‫دعونا نتوقف لحظة لننظر إلى صورة مشهورة من لوح ات عص ر النهض ة (الش كل‬

‫‪ .)1‬إنه ا لوح ة جداري ة من دي ر س ان م اركو في فلورنس ا‪ .‬تم رس مها على األرجح في‬
‫أربعينيات القرن الخامس عشر على يد راهب دومينيك اني ع اش هن اك ولقب فيم ا بع د بف را‬
‫أنجيليكو‪ .‬إنها موجودة في زنزانة بيضاء صغيرة جًدا‪ ،‬وهي زنزانة من الحجرة المغلقة ال تي‬
‫يمكن للمرء أن يتخيلها‪ ،‬والتي وجدها الراهب نفسه يومًيا‪ ،‬لسنوات‪ ،‬في القرن الخامس عشر‪،‬‬
‫وحيًدا هناك‪ ،‬يتأمل في الكتاب المق دس‪ ،‬ين ام هن اك‪ ،‬يحلم هن اك‪ ،‬ربم ا يم وت هن اك‪ .‬عن دما‬
‫ندخل الزنزانة اليوم‪ ،‬التي ال تزال صامتة تماًم ا‪ ،‬فإن جه از الع رض الكهرب ائي ال ذي يرك ز‬
‫على العم ل الف ني ال ينجح ح تى في درء ت أثير التش ويش المض يء ال ذي يفرض ه االتص ال‬
‫األول‪ .‬بجانب اللوحة الجدارية‪ ،‬هناك نافذة ص غيرة‪ ،‬تواج ه الش رق‪ ،‬س طوعها يكفي ليغل ف‬
‫وجهن ا‪ ،‬ليحجب المش هد المتوق ع مس بًقا‪ .‬تم رس م لوح ة أنجيليك و الجداري ة بإض اءة خلفي ة‬
‫متعمدة‪ ،‬وهي تحجب بطريق ة أو ب أخرى ال دليل على إص ابته بالنوب ات‪ .‬إن ه يعطي انطباًع ا‬
‫غامًضا بأنه ليس هناك الكثير مما يمكن رؤيته‪ .‬عن دما تعت اد العين على ض وء المك ان‪ ،‬ف إن‬
‫االنطباع سيظل يفرض نفسه بشكل غريب‪ :‬اللوحة الجدارية "تضيء" فقط لتع ود إلى بي اض‬
‫الج دار‪ ،‬ألن ك ل م ا يتم رس مه هن ا يتك ون من نقط تين أو ثالث بق ع باهت ة‪ ،‬أل وان خفي ة‪،‬‬
‫موضوعة على خلفية من نفس اللون الليموني‪ ،‬مظلل ة قليًال‪ .‬وهك ذا‪ ،‬فبينم ا اس تحوذ الض وء‬
‫الط بيعي على أنظارن ا ‪ -‬وك اد أن يعمين ا ‪ -‬أص بح اآلن أبيض‪ ،‬الل ون األبيض المص بوغ‬
‫للخلفية‪ ،‬الذي أصبح يمتلكن ا‪ .‬ولكنن ا نح ذر من محارب ة ه ذا الش عور‪ .‬الرحل ة إلى فلورنس ا‪،‬‬
‫والدير الذي أصبح متحًفا‪ ،‬واالسم الصحيح لـ ‪ - Fra Angelico‬كل هذا يتطلب من ا رؤي ة‬
‫المزيد‪.‬‬
‫مع ظهور تفاصيلها التمثيلية‪ ،‬ستصبح اللوحة الجدارية مرئية حًقا شيًئا فش يًئا‪ .‬يص بح‬
‫األمر كذلك بمعنى ألبيرتي‪ ،‬أي أنه يبدأ في تقديم عناصر منفصلة ذات معنى مرئي ‪ -‬عناصر‬
‫يمكن تمييزها كعالم ات ‪ .1‬يص بح األم ر ك ذلك بمع نى م ؤرخ الفن ال ذي يس عى الي وم إلى‬
‫التعرف على يد المعلم هنا ويد التلميذ‪ ،‬ويحكم على انتظام أو عدم انتظ ام بنائ ه في المنظ ور‪،‬‬
‫ويحاول وضع العمل في التسلسل الزمني ألنجليكو‪ ،‬ح تى في جغرافي ة األس لوب التوس كاني‬
‫في القرن الخامس عشر‪ .‬ستصبح اللوحة الجدارية مرئي ة أيًض ا ‪-‬وقب ل ك ل ش يء‪ -‬ألن ش يًئا‬
‫فيها سيكون قادًرا على استحض ار أو "ترجم ة" لن ا وح دات أو "موض وعات" أو "مف اهيم"‬
‫أك ثر تعقي ًدا‪ ،‬كم ا ق ال بانوفس كي‪ ،‬قصًص ا أو رم وًز ا‪ :‬وح دات من الفن‪ .‬معرف ة‪ .‬في ه ذه‬
‫اللحظة‪ ،‬تصبح اللوحة الجدارية المرئية مرئية تماًم ا ‪ -‬تصبح واضحة ومتميزة كما ل و ك انت‬
‫تشرح نفسها‪ .‬وبالتالي يص بح ق ابًال للق راءة‪ .‬نحن هن ا ق ادرون‪ ،‬أو من المف ترض أن نك ون‪،‬‬
‫على قراءة لوحة أنجيليكو الجدارية‪ .‬نقرأ هناك‪ ،‬ب الطبع‪ ،‬قص ة ‪ -‬ه ذه االس توريا ال تي جع ل‬
‫منها ألبيرتي السبب والسبب النهائي لجميع التراكيب المرسومة‪.‬‬
‫‪ ...‬ه ذه القص ة ال تي من الواض ح أن الم ؤرخ ال يس تطيع أن يفع ل أي ش يء س وى‬
‫عشقها‪ .‬وهكذا‪ ،‬شيًئا فشيًئا‪ ،‬تتغير زمانية الصورة بالنسبة لنا‪ :‬فطابعها المباشر الغامض ينتقل‬
‫إلى الخلفية‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬وهي تسلسل‪ ،‬تسلسل سردي يأتي أمام أعيننا ليتكش ف‪ ،‬كم ا ل و‬
‫ك ان الشخص يات ال تي ش وهدت فج أة في حال ة من الجم ود أص بحت اآلن تتمت ع بن وع من‬
‫الحركة أو الوقت الذي يتكشف‪ .‬لم تعد مدة بلورية‪ ،‬بل تسلسل زمني للقصة‪ .‬ها نحن هنا‪ ،‬م ع‬
‫صورة أنجيليكو‪ ،‬في أبسط حالة ممكنة‪ :‬إنها قصة يعرفها الجميع‪ ،‬قص ة لن يض طر الم ؤرخ‬
‫حتى إلى البحث عن "مصدرها" – إنها أي النص‪.‬‬