الص‪%%‬راعات كله‪%%‬ا ‪ -‬وإن اش‪%‬تدت بني احلني واحلني إىل درج‪%‬ة الت‪%‬أزم ‪-‬‬
‫ال ينبغي أن تكون هي التي تشغلنا‪ ،‬أو التي نعلق آمالنا عليها!‬

‫ص‪%%‬حيح أن بعض الثغ‪%%‬رات ق‪%%‬د يس‪%%‬تفيد منه‪%%‬ا املس‪%‬لمون أحيان‪ً%‬ا‪ .‬ولكن لنت‪%%‬ذكر دائم‪ً%‬ا‬
‫أن هذه الدول مهما تصارعت فيما بينه‪%%‬ا‪ ،‬ومهم‪%‬ا اش‪%‬تد الص‪%%‬راع بينه‪%%‬ا يف بعض األحي‪%‬ان ‪-‬‬
‫فكله ‪%%‬ا تقف موق ‪,,‬ف الع ‪,,‬داء من اإلس ‪,,‬الم والمسلمين! وكله ‪%%‬ا تق ‪%%‬ف م ‪%%‬ع إس ‪%%‬رائيل حبكم‬
‫العبودي‪%%‬ة لليه‪%%‬ود‪ ،‬ال‪%%‬يت تس‪%%‬يطر على أورب‪%%‬ا وأمريك‪%%‬ا! ومن ك‪%%‬ان يف ش‪ّ%‬ك من ذل‪%%‬ك فلينظ‪%%‬ر إىل‬
‫قض‪%%‬ية فلس‪%%‬طني كي‪%%‬ف عاجلته‪%%‬ا هيئ‪%%‬ة األمم وغريه‪%%‬ا من " المحافل الدولي‪,‬ة "‪ ،‬خالل أربعني‬
‫س‪%% %‬نة كامل‪%% %‬ة!! وكي‪%% %‬ف أن احملاوالت املزعوم‪%% %‬ة لالس‪%% %‬تفادة من الثغ‪%% %‬رات القائم‪%% %‬ة بني الكت ‪%%‬ل‬
‫الدولية من أجل صاحل " القضية "‪ ،‬مل ينتج عنه‪%%‬ا أي تق‪%%‬دم خالل تل‪%%‬ك الف‪%%‬رتة املدي‪%%‬دة!! إمنا‬
‫ظلت إس‪%% %‬رائيل تتوس‪%% %‬ع وتتوس‪%% %‬ع‪ ،‬وتط‪%% %‬رد الع‪%% %‬رب وتقتلهم وتعت‪%% %‬دي على مقدس‪%% %‬اهتم‪ ،‬و "‬
‫الدبلوماسية " يف حماولتها الفارغة لالستفادة من األوضاع الدولية تدور وتدور‪ ،‬وال تص‪%%‬ل‬
‫من دوراهنا إىل شيء!‬

‫ومن ك‪%% %‬ان يف ش‪%% %‬ك ك‪%% %‬ذلك‪ ،‬فلينظ‪%% %‬ر كي‪%% %‬ف ع‪%% %‬اجلت " احملاف‪%% %‬ل الدولي‪%% %‬ة " قض‪,, ,‬ية‬
‫كشمير!! اليت قال عنه‪%‬ا هنرو يف تبجح ال مثي‪%‬ل ل‪%‬ه‪ " :‬إن ح‪%‬ق تقري‪%‬ر املص‪%‬ري ح‪%‬ق وع‪%‬دل إال‬
‫يف كش‪%% %‬مري!! " وكي‪%% %‬ف ع‪%% %‬اجلت تل‪%% %‬ك احملاف‪%% %‬ل قض ‪,,‬ية الفلبين‪ ،‬وقض‪%% %‬ية أريتري ‪,,‬ا‪ ،‬وقض‪%% %‬ايا‬
‫املس‪%‬لمني ال‪%‬ذي حُي رق‪%‬ون أحي‪%‬اء يف اهلن‪%‬د‪ ،‬ويط‪%‬ردون من مس‪%‬اجدهم لتق‪%‬ام فيه‪%‬ا معاب‪%‬د وثني‪%‬ة‪..‬‬
‫بل فلينظ‪%%‬ر كي‪%%‬ف ع‪%%‬وجلت قض‪%%‬ية سلمان رشدي يف بريطاني‪%%‬ا!! وختّي ل مثًال أن كاتب‪ً%‬ا مس‪%%‬لمًا‬
‫كتب كتاب‪ً% %‬ا باإلجنليزي ‪%%‬ة يف بريطاني ‪%%‬ا ض ‪%%‬د اليه ‪%%‬ود‪ ..‬كي ‪%%‬ف ك ‪%%‬ان يك ‪%%‬ون موق ‪%%‬ف " السيدة‬
‫الحديدي‪,,‬ة " ال ‪%%‬يت أعلنت محايته ‪%%‬ا ل ‪%%‬ذلك املرتد‪ ،‬وق ‪%%‬الت‪ :‬إن ه ‪%%‬ذه قوانينن ‪%%‬ا‪ ..‬ومن مل تعجب ‪%%‬ه‬
‫قوانيننا فليغادر بالدنا!!‬

‫كَّال! من كان ُيعّلق آمال‪,,‬ه على ص‪,,‬راعات الكت‪,,‬ل المتص‪,,‬ارعة فسينتظر كث‪,,‬يرًا‪،‬‬
‫وسيحصل قليًال‪ ،‬إن حّص ل شيئًا على اإلطالق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪)200‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫الص‪,,‬حوة اإلس‪,,‬المية هي أبرز خط‪,,‬وط الحاض‪,,‬ر‪ ،‬وهي كذلك ‪ -‬فيم‪,,‬ا نتوق‪,,‬ع ‪-‬‬
‫أبرز خطوط المستقبل‪.‬‬

‫وال نق‪%%‬ول ه‪%%‬ذا من ب‪%%‬اب إلق‪%%‬اء الكالم على عواهن‪%%‬ه‪ ،‬وال من ب‪%%‬اب تص‪%%‬ديق األم‪%%‬اين‪،‬‬
‫وال من باب إعطاء احلركات اإلسالمية القائمة اليوم أكثر من حجمها احلقيقي‪.‬‬

‫إمنا نقول ذلك‪ :‬تتبعًا للسنن الربانية‪ ،‬ووعد اهلل ووعيده‪.‬‬

‫إن الفس‪%%‬اد الق‪%%‬ائم يف الغ‪%%‬رب الي‪%%‬وم ليس حمص‪%%‬ورًا يف دول‪%%‬ة معين‪%%‬ة‪ ،‬إمنا ه‪%%‬و فساد في‬
‫أصل " المنهج " كما بيّنا‪.‬‬

‫وانتق ‪%%‬ال الس ‪%%‬لطة ‪ -‬أو مراك ‪%%‬ز الثق ‪%%‬ل ‪ -‬من منطق ‪%%‬ة إىل منطق ‪%%‬ة يف داخ ‪%%‬ل املعس ‪%%‬كر‬
‫اجلاهلي لن يحّل مشكلة المنهج‪ ،‬فكلهم يعيشون منهجًا واحدًا أو مناهج متقاربة‪.‬‬

‫ب‪%%‬ل إن م‪%%‬ا ك‪%%‬ان يب‪%%‬دو من ص‪%%‬راع " أي‪,,‬ديولوجي " بني املعس‪%%‬رك الش‪%%‬رقي واملعس‪%%‬كر‬
‫الغريب مل يكن صراعًا جوهرًّيا يف حقيقته‪ .‬فالفرق ليس كبريًا بني ما كان يدين به املعس‪%%‬كر‬
‫الش‪%%‬يوعي وم‪%%‬ا ي‪%%‬دين ب‪%%‬ه املعس‪%%‬كر الرأمسايل من حيث س‪%%‬يطرة القيم املادي‪%%‬ة يف كليهم‪%%‬ا‪ ،‬ومن‬
‫حيث بعدمها عن املنهج الرباين‪ ،‬ونفورمها من األخذ به يف واقع احلياة‪ ...‬إنما كان الف‪,‬ارق‬
‫في الدرجة ال في النوع! يف الص ‪%% %‬ورة ال يف اجلوهر‪ .‬أم ‪%% %‬ا التص ‪%% %‬ورات‪ ،‬والقيم‪ ،‬وقاع ‪%% %‬دة‬
‫احلياة‪ ،‬وغاية الوجود‪ ..‬فالفارق فيها بني املعسكرين ضئيل ال يكاد حُي ّس !‬

‫واليوم على أي حال قد انهارت الشيوعية‪ ،‬واقترب " المعسكران " حتى كادا‬
‫يصبحان معسكرًا واحدًا!‬

‫وس‪%%‬واء ك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا االهني‪%%‬ار هنائًّي ا ‪ -‬وهو ما يبدو لنا أنه األرجح ‪ -‬بالنس‪%%‬بة لنظ‪%%‬ام‬
‫وص‪%% %‬ل يف مص‪%% %‬ادمته للفط‪%% %‬رة إىل أقص‪%% %‬ى املدى فس‪%% %‬قط‪ .‬أم ك‪%% %‬انت الش‪%% %‬يوعية ستس‪%% %‬عى إىل‬
‫اس ‪%%‬تعادة م ‪%%‬ا فقدته من األرض ‪ -‬وهو احتم ‪,,‬ل ض ‪,,‬عيف ‪ -‬فليس ‪%%‬ت املش ‪%%‬كلة كامن ‪%%‬ة فيمن‬
‫تكون له السيطرة يف املعسكر اجلاهلي‪ :‬روسيا‪ ،‬أم أمريكا‪ ،‬أم أملاني‪%%‬ا‪ ،‬أم الياب‪%%‬ان‪ ،‬أم الص‪%%‬ني‪.‬‬
‫أم يتن‪%%‬ازعون الس‪%%‬يطرة فيم‪%%‬ا بينهم‪ ..‬إنما المش‪,‬كلة أن المنه‪,‬د ال‪,‬ذي تعيش علي‪,‬ه الجاهلي‪,‬ة‬
‫كلها قد تهّر أ ولم يعد قادرًا على االستمرار إلى أمد طويل‪.‬‬

‫(‪)201‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولسنا نقول مع احلاملني‪ :‬إن اجلاهلية املسيطرة اليوم ستسقط يف الغد الق‪%%‬ريب‪ِ( .‬إاَّل‬
‫َأْن َيَش اَء َر ِّبي َش ْيئًا َو ِس َع َر ِّبي ُك َّل َش ْي ٍء ِع ْلم‪ً,‬ا)‪[ .‬س‪%%‬ورة األنع‪%%‬ام‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]80‬كم‪%%‬ا ج‪%%‬اء‬
‫على لسان إبراهيم يف القرآن الكرمي‪.‬‬

‫إمنا نق‪%%‬ول فق‪%%‬ط‪ :‬إن‪%%‬ه مقض‪%%‬ي عليه‪%%‬ا بالس‪%%‬قوط حس‪%%‬ب س‪%%‬نة اهلل‪ ،‬ملا تش‪%%‬تمل علي‪%%‬ه من‬
‫الفس ‪%%‬اد‪ .‬أم ‪%%‬ا س ‪%%‬رعة االهني ‪%%‬ار أو بط ‪%%‬ؤه ف ‪%%‬أمر متعل ‪%%‬ق مبش ‪%%‬يئة اهلل‪ ،‬وإن كان اس ‪,,‬تقراء السنة‬
‫الجاري ‪,,‬ة‪ ،‬واألس ‪,,‬باب القائم ‪,,‬ة في األرض الي ‪,,‬وم ُي وحي بأن انهيارها ق ‪,,‬د يكون بطيئًا‪،‬‬
‫لسببين اثنين على األقل‪:‬‬
‫(‪)171‬‬
‫السبب األول‪ :‬أن فيها إيجابيات غير قليلة‬

‫والسبب الثاني‪ :‬أن البديل لم ينضج بعد‪.‬‬

‫ولق‪%‬د ينتق‪%‬ل مرك‪%‬ز الثق‪%‬ل يف املعس‪%‬كر اجلاهلي أك‪%‬ثر من م‪%‬رة يف أثن‪%‬اء االهني‪%‬ار‪ ،‬كم‪%‬ا‬
‫انتق‪%%‬ل يف اجلاهلي‪%%‬ة األوىل أك‪%%‬ثر من م‪%%‬رة بني ف‪%%‬ارس وال‪%%‬روم‪ .‬وألمانيا هي إح‪%%‬دى املراك‪%%‬ز ال‪%%‬يت‬
‫ميكن أن ينتقل الثقل إليها‪ ،‬والصني واليابان من املراكز احملتملة ك‪%%‬ذلك‪ .‬ولكن ه‪%%‬ذا لن ُيغرّي‬
‫النتيجة يف النهاية‪ ..‬فالنهاية هي االنهيار‪..‬‬

‫واآلن فلننظر في أسباب االنهيار وعالماته‪ ..‬ولننظر في أمر البديل‪.‬‬

‫حتدث كث ‪%%‬ري من مفك ‪%%‬ري الغ ‪%%‬رب عن ب ‪%%‬وادر اهني ‪%%‬ار احلض ‪%%‬ارة الغربي ‪%%‬ة‪ ..‬ك ‪%%‬ل يرص ‪%%‬د‬
‫األمر من زاوية نظره اخلاصة‪ .‬فالفيلس‪%%‬وف الربيط‪%%‬اين " برتراند رس‪,‬ل " يق‪%%‬ول‪ " :‬لق‪%%‬د انتهى‬
‫العصر الذي يسود فيه الرجل األبيض‪ .‬وبقاء تلك الس‪%%‬يادة إىل األب‪%%‬د ليس قانون‪ً%‬ا من ق‪%%‬وانني‬
‫الطبيعة‪ " ..‬مث ُيعلل األمر بأن الرجل األبيض لم يعد لديه ما ُيعطيه!‬

‫والع ‪%% %‬امل الفرنس ‪%% %‬ي " ألكسيس كاري‪,, ,‬ل " يتح ‪%% %‬دث يف كتاب ‪%% %‬ه‪ " :‬اإلنسان ذل‪,, ,‬ك‬
‫المجهول " عن مظاهر االهنيار يف احلضارة الغربية‪ ،‬مث ُيعّللها بأن تلك احلضارة قد أنشئت‬
‫دون أية معرفة بطبيعة " اإلنسان " الذي أنشئت من أجله!‬

‫‪ )?(171‬تكلمنا عن هذه اإلجيابيات من قبل يف فصل " اجلاهلية املعاصرة "‪.‬‬

‫(‪)202‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويتحدث‪ " :‬جون فوستر داالس "‪ ،‬وزير اخلارجية األمريكية األس‪%%‬بق يف كتاب‪%%‬ه "‬
‫ح‪,,‬رب أم س‪,,‬الم "‪ ،‬عن إفالس احلض‪%%‬ارة الغربي‪%%‬ة ف‪%%‬ريّده إىل نقص اإلميان‪ ،‬واحلرية القائم‪%%‬ة يف‬
‫عقول الناس‪ ،‬والتآكل املوجود يف أرواحهم (‪.)172‬‬

‫وثالثتهم ‪ -‬كم‪%%‬ا ترى ‪ -‬يؤك‪%%‬دون انهي‪,‬ار الحض‪,,‬ارة القائم‪,‬ة الي‪,‬وم‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫األسباب اليت يعزون إليها االهنيار‪ .‬كما أن مجاهري الناس يف الغرب قد أخذت تش‪%%‬عر بل‪%%‬ذع‬
‫الضياع واحلرية‪ ،‬وتبحث يف هلفة عن البديل‪.‬‬

‫ونق‪%%‬ول حنن ‪ -‬من زاوية رص‪,,‬دنا اإلس‪,,‬المية ‪ -‬إن الفس‪%%‬اد األك‪%%‬رب يف املنهج الغ‪%%‬ريب‬
‫هو االستكبار عن عبادة اهلل‪ ،‬واتخاذ آلهة أخرى أندادًا هلل‪ ..‬وه‪%%‬و ال‪%%‬داء ذاته املتك‪%%‬رر يف‬
‫اجلاهليات كلها منذ بدء االحنراف البشري‪.‬‬

‫ويظن بعض املبه ‪%%‬ورين بوض ‪%%‬ع الغ ‪%%‬رب املس‪%%‬يطر‪ ،‬أن ه ‪%%‬ذا الوص ‪%%‬ف إن ج‪%%‬از يف ح‪%%‬ق‬
‫اجلاهلي‪%%‬ات البدائي‪%%‬ة القدمية فال جيوز يف ح‪%%‬ق " الحض‪,,‬ارة الغربي‪,,‬ة المعاص‪,,‬رة "‪ ،‬ألن‪%%‬ه وص‪%%‬ف‬
‫متالزم م ‪%%‬ع السذاجة وقلة العلم وقص‪,,‬ور التص‪,,‬ورات‪ ،‬وه ‪%%‬ذا كل ‪%%‬ه منت ‪ٍ%‬ف بالض ‪%%‬رورة عن‬
‫الذين سخروا طاقة الذرة‪ ،‬ووصلوا عن طريق العقول اإلليكرتونية إىل عجائب كانت تعترب‬
‫يف املاض ‪%%‬ي من املعج ‪%%‬زات‪ ..‬وال‪,,‬ذي يملكون من أدوات الت‪,,‬دمير م‪,,‬ا يكفي لت‪,,‬دمير وجه‬
‫األرض!‬

‫وحيسن بنا أن نعود مرة أخ‪%%‬رى إىل الت‪%%‬اريخ‪ ،‬لنتتب‪%%‬ع ج‪%%‬ذور االحنراف ال‪%%‬ذي أدى يف‬
‫النهاي ‪%%‬ة إىل اس ‪%%‬تكبار اجلاهلي ‪%%‬ة املعاص ‪%%‬رة عن عب ‪%%‬ادة اهلل‪ ،‬واختاذ آهلة أخ ‪%%‬رى أن ‪%%‬دادًا هلل‪ ..‬فرمبا‬
‫ك‪%%‬ان العرض الت‪,‬اريخي أك‪%%‬ثر إقناع‪ً%‬ا للمبه‪%%‬ورين بق‪%%‬وة الغ‪%%‬رب املادي‪%%‬ة‪ ،‬وأْع ون هلم على إزال‪%%‬ة‬
‫الغشاوة اليت تغش‪%‬ى على تفك‪%‬ريهم‪ .‬فق‪%‬د م‪ّ%‬ر الفك‪%‬ر األوريب مبجموع‪%‬ة من االختالالت ‪ -‬أو‬
‫الش‪%%‬طحات ‪ -‬جعلت‪%%‬ه يعج‪%%‬ز عن التوفي‪%%‬ق بني جمموع‪%%‬ة من " املوافق‪%%‬ات " الكائن‪%%‬ة يف الفط‪%%‬رة‪،‬‬
‫وينظ‪%%‬ر إليه‪%%‬ا على أهنا " متناقض‪,,‬ات " ال ميكن اجلم‪%%‬ع بينه‪%%‬ا‪ ،‬إمنا يأخ‪%%‬ذ اإلنس‪%%‬ان مكان‪%%‬ه منه‪%%‬ا‬
‫على أح ‪%%‬د الط ‪%%‬رفني املتناقض ‪%%‬ني‪ ،‬وي ‪%%‬رتتب على الط ‪%%‬رف ال ‪%%‬ذي خيت ‪%%‬اره من بني " النقيض ‪%%‬ني "‬
‫موقف‪%%‬ه من قض‪%%‬ايا الوج‪%%‬ود كله‪%%‬ا‪ ،‬ب‪%%‬دءًا من موقف‪%%‬ه من قض‪%%‬ية األلوهي‪%%‬ة‪ ،‬إىل قض‪%%‬ية اخلل‪%%‬ق‪ ،‬إىل‬
‫قض ‪%% %‬ية األخالق‪ ،‬إىل قض ‪%% %‬ية التش ‪%% %‬ريع‪ ،‬إىل قض ‪%% %‬ية العلم‪ ،‬إىل قض ‪%% %‬ية السياس ‪%% %‬ة‪ ،‬إىل قض ‪%% %‬ية‬
‫االقتصاد‪ ،‬إىل قضية الفن‪ ..‬اخل‪ ..‬اخل‪ ..‬اخل‪.‬‬

‫‪ )?(172‬انظر تصرحياهتم يف كتاب " املستقبل هلذا الدين "‪.‬‬

‫(‪)203‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وخنت‪%%‬ار من بني ه‪%%‬ذه االختالالت ال‪%%‬يت وق‪%%‬ع فيه‪%%‬ا الفك‪%%‬ر الغ‪%%‬ريب أربعة بالذات‪ ،‬ك‪%%‬ان‬
‫هلا األث‪%%‬ر األك‪%%‬رب يف تش‪%%‬كيل فك‪%%‬ر اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة وس‪%%‬لوكها وأخالقه‪%%‬ا‪ ،‬وال يع‪%%‬ين ه‪%%‬ذا أهنا‬
‫االختالالت الوحيدة يف ذلك الفكر‪ ،‬فهي كثرية كث‪%%‬رية‪ ،‬ولكن رمبا ك‪%%‬انت كله‪%%‬ا يف النهاي‪%%‬ة‬
‫راجعة إىل االختالت األربعة الكبرى اليت اخرتناها للحديث‪.‬‬

‫أول هذه االختالالت‪ :‬عج ‪,,‬ز الفكر الغ ‪,,‬ربي عن التوفي ‪,,‬ق بين فاعلي ‪,,‬ة ق ‪,,‬در اهلل‬
‫وفاعلية اإلنسان‪.‬‬

‫ففي الف‪%% %‬رتة الكنس‪%% %‬ية آمن الن‪%% %‬اس ‪ -‬بت‪%% %‬أثري التوجي‪%% %‬ه الكنس‪%% %‬ي ‪ -‬بفاعلي‪%% %‬ة ق‪%% %‬در اهلل‬
‫املطلقة‪ ،‬على حساب فاعلية اإلنسان‪ .‬فاهلل ه‪%‬و الفع‪%‬ال ملا ُيري‪%‬د‪ ،‬وق‪%‬دره ه‪%‬و الناف‪%‬ذ‪ ،‬والك‪%‬ون‬
‫مجيع‪ً%‬ا مس‪ّ%‬خ ر ب‪%%‬أمره‪ ،‬واإلنس‪%%‬ان ك‪%%‬ذلك ُم س‪ّ%‬خ ر ب‪%%‬أمر اهلل‪ ،‬ال ميل‪%%‬ك من أم‪%%‬ر نفس‪%%‬ه ش‪%%‬يئًا‪ ،‬وال‬
‫من أمر غريه‪ .‬فهو السلبية الكاملة إزاء اإلجيابية املطلقة‪.‬‬

‫وال ش‪%%‬ك أن فاعلي‪%%‬ة ق‪%%‬در اهلل حقيق‪%%‬ة أزلي‪%%‬ة ك‪%%‬ربى‪ ،‬ال يص‪ّ%‬ح دون التس‪%%‬ليم هبا إميان‪،‬‬
‫وال تسلم عقيدة‪ ،‬وال يستقيم فكر‪ .‬وأي تصور خيالف هذه احلقيقة هو شرك صريح‪.‬‬

‫ولكن اإلميان بفاعلي‪%%‬ة ق‪%%‬در اهلل مل يكن يتقض‪%%‬ي بالض‪%%‬رورة اإلميان بس‪%%‬لبية اإلنس‪%%‬ان‪،‬‬
‫على النحو الذي قدمته الكنيسة يف " عصر اإليمان "!‬

‫ولقد آمن املسلمون إميانًا حًّيا صادقًا بفاعلية قدر اهلل‪ ،‬ب‪%‬ل رمبا ك‪%‬انوا أص‪%%‬دق األمم‬
‫إميان ‪ً%‬ا هبذه احلقيق‪%%‬ة‪ ،‬من ش‪%%‬دة م‪%%‬ا ُر ِّك َز عليه‪%%‬ا يف كت‪%%‬اب اهلل الك‪%%‬رمي س‪%%‬واء يف جمال اخلل‪%%‬ق أو‬
‫الّر زق أو إجراء األحداث‪ ،‬أو اإلحياء واإلماتة‪ ،‬أو البعث والنشور واحلساب واجلزاء‪.‬‬

‫ولكن المسلمين آمنوا في ال‪,‬وقت ذات‪,‬ه بفاعلي‪,‬ة اإلنسان! ومل يكن إمياهنم هبذه‬
‫احلقيقة من عند أنفسهم‪ ،‬بل بوحي من توجيهات دينهم‪ ..‬وال تناقض بين األمرين‪.‬‬

‫فاهلل هو الذي خلق كل شيء وقدر كل شيء‪ ..‬ومن خل‪%‬ق اهلل وتق‪%%‬ديره أن‪%‬ه جع‪%%‬ل‬
‫لإلنس‪%%‬ان ق‪%%‬درًا من الفاعلي‪%%‬ة خيت‪%%‬ار ب‪%%‬ه بني اهلدى والض‪%%‬الل‪ ،‬ويك‪%%‬ون حماس‪%%‬بًا على اختي‪%%‬اره ي‪%%‬وم‬
‫احلساب‪:‬‬

‫(َو َنْف ٍس َو َم ا َس َّو اَه ا‪َ ،‬فَأْلَه َم َه ا ُفُج وَر َه ا َو َتْق َو اَه ا‪َ ،‬ق ْد َأْفَلَح َمْن َز َّك اَه ا‪َ ،‬و َق ْد‬
‫َخ اَب َمْن َدَّس اَه ا)‪[ .‬سورة الشمس‪ ،‬اآليات ‪.]10 - 7‬‬

‫(‪)204‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو ُقِل اْلَح ُّق ِم ْن َر ِّبُك ْم َفَمْن َش اَء َفْلُيْؤ ِم ْن َو َمْن َش اَء َفْلَيْك ُف ْر )‪[ .‬س‪%%‬ورة الكه‪%%‬ف‪،‬‬
‫اآلية ‪.]29‬‬

‫(َق ْد َج اَءُك ْم َبَص اِئُر ِم ْن َر ِّبُك ْم َفَمْن َأْبَص َر َفِلَنْف ِس ِه َو َمْن َعِم َي َفَعَلْيَه ا َو َم ا َأَن ا‬
‫َعَلْيُك ْم ِبَح ِف يٍظ )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.]104‬‬

‫وجتاور اإلميان بفاعلي‪%%‬ة ق‪%%‬در اهلل م‪%%‬ع اإلميان بفاعلي‪%%‬ة اإلنس‪%%‬ان يف قل‪%‬وب املس‪%‬لمني بال‬
‫تع ‪%%‬ارض وال تن‪%%‬اقض (ودع عن‪%%‬ك كالم املتكلمني يف قض ‪%%‬ية اجلرب واالختي‪%%‬ار ال‪%%‬يت ك‪%%‬انت من‬
‫آث ‪%%‬ار الغ ‪%%‬زو الفك ‪%%‬ري واإلغ ‪%%‬ريقي املبك ‪%%‬ر يف حي ‪%%‬اة املس ‪%%‬لمني‪ ،‬وك ‪%%‬انت " كالم‪ً% %‬ا " معلق‪ً% %‬ا يف‬
‫األب‪%%‬راج العاجي‪%%‬ة ال ي‪%%‬نزل إىل واق‪%%‬ع الن‪%%‬اس)‪ ،‬وانطل‪%%‬ق املس‪%%‬لمون انطالقتهم الك‪%%‬ربى يف األرض‬
‫يف جمي‪,,‬ع المي‪,,‬ادين‪ ،‬من جه‪%%‬اد لنش‪%%‬ر ال‪%%‬دعوة‪ ،‬إىل علم‪ ،‬إىل سياس‪%%‬ة داخلي‪%%‬ة وخارجي‪%%‬ة‪ ،‬إىل‬
‫جتارة‪ ،‬إىل ص‪%% %‬ناعة‪ ،‬إىل حض‪%% %‬ارة متع‪%% %‬ددة اجلوانب‪ ،‬يؤمن‪%% %‬ون بفاعلي‪%% %‬ة اإلنس‪%% %‬ان يف األرض‪،‬‬
‫ويؤمنون يف الوقت ذاته بأن األمر كل‪%‬ه هلل‪ ،‬فيض‪%‬ربون يف األرض‪ ،‬وي‪%‬أكلون من رزق اهلل ‪-‬‬
‫كما أمرهم اهلل ‪ -‬مطمئنني يف الوقت ذاته إىل قدر اهلل‪:‬‬

‫َلُك اَأْل َذُلوًال َفا ُش وا ِفي َناِكِب ا ُك ُل وا ِم ِر ْز ِقِه ِإَل ِه‬ ‫ِذ‬
‫َو ْي‬ ‫ْن‬ ‫َم َه َو‬ ‫ْم‬ ‫(ُه َو اَّل ي َجَعَل ُم ْرَض‬
‫الُّنُش وُر )‪[ .‬سورة امللك‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫(اَّل ِذ يَن آَم ُن وا َو َتْطَم ِئُّن ُقُل وُبُه ْم ِب ِذ ْك ِر الَّل ِه َأال ِب ِذ ْك ِر الَّل ِه َتْطَم ِئُّن اْلُقُل وُب )‪.‬‬
‫[سورة الرعد‪ ،‬اآلية ‪.]28‬‬

‫" واعلم أن ما أصابك لم يكن ليفوتك وأن ما فاتك لم يكن ليصيبك " (‪.)173‬‬

‫ومن ه ‪%% %‬ذا الت ‪%% %‬وازن اجلمي ‪%% %‬ل يف االعتق ‪%% %‬اد‪ ،‬حتق ‪%% %‬ق توازن مجي ‪%% %‬ل يف واق ‪%% %‬ع األرض‪،‬‬
‫فخرجت حضارة تعمل بأقصى طاقتها وفاعليتها في تعمير األرض‪ ،‬وهي مؤمنة باهلل‪.‬‬

‫ولكن الفك‪%%‬ر الغ‪%%‬ريب عج‪%%‬ز عن االهت‪%%‬داء إىل ه‪%%‬ذا التواف‪%%‬ق اجلمي‪%%‬ل املت‪%‬وازن‪ ،‬س‪%%‬واء يف‬
‫عهده الكنسي‪ ،‬أو يف عهده املتمّر د على الكنيسة‪..‬‬

‫يف العه‪%%‬د الكنس‪%‬ي كم‪%‬ا رأين‪%‬ا آمن بفاعلي‪%‬ة ق‪%‬در اهلل على حس‪%‬اب فاعلي‪%‬ة اإلنس‪%‬ان‪..‬‬
‫فلما احتك األوربيون باملسلمني يف احلروب الصليبية ويف جمال العلم واحلضارة يف األندلس‬
‫وغريه‪%%‬ا‪ ،‬انبعثت فيهم الرغب‪%%‬ة اجلياش‪%%‬ة يف احلي‪%%‬اة‪ ،‬ويف تعم‪%%‬ري األرض‪ ،‬ويف كش‪%%‬ف جماهيله‪%%‬ا‪،‬‬

‫‪ )?(173‬أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس‪.‬‬

‫(‪)205‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويف ممارس‪%‬ة النش‪%‬اط ال‪%‬ذي حّر مت‪%‬ه الرهباني‪%‬ة من قب‪%‬ل‪ ..‬فوج‪%‬دوا دينهم عائق‪ً%‬ا عن ذل‪%‬ك كل‪%‬ه‪،‬‬
‫فانقلبوا عليه انقالبة كاملة من أقصى اليمني إىل أقصى اليسار‪.‬‬

‫من اإلميان بفاعلي ‪%% %‬ة ق ‪%% %‬در اهلل على حس ‪%% %‬اب فاعلي ‪%% %‬ة اإلنس ‪%% %‬ان‪ ،‬إىل اإلميان بفاعلي ‪%% %‬ة‬
‫اإلنسان على حساب فاعلية قدر اهلل!‬

‫خلل واضح يف كلتا احلالتني‪..‬‬

‫واحلرك‪%%‬ة " اإلنس‪%%‬انية " ال‪%%‬يت تول‪%%‬دت عنه‪%%‬ا " العل‪%%‬وم اإلنس‪%%‬انية " (‪ )174‬يف أورب‪%%‬ا هي‬
‫الواقع العملي هلذا االنقالب يف الفكر األوريب‪ ..‬الذي ظل يتزايد ‪ -‬وال يرتاجع ‪ -‬إىل هذه‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫هي إميان بفاعلي‪%%‬ة اإلنس‪%%‬ان ونبذ لإلميان بق‪%%‬در اهلل! نش‪%%‬أت عن‪%%‬ه " حض‪%%‬ارة " واس‪%%‬عة‬
‫األطراف‪ ،‬ولكنها كافرة جاحدة باهلل!‬

‫وهكذا انتقلت أوربا من دين بال حضارة إلى حضارة بال دين!‬

‫وكان جوهر اخللل الذي وقعت فيه ه‪%‬و اختاذ اإلنس‪%‬ان نفس‪%‬ه ن‪ًّ%‬دا هلل‪ ،‬واختاذه ه‪%‬واه‬
‫إهلًا من دون اهلل!‬

‫(َو َجَعُلوا ِلَّلِه َأْنَد ادًا ِلُيِض ُّلوا َعْن َس ِبيِلِه)‪[ .‬سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪.]30‬‬

‫(َأَفَر َأْيَت َم ِن اَّتَخ َذ ِإَلَهُه َه َو اُه)‪[ .‬سورة اجلاثية‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬

‫وذل ‪,,‬ك هو جوهر الجاهلي ‪,,‬ة‪ ،‬س ‪,,‬واء الجاهلي ‪,,‬ة البدائي ‪,,‬ة الساذجة‪ ،‬أو جاهلي ‪,,‬ة‬
‫"العلم"‪ ،‬و " التمكن "‪ ،‬في القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والخلل الث ‪,,‬اني في الجاهلي ‪,,‬ة المعاص ‪,,‬رة‪ :‬هو العج ‪,,‬ز عن التوفي ‪,,‬ق بين ال ‪,,‬دنيا‬
‫واالخرة‪ ،‬وبين المادي والروحي في كيان اإلنسان‪.‬‬

‫‪ )?(174‬ال تقصد أوربا بالعلوم اإلنسانية العلوم املتعلقة باإلنسان كما نقلناها خط‪%%‬أ يف جامعاتن‪%‬ا! إمنا تقص‪%%‬د‬
‫العلوم اليت ال يرجع فيها إىل الوحي الرباين‪ ،‬إمنا يرجع فيها إىل معلومات اإلنسان وتصورات اإلنسان‪.‬‬

‫(‪)206‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ففي الف‪%‬رتة الكنس‪%‬ية آمنت أورب‪%‬ا ب‪%‬اآلخرة على حس‪%‬اب ال‪%‬دنيا‪ ..‬ونش‪%‬أت عن ذل‪%‬ك‬
‫الرهباني ‪%%‬ة وإمهال احلي ‪%%‬اة ال ‪%%‬دنيا‪ ..‬كم ‪%%‬ا آمنت باجلانب الروح ‪%%‬اين من اإلنس ‪%%‬ان على حس ‪%%‬اب‬
‫اجلانب املادي‪.‬‬

‫وال ش‪%%‬ك أن تع‪%%‬اليم املس‪%%‬يح علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم‪ ،‬ك‪%%‬انت متث‪%%‬ل دفع‪%%‬ة روحاني‪%%‬ة هائل‪%%‬ة‪ ،‬وأهنا‬
‫كانت تركز االهتمام على آلخرة‪.‬‬

‫وه ‪%%‬ذا أم ‪%%‬ر منطقي يف ك ‪%%‬ل رس ‪%%‬الة مساوية‪ ،‬ألن اإلنس ‪%%‬ان ‪ -‬يف املعت ‪%%‬اد ‪ -‬ي ‪%%‬ؤتى من‬
‫استحباب الدنيا على اآلخرة‪ ،‬واجنراف‪%‬ه م‪%‬ع دفع‪%‬ة الش‪%‬هوات ح‪%‬ىت تنس‪%‬يه رب‪%‬ه وآخرته فيجيء‬
‫الرسل صلوات اهلل وسالمه عليهم‪ ،‬لُيبّينوا للناس أن احلياة ال‪%‬دنيا مت‪%‬اع الغ‪%‬رور‪ ،‬وأن اآلخ‪%‬رة‬
‫خري وأبقى‪ ،‬وليدعوا الناس يف الوقت ذاته‪ ،‬إىل االرتفاع على ثقلة الشهوات‪.‬‬

‫ولئن ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذا أم ‪%%‬رًا منطقًّي ا م ‪%%‬ع ك ‪%%‬ل رس ‪%%‬الة مساوية‪ ،‬فق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان أوجب وأل ‪%%‬زم يف‬
‫رسالة املسيح عليه السالم إىل اليهود‪.‬‬

‫ذل ‪%%‬ك أن اليه ‪%%‬ود من بني ك ‪%%‬ل األمم ال ‪%%‬يت أرس ‪%%‬ل إليه ‪%%‬ا رس ‪%%‬ل من عن ‪%%‬د اهلل‪ ،‬ك ‪%%‬انوا‬
‫أش ‪ّ%‬د ها مادي ‪%%‬ة وقس ‪%%‬اوة قلب وانغماس ‪ً%‬ا يف حّب ال ‪%%‬دنيا وإمهال اآلخ ‪%%‬رة‪ ،‬فق ‪%%‬د عب ‪%%‬دوا العج ‪%%‬ل‬
‫ال ‪%%‬ذهب ‪ -‬ولم ت‪,,‬زايلهم عبادة ال‪,,‬ذهب إلى هذه اللحظة ‪ -‬وأس ‪%%‬اءوا األدب يف ح ‪%%‬ق اهلل‬
‫س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل‪ ،‬فق‪%%‬الوا‪ِ( :‬إَّن الَّلَه َفِق يٌر َو َنْح ُن َأْغِنَي اُء)‪[ .‬س‪%%‬ورة آل عم‪%%‬ران‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪.]181‬‬
‫وتعجرفوا على عباد اهلل‪ ،‬حىت وصفوهم بأهنم هم احلم‪%%‬ري ال‪%‬ذين خلقهم اهلل ل‪%‬ريكبهم ش‪%‬عب‬
‫اهلل املخت‪%%‬ار‪ ،‬وحرص‪%%‬وا على احلي‪%%‬اة أش ‪ّ%‬د احلرص‪َ( :‬و َلَتِج َد َّنُه ْم َأْح َر َص الَّناِس َعَلى َحَي اٍة)‪.‬‬
‫[س ‪%%‬ورة البق ‪%%‬رة‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة ‪ .]96‬وحّر ف ‪%%‬وا الت ‪%%‬وراة وِس رَي األنبي ‪%%‬اء لي ‪%%‬بيحوا ألنفس ‪%%‬هم ك ‪%%‬ل رذيل ‪%%‬ة‪،‬‬
‫وقالوا‪َ( :‬لْن َتَم َّس َنا الَّناُر ِإاَّل َأَّيامًا َم ْع ُد وَد اٍت )‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]24‬‬

‫فلزم لهم ‪ -‬في علم اهلل ‪ -‬جرعة روحي ‪,,‬ة هائلة‪ ،‬توازن م ‪%%‬اديتهم ال ‪%%‬يت غرق ‪%%‬وا‬
‫فيها‪ ،‬وتوجيٌه مرّك ز إىل اآلخرة ليوازن اشتغاهلم الشديد باحلياة الدنيا‪.‬‬

‫ولكن النص ‪%%‬ارى ‪ -‬ألم ‪%%‬ر م ‪%%‬ا ‪ " -‬تج ‪,,‬اوزوا المقدار " فلم يس ‪%%‬تخدموا العالج يف‬
‫مكان ‪%%‬ه‪ ،‬وبالق ‪%%‬در ال ‪%%‬ذي ينش ‪%%‬ئ الس ‪%%‬المة والت ‪%%‬وازن‪ ،‬وإمنا جنح ‪%%‬وا إىل الّر وحاني ‪%%‬ة وإىل الع ‪%%‬امل‬
‫اآلخر جنوحًا أدى هبم إىل الرهبانية‪ ،‬وإمهال مطالب اجلسد وكبته‪%%‬ا‪ ،‬وإمهال ال‪%‬دنيا وعم‪%‬ارة‬
‫األرض‪.‬‬

‫(‪)207‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ونشأن من ذلك اختالل يف حي‪%‬اهتم‪ ،‬متث‪%‬ل يف فض‪%‬ائح األدي‪%‬رة‪ ،‬وم‪%‬ا ح‪%‬دث فيه‪%‬ا من‬
‫املفاسد‪ ،‬ومتثل يف التخلف العلمي واملادي واحلضاري‪.‬‬

‫(َو َر ْه َباِنَّي ًة اْبَتَدُعوَه ا َم ا َك َتْبَناَه ا َعَلْيِه ْم ِإاَّل اْبِتَغ اَء ِر ْض َو اِن الَّل ِه َفَم ا َر َعْو َه ا َح َّق‬
‫ِر َعاَيِتَه ا َفآَتْيَن ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا ِم ْنُه ْم َأْج َر ُه ْم َو َك ِث يٌر ِم ْنُه ْم َفاِس ُقوَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة احلدي‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]27‬‬

‫وحني احت ‪%%‬ك النص ‪%%‬ارى باملس ‪%%‬لمني‪ ،‬ش ‪%%‬هدوا م ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان علي ‪%%‬ه املس ‪%%‬لمون يومئ ‪%%‬ذ من‬
‫نش‪%%‬اط م‪%%‬وار يف ك‪%%‬ل االجتاه‪%%‬ات‪ ،‬فت‪%%‬اقت أنفس‪%%‬هم إىل ممارس‪%%‬ة احلي‪%%‬اة يف ع‪%%‬امل الواق‪%%‬ع‪ ،‬ف‪%%‬انقلبوا‬
‫انقالب ‪%%‬ة كامل ‪%%‬ة من أقص ‪%%‬ى اليمني إىل أقص ‪%%‬ى الش ‪%%‬مال! من إمهال ال ‪%%‬دنيا إىل الفتن ‪%%‬ة هبا‪ ،‬ومن‬
‫إمهال اجلسد وكبت رغبائه إىل اإلغراق في المتاع الحسي‪ ،‬وإهمال عالم الروح‪.‬‬

‫ويف احلالني كان هناك خلل ُيفسد احلياة‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د تلقى املس‪%%‬لمون يف كت‪%%‬اب رهبم توجيه ‪%%‬ات مماثل‪%%‬ة ملا تلق ‪%%‬اه بن‪%%‬و إس‪%%‬رائيل على‬
‫لس‪%%‬ان املس‪%%‬يح علي‪%%‬ه الس‪%%‬الم‪ ،‬ولكنهم ق‪ّ%‬ط مل جينح‪%%‬وا إىل الرهباني‪%%‬ة‪ ،‬ألهنم هنوا عنه‪%%‬ا‪ ،‬وُه دوا‬
‫إلى الوسطية المتوازنة اليت ال جتنح هنا وال جتنح هناك‪.‬‬

‫فلم‪%%‬ا ج‪%%‬اء الّر ه‪%%‬ط الثالث‪%%‬ة‪ ،‬فق‪%%‬ال أح‪%%‬دهم‪ :‬إين أص‪%%‬وم ال‪%%‬دهر وال أط‪%%‬ر‪ ،‬وق‪%%‬ال اآلخ‪%%‬ر‪:‬‬
‫إين أقوم اللي‪%‬ل وال أن‪%‬ام‪ ،‬وق‪%‬ال الث‪%‬الث‪ ،‬وأن‪%‬ا ال أتزوج النس‪%‬اء‪ ،‬ق‪%‬ال هلم رس‪%‬ول اهلل ص‪%‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ " :‬أال إني أعبدكم هلل (أو قال أتقاكم)‪ ،‬ولكني أصوم وأفط‪,,‬ر‪ ،‬وأق‪,,‬وم وأنام‪،‬‬
‫وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني " (‪.)175‬‬

‫وُه دي املس ‪%%‬لمون إىل ذل ‪%%‬ك الت ‪%%‬وازن اجلمي ‪%%‬ل بني ال ‪%%‬دنيا واآلخ ‪%%‬رة‪ ،‬وبني االهتم ‪%%‬ام‬
‫مبطالب اجلس‪%‬د‪ ،‬واالهتم‪%‬ام مبط‪%‬الب ال‪%‬روح‪ ،‬فنش‪%‬أت على أي‪%‬ديهم تل‪%‬ك احلض‪%%‬ارة املؤمن‪%‬ة ال‪%‬يت‬
‫أشرنا إليها مرات عدة‪ ،‬بينما انتقلت أوربا كم‪%‬ا أس‪%‬لفنا‪ ،‬من دين بال حض‪%%‬ارة‪ ،‬إىل حض‪%%‬ارة‬
‫بال دين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الخلل الث‪,,‬الث‪ :‬هو عج‪,,‬ز الفكر الغ‪,,‬ربي عن التوفي‪,,‬ق بين عالم الغيب وعالم‬
‫الشهادة‪:‬‬
‫‪ )?(175‬أخرجه الشيخان‪.‬‬

‫(‪)208‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫يف الف‪%%‬رتة الكنس‪%%‬ية‪ ،‬ك‪%%‬ان اإلميان بع‪%%‬امل الغيب ه‪%%‬و " الجو العام "‪ ،‬ال‪%%‬ذي تعيش في‪%%‬ه‬
‫النص‪%%‬رانية‪ :‬اإلميان باهلل ومالئكت‪%%‬ه‪ ،‬وال‪%%‬وحي والرس‪%%‬الة‪ ،‬والي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر‪ ..‬وم‪%%‬ا ح‪%%‬ول ذل‪%%‬ك من‬
‫املعاين‪ ،‬ولكن على حساب االهتمام بعامل الشهادة وإدراك أسراره أو االهتمام هبا‪.‬‬

‫وك ‪%%‬ل رس ‪%%‬الة مساوية‪ ،‬ق ‪%%‬د ع ‪%%‬نيت ب ‪%%‬الرتكيز على ع ‪%%‬امل الغيب‪ .‬وال غراب ‪%%‬ة يف ذل ‪%%‬ك‪.‬‬
‫فالبشر عرضة ‪ -‬بسبب ما ركب يف طبائعهم من شهوات ومطالب جسدية ‪ -‬أن ينش‪%‬غلوا‬
‫بع ‪%%‬امل الش ‪%%‬هادة‪ ،‬ال ‪%%‬ذي تتحق ‪%%‬ق في ‪%%‬ه تل ‪%%‬ك الش ‪%%‬هوات‪ ،‬وُيهمل ‪%%‬وا ع ‪%%‬امل الغيب‪ ،‬ال ‪%%‬ذي مينحهم "‬
‫المنهج "‪ ،‬الذي ينظمون به حياهتم‪ ،‬ويرتفعون بتطبيقه إىل املستوى الالئق باإلنسان‪.‬‬

‫ولق ‪%%‬د رك ‪%%‬ز اإلس ‪%%‬الم كث ‪%%‬ريًا على ع ‪%%‬امل الغيب‪ .‬ومن بني األمثل ‪%%‬ة على ه ‪%%‬ذا الرتك ‪%%‬يز‬
‫وص‪%%‬ف " المتقين "‪ ،‬يف أول س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة ب‪%%‬أهنم (اَّلِذ يَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِباْلَغْيِب )‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪،‬‬
‫اآلي‪%%‬ة ‪ .]3‬قب‪%%‬ل أي وص‪%%‬ف آخ‪%%‬ر‪ ..‬ك‪%%‬أن ه‪%%‬ذه هي ص‪%%‬فتهم األوىل والك‪%%‬ربى‪ .‬وإنه‪,,‬ا لكذلك‬
‫بالفع‪,,‬ل فعن طري‪%%‬ق اإلميان ب‪%%‬الغيب يؤمن‪%%‬ون " باهلل ومالئكت‪,,‬ه وكتبه ورس‪,,‬له والي‪,,‬وم اآلخر‬
‫والقدر خيره وشره "‪ - .‬كم ‪%%‬ا ج ‪%%‬اء يف ح ‪%%‬ديث جربي ‪%%‬ل علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم ‪ -‬وهي املقوم ‪%%‬ات‬
‫الرئيسية لإلميان‪ ،‬كما أنه عن طريق اإلميان بالغيب يتلقون منهج حياهتم‪ ،‬جبميع تفصيالته‪:‬‬

‫(َأَفَمْن َيْع َلُم َأَّنَم ا ُأْن ِز َل ِإَلْي َك ِم ْن َر ِّبَك اْلَح ُّق َك َمْن ُه َو َأْع َم ى ِإَّنَم ا َيَت َذ َّك ُر ُأوُلو‬
‫اَأْلْل اِب ‪ ،‬اَّلِذ ي وُفوَن ِب ْه ِد الَّلِه ال ُقُضوَن اْلِم يَث اَق ‪ ،‬اَّل ِذ ي ِص ُلوَن ا َأ الَّل ُه ِب ِه‬
‫َم َم َر‬ ‫َو َن َي‬ ‫َو َيْن‬ ‫َع‬ ‫َن ُي‬ ‫َب‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِت‬ ‫ِذ‬ ‫َّل‬ ‫ِب‬ ‫ِح‬
‫َأْن ُيوَص َل َو َيْخَش ْو َن َر َّبُه ْم َو َيَخ اُفوَن ُس وَء اْل َس ا ‪َ ،‬و ا يَن َص َبُر وا اْب َغ اَء َو ْج َر ِّب ْم‬
‫َو َأَق اُموا الَّص الَة َو َأْنَفُق وا ِم َّم ا َر َز ْقَن اُه ْم ِس ّر ًا َو َعالِنَي ًة َو َيْد َر ُأوَن ِباْلَح َس َنِة الَّس ِّيَئَة ُأوَلِئ َك‬
‫َلُه ْم ُعْق َبى الَّداِر )‪[ .‬سورة الرعد‪ ،‬اآليات ‪.]22 - 19‬‬

‫ولكن إميان املس ‪%%‬لمني ب ‪%%‬الغيب‪ ،‬وتعم ‪%%‬ق ه ‪%%‬ذا اإلميان يف كي ‪%%‬اهنم‪ ،‬بت ‪%%‬أثري التوجيه ‪%%‬ات‬
‫القرآني‪%%‬ة‪ ،‬وتوجيه ‪%%‬ات الرس‪%%‬ول ص ‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬مل مين‪%%‬ع املس‪%%‬لمني من االهتم‪%%‬ام بع ‪%%‬امل‬
‫الشهادة‪ ،‬واالنطالق فيه بأقصى ما ميلك البشر من نشاط‪.‬‬

‫ذل ‪%%‬ك ألن اإلس ‪%%‬الم وجههم إىل أن مهم ‪%%‬ة اإلنس ‪%%‬ان هي عم ‪,,‬ارة األرض بمقتض ‪,,‬ى‬
‫المنهج الرباني‪ ،‬واألم ‪%%‬ر ب‪%%‬املعروف‪ ،‬والنهي عن املنك‪%%‬ر‪ ،‬واجله ‪%%‬اد يف س‪%%‬بيل اهلل‪ ،‬واملش‪%%‬ي يف‬
‫من ‪%% %‬اكب األرض‪ ،‬واألك ‪%% %‬ل من رزق اهلل‪ ،‬وابتغ ‪%% %‬اء فض ‪%% %‬ل اهلل يف ال ‪%% %‬رب والبح ‪%% %‬ر‪ ،‬والنظ ‪%% %‬ر يف‬
‫خملوق‪%%‬ات اهلل (اْنُظُر وا ِإَلى َثَم ِر ِه ِإَذا َأْثَم َر َو َيْنِعِه)‪[ .‬س‪%%‬ورة األنع‪%%‬ام‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]99‬والت‪%%‬دّبر يف‬
‫ملك ‪%%‬وت اهلل‪ ،‬والت ‪%%‬دبر يف كت ‪%%‬اب اهلل‪َ( :‬أَفال َيَت َد َّبُر وَن اْلُق ْر آَن َأْم َعَلى ُقُل وٍب َأْقَف اُلَه ا)‪.‬‬
‫[س‪%%‬ورة حمم‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪َ( .]24‬أَفال َيَت َد َّبُر وَن اْلُق ْر آَن َو َل ْو َك اَن ِم ْن ِع ْن ِد َغْي ِر الَّل ِه َلَو َج ُد وا‬

‫(‪)209‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِفيِه اْخ ِتالفًا َك ِثيرًا)‪[ .‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ .]82‬وإعداد القوة ألع‪%%‬داء اهلل‪ ،‬واالجته‪%%‬اد فيم‪%%‬ا‬
‫جيّد من أمور يف حياة الناس‪ ..‬وكل ذلك عمل دائب في عالم الشهادة‪.‬‬

‫كما أن اإلسالم من جهة أخ‪%%‬رى وج‪%%‬ه املس‪%%‬لمني إىل تدبر السنن ال‪,,‬تي يج‪,,‬ري اهلل‬
‫به‪,,‬ا أح‪,,‬داث الكون الم‪,,‬ادي‪ ،‬وأح‪,,‬داث الحي‪,,‬اة البش‪,,‬رية‪ ،‬وه‪%%‬ذه الس‪%%‬نن يف احلقيق‪%%‬ة هي "‬
‫هم‪,,‬زة الوص‪,,‬ل " بني ع‪%%‬امل الغيب‪ ،‬وع‪%%‬امل الش‪%%‬هادة‪ .‬فاهلل ي‪%%‬دّبر أم‪%%‬ر الك‪%%‬ون من ع‪%%‬امل الغيب‪،‬‬
‫س‪%% %‬واء أم‪%% %‬ر الس‪%% %‬موات واألرض‪ ،‬والنج‪%% %‬وم‪ ،‬والش‪%% %‬جر‪ ،‬وال‪%% %‬دواب‪ ..‬أو حي‪%% %‬اة البش‪%% %‬ر أف‪%% %‬رادًا‬
‫ومجاع‪%%‬ات‪ ،‬ولكن‪%%‬ه س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل‪ ،‬ي‪%%‬دّبر أمره‪%%‬ا مبقتض‪%%‬ى س‪,,‬نن معينة ثبته‪%%‬ا س‪%%‬بحانه‪ ،‬وه‪%%‬و‬
‫القدير على تغيريها إذا شاء‪ ،‬وخرق معتادها إذا شاء‪ .‬ووجه اهلل أنظار املسلمني لتدبر تلك‬
‫الس‪%%‬نن ل‪%%‬ريّتبوا حي‪%%‬اهتم مبقتض‪%%‬اها‪ .‬ومن مث ص‪%%‬ارت قل‪%%‬وهبم موص‪%%‬ولة بع‪%%‬امل الغيب‪ ،‬ونش‪%%‬اطهم‬
‫العملي ‪ -‬العقلي واجلسدي ‪ -‬منطلق يف عامل الشهادة‪ ،‬يف توازن دقيق مجيل أخاذ‪.‬‬

‫لم يمنعهم إيم‪,,‬انهم بع‪,,‬الم الغيب من اتخاذ األس‪,,‬باب‪( ،‬ب ‪%%‬ل أم ‪%%‬روا ب ‪%%‬ذلك أم ‪%%‬رًا)‪،‬‬
‫ومل تفتنهم األسباب الظاهرة‪ ،‬والتعامل املباشر معها‪ ،‬عن اإلميان مبسبب األسباب‪.‬‬

‫ل‪%%‬ذلك أنش‪%%‬أوا ‪ -‬كم‪%%‬ا س‪%%‬بق الق‪%%‬ول ‪ -‬حض‪%%‬ارهتم العمراني‪%%‬ة يف ج‪%%‬و إمياين‪ ،‬وأنش‪%%‬أوا‬
‫ح‪%%‬ركتهم العلمي‪%%‬ة ك‪%%‬ذلك يف ج‪%%‬و إمياين‪ ،‬بال تكل‪%%‬ف يف أيهم‪%%‬ا‪ ،‬إمنا انطالق‪ً%‬ا من ذل‪%%‬ك التواف‪%%‬ق‬
‫الباطين الذي حيسونه يف أنفسهم بني اإلميان بعامل الغيب‪ ،‬والعمل يف عامل الشهادة‪.‬‬

‫ولكن الفكر الغربي عجز عن إيجاد ذلك التوافق الجميل في جميع أحواله‪.‬‬

‫يف الف ‪%%‬رتة الكنس ‪%%‬ية آمن بع ‪%%‬امل الغيب‪ ،‬وأمهل البحث يف ع ‪%%‬امل الش ‪%%‬هادة‪ ،‬واكتفى مبا‬
‫قدمت‪%%‬ه ل‪%%‬ه الكنيس‪%%‬ة من تفس‪%%‬ري ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء يف ع‪%%‬امل الش‪%%‬هادة‪ ،‬بأن‪%%‬ه مت مبش‪%%‬يئة اهلل وق‪%%‬دره‪ .‬وه‪%%‬و‬
‫ق ‪%%‬ول ح ‪%%‬ق يف ذاته‪ ،‬ولكن ‪%%‬ه ال يش ‪%%‬رح للن ‪%%‬اس الس ‪%%‬نن ال ‪%%‬يت جيري هبا اهلل م ‪%%‬ا حيدث يف ع ‪%%‬امل‬
‫الشهادة‪ ،‬وال يق‪%‬ول هلم‪ :‬إهنا س‪%‬نن ثابت‪%‬ة‪ ،‬ثبته‪%‬ا اهلل مبش‪%‬يئته املطلق‪%‬ة‪ ،‬حبيث يس‪%‬تطيع الن‪%‬اس أن‬
‫يتعرفوا عليها‪ ،‬ويستثمروها‪ ،‬ويرتبوا حياهتم عليها‪.‬‬

‫فلما اكتشف ني‪%%‬وتن " قانون السببية "‪ ،‬ح‪%%‬دث انقالب كام‪%%‬ل يف الفك‪%%‬ر األوريب‪،‬‬
‫من النقيض إىل النقيض‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د كش ‪%%‬ف " ق ‪,,‬انون السببية " كم ‪%%‬ا ّمسته أورب ‪%%‬ا ‪ -‬وك ‪%%‬ان األج ‪%%‬در أن تس ‪%%‬ميه "‬
‫السنن الكونية " ‪ -‬عن حق‪%%‬ائق علمي‪%%‬ة ك‪%%‬انت جمهول‪%%‬ة ألورب‪%%‬ا من قب‪%%‬ل‪ ،‬وش‪%%‬رح كث‪%%‬ريًا من "‬

‫(‪)210‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫الظواهر الطبيعية " مل تكن أوربا تعلم عنه‪%‬ا أك‪%‬ثر من أهنا تتم مبش‪%‬يئة اهلل‪ .‬وعندئ‪%‬ذ ان‪%‬دفعت‬
‫أوربا يف الطريق اجلديد‪ ،‬الذي انفتح أمامها‪ ،‬حىت نسيت مسبب األسباب أو تنكرت له!‬

‫يقول جرين برنتون يف كت‪%%‬اب " منشأ الفكر الح‪,‬ديث "‪( ،‬ص ‪ 151‬من الرتمجة‬
‫العربية لعبد الرمحن مراد)‪.‬‬

‫" اإلله يف ع‪%‬رف ني‪%‬وتن أش‪%‬به بص‪%‬انع الس‪%‬اعة‪ .‬ولكن ص‪%‬انع ه‪%‬ذه الس‪%‬اعة الكوني‪%‬ة ‪-‬‬
‫ونعين هبا الكون ‪ -‬مل يلبث أن ش‪%‬د على رباطه‪%‬ا إىل األب‪%‬د‪ .‬فبإمكان‪%‬ه أن جيعله‪%‬ا تعم‪%‬ل ح‪%‬ىت‬
‫األبد‪ .‬أما الرجال على هذه األرض‪ ،‬فقد ص‪%%‬ممهم اإلل‪%‬ه ك‪%‬أجزاء من آلت‪%‬ه الض‪%%‬خمة ليج‪%‬روا‬
‫عليها‪ .‬وإنه ليبدو أن ليس مثة داع أو فائدة من الصالة إىل اإلله صانع هذه الس‪%%‬اعة الكوني‪%%‬ة‬
‫الضخمة‪ ،‬الذي ال يستطيع ‪ -‬إذا ما أراد ‪ -‬التدخل يف شئون عمله "!!‬

‫وواضح من كالم برنتون‪ ،‬أن أوربا قد اتخذت من السبب المباشر بديًال من‬
‫مسبب األسباب! ومن " الطبيعة " نًّدا هلل!‬

‫ومن املنهج التجري ‪%%‬يب يف البحث العلمي‪ ،‬ال ‪%%‬ذي تعلمت ‪%%‬ه أورب ‪%%‬ا من املس ‪%%‬لمني‪ ،‬ومن‬
‫اكتش‪%%‬اف الس‪%%‬نن الكوني‪%%‬ة‪ ،‬نش‪%%‬أت يف أورب‪%%‬ا حرك‪%%‬ة علمي‪%%‬ة ض‪%%‬خمة‪ ،‬ولكنه‪%%‬ا نش‪%%‬أت كافرة‬
‫جاح ‪,,‬دة‪ ،‬لعج ‪,,‬ز أوربا عن التوفي ‪,,‬ق بين عالم الغيب وعالم الش ‪,,‬هادة‪ .‬وأص‪%% %‬بح اإلميان‬
‫بالغيب يف نظرهم ُمعّو قًا عن البحث العلمي‪ ،‬بل ُمفسدًا لروح البحث! وأصبح العلم هو "‬
‫المخّلص " من جهالة اإلميان ب‪%‬الغيب‪ ،‬ال‪%‬يت ال يتمس‪%‬ك هبا إال الس‪%‬ذج املت‪%‬أخرون‪ ،‬ال‪%‬ذين مل‬
‫يرتقوا إىل اختاذ روح البحث العلمي!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الخلل الرابع‪ :‬هو عجز الفكر الغربي عن إيجاد التوازن بين الثابت والمتغير‪.‬‬

‫يف الف ‪%% %‬رتة الكنس ‪%% %‬ية آمنت أورب ‪%% %‬ا بالثب ‪%% %‬ات يف ك ‪%% %‬ل ش ‪%% %‬يء‪ :‬اهلل والك ‪%% %‬ون‪ ،‬واحلي ‪%% %‬اة‬
‫واإلنسان‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬أزيل ال يتغري‪ ،‬والكون منذ خلقه اهلل على حاله الذي خلق‬
‫عليه‪ .‬والكائنات احلية من‪%‬ذ ُخ لقت مل يط‪%‬رأ عليه‪%%‬ا تغي‪%‬ري‪ .‬وأوض‪%%‬اع الن‪%‬اس يف األرض حّك ام‪ً%‬ا‬
‫وحمك ‪%%‬ومني ثابت ‪%%‬ة ال تتغ ‪%%‬ري‪ .‬اإلقط ‪%%‬اعيون يف ترفهم ومتتعهم‪ ،‬والش ‪%%‬عب يف فق ‪%%‬ره وعبوديت ‪%%‬ه‪،‬‬
‫وانس‪%%‬حاقه وش‪%%‬قوته‪ ،‬ي‪%%‬ذهب األف‪%%‬راد وجييئون‪ ،‬واألوض‪%%‬اع ال تتغ‪%%‬ري‪ ،‬ألهنا جزء من ق‪,,‬در اهلل‬
‫الثابت‪.‬‬

‫(‪)211‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فلم ‪%%‬ا ج ‪%%‬اءت الدارويني ‪%%‬ة ك ‪%%‬انت مفاج ‪%%‬أة ح ‪%%‬ادة لفك ‪%%‬رة الثب ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت آمن الن ‪%%‬اس هبا‬
‫قرونًا بعد قرون‪.‬‬

‫وأنك‪%% %‬ر الن‪%% %‬اس النظري‪%% %‬ة يف مب‪%% %‬دأ األم‪%% %‬ر‪ ،‬وقاوموه‪%% %‬ا مقاوم‪%% %‬ة ش‪%% %‬ديدة‪ ،‬خاص‪%% %‬ة وأهنا‬
‫سلبتهم كرامتهم " اإلنسانية "‪ ،‬اليت يعتزون هبا‪ ،‬وقالت هلم‪ :‬إهنم قردة متطورة بال زيادة!‬

‫ولكن الدعاي‪%%‬ة الض‪%%‬خمة ال‪%%‬يت ق‪%%‬ام هبا اليه‪%%‬ود للنظري‪%%‬ة‪ ،‬وال‪%%‬دافع املس‪%%‬تمر هلا‪ ،‬مل ُيثّبت‬
‫النظري ‪%%‬ة يف أذه ‪%%‬ان الن ‪%%‬اس فحس ‪%%‬ب‪ ،‬ب ‪%%‬ل جعلتهم يؤمن ‪%%‬ون هبا كأهنا حق ‪%%‬ائق علمي ‪%%‬ة هنائي ‪%%‬ة‪ ،‬ال‬
‫جمرد " فرض علمي "‪ ،‬وال حىت " نظرية علمية "‪ ،‬كما قدمها صاحبها نفسه!‬

‫وانقلب الفك ‪%%‬ر األوريب انقالب ‪%%‬ة كامل ‪%%‬ة من أقص ‪%%‬ى اليمني إىل أقص ‪%%‬ى اليس ‪%%‬ار‪ ،‬كم ‪%%‬ا‬
‫حدث يف كل مرة! فبع‪%%‬د أن ك‪%%‬ان الثب‪%%‬ات ه‪%%‬و الص‪%%‬ورة الدائم‪%%‬ة لألش‪%%‬ياء‪ ،‬أصبح " التطور "‬
‫هو الص‪,,‬ورة الدائم‪,,‬ة لألشياء‪ ،‬ومل يع ‪%%‬د هن ‪%%‬اك ش ‪%%‬يء ث ‪%%‬ابت على اإلطالق ال الك ‪%%‬ون‪ ،‬وال‬
‫احلياة‪ ،‬وال اإلنسان‪ ،‬وال الدين‪ ،‬وال األخالق‪ ،‬وال فكرة اإلنسان عن اهلل!‬

‫ف‪%%‬الكون املادي تط‪ّ%‬و ر من س‪%%‬دمي إىل جنوم‪ ،‬واحلي‪%%‬اة تط‪ّ%‬و رت من ك‪%%‬ائن وحي‪%%‬د اخللي‪%%‬ة‬
‫إىل نب‪%‬ات إىل حي‪%‬وان إىل إنس‪%‬ان‪ .‬واإلنس‪%‬ان تط‪ّ%‬و ر من ك‪%‬ائن ش‪%‬بيه ب‪%‬القردة ميش‪%‬ي على أرب‪%‬ع‪،‬‬
‫إىل قرد إنساين مستقيم القامة‪ ،‬إىل إنسان متوحش‪ ،‬إىل إنسان مس‪%%‬تأنس‪ .‬وال‪%%‬دين تط‪%%‬ور من‬
‫عب ‪%%‬ادة األب إىل عب ‪%%‬ادة الط ‪%%‬وطم‪ ،‬إىل عب ‪%%‬ادة ق ‪%%‬وى الطبيع ‪%%‬ة‪ ،‬إىل عب ‪%%‬ادة األفالك‪ ،‬إىل عب ‪%%‬ادة‬
‫األصنام‪ ،‬إىل عبادة اهلل الواح‪%%‬د‪ ..‬إىل‪ ..‬إىل اإلحلاد‪ ،‬والتح‪%%‬ول بالكلي‪%%‬ة عن ال‪%%‬دين! واألخالق‬
‫تط ‪%%‬ورت من أخالق خش ‪%%‬نة عنيف ‪%%‬ة عن ‪%%‬د الب ‪%%‬دائيني‪ ،‬إىل أخالق " حض ‪%%‬ارية "‪ ،‬ح ‪%%‬ول ودي ‪%%‬ان‬
‫األهنار م‪%%‬ع حتول الن‪%%‬اس للزراع‪%%‬ة واالس‪%%‬تقرار ‪ -‬م‪%%‬ع ح‪%%‬رص ش‪%%‬ديد على قض‪%%‬ية العف‪%%‬ة وس‪%%‬يطرة‬
‫الرجل ‪ -‬إىل هتاون شديد يف قضية العفة وزوال سيطرة الرجل‪ ..‬مث وقفت هناك (‪!)176‬‬

‫وهكذا‪ ..‬وهكذا‪ ..‬ال شيء ثابت على اإلطالق!‬

‫ومل يس‪%%‬تطع الفك‪%%‬ر الغ‪%%‬ريب ق ‪ّ%‬ط أن يهت‪%%‬دي إىل الت‪%%‬وازن اجلمي‪%%‬ل ال‪%%‬دقيق ال‪%%‬ذي ه‪%%‬دى‬
‫اإلسالم إليه املسلمني يف هذه القض‪%%‬ية‪ .‬أن يف النفس البش‪%%‬رية ويف احلي‪%%‬اة البش‪%%‬رية أمورًا ثابتة‬
‫ال تتغير‪ ،‬وال ُيريد اهلل هلا أن تتغ‪%%‬ري‪ ،‬ألهنا متعلق‪%%‬ة حبق‪%%‬ائق أزلي‪%‬ة كوج‪%‬ود اهلل س‪%‬بحانه وتع‪%%‬اىل‪،‬‬
‫وألوهيته وربوبيته‪ ،‬وتفرده باأللوهية والربوبية‪ ،‬أو بأصول ثابتة يف الفطرة‪ ،‬وك‪%‬ل تغي‪%‬ري فيه‪%‬ا‬
‫يؤدي إىل الفساد‪ ،‬وأمورًا أخرى متغيرة‪ ،‬ألهنا تتعلق مبدى ما حُي ّق ق اإلنس‪%%‬ان جبه‪%%‬ده العقلي‬
‫والب ‪%%‬دين من تس ‪%%‬خري لطاق ‪%%‬ات الس ‪%%‬موات واألرض‪ ،‬املس ‪%%‬خرة لإلنس ‪%%‬ان أص ‪ً%‬ال بق ‪%%‬در من اهلل‪،‬‬

‫‪ )?(176‬حنن هنا خنتصر مراحل " التطور " املزعومة ألن املقام ليس مقام التفصيل!‬

‫(‪)212‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن حتقي ‪%% %‬ق التس ‪%% %‬خري حيت ‪%% %‬اج إىل علم‪ ،‬وإىل اس ‪%% %‬تثمار للعلم يف تص ‪%% %‬نيع خام ‪%% %‬ات الطبيع ‪%% %‬ة‬
‫وحتسينها وجتميلها‪ ..‬وهذه أمور أذن اهلل فيها بالتغيري لكي ال جتمد احلياة وتأسن‪.‬‬

‫ولكن " األص ‪,, ,‬ول الثابت ‪,, ,‬ة " هي ال ‪,, ,‬تي تحكم " الص ‪,, ,‬ور " المتغ ‪,, ,‬يرة‪ ،‬وليس ‪%% %‬ت‬
‫املتغ‪%%‬ريات هي ال‪%%‬يت حتكم الث‪%%‬وابت‪ .‬وتل‪%%‬ك هي الفك‪%%‬رة الرئيس‪%%‬ية يف " االجته‪,‬اد "‪ ،‬الس‪%%‬تنباط‬
‫أحكام متجددة من األصول الواردة يف الشريعة‪ ،‬ملواجه‪%%‬ة م‪%%‬ا جيّد يف حي‪%%‬اة الن‪%%‬اس من أم‪%%‬ور‪.‬‬
‫وهبذا تنطل‪%%‬ق احلي‪%%‬اة يف جتدد دائم‪ ،‬ومنو مس‪%%‬تمر‪ ،‬دون أن تفق‪%%‬د ارتباطه‪%%‬ا باألص‪%%‬ول الثابت‪%%‬ة يف‬
‫حقائق األزل وفطرة اإلنسان (‪.)177‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تل‪%%‬ك أب‪%%‬رز االختالت يف الفك‪%%‬ر األوريب‪ ،‬وهي كم‪%%‬ا ترى اختالالت في العقي‪,,‬دة‪،‬‬
‫وفي مقتضيات ال إله إال اهلل‪ ..‬نشأ عنها فس‪%%‬اد يف الف‪%%‬رتة الكنس‪%%‬ية أدى إىل اجله‪%%‬ل والظالم‬
‫واجلمود والتخلف‪ ،‬مث نشأت عنها فيما بعد ردود فع‪%%‬ل ال تق‪%%‬ل فس‪%%‬ادًا أو رمبا ك‪%%‬انت أش‪ّ%‬د ‪،‬‬
‫أدت إىل االستكبار عن عبادة اهلل‪ ،‬واختاذ آهلة أخرى أندادًا هلل‪.‬‬

‫وذل ‪%%‬ك ه ‪%%‬و " المنهج " الفاس ‪%%‬د ال ‪%%‬ذي أفس ‪%%‬د حي ‪%%‬اة الغ ‪%%‬رب‪ ،‬على ال ‪%%‬رغم من ك ‪%%‬ل‬
‫التف ‪%%‬وق العلمي‪ ،‬والتكنول ‪%%‬وجي‪ ،‬واحلريب‪ ،‬والسياس ‪%%‬ي‪ ،‬واالقتص ‪%%‬ادي‪ ،‬ال ‪%%‬ذي أح ‪%%‬رزه الغ ‪%%‬رب‬
‫أثناء كفره‪ ،‬حبسب سنة من سنن اهلل‪:‬‬

‫(َفَلَّم ا َنُس وا َم ا ُذِّك ُر وا ِبِه َفَتْحَنا َعَلْيِه ْم َأْبَو اَب ُك ِّل َش ْي ٍء )‪[ .‬سورة األنع‪%‬ام‪ ،‬اآلي‪%‬ة‬
‫‪.]44‬‬

‫ولكن الفس‪%%‬اد اتس‪%%‬عت رقعت‪%%‬ه فأص‪%%‬بح ُمؤذنًا باالنهيار‪ ،‬حسب شهادتهم هم على‬
‫أنفسهم‪ .‬ومهم‪%%‬ا يكن من بطء االهني‪%%‬ار لألس‪%%‬باب ال‪%%‬يت أحملن‪%%‬ا إليه‪%%‬ا‪ ،‬فه‪%%‬و واق‪%%‬ع ال حمال‪%%‬ة ألن‪%%‬ه‬
‫سنة من سنن اهلل‪:‬‬

‫(َو َك َأِّيْن َمْن َقْر َي ٍة َأْم َلْيُت َلَه ا َو ِه َي َظاِلَم ٌة ُثَّم َأَخ ْذ ُتَه ا َو ِإَلَّي اْلَم ِص يُر )‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫احلج‪ ،‬اآلية ‪.]48‬‬

‫‪ )?(177‬يق ‪%%‬ول " العلم " الي ‪%%‬وم‪ :‬إن الك ‪%%‬ون املادي ذاته " يتط ‪%%‬ور " بالص ‪%%‬ورة نفس ‪%%‬ها‪ ،‬أي أن ‪%%‬ه ص ‪%%‬ور متغ ‪%%‬رية‬
‫حمكومة بقوانني ثابتة!‬

‫(‪)213‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِل و ‪ُ ،‬ق ِط اِب اْلَق ِم‬


‫وا ِبَم ا ُأوُتواِمَأَخ ْذ َناُه ْم َبْغَتًة َف ِإ َذا ُه ْم ُمْب ُس َن َف َع َد ُر ْو‬ ‫ُح‬
‫ِل‬
‫(َح َّتى ِإَذا َفِر‬
‫اَّلِذ يَن َظَلُم وا َو اْلَحْم ُد َّلِه َر ِّب اْلَعاَل يَن )‪[ .‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان ‪.]45 ،44‬‬

‫وليس الذي سينهار دولة بعينه‪%‬ا أو ش‪%‬عبًا بعين‪%‬ه‪ ،‬ح‪%‬ىت تأخ‪%‬ذ مكاهنا دول‪%‬ة أخ‪%‬رى أو‬
‫شعب آخر (‪.)178‬‬

‫إمنا ال ‪%%‬ذي يف طريق ‪%%‬ه لالهني ‪%%‬ار ه ‪%%‬و " املنهج "‪ ..‬منهج االس ‪,,‬تكبار عن عبادة اهلل‪،‬‬
‫واتخاذ آلهة أخرى أندادًا هلل‪.‬‬

‫وال بد من منهج بديل‪ ..‬ف‪%%‬إن اجلاهلي‪%%‬ة احلاض‪%%‬رة ال‪%%‬يت فس‪%%‬دت وأفس‪%%‬دت ال متل‪%%‬ك‬
‫حًّال ج ‪%%‬ذرًّيا ملش ‪%%‬كالهتا‪ ،‬ألهنا تفك ‪%%‬ر يف احلّل وهي واقع ‪%%‬ة يف االختالالت ال ‪%%‬يت أش ‪%%‬رنا إليه ‪%%‬ا‪،‬‬
‫فتخرج حلوها مصابة باالختالالت ذاهتا!‬

‫واإلس ‪,,‬الم هو المنهج البديل‪ ..‬ألن ‪%%‬ه ه ‪%%‬و املنهج ال ‪%%‬ذي أنزل ‪%%‬ه اهلل ليص ‪%%‬لح فس ‪%%‬اد‬
‫اجلاهلية‪:‬‬

‫(الر ِكَتاٌب َأْنَز ْلَناُه ِإَلْيَك ِلُتْخ ِر َج الَّناَس ِم َن الُّظُلَم اِت ِإَلى الُّنوِر ِبِإ ْذِن َر ِّبِه ْم ِإَلى‬
‫ِص َر اِط اْلَعِز يِز اْلَح ِم يِد )‪[ .‬سورة ابراهيم‪ ،‬اآلية ‪.]1‬‬

‫ك‪%%‬ل اختالالت اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة عالجه‪%%‬ا يف اإلس‪%%‬الم‪ ..‬بل ال عالج له‪,,‬ا إال في‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫االس‪%%‬تكبار عن عب‪%%‬ادة اهلل‪ ،‬واختاذ آهلة أخ‪%%‬رى أن‪%%‬دادًا هلل ‪ -‬وه‪%%‬و ج‪%%‬وهر الفس‪%%‬اد كل‪%%‬ه‬
‫يف اجلاهلية املعاصرة ‪ -‬عالجه عبادة اهلل وحده بال شريك‪ ،‬وهو جوهر اإلسالم‪.‬‬

‫الخلل ال ‪%%‬ذي نش ‪%%‬أ من العج ‪%%‬ز عن التوفي ‪%%‬ق بني اإلميان بفاعلي ‪%%‬ة ق ‪%%‬در اهلل‪ ،‬وفاعلي ‪%%‬ة‬
‫اإلنس‪%%‬ان‪ ،‬وال‪%%‬ذي نش‪%%‬أت عن‪%%‬ه " احلض ‪%%‬ارة " الك‪%%‬افرة‪ ،‬عالج‪%%‬ه ذل‪%%‬ك التناس‪%%‬ق ال‪%%‬دقيق اجلمي‪%%‬ل‬
‫الذي أخرج يف اإلسالم حضارة مؤمنة باهلل‪.‬‬

‫الخلل الذي أنشأه العجز عن التوفيق بني العمل للدنيا والعم‪%%‬ل لآلخ‪%%‬رة عالج‪%%‬ه يف‬
‫هذا التوجيه اإلسالمي‪:‬‬

‫‪ )?(178‬قلنا‪ :‬إنه ق‪%‬د حيدث انتق‪%‬ال يف مراك‪%‬ز الق‪%‬وة يف أثن‪%‬اء اهني‪%‬ار اجلاهلي‪%‬ة‪ ،‬ولكن الع‪%‬ربة يف اهني‪%‬ار املنهج يف‬
‫النهاية‪.‬‬

‫(‪)214‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫(َو اْبَت ِغ ِفيَم ا آَت اَك الَّل ُه ال ‪َّ,,‬داَر اآْل ِخ َر َة َو ال َتْنَس َنِص يَبَك ِم َن ال ‪ُّ,,‬د ْنَيا)‪[ .‬س ‪%%‬ورة‬
‫القصص‪ ،‬اآلية ‪.]77‬‬

‫َلُك اَأْل َذُلوًال َفا ُش وا ِفي َناِكِب ا ُك ُل وا ِم ِر ْز ِقِه ِإَل ِه‬ ‫ِذ‬
‫َو ْي‬ ‫ْن‬ ‫َم َه َو‬ ‫ْم‬ ‫(ُه َو اَّل ي َجَعَل ُم ْرَض‬
‫الُّنُش وُر )‪[ .‬سورة امللك‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫الخلل ال ‪%%‬ذي أنش ‪%%‬أه العج ‪%%‬ز عن التوفي ‪%%‬ق بني ع ‪%%‬امل الغيب وع ‪%%‬امل الش ‪%%‬هادة‪ ،‬وال ‪%%‬ذي‬
‫نش ‪%%‬أت عن ‪%%‬ه حرك ‪%%‬ة علمي ‪%%‬ة ك ‪%%‬افرة‪ ،‬عالج ‪%%‬ه ذل ‪%%‬ك التناس ‪%%‬ق ال ‪%%‬ذي مت على أي ‪%%‬دي املس ‪%%‬لمني‬
‫فأنشأوا به حركة علمية مؤمنة‪.‬‬

‫والخلل يف التوفي‪%%‬ق بني الث‪%%‬ابت واملتغ‪%%‬ري عالج‪%%‬ه أن " يتعق‪%%‬ل " الن‪%%‬اس حني يْبص‪%%‬رون‬
‫بن‪%%‬ور اهلل‪ ،‬فت‪%%‬ذهب عن عق‪%%‬وهلم لوث‪%%‬ة التط‪%%‬ور‪ ،‬ويظل‪%%‬ون على ال‪%%‬رغم من ذل‪%%‬ك متح‪%%‬ركني وهم‬
‫مستمسكون بالعروة الوثقى‪ ،‬ال انفصام هلا‪ ،‬ومهتدون بالنور اإلهلي‪:‬‬

‫(الَّلُه ُنوُر الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َم َث ُل ُنوِر ِه َك ِم ْش َك اٍة ِفيَه ا ِم ْص َباٌح اْلِم ْص َباُح ِفي‬
‫ُز َج اَج ٍة الُّز َج اَج ُة َك َأَّنَه ا َك ْو َك ٌب ُدِّرٌّي ُيوَق ُد ِم ْن َش َج َر ٍة ُمَباَر َك ٍة َز ْيُتوَن ٍة ال َش ْر ِقَّيٍة َو ال‬
‫ِل ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِض‬ ‫ٍة‬
‫َغْر ِبَّي َيَك اُد َز ْيُتَه ا ُي يُء َو َلْو َلْم َتْمَسْس ُه َناٌر ُنوٌر َعَلى ُنوٍر َيْه ي الَّل ُه ُن وِر َمْن َيَش اُء‬
‫َو َيْض ِر ُب الَّلُه اَأْلْم َثاَل ِللَّناِس َو الَّلُه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َعِليٌم)‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]35‬‬

‫ِبالَّل ِه َق ِد اْسَت َك ِب اْل ِة اْل َق ى ال اْنِف‬ ‫ِت ِم‬


‫َص اَم‬
‫آ ُن واَفْخ ِر ْم ِمَس الُّظُلُعْراَوِت ِإ ُوَلىْث الُّنوِر اَّلِذ‬ ‫َمْن َيْك ُفِلْر ِبالَّطاُغو ِل َو َّلُيْؤِذ ْن‬
‫ِم‬
‫(َف‬
‫ي‬
‫َو َن‬ ‫َم ُي ُج ُه ْم َن َم‬ ‫َلَه ا َو الَّلُه َس يٌع َع يٌم‪ ،‬الَّل ُه َو ُّي ا يَن‬
‫ِم َن الُّنوِر ِإَلى الُّظُلَم اِت )‪[ .‬س‪%%‬ورة البق‪%%‬رة‪ ،‬اآليت‪%%‬ان‬ ‫ِل‬
‫َكَف ُر وا َأْو َياُؤ ُه ُم الَّطاُغوُت ُيْخ ِر ُج وَنُه ْم‬
‫‪.]257 ،256‬‬

‫وهكذا‪ ،‬ال يوجد بديل من املنهج الفاسد إال املنهج الرباين املتمثل يف اإلسالم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وال خطر من اإلسالم على " الحضارة "!‬

‫إن اإلسالم لن حيارب التقدم العلمي والتكنولوجي وال مثار احلضارة املادية‪.‬‬

‫ولكنه عن يقني سيغري ما بأنفس الناس‪ ،‬وسيغري نظرهتم إىل األشياء‪.‬‬

‫(‪)215‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فأما إجيابيات هذه احلضارة اجلاهلية فسيبقيها اإلسالم‪ ،‬ولكنه سيصحح قاعدتها‪،‬‬
‫كما استبقى اإلسالم ما كان يف اجلاهلي‪%‬ة العربي‪%‬ة من فض‪%‬ائل‪ ،‬ولكن‪%‬ه يف ال‪%‬وقت ذاته ص‪%‬حح‬
‫قاعدته‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د ك ‪%%‬ان عن ‪%%‬د الع ‪%%‬رب يف اجلاهلي ‪%%‬ة كرم وشجاعة‪ ،‬ولكن اجلاهلي ‪%%‬ة ك ‪%%‬انت ق ‪%%‬د‬
‫أفس‪%% %‬دت قاع‪%% %‬دهتما‪ ،‬فجعلت الك‪%% %‬رم إنفاق ‪ً% %‬ا للم‪%% %‬ال رئ‪%% %‬اء الن‪%% %‬اس‪ ،‬وجعلت الش‪%% %‬جاعة محي‪%% %‬ة‬
‫جاهلي‪%% %‬ة‪ .‬ف‪%% %‬أبقى اإلس‪%% %‬الم الك‪%% %‬رم والش‪%% %‬جاعة‪ ،‬ألنهم ‪,,‬ا من أخالقيات ‪,,‬ه األص ‪,,‬يلة‪ ،‬مث ص‪%% %‬حح‬
‫قاعدهتما لُيصبح الكرم إنفاقًا يف سبيل اهلل‪ ،‬والشجاعة جهادًا لتكون كلمة اهلل هي العليا‪.‬‬

‫وك‪%%‬ذلك يفع‪%%‬ل اإلس‪%%‬الم بفض‪%%‬ائل اجلاهلي‪%%‬ة املعاص‪%%‬رة‪ :‬الجلد على العم‪,‬ل‪ ،‬وعبقري‪,‬ة‬
‫التنظيم‪ ،‬وال ‪,,‬روح العلمي ‪,,‬ة يف تن ‪%%‬اول املش ‪%%‬كالت‪ ،‬وحماول ‪%%‬ة إجياد احلل ‪%%‬ول العملي ‪%%‬ة هلا‪ ..‬ك ‪%%‬ل‬
‫ذل ‪%%‬ك حياف ‪%%‬ظ علي ‪%%‬ه اإلس ‪%%‬الم‪ ،‬ألنه متف‪,,‬ق م‪,,‬ع أص‪,,‬ول دعوت‪,,‬ه‪ ،‬ولكن ‪%%‬ه سُيص ‪%%‬حح قاعدته فال‬
‫يك‪%%‬ون األم‪%%‬ر لمتاع الحياة ال‪,‬دنيا وح‪,‬ده‪ ،‬وعلى غ‪%%‬ري أس‪%%‬س " أخالقي‪,‬ة "‪ .‬إمنا يك‪%%‬ون عب‪%%‬ادة‬
‫هلل‪ ،‬وعم‪%% %‬ارة لألرض مبقتض‪%% %‬ى منهج اهلل‪ ،‬فيت‪%% %‬وافر في‪%% %‬ه من اخلري والربك‪%% %‬ة أض‪%% %‬عاف م‪%% %‬ا ه‪%% %‬و‬
‫حاصل اليوم يف األرض‪.‬‬

‫وأما الفساد فال يتقبله اإلس‪,‬الم‪ .‬س‪%%‬واء ك‪%%‬ان الفس‪%%‬اد كف‪%%‬رًا باهلل وجح‪%%‬ودًا بآياته‪،‬‬
‫أو حتلًال خلقًّيا‪ ،‬أو ظلما سياسًّيا أو اجتماعًّي ا أو اقتص‪%‬ادًّيا ناش‪%‬ئًا كل‪%‬ه من حتكيم ش‪%‬رائع غ‪%‬ري‬
‫شريعة اهلل‪ ،‬أو فكرًّيا أو فنًّيا ناشئًا من اتباع اهلوى الذي يضل عن سبيل اهلل‪:‬‬

‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِذ ِض‬ ‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِض‬ ‫ِب‬


‫(ِدَو ال ِبَتَّت ِع اْلَه َو ى َفُي ِحَّلَك ِبَعْن َس يِل الَّل ِإَّن اَّل يَن َي ُّلوَن َعْن َس يِل الَّل َلُه ْم‬
‫َعَذ اٌب َش يٌد َم ا َنُس وا َيْو َم اْل َس ا )‪[ .‬سورة ص‪ ،‬اآلية ‪.]26‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫اإلسالم هو المنهج البديل‪ ،‬الذي ُيصحح انحرافات الجاهلية‪..‬‬

‫ولكن‪%%‬ه ال َيبُل غ إىل الن‪%%‬اس على حقيقت‪%%‬ه ح‪%%‬ىت حيمل‪%%‬ه ق‪%%‬وم يعيش‪%%‬ون ب‪%%‬ه‪ ،‬ويعيش‪%%‬ون ل‪%%‬ه‪،‬‬
‫ويعرضونه على الناس من خالل قوة واقعية‪ ،‬ومن خالل واقع ممّك ن في األرض‪.‬‬

‫صحيح أن بضعة ألوف‪ ،‬أو بضعة مئ‪%‬ات من األل‪%‬وف يف أورب‪%‬ا وأمريك‪%‬ا ق‪%‬د دخل‪%‬وا‬
‫يف اإلسالم‪ ،‬فرارًا إليه من لذع الضياع واحلرية‪ ،‬الذي يأكل حياة الن‪%%‬اس يف الغ‪%%‬رب‪ ،‬ويك‪%%‬اد‬
‫يسلمهم إىل اجلنون‪.‬‬

‫(‪)216‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولكن ال ‪%%‬ذين يبحث ‪%%‬ون عن احلق‪ ،‬ويهت ‪%%‬دون إلي ‪%%‬ه من ذوات أنفس ‪%%‬هم‪ ،‬قل ‪%%‬ة دائم ‪ً%‬ا يف‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫ول‪%% %‬و وج‪%% %‬د الن‪%% %‬اس يف الغ‪%% %‬رب الي‪%% %‬وم ‪ -‬يف ح‪%% %‬ريهتم وع‪%% %‬ذاهبم ‪ -‬نموذجًا إس ‪,,‬المًّيا‬
‫صحيحًا ُممّك نًا في األرض‪ ،‬لكان املفروض أن يدخلوا فيه بالماليين بدًال من األلوف‪.‬‬

‫ولكن ال‪%%‬ذي يص‪ّ%‬د هم عن احلق ه‪%%‬و الواقع السيئ ال‪,‬ذي يعيش‪,‬ه المسلمون الي‪,‬وم‬
‫نتيجة بعدهم عن اإلسالم وتفريطهم فيه‪ ،‬والصورة املنفرة اليت يعطيها ذلك الواقع‪.‬‬

‫من أجل ذلك نفرح بالصحوة اإلسالمية‪ ،‬ونراها خًّطا بارزًا من خطوط احلاضر‪،‬‬
‫وخًّطا بارزًا من خطوط املستقبل املتوقع كذلك‪.‬‬

‫ونرى يف الوقت ذاته أن هذا الوض‪%%‬ع يف‪%%‬رض على الص‪%%‬حوة تبعات جسيمة‪ ،‬ال ب‪%%‬د‬
‫أن تك ‪%%‬ون كفئ ‪ً%‬ا هلا‪ ،‬لتق ‪%%‬وم باملهم ‪%%‬ة املطلوب ‪%%‬ة منه ‪%%‬ا‪ ،‬ال على نط ‪%%‬اق الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي وح ‪%%‬ده‪،‬‬
‫ولكن على نطاق األرض كلها‪ ..‬األرض اليت أفسدهتا اجلاهلية‪.‬‬

‫فأما كون الصحوة اإلسالمية خًّطا بارزًا من خطوط احلاضر‪ ،‬فألن األع‪%%‬داء ك‪%%‬انوا‬
‫ق‪%%‬د فعل‪%%‬وا ك‪%%‬ل م‪%%‬ا يف وس‪%%‬عهم للقض‪%%‬اء على اإلس‪%%‬الم‪ ،‬من غ‪%%‬زو عس‪%%‬كري‪ ،‬وض‪%%‬غط سياس‪%%‬ي‬
‫واقتص ‪%%‬ادي‪ ،‬وغ ‪%%‬زو فك ‪%%‬ري‪ ،‬وإث ‪%%‬ارة للنع ‪%%‬رات القومي ‪%%‬ة والوطني ‪%%‬ة لتف ‪%%‬تيت وح ‪%%‬دة املس ‪%%‬لمني‪،‬‬
‫وتقطيع أوصاهلم‪ ،‬وتربية أجيال من املسلمني ال تعرف ش‪%‬يئًا عن اإلس‪%‬الم إال الش‪%‬بهات ال‪%‬يت‬
‫يثريها املبشرون واملستشرقون وتالميذهم من " املفكرين اإلسالميني!! "‪.‬‬

‫مث كانت املفاجأة هلم ‪ -‬وللعامل كله ‪ -‬بعد هذا اجله‪%%‬د املب‪%%‬ذول كل‪%%‬ه هي الصحوة‬
‫اإلسالمية! (‪.)179‬‬

‫لذلك ننظر إليها على أهنا قدر اهلل الغالب‪:‬‬

‫(َو الَّل ُه َغ اِلٌب َعَلى َأْم ِر ِه َو َلِكَّن َأْك َثَر الَّناِس ال َيْع َلُم وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة يوس‪%%‬ف‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]21‬‬

‫وك ‪%% %‬ذلك نتطل ‪%% %‬ع إليه ‪%% %‬ا يف ثق ‪%% %‬ة بأهنا س ‪%% %‬تكون ب ‪%% %‬إذن اهلل من اخلط ‪%% %‬وط الب ‪%% %‬ارزة يف‬
‫المستقبل الواق ‪,,‬ع‪ ،‬ألهنا ب ‪%%‬رزت إىل الوج ‪%%‬ود يف ال ‪%%‬وقت ال ‪%%‬ذي ب ‪%%‬دأ ع ‪%%‬وار اجلاهلي ‪%%‬ة يظه ‪%%‬ر‬

‫‪ )?(179‬انظر – إن شئت – فصل " الصحوة اإلسالمية " من كتاب " واقعنا املعاصر "‪.‬‬

‫(‪)217‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫للعي‪%%‬ون‪ ،‬وب‪%%‬دأ الن‪%%‬اس يلتفت‪%%‬ون ح‪%%‬وهلم ب‪%%‬احثني عن منهج ب‪%%‬ديل! فهي إذن حرك‪%%‬ة ذات دالل‪%%‬ة‬
‫تارخيية‪ ،‬وليست جمرد حركة حملية يف بلد من البلدان‪.‬‬

‫وال يغيب عن بالن ‪%%‬ا على أي ح ‪%%‬ال أن جمرد فس ‪%%‬اد املنهج الق ‪%%‬ائم الي ‪%%‬وم يف األرض‪،‬‬
‫وجمرد وجود البديل الصحيح‪ ،‬ال يؤدي بذاته إىل أن ينبذ الناس املنهج الفاسد ويتجه‪%%‬وا إىل‬
‫املنهج الصحيح!‬

‫كال! ح ‪%%‬ىت حيمل ‪%%‬ه ق ‪%%‬وم يعيش ‪%%‬ون ب ‪%%‬ه ويعيش ‪%%‬ون ل ‪%%‬ه‪ ،‬فيقنع ‪%%‬ون ب ‪%%‬ه وج ‪%%‬دان الن ‪%%‬اس ال‬
‫عق‪%%‬وهلم فحس‪%%‬ب‪ ،‬وجيذبوهنم إلي‪%%‬ه ج‪%%‬ذبًا من خالل النموذج ال‪,‬واقعي‪ ،‬كم‪%%‬ا فع‪%%‬ل املس‪%%‬لمون‬
‫األوائل حني كان اإلسالم غريبًا يف األرض أول مرة‪:‬‬

‫" بدأ اإلسالم غريبًا‪ ،‬وسيعود غريبًا كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء " (‪.)180‬‬

‫والغربة الثانية هي ال‪%‬يت يعانيه‪%‬ا اإلس‪%‬الم يف األرض الي‪%‬وم‪ ،‬وهي يف حاج‪%‬ة إىل جه‪%‬د‬
‫شبيه باجلهد األول‪ ،‬يزيل الغربة بإذن اهلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهن‪%%‬ا يتس‪%%‬اءل كث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس‪ :‬هل تعي الص‪,,‬حوة اإلس‪,,‬المية مهمته‪,,‬ا؟ وهل هي‬
‫سائرة في الطريق الذي يوصلها؟ هل ل‪,‬ديها " خط‪,‬ة " لحاض‪,‬رها أو مستقبلها؟ أم تعيش‬
‫‪ -‬كما تعيش بقية األمة يف ال‪%‬وقت احلاض‪%‬ر ‪ -‬ارجتاًال عفوي‪ً%‬ا ليس‪%‬ت ل‪%‬ه أه‪%‬داف واض‪%‬حة وال‬
‫خطة مرسومة؟!‬

‫وما نريد أن نتعج‪%‬ل اإلجاب‪%‬ة على ه‪%‬ذه األس‪%‬ئلة‪ ،‬وم‪%‬ا نري‪%‬د ك‪%‬ذلك أن نتح‪%‬دث عن‬
‫مجاع ‪%%‬ة بعينه ‪%%‬ا من اجلماع ‪%%‬ات اإلس‪%%‬المية العامل‪%%‬ة يف حق ‪%%‬ل ال‪%%‬دعوة‪ ،‬بل نوجه الح‪,,‬ديث إلى‬
‫الجمي ‪,,‬ع‪ ،‬لنت ‪%%‬دارس مع‪ً% %‬ا م ‪%%‬ا ه ‪%%‬و مطل ‪%%‬وب مّن ا يف احلاض ‪%%‬ر ويف املس ‪%%‬تقبل‪ ،‬وم ‪%%‬ا يواجهن ‪%%‬ا من‬
‫عقبات‪.‬‬

‫يقول تعاىل مبِّينًا أدب الدخول إىل بيوت الناس‪:‬‬

‫(َف ِإ َذا َدَخ ْلُتْم ُبُيوت‪ً, ,‬ا َفَس ِّلُم وا َعَلى َأْنُفِس ُك ْم َتِح َّي ًة ِم ْن ِع ْن ِد الَّل ِه ُمَباَر َك ًة َطِّيَب ًة‬
‫َكَذ ِلَك ُيَبِّيُن الَّلُه َلُك ُم اآْل ياِت َلَعَّلُك ْم َتْع ِق ُلوَن )‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]61‬‬

‫‪ )?(180‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫(‪)218‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫واملقص ‪%%‬ود بطبيع ‪%%‬ة احلال‪ :‬فس ‪%%‬لموا على أه ‪%%‬ل ال ‪%%‬بيت ال ‪%%‬ذي تدخلون ‪%%‬ه‪ .‬ولكن التعب ‪%%‬ري‬
‫بأنفس ‪%%‬كم تعب ‪%%‬ري مجي ‪%%‬ل م ‪%%‬وٍح ‪ ،‬ي ‪%%‬وحي بالوح ‪%%‬دة النفس ‪%%‬ية والش ‪%%‬عورية‪ ،‬ال ‪%%‬يت جتم ‪%%‬ع ال ‪%%‬داخلني‬
‫واملدخول إليهم‪ ،‬فحني ُيسّلم اإلنس‪%‬ان على " غ‪%‬ريه " فكأمنا يس‪ّ%‬لم على " نفس‪%‬ه " من ش‪%‬دة‬
‫القرب‪ ،‬ومن وحدة الطريق‪.‬‬

‫ونري ‪%%‬د ‪ -‬هبذه ال ‪%%‬روح ‪ -‬أن نتح ‪%%‬دث إىل أنفسنا‪ ،‬لنتع ‪%%‬رف على مهم ‪%%‬ة الص ‪%%‬حوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والصورة اليت ينبغي أن تكون عليها‪.‬‬

‫إنن‪%%‬ا حني نق‪%%‬ول‪ :‬إن‪%%‬ه ال ب‪%%‬د لنج‪%%‬اح العم‪%%‬ل اإلس‪%%‬المي من تربي‪%%‬ة قاعدة ص‪,‬لبة مؤمنة‬
‫مجاهدة واعية‪ ،‬يتضجر بعض الناس ويقولون‪ :‬إنكم تطالبون مثاليات ال تقبل التحقي‪%%‬ق يف‬
‫الوضع الراهن‪ ،‬فكأنكم تدعون إىل تعطيل العمل اإلسالمي حني تعلقون‪%%‬ه على ه‪%%‬ذا املطلب‬
‫الص ‪%%‬عب! كم ‪%%‬ا أنكم ختّذ لون الع ‪%%‬املني يف حق ‪%%‬ل ال ‪%%‬دعوة وتيئس ‪%%‬وهنم من الوص ‪%%‬ول إىل حتقي ‪%%‬ق‬
‫أهدافهم!‬

‫في حين أن الذي ُننادي به ضرورة ال غنى عنها على اإلطالق!‬

‫ونب ‪%%‬دأ بتص ‪%%‬حيح فك ‪%%‬رة تنش ‪%%‬أ عن ‪%%‬د بعض الن ‪%%‬اس حني يس ‪%%‬معون ه ‪%%‬ذه الكلم ‪%%‬ات‪ ،‬إذ‬
‫يظن‪%%‬ون أن املطل‪%%‬وب ه‪%%‬و تربي‪%%‬ة كل المنتسبين إىل ال‪%%‬دعوة على ه‪%%‬ذا املس‪%%‬توى‪ ،‬ال‪%%‬ذي يرون‪%%‬ه‬
‫مثالًّيا غري قابل للتحقيق!‬

‫ونسارع فنقول‪ :‬إن هذا مستحيل!‬

‫فمجتم‪%%‬ع الرس‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم نفس‪%%‬ه مل يكن كل‪%%‬ه على مس‪%%‬توى القاع‪%%‬دة‬
‫اليت تربت يف بيت ابن األرقم يف مكة‪ ،‬واليت ترىب عليها األنص‪%%‬ار بع‪%%‬د ذل‪%‬ك يف املدين‪%‬ة‪ ،‬فق‪%%‬د‬
‫ك‪%‬ان فيهم ‪ -‬كم‪%‬ا قلن‪%‬ا يف غ‪%‬ري ه‪%‬ذا الكت‪%‬اب (‪ - )181‬ض‪%‬عاف اإلميان‪ ،‬واملّثاقلون واملعوق‪%‬ون‪،‬‬
‫واملبطئون‪ ،‬واملنافقون‪ ،‬وغريهم من الفئات اليت متارس اإلسالم على عوج‪.‬‬

‫ولكن القاع ‪%% %‬دة ال ‪%% %‬يت رباه ‪%% %‬ا الرس ‪%% %‬ول ص ‪%% %‬لى اهلل علي ‪%% %‬ه وس ‪%% %‬لم‪ ،‬كانت من القوة‬
‫والصالبة بحيث حملت هؤالء جميعًا وسارت بهم إلى الهدف المقصود‪.‬‬

‫وال‪%%‬ذي نري‪%%‬ده الي‪%%‬وم ونن‪%%‬ادي ب‪%%‬ه ه‪%%‬و تربي‪%%‬ة " القاعدة "‪ ،‬ال‪%%‬يت حتم‪%%‬ل ض‪%%‬عاف اإلميان‬
‫واملّثاقلني واملعوقني واملبطئني واملنافقني‪ ،‬وتتح‪%%‬رك هبم حنو اهلدف‪ ،‬وه‪%%‬ذا األم‪%%‬ر ليس " مثالًّي ا‬

‫‪ )?(181‬يف كتاب " مفاهيم ينبغي أن ُتصحح "‪.‬‬

‫(‪)219‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫" وال هو غري قابل للتحقيق‪ ..‬وإذا ثبت أنه غري قابل للتحقي‪%‬ق فعًال‪ ،‬فمع‪%‬ىن ذل‪%‬ك أن العم‪%‬ل‬
‫اإلسالمي ذاته هو كذلك غري قابل لتحقيق أهدافه!! وحاشا هلل أن يكون ذلك كذلك!‬

‫كي ‪,,‬ف نطم ‪,,‬ع في دعوة الناس إلى اإلس ‪,,‬الم إذا كنا نحن ‪ -‬ال ‪,,‬دعاة ‪ -‬غ ‪,,‬ير‬
‫مطبقين له في ذوات أنفسنا؟‬

‫كي‪,, ,‬ف ندعو الناس إلى أخالقي‪,, ,‬ات ال إل‪,, ,‬ه إال اهلل إذا كنا نحن أنفسنا غ‪,, ,‬ير‬
‫متخلقين بها؟‬

‫كيف ندعوهم إىل الثبات إذا كن‪%%‬ا حنن ال نثبت؟ وكي‪%%‬ف ن‪%%‬دعوهم إىل الصدق إذا‬
‫س ‪%%‬وغنا ألنفس ‪%%‬نا أن نك ‪%%‬ذب؟ كي ‪%%‬ف ن ‪%%‬دعوهم إىل التج ‪,,‬رد هلل إذا ك ‪%%‬انت ذواتن ‪%%‬ا هي حمور‬
‫حتركنا؟ ومصاحلنا الذاتية هي اليت حُت دد مواقفنا وأعمالنا؟‬

‫أو ليست هذه بديهية من بديهيات العمل اإلسالمي؟! أف‪%%‬إن نادين‪%%‬ا بض‪%%‬رورة الرتبي‪%%‬ة‬
‫لتاليف هذه السلبيات نكون منادين مبثاليات غري قابلة للتحقيق؟!‬

‫(َيا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِلَم َتُقوُلوَن َم ا ال َتْف َعُلوَن ‪َ ،‬ك ُبَر َم ْق تًا ِع ْنَد الَّلِه َأْن َتُقوُلوا َم ا‬
‫ال َتْف َعُلوَن )‪[ .‬سورة الصف‪ ،‬اآليتان‪.]3 ،2 :‬‬

‫كرب مقتًا ألنه يكون صًّدا عن سبيل اهلل‪ ،‬بدًال من أن يكون دعوة إىل اهلل!‬

‫والشاعر يقول‪:‬‬

‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خاهلا ختفى على الناس تعلم (‪!)182‬‬

‫نس ‪%%‬تطيع أن خُن في حقيق ‪%%‬ة أنفس ‪%%‬نا يف خطب ‪%%‬ة محاس ‪%%‬ية بليغ ‪%%‬ة‪ ،‬أو موعظ ‪%%‬ة م ‪%%‬ؤثرة‪ ،‬أو‬
‫حماضرة " قيمة "‪ ،‬أو كتاب نؤلفه‪.‬‬

‫ولكن ال ‪%%‬دعوة ليس ‪%%‬ت خطب‪ً% %‬ا وال مواع ‪%%‬ظ وال حماض ‪%%‬رات وال كتب‪ً% %‬ا ‪ -‬وإن ك ‪%%‬انت‬
‫ه ‪%%‬ذه كله ‪%%‬ا أدوات نافع ‪%%‬ة مطلوب‪%%‬ة لل‪%%‬دعوة ‪ -‬إنم‪,,‬ا ال‪,,‬دعوة ق‪,,‬دوة وص‪,,‬حبة وتربي‪,,‬ة‪ ..‬هك‪%%‬ذا‬
‫عّلمنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون فهمنا حلقيقة الدعوة (‪.)183‬‬

‫‪ )?(182‬هو زهري بن أيب سلمى‪.‬‬


‫‪ )?(183‬يف النية إصدار حبث بعنوان " كيف ندعو الناس "‪.‬‬

‫(‪)220‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ويف الص‪%%‬حبة الطويل‪%%‬ة ال‪%%‬يت تقتض‪%%‬يها عملي‪%%‬ة ال‪%%‬دعوة ‪ -‬أي تقتض‪%%‬يها عملي‪%%‬ة الرتبي‪%%‬ة ‪-‬‬
‫يس ‪%%‬تحيل علين ‪%%‬ا أن خنفي حقيق ‪%%‬ة أنفس ‪%%‬نا‪ ،‬وال ب ‪%%‬د أن " ننكش‪,,‬ف " أم ‪%%‬ام ال ‪%%‬ذين يتلق ‪%%‬ون من ‪%%‬ا‪.‬‬
‫فكيف إذا اكتشفوا ذات يوم أننا كنا " نخدعهم "‪ ..‬أنن‪%%‬ا كن‪%%‬ا حندثهم مبع‪%%‬ان نفتق‪%%‬دها حنن‪،‬‬
‫أو نشتمل على أضدادها؟ كيف تكون الصدمة؟ وكيف تكون النتيجة؟‬

‫إن تربية " القاعدة " على أخالقي‪,‬ات ال إل‪,‬ه إال اهلل‪ ،‬أم‪,‬ر بالغ األهمي‪,‬ة ح‪,‬تى في‬
‫مرحلة الدعوة قبل أن يكون لنا تمكين في األرض‪.‬‬

‫بل رمبا ك‪%‬انت يف تل‪%‬ك املرحل‪%‬ة أل‪%‬زم‪ ،‬ألهنا هي ال‪%‬يت جتع‪%‬ل منو " اجلماع‪%‬ة " يس‪%‬ري يف‬
‫خطه الصحيح‪ .‬وإال فلنتص‪%‬ور إقب‪%‬ال الش‪%‬باب على ال‪%‬دعوة ‪ -‬كم‪%‬ا ه‪%‬و ح‪%‬ادث الي‪%‬وم ‪ -‬بغ‪%‬ري‬
‫دعاة يستقبلوهنم‪ ،‬ويقوم‪%%‬ون على تربيتهم وتوجيههم وترش‪%%‬يدهم وه‪%%‬دايتهم‪ ..‬كيف يكون‬
‫الحال؟ تتض‪%%‬خم اجلماع‪%%‬ة ولكن على خواء! أو تتض‪%%‬خم ولكن على عوج! وعندئ‪%%‬ذ تك‪%%‬ون‬
‫عبئًا معّو قًا أكثر مما تكون قوة دافعة!‬

‫و " ال‪,,‬دعاة " ال‪%%‬ذين يس‪%%‬تقبلون الش‪%%‬باب املقب‪%%‬ل على ال‪%%‬دعوة‪ ،‬هم " القاعدة " ال‪%%‬يت‬
‫نتحدث عن ضرورة العناية هبا‪ ،‬وإنش‪%‬ائها على أس‪%‬اس م‪%‬تني من اإلميان وال‪%‬وعي والتج‪%‬رد هلل‬
‫والص‪%‬دق م‪%‬ع اهلل‪ ،‬واالس‪%‬تعداد للب‪%‬ذل يف س‪%‬بيل اهلل‪ .‬أف‪%‬إن نادين‪%‬ا بض‪%‬رورة تربي‪%‬ة تل‪%‬ك القاع‪%‬دة‬
‫على أعلى مستوى يقال‪ :‬إننا ننادي مبثاليات غري قابلة للتحقيق؟!‬

‫* ولنضرب بعض األمثلة من بعيد‪ ..‬دون أن خنوض يف تفصيل طويل ال جمال له‬
‫يف هذا البحث‪..‬‬

‫ك ‪%%‬ان رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ُ ،‬ي رّبي أص‪,,‬حابه ليكون ‪%%‬وا جن ‪%%‬ودًا خملص ‪%%‬ني‪،‬‬
‫وليكون‪%% %‬وا يف ال‪%% %‬وقت ذاته ق‪%% %‬ادة إذا وض‪%% %‬عوا يف املك‪%% %‬ان ال‪%% %‬ذي حيت‪%% %‬اج إىل القي‪%% %‬ادة وحتم‪%% %‬ل‬
‫املسئولية‪.‬‬

‫وك‪%%‬ان ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪ -‬وه‪%%‬و أعظم م‪%%‬رٍب يف تاريخ البش‪%%‬رية ‪ -‬ميّك ن هلذا‬
‫اهلدف املزدوج‪ ،‬ب‪%%‬أن يؤك‪%%‬د على ض‪%%‬رورة الس‪%%‬مع والطاع‪%%‬ة يف املنش‪%%‬ط واملك‪%%‬ره‪ ،‬ومهم‪%%‬ا تكن‬
‫املواق‪%%‬ف الذاتي‪%%‬ة واألفك‪%%‬ار اخلاص‪%%‬ة‪ ،‬ويف ال‪%%‬وقت ذاته ك‪%%‬ان علي‪%%‬ه الص‪%%‬الة والس‪%%‬الم‪ ،‬يكثر من‬
‫استشارة أصحابه ‪ -‬وهو النيب امللهم الذي يتنزل علي‪%‬ه ال‪%‬وحي ‪ -‬ال حلاجت‪%‬ه إىل االستش‪%‬ارة‬
‫‪ -‬والوحي يلهمه بالعم‪%‬ل املطل‪%‬وب‪ ،‬ويص‪%‬حح مس‪%‬ار التص‪%‬رف إن وق‪%‬ع على خالف األوىل‪،‬‬
‫كما حدث مع األعمى (ابن أم مكتوم)‪ ،‬وكما ح‪%‬دث يف قض‪%%‬ية األس‪%‬رى يف ب‪%‬در ‪ -‬ولكن‪%‬ه‬
‫ك‪%%‬ان يه‪%%‬دف بك‪%%‬ثرة استش‪%%‬ارة أص‪%%‬حابه إىل تربي‪,‬ة شخص‪,‬ياتهم‪ ،‬وإعدادهم ليكونوا " ص‪ًّ,‬ف ا‬

‫(‪)221‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثاني ‪ً,‬ا " للدعوة‪ ،‬وق‪,,‬ادة يعتم‪,,‬د عليهم في المواق‪,,‬ف‪ ..‬وك ‪%%‬ذلك ك ‪%%‬ان ص ‪%%‬حابة رس ‪%%‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬من بعده‪.‬‬

‫فه ‪,,‬ل نتبع نحن ‪ -‬في الجماعات القائم ‪,,‬ة بالعم ‪,,‬ل في حقل ال ‪,,‬دعوة ‪ -‬هذا‬
‫اله ‪,,‬دي النبوي؟ أم إنن‪%% %‬ا ‪ -‬لظ‪%% %‬روف خاص‪%% %‬ة تفس‪%% %‬ر وال تربر ‪ -‬نتكئ على مب‪%% %‬دأ الس‪%% %‬مع‬
‫والطاعة‪ ،‬وهنمل عملية الشورى أو حنصرها يف أضيق نطاق؟!‬

‫وأي دول ‪%%‬ة هندف ‪ -‬يف أذهانن ‪%%‬ا ‪ -‬إىل إنش ‪%%‬ائها هبذا الل ‪%%‬ون من الرتبي ‪%%‬ة؟ أهي دول ‪%%‬ة‬
‫الش ‪%%‬ورى اإلس ‪%%‬المية ال ‪%%‬يت أب ‪%%‬رزت أروع مناذجه ‪%%‬ا يف اخلالف ‪%%‬ة الراش ‪%%‬دة؟ أم دول ‪%%‬ة االس ‪%%‬تبداد‬
‫السياسي اليت تريد أن تأمر فتطاع‪ ،‬واليت تضيق بالنصيحة ال‪%‬يت أم‪%%‬ر اهلل األم‪%%‬ة بتق‪%%‬دميها ألويل‬
‫األم‪%%‬ر فيه‪%%‬ا؟ وبعب‪%%‬ارة أخ‪%%‬رى‪ :‬ه‪%%‬ل نري‪%%‬د أن ننش‪%%‬ئ حكوم‪%%‬ة راش‪%%‬دة أم نري‪%%‬د أن نض‪%%‬يف ُطغ‪%%‬اة‬
‫جددًا إىل السلسلة الطويلة من الطغاة؟!‬

‫وهذا مجرد مثال‪..‬‬

‫وه‪%%‬ذا مث‪%%‬ال آخ‪%%‬ر يف جمال بعي‪%%‬د متام‪ً%‬ا عن األول‪ ،‬حيس‪%%‬به كث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس أم‪%%‬رًا ثانوًّيا‬
‫هامش ‪ًّ%‬يا ال يس ‪%%‬تحق االلتف ‪%%‬ات إلي ‪%%‬ه يف وس ‪%%‬ط ج ‪%%‬ديات األم ‪%%‬ور!! ونق ‪%%‬ول حنن‪ :‬ل ‪%%‬و ك ‪%%‬ان أم ‪%%‬رًا‬
‫ثانوًّيا هامش‪ًّ%‬يا م‪%%‬ا أواله رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬العناي‪%%‬ة ال‪%%‬يت تتح‪%%‬دث عنه‪%%‬ا كتب‬
‫السرية!‬

‫أش‪%% %‬رنا من قب‪%% %‬ل إىل أن البيئ‪%% %‬ة ال‪%% %‬يت انتش‪%% %‬ر فيه‪%% %‬ا اإلس‪%% %‬الم ‪ -‬بق‪%% %‬در من اهلل ‪ -‬يق‪%% %‬ع‬
‫معظمه‪%%‬ا يف املنطق‪%%‬ة احلارة واملنطق‪%%‬ة املعتدل‪%‬ة احلارة‪ ،‬وأن من ص‪%%‬فات ه‪%%‬ذه البيئ‪%‬ة أهنا فوض‪%%‬وية‬
‫تك‪%%‬ره النظ‪%%‬ام‪ ،‬عفوي‪%%‬ة تك‪%%‬ره التخطي‪%%‬ط‪ ،‬قص‪%%‬رية النفس‪ ،‬تش‪%%‬تعل بس‪%%‬رعة وتنطفئ بس‪%%‬رعة‪ ،‬وأن‬
‫اإلس‪%%‬الم تس‪%%‬لم أبن‪%%‬اء ه‪%%‬ذه البيئ‪%%‬ة ‪ -‬ب‪%%‬أحواهلم تل‪%%‬ك ‪ -‬ف‪%%‬أخرج منهم ‪ -‬على ي‪%%‬دي رس‪%%‬ول اهلل‬
‫ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪ -‬خير أم ‪,,‬ة أخرجت للناس‪ .‬وأن ‪%%‬ه ملا خفت قبض ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬الم على‬
‫النفوس رجع أهل ه‪%‬ذه البيئ‪%‬ة إىل تأثراهتم البيئي‪%‬ة‪ ،‬فع‪%‬ادوا فوض‪%‬ويني ارجتاليني قص‪%‬ريي النفس‬
‫سريعي احلماسة سريعي االنطفاء‪.‬‬

‫واليوم يقال‪ :‬إن هذه عيوب " حضارية " تتسم هبا البالد املتخلفة‪ ،‬وإن‪%%‬ه ال ب‪%%‬د من‬
‫القضاء عليها إن أردنا أن يكون لنا مكان بني الشعوب " املتحضرة "!‬

‫وأًّيا تكن النظ‪%%‬رة إليه‪%%‬ا فهي عي‪%%‬وب حقيقي‪%%‬ة تحت‪,‬اج إلى " تربي‪,‬ة " للقض‪,‬اء عليه‪,‬ا‪.‬‬
‫وق‪%%‬د فش‪%%‬لت األح‪%%‬زاب السياس‪%%‬ية‪ ،‬س‪%%‬واء " الليربالي‪%%‬ة "‪ ،‬أو االش‪%%‬رتاكية‪ ،‬يف القي‪%%‬ام هبذه املهم‪%%‬ة‬

‫(‪)222‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫خالل ق ‪%%‬رن كام ‪%%‬ل من الزم ‪%%‬ان إن مل يكن أك ‪%%‬ثر‪ ..‬وبقيت اجلماع ‪%%‬ات اإلس ‪%%‬المية هي األم ‪%%‬ل‬
‫الذي ميكن أن ُيلجأ إليه‪.‬‬

‫فه‪,,‬ل عملت الجماعات اإلس‪,,‬المية حسابًا له‪,,‬ذا األم‪,,‬ر في منهج تربيته‪,,‬ا‪ ..‬على‬
‫األقل في " القاعدة " التي تخّر ج الدعاة؟!‬

‫فأم ‪%%‬ا اجلماع ‪%%‬ات ال ‪%%‬يت أنش ‪%%‬أت تنظيم ‪%%‬ات " عس ‪%%‬كرية "‪ ،‬فق ‪%%‬د رك ‪%%‬زت على اجلانب‬
‫التنظيمي دون شك‪ .‬ولكن ليس هذا هو الذي نقص‪%‬ده‪ .‬إمنا نقص‪%‬د أن يك‪%‬ون الف‪%‬رد الع‪%‬ادي‬
‫من ال‪%%‬دعاة منظم ‪ً,‬ا مرتبًا‪ .‬ينظم وقت عبادته ووقت عمل‪%%‬ه ووقت راحت‪%%‬ه‪ ،‬ووقت اطالع ‪%%‬ه‪،‬‬
‫ووقت زياراته‪ ،‬ووقت رياضته‪ ،‬وينظم مالبسه‪ ،‬وأدواته‪ ،‬ويضبط مواعيده فال يعطي وع‪%%‬دًا‬
‫وخيلفه‪ ،‬وال يذهب لزيارة الناس دون أن يستوثق من مناس‪%‬بة ال‪%‬وقت ال‪%‬ذي اخت‪%‬اره للزي‪%‬ارة‪،‬‬
‫ويضبط كالمه فال يقول إال ما هو متثبت منه‪ ،‬وما يعتقد أنه حق‪ .‬وينظم تفكريه فال يقفز‬
‫إىل نتيج ‪%%‬ة ال يؤي ‪%%‬دها دلي ‪%%‬ل‪ ،‬وال جيع ‪%%‬ل ه ‪%%‬وى نفس ‪%%‬ه يش ‪%%‬وش على تفك ‪%%‬ريه‪ .‬ويتع ‪%%‬ود املتابع ‪%%‬ة‬
‫واملثابرة فال يندفع اليوم وختمد محاسته غدًا‪.‬‬

‫هل جعلنا هذا في حسابنا في تربي‪,,‬ة القاعدة ال‪,,‬تي يف‪,,‬ترض فيه‪,,‬ا غ‪,,‬دًا أن ت‪,,‬ربي‬
‫بقية األمة؟!‬

‫وهل هذه مثاليات غير قابلة للتحقيق؟ فكيف إذن تريب اجلاهلية املعاصرة أبناءها‬
‫عليه ‪%%‬ا ح ‪%%‬ىت ُتص ‪%%‬بح ج ‪%%‬زًءا عادًّي ا من كياهنا؟ وملاذا نس ‪%%‬تكثر على أنفس ‪%%‬نا أن نب ‪%%‬ذل اجله ‪%%‬د يف‬
‫تربية القاعدة على هذه األخالقي‪%‬ات ال‪%‬يت ك‪%‬انت يف حس املس‪%‬لمني األوائ‪%‬ل وثيق‪%‬ة الص‪%‬لة بال‬
‫إله إال اهلل؟ وكان قدوهتم فيها هو رسول اهلل؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وننتقل خطوة أخرى‪..‬‬

‫كيف نطمع في إقامة " حكم إسالمي "‪ ،‬إن لم نرب مثل هذه القاعدة؟!‬

‫يقول‪%% %‬ون‪ :‬إن ش‪%% %‬ذاذ اآلف‪%% %‬اق يقوم‪%% %‬ون بانقالب‪%% %‬ات عس‪%% %‬كرية ناجح‪%% %‬ة‪ ،‬ويص‪%% %‬لون إىل‬
‫احلكم وهم ال أخالق هلم‪ ،‬وال خ ‪%%‬ربة وال قواع ‪%%‬د ش ‪%%‬عبية‪ ،‬فلم ‪%%‬اذا يش ‪%%‬رتط علين ‪%%‬ا وح ‪%%‬دنا أن‬
‫نكون ذوي أخالق معينة‪ ،‬أو على مستوى معني من صالبة التكوين؟!‬

‫(‪)223‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫فنق ‪%% %‬ول‪ :‬أوًال‪ ،‬إن ه ‪%% %‬ؤالء ال ينجح ‪%% %‬ون يف انقالب ‪%% %‬اهتم خبص ‪%% %‬ائص ذاتي ‪%% %‬ة فيهم‪ ،‬إمنا‬
‫ينجحون بسند من " القوى العظمى "‪ ،‬اليت تضعهم على رأس السلطة‪.‬‬

‫وه‪%%‬ذه " القوى العالمي‪,,‬ة "‪ ،‬ال‪%%‬يت تتحكم يف الع‪%%‬امل الي‪%%‬وم‪ ،‬ويف الع‪%%‬امل الث‪%%‬الث بص‪%%‬فة‬
‫خاصة‪ ،‬ال تحب اإلسالم وال تؤيده‪ ،‬بل تقف منه موقف الع‪,,‬داوة الص‪,,‬ريحة أو الخفي‪,,‬ة‪،‬‬
‫وتعمل على خذالنه وإضعاف أهله‪ ،‬فال ينتظر منها أن تساند حكمًا إسالمًّيا يف أي مك‪%%‬ان‬
‫يف األرض‪.‬‬

‫ونق ‪%%‬ول‪ :‬ثاني ‪ً,‬ا‪ ،‬إن ه ‪%%‬ؤالء ال يش ‪%%‬رتطون على أنفس ‪%%‬هم‪ ،‬وال يش ‪%%‬رتط عليهم س ‪%%‬ادهتم‬
‫ال‪%‬ذين يض‪%‬عوهنم يف أم‪%‬اكنهم ويس‪%‬اندوهنم أن يكون‪%‬وا ذوي أخالق‪ ،‬وال أن يس‪%‬لكوا س‪%‬لوكًا‬
‫نظيف ‪ً%‬ا يف حكم ش‪%%‬عوهبم‪ ،‬ب‪%%‬ل العكس ه‪%%‬و األحب هلؤالء الس‪%%‬ادة‪ ،‬لييس‪%%‬ر هلم ه‪%%‬ؤالء احلك‪%%‬ام‬
‫بأخالقهم املنحرفة مهمة إذالل الشعوب اإلسالمية‪ ،‬وسحق الحركات اإلسالمية فيها‪.‬‬

‫أما احلركة اإلس‪%‬المية فليس ه‪%‬دفها أن تص‪%‬ل إىل الس‪%‬لطة بأي‪%‬ة ص‪%‬ورة‪ ،‬وال أن تق‪%‬دم‬
‫حكمًا من أي نوع‪ ،‬وبالذات ذلك النوع الذي يقاومه اإلسالميون‪ ،‬ويقولون عن القائمني‬
‫علي ‪%%‬ه إهنم عمالء وخمرب ‪%%‬ون! وإال فم ‪,,‬ا ال ‪,,‬ذي يغ ‪,,‬ري الناس أن ي ‪,,‬تركوا هؤالء ويناص ‪,,‬روا‬
‫أولئك إذا كانوا من نوع واحد؟‬

‫بعبارة أخرى إن املطلوب من الصحوة اإلسالمية أن تقدم للناس " حكمًا إسالمًّيا‬
‫"‪ ،‬ال حكمًا جاهلًّيا باسم اإلسالم!‬

‫وإن‪%%‬ه خلري للن‪%%‬اس‪ ،‬وللحرك‪%%‬ة اإلس‪%%‬المية ذاهتا‪ ،‬أن يت‪%%‬أخر احلكم اإلس‪%%‬المي مائ‪,‬ة عام‬
‫مث يقوم على أسس إسالمية صحيحة‪ ،‬ويعطي الناس الصورة الص‪%%‬حيحة للحكم اإلس‪%%‬المي‪،‬‬
‫من أن يق ‪%%‬وم غ ‪%%‬دًا حكم حيم ‪%%‬ل اس ‪%%‬م اإلس ‪%%‬الم‪ ،‬وه ‪%%‬و غ ‪%%‬ري ق ‪%%‬ادر على تطبيق ‪%%‬ه يف ع ‪%%‬امل الواق ‪%%‬ع‬
‫لنقٍص يف تربيته‪ ،‬أو نقص يف خربته‪ ،‬أو نقص يف كفاءته!‬

‫يف الحال ‪,, ,‬ة األولى‪ ،‬س‪%% % %‬يتأخر احلكم اإلس‪%% % %‬المي ولكن يظ‪%% % %‬ل الن‪%% % %‬اس متعلقني ب‪%% % %‬ه‪،‬‬
‫متش ‪%%‬وفني إىل حتقيق ‪%%‬ه‪ ،‬ويف الحال ‪,,‬ة ثاني ‪,,‬ة‪ ،‬س ‪%%‬تنتكس ال ‪%%‬دعوة من خيب ‪%%‬ة األم ‪%%‬ل ال ‪%%‬يت ُتص ‪%%‬يب‬
‫الناس‪ ،‬وال يعود الناس يستمعون إليها‪ ،‬ولو ظلت تدعوهم مائة عام!‬

‫كي‪%%‬ف إذا ج‪%%‬اءت مجاع‪%%‬ة إس‪%%‬المية إىل احلكم ‪ -‬ب‪%%‬أي ص‪%%‬ورة من الص‪%%‬ور ‪ -‬فق‪%%‬امت‬
‫تعتقل معارضيها من الجماعات اإلسالمية األخرى ألنهم يناوئونها ‪ -‬أو ك‪%%‬انوا يناوئوهنا‬
‫‪ -‬يف مسألة من مسائل اخلالف؟‬

‫(‪)224‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أي ص ‪,,‬ورة يقدمون عندئ ‪,,‬ذ للحكم اإلس ‪,,‬المي؟! وه‪%% %‬ل يك‪%% %‬ون ذل‪%% %‬ك يف ص‪%% %‬احل‬
‫الدعوة أم ضد مسريهتا؟‬

‫وكيف إذا جاءت مجاعة إسالمية إىل احلكم بصورة من الصور فاستغل أشخاصها‬
‫س ‪%% %‬لطتهم يف تقريب أحبائهم ومؤي‪,, ,‬ديهم من غ‪,, ,‬ير ذوي الكف‪,, ,‬اءة‪ ،‬وإقص‪,, ,‬اء ال‪,, ,‬ذين ال‬
‫يحبونهم ولو كانت فيهم الخبرة المطلوبة؟‬

‫أي صورة يقدمون عندئذ للحكم اإلسالمي؟!‬

‫ومي‪%% %‬ف إذا ج‪%% %‬اءت مجاع‪%% %‬ة إس‪%% %‬المية إىل احلكم بص‪%% %‬ورة من الص‪%% %‬ور فعج ‪,,‬زت عن‬
‫إدارة األم‪,,‬ور لقل ‪%%‬ة خربهتا أو قل ‪%%‬ة كفاءهتا‪ ،‬ف ‪%%‬انفرط عق ‪%%‬د احلكم‪ ،‬واض ‪%%‬طرب دوالب ‪%%‬ه‪ ،‬بينم ‪%%‬ا‬
‫الذين ك‪%‬انوا قبلهم من العلم‪%‬انيني والعمالء ك‪%‬انوا أمه‪%‬ر منهم يف اإلدارة وأك‪%‬ثر منهم كف‪%‬اءة‬
‫وخربة؟‬

‫أي صورة يقدمون عندئذ للحكم اإلسالمي؟!‬

‫وق‪%‬د يق‪%%‬ول قائ‪%‬ل‪ :‬إن حكم أي مجاع‪%%‬ة إس‪%‬المية س‪%‬يكون على أق‪%‬ل تق‪%%‬دير أفض‪%%‬ل من‬
‫حكم شذاذ اآلفاق‪.‬‬

‫وحىت إن سلمنا جدًال بذلك‪ ،‬إلنه منطق غير سليم‪.‬‬

‫إن الناس ال يتقبلون من احلكم اإلسالمي أن تكون كل مزيته أنه أفض‪%%‬ل من حكم‬
‫شذاذ اآلفاق! فهذا ‪ -‬يف ذاته ‪ -‬ليس فضًال وال مزية! كما يقول الشاعر‪:‬‬

‫أمل تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟!‬

‫إمنا يتوق‪%%‬ع الن‪%%‬اس أن يك‪%%‬ون احلكم اإلس‪%%‬المي ه‪%%‬و املنق‪%%‬ذ واملخّلص‪ ،‬ال‪%%‬ذي خيّلص‪%%‬هم‬
‫من أدران الفس‪%%‬اد الواق‪%%‬ع يف حي‪%%‬اهتم بس‪%%‬بب ع‪%%‬دم حتكيم اإلس‪%%‬الم‪ .‬ويتوقع‪%%‬ون ‪ -‬من مث ‪ -‬أن‬
‫تك‪%%‬ون في‪%%‬ه املزاي‪%%‬ا األص‪%%‬يلة املوج‪%%‬ودة يف اإلس‪%%‬الم‪ ،‬من عدل وإنص‪,‬اف ونظافة وتع‪,‬اون على‬
‫ال‪,, ,‬بر والتقوى‪ ،‬وتض‪,, ,‬افر على اإلص‪,, ,‬الح‪ ،‬وتج‪,, ,‬رد هلل‪ ،‬وليس جمرد أفض ‪%% %‬لية نس ‪%% %‬بية عن‬
‫الفساد!‬

‫وهذا كله يقتضي أم‪%%‬رًا واح‪%%‬دًا مؤك‪%%‬دًا‪ :‬هو التركيز على تربي‪,‬ة " القاعدة "‪ ،‬قبل‬
‫التعرض ألي أمر من األمور الجسام!‬

‫(‪)225‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ف ‪%%‬إذا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ذا مطلوب ‪ً%‬ا على املس ‪%%‬توى احمللي‪ ،‬أي بالنس ‪%%‬بة لل ‪%%‬دعوة يف داخ ‪%%‬ل الع ‪%%‬امل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فكيف إذا وضعنا في حسابنا الرسالة العالمية للصحوة اإلسالمية؟!‬

‫ورمبا يهجس ه‪%‬اجس يف حس بعض الن‪%‬اس أن يقول‪%‬وا‪ :‬دعون‪%‬ا ب‪%‬ربكم من األحالم!‬


‫إذا كنا حىت اآلن مل نصل إىل املس‪%‬توى املطل‪%‬وب يف ال‪%‬دعوة على مس‪%‬توى الع‪%%‬امل اإلس‪%‬المي‪،‬‬
‫ومل منّك ن بعد يف بالدنا‪ ،‬أفال يكون من اَخلَر ق التفكري يف عاملية ال‪%%‬دعوة يف ال‪%%‬وقت احلاض‪%%‬ر‪،‬‬
‫ويف رسالة الصحوة اإلسالمية إىل سائر البشرية؟!‬

‫ونق‪%% %‬ول يف اطمئن‪%% %‬ان‪ :‬كّال! لس‪%% %‬نا ح‪%% %‬املني! وليس من اخلرق التفك‪%% %‬ري يف املس‪%% %‬تقبل‬
‫العاملي للدعوة‪.‬‬

‫إن الع‪,, ,‬الم الي‪,, ,‬وم في حاجة إلى اإلس‪,, ,‬الم‪ ..‬ومئ ‪%% %‬ات األل ‪%% %‬وف ال ‪%% %‬ذين دخل ‪%% %‬وا يف‬
‫اإلس ‪%%‬الم من أورب ‪%%‬ا وأمريك ‪%%‬ا ‪ -‬وفيهم األطب ‪%%‬اء واملهندس ‪%%‬ون واملفك ‪%%‬رون وغ ‪%%‬ريهم من ذوي‬
‫احليثيات يف بالدهم ‪ -‬هم إشارة على الطريق‪ ..‬إشارة إىل املستقبل‪.‬‬

‫كل ما يف األمر أننا نعتقد أن الدعوة يف الغرب ال تثمر على نطاق واسع‪ ،‬قب‪%%‬ل أن‬
‫تنضج وتتبلور يف بالدها األصلية‪ ،‬وتعطي النموذج املطلوب‪.‬‬

‫أم ‪%%‬ا حني يتم ذل ‪%%‬ك‪ ،‬وي ‪%%‬ربز إىل الوج ‪%%‬ود منوذج إس ‪%%‬المي ناض ‪%%‬ج‪ ،‬متثلت في ‪%%‬ه حقيق ‪%%‬ة‬
‫اإلس‪%% %‬الم‪ ،‬فليس من املتوق‪%% %‬ع أن ي‪%% %‬دخل الغربي‪%% %‬ون يف اإلس‪%% %‬الم مبئ‪%% %‬ات األل‪%% %‬وف فق‪%% %‬ط‪ ..‬بل‬
‫بالماليين‪.‬‬

‫إن حجم الض‪,,‬ياع ال‪,,‬ذي يعيش‪,,‬ه الناس في الغ‪,,‬رب ‪ -‬والش‪,,‬باب خاص‪,,‬ة ‪ -‬ربم‪,,‬ا‬
‫كان أكبر شيء من نوعه في التاريخ‪.‬‬

‫وق‪%‬وى الش‪%‬ر ال‪%‬يت متس‪%‬ك ب‪%‬اجملتمع الغ‪%‬ريب ال تري‪%‬د ل‪%‬ه أن يفي‪%‬ق من الدوام‪%‬ة ال‪%‬يت ي‪%‬دور‬
‫فيها‪ ،‬ألن دورانه فيها حُي قق لتلك القوى الش‪%‬ريرة أع‪ّ%‬ز أمانيه‪%‬ا ال‪%‬يت ظلت تس‪%‬عى إىل حتقيقه‪%‬ا‬
‫منذ قرون!‬

‫وكّلم ‪%%‬ا هّم ذل ‪%%‬ك اجملتم ‪%%‬ع أن يفي ‪%%‬ق اخ ‪%%‬رتعت ل ‪%%‬ه ق ‪%%‬وى الش ‪%%‬ر من " املخ ‪%%‬درات " م ‪%%‬ا‬
‫جيعله يغرق يف الدوامة أكثر وال يفيق‪ ..‬ويكفي جنون الكرة نموذجًا لما نقول‪.‬‬

‫(‪)226‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ومع ذلك كله فإن بواكري اليقظة قد بدأت تظهر على املدى البعيد‪.‬‬

‫بواك‪%% %‬ري اليقظ‪%% %‬ة هم أولئ‪%% %‬ك الب‪%% %‬احثون عن طري‪%% %‬ق اخلالص‪ ..‬ال‪,, ,‬ذين ي‪,, ,‬دخلون في‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫فمن لهؤالء يرشدهم إلى الطريق؟!‬

‫وهل متلك الصحوة اإلسالمية أن هتمل هذا الباب الذي يتوق‪%%‬ع أن يت‪%%‬دفق من‪%%‬ه م‪%%‬دد‬
‫جديد لإلسالم؟!‬

‫وال أحتدث اآلن عن أي برن‪%% % %‬امج حمدد تق‪%% % %‬وم ب‪%% % %‬ه الص‪%% % %‬حوة من أج‪%% % %‬ل ال‪%% % %‬دعوة يف‬
‫الغرب‪ ..‬إمنا الذي أريد الرتكيز عليه أمر واحد‪ :‬هل نستطيع أن نقوم بأي‪,‬ة خدم‪,,‬ة حقيقي‪,‬ة‬
‫لهذا المدد المتوقع إن لم نقم بتربية " القاعدة " على المستوى المطلوب؟!‬

‫خالص ‪%%‬ة األم ‪%%‬ر أن تربي ‪%%‬ة ه ‪%%‬ذه القاع ‪%%‬دة ليس ‪%%‬ت عمًال هامش ‪ًّ%‬يا توج ‪%%‬ه إلي ‪%%‬ه العناي ‪%%‬ة يف‬
‫أوق ‪%%‬ات الف ‪%%‬راغ! وليس ‪%%‬ت مثالي ‪%%‬ات غ ‪%%‬ري قابل ‪%%‬ة للتحقي ‪%%‬ق‪ ،‬وليس ‪%%‬ت املن ‪%%‬اداة هبا ختذيًال للعم ‪%%‬ل‬
‫اإلسالمي وال تيئيسًا للعاملني يف حقل الدعوة‪.‬‬

‫إنها ضرورة ال غنى عنها للعمل اإلسالمي‪.‬‬

‫وأًّي ا ك ‪%%‬انت اخلط ‪%%‬ة ال ‪%%‬يت تري ‪%%‬د احلرك ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬المية أن تنتهجه ‪%%‬ا يف حركته ‪%%‬ا‪ ،‬فرتبي ‪%%‬ة‬
‫القاع‪%%‬دة أم‪%%‬ر ال مف‪ّ%‬ر من‪%%‬ه وال غ‪%%‬ىن عن‪%%‬ه لنج‪%%‬اح أي حترك تق‪%%‬وم ب‪%%‬ه‪ ..‬وبدونه لن تثبت حركة‬
‫على الطريق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بقيت في بحثنا نقطة أخيرة‪..‬‬

‫ما الذي يتوقع من أم‪,‬ر الص‪,‬حوة اإلس‪,‬المية في ص‪,‬راعاتها الداخلي‪,‬ة والخارجي‪,‬ة‬


‫في المستقبل القريب‪ ،‬ثم في المستقبل البعيد؟ وما الذي تلقيه توقع‪,,‬ات المستقبل من‬
‫مسئوليات على عاتق الصحوة اإلسالمية؟‬

‫واحلديث يف هذا األمر حيتاج إىل توضيح بعض النقاط‪.‬‬

‫(‪)227‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫جيب أن يك‪%%‬ون مفهوم ‪ً%‬ا أن الص‪%%‬ليبية العاملي‪%%‬ة والص‪%%‬هيونًّية العاملي‪%%‬ة ال يكره‪%%‬ان ش‪%%‬يئًا‪،‬‬
‫وال ينزعجان من شيء‪ ،‬بقدر ما يكرهان الصحوة اإلسالمية‪ ،‬وينزعجان منها‪.‬‬

‫وأن حن ‪%%‬ق الص ‪%%‬ليبية والص ‪%%‬هيونية‪ ،‬ي ‪%%‬زداد م ‪%%‬ع ك ‪%%‬ل توس ‪%%‬ع جدي ‪%%‬د حيدث يف نط ‪%%‬اق‬
‫الدعوة‪.‬‬

‫وأن‪%% %‬ه من اخلط‪%% %‬ط الدائم‪%% %‬ة الثابت‪%% %‬ة عن‪%% %‬دمها العم‪%% %‬ل على ض‪%% %‬رب احلرك‪%% %‬ة اإلس‪%% %‬المية‬
‫وخنقها ما وسعتهما احليلة وما وسعهما اجلهد‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نستيقن من حجم هذه احلقائق فلنجعل بالنا إىل عدة أمور‪.‬‬

‫لق ‪%%‬د عملت الص ‪%%‬ليبية والص ‪%%‬هيونية مع‪ً% %‬ا‪ ،‬ي ‪%%‬دًا بي ‪%%‬د‪ ،‬للقض ‪%%‬اء على الدول ‪%%‬ة العثماني ‪%%‬ة‪،‬‬
‫وتقطيع أوصال العامل اإلس‪%‬المي‪ ،‬وحتويل‪%‬ه إىل م‪%‬زق ض‪%‬ئيلة يس‪%‬هل ازدراده‪%‬ا‪ ،‬على أن تك‪%‬ون‬
‫فلسطني من نص‪%%‬يب الص‪%%‬هيونية لتقيم فيه‪%%‬ا دولته‪%%‬ا‪ ،‬مث تتوس‪%‬ع منه‪%%‬ا إىل م‪%%‬ا تس‪%‬ميه " إسرائيل‬
‫الكبرى "‪ ،‬وأن يكون بقية العامل اإلسالمي هنب‪ً%‬ا مباح‪ً%‬ا للص‪%%‬ليبية والص‪%%‬هيونية مع‪ً%‬ا يف ال‪%‬وقت‬
‫ذاته‪ ،‬يأكل منه كل بقدر ما تتسع معدته‪ ،‬أو بقدر ما ُيريد‪.‬‬

‫ومن أج‪%%‬ل الوص‪%%‬ول إىل ه‪%%‬ذا اهلدف وض‪%%‬عت ختطيط‪%%‬ات مش‪%%‬رتكة سياس‪%%‬ية وحربي‪%%‬ة‬
‫واقتصادية‪ ..‬اخل رمبا يكفي للتعرف عليها قراءة " تقرير لورد كامبل " الشهري‪ ،‬الذي نش‪%%‬ر‬
‫يف عام ‪ 1907‬م والذي جاء فيه‪:‬‬

‫" هناك شعب واحد متصل يسكن من احمليط إىل اخلليج (‪ ،)184‬لغته واحدة‪ ،‬ودين‪%%‬ه‬
‫واحد‪ ،‬وأرضه متصلة‪ ،‬وماضيه مشرتك‪ ،‬وآماله واح‪%‬دة‪ ،‬وه‪%‬و الي‪%‬وم يف قبض‪%‬ة أي‪%‬دينا‪ ،‬ولكن‪%‬ه‬
‫أخذ يتململ‪ ،‬فماذا يحدث لنا (‪ )185‬غدًا إذا استيقظ العمالق؟! "‪.‬‬

‫مث رّد على التساؤل وأعطى احلل املطلوب‪:‬‬

‫" جيب علينا أن نقطع اتصال هذا الشعب‪ ،‬بإيجاد دولة دخيلة تك‪%%‬ون ص‪%%‬ديقة لن‪%%‬ا‬
‫وعدوة ألهل املنطقة‪ ،‬وتكون مبثابة الشوكة ختز العمالق كلما أراد أن ينهض " (‪.)186‬‬

‫‪ )?(184‬يتكلم عن املنطقة العربية من العامل اإلسالمي‪.‬‬


‫‪ )?(185‬الضمري يف العبارة عائد على الدول االستعمارية‪ ،‬فقد كانت تلك الدول قد طلبت من بريطاني‪%%‬ا –‬
‫زعيم‪%%‬ة االس‪%%‬تعمار يومئ‪%%‬ذ – أن تدرس هلا مش‪%%‬كلة ب‪%%‬دء اليقظ‪%%‬ة يف املنطق‪%%‬ة‪ ،‬فانت‪%%‬دبت الل‪%%‬ورد كامب‪%%‬ل لعم‪%%‬ل‬
‫الدراسة املطلوبة وتقدمي تقرير هبا للجهات املختصة‪ ،‬فهو يتحدث بالنيابة عنهم مجيعًا‪.‬‬

‫(‪)228‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫هذه خالصة املؤامرة الصليبية الصهيونية اليت أنتجت إسرائيل‪.‬‬

‫ولكن إنش ‪%%‬اء إس ‪%%‬رائيل س ‪%%‬نة ‪ 1948‬م نتجت عن ‪%%‬ه مفاج ‪%%‬أة ح ‪%%‬اّدة للمخططني من‬
‫كال الطرفني‪ ،‬هي دخول الفدائيين المسلمين إلى ساحة المعركة في فلسطين‪.‬‬

‫وأًّيا كانت الظروف اليت أح‪%‬اطت ب‪%‬دخوهلم فق‪%%‬د تنب‪%‬ه الع‪%%‬دو الص‪%%‬لييب الص‪%%‬هيوين إىل‬
‫وج ‪%%‬ود ق ‪%%‬وة خط ‪%%‬رة جيب القض ‪%%‬اء عليه ‪%%‬ا من أج ‪%%‬ل اس ‪%%‬تقرار إس ‪%%‬رائيل أوًال‪ ،‬مث توس ‪%%‬عها ثاني ‪ً%‬ا‪،‬‬
‫ومن أجل " مصالح " الغرب الصلييب بع‪%‬د ذل‪%‬ك‪ .‬ومن " مص‪%‬احله " تنص‪%‬ري م‪%‬ا ميكن تنص‪%‬ريه‬
‫من بالد أفريقيا وآسيا‪ ،‬وإقامة دويالت غري إسالمية على األرض اإلسالمية‪.‬‬

‫وُو زَع الع ‪%% % % % %‬امل اإلس ‪%% % % % %‬المي مبجموع ‪%% % % % %‬ة من " العسكر " مهمتهم األوىل إبادة‬
‫الحركات اإلسالمية‪ ،‬وتطوي‪,‬ع المنطقة للمص‪,‬الح الص‪,‬هيونية الص‪,‬ليبية المش‪,‬تركة‪ ،‬حتت‬
‫أي اسم من األمساء‪ ،‬الوطنية أو القومية أو االجتماعية‪.‬‬

‫ودون اخلوض يف تفص‪%%‬يالت مع‪%%‬ادة (‪ )187‬ف‪%%‬إن نتيج‪%%‬ة الس‪%%‬عي الص‪%%‬لييب الص‪%%‬هيوين يف‬
‫النهاية كانت اتساع احلركة اإلسالمية‪ ،‬وتوغله‪%%‬ا يف حي‪%‬اة األم‪%%‬ة اإلس‪%‬المية!! وه‪%%‬ذا ق‪%‬در اهلل‬
‫الغ ‪%%‬الب ال ‪%%‬ذي ق ‪%%‬ال اهلل عن ‪%%‬ه‪َ( :‬و الَّل ُه َغ اِلٌب َعَلى َأْم ِر ِه َو َلِكَّن َأْك َثَر الَّن اِس ال َيْع َلُم وَن )‪.‬‬
‫[سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.]21‬‬

‫ومن الط ‪%%‬بيعي أن يث ‪%%‬ري ه ‪%%‬ذا حن ‪%%‬ق الص ‪%%‬ليبية الص ‪%%‬هيونية‪ ،‬ويزي ‪%%‬د من أحقاده ‪%%‬ا جتاه‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫ومل يق‪%%‬ف األم‪%%‬ر عن‪%%‬د ه‪%%‬ذا احلد‪ ..‬فق‪%%‬د دخلت اجلي‪%%‬وش الروس‪%%‬ية أفغانس‪%%‬تان للقض‪%%‬اء‬
‫على " التم‪,,‬رد " اإلس‪%%‬المي ض‪%%‬د العمي‪%%‬ل الش‪%%‬يوعي ال‪%%‬ذي ك‪%%‬انوا ق‪%%‬د زرع‪%%‬وه يف منص‪%%‬به ذل‪%%‬ك‬
‫لين ‪%%‬وب عنهم يف إبع ‪%%‬اد الش ‪%%‬عب األفغ ‪%%‬اين عن اإلس ‪%%‬الم‪ .‬وك ‪%%‬ان مفهوم ‪ً%‬ا عن ‪%%‬د ال ‪%%‬دنيا كله ‪%%‬ا أن‬
‫القوات الروسية ستسحق التمرد اإلسالمي يف أيام‪ ،‬أو على أكثر تقدير يف أسابيع!‬

‫ك ‪%% %‬ان ه ‪%% %‬ذا أول مترد على ال ‪%% %‬دب الروس ‪%% %‬ي بع ‪%% %‬د التم ‪%% %‬رد على التم ‪%% %‬رد اجملري ع ‪%% %‬ام‬
‫‪ 1956‬م‪ ،‬وق‪%%‬د أمخد التم‪%%‬رد اجملري يف أي‪%%‬ام‪ ،‬وبوحش‪%%‬ية بالغ‪%%‬ة ليك‪%%‬ون ع‪%%‬ربة ألي دول‪%%‬ة ُتري‪%%‬د‬

‫‪ )?(186‬انظ‪%%‬ر تقري‪%%‬ر الل‪%%‬ورد كامب‪%%‬ل يف كت‪%%‬اب " اليهودي‪%%‬ة " من سلس‪%%‬لة مقارن‪%%‬ة األدي‪%%‬ان ال‪%%‬دكتور أمحد ش‪%%‬ليب‬
‫ص ‪.99‬‬
‫‪ )?(187‬انظر فصل " الصحوة اإلسالمية " من كتاب " واقعنا املعاصر "‪.‬‬

‫(‪)229‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫أن " تتح‪,,‬رر " من قبض ‪%%‬ة ال ‪%%‬وحش الروس ‪%%‬ي‪ .‬فلم ‪%%‬ا حترك األفغ ‪%%‬ان أس ‪%%‬رعت روس ‪%%‬يا لت ‪%%‬أديبهم‬
‫بدافعين اثنين ال دافع واحد كما كان األمر مع التحرك اجملري‪.‬‬

‫الدافع األول‪ :‬هو اإلبقاء على هيبة الدب‪ ،‬إرهاب‪ً%‬ا لك‪%‬ل من حتدث‪%‬ه نفس‪%‬ه ب‪%‬اخلروج‬
‫عليه‪ ،‬والدافع الثاني ‪ -‬وال يقل عنه ق‪%%‬وة ‪ -‬إره‪%%‬اب املس‪%‬لمني يف االحتاد الس‪%%‬وفيييت لكي ال‬
‫يفك‪%%‬روا يف رف‪%%‬ع رؤوس‪%%‬هم وال املطالب‪%%‬ة بش‪%%‬يء من التحس‪%%‬ني ألوض‪%%‬اعهم الظاملة ال‪%%‬يت تع‪%%‬املهم‬
‫هبا روس‪%%‬يا من‪%%‬ذ عه ‪%%‬د لي‪%%‬نني وس‪%%‬تالني‪ ،‬فق ‪%%‬د قت‪%%‬ل س‪%%‬تالني وح‪%%‬ده أربع ‪%%‬ة ماليني من املس‪%%‬ملني‪،‬‬
‫وش ‪%%‬ردهم يف س ‪%%‬يبرييا‪ ،‬ووطن غ ‪%%‬ري املس ‪%%‬لمني يف الوالي ‪%%‬ات اإلس ‪%%‬المية ليمن ‪%%‬ع عنهم الش ‪%%‬عور‬
‫بالوحدة يف أوطاهنم املسلوبة املغلوبة على أمرها‪.‬‬

‫ويف مب‪%%‬دأ األم‪%%‬ر أرس‪%%‬ل ال‪%%‬روس بعض " المسلمين ال‪,,‬روس " ‪ -‬كم‪%%‬ا يس‪%%‬موهنم ‪-‬‬
‫من ال‪%%‬ذين ول‪%%‬دوا يف الش‪%%‬يوعية ونش‪%%‬أوا فيه‪%%‬ا إلقن‪%%‬اع الش‪%%‬عب األفغ‪%%‬اين بتقب‪%%‬ل الش‪%%‬يوعية وع‪%%‬دم‬
‫مقاوم‪%%‬ة احلكم الش‪%%‬يوعي العمي‪%%‬ل يف أفغانس‪%%‬تان‪ ،‬ففوجئ‪%%‬وا هبم يس‪%%‬لمون أس‪%%‬لحتهم إلخ‪%%‬واهنم‬
‫املسلمني األفغان‪ ،‬وينضم بعضهم للجهاد معهم!! فسحبوهم على عج‪%%‬ل‪ ،‬وأرس‪%%‬لوا جيوش‪ً%‬ا‬
‫روس‪%% % %‬ية ص‪%% % %‬ميمة‪ ،‬وش‪%% % %‬يوعية ص‪%% % %‬ميمة‪ ،‬وزودوهم بأفت‪%% % %‬ك األس‪%% % %‬لحة‪ ،‬وبالقناب‪%% % %‬ل احلارق ‪%% %‬ة‪،‬‬
‫وبالغازات السامة‪ ،‬وبكل " المحرمات " املتفق على حترميها حىت بني الوحوش البشرية‪.‬‬

‫ومرت سنة وسنتان وثالث سنوات‪ ..‬وامتدت إىل عشر سنوات!‬

‫وكانت النتيجة املذهلة ‪ -‬ألول مرة يف تاريخ " اإلمرباطوري‪%%‬ة الروس‪%%‬ية الش‪%%‬يوعية "‬
‫أن اضطرت الجيوش الروسية إلى االنسحاب‪ ،‬بينما تقدم المجاهدون األفغان!‬

‫وك‪%% %‬انت " كارث‪%% %‬ة " ه‪%% %‬زت الش‪%% %‬يوعية يف موطنه‪%% %‬ا األص‪%% %‬لي‪ ،‬وح‪%% %‬دث من جرائه‪%% %‬ا‬
‫احملذور الذي ك‪%‬انت ختش‪%‬اه روس‪%‬يا أش‪%‬د اخلش‪%‬ية‪ ،‬إذ حتركت الوالي‪%‬ات اإلس‪%‬المية ألول م‪%‬رة‬
‫منذ قهرهتا الشيوعية تطالب باحلكم الذايت!!‬

‫وزادت الكارث ‪%% %‬ة من حن ‪%% %‬ق الص ‪%% %‬ليبية الص ‪%% %‬هيونية‪ ،‬وأزيلت الح‪,, ,‬واجز بين روس‪,, ,‬يا‬
‫وأمريكا ليدخال معًا في تكتل مشترك ضد اإلسالم!‬

‫ومل يقف األمر عند هذا احلد‪.‬‬

‫فق ‪%%‬د ك‪%%‬انت الص ‪%%‬ليبية الص ‪%%‬هيونية ق‪%%‬د جنحت يف حتوي‪%%‬ل قض ‪%%‬ية فلس‪%%‬طني من قض ‪%%‬ية "‬
‫إسالمية " إىل " قض‪,,‬ية عربي‪,‬ة "‪ ،‬مث جنحت م‪%%‬رة أخ‪%%‬رى يف حتويله‪%%‬ا من قض‪%%‬ية عربي‪,‬ة ش‪%%‬املة‬
‫إىل قض ‪%%‬ية للفلسطينيين خاص ‪,,‬ة! وذل ‪%%‬ك بع ‪%%‬د أن جنحت يف إجياد " زعام ‪,,‬ات " فلس ‪%%‬طينية‬

‫(‪)230‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ترض ‪%% %‬ى بتحوي ‪%% %‬ل القض ‪%% %‬ية إىل " قض‪,, ,‬ية سياس‪,, ,‬ية "‪ُ ،‬يتف ‪%% %‬اوض من أجله ‪%% %‬ا‪ ،‬وتع ‪%% %‬رض على "‬
‫(‪)188‬‬
‫المحافل الدولي ‪,,‬ة "‪ ،‬وي ‪%%‬دور أهله ‪%%‬ا يف الدوام ‪%%‬ة (َأْرَبِعيَن َس َنًة َيِتيُه وَن ِفي اَأْلْر ِض )‪.‬‬
‫[سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.]26‬‬

‫وفجأة انبعثت حركة جهادية إسالمية في األرض الفلسطينية‪ ،‬أزعجت الص‪%%‬ليبية‬


‫الص‪%%‬هيونية إزعاج‪ً%‬ا ح‪%‬اًّدا‪ ،‬وس‪%‬ببت هلا من املت‪%‬اعب م‪%%‬ا ك‪%‬انت ق‪%‬د ظنت أهنا ختلص‪%%‬ت من‪%‬ه إىل‬
‫غري عودة‪.‬‬

‫وما يدري أحد ما يسفر عنه الغد!‬

‫كل ذلك يؤجج حقد الصليبية الصهيونية‪ ،‬حىت لتعجز عن كتمان حقدها‪:‬‬

‫(َق ْد َب َد ِت اْلَبْغَض اُء ِم ْن َأْفَو اِه ِه ْم َو َم ا ُتْخ ِف ي ُص ُد وُر ُه ْم َأْك َبُر )‪[ .‬س‪%% % %‬ورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اآلية ‪.]118‬‬

‫فق‪%% %‬د توالت التص‪%% %‬رحيات الرمسية وغ‪%% %‬ري الرمسية تن‪%% %‬ادي كله‪%% %‬ا بض‪%% %‬رورة مواجه‪%% %‬ة "‬
‫احلركات األصولية " باحلسم‪ ،‬والقضاء على أخطارها املتوقعة!‬

‫هذه هي الظروف اليت تواجه الصحوة اإلسالمية من قب‪%%‬ل الص‪%%‬ليبية الص‪%%‬هيونية ومن‬
‫يتبعه ‪%%‬ا من " العسكر "‪ ،‬املعي ‪%%‬نني يف الع ‪%%‬امل اإلس ‪%%‬المي‪ ،‬لينوب ‪%%‬وا عنه ‪%%‬ا يف ض ‪%%‬رب احلرك ‪%%‬ات‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫أم ‪%% %‬ا يف ال ‪%% %‬داخل فتواج ‪%% %‬ه احلرك ‪%% %‬ة اإلس ‪%% %‬المية التف‪,, ,‬رق والتش‪,, ,‬رذم والخص‪,, ,‬ام بين‬
‫الفص ‪,,‬ائل المختلف ‪,,‬ة العاملة في حقل ال ‪,,‬دعوة‪ ،‬ال ‪%%‬ذي يص ‪%%‬ل أحيان‪ً% %‬ا إىل ح‪ّ% %‬د الص ‪%%‬دام بني‬
‫بعض‪%%‬ها وبعض‪ ،‬م‪%%‬ع اختالف من‪%%‬اهج العم‪%%‬ل‪ ،‬واختالف أس‪%%‬اليبه‪ ،‬وع‪%%‬دم وج‪%%‬ود قي‪%%‬ادة كب‪%%‬رية‬
‫جتم‪%%‬ع م‪%%‬ا تش‪%%‬رذم من اجلماع‪%%‬ات وتض‪%%‬مها يف ص ‪ٍّ%‬ف واح‪%%‬د‪ ،‬م‪%%‬ع النقص الق‪%%‬ائم يف الرتبي‪%%‬ة يف‬
‫الوقت احلاضر‪.‬‬

‫وبعض الن ‪%%‬اس ‪ -‬حني يص ‪%%‬لون إىل ه ‪%%‬ذه الرؤي ‪%%‬ة ‪ -‬يتوجس ‪%%‬ون خيف ‪%%‬ة على مس ‪%%‬تقبل‬
‫الص‪%‬حوة‪ ،‬ب‪%‬ل يص‪%‬ل بعض‪%‬هم إىل ح‪%‬د الش‪%‬ك يف ق‪%‬درهتا على االس‪%‬تمرار م‪%‬ع وج‪%‬ود ك‪%‬ل ه‪%‬ذه‬
‫املعوقات من الداخل ومن اخلارج سواء‪.‬‬

‫‪ )?(188‬نزلت هذه اآلية يف بين إسرائيل حني رفضوا اجلهاد من أجل دخول األرض املقدس‪%%‬ة‪ ،‬وق‪%%‬د ص‪%%‬ارت‬
‫تنطبق على " املسلمني "‪ ،‬الذين حولوا حركة اجلهاد إىل مفاوضات سياسية مع " احملافل الدولية "!‬

‫(‪)231‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫وحنن خنتل‪%% %‬ف م‪%% %‬ع املتش‪%% %‬ككني واملتوجس‪%% %‬ني ‪ -‬ال يف رؤي‪%% %‬ة املعوق‪%% %‬ات ‪ -‬ولكن يف‬
‫تق‪%%‬دير النس‪%%‬بة بني املعوق‪%%‬ات وبني املبش‪%%‬رات! أّيهم‪%%‬ا أثق‪%%‬ل‪ ،‬وأّيهم‪%%‬ا يك‪%%‬ون يف النهاي‪%%‬ة ص‪%%‬احب‬
‫التأثري‪.‬‬

‫فنحن ن ‪%%‬رى ‪ -‬م ‪%%‬ع وج ‪%%‬ود ك ‪%%‬ل ه ‪%%‬ذه املعوق ‪%%‬ات ‪ -‬أن المبش ‪,,‬رات أثقل وزنًا من‬
‫المعوقات‪ ،‬وأجدر أن تكون هي صاحبة الكلمة األخرية بإذن اهلل!‬

‫فأم ‪%%‬ا احلرب على ال ‪%%‬دعوة‪ ،‬فق ‪%%‬د رأين ‪%%‬ا بالفع ‪%%‬ل أهنا مل تؤثر على س ‪%%‬ري ال ‪%%‬دعوة‪ ،‬ب ‪%%‬ل‬
‫زادهتا حجمًا وقوة واتساعًا يف األرض! وخ‪%‬ذ يف احلس‪%‬اب حرك‪%‬ة اجله‪%‬اد األفغ‪%‬اين‪ ،‬وحرك‪%‬ة‬
‫اجلهاد الفلسطيين وغريها من احلركات‪ ،‬أوليست هذه كله‪%%‬ا حق‪%%‬ائق واقع‪%%‬ة؟ أوليس‪%%‬ت كله‪%%‬ا‬
‫من نت‪%%‬ائج الص‪%%‬حوة اإلس‪%%‬المية؟ أوليس‪%%‬ت ه‪%%‬ذه كله‪%%‬ا ق‪%%‬د وقعت على الرغم من ك‪%%‬ل احلرب‬
‫املنصوبة ضد اإلسالم؟!‬

‫فلماذا تفزعنا الحرب‪ ،‬ونحسب أنها ستقف المد اإلسالمي؟‬

‫وأم‪%%‬ا التش‪%%‬رذم واخلص‪%%‬ام والفرق‪%%‬ة ونقص الرتبي‪%%‬ة فهي أم‪%%‬راض حقيقي‪%%‬ة تعي‪%%‬ق ال‪%%‬دعوة‪،‬‬
‫ولكنه‪%% %‬ا ال متنعه‪%% %‬ا من احلرك‪%% %‬ة‪ ،‬أو هي مل متنعه‪%% %‬ا ح‪%% %‬ىت اآلن من احلرك‪%% %‬ة‪ ،‬ون‪%% %‬دعو اهلل على‬
‫الدوام أن ينقذ احلركة اإلسالمية من آثارها‪.‬‬

‫أما المبشرات فكثيرة‪.‬‬

‫من بينه ‪%%‬ا أن الرغب ‪%%‬ة يف اإلس ‪%%‬الم ق ‪%%‬د أص ‪%%‬بحت تي‪,,‬ارًا ذاتًّي ا عند الش‪,,‬باب ال يتعل ‪%%‬ق‬
‫جبماعة معينة‪ ،‬بل ال يتعلق أحيانًا بأي مجاعة على اإلطالق‪.‬‬

‫وحني ك ‪%%‬ان العم ‪%%‬ل منحص ‪%%‬رًا يف مجاع ‪%%‬ة معين ‪%%‬ة ك ‪%%‬ان من الس ‪%%‬هل على " الجه ‪,,‬ات‬
‫المختصة " أن تضرب تلك اجلماعة‪ ،‬فتعطل العمل اإلسالمي‪.‬‬

‫أم‪%%‬ا اآلن فلم يع‪%%‬د ض‪%%‬رب مجاع‪%%‬ة معين‪%‬ة ‪ -‬وال ح‪%‬ىت اجلماع‪%%‬ات كله‪%%‬ا ‪ -‬يقت‪%‬ل العم‪%‬ل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الذي " ينبثق " دائمًا يف تشكيالت جديدة‪ ،‬بعد ض‪%‬رب التش‪%‬كيالت القائم‪%‬ة يف‬
‫الساحة!‬

‫ومن بينه ‪%% % %‬ا ‪ -‬كم ‪%% % %‬ا أش ‪%% % %‬رت يف كت ‪%% % %‬اب " واقعنا المعاص ‪,, ,‬ر " ‪ -‬فش ‪,, ,‬ل النظم‬
‫المستوردة و " الزعام‪,, ,‬ات " المص‪,, ,‬نوعة على عين الغ‪,, ,‬رب في ح‪,, ,‬ل أي مش‪,, ,‬كلة من‬
‫مش‪,,‬كالت الع‪,,‬الم اإلس‪,,‬المي‪ ،‬م ‪%%‬ع تش ‪%%‬دقها ب ‪%%‬ذلك‪ ،‬وم ‪%%‬ع ك ‪%%‬ل " البط‪,,‬والت " ال ‪%%‬يت تض ‪%%‬في‬

‫(‪)232‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫عليه ‪%%‬ا من وس ‪%%‬ائل اإلعالم العاملي ‪%%‬ة‪ ،‬إليه ‪%%‬ام ش ‪%%‬عوهبا بأهنا تتح ‪%%‬رك من عن ‪%%‬د نفس ‪%%‬ها‪ ،‬وتعم ‪%%‬ل‬
‫لص ‪%%‬احل بالده ‪%%‬ا! وك ‪%%‬ل فش ‪%%‬ل حيدث يف ه ‪%%‬ذه اجملاالت ه ‪%%‬و م ‪%%‬دد للحرك ‪%%‬ة اإلس ‪%%‬المية‪ ،‬إذ هي‬
‫امللج ‪%%‬أ ال ‪%%‬ذي يلج ‪%%‬أ إلي ‪%%‬ه الن ‪%%‬اس مبش ‪%%‬اعرهم وتطلع ‪%%‬اهتم‪ ،‬كلم ‪%%‬ا ع ‪%%‬انوا الفش ‪%%‬ل على ي ‪%%‬د تل ‪%%‬ك‬
‫األنظمة‪ ،‬وتلك الزعامات (‪.)189‬‬

‫ومن بينه‪%%‬ا الوجود اإلس‪,,‬رائيلي ذات‪,,‬ه‪ ،‬ال‪%%‬ذي قص‪%%‬د ب‪%%‬ه أن يك‪%%‬ون " مبثاب‪%%‬ة الش‪%%‬وكة‪،‬‬
‫ختز العمالق كلما أراد أن ينهض "!‬

‫وهي الي‪%%‬وم قائم‪%%‬ة بعملي‪%%‬ة ال‪%%‬وخز على أبش‪%%‬ع ص‪%%‬ورة‪ ..‬ولكن م‪%%‬ا األث‪%%‬ر املتوق‪%%‬ع حني‬
‫يشتد الوخز؟ إن الذي ُيتوقع هو أن يهّب العمالق ‪ -‬من شدة األلم الذي يحدثه ال‪,,‬وخز‬
‫‪ -‬ليكي ‪,,‬ل الض ‪,,‬ربة لمن يخزه‪ ،‬وذل ‪,,‬ك حين ُيص ‪,,‬بح األلم أشد من االحتم ‪,,‬ال‪ ،‬وُيص ‪,,‬بح‬
‫خطر التعرض للموت أهون عند صاحبه من استمرار األالم!‬

‫إن اليه‪%%‬ود يتص‪%%‬رفون الي‪%‬وم ‪ -‬حبماق‪%‬ة ‪ -‬ض‪%%‬د ص‪%%‬احلهم! وه‪%%‬ذا أم‪%%‬ر مش‪%‬هور عنهم يف‬
‫الت‪%‬اريخ‪ :‬أهنم يظل‪%‬ون يتم‪%‬ادون يف ص‪%%‬لفهم وعج‪%‬رفتهم ح‪%‬ىت ُيض‪%%‬يعوا م‪%%‬ا بأي‪%‬ديهم! وهم الي‪%‬وم‬
‫يلعب‪%%‬ون بالن‪%%‬ار يف املنطق‪%%‬ة‪ ،‬ويعمل‪%%‬ون على إث‪,‬ارة ال‪,‬روح اإلس‪,‬المية ال‪%%‬يت جيء هبم إلمخاده‪%%‬ا!‬
‫وقد قال اهلل عنهم يف حمكم التنزيل‪( :‬الَّلُه َيْس َتْه ِز ُئ ِبِه ْم َو َيُم ُّد ُه ْم ِفي ُطْغَي اِنِه ْم َيْع َم ُه وَن )‪.‬‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬

‫مث‪ ..‬هل نستطيع أن نسقط من املبشرات انهيار الشيوعية؟‬

‫حقيق‪%%‬ة إن الدول‪%‬ة ال‪%‬يت ك‪%‬انت حتم‪%‬ل الش‪%‬يوعية ال تزال قائم‪%‬ة‪ ،‬وال تزال تعم‪%‬ل ض‪%%‬د‬
‫اإلسالم كما كانت تعمل وهي حتمل الشيوعية‪ ،‬وأوضح أعماهلا ‪ -‬بعد اهنيار الش‪%%‬يوعية ‪-‬‬
‫فتحه ‪%%‬ا ب ‪%%‬اب اهلج ‪%%‬رة على مص ‪%%‬راعيه لليه ‪%%‬ود " التكنولوجيين "‪ ،‬ليحتل ‪%%‬وا قطع ‪%%‬ة من أرض‬
‫اإلسالم‪ ،‬وينزعوها من جسم األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن اهنيار املذهب الشيوعي يف ذاته ال ب‪%%‬د أن يوض‪%%‬ع يف املبش‪%%‬رات‪ .‬فق‪%%‬د‬
‫ك‪%% %‬انت الش‪%% %‬يوعية فتن‪%% %‬ة لكث‪%% %‬ري من الش‪%% %‬باب يف الع‪%% %‬امل اإلس‪%% %‬المي‪ ،‬ب‪%% %‬ل ك‪%% %‬انت أمريك‪%% %‬ا ذاهتا‬
‫تس‪%%‬تخدم الش‪%%‬يوعية ‪ -‬يف من‪%%‬اطق نفوذه‪%%‬ا ‪ -‬لتح‪,,‬ارب له‪,,‬ا اإلس‪,,‬الم! وك‪%%‬انت تض‪%%‬ع وس‪%%‬ائل‬
‫اإلعالم يف أي ‪%%‬دي الش ‪%%‬يوعيني ليش ‪%%‬وهوا ص ‪%%‬ورة اإلس ‪%%‬الم يف نف ‪%%‬وس الش ‪%%‬باب ويفتن ‪%%‬وهم عن ‪%%‬ه‪.‬‬
‫ومهما يكن يف جعبة اليهود ‪ -‬مبت‪%‬دعي الش‪%‬يوعية ‪ -‬من ب‪%‬دائل لفتن‪%‬ة الن‪%‬اس عن ال‪%‬دين‪ ،‬ف‪%‬إن‬

‫‪ )?(189‬راجع – إن شئت – فصل " نظرة إىل املستقبل " يف كتاب " واقعنا املعاصر "‪.‬‬

‫(‪)233‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اهنيار النظام الذي كان قائمًا على اإلحلاد‪ ،‬هو دفعة لالجتاه ال‪%‬ديين يف األرض كله‪%%‬ا‪ ،‬ودفع‪%%‬ة‬
‫للتيار اإلسالمي يف أرض اإلسالم‪.‬‬

‫وجييء يف قم‪%% %‬ة املبش‪%% %‬رات‪ ،‬ح‪%% %‬ديث الرس‪%% %‬ول ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم‪ " :‬ال تقوم‬
‫الساعة ح‪,,‬تى يقات‪,,‬ل المسلمون اليه‪,,‬ود فيقتلهم المسلمون ح‪,,‬تى يخت‪,,‬بئ اليه‪,,‬ودي من‬
‫وراء الحج‪,,‬ر والش‪,,‬جر‪ ،‬فيقول الحج‪,,‬ر والش‪,,‬جر‪ :‬ي‪,,‬ا مسلم ي‪,,‬ا عبد اهلل! هذا يه‪,,‬ودي‬
‫خلفي فتعال فاقتله " (‪.)190‬‬

‫وه ‪%% %‬ذا احلديث وح ‪%% %‬ده دون أي ‪%% %‬ة مبش ‪%% %‬رات أخ ‪%% %‬رى يكفي لبعث اليقني يف نف ‪%% %‬وس‬
‫املسلمني‪ ،‬أن هناك جولة جديدة لإلسالم‪ ،‬ممكنة يف األرض بإذن اهلل‪.‬‬

‫فإذا أض‪%%‬يف إلي‪%%‬ه احلديث اآلخ‪%%‬ر‪ " :‬تكون النبوة فيكم م‪,,‬ا شاء اهلل أن تكون‪ ،‬ثم‬
‫يرفعها اهلل إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ثم تكون خالفة على منه‪,,‬اج النبوة‪ ،‬فتكون م‪,,‬ا شاء اهلل‬
‫أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها اهلل إذا شاء أن يرفعه‪,‬ا‪ .‬ثم تكون ملكًا عاًّض ا فتكون م‪,‬ا شاء اهلل‬
‫أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها إذا شاء اهلل أن يرفعه‪,‬ا‪ .‬ثم تكون ملكًا جبرًّيا فتكون م‪,‬ا شاء اهلل‬
‫أن تكون‪ ،‬ثم يرفعه ‪,,‬ا اهلل إذا شاء أن يرفعه ‪,,‬ا‪ .‬ثم تكون خالفة على منه ‪,,‬اج النبوة "‬
‫(‪ ..)191‬فما عاد ألحد أن يشك يف اجلولة اجلديدة املنتصرة‪ ،‬املمكنة يف األرض بإذن اهلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن الصحوة ينبغي أن تتوقع مزيدًا من الحرب‪ ..‬بكل وسائل الحرب‪.‬‬

‫ينبغي أن تتوق‪%%‬ع مزيدًا من البطش ال‪%%‬دموي حني يبل‪%%‬غ احلن‪%%‬ق مبلغ‪%%‬ه ل‪%%‬دى الطغ‪%%‬اة‪ ،‬أو‬
‫لدى الذين يزرعون الطغاة يف األرض اإلسالمية‪.‬‬

‫ومزي‪,, ,‬دًا من املؤمرات لش‪%% %‬غل احلرك‪%% %‬ة اإلس‪%% %‬المية عن مهمته‪%% %‬ا‪ ،‬بقض‪%% %‬ايا فرعي‪%% %‬ة أو‬
‫قض ‪%%‬ايا هامش ‪%%‬ية أو قض ‪%%‬ايا خالفي ‪%%‬ة تس ‪%%‬تهلك فيه ‪%%‬ا طاقته ‪%%‬ا ب ‪%%‬دًال من توفريه ‪%%‬ا للرتبي ‪%%‬ة املطلوب ‪%%‬ة‬
‫إلنشاء القاعدة وتثبيتها مث توسيعها‪.‬‬

‫بل ق‪,,‬د تستدرج بعض الجماعات من رغبته‪%%‬ا يف نفي هتم‪%%‬ة التط‪%%‬رف عن نفس‪%%‬ها‬
‫لتكون سندًا للطغاة في ضرب الجماعات التي توصم بالتطرف!‬
‫‪ )?(190‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ )?(191‬رواه اإلمام أمحد عن حذيفة بن اليمان‪.‬‬

‫(‪)234‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫بل ق ‪,,‬د تستدرج بعض الجماعات لالشتراك في الحكم م ‪,,‬ع العلم ‪,,‬انيين‪ ،‬أو‬
‫االش ‪%%‬رتاك معهم يف رس ‪%%‬م السياس ‪%%‬ة العام ‪%%‬ة‪ ،‬لتش ‪%%‬رتك يف محل األوزار ال ‪%%‬يت ترتكبه ‪%%‬ا األنظم ‪%%‬ة‬
‫اجملافية لإلسالم‪ ،‬لكي ال ينفرد العلم‪%‬انيون حبم‪%‬ل األوزار وتظ‪%‬ل اجلماع‪%‬ات اإلس‪%‬المية نظيف‪%‬ة‬
‫يف نظر الناس!‬

‫أنواع كثرية من احلرب ميكن أن يتعرض هلا العمل اإلسالمي يف املستقبل القريب‪.‬‬

‫ويجب على الصحوة أن تكون هي األطول نفسًا في هذه الحرب‪.‬‬

‫جيب عليها أال تستهلك طاقتها يف صراع مبكر مع السلطات‪ ،‬تخسر في‪,,‬ه أكثر‬
‫مم‪,,‬ا تكسب‪ .‬فقب‪%%‬ل أن يت‪%%‬بني الن‪%%‬اس حقيق‪%%‬ة املعرك‪%%‬ة وأبعاده‪%%‬ا تتح‪%%‬ول القض‪%%‬ية بس‪%%‬بب ه‪%%‬ذا‬
‫الصراع ‪ -‬كما قلت يف كتاب " واقعنا المعاص‪,‬ر "‪ ،‬وكت‪%%‬اب " الجه‪,,‬اد األفغ‪,,‬اني " ‪ -‬إىل‬
‫ضارب ومضروب‪ ،‬وغ‪%‬الب ومغل‪%‬وب‪ ،‬وتض‪%‬يع القض‪%‬ية األساس‪%‬ية ال‪%‬يت يق‪%‬وم حوهلا الص‪%‬راع‪:‬‬
‫قضية ال إله إال اهلل‪ ،‬ومقتضياهتا احلقيقية يف حياة األمة املسلمة‪.‬‬

‫إن األم‪%%‬ر الرب‪%%‬اين بك‪%%‬ف األي‪%%‬دي ح‪%%‬ىت تت‪%%‬بني حقيق‪%%‬ة اإلميان وحقيق‪%%‬ة الكف‪%%‬ر‪ِ( :‬لَيْه ِلَك‬
‫َمْن َه َل َك َعْن َبِّيَن ٍة َو َيْح َيى َمْن َح َّي َعْن َبِّيَن ٍة)‪[ .‬س‪%%‬ورة األنف‪%%‬ال‪ ،‬اآلي‪%%‬ة ‪ .]42‬مل يت‪%%‬نزل إال‬
‫حلكمة يعلمها " الحكيم الخبير "‪.‬‬

‫وجيب على الص‪%%‬حوة ك‪%%‬ذلك أال تستدرج إلى قض‪,,‬ايا " اس‪,,‬تهالكية "‪ ،‬كاملع‪%%‬ارك‬
‫اليت تثار حول املسائل اخلالفية‪ ،‬وتستهلك فيه‪%%‬ا طاق‪%%‬ات " المفكرين "‪ ،‬و " ال‪,‬دعاة " بغ‪%%‬ري‬
‫حصيلة حقيقية‪ ،‬تفيد الدعوة إىل اهلل‪.‬‬

‫وال تس‪%%‬تدرج إىل " مؤتمرات " منص‪%%‬وبة خصيص‪ً%‬ا لتش‪%%‬تيت االنتب‪%%‬اه ومتييع القض‪%%‬ية‪،‬‬
‫كم‪,,‬ؤتمر اإلس‪,,‬الميين والعلم‪,,‬انيين (‪ )192‬ال ‪%%‬ذي م ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان للمس ‪%%‬لمني أن يش ‪%%‬اركوا في ‪%%‬ه‪ ،‬ألن‬
‫جمرد قبوهلم املشاركة فيه معناه إعطاء شرعية للعلمانية على ق‪,,‬دم المساواة م‪,,‬ع اإلس‪,,‬الم!‬
‫وحتوي‪%%‬ل اإلس‪%%‬الم إىل " وجه‪,,‬ة نظر "‪ ،‬تع‪%%‬رض إىل ج‪%%‬انب وجه‪%%‬ة نظ‪%%‬ر أخ‪%%‬رى خمالف‪%%‬ة (ال‪%%‬رأي‬
‫والرأي اآلخر كما قالوا!) والناس مدعوون للمقارنة بني وجهيت النظر واختيار إحدامها!‬

‫فأي مهانة لدين اهلل أن يتحول على يد املؤمترين ‪ -‬أو املت‪%%‬آمرين ‪ -‬إىل وجهة نظر‬
‫ترفض من قبل العلمانيين‪ ،‬ويعترض عليها ونحن قعود معهم‪ ،‬حبج‪%‬ة اس‪%‬تمالتهم لإلس‪%‬الم‬
‫وتل ‪%%‬يني معارض ‪%%‬تهم لتط ‪%%‬بيق الش ‪%%‬ريعة! واهلل يق ‪%%‬ول لنبي ‪%%‬ه ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪َ( :‬و ال َتَّتِب ْع‬
‫‪ )?(192‬عقد يف القاهرة الفرتة من ‪ 27 – 25‬سبتمرب ‪ 1989‬م‪.‬‬

‫(‪)235‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫َأْه َو اَءُه ْم َو اْح َذ ْر ُه ْم َأْن َيْف ِتُنوَك َعْن َبْع ِض َمِما َأْنَز َل الَّلُه ِإَلْيَك َفِإ ْن َتَو َّلْو ا َفاْعَلْمِهِلَأَّنَم ا ُيِر ي ‪ُ,‬د‬
‫الَّلُه َأْن ُيِص يَبُه ْم ِبَبْع ِض ُذُنوِبِه ْم َو ِإَّن َك ِثيرًا َن الَّناِس َلَف اِس ُقوَن ‪َ ،‬أَفُح ْك َم اْلَج ا َّيِة َيْبُغوَن‬
‫َو َمْن َأْح َس ُن ِم َن الَّل ِه ُح ْك م‪ً,‬ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُن وَن )‪[ .‬س‪%%‬ورة املائ‪%%‬دة‪ ،‬اآليت‪%%‬ان ‪ .]50 ،49‬ويق‪%%‬ول‬
‫للمؤم‪%%‬نني‪َ( :‬و َق ْد َنَّزَل َعَلْيُك ْم ِفي اْلِكَت اِب َأْن ِإَذا َس ِم ْعُتْم آَياِت الَّل ِه ُيْك َف ُر ِبَه ا َو ُيْس َتْه َز ُأ‬
‫ِبَه ا َفال َتْق ُعُد وا َم َعُه ْم َح َّتى َيُخ وُضوا ِفي َح ِد يٍث َغْيِر ِه ِإَّنُك ْم ِإذًا ِم ْثُلُه ْم )‪[ .‬س‪%%‬ورة النس‪%%‬اء‪،‬‬
‫اآلية ‪ .]140‬ويقول يف قضية " الرأي وال‪%%‬رأي اآلخ‪%%‬ر "‪َ( :‬و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َو ال ُمْؤ ِم َن ٍة ِإَذا‬
‫َقَض ى الَّل ُه َو َرُس وُلُه َأْم رًا َأْن َيُك وَن َلُه ُم اْلِخ َيَر ُة ِم ْن َأْم ِر ِه ْم )‪[ .‬س ‪%%‬ورة األح ‪%%‬زاب‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة‬
‫‪.]36‬‬

‫إمنا كان على اإلسالميني إن أرادوا أن حيضروا مؤمترًا كهذا أن يض‪%%‬عوا النق‪%%‬ط على‬
‫احلروف من أول حلظة‪ ،‬وأن يطلبوا من العلمانيني أن حُي ّد دوا موقفهم بوضوح‪ ،‬فيس‪%%‬ألوهم‪:‬‬
‫" أتري ‪,,‬ديون ‪ -‬أم ال تري ‪,,‬دون ‪ -‬أن تكونوا مسلمين؟! " ف ‪%%‬إن ق ‪%%‬الوا‪ - :‬كم ‪%%‬ا س ‪%%‬يقولون‬
‫ب‪%% %‬الطبع ‪ -‬إمنا حنن مس‪%% %‬لمون بالفع‪%% %‬ل ومستمس‪%% %‬كون باإلس‪%% %‬الم‪ ،‬فيق‪%% %‬ال هلم‪ :‬إن اإلس‪%% %‬المي‬
‫يقتض‪%%‬ي حتكيم ش‪%%‬ريعة اهلل ‪ -‬كم‪%%‬ا قض‪%%‬ى الكت‪%%‬اب والس‪%%‬نة‪ ،‬وإمجاع الفقه‪%%‬اء ‪ -‬فهل تري‪,‬دون‬
‫‪ -‬أم ال تريدون ‪ -‬تط‪,‬بيق الش‪,‬ريعة؟! ف‪%%‬إن ق‪%%‬الوا‪ :‬نري‪,‬د فق‪%%‬د انتهت القض‪%%‬ية‪ ،‬وإن ق‪%%‬الوا‪ :‬ال‬
‫نري‪,,‬د! فق ‪%%‬د انتهت القض ‪%%‬ية ك ‪%%‬ذلك ومل يع ‪%%‬د هن ‪%%‬اك جمال حلديث‪ ..‬وينتهي " الح‪,,‬وار " بع ‪%%‬د‬
‫افتتاحه بدقائق معدودات!‬

‫ولو علم املؤمترون أن اإلس‪%‬الميني ل‪%‬ديهم ه‪%%‬ذا الوض‪%%‬وح وه‪%%‬ذا احلس‪%‬م م‪%%‬ا ج‪%‬رءوا أن‬
‫يدعوا ملثل هذا املؤمتر من مبدأ األمر!‬

‫وجيب على الص‪%%‬حوة ك‪%%‬ذلك‪ ،‬أن حتذر أن ُتستدرج إلعط‪,‬اء س‪,‬ند للطغ‪,‬اة لت‪,‬ذبيح‬
‫بعض الجماعات العاملة في حقل الدعوة التي توصم بالتطرف‪.‬‬

‫إن التط ‪%%‬رف أم ‪%%‬ر مقيت‪ ،‬يس ‪%%‬يء إىل ال ‪%%‬دعوة ك ‪%%‬ل اإلس ‪%%‬اءة وال ينفعه ‪%%‬ا يف ش ‪%%‬يء‪،‬‬
‫ولكن الذي يزرع التط‪%%‬رف وينمي‪%%‬ه ه‪%%‬و الحكومات التي ال تحكم بم‪,‬ا أنزل اهلل‪ ،‬وتبطش‬
‫بطشًا وحشًّيا بالشباب الذي ُيطالب بتحكيم الشريعة‪ ،‬بينما تس‪%‬مح للملح‪%‬دين والعلم‪%‬انيني‬
‫أن يعرض ‪%% %‬وا أفك ‪%% %‬ارهم على الن ‪%% %‬اس بال ح ‪%% %‬رج وال خ ‪%% %‬وف‪ ،‬وتس ‪%% %‬مح للفس ‪%% %‬اد أن يس ‪%% %‬تعلن‬
‫بالفاحش‪%%‬ة يف اجملتم‪%%‬ع‪ ..‬ف‪%%‬إن ك‪%%‬انت احلكوم‪%%‬ات راغب‪%%‬ة حًّقا يف القض‪%%‬اء على التط‪%%‬رف فلتقض‬
‫على أسبابه‪ ،‬وهي متلك ذلك ‪ -‬وال شك ‪ -‬لو صدقت مع اهلل‪.‬‬

‫وعلى الص‪%% % % % %‬حوة ك‪%% % % % %‬ذلك أن حتذر أن تستدرج لالشتراك في الحكم م‪,, , , ,‬ع‬
‫العلمانيين حبجة العمل على إصالح أحوال األمة! إن األحوال أسوأ بكثري من أن ُيص‪%%‬لحها‬

‫(‪)236‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫اش ‪%% %‬رتاك بض ‪%% %‬عة نف ‪%% %‬ر من اإلس ‪%% %‬الميني يف احلكم‪ ،‬بينم ‪%% %‬ا األوزار س ‪%% %‬تلطخ اجلمي ‪%% %‬ع! واهلدف‬
‫احلقيقي من اس ‪%%‬تدراجهم للحكم ليس ه ‪%%‬و الرغب ‪%%‬ة يف إص ‪%%‬الح األح ‪%%‬وال! إمنا ه ‪%%‬و الرغب ‪%%‬ة يف‬
‫تلطيخهم باألوزار‪ ،‬وإظهارهم مبظهر العاجز عن اإلصالح!‬

‫وعليها كذلك أن حتذر أن تستهلك جهدها في الرد على تحديات أعدائها له‪,,‬ا‬
‫بقوهلم‪ :‬أعطونا حلوًال عملية!‬

‫فاألع ‪%%‬داء ال يري ‪%%‬دون حقيق ‪%%‬ة أن يص ‪%%‬لوا إىل حل ‪%%‬ول عملي ‪%%‬ة‪ ،‬إمنا يري ‪%%‬دون فق ‪%%‬ط أن‬
‫يشغلوا احلركة اإلسالمية عن مهمتها يف الدعوة‪ ،‬ومهمتها الكربى يف تربي‪%%‬ة القاع‪%%‬دة املؤمن‪%%‬ة‬
‫اجملاهدة الواعية‪ ،‬اليت هي اخلطر احلقيقي الذي خيشونه وحيذرونه‪.‬‬

‫ولو عرضنا عليهم الحلول العملية فمن ينفذها؟!‬

‫ها حنن أوالء نعرض عليهم حًّال عملًّيا ألزمة الغذاء يف مصر والسودان‪.‬‬

‫إن يف الس ‪%% % %‬ودان قطع ‪%% % %‬ة أرض من أخص ‪%% % %‬ب بالد األرض‪ ،‬يق ‪%% % %‬ول اخلرباء‪ :‬إهنا ل ‪%% % %‬و‬
‫ُز رعت قمح ‪ً%‬ا لكفت أفريقي‪%%‬ا كله ‪%%‬ا ال مص ‪%%‬ر والس‪%%‬ودان فحس‪%%‬ب‪ ،‬ولكنه ‪%%‬ا حتت‪%%‬اج إىل تنفي‪%%‬ذ‬
‫مش‪%%‬روع هندس‪%%‬ي‪ ،‬م‪%%‬دروس دراس‪%%‬ة فني‪%%‬ة وافي‪%%‬ة‪ ،‬وإىل ق‪%%‬وة بش‪%%‬رية تعم‪%%‬ل يف الزراع‪%%‬ة يف تل‪%%‬ك‬
‫البقعة من األرض‪ ،‬وهي موجودة ومتوافرة يف مصر‪.‬‬

‫ولكن املش ‪%%‬روع حيت ‪%%‬اج قب ‪%%‬ل ذل ‪%%‬ك إىل حكم إس ‪,,‬المي في مص ‪,,‬ر والسودان مع‪ً, ,‬ا‬
‫يوح‪%%‬دمها يف دول‪%%‬ة واح‪%%‬دة‪ ،‬ح‪%%‬ىت تنتق‪%%‬ل الق‪%%‬وة البش‪%%‬رية الفائض‪%%‬ة يف مص‪%%‬ر‪ ،‬إىل حيث تعم‪%%‬ل يف‬
‫األرض املستص‪%%‬لحة يف الس‪%%‬ودان بغ‪%%‬ري ح‪%%‬رج وال حساس‪%%‬يات‪ ،‬وال نع‪%%‬رات جاهلي‪%%‬ة وطني‪%%‬ة أو‬
‫إقليمية‪ ،‬فتنتج من القمح ما يكفي أفريقيا كلها‪ ،‬ويقيها حتكم اجلبابرة يف أقواهتا!‬

‫هذا حل عملي لألزمة الغذائي‪%‬ة املس‪%‬تحكمة يف ك‪%‬ل من مص‪%‬ر والس‪%‬ودان‪ ،‬وهي من‬
‫أكرب األزمات اليت تواجههما‪ ..‬فمن ينفذه؟‬

‫كّال! إهنم ال يطلب‪%%‬ون احلل‪%%‬ول العملي‪%%‬ة لتنفي‪%%‬ذها‪ ،‬إمنا لشغل الحركة اإلس‪,‬المية عن‬
‫مهمته‪,,‬ا الحقيقي‪,,‬ة‪ ،‬وإح‪,,‬راج ص‪,,‬درها دائم‪ً,‬ا باألس‪,,‬ئلة ال‪%%‬يت ال ج‪%%‬واب هلا يف ظ‪%%‬ل أوض‪%%‬اعهم‬
‫الفاس ‪%% %‬دة‪ ،‬ال ألن اإلس ‪%% %‬الم ع ‪%% %‬اجز عن تق ‪%% %‬دمي احلل‪ ،‬ولكن ألن ‪%% %‬ه ال يوج ‪%% %‬د من ينف ‪%% %‬ذ احلل‬
‫اإلس‪%%‬المي يف غيب‪%%‬ة احلكم اإلس‪%%‬المي! مث يروح‪%%‬ون يقول‪%%‬ون للن‪%%‬اس انظروا إنهم ال يملكون‬
‫حلوًال عملية!‬

‫(‪)237‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ولتحذر الجماعات اإلس‪,‬المية أخيرًا م‪,‬ا هي في‪,‬ه من تش‪,‬رذم وتف‪,‬رق وخص‪,‬ام‪..‬‬


‫ولتتعلم كيف تختلف دون أن تف‪,‬ترق وتتخاص‪,‬م‪ ،‬فإنه‪,‬ا مأكول‪,‬ة كله‪,‬ا إن بقيت على م‪,‬ا‬
‫هي فيه من فرقة‪ ،‬ال يستفيد منها إال األعداء‪.‬‬

‫وك‪%%‬أين أملح س‪%%‬ؤاًال ي‪%%‬رد على ش‪%%‬فيت س‪%%‬ائل يس‪%%‬أل‪ :‬وم‪,,‬ا الح‪,,‬ل إذا ظلت اجلماع‪%%‬ات‬
‫اإلس ‪%%‬المية يف ص ‪%%‬راعاهتا‪ ،‬ومل تس ‪%%‬تطع أن تلتقي على إط ‪%%‬ار ع ‪%%‬ام ُيؤل ‪%%‬ف بينه ‪%%‬ا‪ ،‬ح ‪%%‬ىت وإن مل‬
‫جيمعه ‪%%‬ا يف كي‪%%‬ان واح‪%%‬د؟ وم ‪%%‬ا احلل إذا مل تت‪%%‬دارك اجلماع ‪%%‬ات اإلس‪%%‬المية ج‪%%‬وانب النقص يف‬
‫تربيتها؟‬

‫واحلل قرره رب العاملني من فوق سبع مسوات‪:‬‬

‫(َو ال َتَناَزُعوا َفَتْف َش ُلوا َو َتْذ َه َب ِر يُح ُك ْم )‪[ .‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]46‬‬

‫(َو ِإْن َتَتَو َّلْو ا َيْس َتْبِد ْل َقْو مًا َغْيَر ُك ْم ُثَّم ال َيُك وُنوا َأْم َثاَلُك ْم )‪[ .‬س‪%%‬ورة حمم‪%%‬د‪ ،‬اآلي‪%%‬ة‬
‫‪.]38‬‬

‫إن البش‪%% % %‬ر ال يعج‪%% % %‬زون اهلل‪َ( ..‬و الَّل ُه َغ اِلٌب َعَلى َأْم ِر ِه َو َلِكَّن َأْك َثَر الَّن اِس ال‬
‫َيْع َلُم وَن )‪[ .‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.]21‬‬

‫وك‪%%‬ل ش‪%%‬يء يف أح‪%%‬وال الن‪%%‬اس ي‪%%‬وحي ب‪%%‬أن هن‪%%‬اك جول‪%%‬ة جدي‪%%‬دة لإلس‪%%‬الم ب‪%%‬إذن اهلل‪،‬‬
‫يغ ‪%%‬ري اهلل هبا الواق ‪%%‬ع الك ‪%%‬احل ال ‪%%‬ذي حيكم األرض الي ‪%%‬وم‪ ،‬ويس ‪%%‬تبدل ب ‪%%‬ه ص ‪%%‬فحة مش ‪%%‬رقة‪ ،‬يعيش‬
‫الن ‪%%‬اس يف ظله ‪%%‬ا إىل حني‪ ،‬ومُت أل األرض ع ‪%%‬دًال كم ‪%%‬ا ملئت ج ‪%%‬ورًا من قب ‪%%‬ل‪ ،‬واهلل الفع ‪%%‬ال ملا‬
‫ُيريد‪ ،‬هو الذي خيلق األسباب لتحقيق ما يريد‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحني يتحقق وعد اهلل‪ ،‬وتقع املعركة الفاصلة اليت أخرب عنه‪%%‬ا رس‪%‬ول اهلل ص‪%%‬لى اهلل‬
‫علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬بني املس‪%%‬لمني واليه‪%%‬ود‪ ،‬تنتهي ‪ -‬على األرجح ‪ -‬الف‪%%‬رتة االس‪%%‬تثنائية ال‪%%‬يت مّك ن‬
‫اهلل فيه ‪%%‬ا لليه ‪%%‬ود (ِبَح ْب ٍل ِم َن الَّل ِه َو َح ْب ٍل ِم َن الَّن اِس )‪[ .‬س ‪%%‬ورة آل عم ‪%%‬ران‪ ،‬اآلي ‪%%‬ة ‪.]112‬‬
‫ويعود اليهود إىل وضعهم الطبيعي الذي كتبه اهلل عليهم‪..‬‬

‫أما اجلاهلية املعاص‪%‬رة فلن تذوب كله‪%‬ا‪ ،‬ولن ختتفي من وج‪%‬ه األرض‪ ،‬فق‪%‬د س‪%‬بقت‬
‫كلمة ربك أال جيتمع الناس كلهم يف أمة واحدة‪:‬‬

‫(‪)238‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ِح‬ ‫ِلِف ِإ‬ ‫ِح‬


‫ِل (ِلَو َل ْو َش اَء َر ُّب َك َلَجَع َل الَّن اَس ُأَّم ًة َو ا َد ًة َو ال َيَز اُلوَن ُمْخ َت يَن ‪ ،‬اَّل َمْن َر َم‬
‫َر ُّبَك َو َذ َك َخ َلَق ُه ْم )‪[ .‬سورة هود‪ ،‬اآليتان ‪.]119 ،118‬‬

‫ولق‪%‬د ك‪%‬انت لإلس‪%‬الم يف املاض‪%‬ي أك‪%‬ثر من جول‪%‬ة ممكن‪%‬ة يف األرض‪ ،‬فلم تقض على‬
‫كل اجلاهلية‪ ،‬وظل الصراع سجاًال بني اإلسالم وبني اجلاهلية عدة قرون‪.‬‬

‫وقولنا إنن‪%%‬ا نتوق‪%%‬ع لإلس‪%%‬الم جول‪%%‬ة جدي‪%%‬دة ممكن‪%%‬ة يف األرض‪ ،‬ال يعني أن تزول كل‬
‫الجاهلي‪,,‬ة‪ ،‬وت‪,,‬دين األرض كله‪,,‬ا لإلس‪,,‬الم‪ .‬ولكن خيتل ‪%%‬ف الوض ‪%%‬ع قطع ‪ً%‬ا بني وج ‪%%‬ود كي ‪%%‬ان‬
‫ممكن لإلسالم‪ ،‬وبني انفراد اجلاهلية وحدها بالسلطان‪.‬‬

‫خيتلف الوضع من طرفيه مجيعًا‪ ..‬بالنس‪%‬بة للمس‪%‬لمني من ناحي‪%‬ة‪ ،‬وبالنس‪%‬بة للجاهلي‪%‬ة‬


‫ذاهتا من ناحية أخرى‪.‬‬

‫فأم‪,,‬ا بالنسبة للمسلمين ف ‪%%‬األمر واض ‪%%‬ح‪ ..‬فحني يكون ‪%%‬ون هم أص ‪%%‬حاب األم ‪%%‬ر يف‬
‫بالدهم‪ ،‬يتع ‪%%‬املون م ‪%%‬ع بقي ‪%%‬ة األرض تع ‪%%‬امًال ح ‪ًّ%‬ر ا ال قه ‪%%‬ر في ‪%%‬ه عليهم‪ ،‬فعندئ ‪%%‬ذ يس ‪%%‬تطيعون أن‬
‫حيققوا منهج رهبم بال تدخل من قوى قاهرة متنعهم‪ ،‬وعندئذ يتحقق هلم وعد رهبم‪:‬‬

‫(َو َعَد الَّلُه اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِم ْنُك ْم َو َعِم ُلوا الَّص اِلَح اِت َلَيْس َتْخ ِلَف َّنُه ْم ِفي اَأْلْر ِض َك َم ا‬
‫ا َتْخ َلَف اَّل ِذ ي ِم ِلِه َل ِّك َنَّن َل ِد ي اَّل ِذ ي ا َتَض ى َل َل ِّد َلَّن ِم ِد‬
‫ُه ْم َو ُيَب ُه ْم ْن َبْع‬ ‫ْر‬ ‫ُه ْم َنُه ُم‬ ‫َن ْن َقْب ْم َو ُيَم‬ ‫ْس‬
‫ِب‬ ‫ِن‬
‫َخ ْو ِه ْم َأْم نًا َيْع ُبُد وَن ي ال ُيْش ِر ُك وَن ي َش ْيئًا)‪[ .‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]55‬‬ ‫ِف‬

‫( َل َأَّن َأ اْلُق ى آ وا اَّتَق ا َلَف ا َل ِه َك اٍت ِم الَّس اِء‬


‫َم‬ ‫َن‬ ‫َو ْو ْه َل َر َم ُن َو ْو َتْحَن َع ْي ْم َبَر‬
‫َو اَأْلْر ِض )‪[ .‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]96‬‬

‫وإن األرض اليت انتش‪%‬ر فيه‪%%‬ا اإلس‪%‬الم هلي بفض‪%%‬ل اهلل أغ‪%%‬ىن بقع‪%%‬ة يف األرض‪ ،‬خبرياهتا‬
‫املختلفة‪ ،‬ومعادهنا وركازها‪ ،‬ومواردها املائية وخصوبة أرضها‪ ،‬وطاقته‪%‬ا البش‪%‬رية‪ ..‬ولكنه‪%‬ا‬
‫الي ‪%% %‬وم أفق ‪%% %‬ر بق ‪%% %‬اع األرض بق ‪%% %‬در م ‪%% %‬ا ف ‪%% %‬رط أهله ‪%% %‬ا يف دينهم ومنهجهم‪ ،‬ف ‪%% %‬إذا ُر ّدت إليهم‬
‫سيطرهتم على أرضهم وخرياهتم فذلك فضل من اهلل عميم‪.‬‬

‫أم ‪,,‬ا بالنسبة للجاهلي ‪,,‬ة‪ ،‬ف ‪%%‬املتوقع أن ي ‪%%‬دخل من أفراده ‪%%‬ا يف اإلس ‪%%‬الم كث ‪%%‬ري‪ ،‬كم ‪%%‬ا‬
‫دخل ‪%%‬وا يف حرك ‪%%‬ات املد اإلس ‪%%‬المي الس ‪%%‬ابقة‪ .‬ومن بقي منهم على دين ‪%%‬ه وأىب أن ي ‪%%‬دخل يف‬
‫دين اهلل‪ ،‬فإن وج‪%‬ود النم‪%‬وذج الص‪%%‬حيح‪ ،‬املتمث‪%‬ل يف الواق‪%‬ع اإلس‪%‬المي‪ ،‬سيص‪%%‬حح دون ش‪%‬ك‬
‫كث‪%% %‬ريًا من احنراف‪%% %‬ات اجلاهلي‪%% %‬ة املعاص‪%% %‬رة‪ ،‬كم‪%% %‬ا أث‪%% %‬ر يف أورب‪%% %‬ا م‪%% %‬رة من قب‪%% %‬ل‪ ،‬فأخرجه‪%% %‬ا من‬

‫(‪)239‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫عصورها الوسطى املظلمة‪ ،‬وإن مل تدخل يف دين اهلل‪ ..‬وفي أقل القلي‪,‬ل س‪,‬يمنع الجاهلي‪,‬ة‬
‫من فتنة المسلمين عن دينهم‪ ،‬كما فعلت في القرنين السابقين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك توقع‪,, ,‬ات المستقبل كم‪,, ,‬ا نراها في ض‪,, ,‬وء السنن الرباني‪,, ,‬ة‪ ،‬ووعد اهلل‬
‫ووعيده‪.‬‬

‫وهي كم‪%%‬ا قلن‪%%‬ا من قب‪%%‬ل‪ :‬اجته‪%%‬ادات ختطئ وُتص‪%%‬يب‪ ،‬ولكن فيه‪%%‬ا ش‪%%‬يئُا واح‪%%‬دًا ثابت‪ً%‬ا‬
‫على األقل‪ ،‬هو حديث رسول اهلل صلى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم‪ ،‬عن معركة المسلمين واليه‪,,‬ود‪،‬‬
‫وحديث‪%% % % %‬ه عن عودة الخالفة الراشدة م ‪,, , ,‬رة أخرى في األرض‪ ،‬وكفى هبذين أمًال‬
‫للمسلمني‪ ،‬وأمًال لكل البشرية!‬

‫وإن هذه الرؤية اإلسالمية ألحوال العالم المعاصر‪ ،‬لتفرض على المسلمين ‪-‬‬
‫وعلى الص‪,,‬حوة اإلس‪,,‬المية بص‪,,‬فة خاص‪,,‬ة ‪ -‬تبع‪,,‬ة هائلة‪ ..‬أن يع‪,,‬ودوا إلى حم‪,,‬ل األمانة‬
‫ال‪,,‬تي ألقوها عن عاتقهم فترة من ال‪,,‬زمن‪ ،‬فض‪,,‬لوا وض‪,,‬لت معهم البش‪,,‬رية‪ .‬وأن يع‪,,‬ودوا‬
‫إلى رسالتهم التي نبذوها وراء ظهورهم‪:‬‬

‫(ُك ْنُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّن اِس َت ْأُمُر وَن ِب اْلَم ْع ُر وِف َو َتْنَه ْو َن َعِن اْلُم ْنَك ِر‬
‫َو ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه)‪[ .‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]110‬‬

‫(َو َك َذ ِلَك َجَعْلَن اُك ْم ُأَّم ًة َو َس طًا ِلَتُك وُن وا ُش َه َد اَء َعَلى الَّن اِس َو َيُك وَن الَّر ُس وُل‬
‫َعَلْيُك ْم َش ِه يدًا)‪[ .‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]143‬‬

‫وإنه لجهد أي جهد‪..‬‬

‫ولكن له في الوقت ذاته جزاء أي جزاء!‬

‫(َذِلَك ِبَأَّنُه ْم ال ُيِص يُبُه ْم َظَم ٌأ َو ال َنَصٌب َو ال َم ْخ َم َص ٌة ِفي َس ِبيِل الَّلِه َو ال َيَط ُأوَن‬
‫َمْو ِط ئًا ُيِغي‪ُ,‬ظ اْلُك َّف اَر َو ال َيَن اُلوَن ِم ْن َع ُد ٍّو َنْيًال ِإاَّل ُك ِتَب َلُه ْم ِب ِه َعَم ٌل َص اِلٌح ِإَّن الَّل َه ال‬
‫ُيِض يُع َأْج َر اْلُم ْح ِس ِنيَن )‪[ .‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]120‬‬

‫(‪)240‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬

‫***‬
‫‪sw.dehwat.www//:ptth‬‬
‫‪moc.esedqamla.www//:ptth‬‬
‫‪ofni.hannusla.www//:ptth‬‬
‫‪moc.adataq-uba.www//:ptth‬‬

‫الفهرست‬
‫‪ -‬مقدمة‬
‫‪ -‬الجاهلية المعاصرة‬
‫أوال‪ :‬متهيد يف معىن اجلاهلية‬
‫ثانيا‪ :‬جذور اجلاهلية املعاصرة ومكوناهتا‬
‫ثالثا‪ :‬خصائص اجلاهلية املعاصرة‬
‫رابعا‪ :‬السنن الربانية اليت حتكم أوضاع اجلاهلية املعاصرة‬
‫‪ -‬السيطرة العالمية لليهود‬
‫أوال‪ :‬متهيد يف املخططات اليهودية‬
‫ثانيا‪ :‬كيف سيطر اليهود؟‬
‫ثالثا‪ :‬أحوال اليهود بني الكتاب والسنة ووعد اهلل ووعيده‬
‫‪ -‬أمة التوحيد بين الماضي والحاضر‬
‫أوال‪ :‬متهيد يف رسالة األمة املسلمة‬

‫(‪)241‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‬

‫ثانيا‪ :‬حملات من التاريخ‬


‫ثالثا‪ :‬الواقع املعاصر‬
‫رابعا‪ :‬ماذا خسر العامل باحنطاط املسلمني؟‬
‫‪ -‬توقعات المستقبل‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬

‫***‬
‫‪sw.dehwat.www//:ptth‬‬
‫‪moc.esedqamla.www//:ptth‬‬
‫‪ofni.hannusla.www//:ptth‬‬
‫‪moc.adataq-uba.www//:ptth‬‬

‫(‪)242‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫هذه دعوتنا‬
‫‪ -‬دع‪%% % %‬وة اىل اهلج ‪%% %‬رة إىل اهلل بتجري ‪%% %‬د التوحي ‪%% %‬د‪ ،‬وال ‪%% %‬رباءة من الش ‪%% %‬رك والتندي ‪%% %‬د‪،‬‬
‫واهلجرة إىل رسوله صلى اهلل عليه وسلم بتجريد املتابعة له‪.‬‬

‫‪ -‬دع ‪%%‬وة إىل إظه ‪%%‬ار التوحي ‪%%‬د‪ ،‬ب ‪%%‬إعالن أوث ‪%%‬ق ع ‪%%‬رى اإلميان‪ ،‬والص ‪%%‬دع مبل ‪%%‬ة اخلليلني‬
‫حمّم د وإب‪%%‬راهيم عليهم‪%%‬ا الس‪%%‬الم‪ ،‬وإظه‪%%‬ار م‪%%‬واالة التوحي‪%%‬د وأهل‪%%‬ه‪ ،‬وإب‪%%‬داء ال‪%%‬رباءة من الش‪%%‬رك‬
‫وأهله‪.‬‬

‫‪ -‬دع‪%%‬وة إىل حتقي‪%%‬ق التوحي‪%%‬د جبه‪%%‬اد الط‪%%‬واغيت ك‪%%‬ل الط‪%%‬واغيت باللس‪%%‬ان والس‪%%‬نان‪،‬‬
‫إلخراج العباد من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد‪ ،‬ومن جور املن‪%%‬اهج والق‪%%‬وانني واألدي‪%%‬ان‬
‫إىل عدل ونور اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -‬دع ‪%% %‬وة إىل طلب العلم الش ‪%% %‬رعي من معين ‪%% %‬ه الص ‪%% %‬ايف‪ ،‬وكس ‪%% %‬ر ص ‪%% %‬نمّية علم ‪%% %‬اء‬
‫احلكومات‪ ،‬بنبذ تقليد األحبار والرهبان الذين أفسدوا الدين‪ ،‬ولّبسوا على املسلمني‪...‬‬

‫وأحبار سوء ورهباهنا‬ ‫وهل أفسد الدين إال امللوك‬


‫‪ -‬دع‪%% %‬وة إىل البص‪%% %‬رية يف الواق‪%% %‬ع‪ ،‬وإىل اس‪%% %‬تبانة س‪%% %‬بيل اجملرمني‪ ،‬ك‪%% %‬ل اجملرمني على‬
‫اختالف مللهم وحنلهم‪{ ،‬ق‪%% % %‬ل ه‪%% % %‬ذه س‪%% % %‬بيلي أدع‪%% % %‬و إىل اهلل على بص‪%% % %‬رية أن‪%% % %‬ا ومن اتبع‪%% % %‬ين‬
‫وسبحان اهلل وما أنا من املشركني}‪.‬‬

‫‪ -‬دع‪%%‬وة إىل اإلع‪%%‬داد اجلاد على كاف‪%%‬ة األص‪%%‬عدة للجه‪%%‬اد يف س‪%%‬بيل اهلل‪ ،‬والس‪%%‬عي يف‬
‫قتال الطواغيت وأنصارهم‪ ،‬واليهود وأحالفهم‪ ،‬لتحرير املس‪%‬لمني ودي‪%‬ارهم من قي‪%‬د أس‪%‬رهم‬
‫واحتالهلم‪.‬‬

‫‪ -‬ودعوة إىل اللحاق بركب الطائف‪%%‬ة الظ‪%‬اهرة القائم‪%‬ة ب‪%‬دين اهلل‪ ،‬ال‪%‬ذين ال يض‪%%‬رهم‬
‫من خالفهم وال من خذهلم حىت يأيت أمر اهلل‪.‬‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬


‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫موقعنا على الشبكة‬


‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫منبر التوحيد والجهاد‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬ ‫منبر التوحيد والجهاد‬
‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬ ‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪www.abu-qatada.com‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪www.abu-qatada.com‬‬

You might also like