Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 75

‫جامعة محمد خيضر بسكرة‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم العلوم السياسية‬

‫مذكرة ماستر‬
‫امليدان ‪ :‬احلقوق والعلوم الس ياس ية‬
‫الفرع‪ :‬علوم س ياس ية‬
‫التخصص‪ :‬عالقات دولية‬
‫رمق‪................ :‬‬

‫اعداد الطالب (ة)‪:‬‬

‫نعيمة بركات‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬

‫رئيسا‬ ‫جامعة بسكرة‬ ‫رتبة أستاذ‬ ‫اسم ولقب األستاذ‬

‫مشرفا ومقررا‬ ‫جامعة بسكرة‬ ‫رتبة أستاذ‬ ‫الدكتور‪ :‬سمير قطاس‬

‫مناقشا‬ ‫جامعة بسكرة‬ ‫رتبة أستاذ‬ ‫اسم ولقب األستاذ‬

‫الس نة اجلامعية‪:2024-2023‬‬
‫خطة الدراســة‬

‫مقدمة‬

‫الفصل األول‪ :‬تأصيل مفاهيمي ونظري للسياسة الخارجية الصينية‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم السياسة الخارجية‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف السياسة الخارجية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬السياسة الخارجية وبعض المفاهيم المشابهة لها‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة الخارجية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة في السياسة الخارجية الصينية‬

‫المطلب األول‪ :‬تطور السياسة الخارجية الصينية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صنع القرار في السياسة الخارجية الصينية‬

‫المطلب الثالث‪ :‬محددات السياسة الخارجية الصينية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬النظريات المفسرة للسياسة الخارجية الصينية‬

‫المطلب األول‪ :‬نظرية الواقعية الجديدة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مقاربة القوة الناعمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الصعود الصيني في منطقة القرن اإلفريقي واثيوبيا‬

‫المبحث األول‪ :‬أبعاد السياسة الخارجية الصينية في القرن اإلفريقي‬


‫المطلب األول‪ :‬أهمية القرن اإلفريقي بالنسبة للصين‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أبعاد السياسة الخارجية الصينية في المنطقة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة الخارجية الصينية في القرن اإلفريقي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلستراتجية الصينية في إثيوبيا‬

‫المطلب األول‪ :‬تطور العالقات الصينية اإلثيوبية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إتفاقيات الشراكة والتعاون‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أبعاد العالقات الصينية اإلثيوبية‬

‫المطلب األول‪ :‬البعد االقتصادي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬البعد الدبلوماسي‬

‫المطلب الثالث‪ :‬البعد الثقافي واالجتماعي‬

‫المبحث الرابع‪ :‬تحديات وآفاق العالقات الصينية اإلثيوبية‬

‫المطلب األول‪ :‬التحديات الداخلية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحديات الخارجية‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آفاق العالقات الصينية اإلثيوبية‬

‫الخاتمة‬

‫المراجع‬
‫شكر وعرفــان‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫تعتبر السياسة الخارجية من أهم ما يحدد العالقات بين الوحدات الدولية في النظام الدولي‪ ،‬باعتبارها تعبر عن‬
‫توجهات الدولة من خالل تحديد ما يضمن لها مصلحتها القومية‪ ،‬و يرسم لها مكانتها الدولية في ظل هيكل نظام‬
‫دولي مليء باألحداث المعقدة‪ ،‬و التي لها األثر الكبير في إقرار السياسة الخارجية للدولة‪ ،‬فالتحوالت المستمرة‬
‫والتغيرات المتسارعة في المشهد الدولي تؤثر و بشكل كبير في رسم السياسات الخارجية للدول‪ ،‬حيث نجد أن العديد‬
‫من الوحدات في النظام الدولي غيرت أو تراجعت عن سياستها الخارجية‪ ،‬لتغير من استراتيجياتها و برامجها‬
‫الموجهة نحو الخارج في تعامالتها الدولية حسب ما تمليه مصالحها البراغماتية وسط التغيرات الحاصلة في النظام‬
‫اإلقليمي و الدولي‪.‬‬

‫فبعد األزمات المتعددة والمتنوعة _ اقتصادية‪ ،‬سياسية‪ ،‬أمنية‪ _...‬التي ضربت العالم أخرجته من الثنائية نحو‬
‫األحادية القطبية بزعامة الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬بعد إنهيار اإلتحاد السوفييتي سنة ‪1991‬م‪ ،‬حيث كانت نقطة‬
‫بداية واضحة لقوى أخرى أخذت في النمو في عالم يسير نحو التعددية القطبية‪.‬‬

‫وتعتبر الصين أبرز دولة وظاهرة سياسية واقتصادية في العصر الراهن‪ ،‬بعد أن تحولت من عملية إصالحية إلى قفزة‬
‫نوعية نقلت الصين إلى مصاف الدول المتقدمة‪ ،‬وأصبحت تتمتع بدور متزايد في المشهد الدولي والعبا رئيسيا في‬
‫السياسة الدولية والعالمية‪ ،‬من خالل سياستها الخارجية التي شكلت اهتمام لدى المحللين في المجتمع الدولي‬
‫والمؤسسات الدولية‪ ،‬خاصة في الدول المتقدمة‪ ،‬التي وجدت في الصين منافسا يصعب تجاوزه‪.‬‬

‫تتمتع الصين بذكاء يضمن لها تحقيق أهدافها و مصالحها اإلستراتيجية من خالل توازن عالقاتها الدولية خاصة مع‬
‫منافستها الواليات المتحدة األمريكية و تخوف األخيرة من التهديد الصيني ألمنها القومي في ظل تصاعدها المستمر‬
‫في العالم‪ ،‬حيث يظهر جليا توجه الصين نحو اإلستثمار في الدول النامية خاصة إفريقيا‪ ،‬و تشكيل برنامج مكثف‬
‫من الشراكات و تقديم المساعدات لهاته الدول دون التدخل في سياساتها الداخلية‪ ،‬ما جعل الصين الشريك المفضل‬
‫لها‪ ،‬نظ ار لسياستها الناعمة في المقابل كسب الصين للدول اإلفريقية إلى صفها من أجل دعمها في المحافل الدولية‬
‫من خالل التصويت لها كلما دعت الحاجة إلى ذلك‪.‬‬

‫فإفريقيا الغنية بثرواتها الطبيعية والفقيرة لكل ما تتمتع به الصين من تكنولوجيا متطورة‪ ،‬جعلت العالقة بين هذه الدول‬
‫والصين تتزايد من قطاع إلى آخر‪ ،‬ليصبح التواجد الصيني في إفريقيا والقرن اإلفريقي تحديدا يسير بوتيرة متزايدة‬
‫ومطلوبة لدى الطرفين‪.‬‬

‫أ‬
‫مقدمة‬

‫فمبادئ سياسة الصين الخارجية وتوظيف دبلوماسيتها الناعمة‪ ،‬جعلتها قادرة على الوصول إلى تحقيق استراتجيتها في‬
‫منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬والتغلغل فيها رغم جملة النزاعات الداخلية التي تحكمها‪ ،‬خاصة النزاع المسلح الواقع في شهر‬
‫نوفمبر ‪ 0202‬في إقليم تيغراي بإثيوبيا‪ ،‬الذي أثر على الصين بشكل واضح‪ ،‬لكن هذا لم يجعلها تتراجع عن استكمال‬
‫دبلوماسيتها الناعمة‪ ،‬وثبات سياستها الخارجية في المنطقة‪.‬‬

‫‪_1‬أهمية الموضوع‪:‬‬

‫تكمن أهمية الدراسة في الجانبين العلمي والعملي‪:‬‬

‫أ_ األهمية العلمية‪:‬‬

‫تتأتى األهمية العلمية للدراسة كون السياسة الخارجية الصينية كانت والزالت محل اهتمام الباحثين األكادميين‪ ،‬نظ ار‬
‫لقدرة الصين على تحقيق أهدافها االستراتيجية‪ ،‬والصعود إلى مصاف الدول المتقدمة‪.‬‬

‫ب_ األهمية العملية‪:‬‬

‫تتأتى األهمية العملية لهاته الدراسة فيما وصلت إليه الصين من خالل استراتيجياتها في دول القرن اإلفريقي و تجاوز‬
‫التحديات األمنية في المنطقة و إثيوبيا و الحفاظ على سيرها الثابت نحو قوة عالمية في مواجهة للمد األمريكي في‬
‫متزيدة رغم استغالل القوى‬
‫المنطقة‪ ،‬و أيضا المكانة الجيواستراتيجية لمنطقة القرن اإلفريقي التي تتمتع بثروات طبيعية ا‬
‫الكبرى و الشركات المتعددة الجنسيات‪.‬‬

‫‪_2‬أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تهدف دراسة هذه المواضيع لدى المهتمين بحقل العالقات الدولية إلى فهم السياسة الخارجية للدولة‪ ،‬والسلوك الخارجي‬
‫للدول الدي يحدد طبيعة العالقات بين الوحدات الدولية في النظام العالمي‪ ،‬خاصة بعد تغير مفهوم القوة في العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬حيث تعتبر الصين نموذجا ناجحا‬

‫من خالل استخدامها لدبلوماسية ناعمة واستراتيجية سياسية سلمية تشجع حركات التحرر في إفريقيا‪ ،‬وتأخذ بدول‬
‫القرن اإلفريقي النامية نحو التنمية‪.‬‬

‫‪_3‬أسباب إختيار الموضوع‪:‬‬

‫أ_ األسباب الموضوعية‪:‬‬

‫ب‬
‫مقدمة‬

‫تعود أسباب إختيار موضوع الدراسة ألهميته النظرية والتطبيقية من خالل االهتمام بتحديد الخلفية النظرية للسياسة‬
‫الخارجية الصينية‪ ،‬ودراستها علميا كنموذج ناجح يحتذى به‪ ،‬وتطبيقيا من خالل تحليل وتفسير المد الصيني المتصاعد‬
‫في منطقة القرن اإلفريقي و إثيوبيا‪.‬‬

‫ب_ األسباب الذاتية‪:‬‬

‫إنطالقا من تخصصي كطالبة عالقات دولية‪ ،‬وإلهتمامي بالنهضة الصينية ونجاح برامجها في إفريقيا ومنطقة القرن‬
‫اإلفريقي تحديدا من خالل سياسة التعاون والسالم بعيدا عن عنصر القوة والوصول إلى قمة النظام الدولي بوتيرة‬
‫متسارعة‪.‬‬

‫‪_4‬أدبيات الدراسة‪:‬‬

‫هناك مجموعة من الدراسات السابقة التي تقاطعت مع موضوع الدراسة‪ ،‬حيث تطرقت إلى بعض الجزئيات والعناصر‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫‪_ 1‬كتاب للدكتور رافع علي المدني بعنوان الدبلوماسية الناعمة في السياسة الصينية تجاه إفريقيا‪ :‬العالقات الصينية‬
‫السودانية نموذجا‪ 0212_0222‬حيث ركز الكتاب عن دبلوماسية الصين الناعمة في إفريقيا عموما والسودان‬
‫خصوصا في الفترة الممتدة بين ‪0212_0222‬‬

‫‪_ 0‬مذكرة ماستر للطالب شريف عبد الحكيم تحت عنوان تحديات السياسة الخارجية الصينية تجاه القرن اإلفريقي‬
‫_بعد الحرب الباردة_ حيث ركز في دراسته على أهم التحديات التي تواجه سياسة الصين الخارجية تجاه إفريقيا عموما‬
‫والقرن اإلفريقي خصوصا‪.‬‬

‫‪_3‬مذكرو ماستر للطالبة حفيان إكرام بعنوان دور الدبلوماسية الصينية في تعزيز السياسة الصحية في القارة اإلفريقية‪،‬‬
‫حيث ركزت في هذه الدراسة على السياسة الصحية الصينية في إفريقيا‪.‬‬

‫‪_5‬إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫تعززت الصين بمكانة عالمية من خالل تطوير عالقاتها مع الدول في العالم‪ ،‬والتوجه باستثماراتها نحو إفريقيا عموما‬
‫والقرن اإلفريقي خصوصا‪ ،‬هذا ما جعلنا نطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫ت‬
‫مقدمة‬

‫ما هي أسباب الوجود الصيني المتصاعد في منطقة القرن اإلفريقي واثيوبيا؟‬

‫‪_6‬األسئلة الفرعية‪:‬‬

‫تندرج تحت اإلشكالية الرئيسية مجموعة من التساؤالت الفرعية المتمثلة في‪:‬‬

‫‪_1‬ما هي آليات التواجد الصيني في منطقة القرن اإلفريقي؟‬

‫‪_0‬إلى أي مدى أثر الصعود الصيني في منطقة القرن اإلفريقي على تنمية إثيوبيا؟‬

‫‪_3‬كيف أثر النزاع في إثيوبيا_نزاع تيغراي‪ _0202‬على المصالح الصينية في المنطقة؟‬

‫‪_4‬هل حققت اثيوبيا أهداف الصين الخارجية؟‬

‫‪_7‬فرضيات الدراسة‪:‬‬

‫لإلجابة على هذه التساؤالت اعتمدنا الفرضيات التالية‪:‬‬

‫المكانة الجيواستراتيجية للقرن اإلفريقي هي المحدد األساسي للسياسة الخارجية الصينية في المنطقة‪.‬‬

‫_ اإلستثمارات الصينية والتبادالت التجارية بين البلدين كانت وراء القفزة التنموية اإلثيوبية‪.‬‬

‫_التنافس المتصاعد والوضع المتأزم في منطقة القرن اإلفريقي واثيوبيا تحديدا أثر على المصالح الصينية في المنطقة‪.‬‬

‫‪_8‬حدود الدراسة‪:‬‬

‫أ_ اإلطار الزماني‪:‬‬

‫تشمل الدراسة الفترة الزمنية الممتدة بين ‪ 0204_0202‬والتطورات الحاصلة في المنطقة التي أثرت على الوضع‬
‫الصيني هناك‪ ،‬مع التركيز على العالقات الصينية اإلثيوبية في ذات الفترة‪.‬‬

‫ب_ اإلطار المكاني‪:‬‬

‫تشمل الدراسة منطقة القرن اإلفريقي مع التركيز على دولة إثيوبيا التي عرفت أحداث مختلفة في اآلونة األخيرة‪.‬‬

‫‪ _9‬صعوبات الدراسة‪:‬‬

‫ث‬
‫مقدمة‬

‫من أبرز الصعوبات التي واجهت هذا العمل هو شح المراجع في المكتبات‪ ،‬خاصة ما يخص الجزء التطبيقي للدراسة‪،‬‬
‫كون الموضوع حديث نوعا ما وهو ما نتج عنه ندرة كبيرة في المراجع خاصة باللغة العربية‪.‬‬

‫‪ _11‬مناهج الدراسة‪:‬‬

‫المناهج هي إحدى الوسائل التي ال يقوم البحث بدونها‪ ،‬فهو ما يميز الدراسة العلمية الصحيحة عن غيرها مما يكتب‪،‬‬
‫ونظ ار التساع الدراسة فقد تطلبت المناهج التالية‪:‬‬

‫_ المنهج الوصفي التحليلي‪ :‬اعتمدنا على المنهج الوصفي التحليلي لمعرفة خصائص و سمات السياسة الخارجية‬
‫الصينية‪ ،‬و تحليل االستراتيجية الصينية و أبعادها في القرن اإلفريقي‪.‬‬

‫_ التاريخي‪ :‬اعتمد علية لدراسة تاريخ العالقات الصينية االفريقية وتطورها في المنطقة‪.‬‬

‫_ منهج دراسة الحالة‪ :‬استخدمت منهج دراسة الحالة للوقوف على الدور الصيني في إثيوبيا‪ ،‬والتطورات الحاصلة‬
‫في دولة إثيوبيا والقفزة التنموية التي حققتها هذه األخيرة من خالل المساعدات الصينية المقدمة لها‪.‬‬

‫‪ _11‬تقسيم الدراسة‪:‬‬

‫تنقسم الدراسة إلى فصلين‪ ،‬حيث يتضمن‪:‬‬

‫_الفصل األول‪ :‬تأصيل مفاهيمي و نظري للسياسة الخارجية الصينية اتجاه منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬وقد قسم الفصل‬
‫األول إلى ثالث مباحث‪ ،‬األول تناول مفهوم السياسة الخارجية ودراستها من خالل ثالث مطالب‪ ،‬األول يعنى بتعريف‬
‫السياسة الخارجية‪ ،‬الثاني أهداف السياسة الخارجية‪ ،‬و المطلب الثالث خصائص السياسة الخارجية‪ ،‬أما المبحث‬
‫الثاني جاء بعنوان دراسة في السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬تحته ثالث مطالب‪ ،‬األول يخص تطور السياسة الخارجية‬
‫الصينية‪ ،‬و الثاني صنع القرار في السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬أما الثالث يتحدث عن محددات السياسة الخارجية‬
‫الصينية‪ ،‬فيما خصص المبحث الثالث للنظريات المفسرة للدراسة بمطلبين األول مقاربة القوة الناعمة و الثاني مقاربة‬
‫التبعية‪.‬‬

‫_الفصل الثاني‪ :‬يتمحور حل الصعود الصيني في منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬و قد قسم إلى أربعة مباحث‪ ،‬حيث خصص‬
‫المبحث األول ألبعاد السياسة الخارجية الصينية في منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬و يندرج تحته ثالث مطالب‪ ،‬يدرس األول‬
‫أهمية منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬و الثاني أبعاد السياسة الخارجية الصينية في منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬و الثالث يتمحور‬
‫حول أهمية السياسة الخارجي الصينية في منطقة القرن اإلفريقي‪ ،‬أما المبحث الثاني خصص لالستراتيجية الصينية‬
‫ج‬
‫مقدمة‬

‫في إثيوبيا و يضم مطلبين‪ ،‬األول يعنى بتطور العالقات الصينية اإلثيوبية‪ ،‬و الثاني يعني باتفاقيات الشراكة و التعاون‬
‫بين البلدين‪ ،‬أما المبحث الثالث يدور حول أبعاد العالقات الصينية اإلثيوبية‪ ،‬و يندرج تحته ثالث مطالب‪ ،‬في األول‬
‫البعد االقتصادي‪ ،‬الثاني البعد الدبلوماسي‪ ،‬أما الثالث يتناول البعد الثقافي و االجتماعي‪ ،‬ليكون المبحث الرابع و‬
‫األخير مخصص لتحديات و آفاق العالقات الصينية اإلثيوبية‪ ،‬و دراستها من خالل ثالث مطالب‪ ،‬في األول التحديات‬
‫الداخلية‪ ،‬والثاني التحديات الخارجية‪ ،‬والمطلب الثالث واألخير يتكلم عن آفاق العالقات الصينية اإلثيوبية‪.‬‬

‫ح‬
‫الفصل األول‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫إن النظر إلى هرم النظام الدولي‪ ،‬يبرز لنا وبشكل واضح األهمية الكبرى للسياسة الخارجية لكل وحدة دولية في هذا‬
‫الهرم وهذه التراتبية التي تختلف من وحدة ألخرى حسب مصالحها وتوجهاتها الدولية على اختالف مبادئها القابلة‬
‫للتغيير حسب المصلحة القومية لكل دولة‪ ،‬فالسياسة الخارجية هي أهم متغير محدد لسلوك الوحدات السياسية وصناع‬
‫القرار‪ ،‬فهي ما يحدد نوع العالقة بين هذه الدول‪ ،‬حسب المتغيرات التي تؤثر عليها‪.‬‬

‫إن تطور حقل العالقات الدولية أعطى االهتمام الكبير لدراسة السياسة الخارجية لتفسير السلوك الخارجي للفواعل‬
‫السياسية في العالم‪ ،‬فكل باحث في العالقات الدولية ال يمكن له أن يغفل دراسة السياسة الخارجية كأهم متغير مؤثر‬
‫ومحدد لسلوك الوحدات الدولية‪ ،‬هذا ما جعلنا نعرض الفصل األول كتأصيل مفاهيمي ونظري لدراسة السياسة الخارجية‬
‫الصينية‪ ،‬وتحته ثالث مباحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نطرح مفهوم السياسة الخارجية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬يندرج تحت عنوان دراسة في السياسة الخارجية الصينية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬فيعرض النظريات المفسرة للسياسة الخارجية الصينية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم السياسة الخارجية‪:‬‬

‫يشمل مفهوم السياسة الخارجية مجموعة من العناصر الموضحة لها‪ ،‬لذلك سلطنا الضوء في هذا المبحث على تعريف‬
‫السياسة الخارجية من وجهة نظر بعض المفكرين والمختصين في العالقات الدولية‪ ،‬والتعريف بأهم خصائصها‬
‫وأهدافها في الساحة الدولية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف السياسة الخارجية‪:‬‬

‫إن تعريف المفكرين للسياسة الخارجية يختلف باختالف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية‪ ،‬لذلك ال نجد تعريف موحد‬
‫للسياسة الخارجية‪ ،‬لكن يمكن أن نجد تعاريف متقاربة ومتداخلة لبعض المفكرين حسب انتماءاتهم النظرية ومدارسهم‬
‫الفكرية‪ ،‬حيث نجد مثال‪ :‬عالم السياسة األمريكي‬

‫كينيث تومبسون يرى أن السياسة الخارجية تعرف من خالل النظرية االديولوجية‪،‬و النظرة التحليلية‪ ،‬أما األولى‬
‫فيفترض أن السياسات التي تصنعها الدول تجاه العالم الخارجي هي تعبيرات عن المعتقدات السياسية و االجتماعية‬
‫و الدينية السائدة‪ ،‬فتصنف السياسة الخارجية عندئذ ديمقراطية واستبدادية وتحررية واشتراكية ومحبة للسالم أو عدوانية‪،‬‬
‫أما الثانية فتفترض أن للسياسة الخارجية عدة مقومات منها‪ :‬تقاليد الدولة التاريخية وموقعها الجغرافي و المصلحة‬
‫الوطنية وأهداف األمن وحاجته‪.1‬‬

‫نالحظ من خالل هذا التعريف ان السياسة الخارجية المقسمة حسب تومبسون إلى نظرة اديولوجية تركز على المبادئ‬
‫والقيم التي توجه سلوك الدولة في العالقات الدولية‪ ،‬بينما النظرة التحليلية تستند إلى دراسة العوامل الواقعية والمصالح‬
‫الوطنية‪ ،‬والقوى السياسية واالقتصادية التي تؤثر على صياغة السياسة الخارجية‪ ،‬خاللها الى تحقيق أهدافها أو‬
‫غاياتها‪ ،‬والمقياس الذي تستخدمه للحكم وتقييم مصالحها وسلوكها في السياسة العالمية‪.‬‬

‫_ يعرف أالد السياسة الخارجية بأنها '' تصرفات الدولة تجاه البيئة الخارجية والظروف عادة ما تكون داخلية والتي‬
‫يتم في ظلها صياغة تلك الق اررات''‪ ،‬وذهب أبعد من ذلك إلى أنه ''في سعي لتحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية‪،‬‬
‫تضع وتتبع مسارات ومبادئ ومعايير عمل معينة تسمى السياسات''‪ .‬وهذه الدورات والمبادئ والمعايير حسب رأيه‪،‬‬

‫‪_ 1‬عامر مصباح‪ ،‬تحليل السياسة الخارجية (الجزائر‪ :‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،)0212 ،‬ص‪.01 .‬‬

‫‪20‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫هي الوسائل التي تسعى الدول من خاللها الى تحقيق أهدافها أو غاياتها‪ ،‬والمقياس الذي تستخدمه للحكم وتقييم‬
‫‪1‬‬
‫مصالحها وسلوكها في السياسة العالمية ‪.‬‬

‫_أما جيمس روزنو‪ ،‬وهو أحد المبادرين األوائل المساهمين في تقديم اطار نظري للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية‪،‬‬
‫وأكثر التعريفات شموال‪ ،‬حيث يعتبرها‪ :‬منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميون للمجتمع القومي بوعي من أجل إقرار أو‬
‫تغيير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق و األهداف المحدة سلفا‪.2‬‬

‫أما فيما يخص فيرينس و ريتشارد سنايدر فانهما عرفا السياسة الخارجية بانها‪ :‬منهج للعمل او مجموعة من القواعد‬
‫او كالهما‪ ،‬تم اختياره مع المشكلة او واقعة معينة تحدث فعال او حدثت حاليا‪ ،‬أو يتوقع حدوثها في المستقبل‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف يرادف بين السياسة الخارجية وبين قواعد العمل أساليب االختيار المتبعة للتعامل مع المشكالت‪ ،‬حيث يؤكد‬
‫التعريف على صانع القرار ويولي له أهمية كبيرة في تحليل السياسة الخارجية الية دولة‪ ،‬اذ يرى سنايدر في هذا‬
‫المجال ان الدولة تحدد باشخاص صانعي ق اررتها من الرسميين‪ ،‬ومن ثمة فان سلوك الدولة هو سلوك الذين يعملون‬
‫‪4‬‬
‫الدولة‪3.‬‬ ‫باسمها‪ ،‬وان السياسة الخارجية عبارو عن محصلة لق اررات من اشخاص يتبوؤن المناصب الرسمية في‬

‫يتفق هذا التعريف مع ما قدمه روزنو في ان الممثلون الرسميون هم من يقررون السياسة الخارجية‪.‬‬

‫ان ما نالحظه من اختالف في تعاريف السياسة الخارجية وتعددها يعكس تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية وصعوبة‬
‫التوصل الى ترابطية االبعاد التي تندرج في اطارها والعالقة بينها‪ ،‬فكل باحث من باحثي العالقات الدولية يرى السياسة‬
‫الخارجية من خالل تركيزه على جانب مؤثر فيها دون االخر‪ ،‬لذا نجد من يربطها بالدولة واخر بسلوك صانع القرار‬
‫واخر بالمؤسسات المؤثرة في الوحدة الدولية‪ ،‬ولكن ما يمن االتفاق عليه هي برنامج الدولة الموجه خارج حدودها‬
‫والذي يضمن لها مصالحها القومية وسيادتها ومكانتها في النسق الدولي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬السياسة الخارجية وبعض المفاهيم المشابهة لها‪:‬‬

‫’’‪Joseph , c ebegbulem, ‘’national interest : a principal factor in forgein policy formulation.‬‬


‫‪_ african journal politics and administrative studies, ( january 2018 abakaliki) , p 139.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪_0‬ميلود ولد الصديق‪ ،‬مفاهيم أولية في تحليل السياسة الخارجية (عمان‪ :‬مركز الكتاب االكاديمي ‪ ،)0212،‬ص‪.19 .‬‬

‫‪_3‬أحمد نوري النعيمي‪ ،‬السياسة الخارجية (الجزائر‪ :‬دار هومة للنشر والتوزيع‪ ،)0212 ،‬ص‪.02 .‬‬

‫‪21‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫تتداخل السياسة الخارجية مع العديد من المفاهيم المشابهة لها‪ ،‬لذلك البد من محاولة التمييز بينها وبين بعض المفاهيم‬
‫التي يمكن ان تتداخل معها مثل‪:‬‬

‫‪_1‬السياسة الخارجية والسياسة الدولية‪ :‬تركز السياسة الخارجية على عالقات الدولة مع الدول األخرى وتحديد‬
‫سياساتها ومواقفها الخارجية‪ ،‬بينما السياسة الدولية تشمل العالقات والديناميات بين الدول بشكل عام‪ ،‬بما في ذلك‬
‫السياسات الداخلية والخارجية وتأثيرها على المستوى العالمي‪ ،‬فالسياسة الخارجية حينما تخرج خارج حدود الدولة فانها‬
‫تتقاطع مع غيرها من سياسات الدول الخارجية‪ ،‬في حين كل من هذه الدول تسعى لتحقيق أهدافها ليسمى هذا التفاعل‬
‫سياسة دولية ‪ .‬وفي هذا الصد يعرف حامد ربيع السياسة الدولية بانها‪ :‬التفاعل الذي البد أن يحدث الصدام والتشابك‬
‫المتوقع والضروري نتيجة الحتضان األهداف والق اررات التي تصدر من اكثر من وحدة سياسية واحدة‪ ،‬أما جوزيف‬
‫فرانكل فيعرف السياسة الدولية بانها‪ :‬تتضمن السياسات الخارجية للدول في تفاعالتهم مع المنظومة الدولية ككل‪،‬‬
‫ومع المنظمات الدولية‪ ،‬ومع الجماعات االجتماعية من غير الدول‪ ،‬باإلضافة الى فعل المنظومة الدولية والسياسات‬
‫المحلية لكل الدول‪.1‬‬

‫يبدو من خالل التعريفين أن صانعي السياسة الخارجية هم االفراد والمؤسسات واالحزاب داخل الدولة‪ ،‬بينما المتحكم‬
‫في السياسة الدولية هم الدول والمنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪_2‬السياسة الخارجية و العالقات الدولية‪ :‬يهتم علم العالقات الدولية بتفسير الظواهر الدولية ومن ثمة الكشف عن‬
‫الحقيقة الكامنة‪ ،‬بينما تهتم السياسات الخارجية باعتبارها برامج عمل بحقيقة الواقع الذي تعمل فيه هذه البرامج‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فالمدرسة االمريكية المعاصرة التي منبين مفكريها هانس مورغانتو ال ترى بدا في عد التمييز بينهما‪ ،‬العتقادها‬
‫أن علم العالقات الدولية علما نفعيا يستهدف الكشف عن حقيقة الظواهر الدولية بهدف وضعها في خدمات السياسة‬
‫الخارجية االمريكية‪ ،‬وعلي ه فان العالقات الدولية هي مجموع السياسات الخارجية للدوليةو بالتالي هي أوسع و أشمل‬
‫والسياسة الخارجية تحصر داخل إقليم الدولة لتحقيق اهداف خارجية محددة‪ ،‬أما العالقات الدولية فهي خارج إقليم‬
‫‪2‬‬
‫الدولة و لتحقيق أهداف عامة وشاملة‪.‬‬

‫_ ولد الصديق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪_2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.03_00 .‬‬


‫‪22‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫يمكن القول أن السياسة الخارجية تشير السياسات و التعامالت التي تتبعها الدولة مع الحدات الدولية األخرى‪ ،‬بينما‬
‫العالقات الدولية تدرس العوامل والعالقات التي تؤثر على التفاعالت بين الدول في مجاالت متعددة مثل السياسة‬
‫واالقتصاد والثقافة وغيرها‪.‬‬

‫‪_3‬السياسة الخارجية والدبلوماسية‪ :‬الدبلوماسية والسياسة الخارجية هما جانبان متالزمان ومتكامالن‪ ،‬وال تستطيع‬
‫بدونهما الدولة وال اية دولة ان تتعامل مع غيرها من الدول‪.‬‬

‫واذا كانت السياسة الخارجية تشكل الخطة المرسومة لتوجيه العالقات الخارجية للدول فان الدبلوماسية هي عملية تنفيذ‬
‫لهذه الخطة‪ ،‬ان الشيء المهم الذي يجب اإلشارة اليه ان الدولة الحديثة ال تستطيع العيش وال يمكن له ان تحتل مكانا‬
‫يليق بسمعتها وهيبتها الدولية من دون ان تخطط لنفسها خطة بعيدة وقريبة المدى تتناول جميع جوانب حياتها السياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية والعسكرية واالقتصادية بما يتفق ومصالحها وتراثها القومي الفكري والحضاري‪ ،‬وهذه الخطة‬
‫القومية الشاملة او قل استراتيجية القومية الشاملة تتفرع عنها خطط واستراتيجيات فرعية من سياسية و اقتصادية‬
‫وعسكرية تلتقي كلها في مصبها العام الذي هو االستراتيجية القومية الشاملة‪ ،‬هذا وان الجزء المتعلق بتوجيه العالقات‬
‫الخارجية هو االستراتيجية السياسية الخارجية الذي تعبر السياسة الخارجية عن خطوطها ومرتكزاتها األساسية‪ ،‬وتأتي‬
‫الدبلوماسية لتأخذ بهذه الخطوط والمرتكزات التي تحتويها السياسة الخارجية وتضعها موضع التطبيق والتنفيذ‪ ،‬هذا‬
‫وان مهمة تطبيق السياسة الخارجية في األوقات السلمية تقع على عاتق الممثلين والمبعوثين الدبلوماسيين‪ ،‬اما في‬
‫األوقات الالسلمية فان الدولة تتخذ من وسائل استخدام القوة والتهديد بها لتحقيق اهدافها ومصاحها‪ ،‬وال يخفى ان‬
‫القدرات الدبلوماسية تتأثر على نحو إيجابي بالقدرات االقتصادية والعسكرية وغيرها‪ ،‬في مهامها التفاوضية واالقناعية‬
‫‪1‬‬
‫حتى في وقت السلم‪.‬‬

‫‪_4‬السياسة الخارجية السياسة الداخلية‪ :‬السياسة الداخلية هي مجموعة من الق اررات واإلجراءات التي تتخذها الحكومة‬
‫او السلطات المختصة داخل الدولة لتنظيم شؤونها الداخلية‪ ،‬ويشمل ذلك القوانين و السياسات المتعلقة باالقتصاد‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬البنية التحتية و االمن الداخلي وغيرها من الجوانب التي تؤثر على حياة المواطنين داخل لدولة‪،‬‬
‫بينما السياسة الخارجية تتعامل مع العالقات بين الدول و المنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪_1‬فاضل زكي محمد‪ ،‬الدبلوماسية في عالم متغير (بغداد‪ :‬دار الحكمة للطباعة والنشر‪ ،)1990 ،‬ص ص‪.09_02.‬‬
‫‪23‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫حيث تعتبر السياسة الخارجية امتدادا للسياسة الداخلية‪ ،‬ذلك ان صياغتها يتأثر بالمحيط الداخلي سواءا تعلق االمر‬
‫باألفراد او الجماعات او طبيعة العالقات في المجتمع‪ ،‬على الرغم من ان العالقة بين السياستين الخارجية والداخلية‬
‫اال ان هناك معيا ار للتمييز بينهما يمكننا ايجاز ذلك في االتي‪_ :‬االختالف في مجال الحدود والعمل‪.‬‬

‫_االختالف في األهداف‪.‬‬

‫_تهتم السياسة الخارجية بمسائل الدفاع والدبلوماسية‪ ،‬بينما تركز السياسة الداخلية على وظائف التنمية واالمن الوطني‪.‬‬

‫وعلى الرغم من اختالف بين السياستين‪ ،‬فقد تؤثر مؤسسات السياسة الداخلية على السلوكيات الخارجية للدولة‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫_التأثير على ميل وتوجهات السياسة الخارجية‪ ،‬عدائية او سلمية او حيادية‪.‬‬

‫_التأثير على التزامات الوفاء بالعهود والمواثيق من عدمها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫_بتغيير استراتيجيات الفاعلين الداخليين تتغير معالم وتوجهات السياسة الخارجية‪.‬‬

‫شكل رقم ‪ :21‬العالقة بين السياسة الخارجية والسياسة الدولية والعالقات الدولية‪.‬‬

‫سياسة‬ ‫سياسة‬
‫ب‬ ‫السياسة الدولية‬ ‫أ‬
‫خارجية‬ ‫خارجية‬

‫دولة‬ ‫دولة‬
‫التفاعل السياسي الدولي‬

‫سا‬

‫لدولية‬

‫العالقات الدولية‬
‫عالقات اقتصادية دولية‬ ‫عالقات ثقافية دولية‬

‫المصدر‪ :‬احمد نوري النعيمي‪ :‬السياسة الخارجية‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،0212 ،‬ص‪34‬‬

‫‪ _1‬ولد الصديق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02 .‬‬


‫‪24‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة الخارجية‪:‬‬

‫تختلف أولويات وأهداف السياسة الخارجية من دولة ألخرى وفقا لظروفها ومصالحها القومية‪ ،‬ووفقا للبيئة الدولية التي‬
‫تؤثر على صانع القرار في السياسة الخارجية‪ ،‬حيث ان هناك العديد من الوسائل المتاحة لدى صناع القرار في سعيهم‬
‫لتحقيق اهداف السياسة الخارجية‪ ،‬في المقابل هناك أيضا العديد من العراقيل الداخلية والدولية التي تؤثر على تحقيق‬
‫اهداف السياسة الخارجية‪ ،‬لكن ثمة معايير عدة لتحقيق اهداف السياسة الخارجية‪ ،‬على صانع السياسة الخارجية ان‬
‫يضع هذه المعايير التي تحقق األهداف‪.‬‬

‫‪_1‬أهداف السياسة الخارجية وفق معايير الموضوعية والنوعية‪:‬‬

‫ثمة أهداف للسياسة الخارجية للدولة تتحقق وفق معيار الموضوعية والنوعية‪ ،‬وهنا تصطف األهداف في منظومة‬
‫أساسها النشاط اإلنساني ومناحي الحياة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحضارية وعسكرية وأمنية‪،‬‬
‫ويتسم هذا التصنيف ألهداف السياسة الخارجية بالتقليدية والسطحية والبساطة‪ ،‬وربما باتت الكثير من الدول تعرض‬
‫عن استخدامه لعدم تواؤمه في كثير من األحيان مع متطلبات المتغيرات والمستجدات التي يغص بها العالم وال‬
‫‪1‬‬
‫تتوقف‪.‬‬

‫‪ _2‬أهداف السياسة الخارجية وفق معيار الزمن‪:‬‬

‫هناك أهداف للسياسة الخارجية مرتبطة بزمن تحقيقها‪ ،‬حيث نجد اهداف قصيرة المدى أي أن اطارها الزماني واضح‬
‫ومحدد بفترة زمنية قصيرة‪ ،‬في حين هناك اهداف تتحقق على المدى المتوسط‪ ،‬كما أن هناك أهداف طويلة المدى‬
‫يصعب التحكم في آجالها حسب طبيعة األهداف وبعيدا عن اختيار صانع القرار‪،‬‬

‫كما أن هناك اهداف دائمة ومستمرة عبر الزمن مثل األهداف األمنية التي تعمل السياسة على تحقيقها‪ ،‬في الرغبة‬
‫الشديدة للبحث عن أهداف تكسب خاصية األولوية بالنسبة لصناع القرار‪ ،‬تتمثل هذه األهداف في تحقيق األمن‬
‫والرفاهية ودعم او االحتفاظ بالقيم‪ ،‬البحث عن األمن هو مسألة دائمة بحيث أن كل السياسات الخارجية للدول تتأثر‬
‫بها‪ ،‬فمثال على مدى ثالثة قرون أو أكثر كان يبحث صناع القرار الفرنسيين على استقرار حدودهم الشرقية والشمالية‬
‫‪2‬‬
‫الشرقية على تخوم نهر الراين‪.‬‬

‫‪_1‬محمد الخولي بسيوني‪ ،‬العالقات الدولية في اإلسالم (مصر‪ :‬محمد الخولي بسيوني‪ ،‬الجزء ‪ ،)0203 ،0‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ _2‬مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112.‬‬
‫‪25‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪_3‬أهداف وفق معيار متطلبات الضرورة والظروف الحالة‪:‬‬

‫ربما تحمل األيام والمستجدات ما يضطر صانع القرار في السياسة الخارجية‪ ،‬الى أن يحدد أهداف السياسة الخارجية‬
‫خضوعا لمتطلبات الضرورة والظروف الحالة القاهرة‪ ،‬وهنا قد نقفز الى حيز التفعيل ألهداف لم في الدرجة المتقدمة‬
‫في سلم أولويات اهداف السياسة الخارجية‪ ،‬وقد تنسحب اهداف أخرى إلى رجة متدنية تاركة موقعها لألهداف التي‬
‫تتناسب مع تلك المتطلبات والظروف‪ ،‬ويحدث ذلك كثي ار وكل السياسات الخارجية لدول العالم لديها االستعداد والجاهزية‬
‫‪1‬‬
‫لمواجهة مثل هذه الظروف وقد يسميها البعض األزمات والطوارئ‪.‬‬

‫المتفق علية أن أهداف السياسة الخارجية تتنوع وتعتمد على السياق السياسي واالقتصادي لكل دولة‪ ،‬ولكنها عموما‬
‫تشمل تعزيز األمن الوطني وتحقيق المصالح االقتصادية‪ ،‬وتعزيز العالقات والتعاون الدولي والسالم واالستقرار‬
‫العالميين وقيم الحقوق اإلنسانية والديمقراطية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة في السياسة الخارجية الصينية‬

‫تتميز الصين بسياسة خارجية ديناميكية ومتطورة تتسم بالتطلع نحو التأثير العالمي وتحقيق المصالح الوطنية في‬
‫الساحة الدولية‪ ،‬ويعكس هذا التحول الواضح في السياسة الخارجية الصينية تطور البالد من دولة نامية إلى قوة عالمية‬
‫تسعى لتحقيق التوازن العالمي والتعاون الدولي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تطور السياسة الخارجية الصينية‬

‫مرت مسيرة التنمية والتحديث الصينية عبر مرحلتين رئيسيتين‪ ،‬األولى هي مرحلة ما قبل اإلصالح االقتصادي‪ ،‬وتمتد‬
‫من تاريخ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام ‪ 1949‬إلى غاية ‪ ،1922‬أما الثانية دخلت الصين ابتداءا من علم‬
‫‪ 1922‬مرحلة اإلصالح االقتصادي والتحديث‪ ،‬إذ بدأت القيادة الصينية وألول مرة منذ الخمسينيات من القرن العشرين‬
‫تحدد مهامها ومستقبل االمة وفقا لحاجات النمو االقتصادي على قاعدة واسعة بدال من الحمالت السياسية والعقائد‬
‫االديواوجية و هذا قد أثر في اتجاهات السياسة الخارجية‪ ،‬إذ يعد ماو تسي تونج األب الروحي للصين الحديثة‪ ،‬والذي‬

‫‪ _1‬بسيوني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91.‬‬


‫‪26‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫قاد الشيوعيين لالنتصار على الوطنيين‪ ،‬وتأسيس جمهورية الصين الشعبية واستطاع ماو في أوج قوة الفكر الماركسي‬
‫‪1‬‬
‫اللينيني أن يقدم فك ار مختلفا‪ ،‬إذ أعطى لمفهوم الثورة الدائمة مدلوال ال يختلف على المدلول السوفييتي‪.‬‬

‫لقد أدركت القيادة الصينية بقيادة دنج شياو بنج التي استلمت الحكم عام ‪ ،1922‬أن النهوض بالصين يتطلب أوال‬
‫النهوض باالقتصاد الصيني‪ .‬فهو يرى أن المهم هو ان تحصل الصين على التكنولوجيا ورؤوس األموال التي يحتاجها‬
‫م ن أجل نهضتها‪ ،‬وهذا االمر ال يمكن أن يتحقق من دون اتباع سياسة خارجية مفادها االنفتاح على مختلف دول‬
‫‪2‬‬
‫العالم‪ ،‬فمثل هذه السياسة تكون كفيلة بتهيئة البيئة المالئمة لسياسة اقتصادية ناجحة‪.‬‬

‫على مستوى الممارسة الفعلية‪ ،‬فقد دأبت الصين على اعطاء سياستها الخارجية قد ار كبي ار من المرونة والفاعلية‬
‫والبراغماتية والواقعية التي تكفل لها تحقيق السالم والتنمية‪ ،‬ولعل السياسة الصينية تكاد تكون متأثرة بالطبيعة البراغماتية‬
‫للفكر والحضارة الصينية التي عبر عنها الرئيس شياو بينج بقوله‪'' :‬انه ال يهم أن يكون لون الهر أبيض أو أسود و‬
‫إنما المهم أن يأكل الفأر''‪ ،‬كما أن مرونة الدبلوماسية هي أشبه بحركات التنين _الذي يرمز الى الصين_ و رهافة‬
‫عضالته التي يمكن لها ان تتحرك في كل االتجاهات‪ ،‬والصين حضاريا هي بلد الوسط والتسامح والتناغم وفلسفتها‬
‫األخالقية والروحية تقوم على فكرة االنسجام و التناغم‪ ،‬وهذه المفاهيم ال تزال موجودة في فكر السياسيين الصينيين‬
‫وفي نظرتهم الى إدارة شؤون العالم‪ ،‬وقد تحولت هذه المفاهيم الى استراتيجية ناعمة وفاعلة للدبلوماسية الصينية عمال‬
‫‪3‬‬
‫بالمثل القائل‪" :‬اغمد خنجرك في بسمة"‪ ،‬وتظهر هذ السياسة بوضوح في سياسة الصين تجاه لعالم الخارجي‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة الى ان نظرية العالقات الدولية والسياسة الخارجية الصينية مرتبطان ببعضهما البعض بشكل كبير‬
‫جدا‪ ،‬فالنظرية تظهر لتفسير الواقع وليس العكي‪ ،‬وبالتالي فان تانظريات الصينية في العالقات الدولية هي تالية على‬
‫الحدث وال تسبقه‪ ،‬وال يظهر بها الجانب التنب ئي بشكل كبير‪ ،‬اذ نجد أن فترة الخمسينيات من القرن العشرين التي قد‬
‫فيها ماو تسي تونج الصين اتسمت بتبني نظرية المعسكرين‪ ،‬وعلى الرغم من ان تلك النظرية ليست حك ار على الصين‬
‫اال أن السياسة الخارجية الصينية اتسمت في تلك الفترة وهي بداية الحرب الباردة وتفاقم القطبية الثنائية باالنحياز‬
‫للمعسكر الشرقي بقيادة االتحاد السوفييتي في مواجهة الواليات المتحدة االمريكية‪ .‬أما في الستينيات من القرن العشرين‪،‬‬

‫‪_1‬عدنان خلف البدراني‪ ،‬السياسة الخارجية الصينية بين الثابت والمتغير (نماذج مختارة) (عمان‪ :‬شركة دار األكادميون‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،)0201 ،‬ص‪.2 .‬‬
‫‪_2‬نبيل علي سرور‪ ،‬الظاهرة الصينية أبعاد التجربة الصينية وتطور عالقات الصين الخارجية في مرحلة االصالح واال نفتاح‬
‫(‪( )2115_1991‬لينان‪ :‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،)0212 ،‬ص‪.32.‬‬
‫‪ _3‬رافع علي المدني‪ ،‬الدبلوماسية الناعمة في السياسة الصينية تجاه افريقيا العالقات الصينية_السودانية نموذجا‬
‫‪( 2111_2111‬عمان‪ :‬دار الجنان للنشر والتوزيع‪ ،)0212 ،‬ص ص‪.114_113 .‬‬
‫‪27‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫فقد اتسمت تلك الفترة بكونها الفترة الثورية بتاريخ العالقات الدولية والسياسة الخارجية الصينية‪ ،‬حيث اتسمت الصين‬
‫في اتباع سيا سة معارضة االمبريالية الموروثة من الفترة السابقة باإلضافة الى رفضها الراجعات السوفييتية ذ‪ ،‬فبعد‬
‫أن كان هناك تقارب ملحوظ في المواقف الصينية السوفييتية في مواجهة الواليات المتحدة األمريكية تحول الموقف‬
‫الصيني جذريا بعيدا عن االتحاد السوفييتي‪ ،‬ونتيجة لتزايد الضغوط السوفييتية حدث االنفصال الصيني السوفييتي‪،‬‬
‫ورفضت الصين المراجعات االشتراكية التي قدمها االتحاد السوفييتي رفضا تاما واكبه رفض االمبريالية حتى وصلت‬
‫‪1‬‬
‫الصين في تلك المرحلة الى قمة الثورية‪.‬‬

‫وفي ظل استمرار ماو حتى السبعينيات من القرن العشرين‪ ،‬انتهجت السياسة الخارجية الصينية اتجاها جديدا في‬
‫تلك الفترة اتسم بالتقرب الى دول العالم الثالث وتكريس الرؤية الصينية بأنها احدى الدول النامية وليست من المعسكرين‬
‫المتحاربين أو من بقية الدول االمبريالية االستعمارية‪ .‬فقدم ماو نظرية العوالم الثالثة التي قسمت دول العالم الثالث‬
‫الى ثالثة أنواع؛ دول العالم األول وهي التي تتضمن القوى العظمى والمقصود بها الواليات المتحدة االمريكية واالتحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬ثم دول العالم الثالث التي تتضمن الدول النامية‪ ،‬وأخي ار دول العالم الثاني والتي تشمل بقية الدول التي‬
‫تتسم غالبيتها انها دول امبريالية كبرى؛ وقد برز في تلك الفترة النشاط الصيني الملحوظ في حركة عدم االنحياز الى‬
‫ان انتهت تلك الفترة بالتقارب الصيني_األمريكي وانفراج العالقات من خالل زيارة كيسنجر الى الصين في نهاية عهد‬
‫ماو‪ .‬ومع تغير القيادة الصينية بالتحول من ماو الى دينج شياو بينج في فترة الثمانينيات تغيرت السياسة الخارجية‬
‫الصينية وانتهت مرحلة الثورية واالنعزال الصيني‪ ،‬وتبنت الصين مفاهيم السالم والتنمية وتحولت الصين الى نهج عدم‬
‫االنحياز االستراتيجي والمشاركة الفعالة في االقتصاد العالمي‪ ،‬ويعد دينج قائد الجيل الثاني من القيادة الصينية الذي‬
‫سلم ا لراية من بعده الى قيادات الجيل الثالث والراع من قيادات الحزب الشيوعي الصيني التي سارت على نهجه ولم‬
‫تحد عنه وظلت الصين حتى االن ملتزمة بمفاهيم التنمية السلمية‪ ،‬وفي التسعينيات ومع انهيار االتحاد السوفييتي‬
‫بدأت الصين تدرك الطبيعة الجديدة للنظام الدولي المتمثلة في تعددية األقطاب وضرورة تشكيل االليات الدولية مثل‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬فالتعددية القطبية من وجهة النظر الصينية تفرض بعض القيود على العالقات الثنائية مما يعزز السالم‬
‫‪2‬‬
‫الدولي واالستقرار والرفاهية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صنع القرار في السياسة الخارجية الصينية‬

‫‪ _1‬يس ار محمد أحمد طه‪ ،‬أثر الثقافة الكونفشيوسية على السياسة الخارجية الصينية (القاهرة‪ :‬المكتب العربي للمعارف‪،‬‬
‫‪ ،)0212‬ص ص‪.012_012 .‬‬
‫‪ _2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.019 .‬‬
‫‪28‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫ان تحلي ل النظام السياسي الصيني على أساس عملية صنع القرار وتصنيف النظام طبقا لهذه العملية‪ ،‬يفترض ان‬
‫هذه المفاهيم التي نستخدمها تستقيم والمنظومة القيمية السياسية الصينية‪ ،‬وهو افتراض يسهل التدليل على عمقه‪ ،‬فاذا‬
‫اخذنا على سبيل المثال موضوع الديمقراطية التي تعني نمط المشاركة وحجمها في اتخاذ القرار السياسي واالقتصادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬والتي كانت احد االبعاد الثالث صن يا صن‪ ،‬وهي الديمقراطية والرفاهية االجتماعية والقومية‪ ،‬فان داللة‬
‫المفهوم لدى المواطن الصيني استنادا الى تراثه الحديث و القديم‪ ،‬ترتبط الى حد بعيد بدالالت السلوك األخالقي لرجل‬
‫‪1‬‬
‫السياسة‪ ،‬كاالمانة والمساواة واالستقرار والعدالة والحفاظ على القانون‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ :‬فكان ماو‬ ‫في عهد ماو كانت معظم ق اررات السياسة الخارجية الصينية يتم اتخاذها بطريقة عائلة كورليون‬
‫بمثابة االب االله ثم جاء بعد ذلك دينج» ‪« god father‬في قصة‬

‫ليفتح افاقا جديدة‪ ،‬حيث توطدت روابط الصين بالمجتمع الدولي ولكن ظلت الق اررات النهائية تتصف بالمركزية الشديدة‪،‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك فقد أصبحت عملية اتخاذ ق اررات السياسة الخارجية االن تتميز بالمؤسسية والالمركزية ولم تعد‬
‫أيضا القيادة الصغيرة‪ .‬كما قامت بيكين في أواخر ‪ 0222‬بتأسيس مجموعة قيادية جديدة لالمن القومي‪ ،‬كما تشكل‬
‫هذه الهيئات الصورة العامة للنظام السياسي وأيضا فانها من شانها تقييد السلطة التي يستقل بها فرد أو حزب‪ .‬وقد‬
‫عملت الصين أيضا على تنويع مصادر التحليالت السياسية التي تصل اليها من داخل الحكومة او من خارجها‪،‬‬
‫فع لى سبيل المثال فان القسم الجديد للتخطيط المتطور لسياسة و ازرة الخارجية يلعب االن دو ار بار از كأحد مصادر‬
‫الفكر السياسي الداخلية ومن ناحية أخرى فقد بدأت الحكومة في تعيين مختصين من خارج الحكومة لالستعانة بهم‬
‫‪2‬‬
‫كمستشارين للقضايا الفنية مثل تلك التي تتعلق بمنع انتشار األسحلة المحضورة والدفاع الصاروخي‪.‬‬

‫وتماشيا مع اتساع وعمق أجندة السياسة الخارجية لبيكين؛ قام صناع السياسة الصينيون بتوسيع تفكيرهم الى ما هو‬
‫أبعد من الفكر الجيوسياسي للشؤون الخارجية‪ ،‬ونتيجة لذلك فان العديد من مؤسسات الحكومة المركزية المتخصصة‬
‫في السياسات االقتصادية والصناعية المحلية تشارك بنشاط في وضع أجندة السياسة الخارجية وقد أدى هذا الى‬
‫‪3‬‬
‫إضفاء الطابع المهني على الخدمة المدنية الدبلوماسية في بيكين؛ ومع توظيف مختصين للقيام بالتخطيط والتنفيذ‪.‬‬

‫‪ _1‬علي سرور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.21_22 .‬‬


‫‪ _2‬عبد المعين محمد طاهر شواف‪ ،‬الصين المارد القادم من الشرق (بغداد‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،)0212 ،‬ص ص‪.‬‬
‫‪.23_20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪_yu jie, lucy ridout, who decides chinas foreign polcy ?, asia-pacific programme.‬‬
‫‪(november 2021), p 3.‬‬
‫‪29‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫لقد نجح الرئيس بينج في تعزيز قدر كبير من السلطة في النظام الصيني‪ ،‬وال تختلف سياسته الخارجية عن المجاالت‬
‫األخرى‪ ،‬بل على العكس من ذلك كان الربي بينج منخرطا بشكل كبير في قضايا السياسة الخارجية‪ ،‬وقد التزم شخصيا‬
‫بهذا المجال منذ أن تولى السلطة في ‪ ،0213‬كانت هناك إصالحات في مختلف شؤون الدولة الصينية‪ ،‬حيث‬
‫أصبحت المناطق والقوات المسلحة ووظائف الدولة تابعة بشكل متزايد لسلطة الحزب والرئيس‪ ،‬ومع تزايد عدوانية‬
‫الصين في التعامل مع الدول األجنبية وق ارراتها السيادية التي تفسرها الصين باعتبارها تتعارض مع المصالح الصينية‪،‬‬
‫لقد أصبحت الشؤون الخارجية قاعدة قوة اكثر أهمية‪ ،‬وخاصة منذ انشاء مبادرة الحزام والطريق والمكاسب االقتصادية‬
‫والسياسية التي يمكن تحقيقها للجهات الفاعلة الفردية وفي دولة مثل الصين‪ ،‬حيث تعمل السياسة غالبا خارج صندوق‬
‫يوضح‬ ‫اسود وتعتمد على عالقات شخصية‪.‬‬
‫فيدلر أن الركائز الثالث للسياسة الخارجية الصينية هي‪ :‬الدولة والحزب الشيوعي (يشار اليه أيضا باسم الحزب‬
‫الشيوعي الصيني ) والشعب‪ ،‬وبحدد فيلدر و ازرة الخارجية وادارة االتصال الدولي وادارة عمل الجبهة المتحدة باعتبارها‬
‫حاسمة في مساعدة الحزب الشيوعي الصيني في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية‪ ،‬و مثل أي دولة اخرىن ومن خالل‬
‫تحديث المجتمع الصيني برزت جهات فاعلة جديدة باعتبارها مصادر مهمة للمساهمة في صياغة السياسة الخارجية‪،‬‬
‫ما يتبادر الى الذهن على الفور هو رواد االعمال من القطاع الخاص والسكان الذين تعرضوا أكثر من أي وقت‬
‫‪1‬‬
‫مضى للدول األجنبية والرأي العام الذي اصبح اكثر صوتا ومعرفة من ذي قبل‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬محددات السياسة الخارجية الصينية‬

‫ان محددات السياسة الخارجية لكل وحدة دولية تشكل جزءا حيويا من استراتيجيتها العالمية حيث تتأثر بعوامل متعددة‬
‫تتضمن الجوانب التاريخية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬السياسية والثقافية‪ ،‬والصين واحدة من هذه الدول‪ ،‬حيث يعتبر االقتصاد‬
‫الصيني القوي والنفوذ السياسي المتنامي أحد تلك المحددات‪ ،‬الى جانب التطورات اإلقليمية والدولية المتسارعة والمتغيرة‬
‫التي تلعب دو ار أساسيا في توجيه سياسة الصين الخارجية‪.‬‬

‫ان محددات سياسة الصين الخارجية تظهر من خالل‪:‬‬

‫_البعد القيمي والتراثي‪ ( :‬أثر تعاليم كونفوشيوس ) في مبادئ ماو تسي تونغ و شوان الي‪.‬‬

‫’‪_ Li xue, ‘’china’s foreign policy decision-making mechanism and ‘one belt one road‬‬
‫‪1‬‬

‫‪strategy’’, journal of contemporary east asia studiies, ( vol 5 , n 2, mai 2016), p p. 13_14.‬‬
‫‪30‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫_البعد األخالقي‪ :‬في رسم سياسة الصين‪ ،‬وحدة الطبيعة والمجتمع نوع من االنضباط الحضاري (تقديس العائلة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫المساواة‪ ،‬عالقات حسن الجوار‪ ،‬التعليم أو التأأهيل القيمي واالخالق)‪.‬‬

‫_المحدد الجغرافي‪ :‬يلعب العامل الجغرافي دو ار مهما في تحديد التوجهات العامة للسياسة الخارجية ألي دولة‪ ،‬االمر‬
‫الذي اكدت عليه دراسات ماكيندر‪ ،‬وتشارلز ماكلوهان‪ ،‬وقد اصبح للجغرافيا دو ار مهما لدى محللي السياسة الدولية‬
‫في اطار ما يعرف بالحتمية في مدرسة راتزل والمدرسة الجيوبوليتيكية عموما؛ لذلك يقول القائد الفرنسي العسكري‬
‫الفرنسي نابليوت بونابرت "ان سياسة الدول حسب جغرافيتها' ‪ ،‬وتقع جمهورية الصين الشعبية شرق قارة اسيا في‬
‫الجزء الشمالي من نصف الكرة األرضية‪ ،‬وتعد ثالث اكبر دول العالم مساحة بعد كل من روسيا وكندا‬

‫ان هذه المساحة قد سمحت للصين بامتالك عمق استراتيجي كبير‪ ،‬وهذا العمق مهم في تدعيم وزن الدولة االستراتيجي‬
‫الدفاعي‪ ،‬كما يلعب العامل الجغرافي في الصين أيضا دو ار جيوسياسيا مهما‪ ،‬وقد أثبت التاريخ أن مسالة الحدود هي‬
‫اكثر العوامل الجغرافية وضوحا في التاثير على السياسة الخارجية والمؤدية الى العديد من النزاعات بين الدول‪ .‬ومن‬
‫اهم قضايا الجغرافيا برو از في السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬هي قضية جزيرة تايوان؛ هذه القضية التي لها أهمية سياسية‬
‫و أمنية واستراتيجية واقتصادية جوهرية بالنسبة للصين وعلى أساسها تحددت السياسة الخارجية الصينية تجاه الدول‬
‫الخارجية‪ ،‬انطالقا من مواقف هذه الدول من القضية‪ ،‬الصين ترفض رفضا مطلقا مجرد التفاوض حول امكانية‬
‫استقالل الجزيرة وتعتبرها جزءا من التراب الصيني وتعتبر أي محاولة خارجية للتدخل في القضية؛ خصوصا من‬
‫‪2‬‬
‫الجانب األمريكي تدال في الشؤون الداخلية ومساسا بسيادتها‪.‬‬

‫‪ _1‬هاني الياس خضر الحديثي‪ ،‬سياسة الصين الخارجية الواقع واالفق المستقبلي وتأثيرها على الوطن العربي (الجزائر‪ :‬دار‬
‫النموذج األخضر للنشر الميسر‪ ،)0202 ،‬ص‪.2 .‬‬
‫‪ _2‬رمضان سعيد عبد الهادي خليفة‪ ،‬سالم محمد عبد السالم درياق‪" ،‬المحددات الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية‬
‫‪.422_422‬‬ ‫الصينية"‪ ،‬مجلة أبحاث‪ ،‬العدد ‪( 02‬جامعة سرت‪ :‬سبتمبر‪ ،)0200،‬ص ص‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫خريطة رقم‪ :11‬خريطة توضح الموقع الجغرافي للصين‪.‬‬

‫المصدر‪https://www.bbc.com/:‬‬

‫_المحدد االقتصادي‪ :‬تسعى الصين لتنمية عالقاتها االقتصادية وتطويرها بدول العالم وفي مقدمتها الدول العربية‪،‬‬
‫بغض فتح أسواق جديدة امام منتجاتها الصناعية التي واجه منافسة قوية من قبل اليابان والدول الغربية الصناعية‪،‬‬
‫وقد بدأت الصين في سياسة االنفتاح االقتصادي واإلصالح السياسي عام ‪ 1922‬كونها من اهم عوامل االستقرار‬
‫السياسي وضمان الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الخارجية‪ ،‬فقد تبنت سياسة خارجية تؤكد السالم والتنمية حتى‬
‫تتمكن من انتهاج سياسة االنفتاح‪ ،‬واستمرت لصين في مسيرة اإلصالحات السياسية واالنفتاح على العالم بعد مرحلة‬
‫الزعيم دينج تشاو بينج ‪ ،1992_1922‬عن طريق محاولة فرض نفسها لتحقيق االستقرار اإلقليمين ومعادلة التوازن‬
‫مع روسيا واليابان في جنوب شرق اسيا‪ ،‬وعن طريق أداء دور عالمي والبروز بوصفها قوة كبرى عبر تحالفها‬
‫اإلقليمية‪ ،‬وتوسيع نفوذها في جنوب اسيا‪ ،‬واقامة تعاون سياسي و اقتصادي‪ ،‬وعليه فإن اإلصالحات االقتصادية التي‬
‫عرفتها الصين كان لها األثر البالغ في إعطاء اهتمام اكبر للعامل الخارجي والسياسة الخارجية‪ ،‬حيث انها كانت‬
‫نقطة تحول في توجهات السياسة العامة الصينية‪ ،‬التي كانت تركز على الداخل الصيني‪ ،‬ولم تكن تولي اهتمام كبير‬
‫‪1‬‬
‫للخارج‪.‬‬

‫_المحدد السياسي‪ :‬ال يمكن فهم السياسة الخارجية ألي دولة دون فهم نظامها السياسي وارثه التاريخي‪ ،‬فهذا األخير‬
‫لعب دو ار هاما في توجيه السياسة الخارجية للدول‪ ،‬وبالنسبة للصين فهو محدد أساسي يؤثر على توجهاتها‪ ،‬ويتمثل‬

‫‪ _1‬مازن احمد صدقي العقيلي‪" ،‬محددات السياسة الخارجية الصينية تجاه الشرق األوسط"‪ ،‬حوليات آداب عين شمس‪ ،‬العدد‬
‫‪( 32‬جامعة عين شمس‪ ،‬مارس‪ ،)0222 ،‬ص‪.04 .‬‬
‫‪32‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫العامل السياسي‪ ،‬باعتباره محددا للسياسة الخارجية بصفة عامة في طبيعة النظام السياسي الصيني وتأثيرات ذلك‬
‫على التوجهات الخارجية الصينية‪ ،‬ففي الصين هناك عالقة وطيدة ومتميزة تجمع النظام الحاكم بشعبه‪ ،‬اذ هناك‬
‫انسجام واستقرار‪ ،‬مما يسهل عملية تحقيق االجماع الوطني بشأن القضايا الوطنية‪ ،‬هذا ما يجعل السياسة الخارجية‬
‫تسير ف ي مسار ثابت نحو تحقيق أهدافها‪ ،‬ومن خصائص الشعب الصيني الوالء لحكامه ولألرض التي يعيش بها‪،‬‬
‫فهو يمتاز بوطنية عالية وروح معنوية كبيرة‪.‬‬

‫لقد حقق الحزب الشيوعي منذ توليه السلطة سنة ‪ ،1949‬استق ار ار كبي ار في الصين‪ ،‬واستطاع ان يحافظ على السار‬
‫ا لذي رسمه لسياسة الصين الخارجية‪ ،‬ورغم كل التحوالت التي مر بها النظام الدولي من انهيار المعسكر الشرقي‪،‬‬
‫وما تبعه من أحادية قطبية وعولمة وأثرها على النظم السياسية وظلت الصين تسير بخطى واسعة نحو تحقيق‬
‫استراتيجيتها وخططها التي رسمتها من بنوع من االستمرار و الثبات؛ ورغم االنفتاح الذي شهدته الصين سنة ‪1922‬‬
‫ظلت القيادة الصينية مدعومة من طرف شعبها‪ ،‬فمنذ نشأت الصين وهي تنحو منحى سلميا‪ ،‬فصناع القرار الصينيون‬
‫ركزوا على الطابع السلمي لسياستهم الخارجية‪ ،‬وبالتالي فإن سياسة الصين في العالم بصفة عامة هي سياسة ذكية‬
‫تعتمد على توظيف مفهوم القوة الناعمة التي تركز على الصعود السلمي والعوامل الدفاعية أكثر من االسراتيجية‬
‫والجيش‪ ،‬من خالل توظيف دبلوماسية ناعمة تركز على االقتصاد وعوامل التقارب وتجنب المواجهات والمصادمات‪،‬‬
‫وهدا ما يميزها عن سياسات بعض القوى الكبرى في العالم مثل الواليات المتحدة األمريكية؛ لقد أدركت الصين في‬
‫قياداتها أن تحقيق مصالحها وهدفها األساسي المتمثل في تبوء أعلى الدرجات في سلم المكانة الدولية‪ ،‬ويتطلب منها‬
‫سياسة حذرة وسلمية بعيدة عن الصدام والمواجهات وهذا ما يجعل الصين تتجنب المواجهة المباشرة‪ ،‬فركزت على‬
‫‪1‬‬
‫االقتصاد واالستثمارات بدل تركيزها على الجانب االديولوجي والعسكري‪.‬‬

‫_المحدد العسكري‪ :‬إن سعي الصين المتالك تكنولوجيا عسكرية هو هدف دائم ومستمر لسياستها الخارجية‪ ،‬وكما‬
‫هو معلوم فان قوة الجيوش لم تعد تقاس بالعدد فحسب‪ ،‬فرغم العدد الهائل للجيش الصيني والذي يبلغ تعداده حوالي‬
‫‪ 0,0‬مليون جندي إال أن الصين تتجه الى بناء جيش عصري ذو كفاءة عالية‪ ،‬ومجهز بأحدث التكنولوجيا العسكرية‪،‬‬
‫وقد اعتمدت الصين وبشكل كبير على موسكو لتزويدها بحاجاتها من السالح البحري والجوي‪ ،‬اذ بلغت واردات من‬
‫السالح الروسي على مدى اربع سنوات ما يقارب ‪ 0‬مليار دوالر من سنة ‪ 0222‬الى ‪ ،0222‬وقد ازداد هذا التعاون‬

‫‪_1‬محمد قروش‪'' ،‬طبيعة النظام السياسي الخارجي وأثره في توجيه السلوك الخارجي للدولة‪ :‬السياسة الصينية اتجاه دول‬
‫المغرب العربي نموذجا''‪ ،‬مجلة القانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬المجلد ‪ ،0‬العدد ‪( 3‬تلمسان‪ 21 :‬جوان ‪،)0212‬‬
‫ص ص ‪.122 _123‬‬
‫‪33‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫مع انشاء منظمة شنغهاي للتعاون سنة ‪ 0221‬وتوقيع معاهدة الدفاع المشترك ضد اإلرهاب‪ ،‬فقبل اإلصالحات التي‬
‫قام بها الزعيم دنج كيسياو بنج سنة ‪ 1922‬كان الجيش يتمتع بصالحيات واسعة وله دخل في العديد من الميادين‪،‬‬
‫فما بين أعوام سنة ‪ 1990_1991‬تبنى الجيش مهمة إدارة مؤسسات تجارية واقتصادية تابعة للجيش‪ ،‬باإلضافة الى‬
‫عدد من الفنادق والشركات‪ ،‬كما كانت للجيش عالقة وطيدة بالحزب الحاكم‪ .‬إال وأنه مع اإلصالحات التي جاء بها‬
‫بنج سنة ‪ 1922‬أصبح الجيش على والء لالمة ومصالح البالد؛ لكن رغم هذه اإلصالحات ظلت العالقة مع الحزب‬
‫الحاكم وان نقصت نوعا ما لصالح مصلحة الوطن العليا ومن أجل تحقيق الصين لمبتغاها وأهداف سياستها الخارجية‪،‬‬
‫وتضطلع وتمارس المؤسسة العسكرية في الصين دو ار بار از في السياس الخارجية‪ ،‬فالجيش ممثل في جميع تنظيمات‬
‫الحزب الشيوعي‪ ،‬وفي المقابل الحزب الشيوعي ممثل في جميع التنظيمات العسكرية وهذا يظهر جليا أثر تغلغل‬
‫المؤسسة العسكري في صنع القرار الخارجي الصيني‪ .‬وتمتلك الصين حاليا جيحا حديثا عصريا يمتاز بكفاءة عالية‬
‫جدا‪ ،‬وهذا المستوى الذي حققته الصين في المجال العسكري راجع الى سياسة اإلصالح التي تبنتها خالل التسعينيات‪،‬‬
‫بحيث لم تدخر القيادة أي جهد في سبيل تحديث جيوشها وامتالك نظم تسلح جديدة‪ .‬ويالحظ المتتبعون للشؤون‬
‫العسكرية الصينية مدى انفاق العسكري والصيني‪ ،‬فالميزانية العسكرية للصين الرسمية بلغت سنة ‪ 0222‬حوالي ‪042‬‬
‫مليار بوان‪ ،‬وبالنسبة للقدرات ال نووية الصينية فكما هو معلوم أعلنت الصين عن نجاح أول قنبلة ذرية سنة ‪،1924‬‬
‫فاالستراتيجية النووية الصينية ذات طابع دفاعي‪ ،‬فالصين تستبعد إمكانية استخدامها للساح النووي إال في حاالت‬
‫االعتداء عليها بالسالح النووي‪ ،‬فالصين وضعت تطوير إمكاناتها وقدراتها النووية هدفا استراتيجيا البد من تحقيقه‬
‫‪1‬‬
‫وفعال تمكنت من بلوغه‪.‬‬

‫_المحدد البشري‪ :‬ان عنصر االنسان يعتبر هو أساس القوة القومية الي وحدة دولية‪ ،‬ويعتبر العامل البشري من أهم‬
‫محددات توجهات السياسة الخارجية‪.‬‬

‫تشير االحصائيات ان الصين يقطنه مليار وثالث مائة(‪ )1,3‬نسمة‪ ،‬مقسمة على ستة وخمسين (‪ )22‬قومية‪ ،‬يجمعها‬
‫قدر كبير من التناسق واالنصهار‪ ،‬إال انها تختلف من حيث الثقافة والعقائد والقيم وحتى التاريخ‪ ،‬فالعامل البشري‬
‫يعتبر من بين عوامل القوة في الدولة والتي لها أثر كبير في تحديد وتوجيه السياسة الخارجية للدول‪ ،‬والى وقت ليس‬
‫ببعيد كانت القوة تقاس بعدد سكانها‪ ،‬والدولة التي تعداد سكانها قليل تجد صعوبة في الوصول الى مكانة دولية مرموقة‬

‫‪ _1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.122 _122 .‬‬


‫‪34‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫ومؤثرة في السياسة الداخلية للدولة‪ ،‬ورغم دخول عامل التكنولوجيا كمحدد لقوة الدولة‪ ،‬اال أن الحروب التقليدية والتي‬
‫تعتمد على العدد البشري ال زالت تلعب دو ار مهما في وقتنا الحالي‪.‬‬

‫ومن بين عوامل القوة الصينية فيما يتعلق بالجانب البشري هو توحد قومياتها وتجانسها‪ ،‬فرغم انها تضم أكثر من‬
‫‪ 222‬قومية إال أن الصين تشهد استقرار افتقده العديد من الدول التي بها قوميات مختلفة كما هو الحال في افريقيا‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل منه عامل قوة في سياستها الخارجية‪ ،‬فهذا األخير له أثر بالغ في مضي الصين نحو أهدافها الذي‬
‫رسمته لسياستها الخارجية‪ ،‬وغالبية الصينيين ينحدرون من ساللة عرقية واحدة‪ ،‬ويشتركون في ديانة واحدة وهي الديانة‬
‫البوذية الديانة الرسمية في الصين؛ هذا االنسجام بين القوميات واألقليات المختلفة مكن الصين من تبني سياسة‬
‫خارجية ثابتة ومستقلة‪ ،‬رغم وجود بعض المشاكل مثل قضبة التبت إال أنها ال تؤثر في الخط العام لسياستها الخارجية‪،‬‬
‫من مجموع السكان‪ ،‬وهم الكتلة المسيطرة من‬ ‫بل تكاد ال تظهر‪ .‬وتعتبر قومية الهان أكبر القوميات الصينية‬
‫الشعب الصيني‪ ،‬وتشكل قومية "لوبا"‪%‬بنسبة ‪91,2‬‬

‫القومية األقل تعدادا بعدد ‪ 0922‬نسمة‪ .‬استطاعت لصين أن توفر ما بين ‪ 12‬إلى ‪ 12‬مليون منصب شغل سنويا‬
‫للصينيين‪ ،‬كما أن هذا العدد الهائل من البشر جعل االستثمارات األجنبية تتهافت على الصين وتتنافس على دخول‬
‫السوق الصينية المربحة‪ ،‬كل هذا انعكس على مكانة الصين الدولية وان له أثر بالغ في سياستها الخارجية وعالقاتها‬
‫‪1‬‬
‫مع الدول‪ .‬وبسبب العدد الهائل للسكان استطاعت أن تكون قوة رائدة في العالم‪.‬‬

‫‪_1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.120_122 .‬‬


‫‪35‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثالث‪ :‬النظريات المفسرة للسياسة الخارجية الصينية‬

‫يعنى علم العالقات الدولية بدراسة العالقات والتفاعالت بين الدول في النظام الدولي‪ ،‬وكيفية تأثير الظواهر‬
‫واألحداث المختلفة على سلوك الدول وتفاعالتها مع بعضها البعض‪ ،‬كما يهدف إلى فهم أسباب الصراع‬
‫والتعاون بين هاته الفواعل الدولية‪ ،‬ويعج حقل العالقات الدولية بالعديد من النظريات التي جاءت لتفسر‬
‫وتحلل كيفية تفاعل الوحدات الدولية مع بعضها البعض في النظام الدولي‪ ،‬وتشمل هذه النظريات العديد‬
‫من المدارس الفكرية التي تتناول موضوع النزاع والتعاون والتكامالت االقتصادية والقوة وغيرها من االحداث‬
‫الدولية‪.‬‬

‫وتعتمد هذه النظري ات في تفسيراتها على العوامل المؤثرة على صناع القرار وبالتالي على سلوك الدول ليساعد على‬
‫فهم السياسة الدولية وتحديد توجهات السياسة الخارجية‪ ،‬لذا سوف نأخذ في هذا المبحث عينة من هذه النظريات التي‬
‫تفسر توجهات السياسة الخارجية‪.‬‬

‫_المطلب األول‪ :‬نظرية الواقعية الجديدة ‪Neorealism theory‬‬

‫من أقدم النظريات المفسرة للتفاعالت الدولية في علم العالقات الدولية نجد النظرية الواقعية‪ ،‬حيث تعبر األكثر‬
‫استخداما من قبل المختصين والمحللين لألحداث الدولية في النظام الدولي‪ .‬وال يمكننا التطرق للنظرية الواقعية دون‬
‫تقديم تعريف مختصر للواقعية‪.‬‬

‫_تعريف الواقعية‪:‬‬

‫رغم اختالف تعريفات الواقعية في التفاصيل‪ ،‬لكنها تشترك في تشابه عائلي واضح؛ أال وهو "النكهة المتميزة والواضحة‬
‫للغاية"‪ ،‬إذ يؤكد الواقعيون على القيود التي تفرضها األنانية اإلنسانية على السياسة وغياب الحكومة العالمية (الفوضى)‪،‬‬
‫وهو ما يتطلب أولوية القوة واألمن في كل الحياة السياسية‪ ،‬وتضم هده المدرسة الشخصيات المتميزة في القرن العشرين‬
‫راينهولد نيبور هانز مورغانتو وجورج كينان وكينيث والز وجون ميرشايمر في الواليات المتحدة واتش كار في بريطانيا‪،‬‬
‫ويعتبر عادة نيقوال ميكيافيللي وتوماس هوبز من والواقعيين في تاريخ الفكر السياسي الغربي‪ .‬وتعتبر العقالنية والوضع‬

‫‪36‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫المركزي للدولة عادة مقدمات مركزية للواقعية‪ ،‬ولكن ال توجد نظرية في العالقات الدولية تفترض الالعقالنية‪ ،‬ولو‬
‫اعتبرنا الدول بوصفها رم از للمجتمعات السياسية‪ ،‬سنجد أن الوضع المركزي للدولة تتشارك فيه بصورة موسعة النظريات‬
‫‪1‬‬
‫الدولية‪ ،‬ويقع قلب الواقعية في االرتباط بين الفوضى واالنانية والضرورات الناتجة عن ذلك لسياسة القوة‪.‬‬

‫_الواقعية الجديدة‪:‬‬

‫على خالف الواقعية الكالسيكية تجاهلت الواقعية الجديدة التي ابتدعها كينيث والتز فرضية الطبيعة البشرية وركزت‬
‫على تأثير بنية النسق لدولي‪ ،‬والذي يتكون حسب والتز من عدد من القوى العظمى يسعى كل منها الى البقاء‪،‬‬
‫فالواقعية الجديدة تعرف القوة بأنها القدرة النسبية للدولة الستخالص وتعبئة المصادر من المجتمع المحلي‪ ،‬مثل ادراك‬
‫القادة‪ ،‬ووظيفة مؤسسات الدولة والقومية وغيرها‪ ،‬وبذلك تضيف هذه المدرسة بعدا جديدا للقوة هو البعد االدراكي للقوة‪،‬‬
‫وبالنسبة لكينيث والتز والواقعيين الجدد تنحصر الغاية الرئيسية لنموذج الواقعية الجديدة في (التخلي عن قناعة ان‬
‫النتائج السياسة الدولية تقررها سياسة الدول وطبيعتها وال تنصب فقط في التأثير عليها)‪ ،‬أي سمات وخصائص‬
‫الوحدات الفاعلة (الوكالء)‪ ،‬ومن أجل ذلك يقترح والتز تبني نظرية "منظومية" أو نظرية بنيوية كلية لتجاوز فشل ما‬
‫يسميه المداخل "االختزالية" بدال من التركيز على سمات الوحدات وخصائصها‪ ،‬اذ تركز هذه النظرية المنظومية على‬
‫دور بينة المنظومة في تشكيل سلوك هذه الوحدات‪ ،‬اذ يعتمد النموذج الذي يقدمه والتز لفهم الدور الذي تقوم به البنية‬
‫‪2‬‬
‫في تقرير سلوك الوحدات وتأثيرها داخل النظام الدولي‪.‬‬

‫يتقبل أتباع المدرسة الواقعية الحديثة _سواء ظاهريا أو ضمنيا_ تلك االفتراضات األساسية‪ ،‬ويشددون على ضرورة‬
‫استمرار بناء التحالفات‪ ،‬وعلى دور الدولة بصفتها فاعال سياسيا رئيسيا‪ ،‬وعلى الحفاظ على توازن قوي موات‪ ،‬ويشددون‬
‫على الرفض القاطع ألن يعهد باألمن إلى المنظمات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬كعناصر أساسية ألي سياسة أمن قومي‬
‫‪3‬‬
‫فعالة‪.‬‬

‫‪_1‬سكوت بورشيل وآخرون‪ ،‬نظريات العالقات الدولية‪ ،‬تر‪ :‬محمد صفار (القاهرة‪ :‬المركز القومي للترجمة‪ ،)0214 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.20‬‬
‫‪ _2‬بيداء رافع شرقي‪ ،‬ناجي محمد الهتاش‪ ،‬مستقبل المكانة اإلسرائيلية في إطار النظرية الواقعية (القاهرة‪ :‬العربي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،)0203 ،‬ص‪.42 .‬‬
‫‪ _3‬بول ويلكونسون‪ ،‬العالقات الدولية مقدمة قصيرة جدا‪ ،‬تر‪ :‬لبنى عماد تركي (المملكة المتحدة‪ :‬مؤسسة هنداوي سي آي‬
‫سي‪ ،)0212 ،‬ص‪.12 .‬‬
‫‪37‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫إن أحد أهم المواقف التي تعتمدها الواقعية الجديدة هي محاولتها فهم النظام الدولي‪ ،‬إذا نظرنا الى والتز فانه يصف‬
‫النظام الدولي بالنظام الفوضوي وأن الفوضى سببها غياب حكومة العالمية من شأنها تنظيم العالقات الدولية وفرض‬
‫السلطة المشروعة‪ ،‬بمعنى خلق نظام أو نسق دولي وذلك من خالل تشكيل نوعان من األنظمة‪ ،‬نظام ففي النظام‬
‫الهرمي يتم تنظيم أنواع مختلفة من الوحدات تحت خط واضح من السلطة‪ ،‬أما في النظام الفوضوي‪ ،‬فأن النظام‬
‫متكون من الوحدات المتشابهة في طبيعتها‪ ،‬على الرغم من اختالف هذه الوحدات بشكل كبير في القدرات فإنها قادرة‬
‫على تكوين عالقة مع وحدة أخرى‪ ،‬وهو بذلك يميز بين التسلسل الهرمي والفوضوي في النظام الدولي‪ 1.‬أما من حيث‬
‫مستويات التحليل فان الواقعية الجديدة‪ ،‬تركز على الدولة وكذلك النظام الدولي ألنها تنظر إلى األخير نظرة شمولية‪،‬‬
‫وال تنظر إليه بنظرة تجزيئية خصوصية‪ ،‬ولكن في نفس الوقت ال تهمل اقتناعها بوجود ثالث مستويات للتحليل في‬
‫السياسة الدولية (محلي‪ ،‬إقليمي‪ ،‬دولي)‪ ،‬أي أن التحليل على مستوى الدولة أو التكتل اإلقليمي وكذلك على مستوى‬
‫النظام الدولي‪ ،‬وأن هذا المستوى من التحليل جعلها تحتل موقعا فريدا ضمن أدبيات التنظير في السياسة الدولية‪.‬‬

‫لقد بنيت الواقعية الجديدة على عدة مفاهيم كانت قد أخذت واختزلت من طبيعة النظام الدولي وتطوره حسب لحاجة‬
‫الملحة اليجاد منطلق أساسي للتنظير في العالقات الدولية ومنها‪:‬‬

‫أ_ بنية النظام الدولي‪ :‬لقد استطاع والتز إيجاد بعدا هاما وجديدا في تحليل الواقعية في العالقات الدولية وذلك‬
‫بتركيزه على دور النظام الدولي كبنية مستقلة عن دور الوحدات التي يتكون منها‪.‬‬

‫ب_ الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي‪ :‬من وجه نظر والتز حالة غياب سلطة دولية مركزية أو هيئة عليا بإمكانها‬
‫فرض النظام وسن لقوانين تلتزم بها كل وحدات النظام الدولي‪ ،‬إذ يرى أن الفوضوية هي سمة من سمات النظام‬
‫الدولي وتحدد اإلطار الذي تتفاعل فيه العالقات الدولية‪.‬‬

‫ج_ الدولة فاعل أساسي‪ :‬الدولة هي الفاعل األساس في رسم السياسة الدولية المتالكها لوسائل العنف المنظم‪ ،‬وهي‬
‫أكثر األطراف الفاعلة قدرة على فهم بيئتها الدولية‪.‬‬

‫ه_ االعتماد على الذات‪ :‬حاول والتز صياغة معادلة مفادها ''أن الفوضى تؤدي لالهتمام بالحرص على البقاء‪،‬‬
‫وأن هذا االهتمام يؤدي للبحث عن المصلحة والقوة واألمن''‪.‬‬

‫‪ _1‬شرقي‪ ،‬الهتاش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 .‬‬


‫‪38‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫و_ توازن القوى‪ :‬تعد مسألة توازن القوى من العناصر الهامة لدى الواقعية الجديدة‪ ،‬إذ يشير والتز إلى أن حالة‬
‫‪1‬‬
‫الفوضى في النظام الدولي تدفع دوما نحو خلق نظام لتوازن القوى‪.‬‬

‫ما يعيب بعض الواقعيين محاوالتهم استخدام مفاهيم سياسية من لماضي لتحليل النظام الدولي المعاصر مثل السعي‬
‫لتحديد أهداف محدودة‪ ،‬فصل السياسة الخارجية عن الداخلية‪ ،‬الدبلوماسية السرية‪ ،‬استخدام توازن القوى كوسيلة إلدارة‬
‫الصراع‪ ،‬الدعوة للتخفيف من التركيز على دور االديولوجيا‪ ...‬إذ أن هذه المفاهيم ال تتصل إال بنسبة ضئيلة بالنظام‬
‫الدولي المعاصر‪ ،‬وبإلحاح الواقعيين على الدول للعودة للممارسات التي عرفت في فترة سابقة‪ ،‬فإن في ذلك مبالغة‬
‫في إمكانية مثل هذا التغيير في النظام الدولي الحالي‪ ،‬إلى جانب ذلك فإن دراسة القوة كانت موضوعا مركزيا لدى‬
‫باحثي الدراسات االجتماعية النفسية‪ ،‬حيث أن دراسة التفاعل _ الفعل واالستجابة_ هي مسألة هامة لدراسة محاوالت‬
‫‪2‬‬
‫وحدة معينة لفرض تأثيرها على وحدة أخرى سواء بالتعاون أو الصراع‪.‬‬

‫_بين قوة نظام القوة وقوة النظام حسب الواقعية الجديدة‪:‬‬

‫في مقابل تأكيد ال واقعية الجديدة على محورية الصراع من أجل القوة في العالقات الدولية نتيجة لظرف الفوضى‬
‫المتواجدة فيها الدول‪ ،‬فإن المدرسة اإلنجليزية تقدم رؤية أكثر تفاؤال حول طبيعة ومستقبل العالقات الدولي‪ ،‬ففي مقابل‬
‫محورية القوة في الفكر الواقعي أكدت المدرسة اإلنجليزية على المستوى المتقدم للنظام المتواجد بين المجتمعات‬
‫السياسية المستقلة في ظرف الفوضى‪ ،‬وقد أطلق هيدلي بول _من أشهر المنظرين المنتمين إلى هذه المدرسة_ على‬
‫هذا النظام مسمى "المجتمع الدولي"‪ .‬ووفقا لبول؛ يتكون المجتمع الدولي من مجموعة من الدول الواعية بوجود قيم‬
‫مشتركة فيما بينها‪ ،‬ومن ثمة تنشأ قواعد تحكم وتنظم عالقتها ببعضها‪ ،‬ويترتب على ذلك تطور مجموعة من األعراف‬
‫والمواثيق والمعاهدات التي تتحول بمرور الوقت الى قوانين دولية تنظم سلوكها في أوقات السلم والحرب‪ ،‬وتهذب من‬
‫سياساتها‪ ،‬ويتيح ذلك الوضع تعايش الدول المتفاوتة في الحجم والقوة والثروات ضمن هذا المجتمع‪ ،‬ويساعد في إيجاد‬
‫حالة من التنظيم النسبي في نظام الفوضى‪ ،‬ويعني ذلك أنه بمرور الوقت تتحول مثل هذه القواعد إلى كود أخالقي‬
‫‪3‬‬
‫بين الدول‪.‬‬

‫‪ _1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21 .‬‬


‫‪ _2‬جيمس دورتي‪ ،‬روبرت بالتسغراف‪ ،‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية‪ ،‬تر‪ :‬وليد عبد الحي (الكويت‪ :‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،)1922 ،‬ص ص‪.92_92 .‬‬
‫‪_3‬مروة فكري‪ ،‬العالقات الدولية أزمة العولمة وآفاق العالمية (القاهرة‪ :‬مركز الحضارة للدراسات والبحوث‪ ،)0201 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.014‬‬
‫‪39‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫تقترب الرؤية الصينية للعالقات الدولية من فكرة المجتمع‪ ،‬لكنه مجتمع من التراتبية والهيراركية بعيدا عن فكرة الفوضى‬
‫التي تعب عنها االقترابات الغربية‪ ،‬وتصبح العالقات الدولية من هذا المنطلق نوعا من العالقات اإلنسانية القائمة‬
‫على الروابط الثقافية واالخالقيات والمصالح العامة‪ ،‬حيث تفرض الثقافة الصينية التناغم الكامل القائم على االخالق‬
‫وانكار الذات واالنسجام بين الطبيعة و االنسان‪ ،‬تكمل عناصر الكون بعضها البعض‪ ،‬وهي ليست مضادة لبعضها‬
‫البعض‪ ،‬وتتولد هذه األفكار من النظرة للعالم والمعروفة ب'' تيان خاه "" [ كل ما تحت السماء ]‪ ،‬والتي بمثابة مفهوم‬
‫مادي وثقافي في الوقت نفسه يحقق وحدة الطبيعة واالنسان‪ ،‬كان التأكيد على النظام واحدا من أهم سمات المجتمع‬
‫في الفلسفة الكونفوشيوسية‪ ،‬وعلى الرغم من أن نظام االتاوة والذي ربط اإلمبراطورية الصينية باالراضي والدول‬
‫المجاورة لم يقم على أساس عالقة متساوية‪ ،‬فإنها كانت المساواة التي تعكس نمط العالقات االجتماعية في العائلة‬
‫الكونفوشيوسية مثل العالقة بين االبن واألب‪ :‬غير متساوية لكن عطوفة‪ ،‬وبالتالي كان هذا هو شكل العالقة المثالية‬
‫في العقلية الصينية التقليدية واساس النظام االجتماعي السليم‪ ،‬فلم تفترض من البداية نمط الغابة ولكنها افترضت‬
‫مجتمعا يرتبط فيع األعضاء ببعض من خالل الشعائر والقيم والمؤسسات الموجودة في الكونفوشيوسية والتي تتم‬
‫ممارستها في النظام االمبراطوري الصين‪ ،‬وعكس الحكم والسلطة هذه الروابط والعالقات االجتماعية من خالل الحكم‬
‫بكود أخالقي‪ ،‬فيما عرف بليزهي‪ ،‬ويعتبر الحق من اساسيات هذا الكود األخالقي‪ ،‬وهي الفكرة التي طورها أحد تالميذ‬
‫كونفوشيوس _منسيوس_ ورآها مكونا للطبيعة اإلنسانية واساسا للعالقة مع االخرين‪ ،‬وهذا اكدت الفلسفة الصينية‬
‫أهمية اإلخضاع من دون قتال؛ ألنها ال ترى فاعلية للعنف الحربي الجسدي بل تحبذ كسب العقل والود‪ ،‬خاصة أنها‬
‫ترى أن الشعب المهزوم غالبا لن يخضع‪ ،‬ومن المرجح جدا أن يكون عبثا على الدولة‪ ،‬وعمال بهذه المبادئ لم تسع‬
‫الصين عامة إلى التوسع الحدودي أو أن تكون دولة مستعمرة‪ ،‬فازدياد حجم الدولة عن طريق ضم حدود غير'' طبيعية‬
‫‪1‬‬
‫''( التي تعني في المعنى العام الحدود الجغرافية للداخل الصيني ) يمكن أن ينتقص من سيادة الدولة‪.‬‬

‫رغم ذلك تبق ى الواقعية بكل مراحل تطورها أقوى نظريات العالقات الدولية المفسرة ألغلب التفاعالت وسلوك الفواعل‬
‫في النظام الدولي‪.‬‬

‫‪Soft power approach‬المطلب الثاني‪ :‬مقاربة القوة الناعمة‬

‫‪ _1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.012 _012 .‬‬


‫‪40‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫لطالما ارتبط مفهوم القوة في العالقات الدولية بالقوة العسكرية واألسلحة التي تمتلكها الدول لتحديد مدى قوتها ومكانتها‬
‫في النظام الدولي‪ ،‬لكن بعد الحرب الباردة تراجع مفهوم القوة وخرج من نطاقه العسكري المسلح وتحول الى نوع آخر‬
‫أكثر سلمية وسالسة في مختلف التفاعالت الدولية‪ ،‬ليظهر في إطار حديث عرف بالقوة الناعمة في العالقات الدولية‬

‫_مفهوم القوة‪:‬‬

‫يفكر بعض الناس في القوة بطريقة ضيقة‪ ،‬من حيث اصدار األوامر والقسر‪ ،‬وأنت تجرب ذلك عندما تستطيع أن‬
‫تجعل الناس يفعلون ما يفضلون أن ال يفعلوه‪ ،‬فتقول لهم "اقفزوا" فيقفزون‪ ،‬ويبدوا هذا اختيا ار بسيطا للقوة ولكن األشياء‬
‫ليست مستقيمة كما تبدو ألول وهلة‪ ،‬افرض ان الذين تأمرهم يحبون القفز أصال؟ فعندما نقيس القوة بمعايير تغيير‬
‫سلوك اآلخرين فإن علينا أن نعرف أوال ماهي األشياء التي يفضلونها واال فسنكون مخطئين في معرفة قوتنا كالديك‬
‫الذي يضن أن صياحه هو الذي جعل الشمس تشرق‪ ،‬ومن ثم فقد تتبخر القوة عندما يتغير السياق‪ .‬فالقوة اذن تعتمد‬
‫‪1‬‬
‫دائما على السياق الذي ضمنه العالقة‪.‬‬

‫إن المعرفة المسبقة لمعرفة كيفية تصرف اآلخرين في غياب أوامرنا كثي ار ما تكون صعبة‪ ،‬وعالوة على ذلك فإننا‬
‫نستطيع أحيانا أن نحصل على النتائج التي نريدها بالتأثير على السلوك دون أوامر‪ ،‬فإذا كنت تعتقد أن أهدافي‬
‫مشروعة‪ ،‬فاني قد أتمكن من اقناعك بأن تفعل من أجلي شيئا دون ان استخدم التهديدات واالغراءات‪ ،‬فمن الممكن‬
‫الحصول على كثير من النتائج المرغوبة دون أن تكون للمرء قوة ملموسة كبيرة على اآلخرين؛ والسياسيون العمليون‬
‫والناس العاديون كثي ار ما يجدون مسائل السلوك والدوافع هذه معقدة أكثر من الالزم‪ ،‬وهكذا يتجهون الى تعريف آخر‬
‫للقوة فيحددونها ببساطة بأنها امتالك القدرات أو الموارد التي يمكن أن تؤثر على النتائج‪ .‬وبناءا على ذلك فإنهم‬
‫يعتبرون بلدا ما قويا إذا كان لديه عدد سكان واقليم جغرافي كبير نسبيا وموارد طبيعية واسعة وقوة اقتصادية وعسكرية‬
‫واستقرار اجتماعي‪ ،‬وميزة هذا التعريف الثاني هي أنه يجعل القوة تبدو مادية ملموسة أكثر وقابلة للقياس ويمكن التنبؤ‬
‫بها‪ ،‬ولكن لهذا التعريف مشاكل أيضا‪ ،‬فعندما يعرف الناس القوة بأنها مرادفة للموارد التي تنتجها فإنهم يواجهون أحيانا‬
‫‪2‬‬
‫مفارقة كون أفضل المتمتعين بالقوة ال يحصلون دائما على النتائج التي يريدونها‪.‬‬

‫_مفهوم القوة الناعمة‪:‬‬

‫‪ _1‬جوزيف ناي‪ ،‬القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية‪ ،‬تر‪ :‬محمد توفيق البجيرمي (الرياض‪ :‬العبيكان للنشر ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،)0222‬ص ص‪.02_19 .‬‬
‫‪ _2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪41‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫وفقا لجوزيف ناي فإن القوة الناعمة هي "القدرة على الحصول على ما تريد من خالل الجذب بدال من اإلكراه أو‬
‫الدفع"‪ ،‬إنها القدرة على الحصول على النتائج المرجوة من االخرين ألن االخرين يريدون ما تريده‪ ،‬في مقال مبكر‬
‫يقول ناي إن القدرة على التأثير على ما تريده الدول تميل الى االرتباط بموارد القوة غير الملموسة مثل الثقافة‬
‫واالديولوجية والمؤسسات‪ ،‬ويؤكد أن القوة الناعمة ألي بلد لها ثالث مصادر أساسية تتمثل في ثقافتها (في األماكن‬
‫التي تكون فيها جذابة لآلخرين)‪ ،‬وقيمها السياسية (عندما ترقى الى مستوى هذه القيم في الداخل والخارج)‪ ،‬وسياستها‬
‫الخارجية (عندما ينظر إليهم أنهم شرعيون ويتمتعون بسلطة أخالقية)‪ ،‬ويذكر ناي أن القوة الناعمة تشمل أيضا القدرة‬
‫على تشكيل المؤسسات واألجندات الدولية‪ ،‬وهو ما يمكن اعتباره في الواقع جزءا من مرجعيته للسياسات الخارجية‬
‫المشروعة‪ .‬وفي هذا التعريف نجد أن المكونات التقليدية للقوة والقوة العسكرية واالقتصادية والتكنولوجية‪ ،‬ستكون‬
‫مصادر للقوة الصارمة‪ ،‬ويميز ناي بشكل واضح بين كيفية استخدام القوة الناعمة والقوة الصارمة‪ ،‬حيث تتجلى القوة‬
‫الصارمة في ممارسات التهديد واإلكراه والعقوبات والدفع‪ ،‬في حين تتجلى القوة الناعمة في الجذب واالقناع واالستقطاب‪،‬‬
‫القوة الناعمة هي المفضلة كلما كان ذلك ممكنا؛ "عندما تتمكن من جعل اآلخرين معجبين بمثلك العليا ويريدون ما‬
‫‪1‬‬
‫تريد‪ ،‬فلن تضطر الى انفاق الكثير من العصي والجزرة"‪.‬‬

‫_القوة الناعمة في الفكر االستراتيجي الصيني‪:‬‬

‫بدأ االهتمام بالقوة الناعمة في التطور مع بداية العقد األخير من القرن الماضي‪ ،‬ترافق ذلك مع دخول ''وانغ هونتغ''‬
‫المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني وترأسه مكتب األبحاث والسياسات المركزية‪ ،‬وتقديمه نظرية تقوم على‬
‫أساس ''ناي الصين'' عن األزمات الدولية‪ ،‬وترافق ذلك مع حاجة الصين لمقاومة نظرية ''التهديد الصيني'' التي‬

‫اكتسبت قوة دفع خارجية بعد أن طبقت الصين قانون البحار اإلقليمية عام ‪ .1990‬وادركت الصين أن تاريخها‬
‫وثقافتها يمثالن عنصر جذب ذو شعبية كبيرة ويسمح بالحديث عن أشياء أخرى غير طبيعة نظامها‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
‫تضاعفت معاهد كونفوشيوس في العالم‪ ،‬في ظل زيادة االقبال على تعلم اللغة الصينية‪ ،‬واكتشاف الشخصيات الثقافية‬
‫والفكري ة الصينية الكبيرة‪ ،‬وفي هذا االطار يؤكد ''سون تزو'' الذي يعد أول مفكر استراتيجي‪ ،‬ويبدو أنن الوسيلة التي‬
‫‪2‬‬
‫اختارتها الصين لغزو القلوب والعقول‪ ،‬السيما أن هذا المفكر لم يكن تواقا للحرب بالمعنى الكالسيكي للكلمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪_Mingjiang li.soft‬‬ ‫‪pawer china’s amerging startegy in international politic (united kingdom:‬‬
‫‪.,lexington book, 2009), p. 2‬‬
‫‪ _2‬منصور أبو كريم‪ '' ،‬القوة الناعمة‪ :‬بين تأصيل المفهوم ودالالت التوظيف في تنفيذ السياسة الخارجية (الواليات المتحدة‬
‫األمريكية والصين دراسة مقارنة)'' مجلة السياسة العالمية‪ ،‬المجلد‪ ،2 :‬العدد‪(0 :‬غزة‪ ،)0203 :‬ص‪.12 .‬‬
‫‪42‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫_القوة الناعمة في تنفيذ السياسة الخارجية الصينية‪:‬‬

‫تعتبر القيم والمؤسسات الصينية من مصادر القوة الناعمة الصينية‪ ،‬وتفتخر الصين أنها من الدول النامية التي نجحت‬
‫في تقديم نموذج تنموي عالمي وضعها في مصافي الدول الكبرى بفضل قيمها الفكرية ومؤسساتها القومية‪ ،‬فهي لم‬
‫تقلد االخرين بل ابتدعت نمطا خاصا وبرهنت على مصداقيته‪ ،‬لعل تزايد قوة لصين على المساحة الدولية أمر مؤكد‬
‫ال جدال فيه‪ ،‬على غرار تزايد مع الواليات المتحدة‪ .‬الرئيس الصيني ''شي جين بينغ'' يؤكد بصوت عال أن الصين‬
‫مصيرها أن تصبح مجددا القوة العالمية األولى‪ ،‬لقد أدرك أهمية القوة الناعمة التي يفترض أن تساعد على جعل‬
‫اآلراء العامة العالمية تقبل تأكيد القوة الصلبة الصينية‪ ،‬كما أدرك أن الصين تعاني من تأخر كبير فيما يتعلق بالقوة‬
‫الناعمة‪ ،‬وخاصة إزاء الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬واختارت الصين االستراتيجية القوة الناعمة كمقاربة لتعزيز العالقات‬
‫بدول العالم‪ ،‬ومن بين آلياتها الشراكة االستراتيجية‪ ،‬ومقاربة القوة الناعمة الصينية خصائص تميزها عن غيرها من‬
‫تلك التي تقيمها القوى الكبرى األخرى‪ ،‬فهي ال تسعى إلمالء شروط من األعلى‪ ،‬وال ترمي إلى التدخل في الشؤون‬
‫الداخلية و ال تقوم على الصراع الحضاري الثقافي‪ ،‬بل هدفها نشر القيم الصينية من خالل العالقات الثقافية‬
‫والدبلوماسية العامة والتعاون االقتصادي‪ .‬ويرى جوزيف ناي أن الصين حاولت الجمع بين القوة الصارمة والقوة الناعمة‬
‫في استراتيجية ذكية من خالل الجمع بين ثالثة مواد ثقافيا وقيمها السياسية وسياستها الخارجية‪ ،‬حيث أكدت الصين‬
‫قوتها الثقافية واالقتصادية‪ ،‬ولكنها أولت قد ار أقل من االهتمام للجوانب السياسية التي قد تتسبب بتفويض جهودها‬
‫ويؤكد ناي أن هناك عامالن رئيسيان يحدان من قوة الصين الناعمة‪ .‬بشكل عام القوة الصينية دفاعية الطابع‪ ،‬ترمي‬
‫الى تصحيح المدركات التي يمسخها الغرب بعنوان ''التهديد الصيني'' وتوضيح النوايا السليمة وأهداف السياسة‬
‫‪1‬‬
‫الخارجية الصينية‪.‬‬

‫خالصة الفصل األول‪:‬‬

‫_ تقوم السياسة الخارجية على مجموعة من البرامج والق اررات واإلجراءات المتخذة من قبل الدولة لتحقيق أهدافها‬
‫ومصالحها الخارجية‪ ،‬والتي على رأسها حماية أمنها القومي على المدى الطويل‪ ،‬هذه البرامج التي تقف على مجموعة‬

‫‪.03_00‬‬ ‫‪ _1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل األول‬

‫من المحددات الداخلية والخارجية التي تتأثر بها وبسلوك الدولة الخارجي‪ ،‬مثل‪ :‬طبيعة النظام السياسي واالقتصادي‬
‫للدولة‪ ،‬والتفاعالت الدولية الحاصلة في النسق الدولي‪ ،‬إضافة الى مجموعة القيم والمبادئ التي يقوم عليها النظام‬
‫السياسي للدولة‪.‬‬

‫_ كما نالحظ أن النظام السياسي الصيني متأثر بقيم الحضارة والثقافة الصينية‪ ،‬وهذا ما يظهره التماسك والوحدة‬
‫والترابطية الصينية‪ ،‬مما جعل صنع القرار الصيني ذو استراتيجية مدروسة ودقيقة وفعالة مما سمح لها بتكوين عالقات‬
‫دولية حققت لها مصالحها المرجوة‪.‬‬

‫_ أما فيما يت علق بالمرجعية النظرية للسياسة الخارجية الصينية‪ ،‬فمن الواضح أنها تعتمد على قوتها الناعمة لتحقيق‬
‫أهدافها االستراتيجية‪ ،‬من خالل االعتماد المتبادل واالستثمارات االقتصادية ونشر الثقافة الصينية في مختلف الدول‬
‫التي لها عالقات معها‪ ،‬في المقابل ال تفرط القيادة الصينية في تجسيد توازن القوى العسكرية والنفوذ لتعزيز القوة‬
‫العسكرية وتأمين مصالحها االستراتيجية‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫الصعود الصيني في منطقة‬

‫القرن االفريقي واثيوبيا‬


‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫تشكل العالقات الصينية االفريقية عموما والقرن االفريقي خصوصا جزءا مهما من السياسة الخارجية الصينية‪ ،‬حيث‬
‫تنوعت هذه العالقات من تبادالت اقتصادية‪ ،‬ثقافية وسياسية مختلفة‪ ،‬وتسعى الصين الى تعزيز التعاون مع الدول‬
‫االفريقية من خالل استثمارات ضخمة في عدة قطاعات‪ ،‬بما في ذلك البنية التحتية والطاقة والتعليم‪ ،‬وتعتبر الصين‬
‫شريكا تجاريا هاما ومصد ار للموارد الطبيعية‪ ،‬كما أنها مستفيد بدرجة كبيرة من افريقيا والدول ذات العالقات المتنوعة‬
‫ولمعرفة خلفيات‬ ‫مع الصين على غرار إثيوبيا‪.‬‬
‫الصعود الصيني في منطقة القرن االفريقي مع التركيز على العالقات الصينية االثيوبية تناولنا في الفصل الثاني أربع‬
‫مباحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أبعاد السياسة الخارجية الصينية في القرن االفريقي‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية الصينية في اثيوبيا‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أبعاد العالقات الصينية االثيوبية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬تحديات وآفاق العالقات الصينية االثيوبية‬


‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول‪ :‬أبعاد السياسة الخارجية الصينية في القرن االفريقي‬

‫إن توجهات السياسة الخارجية الصينية تجاه القارة االفريقية سابقة لما قبل الحرب الباردة‪ ،‬حيث تعود لفترات زمنية‬
‫بعيدة‪ ،‬وقد اعتمد صناع القرار في السياسة الخارجية الصينية في عالقاتهم االفريقية على العديد من الركائز المهمة‬
‫بالنسبة للصين‪ ،‬أهمها المصلحة االقتصادية والقومية لبيكين‪ ،‬خاصة بعد نمو االقتصاد الصيني والتطورات التي شهدتها‬
‫البالد على كل المستويات‪ ،‬فلطالما كانت القارة االفريقية تسيل لعاب كل الدول المتقدمة لما تمتلكه من مزايا يعجز‬
‫أهلها _أهل القارة_ عن االستفادة منها وتطوريها‪ ،‬وتعتبر الصين واحدة من الدول التي جعلت من افريقيا عموما ومنطقة‬
‫القرن االفريقي خصوصا توجها استراتيجيا لها‪ ،‬وكان هذا واضحا من خالل سلوكها الخارجي في المنطقة‪.‬‬

‫لذلك أخذنا في هذا المبحث ثالث مطالب للدراسة في‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أهمية القرن االفريقي بالنسبة للصين‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أبعاد الساسة الخارجية الصينية في المنطقة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة الخارجية الصينية في القرن االفريقي‬

‫المطلب األول‪ :‬أهمية القرن االفريقي بالنسبة للصين‬

‫_أوال‪ :‬الموقع الجغرافي‪:‬‬

‫القرن االفريقي هو ذلك الرأس النائي من اليابسة الناطح من البحر األحمر على شكل قرن يشق الماء شطرين‪ :‬الشمالي‬
‫منه البحر األحمر وال جنوبي منه هو المحي الهندي‪ ،‬وعليه فإن القرن االفريقي من الناحية الجغرافية يشمل اثيوبيا‬
‫والصومال وجيبوتي‪ ،‬بين أن بعض الجغرافيين قد وسع الرقعة التي يشملها هذا القرن لتضم كينيا والسودان‪ .‬بل أكثر‬
‫من ذلك انه في عام ‪1921‬م وجهت فرنسا الدعوة الى كل من السعودية واليمن إضافة الى دول القرن االفريقي لحضور‬
‫مؤتمر إقليمي يهدف الى حل مشكالت المنطقة‪ ،‬يعني ذلك أن الداللة السياسية لمصطلح القرن االفريقي تتعدى حدود‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الداللة الجغرافية حتى في معناها الواسع‪ .‬وربما يعزى ذلك ولو جزئيا إلى أن هذه المنطقة تقع داخل اإلقليم الذي‬
‫اضحى يعرف باسم ''قوس االزمة'' والذي يضم القرن االفريقي وشبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج ويضم القرن‬
‫االفريقي كذلك المنطقة الواقعة على راس مضيق باب المندل من الساحل االفريقي وهي التي تتحكم بمضيق باب‬
‫‪1‬‬
‫المندب‪.‬‬

‫خريطة رقم ‪ :12‬خريطة توضح الموقع الجغرافي للقرن االفريقي‪.‬‬

‫المصدر‪https://arabic.realtribune.ru/opinion :‬‬

‫واستخرج الدكتور فليفل وثيقة بريطانية وردت في وثائق األرشيف السوداني بدار المحفوظات البريطانية‪ ،‬وهي عبارة‬
‫عن خطاب موجه من المفوض البريطاني في أديس بابا ''ويلغرد تسيجر'' الى حاكم عام السودان في ظل الحكم الثنائي‬
‫المصري البريطاني للسودان في ‪ 11‬أكتوبر ‪ .1912‬وقد عرضت الوثيقة تصو ار شامال لمنطقة القرن االفريقي والسودان‬
‫وكينيا‪ .‬واستنادا على هذه الوثيقة كان من راي الدكتور فليفل أن القرن االفريقي هو ذلك البروز المثلث الشكل الواقع‬
‫بين الشرق االفريقي الذي يشرف على المحيط الهندي‪ ،‬خليج عدن‪ ،‬ويمتد شماال على ساحل البحر األحمر لمسافة‬
‫‪ 222‬ميل‪ ،‬ويمتد الى داخل القارة االفريقية ليشمل كال من الصومال‪ ،‬جيبوتي‪ ،‬ايريتيريا‪ ،‬اثيوبيا‪ ،‬السودان وبالنسبة‬
‫لالخيرتين فقد تم ادخالهما ضمن دول القرن االفريقي بسبب التداخل العرقي واللغوي بينهما وبين دول القرن االفريقي‪.‬‬

‫_ فارس مظلوم مكي عريم العاني‪ ،‬األهمية الجيوبوليتيكية حيال القرن االفريقي دراسة في الجغرافيا السياية (العراق‪ :‬دار‬
‫‪1‬الصفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،)0210 ،‬ص‪.12 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ويبدو هذا التحديد الذي حدده الدكتور فليفل معقوال‪ ،‬لكنه ليس مناسبا للواليات المتحدة االمريكية التي اضافت عليه‬
‫‪1‬‬
‫البحيرات الكبرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األهمية االستراتيجية للقرن االفريقي‪:‬‬

‫يكتسب القرن االفريقي أ همية استراتيجية في كون دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية‪ ،‬وتتحكم في المدخل‬
‫الجنوبي للبحر األحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية أخرى‪ ،‬ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي‪،‬‬
‫خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة الى أوروبا والواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬كما أنها تعد مم ار مهما‬
‫ألي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الواليات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي‪ ،‬وال تقتصر أهمية القرن‬
‫االفريقي على اعتبارات الموقع فحسب ونما تتعداها للموارد الطبيعية‪ ،‬ويحتل القرن االفريقي موقعا مهما في االستراتيجية‬
‫ا لعسكرية االمريكية؛ فهو من اربع مناطق تدخل في نطاق اهتمام القيادة المركزية االمريكية‪ ،‬وهي مسؤولة عن االمن‬
‫‪2‬‬
‫في المنطقة الواقعة من كازاخستان شماال وكينيا جنوبا‪ ،‬ومن مصر غربا حتى باكستان شرقا‪.‬‬

‫أما بالنسبة للبحر األحمر فقد مثل منذ القدم حلقة وصل بين الحضارات التي قامت بمحاذاة سواحله القديمة وأرض‬
‫الشام الى حضارات حوض النيل وبالد القرن االفريقي وهو يمثل اليوم جسر عبور بين اوروبا وشمال افريقيا المطلتان‬
‫على البحر األبيض المتوسط وبين جنوب وجنوب غرب آسيا وشرق افريقيا المطلة عل المحيط الهندي؛ حيث تنتقل‬
‫سفن البضائع التجارية وناقالت النفط والغاز وسفن النقل والسياحة والصيد ‪ ،...‬بل وحتى السفن والقطع الحربية الغازي‪،‬‬
‫فقد وجدت في البحر األحمر اقصر طريق‪ ،‬وقد أخذ البحر األحمر أهميته في العصر الحديث عقب افتتاح قناة السويس‬
‫‪ ،1229‬وال نبالغ اذا قلنا أنه ن انشط البحار العالمية في مجال الحركة والمالحة البحرية‪ ،‬الى الحد الذي أصبحت معه‬
‫قناة السويس مصر دخل قومي مهم لدولة مصر لبتي تتحكم منفردة بهذا الممر البحري الحيوي‪ .‬لقد أصبح الوجود‬
‫العسكري األجنبي في البحر األحمر ضمن االستراتيجيات الكبرى للقوى الدولية وبالذات منها الواليات المتحدة االمريكية‬
‫‪3‬‬
‫وبريطاني‪ ،‬فرنسا واسرائيل‪.‬‬

‫_ علي عبد المنعم أبو إدريس‪ ،‬مدخل الى القرن اإلفريقي‪..‬القبيلة والسياسة (القاهرة‪ :‬العربي للنشر والتويع‪ ،)0219 ، :‬ص‬
‫‪.03_00‬‬ ‫‪1‬ص‪.‬‬
‫‪ _2‬العاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.02 .‬‬
‫‪.02‬‬ ‫‪ _3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪_02‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أما بالنسبة للصين فهي تنظر الى غرب افريقيا باعتبارها حلقة وصل مهمة للمناطق االستراتيجية األخرى في‬
‫شمال ووسط وجنوب القارة بما في ذلك منطقة الصحراء والساحل بهدف توسيع النفوذ الصيني في القارة بشكل‬
‫عام‪ ،‬سعي منها لموازنة النفوذ الدولي الذي يمثل تحديا بالنسبة للصين مثل الواليات المتحدة االمريكية وفرنسا‬
‫وتركيا فرنسا واالتحاد األوروبي‪ .‬واذ تعد المقاربة االقتصادية عامال حاسما في تزايد االهتمام الصيني بمنطقة‬
‫غرب افريقيا‪ ،‬وهو ما يدل عليه كثافة االستثمارات الصينية في دول المنطقة ال سيما مشروعات البنية التحتية‪،‬‬
‫وتكمن أهمية المصالح الصينية االستراتيجية في الموقع االستراتيجي لمنطقة غرب افريقيا الذي يلعب دو ار بار از‬
‫‪1‬‬
‫في نيلها تلك المكانة بالنسبة لسياسات القوى الكبرى‪.‬‬

‫كما أن لمنطقة القرن االفريقي أهمية سياسية‪ ،‬حيث تعبر منطقة نفوذ وتنافس بين القوى اإلقليمية والدولية‪،‬‬
‫فإثيوبيا كونها أحد محاور القرن االفريقي والقوة الناهضة به‪ ،‬والتي تملك أكبر قوة عسكرية تفتقد ألي منافذ بحرية‬
‫على الممرات المائية وبالتالي تعتبر القرن االفريقي طوق نجاة لها وامتدادها البحري‪ ،‬وهي تتعمد التواجد العسكري‬
‫في الصومال لضمان امتيازاتها برغم انقضاء الداعي لتواجدها‪ ،‬وتستفيد من ذلك بإبراز الهيمنة السياسية لها‪،‬‬
‫وهذا أيضا ينطق على كينيا التي تتذرع بحماية حدودها ومحاربة اإلرهاب الذي ضرب أراضيها منطلقا من‬
‫الصومال‪ ،‬من هذا المنطلق فإن هذه القوى تخفي مطامعها السياسية واالستراتيجية تحت غطاء عسكري وذريعة‬
‫محاربة اإلرهاب المتمثل في حركة الشباب الصومالية‪ .‬أما التنافس الدولي بغرض الهيمنة السياسية فهو لم ينقطع‬
‫عن المنطقة‪ ،‬قديما أو حديثا‪ ،‬فأمريكا القوة العالمية تعد المنطقة منطقة نفوذ لها‪ ،‬غاية ما في االمر هو ظهور‬
‫العبين جدد مثل الصين وتركيا واي ارن والكيان الصهيوني‪ ،‬وتدخل أمريكا في صراع مع الصين من اجل وقف‬
‫نفوذها وحصارها حتى ال تتمدد‪ ،‬أما الصين فاستطاعت أن تمد جذو ار قوية من التواصل في اثيوبيا والصومال‬
‫‪2‬‬
‫وجيبوتي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أبعاد السياسة الخارجية الصينية في المنطقة‬

‫أحمد عسكر‪ ،‬لماذا تهتم الصين بمنطقة غرب افريقيا؟ (مركز االهرام للدراسات السياسية واالستراتجية‪ 12 :‬سبتمبر ‪ ،)0200‬تم‬
‫التصفح يوم‪ 23 :‬ماي ‪.0204‬‬ ‫‪_1‬‬
‫‪https://jocu.journal.ekb.eg‬‬
‫‪ _2‬رأفت صالح الدين‪ ،‬األهمية الجيواستراتيجية للقرن االفريقي(البيان‪11 :‬اكتوبر‪ ،)0212‬تم التصفح‪ 23 :‬ماي ‪.0203‬‬
‫‪https://www.albayan.co.uk‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تعد حقبة التسعينات من المراحل المهمة بالنسبة لجمهورية الصين الشعبية بسبب النجاحات التي حققتها في النمو‬
‫االقتصادي واالنتقال الى مرحلة شبيهة بالنظام الرأسمالي واالنفتاح على العالم‪ ،‬حيث تخلت الصين عن سياسة إقامة‬
‫المشاريع الكبيرة في افريقيا والتي كانت تقدم بالمجان أحيانا والمرتبطة بأهداف اديولوجية في صراعاتها‪ ،‬وهذه تمثل‬
‫الحقيقة األولى في سياسة جمهورية الصين الشعبية مع الدول االفريقية‪ ،‬طبعا هي لم تتخلى عن إقامة المشاريع الكبرى‪،‬‬
‫ولكنها تحاول ان تقيمها على أسس تجارية‪ ،‬وتمثل وضع الصين المالي والتجاري في العالم دفعة للعالقة الثنائية بينها‬
‫وبين دول القارة‪ ،‬حيث ودت الصين ضمن هذه المعطيات أنه من الممكن أن تحتل موقع الشريك االستراتيجي تحت‬
‫فكرة التكافل العالية لدى الطرفين‪ ،‬فتعمل دولة القارة على تلبية احتياجات الصين من الموارد األولية والطبيعية في حين‬
‫تقوم الصين بدعم دول القارة بالمساعدات المالية والغير مشروطة إضافة الى تأمين العقود التجارية واالقتصادية المجزية‬
‫للطرفين‪ ،‬وتوفير الخبرات أو المساعدات الالزمة لهذه الدول في تهيئة بنيتها التحتية واالنطالق بها نحو تحقيق االستقرار‬
‫‪1‬‬
‫السياسي واالقتصادي‪.‬‬

‫لقد تطورت االهتمامات الصينية من عقائدية في الماضي الى براغماتية تستند الى المصالح المتبادلة‪ ،‬عنوانها التجارة‬
‫واالستثمار والطاقة‪ ،‬وانطوت منطقة القرن االفريقي على مكانة مهمة في االستراتيجية الصينية‪ ،‬فهي واحدة من أهم‬
‫الشركاء التجاريين لدول القرن االفريقي‪ ،‬وتدخل السودان وكينيا ضمن أكبر عشرة أسواق افريقية تستوعب الصادرات‬
‫الصينية للقارة‪ ،‬وكذلك تحتل السودان المرتبة الثالثة ضمن أكبر عشر دول افريقية مصدرة للصين‪ ،‬ولقد شجعت الصين‬
‫محاوالت تحقيق تنمية اقتصادية داخل المنطقة‪ ،‬وذلك من خالل تقديم قروض منخفضة الفائدة‪ ،‬واعفاء بعض الدول‬
‫من الديون ووضع تعريفات جمركية تفضيلية‪.‬‬

‫وال شك ان تزايد نشاط الصين‪ ،‬هدفه توسيع نفوذها في المنطقة وتأمين امداداتها من الموارد الطبيعية‪ ،‬ومن اجل‬
‫مواجهة النفوذ الجيوسياسي واالقتصادي الغربي وتوسعة نفوذها على الصعيد العالمي في الوقت نفسه‪ ،‬فضال عن ذلك‬
‫استطاعت االنتقال الى مرحلة بناء العالقات االستراتيجية مع دول عديدة‪ ،‬مستندة الى قوتها وقدرتها االقتصادية‬
‫المتسارعة‪ ،‬معلنة بذلك بدء فصل جديد من التنافس على القارة وفي منطقة القرن االفريقي خصوصا‪ ،‬األمر الذي‬
‫سيفضي بالضرورة الى إعادة تشكيل التوازنات العالمية‪ ،‬بما يقلص حجم المناطق الخاضعة للنفوذ األمريكي_الغربي‬
‫لصالح الصين‪ .‬وفي معرض تعليقه عن زحف الشركات الصينية يقول جون تكاسيك خبير الشؤون النفطية الصينية‬

‫_ هادي برهم‪ ،‬التنافس األمريكي الصيني في القارة االفريقية بعد الحرب الباردة ‪( 2111_1991‬عمان‪ :‬دار زهران للنشر‬
‫‪1‬والتوزيع‪ ،)0214 ،‬ص ص‪.122_129 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫في مؤسسة التراث االمريكية بأنها << دبلوماسية مؤثرة وبعيدة األثر‪ ...‬كون الصينيون ينظرون الى حيث ال يوجد‬
‫‪1‬‬
‫خصومهم ويحركون بسرية قطعهم في األماكن على خريطة وهي افريقيا >>‪.‬‬

‫يبدو أن الصين تتخلى بشكل متزايد عن سياسة عدم التدخل‪ ،‬وهي االستراتيجية التي استرشدت برغبة بيكين في تعزيز‬
‫''السالم واالزدهار''‪ ،‬على النقيض األمريكي والغربي‪ .‬وبالتالي فإن النهج الجديد الذي تتبعه الصين في التعامل مع‬
‫التحديات األمنية والتنموية في القرن االفريقي يمكن أن يكون ملخصا لسياستين رئيسيتين‪:‬‬

‫‪_1‬الدبلوماسية‪ :‬بعد وقت قصير من تعيين واشنطن الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان مبعوث خاصا للقرن االفريقي‬
‫عام ‪ ،0200‬ينت بيكين شيويه بينج أول مبعوث خاص لها الى المنطقة‪ ،‬تم تكليفه ببناء عالقات استراتيجية قوية مع‬
‫د ول المنطقة لدفع عمليات حفظ السالم والتنسيق‪ ،‬وهو ما حددته الصين للمرة األولى‪ ،‬ويكشف عن استراتيجية بيكين‬
‫الحتواء نفوذ الواليات المتحدة عبر المناطق االستراتيجية وفي هونغ كونغ على وجه الخصوص‪ ،‬وتشمل رؤية الصين‬
‫الجديدة للسالم والتنمية في القرن االفريقي المصالح السياسية والعسكرية واالقتصادية التي تتحدى المصالح اإلقليمية‬
‫للواليات المتحدة االمريكية‪.‬‬

‫‪ _2‬التعاون‪ :‬وقد تجسد النهج المتعدد األطراف الذي تتبعه الصين لحماية مصالحها في المنطقة في المؤتمر األول‬
‫للسالم والحكم الرشيد والتنمية بين الصين والقرن االفريقي من ‪ 02‬الى ‪ 01‬جوان ‪ 0200‬في أديس بابا‪ ،‬وجاء في‬
‫بيان مشترك أن << الطرفين على استعداد لتكثيف االرتباطات والتبادالت رفيعة المستوى على جميع المستويات‬
‫لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة ومواصلة تحسين العالقات بين دول المنطقة >>‪ ،‬و ما يمكن استنتاجه أن سياسة عدم‬
‫التدخل التي ت نتهجها الصين منذ فترة طويلة تستمر في توجيه استراتيجيتها في افريقيا‪ ،‬وكانت الصين من دعاة ''‬
‫الحلول االفريقية للتحديات االفريقية''‪ ،‬ومع ذلك وجود اكثر من ‪ 32‬الف مواطن صيني في منطقة غير مستقرة على‬
‫‪2‬‬
‫نحو متزايد يشكل معضلة لسياسة الصين في المنطقة‪.‬‬

‫وفي خضم التناف س الدولي‪ ،‬حرصت الصين على تعميق التعاون العسكري مع بعض الدول الحليفة مع الواليات‬
‫المتحدة‪ ،‬فقد أقامت عالقات عسكرية مع جيبوتي‪ ،‬خاصة بعد إقامة قاعدة عسكرية فيها كذلك عملت ومن خالل‬

‫_ محمد ميسر المشهداني‪ ،‬مستقبل التوازنات الجيواستراتيجية العالمية دراسة في استراتيجية الواليات المتحدة االمريكية الشاملة‬
‫‪1‬واستراتيجيات القوى المنافسة (العراق‪ :‬داراالكادميين للنشر والتوزيع‪ ،)0212 ،‬ص ص‪.323_320 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪_abdul rahman hamdy, srategies of expansion chin’s securitisation of horn of Africa )futur‬‬
‫‪for advanced research & studie: 30/07/ 2022( , browsing done : 03 may 2024,on‬‬
‫‪https://futureuae.com.‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مقعدها الدائم في مجلس األمن الدولي على تخفيف حدة الق اررات الدولية الصادرة تجاه بعض دول المنطقة‪ ،‬وكان ذلك‬
‫على عكس الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬وقد أشار الخبير الصيني فاليري نيكي إلى أن الصين تتعامل في عالقاتها‬
‫االفريقية بصفتها دولة قائدة للدول النامية‪ ،‬الى جانب كونها قوى موازية في التفاعالت الدولية‪ ،‬ويشير هنا الى وقوف‬
‫الصين ضد قرار مجلس األمن ذي الرقم ‪ 1242‬المتعلق بالسودان عام ‪ ،0224‬كما أنها تستفيد من أصوات الدول‬
‫‪1‬‬
‫االفريقية لمناهضة المطالب الغربية للصين باحترام حقوق االنسان‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة الخارجية الصينية في القرن االفريقي‬

‫تزداد أهمية الصين بمنطقة القرن االفريقي‪ ،‬وتتخذ الصين خطوات متصاعدة نحو تأكيد حضورها السياسي‬
‫واالقتصادي واألمني في منطقة القرن االفريقي‪ ،‬التي تحظى بأهمية استراتيجية لدى بيكين‪ ،‬وبخاصة في ظل‬
‫التحديات التي تواجهها المنطقة في أعقاب التوتر الراهن بين اثيوبيا والصومال‪ .‬وكذلك ارتفاع وتيرة تهديدات المالحة‬
‫الدولية في البحر األحمر‪ ،‬جراء استهداف الحوثيين في اليمن سفنا تجارية في منطقة باب المندب على خلفية الحرب‬
‫على غزة‪ ،‬ويرى بعض الخبراء أن االهتمام الصيني بمنطقة القرن االفريقي له دوافع استراتيجية واقتصادية‪.‬‬

‫‪ _1‬االستراتيجية الصينية في منطقة القرن االفريقي‪:‬‬

‫المقاربة البراغماتية الصينية المنتهجة جعلت افريقيا توفر األساس الصحيح للتوسع االقتصادي الصيني‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد يرتكز هدف الصين األساسي على تأمين الموارد الطاقوية‪ ،‬لدعم الطلب الصيني المتزايد على الطاقة‪ ،‬ويشير‬
‫التوسع الصيني السريع في القارة االفريقية الى وجود معالم استراتيجية صينية طويلة االجل لضمان استمرار شريان‬
‫الحياة االقتصادية لسنوات قادمة‪ ،‬وستمكن هذه االستراتيجية من الوصول الصيني الى مصادر الطاقة االفريقية‪،‬‬
‫وبالتالي تتيح تدفق رؤوس األموال الصينية الى قارة افريقيا‪ ،‬مع ما سيكون له من أثر أكثر عمقا فيما يتعلق‬
‫‪2‬‬
‫بديناميكية الثورة التكنولوجية‪ ،‬باإلضافة الى عالقات افريقيا المؤسسات المالية الدولية‪.‬‬

‫حرصت الصين على التواجد في منطقة شرق افريقيا‪ ،‬وذلك من خالل زيادة مستويات تعاونها االقتصادي ومعامالت‬
‫التبادل التجاري مع دول هذه المنطقة‪ ،‬وذلك منذ انشاء ''منتدى التعاون الصيني_ االفريقي'' سنة ‪0212‬م عبر‬

‫‪ _1‬المشهداني‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.322 .‬‬

‫_ عبد القادر دندن‪ ،‬الدبلوماسيات الثالث في سياسة الصين الخارجية دبلوماسية القوى الكبرى _ دبلوماسية حسن الجوار _‬
‫‪2‬دبلوماسية الطاقة (عمان‪ :‬دار الخليج للنشر والتوزيع‪ ،)0203 ،‬ص‪.412 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مشاريع تنموية ومساعدات غذائية بدولتي جيبوتي والصومال‪ ،‬كما توسعت االستثمارات الصينية في مجاالت البنية‬
‫التحتية والتنقيب على النفط‪ ،‬والمجال الكهربائي واالتصاالت وغيرها من المجاالت‪ ،‬حيث بدت الصين من خالل ما‬
‫قدمته مع دول القارة االفريقية ككل‪ ،‬شريكا مقبوال لدى الحكومات االفريقية‪ ،‬لعدة أسباب منها‪ :‬كون الصين ال تحاول‬
‫التدخل في الشؤون الداخلية للدول وال تربط مساعداتها بشروط سياسية او اقتصادية او أخالقية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫فان التعامل الصيني الذي ال يرتبط نشاطه االقتصادي بإجراءات صندوق النقد الدولي أو الدفع باتجاه شروط سياسية‬
‫وما يتعلق منها بضرورة التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد او قضايا حقوق االنسان‪ .‬فمن المنظور الصيني‪ ،‬هناك‬
‫فرصة كبيرة للشركات الصينية للعمل مع الدول االفريقية مقارنة بالتركيبة الصينية المتقادمة‪ ،‬ومن المتوقع ان تضم‬
‫افريقيا ‪ %22‬من السكان العاملين المضافين حديثا في العالم بحلول سنة ‪ ،0222‬وهذا يتوافق جيدا مع احتياجات‬
‫الصناعات الصينية التي تطلع الى تصدير المعرفة التصنيعية والمهارات اإلدارية خاصة التمويل الذي ستحتاجه‬
‫افريقيا الصناعية‪ ،‬ومنطقة شرق افريقيا _منطقة القرن االفريقي_ من قبل الصين‪ ،‬وهي منطقة من أهم المستفيدين من‬
‫مبادرة ''الحزام والطريق'' الصينية‪ ،‬إذ تعد اثيوبيا ج أز ال يتج أز من هذه المبادرة‪ ،‬ويرجع ذلك أساسا الى البنية التحتية‬
‫للموانئ القائمة في جيبوتي‪ ،‬والقدرة التصنيعية المتاحة في اثيوبيا واالتصال اإلقليمي عبر الطرق والسكك الحديدية‬
‫داخل كينيا‪ ،‬حيث بلغ متوسط الواردات الصينية الى منطقة شرق اسيا عب جيبوتي معدل نمو يقدر بنسبة ‪ %33‬من‬
‫سنة ‪ 0229‬الى سنة ‪ ،0212‬وارتفعت من بضع مئات من ماليين الدوالرات الى ‪ 0,0‬مليار دوالر سنة ‪،0212‬‬
‫موجهة لخدمة المناطق النائية شرق افريقيا‪ ،‬ويجدر الذكر أن االمر ال يتعلق فقط باستخراج المعادن والطاقة فقط‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فالشبكات التي يتم تشكيلها توفر منفذا للسلع الصينية‪.‬‬

‫‪ _2‬التنافس الدولي على منطقة القرن االفريقي‪:‬‬

‫كانت وال تزال افريقيا عموما محل أطماع القوى الكبرى في العالم‪ ،‬بل وزادت الهرولة نحوها من أجل الخيرات التي ال‬
‫تنتهي‪ ،‬فالتنافسات الدولية في القارة االفريقية لم تتوقف يوما‪ ،‬ويظهر ذلك جليا في التواجد األجنبي المتنامي في‬
‫افريقيا عامة والقرن االفريقي خصوصا‪.‬‬

‫ونجد العديد من ملفات التنافس العديدة على القرن االفريقي بهدف كسب نفوذ جديد يعزز من مكانتهم في توجيه‬
‫حركة التوازنات الجيواستراتيجية العالمية ومستقبلها‪ ،‬يأتي في مقدمة المنافسين‪:‬‬

‫_ شريفة كالع‪'' ،‬التواجد الصيني في شرق افريقيا‪ :‬الدوافع‪ ،‬الفرص والتحديات''‪ ،‬المجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية‪،‬‬
‫‪1‬المجلد ‪ ،22‬العدد ‪( 20‬الجزائر‪ 21 :‬أكتوبر ‪ ،)0201‬ص‪.342 _344 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ _1‬الواليات المتحدة االمريكية‪ :‬باعتبارها أولى الدول األجنبية المستوردة للطاقة االفريقية بحيث يعتبر ملف الطاقة‬
‫أهم محاور التنافس بين الواليات المتحدة االمريكية والصين في افريقيا‪ ،‬وتظهر معالم هذا الصراع بوضوح في‬
‫السودان مع احتمال تطوره في المستقبل القريب الى صراع ينتقل من السودان الى دول مثل انغوال‪ ،‬الجزائر‪ ،‬نيجيريا‪،‬‬
‫الغابون وتشاد‪ ،‬فهي تحتوي على مخزونات عالية من النفط الخام التي تشكل أهمية كبيرة للواليات المتحدة االمريكية‬
‫والصين وأوروبا‪ ،‬ويشار الى أن الواليات المتحدة االمريكية تحتل المرتبة األولى في قائمة الدول المستوردة للنفط تليها‬
‫‪1‬‬
‫الصين‪ ،‬وتأتي اليابان بالمرتبة الثالثة‪.‬‬

‫‪ _2‬تركيا‪ :‬حيث سعت الحكومة التركية الى تحقيق األهداف االقتصادية من خالل التواجد االفريقي‪ ،‬وكذلك تعزيز‬
‫العالقات بالدول االفريقية‪ ،‬خصوصا في ظل تراجع األوضاع داخل تركيا خاصة بعد حركة االنقالب الفاشلة التي‬
‫قادها ''جولن''‪ ،‬كما تسعى تركيا الى فتح أسواق جديدة داخل القرن االفريقي وكسب شراكات مع دول لها مصالح‬
‫معها خصوصا‪ :‬جيبوتي واثيوبيا والصومال‪ ،‬الذين يتحكمون في مداخل بحرية هامة على البحر األحمر وطرق‬
‫التجارة خاصة النفطية‪ .‬وسعت تركيا منذ فترة لفرض الهيمنة العسكرية داخل المنطقة وامتالك بعض القواعد البحرية‬
‫على البحر األحمر والذي تحقق لها عام ‪ 0212‬بافتتاح القاعدة العسكرية بالصومال‪ ،‬ومن ثم تدريب نحو مليون‬
‫جندي في مقديشيو‪ ،‬والتي كانت تسعى لوضع أقدامها على البحر األحمر عن طريق جيبوتي والصومال‪ ،‬كما سعت‬
‫أيضا الى انشاء كلية عسكرية بالصومال‪ ،‬ومد نفوذها داخل اثيوبيا لتحقيقي استثمار على منابع النيل الموجودة في‬
‫اثيوبيا‪ ،‬كما حققت مرادها من السودان بنقل إدارة جزيرة سواكن لتركيا‪ ،‬كما أجرت العديد من المناورات العسكرية مع‬
‫‪2‬‬
‫عدد من دول القرن االفريقي مثل الصومال وكينيا واثيوبيا بحجة محاربة اإلرهاب‪.‬‬

‫‪ _3‬االتحاد االوروبي‪ :‬يعد االتحاد األوروبي شريكا تجاريا رئيسيا لكثير من دول المنطقة‪ ،‬وعلى وفق رؤية مفوضية‬
‫االتحاد األوروبي فان أوضاع عدم االستقرار التي شهدتها منطقة القرن االفريقي أثرت سلبا على العالقات االقتصادية‬
‫بين االتحاد األوروبي ودول المنطقة‪ ،‬وكذلك فان عمليات الهجرة غير الشرعية وتدفق الالجئين وتهريب األسلحة‬
‫الصغيرة داخل المنطقة انتج تهديدات مختلفة قد يصل مداها الى االتحاد األوروبي ذاته‪ ،‬واستنادا الى هذه الرؤية‬
‫طرحت مفوضية االتحاد األوروبي في ‪ 02‬مارس ‪ 0222‬استراتيجية للسلم واالمن والتنمية في القرن االفريقي‪،‬‬
‫وركزت االستراتيجية على التعاون مع منظمة االتجاد عبر رؤية مشتركة وخطة تنفيذية تركز على ثالث ميادين هي‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫‪_1‬المشهداني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.322 .‬‬
‫_ فاروق حسين أبو ضيف‪ ،‬إفريقيا والتنافسية الدولية تركيا ‪ ..‬إيران ‪ ..‬الصين(القاهرة‪ :‬العربي للنشر والتوزيع‪ ،)0203 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.022‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫السلم واالمن‪ ،‬واالمن الغذائي‪ ،‬والتطوير المؤسسي‪ ،‬وكذلك تضمنت االستراتيجية التدخل الفعال من جانب االتحاد‬
‫‪1‬‬
‫األوروبي في القرن االفريقي لدعم وبناء القدرات االفريقية‪.‬‬

‫‪ _4‬روسيا‪ :‬لم تجد روسيا بدا من اللحاق بالركب األمريكي والصيني في القارة السمراء‪ ،‬إذ تعد روسيا القوة األخرى‬
‫التي تستغل وجودها في خليج عدن لتثبت قوتها العسكرية من جديد‪ ،‬حتى وان كان اسطولها الحالي أصغر من الذي‬
‫كانت تملكه إبان الحقبة السوفييتية‪ ،‬فقد استمر وجود أسطول المحيط الهادي قبالة القرن االفريقي في السنوات‬
‫السابقة‪ ،‬ويعمل هذا االسطول بشكل مستقل عن القنوات البحرية األخرى‪ ،‬لكنه أحد أكثر القوات فاعلية في دحر‬
‫هجمات القراصنة وتحرير السفن المحتجزة‪ .‬وقد اصبح خليج عدن أحد أهم ساحات التنافس والصراع على النفوذ بين‬
‫القوى العظمى الحالية والصاعدة والساعية لذلك‪ ،‬وبعيدا عن المصالح االقتصادية تنظر الواليات المتحدة االمريكية‬
‫وروسيا واالتحاد األوروبي والصين الى الوجود في ممر القراصنة من زاوية القوة والهيمنة‪ ،‬وبذلك أصبحت منطقة‬
‫القرن االفريقي بالنسبة للصين وبقية القوى األخرى المتنافسة ورقة مهمة تضاف الى األوراق المؤثرة التي تستخدمها‬
‫تلك القوى في حركة التوازنات الجيواستراتيجية العالمية نظ ار لموقعها وثرواتها االقتصادية‪ ،‬فضال عن قوتها العددية‬
‫‪2‬‬
‫في المنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪ _1‬المشهداني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.322 .‬‬


‫‪ _2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.322_324 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االستراتيجية الصينية في اثيوبيا‪:‬‬

‫تعتبر دولة اثيوبيا احدى دول القرن االفريقي التي تحتل مكانة مميزة واستراتيجية في المنطقة‪ ،‬على الرغم من أنها‬
‫ليست أكبر دول شرق افريقيا مساحة لكنها تتميز بتاريخ وثقافة عميقتين يمتدان آلالف السنين من خالل الموقع‬
‫االستراتيجي الذي أعطاها دو ار حيويا فعاال في رسم المستقبل السياسي واالقتصادي في منطقة القرن االفريقي‪.‬‬

‫هذه الميزات االثيوبية جعل لها مكانة بارزة في اهتمام المسؤولين الصينيين‪ ،‬على الرغم من ان ما تمتلكه اثيوبيا‬
‫اقتصاديا ال يغري الصين بالشكل الذي نراه‪ ،‬لكن العالقات بين البلدين سارت بوتيرة متنامية ومتصاعدة في عدة‬
‫مجاالت وفي مختلف األصعدة حتى باتت الصين الشريك األكبر الثيوبيا‪ .‬ولدراسة االستراتيجية الصينية في اثيوبيا‬
‫أخذنا في‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األهمية الجيواستراتيجية الثيوبيا‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور العالقات الصينية االثيوبية‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أبعاد العالقات الصينية االثيوبية‬

‫المطلب األول‪ :‬األهمية الجيواستراتيجية إلثيوبيا‬

‫تعتبر اثيوبيا ن أهم دول القارة االفريقية عامة والقرن االفريقي تحديدا لما لها من تأثير على المنطقة‪ ،‬سواء من حيث‬
‫الموقع أو الطبيعة االثيوبية‪.‬‬

‫_ الموقع‪ :‬اثيوبيا رسميا تسمى جمهورية اثيوبيا الفدرالية الديموقراطية‪ ،‬وهي دولة غير ساحلية تقع في شرق افريقيا‬
‫في القرن االفريقي‪ ،‬وعاصمتها اديس أبابا (الزهرة الجديدة) عملتها البر‪ ،‬تحدها من جهة الشرق كل من جمهورتي‬
‫جيبوتي والصومال‪ ،‬ومن الشمال دولة اريتيريا ومن الشمال الغربي كل من جمهورية جنوب السودان‪ ،‬ومن الجنوب‬
‫الغربي جمهورية كينيا‪ .‬وتبلغ مساحة اثيوبيا الكلية ‪ 1,102,102‬كيلومتر مربع‪ ،‬وتبلغ مساحة اليابس ‪1,119,223‬‬
‫كيلومتر مربع وتبلغ مساحة المياه ‪ 2444‬كيلومتر مربع‪ ،‬وهي ثاني اكبر دول افريقيا من حيث عدد السكان بعد دولة‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫نيجيريا والعاشرة من حيث المساحة‪ .‬وليس لجمهورية اثيوبيا أي منافذ بحرية‪ ،‬إذ يحيط بها اليابس من جميع الجهات‪،‬‬
‫بعد أن فقدت ساحلها على البحر األحمر برمته بعد اعترافها باستقالل اريتيريا في ‪ 0‬ماي ‪1993‬م‪ ،‬وينبع من بحيرة‬
‫تانا في الشمال الغربي الثيوبيا نهر النيل األزرق‪ ،‬المجرى الرئيسي لنهر النيل‪ ،‬ويعتقد أن ثالث محاصيل زراعية‬
‫‪1‬‬
‫تعود في األصل الى اثيوبيا وهي‪ :‬البن‪ ،‬الذرة الصفراء والخروع‪.‬‬

‫خريطة رقم ‪ :13‬خريطة توضح الموقع الجغرافي لدولة اثيوبيا‪.‬‬

‫المصدر‪https://middle-east-online.com :‬‬

‫أما من ناحية الموارد الطبيعية‪ ،‬تعتبر اثيوبيا من الدول الغنية بالذهب والنحاس والبوتاس والغاز‬
‫الطبيعي والطاقة الكهرومائية‪ ،‬أما من ناحية المناخ فتتداخل عدة عوامل في تشكيل المناخ مها الموقع‬
‫المداري واالرتفاع والقرب من المحيط الهندي والرياح الموسمية‪ ،‬ويتنوع المناخ بين مداري ومعتدل‬
‫وصحراوي جاف‪ .‬ويبلغ تعداد سكان اثيوبيا _ من عرقيات مختلفة_ ‪ 103‬مليون و‪ 329‬ألفا و‪904‬‬
‫نسمة حسب احصائيات ‪ .0200‬وبلغت نسبة النمو سنة ‪ .%0,2 :0200‬ويتكلم االثيوبيون عدة‬
‫لغات محلية أبرزها األمهرية واالرومية‪ ،‬إضافة الى اإلنجليزية التي تعتبر اللغة األجنبية األساسية في‬

‫_ أحمد سليمان أبكر‪ ،‬إثيوبيا ما بين النزاع والصراع (تحليل وحلول واستشراف مستقبل ‪( )2121_1533‬عمان‪ :‬دار الخليج‬
‫‪1‬للنشر والتوزيع‪ ،)0203 ،‬ص ص‪.19 _13 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المدارس‪ ،‬وتتعدد الديانات في المجتمع االثيوبي بين مسيحيون ارثوذوكس‪ ،%43,2 :‬مسلمون‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،%33,9‬مسيحيون بروتستانت‪ ،%12,2 :‬ديانات محلية ‪ ،%2,2‬مسيحيون كاثوليك‪.%2,2 :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العالقات الصينية االثيوبية‪:‬‬

‫كانت االتصاالت بين الصين واثيوبيا قديمة جدا تعود ألكثر من ألفي عام في إطار عالقة الصين بإفريقيا‪ ،‬حيث‬
‫تبادل الجانبان العديد من السلع‪ .‬وفي العصر الحديث اهتم علماء صينيون بالكتابة عن اثيوبيا‪ ،‬وذكروا أوجه التشابه‬
‫بين البلدين‪ ،‬فكالهما حضارتين قديمتين‪ ،‬وكالهما نظام سياسي يمر بالتحول ن نظام اقطاعي الى نظام حديث‪،‬‬
‫وكالهما عانى من الغزو األوروبي ووقعا ضحية االستعمار‪ ،‬وتشاركا نفس النضاالت لتحرير أنفسهم‪ ،‬ودعما‬
‫بعضهما البعض‪ ،‬حيث كانت الصين واحدة من الدول القليلة التي لم تعترف باالحتالل اإليطالي إلثيوبيا‪ ،‬وقد ظل‬
‫‪2‬‬
‫هذا الموقف محل تقدر بالغ من إثيوبيا‪ ،‬التي قدمت دعما مماثال للصين إبان المجاعة الكبرى بالتبرع لضحاياها‪.‬‬

‫وتعد الصين حاليا أكبر شريك الثيوبيا في مجال االستيراد والتصدير‪ ،‬وتشير العديد من االعمال األدبية الى ان الصين‬
‫واثيوبيا أسستا رسميا العالقات الدبلوماسية في السبعينات‪ ،‬ومع ذلك فمن المهم أن نالحظ أن العالقات الصينية االثيوبية‬
‫كانت أولوية قصوى للحكومة الصينية الجديدة تحت قيادة ماو تسي تونغ عام ‪1949‬م‪ .‬ومع ذلك مرت العالقات الصينية‬
‫االثيوبية بفترة صعبة بين الخمسينات من القرن الماضي‪ ،‬حتى أواخر الستينات‪ ،‬وقد تغير هذا الوضع في منتصف‬
‫‪3‬‬
‫السبعينات‪ ،‬وهي الفترة التي بدأت فيها العالقات بين البلدين تكتسب شكال جديدا قبل أن تتوطد في أوائل التسعينات‪.‬‬

‫في الستينيات‪ ،‬واجهت الصين تحديات داخلية وخارجية مختلفة‪ ،‬على الرغم من هذه النكسات‪ ،‬تكثف نشاط الصين‬
‫في افريقيا‪ ،‬بما في ذلك اثيوبيا بعد زيارة تشو إن الي إلثيوبيا‪ ،‬في عام ‪1924‬م‪ ،‬بدأت العالقات بين الصين واثيوبيا‬
‫تكتسب زخما خفيفا‪ .‬بدأ تبادل الرسائل واالتصاالت بين البلدين بشكل متقطع وتوسع تدريجيا مع مرور الوقت‪ ،‬وقبل‬
‫استئناف العالقات الرسمية مع الصين‪ ،‬كان المصدر الرئيسي لمساعدات اثيوبيا يأتي من الواليات المتحدة ودول‬

‫_ الجزيرة‪ ،‬اثيوبيا ‪ ...‬أقدم مواطن الحضارات البشرية في العالم‪( ،‬منشورات الجزيرة نت‪10 ،‬مارس ‪ ،)0204‬تم تصفح الموقع‬
‫في‪ 14 :‬ماي ‪.0204‬‬
‫‪https://wwww.aljazeera.net .1‬‬
‫‪2‬‬
‫_شيرين مبارك بسيس فضل اهلل‪'' ،‬سياسة الصين الشعبية تجاه اثيوبيا في إطاار سياستها االفريقية ‪(1922_1922‬دراسة وثائقية)''‪،‬‬
‫‪2‬مجلة الدراسات االفريقية‪ ،‬مجلد ‪ ،42‬العدد ‪( 0‬القاهرة‪ :‬أفريل ‪ ،)0203‬ص‪.111 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪_ betelhem tirusew bayu, ‘’ideological differences in the sino-ethiopian relations from the early‬‬
‫‪1950s to the late 1960s’’, open journal of political science, (china : feb.21, 2022), p. 125.‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أوروبا الغربية األخرى‪ ،‬وبعد إقامة العالقات الدبلوماسية مع الصين في عام ‪1922‬م‪ ،‬جاء الدعم االقتصادي والفني‬
‫إلثيوبيا من بيكين‪ ،‬ثم زاد بشكل كبير فيما بعد‪ ،‬بعد حسن النية لدى كل من الشعب االثيوبي واالمبراطورية خالل‬
‫زيارة تشو إن الي إلثيوبيا‪ ،‬واتفق البلدان على تعزيز عالقاتهما الثنائية‪ ،‬وق لعبت هذه الزيارة دو ار مهما في تعزيزها‬
‫للتفاهم المتبادل بين الصين واثيوبيان عالوة على ذلك حصلت زيارة تشو أيضا على دعم اثيوبيا لقبول الصين في‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬واعتبر الدعم المقدم قيما ومتسقا وجاء في الوقت المناسب‪ ،‬وهي لفتة جعلت الصين تحظى باحترام‬
‫إلثيوبيا لألبد‪ ،‬ومع ذلك على الرغم من زيارة رئيس مجلس الدولة تشو إن الي الى اثيوبيا‪ ،‬فان العالقات الدبلوماسية‬
‫مع اثيوبيا والصين لم تتحقق لثالث أسباب رئيسية‪ ،‬أوال أن عالقات االمبراطور هيال سيالسي الوثيقة مع الغرب‬
‫وخاصة الواليات المتحدة االمريكية ردعته عن إقامة عالقات دبلوماسية مع الصين‪ ،‬ثانيا‪ ،‬انتشرت شائعات على‬
‫نطاق واسع في اثيوبيا حول دعم الصين المدعوم لجبهة التحرير االريتيرية‪ ،‬التي كانت تناضل من أجل االستقالل‬
‫وورد أنها تلقت شحنات كبيرة من األسلحة عبر عدن وعبر البحر األحمر‪ ،‬وأخي ار ظهرت الشكوك في أن جبهة‬
‫‪1‬‬
‫تحرير الصومال الغربية كانت تتلقى أيضا مساعدات عسكرية من الحكومة الصينية‪.‬‬

‫وفي السبعينيات كان هناك تقارب صيني امريكي‪ ،‬هذا التقارب جعل االمبراطور هيال سيسي يقرر إقامة عالقة‬
‫دبلوماسية مع الصين الشعبية بعد انتظار لمدة عقدين كاملين‪ ،‬وأصبحت العالقات ممكنة بفضل التحوالت في‬
‫العالقات الدبلوماسية بين الصين والواليات المتحدة‪.‬‬

‫نجحت الجبهة الديموقراطية الثورية للشعب االثيوبي (‪ )EPRDF‬اإلطاحة بنظام قيادة مانغيستو هايل مريام‬
‫)‪ )mengstiu hail mariam‬على يد ميليس زيناوي ( ‪ )meles zenawi‬سنة ‪ ،1991‬والتي شهدت في فترته‬
‫بداية حقيقية في تطور العالقات الثنائية مع الصين‪ .‬وتحست العالقات بين البلدين بشكل مطرد حيث تم توقيع‬
‫االتفاقيات االقتصادية التكنولوجية في ‪ 9‬أكتوبر ‪ 1991‬في بيكين‪ ،‬وقدمت الصين قرضا بدون فائدة بحوالي ‪2,2‬‬
‫مليون دوالر أمريكي (‪ 22‬مليون يوان صيني) للحكومة االثيوبية الجديدة وأبدت استعدادها لمساعدة اثيوبيا في أوقات‬
‫المشاكل المالية‪ ،‬وتعززت العالقات االقتصادية أكثر عندما عقدت الصين العزم على استكمال المشاريع التي كانت‬
‫جارية بالفعل باثيوبيا‪ ،‬ومن بين تلك الخطوات استكمال امدادت المياه في جانفي ‪1993‬م‪ .‬ومع زيادة االتصاالت‬

‫‪_tirusew bayu, ibid, p. 5.‬‬


‫‪1‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الدبلوماسية والزيارات الو ازرية رفيعة المستوى‪ ،‬جاءت زيارة رئيس الوزراء االثيوبي ميليس زيناوي الى الصين‬

‫عأام ‪1992‬م‪ ،‬لكي تقأابلهأا زيأارة الرئيس الص أ أ أ أ أ أ أيني جيأانج زيمين (‪ )jiang zemin‬الثيوبيأا في وقأت الحق سأ أ أ أ أ أ أأنة‬
‫‪1‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬

‫أصبحت العالقات الدبلوماسية بين البلدين أوثق عندما استضافت اثيوبيا االجتماعات الو ازرية الثانية لمنتدى التعاون‬
‫الصيني االفريقي (‪ )FOCAC‬في عام ‪ ،0223‬في االجتماعات الو ازرية الثالثة لمنتدى التعاون الصيني االفريقي في‬
‫عام ‪ 0222‬م عندما أعلن هو جينتاو عن عدد من تدابير السياسة عدم التعريفة الجمركية على السلع االفريقية والغاء‬
‫الديون والبنية التحتية المشتركة‪ ،‬وكانت اثيوبيا الدولة الوحيدة التي استفادت من كل ذلك‪ ،‬باإلضافة الى ذلك كان لكال‬
‫عن‬ ‫الدولتين تفاهما لتدعين احداهما االخر دبلوماسيا خاصة في بعض القضايا الدولية كقضية انفصال تايوان والتبت‬
‫‪2‬‬
‫جمهورية الصين الشعبية‪ ،‬وفي المقابل دعمت الصين الحكومة االثيوبية دبلوماسيا واقتصاديا‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أبعاد العالقات الصينية اإلثيوبية‬

‫تشهد العالقات الصينية االثيوبية نمو متصاعدا ملحوظا على مستوى جميع المجاالت‪ ،‬خاصة العالقات‬
‫االقتصادية ومجال البنية التحتية والطاقة‪ ،‬وتمتد عبر عدة أبعاد مثل السياسة والثقافة وغيرهما‪ ،‬حيث ساهمت‬
‫في النهوض بإثيوبيا كما أنها كانت وراء بروز الصين الشعبية كقوة تنافس القوى العظمى في منطقة القرن‬
‫االفريقي واثيوبيا وتحقق هدفها نحو نظام دولي متعدد األقطاب‪.‬‬

‫‪ _1‬البعد االقتصادي للعالقات الصينية االثيوبية‪:‬‬

‫تدعم الصين اثيوبيا في مختلف القضايا الدولية‪ ،‬ومن الجانب الصيني ينظر الى اثيوبيا على أنها سوق‬
‫مواتية للشركات الصينية بسبب موقعها االستراتيجي وعدد سكانها‪ ،‬ويقال ان العالقات االثيوبية الصينية ودية‬

‫_ سالمة الصادق الفرابي‪ ،‬االستراتيجية الصينية في منطقة القرن االفريقي دراسة حالة اثيوبيا في الفترة (‪،)2121-2111‬‬
‫‪1‬مذكرة ماستر (جامعة ورقلة‪ :‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬شعبة العلوم السياسية‪ ،)1212/1212 ،‬ص‪.12 .‬‬
‫‪_2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.03 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪1‬‬
‫للغاية‪ ،‬وقد تم تصنيفها كشريك تجاري صيني ثاني لجنوب افريقيا في بعض األوساط‪.‬‬

‫خالل العقدين الماضيين‪ ،‬طورت اثيوبيا روابط تجارية واستثمارية قوية مع الصين‪ ،‬ووفقا إلحصائيات مبادرة‬
‫أبحاث الصين وافريقيا في جامعة ''جونز هوبكنز''‪ ،‬فقد وقعت الحكومة االثيوبية اتفاقيات قروض مع مقرضين‬
‫صينيين خالل الفترة الممتدة من العام ‪0222‬م الى العام ‪0212‬م بمبالغ تقدر ب ‪ 13,2‬مليار دوالر‪ ،‬في حين‬
‫أن المؤشر األكبر على النفوذ التكنولوجي الذي تتمتع به الصين في اثيوبيا‪ ،‬تمثل بإطالق اثيوبيا أول قمر‬
‫صناعي في ديسمبر ‪0219‬م بدعم من الحكومة الصينية في أديس بابا شهر فيفري ‪0201‬م‪ ،‬عن اتفاق بين‬
‫الصين واثيوبيا على تعزيز مجال التكنولوجيا بين البلدين‪ .‬وتعد اثيوبيا دولة ذات أهمية استراتيجية لكل من‬
‫الواليات المتحدة والصين‪ ،‬نظ ار لموقعها االستراتيجي‪ ،‬وظهورها كمركز تصنيع واهميتها الدبلوماسية كموطن‬
‫لالتحاد االفريقي‪ .‬وفور اعالن اثيوبيا استراتيجيتها الرقمية األولى في ماي ‪ ،0202‬أكدت المتحدثة باسم رئيس‬
‫الوزراء االثيوبي‪ ،‬أن اثيوبيا ترحب بالدعم الصيني لتنفيذ هذه االستراتيجية‪ ،‬ما يعني مزيدا من التعاون‬
‫‪2‬‬
‫التكنولوجي بين اثيوبيا والصين‪.‬‬

‫واستفادت كل من مصر واثيوبيا تحديدا من خالل مرحلة النمو التي تمر بها من قبول عضويتها وانظمامها‬
‫الى مجموعة البريكس‪ ،‬حيث أن انظمام اثيوبيا الى كتلة البريكس الموسعة لالقتصاديات النامية قد يساعد‬
‫الصين على توسيع نفوذها االقتصادي في افريقيا‪ ،‬حيث يعد كل من البلدان من بين اكثر الدول االفريقية‬
‫اكتظاظا بالسكان في شمال افريقيا والقرن االفريقي‪ ،‬كما يتمتعان بعالقات وثيقة مع بيكين‪ ،‬ومعروف ان بيكين‬
‫ترغب في زيادة نفوذها في الممرات المائية االفريقية‪ ،‬وتستهدف الصين من توسع بريكس تعزيز نفوذها في‬
‫ثالث مسارات رئيسية‪ ،‬هي المعادن والطاقة واألسواق‪ .‬وقال ستيلينبوش _خبير بمركز السياسة الدولية‬
‫والمقارنة_‪ '' :‬ان اثيوبيا قوة كبرى في القرن االفريقي وتسيطر مصر على أهم الممات البحرية في العالم‪.‬‬
‫وأضاف‪ :‬كالهما أيضا من المؤديين بقوة لمبادرة الحزام والطريق‪ ،‬وقد حصال على استثمارات واسعة النطاق‬
‫من الصين‪ ،‬وحسب التقرير‪ ،‬فان اثيوبيا مولت الصين ببناء خط السكة الحديدية بين اديس بابا وجيبوتي بقيمة‬
‫‪ 4,2‬مليارات دوالر امريكي‪ ،‬واستثمرت الشركات الصينية بكثافة في الصناعات التحويلية الخفيفة في البالد‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪_ zaineb gimba, sheriff ghali ibrahim, ‘’developmental aid in sino-ethiopia relation : an‬‬
‫‪appraisal’’, sumerianz journal of sosial science (vol : 1, no :1, january 2018), p. 21.‬‬
‫_ علي السيد‪ ،‬اثيوبيا والكباش الصيني –األمريكي (ديسمبر ‪)0201‬؛ تم تصفح الموقع في‪ 12 :‬ماي ‪.0204‬‬
‫‪https://www.almayadeen.net‬‬ ‫‪2‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وأضاف من وجهة نظر جيوسياسية فان عضوية اثيوبيا في البريكس تعزز نفوذ الصين في هذا الجزء من‬
‫العالم‪ ،‬وان مثل هذه الدول _ اثيوبيا ومصر_ المؤثرة إقليميا والمكتظة بالسكان سيعزز مطالب الكتلة باجراء‬
‫‪1‬‬
‫تغييرات جوهرية في الحوكمة العالمية‪.‬‬

‫إن الصين تعلم جيدا مكانة اثيوبيا كرمز للقارة االفريقية‪ ،‬وان عضويتها في مجموعة البريكس رغم العديد من‬
‫طلبات الدول االجدر منها باالنظمام‪ ،‬يعني تنوع في الكتلة‪.‬‬

‫وفي ‪ 04‬أوت ‪ ،0203‬التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ برئيس الوزراء االثيوبي آبي أحمد على هامش‬
‫القمة الخامسة عشرة لدول البريكس‪ ،‬وقال الرئيس الصيني ان الصين تدفع التحديث الصيني من خالل تنميتها‬
‫عالية الجودة‪ ،‬االمر أي سيجلب فرصا جديدة للتعاون بين الصين واثيوبيا‪ ،‬وقال شي ان الصين صديق‬
‫موثوق به وشريك حقيقي إلثيوبيا‪ ،‬وأشار الى انه في السنوات األخيرة حافظ البلدان على تبادالت واتصاالت‬
‫متكررة رفيعة المستوى‪ ،‬وحققا نتائج إطار تعاون الحزام والطريق ومنتدى التعاون الصيني‪-‬االفريقي‪ ،‬وقال ان‬
‫الصين تولي أهمية كبيرة لعالقاتها مع اثيوبيا وتدعم عملية السالم الداخلي والتنمية والتنشيط‪ .‬مضيفا ان‬
‫الصين مستعدة للعمل مع اثيوبيا لتعزيز التبادالت الثنائية وتوسيع التعاون الشامل‪ ،‬حتى يمكن التمتع بالصداقة‬
‫الثنائية‪ .‬ومن الممكن ان يشهد الدعم الشعبي األكبر والشراكة التعاونية االستراتيجية الشاملة بين الصين‬
‫واثيوبيا مزيدا من التقدم‪ ،‬وشدد شي على ان الجانبين بحاجة الى مواصلة دعم بعضهما البعض في القضايا‬
‫المتعلقة بمصالحهما األساسية وشواغلهما الرئيسية‪ ،‬مضيفا انه يتعين على البلدين تعزيز التآر بين مبادرة‬
‫الحزام والطريق التي اقترحتها الصين وخطة التنمية الطموحة الثيوبيا (‪ )0232-0201‬وتسريع تطوير‬
‫المشاريع المشتركة بما في ذلك السكك الحديدية بين اديس بابا وجيبوتي والتنمية الخضراء‪.‬وقال رئيس الوزراء‬
‫االثيوبي انه بفضل المساعدة والتعاون مع الصين‪ ،‬حققت اثيوبيا تطو ار وتحوالت كبيرة في السنوات األخيرة‪،‬‬
‫وقال احمد ان اثيوبيا تمسك وبشدة بسياسة صين واحدة وتدعم مبادرة التنمية العالمية ومبادرة التعاون العالمي‬
‫‪2‬‬
‫ومبادرة الحضارة العالمية التي اقترحها شي‪ ،‬وتشارك بنشاط في تعاون الحزام والطريق‪.‬‬

‫_ العربي الجديدأ‪-‬هونغ كونغ‪ ،‬لهذه األسباب تم اختيار اثيوبيا ومصر لعضوية ''بريكس'' (‪ 12‬سبتمبر ‪ ،)0203‬تم تصفح‬
‫الموقع في‪ 12 :‬ماي ‪.0203‬‬
‫‪https://www.alaraby.co.uk‬‬ ‫‪1‬‬

‫_‪2‬‬‫‪press release : chenese president xi jinping says chinese moderniation to pring new‬‬
‫=‪opportunities to china-ethiopia cooperation, empassy of the people’s republic of china in‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ _2‬البعد الدبلوماسي للعالقات الصينية االثيوبية‪:‬‬

‫من بين أسباب االهتمام الصيني بأديس بابا هي احتواء هذا البلد على مقرات عدد من المنظمات الدولية‬
‫واإلقليمية‪ ،‬أبرزها مقر االتحاد االفريقي (‪( ،)AU‬والذي تم تمويل بنائه بمنحة صينية بقيمة ‪ 022‬مليون‬
‫دوالر)‪ ،‬وكذلك مقر اللجنة االقتصادية إلفريقيا التابعة لألمم المتحدة (‪)ECA‬؛ إذ توفر هذه المنظمات للصين‬
‫فرصة لالتصال الوثيق مع القادة األفارقة وكذلك مع الشخصيات البارزة التي تؤثر على السياسات الداخلية‬
‫للدول االفريقية الفردية‪ ،‬لذلك تعتبر أديس بابا منصة انطالق إقليمية قيمية للصين‪ ،‬ناهيك عن أن اثيوبيا التي‬
‫أصبحت مرك از لالستثمار الصيني اآلن وهي شريك في مبادرة الحزام والطريق‪ .‬أما بالنسبة إلثيوبيا‪ ،‬فان‬
‫الشراكة مع الصين تخدم بشكل أساسي األغراض السياسية واالقتصادية الداخلية للحكومة االثيوبية‪ ،‬حيث أن‬
‫‪1‬‬
‫هناك حاجة الى تمويل واسع النطاق إلثيوبيا لتحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح دولة ذات دخل متوسط‪.‬‬

‫يكن رؤية العالقات القوية تتطور بين الصين واثيوبيا في المجال السياسي‪ ،‬فيما يتعلق بقضية تايوان‪ .‬ومع‬
‫تزايد النفوذ الصيني في افريقيا‪ ،‬وتكافح تايوان للحفاظ على شركائها في افريقيا‪ ،‬وقد فازت بيكين في السباق‬
‫الدبلوماسي من خالل كسب أتبع في افريقيا لمبدأ الصين الواحدة‪ ،‬وأصدر البرلمان االثيوبي ق ار ار يدعم قانون‬
‫مناهضة االنفصال الصيني‪ ،‬وكانت اثيوبيا واحدة من الدول االفريقية التي أبدت استعادة الصين لمقعدها في‬
‫مجلس االمن التابع لألمم المتحدة في عام ‪1929‬م‪ ،‬وقد دعت الى سماع صوت الدول النامية في المسائل‬
‫المتعلقة باألمم المتحدة ومجلس االمن التابع لها‪ ،‬باإلضافة الى ذلك فقد انضمت اثيوبيا في عام ‪0222‬م الى‬
‫الى بعض الدول االفريقية في التصويت ضد قرار لجنة حقوق االنسان التابعة لألمم المتحدة الذي يدين‬
‫‪2‬‬
‫ممارسات الصين في مجال حقوق االنسان‪.‬‬

‫‪=the federal democratic republic of ethiopia all rights reserved (25/ 08/ 2023), 15:49, the‬‬
‫‪site has been brosed : 17/ 05/2024. http://.china-embassy.gov.cn.eng/zagx/‬‬
‫_ هايدي الشافعي‪'' ،‬الصين واثيوبيا ‪ . .‬مصالح مشتركة''(المرصد المصري‪ 10 :‬أكتوبر ‪ ،)0202‬تم تصفح الموقع في‪:‬‬
‫‪12‬ماي ‪.0204‬‬
‫‪http://marsad.ecss.com.eg‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪_Aaron tesfaye, china in ethiopia the long-term perspective (unitd states of america : state‬‬
‫‪2‬‬

‫‪university of new york, 2020), p.p. 38-39.‬‬


‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عملت الصين مع اثيوبيا لتسهيل الحصول على عقود النفط من طرف جنوب السودان الدولة الحديثة بعد‬
‫انفصالها على السودان في ‪ ،0211‬وبفضل الوساطة االثيوبية‪ ،‬تمكنت الصين من الحصول على مشاريع‬
‫استثمارية في مجال الطاقة االحفورية في جنوب السودان‪ ،‬كما لعبت الصين دور الوساطة السياسية السودان‬
‫والدول المجاورة الثيوبيا‪ ،‬والصين تعتقد ان االستقرار اإلقليمي الذي تتواجد فيه اثيوبيا مهم جدا في منطقة‬
‫القرن االفريقي‪ ،‬وبالتالي نمو نمو استثمارتها هناك‪ ،‬كما تعتبر اثيوبيا الوجهة المفضلة المسؤولين السياسيين‬
‫في الصين عند زيارتها‪ ،‬لما لديها من وزن سياسي في االتحاد االفريقي؛ وفي سنة ‪0222‬م‪ ،‬عرضت الصين‬
‫المساعدة الثيوبيا عندما تعرضت هذه األخيرة النتهاكات حقوقية أثناء االنتخابات االثيوبية‪ ،‬كما دعمت اثيوبيا‬
‫مواقف الصين السياسية‪ ،‬كذلك على الصعيد الدبلوماسي قدمت الصين هبة لبناء المقر العام لالتحاد االفريقي‬
‫‪1‬‬
‫بقيمة ‪ 122‬مليون دوالر من أجل الحصول على الدعم االفريقي في المحافل الدولية‪.‬‬

‫إن أهمية اثيوبيا كمركز إلفريقيا وموطن لالتحاد االفريقي‪ ،‬جعلها محل تنافس بين الصين والواليات المتحدة‬
‫االمريكية‪ ،‬إضافة الى بروز العديد من القوى الدولية األخرى التي تسعى لمد يدها في القارة االفريقية‪ ،‬عن‬
‫طريق تكوين عالقات دبلوماسية مع اثيوبيا‪ ،‬ألجل توسيع نفوذها في المنطقة والتحكم في القضايا الدولية عن‬
‫طريق كسب تأييد الحكومة االثيوبية وغيرها من الدول االفريقية التي تملك تصويت شعبي كبير في مجلس‬
‫االمن واألمم المتحدة عند الحاجة الى ذلك‪.‬‬

‫‪_3‬البعد الثقافي للعالقات الصينية االثيوبية‬

‫في اطار عملية العولمة‪ ،‬تحاول الثقافات االفريقية المحافظة على تراثها ووجودها‪ ،‬وهويتها‪ ،‬وتواجه التحديات‬
‫التي تحاول طمس هويتها‪ ،‬بما صحبها من محاوالت لفرض ثقافة واحدة وهي ثقافة القوى العظمى المهيمنة‪.‬‬
‫ومن ثم فإن محاولة الصين الدخول الى القارة االفريقية‪ ،‬بما تحمله تلك الدول من ثقافات متنوعة بجانب الثقافة‬
‫الغربية –ثقافة المستعمر‪ -‬ومع قوة وهيمنة الواليات المتحدة االمريكية كان سيجعل من دخولها أم ار صعبا؛‬
‫لرفض الثقافات االفريقية التعامل مع الصين كقوة تتبع النظام االشتراكي‪ ،‬وقد روجت روجت الواليات المتحدة‬
‫لفشل هذا النموذج‪ ،‬باإلضافة الى صعوبة اللغة الصينية‪ ،‬وعدم علم األفارقة بها‪ ،‬لذا كان على الصين وضع‬
‫استراتيجية تعتمد على القوة الناعمة للنفاذ الى قلب القارة االفريقية‪ .‬فاستغلت الصين تزايد النقد لسياسات القوى‬
‫الغربية في افريقيا‪ ،‬والقائمة على النهب واالستغالل‪ ،‬وركزت على أدواتها الثقافية في الدخول الناعم‪ ،‬واختراق‬

‫‪ _1‬الفرابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.93-90 .‬‬


‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫القارة االفريقية وجاء الترحيب االفريقي بالتعاون الصين نتيجة البحث عن شريك اقتصادي وسياسي يحترم‬
‫‪1‬‬
‫خصوصياتهم الثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫ورغبة من بيكين في نشر اللغة الصينية عبر مختلف المناطق العالم‪ ،‬وانطالقا من اثيوبيا تم افتتاح معهد‬
‫كونفوشيوس‪ ،‬المعهد الصيني لتعزيز اللغة والثقافة الصينية‪ ،‬في جامعة أديس بابا‪ ،‬وأقيم حفل االفتتاح بحضور‬
‫كبار المسؤولين في الجامعة‪ ،‬وتضمن الحفل الذي أقيم في مقر جامعة أديس بابا أنشطة مختلفة بما في ذلك‬
‫األزياء التقليدية الصينية واالثيوبية حيث سيمنح الفرصة للطالب والمجتمع الجامعي الفرصة الستكشاف الثقافة‬
‫الصينية واالستفادة من برامج التبادل المختلفة بين جامعة أديس بابا والجامعات الصينية‪ ،‬وخالل زيارة نائب‬
‫رئيس مجلس الدولة الصيني ليو يان دونغ الى اثيوبيا فب عام ‪0213‬م‪ ،‬وقعت جامعة العين ومقر معهد‬
‫‪2‬‬
‫كونفوشيوس اتفاقية لترقية مركز تدريس اللغة الصينية في جامعة العين الى معهد كونفوشيوس‪.‬‬

‫وقدمت الصين الكثير من المنح الدراسية في إطار استراتيجيتها الناعمة في افريقيا‪ ،‬ففي ‪ 0222‬قدمت منح‬
‫دراسية مجانية لفائدة ‪ 20‬طاال اثيوبيا‪ ،‬وفي سنة ‪ 0212‬تحصل ‪ 41‬طالب اثيوبي منح دراسية في الجامعات‬
‫الصينية‪ ،‬وفي شهر ديسمبر من سنة ‪ 0201‬قدمت الحكومة الصينية منح دراسية لما بعد التدرج لفائدة ‪22‬‬
‫‪3‬‬
‫طالبا يدرسون في جامعة أديس بابا‪.‬‬

‫يبدو هذا المسعى الذي حققته الصين ببرنامجها الناعم في اثيوبيا أعطى نتائج إيجابية من خالل نشر اللغة‬
‫والثقافة الصينية في دولة اثيوبيا انطالقا من الجامعات والمعاهد الحكومية االثيوبية في منافسة للثقافة الغربية‬
‫وعلى رأسها األمريكية‪.‬‬

‫‪ _4‬البعد العسكري للعالقات الصينية االثيوبية‪:‬‬

‫إن اثيوبيا التي يتكون شعبها من مجموعات قومية واثنية تزيد عن تزيد عن ‪ 22‬مجموعة لم يتم فيها التداول أو‬
‫االئتالف في الحكم بين كل أطياف الشعب‪ ،‬بل وسيطرت فيه قومية واحدة على الحياة السياسية واالقتصادية‬
‫والعسكرية لعقود من الزمن‪ ،‬على غرار األمهرة ثم التيغراي رغم قلة نسبهم في المجتمع االثيوبي‪ .‬هذه السيطرة‬

‫_ شريفة فاضل محمد بالط‪'' ،‬الهوية الثقافية وتأثيرها على العالقات الصينية االفريقية''‪ ،‬مجلة كلية السياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد‬
‫‪ ( 121‬جامعة بورسعيد‪ :‬أفريل ‪ ،)0201‬ص ص‪.129-122 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪_ confucius instute inaugurated in addis ababa university (09-01-2015), op.cit.‬‬
‫‪ _3‬الفرابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.121 .‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫رافقها اقصاء وتهميش لبقية القوميات‪ ،‬فولد لديها الشعور بالظلم واالنغالق على نفسها وتزايد الوالء الفرعي‬
‫عندها على حساب الوالء الوطني‪ ،‬مما أدى بالدولة الى الدخول في صراعات وانقالبات عسكرية وحروب‬
‫نظامية بين الدولة وبعض القوميات كاالورومو والتيغراي ‪ ،‬وبين القوميات فيما بينها كالتيغراي واالمهرة‬
‫والتيغراي والعفر‪ ،‬وسرعان ما تحولت في بعض األحيان هذه الصراعات ذات الطابع الداخلي الى صراعات‬
‫خارجية دولتية‪ ،‬مثلما كان عليه الشأن بين اثيوبيا واريتيريا واثيوبيا والصومال بسبب التداخل العرقي بين هذه‬
‫الدول‪ .‬هذه الحلرب الدائرة اليوم بين الحكومة الفيدرالية االثيوبية وحلفائها داخليا وخارجيا ‪ 2‬األمهرة واريتيريا)‬
‫من جهة‪ ،‬واقليم التيغراي من جهة أخرى‪ ،‬منذ إجراءات آبي أحمد ضد هيمنة أقلية التيغراي على الحياة العامة‬
‫في البالد‪ ،‬هو استمرار للفيديرالية االثنية القائمة على حكم أقلية واقصاء البقية في مجتمع متعدد ومتنوع قوميا‬
‫وعرقيا واثنيا‪ ،‬سواء من خالل هيمنة التيغراي منفردين بالحكم او كريقة إزاحتهم منه بعيدا عن الدموقراطية‪ ،‬ما‬
‫جعل الوضع القائم خطير واستم ارره أخطر وينبئ بانفجار مؤسسات الدولة االثيوبية وتقويض استقرارها‬
‫‪1‬‬
‫واستقرار منطقة القرن االفريقي والدول المجاورة لها ككل بسبب التدخل القبلي والعرقي في هذه المجتمعات‪.‬‬

‫يعكس الصراع الدائر في اثيوبيا األهمية االستراتيجية لها في سياسة الصين الرامية الى أاكيد حضورها وتعزيز‬
‫نفوذها في منطقة القرن االفريقي‪ ،‬وذلك باعتبارها احدى الركائز األساسية لبيكين‪ ،‬التي تعد بمثابة نقطة‬
‫انطالق مهمة لها نحو التوسع في المنطقة‪ ،‬لذلك تتزايد مخاوف بيكين من امتداد الحرب الى ما وراء اثيوبيا‬
‫في منطقة القرن االفريقي التي تشكل جزءا استراتيجيا مهما بالنسبة لها؛ وهو ما يبرر الموقف الصيني من‬
‫الحرب االثيوبية‪ ،‬وتشكل المصالح االقتصادية باألساس شواغل ومخاوف بيكين إزاء الصراع االثيوبي‪ ،‬حيث‬
‫تنظر باألساس الى تعظيم مصالحها االستراتيجية في اثيوبيا والمنطقة‪ ،‬والتي تشمل ضمان الحفاظ على‬
‫االستثمارات الصينية في البالد‪ ،‬وحماية رعاياها‪ ،‬االمر الذي دفعها نحو اجالئهم مع بدء الصراع في نوفمبر‬
‫‪ ،0202‬ومن ثم فهي تسعى الى تحقيق التوازن بين حماية مصالحها والحفاظ على عالقتها الوثيقة مع‬
‫الحكومة االثيوبية‪ ،‬وهو ما يبرر معارضتها للعقوبات االمريكية المحتملة ضد اثيوبيا بشكل علني‪ ،‬ودعوتها‬
‫للمجتمع الدولي من اجل تحقيق االستقرار في إقليم تيغراي‪ ،‬وضرورة إيجاد حل للصراع‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫‪2‬‬
‫طمأنة أديس أبابا بأن بيكين سوف تعارض التدخل في الشأن االثيوبي في المحافل الدولية‪.‬‬

‫_ وليد دوزي‪ '' ،‬إثيوبيا والصراع مع إقليم تيغراي‪ :‬خلفياته‪ ،‬مآالته وآفاقه''‪ ،‬مجلة السياسة العالمية‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬العدد ‪(1‬الجزائر‪:‬‬
‫‪ 221‬جوان ‪ ،)0200‬ص‪.433 .‬‬
‫_ أحمد عسكر‪'' ،‬هل تتدخل الصين في الحرب االثيوبية؟'' (‪ 29‬ديسمبر ‪ ،)0201‬تم تصفح الموقع في‪ 12 :‬ماي ‪.0204‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وتقدم الصين المساعدة الفنية ومعدات التشويش لمساعدة شبكة امن المعلومات االثيوبية على حجب اإلشارات‬
‫من المحطات االذاعية المناهضة للحكومة‪ ،‬وقد أنشأ البلدان لجنة و ازرية عسكرية مشتركة من شأنها تدعيم‬
‫التعاون العسكري‪ ،‬حيث تزود الصين الجيش االثيوبي بالمدفعية والعربات المدرعة الخفيفة وعربات نقل القوات‪،‬‬
‫كما تقوم بتدريب عدد من الضباط االثيوبيين‪ ،‬ولالشارة فان سفارة الصين في اثيوبيا هي واحدة من عدد قليل‬
‫‪1‬‬
‫من العواصم االفريقية التي لديها ملحق عسكري مقيم لديها‪.‬‬

‫في ضوء مصلحة بيكين التي تتعلق بتحقيق االستقرار في اثيوبيا‪ ،‬فإن نجاحها في إنهاء الصراع االثيوبي قد‬
‫يمثل فرصة لتعزيز مكانتها الدولية‪ ،‬وتقديم نفسها كقوة عظمى مسؤولة وقادرة على تحمل المسؤولية الدولية‪،‬‬
‫كما أن الصين تسعى الى انقاذ آبي أحمد من مستنقع الحرب االثيوبية التي تسببت في تزايد الضغوط الدولية‬
‫عليه‪ ،‬ومحاولة تخفيف وطأة التداعيات االقتصادية جراء العقوبات االمريكية الخاصة بتعليق عضوية اثيوبيا‬
‫في قانون النمو والفرص في افريقيا‪ ،‬من خالل تقديم نفسها كوجهة لالقتصاد االثيوبي إليها بدال من واشنطن‪.‬‬
‫واجماال تسعى الصين الى التحول من طرف دولي قادر على المساهمة في تبني رؤية مشتركة تمثل مخرجا‬
‫من المأزق االثيوبي‪ ،‬بالدفع نحو انهاء الحرب والتفاوض للوصول الى تسوية شاملة‪ ،‬وذلك بالتعاون مع‬
‫المجتمع الدولي واالتحاد االفريقي ومجموعة دول الجوار اإلقليمي‪ ،‬وهو ما ترى أنه ضروري لتحقيق االستقرار‬
‫‪2‬‬
‫في اثيوبيا‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تحديات وآفاق العالقات الصينية االثيوبية‬

‫تبدو الصين الشعبية شريكا مثاليا وصديقا حقيقيا للدول النامية‪ ،‬ونجاح العالقات الصينية االثيوبية‬

‫يبدي ذلك جيدا‪ ،‬حيث قدمت العالقات الصينية االثيوبية فرصا جيدة للتنمية والنمو‪ ،‬وشهدت اثيوبيا تطورات‬

‫‪ _1‬الفرابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.92.‬‬


‫‪ _2‬عسكر‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫التأصيل النظري للسياسة الخارجية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫كبيرة في مختلف المجاالت وعلى جميع األصعدة سياسيا‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬وثقافيا‪ ،‬خاصة في البنية التحتية‪ .‬لكن‬

‫هذا النجاح والتطور الذي جاءت به العالقات بين بيكين وأديس أبابا ال يخلو من تحديات تجابه العالقة بين‬

‫البلدين‪ ،‬وعليه ستناول في هذا المبحث ثالث مطالب لدراسة تحديات وآفاق العالقة بين البلدين حيث جاء في‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التحديات الداخلية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحديات الخارجية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آفاق العالقات الصينية االثيوبية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التحديات الداخلية للعالقات الصينية االثيوبية‬


‫الخاتمة‬
‫الخاتمة‬

‫‪ -‬خاتمة‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫قائمة المراجع ‪:‬‬

‫‪-1‬المراجع باللغة العربية ‪:‬‬

‫أ‪-‬الكتب باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ .1‬أبو عامر عالء ‪،‬الوظيفة الدبلوماسية‪ ،‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر والتوزيع ‪.0221‬‬
‫‪ .0‬البعرضي عوض ‪ ،‬االنقسام السياسي في ليبيا وتداعياته على مؤسسات الدولة‪ .‬طرابلس‪ ،‬المنظمة‬
‫الليبية للسياسات واالستراتيجية‪.0212 ،‬‬
‫ناظمعبدالواحد‬ ‫‪ .3‬الجاسور‬
‫‪،‬أسسوقواعدالعالقاتالدبلوماسيةوالقنصلية‪،‬دليلعماللدبلوماسي‪،‬والبعثاتالدبلوماسية‪،‬عمان –‬
‫األردندارمجدالويللنشروالتوزيع‪.0221،‬‬
‫‪ .4‬الرمضاني مازنأسماعيل‪،‬السياسةالخارجية‪،‬دراسةنظرية‪ ،‬بغداد‪:‬مطبعةدارالحكمة‪.1999،‬‬
‫‪ .2‬السيد ولد أباه‪ ،‬الثورات العربية الجديدة المسار والمصير يوميات من المشهد المتواصل‪ .‬لبنان مؤسسة‬
‫الفكر العربي والتوزيع‪ ،0211 ،‬ص ‪112‬‬
‫‪ .2‬الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية‪ ،‬الربيع العربي ثورات الخالص من االستبداد دراسة حاالت‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دار شرق الكتاب‪.0213 ,‬‬
‫‪ .2‬الشرطي طارق زياد ‪ ،‬السياسة الخارجية التركية تجاه القضية الفلسطينية‪ :‬عثمانيون جدد أم علمانية‬
‫مؤمنة؟عمان‪ :‬الوراق للنشر والتوزيع‪.0214 ،‬‬
‫‪ .2‬الطائي صالحعباس‪،‬المدخاللىالسياسةالخارجية‪،‬دراسةفيالسلوكالسياسيالخارجي‪.‬‬
‫‪ .9‬النعيمي أحمد ‪ ،‬السياسة الخارجية‪ ،‬عمان‪ :‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ .‬النشر‪0222 ،‬‬
‫‪ .12‬بدوي محمد طه ‪ ،‬مدخل الى علم العالقات الدولية‪ ،‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪،1921‬‬
‫‪ .11‬بوفر أندريه ‪ ،‬المدخل إلى األستراتيجية العسكرية ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬أكرم ديري ‪ ،‬بيروت ‪ :‬المؤسسة العربية ‪،‬‬
‫‪ 1922‬م‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫‪ .10‬بول سالم ‪ ،‬تحديات العملية االنتقالية في ليبيا‪ .‬مؤسسة كارينغي للسالم‪ 14 ،‬جوان ‪.0202‬‬
‫‪ .13‬جندلي عبد الناصر ‪ ،‬التنظير في العالقات الدولية بين االتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬دار الخلدونية للنشر والتوزيع‪.0222 ،‬‬
‫‪ .14‬حقي توفيق سعد ‪ ،‬مبادئ العالقات الدولية‪ ،‬ط‪ ،3‬عمان‪ :‬دار وائل للنشر‪.0222 ،‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .12‬حمدان محمد‪،‬القوىالناعمةوأداةالصراع عنبعد‪،‬بيروت‪:‬دارالمحجةالبيضاءللنشر والتوزيع‪.0213،‬‬


‫‪ .12‬سليم محمد السيد ‪،‬تحليل السياسة الخارجية‪ ،‬ط ‪،0‬القاهرة‪ :‬مكتبةالنهضة المصرية‪1992 ،‬‬
‫‪ .12‬عودة جهاد ‪ ،‬محمد عبد العظيم‪ ،‬الوظيفة السياسية لصانع القرار في السياسة الخارجية المصرية‪:‬‬
‫النظرية والمؤشرات‪ .‬القاهرة‪ :‬المكتب العربي للمعارف‪.0212 ،‬‬
‫دراسات منشورة (المذكرات والرسائل)‪:‬‬
‫‪ .1‬بقاص لبيب ‪ ،‬عبد الرحمن هزيل‪ ،‬السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه االزمة الليبية ‪،0212-0211‬‬
‫مذكرة تخرج ضمن متطلبات نيل شهادة الماسترفي العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الشهيد حمة لخضر‪ ،‬الوادي‪،‬‬
‫‪.0212‬‬
‫‪ .0‬تبينة راوية ‪،‬السياسة الخارجية الجزائرية تجاه األزمة اللبية ‪ ،2119-2111‬أطروحة مقدمة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية‪.‬‬
‫‪ .3‬تبينة راوية‪،‬السياسة الخارجية الجزائرية تجاه األزمة اللبية ‪ ،2119-2111‬أطروحة مقدمة لنيل‬
‫شهادةالدكتوراه في العلوم السياسية تخصص دراسات سياسية مقارنة‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسكرة‪0219 ،‬‬
‫‪ .4‬حجاب عبد اهلل‪" ،‬السياسة اإلقليمية إليران في أسيا الوسطى والخليج ‪ " 0211-1929‬مذكرة‬
‫ماجستير‪ ،‬قسم العلوم‪.‬السياسية‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫‪ .2‬زحنون ليدية ‪ ،‬نسيمة حامق‪ ،‬الدولة الفاشلة واشكالية بناءها ( دراسة حالة ليبيا ‪ )0212-0211‬مذكرة‬
‫ماستر‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬تيزي وزو‪.0212 ،‬‬
‫‪ .2‬صليحةممداد ‪،‬محددات وتوجهات السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه دوائر محيطها االفريقي ‪،‬أطروحة‬
‫دكتوراه‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪.0219،‬‬
‫‪ .2‬عبأد الرحماني شعيب‪ ،‬دور الدبلوماسية الجزائرية في حل األزمة الليبية‪ ،‬مشروع مذكرة ماستر‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪0200 ،‬‬
‫‪ .2‬عبدالرازق هبة خالد جمال ‪ ،‬السياسة الخارجية الجزائرية تجاه ليبيا منذ عام ‪ ،2111‬باحثة دكتوراه بكلية‬
‫الدراسات اإلفريقية العليا – جامعة القاهرة – مصر‬
‫‪ .9‬غموري صافية ويمينة أعراب‪،‬الدبلوماسية الجزائرية والتعامل مع القضايا اإلفريقية‪:‬دراسة حالة مالي‬
‫‪ ،0212/0210‬رسالة ماجستير‪( ،‬الجزائر‪ :‬جامعة مولود معمري‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫‪0212‬م)‪.‬‬
‫‪ .12‬فرج على محمد ‪ ،‬األزمة الليبية وتداعياتها على دول الجوار‪ ،2117-2111‬رسالة ماجستير‪،‬‬
‫األردن‪ :‬جامعة الشرق األوسط‪.0212 ،‬‬
‫‪ .11‬كاهنة أعمارة‪،‬اخربان سعاد‪،‬السياسة الج ازئرية ودورها في األزمة ‪،2117-2111‬جامعة مولود معمري –‬
‫تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪.0212،‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .10‬محمد االمين بن عائشة ‪ ،‬قراءة في الدبلوماسية الجزائرية‪ :‬مقاربة جيواستراتجية (دراسة حالة مالي)‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪.3‬‬
‫‪ .13‬مقراني سهام ‪،‬السياسة الخارجية الجزائرية تجاه النزاع في ليبيا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجزائر‪ :‬جامعة‬
‫العربي بن مهيدي أم البواقي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪0212 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬مناصريزهرة ‪،‬البعداألمنيفيالسياسةالج ازئريةالخارجيةإتجاهالساحالإلفريقي‪،‬د ارسةحالةمالي‪،‬‬
‫‪،2013/2010‬مذكرةلنيلشهادةماجستيرفيالعلومالسياسة‪،‬جامعةالجازئر‪ ،‬ديسمبر‪0200-0201‬‬
‫‪ .12‬نجاعي حنان ‪ ،‬األزمة الليبية بين المقاربة المغاربية واألجندة الخليجية المصرية‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪،‬جامعة الجياللي بونعامة‪ ،‬خميس مليانة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪0212 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬نفاري نوال‪ ،‬موقف السياسةالخارجيةالجزائرية من األزمة الليبية ‪ ،0211/0212‬مذكرة شهادة‬
‫الماستر‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬المسيلة‪0212 ،‬‬
‫الجرائد والمجالت‪:‬‬
‫‪ .1‬افرجاني عمر‪ ،‬سليماني مباركة‪ ،‬التحديات األمنية في ليبيا ما بعد القذافي‪ .‬العدد الخامس‪ ،‬جانفي ‪.‬‬
‫‪ .0‬العبيدي سالم أنور أحمد ‪ ،‬حميد أبو أحمد العبيدي‪ ،‬دور المجتمع المدني في تعزيز سيادة القانون‬
‫في مجتمعات ما بعد الصراع‪ .‬مجلة البحوث في الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬العدد‪ ،2‬جامعة تكريت‪.‬‬
‫‪ .3‬إميجني عبيد ‪ ،‬انتشار السالح الليبي والتعقيدات األمنية في إفريقيا‪ .‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬أكتوبر‬
‫‪ ،0214‬ص ‪2‬‬
‫ودودة‪،‬تخطيطالسياسةالخارجية‪،‬نظريةتحليلية‪،‬مجلةالسياسةالدولية‪،‬العدد‪29‬بيروت ‪:‬‬ ‫‪ .4‬بدارن‬
‫مركزاالهرام‪1920،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬بسيكري السنوسي ‪ ،‬ليبيا‪ :‬التحديات االمنية وانعكاساتها على العملية السياسية تقارير‪ ،‬مركز الجزيرة‬
‫للدراسات الدوحة (‪ )2‬ماي ‪0213‬‬
‫‪ .2‬بن بريهوم عيادة ‪ ،‬تحديات اعادة بناء الدولة في الساحل اإلفريقي من منظور مقاربة الجوار‬
‫السيء ليبيا نموذجا‪ ،‬المجلة الجزائرية لألمن اإلنساني‪ ،‬السنة الرابعة العدد األول‪ ،‬المجلد الرابع‪،‬‬
‫‪.0219‬‬
‫‪ .2‬تبينة راوية ‪ ،‬تداعيات األزمة الليبية على األمن الجزائري ‪ ،‬مجلة المفكر (الجزائر‪،‬‬
‫المجلد‪،14‬العدد‪.)0219 ،0‬‬

‫‪ .2‬دالع وهيبة ‪ ”،‬السياسة الخارجية الجزائرية تجاه إفريقيا(‪ ،”)0212-1999‬المجلة الجزائرية للسياسات‬
‫العامة( الجزائر‪ ،‬العدد‪ ،2‬يونيو‪0212‬م)‪.‬‬
‫‪ .9‬غربي محمد و إبراهيم قلواز‪ ”،‬تداعيات تصاعد األزمة الليبية على األمن اإلقليمي واألمن الجزائري”‪،‬‬
‫مجلة الجزائرية لألمن والتنمية (الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ، 2‬يوليو‪.)0214‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .12‬الدمي محمد العربي ‪ ،‬السياسية الخارجية ‪:‬دراسة في المفاهيم ‪،‬التوجهات والمحددات‪.‬مجلة‬


‫دراسات وأبحاث ‪ ، ISSN: 1112-9221‬العدد ‪ 02‬ديسمبر ‪ 0212‬السنة الثامنة‪.‬‬
‫‪ .11‬لخضاري منصور ‪ ،‬األزمة الليبية وانعكاساتها على المنطقة الساحل اإلفريقي‪ ،‬مجلة علمية محكمة‬
‫سنوية‪ ،‬تصدر عن جامعة الجزائر ‪ ،3‬البحوث والدراسات العلمية‪ ،‬العدد ‪،22‬الجزء الثاني‪ ،‬جوان‬
‫‪.0210‬‬
‫الوثائق الرسمية ‪:‬‬
‫‪ .1‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬المادة ‪ ،09‬الباب األول‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬دستور ‪ ،0212‬العدد ‪14‬‬
‫المؤرخة في ‪ 22‬مارس ‪.0212‬‬
‫‪ .0‬الجري أ أ أأدة الرس أ أ أأمية للجمهوري أ أ أأة الجزائري أ أ أأة‪ ،‬الم أ أ أأادة ‪ ،32‬دستتتتتتتتور ‪ ،2116‬الع أ أ أأدد ‪ 2 ،14‬م أ أ أأارس‬
‫‪.0212‬‬
‫المواقع االلكترونية‪:‬‬
‫‪ https://acpss.ahram.org.eg/News/5391.aspx .1‬تاريخ التصفح ‪0203/22/02 ،‬‬
‫‪ .0‬الجزائروتركياتتفقانعلىبذلكاللجهودلوقفإطالقالنارفيليبيا‪،‬وكالةاألنباءالجزائرية‪،‬تمالتصفحفي‪0203/22/02‬‬
‫‪ .3‬الرئيستبونيستقبلوزيرالشؤونالخارجيةاإليطالي‪http://www.aps.dz/ar/algerie/8219415-،‬‬
‫‪40-18-09‬تاريخ التصفح ‪.0203/22/02،‬‬
‫‪ .4‬خطابرئيسالجمهوريةالسيدعبدالمجيدتبونإلىاألمة‪،‬موقعاليوتيوب‪ 19 ،‬ديسمبر‪/‬كانوناألول ‪2019‬‬
‫‪،‬تمالتصفحفي‪07/05/2023 7https://www.youtube.com/watch?v=dQBlD38S_Zc‬‬
‫‪ .2‬مبادرة مصالحة لعقيل تجمع الصالبي وحفتر وقويدر‪ ،‬موقع بوابة الوسط‪ ،‬بتاريخ‪،0203/22/20 :‬‬
‫‪12:22‬‬

‫‪ .2‬عقل زياد ‪ ،‬األزمة الليبية والتحرك المصري في ظل األبعاد اإلقليمية والدولية‪ ،‬مركز األهرام‬
‫للدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬متحصل عليه من الموقع‬
‫االلكتروني‪ http://acpss.ahram.org.eg/News/5391.aspx:‬تاريخ التصفح‪:‬‬
‫‪ 0203/22/21‬على الساعة ‪. 14.22‬‬
‫‪ .2‬وزيرالشؤونالخارجيةالمصرييحلبالجزائرفيزيارةرسمية‪،‬تمالتصفحفي‪.0203/22/12‬‬
‫‪ .8‬أياد عقل‪”،‬األزمة الليبية والتحرك المصري في ظل األبعاد اإلقليميةوالدولية"‪.‬‬

‫المراجع باللغة األجنبية‬


‫قائمة المصادر والمراجع‬

Cameron G. thies. « Rôle theory and foroign Policy ». -1


nwww.works.bepress.com/cameron.bhies.P02. 24 Mars 2022, à 10 :15.
‫الفهرس‬

‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬

‫خطة الدراسة‬

‫االهداء‬

‫الشكر والعرفان‬

‫ملخص الدراسة‬

‫أ‪ ،‬د‬ ‫مقدمة الدراسة‬

‫الفصل األول‪ :‬التأصيل النظري للسياسة الخارجية الجزائرية‬

‫‪11‬‬ ‫مقدمة الفصل‬

‫‪11‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬اإلطار المفاهيمي للسياسة الخارجية‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف السياسة الخارجية ‪42-11‬‬

‫‪24-42‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أهداف وأدوات السياسة الخارجية‬

‫‪22-24‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة السياسة الخارجية ببعض المفاهيم‬

‫‪22‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه افريقيا‬

‫‪24-22‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أهداف ومبادئ السياسة الخارجية الجزائرية‬

‫‪24-24‬‬ ‫المطب الثاني‪ :‬محددات السياسة الخارجية الجزائرية‬

‫‪24‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬النظريات المفسرة للسياسة الخارجية الجزائرية‬

‫‪24‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬النظرية البنائية‬


‫الفهرس‬

‫‪24‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نظرية المركب اإلقليمي‬

‫‪21-24‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نظرية الدور‬

‫‪21‬‬ ‫خالصة الفصل‬

‫‪44‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬مقاربة السياسة الخارجية الجزائرية في تسوية االزمة الليبية‬

‫‪41‬‬ ‫مقدمة الفصل‬

‫‪44‬‬ ‫المبحث األول‪:‬توصيف األزمة الليبية‬

‫‪42-44‬‬ ‫المطلب األول‪:‬مؤشرات الفشل الدوالتي في ليبيا‬

‫‪44-42‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة األزمة الليبية‬

‫‪41-44‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬أسباب األزمة الليبية‬

‫‪44-41‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬تداعيات األزمة الليبية على دول الجوار‬

‫‪44‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مجهودات السياسة الخارجية الجزائرية لتسوية االزمة الليبية‬

‫‪42-44‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬دوافع السياسة الخارجية الجزائرية اتجاه األزمة في ليبيا‬

‫‪41-42‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬المساعي السلمية للسياسة الخارجية الجزائرية في حل األزمة‬


‫الليبية‬
‫‪14-41‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬تداعيات األزمة الليبية على الجزائر‬

‫‪14-14‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬المبادرات الجزائرية لتسوية األزمة الليبية‬

‫‪/‬‬ ‫خاتمة‬

‫‪/‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫‪/‬‬ ‫الفهرس‬
‫الملخص‬

‫منذ اإلستقالل و الجزائر تسعى من خالل سياستها الخارجية بوضع ثوابت دولية تتماشى‬
‫مع المباديء القانونية الدولية من جهة و القيم و المعايير اإلنسانية من جهة أخرى حيث لعبت‬
‫ار رائدة ‪ ،‬وقد بدأت تتشكل منذ أوائل الستينيات مع مفاوضات ما‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية أدو ًا‬
‫عالميا‪ .‬وعلى نفس‬
‫ً‬ ‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫قبل االستقالل بقيادة القادة التاريخيين للثورة المجيدة الذين جعلوها‬
‫المنوال ‪ ،‬أرست الجزائر المستقلة سياسة خارجية حقيقية مبنية على القيم اإلنسانية والمصالحة‬
‫على النحو المنصوص عليه في االتفاقيات الدولية‪ .‬إن المرجعية التاريخية للسياسة الخارجية‬
‫الجزائرية مستمدة من مواقفها اإلنسانية والتضامنية ومواقفها تجاه الشعوب التي تعاني من ويالت‬
‫الحروب مثل ليبيا‪ .‬منذ بداية األزمة الليبية في ‪ ، 0211‬لم تتوقف الجزائر عن العمل لحل‬
‫المشاكل الليبية الداخلية‪ .‬إال أن ما يسمى بالثورة الليبية ضاعف حجم التحديات التي تواجهها‬
‫الجزائر على مستوى أمنها القومي من جهة ‪ ،‬وعلى المستوى السياسي من جهة أخرى ‪ ،‬مع‬
‫مراعاة اختالف وجهات النظر بين مختلف الجهات اإلقليمية‪ .‬وأطراف الصراع الدولية ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرؤية الجزائرية للتسوية السياسية لهذه النزاعات ‪ ،‬وقد دفعت هذه الحقائق الجزائر إلى التحرك‬
‫في محاولة لتغطية الضعف والهشاشة األمنية في الجنوب ‪ ،‬خاصة مع تنامي أنشطة تهريب‬
‫األسلحة‪ ، .‬فضال عن الوضع غير المستقر القادم من ليبيا والذي يمكن تصديره بسهولة إلى‬
‫الدول المجاورة في أي وقت ‪ ،‬مما سيكون له عواقب وخيمة على األمن القومي الجزائري ‪ ،‬كما‬
‫يتجلى بوضوح في مسائل الطوارق والجماعات اإلرهابية ‪ ،‬وكذلك على الجانب الشرقي ‪ ،‬من‬
‫خالل إيجاد حلول سياسية توافقية بين األطراف في ليبيا‪.‬‬
‫الملخص‬

Abstract :

Since its independence, Algeria has endeavoured through its foreign policy to establish international
instruments consistent with international legal principles on the one hand and with human values and
standards. Algeria’s foreign policy has performed pilot roles. It has begun to take shapewith the
pre-independence negotiations led by historical leaders of the glorious revolution who had made
it a global role model. Following the same path, independent Algeria has established a genuine
foreign policy built upon humanitarian and reconciliation values as stipulated in international
conventions. Algerian foreign policy historical reference is drawn from its humanitarian and
solidarity-based attitudes and positions towards peoples suffering from the scourge of wars such
as Libya. Since the very beginning of the Libyan crisis in 2011, Algeria has not ceased working to
solve the internal Libyan problems. However, the so-called Libyan revolution has doubled the
scale of the challenges faced by Algeria at level of its national security, on the one hand, and at
the political level, on the other, considering the different points of view between the various
regional and international parties of the conflict as well as the Algerian vision of the political
settlement of these conflicts.These facts have pushed Algeria to take action in an attempt to cover
the vulnerability and security fragility in the south, especially with the growth of weapons
smuggling activities, as well as the unstable situation coming from Libya and that is readily
exportable to neighboring countries at any time, which will have dire consequences on Algerian
national security, as clearly reflected in the Tuareg and terrorist groups questions, and also on the
eastern side, by finding consensual political solutions between the parties in Libya.

You might also like