Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 348

‫إﺻﺪاراﺗﻨﺎ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ )‪(١٠١‬‬ ‫ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ )‪(٤‬‬

‫املنهاج الوجيز ‪........‬‬


‫‪.....‬يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬
‫املنهاج الوجيز‬
‫يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬

‫«أصول البناء»‬

‫لألستاذ الدكتور‬

‫صالح حممد أبو احلاج‬

‫عميد كلية الفقه احلنفي‬


‫بجامعة العلوم اإلسالمية العاملية‬
‫عامن‪ ،‬األردن‬

‫مركز أنوار العلامء للدراسات‬



‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪7‬‬

‫ﱁﱂﱃﱄ‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل سيدنا حممد وآله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬وعىل من اتبعهم بإحسان إىل يوم الدِّ ين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫الزمان‪ ،‬و َك ُثر املهتمون به‬
‫علم القواعد الفقهية عال شأنه يف هذا َّ‬ ‫َّ‬
‫فإن َ‬
‫والدَّ ارسون له واملؤ ِّلفون فيه‪ ،‬فرغب كثريون بدراسته‪ ،‬و ُأ ِّلفت فيه من‬
‫والرسائل اجلامعية يف مرحلتي املاجستري والدكتوراه ما ال ُي َعد وال‬
‫الكتب َّ‬
‫ُُيىص‪ ،‬حتى لو قيل‪َّ :‬أَّنا بلغت اآلالف مل يكن القائل مبالغ ًا‪ ،‬وأصبح ُي َّ‬
‫درس‬
‫كمساق مستقل يف كليات الّشيعة‪.‬‬
‫وأمهية هذا العلم وقيمته العلمية تستحق منا هذا االهتامم وزيادة‪،‬‬
‫ولكن يف ظني حصل سوء فهم كبري هلذا العلم‪ ،‬جعل أكثر املهتمني بالّشيعة‬
‫يتعلقون به وبعلم املقاصد الّشعية؛ ظن ًا منهم َّ‬
‫أن بمعرفتهم هلذين العلمني‬
‫يستغنون عن الدراسة التفصيلية؛ فأصبح علم هؤالء علم َمن ال علم له‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪8‬‬
‫فمن مل يدرسها‪،‬‬‫فهذان العلامن يستخرجان من الفروع الفقهية‪َ ،‬‬
‫ويعتني هبا عناية كبرية‪ ،‬فلن يمكنه أن يتعرف املقاصد والقواعد يف الّشيعة‪،‬‬
‫بحيث يفهمها حق الفهم‪ ،‬وإنَّام تبقى جمرد تصورات عامة يف ذهنه ال ُيدرك‬
‫كيفية تطبيقها‪.‬‬
‫فلو كانت هذه املعرفة العامة للقواعد ُتغني‪ ،‬ألمكننا أن نعطي طلبة‬
‫ِ‬
‫دراسة املساقات الفقهية‬ ‫الّشيعة جمموع ًة من هذه القواعد‪ ،‬فيستغنوا هبا عن‬
‫َّ‬
‫املختلفة‪ ،‬وهذا ال يقول به عاقل‪.‬‬
‫ناقشت رسائل يف الدكتوراه لبعض َمن كتب يف القواعد الفقهية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫فرأيت العجب العجاب‪ ،‬فكيف ُيدخلون يف القواعد ما يشاؤون من‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫ألفاظ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫ألَّنا يف‬
‫الفروع‪ ،‬وكيف ُُيرجون منها ما يشاؤون بال ضابط؟؛ َّ‬
‫عام ٌة‪ ،‬حتتمل أن ُُي ََّر َج عليها ُّ‬
‫كل ما نريد‪.‬‬
‫فكانت القواعد بذلك سبب ًا رئيسي ًا يف الضياع الكبري الذي نراه يف فهم‬
‫األحكام الّشعية‪ ،‬وهذا التفلت الذي ال نظري له‪ُّ ،‬‬
‫فكل أحد ُيلحق ما يشاء‬
‫بعلم الفقه؛ مستند ًا مرة إىل قاعدة‪ ،‬أو مقصد‪ ،‬أو حديث‪ ،‬أو آية يفهمها‪،‬‬
‫ويؤوهلا كيف يشاء‪.‬‬
‫والكالم يف هذا اجلانب طويل لكثرة تداعياته وأمهيته‪ ،‬وما هيمنا هنا‬
‫تناول القواعد‪ ،‬وكيف نحل مشكلتها هذه؟‪ ،‬حيث حرصت يف هذا الكتاب‬
‫عىل تناول القواعد «أصول البناء» بمنظور خمتلف عن طرح املعارصين له‪،‬‬
‫وذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪9‬‬
‫الربط بني علم القواعد والعلوم الفقهية األخرى‪ ،‬حيث كان‬
‫‪َّ .1‬‬
‫التمهيد يف تقسيم األصول إىل ثالثة أصول‪ :‬أصول استنباط‪ ،‬وأصول بناء‪،‬‬
‫وأصول تطبيق‪ ،‬فأصول االستنباط‪ :‬هي علم أصول الفقه‪ ،‬وهي القواعد‬
‫التي يتم من خالهلا استخراج أصول البناء‪ :‬من القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬واآلثار‪ ،‬بعد‬
‫نظر عميق للمجتهد املطلق‪.‬‬
‫فأصول البناء متثل القواعد‪ ،‬والضوابط‪ ،‬واألصول‪ ،‬التي َبنى عليها‬
‫القرآن والسنة واآلثار األحكام الفقهية‪ ،‬فهي زبدة وعصارة اجلانب الفقهي‬
‫يف مصادر التّشيع‪.‬‬
‫وعىل أصول البناء ُنخرج األحكام الفقهية املتعددة‪ ،‬فيكون مستندها‬
‫مصادر الوحي؛ َّ‬
‫ألن أصول البناء مستخرجة منها‪ ،‬فتكون هذه األصول هي‬
‫املرجع احلقيقي للحكم الّشعي؛ ألنَّه ُيرج عليها‪.‬‬
‫وهذا ما رصح به أشهر َمن كتب يف القواعد الفقهية وهو ابن نجيم‬
‫احلنفي‪ ،‬حيث قال(‪«:)1‬معرفة القواعد وهي أصول الفقه يف احلقيقة‪ ،‬وهبا‬
‫يرتقي الفقيه اىل درجة االجتهاد ولو يف الفتوى»‪.‬‬
‫فانظر كيف جعل هذا العلم هو «أصول الفقه يف احلقيقة»‪ :‬أي هو‬
‫ألَّنا خترج عليه وتستفاد منه‪.‬‬
‫مصدر ومستند الفروع الفقهية؛ َّ‬

‫(‪ )1‬يف األشباه والنظائر ص‪.14‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪10‬‬
‫والعلم الثالث هو أصول التطبيق‪ ،‬املعروف برسم املفتي‪ ،‬وكتاب‬
‫ابن عابدين‪«:‬رشح عقود رسم املفتي» مشهور جد ًا يف هذا املقام‪ ،‬فهو يبحث‬
‫يف كيفية تطبيق األحكام الفقهية التي تم استخراجها من أصول البناء؛‬
‫بمراعاة الواقع واملكان‪ ،‬والزمان‪ ،‬واإلنسان‪.‬‬
‫عرفه كيفية‬
‫وهذه األصول الثالثة متثل املنظومة الفقهية للدارس‪ ،‬ف ُت ِّ‬
‫االستنباط‪ ،‬وكيفية البناء‪ ،‬وكيفية التطبيق هلا‪.‬‬
‫‪.2‬االجتهاد يف كيفية استخراج وتكوين القواعد الفقهية‪ ،‬حيث ُُيرج‬
‫لنا املجتهد املطلق ـ باستخدام ُأصول االستنباط يف مصادر الوحي ـ معاين‬
‫متفقة تشمل عىل العلة واحلكم‪ ،‬وهو ما يسمى يف أصول الفقه‪ :‬عني‬
‫الوصف وعني احلكم‪ ،‬ومن هذين يتكون لدينا «األصل الفقهي»‪ ،‬هكذا‬
‫اصطلحت عليه؛ َّ‬
‫ألن االستعامل األكثر هلذه املعاين املستخرجة يف كتبنا‬
‫الفقهية يعرف باسم «األصل»‪ ،‬فأضفت كلمة الفقهي لتمييزه عن أصل‬
‫االستنباط املتبادر إىل الذهن يف زماننا‪.‬‬
‫وهذا األصل الفقهي يمثل األساس ملجموعة من املسائل‪ ،‬ومن‬
‫الضابط الفقهي‪ ،‬وهو مستخدم يف‬
‫جمموعة من األصول الفقهية يتكون لدينا َّ‬
‫خصه بفروع باب من األبواب‪ ،‬ومن جمموعة ضوابط‬
‫وبعضهم َّ‬
‫ُ‬ ‫لغة الفقهاء‪،‬‬
‫أعم وأشمل؛ لتناوهلا أبواب متعدَّ دة‪.‬‬
‫تتكون لدينا القاعدة الفقهية‪ ،‬وهي ُّ‬
‫وهذا ال َّتدرج ُيسهل عىل الدَّ ارس معرفة التَّفاوت بني هذه األصول‪،‬‬
‫وبعضها يتع َّلق‬
‫ُ‬ ‫وبعضها يشمل باب ًا مثالً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فبعضها يتع َّلق بمسائل حمدودة‪،‬‬
‫ُ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪11‬‬
‫بأبواب‪ ،‬بغض النَّظر عن تسميتها بـ‪ :‬األصول الفقهية‪ ،‬أو الضوابط الفقهية‪،‬‬
‫أو القواعد الفقهية؛ َّ‬
‫ألن االستخدام الشائع هلا يف كتبنا الفقهية هو الرتادف‪،‬‬
‫رصح ابن اهلامم‪ ،‬فيطلقون بعضها عىل اآلخر‪ ،‬ولكن رغبت يف التفريق؛‬
‫كام َّ‬
‫وذلك لل َّتيسري يف الدِّ راسة وال َّتصور والفهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫تسمية الكل ُبأصول البناء‪ ،‬فتشمل‪ :‬القواعد‬ ‫واصطلحت عىل‬
‫ُ‬
‫والضوابط واألصول الفقهية‪ ،‬وهذا املصطلح هبذا الرتكيب غري مستخدم يف‬
‫قريب من ذلك‪ ،‬حيث يقولون‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الكتب الفقهية‪ ،‬ولكن َيذكر الفقهاء ما هو‬
‫الزيادات»‪،‬‬‫ُبني الباب عىل أصل كذا‪ ،‬كام فعل قايض خان يف «رشح َّ‬
‫فاستخرجت هذا املصطلح من ذاك االستعامل؛ حتى ُأسهل عىل الدَّ ارس‬
‫صور هلذا العلم‪ ،‬و ُأبني له املكانة التي هو عليها‪ ،‬ويكون االسم موافق ًا‬
‫ال َّت ُّ‬
‫ألَّنا يف احلقيقة ُأصول لبناء واستخراج األحكام الفقهية‪.‬‬
‫للمعنى؛ َّ‬
‫‪.3‬بيان حجية القواعد الفقهية‪ ،‬حيث اتفق الفقهاء السابقون‪ :‬كابن‬
‫نجيم وابن عابدين عىل عدم جواز االستدالل هبا‪ ،‬ووافقهم مجع من كبار‬
‫املعارصين‪ :‬كمصطفى الزرقا‪ ،‬وقد وقع يف الوهم عامة املعارصين بالتفريق‬
‫بني القاعدة التي يكون لفظها نص ًا كحديث مثالً‪ ،‬مثل قاعدة‪« :‬ال رضر وال‬
‫رضار»‪ ،‬فقالوا‪ :‬بجواز االستدالل هبا‪ ،‬ومل ُُيوزوا االستدالل بالقواعد التي‬
‫ألفاظها من اجتهاد الفقهاء‪.‬‬
‫كبري جد ًا يف فهم الفقه والتعامل معه‪ ،‬فليست قاعدة‪« :‬ال‬
‫خلط ٌ‬‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫َ‬
‫األصل يف مثل‬ ‫رضر وال رضار» أقوى من قاعدة «األمور بمقاصدها»؛ َّ‬
‫ألن‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪12‬‬
‫الّشعية‪ :‬من اآليات‪،‬‬
‫هذه القواعد أن تستند إىل جمموعة كبرية من النُّصوص َّ‬
‫الّشعية عّب عن املعنى املوجود‬
‫واألحاديث‪ ،‬واآلثار‪ ،‬فكون أحد النَّصوص َّ‬
‫يف النصوص األخرى ال يزيد من قوة القاعدة؛ ألنَّه نص يضاف إىل‬
‫النصوص التي تكونت منها القاعدة‪ ،‬والقواعد األخرى تعتمد عىل نصوص‬
‫متعدِّ دة‪.‬‬
‫بل اإلشكال يف عدم جواز االستدالل هبا ينبع من العموم الذي‬
‫حتتوي عليه ألفاظها‪ ،‬بغض النَّظر عن كون اللفظ اجتهادي أو منصوص‪.‬‬
‫فلو تعاملنا مث ً‬
‫ال بعموم قاعدة «األمور بمقاصدها»‪ ،‬نفسد الدِّ ين‬
‫والدُّ نيا‪ ،‬ثم نقول‪ :‬أقصد كذا وال أقصد كذا‪ ،‬فتكون باب ًا للتالعب واهلوى‪.‬‬
‫ولذلك يكون االستدالل عىل االصطالح السابق‪ :‬باألصول الفقهية‪،‬‬
‫التي متثل الدائرة األضيق يف أصول البناء‪ ،‬ومنها تتكون القواعد الفقهية؛‬
‫ألن األصول الفقهية تضبط فروع ًا حمدود ًة‪ ،‬وال استثناء فيها عاد ًة ملا اشتملت‬
‫عىل معناه‪ ،‬فهي حتتوي عىل علة األحكام‪ ،‬ولكن ينتبه فيها أيض ًا إىل الفروع‬
‫مبني يف علم الفروق‪.‬‬
‫التي تفرتق عنها كام هو ِّ‬
‫فالتخريج حقيقة يكون عىل األصول الفقهية‪ ،‬وهي املصدر للمسائل‬
‫املستجدة‪ ،‬بخالف القاعدة الفقهية‪ ،‬فإَّنا ال تصلح هلذا التخريج لكثرة؛‬
‫االستثناءات فيها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪13‬‬
‫فالقاعدة الفقهية هي املرشدة والدالة لنا عىل ما حتتها من أصول‬
‫توص ُل من‬
‫فقهية‪ ،‬بحيث نبني عليها ما نحتاج إليه من فروع‪ ،‬فيستأنس هبا و ُي َّ‬
‫خالهلا إىل ما تشتمل عليه من الضوابط واألصول الفقهية‪.‬‬
‫الفرع‬ ‫ِ‬
‫القاعدة الفقهية حقيقة‪ ،‬فإن كان‬ ‫َّخريج يكون عىل أصول‬ ‫فالت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفرع اجلديدَ إن مل‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫للقاعدة جماز ًا‪ ،‬بدليل َّ‬ ‫اجلديد مناسب ًا هلا أمكننا أن نضيفه‬
‫َ‬
‫القاعدة املبني ِة عىل أصوهلا الفقهية‪ ،‬مل ُيز بناؤه عىل‬
‫ِ‬ ‫يكن متناسب ًا مع فروع‬
‫القاعدة‪ ،‬فإذن‪ ،‬نتحقق أوالً من موافقة وختريج الفرع املستجد عىل أصول‬
‫القاعدة‪ُ ،‬ث َّم بعدها ُيمكننا أن ننس َبه إىل نفس القاعدة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪.4‬التفريق يف مصادر القواعد «أصول البناء» بني مصدرها عند‬
‫املجتهد املطلق‪ ،‬ومصدرها عند املجتهد يف املذهب‪ ،‬وعدم انتباه املعارصين‬
‫هلذا أوقعهم يف اضطراب شديد‪ ،‬فالقواعد «أصول البناء» هلا مرحلتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬يف ذهن املجتهد املطلق‪ ،‬ومنها خترج الفروع الفقهية املختلفة‪،‬‬
‫ويعتمد يف تكوين القواعد «أصول البناء» عىل مصادر التّشيع‪ ،‬وهذا من‬
‫خالل النظر والتدبر فيها يف ضوء أصول االستنباط اخلاصة به‪ ،‬فيكون‬
‫مصدر القواعد بالنسبة للمجتهد املطلق هو‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬واآلثار‪،‬‬
‫واإلمجاع‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬استخراج القواعد «أصول البناء» من الفروع الفقهية‬
‫الصادرة عن املجتهد املطلق‪ ،‬فاستقراء املجتهد يف املذهب يف الفروع يوصله‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪14‬‬
‫إىل القواعد «أصول البناء» التي بناها املجتهد املطلق عليها‪ ،‬فيكون مصدر‬
‫القواعد عند املجتهد يف املذهب هو مسائل املذهب‪.‬‬
‫‪.5‬عرض القواعد «أصول البناء» من عامة العصور الفقهية مع‬
‫التوضيح والتمثيل هلا‪ ،‬فبدأت بعرص املجتهدين املطلقني‪ ،‬ثم عرضت قواعد‬
‫من كتب أيب يوسف القايض‪ ،‬وحممد الشيباين‪ ،‬ثم من أصول الكرخي‪،‬‬
‫وأصول الدَّ بويس‪ ،‬ثم من كتب الّشوح يف املذهب‪ :‬كالكاساين‪ ،‬وقايض‬
‫خان‪ ،‬واحلصريي‪ ،‬ثم من «األشباه» البن نجيم‪ ،‬ثم من كتب املتأخرين‪:‬‬
‫كناظر زاده‪ ،‬والطوري‪ ،‬واخلادمي‪ ،‬واحلسيني‪ ،‬وجملة األحكام‪ ،‬واملجددي‪،‬‬
‫ومصطفى الزرقا‪ ،‬بحيث استوعبت ال َّتأليف يف القواعد عند السادة احلنفية؛‬
‫حتى يكون القارئ عىل بصرية كاملة من حقيقة القواعد «أصول البناء» يف‬
‫األزمنة املختلفة‪ ،‬وكيفية تناول الفقهاء هلا واستفادهتم منها‪.‬‬
‫‪ .6‬رشح (‪ )215‬مئتي ومخس عّشة قاعدة «أصل للبناء» يف هذا‬
‫الكتاب باختصار عىل مذهب السادة احلنفية؛ ألن الكتاب كتب عىل املذهب‬
‫احلنفي‪ ،‬مع ذكر مبحث خاص يف التَّأليف يف القواعد يف املذاهب الفقهية‬
‫األُخرى‪.‬‬
‫‪.7‬اختصار أفضل كتب القواعد عند املتأخرين من احلنفية يف الفصل‬
‫األخري من الكتاب‪ ،‬وهو كتاب «رشح القواعد» ألمحد الزرقا‪ ،‬حيث تناول‬
‫رشح مجيع قواعد «جملة األحكام العدلية»‪ ،‬وتوسع كثري ًا أثناء رشحها؛ بام‬
‫يصعب عىل الطالب املبتدئ أن يفهمه؛ لكثرة تفريعاته‪ ،‬فأخذت منه خمترص ًا‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪15‬‬
‫يمكن فهمه للطالب املبتدئ‪ ،‬ويكون مرحلة أوىل قبل دراسة «رشح‬
‫القواعد» للزرقا بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬وأعدت ترتيبه إىل قواعد كلية‪ ،‬وقواعد‬
‫متعلقة هبا‪ ،‬كام يفعله املؤلفون من املعارصين يف القواعد‪ ،‬وهذا ُيعلها أقرب‬
‫إىل ذهن القارئ الكريم‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬أسال اهلل تعاىل أن يكون هذا العمل متقب ً‬
‫ال لديه‪ ،‬وأن‬
‫ُيعله خالص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يديم نعمه الظاهرة والباطنة علينا‪ ،‬وأن‬
‫يغفر لنا ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وأن يتجاوز عني وعن شيوخي وأبوي‬
‫وأزواجي وأوالدي واملسلمني واملسلامت‪ ،‬وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وعىل‬
‫آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫الدكتور صالح أبو احلاج‬
‫يف صويلح بتاريخ‪2015\7\10‬م‬
‫عامن‪ ،‬األردن‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪16‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪17‬‬

‫متهيد يف مقدمات عامة‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬ترادف القاعدة والضابط واألصل يف االستعامل الفقهي‪:‬‬
‫ألَّنا‬
‫ذكرت يف عنوان الكتاب‪ :‬القواعد والضوابط واألصول؛ َّ‬
‫الشائع ُة يف االستعامل يف كتب احلنفية‪ ،‬فيقولون‪ :‬والقاعد ُة‪ ،‬وقاعدته‪،‬‬
‫ابط له‪ ،‬وضابطه‪ ،‬واألصل‪ ،‬وأصله‪ ،‬وأكثرها شيوع ًا يف الكتب هو‬
‫والض ُ‬
‫َّ‬
‫استعامل كلمة األصل‪.‬‬
‫وهي عىل اإلمجال بمعنى واحد يف االستعامل‪ ،‬وأشار إىل هذا ابن‬
‫اهلامم‪ ،‬فقال(‪« :)1‬ومعنى القاعدة كالضابط ‪...‬واألَصل ‪ ،» ...‬وع َّلق عليه أمري‬
‫بادشاه(‪ )2‬بقوله‪ « :‬فهي ألفاظ مرتادفة اصطالح ًا»‪.‬‬
‫الزرقا(‪ « :)3‬األصل بقاء ما كان عىل ما كان‪ ...‬األصل يف‬
‫وقال أمحد َّ‬
‫الّشء‪ ،‬ويف االصطالح ُيطلق عىل معان كثرية‪ ،‬منها أنَّه يستعمل‬
‫اللغة‪ :‬أسفل َّ‬
‫بمعنى القانون والقاعدة املنطبقة عىل جزئياهتا‪ ،‬وهو املراد هنا»‪ :‬أي فاملراد‬
‫هنا من األصل هو القاعدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬التحرير‪.15 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف تيسري التحرير‪.15 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف رشح القواعد ص‪.87‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪18‬‬
‫وعام ُة ما ورد يف كتب الفقه ُّ‬
‫يدل عىل ترادفها يف استعامل الفقهاء‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫البيع إذا انفسخ بسبب كان‬
‫أن َ‬ ‫(ق‪ :)1:‬قوهلم‪« :‬القاعدة يف ذلك‪َّ :‬‬
‫فسخ ًا يف حق كافة الناس»‪ ،‬فيجوز بيع املبيع قبل القبض من كل أحد‪ :‬أي‬
‫حق‬
‫من املشرتي وغريه‪ ،‬أما إذا انفسخ البيع بغري سبب كاإلقالة‪ ،‬فهو يف ِّ‬
‫جائز‬
‫البيع قبل القبض من املشرتي ٌ‬
‫فإن َ‬ ‫بيع‪َّ ،‬‬
‫حق الغري ٌ‬ ‫العاقدين ٌ‬
‫فسخ‪ ،‬ويف ِّ‬
‫ومن غريه ال(‪.)1‬‬
‫أن َمن ابتيل ببليتني‪ ،‬فإن تساويا ُخ رِّي وإن اختلفا‬ ‫والض ُ‬
‫ابط‪َّ :‬‬ ‫وقوهلم‪َّ « :‬‬
‫للّضورة‪ ،‬وال رضورة يف‬ ‫اختار األخف» (‪)2‬؛ َّ‬
‫ألن مبارش َة احلرام ال جتوز إال َّ‬
‫جرح لو سجد سال جرحه‪ ،‬وإن مل يسجد مل‬
‫ٌ‬ ‫حق ا ِّلزيادة‪ ،‬كام يف رجل عليه‬
‫يسل‪ ،‬فإنَّه ُي ِّ‬
‫صِّل باإليامء(‪.)3‬‬
‫أن َّ‬
‫كل قيام فيه ذكر مسنون َيعتمد فيه ـ‬ ‫(ق‪ :)2:‬وقوهلم‪« :‬واألصل‪َّ :‬‬
‫الرسة ـ وما ال فال ‪ ،» ...‬فيعتمد يف حالة‬
‫أي يضع ال ُيمنى عىل ال ُيرسى حتت ُ َّ‬
‫القنوت وصالة اجلنازة‪ ،‬و ُيرسل يف القومة وبني تكبريات األعياد(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬درر احلكام رشح جملة األحكام ‪.238 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الدر املختار‪.412 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التبيني‪.98 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اهلداية‪.49 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪19‬‬
‫الضابط والقاعدة؛ َّ‬
‫بأن‬ ‫بعض الفقهاء كابن ُنجيم(‪« :)1‬بني َّ‬
‫وفرق ُ‬‫َّ‬
‫ُ‬
‫والضابط ُيمعها من باب واحد‪ ،‬هذا‬ ‫القاعد َة جتمع فروع ًا من أبواب شتى‪،‬‬
‫هو األصل»‪ ،‬حيث جعل األصل هو التَّفريق بينها‪ ،‬لك َّن االستعامل ُيالف‬
‫ذلك‪ ،‬وسيأيت مناقشة ذلك يف مبحث ال َّتعريفات‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬القواعد الفقهية متثل أصول البناء يف االستعامل الفقهي‪:‬‬
‫إن كالمنا يف القواعد الفقهية ُيمثل أحد األصول ال َّثالثة التي يعتمد‬
‫َّ‬
‫عليها علم الفقه‪ ،‬وهي‪ :‬أصول االستنباط‪ ،‬وأصول البناء‪ ،‬وأصول التطبيق‪،‬‬
‫وبدون ضبطها وال َّتمكن منها يبقى الدَّ ارس يف حرية شديدة يف فهم الفقه‪،‬‬
‫وهي متثل املراحل التي يمر فيها الفقه‪.‬‬
‫فاالستنباط يتحدث عن كيفية استخراج احلكم الّشعي من اآليات‬
‫واألحاديث النبوية‪ ،‬وهو املعروف بعلم أصول الفقه‪.‬‬
‫والبناء يتكلم عن اعتامد األحكام عىل عللها‪ ،‬وأصوهلا‪ ،‬وكيفية ختريج‬
‫والضوابط واألصول الفقهية‪.‬‬
‫غريها عليها‪ ،‬وهو املعروف بعلم القواعد َّ‬
‫الّشعي يف الواقع والعمل به‪،‬‬
‫وال َّتطبيق يتكلم عن كيفية تقرير احلكم َّ‬
‫وهو املعروف بعلم رسم املفتي‪.‬‬
‫فاملجتهد ُيعمل أصول استنباطه يف اآليات واألحاديث من أجل‬

‫(‪ )1‬يف األشباه والنظائر ص‪.137‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪20‬‬
‫استخراج أصول البناء لألحكام‪ ،‬ومن أصول البناء ُُيرج األحكام الفقهية‪،‬‬
‫ويف تطبيقها عىل املكلفني ُيراعي قواعد أصول التطبيق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جمموعة من اآليات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أصل البناء هو خالص ُة وزبد ُة‬ ‫فيكون‬
‫واألحاديث‪ ،‬واآلثار‪ ،‬بعد إعامل أصول االستنباط فيها‪.‬‬
‫ولذلك كان من اخلطأ استخراج حكم من آية أو حديث منفرد بدون‬
‫النَّظر يف نظرائه‪ :‬من اآليات‪ ،‬واألحاديث‪ ،‬واآلثار‪ ،‬فلع َّله يكون منسوخ ًا‪ ،‬أو‬
‫موؤالً‪ ،‬أو معارض ًا‪ ،‬أو َّ‬
‫خمصص ًا أو مقيد ًا إىل غري ذلك من االحتامالت‪.‬‬
‫وإنَّام املنهجية الفقهية العلمية تقتيض االستقراء ملا ورد يف الباب من‬
‫األدلة‪ ،‬واجلمع والتَّوفيق بينها من خالل قواعد علم أصول الفقه املتينة‪ ،‬ثم‬
‫استخراج ما تقضيته هذه اآليات يف أصل فقهي ُيعتمد عليه يف ختريج‬
‫األحكام‪.‬‬
‫وهذه هي الطريقة التي سار عليها فقهاؤنا‪ ،‬حيث ُيرجون األحكام‬
‫عىل معان فهموها من االستقراء للنصوص وبنوا عليها فروعهم‪ ،‬بخالف ما‬
‫يرى اآلن من مسلك يف الفقه يف ِ‬
‫بناء احلكم عىل آية منفردة أو حديث منفرد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫مشوهة‬ ‫الّشيعة هبذه ال َّطريقة‪ ،‬وظهرت صور ٌة‬
‫حيث تناقضت أحكام َّ‬
‫الّشعي‪.‬‬
‫لإلسالم وللحكم َّ‬
‫و َأعرض ههنا نبذ ًة عن األصول ال َّثالثة؛ حتى تتضح حقيقتها واتفاقها‬
‫واختالفها مع القواعد الفقهية‪ ،‬وذلك فيام يأيت‪:‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪21‬‬
‫األول‪ :‬أصول االستنباط «علم أصول الفقه»‬
‫ومن تعريفات علم أصول الفقه‪:‬‬
‫يتوصل هبا إىل استنباط األحكام الرشعية الفرعية‬
‫َّ‬ ‫العلم بالقواعد التي‬
‫ُ‬
‫من أدلتها التفصيلية(‪.)1‬‬
‫ويف هذا التعريف ثالثة أمور‪ :‬أصل البناء‪ ،‬وأصل االستنباط‪ ،‬والدليل‪،‬‬
‫فأصل البناء وهو وجوب الصالة‪ ،‬وأصل االستنباط‪ :‬األمر يفيد الوجوب‪،‬‬
‫ِ‬
‫الصال َة}‬ ‫بالصالة‪ ،‬منها‪ :‬قوله ‪َ { :‬و َأ ْن َأق ُ‬
‫يمو ْا َّ‬ ‫والدليل اآليات اآلمرة َّ‬
‫األنعام‪ ، 72 :‬فهذا اآليات كلها تأمر بالصالة‪ ،‬وأصل االستنباط يقول‪:‬‬
‫األمر للوجوب‪ ،‬فتكون النتيجة يف أصل البناء بوجوب الصالة‪ ،‬ويكون‬
‫احلكم الّشعي بفرضية الصالة (‪.)2‬‬
‫وعليه َّ‬
‫فإن علم أصول الفقه‪ :‬هو العلم الذي ُيبني املناهج التي انتهجها‬
‫األئمة املجتهدون يف استنباطهم وتعرفهم لألحكام من النُّصوص‪.‬‬
‫فهو جمموعة القواعد التي ُتبني للفقيه طرق استخراج األحكام من‬
‫األدلة التفصيلية‪ ،‬سواء أكانت تلك الطرق لفظية‪ :‬كمعرفة دالالت األلفاظ‬
‫الّشعية عىل معانيها‪ ،‬واستنباطها منها‪ ،‬وطرق التوفيق بينها عند تعارض‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬بديع النظام ‪ ،9 :1‬وكشاف اصطالحات الفنون ‪.38 :1‬‬


‫)‪ (2‬وينظر‪ :‬أصول الفقه للمبتدئني ص‪ ،27-26‬وتسهيل أصول الشايش ص‪.7-6‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪22‬‬
‫ظواهرها‪ ،‬أو اختالف تارُيها‪ ،‬أم كانت معنوية‪ :‬كاستخراج العلل من‬
‫النصوص وتعميمها‪ ،‬وبيان طرق استخراجها‪ ،‬وأسلم املناهج لتعرفها‪.)1(...‬‬
‫واألدلة راجعة إىل‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واألحكام‬
‫راجعة إىل‪ :‬الوجوب‪ ،‬والندب‪ ،‬واحلرمة‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلباحة‪ ،‬وبالتأمل يف‬
‫كيفية االستدالل ـ بتلك األدلة ـ عىل تلك األحكام إمجاالً من غري نظر إىل‬
‫تفاصيلها‪ ،‬إال عىل طريق رضب املثل‪ُ ،‬يصل لنا قضايا كلية متعلقة بكيفية‬
‫االستدالل بتلك األدلة عىل تلك األحكام إمجاالً‪ ،‬وبيان طرقه ورشائطه‪،‬‬
‫يتوصل بكل من تلك القضايا إىل استنباط كثري من تلك األحكام اجلزئية من‬
‫ودونوها‪ ،‬وأضافوا إليها‪ :‬من اللواحق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أدلتها‪ ،‬فضبطها األصوليون‪،‬‬
‫واملتمامت‪ ،‬وبيان االختالفات‪ ،‬وما يليق هبا‪ ،‬وسموا العلم هبا أصول الفقه‪،‬‬
‫فصار عبارة عن العلم بالقواعد التي يتوصل هبا إىل الفقه(‪.)2‬‬
‫الثاين‪ :‬أصول البناء‪:‬‬
‫هو ما ُيعرف بالقواعد والضوابط واألصول الفقهية للمسائل‪ ،‬وهذه‬
‫ُّ‬
‫حمل البحث يف هذا الكتاب‪ ،‬حيث تتضمن اآليت‪:‬‬
‫ُ‬
‫أصول البناء املشرتكة يف موضوعات‬ ‫‪.1‬القواعد الفقهية‪ ،‬وتشمل‬
‫متعدِّ دة‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬أصول الفقه أليب زهرة ص‪.6-3‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬كشاف مصطلحات الفنون ‪.38 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪23‬‬
‫‪.‬الضوابط الفقهية‪ ،‬وتشمل أصول البناء ألبواب خاصة‪.‬‬
‫‪َّ 2‬‬
‫‪.3‬األصول الفقهية‪ ،‬وتشمل أصول البناء عىل مسائل خاصة‪.‬‬
‫خمالف لالستعامل َّ‬
‫الشائع هلا يف كتب الفقهاء‪ ،‬كام‬ ‫ٌ‬ ‫فريق بينها‬
‫وهذا الت ُ‬
‫َس َبق‪ ،‬لكنَّه مفيدٌ للدارس من أجل تنظيم املعلومات يف ذهنه‪ ،‬ومتييز ًا‬
‫لالصطالحات يف االستعامالت املتعددة ألصول البناء يف املوضوعات‬
‫املختلفة واألبواب واملسائل‪ ،‬فنتعامل مع ٍّ‬
‫كل منها بمصطلح خاص‪ ،‬وهذه‬
‫ميز ُة كتب املتأخرين‪ ،‬حيث الزياد ًة يف الرتتيب والتنظيم للعلوم‪.‬‬
‫وأصول البناء هذه ُمتثل عل ًام كبري ًا واسع ًا‪ ،‬حيث اعتنى به العلامء كثري ًا‬
‫يف إظهار البناء الفقهي للمسائل‪ ،‬ومن أبرزها‪« :‬الوجيز يف الفتاوى» لريض‬
‫الّس ْخس‪ ،‬و«رشح الزيادات» لقايض خان‪ ،‬حيث ذكر قايض خان‬
‫الدِّ ين َّ َ‬
‫مبني عىل أصل أو أصلني‪،‬‬ ‫فيه ما يزيد عن ألف قاعدة‪ ،‬و َب َّني يف ِّ‬
‫كل باب أنَّه ٌّ‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأصول البناء كام الحظنا هلا ُ‬
‫ثالث صور‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪.1‬مبنى مسائل خاصة «األصول الفقهية»‪:‬‬
‫وهو األصل الذي ُبنيت عليه هذه املسألة وأمثاهلا من املسائل التي‬
‫ُ‬
‫األصل عاد ًة يشتمل عىل‬ ‫تشبهها‪ ،‬فاملسأل ُة دائ ًام هي تطبيق ألصل‪ ،‬وهذا‬
‫جمموعة من املسائل املتشاهبة‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪24‬‬
‫َ‬
‫املسائل الفقهي َة مبني ٌة عىل أصول‪ُ ،‬تدرس من أجل حتصيلها‪ ،‬وعام ُة‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫فإَّنا عبار ٌة عن أمثلة‪،‬‬
‫املذكور يف كتب الفقه ـ ما عدا أبواب العبادات ـ‪َّ ،‬‬
‫تطبيق يف زمان ومكان ُمعينيني‪ ،‬وبال َّتايل‬
‫ٌ‬ ‫وليست مقصود ًة بذاهتا‪ ،‬وإنَّام هي‬
‫َمن ال يدرس املسائل الفقهية مالحظ ًا ملبانيها وأصوهلا وأسسها‪ ،‬فإنَّه ال يقدر‬
‫حقيقة الفقه والعيش يف ِ‬
‫كنفه‪ ،‬وإنَّام يبقى متع ِّلق ًا بقشور بدون قدرة‬ ‫ِ‬ ‫عىل فهم‬
‫عىل ضبط ومتكُّن فيه‪ ،‬وال يصل إىل امللكة الفقهية التي هبا نطبق الفقه‪ ،‬وال‬
‫يقدر عىل إدراك مقاصد ال َّتّشيع‪.‬‬
‫عرفنا بانتفاء العشوائية يف‬‫وارتباط املسائل بأصول ومبان دقيقة ُي ِّ‬
‫األحكام‪ ،‬وانتظامها وترتيبها؛ بام يورث ال ِّثقة لدى الدَّ ارس والعامل هبا يف‬
‫حتقيقها ملقصد الّشيعة‪ ،‬وُيعل األحكام متسقة مع بعضها البعض‪.‬‬

‫وقد َأبدع قايض خان يف رشحه عىل «الزيادات»‪ ،‬عندما َّ‬


‫رصح يف بداية‬
‫رشحه‪ :‬لكل جمموعة من املسائل باألصل الذي ُبنيت عليه‪ ،‬ومن أمثلتها يف‬
‫البيوع‪:‬‬
‫(ق‪« :)3:‬سالمة املبيع للمشرتي توجب سالمة الثمن للبائع»‪ ،‬ويرتتب‬
‫الرجوع بال َّثمن عىل البائع حتقيق ًا‬
‫عليه استحقاق املبيع عىل املشرتي يوجب ُّ‬
‫ملقتىض املعاوضة واملساواة(‪ :)1‬أي إذا س َّلم البائع للمشرتي املبيع سامل ًا من أي‬
‫عيب‪ ،‬وجب عىل املشرتي تسليم الثمن للبائع سامل ًا عن نقص‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات لقايض خان‪.678 :2‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪25‬‬
‫ألَّنا‬ ‫ُ‬
‫وحمل اإلجارة املنفعة»؛ َّ‬ ‫(ق‪ُ « :)4:‬‬
‫حمل البيع‪ :‬هو املال اململوك‪،‬‬
‫وضعت لتمليك املنفعة‪ ،‬فيقتيض قيام املنفعة‪.‬‬
‫ال‪ :‬لو اشرتى أرض ًا سبخة أو ُمهر ًا صغري ًا جاز‪ ،‬ولو استأجر ذلك‬
‫فمث ً‬
‫فاألرض السبخة ال تصلح للزراعة بسبب كثرة املاء فيها‪ ،‬فال‬
‫ُ‬ ‫ال ُيوز(‪،)1‬‬
‫للركوب وغريه‪ ،‬فال يصلح‬
‫الصغري ال يصلح ُّ‬
‫املهر َّ‬
‫ُ‬ ‫إجارهتا‪ ،‬وكذلك‬
‫ُ‬ ‫تصح‬
‫ُّ‬
‫منتفع به‪ ،‬فجاز‬
‫ٌ‬ ‫الصغري مال‬ ‫استئجاره‪ ،‬يف حني َّ‬
‫أن األرض السبخة واملهر َّ‬
‫بي ُعهام‪.‬‬
‫(ق‪« :)5:‬الواحدُ يف املعاوضات املالية ال يصلح عاقد ًا من اجلانبني»؛‬
‫حقوق العقد فيها ترجع إىل العاقد‪ ،‬فيصري الواحد مطالِب ًا ومطا َلب ًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫ٌ (‪)2‬‬
‫رصفات يف الوكالة عىل نوعني‪:‬‬
‫حمال ‪ ،‬فال َّت ُّ‬ ‫وذلك‬
‫أ‪.‬ترصفات يصلح للوكيل أن ينسبها لنفسه‪ ،‬مثل املعاوضات املالية‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫فعندما يوكل بّشاء سيارة‪ ،‬فيمكنه أن يشرتي من البائع دون أن يذكر املوكِّل‬
‫ُ‬
‫واحلقوق ترجع فيها للوكيل‪،‬‬ ‫السيارة بكذا‪،‬‬
‫عنده‪ ،‬فيقول‪ :‬أشرتي منك هذه ِّ‬
‫واملقصود باحلقوق‪ :‬تس ُّلم املبيع‪ ،‬وتسليم ال َّثمن‪ ،‬فال ُيمكن للوكيل أن يتوىل‬
‫ال من قبل البائع‪ ،‬ووكي ً‬
‫ال من قبل املشرتي؛‬ ‫طريف العقد‪ ،‬بحيث يكون وكي ً‬
‫ألنَّه ُيمل صفتني متضادتني‪ ،‬ومها التَّس ُّلم والتَّسليم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات لقايض خان‪.728 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات لقايض خان‪.736 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪26‬‬
‫ب‪.‬ترصفات ال يصلح للوكيل أن ينسبها لنفسه‪ ،‬مثل‪ :‬النِّكاح‪ ،‬فعندما‬
‫ُّ‬
‫يوكل بتزويج رجل فال ُيمكنه أن يذهب للمرأة ويقول‪ُ :‬أريد أن َّ‬
‫أتزوجك‬
‫يتزوجك‪ ،‬وهذه‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫فالن يريد أن‬ ‫بدون ذكر املوكِّل‪ ،‬فيلزمه أن يقول‪:‬‬
‫َّرصفات ترجع فيها احلقوق إىل املوكِّل‪ ،‬فال يلزم الوكيل تسليم املرأة وال‬
‫الت ُّ‬
‫تسليم املهر‪ ،‬فيكون الوكيل سفري ًا ورسوالً؛ لذلك جاز أن يتوىل الوكيل‬
‫الرجل‪.‬‬ ‫ال من ِ‬
‫جهة املرأة‪ ،‬ووكي ً‬ ‫طريف العقد‪ ،‬فيكون وكي ً‬
‫ال من جهة َّ‬
‫‪.2‬مبنى أبواب خاصة «الضوابط الفقهية»‪:‬‬
‫إن َّ‬
‫كل باب من األبواب الفقهية له فكر ٌة رئيسي ٌة يسعى لتحقيقها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وتدور مسائله عىل تطبيقها‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫ٌ‬
‫واستحسان‪،‬‬ ‫قياس‬
‫القياس يف الباب‪ ،‬الذي ُيقابله االستحسان‪ ،‬فالفق ُه ٌ‬
‫الضابط يف الباب الذي تنطبق عليه عامة مسائله‪ ،‬واالستحسان‬
‫والقياس هو َّ‬
‫فالفروع التي خرجت عن القياس بنص أو‬
‫ُ‬ ‫هو االستثناء من هذا الضابط‪،‬‬
‫إمجاع أو رضورة أو عرف أو غريه‪ُ ،‬نسميها استحسان‪ ،‬ومن صوره‪:‬‬
‫(ق‪ :)6:‬القياس يف الوضوء‪« :‬غسل األعضاء الثالثة‪ :‬الوجه‪ ،‬واليدين‪،‬‬
‫والرجلني‪ ،‬ومسح الرأس»‪ ،‬واالستحسان‪ :‬هو املسح عىل اخلُف ال َّثابت‬
‫ر‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ثالثة أيام ولياليهن‬ ‫(ج َعل‬
‫باحلديث املشهور؛ فعن عِّل ‪َ :‬‬
‫للمسافر‪ ،‬ويوم ًا وليل ًة للمقيم)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪.232 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪27‬‬
‫ُ‬
‫إيصال املاء إىل ما ال حرج فيه من‬ ‫والقياس يف ال ُغسل‪« :‬‬
‫ُ‬ ‫(ق‪:)7:‬‬
‫اجلسم»‪ ،‬واالستحسان‪ :‬هو سقوط غسل الشعر للمرأة صاحبة الضفرية‪،‬‬
‫واالكتفاء بوصول املاء إىل أصول الشعر؛ حلديث أم سلمة ريض اهلل عنها‬
‫املشهور‪ ،‬فعن أم سلمة ريض اهلل عنها‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين امرأة‬
‫أشدُّ ضفر رأيس‪ ،‬فأنقضه لغسل اجلنابة؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬إنَّمـا يكفيك أن حتثي عىل‬
‫رأسك ثالث حثيات‪ ،‬ثم تفيضني عليك املاء فتطهرين)(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)8:‬والقياس يف نواقض الوضوء‪« :‬اخلارج النجس ينقض‬
‫الصالة؛ حلديث الّضير‬
‫الوضوء»‪ ،‬واالستحسان‪ :‬النقض بالقهقهة يف َّ‬
‫َّبي ‪ُ ‬ي َص ِِّّل‬ ‫املشهور‪ ،‬فعن أيب العالية ‪َّ « :‬‬
‫إن أعمى تر َّدى يف بئر‪ ،‬والن ُّ‬
‫يصِّل معه‪ ،‬فأمر من كان ضحك منهم أن يعيد‬ ‫بأصحابه‪ ،‬فضحك من كان ِّ‬
‫والصالة»(‪.)2‬‬
‫الوضوء َّ‬
‫(ق‪ :)9:‬والقياس يف الصالة‪« :‬وجوب الصالة يف األوقات املحددة‬
‫هلا»‪ ،‬واالستحسان‪ :‬اجلمع بينها يف عرفة ومزدلفة‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪.259 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الدارقطني ‪ ،167 :1‬والكامل‪ ،167 :3‬وتاريخ جرجان‪ ،405 :1‬وسنن‬
‫البيهقي الكبري‪ ،252 :2‬ومصنف عبد الرزاق‪ ،376 :2‬ومصنف ابن أيب شيبة‪،341 :1‬‬
‫ومراسيل أيب داود ص‪ ،75‬قال اللكنوي بعد أن أورد طرق األحاديث الواردة يف القهقهة يف‬
‫واألخبار املرسل ُة دال ٌة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األحاديث املسندة‪،‬‬ ‫رسالته اهلسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة‪ :‬فهذه‬
‫ِ‬
‫الوضوء بالقهقهة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫انتقاض‬ ‫رصُي ًا عىل‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪28‬‬
‫(ما رأيت رسول اهلل ‪ ‬صىل صالة إال مليقاهتا إال صالتني صالة املغرب‬
‫والعشاء بجمع وصىل الفجر يومئذ قبل ميقاهتا)(‪.)1‬‬
‫فالزكاة وجدت‬
‫(ق‪ :)10:‬ضابط‪« :‬العمل باألنفع للفقراء يف الزكاة»‪َّ ،‬‬
‫من أجل حتقيق النفع واملصلحة للفقراء‪ ،‬وما كان من أقوال الفقهاء فيه منفعة‬
‫قوم عروض ال ِّتجارة باألنفع‬
‫للفقراء أكثر كان العمل به أوىل‪ ،‬فمثالً‪ُ :‬ت َّ‬
‫للفقراء من َّ‬
‫الذهب والفضة و ُتزكى(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)11:‬ضابط‪« :‬العمل باألنفع لألوقاف»؛ قال يف «احلاوي‬
‫القديس»‪« :‬يفتى بام هو أنفع لألوقاف فيام اختلف العلامء فيه»(‪)3‬؛ َّ‬
‫ألن أحكا َم‬
‫الوقف تدور عىل حفظه وزيادته وإيصال نفعه ملستحقه‪ ،‬فام كان من أقوال‬
‫الفقهاء ُي ِّقق ذلك يعمل به‪ :‬كقول أيب يوسف يف جواز الوقف ُّ‬
‫الذري ـ أي‬
‫ألوالد وأوالد وأوالد أوالده ومن بعدهم للفقراء ـ‪ ،‬ففيه فائد ُة حتقيق‬
‫الذرية‪ ،‬ولو منعنا منه ألغلقنا باب ًا‬
‫الوقف‪ ،‬وإيصال نفعه للفقراء بعد فناء ُّ‬
‫الشهيد‪ :‬الفتوى عىل قول أيب يوسف؛ ترغيب ًا للنَّاس يف‬
‫در َّ‬
‫الص ُ‬
‫للوقف‪ ،‬قال َّ‬
‫الوقف(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪ ،938 :2‬وصحيح البخاري ‪.604 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬اجلوهرة‪ ،124 :1‬والبناية‪ ،384 :3‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح عقود رسم املفتي ص‪.461‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اإلسعاف يف أحكام األوقاف ص‪.187‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪29‬‬
‫‪.3‬مبنى موضوعات متعدر دة «القواعد الفقهية»‪:‬‬
‫أبواب خمتلف ٌة‪ ،‬ومن أمثلتِه‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وهو ُيمثل األُصول التي تشرتك فيها‬
‫(ق‪ :)12:‬قاعدة‪« :‬األصل يف األشياء اإلباحة»(‪ ،)1‬ويستنثى منها‬
‫األصل يف‬ ‫َ‬ ‫الفروج؛ إذ األصل فيها التحريم‪ ،‬قال شيخي زاده(‪ «:)2‬واعلم َّ‬
‫أن‬
‫األشياء ك ِّلها سوى الفروج اإلباحة‪ ،‬قال ‪ُ { :‬ه َو ا َّل ِذي َخ َل َق َل ُكم َّما ِيف‬
‫الالً َط ِّيب ًا}‬
‫ض َح َ‬ ‫ض َمجِيع ًا} البقرة‪ ،29 :‬وقال ‪ُ { :‬ك ُلو ْا ِِمَّا ِيف األَ ْر ِ‬
‫األَ ْر ِ‬
‫البقرة‪ ،168 :‬وإنَّام تثبت احلرمة بمعارضة نص مطلق أو خّب مروي‪ ،‬فام مل‬
‫يوجد يشء من الدَّ الئل املحرمة فهي عىل اإلباحة»‪.‬‬
‫الرجال والنِّساء‪َّ ،‬‬
‫فإن األصل‬ ‫واملقصود بالفروج‪ :‬هي العالقات بني ِّ‬
‫فيها املنع؛ ملا يرتتب عليها من الفساد‪ ،‬إال ما أباحه الشارع من الزواج‪،‬‬
‫واحلاجيات املقيدة بضوابط الّشع‪.‬‬
‫َ‬
‫األصل فيها املنع؛‬ ‫و ُيضاف لذلك أيض ًا‪ :‬املأكوالت من ال ُّلحوم‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫لقوله تعاىل‪{ :‬إِالَّ َما َذ َّك ْي ُت ْم} املائدة‪ ،3 :‬فيباح منه ما كانت ذكاته رشعية أو‬
‫كان صيد ًا بّشوطه‪ ،‬وأن ال يكون من ذي ناب أو خملب؛ لـ«َّني رسول اهلل‬
‫لسباع‪ ،‬وعن أكل ذي خملب من الطري»(‪.)3‬‬
‫‪ ‬عن أكل ذي ناب من ا ِّ‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،458 :6 ،161 :4 ،105 :1‬وغريه‪.‬‬


‫)‪ (2‬يف جممع األَّنر ‪.568 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح مسلم ‪ ،1543 :3‬وسنن أيب داود‪.383 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪30‬‬
‫جهالة تُفيض إىل النرزاع تُفسدُ الترصف»‪ ،‬فميزوا‬‫ٍ‬ ‫(ق‪ :)13:‬قاعدةٌ‪ُ « :‬‬
‫كل‬
‫وغري املعفوة بتح ُّق ِق النِّزاع فيها‪ ،‬فعامة الفروع يف الفساد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعفوة‬ ‫ِ‬
‫اجلهالة‬ ‫بني‬
‫يع ِّللون فسادها باجلهالة أو بالنِّزاع‪.‬‬
‫واجلهال ُة متفاوت ٌة جد ًا من زمان إىل زمان‪ ،‬ومكان إىل مكان‪ ،‬لك َّن مر ُّدها‬
‫بعض األوصاف وتكون‬ ‫إىل النِّزاع‪ ،‬فيكفينا مث ً‬
‫ال يف بلدة أن نذكر يف املبيع َ‬
‫كافي ًة لعدم حصول التَّنازع‪ ،‬ويف بلدة ُأخرى ال يكفينا ذكر مثل هذه‬
‫يبني أكثر‪ ،‬فيكون البيع يف البلد الذي ال‬
‫األوصاف فيحصل تنازع إن مل ِّ‬
‫يتنازعون فيه صحيح ًا ويف األخرى فاسد ًا‪.‬‬
‫الّس ْخ ِس ‪« :)2(‬الغرر‬
‫َّبي ‪َّ« :‬نى عن بيع الغرر» ‪ ،‬قال اإلمام َّ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫فالن ُّ‬
‫ما يكون مستور العاقبة فال بد أن يكون ما يف العقد واضح ًا ب ِّين ًا وحمدَّ د ًا‬
‫ِّ‬
‫لكل واحد من املتعاقدين‪.‬‬
‫(ق‪ :)14:‬قاعدة‪« :‬االحتياط يف العبادات»‪ ،‬ف ُيعمل يف العبادات عىل‬
‫تكبريات‬
‫ُ‬ ‫األحوط‪ ،‬و ُيرجح بنا ًء عىل قاعدة األحوط‪ ،‬فمثالً‪ :‬قال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ال َّتّشيق من فجر عرفة إىل عرص يوم النَّحر‪ :‬أي ثامن صلوات‪ ،‬وقال أبو‬
‫الرابع‪،‬‬
‫يوسف وحممد‪ :‬من فجر عرفة إىل آخر أيام التَّّشيق‪ ،‬وهو اليوم َّ‬

‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري ‪ ،753 :2‬وصحيح مسلم ‪ ،1153 :3‬وصحيح ابن حبان ‪:11‬‬
‫‪.327‬‬
‫)‪ (2‬يف املبسوط ‪.68 :13‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪31‬‬
‫فتكون ثالث ًا وعّشين صالة‪ ،‬والعمل عىل قول َّ‬
‫الصاحبني؛ ألنَّه أحوط(‪.)1‬‬
‫الثالث‪ :‬أصول التطبيق‪:‬‬
‫وهي قواعد اإلفتاء املعروفة بعلم رسم املفتي‪.‬‬
‫والرسم‪ :‬هو العالمة التي تدل املفتي عىل ما يفتي به(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫وهو علم يبحث يف كيفية تطبيق الفقه يف الواقع بمراعاة أصوله‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الرضورة‪ ،‬واحلاجة‪ ،‬ورفع احلرج‪ ،‬والتيسِّي‪ ،‬وتغِّي الزمان‪ ،‬والعرف‪،‬‬
‫واملصلحة‪.‬‬
‫وعام ُة األحكام الفقهية متعلق ٌة هبذه األصول‪ ،‬فكان هلا تأثريها البالغ‬
‫يف اختالفها من جمتهد إىل جمتهد؛ بسبب اختالف بيئة الفقهاء وعصورهم‪،‬‬
‫فكان لذلك أثر كبري يف اختالفهم يف كثري من األحكام والفروع‪ ،‬حتى َّ‬
‫إن‬
‫الفقيه الواحدَ كان يرجع عن كثري من أقوالِه إىل أقوال ُأخرى‪ ،‬وذلك حني‬
‫تعرضه لبيئة جديدة ُختالف البيئة التي كان فيها‪.‬‬
‫الّشعي له طرفان‪ :‬طرف يف كيفية استنباطه‪ ،‬ويكون بأصول‬
‫واحلكم َّ‬
‫الفقه‪ ،‬وطرف يف كيفية تطبيقه‪ ،‬ويكون برسم املفتي‪.‬‬
‫وهذا الرتتيب يعطي لألحكام الفقهية ميزة عظيمة جد ًا بمراعاة قواعد‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اهلداية‪ ،86 :1‬والعناية‪ ،512 :9‬والبدائع‪ ،186 :1‬واملحيط‪ ،268 :1‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪.69 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪32‬‬
‫رسم املفتي عند تطبيقها‪ ،‬فيتحقق العدل املطلوب‪ ،‬واملطابقة املرجوة‪ ،‬قال‬
‫عرف زمانه‪ ،‬بحيث‬ ‫ابن عابدين(‪ «:)1‬وكثري منها ما يبينُه املجتهدُ عىل ما كان يف ِ‬
‫ُ َ ِّ‬ ‫ٌ‬
‫لو كان يف زمان العرف احلادث لقال بخالف ما قاله أوالً؛ وهلذا قالوا يف‬
‫ِ‬
‫معرفة عادات الناس‪.‬‬ ‫رشوط االجتهاد‪ :‬أنَّه ال ُبد فيه من‬
‫الزمان؛ لتغري عرف أهله‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫باختالف َّ‬ ‫ختتلف‬
‫ُ‬ ‫فكثري من األحكام‬
‫ٌ‬
‫أهل الزمان‪ ،‬بحيث لو بقي احلكم عىل ما كان‬ ‫حلدوث رضورة‪ ،‬أو فساد ِ‬ ‫ِ‬

‫عليه َأوالً للزم منه املشقة والّضر بالناس‪ ،‬وخلالف َّ‬


‫الّشيعة املبني َة عىل‬
‫التخفيف والتَّيسري ودفع الّضر والفساد؛ لبقاء العامل عىل أتم نظام وأحسن‬
‫إحكام»‪.‬‬
‫وهذا العلم ينبغي أن َينال االهتامم الثاين من الدارس بعد دراسة‬
‫الفروع الفقهية؛ إذ يمثل اجلانب العمِّل التطبيقي للفقه‪ ،‬فال سبيل لنا‬
‫للرتجيح بني األقوال الفقهية إال به‪ ،‬وال فهم اخلالف احلاصل بني علامء‬
‫أقرب ما يكون‬
‫ُ‬ ‫املذهب إال من خالله‪ ،‬وال إعامل الفقه يف الواقع بدونه‪ ،‬فهو‬
‫بالروح للفقه؛ إذ بدونه ال حياة له‪.‬‬
‫وهذا العلم ُيم ِّث ُل احللقة ما بني املسائل الفقهية املدونة يف الكتب‪ ،‬وما‬
‫فمن فقده فهو فاقدٌ للعلم‬
‫بني الواقع املعاش للناس يف كافة مناحي احلياة‪َ ،‬‬
‫حك ًام؛ إذ ال خري يف علم بال عمل‪ ،‬وفاقدُ ه فاقدٌ للعمل به لنفسه ولغريه‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف نّش العرف ‪.123 :2‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪33‬‬
‫ِ‬
‫املذهب يف‬ ‫ُ‬
‫األصول التي يعتمدُ عليها املجتهدُ يف‬ ‫العلم هو‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ِ‬
‫أصول الفقه‬ ‫الرتجيح والتطبيق واإلفتاء‪ ،‬كام يعتمد املجتهدُ املستقل عىل‬
‫الستخراج األحكام من الكتاب والسنة واآلثار والرتجيح بينها‪ ،‬فكام ال‬
‫غنى للمجتهد املطلق عن أصول الفقه ـ فهي القواعد التي ُمتَكنه من القيا ِم‬
‫بعلمه واستفراغ جهده يف استنباط األحكام‪ ،‬وهي آلته يف ذلك ـ فكذلك‬
‫رسم املفتي هو األداة التي يتمكَّن هبا من القيام بعمله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العامل يف املذهب‪َّ ،‬‬
‫فإن َ‬
‫وبذل جهده يف إنزال الفقه عىل الواقع‪ ،‬واخلروج من دائرة اخلالف‪ ،‬وتلبية‬
‫حاجات جمتمعه‪ ،‬فهي الوسيلة لذلك‪.‬‬
‫أن ُأ َ‬
‫صول املجتهد املطلق تدور يف حماور رئيسية فيها العديد من‬ ‫وكام َّ‬
‫القواعد األصولية وهي‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والقياس‪ ،‬فكذلك َّ‬
‫فإن‬
‫ِ‬
‫بقواعد اإلفتاء‪ ،‬وهذه‬ ‫َ‬
‫أصول املجتهد يف املذهب هلا حماور رئيسي ٌة مليئ ٌة‬
‫املحاور‪ :‬هي الّضورة‪ ،‬والعرف‪ ،‬والتيسري‪ ،‬فهذه هي األُصول الكّبى يف‬
‫وتطبيق ِه للفقه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رسم املفتي‪ ،‬التي يرتكز عليها املفتي يف فهمه وضبطِ ِه‬
‫ثالث ًا‪ :‬إطالق الفقهاء القواعد الفقهية عىل أصول االستنباط‬
‫وأصول البناء وأصول التطبيق‪:‬‬
‫ظهر معنا ِما سبق َّ‬
‫أن مصطلح القواعد الفقهية غري حمدد وغريمنضبط‬
‫متام ًا هبيئة ووصف خاص‪ ،‬فرأينا إطالقه عىل الضوابط وعىل أصول‬
‫األبواب‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪34‬‬
‫أن جزء ًا ال بأس به من قواعدها ليس من‬
‫والنَّاظر يف كتب القواعد ُيد َّ‬
‫قواعد أصول البناء التي مرت معنا‪ ،‬بل هي من قواعد االستنباط‪ ،‬أو قواعد‬
‫التطبيق‪ ،‬وبيان ذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫ـ‬ ‫َرخي (ت‪340‬هـ) يف أصوله‬‫‪.1‬أصول االستنباط‪ :‬فمثالً‪ :‬ذكر الك ُّ‬
‫التي تعتّب أقدم كتب القواعد ـ قاعدتني من أصول االستنباط‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫فإَّنا ُحتمل عىل‬ ‫أن َّ‬
‫كل آية ختالف قول أصحابنا‪َّ ،‬‬ ‫(ق‪ :)15:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫الرتجيح‪ ،‬واألوىل أن حتمل عىل التَّأويل من جهة التوفيق»‪.‬‬
‫النَّسخ أو عىل َّ‬
‫ومعناه‪َّ :‬‬
‫أن اجتهادات أئمة مذهبنا كانت بعد االستقراء والنظر يف‬
‫ال منها إال اعتامد ًا منهم عىل دليل‬
‫األدلة‪ :‬القرآنية‪ ،‬واحلديثية‪ ،‬فلم يرتكوا دلي ً‬
‫آخر أقوى منه يف نظرهم‪ ،‬قال قايض خان(‪«:)1‬املفتي يف زماننا من أصحابنا إذا‬
‫وس ِئل عن واقعة‪ ،‬إن كانت املسألة مروي ًة عن أصحابنا يف‬ ‫استفتي يف مسألة ُ‬
‫الروايات الظاهرة بال خالف بينهم‪ ،‬فإنَّه ُ‬
‫يميل إليهم و ُيفتي بقوهلم وال‬ ‫ِّ‬
‫الظاهر أن يكون احلق مع َأصحابنا‬
‫َ‬ ‫ُيالفهم برأيه وإن كان جمتهد ًا متقن ًا؛ َّ‬
‫ألن‬
‫وال يعدوهم‪ ،‬واجتهاده ال يبلغ اجتهادهم‪ ،‬وال ينظر إىل قول َمن خالفهم‬
‫ألَّنم عرفوا األدلة و َم َّيزوا َب ْني ما َصح وثبت وبني ضده »‪.‬‬
‫وال يقبل حجته؛ َّ‬

‫)‪ (1‬يف الفتاوى اخلانية‪.1 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪35‬‬
‫أن َمن حترى عند االشتباه واستدبر الكعبة‬ ‫وأمثلة ما ذكره الكرخي‪َّ « :‬‬
‫ألن تأويل قوله تعاىل‪َ { :‬ف َو ُّلو ْا ُو ُج ِو َه ُك ْم َش ْط َر ُه} البقرة‪:‬‬ ‫جاز عندنا؛ َّ‬
‫‪ 144‬إذا علمتم به‪ ،‬وإىل حيث وقع حتريكم عند االشتباه‪.‬‬
‫يشء َف َأ َّن‬ ‫ِ‬
‫أو ُيمل عىل النسخ‪ :‬كقوله تعاىل‪َ { :‬وا ْع َل ُمو ْا َأن ََّام َغن ْم ُتم ِّمن َ ْ‬
‫ول ول ِ ِذي ا ْل ُقربى وا ْليتَامى وا َْملس ِ‬ ‫ِ‬
‫يل} األنفال‪:‬‬ ‫السبِ ِ‬
‫ني َوا ْب ِن َّ‬ ‫اك ِ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ‬ ‫مخ َس ُه َول َّلر ُس ِ َ‬
‫هللِ ُ ُ‬
‫‪ 41‬يف اآلية ثبوت سهم ذوي القربى يف الغنيمة‪ ،‬ونحن نقول انتسخ ذلك‬
‫بإمجاع الصحابة ريض اهلل تعاىل عنهم‪.‬‬

‫ون َأ ْز َو ً‬
‫اجا‬ ‫أو عىل الرتجيح‪ :‬كقوله تعاىل‪َ { :‬وا َّل ِذي َن ُيت ََو َّف ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ‬
‫ِ‬
‫ظاهره يقتيض َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ّشا} البقرة‪، 234 :‬‬ ‫رت َّب ْص َن بِ َأن ُفس ِه َّن َأ ْر َب َع َة َأ ْش ُهر َو َع ْ ً‬
‫َي َ َ‬
‫مح ِ‬
‫ال َأ َج ُل ُه َّن َأن‬ ‫احلامل املتوىف عنها زوجها غريها‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ :‬و ُأ ْوالَ ُت األَ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّسا} الطالق‪ 4 :‬يقتيض‬ ‫ُي َعل َّل ُه م ْن َأ ْم ِره ُي ْ ً‬ ‫مح َل ُه َّن َو َمن َيت َِّق اهللََّ َ ْ‬ ‫َي َض ْع َن َ ْ‬
‫ألَّنا عامة يف املتوىف عنها‬ ‫انقضاء العدة بوضع احلمل قبل ميض األشهر؛ َّ‬
‫رجحنا هذه اآلية بقول ابن َع َّباس ‪َّ ‬أَّنا نزلت بعد‬
‫زوجها وغريها‪ ،‬لكنا َّ‬
‫وعِّل ‪ ‬مجع بني األجلني احتياط ًا الشتباه‬
‫ٌّ‬ ‫نزول تلك اآلية فنسختها‪،‬‬
‫التاريخ» (‪.)1‬‬
‫أن َّ‬
‫كل خرب جييء بخالف قول أصحابنا‪ ،‬فإنَّه‬ ‫(ق‪ :)16:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫ٌ‬
‫معارض بمثله‪ ،‬ثم صار إىل دليل آخر أو ترجيح‬ ‫ُيمل عىل النسخ أو عىل أنَّه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي بّشح النسفي ص‪ 372‬يف آخر أصول البزدوي‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪36‬‬
‫الرتجيح‪ ،‬أو يمل عىل التَّوفيق‪ ،‬وإنَّام يفعل‬
‫فيه بام يتج به أصحابنا من وجوه َّ‬
‫ذلك عىل حسب قيام الدَّ ليل‪ ،‬فإن قامت داللة النَّسخ ُيمل عليه‪ ،‬وإن قامت‬
‫الدَّ اللة عىل غِّيه رصنا إليه»‪ ،‬وهذا يشبه املعنى السابق ذكره يف األصل‬
‫السابق‪ ،‬وبيانه مع التمثيل‪:‬‬
‫افعي يقول بجواز أداء ُسنة الفجر بعد أداء فرض الفجر قبل‬ ‫إن َّ‬
‫الش َّ‬
‫طلوع َّ‬
‫الشمس؛ ملا روي عن قيس بن سعد ‪ ،‬قال‪« :‬مر يب النبي ‪ ‬وأنا‬
‫أصِّل ركعتني بعد الصبح فقال‪ :‬ما هذه الصالة؟ فقلت‪ :‬إين مل أكن صليت‬
‫ركعتي الفجر فهام هاتان‪ ،‬فسكت رسول اهلل ‪.)1( » ‬‬
‫ٌ‬
‫منسوخ بام ُروي عن أيب سعيد اخلدري ‪ ،‬قال ‪« :‬ال صالة‬ ‫وهذا‬
‫بعد صالة العرص حتى تغرب الشمس‪ ،‬وال صالة بعد صالة الفجر حتى‬
‫تطلع الشمس» (‪.)2‬‬
‫وأما املعارضة‪ :‬فكحديث أنس ‪ ‬قال‪« :‬ما زال رسول اهلل ‪ ‬يقنت‬
‫معارض برواية عن أنس ‪« :‬قنت‬
‫ٌ‬ ‫يف الفجر حتى فارق الدُّ نيا»(‪ ،)3‬فهو‬
‫رسول اهلل ‪ ‬شهر ًا »بعد الركوع يف صالة الصبح يدعو عىل رعل وذكوان‬
‫ويقول‪ :‬عصية عصت اهلل ورسوله» (‪ ،)4‬فإذا تعارضت الروايتان تساقطتا‪،‬‬

‫(‪ )1‬يف املعجم الكبري‪ ،367 :18‬ومسند احلميدي‪.117 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم ‪ ،567 :1‬وصحيح البخاري ‪.400 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف مسند أمحد‪ ،95 :20‬وسنن الدارقطني‪.370 :2‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح مسلم‪ ،468 :1‬وصحيح البخاري‪.340 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪37‬‬
‫فبقي لنا حديث ابن مسعود وغريه ‪ ،‬فعن إبراهيم قال ابن مسعود ‪:‬‬
‫النبي ‪ ‬إنَام َقن ََت شهر ًا»‪ ،‬وعن عامر اجلهني ‪َّ « :‬‬
‫أن عمر بن‬ ‫«قد علموا أن َّ‬
‫اخلطاب ‪ ‬كان ال يقنت يف الفجر»‪ ،‬وعن عامر ‪ ‬قال‪« :‬مل يقنت أبو بكر‬
‫وال عمر يف الفجر» (‪.)1‬‬
‫وأ َّما التَّأويل‪ :‬فمثا ُله ما ُر ِوي عن النبي ‪« :‬أنَّه كان إذا رفع رأسه من‬
‫الركوع قال‪َ :‬س ِمع اهلل ملن محده ربنا لك احلمد» (‪ ،)2‬وداللة هذا‪ :‬اجلمع بني‬ ‫ُّ‬
‫الذكرين من اإلمام وغريه‪ ،‬ثم ُر ِوي عن النبي ‪ ‬أنَّه قال‪« :‬إذا قال اإلمام‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫َس ِمع اهلل ملن محده‪ ،‬قولوا‪ :‬ربنا لك احلمد»(‪ ،)3‬والقسمة تقطع الّشكة‪ ،‬فيوفق‬
‫بينهام بأن نقول‪ :‬اجلمع للمنفرد‪ ،‬واإلفراد لإلمام واملقتدي‪ ،‬وعن أيب حنيفة‬
‫أنَّه يقول‪ :‬اجلمع للمتنفل واإلفراد للمفرتض(‪.)4‬‬
‫‪.2‬أصول ال َّتطبيق‪ :‬فمثالً‪ :‬ذكروا قاعدة‪« :‬املشقة جتلب التيسري»‪،‬‬
‫وقاعدة‪« :‬العادة حمكمة»‪ ،‬وغريها‪ ،‬وهذه يف احلقيقة هي قواعد رسم املفتي‪،‬‬
‫فهي تستعمل أثناء تطبيق احلكم عىل الواقع‪ ،‬وسيأيت رشحها مفصالً‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مصنف ابن أيب شيبة‪.103 :2‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪.536 :1‬‬
‫(‪ )3‬عن أيب هريرة ‪ ‬يف صحيح البخاري‪.253 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي بّشح النسفي ص‪ 374‬يف آخر أصول البزدوي‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪38‬‬
‫راجع إىل االختالف يف األصول ال َّثالثة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫اختالف الفقهاء‬
‫ُ‬ ‫رابع ًا‪:‬‬
‫االستنباط والبناء وال َّتطبيق‪.‬‬
‫باالستقراء فيام ُكتب يف أسباب االختالف‪ ،‬نجد َّأَّنم جعلوا مردها إىل‬
‫األصول اخلاصة بكل جمتهد؛ َّ‬
‫ألن الفقيه ال يستخرج األحكام من األدلة إال‬
‫باستعامل القواعد األصولية‪.‬‬
‫فهو العلم الذي ترجع إليه معرفة أسباب االختالف بني الفقهاء‪،‬‬
‫باإلضافة إىل علم أصول البناء‪ ،‬وعلم رسم املفتي املتعلق بكيفية تطبيق الفقه‬
‫يف الواقع‪ ،‬وهذه الثالثة تتحدث عن األصول‪ ،‬سواء يف استخراج املسائل‪،‬‬
‫أو يف كيفية فهمها وبنائها‪ ،‬أو كيفية تطبيقها‪.‬‬
‫ولكن ُطرحت قضية عدم وصول بعض األحاديث لألئمة‪ ،‬وهذا‬
‫ُيتاج إىل استفاضة يف مناقشته‪ ،‬ولكن نشري هاهنا إىل أنَّه وردت أقوال األئمة‪:‬‬
‫كأيب حنيفة ومالك وأمحد جمرد ًة بدون ذكر دليلها‪ ،‬وما ذكر من األدلة يف كتب‬
‫مذاهبهم هي من استدالالت علامء املذهب‪ ،‬فيمكن أن يصيبوا ويمكن أن‬
‫ُيطئوا‪ ،‬وضعف االستدالل منهم ال يؤثر عىل مسائل املجتهد املطلق‪.‬‬
‫مدارس يف نقل العلم من رسول اهلل ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وألن املذاهب الفقهية هي‬
‫فمذهب احلنفية هو مدرسة الكوفة من صحابة وتابعني وغريهم‪ ،‬ومذهب‬
‫املالكية هو مدرسة املدينة من صحابة وتابعني‪ ،‬فإن فات صحابي ًا من املدرسة‬
‫حديث فلن يفوت الصحابة اآلخرين من املدرسة‪ ،‬وكذلك احلال يف‬
‫التابعني‪ ،‬فنحن أمام مدارس بأعداد هائلة من العلامء‪ ،‬ولسنا أمام أفراد‪ ،‬وقد‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪39‬‬
‫ثبتت الرحلة يف طلب احلديث من كبار التابعني وتابعيهم‪ ،‬قال الشعبي‪« :‬ما‬
‫رأيت أحد ًا أطلب للعلم يف ُأفق من اآلفاق من مّسوق» (‪ ،)1‬وقال سعيد ب ُن‬
‫ُ‬
‫املس ِّيب‪« :‬إن كنت ألسري الليايل واأليام يف طلب احلديث الواحد» (‪ ،)2‬وبال َّتايل‬
‫َ‬
‫فالرحلة يف طلب احلديث ثابت ٌة منذ فجر اإلسالم وليست متأخرة‪.‬‬
‫أن للفقهاء مدرسة متكاملة يف َقبول األحاديث وردها ال‬ ‫ونالحظ َّ‬
‫يسريون فيها عىل طريق املحدثني‪ ،‬قال اجلصاص(‪ «:)3‬ال أعلم أحد ًا ِم َن‬
‫الفقهاء اعتمد طريق املحدثني وال اعتّب أصوهلم»‪ ،‬ومبنى مدرسة الفقهاء‬
‫السلف باحلديث‪ ،‬وهو‬ ‫عىل قاعدتني‪ ،‬ومها‪ :‬العمل‪ ،‬واملعنى‪ ،‬فالعمل من َّ‬
‫يعتّب تصحيح ًا له‪ ،‬و ُيسمونه املشهور مث ً‬
‫ال عند احلنفية‪ ،‬واملعنى بحيث يتوافق‬
‫واآلثار الواردة يف‬
‫ُ‬ ‫والسنة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫احلديث مع األدلة األخرى‪ :‬من القرآن‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫فلم يقبلوا حديث‪« :‬ال وضوء ملن مل يذكر اسم اهلل عليه»(‪)4‬؛ ألنَّه ورد‬
‫تعم به البلوى وهو آحاد‪ ،‬فالوضوء يقع كل يوم مرات من املسلم‪ ،‬فعدم‬
‫فيام ُّ‬
‫اشتهار احلديث مع كثرة احلاجة له ُيرشدُ إىل عدم صحة خمرجه‪ ،‬وهذا خمتلف‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬مقدمة نصب الراية ص‪.305‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬جامع بيان العلم ص‪.94‬‬
‫)‪ (3‬يف رشح خمترص الطحاوي‪ 244 :4‬عن دراسة عن اللباب‪.26 :1‬‬
‫)‪ (4‬يف سنن أيب داود ‪ ،25 :1‬وسنن ابن ماجه ‪.139 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪40‬‬
‫عن قاعدة مدرسة املحدثني‪ ،‬وهي االستناد يف تصحيح احلديث إىل الرجال‬
‫بالدرجة األوىل‪ ،‬فهام يف احلقيقة مدرستان لكل منهام أصوهلا اخلاصة هبا‪،‬‬
‫فكثري ًا ما يكون عدم َقبول احلديث ليس لعدم وصوله‪ ،‬ولكن لعدم صحته‬
‫عىل طريقة مدرستهم‪.‬‬
‫وِما تقدم نخلص إىل‪َّ :‬‬
‫أن تركهم للحديث وعد َم عملهم به له أسباب‬
‫عديدة‪ ،‬وليس سببه عدم وصوله هلم‪ ،‬فعندما طبقوا عليه قواعدهم يف‬
‫ال َّتصحيح والعمل مل يكن صاحل ًا فرتكوه‪ ،‬وهذا ما ِّ‬
‫يقرره احلافظ الصاحلي‬
‫بقوله(‪ «:)1‬اعتذر برتك أيب حنيفة أحاديث اآلحاد؛ لعدم اطالعه عىل بعضها‪،‬‬
‫وفيه بعد»‪.‬‬
‫ولذلك كان القدر األكّب يف االختالف بني الفقهاء راجع إىل أصول‬
‫البناء؛ الختالف الفهم للدَّ ليل يؤدي إىل اخلالف يف البناء عليه‪ ،‬ومر ُّد ذلك‬
‫إىل اختالف العقول البّشية وتفاوهتا‪ ،‬وعام ُة االختالف بني الفقهاء يرجع‬
‫إىل هذا النَّوع من األصول‪ ،‬نقترص فيه عىل مثال واحد‪ :‬وهو االختالف يف‬
‫نوع بدلية ال َّتيمم عن املاء‪ :‬فعن أيب ذر ‪ ،‬قال ‪َّ « :‬‬
‫إن الصعيد الطيب‬
‫وضوء املسلم ولو عّش حجج‪ ،‬فإذا وجد املاء فليمس بّشته املاء»(‪،)2‬‬
‫فاختلف الفقهاء يف نوع بدلية التيمم عن املاء‪:‬‬

‫)‪ (1‬يف عقد اجلامن ص‪.397‬‬


‫(‪ )2‬سنن الرتمذي‪ ،211 :1‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وصحيح ابن حبان‪،139 :4‬‬
‫ومصنف ابن أيب شيبة‪ ،144 :1‬ومسند أمحد‪.146 :5‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪41‬‬
‫فعند احلنفية(‪ :)1‬التيمم بدل مطلق عن املاء‪ ،‬وعليه قالوا‪ :‬بجواز التيمم‬
‫قبل دخول الوقت وألكثر من فرض ولغري الفرض أيض ًا‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫صِّل بتيممه ما‬
‫التيمم مقام الوضوء ُمطلق ًا‪.‬‬ ‫شاء من الفرائض والن ََّوافل؛ َّ‬
‫ألن اهلل ‪ ‬أقا َم ُّ‬
‫وعند الشافعية واحلنابلة(‪ :)2‬التيمم بدل رضوري عن املاء‪ ،‬وعليه قالوا‪:‬‬
‫بعدم صحة التيمم إال بعد دخول وقت ما يتيمم له من فرض أو نفل له وقت‬
‫خمصوص‪ ،‬ف ُيصِّل به فرض ًا واحد ًا وما شاء من النوافل‪ ،‬إال َّ‬
‫أن احلنابلة‬
‫أجازوا بالتيمم الواحد صالة ما عليه من فوائت يف الوقت إن كانت عليه‪،‬‬
‫خالف ًا للاملكية والشافعية؛ أل َّنه طهار ٌة رضورية‪ ،‬والّضورة تتح َّقق بفرض‬
‫واحد‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ (1‬رد املحتار ‪.167 :1‬‬


‫)‪ (2‬املنهاج ‪ ،105 :1‬واملغني ‪.198 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪42‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪43‬‬

‫الفصل األول‬
‫التعريفات واحلجية واملصادر‬
‫للقواعد «أصول البناء»‬
‫أهداف الفصل األول‪:‬‬
‫يتوقع من الطالب بعد دراسة هذا الفصل أن يكون قادر ًا عىل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األهداف املعرفية‪:‬‬
‫عرف املصطلحات اآلتية‪ :‬القواعد‪ ،‬والضوابط‪ ،‬واألصول‪ ،‬واألشباه‬
‫‪ .1‬أن ُي ِّ‬
‫والنظائر‪ ،‬والفروق الفقهية‪ ،‬والفقه‪.‬‬
‫ويفرق بينها‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يذكر التعريف الوصفي للقاعدة والضابط واألصل‪ِّ ،‬‬
‫‪ .3‬أن ُيعدِّ د أركان القاعدة ورشوطها‪.‬‬
‫فرق بني القاعدة «أصل البناء» وبني القاعدة األصولية والنَّظريات‬
‫‪ .4‬أن ُي ِّ‬
‫الفقهية العامة‪.‬‬
‫عرف املقاصد الّشعية‪ ،‬ويبني أنواعها‪ ،‬ووجه العالقة بينها وبني‬‫‪ .5‬أن ُي ِّ‬
‫القاعدة «أصل البناء»‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪44‬‬
‫‪ .6‬أن يبني أمهية القواعد «أصول البناء»‪ ،‬وكيفية تكوينها‪ ،‬وحجيتها‪.‬‬
‫‪ .7‬أن يبني مصادر القواعد «أصول البناء»‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األهداف املهارية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ُييد التفريق بني القاعدة والضابط واألصل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يضبط علم القواعد الفقهية‪ ،‬ثم جزئيات الفقه املتناثرة‪ ،‬ويتمكن من‬
‫التَّخريج والتَّفريع للمسائل املستجدة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األهداف الوجدانية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ُيدرك أمهية علم القواعد الفقهية وحاجة الـدَّ ارس لـه؛ لبيـان منـاهج‬
‫الفقهاء يف بناء األحكام‪ ،‬وإدراك أسباب اختالف الفقهاء‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ُيقدِّ راجلهد املبذول من ِقبل كبار العلامء يف املذاهب الفقهية يف تكـوين‬
‫علم القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ُيدرك املقاصد الّشعية‪ ،‬املتع ِّلقـة بالبنـاء للفـروع‪ ،‬واملتع ِّلقـة بغايـات‬
‫املقاصد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪45‬‬

‫املبحث األول‬
‫التعريفات‬
‫املطلب األول‪ :‬ال َّتعريف اإلضايف وتوابعه‪:‬‬
‫نعرض ملفردات تركيب مصطلح القواعد والضوابط‬
‫واألصول الفقهية عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪.1‬القاعدة‪:‬‬
‫لغ ًة‪ :‬القواعد مجع قاعدة‪،‬وهي األساس(‪ ،)1‬قال ‪َ { :‬وإِ ْذ َي ْر َف ُع‬
‫اهيم ا ْل َقو ِ‬
‫ِ‬
‫اعدَ }البقرة‪.127 :‬‬ ‫إِ ْب َر ُ َ‬
‫واصطالح ًا‪ :‬قضية كلية منطبقة عىل مجيع جزئياهتا(‪.)2‬‬
‫‪.‬الضوابط‪:‬‬
‫‪َّ 2‬‬
‫لغ ًة‪ :‬مجع ضابط‪ ،‬من الضبط‪ ،‬وهو حفظ َّ‬
‫الّشء ولزومه وحبسه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬خمتار الصحاح ص‪.257‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التعريفات للجرجاين ص‪.171‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬خمتار الصحاح ص‪ ،182‬واللسان‪.430 :7‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪46‬‬
‫واصطالح ًا‪ :‬هلا تعريف القواعد‪ ،‬قال عبد الغني النابلس(‪ «:)1‬والقاعدة‬
‫يف االصطالح بمعنى الضابط وهي األمر الكيل املنطبق عىل مجيـع جزئياتـه»‪،‬‬
‫ومثله قال الفيومي(‪.)2‬‬
‫واتفاق الضابط مع القاعدة يف التَّعريف ال يعارض خصوصية الضابط‬
‫وعمومية القاعدة‪ُّ ،‬‬
‫فكل واحد منهام بالنسبة إىل أفراده سواء كانـت قليلـة أو‬
‫كثرية ‪ ،‬فإنَّه ينطبق عليها‪.‬‬
‫ومر معنا قول ابن ُنجيم(‪«:)3‬والفرق بني الضابط والقاعـدة َّ‬
‫أن القاعـدة‬ ‫َّ‬
‫جتمع فروع ًا من أبواب شتى‪ ،‬والضابط ُيمعها مـن بـاب واحـد‪ ،‬هـذا هـو‬
‫األصل»‪.‬‬
‫السبكي(‪«:)4‬القاعدة‪ :‬األمر الكِّل الذي ينطبق عليه جزئيات كثرية‬
‫وقال ُّ‬
‫يفهم أحكامها منهـا‪ ،‬ومنهـا مـا ال ُيـتص ببـاب كقولنـا‪« :‬اليقـني ال يرفـع‬
‫بالشك»‪ ،‬ومنها ما ُيتص‪ ،‬والغالب فيام اختص بباب وقصد بـه نظـم صـور‬
‫سمى ضابط ًا»‪.‬‬
‫متشاهبة أن ُت َّ‬
‫أن َّ‬
‫كل واحد منهام قضية كلية‬ ‫والضابط ُيتمعان يف‪َّ :‬‬ ‫وعليه َّ‬
‫فإن القاعدة َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ 47‬عن كشف اخلطائر عن األشباه والنظائر للنابلس‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املصباح املنري ‪.510 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف األشباه والنظائر‪.5 :2‬‬
‫(‪ )4‬يف األشباه والنظائر للسبكي ‪.11 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪47‬‬
‫فقهية‪ ،‬تنطبق عىل عدد من اجلزئيات والفروع الفقهية‪ ،‬وأما الفرق بينهام َّ‬
‫فـإن‬
‫القاعدة تشمل فروع ًا من أكثر من باب‪ ،‬والضابط فروعـه املنطبقـة هـي مـن‬
‫باب واحد‪ ،‬أي‪ :‬موضوع واحد(‪.)1‬‬
‫بأَّنا أمر كِّل ينطبق عـىل جزئياتـه؛‬
‫حل َموي(‪«:)2‬ورسموا الضابطة َّ‬
‫وقال ا َ‬
‫بأَّنـا صـورة‬
‫لتعرف أحكامها منه‪ ،‬وهي أعم من القاعدة‪ ،‬ومن ثم رسموها َّ‬
‫كلية يتعرف منها أحكام مجيع جزئياهتا»‪.‬‬
‫ِ‬
‫القاعدة من حيث عـدم ختلـف أفـراده‬ ‫أعم من‬ ‫الض َ‬ ‫وعىل هذا َّ‬
‫ابط ُّ‬ ‫فإن َّ‬
‫عنه‪ ،‬بخالف القاعدة فلها استثناءات‪.‬‬
‫‪.3‬األصول‪:‬‬
‫فأساس احلائط أص ُله‪،‬‬ ‫وأساسه‪،‬‬ ‫لغ ًة‪ :‬مجع أصل‪ ،‬وهو أسفل كل ٍ‬
‫يشء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فـاألب‬
‫ُ‬ ‫الّشء إليه‪،‬‬ ‫ثم َك ُثر حتى قيل‪ :‬أصل كل يشء ما يستند وجود ذلك َّ‬
‫ال ثابت ًا ُيبنى عليه‪.‬‬
‫جعلت له أص ً‬
‫ُ‬ ‫وأص ْل ُته‬ ‫أصل للولد‪ ،‬والنَّهر ٌ‬
‫أصل للجدول‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬

‫فمدار معنى األصل لغ ًة عىل ما ُيبتني عليه غريه‪ ،‬من حيـث أنَّـه ُيبتنـي‬
‫السقف عىل اجلدار‪ ،‬أو عقلي ًا‪ :‬كابتنـاء‬
‫عليه‪ ،‬سواء كان االبتنا ُء حسي ًا‪ :‬كابتناء َّ‬
‫الفرع فام يكون‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألصل قد يكون مبتني ًا عىل غريه‪ ،‬وأ َّما‬ ‫احلكم عىل الدَّ ليل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املدخل إىل دراسة الفقه وأصوله ص‪.249‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬غمز العيون‪.5 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪48‬‬
‫مبني ًا عىل غريه دائ ًام(‪.)1‬‬
‫واصطالح ًا‪ :‬هلا نفس تعريف القواعد َّ‬
‫والضوابط‪.‬‬
‫‪.4‬األشباه والنَّظائر‪:‬‬
‫بالّشء َأ َق ْم ُتـ ُه ُم َقا َمـ ُه؛ ل ِ ِصـفة‬ ‫لغ ًة‪ :‬األشباه مجع َش َبه‪ ،‬من َش َّب ْه ُت َّ ْ‬
‫الّش َء َّ‬
‫فالذاتِ َّي ُة نحو‪ :‬هذه الدَّ راهم كهذا‬ ‫الص َف ُة ذاتِ َّي ٌة و َم ْعن َِو َّي ًة‪َّ ،‬‬
‫جامعة بينهام‪ ،‬وتكون ِّ‬
‫الدَّ رهم‪ ،‬وا َْمل ْعن َِو َّي ُة نحو‪ :‬زيد كاألسد(‪.)2‬‬
‫نظري هذا أي مساويه(‪.)3‬‬ ‫ُ‬
‫واملثل املساوي‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫ظائر‪ :‬مجع النَّظري‪،‬‬
‫والن ُ‬
‫ُ‬
‫املسائل املتشاهبة‪ ،‬سواء اتفقت يف احلكم أو اختلفت‪.‬‬ ‫واصطالح ًا‪ :‬هي‬
‫والضـوابط واألُصـول‬
‫َّ‬ ‫فإن اتفقت يف احلكم شملت مسـائل القواعـد‬
‫الفقهية‪ ،‬وإن اختلفت شملت مسائل الفروق الفقهية‪.‬‬
‫فالقواعد متثل الرابط واجلامع بني األمور املتشاهبة‪ ،‬أو الصفة املشـرتكة‬
‫يف الفروع التي تنطبق عليهـا القاعـدة‪ ،‬والقواعـد متثـل املفـاهيم واألحكـام‬
‫املاصدق أو الوقائع اجلزئية التـي تتحقـق هبـا‬
‫العامة‪ ،‬واألشباه والنظائر متثل َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬لسان العرب ‪ ،89 :1‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ ،109 :1‬واملصباح املنري ص‪،16‬‬
‫وقمر األقامر ‪ ،7 :1‬وتسهيل الوصول ص‪ ،3‬ومرآة األصول ص‪ ،22‬وكشف األرسار ‪،6 :1‬‬
‫وفواتح الرمحوت ‪ ،8 :1‬والوايف يف رشح االخسيكثي ‪.167 :1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املصباح‪.303 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املصباح ‪.612 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪49‬‬
‫تلك املفاهيم أو تنتفي عنها‪ ،‬فمن نظر إىل املعنى اجلامع والرابط بني الفـروع‬
‫اجته إىل إطالق «القواعد» عىل كتابه‪ ،‬و َمن نظـر إىل الفـروع اجتـه إىل إطـالق‬
‫«األشباه والنظائر»(‪.)1‬‬
‫فمن ُيدقق النظر يف املؤلفات بعنوان‪« :‬األشباه والنظائر» يف الفقه‪ ،‬منـذ‬
‫َ‬
‫كتــاب ابــن الوكيــل َّ‬
‫الشـافعي (ت‪716‬هـــ) إىل كتــاب ابــن نجــيم احلنفــي‬
‫(ت‪970‬هـ) ُيد بعض تلك املؤلفات تتناول مسائل الفقـه وأصـول الفقـه‪،‬‬
‫وأحيان ًا بعض مسائل علم الكالم التي هلا صلة باملوضـوع اعتبـار ًا بـالفروع‬
‫الشبه ضعيف ًا كام يف الفروق‪.‬‬
‫املتشاهبة‪ ،‬ولو كان َّ‬
‫ويف ذلك إشار ٌة واضح ٌة إىل َّ‬
‫أن «األشباه والنَّظائر» ليس معناها القواعد‬
‫ِ‬
‫ختلف الفنون(‪.)2‬‬ ‫الفقهية فحسب‪ ،‬بل هي شامل ٌة مل‬
‫ووجد االستعامل لألشباه يف رسالة عمر ‪ ‬إىل أيب موسـى األشـعري‬
‫‪ ،‬قال فيها‪« :‬الفهم الفهم فيام ُيـتلج يف صـدرك ِمـا مل يبلغـك يف القـرآن‬
‫والسنة‪ ،‬فتعرف األمثال واألشباه‪ ،‬ثم قـس األمـور عنـد ذلـك‪ ،‬واعمـد إىل‬
‫ُّ‬
‫في(‪ « :)4‬أي إذا وقعت واقعـ ٌة ال‬
‫أحبها إىل اهلل وأشبهها فيام ترى » (‪ ،)3‬قال الن ََّس ُّ‬
‫تعرف جواهبا فر َّدها إىل أشباهها من احلوادث تعرف جواهبا»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للباحسني ص‪.54‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.89-78‬‬
‫)‪ (3‬يف سنن البيهقي الكبري ‪ ،115 :10‬وسنن الدارقطني ‪.207 ،206 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف طلبة الطلبة ص‪.130‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪50‬‬
‫وشمول األشباه للفروق يستلزم منا توضيح املراد هبا‪.‬‬

‫فالفروق الفقهية‪:‬‬
‫هي املسائل التي تشبه بعضها بعض ًا مع اختالفها يف احلكم؛ ألمور خفية‬
‫أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم(‪.)1‬‬
‫أو معرفة األمور الفارقة بني مسألتني متشاهبتني‪ ،‬بحيث ال ُي َس َّوى بينهام‬
‫يف احلكم(‪.)2‬‬
‫فوظيفة هذا الفن إظهار املسائل بوضوح‪ ،‬وكشف النقاب عن االختالف يف‬
‫الصورة‪ ،‬أو املسـائل املتقاربـة بعضـها‬
‫احلكم والعلة يف املسائل املتشاهبة من حيث ُّ‬
‫من بعض‪ ،‬حيث يتضح بذلك للفقيه طرق األحكام‪ ،‬ويكون قياسه للفـروع عـىل‬
‫األصول متسق النِّظام(‪.)3‬‬

‫ومن أمثلة الفروق‪:‬‬

‫ـ يقيض الفوائت بعد الفجر قبـل طلـوع الشـمس وبعـد العرصـ قبـل‬
‫غروب الشمس‪ ،‬ويصِّل عىل اجلنازة‪ ،‬ويسجد للتالوة بال كراهة‪ ،‬و ُيكـره أن‬
‫ركعتي الطواف‪ ،‬وصالة املنذورة يف هذين الوقتني‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬غمز العيون‪.38 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ 81‬عن الفاداين يف الفوائد اجلنية‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.82‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪51‬‬
‫الصالة عىل اجلنازة‪ ،‬وقضاء الفوائت وسـجدة‬ ‫وجوب َّ‬
‫َ‬ ‫والفرق‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫ال َّتالوة ال يتوقف عىل فعله‪ ،‬أال ترى أنَّه يسمع اآلية من غريه‪ ،‬فتلزمه سجدة‬
‫الصالة عليها‪ ،‬وإذا مل يكن وجوهبا بفعل‬
‫التالوة‪ ،‬كذلك ُيّض اجلنازة فتلزمه َّ‬
‫من جهته جاز أداؤها يف هذين الوقتني بال كراهة كفرض الوقت‪ ،‬وأما ركعتا‬
‫الطواف واملنذورة فوجوهبام بسـبب مـن جهتـه؛ إذ لـوال طوافـه ونـذره ملـا‬
‫وجبت؛ لذلك كرهت يف هذين الوقتني (‪.)1‬‬
‫ـ إذا احتجم الصـائم‪ ،‬فظـن َّ‬
‫أن ذاك أفسـد صـومه‪ ،‬فأكـل بعـد ذلـك‬
‫متعمد ًا‪ ،‬فإنَّه تلزمه الكفارة إذا مل يتأول اخلّب‪ ،‬ومل ُي َ‬
‫فت باإلفطـار‪ ،‬ولـو أكـل‬
‫أن ذاك يفطره‪ ،‬فأكل بعد ذاك متعمد ًا‪ ،‬فإنَّه ال تلزمه الكفارة إذا مل‬
‫ناسي ًا ف َظن َّ‬
‫يبلغه اخلّب(‪.)2‬‬
‫والفرق‪ :‬أنَّه ملا أكل ناسي ًا فقد أفطر عىل شبهة‪ ،‬ف َظن يف موضـع تلبـيس‬
‫وتشبيه؛ َّ‬
‫ألن ما يفسد سائر العبادات ال ُيتلف النَّايس والعامد فيـه‪ :‬كـاجلامع‬
‫يفسد احلج ناسي ًا كان أو عامـد ًا‪ ،‬واحلـدث يـنقض الوضـوء ناسـي ًا كـان أو‬
‫عامد ًا‪ ،‬فإذا َظن يف موضع تلبيس وتشبيه‪ ،‬فصار إفطار ًا عىل شبهة‪ ،‬واإلفطار‬
‫تسحر والفجر طالع وهو ال يعلم به‪.‬‬
‫عىل الشبهة ال يوجب الكفارة‪ ،‬كام لو َّ‬
‫لصوم إنَّام يفسد بام‬ ‫وأ َّما يف احلجامة‪ ،‬فقد أفطر عىل غري شبهة؛ َّ‬
‫ألن ا َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفروق للكرابيس ‪.43 :1‬‬


‫(‪ )2‬هذا خالف املعتمد يف املذهب يف عدم وجوب الكفارة مطلق ًا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪52‬‬
‫أن صومه قد فسد فقد َظن يف غري موضع ال َظن‪،‬‬
‫يدخل ال بام ُيرج‪ ،‬فإذا َظن َّ‬
‫فلم يرص شبه ًة يف سقوط الكفارة‪ ،‬فبقيت الكفارة واجبـ ٌة عليـه‪ ،‬فـإذا بلغـه‬
‫اخلّب أو أفتاه فقيه صار ذلك عذر ًا‪ ،‬فسقطت الكفارة(‪.)1‬‬
‫ـ إذا قال‪ :‬زوجيني نفسك‪ ،‬فقالت بحّضـة ُّ‬
‫الشـهود‪ :‬زوجـت‪ ،‬انعقـد‬
‫العقد وإن مل يقل قبلت‪ ،‬أما لو قال‪ :‬بعني فقال‪ :‬بعت‪ ،‬ال ينعقـد مـا مل يقـل‪:‬‬
‫قبلت‪.‬‬
‫أن العادة جرت باملساومة يف البيع‪ ،‬فجعل قولـه‪ :‬بعنـي طلبـ ًا‬
‫والفرق‪َّ :‬‬
‫للعقد وسوم ًا‪ ،‬فإذا قال‪ :‬بعت‪ ،‬فاملوجود أحدُ شقي العقد‪ ،‬فام مل يقل‪ :‬قبلت‪،‬‬
‫فإنه ال ينعقد‪.‬‬
‫وأما يف النِّكاح فلم جتر العادة باملساومة فيه‪ ،‬فال ُيطب إال بعد الرتوي‬
‫الرسل‪ ،‬فلم يكن قوله‪ :‬زوجيني مساوم ًة‪ ،‬فصار شق ًا للعقـد‪،‬‬
‫والتفكُّر وإنفاذ ُّ‬
‫زوجت‪ُ ،‬وجد الشقان فتم العقد‪.‬‬
‫فإذا قالت‪َّ :‬‬
‫وجه آخر‪ :‬وهو َّ‬
‫أن قوله زوجيني طلب العقد‪ ،‬فقد أمرهـا بـأن تعقـد‪،‬‬
‫والواحد ِما يتفرد بشقي العقد يف النكاح‪ ،‬فإذا قالت‪ :‬زوجت‪ ،‬صار املوجود‬
‫عقد ًا‪ ،‬ويف البيع قوله ‪ :‬بعني طلب العقد‪ ،‬والواحدُ ِما ال ينفـرد بشـقي عقـد‬
‫البيع‪ ،‬فصار املوجود أحد شقي العقد‪ ،‬فام مل يقل‪ :‬قبلت ال ينعقد(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفروق للكرابيس‪.88 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفروق للكرابيس ‪.125 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪53‬‬
‫أن هناك ارتباط ًا بني املصطلحني «األشباه والنظائر»‬
‫وهبذا يتضح لنا َّ‬

‫و«الفروق»؛ إذ «األشباه والنظائر» شـاملة للفـروق‪ ،‬والفـروق ليسـت مـن‬


‫ِ‬
‫أحـدمها عـىل‬ ‫قيـاس‬ ‫نع‬ ‫ألن الفرعني اللذين بينهام ٌ‬
‫القواعد الفقهية؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫فرق يمت ُ‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫ويف الواقع نجد أن كتب النَّظائر واألشباه حتتوي عىل أنواع من املسائل‪،‬‬
‫منها‪ :‬ما يتعلق بالقواعد الفقهية‪ ،‬والفروق الفقهية املتشاهبة األُخرى(‪.)1‬‬
‫‪.5‬الفقه‪:‬‬
‫الّشء ‪ ،‬والعلم بـه‪،‬‬
‫إدراك َّ‬ ‫ِ‬ ‫يدل عىل‬ ‫لغ ًة‪ :‬هو الفهم مطلق ًا‪ ،‬وهو ما ُّ‬
‫ول} هـود‪:91 :‬‬ ‫ب َما َن ْف َق ُه كَثِ ًريا ِِّمَّا َت ُق ُ‬ ‫والفه ِم له(‪ ،)2‬قال ‪َ { :‬قا ُلو ْا َي ُ‬
‫اش َع ْي ُ‬
‫أي ال نفهم‪.‬‬
‫واصطالح ًا‪ :‬له معنيان عند الفقهاء واألصوليني‪:‬‬
‫ِ‬
‫اجلانـب الـذي ُيـدم‬ ‫فإن أصحاب ِّ‬
‫كل علـم ينظـرون إىل املعنـى مـن‬ ‫َّ‬
‫اجتهت عنايتهم إىل ِ‬
‫بيان مفهو ِم الفقه من جهة استنباط‬ ‫ْ‬ ‫علمهم‪ ،‬فاألصوليون‬
‫الفروع من األدلة‪ ،‬والفقهاء اجتهت عنايتهم بالفقـه مـن جهـة التطبيـق عـىل‬
‫املكلفني‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.85‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬املصباح ص‪ ،479‬والعني ‪ ،70 :2‬ومفردات القرآن ص‪ ،398‬ومعجم مقاييس‬
‫اللغة ‪.442 :4‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪54‬‬
‫أ‪.‬عند األصولني‪ :‬هو العلم باألحكام َّ‬
‫الرشـع َّية العمليـة املكتسـب مـن‬
‫أدلتها التَّفصيل َّية(‪.)1‬‬
‫واألدلة التفصيلية‪ :‬هي األدلة اجلزئية التي يتعلق كل دليل منها بمسألة‬
‫معينة‪ ،‬وينص عىل حكم خاص هبا(‪ :)2‬كقوله ‪َ { : ‬والَ َت ْق ُت ُلو ْا الـنَّ ْف َس ا َّلتِـي‬
‫حل ِّق} اإلرساء‪ ،33 :‬فهي دليل جزئي يتعلق بحكم قتل النفس‬ ‫َح َّر َم اهللُ إِالَّ بِا َ‬
‫بغري حق‪.‬‬
‫وخرج باألحكام‪ :‬العلم بالذوات والصفات واألفعال‪ ،‬وبالّشعية‪:‬‬
‫العقلية‪ ،‬واملراد هبا ما تتوقف معرفتها عىل الّشع‪ ،‬وبالعملية‪ :‬عن العلمية‪:‬‬
‫ككون اإلمجاع وخّب الواحد حجة(‪.)3‬‬
‫ب‪.‬عند الفقهاء‪ :‬هو علم يبحث فيه عن أحوال األعامل من حيث ر‬
‫احلل‪،‬‬
‫والصحة(‪.)4‬‬
‫واحلرمة‪ ،‬والفساد‪ ،‬ر‬
‫فلام كانت نظر ُة ال ُفقهاء إىل ِ‬
‫بيان حكم فعل املك َّلف من ِّ‬
‫احلـل واحلرمـة‬
‫بغض النظر عن الدليل‪ ،‬اهتموا بتعريف الفقه من هذه احليثية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪َّ :‬ناية السول يف رشح منهاج األصول للبيضاوي ‪.8 :1‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬املدخل إىل دارسة الّشيعة اإلسالمية ص‪.55‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬البحر املحيط ‪ ،34 :1‬ورشح الكوكب املنري ص‪ ،11‬وحاشية العطار ‪.52 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬حاشيته عىل الدرر ص‪ ،3‬ومقدمة ابن خلدون ص‪.312‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪55‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف الوصفي‪:‬‬
‫َك ُثرت التعاريف ملصطلح القواعد الفقهية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ـ حكم أكثري ال كيل ينطبق عىل أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه(‪.)1‬‬
‫ـ قضية أكثرية تنطبق عىل أكثر جزئيات موضوعها(‪.)2‬‬
‫ـ نصوص فقهية كلية يف نصوص موجزة دسـتورية‪ ،‬تتضـمن أحكامـ ًا‬
‫ترشيعية عامة يف احلوادث التي تدخل حتت موضوعها(‪.)3‬‬
‫وأصل فقهـي كـيل يتضـمن أحكامـ ًا ترشـيعية مـن أبـواب متعـددة يف‬
‫القضايا التي تدخل حتت موضوعه(‪.)4‬‬
‫واألوىل يف ال َّتعريف بنا ًء عىل ما سبق تأصيله‪:‬‬
‫أصل بناء فقهي ينطبق عىل أكثر جزئياته يف أبواب خمتلفة‪.‬‬
‫وذكرته بلفظ‪ :‬أصل بناء ؛ لتمييزه عـن أصـول االسـتنباط وأصـول‬
‫التطبيق‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬غمز العيون‪.51 :1‬‬


‫(‪ )2‬القواعد للباحسني ص‪ 28‬عن التحقيق الباهر للتاجي‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املدخل للزرقا ‪.941 :2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.45‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪56‬‬
‫وهو يشمل أصول املسائل التي بنيـت عليـه يف ختـريج أحكامهـا عـىل‬
‫القاعدة التي اشتمل عليها‪ ،‬واعتباره أساس ًا يف معرفة حكم مـا يسـتجد مـن‬
‫األحكام بّشط توافقها مع فروع القاعدة‪.‬‬
‫ـِّل‪ ،‬حيــث تنــدرج حتتــه أكثــر فروعــه ومســائله يف‬
‫ـري ال كـ ٌّ‬
‫وهــو أكثـ ٌّ‬
‫املوضوعات املتعددة‪ ،‬واألبواب الفقهية املختلفة‪.‬‬
‫بـاب‬ ‫أصل ٍ‬
‫بناء فقهي ينطبق عـىل جزئيـات ٍ‬ ‫الفقهي‪ :‬فهو ُ‬ ‫الضاب ُط‬
‫وأ َّما َّ‬
‫ُ‬
‫خاص إال نادر ًا‪.‬‬
‫أصل ٍ‬
‫بناء فقهي ينطبق عىل جزئياته يف مسائل‬ ‫الفقهي‪ :‬فهو ُ‬ ‫ُ‬
‫األصل‬ ‫وأ َّما‬
‫ُ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫والضوابط واألصل‪:‬‬
‫والفرق بني القواعد َّ‬
‫الضـوابط عـىل بـاب‬
‫‪.1‬شمول القواعـد ألبـواب متعـدِّ دة‪ ،‬واقتصـار َّ‬
‫الزركّش ‪ « :‬ما ال ُيص باب ًا مـن‬
‫(‪)1‬‬
‫خاص‪ ،‬واألصل عىل مسائل حمدَّ دة‪ ،‬قال َّ‬
‫أبواب الفقه ُيسمى بالقاعـدة يف اصـطالح الفقهـاء‪ ،‬ومـا ُيـص بعـض‬
‫إن القاعد َة جتمع فروعـ ًا‬
‫يوطي ‪َّ « :‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الس‬
‫األبواب ف ُيسمى ضوابط ‪ ،‬وقال ُّ‬
‫والضابط ُيمعها من باب واحد ‪.‬‬
‫من أبواب شتى‪َّ ،‬‬

‫)‪ (1‬يف تشنيف املسامع‪.162 :2‬‬


‫)‪ (2‬يف األشباه والنظائر للسيوطي‪.71 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪57‬‬
‫وابط تضـبط موضـوع ًا‬
‫الض َ‬ ‫الضوابط؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫‪.2‬القواعدُ أكثر شذوذ ًا من َّ‬
‫واحد ًا‪ ،‬فال يتسامح فيها بشذوذ(‪ ،)1‬وال ُيقبل ُّ‬
‫الشذوذ يف األصل‪.‬‬
‫وما ذكرته من الفروق بني القاعدة والضابط واألصل ليست مسـتعملة‬
‫يف كتب الفقه والقواعد‪ ،‬بل هي مرتادف ٌة يف استعامهلم‪ ،‬كام سبق تقريـر هـذا‪،‬‬
‫وإ َّنام قصدت أمرين‪:‬‬
‫أ‪.‬التَّمييز والتَّفريق ببيان وجود ثـالث صـور‪ :‬صـورة تشـمل أبـواب‪،‬‬
‫وصورة تشمل باب ًا‪ ،‬وصورة تشمل مسائل‪ ،‬بغض النظر عن التسمية بقاعـدة‬
‫أو ضابط أو أصل‪.‬‬
‫ب‪.‬ال َّتنبيه عـىل أنَّـه كلـام اتسـعت الـدَّ ائرة للفـروع التـي تشـملها زاد‬
‫الشذوذ‪ ،‬وبالتايل مل يعد صاحل ًة لبناء األحكام عليها‪ ،‬إال بعد ال َّتتبع لفروعها‪،‬‬
‫والتأكد َّ‬
‫أن ما نريد بناءه عليها يندرج حتت فروعها ال حتت استثناءاهتا‪ ،‬وكلام‬
‫ضاقت الدائرة من شموله لفروع حمصورة أمكن البناء عليه؛ لعدم الشـذوذ‪،‬‬
‫فيكون عىل االصطالح الذي ذكرته سابق ًا‪ :‬التَّخريج عىل األصل هو املعتـّب‪،‬‬
‫وليس التَّخريج عىل القاعدة‪ ،‬وسيأيت تفصيله يف حجية القواعد‪.‬‬
‫وأما علم القواعد الفقهية‪ :‬فهو العلم الذي يبحث فيه القضايا الفقهيـة‬
‫الكلية‪ ،‬من حيـث معناهـا‪ ،‬ومـا لـه صـلة هبـا‪ ،‬ومـن حيـث بيـان أركاَّنـا‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.51‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪58‬‬
‫ورشوطها‪ ،‬ومصدرها‪ ،‬وحجيتها‪ ،‬ونشأهتا‪ ،‬وتطورها‪ ،‬وما تنطبق عليـه مـن‬
‫جزئيات ‪ ،‬وما يستثنى(‪.)1‬‬
‫املطلب ال َّث ُ‬
‫الث‪ :‬ركن القاعدة ورشوطها «أصل البناء»‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أوالً‪ :‬ركن القاعدة «أصل البناء» له طرفان‪:‬‬
‫‪.1‬املوضوع أو املحكوم عليه‪ ،‬وهو الذي ُيمل عليه احلكم‪ ،‬وهو ما‬
‫نسميه عني الوصف أو جنس الوصف يف أصول الفقه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنَّام ُسمي‬
‫موضوع ًا؛ ألنَّه وضع ليحكم عليه بّشء‪ :‬كاملشقة يف قاعدة‪« :‬املشقة جتلب‬
‫الّضر يزال»‪ ،‬واليقني يف قاعدة‪« :‬اليقني ال‬
‫والّضر يف قاعدة‪َّ « :‬‬
‫التيسري»‪َّ ،‬‬
‫يزول بالشك»‪ ،‬واجتامع احلالل واحلرام يف قاعدة‪« :‬إذا اجتمع احلالل‬
‫واحلرام غلب احلرام»‪.‬‬
‫‪.2‬احلكم أو املحكوم به‪ ،‬وال بد أن يكون الوصف بيان ًا حلكم رشعي‪،‬‬
‫أو ملا له صلة بحكم رشعي‪ ،‬وهو ما ُنسميه عني احلكم أو جنس احلكم يف‬
‫للّضر‪ ،‬ونفي إزالة الش ِّك‬
‫علم األصول‪:‬كإثبات ال َّتيسري للمشقة‪ ،‬واإلزالة َّ‬
‫لليقني‪ ،‬وتغليب احلرام عند اجتامع احلرام واحلالل(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للباحسني ص‪.21‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القواعد للباحسني ‪.80‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪59‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬رشوط القاعدة‪:‬‬
‫‪.1‬التجريد‪ :‬أي أن تكون القاعدة «أصل البناء» مبينة ألحكام أفعال‬
‫األشخاص بصفاهتم‪ ،‬ال بأعياَّنم‪ ،‬فال تتناول واقعة بعينها‪ ،‬وال شخص ًا‬
‫لذاته‪.‬‬
‫‪.2‬العموم‪ :‬أي أن يكون موضوعها يتناول أفراد ًا ينطبق عليهم‪.‬‬
‫‪.3‬أن يكون حكمها رشعي ًا‪ ،‬فهي حتدد اجلواز أو عدمه‪ ،‬دون تفصيل‬
‫لنوع احلكم الّشعي‪ ،‬فاملشقة جتلب التيسري‪ ،‬تفيد الرتخيص‪ ،‬ولكن حكم‬
‫املشقة والتيسري ُيتلف باختالف نوع املشقة التي تستدعي ذلك‪ ،‬فقد يكون‬
‫واجب ًا أو مندوب ًا أو مباح ًا‪.‬‬
‫‪.4‬أن يكون حك ًام بات ًا غِّي مـرتدد فيـه؛ َّ‬
‫ألن الرتديـد بالقاعـدة يفقـدها‬
‫قيمتها‪ ،‬ويزيل عنها هيبة االمتثال‪ ،‬وُيردها عن طبيعة َّأَّنا حكم(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للباحسني ص‪.85-81‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪60‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪61‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫عالقة القواعد «أصول البناء»‬
‫بالنظرية والقاعدة األصولية واملقاصدية‬
‫نعرض يف هذا املبحث لوجه الفرق بني القاعدة «أصل البناء» والقاعدة‬
‫األصولية‪ ،‬والنَّظريات الفقهيـة العامـة‪ ،‬ونبـني وجـه العالقـة مـع املقاصـد‬
‫الّشعية يف املطالب اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫الفرق بـني القاعـدة الفقهيـة والقاعـدة‬ ‫املطلب األَ َّول‪:‬‬
‫األُصولية‪:‬‬
‫‪َّ 1‬‬
‫‪.‬إن علم األصـول بالنسـبة لعلـم الفقـه ميـزان وضـابط لالسـتنباط‬
‫الصحيح‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن علم النحو لضـبط النُّطـق والكتابـة‪ ،‬وقواعـد‬
‫َّ‬
‫األصول هي التي يستنبط هبا احلكم مـن الـدَّ ليل ال َّتفصـيِّل‪ :‬وهـي اآليـات‪،‬‬
‫واألحاديث‪ ،‬واآلثار‪.‬‬
‫الصحيح ملا‬ ‫ٌ‬
‫وضابط للتَّخريج َّ‬ ‫ٌ‬
‫ميزان‬ ‫وأما القواعد «أصول البناء»‪ :‬فهي‬
‫يستجد من مسائل‪ ،‬وهي اسـتقرائية قياسـية‪ ،‬جزئياهتـا مسـائل خمتلفـة مـن‬
‫األبواب الفقهية‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪62‬‬
‫‪.2‬موضوع علم األصول األدلة واألحكـام‪ ،‬فقاعـدة‪« :‬األمـر يقتيضـ‬
‫الوجوب» قاعدة أصولية تتعلق بكل دليل يف الّشيعة فيه أمر‪.‬‬
‫وأما موضوع القواعد «أصـول البنـاء» فهـو ُ‬
‫فعـل املكلـف‪ ،‬فقاعـدة‪:‬‬
‫«اليقني ال يزول بالشك» قاعدة فقهية متعلقة بكل فعل مـن أفعـال املكلفـني‬
‫َت َيقنَه املكلف‪ ،‬أو َت َي َق َن عدمه‪ ،‬ثم َش َّك يف العكس‪.‬‬
‫‪.‬إن قواعد أصول الفقه إنَّام تتع َّلق باأللفاظ ودالالهتا عىل األحكام يف‬
‫‪َّ 3‬‬
‫غالب أحواهلا‪ ،‬فقاعدة‪ :‬عام القرآن يفيد القطع عند احلنفية‪ ،‬أفادت وجـوب‬
‫صالة العيد‪ ،‬ووجوب األضحية من قولـه تعـاىل‪َ { :‬ف َص ِّـل ل ِ َر ِّب َ‬
‫ـك َوان َْحـر}‬
‫الكوثر‪.2 :‬‬
‫وأ َّما القواعد «أصول البناء»‪ ،‬فتتع َّلق بأحكام أفعال املكلفني من حيـث‬
‫احلل واحلرمة‪ ،‬والفساد والصـحة‪ ،‬فقاعـدة‪« :‬األمـور بمقاصـدها» أفـادت‬
‫إباحة‪ ،‬واستحباب‪ ،‬وكراهة الفعل املباح‪ :‬من أكل ورشب ولبس عىل حسب‬
‫نية املك َّلف له‪.‬‬
‫‪َّ .4‬‬
‫إن قواعد أصول الفقه إنَّام تبنـى عليهـا األحكـام اإلمجاليـة‪ ،‬وعـن‬
‫طريقها َيستنبط الفقيه أحكام املسائل اجلزئية من األدلة التفصيلية‪.‬‬
‫وأما القواعد «أصول البناء»‪ ،‬فإنَّام تعلل هبا أحكام احلوادث املتشـاهبة‪،‬‬
‫وقد تكون أص ً‬
‫ال هلا‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪63‬‬
‫‪َّ .5‬‬
‫إن قواعــد أصــول االســتنباط حمصــورة يف أبــواب أصــول الفقــه‬
‫وموضوعاته‪ ،‬ومسائله‪.‬‬
‫فغري حمصورة وال حمدودة العدد‪ ،‬بل هـي‬
‫وأ َّما القواعد «أصول البناء»‪ُ ،‬‬
‫كثري ٌة جد ًا‪ ،‬ومنثور ٌة يف كتب الفقه‪.‬‬
‫‪ .6‬إن قواعد أصول االستنباط إذا اتفق عىل مضموَّنا‪ ،‬فال يستثنى منها‬
‫يش ٌء‪ ،‬فهي قواعد كلية مطردة‪ :‬كقواعد العربية‪.‬‬
‫كل منها مسائل ُختـالف حكـم القاعـدة‬
‫وأما قواعد الفقه‪ ،‬فيستثنى من ٍّ‬
‫الّضـورة‪ ،‬أو غـري‬
‫بسبب من األسباب‪ :‬كاالستثناء بالنص‪ ،‬أو اإلمجـاع‪ ،‬أو َّ‬
‫ذلك من أسباب االستثناء؛ ولذلك ُيطلق عليها‪ :‬قواعد أغلبية أكثرية ال كلية‬
‫مطردة‪.‬‬
‫‪.‬إن القواعد األصـولية متقدمـ ٌة يف وجودهـا الـذهني عـىل القواعـد‬
‫‪َّ 7‬‬
‫«أصول البناء»‪ ،‬ومن أصول البناء يتم استخراج الفروع الفقهيـة كـام سـبق؛‬
‫والسـنة‬ ‫َّ‬
‫ألن قواعــد األصــول هــي األدوات التــي اســتعملت مــع الكتــاب ُّ‬
‫واآلثار؛ الستخراج أصول البناء‪.‬‬
‫وأ َّما القواعد «أصول البناء»‪ ،‬فمتقدِّ م ٌة يف وجودها ِّ‬
‫الـذهني‪ ،‬ومتـأخرة‬
‫مجع ألشتات الفروع ومعانيها‪ ،‬وربط‬
‫ألَّنا ٌ‬
‫يف وجودها الواقعي عن الفروع؛ َّ‬
‫بينها‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪64‬‬
‫ألَّنا تركـز‬
‫الّشع وال حكمته؛ َّ‬ ‫‪َّ 8‬‬
‫‪.‬إن القواعد األصولية ال ُتظهر أرسار َّ‬
‫عىل جانب االستنباط‪ ،‬فال تالحظ املقاصد فيها عموم ًا‪.‬‬
‫وأما القواعـد الفقهيـة فـيمكن أن نأخـذ منهـا األرسار ِ‬
‫واحلكـم؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ٌ‬
‫رابـط بـني الفـروع واجلزئيـات املتعـدِّ دة‪ ،‬فـتالحظ معرفـة‬ ‫القواعد الفقهية‬
‫الّشعية التي دعت إليها‪.‬‬
‫املقاصد َّ‬
‫‪َّ 9‬‬
‫‪.‬إن القواعد األصولية هلا احلجية والقوة‪ ،‬بحيث ُيمكن االستناد إليها‬
‫يف استنباط األحكام الّشعية من أدلتها التفصيلة‪.‬‬
‫أما القواعد الفقهية‪ ،‬فال يصح االعتامد عليها لبيان احلكم الّشعي كـام‬
‫ســيأيت‪ ،‬وقــد نجــد القواعــد «األصــول الفقهيــة» تصــلح ألن تبنــى عليهــا‬
‫األحكام؛ النضباطها بفروع حمصورة‪.‬‬
‫فمث ً‬
‫ال قاعدة‪« :‬االجتهاد ال ينقض بمثله»‪ ،‬ينظر إليها من حيـث كوَّنـا‬
‫دلي ً‬
‫ال يعتمد عليه يف بيـان‪ :‬عـدم جـواز نقـض أحكـام القضـاة وفتـاوى‬
‫املفتني‪ ،‬إذا تع َّلقت هبا األحكام عىل سبيل العموم واإلمجال(‪.)1‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪ ،22-20‬واملدخل إىل دراسة الفقه وأصوله ص‪،187-186‬‬
‫والقواعد للندوري ص‪ ،69-68‬والقواعد لشبري ص‪ ،30-28‬والقواعد للباحسني‬
‫ص‪.43‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪65‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الفـرق بـني القاعـدة الفقهيـة والنظريـة‬
‫الفقهية‪:‬‬
‫فالنَّظرية الفقهية‪ :‬موضوعات فقهية‪ ،‬أو موضوع يشـتمل عـىل مسـائل‬
‫فقهية‪ ،‬أو قضايا فقهية‪ ،‬حقيق ُتها‪ :‬أركان ورشوط وأحكام‪ ،‬تقوم بني كل منها‬
‫صل ٌة فقهية‪ ،‬جتمعها وحدة موضوعية حتكم العنارص مجيع ًا‪.‬‬
‫وذلك كنظرية امللكية‪ ،‬ونظرية العقد‪ ،‬ونظرية اإلثبات‪.‬‬
‫تتكون من‪ :‬حقيقة اإلثبات‪َّ ،‬‬
‫والشـهادة‪ ،‬ورشوط‬ ‫فمثالً‪ :‬نظرية اإلثبات َّ‬
‫الشـهادة‪ ،‬ومسـؤولية َّ‬
‫الشـاهد‪،‬‬ ‫والرجـوع عـن َّ‬ ‫الشهادة‪ ،‬وكيفيـة َّ‬
‫الشـهادة‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫واإلقرار‪ ،‬واخلـّبة‪ ،‬ومعلومـات القـايض‪ ،‬والكتابـة‪ ،‬واليمـني‪ ،‬والقسـامة‪،‬‬
‫وال ِّلعان‪.‬‬
‫وتتفق النَّظرية مع القاعدة «أصل البناء»‪ :‬يف َّ‬
‫أن ك ً‬
‫ال منهام تشـتمل عـىل‬
‫مسائل من أبواب متفرقة من الفقه(‪.)1‬‬
‫و ُيمكن تلخيص الفروق بينهام فيام يِّل‪:‬‬
‫‪.1‬القواعــد «أصــول البنــاء» بمثابــة ضــوابط بالنِّســبة ملســائل تلــك‬
‫النَّظريات‪ ،‬فقاعدة‪« :‬العّبة يف العقود للمقاصد واملعاين» مثالً‪ :‬هي ضـوابط‬
‫لناحية خمصوصة من أصل نظرية العقد‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املدخل إىل الفقه اإلسالمي وأصوله ص‪ 187‬عن النظريات العامة أليب سنة‬
‫ص‪.44‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪66‬‬
‫تتضمن حك ًام فقهي ًا يف ذاهتـا‪ ،‬وهـذا احلكـم‬
‫َّ‬ ‫‪.2‬القواعد «أصول البناء»‬
‫الذي تتضمنه ينتقل إىل الفـروع املندرجـة حتتهـا‪ ،‬فقاعـدة «اليقـني ال يـزول‬
‫بالشك» تضمنت حك ًام فقهي ًا يف ِّ‬
‫كل مسألة اجتمع فيها يقـني وشـك‪ ،‬وهـذا‬
‫فإَّنا ال تتضمن حك ًام فقهي ًا يف ذاهتا‪ ،‬كنظرية امللكية‪.‬‬
‫بخالف النَّظرية الفقهية‪َّ :‬‬
‫‪.3‬شمول بعـض النَّظريـات ملجموعـة مـن القواعـد «أصـول البنـاء»‬
‫املختلفة‪ ،‬واملشرتكة يف موضوع معني‪ ،‬كنظرية العرف‪ :‬تشـتمل عـىل قواعـد‬
‫متعددة‪« :‬العادة حمكمة»‪ ،‬و«استعامل الناس حجـة ُيـب العمـل بـه»‪ ،‬و«ال‬
‫ينكر تغري األحكـام بتغـري األزمـان»‪ ،‬و«املعـروف عرفـ ًا كاملّشـوط رشطـ ًا‬
‫بينهم»‪ ،‬و«التعيني بالعرف كالتعيني بالنص»‪.‬‬
‫‪.4‬متتاز النظريات بشموهلا جانب ًا واسع ًا مـن الفقـه ومباحثـه‪ ،‬و ُتشـكل‬
‫دراسة موضوعية مستقلة لذلك اجلانب‪ ،‬ومتتاز القاعدة «أصل البناء» بإُيـاز‬
‫الصياغة؛ لعموم معناها‪ ،‬وسعة استيعاهبا للفروع اجلزئية من أبواب خمتلفة(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املقاصد الرشعية والقواعد الفقهية‪:‬‬
‫يلزمنا لبيان العالقة بني املقاصد والقواعد «أصول البناء» أن نقف وقفة‬
‫رسيعة؛ مع املقاصد؛ لتوضيح حقيقتها‪ ،‬وبخاصة بعد حصول اختالط كبري‬
‫يف مفهومها‪ ،‬فإن تبينت لنا حقيقة املقاصد‪ ،‬مع ما مر بنا سابق ًا من املقصود‬
‫بالقواعد «أصول البناء»‪ ،‬فإنه يظهرلنا بجالء وجه العالقة بينهام‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.66-63‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪67‬‬
‫والغايات من األحكام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الربانية للتَّرشيع‪،‬‬
‫فاملقاصد‪ :‬هي املعاين َّ‬
‫والوسائل لتطبيقها‪ ،‬فهي أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬املقاصد املتعلقة بالوسائل‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫‪.1‬امللكة الفقهية‪ :‬وهي القدرة عىل التخريج‪ ،‬والرتجيح‪ ،‬والتمييز‪،‬‬
‫والتقرير لألحكام الّشعية من فقيه النَّفس‪.‬‬
‫ِ‬
‫العلامء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مصاحبة‬ ‫تتحصل بقدر توفيق اهلل ‪ ‬مع‬ ‫وهذه امللك ُة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وإكثار املطالعة يف كتب‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والقدرة العقلية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلفتاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّدريس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والبحث‪ ،‬والت‬
‫التَّاريخ‪ ،‬وال َّطبقات‪ ،‬والفتاوى‪ُّ ،‬‬
‫والّشوح‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫فكان الغرض من الدراسة الفقهية توصيل ال َّطالب إىل تكوين امل َلكَة‬
‫العلمية‪ ،‬وتعرفه عىل طريقة أهل العلم يف الفهم والبناء وحتليل األمور‪،‬‬
‫الذاتية‪ ،‬وااللتقاء باألساتذة‪ ،‬وحت ُّقق َّ‬
‫الذكاء‬ ‫الشخص بالدِّ راسة َّ‬ ‫ِ‬
‫اجتهاد َّ‬ ‫ِ‬
‫وبقدر‬
‫يتوصل إىل تكوين امل َلكَة يف العلم الذي َّ‬
‫ختصص فيه‪.‬‬ ‫لديه يستطيع أن َّ‬
‫راجع إىل‬
‫ٌ‬ ‫وإفادة جمتمعه به وزيادتِه ملسائلِه‬
‫ِ‬ ‫وتطبيق املرء للعلم يف حياتِه‬
‫األمر متح ِّقق يف الفقه؛ ألنَّه ٌ‬
‫علم كسائر‬ ‫ُ‬ ‫كوَّنا فيه‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫مقدار امل َلكَة التي َّ‬
‫االجتهادات منب ُعها امل َلكَات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العلامء فيه‪ ،‬وهذه‬ ‫ِ‬
‫اجتهادات‬ ‫تكون من‬
‫ُ‬ ‫العلوم َّ‬
‫ف يف هذا العلم‪ ،‬و ُيضيف إليه معارف‬ ‫يترص َ‬ ‫وبقدر حتصيلها يستطيع أن‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫وإفادات مبنية عىل ُأسس العلم التي َمتَكَّن منها‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪68‬‬
‫تتكون لدى الفقيه امللكة الفقهية القادرة عىل بلوغ الدَّ رجة‬
‫َّ‬ ‫وما مل‬
‫الرفيعة‪ ،‬والفهم العميق للواقع‪ ،‬فلن يكون قادر ًا عىل حتصيل مقاصد‬
‫العلمية َّ‬
‫الّشيعة بتاممها‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪.‬علم تطبيق الفقه املسمى بـ«رسم املفتي»‪ ،‬وقد سبق بيانه‪.‬‬
‫‪ُ 2‬‬
‫الر َّبانية للتَّرشيع‪:‬‬
‫الثاين‪ :‬املقاصد املتعلقة باملعاين َّ‬
‫وعام ُة مفردات هذا املبحث مل ينتبه هلا املشتغلون يف املقاصد؛ لصعوبة‬
‫األساس للوصول للغايات من املقاصد‪ ،‬ولوال‬
‫ُ‬ ‫مباحثها ود َّقة معانيها‪ ،‬وهي‬
‫ال يف أحكامه‪ ،‬وألُنزلت علينا عمومات‪ ،‬ثم‬
‫مفص ً‬
‫ذلك ملا نزل إلينا الّشع َّ‬
‫طالبنا الشارع بالعمل هبا‪ ،‬فاجلزئيات مطلوبة للوصول إىل الكليات‪ ،‬حتى‬
‫تقيد عمومها‪ ،‬وتفصح عن حاهلا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدراك العلة اخلاصة للحكم هو‬‫وهي تتكون من العلة واحلكم‪ ،‬و‬
‫األصل يف القدرة عىل تطبيقه يف نفسه صحيح ًا‪ ،‬وقياس غريه عليه‪ ،‬قال ابن‬
‫عاشور(‪« :)1‬يمكن أن جتعل تلك األوصاف باعث ًا عىل التّشيع‪ ،‬فتقاس فروع‬
‫كثرية عىل مورد لفظ منها‪ ،‬باعتقاد اشتامل تلك الفروع كلها عىل الوصف‬
‫الذي اعتقدوا أنَّه مراد من لفظ الشارع‪ ،‬وهو الوصف املسمى العلة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف مقاصد الّشيعة ص‪.5‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪69‬‬
‫الثالث‪ :‬املقاصدُ املتع رلق ُة بالغايات لألحكام َّ‬
‫الرشعية‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫‪.1‬حكَم الترشيع وفوائده‪:‬‬
‫وهي أبرز ما يطلق عليه املقاصد عند املعارصين؛ إذ َّأَّنا متثل الفوائد‬
‫املرتتبة عىل تّشيع األحكام الّشعية‪.‬‬
‫ومدار هذه ِ‬
‫احلكَم راجع إىل َّ‬
‫أن التّشيع له جانبان‪ :‬تربوي‪ ،‬وتنظيمي‪.‬‬
‫أما الرتبوي‪ :‬فهو يتجسد بصورة واضحة يف العبادات التي تسعى سعي ًا‬
‫ِ‬
‫اإلنسان إىل َأعىل مراتبها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بإنسانية‬ ‫ِ‬
‫االرتقاء‬ ‫حثيث ًا إىل‬
‫وأما اجلانب التنظيمي يف الترشيع‪ :‬فهو يتمثل يف النكاح‪ ،‬والطالق‪،‬‬
‫واملعامالت‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والسري‪ ،‬واملواريث‪ ،‬وغريها‪ ،‬ففيها يسعى الفقهاء إىل‬
‫تقديم أفضل حلول للحياة اإلنسانية‪ ،‬و َمن قدَّ م لنا أفضل ِما عندنا لن نتوانا‬
‫يف االستفادة واألخذ منه؛ َّ‬
‫ألن املقصود إُياد حياة بّشية فضىل‪.‬‬
‫‪.2‬جلب املصالح ودرء املفاسد‪:‬‬
‫َمن تأمل يف ِحكَم التّشيع يصل إىل َّأَّنا إما جالبة للمصالح وإما دارئة‬
‫غني عن عباده أمجعني‪ ،‬وإنَّام يريد هلم ما فيه خريهم‬ ‫للمفاسد؛ َّ‬
‫ألن اهلل ٌّ‬
‫الّشائع إنَّام جيء هبا‬
‫َ‬ ‫املقرر َة َّ‬
‫أن‬ ‫اطبي(‪َّ « :)1‬‬
‫إن القاعد َة َّ‬ ‫وصالحهم‪ ،‬قال الش ُّ‬
‫ف‬‫ملصالح العباد‪ ،‬فاألمر والنهي والتَّخيري مجيع ًا راجع ٌة إىل ح ِّظ املك َّل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬يف املوافقات‪.148 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪70‬‬
‫ِ‬
‫احلظوظ ُمنزه عن األغراض»‪.‬‬ ‫غني عن‬ ‫ِ‬
‫ومصاحله؛ َّ‬
‫ألن اهللَ ٌّ‬
‫‪ .3‬الكليات اخلمس «املقاصد العامة»‪:‬‬
‫وهي املقاصد التي متَّت مراعاهتا‪ ،‬وثبتت إراد ُة حتقيقها عىل صعيد‬
‫الّشيعة كلها(‪ ،)1‬من حفظ الدَّ ين والنَّفس والعقل والنَّسب واملال‪.‬‬
‫‪ .4‬القواعد الفقهة الكربى‪ ،‬وسيأيت عليها الكالم مفصالً‪.‬‬
‫أن بني القواعد واملقاصد عموم ًا وخصوص ًا‪ ،‬فيشرتكان‬
‫وهبذا يتبني لنا َّ‬
‫بعض القواعد الفقهية‪ ،‬وجزء ًا من‬
‫أن جزء ًا من مقاصد الغايات هي ُ‬
‫يف َّ‬
‫الضوابط واملدارك‪.‬‬
‫بعض َّ‬
‫مقاصد املعاين الربانية هي ُ‬
‫وتوضيح العالقة بصورة أوسع‪َّ :‬‬
‫أن املقاصد ثالثة أنواع‪:‬‬
‫تتحصـل‬
‫َّ‬ ‫النوع األول‪ :‬مقاصد الوسائل‪ ،‬فتشـتمل عـىل امللكـة‪ ،‬وهـي‬
‫بضبط القواعد «أصول البناء»‪ ،‬وتشتمل عـىل أصـول التطبيـق‪ ،‬وجـز ٌء منهـا‬
‫عبارة عن بعض القواعد‪ ،‬مثـل‪ :‬قواعـد العـرف والعـادة كقاعـدة‪« :‬العـادة‬
‫حمكمة»‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬مقاصد املعاين‪ ،‬وتشمل‪ :‬أصول البناء‪ ،‬وهي القواعد‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬مقاصد الغايات‪ ،‬وتشتمل عىل‪ِ :‬‬
‫احلكَم‪ ،‬وجلب املنافع‪،‬‬
‫والكليات اخلمس‪ ،‬والقواعـد الفقهيـة الكـّبى‪ ،‬فتـدخل القواعـد «أصـول‬
‫البناء» فيها يف القواعد الكّبى‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مدخل إىل مقاصد الّشيعة ص‪.11‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪71‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫أمهية القواعد «أصول البناء»‬
‫وكيفية تكوينها وحجيتها‬
‫بعد االطالع عىل تعريف أصول البناء بفروعه الثالثـة‪ :‬مـن القواعـد‪،‬‬
‫والضوابط‪ ،‬واألصـول‪ ،‬ومالحظـة الفـرق بينهـا وبـني أصـول االسـتنباط‬
‫َّ‬
‫والنظريات الفقهية واملقاصـد الّشـعية‪ُ ،‬يسـن بنـا أن نقـف عـىل أمهيتهـا‪،‬‬
‫وتكوينها‪ ،‬وحجيتها‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أمهية القواعد «أصول البناء»‪:‬‬
‫ُ‬
‫ال َشك َّ‬
‫أن القواعد «أصول البناء» يف غاية األمهية يف علم الفقه‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك من خالل النُّقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪.1‬تبيني مناهج الفقهاء يف بناء األحكام‪ ،‬قـال القـرايف(‪ «:)1‬مهمـة ـ أي‬
‫القواعد ـ يف الفقه عظيمـة النفـع‪ ،‬وبقـدر اإلحاطـة هبـا يعظـم قـدر الفقيـه‬

‫(‪ )1‬يف الفروق‪.2 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪72‬‬
‫ويّشف‪ ،‬ويظهر رونق الفقه ويعرف‪ ،‬وتتضح مناهج الفتوى وتكشف‪ ،‬فيها‬
‫تنافس العلامء‪ ،‬وتفاضل الفضالء»‪.‬‬
‫‪.2‬إدراك َّ‬
‫أن أبرز أسباب اختالف الفقهاء هو القواعد «أصول البنـاء»؛‬
‫إذ ســبب االخــتالف إمــا أصــول االســتنباط‪ ،‬أو أصــول البنــاء‪ ،‬أو أصــول‬
‫التطبيق‪ ،‬وعامة االختالف بني الفقهاء راجـع إىل القواعـد «أصـول البنـاء»‪،‬‬
‫قال ال َقرايف(‪«:)1‬إذا أحطت هبذه القواعـد ظهـر لـك سـبب اخـتالف مـوارد‬
‫الّشع يف األحكام‪ ،‬وسبب اختالف العلامء‪ ،‬ونشأت لـك الفـروق واحلكـم‬
‫والتعاليل»‪.‬‬
‫‪.3‬التَّمكُّن من ضبط جزئيات الفقهـاء املتنـاثرة‪ ،‬حيـث ُت َعـدُّ القواعـد‬
‫«أصول البناء» أساس ًا لضبط تلك اجلزئيات‪ ،‬قال القرايف(‪َ «:)2‬من ضبط الفقـه‬
‫بقواعده استغنى عن حفظ أكثر اجلزئيات؛ الندراجها يف الكليات»‪.‬‬
‫‪.4‬إظهار العالقة بني الفروع الفقهية املتعدِّ دة‪ ،‬قال اب ُن رجب(‪«:)3‬تـنظم‬
‫القواعد للفقيه منثور املسائل يف سلك واحد‪ ،‬وتقيـد لـه َّ‬
‫الشـوارد‪ ،‬و ُتقـرب‬
‫عليه كل متباعد»‪.‬‬
‫‪.5‬التَّم ُّكن من التَّخريج والتَّفريع للمسائل املستجدة‪ ،‬بضبط أصول‬

‫(‪ )1‬يف الذخرية‪.145 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف الذخرية‪.3 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف القواعد ص‪.2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪73‬‬
‫املســائل والقواعــد املبنيــة عليهــا‪ ،‬بحيــث ُيلحــق هبــا نظائرهــا‪ ،‬قــال‬
‫عظيم‪ ،‬به يطلع عـىل حقـائق الفقـه‬
‫ٌ‬ ‫السيوطي(‪َّ «:)1‬‬
‫إن ف َّن األشباه والنظائر ف ٌّن‬ ‫ُّ‬
‫ومداركه ومآخـذه وأرساره‪ ،‬ويتمهـر يف فهمـه واستحضـاره‪ ،‬ويقتـدر عـىل‬
‫اإلحلــاق والتخــريج‪ ،‬ومعرفــة أحكــام املســائل التــي ليســت بمســطورة‪،‬‬
‫مر الزمان»‪.‬‬
‫واحلوادث والوقائع التي ال تنقيض عىل ِّ‬
‫‪.6‬تظهر أنواع ًا من مقاصد الّشيعة‪ ،‬كـالنَّوع املتع ِّلـق بالبنـاء للفـروع‪،‬‬
‫واألنواع املتع ِّلقة بغايات املقاصد‪ :‬كالكليات اخلمسة‪ ،‬ودفع املفاسد‪ ،‬وجلب‬
‫املنافع‪.‬‬
‫‪.7‬ترشد الدَّ ارس الستخراج الفروع احلادثة مـن فروعهـا التـي ُبنيـت‬
‫عليها‪ ،‬وهذا ما نبينه يف حجية القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪.8‬إُياز عباراهتا مـع عمـوم معناهـا‪ ،‬وسـعة اسـتيعاهبا للمسـائل‬
‫مكونة من كلمتني‪ ،‬أو بضـع كلـامت‬
‫اجلزئية؛ إذ تصاغ القاعدة يف مجلة مفيدة َّ‬
‫مــن ألفــاظ العمــوم‪ ،‬مثــل قاعــدة‪« :‬العــادة حمكمــة»‪ ،‬وقاعــدة‪« :‬األمــور‬
‫بمقاصدها»‪ ،‬وقاعدة‪« :‬املشقة جتلب التيسري»‪ٌّ ،‬‬
‫فكل من هذه القواعـد تعتـّب‬
‫من جوامع الكلم؛ إذ يندرج حتت ٍّ‬
‫كل منها ما ال ُُيىص مـن املسـائل الفقهيـة‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫كون عند الباحث ملك ًة فقهي ًة قوي ًة‬
‫‪.9‬دراسة القواعد «أصول البناء» ُت ِّ‬

‫)‪ (1‬يف األشباه والنظائر‪.56 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪74‬‬
‫ِ‬
‫ومعرفة األحكام‬ ‫ُتنري أمامه ال َّطريق؛ لدراسة أبواب الفقه الواسعة واملتعدِّ دة‪،‬‬
‫املتكررة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الّشعية‪ ،‬واستنباط احللول للوقائع املتجدِّ دة واملسائل‬
‫ودراستها واإلملام هبا واستيعاهبا ُيعني القضاة‪ ،‬واملفتني‪ ،‬واحلكام‪ ،‬عنـد‬
‫البحث عن حلول للمسائل املعروضة والنَّوازل ال َّطارئة؛ َبأيّس سبيل وأقرب‬
‫طريق‪.‬‬
‫‪.10‬دراسة القواعد «أصول البناء» وإبرازها ُتظهر مدى استيعاب الفقه‬
‫سـهل عـىل غـري‬
‫اإلسالمي لألحكام‪ ،‬ومراعاتـه للحقـوق والواجبـات‪ ،‬و ُت ِّ‬
‫املختصني بالفقه االطالع عىل حماسن هذا الدِّ ين‪ ،‬و ُتبطل دعوة من ينتقصـون‬
‫ِّ‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬ويتهمونه بأ َّنه إ َّنام يشتمل عىل حلول جزئية ال عـىل قواعـد‬
‫كلية(‪.)1‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬كيفية تكوين القواعد الفقهية‪:‬‬
‫يبدأ تكوين القاعدة «أصول البناء» من العلة اخلاصة‪ ،‬واحلكم اخلاص‪،‬‬
‫تتكون منها األصول الفقهية‪ ،‬ومن جمموع األصول الفقهية ـ أي‬
‫َّ‬ ‫حيث‬
‫الضابط‪ ،‬ومن جمموع‬
‫يتكون َّ‬
‫َّ‬ ‫جمموع العلل اخلاصة واألحكام اخلاصة ـ‬
‫َّصور‬
‫تتكون القاعدة الفقهية‪ ،‬وهذا عىل وجه العموم؛ لتحقيق الت ُّ‬
‫الضوابط َّ‬ ‫َّ‬
‫العام يف التَّدرج‪ ،‬ودخول األَصغر يف األَكّب كام سبق تقريره؛ لتيسري الفهم‬
‫عىل الدَّ ارس‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.25-24‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪75‬‬
‫وحتقيق ذلك من خالل بيان صور التأثِّي‪ ،‬واملالئمة بني العلة واحلكم‬
‫عىل النَّحو اآليت‪:‬‬
‫كون من الع َّلة اخلاصة «عني الوصف»‪:‬‬
‫‪.1‬التأثِّي‪ ،‬و ُي َّ‬
‫تأثِّي عني الوصف يف عني ذلك احلكم؛ إذ ال يبقى بني الفرع‬
‫يظهر ُ‬‫َ‬ ‫أ‪.‬أن‬
‫واألصل مباينة إال من جهة تعدد املحل‪.‬‬
‫الربا ـ يف‬
‫ومثاله‪ :‬تأثري عني الكيل مع اجلنس ـ وهو علة يف ثبوت حكم ِّ‬
‫الربا يف بيعهام‪،‬‬
‫بيع ال َّتمر بالتَّمر‪ ،‬فيلزم ال َّتساوي وال َّتقابض‪ ،‬حتى ال ُيصل ِّ‬
‫الصامت ‪ ،‬قال‪ :‬قال ‪:‬‬
‫مذكور يف احلديث املشهور عن عبادة بن َّ‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫والشعري َّ‬
‫بالشعري‪ ،‬وال َّتمر‬ ‫بالّب‪َّ ،‬‬
‫والّب ُ‬ ‫الذهب َّ‬
‫بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ُ ،‬‬ ‫« َّ‬
‫ال بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يد ًا بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه‬
‫بال َّتمر‪ ،‬وامللح بامللح‪ ،‬مث ً‬
‫األصناف‪ ،‬فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كان يد ًا بيد» (‪.)1‬‬
‫ومن عني الوصف وعني احلكم نعرف األصل الفقهي هلا‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫(ق‪«:)17:‬منع بيع الكييل بجنسه إال بالتَّساوي والتَّقابض»‪ :‬أي ال ُيوز‬
‫الربا من الكيل مع اجلنس‪ ،‬إال أن يكون متساوي ًا‪،‬‬
‫بيع من وجدت فيه علة ِّ‬
‫ومقبوض ًا يف املجلس‪.‬‬
‫الربويات الكيلية التي‬
‫ونفرع عىل هذا األصل الفقهي‪ :‬ما ال ُُيىص من َّ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم ‪ ،1211 :3‬وسنن أيب داود ‪ ،248 :3‬ومسند أمحد ‪.397 :37‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪76‬‬
‫باجلص بال شبهة؛ الحتاد العلة‪ ،‬وهي‬
‫ُّ‬ ‫مل تذكر يف احلديث‪ :‬مثل‪ :‬بيع اجلص‬
‫ُ‬
‫الكيل مع اجلنس عند بيع اجلص باجلص؛ إذ ال يبقى إال اختالف عدد‬
‫األشخاص التي هي جماري املعنى‪ ،‬ويكون ذلك كظهور أثر الوقاع يف إُياب‬
‫الكفارة عىل األَعرايب؛ إذ يكون ُّ‬
‫الرتكي واهلندي يف معناه‪.‬‬
‫الربا‬
‫ومثال آخر‪ :‬تأثري عني الوزن مع اجلنس ـ وهو علة يف ثبوت حكم ِّ‬
‫الذهب َّ‬
‫بالذهب‪ ،‬فيلزم ال َّتساوي وال َّتقابض؛ حتى ال ُيصل الربا يف‬ ‫ـ يف بيع َّ‬
‫السابق‪.‬‬
‫بيعهام‪ ،‬كام يف احلديث َّ‬
‫(ق‪ :)18:‬وأصله الفقهي هو‪« :‬منع بيع الوزين بجنسه إال بالتَّساوي‬
‫والتَّقابض»‪ ،‬كام سبق‪.‬‬
‫ونستفيد ضابط ًا فقهي ًا من هذين األصلني الفقهيني‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫(ق‪«:)19:‬منع بيع جنس الربويات إال متساوي ًا مقبوض ًا»‪.‬‬
‫ب‪.‬أن يظهر تأثِّي عني الوصف يف جنس ذلك احلكم‪ :‬واملراد باجلنس‬
‫املجانس‪ ،‬واملجانسان مها املتحدان من حيث اجلنس‪ ،‬فمث ً‬
‫ال‪ :‬حرج‬
‫االستئذان ليس بمقول عىل حرج النَّجاسة وغريه من األنواع حتى ال يكون‬
‫جنس ًا هلا‪ ،‬لكنَّهام يتحدان يف مطلق احلرج‪ ،‬فأمكن أن يعتّبا متجانسني‪.‬‬
‫مؤثر يف سقوط سقوط‬ ‫وبيانه‪ :‬عني وصف حرج االستئذان بني املحارم ٌ‬
‫االستئذان بينهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنُوا ل ِ َي ْست َْأ ِذن ُك ُم ا َّل ِذي َن َم َلك ْ‬
‫َت‬
‫َث َم َّرات ِمن َق ْب ِل َصال َِة ا ْل َف ْج ِر َو ِح َ‬
‫ني‬ ‫احلُ ُل َم ِمن ُك ْم َثال َ‬‫َأ ْي َام ُن ُك ْم َوا َّل ِذي َن َمل ْ َي ْب ُل ُغوا ْ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪77‬‬
‫ون ثِ َيا َب ُكم ِّم َن ال َّظ ِه َري ِة َو ِمن َب ْع ِد َصال َِة ا ْل ِع َشاء َثال ُ‬
‫َث َع ْو َرات َّل ُك ْم َل ْي َس‬ ‫ت ََض ُع َ‬
‫ون َع َل ْي ُكم َب ْع ُض ُك ْم َع َىل َب ْعض} النور‪:‬‬ ‫َع َل ْي ُك ْم َوالَ َع َل ْي ِه ْم ُجن ٌ‬
‫َاح َب ْعدَ ُه َّن َط َّوا ُف َ‬
‫‪ ،58‬فنستفيد منه األصل الفقهي‪:‬‬
‫(ق‪« :)20:‬حرج االستئذان يسقطه بني املحارم»‪.‬‬
‫مؤثر يف سقوط‬
‫وعني وصف حرج نجاسة سؤر سواكن البيوت كاهلرة ٌ‬
‫حكم نجاستها‪ ،‬قال ‪« :‬اهلر ُة ليست بنجسة‪َّ ،‬إَّنا من ال َّطوافني عليكم أو‬
‫ال َّطوافات»(‪ ،)1‬فنستفيد منه األصل الفقهي‪:‬‬
‫(ق‪« :)21:‬حرج نجاسة سواكن البيوت مسقط لنجاستها»‪.‬‬
‫ويمكن أن نستخرج ضابط ًا فقهي ًا من مطلق احلرج الواقع يف النَّجاسة‬
‫واالستئذان‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫(ق‪« :)22:‬الطواف مطلق ًا موجب لسقوط احلرج»‪.‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬تأثري عني وصف األُخوة ألب و ُأم ـ وهو علة يف عني‬
‫احلكم وهو التَّقديم يف املرياث ـ يف جنس حكم التَّقديم يف املرياث‪ ،‬وهو‬
‫التقديم يف والية اإلنكاح‪ ،‬فيقاس عليه؛ َّ‬
‫ألن الوالية ليست هي عني املرياث‬
‫لكن بينهام جمانسة يف احلقيقة (‪ ،)2‬حيث استخرجنا من عني احلكم «التقديم يف‬

‫(‪ )1‬سبق خترُيه‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سبيل الوصول إىل علم األصول ص ‪.158-157‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪78‬‬
‫املرياث» جنس ًا للحكم «التقديم مطلق ًا»‪ ،‬ثم استخرجنا من التَّقديم مطلق ًا‬
‫عني حكم جديد‪ ،‬وهو التقديم يف والية النكاح‪.‬‬
‫وبعبارة ُأخرى عىل وفق ترتيب مصطلحات هذا الكتاب‪ ،‬من عني‬
‫الوصف وعني احلكم أفدنا األصل الفقهي‪:‬‬
‫(ق‪« :)23:‬األخوة الشقيقة مقدَّ م ٌة يف املِّياث»‪ ،‬وبنينا عليه ضابط ًا‬
‫أوسع لقوة هذا األصل وهو‪:‬‬
‫(ق‪« :)24:‬األخوة الشقيقة مقدم ٌة مطلق ًا»‪ ،‬وخرجنا عىل هذا الضابط‬
‫ال فقهي ًا آخر‪:‬‬
‫أص ً‬
‫(ق‪«:)25:‬األخوة الشقيقة مقدمة يف النكاح»‪.‬‬
‫‪.2‬العلة العامة للحكم (املالئم)‪:‬‬
‫وهي اجلنس للعلة اخلاصة‪ ،‬أو الوصف اجلامع ملجموعة أوصاف‬
‫خاصة للحكم‪.‬‬
‫وطريق الوصول إىل العلة العامة «جنس الوصف»‪ ،‬وحتقيقها ملقصدها‪:‬‬
‫أ‪.‬مالئمة جنس الوصف لعني ذلك احلكم‪ ،‬ومثاله‪ :‬مالئمة جنس‬
‫وصف لزوم احلرج واملشقة بعارض ساموي لعني حكم سقوط قضاء‬
‫الصالة الكثرية‪ ،‬وهذا اجلنس للوصف الذي استفيد من عني وصف اجلنون‬
‫واحليض‪ ،‬يؤثر يف عني حكم سقوط قضاء الصالة الفائتة الكثرية‪ ،‬فيندرج يف‬
‫هذا اجلنس اإلغامء ملجانسته إياها‪ ،‬فتسقط الصالة به‪ :‬أي رغم أنَّه مل يرد‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪79‬‬
‫للسقوط‪ ،‬لكنَّه اعتّب ما هو جنسه‪ ،‬فيقاس اإلغامء عىل‬ ‫اعتبار َّ‬
‫الشارع علة ُّ‬
‫اجلنون واحليض‪ ،‬ويعتّب علة إلسقاط قضاء الصالة الفائتة عن املغمى‬
‫عليه(‪.)1‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬اجتمعت عندنا عدة أصول فقهية لتكوين الضابط‬
‫الفقهي ههنا‪ ،‬وهي‪ :‬األصل الفقهي‪« :‬اجلنون مسقط للصالة»‪ ،‬واألصل‬
‫الفقهي‪« :‬احليض مسقط للصالة»‪ ،‬فأفدنا منهام الضابط الفقهي‪ « :‬لزوم‬
‫احلرج واملشقة بعارض ساموي يسقط قضاء الصالة الكثرية»‪ ،‬وخرجنا عليه‬
‫ال فقهي ًا آخر‪« :‬اإلغامء مسقط للصالة»‪ ،‬واملقصود َّ‬
‫أن اجلنون واإلغامء‬ ‫أص ً‬
‫يسقط قضاء الصالة إن زادا عن يوم وليلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫مالئمـة جـنس‬ ‫ب‪.‬مالئمة جنس الوصف جلنس ذلـك احلكـم‪ ،‬ومـن‬
‫الوصف جلنس احلكم تستفاد القواعد الفقهية‪ ،‬فتخـرج القواعـد بـالنظر إىل‬
‫علل عديدة متجانسة وأحكامها‪ ،‬بحيث نحتكم هلا يف غريها‪.‬‬
‫وهذا يقتيض منا تتبع أعيان األوصاف‪ ،‬وأعيان األحكام‪ ،‬واستخراج‬
‫جنس ًا ألعيان األوصاف‪ ،‬واستخراج جنس ًا ألعيان األحكام‪ ،‬فجنس أعيان‬
‫األوصاف مالئم جلنس أعيان األحكام‪ ،‬وهذه املالئمة بينهام هي القاعدة‬
‫الفقهية‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حاشية الرهاوي ‪.791 :2‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪80‬‬
‫وبالنَّظر إىل أعيان األوصاف التي هي الع ِّلل املستخرجة من اآليات‬
‫والسنة تثبت األُصول‬
‫واألحاديث‪ ،‬وأعيان األحكام املنصوصة يف القرآن ُّ‬
‫العامة والقواعد التي َبنَى َّ‬
‫الشارع عليها أحكامه‪ ،‬فرتاعى فيام يستجد من‬
‫مسائل‪.‬‬
‫فالقواعد تستخرج من مالئمة جنس الوصف جلنس ذلك احلكـم‪ ،‬أي‬
‫تكون كل منها جمموعة من «األصـول‬
‫من جمموعة من الضوابط الفقهية التي َّ‬
‫الفقهية»‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬مالئمة جنس وصف احلرج واملشقة جلنس حكم التخفيـف يف‬
‫األحكام‪ ،‬وهذا اجلنس للوصف مستفاد من عني وصف احلـيض‪ ،‬والسـفر‪،‬‬
‫واملرض‪ ،‬وجنس احلكم مستفاد من عني حكـم سـقوط القضـاء بـاحليض‪،‬‬
‫وإباحة الفطر‪ ،‬وقرص الصالة‪ ،‬وغريها بالسفر‪ ،‬وإباحة الفطر والصالة قاعد ًا‬
‫َّ‬
‫فكأن الشارع اعتّب كل جنس مـن أجنـاس مظـان‬ ‫ومومئ ًا‪ ،‬وغريها باملرض‪،‬‬
‫احلرج علة لكل جنس من أجناس األحكام التي فيها ختفيف‪.‬‬
‫وال ريب يف َّ‬
‫أن قضاء أوقات الصلوات الفائتة للحائض من أجناس‬
‫َمظان احلرج‪ ،‬وسقوط قضائها عن احلائض من أجناس األحكام التي فيها‬
‫ختفيف‪ ،‬فيكون جنس الوصف قد اعتّب علة جلنس احلكم ال لعينه؛ َّ‬
‫ألن عني‬
‫احلكم يف املقيس عليه هو اإلفطار يف رمضان‪ ،‬وقرص الصالة يف السفر‪ ،‬وقد‬
‫ُأبيحا لعلة َمظِنة احلرج؛ بقصد دفعه‪ ،‬والتخفيف عن املريض واملسافر‪،‬‬
‫وتكليف احلائض بقضاء الصلوات التي فاتتها أثناء احليض فيه حرج‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪81‬‬
‫ومشقة‪ ،‬وهو من جنس احلرج الذي َيلحق املسافر واملريض‪ ،‬ولذلك؛ أسقط‬
‫عنها للتخفيف‪ ،‬ودفع احلرج واملشقة(‪ ،)1‬فنتجت قاعدة‪« :‬املشقة جتلب‬
‫التيسري»‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى تتناسب مع مصطلحات الكتاب‪ ،‬حيث يمكن‬
‫استخراج أصل فقهي من كل عني وصف مع عني حكم‪ ،‬وما تقارب من‬
‫األصول الفقهية ـ الحتاد أعيان األوصاف مع أعيان األحكام ـ يستخرج منه‬
‫الضوابط يستخرج القاعدة الفقهية‪.‬‬
‫ضابط فقهي‪ ،‬وبالنَّظر ملجموعة َّ‬
‫(ق‪ :)26:‬فاألصل الفقهي‪« :‬احليض يسقط الصالة»‪.‬‬
‫(ق‪ :)27:‬واألصل الفقهـي‪« :‬احلـيض يـرخر الصـيام»؛ فعـن معـاذة‬
‫سألت عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬فقلت‪ « :‬ما بـال احلـائض تقيضـ الصـوم وال‬
‫تقيض الصالة؟ فقالت‪ :‬أحروريـة أنـت؟ قلـت‪ :‬لسـت بحروريـة‪ ،‬ولكنـي‬
‫أسأل‪ ،‬قالت‪ :‬كـان يصـيبنا ذلـك فنـؤمر بقضـاء الصـوم وال نـؤمر بقضـاء‬
‫الصالة» (‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)28 :‬واألصل الفقهي‪« :‬اجلنـون مسـقط للتكليـف»؛ فعـن ابـن‬
‫عباس ‪ ،‬قال ‪« :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن املجنون املغلوب عىل عقله‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كشف األرسار للبخاري ‪ ،383 :3‬ونور األنوار وقمر األقامر ‪ ،144 :2‬وفتح‬
‫الغفار ‪ ،21 :3‬ورشح ابن ملك ‪ ،791-2:790‬وأصول الفقه اإلسالمي لشاكر بك‬
‫ص‪ ،333‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم ‪ ،265 :1‬وصحيح البخاري ‪.71 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪82‬‬
‫وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى ُيتلم» (‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)29:‬واألصل الفقهي‪« :‬املرض يبيح تأخِّي الصيام»‪.‬‬
‫(ق‪ :)30:‬واألصل الفقهي‪« :‬املرض يبيح الصالة قاعد ًا ومومئ ًا»؛ فعن‬
‫عمران بن حصني ‪ ،‬قال‪« :‬كانت يب بواسري‪ ،‬فسألت النبي ‪ ‬عن الصالة‪،‬‬
‫فقال‪ِّ :‬‬
‫صل قائ ًام‪ ،‬فإن مل تستطع فقاعد ًا‪ ،‬فإن مل تستطع فعىل جنب» (‪.)2‬‬
‫وتتحد هذه األصول الفقهية يف كالمها عن احلرج واملشقة من الشارع‪،‬‬
‫فيستخرج منها الضابط الفقهي هلا‪:‬‬
‫(ق‪« :)31:‬احلرج واملشقة لعارض ساموي خمفف لألحكام»‪.‬‬
‫الصالة»‪ ،‬فعن عائشة‬ ‫السفر ُيوجب قرص َّ‬‫(ق‪ :)32:‬واألصل الفقهي‪َّ « :‬‬
‫الصـالة ركعتـني‪ ،‬فزيـدت يف احلّضـ‪ ،‬و ُأ ِق َّـرت يف‬
‫ريض اهلل عنها‪ُ « :‬ف ِر َضت َّ‬
‫الضـحى وصـالة‬
‫السفر ركعتان‪ ،‬وصـالة َّ‬
‫السفر»(‪ ،)3‬وعن عمر ‪« :‬صالة َّ‬
‫َّ‬
‫الفطر ركعتان‪ ،‬متام غري قرص عىل لسان حممد ‪.)4( »‬‬
‫السفر يبيح تأخِّي الصيام»‪ ،‬قـال تعـاىل ‪:‬‬ ‫(ق‪ :)33:‬واألصل الفقهي‪َّ « :‬‬
‫يضا َأ ْو َع َىل َس َفر َف ِعدَّ ٌة ِّم ْن َأ َّيام ُأ َخ َر} البقرة‪.184 :‬‬
‫َان َم ِر ً‬
‫{ َو َمن ك َ‬

‫(‪ )1‬يف صحيح ابن حبان ‪ ،356 :1‬وسنن أيب داود ‪.545 :2‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري ‪ ،376 :1‬وسنن الرتمذي ‪.208 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،137 :1‬وصحيح مسلم‪.478 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف سنن النسائي الكّبى‪ ،535 :1‬واملجتبى‪ ،111 :3‬وسنن ابن ماجه‪.338 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪83‬‬
‫واألصل الفقهي‪« :‬حرج االستئذان يسقطه بني املحارم»‪.‬‬
‫واألصل الفقهي‪« :‬حرج نجاسة سواكن البيوت مسقط لنجاستها»‪.‬‬
‫وتتوافق هذه األصول الفقهية يف وجود احلرج بعارض ساموي يف‬
‫احلاجيات احلياتية‪ ،‬فيستخرج منها الضابط الفقهي‪:‬‬
‫(ق‪«:)34:‬وجود احلرج يف احلاجيات رافع للحرج»‪.‬‬
‫الضابطني وغريمها ِما يتعلق بوجود احلرج ورفعه تكونت‬
‫ومن هذين َّ‬
‫القاعدة الفقهية الكّبى‪« :‬املشقة جتلب التيسري»‪.‬‬
‫وال ُيتلف احلال يف تكوين القاعدة ولو كانت منصوص ًة يف احلديث‪:‬‬
‫بالضامن»‪ ،‬و«البينة عىل املدعي واليمني‬
‫كـ«ال رضر وال رضار»‪ ،‬و«اخلراج َّ‬
‫ٌ‬
‫مشرتك بني أعيان أوصاف‬ ‫عىل َمن أنكر»؛ َّ‬
‫ألن هذا املعنى يف احلديث هو‬
‫ال كبري ًا يعتمد عليه‪ ،‬ولكن‬
‫كثرية وأعيان أحكام كثرية‪ ،‬فكانت قاعد ًة وأص ً‬
‫جاء أحد ألفاظ احلديث رصُي ًا به‪ ،‬فال ُيرج عام سبق تقريره‪.‬‬
‫وال ُيفيد حك ًام زائد ًا عن كونه قاعدة فقهية‪ ،‬فتنطبق عليه أحكام القاعدة‬
‫من عدم جواز االستدالل به مطلق ًا‪ ،‬من غري تثبت ملجانسة الفرع اجلديد‬
‫لفروع تلك القاعدة؛ َّ‬
‫ألن القواعد يف ألفاظها عمومات‪ ،‬ف ُيمكن أن يدرج‬
‫حتتها ما ليس من جنس فروعها‪ ،‬فيهدم الّشيعة‪ ،‬وهذا ما نفصله يف املطلب‬
‫اآليت‪:‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪84‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حجية القواعد الفقهية‪:‬‬
‫هذا املوضوع يف غاية األمهيـة حيـث يتعلـق بـأمر عظـيم يلتـبس عـىل‬
‫كثريين‪ ،‬وهو اعتبار القواعد الّشعية أدلة لألحكام‪.‬‬
‫والسؤال املطروح ههنا‪ :‬هل تعتّب القواعد الفقهية أحد أدلـة األحكـام‬
‫فيستند إليها عند عدم وجود نص أو إمجاع أو قياس يف املسألة؟ أو هل ُيـوز‬
‫ال رشعي ًا يستنبط منه حكم رشعي؟‬
‫أن جتعل القاعدة الفقهية دلي ً‬
‫ال رشعي ًا ُتستنبط منـه األحكـام؛‬
‫واجلواب‪ :‬ال تعدُّ القواعد الفقهية دلي ً‬
‫وكل ما ال يكون مـن جـنس‬ ‫ألَّنا جامع ٌة لفروع متعدِّ دة ُمتجانسة يف معناها‪ُّ ،‬‬
‫َّ‬
‫فروعها‪ ،‬ومدركاهتا‪ ،‬وضوابطها ال يدخل حتتها‪.‬‬
‫القياس عىل األصول الفقهية التي ُبنيت عليها الضـوابط‬
‫ُ‬ ‫وبالتَّايل يكون‬
‫والقواعد الفقهية ملا يِّل‪:‬‬
‫ألَّنـا وجـدت‬
‫‪.1‬انطباق األصول الفقهية عىل أفرادها بدون اسـتثناء؛ َّ‬
‫لضبط مسائل حمدودة معدودة‪ ،‬بخالف القواعد الفقهية فتكثر االسـتثناءات‬
‫فيها‪ ،‬بل هي ال تشمل إال مسائل األصـول الفقهيـة التـي شـملتها القاعـدة‬
‫الفقهية‪ ،‬وما عداها من املسائل ال يدخل حتتها‪ ،‬فكيف نعرف ما يندرج حتت‬
‫القاعدة الفقهية إذا مل نرجع إىل األصول الفقهية التي استفيدت منها؛ لنعرف‬
‫هذا الفرع يندرج حتتها أم ال؟‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪85‬‬
‫و«معظم هذه القواعـد ال ختلـو عـن املسـتثنيات‪ ،‬فقـد تكـون املسـألة‬
‫املبحوث عن حكمها ِم َن املسائل والفـروع املسـتثناة‪ ،‬ولـذلك ال ُيـوز بنـاء‬
‫احلكم عىل أساس هذه القواعد‪ ،‬وال يسوغ ختـريج أحكـام الفـروع عليهـا‪،‬‬
‫ولكنَّها تعتّب شواهد مصاحبة لألدلة‪ ،‬يستأنس هبا يف ختريج األحكام للوقائع‬
‫اجلديدة قياس ًا عىل املسائل الفقهية َّ‬
‫املدونة»(‪.)1‬‬
‫ألَّنا ليست كلية‬
‫قال ابن نجيم‪ « :‬ال ُيوز الفتوى بام تقتضيه الضوابط؛ َّ‬
‫بل أغلبية» (‪.)2‬‬
‫‪.2‬كون األصول الفقهية مسـتفادة مبـارشة مـن الفـروع املنقولـة عـن‬
‫املجتهدين املطلقني‪ ،‬حيث تكـون األصـول الفقهيـة يف ذهـن املجتهـد عنـد‬
‫استخراج الفرع منها‪ ،‬بـدليل احتـاد أحكـام الفـروع املتفقـة يف أصـلها عنـد‬
‫املجتهد‪ ،‬فلو مل يكن األصل الفقهي يف ذهن املجتهد عند إفتائـه يف الفـروع؛‬
‫الختلفت أحكام فروعه املتفقة يف أصل واحد‪.‬‬
‫وعاد ًة املجتهد ال يرصح بأصـله الفقهـي‪ ،‬وإنَّـام يـذكر الفـروع هلـذا‬
‫األصل‪ ،‬وبالتَّأ ُّمل من املجتهدين يف املذهب ِمن يأتون بعد املجتهـد املطلـق‪،‬‬
‫يتم استخراج األصل الفقهي الـذي كـان هلـذا املجتهـد عنـد مجـع الفـروع‬
‫املتشاهبة له ‪ ،‬فيكون األصل الفقهي بسبب استخراجه املبارش من فروع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز يف إيضاح القواعد ص ‪.39‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬غمز العيون‪ 37 :1‬عن الفوائد الزينية‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪86‬‬
‫متحدة للمجتهد بمثابة املنقولة عن املجتهد‪.‬‬
‫بخالف القاعدة الفقهية‪ ،‬فهي ثمـرة ضـوابط فقهيـة يف أبـواب خمتلفـة‬
‫ُأخذت من أصول فقهية متعددة‪ ،‬وبالتَّايل اختلفت املوضـوعات وتعـدَّ دت‪،‬‬
‫فإذا مل ننظر إىل األُصول والضوابط الفقهية التي نتجـت منهـا القاعـدة‪ ،‬لـن‬
‫نستطيع أن نلحق هبا مسألة جديدة‪.‬‬
‫قال عِّل حيـدر(‪ «:)1‬فحكـام الّشـع مـا مل يقفـوا عـىل نقـل رصيـح ال‬
‫ُيكمون بمجرد االستناد إىل واحدة من هذه القواعد»‪.‬‬
‫‪.3‬كون األصول الفقهية هـي األسـاس الـذي بنيـت عليـه الضـوابط‬
‫والقواعد؛ فال يرتك األصل ويبنى عىل الفرع‪ ،‬واملقصود باألصل ههنـا عـىل‬
‫اصطالحنا‪ :‬األصول الفقهية‪ ،‬واملقصود بالفرع القاعدة الفقهية؛ ألَّنا بنيـت‬
‫عىل ضوابط فقهية‪ ،‬والضوابط بنيت عىل أصول فقهية‪.‬‬
‫فكانت القاعـدة الفقهيـة بمرتبـة الفـرع للضـابط الفقهـي‪ ،‬والضـابط‬
‫الفقهي بمرتبة الفرع لألصل الفقهي كام سبق تقريرة‪.‬‬
‫«فهذه القواعد ثمرة للفروع املختلفة وجامعة ورابطة هلا‪ ،‬وليس من‬
‫املعقول أن ُيعل ما هو ثمرة وجامع دلي ً‬
‫ال الستنباط أحكام الفروع»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬يف درر احلكام رشح جملة األحكام‪.10 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الوجيز يف إيضاح القواعد ص ‪.39‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪87‬‬
‫‪.4‬داللة ألفاظ األصول الفقهية عىل مسائل دون غريهـا مـن املسـائل‪،‬‬
‫بخالف القواعد الفقهية‪ ،‬فألفاظها عامة جد ًا‪ ،‬بحيث يدرج حتت لفظها كثري ًا‬
‫من مسائل غري متعلقة هبا‪ ،‬كقاعدة‪« :‬املشـقة جتلـب التيسـري»‪ ،‬فلـو أخـذت‬
‫بعمومها؛ ألبطلت الّشيعة بإلقاء العبادات وغريها؛ بحجة املشقة‪.‬‬
‫قال مصطفى الزرقا(‪«:)1‬ولذلك كانت تلك القواعد الفقهية قلام ختلو‬
‫إحداها من مستثنيات يف فروع األحكام التطبيقية خارجة عنها؛ إذ يرى‬
‫ِ‬
‫القاعدة هي أليق بالتخريج عىل قاعدة‬ ‫الفقهاء َّ‬
‫أن تلك الفروع املستثناة من‬
‫ُأخرى‪ ،‬أو َّأَّنا تستدعي أحكام ًا استحسانية خاصة‪ ،‬ومن ثم مل ُتسوغ املجلة‬
‫أن يقترص القضاة يف أحكامهم عىل االستناد إىل يشء من هذه القواعد الكلية‬
‫فقط دون نص آخر خاص أو عام يشمل بعمومه احلادثة املقيض فيها؛ أل َّن‬
‫تلك القواعد الكلية عىل ما هلا من قيمة واعتبار هي كثرية املستثنيات‪ ،‬فهي‬
‫دساتري للتفقيه ال نصوص للقضاء»‪.‬‬
‫ال رشعي ًا ال ُينقص من مكانتها وقدرها‪ ،‬فهـي‬
‫وعدم اعتبار القواعد دلي ً‬
‫الدَّ ا َّلة واملرشد ُة للفقيه؛ باندراج هذه املسـألة حتـت هـذا األصـل والضـابط‬
‫الفقهي‪ ،‬ومبينة لسبب بنائـه‪ ،‬فتكـون مسـاعدة عـىل التخـريج عـىل مسـائل‬
‫األصول والضوابط الفقهية‪.‬‬
‫وعدم جواز االستدالل واالحتجاج بالقواعد الفقهية والقياس عليها‪،‬‬

‫(‪ )1‬املدخل الفقهي العام ‪.948 :2‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪88‬‬
‫رصح به عامة َمن كتب يف القواعد الفقهية مـن فقهائنـا األكـابر‪ ،‬قـال عـِّل‬
‫َّ‬
‫حيدر(‪«:)1‬املح ِّققون من الفقهاء قد أرجعوا املسائل الفقهية إىل قواعد كلية كل‬
‫منها ضابط وجامع ملسائل كثرية‪ ،‬وتلك القواعد مسـلمة معتـّبة يف الكتـب‬
‫الفقهية تتخذ أدلة إلثبات املسائل وتفهمها يف بادئ األمـر فـذكرها يوجـب‬
‫االستئناس باملسائل ويكون وسيلة لتقررها يف األذهان»‪.‬‬
‫ويستند للقواعد الفقهية إن وجد يف املسألة املسـتجدة األصـل الفقهـي‬
‫هلذه القاعدة‪ ،‬مع التـيقظ واالنتبـاه النـدراج هـذه املسـألة حقـ ًا حتـت هـذا‬
‫ألن بعض املسائل تتوافق مع بعض يف جوانـب‪ ،‬وختتلـف عنهـا يف‬ ‫األصل؛ َّ‬
‫ُأخرى‪ ،‬حتى ُألفت يف الفروق الدقيقة بني املسائل كتب مستقلة‪ ،‬ذكر فيها مـا‬
‫تشــابه ِم ـ َن الفــروع يف الظــاهر‪ ،‬واختلــف يف احلقيقــة‪ :‬ككتــاب «الفــروق»‬
‫للكرابيس احلنفي‪ ،‬و«الفروق» لألزرستاين‪.‬‬
‫قال ابن عابدين(‪«:)2‬وال يكتفي بوجود نظريها ِما يقارهبا‪ ،‬فإنَّـه ال يـأمن‬
‫أن يكون بني حادثته وما وجده فرق ال يصل إليـه فهمـه‪ ،‬فكـم مـن مسـألة‬
‫فرقوا بينها وبني نظريهتا حتى ألفوا كتب الفروق لذلك‪ ،‬ولو وكل األمـر إىل‬
‫أفهامنا مل ندرك الفرق بينهام‪ ،‬بل قال العالمة ابن نجيم يف«الفوائـد الزينيـة»‪:‬‬
‫«ال ُيل اإلفتاء ِم َن القواعد والضوابط وإنَّام عىل املفتي حكاية النقل الرصيح‬

‫(‪ )1‬يف درر احلكام رشح جملة األحكام‪.10 :1‬‬


‫)‪ (2‬رشح عقود رسم املفتي ص‪.34‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪89‬‬
‫إن املقرر يف املذاهب األربعة َّ‬
‫أن قواعـد الفقـه‬ ‫كام رصحوا به»‪ .‬وقال أيض ًا‪َّ « :‬‬
‫ال رصُي ًا أن يتوقف يف اجلواب أو يسأل َمن‬
‫أكثرية ال كلية»‪ .‬فعىل من مل ُيد نق ً‬
‫هو أعلم منه ولو يف بلدة أخـرى‪ ،‬كـام يعلـم ِمـا نقلنـاه عـن «اخلانيـة»‪ ،‬ويف‬
‫«الظهريية»‪ :‬وإن مل يكن من أهـل االجتهـاد ال ُيـل لـه أن يفتـي إال بطريـق‬
‫احلكاية‪ ،‬فيحكي ما ُيفظ من أقوال الفقهاء»‪.‬‬
‫ويفهم من كالم خامتة املح ِّققني ابن عابدين‪ :‬أ َّنه ال ينبغي التَّجـرؤ عـىل‬
‫الدِّ ين باإلفتاء من القواعد الفقهية‪ ،‬إال بعد معرفة تامة باألصول والقواعـد‪،‬‬
‫بحيث جعله أه ً‬
‫ال لالجتهاد يف املسائل‪ ،‬فإنَّه ُيوز له أن يفتي يف تلك احلادثـة‬
‫بقياسها عىل نظريهتا املـذكورة يف كتـب الفقـه‪ ،‬أو مـن القواعـد والضـوابط‬
‫املحررة‪ ،‬وهذا بعد تصفح كتب الفقهـاء والبحـث عـن تلـك اجلزئيـة بحثـ ًا‬
‫َّ‬
‫بليغ ًا‪ ،‬واألحسن قبل اإلفتاء يف مثل هذه املسائل أن يشاور غريه مـن العلـامء‬
‫يتعجل فيها باإلفتاء‪ ،‬بل ُيشـى اهلل سـبحانه وتعـاىل يف مجيـع‬
‫والفقهاء‪ ،‬وال َّ‬
‫خطري(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫منصب‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن منصب اإلفتاء‬
‫املطلب الرابع‪ :‬مصادر القواعد «أصول البناء»‬
‫واملقصود باملصادر منشأ كل قاعدة وأساس ورودها‪.‬‬
‫وختتلف مصادر القواعد «أصول البناء»عىل حسب القائل هبا‪ :‬هل هو‬
‫املجتهد املطلق أو املجتهد يف املذهب؟؛ ألن طريقة كل واحد منهم يف‬

‫)‪ (1‬أصول اإلفتاء ص‪.66-65‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪90‬‬
‫استخراج القواعد «أصول البناء» خمتلفة عن اآلخر‪ ،‬وال يمكن فهم مصدر‬
‫القواعد «أصول البناء» فه ًام علمي ًا دقيق ًا إال بتقسيم مصادر القواعد إىل‬
‫قسمني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مصادر القواعد «أصول البناء» عند املجتهد املطلق‪:‬‬
‫مصدر القواعد «أصول البناء» بالنِّسبة للمجتهد املطلق هو القرآن‪،‬‬
‫الصحابة‪ ،‬من خالل تطبيق ُأصول االستنباط له عليها‪ ،‬فيظهر‬
‫والسنة‪ ،‬وآثار َّ‬
‫ُّ‬
‫له عني الوصف وعني احلكم الذي يكون من جمموعهام أصل البناء‪ ،‬ومن‬
‫جمموع أصول البناء تتكون الضوابط الفقهية‪ ،‬ومن جمموع الضوابط تتكون‬
‫القواعد الفقهية كام سبق تقريره‪.‬‬
‫رصح بالقاعدة «أصل البناء»‪ ،‬وأكثر‬ ‫وبعض اآليات واألحاديث ُت ِّ‬
‫النُّصوص الّشعية ال ترصح بالقاعدة «أصل البناء»‪ ،‬وإنام تفهم منها مع‬
‫الّشيعة‪ ،‬فيستعمل هذا النَّص‬ ‫ُّ‬
‫وتدل عليها مقاصد َّ‬ ‫نصوص رشعية ُأخرى‪،‬‬
‫الرصيح من اآلية أو احلديث يف الدَّ اللة عىل القاعدة «أصول البناء»‪.‬‬
‫َّ‬
‫مثال ذلك‪ :‬القاعدة الفقهية املشهورة‪« :‬ال رضر وال رضار»‪ ،‬فأصل‬
‫ِمنوع يف نصوص قرآنية‬
‫ٌ‬ ‫الّضر‬
‫رشيف(‪ ،)1‬ولكن َّ‬
‫ٌ‬ ‫نبوي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫لفظها‬
‫الّشيعة ُّ‬
‫تدل عليه‪.‬‬ ‫وحديثية عديدة‪ ،‬ومقاصد َّ‬

‫)‪ (1‬يف سنن الدارقطني ‪.77 :3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪91‬‬
‫وه َّن} الطالق‪ ،6 :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫فمن القرآن‪ :‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ ُت َض ُّار ُ‬
‫ب َوالَ َش ِهيدٌ } البقرة‪ ،282 :‬وقال تعاىل‪{ :‬الَ ُت َض َّآر َوالِدَ ٌة‬ ‫ِ‬
‫{ َوالَ ُي َض َّآر كَات ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رض ًارا َّل َت ْعتَدُ و ْا} البقرة‪:‬‬‫وه َّن َ‬ ‫بِ َو َلد َها}البقرة‪ ،233 :‬قال تعاىل‪َ { :‬والَ ُمتْس ُك ُ‬
‫الّض ِر}‬ ‫ون ِم َن ا ُْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫ني َغ ْ ُري ُأ ْو ِيل َّ َ‬ ‫اعدُ َ‬‫‪ ،231‬وقال تعاىل‪{ :‬الَّ يست َِوي ا ْل َق ِ‬
‫َْ‬
‫النساء‪.95 :‬‬
‫ومن السنة‪ :‬إباحة الفطر للحامل واملرضع؛ لرفع الّضر عنهام؛ فعن‬
‫أنس ‪ ،‬قال‪َّ « :‬‬
‫إن اهلل عز وجل وضع عن املسافر شطر الصالة وعن املسافر‬
‫واحلامل واملرضع الصوم»(‪ ،)1‬وأمثال هذا ال ُتعدُّ وال حتىص‪.‬‬
‫ومن اآلثار‪ :‬عن ُييى بن سعيد‪ ،‬قال‪« :‬كانت أرض لرجل من األنصار‬
‫ال يصل إليها املاء إال يف حائط ملحمد بن مسلمة‪ ،‬فأبى حممد أن يدع املاء يف‬
‫أرضه‪ ،‬قال‪ :‬فقال له عمر‪ :‬أعليك فيه رضر؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل لو مل أجد‬
‫له ِمر ًا إال عىل بطنك ألمررته»(‪.)2‬‬
‫فاستعمل لفظ حديث‪« :‬ال رضر وال رضار»؛ للدَّ اللة عىل القاعدة‪ ،‬مع‬
‫رصيح يف املقصود‪ ،‬فذكره‬
‫ٌ‬ ‫أنه ليس النص الوحيد اخلاص بالقاعدة‪ ،‬وإنام هو‬
‫أغنى عن ذكر غريه من النُّصوص‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن ابن ماجة ‪ ،533 :1‬ومسند أمحد ‪ ،374 :4‬وحسنه األرنؤوط‪ ،‬وسنن البيهقي‬
‫الكبري ‪ ،231 :4‬وسنن النسائي ‪ ،103 :2‬واملجتبى ‪ ،180 :4‬ورشح معاين اآلثار ‪،422 :1‬‬
‫ومسند ابن اجلعد ‪.185 :1‬‬
‫(‪ )2‬يف اخلراج ليحيى بن آدم ص‪.108‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪92‬‬
‫فمصادر املجتهد املطلق هي‪:‬‬
‫‪.1‬اآليات القرآنية‪:‬‬
‫ويقصد هبا آيات اآلحكام‪ ،‬فك ُّلها حمل نظر واجتهاد من املجتهد املطلق؛‬
‫السابقة‪ ،‬ونعرض ههنا بعض اآليات‬
‫الستخراج األصول الفقهية بالطريقة َّ‬
‫األكثر رصاح ًة يف ا َّلداللة عىل القواعد «أصول البناء»؛ َّ‬
‫ألن من اآليات ما‬
‫جرت جمرى القواعد‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫قوله تعاىل‪َ { :‬و َأ َح َّل اهللُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬


‫الر َبا} البقرة‪ ،275 :‬فقد مجعت‬
‫حرم عدا ما‬
‫هذه اآلية ـ عىل وجازة لفظها ـ أنواع البيوع‪ :‬ما أحل منها‪ ،‬وما َّ‬
‫استثنى‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪َ { :‬والَ ت َْأ ُك ُلو ْا َأ ْم َوا َل ُكم َب ْينَ ُكم بِا ْل َباطِ ِل} البقرة‪ ،188 :‬فهذه‬
‫أصل شامل لتحريم كل تعامل وترصف يؤدي إىل أكل أموال الناس‪،‬‬
‫كالّسقة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وإتالفها بالباطل من غري وجه مّشوع ُيله اهلل ورسوله‪،‬‬
‫والغصب‪ ،‬والربا‪ ،‬واجلهالة‪ ،‬والّضر‪ ،‬والغرر‪ ،‬فكل عقد باطل يعتّب نوع ًا‬
‫من أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫اجل ِ‬
‫اهلِني}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعاىل‪ُ { :‬خذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر بِا ْل ُع ْرف َو َأ ْع ِر ْض َع ِن ْ َ‬
‫األعراف‪ ،199 :‬وهذه اآلية هي اجلامعة ملكارم األخالق؛ حتى قيل‪ :‬ليس‬
‫يف القرآن آية أمجع ملكارم األخالق من هذه اآلية‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪93‬‬
‫وقوله تعاىل ‪{ :‬يا َأهيا ا َّل ِذين آمنُو ْا َأو ُفو ْا بِا ْلع ُق ِ‬
‫ود} املائدة‪ ،1 :‬فاألمر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫يقتيض‬
‫الوفاء ِّ‬
‫بكل عقد مّشوع‪ ،‬واحرتام كل ما يلتزم به اإلنسان مع الناس(‪.)1‬‬
‫ف اهللُ َن ْف ًسا إِالَّ ُو ْس َع َها} البقرة‪ ،286 :‬حيث‬
‫وقوله ‪{ :‬الَ ُي َك ِّل ُ‬
‫تقيض‪ :‬أن التكليف يكون بام هو مقدور لالنسان‪.‬‬
‫ين ِم ْن َح َرج} احلج‪ ، 78 :‬حيث‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َما َج َع َل َع َل ْي ُك ْم ِيف الدِّ ِ‬
‫تنفي احلرج عن املسلم يف كل أحكام الّشيعة‪.‬‬
‫فهذه اآليات ُّ‬
‫تدل عىل أصول عظيمة يف بناء األحكام الّشعية‪ ،‬وأمثاهلا‬
‫كثرية جد ًا‪.‬‬
‫‪.3‬األحاديث النبوية‪:‬‬
‫ويقصد هبا أحاديث األحكام‪ ،‬فكلها مصدر للمجتهد املطلق‬
‫الستخراج األصول الفقهية‪ ،‬ونشري ههنا إىل بعض األحاديث اجلامعة‬
‫األلفاظ يف الداللة عىل القواعد «أصول البناء»‪ ،‬حيث ُوجد يف ألفاظ‬
‫األحاديث النبوية الّشيفة كثري ًا من الرتاكيب الدالة عىل ذلك؛ ألن النَّبي ‪‬‬
‫أويت جوامع الكلم‪ ،‬واخترص له الكالم اختصار ًا‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(ق‪ :)35:‬قوله ‪« :‬املسلمون عند رشوطهم إال رشط ًا حرم حالالً أو‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.32-31‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪94‬‬
‫رصيح يف التزام الّشوط املّشوعة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫رشط ًا أحل حرام ًا»(‪ ،)1‬فهو‬
‫ومعناه‪َّ :‬‬
‫أن املؤمنني واملسلمني وقافون عند رشوطهم التي اشرتطوها‬
‫وأَّنم يوفون بّشوطهم التي أوجبوها عىل أنفسهم؛ َّ‬
‫ألن الوفاء‬ ‫عىل أنفسهم‪َّ ،‬‬
‫بالّشط من اإليامن‪ ،‬وعدم الوفاء من النفاق؛ فإ َّن الّشط الذي يشرتطه‬
‫اإلنسان عىل نفسه نوع من الوعد‪ ،‬والوعد ُيب الوفاء به‪ ،‬ونقضه من‬
‫صفات املنافقني‪ ،‬لكن إذا كان الّشط خمالف ًا للّشع؛ بأن ُيل حرام ًا‪ ،‬أو ُيرم‬
‫حالالً‪ ،‬فال ُيوز اشرتاطه وال الوفاء به‪.‬‬
‫فلو اشرتط املشرتي عىل نفسه أن يدفع الثمن حاالًّ‪ ،‬فعليه االلتزام‬
‫بذلك‪ ،‬وإذا كان الّشط تأجيله ملدة معلومة‪ ،‬فيجب عىل املشرتي الوفاء‬
‫بالّشط‪ ،‬وأداء الثمن عند حلول األجل (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪« :‬إنام األعامل بالنيات»(‪ ،)3‬وسيأيت الكالم عليه عند «أشباه ابن‬
‫نجيم»‪.‬‬
‫رصيح يف دفع‬
‫ٌ‬ ‫(ق‪ :)36:‬وقوله ‪« :‬ادرؤوا احلدود بالشبهات»(‪،)4‬فهو‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري ‪ 794 :2‬معلق ًا‪ ،‬واملستدرك ‪ ،57 :2‬وسنن البيهقي الكبري ‪،79 :6‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وسنن الدارقطني ‪ ،27 :3‬ورشح معاين اآلثار ‪ ،90 :4‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد ‪.9 :9‬‬
‫)‪ (3‬يف صحيح البخاري ‪.4 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف مسند أيب حنيفة للحصكفي ص‪ ،186‬وجامع مسانيد أيب حنيفة للخوارزمي ‪:2‬‬
‫‪ ،182‬وخرجه الزيلعي يف نصب الراية‪ 333 :3‬موقوف ًا من كالم سيدنا عمر ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪95‬‬
‫الشبهات للحدود‪ ،‬ويف معناه القاعدة املشهورة‪« :‬احلدود تدرأ بالشبهات»‪،‬‬
‫فيسقط حد الّسقة إن كان املّسوق أقل من دينار ذهب (‪ 5‬غرام)‪ ،‬أو مل يكن‬
‫حرز من مكان ُيفظ فيه‪ ،‬أو يوجد حافظ عنده مثالً‪ ،‬عم ً‬
‫ال هبذه القاعدة‪،‬‬
‫فيالحظ القارئ ألبواب احلدود َّ‬
‫أن املقصود منها التخويف أكثر من التحقيق‬
‫يف الواقع؛ لكثرة الشبهات يف إسقاط احلدود‪.‬‬
‫وال يقبل كتاب القايض بشهادة أو حكم إىل القايض يف احلدود‬
‫بالشبهة‪ ،‬ويف كتاب القايض إىل القايض شبه ٌة؛‬
‫ألَّنام يسقطان ُّ‬
‫والقصاص؛ َّ‬
‫أن يكون اخلط ليس خط ًا للقايض(‪.)1‬‬
‫خل َّطوط متشاهبة‪ ،‬ف ُيمكن َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن ا َ‬
‫وقوله ‪« :‬البينة عىل املدعي واليمني عىل َمن أنكر»(‪ ،)2‬فهذا احلديث هو‬
‫القاعدة الرئيسة التي يدور عليها القضاء‪ ،‬وسيأيت الكالم عليها يف الفصل‬
‫الثالث‪.‬‬
‫(ق‪ :)37:‬وقوله ‪« :‬احلالل بني واحلرام بني وبينهام أمور مشتبهة‪،‬‬
‫ومن اجرتأ عىل ما ُيشك‬
‫فمن ترك ما شبه عليه من اإلثم كان ملا استبان أترك‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫فيه من اإلثم أوشك أن يواقع ما استبان»(‪ ،)1‬يدل عىل ظهور احلالل واحلرام‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اجلوهرة النرية‪.245 :2‬‬


‫(‪ )2‬فعن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪( :‬لو يعطى الناس بدعواهم الدعى رجال أموال قوم‬
‫ودماءهم‪ ،‬ولكن الب ِّينة عىل املدعي واليمني عىل َمن أنكر‪ )...‬يف سنن البيهقي الكبري‪،252 :1‬‬
‫قال النووي‪ :‬حديث حسن‪ .‬ويف صحيح البخاري‪ ،1656 :4‬وصحيح مسلم‪1336 :3‬‬
‫بلفظ‪( :‬واليمني عىل املدعى عليه)‪ .‬وينظر‪ :‬تلخيص احلبري‪ ،208 :4‬وكشف اخلفاء‪.342 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪96‬‬
‫وبقاء أمور خفية بينهام‪.‬‬
‫واملراد باملشتبهات‪ :‬املسائل التي مل يعرف حلها وال حرمتها ‪ ،‬إما‬
‫لتعارض األَدلة فيها‪ ،‬أو ما اشتبه باحلرام الذي قد صح حتريمه‪ ،‬وليس‬
‫من املشتبهات ما سكت عنه الّشع(‪.)2‬‬
‫الرجعة؛ أل َّنه يؤخذ فيها‬
‫الرجعة‪ ،‬تسقط َّ‬
‫فلو اشتبه عليه انتهاء عدة َّ‬
‫باالحتياط(‪.)3‬‬
‫الفجر قد‬
‫َ‬ ‫ستحب أن ال يأكل إن َشك يف طلوع الفجر؛ أل َّنه ُيتمل َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫و ُي‬
‫طلع‪ ،‬فيكون األكل إفساد ًا َّ‬
‫للصوم‪ ،‬فيتحرز عنه هلذا احلديث(‪.)4‬‬
‫(ق‪ :)38:‬وقوله ‪« :‬اخلراج بالضامن»(‪ :)5‬أي ُّ‬
‫كل من اختذ خراج ًا من‬
‫أن الغرم بالغنم‪ ،‬واملراد َّ‬
‫أن َمن يكون له‬ ‫يشء يف ضامنه فخراجة له(‪ ،)6‬ومعناها َّ‬
‫رصفات‪ ،‬فعليه أن يغرم ما يقتضيه هذا‬
‫أن يغنم بمقتىض ترصف من ال َّت ُّ‬
‫رصف من املغارم‪ ،‬ويف بعض طرقه ذكر السبب‪ :‬فعن عائشة ريض اهلل‬
‫ال َّت ُّ‬

‫)‪ (1‬يف صحيح البخاري‪.70 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.242 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املبسوط‪.29 :6‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع‪.105 :2‬‬
‫(‪ )5‬يف سنن الرتمذي‪ ،573 :3‬وسنن النسائي الكّبى‪ ،18 :6‬وسنن ابن ماجة ‪،754 :2‬‬
‫وصحيح ابن حبان‪ ،198 :11‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬خمترص اختالف العلامء‪.168 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪97‬‬
‫ال ابتاع غالم ًا فأقام عنده ما شاء اهلل أن يقيم‪ ،‬ثم وجد به عيب ًا‬ ‫عنها‪َّ ،‬‬
‫أن رج ً‬
‫الرجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬قد استغل‬‫فخاصمه إىل النبي ‪ ‬فرده عليه فقال َّ‬
‫غالمي‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :‬اخلراج بالضامن»(‪.)1‬‬
‫ال عنه غري متو ِّلد منه‪:‬‬ ‫فاخلراج احلاصل من الّشء إذا كان منفص ً‬ ‫ُ‬
‫كسكنى الدار‪ ،‬و ُأجرة الدابة‪ ،‬بمقابلة دخوله يف ضامن َمن س َّلم له خراجه‪ ،‬فام‬
‫ُ‬
‫مل يدخل يف ضامنه مل ُيسلم له خراجه‪.‬‬
‫الضامن ما كان‬
‫الّشء‪ :‬ما حصل منه‪ ،‬والذي يكون منه بمقابلة َّ‬ ‫وخراج َّ‬
‫والصدقة‪ ،‬فإ َّنه يطيب ملن‬
‫َّ‬ ‫كالكسب‪ ،‬واألُجرة‪ ،‬واهلبة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ال غري متو ِّلد‪:‬‬
‫منفص ً‬
‫كان عليه الضامن‪ .‬فلو رد املشرتي املبيع بعد قبضه بخيار العيب‪ ،‬وكان قد‬
‫استعمله مدة ال تلزمه ُأجرته؛ أل َّنه لو كان قد تلف يف يده قبل َّ‬
‫الرد لكان‬
‫يتلف من ماله(‪.)2‬‬
‫‪ .3‬اآلثار‪:‬‬
‫كل ما يتع َّلق منها‬
‫الصحابة وال َّتابعني ‪ ،‬ف ُّ‬
‫ويقصد به اآلثار الواردة عن َّ‬
‫باألحكام الفقهية حمل عناية واهتامم من املجتهد املطلق الستخراج األصول‬
‫الفقهية‪ ،‬ومن األلفاظ اجلامعة الواردة عنهم‪:‬‬
‫(ق‪ :)39:‬قول عمر ‪ « :‬مقاطع احلقوق عند ُ‬
‫الرشوط‪ ،‬ولك ما‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود‪.284 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.429‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪98‬‬
‫َر‬
‫رشطت»(‪ ،)1‬فهذا النص يعتّب قاعدة يف باب الّشوط‪.‬‬
‫وسببه‪ :‬عن عبد الرمحن بن غنم قال‪« :‬شهدت عمر ‪ ‬قىض يف رجل‬
‫رشط المرأته دارها‪ ،‬فقال‪ :‬هلا رشطها‪ .‬فقال رجل‪ :‬إذ ًا يطلقها؟ فقال‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫مقاطع احلقوق عند الّشوط»‪ ،‬واملقاطع مجع مقطع‪ ،‬وأراد َّ‬
‫أن املواضع التي‬
‫تقطع احلقوق فيها عند وجود الّشوط‪ ،‬وأراد به الّشوط الواجبة‪ ،‬فإ َّنه ُيب‬
‫الوفاء هبا‪.‬‬
‫الرجل يتزوج املرأة‪ ،‬ويشرتط هلا أن ال ُيرجها من‬
‫واختلف العلامء يف َّ‬
‫الّشوط املباحة عىل قولني‪:‬‬
‫دارها‪ ،‬أو ال يتزوج عليها‪ ،‬أو نحو ذلك من ُّ‬
‫أ‪.‬أ َّنه يلزمه الوفاء بذلك‪ ،‬وهو قول أمحد‪.‬‬
‫الزوج بتقوى اهلل والوفاء بالّشوط‪ ،‬وال ُيكم عليه بذلك‬
‫ب‪.‬أ َّنه يؤمر َّ‬
‫حك ًام‪ ،‬وهو قول مالك وأيب حنيفة َّ‬
‫والشافعي(‪.)2‬‬
‫ٍ‬
‫يشء يف القرآن‪ :‬أو أو‪ ،‬فهو خمِّي‪،‬‬ ‫(ق‪ :)40:‬قول ابن َع َّباس ‪ُ « :‬‬
‫كل‬
‫وكل يشء‪ :‬فإن مل جتدوا‪ ،‬فهو األول فاألول»(‪ ،)3‬وعن إبراهيم النَّخعي أ َّنه‬
‫قال‪ُّ :‬‬
‫كل يشء يف القرآن أو أو فهو باخليار‪ :‬إن شاء أعتق رقبة‪ ،‬وإن شاء‬
‫كسى‪ ،‬وإن شاء أطعم(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪ 190 :3‬معلق ًا‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬عمدة القاري‪.140 :20 ،298 :13‬‬
‫(‪ )3‬يف مصنف ابن شيبة‪ ،593 :7‬ومصنف عبد الرزاق‪.395 :4‬‬
‫(‪ )4‬األصل ‪.197 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪99‬‬
‫وإن مل ُيد شيئ ًا من ذلك فعليه صيام ثالثة أيام متتابعة(‪.)1‬‬
‫ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫ون اهللَ‬ ‫ار ُب َ‬ ‫قال ابن جريج‪ « :‬إال قول اهلل تعاىل‪{ :‬إِن ََّام َج َزاء ا َّلذي َن ُ َ‬
‫ض َف َسا ًدا َأن ُي َق َّت ُلو ْا َأ ْو ُي َص َّل ُبو ْا َأ ْو ُت َق َّط َع َأ ْي ِدهيِ ْم‬
‫َو َر ُسو َل ُه َو َي ْس َع ْو َن ِيف األَ ْر ِ‬
‫ض} املائدة‪ 33 :‬فليس بمخري‬ ‫َو َأ ْر ُج ُل ُهم ِّم ْن ِخالف َأ ْو ُين َف ْو ْا ِم َن األَ ْر ِ‬
‫فيها»(‪.)2‬‬
‫رش َط عىل‬
‫(ق‪ :)41:‬وقول القايض رشيح الكندي(ت‪78‬هـ)‪« :‬من َ َ‬
‫نفسه طائع ًا غِّي مكره فهو عليه» (‪ :)3‬أي َّ‬
‫الّشط الذي ُرشط عليه يلزمه‪ ،‬فهذا‬
‫القول قاعدة يف جواز الّشوط اجلعلية(‪.)4‬‬
‫ال باع طعام ًا‪ ،‬وقال‪ :‬إن مل آتك األربعاء فليس بيني وبينك‬ ‫فلو َّ‬
‫أن رج ً‬
‫بيع‪ ،‬فلم ُييء‪ ،‬فال بيع بينهم(‪.)5‬‬
‫‪.4‬إمجاع الفقهاء‪:‬‬
‫فمن القواعد «أصول البناء» ما يرجع إىل إمجاع الفقهاء عىل قضايا‬
‫فقهية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(ق‪ :)42:‬قوهلم‪ « :‬ال اجتهاد مع النص»‪ ،‬فهو قاعد ٌة تفيد‪ :‬منع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املبسوط‪.144 :8‬‬


‫(‪ )2‬الفقيه واملتفقه‪.221 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ 198 :3‬معلق ًا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬القواعد للباحسني ص‪.108‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬عمدة القاري‪.21 :14‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪100‬‬
‫السنة‪ ،‬أو اإلمجاع؛‬
‫االجتهاد يف حكم مسألة ورد فيها نص من الكتاب‪ ،‬أو ُّ‬
‫أل َّنه إ َّنام ُيتاج لالجتهاد عند عدم وجود النص‪ ،‬أما عند وجوده‪ ،‬فال اجتهاد‬
‫إال يف فهم النَّص وداللته‪ ،‬وهو من قواعد «املجلة»‪ ،‬ولفظها‪« :‬ال مساغ‬
‫َّص»‪.‬‬
‫لالجتهاد يف مورد الن ر‬
‫واملقصود بالنَّص الذي يمنع االجتهاد فيه‪ :‬هو ما كان قطعي ًا يف وروده‬
‫وداللته؛ َّ‬
‫ألن النَّصوص القرآنية واحلديثية حتتاج قبل العمل هبا إىل نظر‬
‫املجتهد من حيث الثبوت‪ ،‬أو النَّسخ‪ ،‬أو التأويل‪ ،‬أو املعارض‪ ،‬أو البيان‪.‬‬
‫أما أن يمنع االجتهاد مع أي نص مطلق ًا‪ ،‬فهو حمل نظر‪ ،‬أال ترى أنَّه إن‬
‫كان وحي ًا بحديث نحتاج إىل االجتهاد بثبوته وعدمه‪ ،‬واالجتهاد يف التوفيـق‬
‫بينه وبني غريه وفهم معناه إىل غري ذلك‪ ،‬وكذلك إن كان وارد ًا يف القرآن‪ ،‬أال‬
‫ُيتاج إىل فهم املقصود منه‪ ،‬واجلمع بينه وبني بقية األدلة‪ ،‬وغريها من األمور‬
‫االجتهادية التي ُتلحقه بالظن عند الفقيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلقيقة عندنا إال األمور االعتقادية التي يكفر جاحدها‪،‬‬ ‫فلم يبق يف‬
‫الظهر أربع‬
‫َ‬ ‫والتي ُتعدُّ من املعلوم يف الدِّ ين بالّضورة‪ ،‬مثل‪ :‬اعتقاد َّ‬
‫أن‬
‫ركعات‪ ،‬وصيام رمضان‪ ،‬وأشباهها‪ ،‬وكذلك املسائل املجمع عليها مثل‪:‬‬
‫حرمة نكاح املتعة‪ ،‬والباقي ك ُّلها داخل يف دائرة الظن‪ ،‬وحمل اجتهاد وال ينكر‬
‫االجتهاد فيها أبد ًا(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إسعاد املفتي رشح عقود رسم املفتي ص‪.65-64‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪101‬‬
‫قال أمحد الزرقا(‪« :)1‬املراد بالنَّص الذي ال مساغ لالجتهاد معه هو‬
‫املفّس املحكم‪ ،‬وإال فغريمها من ال َّظاهر والنص ال ُيلو عن احتامل التَّأويل‪.‬‬
‫َّ‬
‫وأقسام الدليل اللفظي أربعة‪:‬‬
‫ظاهر‪ :‬وهو ما ظهر املراد منه بصيغته مع احتامل التأويل‪.‬‬
‫َص‪ :‬وهو ما ازداد وضوح ًا عىل الظاهر بمعنى سيق له الكالم‬
‫ون ٌّ‬
‫ألجله‪ ،‬ال من نفس الصيغة‪ ،‬مع احتامل التأويل أيض ًا‪.‬‬

‫ومفّس‪ :‬وهو ما ازداد وضوح ًا عىل الن ِّ‬


‫َّص عىل وجه ال يبقى معه احتامل‬ ‫َّ‬
‫التأويل‪.‬‬
‫وحمكم‪ :‬وهو ما ُأحكم املراد منه من غري احتامل تأويل وال نسخ‪.‬‬
‫ُ‬
‫فحيث كان األَ َّوالن ال ُيلوان عن احتامل التَّأويل يكون مساغ‬
‫لالجتهاد موجود معهام‪.‬‬
‫والسنة املشهورة واإلمجاع‪ ،‬فال ُيوز‬
‫ُّ‬ ‫َّص ها هنا‪ :‬الكتاب‬
‫واملراد بالن ِّ‬
‫املفّس واملحكم منها‪ ،‬فبطل القول بحل املطلقة ثالث ًا‬
‫االجتهاد يف مقابلة َّ‬
‫لألول بمجرد عقد الثاين عليها بال وطء‪ ،‬والقول ِّ‬
‫بحل نكاح املتعة؛ لعدم‬
‫الّشعية التي ال حتتمل‬
‫استنادها إىل دليل معتّب‪ ،‬وملخالفتها للنُّصوص َّ‬
‫التأويل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.148-147‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪102‬‬
‫فإَّنام‬
‫والسنة لفظ رشط الواقف ولفظ املويص‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫ومثل لفظ الكتاب‬
‫كنص َّ‬
‫الشارع يف املفهوم والداللة ووجوب العمل به»‪.‬‬
‫جممع عليه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫(ق‪ :)43:‬وقوهلم‪« :‬االجتهاد ال ينتقض بمثله»‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫واملراد َّ‬
‫أن األحكام االجتهادية إذا قيض هبا ال ُيوز نقضها بمثلها(‪ ،)1‬وهذه‬
‫من قواعد «املجلة»‪ ،‬ولفظها‪« :‬االجتهاد ال ينقض بمثله»‪.‬‬
‫الصحابة ‪ ،‬نقله اب ُن الصباغ‪َّ ،‬‬
‫وأن أبا‬ ‫وأصل هذه القاعدة هو‪« :‬إمجاع َّ‬
‫َ‬
‫مسائل خالفه عمر ‪ ‬فيها ومل ينقض حكمه‪ ،‬وحكم عمر‬ ‫بكر ‪َ ‬حك ََم يف‬
‫يف املّشكة بعدم املشاركة ثم باملشاركة‪ ،‬وقال‪ :‬ذلك عىل ما قضينا‪ ،‬وهذا عىل‬
‫ما قضينا‪ ،‬وقىض يف اجلد قضايا خمتلفة»(‪.)2‬‬
‫وقال رشيح‪َّ « :‬‬
‫أن عمر ‪ ‬كان يقيض بالقضاء‪ ،‬ثم يبدو له فريجع عنه‪،‬‬
‫وال يرجع فيام كان قيض به يعنى يف املجتهدات كان إذا حتول رأيه بنى فيام‬
‫يستقبل عىل ما أدى إليه اجتهاده ومل ينقص ما كان قىض به ‪.)3( » ...‬‬
‫االجتها ُد ال ينقض بمثلِه إمجاع ًا‪ :‬أي يف املسائل التي يسوغ فيها‬
‫األول بال َّثاين جلاز أن ينقض ال َّثاين بثالث؛ أل َّنه ما من‬
‫االجتهاد؛ أل َّنه لو نقض َّ‬
‫اجتهاد إال وُيوز أن يتغري‪ ،‬وذلك يؤدي إىل عدم االستقرار (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.33‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬األشباه للسيوطي ص‪.101‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املبسوط‪.85-84 :16‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.155‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪103‬‬
‫فالنقض املمتنع إنَّام هو يف األحكام املاضية‪ ،‬وإ َّنام تغري احلكم يف‬
‫املستقبل؛ النتفاء الرتجيح اآلن‪ ،‬ولو حكم القايض باجتهاده‪ ،‬ثم تغري‬
‫باجتهاد آخر‪ ،‬ال ينقض األول وإن كان الثاين أقوى منه‪ ،‬غري أ َّنه إذا جتدد له‬
‫ال يعمل إال بال َّثاين‪ ،‬بخالف ما لو بان له اخلطأ باليقني‪ ،‬فإ َّنه ينقض‪.‬‬
‫وسبب عدم نقض االجتهاد باالجتهاد‪ :‬أ َّنه ليس االجتهاد ال َّثاين بأقوى‬
‫يستقر به ُحك ٌْم‪ ،‬ويف ذلك مشقة شديدة؛ فإ َّنه‬
‫َّ‬ ‫من األَول‪ ،‬وأ َّنه يؤدي إىل َّ‬
‫أن ال‬
‫إذا نقض هذا احلكم نقض ذلك النقض‪ ،‬وهلم جرا(‪.)1‬‬
‫ومثاله‪ :‬لو تغري اجتهاده يف القبلة عمل بالثاين وال قضاء‪ ،‬حتى لو صىل‬
‫أربع ركعات ألربع جهات باالجتهاد‪ ،‬فال قضاء‬
‫(‪)2‬‬

‫(ق‪ :)44:‬وقوهلم‪« :‬يستحب مراعاة اخلالف»‪ ،‬فهو قاعدة يف أفضلية‬


‫االحتياط يف األحكام الفقهية؛ باإلتيان بالفعل صحيح ًا عند مجيع املذاهب‬
‫إن أمكن‪ ،‬ما مل يكن فيه خمالفة ملكروه يف مذهبه(‪.)3‬‬
‫السجدتني خروج ًا من‬
‫قال ابن عابدين(‪«:)4‬فيندب الدعاء باملغفرة بني َّ‬
‫خالف اإلمام أمحد إلبطاله الصالة برتكه عامد ًا‪ ،‬ومل أر من َّ‬
‫رصح بذلك‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األشباه للسيوطي ص‪ ،103‬واملنثور للرزكّش‪ ،93 :1‬وحاشية الطحطاوي ‪:2‬‬
‫‪.34‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬األشباه للسيوطي ص‪ ،101‬واملستصفى ص‪.367‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪.122 :1‬‬
‫(‪ )4‬يف منحة اخلالق‪.340 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪104‬‬
‫رصحوا باستحباب مراعاة اخلالف‪ ،‬وهذا منه كام ال ُيفى‪ ،‬نعم‪ ،‬لو كان‬
‫لكن َّ‬
‫الدُّ عاء املذكور منهي ًا عنه عندنا ال تستحب املراعاة ملا يلزم عليها من اخلروج‬
‫عن املذهب لكن ثبوت الكراهة ُيتاج إىل دليل»‪.‬‬
‫الشافعي مع َّ‬
‫أن‬ ‫السنة عند َّ‬
‫وقال(‪«:)1‬ال َّتغليس يف صالة الفجر‪ ،‬فإ َّنه ُّ‬
‫األفضل عندنا اإلسفار فال ُيندب مراعاة اخلالف فيه‪ ،‬وكصوم يوم الشك‬
‫فإ َّنه األفضل عندنا‪ ،‬وعند َّ‬
‫الشافعي حرام‪ ،‬ومل أر من قال‪ُ :‬يندب عدم صومه‬
‫السنة عندنا تركهام‪ .‬ولو‬
‫مراعاة للخالف‪ ،‬وكاالعتامد وجلسة االسرتاحة ُّ‬
‫فعلهام ال بأس ف ُيكره فع ُلهام تنزهي ًا مع َّأَّنام سنتان عند َّ‬
‫الشافعي»‪.‬‬
‫‪.5‬العقول والعادات‪:‬‬
‫يعتمد املجتهد يف تقعيد العديد من القواعد عىل قواعد العقول‬
‫والعادات؛ ألن كثري ًا من األمور تعد من مقررات العقول ومتفق العادات‪،‬‬
‫وهي صاحلة يف االستناد إليها يف تقرير قواعد الّشع‪ ،‬وال ضري يف ذلك؛ ألن‬
‫العقل والّشع من خلق اهلل تعاىل‪ ،‬وكل منهام يكمل اآلخر‪.‬‬
‫وسيأيت أمثلة لذلك ال حتىص منها قاعدة‪« :‬األصل يف الكالم احلقيقة»‬
‫«الوصف يف احلارض لغو»‪ ،‬و«السكوت معاد يف اجلواب»‪ ،‬و«إذا سقط‬
‫األصل سقط الفرع»‪ ،‬و«ال عّب للتوهم»‪ ،‬ويقبل قول املرتجم مطلق ًا»‪،‬‬
‫و«إذا تعذر الكالم هيمل»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف رد املحتار‪.147 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪105‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬مصدر القواعد «أصول البناء» عند املجتهد يف املذهب‪:‬‬
‫فكام بينا سابق ًا‪ ،‬فإ َّن للقواعد «أصول البناء» مرحلتني‪:‬‬
‫‪.1‬مرحلة يف ذهن املجتهد عند استخراج الفروع الفقهية‪ ،‬فنادر ًا ما‬
‫رصح بالفرع الفقهي املخرج‬
‫يشري املجتهد للقاعدة «األصل الفقهي»‪ ،‬وإ َّنام ُي ِّ‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة االستخراج من الفروع الفقهية للمجتهد املطلق‪ ،‬وهذا‬
‫ِ‬
‫موارد‬ ‫منرصف إىل تتبع‬
‫ٌ‬ ‫املرحلة يقوم هبا املجتهد يف املذهب‪ُّ ،‬‬
‫فكل جهده‬
‫فروع املجتهد املطلق؛ للوقوف عليها باستخراج األُصول الفقهية‪ ،‬التي كثري ًا‬
‫الّشوح وغريها لتعليل عبارة املتن بلفظ «أل َّنه»‪ ،‬أي يع ِّللون‬
‫ما يذكروَّنا يف ُّ‬
‫للمجتهد للمطلق بكذا؛ َّ‬
‫ألن املتون تذكر عبارة املجتهد املطلق‪ ،‬فام يأيت بعد‬
‫«أل َّنه» يف املعتاد يكون سبب ًا‪ ،‬أي‪ :‬أص ً‬
‫ال لبناء احلكم‪.‬‬
‫ففي هذه املرحلة يتم استقراء فروع املجتهد املطلق؛ بجمع املعاين‬
‫والروابط املبنية عليها‪ ،‬واستخراج القواعد «أصول البناء» هلا‪ ،‬فيكون‬
‫املصدر الرئيس للقواعد والضوابط الفقهية هو استقراء الفروع الفقهية‪،‬‬
‫ومالحظة ما ُبنيت عليه من أصول فقهية‪ ،‬ومن ثم مجع املتشابه منها حتت‬
‫ضوابط وقواعد أوسع‪.‬‬
‫فتعرف القواعد الفقهية باستنباط الفقهاء هلا‪ ،‬من خالل استقرائهم‬
‫الّشعية وعللها‪ ،‬وحكمها التّشيعية‪ ،‬وذلك بتتبع الفروع الواردة‬
‫األحكام َّ‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪106‬‬
‫عن أئمة االجتهاد يف الفقه‪ ،‬ومعرفة الضابط واألصل الفقهي فيها‪ ،‬كام يف‬
‫قاعدة‪« :‬ترصف اإلمام عىل الرعية منوط باملصلحة»‪ ،‬فلو نظرنا إىل أحكام‬
‫اإلمام‪ ،‬سنجد َّأَّنا تدور عىل حتقيق املصلحة للرعية؛ فاستخرجت هذه‬
‫القاعدة منها‪.‬‬
‫قال بورنو(‪ «:)1‬قواعد فقهية أوردها الفقهاء املجتهدون يف مقام‬
‫االستدالل القيايس الفقهي‪ ،‬حيث تعتّب تعليالت األحكام الفقهية‬
‫االجتهادية ومسالك االستدالل القيايس عليها‪ ،‬أعظم مصدر لتقعيد هذه‬
‫القواعد وإحكام صيغها عند استقرار املذاهب الفقهية الكّبى وانرصاف‬
‫أتباعها إىل حتريرها وترتيب أصوهلا وأدلتها‪ ،‬كام قال أستاذنا الزرقا‪.‬‬
‫وهذه القواعد التي استنبطها الفقهاء املتأخرون من خالل أحكام‬
‫املسائل التي أوردها أئمة املذاهب يف كتبهم أو نقلت عنهم ال خترج عن‬
‫نطاق أدلة األحكام الّشعية األصلية أو التبعية الفرعية‪.‬‬
‫فالناظر هلذه القواعد والباحث عن أدلة ثبوهتا وأساس التعليل هبا‬
‫يراها تندرج كل منها حتت دليل رشعي إما من األدلة املتفق عليها كالكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع‪ ،‬وإما من األدلة األُخرى كالقياس واالستصحاب‬ ‫ُّ‬
‫واملصلحة أو االستصالح والعرف‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬وغري ذلك ِما يستدل به‬
‫عىل األحكام؛ أل َّنه ال يعقل ويستبعد جد ًا أن يبني فقيه جمتهد حك ًام ملسألة‬

‫(‪ )1‬يف الوجيز ص‪.37-35‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪107‬‬
‫فقهية‪ ،‬أو يع ِّلل ملسائل فقهية معتمد ًا عىل جمرد الرأي غري املدعوم بأدلة الّشع‬
‫أو معتمد ًا عىل اهلوى والتشهي‪.‬‬
‫فهم رمحة اهلل عليهم كانوا َّ‬
‫أجل وأورع وأتقى وأخشى هلل من أن ُيفتي‬
‫مقرر‪،‬‬
‫أحدُ هم أو ُيكم يف مسألة أو يقيض بحكم غري مستند إىل دليل رشعي َّ‬
‫فمن استند إىل القياس ال‬
‫وسواء اتفق عليه أم اختلف الفقهاء يف اعتباره‪َ ،‬‬
‫ُيقال‪ :‬أ َّنه حكم بغري ما أنزل اهلل‪َّ :‬‬
‫ألن هناك من ُينكر القياس وال يعمل به ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪108‬‬

‫مناقشة الفصل األول‪:‬‬


‫أجب عن األسئلة اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬عرف ما ييل لغ ًة واصطالح ًا‪:‬‬
‫القاعدة‪ ،‬الضابط‪ ،‬األصل‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أجب عن األسئلة اآلتية مع الرشح الوايف‪:‬‬
‫‪ِّ .1‬بني املراد من الفروق الفقهية ووظيفتها مع التمثيل‪.‬‬
‫‪ .2‬اذكر وجه الفرق بني القاعدة والضابط واألصل‪.‬‬
‫‪ِّ .3‬فرق بني القاعدة الفقهية والقاعدة األصولية‪.‬‬
‫وبني أنواعها‪ ،‬ثم وضح عالقتها بالقواعد‬
‫عرف املقاصد الّشعية ِّ‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫أصول البناء ‪.‬‬
‫‪ .5‬تكلم بالتفصيل عن كيفية تكوين القواعد الفقهية مع التمثيل‪.‬‬
‫‪ .6‬هل تعتّب القواعد الفقهية أحد أدلة األحكام فيستند إليها عند عدم وجود‬
‫نص أو إمجاع أو قياس يف املسألة؟ أو هل ُيوز أن جتعل القاعدة الفقهية‬
‫ال رشعي ًا يستنبط منه حكم رشعي؟ وضح ذلك‪.‬‬
‫دلي ً‬
‫‪ .7‬من مصادر القواعد أصول البناء عند املجتهد املطلق األحاديث النبوية‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪109‬‬
‫وضح ذلك مع التمثيل‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ارشح القواعد اآلتيه مع التمثيل والتدليل كلام أمكن‪:‬‬
‫‪ .1‬اخلراج بالضامن‪.‬‬
‫‪ .2‬االجتهاد ال ينتقض بمثله‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬ضع عالمة ( √ ) أمام اإلجابة الصحيحة فيام ييل‪:‬‬
‫‪ .1‬األشباه والنظائر‪ :‬هي املسائل املتشاهبة‪ ،‬سواء اتفقت يف احلكم أو‬
‫اختلفت‪.‬‬
‫‪ .2‬تتفق النظرية الفقهية مع القاعدة «أصل البناء» يف َّ‬
‫أن ك ً‬
‫ال منهام يشتمل‬
‫عىل مسائل من أبواب متفرقة من الفقه‪.‬‬
‫‪ .3‬تتميز القاعدة الفقهية بإُياز عبارهتا‪ ،‬مع عموم معناها‪ ،‬وسعة استيعاهبا‬
‫للمسائل اجلزئية‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬أكمل الفراغ يف العبارات اآلتية بالكلمة املناسبة‪:‬‬
‫‪ .1‬ركن القاعدة «أصل البناء» له طرفان‪................ ،................ :‬‬
‫‪ .2‬من رشوط القاعدة التجريد أي‪....................................... :‬‬
‫‪ .3‬القواعد «أصول البناء» يف غاية األمهية يف علم الفقه‪ ،‬ويظهـر ذلـك مـن‬
‫خالل‪................................................................:‬‬
‫‪ .4‬ال ينبغــي التَّجــرؤ عــىل الــدِّ ين باإلفتــاء مــن القواعــد الفقهيــة إال بعــد‬
‫‪...................‬‬
‫‪ .5‬للقواعد «أصول البناء» مرحلتان‪............... ،................ :‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪110‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪111‬‬

‫الفصل الثاين‬
‫نشأت القواعد «أصول البناء»‬
‫وتدوينها وتطورها‬

‫أهداف الفصل الثاين‪:‬‬


‫يتوقع من الطالب بعد دراسة هذا الفصل أن يكون قادر ًا عىل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األهداف املعرفية‪:‬‬
‫وضح كيفية نشأت القواعد «أصول البناء»‪ ،‬وتدوينها‪ ،‬وتطورها‪.‬‬
‫‪ .1‬أن ُي ِّ‬
‫وضح كيفية عناية احلنفية بالقواعد «أصول البناء» يف عرص االجتهاد‬
‫‪ .2‬أن ُي ِّ‬
‫املطلق‪ ،‬واملنتسب‪ ،‬واملجتهد يف املذهب‪ ،‬وكذلك املتأخرين مع التمثيل‬
‫لذلك‪.‬‬
‫وضح كيفية عناية املالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة بالقواعد «أصول‬
‫‪ .3‬أن ُي ِّ‬
‫البناء»‪ ،‬مع التمثيل لذلك‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫‪112‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثاني ًا‪ :‬األهداف املهارية‪:‬‬


‫أن ُيفظ أبرز الكتب املؤلفة يف القواعد يف كل مذهب من املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األهداف الوجدانية‪:‬‬
‫أن ُيقدِّ ر اجلهد املبذول من ِقبل العلامء يف املذاهب الفقهية األربعة‪ :‬يف نشـأة‪،‬‬
‫وتطوير‪ ،‬وتدوين علم القواعد الفقهية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪113‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أن لدينا ثالث حلقات‪ :‬صغرى‪ :‬وهي األصول‬ ‫تبني لنا ِما سبق َّ‬
‫َّ‬
‫الفقهية‪ ،‬ووسطى‪ :‬وهي الضوابط الفقهية‪ ،‬وكّبى‪ :‬وهي القواعد الفقهية‪،‬‬
‫فاحللقة األوىل داخلة يف الثانية‪ ،‬والثانية داخلة يف الثالثة‪.‬‬
‫ومن الصعب جد ًا الفصل بني هذه الثالثة؛ لشدة االتصال بينها؛ وملا‬
‫رأينا بينها من التالحم‪ ،‬وإطالق ُمسمى ٍّ‬
‫كل منها عىل اآلخر؛ حتى شاع‬
‫إطالق القواعد عىل أصغر حلقة منها‪ ،‬وهي املختصة بفروع حمدودة‪ ،‬فمث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫أطلق اب ُن عابدين لفظ «قاعدة» عىل‪ « :‬أصل حوى مسائل حمددة»‪ ،‬حيث‬
‫قال(‪« :)1‬كان مناط الفساد كون اللفظ ُأفيد به معنى ليس من أعامل َّ‬
‫الصالة‪،‬‬
‫فكان ذلك قاعدة كلية يندرج حتتها أفراد جزئية‪ :»...‬أي كون اللفظ يفيد‬
‫معنى غري الذكر هلل تعاىل‪ ،‬فهو سبب إلفساد الصالة هبذا اللفظ‪.‬‬
‫وبالتَّايل يدخل يف معنى القواعد «أصول البناء» األنواع الثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األصول‪ ،‬والضوابط‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ ،‬ويقصد هبا‪ :‬قضي ٌة كلي ٌة منطبق ٌة عىل‬
‫مجيع جزئياهتا‪ ،‬بدون حتديد هلا بأبواب‪ ،‬أو باب‪ ،‬أو مسائل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف رد املحتار‪.589 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪114‬‬
‫وهبذا املعنى العام للقواعد «أصول البناء» يدخل فيه ُّ‬
‫كل عموم له‬
‫حكم‪.‬‬
‫وعليه فيكون بدء نشأة القواعد الفقهية من الوحي‪ ،‬فهناك آيات‬
‫عديدة‪ ،‬وأحاديث كثرية شملت نصوص ًا يصح أن تسمى قواعد ًا «أصول‬
‫بناء»‪ ،‬كام سبق ذكر بعضها يف مصادر القواعد «أصول البناء»‪.‬‬
‫تكون القواعد «أصول البناء» يف كل مراحل الفقه‪ ،‬فوجدت‬
‫واستمر ُّ‬
‫قواعد ال حتىص يف الطبقة األوىل للمجتهدين‪ ،‬وهي طبقة املجتهدين املطلقني‬
‫يف املئة األوىل والثانية‪ ،‬وسبق ذكر بعض القواعد «أصول البناء» عن‬
‫الصحابة والتَّابعني‪ ،‬ونورد الحق ًا طرف ًا منها عن كبار جمتهدي هذه الطبقة‪:‬‬
‫َّ‬
‫وحممد بن احلسن َّ‬
‫الشيباين‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كأيب يوسف‪،‬‬
‫وال شك أن ذكر هذه القواعد «أصول البناء» كان كثري ًا جد ًا عند‬
‫ألن الفقه ال يصح إن مل يكن له قواعد‬ ‫ِ‬
‫طبقة املجتهد املطلق؛ َّ‬ ‫الفقهاء من‬
‫وضوابط وأصول فقهية‪ ،‬فال ُيعتّب فقه ًا إن كان جمرد مسائل متناثرة‬
‫هناوهناك‪.‬‬
‫ففكرة القواعد «أصول البناء» التي تدور عليها الفروع ـ سواء كثرت‬
‫أو ق َّلت ـ هي الفكرة األساسية لبناء الفقه وتقعيده‪ ،‬وعا َّمة ما ُيع ِّلل به الفقها ُء‬
‫مندرج حتت هذا‪ ،‬ولكن التَّعليالت تتفاوت بمقدار الفروع‬ ‫ٌ‬ ‫لبعض املسائل‬
‫التي تندرج حتتها؛ َّ‬
‫ألن األصل يف التَّعليل أن يكون أص ً‬
‫ال لبناء املسألة‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪115‬‬
‫فالفقه يف بنائه وتفريعه وخترُيه يعتمد عىل هذه األصول‪ ،‬ويتفاوت‬
‫املجتهدون فيام بينهم بتفاوت أصول املسائل التي بنو عليها‪ ،‬وبتفاوت مقدار‬
‫إحكامها‪.‬‬
‫وهذا من األسـباب الرئيسـية التـي متيـز هبـا األئمـة األربعـة؛ بحيـث‬
‫ألَّنم استطاعوا أن يستخرجوا أصوالً يعتمدون‬
‫استح َّقت مذاهبهم اخللود؛ َّ‬
‫عليها يف فتاوهيم؛ هبيئة أدق وأنظم مـن غـريهم؛ إذ َّ‬
‫أن مـا ُعهـد عـنهم مـن‬
‫مسائل تنتظم يف سلك واحد ألصول معينـة ال ختـرج عنهـا‪ُّ ،‬‬
‫فكـل الفـروع‬
‫األمر الذي جعل َمن بعدهم ُي ِق ُّر هلم باألحقية‬
‫ُ‬ ‫املتشاهبة ترجع ألصل واحدة‪،‬‬
‫يف التَّقليد واالتباع‪.‬‬
‫ويوضح هذا ما ُر ِوي عن ُز َفر تلميذ أيب حنيفة‪ :‬أنَّه عندما َق ِدم البرصة‪،‬‬
‫فإن ُز َفر كان يأيت حلقتـه ويسـمع مسـائله‪،‬‬
‫وكان شيخها وقتئذ عثامن ال َبتي‪َّ ،‬‬
‫فإذا وقف عىل األصل الذي بنى عليه مسائله‪ ،‬تتبع فروعه التي فرعهـا عـىل‬
‫ذلك األصل‪ ،‬فإذا وقف عىل تركهم األصل‪َ ،‬طا َل َ‬
‫ب ال َبتي حتى يلزمه قولـه‪،‬‬
‫أصحاب ال َبتي شهود ًا عليه بـذلك‪ ،‬فـإذا‬
‫ُ‬ ‫و ُيبني له خروجه عن أصله‪ ،‬فيعود‬
‫وقف أصحاب ال َبتي عىل ذلك‪ ،‬واستحسنوا ما كان منه‪ ،‬قال هلم ُز َفـر‪ :‬ففـي‬
‫هذا الباب أحسن من هذا األصل‪ ،‬ويذكره هلم‪ ،‬و ُيقيم احلجة عليهم يف هـذا‬
‫بـالرجوع إليـه‪ ،‬ويشـهد‬
‫األصل‪ ،‬ويأتيهم بالـدَّ الئل عليـه‪ ،‬و ُيطالـب ال َبتـي ُّ‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪116‬‬
‫أصحابه عليه بذلك‪ ،‬ثم قال هلم‪ :‬هذا قول أيب حنيفة‪ ،‬فام مضت األيام حتـى‬
‫حتولت احللقة إىل ُزفر‪ ،‬وبقي ال َبت ُّي وحدَ ه(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫تي رغم أنَّه كان مشهور ًا يف عرصه بالفقه‪ ،‬وكان شيخ‬
‫فها هو عثامن ال َب ُّ‬
‫البرصة‪ ،‬إال أنَّه ََّملا مل تكن أصوله التي يرجع إليها يف استخراج املسائل دقيقة‬
‫ومنتظمة‪ ،‬كان حال مذهبه الفناء ال البقاء‪.‬‬
‫فهذه األصول ال ُبد أن تكون يف ذهن املجتهد املطلق؛ بدليل أن‬
‫القواعد التي استخرجت بعد قرون عديدة ُمتثل ضوابط لفروع استخرجها‬
‫العلامء‪ِ :‬من جاءوا بعده؛ لضبط مسائله‪.‬‬
‫فحال القواعد الفقهية أشبه بحال علم ُأصول الفقه‪ ،‬فإ َّنه وإن كان‬
‫متأخر عنه يف التَّأليف‪ ،‬وكذلك القواعد‪ ،‬فإَّنا‬
‫ٌ‬ ‫سابق ًا يف ِّ‬
‫الذهن للفقه‪ ،‬إال أ َّنه‬
‫متثل ُأصول بناء الفقه‪ ،‬فهي سابق ٌة له يف ذهن الفقيه املجتهد‪ ،‬وإن تأخرت‬ ‫ُ‬
‫عملية تدوينها وكتابتها وصياغتها‪.‬‬
‫وما َو َر َد من بيان للقواعد «أصول البناء» يف كالم املجتهدين املطلقني‪،‬‬
‫فهو عبار ٌة عن شذرات هنا وهناك‪ ،‬كام هو احلال يف أصول الفقه أيض ًا‪.‬‬
‫الذهني‪َّ :‬‬
‫أن القواعد نشأت‬ ‫فحاصل بحثنا يف النَّشأة من حيث الوجود َّ‬
‫مع الفقه‪ ،‬بل كانت سابقة للمسائل الفقهية؛ َّ‬
‫ألن املسائل متفرعة عليها‪ ،‬وأما‬
‫نشأهتا من حيث كتابتها‪ ،‬وتدوينها‪ ،‬وتطورها يف الصياغة‪ ،‬والرتتيب‪،‬‬
‫والتنظيم‪ ،‬فهو حمل بحثنا هنا‪.‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬ملحات النظر يف سري اإلمام زفر ص‪ ،18‬وغريه‪.‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪117‬‬

‫املبحث األول‬
‫عناية احلنفية بالقواعد‬
‫«أصول البناء»‪ ،‬وأمثلتها‬
‫مرت كتابة القواعد يف مراحل‪ ،‬بياَّنا عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬القواعد يف عرص االجتهاد املطلق‪:‬‬
‫الصحابة‪،‬‬‫ثمة أصول متناثرة نجدها يف ثنايا كالم املجتهدين‪ :‬من َّ‬
‫ملدونات‬ ‫ِ‬
‫والتابعني ‪ ‬و َمن بعدهم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما ُوجد يف أقدم ا َّ‬
‫الشيباين‪:‬‬‫الفقهية التي بني أيدينا‪ :‬ككتب أيب يوسف‪ ،‬وكتب حممد بن احلسن َّ‬
‫أوالً‪ :‬أبو يوسف (ت‪182‬هـ) يف «اخلراج»‪:‬‬
‫املرصح هبا فيه‪:‬‬
‫فمن األصول َّ‬
‫(ق‪« :)45:‬التَّعزير إىل اإلمام عىل قدر عظم اجلرم وصغره»(‪ ،)1‬حيث إنَّه‬

‫َأصل يف هذا الباب بتفويض األمر إىل احلاكم‪ ،‬بحيث َّ‬


‫سوغ له أن ُيقدِّ ر‬

‫(‪ )1‬اخلراج ص‪.182‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪118‬‬
‫التَّعزير يف ضوء املالبسات املحيطة باجلرم وصاحبه‪.‬‬
‫(ق‪ُ « :)46:‬‬
‫كل َمن مات من املسلمني ال وارث له فامله لبيت املال»(‪،)1‬‬
‫حيث َّقرر قاعدة قضائية مهمة‪َّ :‬‬
‫أن مال َمن ال وارث له لبيت املال‪.‬‬
‫(ق‪« :)47:‬ليس لإلمام أن ُُيرج شيئ ًا من يد أحد إال بحق ثابت‬
‫معروف»(‪ ،)2‬هذه العبارة نظرية للقاعدة املشهورة املتداولة‪« :‬القديم يرتك عىل‬
‫قدمه»(‪ ،)3‬ففيها حفظ لألموال واحلقوق من أن تنزع من أصحاهبا بغري حجة‬
‫واضحة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد أن يدث َم ررج ًا(‪ )4‬يف ملك غِّيه‪ ،‬وال يتخذ فيه‬ ‫(ق‪« :)48:‬ليس‬
‫َّنر ًا وال بئر ًا وال مزرع ًة‪ ،‬إال بإذن صاحبه‪ ،‬ولصاحبه أن ُيدث ذلك كله»(‪،)5‬‬
‫وهذا شبيه ما يف قواعد «جملة األحكام العدلية»‪ ،‬أ َّنه‪« :‬ال ُيوز ألحد أن‬
‫يترصف يف ملك الغري أو حقه بال إذنه»(‪.)6‬‬
‫(ق‪« :)49:‬إن أقر بحق من حقوق الناس من قذف‪ ،‬أو قصاص يف‬
‫نفس‪ ،‬أو دوَّنا‪ ،‬أو مال‪ ،‬ثم رجع عن ذلك‪ ،‬نفذ عليه احلكم فيام كان أقر به‪،‬‬

‫(‪ )1‬اخلراج ص‪.202‬‬


‫(‪ )2‬اخلراج ص‪.78‬‬
‫(‪ )3‬جملة األحكام العدلية املادة ‪ ،6‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )4‬املَ ْرج‪ :‬أرض ذات نبات ومرعى‪ ،‬ينظر‪ :‬املصباح‪.567 :2‬‬
‫(‪ )5‬اخلراج ص‪.116‬‬
‫(‪ )6‬جملة األحكام العدلية املادة ‪ 96‬ص‪.27‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪119‬‬
‫ومل يبطل يشء من ذلك برجوعه»(‪ ،)1‬حيث تشبه مدلول القاعدة املتداولة‪:‬‬
‫يصح‬
‫ُّ‬ ‫ّب‪ ،‬وال‬ ‫املرء مراخذ بإقراره»(‪َّ ،)2‬‬
‫فإن إقرار املرء بحقوق العباد معت ٌ‬ ‫« ُ‬
‫الرجوع عنه؛ لتعلق حق العبد به‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أن فكر َة التأصيل كانت أساس ًا يف أذهان املجتهدين‬ ‫وهذا ُيثبت َّ‬
‫املطلقني‪ ،‬وإن مل تظهر يف صورة جلية؛ لعدم احلاجة إليها كثري ًا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪َّ :‬‬
‫الشيباين (ت‪189‬هـ) يف كتاب «األصل»‪ ،‬وكتاب و«احلجة»‪:‬‬
‫املرصح هبا فيهام‪:‬‬
‫ومن األصول َّ‬
‫(ق‪« :)50:‬ما كان من أمر الدر ين الواحد فيه ُحجة‪ ...‬إذا كان عدالً»(‪،)3‬‬
‫أن خّب الواحد من العدل ُحجة يف‬ ‫ال كبري ًا‪ ،‬وهو‪َّ :‬‬
‫فهو يقرر هنا أص ً‬
‫الدِّ يانات‪ ،‬مثل‪ :‬اإلخبار بجهة القبلة‪ ،‬أو نجاسة املاء وطهارته‪.‬‬
‫(ق‪ُ « :)51:‬‬
‫كل َمن له َح ٌّق فهو له عىل حاله حتى يأتيه اليقني عىل‬
‫خالف ذلك»‪ ،‬واليقني أن يعلم أو يشهد عنده الشهود العدول(‪ ،)4‬مثاله‪َ :‬من‬
‫ثابت عىل غريه‪ ،‬فال يسقط حقه حتى يشهد الشهود‪َّ :‬‬
‫بأن الغريم‬ ‫كان له دي ٌن ٌ‬
‫أوفاه دينه‪ ،‬أو أ َّنه أبرأ الغريم‪.‬‬

‫(‪ )1‬اخلراج ص‪.185‬‬


‫(‪ )2‬جملة األحكام العدلية املادة ‪ 79‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )3‬األصل ‪.116 :2‬‬
‫(‪ )4‬األصل ‪.166 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪120‬‬
‫الرضورة»‪ ،‬ولفظها يف‬ ‫َّحري جيوز يف ر‬
‫كل ما جازت فيه َّ‬ ‫(ق‪« :)52:‬الت ر‬
‫إن َّ‬
‫كل ما ال يباح عند الّضورة ال ُيوز فيه التحري»(‪ ،)1‬أال ترى‬ ‫«البدائع»‪َّ « :‬‬
‫الّضورة‪ ،‬وكل ما جاز العمل به يف الّضورة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أن امليتة ُيوز أكلها يف َّ‬
‫وصاحبه يعلم أ َّنه حرام فإذا كان مشك ً‬
‫ال‪ ،‬وكان الغالب عليه احلالل‪ ،‬أجزاه‬
‫فإَّنا ال حتل‬
‫يف ذلك التَّحري‪ ،‬وأما الفروج فإ َّنه ال ُيوز التَّحري فيها؛ َّ‬
‫بّضورة أبد ًا وال بغريها‪ ،‬فكذلك ال ُيوز التحري فيها(‪.)2‬‬
‫وبنا ًء عىل ذلك‪ :‬إذا اشتبه عليه ال َّطاهر بالنَّجس‪ ،‬مل ُيب عليه أن‬
‫يتحرى يف أحدمها للوضوء‪ ،‬وينتقل إىل البدل وهو التيمم‪ ،‬مثاله‪ :‬لو َّ‬
‫أن‬
‫رج ً‬
‫ال كان يف سفر ومعه ثالثة أوان‪ ،‬يف كل إناء ماء‪ ،‬أحدها نجس‪،‬‬
‫يتحرى‪ ،‬ويتوضأ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫واآلخران طاهران‪ ،‬ومل يعرف الطاهر من غريه‪ ،‬فإ َّنه‬
‫ألن األكثر منها َّطاهر‪ ،‬فالتَّحري ُيزيه‪ ،‬وإن كان اثنان منها نجسني‬
‫و ُيصِّل؛ َّ‬
‫تيمم وصىل ومل هيرقها‬ ‫َّ‬
‫وصىل‪ ،‬فإن َّ‬ ‫وتيمم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وواحد طاهر‪ ،‬أهراقها كلها‪،‬‬
‫حتر عليه يف ذلك(‪ ،)3‬بخالف الّشب فإ َّنه يتحرى‬
‫أجزاه ذلك؛ أل َّنه ال ٍّ‬
‫للّضورة فيه‪.‬‬
‫الرجل امرأة بعينها‬
‫ومثال الفروج يف عدم جواز التحري‪ :‬كام إذا طلق َّ‬
‫من نسائه ثالث ًا ثم نس املطلقة‪ ،‬فال ُيل له أن يطأ واحدة منهن حتى يعلم‬

‫(‪ )1‬بدائع الصنائع‪.228 :3‬‬


‫(‪ )2‬األصل ‪.34 :3‬‬
‫(‪ )3‬األصل ‪.29 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪121‬‬
‫ألن إحداهن حمرمة بيقني‪ُّ ،‬‬
‫وكل واحدة منهام ُيتمل أن‬ ‫التي ط َّلق فيجتنبها؛ َّ‬
‫تكون هي املحرمة‪ ،‬فلو وطئ واحدة منهام وهو ال يعلم باملحرمة‪ ،‬فربام وطئ‬
‫املحرمة‪ ،‬وال ُيوز أن تطلق واحدة منهن بالتحري‪ ،‬واألصل فيه‪َّ :‬‬
‫أن كل ما‬
‫ال يباح عند الّضورة ال ُيوز فيه التحري‪ ،‬والفرج ال يباح عند الّضورة‪،‬‬
‫فال ُيوز فيه التحري(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)53:‬ال جيتمع األجر والضامن»(‪.)2‬‬
‫ومعنى األجر‪ :‬بدل املنفعة عن مدة ما‪ ،‬والضامن املقصود هنا‪ :‬هو‬
‫االلتزام بقيمة العني املنتفع هبا‪ ،‬فلو استأجر شخص سيارة لريكبها إىل مكان‬
‫معني‪ ،‬فذهب هبا رأس ًا إىل مكان آخر‪ ،‬يعتّب متعدِّ ي ًا يف حكم الغاصب‪،‬‬
‫الصفة األصلية رشع ًا للمستأجر‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬
‫وُيرج عن صفة األمني التي هي ِّ‬
‫السيارة عنده قبل ردها إىل مالكها يضمن قيمتها وال أجر عليه؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫هلكت ِّ‬
‫الّشء أو‬ ‫َ‬
‫والضامن ال ُيتمعان(‪ ،)3‬أي‪ :‬بدل املنفعة والغرامة لقيمة َّ‬ ‫األجر‬
‫َ‬
‫الضامن إ َّنام يكون بسبب التَّعدِّ ي‪.‬‬ ‫نقصانه ال ُيتمعان إذا احتدت جهتهام؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫والتَّقييد‪« :‬إذا احتدت جهتهام»؛ ليخرج ما إذا اختلفت جهتهام‪ ،‬وذلك‬
‫كام لو استأجر دابة لركوبه‪ ،‬فركبها‪ ،‬وأردف وراءه آخر ليستمسك بنفسه‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البدائع‪.228 :3‬‬


‫(‪ )2‬األصل ‪.45 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام ص‪.1036 :‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪122‬‬
‫وكانت تطيق محل االثنني‪ ،‬فعطبت بعد بلوغ املقصد‪ ،‬فعليه كل األجر‪،‬‬
‫ويضمن نصف قيمتها؛ وذلك لعدم احتاد جهة األجر وجهة الضامن(‪.)1‬‬

‫فانظر إىل هذه القواعد كيف ُأحكم نسجها‪ُ ،‬‬


‫وصقلت صياغتها‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫منها ما يامثل متام ًا األسلوب الذي راج وشاع يف كتب املتأخرين عند التقعيد‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال قوله‪« :‬ال ُيتمع األجر والضامن»‪ ،‬فقد عّبت عنه‬
‫«املجلة»(‪ )2‬بالصيغة نفسها تقريب ًا وهي‪« :‬األجر والضامن ال ُيتمعان»(‪.)3‬‬
‫(ق‪« :)54:‬كل يشء كره أكله واالنتفاع به عىل وجه من الوجوه‬
‫ٍ‬
‫يشء ال بأس باالنتفاع به فال بأس ببيعه»(‪ ،)4‬فلو‬ ‫فرشاؤه وبيعه مكروه‪ُ ،‬‬
‫وكل‬
‫أن زيت ًا كثري ًا سقط فيه قطرة من شحم ميتة فال بأس باالستصباح به ـ أي‬
‫َّ‬
‫وضعه يف مصباح لإلضاءة ـ‪ ،‬وُيوز بيعه(‪.)5‬‬
‫ومن خالل العرض السابق نخلص إىل ما ييل‪:‬‬
‫‪ .1‬وجد التَّرصيح باألصول للبناء‪ :‬كقواعد وضوابط وأصول فقهية‪،‬‬
‫متفرقة ومتناثرة هنا وهناك أثناء كالم املجتهدين املطلقني‬
‫وذلك يف عبارات ِّ‬
‫عن املسائل الفقهية؛ ليبينوا أصلها وضابطها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص ‪.431‬‬


‫(‪ )2‬جملة األحكام العدلية مادة ‪ ،86‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،99-90‬والوجيز لبورنو ص‪.58-44‬‬
‫(‪ )4‬احلجة عىل أهل املدينة ‪.772 :2‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬احلجة عىل أهل املدينة ‪.772 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪123‬‬
‫‪ .2‬إذا أردنا أن نرسم صورة واضحة لتطور حركة التأليف يف جمال‬
‫فإن علينا أوالً أن نعتمد عىل مثل تلك النصوص املبعثرة هنا‬
‫القواعد‪َّ ،‬‬
‫وهناك‪ ،‬فهي مصدر االنطالق لنا يف هذا الباب‪.‬‬
‫‪ .3‬وجد عىل ألسنة املتقدمني من القواعد ما يضارع القواعد املتداولة‬
‫يف القرون املتأخرة‪.‬‬
‫أن تلك اآلثار واألقوال كانت حافز ًا للمتأخرين عىل‪:‬‬
‫‪ .4‬يظهر َّ‬
‫استنباط القواعد‪ ،‬ومجعها‪ ،‬وتدوينها‪ ،‬والتَّقدُّ م نحو هذا االجتاه(‪.)1‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬القواعد يف عرص االجتهاد املنتسب‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن الفقه مر يف مراحل‪ :‬من عرص األئمة املجتهدين املطلقني إىل عرص‬
‫األئمة املجتهدين املنتسبني‪ ،‬إىل عرص األئمة املجتهدين يف املذاهب‪.‬‬
‫ِ‬
‫كتابة املسائل إىل تبويب األبواب‪،‬‬ ‫وشهد الفقه أطوار ًا يف التأليف‪ :‬من‬
‫وبيان العلل‪ ،‬وتوضيح املسائل ورشحها‪ ،‬وبيان األُصول والتفريع والتخريج‬
‫واالستدالل‪.‬‬
‫َّ‬
‫فإن القواعد «أصول البناء» ـ كجزء من علم الفقه ـ ستكون متأثر ًة‬
‫بطبقات املجتهدين‪ ،‬وأنواع التأليف وصوره من عرص إىل عرص‪.‬‬
‫وترجع بداية القواعد «أصول البناء» باعتبارها فن ًا مستق ً‬
‫ال إىل عرص‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،99-90‬والوجيز لبورنو ص‪.58-44‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪124‬‬
‫املجتهدين املنتسبني يف القرن الرابع اهلجري‪ ،‬وعرص املجتهدين يف املذهب‬
‫فيام بعد القرن الرابع‪ ،‬حيث كان من األُمور التي اعتنى هبا فقهاء هذه‬
‫ال َّطبقات هو التَّخريج عىل الفروع‪ ،‬وأساس ال َّتخريج يعتمد عىل ضبط‬
‫ُأصول املسائل واألبواب؛ حتى نتمكَّن من بيان حكم ما يستجد من مسائل‬
‫الروابط املشرتكة بني فروع‬
‫جديدة‪ ،‬وكذلك بيان هذه األصول ملعرفة َّ‬
‫املجتهدين املطلقني‪.‬‬
‫فبعد اكتامل مرحلة االستنباط من الكتاب والسنة واآلثار احتجنا إىل‬
‫إكامل نضوج الفقه؛ ببيان قواعد وضوابط وأصول فقهية هلذا العلم؛ تسهي ً‬
‫ال‬
‫وتيسري ًا عىل املتفقهة والفقهاء‪.‬‬
‫قال ابن خلدون(‪« :)1‬وملا صار مذهب كل إمام عل ًام خمصوص ًا عند أهل‬
‫مذهبه‪ ،‬ومل يكن هلم سبيل إىل االجتهاد والقياس‪ ،‬فاحتاجوا إىل تنظري املسائل‬
‫يف اإلحلاق‪ ،‬وتفريقها عنداالشتباه بعد االستناد إىل األُصول َّ‬
‫املقررة من‬
‫مذاهب إمامهم‪ ،‬وصار ذلك كله ُيتاج إىل ملكة راسخة يقتدر هبا عىل ذلك‬
‫النوع من التنظري أو التفرقة واتباع مذهب ِ‬
‫إمامهم فيها ما استطاعوا ‪.‬‬
‫وعن طريق هذا التَّخريج للمسائل عىل أصول املجتهدين نام الفقه‬
‫واتسع نطاقه‪ ،‬ومتَّت مسائله‪ ،‬وبدأ الفقهاء يضعون أساليب جديدة للفقه‪،‬‬
‫فهذه األساليب يذكروَّنا مرة بعنوان القواعد والضوابط‪ ،‬أو الفروق‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬تاريخ ابن خلدون‪ ،133 :1‬املقدمة‪.‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪125‬‬
‫األلغاز‪ ،‬أو احليل‪ ،‬أو الفتاوى‪ ،‬أو النوازل‪ ،‬أو الواقعات‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وأما القواعد والضوابط واألصول الفقهية‪ ،‬فحينام كثرت الفروع‬
‫والفتاوى بكثرة الوقائع والنوازل توسعوا يف وضعها عىل هدي َمن سلفهم‪،‬‬
‫بحيث تدور يف أبواب خمتلفة من الفقه‪ ،‬وتضبط كثرة الفروع‪ ،‬وجتمعها يف‬
‫الضياع والتَّشتت كام فعل العالمتان أبو احلسن‬
‫قالب متسق؛ لصيانتها من َّ‬
‫الك َْرخي (ت‪340‬هـ) يف «رسالته»‪ ،‬وأبو زيد الدَّ بويس(ت‪430‬هـ) يف‬
‫«تأسيس النظر» حتت عنوان‪« :‬األصول»‪.‬‬
‫قال النَّدوي(‪«:)1‬وِما يشهد له التَّاريخ ويظهر ذلك بالتتبع والنَّظر‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫فقها َء املذهب احلنفي كانوا أسبق من غريهم يف هذا املضامر‪ ،‬ولعل ذلك‬
‫للتَّوسع عندهم يف الفروع‪ ،‬وأخذ بعض األصول عن فروع أئمة مذهبهم‪،‬‬
‫ومن ثم ترى اإلمام حممد‪ ،‬يف كتاب «األصل» يذكر مسألة فيفرع عليها‬
‫فروع ًا قد يعجز اإلنسان عن وعيها واإلحاطة هبا‪ُّ ،‬‬
‫وكل ذلك جعل الطبقات‬
‫العليا من فقهاء املذهب يصوغون القواعد والضوابط التي تسيطر عىل‬
‫الفروع الكثرية املتناثرة وحتكمها ‪.‬‬
‫ونقف ههنا وقفة عاجلة مع بعض التأليفات عند احلنفية التي اعتنت‬
‫بالقواعد «أصول البناء»؛ لتتكون للدارس صورة إمجالية واضحة عن اهليئة‬
‫التي كان عليها التأليف يف هذا العلم‪ ،‬والكيفية التي تناوهلا الفقهاء هبا‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف القواعد ص‪.135‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪126‬‬
‫ِ‬
‫بوجود تلك‬ ‫فيعلم الدَّ ارس َّ‬
‫أن حيا َة الفقه يف مجيع مراحله كانت‬
‫القواعد «أصول البناء» فيه‪ ،‬وأن طريق ضبط الفقه والتمكُّن منه هو ضبط‬
‫هذا العلم‪ ،‬وأن الوسيل َة ملعرفة حكم ِّ‬
‫كل ما يستجد يف حياتنا من مسائل‬
‫بالتَّفريع عىل «أصول البناء»‪ ،‬وأننا بقدر متكننا يف هذا العلم نتمكَّن من تطبيق‬
‫الفقه يف حياتنا‪ ،‬وبقدر معرفتنا بأصول البناء للمسائل يكون فهمنا صحيح ًا‬
‫سلي ًام للحكم َّ‬
‫الّشعي‪.‬‬
‫وأن هذا التَّخبط الفقهي الذي نعيشه‪ ،‬وصدور الفتاوى الغريبة جد ًا‬
‫َّ‬
‫هو بسبب غياب هذا العلم عن الدراسة واالهتامم من قبل الدارسني‪.‬‬
‫وأقصد بذلك دراسته بطريقة علمية صحيحة من خالل دراسة الكتب‬
‫الفقهية املعتمدة‪ ،‬ومعرفة أصل كل مسألة فيها‪ ،‬فدراسة الكتب الفقهية هي‬
‫عبارة عن دراسة قواعد «أصول البناء» ملسائل الكتاب‪ ،‬وفهم قواعد العلم‪،‬‬
‫فهي أشبه بكتب القواعد؛ َّ‬
‫ألن ما فيها من أمثلة غري مقصودة بذاهتا‪ ،‬وإ َّنام‬
‫فمن‬
‫املقصود ما اشتملت عليه من «أصول البناء» ُبنيت عليها مسائلها‪َ ،‬‬
‫تكونت له امللكة الفقهية التي يتمكَّن من‬
‫درس هذه الكتب مع االهتامم هبذا‪َّ ،‬‬
‫خالهلا من تطبيق الفقه بطريقة علمية سليمة‪ ،‬والتَّخريج عليها ِّ‬
‫لكل ما‬
‫نحتاج إليه من مسائل‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪127‬‬
‫أصحاهبا ببيان بعض أصول البناء‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ومن مرلفات احلنفية التي اعتنى‬
‫أوالً‪ :‬أبو طاهر الدَّ باس والقواعد‪:‬‬
‫َّ‬
‫ولعل أقدم خّب يروى يف مجع القواعد «أصول البناء» يف الفقه احلنفي‬
‫مصوغة بصيغها الفقهية‪ ،‬ما رواه العالئي الشافعي (ت‪ 761‬هـ) ‪،‬‬
‫والسيوطي(‪( )1‬ت‪ 911‬هـ)‪ ،‬وابن ُنجيم(‪( )2‬ت‪ 970‬هـ) ‪ ،‬يف كتبهم يف‬ ‫ُّ‬
‫القواعد‪َّ :‬‬
‫أن أبا طاهر الدباس من فقهاء القرن الرابع اهلجري قد مجع أهم‬
‫قواعد مذهب اإلمام أيب حنيفة يف سبع عّشة قاعدة كلية‪ ،‬وكان أبو طاهر‬
‫رضير ًا ُي ِّ‬
‫كرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد انرصاف النَّاس‪ ،‬وذكروا أن‬
‫أبا سعد اهلروي الشافعي قد َر َح َل إىل أيب طاهر‪ ،‬ونقل عنه بعض هذه‬
‫القواعد‪ ،‬ومن مجلتها القواعد األساسية املشهورة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪«.1‬األمور بمقاصدها»‪.‬‬
‫‪« .2‬اليقني ال يزول َّ‬
‫بالشك»‪.‬‬
‫‪« .3‬املشقة جتلب التيسِّي»‪.‬‬
‫‪« .4‬الرضر يزال»‪.‬‬
‫‪« .5‬العادة حمكمة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف األشباه والنظائر للسيوطي ‪.7 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف األشباه والنظائر ص‪.14‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪128‬‬
‫وليس من امليسور حتديد القواعد التي مجعها اإلمام أبو طاهر‪ ،‬أو‬
‫الوقوف عليها ما عدا هذه القواعد املشهورة األساسية‪ ،‬إال أ َّنه يمكن أن‬
‫نقول َّ‬
‫أن الكرخي (ت‪ 340‬هـ) الذي هو من أقران الدَّ باس اقتبس منه بعض‬
‫وضمها إىل رسالته املشهورة التي حتتوي عىل تسع وثالثني‬
‫َّ‬ ‫تلك القواعد‪،‬‬
‫قاعدة‪ ،‬ولع َّلها َّأول نواة للتأليف املستقل يف هذا الفن(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الكَرخي والقواعد‪:‬‬
‫ظهرت «رسالة األصول» التي عليها مدار كتب أصحابنا أليب احلسن‬
‫عبيد اهلل بن احلسني بن دالل الكرخي احلنفي‪( ،‬ت‪340‬هـ)‪ ،‬ومنهج املؤلف‬
‫أن يبدأ كل قاعدة بعنوان‪« :‬األصل»‪ ،‬وقد بلغت ست ًا وثالثني قاعدة‬
‫«أص ً‬
‫ال»‪.‬‬
‫ورشح رسالة الكَرخي باألمثلة الفقهية أبو حفص عمر بن حممد‬
‫النسفي‪( ،‬ت‪537‬هـ)‪.‬‬
‫ومن األصول املذكورة فيها مع ال َّتمثيل للنَّسفي‪:‬‬
‫أن ما ثبت باليقني ال يزول بالشك»‪.‬‬
‫(ق‪ :)55:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫وسيأيت ذكر القاعدة ورشحها عند الكالم عن القواعد الكلية بعبارة‪:‬‬
‫«اليقني ال يزول بالشك»‪ ،‬وإ َّنام ذكرهتا؛ ليظهر لنا الصيغة التي ذكرها هبا‬
‫الصيغة املشهورة هلا‪.‬‬
‫الكرخي‪ ،‬ومدى تقارهبا مع ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.136-135‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪129‬‬
‫ومثال هذا األصل‪َّ :‬‬
‫أن َمن شك يف احلدث بعدما تيقن بالوضوء‪ ،‬فهو‬
‫عىل وضوئه ما مل يتيقن باحلدث‪ ،‬و َمن َش َّك يف وضوئه بعدما تيق َن بحدثه‪،‬‬
‫فهو عىل حدثه ما مل يتيقن بوضوئه(‪.)1‬‬
‫أن ال َّظاهر يدفع االستحقاق وال يوجب‬
‫(ق‪ :)56:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫االستحقاق»‪.‬‬
‫ومثاله‪َّ :‬‬
‫أن َمن كان يف يده دار‪ ،‬فجاء رجل يدعيها‪ ،‬فظاهر يده يدفع‬
‫استحقاق املدعي حتى ال يقيض عىل َمن يف يده الدار إال ببينة يقيمها عليه‬
‫املدعي(‪.)2‬‬

‫وهذا األصل يمثل قاعدة االستصحاب‪« :‬الظاهر يصلح حجة للدفع‬


‫ال لالستحقاق»‪ :‬أي ظاهر احلال يكفي يف دفع الغري إن مل ُيقم بينة‪ ،‬وال يكفي‬
‫ظاهر احلال إلثبات احلق عىل الغري‪ ،‬فمثالً‪ :‬املفقود ظاهر حاله احلياة‪ ،‬فيمنع‬
‫فيثبت به دفع غريه من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلرث من باب الدفع‪،‬‬ ‫غريه من أخذ ماله؛ َّ‬
‫ألن عد َم‬
‫أن يرثه‪ ،‬وهذا الظاهر ال يكفي حتى يرث املفقود من غريه؛ َّ‬
‫ألن اإلرث من‬
‫جمرد استصحاب احلال(‪.)3‬‬
‫باب اإلثبات فال يثبت به؛ أل َّنه يعتمد عىل َّ‬
‫ويستدل لالستصحاب بحديث أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال ‪« :‬إذا أتاه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.367‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.367‬‬
‫)‪ (3‬سبيل الوصول ‪.225‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪130‬‬
‫الشيطان‪ ،‬فقال‪ :‬إنَّك قد أحدثت‪ ،‬فليقل‪ :‬كذبت‪ ،‬إال ما وجد رُي ًا بأنفه أو‬
‫صوت ًا بأذنه»(‪ ،)1‬فحكم باستدامة الوضوء عند االشتباه‪ ،‬وهو عني‬
‫االستصحاب‪.‬‬
‫أن َمن ساعده ال َّظاهر فالقول قوله‪ ،‬والبينة عىل َمن‬
‫(ق‪ :)57:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫يدعي خالف الظاهر»‪.‬‬
‫مر يف األصل السابق َّ‬
‫أن ظاهر احلال يصلح حجة للدَّ فع فقط؛‬ ‫فكام َّ‬
‫لعدم قوته‪ ،‬فإن عارضه ما هو أقوى منه حجة كالبينة ُحكم هبا‪ ،‬وإن مل توجد‬
‫ب ِّينة عىل خالف الظاهر‪ ،‬فيبقى العمل بحجية الظاهر يف إثبات احلقوق‪.‬‬

‫أن َمن ا َّدعى دين ًا عىل رجل وضامن ًا‪ ،‬فأنكر َّ‬
‫الرجل الدَّ ين‬ ‫ومثاله‪َّ :‬‬
‫الذمم يف األصل ُخلِ َقت بريئ ًة‪ ،‬والبين ُة عىل َمن‬
‫ألن ِّ‬
‫الرجل؛ َّ‬ ‫فالقول قول َّ‬
‫يدعي خالف الظاهر(‪.)2‬‬
‫أن أمور املسلمني حممولة عىل السداد والصالح‬
‫(ق‪ :)58:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫حتى يظهر غِّيه»‪.‬‬
‫وهذا يعتمد عىل اعتبار ما سبق من أصول‪ :‬من َّ‬
‫أن العّبة بالظاهر ما مل‬
‫يقم دليل ُيالفه‪ ،‬وال شك َّ‬
‫أن ظاهر املسلم حممول عىل الصالح‪« ،‬فترصفات‬
‫املسلمني من عقود وبيوع ومعامالت ُيب أن حتمل عىل حممل حسن‬

‫(‪ )1‬يف سنن أيب داود ‪ ،336 :1‬ومسند أمحد ‪ ،،12 :3‬وصحيح ابن حبان ‪.388 :6‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.367‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪131‬‬
‫صحيح؛ َّ‬
‫ألن املسلم بأصل إيامنه وإسالمه ومراقبته هلل ‪ ‬ال يترصف إال‬
‫ترصف ًا رشعي ًا سلي ًام سديد ًا صاحل ًا‪ ،‬وال نحمل أي ترصف صدر عن مسلم‬
‫عىل غري ذلك‪ ،‬إال إذا ظهر دليله وقامت حجته؛ ألنا ُأمرنا بإحسان الظن‬
‫بأهل القبلة»(‪.)1‬‬
‫أن َمن باع درمه ًا ودينار ًا بدرمهني ودينارين جاز البيع ورصف‬
‫ومثاله‪َّ :‬‬
‫اجلنس إىل خالف جنسه حتري ًا للجواز‪ ،‬مح ً‬
‫ال حلال املسلم عىل الصالح‪ ،‬ولو‬
‫َص عىل َّ‬
‫أن الدرهم بالدرمهني والدينار بالدينارين فسد البيع؛ أل َّنه قد غري‬ ‫ن َّ‬
‫هذا الظاهر رصُي ًا(‪.)2‬‬
‫أن للحالة من الداللة كام للمقالة»‪.‬‬
‫(ق‪ :)59:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫ومعناه‪َّ « :‬‬
‫أن لغري اللفظ من عرف أو إشارة أو عالمة أو حال إفادة كام‬
‫للفظ الرصيح عند عدم وجوده»(‪.)3‬‬
‫ال ماالً فدفع املو َدع إىل َمن هو يف عيال املو َدع‬
‫أن َمن أودع رج ً‬ ‫ومثاله‪َّ :‬‬
‫كزوجته مثالً‪ ،‬فهلكت الوديعة عندها مل يضمن املودع‪ ،‬وإن مل يرصح ِ‬
‫املودع‬ ‫َ‬
‫باإلذن بالدَّ فع إىل غري املو َدع؛ أل َّنه ملا أودعه مع علمه بأ َّنه ال ُيمكنه أن ُيفظ‬
‫بيده أناء الليل والنهار‪ ،‬كان ذلك إذن ًا منه داللة أن ُيفظه له كام ُيفظ مال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.448 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.368‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة القواعد‪.732 :8‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪132‬‬
‫نفسه‪ ،‬وهو ُيفظ مال نفسه تار ًة بيده وتارة بيد َمن يف عياله كزوجته‪ ،‬وكان‬
‫ذلك كاإلذن به رصُي ًا‪.‬‬
‫ومسائل يمني الفور مبني ٌة عىل هذا األصل‪ ،‬فمن قال لزوجته بسبب‬
‫غضب منها ألمر‪ :‬إن خرجت فأنت طالق‪ ،‬فإ َّنه يريد منعها من اخلروج اآلن‪،‬‬
‫وبالتايل لو خرجت فيام بعد ال يقع الطالق(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)60:‬األصل‪« :‬أ َّنه يفرق بني الفساد إذا دخل يف أصل العقد وبينه‬
‫إذا دخل يف علقة من عالئقه»‪.‬‬
‫ومعناه‪َّ « :‬‬
‫أن الفساد إذا وجد يف العقد‪ ،‬ينظر‪ :‬إن كان هذا الفساد قد‬
‫دخل يف أصل العقد أو يف يشء له تعلق بالعقد‪ ،‬فإن كان الفساد قد دخل يف‬
‫أصل العقد‪ ،‬فله حكم وهو‪ :‬بطالن العقد من أصله‪ ،‬وال يعود العقد‬
‫صحيح ًا إذا أزيل سبب فساده‪ ،‬بل ال بد من استئناف العقد وجتديده‪ ،‬وأما‬
‫إن دخل الفساد يف ُعلقة من عالئقه فله حكم آخر‪ ،‬وهو صحة العقد إذا رفع‬
‫وأزيل سبب الفساد‪ ،‬وال ُيتاج إىل استئناف العقد وال جتديده»(‪.)2‬‬
‫ومثاله‪ :‬إذا باع بقر ًة بألف دينار ورطل من مخر فسد البيع‪ ،‬ولو أخرجا‬
‫منه اخلمر مل يعد اجلواز؛ َّ‬
‫ألن الفساد يف أصل العقد‪ ،‬ولو باع بقر ًة بألف دينار‬
‫مؤجلة إىل احلصاد فسد البيع جلهالة األجل‪ ،‬فلو أخرجا جهالة األجل قبل‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.368‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد ‪.422 :12‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪133‬‬
‫جميء وقت احلصاد عاد العقد إىل اجلواز؛ أل َّنه علقة من عالئقه(‪.)1‬‬
‫أن االحتياط يف حقوق اهلل تعاىل جائز‪ ،‬ويف حقوق‬
‫(ق‪ :)61:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫العباد ال جيوز»‪.‬‬
‫فمعناه‪َّ :‬‬
‫أن األخذ باألحوط يف حقوق اهلل ‪ ‬أوىل عند الشك يف براءة‬
‫الذمة؛ لتّبأ ذمته بيقني‪ ،‬ويف حقوق العباد ال يعمل باألحوط؛ َّ‬
‫ألن حقوق‬
‫العباد ال تثبت بالشك‪ ،‬وإ َّنام عىل اليقني‪.‬‬
‫ُ‬
‫فاالحتياط أن يعيدَ‬ ‫ِ‬
‫اجلواز والفساد‪،‬‬ ‫الصالة بني‬‫فمثاله‪ :‬إذا دارت َّ‬
‫والض ُ‬
‫امن إذا دار بني‬ ‫األداء؛ أل َّنه لو أدى ما ليس عليه َأو َىل من ِ‬
‫ترك ما عليه‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬
‫اجلواز وعدمه ال ُيب باالحتياط؛ أل َّنه ال يضمن َّ‬
‫بالشك(‪.)2‬‬
‫أن َّ‬
‫كل عقد له جميز حال وقوعه توقف لإلجازة‬ ‫(ق‪ :)62:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫وإال فال»‪.‬‬
‫معناه‪ :‬ليس كل عقد جتوز فيه اإلجازة‪ ،‬وإ َّنام جتوز اإلجازة إذا كان‬
‫للعقد املوقوف جميز كامل الترصف حال وقوع العقد‪ ،‬وإال اعتّب العقد‬
‫باط ً‬
‫ال(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.370‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص ‪.370‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة القواعد ‪.417 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪134‬‬
‫فطالق الفضويل ونكاحه وهبته ال ينعقد يف حق الصبي واملجنون‪،‬‬
‫وينعقد يف حق العاقل البالغ؛ َّ‬
‫ألن عند اإلجازة يصري الفضويل كالوكيل حتى‬
‫ترجع احلقوق إليه‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلجازة الالحقة كالوكالة السابقة‪ ،‬والصبي‬
‫واملجنون ليسا من أهل الوكالة وال املبارشة(‪ ،)1‬بخالف العاقل البالغ فإ َّنه‬
‫أهل للوكالة‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬إذا باع فضويل مال صبي بثمن مثله تو َّقف عىل إجازة الويل؛‬
‫ألن له والية البيع‪ ،‬ولو تصدَّ ق الفضويل بامل الصبي مل يصح؛ َّ‬
‫ألن املوىل ال‬ ‫َّ‬
‫يملك التصدق بامل الصبي‪ ،‬فلم يوجد جميز لترصف الفضويل فبطل(‪.)2‬‬
‫أن تعليق األمالك باألخطار ٌ‬
‫باطل‪ ،‬وتعليق زواهلا‬ ‫(ق‪ :)63:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫باألخطار جائز»‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬ربط حصول األمالك بام يمكن أن يقع وأن ال يقع يمنع‬
‫حصوهلا ويبطل عقودها‪ ،‬وأما زوال األمالك فربطها وتعليقها بام يمكن أن‬
‫يقع وأن ال يقع فهو جائز‪ ،‬وترتتب األحكام تبع ًا حلصول الّشط‪.‬‬
‫والتعليق‪ :‬هو ربط أو اشرتاط حصول يشء بحصول يشء آخر‪،‬‬
‫ومعنى األخطار األمور التي يمكن أن تقع وأن ال تقع(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬االختيار‪.18 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.372‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.467 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪135‬‬
‫واملراد بالتمليكات تلك العقود والترصفات التي تؤدي إىل ملكية‬
‫املعقود عليه‪ ،‬ومثلها التقييدات‪ ،‬ومنها‪ :‬عقود البيع‪ ،‬والّشاء‪ ،‬واإلجارة‪،‬‬
‫واالستئجار‪ ،‬واهلبة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والنكاح‪ ،‬واإلقرار‪ ،‬واإلبراء‪ ،‬وعزل الوكيل‪،‬‬
‫وحجر املأذون‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والتحكيم‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والكفالة بغري املالئم‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫وأما ما يراد به إزالة ملك فكالطالق‪ ،‬والعتاق‪ ،‬واحلوالة‪ ،‬والكفالة‪،‬‬
‫واخللع‪ ،‬والرهن‪ ،‬والقرض(‪.)1‬‬
‫ومثاله‪ :‬لو قال‪ :‬رجل لرجل إذا دخلت الدار فقد بعتك هذه البقرة‬
‫بألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬قبلت‪ ،‬أو قال ذلك يف اإلجارة واهلبة ونحو ذلك‪ ،‬مل يصح‬
‫ومل يقع امللك عند وجود الّشط‪.‬‬
‫ولو قال المرأته‪ :‬إذا دخلت الدار فأنت طالق صح‪ ،‬عند وجود الّشط‬
‫يقع الطالق ويزول ملك النكاح(‪.)2‬‬
‫أن اليشء يعترب ما مل يعد عىل موضوعه بالنقض‬
‫(ق‪ :)64:‬األصل‪َّ « :‬‬
‫واإلبطال»‪.‬‬
‫ومعناه‪َّ :‬‬
‫أن كل ترصف يعتّب ويعتد به ما مل يرتتب عليه إبطال الفائدة‬
‫منه ووقوع الّضر بسببه‪ .‬واملراد بالّشء‪ :‬األمر‪ ،‬ويشمل الترصف الفعِّل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬االشباه والنظائر البن نجيم ص‪ ،318‬وموسوعة القواعد‪.294 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.372‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪136‬‬
‫والقويل(‪.)1‬‬
‫ومثاله‪َّ :‬‬
‫أن الصبي املحجور إذا آجر نفسه مدة معلومة للعمل مل تصح؛‬
‫دفع ًا للّضر عنه‪ ،‬ولو قضينا بفسادها بعد ميض املدة ومتام العمل كان‬
‫إرضار ًا بالصبي؛ بتعطيل منافعه بغري بدل‪ ،‬فكان دفع الّضر هنا يف‬
‫تصحيحها‪ ،‬إذ لو قضينا بفسادها مل يكن دفع ًا للّضر بل يكون حتقيق ًا‬
‫للّضر‪ ،‬فيعود النظر رضر ًا(‪.)2‬‬
‫بويس والقواعد‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الدَّ‬
‫وِمن أضاف إىل ثروة هذه املجموعة املنقولة عن ال َكرخي هو أبو زيد‬
‫الدُّ بويس (ت‪ 430‬هـ) يف القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬إذ يمكن أن ُيقال‪ :‬إ َّن‬
‫القرن الرابع اهلجري وهو عرص املجتهدين املنتسبني هو املرحلة الثانية يف‬
‫نشأة القواعد الفقهية وتدوينها‪ ،‬حيث وجد أول كتاب يف هذا ال َفن‪ ،‬وهو‬
‫يمثل بداية هذا العلم من ناحية التدوين(‪.)3‬‬
‫وهذا الكتاب هو «تأسيس النظر» أليب زيد عبد اهلل بن عمر الدَّ بويس‬
‫احلنفي‪( ،‬ت‪ 430‬هـ)‪ ،‬يذكر لفظ «األصل» عىل ما اعتقد أ َّنه جامع ملسائل‬
‫شتى‪ ،‬وطريقته‪ :‬أن يذكر األصل وصاحبه‪ ،‬ثم يتلوه بذكر مسائل خمتلفة‪،‬‬
‫ويذكر بعدها رأي املخالف‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد ‪.200 :5‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪372‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪.137‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪137‬‬
‫وهو كتاب يشتمل عىل األصول التي سار عليها أئمة مذهب احلنفية‬
‫واخلالف بينهم فيها‪ ،‬ثم بينهم وبني مالك أو الشافعي أو ابن أيب ليىل‪ ،‬قال‬
‫نظرت يف املسائل التي اختلف فيها الفقهاء فوجدهتا‬
‫ُ‬ ‫الدَّ بويس(‪ «:)1‬إين ملا‬
‫منقسمة عىل أقسام ثامنية‪:‬‬
‫‪ .1‬قسم منها خالف بني أيب حنيفة وبني صاحبيه حممد بن احلسن وأيب‬
‫يوسف بن إبراهيم األنصاري‪.‬‬
‫‪ .2‬وقسم منها خالف بني أيب حنيفة وأيب يوسف وبني حممد بن‬
‫احلسن‪.‬‬
‫‪ .3‬وقسم منها خالف بني أيب حنيفة وحممد وبني أيب يوسف‪.‬‬
‫‪ .4‬وقسم منها خالف بني أيب يوسف وحممد‪.‬‬
‫‪ .5‬وقسم منها خالف بني علامئنا الثالثة‪ :‬أيب يوسف وحممد بن احلسن‬
‫واحلسن بن زياد وبني ُزفر‪.‬‬
‫‪ .6‬وقسم منها خالف بني علامئنا وبني اإلمام األقدم مالك بن أنس‪.‬‬
‫‪ .7‬وقسم منها خالف بني علامئنا الثالثة حممد بن احلسن واحلسن بن‬
‫زياد وزفر وابن أيب ليىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف تأسيس النظر ص‪.10-9‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪138‬‬
‫‪ .8‬وقسم منها خالف بني علامئنا الثالثة وبني أيب عبد اهلل اإلمام‬
‫القريش حممد بن إدريس الشافعي‪.‬‬
‫جعلت ِّ‬
‫لكل‬ ‫ُ‬ ‫ثم هو يذكر أسلوبه وطريقته يف بيان اخلالف فيقول‪ :‬ثم‬
‫لكل باب منه ُأصوالً وأوردت‬
‫قسم من هذه األقسام ال َّثامنية باب ًا‪ ،‬وذكرت ِّ‬
‫فيه ِّ‬
‫لكل أصل رضب ًا من األمثلة والنَّظائر»‪.‬‬
‫ومن أصوله وأمثلتها‪:‬‬
‫أن املحرم إذا أخر النسك عن‬
‫(ق‪ :)65:‬األصل عند أيب حنيفة‪َّ « :‬‬
‫الوقت املرقت له‪ ،‬أو قدمه لزمه دم»‪ :‬كمن جاوز امليقات بغري إحرام ثم‬
‫أحرم(‪.)1‬‬
‫فاملحر ُم باحلج يلزمه أداء ِّ‬
‫كل نسك يف مكانه ووقته إن كان هذا رشط‬
‫فيه‪ ،‬فمثالً‪ :‬يلزم من تأخري اإلحرام عن املواقيت شاةٌ‪ ،‬ويلزم يف تأخري طواف‬
‫اإلفاضة عن أيام النحر شاةٌ‪ ،‬ويلزم يف تأخري الذبح هلدي الشكر عن أيام‬
‫الرمي والنحر واحللق فإن قدَّ م أحدُ ها عىل‬
‫النحر شاةٌ‪ ،‬ويلزمه الرتتيب بني َّ‬
‫اآلخر تلزمه شاة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫(ق‪ :)66:‬األصل عند أيب حنيفة‪« :‬أ َّن َّ‬
‫اليشء إذا غلب عليه وجوده‬
‫جيعل كاملوجود حقيقة وإن مل يوجد»‪ :‬كاحلدث من النائم املضطجع؛ أل َّنه‬

‫(‪ )1‬تأسيس النظر ص‪.14‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪139‬‬
‫غلب وجوده‪ ،‬فجعل كاملوجود وإن مل يوجد(‪ ،)1‬ويشهد له ما روى ابن‬
‫عباس ‪( :‬إ َّنه رأى النبي ‪ ‬نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ‪ ،‬ثم قام يصىل‬
‫فقلت يا رسول اهلل‪ :‬إنك قد نمت‪ .‬قال‪ :‬إن الوضوء ال ُيب إال عىل َمن نام‬
‫مضطجع ًا‪ ،‬فإنه إذا اضطجع اسرتخت مفاصله)(‪ ،)2‬وعن عِّل بن أيب طالب‬
‫‪ ،‬قال ‪(:‬وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ)(‪ :)3‬أي تكون املقعدة‬
‫مستمسكة عن خروج اهلواء إن كان مستيقظ ًا‪.‬‬
‫وهذا األصل يعّب عنه بـ‪( :‬الغالب القريب من املتح ِّقق كاملتحقق)‪ ،‬كام‬
‫يف مسألة لزوم الدم بغيبة احلشفة يف الفرج وإن مل ينزل؛ لغلبة اإلنزال‪،‬‬
‫ويشهد هلا ما روي عن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪( :‬إذا جلس بني شعبها األربع‪،‬‬
‫ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل)(‪ ،)4‬ويف رواية‪( :‬وإن مل ينزل)(‪ ،)5‬وعن‬
‫عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬قال ‪( :‬إذا جاوزاخلتان اخلتان وجب الغسل)(‪.)6‬‬
‫وكمسألة املبارشة الفاحشة‪ ،‬وهي أن يلتقي الزوجان متجردان يف‬

‫(‪ )1‬تأسيس النظر‪ :‬ص‪.31‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن الرتمذي ‪ ،111 :1‬وسنن أيب داود ‪ ،52 :1‬ويف جممع الزوائد‪ :‬رجاله موثقون‪.‬‬
‫كام يف إعالء السنن ‪.129 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف سنن أيب داود‪ ،52 :1‬وحسنه املنذري وابن الصالح والنووي‪ ،‬كام يف نصب الراية ‪:1‬‬
‫‪.45‬‬
‫(‪ )4‬يف صحيح البخاري ‪ ،110 :1‬وصحيح مسلم ‪.271 :1‬‬
‫(‪ )5‬يف صحيح مسلم ‪.271 :1‬‬
‫(‪ )6‬يف سنن الرتمذي ‪ ،182 :1‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وصحيح ابن حبان ‪.452 :3‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪140‬‬
‫الفراش بحيث يمس الفرج الفرج‪ ،‬فإ َّنه يلزم الوضوء؛ لغلبة خروج‬
‫ناقض(‪.)1‬‬
‫وكمسألة جواز الصالة يف السفينة جالس ًا مع القدرة عىل القيام؛ لغلبة‬
‫الدوران فيها(‪ ،)2‬ويشهد هلا ما روى أنس بن سريين‪ ،‬قال‪( :‬خرجت مع أنس‬
‫بن مالك ‪ ‬إىل أرض بيثق سريين‪ ،‬حتى إذا كنا بدجلة حّضت الظهر فأ َّمنا‬
‫قاعد ًا عىل بساط لتجر بنا جر ًا)(‪.)3‬‬
‫(ق‪ :)67:‬األصل عند أيب حنيفة‪« :‬أ َّن ما يعتقده أهل الذمة ويدينونه‬
‫يرتكون عليه‪ ،‬وعند الصاحبني‪ :‬ال يرتكون»‪ ،‬كام لو تزوج ذمي امرأة ذمية يف‬
‫عدة ذمي يرتكان عند أيب حنيفة‪ ،‬وعندمها‪ :‬يفرق بينهام(‪.)4‬‬
‫وأهل الذمة‪ :‬هم أهل العهد من اليهود والنصارى وأشباههم الذين‬
‫رضوا أن ُيضعوا حلكم ِ‬
‫اإلسالم ويدفعوا اجلزية‪ ،‬وريض املسلمون إبقا َءهم‬
‫عىل أدياَّنم‪.‬‬
‫فعند أيب حنيفة‪َّ :‬‬
‫أن هؤالء يرتكون عىل ما يعتقدونه ويدَّ َّينون به‪ ،‬ولو‬
‫كان خمالف ًا ملا عليه أهل ِ‬
‫اإلسالم؛ ألنا ُأمرنا برتكهم وما يدينون ما داموا قد‬
‫رضوا أن ُيضعوا حلكم ِ‬
‫اإلسالم ويدفعوا اجلزية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬قنية املنية ق‪/3‬أ‪ ،‬وتبيني احلقائق ‪.12 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬منحة السلوك ص‪.178‬‬
‫(‪ )3‬يف املعجم الكبري ‪ ،243 :1‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ :163 :2‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )4‬تأسيس النظر ص‪.32-31‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪141‬‬
‫أن اإلذن املطلق إذا َت َعرى عن‬
‫(ق‪ :)68:‬األصل عند أيب حنيفة‪َّ « :‬‬
‫التهمة واخليانة ال ُيتص بالعرف‪ ،‬وعندمها‪ُ :‬يتص»‪ ،‬كالوكيل بالبيع إذا باع‬
‫بِام َّ‬
‫عز وهان وبأي ثمن كان جائز ًا عند أيب حنيفة؛ َّ‬
‫ألن اإلذن مطلق‪ ،‬والتُّهمة‬
‫منتفية‪ ،‬فال ُيتص بالعرف‪ ،‬وعندمها وعند الشافعي‪ُ :‬يتص(‪.)2‬‬
‫فعند أيب حنيفة‪ :‬إذا أذن إنسان آلخر إذن ًا مطلق ًا يف عمل ما‪ ،‬ومل يقيد‬
‫فإن هذا اإلذن يبقي عىل إطالقه‬ ‫هذا اإلذن املطلق بالتَّنصيص عىل أي قيد‪َّ ،‬‬
‫إذا خال عن التهمة واخليانة‪ ،‬ولو كان يف العرف ما ُيصص إطالقه‪ ،‬خالف ًا‬
‫أليب يوسف وحممد حيث ُيصصان اإلذن املطلق ويقيدانه بالعرف الشائع(‪.)3‬‬
‫أن ملك املرتد يزول بنفس الردة‬ ‫(ق‪ :)69:‬األصل عند أيب حنيفة‪َّ « :‬‬
‫زواالً موقوف ًا‪ ،‬وعندمها وعند أيب عبد اهلل ما مل يقض القايض بلحوقه بدار‬
‫احلرب ال يزول»‪ :‬كاملال املكتسب يف حال إسالمه يكون مرياث ًا عند أيب‬
‫مسلم فحصل توريث‬ ‫ٌ‬ ‫حنيفة؛ أل َّنه بنفس الردة زالت أمالكه إىل ورثته‪ ،‬وهو‬
‫واملكتسب يف حال ردته يكون فيئ ًا؛ أل َّنه بالردة زالت‬
‫ُ‬ ‫املسلمني من املسلم‪،‬‬
‫العصمة عن دمه فكذلك عن ماله‪ ،‬وعندمها‪ :‬املاالن مجيع ًا لورثته؛ َّ‬
‫ألن‬
‫القايض مل يقض بلحوقه بدار احلرب‪ ،‬فلم يزل ملكه عنه‪ ،‬وعند اإلمام أيب‬
‫عبد اهلل الشافعي‪ :‬املاالن مجيع ًا لبيت املال(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬موسوعة القواعد ص‪.137 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تأسيس النظر ص‪.36-35‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬القواعد للزحيِّل‪ ،1088 :2‬وموسوعة القواعد‪.432 :1‬‬
‫(‪ )4‬تأسيس النظر ص‪.48‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪142‬‬
‫فمن كفر ـ والعياذ باهلل ـ بعد إيامنه‪ ،‬فعند أيب حنيفة‪ :‬ماله موقوف حيث‬
‫إن ملكية ماله تزول زواالً موقوف ًا‪ ،‬فإن أسلم ُدفع إليه‪ ،‬وإن مات صار ماله‬
‫َّ‬
‫فيئ ًا لبيت املال‪ .‬وعند أيب يوسف وحممد والشافعي‪ :‬ال يزول ملك املرتد عن‬
‫ماله إال إذا قىض القايض بلحوقه بدار احلرب(‪.)1‬‬
‫أن اإلنسان جيوز أن ال يملك اليشء‬
‫(ق‪ :)70:‬األصل عند أيب حنيفة‪َّ « :‬‬
‫بنفسه قصد ًا‪ ،‬ويملكه بتفويضه إىل غِّيه‪ ،‬وجيوز أن ال يملك اليشء قصد ًا‬
‫ويملكه حك ًام»‪ :‬كاملسلم إذا وكل ذمي ًا يشرتي له مخر ًا جاز عند أيب حنيفة‪،‬‬
‫وعندمها‪ :‬ال ُيوز توكيله ويكون رشاؤه لنفسه(‪.)2‬‬
‫فاألصل َّ‬
‫أن اإلنسان يملك تفويض الّشء لغريه إذا ملكه بنفسه؛‬
‫أل َّنه حر الترصف فيام يملك‪ ،‬ولكن هذا األصل يفيد أ َّنه ُيوز أيض ًا أن ال‬
‫الّشء بنفسه‪ ،‬ولكنَّه مع ذلك يملك تفويضه إىل غريه‪ ،‬كام أ َّنه‬
‫يملك اإلنسان َّ‬
‫الّشء قصد ًا وعمد ًا ولكنَّه يملكه حك ًام‪ ،‬وهذا‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َّ‬ ‫ُيوز أن ال يملك‬
‫عند أيب حنيفة‪ ،‬وأما عند صاحبيه فال ُيوز ذلك(‪.)3‬‬
‫أن َّ‬
‫كل َمن ال يقدر بنفسه فوسع‬ ‫(ق‪ :)71:‬األصل عند أيب حنيفة‪َّ « :‬‬
‫غِّيه ال يكون وسع ًا له»‪ :‬كاملريض إذا مل يقدر عىل أن ُيول وجهه إىل القبلة‬
‫ُيول وجهه إىل القبلة‪،‬‬
‫بنفسه وهناك َمن ُيول وجهه إىل القبلة‪ ،‬فصىل ومل ِّ‬
‫قال أبو حنيفة‪ُ :‬يوز؛ هلذا املعنى الذي ذكرناه‪ ،‬وعندمها‪ :‬ال ُيوز؛ َّ‬
‫ألن وسع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪ ،155 :2‬والقواعد للزحيِّل‪.1098 :2‬‬


‫(‪ )2‬تأسيس النظر ص‪.56-55‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة القواعد‪.451 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪143‬‬
‫غريه يكون وسع ًا له(‪.)1‬‬
‫الّشعي ُة تكون بحسب قدرة اإلنسان ووسعه‪ ،‬وال ُيك َّلف‬ ‫فال َّتكاليف َّ‬
‫ِ‬
‫وسعه‪ ،‬فإن كان عاجز ًا بنفسه‪ ،‬وقادر ًا بغريه فال‬ ‫بام ال يقدر عليه‪ ،‬أو أكثر من‬
‫يكلف به‪ ،‬وال يكون وسع ًا له عند أيب حنيفة‪ ،‬وعندمها‪ :‬إذا استطاع عن‬
‫طريق غريه ُك ِّلف به(‪.)2‬‬
‫أن ما ال يتجزأ فوجود بعضه‬
‫(ق‪ :)72:‬األصل عند أصحابنا‪َّ « :‬‬
‫كوجود كله‪ ،‬وعند ُز َفر‪ :‬ال يكون وجود بعضه كوجود كله»‪َ ،‬‬
‫فمن أوجب‬
‫عىل نفسه ركعة لزمه أن يصِّل ركعتني؛ َّ‬
‫ألن ذلك ال يتبعض‪ ،‬فذكر أحدمها‬
‫الركع َة الواحدة ليست بصالة‬ ‫كذكر كليهام‪ ،‬وعند ُزفر‪ :‬ال يلزمه يشء؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫الركعة كذكر الركعتني(‪.)3‬‬
‫فال ُيعل ذكر َّ‬
‫ال واحد ًا‪ ،‬فإذا وجد بعضه‪،‬‬
‫فالّش ُء إذا كان ال يقبل التجزئة يعتّب ك ً‬
‫يأخذ هذا البعض حكم الكل‪ ،‬فكأنه وجد ك ُّله عند أيب حنيفة وأيب يوسف‬
‫وحممد‪ ،‬وخالف زفر‪ ،‬فلم يعتّب وجود بعض الّشء كوجود كله(‪.)4‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬تأسيس النظر ص‪.58‬‬


‫(‪ )2‬القواعد للزحيِّل‪.1102 :2‬‬
‫(‪ )3‬تأسيس النظر ص‪.93‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.127 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪144‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القواعد يف عرص املجتهدين يف‬


‫املذهب‪:‬‬
‫الزمان دون انقطاع‪ ،‬ومن‬
‫هكذا أخذ هذا العلم يف االتساع مع تعاقب َّ‬
‫بأن ال َّطور ال َّثاين وهو طور النَّمو والتَّدوين للقواعد‬
‫هنا ُيمكن القول‪َّ :‬‬
‫«أصول البناء» ‪ -‬الذي بدأ عىل أيدي اإلمامني الكَرخي والدَّ بويس‪ -‬توالت‬
‫جهود الفقهاء فيه يف بيان أصول البناء التي يسري الفقه عليها‪ ،‬وكان هذا‬
‫ظاهر ًا يف الّشوح لكتب ظاهر الرواية واملتون يف املذهب احلنفي‪.‬‬
‫يتعرضون للقواعد «أصول البناء» عند تعليل األحكام وترجيح‬
‫حيث َّ‬
‫األقوال‪ ،‬مثل‪ :‬الكاساين‪ ،‬وقايض خان‪ ،‬ومجال الدِّ ين احلصريي‪ ،‬وريض‬
‫الّس ْخس من احلنفية‪ ،‬فرتاهم يذكرون القواعد «أصول البناء»‬
‫الدِّ ين َّ َ‬
‫ويقرنون هبا الفروع واألحكام‪ ،‬وهذا أمر مهم وذو شأن يف إطار هذا‬
‫املبحث‪.‬‬
‫و ُنقدِّ م ههنا تفصيل ذلك بذكر بعض األمثلة والنَّامذج للقواعد من‬
‫املصادر الفقهية‪:‬‬
‫فكام ذكرنا سابق ًا أ َّن أوسع موطن للقواعد «أصول البناء» هو الّشوح؛‬
‫وتبني أصول البناء هلا‪ ،‬و ُيعدُّ هذا‬
‫حيث تعلل املسائل الواردة يف املتون‪ِّ ،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪145‬‬
‫اتساع ًا يف االهتامم بعلم القواعد «أصول البناء»؛ ألَّنا نالت اهتامم‬
‫الشارحني‪ ،‬ونمثل عىل ذلك ببعض الشارحني‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الكاساين (ت‪ 587‬هـ) يف «بدائع الصنائع»‪:‬‬
‫الّشح عىل َّنج قويم يف ِ‬
‫ربط الفروع ُبأصوهلا‪،‬‬ ‫فقد سار يف هذا َّ‬
‫وظهرت براعته يف إبراز القواعد «أصول البناء» يف عامة مسائل كتابه‪،‬‬
‫ونجتزئ هنا بعض األمثلة فيام يِّل‪:‬‬
‫ملحق بالعدم»‪ :‬كمن أغمي عليه يف كل شهر‬ ‫ٌ‬ ‫ادر‬
‫(ق‪«:)73:‬النَّ ُ‬
‫رمضان‪ ،‬فإ َّنه يقيض؛ أل َّنه نادر(‪ ،)1‬وستأيت بعبارة‪« :‬العّبة للغالب الشائع ال‬
‫النادر»‪.‬‬
‫كمن يزيد مرضه‬‫(ق‪« :)74:‬العج ُز حك ًام كالعجز حقيقة»(‪َ :)2‬‬
‫بالسجود‪ ،‬ينزل منزلة العاجز احلقيقي عن السجود فيسقط عنه‪.‬‬
‫(ق‪« :)75:‬البقاء أسهل»‪ ،‬كام لو ابتدأ قائ ًام وأتم قاعد ًا يف النَّفل ال ُيكره‬
‫عند أيب حنيفة؛ َّ‬
‫ألن االبتداء عىل هذا الوجه مّشوع بال كراهة‪ ،‬فالبقاء أوىل؛‬
‫َّ‬
‫ألن حكم البقاء أسهل من حكم االبتداء(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البدائع‪.89 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البدائع‪.174 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬العناية‪.8 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪146‬‬
‫فالبقاء عىل أمر من األمور واالستمرار عليه أسهل وأيّس من حالة‬
‫ابتدائه؛ َّ‬
‫ألن الّشوط التي ُيب توافرها يف ابتداء الترصف وترتب احلكم‬
‫عليها يمكن أن يتجاوز عن بعضها يف حال البقاء واالستمرار(‪.)1‬‬
‫ووردت يف «املجلة» بلفظ‪« :‬البقاء أسهل من االبتداء»‪ ،‬بعد ذكر املجلة‬
‫قاعدة‪« :‬يغتفر يف البقاء ما ال يغتفر يف االبتداء»‪ ،‬التي سيأيت رشحها عند‬
‫الكالم عىل قواعد «املجلة»‪.‬‬
‫(ق‪« :)76:‬األمني ُيصدَّ ق ما أمكن»(‪ :)2‬كاملرأة أمينة يف احليض فتصدَّ ق‬
‫يف انتهاء العدة وأمثاهلا‪.‬‬
‫وقريب منها يف «جملة األحكام العدلية» بلفظ‪« :‬األمني يصدق بيمينه يف‬
‫ِ‬
‫املودع الوديعة‪ ،‬وقال الوديع‪ :‬أنا رددهتا إليك‪،‬‬ ‫براءة ذمته»‪ :‬كام إذا ادعى‬
‫فالقول له مع اليمني‪ ،‬ولكن إذا أراد أن يقيم الب ِّينة ليخلص من اليمني تسمع‬
‫بينته(‪.)3‬‬
‫طالق إن‬
‫(ق‪« :)77:‬التعليق برشط كائن تنجيز»‪ ،‬كام لو قال هلا‪ :‬أنت ٌ‬
‫شئت فقالت‪ :‬شئت إن كان كذا ألمر ماض َط ُل َقت؛ أل َّنه علق ال َّطالق بتنجيز‬
‫تنجيز(‪.)4‬‬
‫ٌ‬ ‫املشيئة‪ ،‬وال َّتعليق بّشط كائن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.82 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البدائع‪.198 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬درر احلكام رشح جملة األحكام العدلية املادة ‪.551 :4 ،1774‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬رشح اجلامع الصغري للكنوي‪ ،211 :1‬والبدائع‪.122 :3‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪147‬‬
‫الّشط املتحقق الوجود‪ ،‬والتَّنجيز‪ :‬من نجز‬ ‫فالّش ُط الكائن‪ :‬هو َّ‬
‫َّ‬
‫وتعجل‪ .‬والنَّاجز‪ :‬احلارض‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الّشء ينجز‪ :‬أي تم وحت َّقق‬
‫ال حارض ًا‪ ،‬سواء يف ذلك‬
‫معج ً‬
‫َّ‬ ‫فالعقد املتع ِّلق بّشط متح ِّقق يكون‬
‫فإن رشط التعليق الصحيح أن يكون املع َّلق عليه معدوم ًا‬
‫الطالق أو غريه‪َّ ،‬‬
‫عىل خطر الوجود‪ ،‬أي معدوم ًا حني العقد ِمكن الوجود بعد ذلك(‪.)1‬‬
‫فانظر إىل هذه القواعد كيف تنا َّسقت صياغ ُتها عند الكاساين‪ ،‬وليس‬
‫ببعيد وال غريب أن يكون بعضها عريق ًا يف صياغته عند َمن سبقه مثل حممد‬
‫تطور مستمر يف صياغة‬ ‫وكل ذلك ُّ‬
‫يدل عىل ُّ‬ ‫بن احلسن وغريه كام سبق‪ُّ ،‬‬
‫القواعد وعناية الفقهاء هبا عند تعليل األحكام‪ ،‬وترجيح رأي من اآلراء‪،‬‬
‫وتوجيه أفكار أئمة املذاهب بتلك القواعد «أصول البناء»‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬قايض خان (ت‪592‬هـ) يف «رشح الزيادات»‪:‬‬
‫ووجدنا نمط ًا آخر من أصحاب َّ‬
‫الّشوح‪ ،‬وهو أن يذكروا األصل‬
‫الّس ْخس‬
‫ابتدا ًء‪ ،‬ثم ُيب ِّينوا الفروع املبنية عليه‪ ،‬وهذا ما فعله ريض الدين َّ َ‬
‫(ت‪571‬هـ) يف «الوجيز يف الفتاوى»‪ ،‬وكذلك قايض خان (ت‪ 592‬هـ) يف‬
‫رشحه «الزيادات» و«اجلامع الكبري»‪ ،‬فيفتتح معظم األبواب والفصول بذكر‬
‫القواعد والضوابط واألصول الفقية‪ ،‬حيث أوىل القواعد «أصول البناء»‬
‫عناي ًة كبريةً‪ ،‬وقام بجهد جبار يف ِ‬
‫ربط الفروع بأصوهلا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك عند‬ ‫َ َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد ‪.396 :2‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪148‬‬
‫قايض خان‪:‬‬
‫(ق‪« :)78:‬اجلمع بني البدل واملبدل حمال»‪ ،‬قال قايض خان(‪ «:)1‬ينبني‬
‫أن اجلمع بني الغسل واملسح عىل اخلف ال ُيوز؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫عىل أصل واحد‪ :‬وهو َّ‬
‫حمال‪ ،‬فإذا َغ َس َل إحدى‬‫املسح بدل الغسل‪ ،‬واجلمع بني البدل واملبدل ٌ‬
‫الرجل ال يمسح عىل األُخرى؛ كيال يؤ ِّدي إىل اجلمع‬
‫الرجلني أو َغ َس َل بعض ِّ‬
‫ِّ‬
‫بني البدل واملبدل»‪.‬‬
‫(ق‪«:)79:‬املبتىل بني الرشين ُيتار أهوَّنام»‪ ،‬قال قايض خان(‪ )2‬يف (باب‬
‫الصالة التي يكون فيها العذران) ‪ « :‬بنى الباب‪ :‬عىل َّ‬
‫أن املبتىل بني الّشين‬ ‫َّ‬
‫ُيتار أهوَّنام؛ َّ‬
‫ألن مبارش َة احلرام ال ُتباح إال لّضورة‪ ،‬وال رضورة يف‬
‫الزيادة»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ومثاله‪ :‬رجل لو سجد سال جرحه وإن مل يسجد ال يسيل‪ ،‬فإ َّنه يرتك‬
‫الصالة‬ ‫الصالة مع احلدث‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬ ‫السجود أهون من َّ‬ ‫السجود؛ َّ‬
‫ألن ترك ُّ‬
‫والصالة مع احلدث ال‬
‫َّ‬ ‫َّطوع عىل الدَّ ابة حالة االختيار جائزة‪،‬‬
‫باإليامء يف الت ُّ‬
‫السجود(‪.)3‬‬ ‫جتوز يف حالة االختيار‪ ،‬ف ُعلِم أن أهون َّ‬
‫الّشين ترك ُّ‬

‫(‪ )1‬يف رشح الزيادات‪.153 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف رشح الزيادات ‪.234 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات‪.237 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪149‬‬
‫(ق‪« :)80:‬يد الساعي يف الصدقة الواجبة يد الفقراء ويف النافلة يد‬
‫املالك»؛ َّ‬
‫ألن الواجب حق الفقراء‪ ،‬وهلذا ُيّب املالك عىل األداء إىل الساعي‪،‬‬
‫فكان الساعي نائب ًا عنهم‪ ،‬وأما غري الواجبة حق املالك‪ ،‬وهلذا ال ُيّب عىل‬
‫األداء‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬رجل أدى زكاة ماله بعد احلول إىل الساعي‪ ،‬فهلكت يف يده قبل‬
‫الرصف إىل الفقراء‪ ،‬جازت عن املالك؛ َّ‬
‫ألن يد الساعي يف الصدقة الواجبة‬
‫يد الفقراء‪ ،‬فصار اهلالك يف يده كاهلالك يف يد الفقراء(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)81:‬رشط جواز املسح عىل اخلف اللبس عىل طهارة»(‪.)2‬‬
‫ومثاله‪ :‬رجل توضأ وغسل رجليه ثم لبس خف ًا‪ ،‬ثم أحدث فمسح‬
‫اخلف‪ ،‬ثم لبس حذا ًء شتوي ًا فال ُيوز املسح عىل احلذاء؛ أل َّنه لبسه بعد املسح‬
‫عىل اخلف‪ ،‬ولو لبسه قبل املسح عىل اخلف جاز املسح؛ أل َّنه لبس عىل غسل‬
‫للرجلني ال عىل مسح للخف‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وبقاء»؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ً‬ ‫(ق‪« :)82:‬القدرة عىل ال َّطهارة باملاء متنع التَّيمم وجود ًا‬
‫ِ‬
‫كالقدرة عىل التكفري‬ ‫بدل‪ ،‬والقدر ُة عىل األصل متنع املصري إىل البدل‪:‬‬ ‫يمم ٌ‬
‫ال َّت َ‬
‫بالصوم‪ ،‬والقدر ُة عىل ال َّطهارة باملاء إ َّنام تكون بوجود ما‬
‫باملال متنع التَّكفري َّ‬
‫يكفي للطهارة املحتاج إليها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات‪.251-249 :1‬‬


‫(‪ )2‬رشح الزيادات‪.147 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪150‬‬
‫ب اغتسل وبقيت ُملعة مل يصبها املاء‪ ،‬و َفنِي املاء‬
‫مسافر ُجنُ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ومثاله‪:‬‬
‫جلنابة باقية‪ ،‬فإن تيمم ثم أحدث تيمم للحدث؛ لعجزه عن‬ ‫فيتيمم؛ َّ‬
‫ألن ا َ‬
‫الطهارة باملاء(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)83:‬فساد صالة اإلمام موجب فساد صالة املقتدي‪ ،‬وفساد‬
‫صالة املقتدي ال يوجب فساد صالة اإلمام»؛ َّ‬
‫ألن املقتدي بنى صالتَه عىل‬
‫صالة اإلمام‪ ،‬وفساد املبني عليه يوجب فساد البناء‪ ،‬أما اإلمام منفر ٌد يف‬
‫نفسه‪ ،‬ففساد صالة غريه ال يوجب فساد صالته(‪.)2‬‬

‫ومثاله‪ :‬رجل أ َّم قوم ًا‪ ،‬ثم َّ‬


‫تبني أ َّنه عىل غري طهارة‪ ،‬بطلت صالته‬
‫وصالة القوم‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬احلصِّيي (ت‪636‬هـ) يف «التحرير رشح اجلامع الكبِّي»‪:‬‬
‫ُ‬
‫تلميذه العالمة مجال الدِّ ين‬ ‫تابع قايض خان يف طريقته السابقة‬
‫والضوابط‬‫َّ‬ ‫كل باب يف «التحرير» بالقواعد‬ ‫احلصريي‪ ،‬حيث صدَّ ر َّ‬
‫واألصول الفقهية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن رأي املجتهد حجة من حجج الرشع‪ ،‬وتبدل رأي‬ ‫أصل الباب‪َّ « :‬‬
‫املجتهد بمنزلة انتساخ البعض‪ ،‬يعمل به يف املستقبل ال فيام مىض»‪ ،‬هذه‬
‫بمعنى قاعدة‪« :‬االجتهاد ال ينتقض باالجتهاد»‪ ،‬وسيأيت الكالم عليها يف‬
‫الفصل الثالث‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزيادات ‪.170-168 :1‬‬


‫(‪ )2‬رشح الزيادات ‪.208 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪151‬‬
‫أن موجب اللفظ يثبت باللفظ وال يفتقر إىل النية‪،‬‬
‫أصل الباب‪َّ « :‬‬
‫وحمتمل اللفظ ال يثبت إال بالنية‪ ،‬وما ال يتمله لفظه ال يثبت وإن نوى»‪ ،‬هذه‬
‫بمعنى قاعدة‪« :‬األيامن مبنية عىل األلفاظ ال عىل األغراض»‪ ،‬وقاعدة‪« :‬النية‬
‫ختص وال تزيد»‪ :‬أي ختصص املعنى العام للفظ لكن ال تزيد عليه‪ ،‬وسيأيت‬
‫رشحها عند الكالم عند الفصل الثالث‪.‬‬

‫أن اإلجازة إذا حلقت العقد املوقوف كان‬


‫(ق‪ :)84:‬أصل الباب‪َّ « :‬‬
‫حلالة اإلجازة حكم اإلنشاء»‪ ،‬وهذا بمعنى القاعدة املشهورة(‪« :)1‬اإلجازة‬
‫الالحقة كالوكالة السابقة»؛ َّ‬
‫ألن العقد مل يتم قبل اإلجازة‪ ،‬وإ َّنام تم ونفذ‬
‫باإلجازة‪ ،‬فكان هلا حكم اإلنشاء‪.‬‬

‫أن فضولي ًا باع ذهب ًا لرجل ثم أجازه َّ‬


‫الرجل‪ ،‬فيصري هذا‬ ‫ومثاله‪ :‬لو َّ‬
‫الفضويل بعد اإلجازة كأ َّنه كان وكي ً‬
‫ال بالبيع قبلها‪ ،‬فإن حصل التقابض بينه‬
‫وبني املشرتي قبل االفرتاق نفذ العقد باإلجازة الالحقة‪ ،‬وإن افرتقا قبل‬
‫التقابض ال ينفذ العقد هبا؛ أل َّنه لو كان وكي ً‬
‫ال حقيقة قبل العقد يفسد‬
‫باالفرتاق بال قبض؛ الشرتاط التقابض يف الرصف(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البحر الرائق‪ ،160 :6‬وجممع الضامنات‪ ،224 :1‬والدر املختار‪،111 :5‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪.264 :5‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪152‬‬
‫أن القايض مأمور بالنظر واالحتياط»‪ ،‬وهذا‬
‫(ق‪ :)85:‬أصل الباب‪َّ « :‬‬
‫بمعنى قاعدة‪« :‬والية القايض نظرية»؛ ألنه ُنصب لدفع الظلم وإيصال‬
‫احلقوق إىل أرباهبا‪ ،‬ف َيحتاط إليفائها ويتحرز عن تعطيلها‪.‬‬
‫ومثاله‪َ :‬من قتل مسل ًام ً‬
‫خطأ ال ويل له‪ ،‬فعىل عاقلته الدِّ َية‪ ،‬وعليه الكفارة‬
‫لبيت املال؛ أل َّنه قتل نفس ًا معصومة خطأ‪ ،‬فتعتّب بسائر النُّفوس املعصومة‪،‬‬
‫وليس للقايض أن يعفو؛ َّ‬
‫ألن احلق للعامة بأخذ الدِّ َية‪ ،‬ووالية القايض نظرية‪،‬‬
‫وليس من النظر إسقاط حقهم من غري عوض(‪.)1‬‬
‫فهذه األمثلة وما شاهبها جرت وشاعت عند املتأخرين مع حسن‬
‫الصياغة ووجازة التعبري‪.‬‬
‫ويف َّناية املطاف يمكن أن نتوصل إىل النتائج اآلتية من خالل ما‬
‫أسلفنا‪:‬‬
‫‪َّ .1‬‬
‫إن القواعد الفقهية ثمرة اختامر الفقه ومسائله يف األذهان‪ ،‬فال ُيلو‬
‫فقيه إال ويتعرض للقواعد ويستأنس هبا‪.‬‬
‫‪ .2‬كثرة عبارات املجتهدين املنتسبني واملجتهدين يف املذهب التي تبني‬
‫القواعد والضوابط واألصول الفقهية‪ ،‬وهلا سمة يف شموهلا ألحكام فرعية‬
‫عديدة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اهلداية‪.398 :2‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪153‬‬
‫وإذا نظرنا إىل صيغ تلك القواعد «أصول البناء»‪ ،‬وتتبعنا تطورها‬
‫التارُيي؛ لرأينا َّ‬
‫أن عبارة القواعد «أصول البناء» وصيغها يف كتب املتقدمني‬
‫تطور صيغ القواعد‬ ‫واضح عىل ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ختتلف عنها يف كتب املتأخرين‪ ،‬وذلك ٌ‬
‫دليل‬
‫«أصول البناء» و َأساليبها والعبارات التي ورددت هبا‪ ،‬ودليل عىل َّ‬
‫أن كثري ًا‬
‫من الصقل والتحوير طرأ عىل صيغ تلك القواعد «أصول البناء»‪.‬‬
‫‪ .3‬تناثرت األصول الفقهية بالدرجة األوىل ثم الضوابط ثم القواعد يف‬
‫ألَّنا تعتني ببيان أصل البناء والعلة‪.‬‬
‫عامة كتب الفقه ال سيام الّشوح منها؛ َّ‬
‫‪ .4‬الكتب الفقهية هي املصادر التي استخلص منها املدونون تلك‬
‫القواعد ومجعوها يف كتب مستقلة(‪.)1‬‬
‫‪.‬إن القواعد «أصول البناء» كانت ُتسمى عند املتقدمني أصوالً‪،‬‬
‫‪َّ 5‬‬
‫وأوضح مثال عىل ذلك ما أورده أبو احلسن الكرخي يف رسالته املسامة‬
‫بأصول اإلمام الكرخي‪ ،‬حيث صدَّ ر كل قاعدة منها بلفظ‪« :‬األصل»‪،‬‬
‫ومثاله‪:‬‬
‫أن من التزم شيئ ًا وله رشط لنفوذه‪َّ ،‬‬
‫فإن الذي هو‬ ‫(ق‪« :)86:‬األصل َّ‬
‫رشط لنفوذ اآلخر يكون يف احلكم سابق ًا‪ ،‬والثاين الحق ًا‪ ،‬والسابق يلزم‬
‫أن من التزم صالة كان التزام ًا لتقدم‬
‫للصحة واجلواز»(‪ ،)2‬فمن مسائلة‪َّ :‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،155-133‬والوجيز لبورنو ص‪.85-59‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي ص‪.8‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪154‬‬
‫ال َّطهارة عليها؛ َّ‬
‫ألن الطهارة رشطها(‪.)1‬‬
‫أن الّشوط دائ ًام تكون سابقة يف الوجود عىل املّشوط؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫معناه‪َّ :‬‬
‫وجود املّشوط وحتققه معتمد عىل حتقق رشوطه وحصوهلا‪ ،‬ولذلك فالّشط‬
‫يكون سابق ًا يف الوجود عىل احلكم‪ ،‬واملّشوط يكون الحق ًا لّشطه‪ ،‬والّشط‬
‫إما رشط صحة أو رشط جواز(‪.)2‬‬

‫(ق‪ :)87:‬وكذا ما أورده أبو زيد الدَّ بويس يف كتابه «تأسيس النظر»‬
‫حيث يصدِّ ر َّ‬
‫كل قاعدة بكلمة «األصل»‪ ،‬فمث ً‬
‫ال يقول‪« :‬األصل عند علامئنا‬
‫أن اخلرب املروي عن النبي ‪ ‬من‬
‫الثالثة ـ أي أيب حنيفة وأيب يوسف وحممد ـ َّ‬
‫الصحيح‪ ،‬وعند مالك القياس الصحيح‬
‫طريق اآلحاد ُمقدَّ م عىل القياس َّ‬
‫مقدم عىل خرب اآلحاد»‪.‬‬

‫وهذا قاعدة أصولية‪ ،‬ومعناها‪ :‬تقديم احلنفية حلديث اآلحاد الذي‬


‫يصح عندهم ‪-‬عىل رشوطهم‪ -‬عىل القياس‪ ،‬ويعّبون عن هذا باالستحسان‬
‫باحلديث‪ ،‬كام يف حديث أم سلمة يف الضفرية‪ ،‬وحديث أيب العالية يف‬
‫القهقهة‪ ،‬وحديث املسح عىل اخلف‪ ،‬وحديث اجلمع بني الصلوات يف عرفة‬
‫ومزدلفة‪ ،‬كام سبق ذكرها عند الكالم عىل الضابط يف الباب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول البزدوي ص‪.370‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.164 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪155‬‬
‫وأضيف هلا هنا حديث أكل النايس يف الصيام الذي خالف فيه اإلمام‬
‫مالك‪ ،‬فمن أتى شيئ ًا من املفطرات ناسي ًا ال يفطر‪ ،‬سواء كان الصوم فرض ًا أو‬
‫نفالً‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ،‬قال ‪َ « :‬من أكل ناسي ًا وهو صائم‪ ،‬فليتم صومه‪،‬‬
‫فإنَّام أطعمه اهلل وسقاه»(‪ ،)1‬مع أ َّن القياس أن يفطر لدخول مفطر معتّب من‬
‫منفذ معتّب إىل جوف معتّب مع الوصول املعتّب وهو االستقرار‪ ،‬لكن ثبوت‬
‫احلديث عندهم جعلهم يرتكون القياس ويعملون به‪ ،‬ومتسك اإلمام مالك‬
‫بالقياس وقال‪ :‬بإفطار َمن أكل ناسي ًا‪.‬‬
‫قال القرايف(‪«:)2‬القياس ُمقدَّ م عىل خّب الواحد عند مالك؛ َّ‬
‫ألن اخلّب إ َّنام‬
‫ورد لتحصيل احلكم‪ ،‬والقياس متضمن للحكمة‪ ،‬فيقدم عىل اخلّب»‪ :‬أي َّ‬
‫أن‬
‫اخلّب وسيلة إلخراج احلكم الّشعي‪ ،‬والقياس هو احلكم الّشعي املستفاد‬
‫من عدة أدلة رشعية‪ ،‬فيكون أخذ مالك بالقياس أخذ ًا منه باألدلة التي‬
‫اعتمد عليها يف استخراج القياس‪ ،‬وهي أقوى من خّب الواحد‪ ،‬لكن احلنفية‬
‫قالوا‪ :‬القياس املستخرج من األدلة ظني؛ أل َّنه فهم للمجتهد‪ ،‬واحلديث إذا‬
‫صح عند املجتهد فهو أقوى حاالً‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫الشبهة َّ‬
‫الشائعة عىل احلنفية من َّأَّنم ُيقدِّ مون القياس‬ ‫وهذا األصل ُيفند ُّ‬
‫عىل احلديث‪ ،‬فاهللُ املستعان‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري ‪ ،2455 :6‬وصحيح مسلم ‪ ،809 :2‬واملنتقى ‪.105 :1‬‬
‫(‪ )2‬يف رشح تنقيح الفصول‪.387 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪156‬‬
‫‪َّ .6‬‬
‫إن صيغ القواعد والضوابط واملدارك عند املتقدمني يف عبارهتا طول‬
‫وزيادة بيان‪ ،‬بخالفها عند املتأخرين حيث امتازت بإُياز عبارهتا وقلة كلامهتا‬
‫أن املرء يعامل يف حق‬
‫مع استيعاهبا ملسائلها‪ ،‬ومثاله قول الكرخي‪« :‬األصل َّ‬
‫نفسه كام أقر به‪ ،‬وال ُيصدَّ ق عىل إبطال ح َّق الغِّي أو إلزام الغِّي حق ًا» (‪ .)1‬و َع َّّب‬
‫عنها املتأخرون هبذه العبارة املوجزة اجلامعة‪ ،‬وهي قوهلم‪« :‬اإلقرار حجة‬
‫قارصة»‪ ،‬وسيأيت الكالم عليها يف الفصل ال َّثالث‪.‬‬

‫الكرخي يف تعبريه عن كون العادة أو العرف‬


‫ُّ‬ ‫وكذلك ما أورده أيض ًا‬
‫أن جواب السرال يميض عىل ما تعارف كل قوم يف‬
‫حجة فقال‪« :‬األصل َّ‬
‫واخلطاب يميض عىل ما َع َّم وغلب ال عىل ما‬
‫َ‬ ‫الس َ‬
‫رال‬ ‫أن َّ‬
‫مكاَّنم‪ ،‬واألصل َّ‬
‫َشذ و َندَ ر»(‪ ،)2‬حيث مجع ُّ‬
‫كل ذلك يف عبارة يف غاية اإلُياز وهي قوهلم‪:‬‬
‫«العادة حمكمة»‪ ،‬وسيأيت الكالم عليها يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫ومثل هذه قوله أيض ًا‪« :‬األصل‪ :‬أ َّنه إذا مىض باالجتهاد ال يفسخ‬
‫ٍ‬
‫باجتهاد مثله و ُيفسخ بالنص»(‪ ،)3‬وعند املتأخرين قالوا‪« :‬االجتها ُد ال ينقض‬
‫بمثله» (‪ ،)4‬وسيأيت الكالم عليها يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي ص‪.7‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي ص‪.7‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أصول الكرخي ص‪.12‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.86‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪157‬‬

‫الرابع‪ :‬األشباه والنظائر البن نجيم‬


‫املطلب َّ‬
‫ُ‬
‫(ت‪970‬هـ) ورشوحها‪:‬‬
‫وألمهية كتاب األشباه البن نجيم يف القواعد «أصول البناء» نخصه‬
‫بمطلب عىل حدة‪ ،‬فإ َّنه يعتّب الكتاب األسايس فيها‪.‬‬
‫وظهر ِما سبق َّ‬
‫أن القواعد «أصول البناء» بقيت يف موطنها مع الفروع‬
‫الفقهية يف ضمن الّشوح املتعدِّ دة‪ ،‬ومل يكن هناك عناية بإخراجها وإبرازها‬
‫بصورة واضحة يف املذهب احلنفي قبل ابن نجيم (ت‪970‬هـ)‪.‬‬
‫وذكروا يف كتب الفهارس للمخطوطات أسامء بعض الكتب للحنفية‬
‫يف «األشباه والنظائر»‪ ،‬ولكن هذا حمل نظر ما مل ُتر عيان ًا و ُيتأكد من صحة‬
‫ثبوهتا‪ ،‬ال سيام َّ‬
‫أن الفهارس ال تتسم بالدِّ قة واملصداقية حتى يعول عليها يف‬
‫ذلك‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫«ذخريه الناظر يف األشباه والنظائر» إلبراهيم بن عِّل بن امحد‬
‫الطرسويس‪( ،‬ت‪758‬هـ)(‪.)1‬‬
‫و«القواعد يف الفروع»‪ :‬لّشف الدين عِّل بن عثامن الغزي الدمشقي‬
‫احلنفي‪( ،‬ت‪ 799‬هـ)(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ذكر يف خزانة الرتاث ر‪ 102818‬أن له نسخة يف املكتبة األزهرية رقم ‪.2671‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬هدية العارفني‪.726 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪158‬‬
‫و«األشباه والنظائر» لعبد اللطيف بن عبد العزيز بن أمني الدِّ ين ابن‬
‫ملك‪( ،‬ت‪801‬هـ)(‪.)1‬‬
‫وكالمنا عن أشباه ابن نجيم يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬وصف كتاب األشباه‪:‬‬
‫لزين الدِّ ين ابن نجيم (ت‪970‬هـ)‪ ،‬له كتابان يف القواعد «أصول‬
‫البناء»‪« :‬الفوائد الزينية يف مذهب احلنفية»‪ ،‬و«األشباه والنظائر»‪.‬‬
‫السيوطي؛ إذ أ َّنه‬
‫ويسري ابن نجيم يف «أشباهه» عىل غرار « أشباه» ُّ‬
‫يشتمل عىل سبعة فنون (أبواب)‪:‬‬
‫الفن األول‪ :‬يف القواعد‪ ،‬وقد ذكر فيه نوعني من القواعد‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬القواعد الكّبى حيث عدَّ ها ست ًا بزيادة قاعدة عىل ما‬
‫السيوطي‪« :‬ال ثواب إال بالنية»‪.‬‬
‫ذكره ُّ‬
‫وبني ابن نجيم مع ِّ‬
‫كل قاعدة ما يندرج حتتها من قواعد فرعية‪ ،‬وما‬
‫يدخل كل قاعدة من األبواب الفقهية مع التمثيل‪.‬‬
‫ويتخرج عليها‬
‫َّ‬ ‫والنوع الثاين‪ :‬يف قواعد أقل اتساع ًا وشموالً للفروع‪،‬‬
‫ما ال ينحرص من الصور اجلزئية‪.‬‬
‫فكان جمموع ما حتت النَّوعني مخس وعّشين قاعدة‪ ،‬وسيأيت ذكرها‬

‫(‪ )1‬ذكر يف خزانة الرتاث ر‪ 48981‬أنه له نسخة يف املوصل رقم ‪.96\68‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪159‬‬
‫بعد أسطر‪.‬‬
‫ال َف ُّن الثاين‪ :‬يف الفوائد من الطهارات إىل الفرائض‪ ،‬نثر بينها عدد ًا يسري ًا‬
‫من القواعد الكلية‪ ،‬وكثري ًا من الضوابط الفقهية‪.‬‬
‫ال َفن ال َّث ُ‬
‫الث‪ :‬يف اجلمع والفرق من األشباه والنظائر‪ ،‬حيث مجع فيه‬
‫أحكام ًا خمتلفة‪.‬‬
‫ابع‪ :‬يف األلغاز‪ ،‬واملراد هبا تلك األسئلة الفقهية التي يراد هبا‬ ‫ال َف ُّن َّ‬
‫الر ُ‬
‫األعجاز والتعمية عىل املسؤول مع ذكر أجوبتها‪.‬‬
‫الفن اخلامس‪ :‬يف احليل‪.‬‬
‫ال َف ُّن السادس ‪ :‬يف الفروق‪.‬‬
‫ال َف ُّن السابع ‪ :‬يف احلكايات واملراسالت‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬القواعد الكربى التي ذكرها ابن نجيم‪ ،‬هي‪:‬‬
‫(ق‪« :)88:‬ال ثواب إال مع النية»‪ ،‬فالنية أساس يف اعتبار العمل‪،‬‬
‫والنظرة إليه وتقديره‪ ،‬وكون املرء ال ُيثاب عىل العمل إال بالنية داخل يف‬
‫تزوج ومل يقصد‬
‫فمن َّ‬ ‫ألن ال َّث َ‬
‫واب أثر من آثار تقدير العمل واعتباره‪َ ،‬‬ ‫ذلك؛ َّ‬
‫الشهوة ومل ُيف شيئ ًا مل يثب عليه؛ إذ ال ثواب إال‬
‫جمر َد َّ‬
‫السنة‪ ،‬بل قصد َّ‬
‫إقامة ُّ‬
‫بالنية‪ ،‬فيكون مباح ًا أيض ًا كالوطء لقضاء الشهوة‪ ،‬وحديث النبي ‪( :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أيأيت أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها‬
‫يف حرام‪ ،‬أكان عليه فيها وزر‪ ،‬فكذلك إذا وضعها يف احلالل كان له أجر)(‪)1‬؛‬

‫(‪ )1‬يف صحيح مسلم‪.697 :2‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪160‬‬
‫ألجل حتصني النفس(‪.)1‬‬
‫والقواعد اخلمس األخرى‪ ،‬هي‪:‬‬

‫«األمور بمقاصدها»‪ ،‬ومعناها‪َّ :‬‬


‫أن أعامل الشخص وترصفاته من قولية‬
‫أو فعلية ختتلف نتائجها وأحكامها الّشعية «التي ترتتب عليها» باختالف‬
‫فم ْن قتل غريه بال مسوغ‬
‫مقصود الشخص من تلك األعامل والترصفات‪َ ،‬‬
‫مّشوع إذا كان عامد ًا فلفعله حكم‪ ،‬وإذا كان خمطئ ًا فله حكم آخر(‪ ،)2‬وسيأيت‬
‫بياَّنا يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫«اليقني ال يزول َ‬
‫بالشك»‪ ،‬فإذا ثبت أمر من األمور أو حالة من‬
‫احلاالت ثبوت ًا يقيني ًا‪ ،‬أي‪ :‬قطعي ًا‪ ،‬ثم وقع الشك يف وجود ما يزيله‪ ،‬يبقى‬
‫ّب إىل أن يتحقق السبب املزيل؛ َّ‬
‫ألن األمر اليقيني ال‬ ‫األمر املتيقن هو املعت ُ‬
‫فمن تيقن‬
‫يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه‪ ،‬بل ما كان مثله أو أقوى‪َ ،‬‬
‫الطهارة وشك يف احلدث‪ ،‬فهو متطهر‪ ،‬وكذا عكسه(‪ ،)3‬وسيأيت بياَّنا يف‬
‫الفصل الثالث‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪261 :2‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رشح القواعد الفقهية ص‪ ،11-5‬واملدخل الفقهي العام ‪،966-965 :2‬‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام ‪ ،968-967 :2‬والفوائد املكية ص‪ ،12‬ورشح القواعد‬
‫الفقهية ص‪.37‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪161‬‬
‫ألن يف املشقات حرج ًا‪ ،‬واحلرج ِمنوع‬
‫«املشقة جتلب التيسِّي»؛ وذلك َّ‬
‫عن املكلف بنصوص الّشيعة‪ ،‬فجلبها للتيسري مّشوط بعدم مصادمتها‬
‫نص ًا‪ ،‬وهذه القاعدة تعتّب من أسس الّشيعة‪ ،‬واملراد باملشقة املنفية‬
‫بالنصوص‪ ،‬والداعية إىل التخفيف والرتخيص بمقتىض القاعدة‪ ،‬إنَّام هي‬
‫املشقة املتجاوزة للحدود العادية‪ ،‬أما املشقة الطبيعية يف احلدود العادية التي‬
‫يستلزمها عادة أداء الواجبات والقيام باملساعي التي تقتضيها احلياة الصاحلة‪،‬‬
‫فال مانع منها‪ ،‬بل ال يمكن انفكاك التكاليف املّشوعة عنها‪ :‬كمشقة اجلهاد‪،‬‬
‫وأمل احلدود‪ ،‬ورجم الزناة‪ ،‬وقتل البغاة واملفسدين واجلناة‪ ،‬فال أثر هلا يف‬
‫جلب تيسري وال ختفيف(‪ ،)1‬وسيأيت بياَّنا يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫«الرضر يزال»‪ ،‬معناها‪ :‬أنَّه ُيب رفع الّضر وترميم آثاره بعد الوقوع؛‬
‫َّ‬
‫ألن اإلخبار يف كالم الفقهاء للوجوب‪ ،‬ومن مسائلها‪ :‬الرد بالعيب ومجيع‬
‫أنواع اخليار(‪ ،)2‬وسيأيت بياَّنا يف الفصل الثالث‪.‬‬

‫«العادة حمكمة»‪ :‬واملراد بالعادة هو العرف بنوعيه اللفظي والعمِّل‪،‬‬


‫ِ‬
‫وم ْن مسائلها‪ :‬اعتبار عرف احلالف والناذر إذا كان العرف مساوي ًا للفظ أو‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬الفوائد املكية ص‪ ،12‬ورشح القواعد الفقهية ص‪ ،105‬واملدخل الفقهي العام‬
‫‪ ،993-991 :2‬وغريمها‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬مرآة املجلة ‪ ،16 :2‬ورشح القواعد الفقهية ص‪ ،125‬والفوائد املكية ص‪،12‬‬
‫واملدخل الفقهي العام ‪ ،982 :2‬وغريمها‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪162‬‬
‫أخص؛ َّ‬
‫ألن األيامن مبنية عىل األلفاظ العرفية ال عىل األغراض واملقاصد(‪،)1‬‬
‫وسيأيت بياَّنا يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬القواعد األقل اتساع ًا عند ابن نجيم‪ ،‬هي‪:‬‬
‫«االجتهاد ال ينقض باالجتهاد»‪ :‬وسيأيت الكالم عليها يف الفصل‬
‫الثالث‪.‬‬

‫دليل ِّ‬
‫احلل‬ ‫(ق‪«:)89:‬إذا اجتمع احلالل واحلرام ُغ رلب احلرام»‪ ،‬معناه‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫ودليل احلرمة‪ ،‬فاحلرام ُيب تركه‪ ،‬واحلالل يباح فعله(‪.)2‬‬

‫ومثاله‪ :‬لو َّ‬


‫أن املسلمني قالوا ألربعة من أهل احلصن‪ :‬انزلوا فأنتم‬
‫آمنون حتى نفاوضكم عىل الصلح‪ ،‬فنزل عّشون رج ً‬
‫ال فيهم أولئك‬
‫األربعة‪ ،‬ولكن ال نعلم األربعة بأعياَّنم‪ُّ ،‬‬
‫وكل واحد يقول‪ :‬أنا من األربعة‪،‬‬
‫ألن َّ‬
‫كل واحد منهم تر َّدد‬ ‫فهم مجيعا آمنون‪ ،‬ال ُيل قتل أحد منهم وال أرسه؛ َّ‬
‫حا ُله بعدما حصل فيها بني أن يكون آمن ًا معصوم الدم وبني أن يكون مباح‬
‫فيرتجح جانب العصمة(‪)3‬؛ هلذه القاعدة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الدم‪،‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬الفوائد املكية ص‪ ،12‬ورشح القواعد الفقهية ص‪ ،167‬واملدخل الفقهي العام‬
‫‪.999 :2‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬االختيار‪ ،413 :5‬وحسن الدراية‪.95 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح السري الكبري‪.410 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪163‬‬
‫(ق‪ «:)90:‬ترصف اإلمام عىل الرعية منوط باملصلحة»‪ ،‬فنفاذ ترصف‬
‫الراعي عىل الرعية ولزومه عليهم «شاؤوا أو أبوا» مع َّلق ومتو ِّقف عىل‬
‫تضمن‬
‫َّ‬ ‫ترصفه‪ ،‬دينية كانت أو دنيوية‪ ،‬فإن‬
‫وجود الثمرة واملنفعة يف ضمن ِّ‬
‫وترص ُفه حينئذ‬
‫ُّ‬ ‫ناظر‪،‬‬ ‫منفع ًة ما وجب عليهم تنفيذه‪ ،‬وإال ُرد؛ َّ‬
‫ألن الراعي ٌ‬
‫الّضر والعبث‪ ،‬وكالمها ليس من النَّظر يف يشء‪.‬‬
‫مرت ِّدد بني َّ‬
‫بالراعي‪ُّ :‬‬
‫كل َمن ويل أمر ًا من أمور العامة‪ ،‬عام ًا كان‪ :‬كالسلطان‬ ‫واملراد َّ‬
‫األعظم‪ ،‬أو خاص ًا‪َ :‬‬
‫كمن دونه من الوالة‪ ،‬فإن نفاذ ترصفات كل منهم عىل‬
‫العامة مرتتب عىل وجود املنفعة يف ضمنها‪.‬‬
‫الصغرية من غري كفء‪ ،‬أو قىض بخالف رشط‬ ‫زوج القايض َّ‬ ‫فلو َّ‬
‫أجل الدَّ ين عىل الغريم بدون‬ ‫ِ‬
‫حقوق العامة‪ ،‬أو َّ‬ ‫حق من‬
‫الواقف‪ ،‬أو أبرأعن ٍّ‬
‫رضا الدائن مل ُيز (‪.)1‬‬
‫ولو َّ‬
‫أن السلطان عفا عن قاتل من ال ويل له ال يصح عفوه‪ ،‬وإ َّنام له‬
‫القصاص والصلح؛ أل َّنه نصب ناظر ًا‪ ،‬وليس من املصلحة العفو(‪.)2‬‬
‫«احلدود تدرأ بالشبهات»‪ ،‬سبق الكالم عليها عند مصادر القواعد‪.‬‬
‫احلر ال يدخل حتت اليد فال يضمن بالغصب ولو صبي ًا»‪.‬‬
‫(ق‪ُ « :)91:‬‬
‫احلر‪ :‬هو اإلنسان غري اململوك‪ ،‬واليد‪ :‬قرينة عىل امللك‪ ،‬أو السلطة عىل‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.309‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬األشباه ص‪.105‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪164‬‬
‫الترصف‪ ،‬فاحلر ال يدخل يف ملك آخر‪ ،‬وال يقع حتت سلطته‪ ،‬بخالف العبد‬
‫فيكون حتت اليد وامللك(‪.)1‬‬
‫فلو غصب صبي ًا‪ ،‬فامت يف يده فجأة أو بحمى مل يضمن‪ ،‬بخالف ما لو‬
‫مات بصاعقة‪ ،‬أو بنهشة حية‪،‬أو بنقله إىل مكان تغلب فيه احلمى واألمراض؛‬
‫واحلر‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫فإن ديته عىل عاقلة الغاصب؛ ألنه ضامن إتالف ال ضامن غصب‪،‬‬
‫يضمن باإلتالف(‪.)2‬‬
‫(ق‪« :)91:‬إذا اجتمع أمران من جنس واحد ومل ُيتلف مقصودمها‬
‫دخل أحدمها يف اآلخر غالب ًا»‪.‬‬
‫فاجتامع أمور من جنس واحد «مع احتاد املقصود من كل منها» يكون‬
‫احلكم واحد ًا ملجموعهام‪ ،‬فيدخل أحدمها يف اآلخر(‪.)3‬‬
‫فلو اجتمع حدث وجنابة‪ ،‬أو حدث وحيض‪ ،‬كفى الغسل الواحد‪.‬‬

‫فصىل الفرض َأو ُ‬


‫السنَّة‪ ،‬أجزأة عن حتية املسجد(‪.)4‬‬ ‫َّ‬ ‫ولو َ‬
‫دخل املسجدَ‬
‫« إعامل الكالم أوىل من إمهاله متى أمكن‪ ،‬فإن مل يمكن أمهل»‪،‬‬
‫وذكرها مصطفى الزرقا(‪ )1‬خمترصة‪« :‬إعامل الكالم أوىل من إمهاله»‪ ،‬وسيأيت‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للزحيِّل‪.709 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬األشباه البن نجيم ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.218 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬نفع املفتي والسائل ص‪.405‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪165‬‬
‫الكالم عليها يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫«اخلراج بالضامن»‪ ،‬سبق الكالم عليها عند مصادر القواعد يف‬
‫األحاديث النبوية‪.‬‬
‫«السرال معاد يف اجلواب»‪ ،‬وسيأيت تفصيلها يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫«ال ينسب إىل ساكت قول»‪ ،‬ومثله ذكر الطوري(‪ )2‬وغريه‪ ،‬وسيأيت‬
‫تفصيلها يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫(ق‪« :)92:‬الفرض أفضل من النفل إال يف مسائل»(‪ ،)3‬هذا األصل ال‬
‫بأَّنا خري من‬
‫سبيل إىل نقضه بّشء من الصور؛ ألنا إذا حكمنا عىل ماهية َّ‬
‫كالرجل خري من املرأة مل يمكن أن تفضلها األخرى بّشء من‬
‫ماهية أخرى‪َّ :‬‬
‫تلك احليثية‪َّ ،‬‬
‫فإن الرجل إذا فضل املرأة من حيث إ َّنه رجل مل يمكن أن‬
‫تفضله املرأة من حيث َّإَّنا غري الرجل‪ ،‬وإال تتكاذب القضيتان‪ ،‬لكن قد‬
‫تفضل املرأة رج ً‬
‫ال ما من جهة غري الذكورة واألنوثة‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬الوضوء للصالة قبل الوقت يساوي الواقع بعده من حيث‬
‫امتثال األمر وسقوط الواجب به‪ ،‬وإ َّنام لألول فضيلة التقديم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.1002 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\194‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬األشباه ص‪.131‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪166‬‬
‫وإنظار املعّس واجب دفع ًا ألذاه باملطالبة‪ ،‬ويف إبرائه ذلك مع زيادة‬
‫إسقاط الدَّ ين عنه بالكلية‪ ،‬فلإلبراء زيادة فضيلة اإلسقاط‪.‬‬
‫السالم سنة؛ إلظهار التواد بني املسلمني‪ ،‬ويف ر ِّده ذلك أيض ًا‪،‬‬
‫وإفشاء َّ‬
‫لكن وجب الرد ملا يلزم عىل تركه من العداوة والتباغض‪ ،‬فإفشاؤه أفضل من‬
‫حيث ابتداء املفّش له بإظهار املودة‪ ،‬فله فضيلة التَّقدم‪.‬‬
‫ففي املسائل الثالث إ َّنام فضل النفل عىل الفرض ال من جهة الفرضية‬
‫بل من جهة أخرى‪ ،‬كصوم املسافر يف رمضان فإ َّنه أشق من صوم املقيم‪ ،‬فهو‬
‫أفضل مع أ َّنه سنة‪ ،‬وكالتبكري إىل صالة اجلمعة فإ َّنه أفضل من الذهاب بعد‬
‫النداء مع أ َّنه سنة‪ ،‬والثاين فرض‪.‬‬
‫وكذا من وجب عليه درهم فدفع درمهني‪ ،‬أو وجبت عليه أضحية‬
‫فضحى بشاتني‪ ،‬وعىل هذا فقد يزاد عىل املسائل الثالث من كل ما هو نفل‬
‫اشتمل عىل الواجب وزاد‪ ،‬لكن تسميته نف ً‬
‫ال من حيث تلك الزيادة‪ ،‬أما من‬
‫حيث ما اشتمل عليه من الواجب فهو واجب‪ ،‬وثوابه أكثر من حيث تلك‬
‫الزيادة‪ ،‬فال تنخرم حينئذ القاعدة املأخوذة ِما ورد حكاية عن اهلل ‪« :‬وما‬
‫تقرب إيل عبدي بّشء أحب إيل ِما افرتضت عليه»(‪.)2()1‬‬

‫(‪ )1‬يف صحيح البخاري‪.105 :8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪.126-125 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪167‬‬
‫(ق‪« :)93:‬ما حرم أخذه حرم إعطاؤه»‪ ،‬ومثلها ذكر اخلادمي وغريه‪،‬‬
‫كالربا والرشوة وأجرة النائحة إال يف مسائل‪ :‬كاخلوف عىل نفسه أو ماله(‪.)1‬‬
‫وهذه من قواعد «املجلة»‪ ،‬فالّشء املحرم الذي ال ُيوز ألحد أن يأخذه‬
‫ويستفيد منه ُيرم عليه أيض ًا أن ُيقدِّ مه لغريه ويعطيه إياه‪ ،‬سواء أكان عىل‬
‫سبيل املنحة ابتدا ًء أم عىل سبيل املقابلة؛ وذلك َّ‬
‫ألن إعطاءه الغري عندئذ‬
‫يكون من قبيل الدَّ عوة إىل املحرم‪ ،‬أواإلعانة والتشجيع عليه‪ ،‬فيكون املعطي‬
‫املقرر رشع ًا أ َّنه كام ال ُيوز فعل احلرام‪ ،‬فال جتوز‬‫رشيك الفاعل‪ ،‬ومن َّ‬
‫اإل ْث ِم وا ْلعدْ و ِ‬
‫ان}‬ ‫او ُنو ْا َع َىل ِ َ ُ َ‬
‫اإلعانة والتَّشجيع عليه؛ لقوله تعاىل‪َ { :‬والَ َت َع َ‬
‫املائدة‪.)2(2 :‬‬
‫(ق‪« :)94:‬من استعجل شيئ ًا قبل أوانه عوقب بحرمانه»‪ ،‬ومثلها ذكر‬
‫يف «املجلة» وغريها‪ ،‬يعني‪ :‬لو قتل إنسان وارثه مث ً‬
‫ال ُيرم من إرثه(‪ ،)3‬ف َمن‬
‫استعجل الّشء الذي وضع له سبب عام مطرد‪ ،‬وطلب احلصول عليه قبل‬
‫وقت حلول سببه العام‪ ،‬ومل يستسلم إىل ذلك السبب املوضوع‪ ،‬بل عدل عنه‬
‫السبب قبل ذلك األوان عوقب‬
‫الّشء بغري ذلك َّ‬
‫وقصد حتصيل ذلك َّ‬
‫بحرمانه؛ أل َّنه افتأت وجتاوز‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.330‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.215‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مرآة املجلة ‪.54 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪168‬‬
‫فيكون باستعجاله هذا أقدم عىل حتصيله بسبب حمظور؛ فيعاقب‬
‫بحرمانه ثمرة عمله التي قصد حتصيلها بذلك السبب اخلاص املحظور‪.‬‬
‫تتزوج‬
‫ولو جاءت الفرقة من قبل الزوجة بسبب ردهتا‪ ،‬فليس هلا أن َّ‬
‫بعد توبتها بغري زوجها‪ ،‬وجتّب عىل جتديد العقد عىل زوجها بمهر يسري‪،‬‬
‫وذلك لرد عملها عليها(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)95:‬الوالية اخلاصة أقوى من الوالية العامة»‪ُّ ،‬‬
‫فكل ما كان أقل‬
‫ِ‬
‫رصف عىل‬‫اشرتاك ًا كان أقوى تأثري ًا وامتالك ًا‪ ،‬أي‪ :‬متكن ًا‪ ،‬والوالية‪ :‬نفوذ الت ُّ‬
‫الغري شاء أو أبى‪.‬‬
‫والوالية تكون عامة وخاصة‪ :‬وأما العامة‪ :‬فتكون يف الدِّ ين والدُّ نيا‪،‬‬
‫والنَّفس واملال‪ ،‬وهي والي ُة اإلمام األعظم ونوابه‪ ،‬وأما اخلاصة‪ :‬فتكون‬
‫أيض ًا يف النفس واملال مع ًا كوالية الويص‪ ،‬ويف املال فقط كوالية متويل‬
‫الوقف‪.‬‬
‫َّرصف يف الوقف مع وجود متول عليه ولو من‬
‫فالقايض ال يملك الت ُّ‬
‫ترصف بإُيار أو قبض أو رصف ال ينفذ‪.‬‬
‫قبله‪ ،‬حتى لو َّ‬
‫ِ‬
‫وجود ويص األب‪ ،‬أو‬ ‫الصغري مع‬
‫َّرصف يف مال َّ‬
‫وال يملك القايض الت ُّ‬
‫ويص اجلد‪ ،‬أو ويص نفس القايض(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.471‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.313‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪169‬‬
‫والو ُّيل « ولو ذا رحم حمرم » ُيقدَّ م عىل القايض يف النِّكاح(‪.)1‬‬
‫فالّشء إذا كان ال يقبل التجزئة‬
‫«ذكر بعض ما ال يتجزأ كذكر كله»‪َّ ،‬‬
‫ال واحد ًا‪ ،‬فإذا وجد بعضه فيأخذ هذا البعض حكم الكل‪ ،‬فكأ َّنه‬
‫فيعتّب ك ً‬
‫وجد كله(‪ ،)2‬كمن طلق امرأته نصف تطليقة كانت تطليقة واحدة‪ ،‬وسيأيت‬
‫تفصيلها يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫«إذا اجتمع املبارش واملتسبب أضيف احلكم إىل املبارش»‪ ،‬وسيأيت‬
‫تفصيلها يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬مكانة األشباه والنظائر‪:‬‬
‫يعدُّ كتاب «األشباه» هو أشهر كتاب يف كتب القواعد‪ ،‬قال‬
‫بورنو(‪«:)3‬وهذا الكتاب مع كتاب السيوطي من أشهر كتب القواعد الفقهية‬
‫يف َّناية القرن الرابع عّش وأوائل القرن اخلامس عّش‪ ،‬حيث َّإَّنام أهم‬
‫كتابني أعتني هبام يف املذهبني احلنفي والشافعي‪ ،‬وقد القى كتاب ابن نجيم‬
‫من العناية وحسن اإلقبال عليه ما مل يالقه كتاب آخر يف بابه‪ ،‬فقد اعتنى به‬
‫علامء احلنفية منذ ظهر للوجود يف َّناية القرن الرابع عّش عناية فاقت احلد‬
‫حيث بلغ عدد الكتب من حواش ورشوح وتعليقات وخمترصات وهتذيبات‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.334‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.127 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف الوجيز ص‪.103‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪170‬‬
‫عّشات الكتب والرسائل وقد ذكر حاجي خليفة يف «كشف الظنون» منها‬
‫ثالثة عّش رشح ًا وتعليق ًة وما مل َيذكر أكثر ِما ذكره»‪.‬‬
‫ومن األعامل عىل األشباه‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن الناظر يف كتب فهارس املخطوطات والكتب يالحظ‪ :‬أ َّنه مل ينل‬
‫كتاب يف القواعد الفقهية عناي ًة وإهتامم ًا كام نال كتاب «األشباه» البن نجيم‪،‬‬
‫فاألعامل عليه ال تعدُّ وال حتىص‪ :‬من رشح‪ ،‬وحتشية‪ ،‬وتعليق‪ ،‬وترتيب‪،‬‬
‫ونظم‪.‬‬
‫وهذا ُّ‬
‫يدل عىل َّ‬
‫أن العلامء اعتنوا بتدريس علم القواعد كف ٍّن مستقل‪،‬‬
‫َّ‬
‫وأن الكتاب املعتمد يف تدريسه هو «األشباه» البن نجيم؛ لذلك رصفوا‬
‫مهمهم يف خدمته‪ ،‬وإليك بعض األعامل عليه‪ ،‬والتي مجعتها عىل عجالة من‪:‬‬
‫«فهرس آل البيت»‪ ،‬و«خزانة الرتاث»‪« ،‬كشف الظنون»‪ ،‬و«هدية العارفني»؛‬
‫لرتى مصداق ما قلت‪:‬‬
‫ملحمد بن حممد‪ ،‬الشهري‪ :‬بجوي زاده‪،‬‬ ‫‪«.1‬رشح األشباه»‬
‫(ت‪995‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.2‬رشح األشباه» لعِّل بن أمر اهلل‪ ،‬الشهري‪ :‬بقنايل زاده‪( ،‬ت‪997‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.3‬رشح األشباه» ملحمد بن حممد احلنفي‪ ،‬الشهري‪ :‬بزيرك زاده‪( ،‬ت‬
‫بعد‪1000‬هـ)‪ ،‬ومل يتم‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪171‬‬
‫‪«.4‬ذخري الناظر يف األشباه والنظائر» للطوري (ت‪1004‬هـ)‪ ،‬ذكرته‬
‫هنا للتنبيه أ َّنه ليس من الّشوح لألشباه وإ َّنام هو كتاب مستقل‪ ،‬وسيأيت‪.‬‬
‫‪«.5‬زوائد اجلواهر والنضائر عىل األشباه والنظائر» ملحمد بن عبد اهلل‬
‫بن امحد‪ ,‬التمرتايش‪( ،‬ت‪1004‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.6‬تنوير البصائر عىل األشباه والنظائر» لّشف الدين عبد القادر بن‬
‫بركات ال َغ ِّزي‪ ،‬ذكر فيه ما أغفله من‪ :‬االستثناءات‪ ،‬والقيود‪ ،‬واملهامت‪.‬‬
‫ووصل إىل‪ :‬آخر الفن السادس (ت‪1005‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.7‬تقرير األشباه والنظائر» ملحمد بن حممد زيرك زاده‪،‬‬
‫(ت‪1010‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.8‬رشح األشباه» لعبد احلليم بن حممد‪ ،‬الشهري‪ :‬بأخي زاده‪،‬‬
‫(ت‪1013‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.9‬زواهر اجلواهر النضاير رشح األشباه والنظائر» ملحمد بن حممد‬
‫التمرتايش‪ ،‬وفرغ منه (‪1014‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.10‬رشح األشباه» ملصطفى‪ ،‬الشهري‪ :‬بأيب امليامن‪( ،‬ت‪1015‬هـ)‪.‬‬
‫بك‬ ‫لعِّل‬ ‫والنظائر»‬ ‫األشباه‬ ‫رشح‬ ‫عىل‬ ‫‪«.11‬تقاريظ‬
‫اإلزنيقي(ت‪1019‬هـ)‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪172‬‬
‫‪«.12‬تنوير األذهان والضامئر رشح األشباه والنظائر» ملصطفى بن خري‬
‫الدين الرومي‪( ،‬ت‪1025‬هـ)‪ ،‬املعروف‪ :‬بجلب‪ ،‬مصلح الدين‪ ،‬وله‪:‬‬
‫« ِ‬
‫الع ْقد النظيم يف ترتيب قواعد األشباه والنظائر» عىل أبواب الفن الثاين‪.‬‬
‫‪«.13‬تدهني األذهان والضامئر يف رشح األشباه والنظائر» ملصطفى بن‬
‫نارصالدين‪( ,‬ت‪1025‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.14‬رشح األشباه» لعِّل بن غانم اخلزرجي املقديس‪( ،‬ت‪1036‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.15‬رشح األشباه» ملصطفى بن حممد‪ ،‬الشهري‪ :‬بعزمي زاده‪،‬‬
‫(‪1037‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.16‬رسالة عىل األشباه والنظائر» إلسحاق بن أمحد األردبيِّل‪،‬‬
‫(ت‪1055‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪«.17‬نزهة النَّواظر عىل األشباه والنَّظائر» خلري الدين أمحد بن عِّل‬
‫الرمِّل العليمي (ت‪1081‬هـ)‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪«.18‬نظم األشباه والنَّظائر» لعبد اهلل بن حممد حجازى بن عبد القادر‬
‫بن حممد احللبي‪ ،‬أيب الفيض‪َّ ،‬‬
‫الشهري بابن قضيب البان‪( ،‬ت‪1096‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.19‬غمز البصائر» ألمحد بن حممد احلنفي احلموي (ت‪ 1098‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬هدية العارفني‪.202 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪173‬‬
‫‪«.20‬عمدة ذوي البصائر حلل مهامت األشباه والنظائر» إلبراهيم بن‬
‫حسني ابن بريي‪( ،‬ت‪1099‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.21‬إيقاظ ذوى اإلنتباه لفهم االشتباه الواقع البن ُنجيم يف األشباه»‬
‫ملحمد بن عبد الرسول بن قلندر بن عبد السيد بن عبد الرسول احلسينى‬
‫الّبزنجى‪ ،‬الشهر زورى‪( ،‬ت‪1103‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪«.22‬حتفة األبصار والبصائر بتبويب األشباه والنظائر» ملحمد بن‬
‫خليل خويش (ت‪1111‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.23‬كشف الّسائر عىل األشباه والنظائر» ملحمد بن عمر بن عبد‬
‫القادر الكفريي‪( ،‬ت‪1130‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.24‬رشح األشباه» ملحمد عاصم بن عبد الرمحن ابن امحد بن أمر اهلل‪،‬‬
‫حممد سريك زاده الرومي (ت‪1138‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.25‬كشف احلظائر عن األشباه والنظائر» لعبد الغني بن إسامعيل‬
‫النابلس‪( ،‬ت‪1143‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.26‬توفيق اإلله يف رشح فن من األشباه» ملحمد بن أيب بكر املرعّش‪،‬‬
‫ساجقِّل زاده‪( ،‬ت‪1145‬هـ)‪.‬‬
‫‪ «.27‬إبراز الضامئر يف ترتيب األشباه والنظائر» ملحمد بن ويل بن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬هدية العارفني‪.303 :2‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪174‬‬
‫رسول اإلزمريي‪ ،‬القره شهري‪( ،‬ت‪1165‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.28‬متليح األفواه برتتيب األشباه» ملحمد بن عىل املفتى بقره حصار‪،‬‬
‫املعروف باحلميدي احلنفي‪( ،‬ت‪1170‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪«.29‬عمدة الناظر عىل األشباه والنظائر» أليب السعود حممد بن عِّل‬
‫احلسيني (ت‪1172‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.30‬كشف االشتباه يف رشح األشباه» حلسن بن عىل القيرصي‬
‫الرومي احلنفي‪ ،‬يعرف بخطيب بطال‪( ،‬ت‪1181‬هـ)(‪.)2‬‬
‫‪«.31‬رشح األشباه» لعثامن بن عبد اهلل الدمشقي احلنفي‪ ،‬أيب الفتح‪،‬‬
‫(ت‪1214‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.32‬رشح األشباه والنظائر» ملحمد أمني بن عِّل املدين‪ ،‬بايل زاده‪،‬‬
‫(ت‪1220‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.33‬التحقيق الباهر عىل األشباه والنظائر» ملحمد هبة اهلل بن حممد بن‬
‫ُييى التاجي احلنفي‪( ،‬ت‪ 1224‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.34‬نزهة النواظر عىل األشباه والنظائر» ملحمد أمني ابن عابدين‬
‫(ت‪1252‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬هدية العارفني‪.331 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬هدية العافني‪.299 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪175‬‬
‫‪«.35‬تقريرات وحتقيقات وتوقيعات وإفادات وأقوال معتّبة عىل‬
‫كتاب األشباه والنظائر» لعبد الرمحن البحراوي (ت‪1322‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.36‬هادي الّشيعة يف تريبب األشباه» ملحمد‪ ،‬املعروف‪ :‬بالصويف‪.‬‬
‫جعله عىل قسمني‪ :‬قسم‪ :‬يف األصول والوسائل‪ ،‬وقسم‪ :‬يف الفروع‬
‫واملسائل‪.‬‬
‫‪.37‬ترتيب «األشباه» ملحمد‪ ،‬الشهري‪ :‬بخويش خليل الرومي‬
‫القلنبكي‪ ،‬فرتب‪ :‬غري الفن األول والفن الثالث‪ ،‬بناء عىل أَّنام غري قابالن‬
‫للرتتيب‪.‬‬
‫‪.38‬ترتيب «األشباه» لعبد العزيز‪ ،‬الشهري‪ :‬بـ قره جلبي زاده(‪.)1‬‬
‫‪«.39‬رشح األشباه» ملحمد بن رشيد الرومي‪ ،‬سنبل زاده‪.‬‬
‫‪ُ «.40‬مغيث احلكام يف مزالق األحكام عىل األشباه» لعبد اهلل بن عِّل‬
‫عهدي السينويب‪.‬‬
‫‪«.41‬ترتيب األشباه والنظائر» ألمحد اخلادمي‪ ،‬أيب نعيم‪.‬‬
‫‪«.42‬عقد الدرر واجلواهر من نقد األشباه والنظائر» ملحمد امني بن‬
‫عثامن أفندي‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كشف الظنون‪.80 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪176‬‬
‫‪«.43‬تعليقات عىل أوائل األشباه والنظائر» ملحمد صادق بن فيض اهلل‬
‫بن حممد‪ ،‬صدر الدين زاده‪.‬‬
‫‪«.44‬ملتقط األشباه والنظائر» لعبد الواحد بن عبد الرمحن القاري‪.‬‬
‫‪«.45‬حاشية عىل األشباه والنظائر» لعبد الباقي بن سعيد ابن شعبان‪.‬‬
‫‪َ «.46‬حل االشتباه‪ ،‬عن عقد األشباه» ترتيب لعبد العزيز‪ ،‬قره جلبي‬
‫زاده‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬كتب املتأخرين والقواعد‪:‬‬
‫الّشوح‬
‫مجع من الفقهاء املتأخرين بجمع التَّعليالت املذكورة يف ُّ‬
‫اعتنى ٌ‬
‫الفقهية‪ ،‬واالهتامم بأكثرها استعامالً وفائدة؛ حتى ُت ِّ‬
‫سهل عىل الطالب ضبط‬
‫معرفة القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬‫ِ‬ ‫العلم‪ ،‬وعىل املفتي من‬
‫للمسائل؛ ليتمكَّن من ضبطها والتَّخريج عليها‪ ،‬وِمن فعل ذلك‪ :‬بعد ابن‬
‫واخلادمي‪ ،‬واب ُن محزة احلسيني‪ ،‬و«جمل ُة‬
‫ُّ‬ ‫ُنجيم يف «األشباه» ال ُّط ُّ‬
‫وري‪،‬‬
‫الزرقا‪ ،‬وسأعرض ها هنا لبعض ما ذكروا من القواعد‬ ‫األحكام»‪ ،‬ومصطفى َّ‬
‫مع التَّمثيل عليها؛ ليطلع الدارس عىل ماهية هذه القواعد ومعناها‪ ،‬ويتعرف‬
‫عىل عملهم يف مجعها إمجاالً‪ ،‬وهي عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ناظر زاده يف «ترتيب الآللئ يف سلك األمايل»‪:‬‬
‫ملحمد بن سليامن‪َّ ،‬‬
‫الشهري بناظر زاده‪( ،‬ت بعد‪1061‬هـ)‪ ،‬قال يف‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪177‬‬
‫مقدمته(‪ «:)1‬ملا ُأذنت باإلفتاء و ُأمرت بنقل املسائل؛ لتطمئن القلوب عند‬
‫السائل‪ ،‬فتصفحت كتب األئمة املهتدين من علامء الدِّ ين‪ ،‬ووجدت‬
‫جواب َّ‬
‫قواعد و ُأصوالً تصلح أن تكون للجواب دليالً‪ ،‬ورتبتها يف اجلريدة عىل‬
‫حروف اهلجاء من األلف والباء إىل الياء‪ ،‬وتسهي ً‬
‫ال إلحضارها يف الباب‪،‬‬
‫السؤال‪ ،‬وأوردت علة ختلف بعض األحكام عن هذه‬ ‫وإحصارها لدى ُّ‬
‫القواعد يف بدء النَّظر وتبادر األوهام‪.» ...‬‬
‫وبلغ عدد القواعد والضوابط واألصول الفقهية التي مجعها (‪)266‬‬
‫ست ًا وستني ومئتني‪ ،‬وبعضها قواعد أصولية‪.‬‬
‫ومن األصول التي ذكرها‪:‬‬
‫(ق‪«:)96:‬إذا تعذر األصل يصار إىل البدل»‪.‬‬
‫األصل‪ :‬هو ما ُيب أوالً كاملاء للطهارة‪،‬والبدل‪ :‬ما يقوم مقام األصل‬
‫عند عدمه كالتيمم بالرتاب‪ ،‬فتدل هذه القاعدة عىل َّ‬
‫أن البدل ال يصار إليه إال‬
‫عند العجز عن األصل(‪.)2‬‬
‫ومثاله‪ :‬لو أجر رجل دار ًا شهر ًا‪ ،‬فاهلالل أصل فيه‪ ،‬فيعتّب إن كان‬
‫العقد حني هيل‪ ،‬وإن كان العقد يف أثناء َّ‬
‫الشهر تعذر االعتبار باهلالل‪ ،‬فيصار‬
‫إىل البدل‪ ،‬وهو األيام(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف ترتيب الاللئ‪.190-188 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.167 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.276-275 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪178‬‬
‫«اإلشارة إ َّنام تقوم مقام العبارة إذا كانت معهودة»‪ ،‬كام يف األخرس‪،‬‬
‫ومعتقل اللسان إن امتد اعتقاله وصارت له إشارة معهودة(‪ ،)1‬وستأيت بعبارة‪:‬‬
‫«اإلشارة املعهودة لألخرس كالبيان باللسان» يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫(ق‪« :)97:‬األفعال املباحة ال جيوز مبارشهتا إال برشط أن ال يرذي‬
‫أحد ًا»‪ ،‬كالرمي بقصد الصيد مباح‪ ،‬فإذا أصاب آدمي ًا يضمن ويأثم دون إثم‬
‫التحرز وترك االحتياط‪ ،‬وأما كون اإلثم‬
‫ُّ‬ ‫القتل‪ ،‬أما الضامن واإلثم فلعدم‬
‫دونه؛ لعدم القصد(‪.)2‬‬
‫كمن قال‪ :‬لفالن عِّل ألف‬
‫(ق‪« :)98:‬اإلقرار ال يتمل التعليق»‪َ ،‬‬
‫إخبار َتر ُّدد بني‬
‫ٌ‬ ‫درهم إن شاء فالن‪ ،‬فقال فالن‪ :‬قد شئت‪ ،‬فهذا باطل؛ ألنه‬
‫الصدق والكذب‪ ،‬فإن كان صدق ًا ال يصري كذب ًا بفوات الّشط‪ ،‬وإن كان‬
‫ِّ‬
‫كذب ًا ال يصري صدق ًا بوجود الّشط(‪.)3‬‬
‫(ق‪« :)99:‬بيع الدَّ ين بالدَّ ين باطل»‪ ،‬كمن صالح عىل عّشة أرطال‬
‫حنطة بعّشة دنانري‪ ،‬فإن قبض يف املجلس العّشة جاز‪ ،‬وإال فال؛ أل َّنه حينئذ‬
‫يكون بيع الدَّ ين بالدَّ ين(‪ ،)4‬فعن ابن عمر ‪َّ « :‬‬
‫إن رسول اهلل ‪َّ ‬نى عن بيع‬
‫الكالئ بالكالئ»(‪ ،)5‬أي‪:‬النسيئة بالنسيئة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.310 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.273 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.379 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.452 :1‬‬
‫(‪ )5‬يف سنن الدارقطني ‪ ،71 :3‬واملوطأ ‪ ،797 :2‬ورشح معاين اآلثار ‪ ،21 :4‬واملستدرك‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪179‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اخلادمي (ت‪1176‬هـ) يف خامتة «جمامع احلقائق»‪:‬‬
‫أليب سعيد حممد بن مصطفى بن عثامن احلسيني اخلادمي احلنفي‪ ،‬وهذا‬
‫كتاب يف أصول الفقه‪ ،‬ولكن يف خامتته مجع مؤلفه (‪ )154‬أربع ًا ومخسني‬
‫ورش َح الكتاب مصطفى ُك ْو َزل‬
‫ومئة قاعدة رتبها عىل حروف املعجم‪َ َ ،‬‬
‫َحصاري (ت‪1215‬هـ)‪ ،‬فتناول رشح القواعد‪ ،‬وسامه‪« :‬منافع الدقائق‬
‫رشح جمامع احلقائق»‪ ،‬وكذلك رشح اخلامتة سليامن القرق أغاجي(‪.)1‬‬
‫ومن قواعده‪:‬‬
‫حق اجلاهل كاالجتهاد يف حق املجتهد»‪ ،‬أي يف‬
‫(ق‪« :)100:‬الفتوى يف ر‬
‫وجوب العلم ولزوم االمتثال(‪ ،)2‬أي‪ :‬وجه الشبه وجوب العمل عليه‬
‫بالفتوى كوجوب العمل باالجتهاد(‪.)3‬‬
‫والفتوى باحلكم الّشعي يف حق اجلاهل بطرق االجتهاد هي بمنزلة‬
‫االجتهاد يف حق املجتهد يف وجوب العمل هبا‪ ،‬فإذا كان القادر عىل االجتهاد‬
‫ال ُيوز له أن يترصف إال بعد أن يعرف حكم اهلل باجتهاده فيام يريد الترصف‬
‫فيه ‪ ،‬فكذلك اجلاهل عليه أن يستفتي فيام ُيهله من أحكام اهلل عز وجل‪،‬‬

‫لكن إمجاع الناس‬


‫‪ ،65 :2‬وصححه احلاكم‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬ليس يف هذا حديث يصح‪َّ ،‬‬
‫عىل أنَّه ال ُيوز بيع دين بدين‪ .‬ينظر‪ :‬تلخيص احلبري ‪ ،26 :3‬وغريها‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،178-176‬والوجيز لبورنو ص‪.104‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.326‬‬
‫(‪ )3‬غمز العيون‪.234 :3‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪180‬‬
‫وُيب عليه العمل بالفتوى‪ ،‬وال ُيوز له الترصف قبل معرفة احلكم؛ ألن‬
‫الفتوى يف حقه يف درجة حكم القايض‪ ،‬أو احلَكَم يف وجوب التنفيذ وعدم‬
‫املخالفة(‪.)1‬‬
‫الذك ِْر إِن ُكن ُت ْم الَ َت ْع َل ُمون}‬
‫اس َأ ُلو ْا َأ ْه َل ِّ‬
‫وهذا مستفاد من قوله ‪َ { :‬ف ْ‬
‫ألَّنم مظهرون‬ ‫النحل‪ ،43 :‬ومعلوم َّ‬
‫أن سؤاهلم ليس لتفكه‪ ،‬وإ َّنام للعمل؛ َّ‬
‫وموضحون ومبينون مراد الشارع الكريم ال غري‪ ،‬وهذا حمل اتفاق عند علامء‬
‫الدِّ ين‪.‬‬
‫حق‬
‫كنص الشارع يف ِّ‬ ‫ووي(‪« :)2‬إن َّ‬
‫نص مذهب إمامه يف ح ِّقه ِّ‬ ‫قال النَّ ُّ‬
‫ألن نص إمامه الذي هو يف حقه «اللتزامه تقليده »‬
‫املجتهد املستقل»؛ َّ‬
‫كالدليل يف حق املجتهد(‪.)3‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم زكريا األنصاري(‪« :)4‬إن كان املفتي مقلد ًا إلمام‬
‫معني‪ ،‬فنص إمامه وإن كان اجتهادي ًا يف حقه كالدليل القاطع يف حق‬
‫املجتهد»‪.‬‬

‫(‪ )1‬موسوعة القواعد‪.15 :8‬‬


‫(‪ )2‬يف املجموع‪.79 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إدرار الّشوق عىل أنوار الفروق البن الشاط ‪ ،115 :2‬وغاية الوصول ص‪،167‬‬
‫وفتاوى الرمِّل‪.123 :4‬‬
‫(‪ )4‬يف أسنى املطالب‪.286 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪181‬‬
‫وقال اجلالل املحِّل(‪َّ «:)1‬‬
‫إن أقوال املجتهدين يف حق املقلد كاألدلة يف‬
‫حق املجتهد فكام ُيب األخذ بالراجح من األدلة ُيب األخذ بالراجح من‬
‫األقوال» ‪.‬‬
‫(ق‪« :)101:‬الساقط ال يعود»‪ ،‬والساقط صفة ملوصوف حمذوف‪،‬‬
‫حق له عىل غريه‪ ،‬وأبرأه‬
‫فمن تنازل عن ٍّ‬
‫وهو‪ :‬احلكم أو الترصف أو احلق‪َ ،‬‬
‫منه‪ ،‬وأسقطه عنه‪ ،‬فإ َّنه ال حق له يف املطالبة به بعد ذلك؛ ألنه قد تالشى‪ ،‬وما‬
‫تالشى و ُع ِدم ال ُيمكن عوده مر ًة ثانية؛ أل َّنه يصبح معدوم ًا ال سبيل إىل‬
‫إعادته‪ ،‬إال بسبب جديد يعيد مثله ال عينه(‪ ،)2‬فلو أجاز الوارث الوصية‬
‫الزائدة عىل الثلث ال يرجع بعده؛ َّ‬
‫ألن الساقط تالشى فال ُيتمل العود(‪.)3‬‬
‫وعبارهتا يف املجلة‪« :‬الساقط ال يعود‪ ،‬كام َّ‬
‫أن املعدوم ال يعود»‪ ،‬معناه‪:‬‬
‫أن ما يقبل السقوط من احلقوق إذا سقط منه يش ٌء بمسقط‪ ،‬فإ َّنه ال يعود بعد‬
‫والساقط أصبح معدوم ًا بعد سقوطه فال‬ ‫سقوطه‪ ،‬وكام َّ‬
‫أن املعدوم ال يعود‪َّ ،‬‬
‫وس َّلم البائع املبيع للمشرتي قبل قبض‬
‫يعود‪ ،‬فلو كان الثمن غري مؤجل‪َ ،‬‬
‫الثمن‪ ،‬فإ َّنه يسقط حقه يف حبس املبيع‪ ،‬وليس له اسرتداده بعد ذلك وحبسه‬
‫ليستويف الثمن‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف رشح مجع اجلوامع‪.435 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.7 :5‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.321‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪182‬‬
‫وكذلك األجري إذا كان له حق حبس العني؛ بأن كان لعمله أثر فيها ـ‬
‫والص َّباغ إذا س َّلمها حقيق ًة أو س َّلمها حك ًام؛ بأن‬
‫َّ‬ ‫أي عين ًا قائم ًة ـ ‪ :‬كاخلياط‬
‫بيت استأجره سقط ح ُّقه يف احلبس‪ ،‬وكذلك حق املرهتن يف حبسه‬ ‫عمل يف ِ‬

‫الرهن‪ ،‬فإ َّنه إذا أسقطه يسقط(‪.)1‬‬


‫(ق‪« :)102:‬اجلهل إ َّنام يكون عذر ًا إذا مل يقع حاجة إليه»‪ :‬أي إىل‬
‫األحكام‪ ،‬كجهل مسلم يف دار احلرب مل هياجر إلينا‪َّ ،‬‬
‫فإن جهله بالّشائع من‬
‫ال يكون عذر ًا‪ ،‬بحيث ال ُيب القضاء عليه بعد العلم‬
‫الصالة والزكاة مث ً‬
‫بالوجوب‪ ،‬وكجهل مسلم يف دارنا لكن مل يبلغه اخلطاب؛ لعدم انتشاره يف‬
‫دارنا(‪.)2‬‬
‫فاجلهل باألَحكام الّشعية يف دار اإلسالم يكون عذر ًا‪ ،‬إذا كانت هذه‬
‫األَحكام غري حمتاج إليها‪ ،‬وهي األَحكام التي فيها خفاء‪ ،‬وهو ليس يف حاجة‬
‫للعمل هبا‪ :‬كجهل الفقري يف أحكام الزكاة واحلج(‪.)3‬‬
‫ويتعني من ظواهر العلوم التي ُيب تعلمها‬
‫قال زكريا األنصاري(‪َّ «:)4‬‬
‫ال دقائقها ِما ُيتاج إليه إلقامة فرائض الدِّ ين‪ :‬كأركان الصالة والصيام‬
‫ورشوطهام؛ َّ‬
‫ألن َمن ال يعلمها ال يمكنه إقامة ذلك‪ ...‬وعبارة األصل‪ :‬وإ َّنام‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.226‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.319‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة القواعد‪.46 :3‬‬
‫(‪ )4‬يف أسنى املطالب ‪.182 :4‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪183‬‬
‫يتعني تعلم األحكام الظاهرة دون الدقائق واملسائل التي ال تعم هبا البلوى»‬
‫وقال القاري(‪« :)1‬وُيب عىل ِّ‬
‫كل مكلف تعلم ما ُيتاج إليه إلقامة‬
‫الفرائض والواجبات‪ ،‬وملعرفة العقد الصحيح من غريه يف املعامالت‪،‬‬
‫واحلالل من احلرام من املأكوالت واملّشوبات؛ لقوله ‪ :‬طلب العلم‬
‫فريض ٌة عىل كل مسلم ومسلمة (‪.»)2‬‬
‫وقال الزرنوجي(‪« :)3‬اعلم أ َّنه ال يفرتض عىل ِّ‬
‫كل مسلم طلب كل‬
‫علم‪ ،‬وإ َّنام ُيفرتض عليه طلب علم احلال‪ ،‬بأن يطلب علم ما يقع له يف حاله‬
‫يف أي حال كان‪ ،‬فيفرتض عليه تعلم ما ال ُبد له من أحكام الطهارة والصالة‬
‫ِما يقع له‪ ،‬وُيب عليه بقدر ما يؤدي به الواجب‪ ،...‬ومثل ذلك تعلم َأحكام‬
‫الصيام والزكاة إن كان له مال‪ ،‬واحلج إن َو َجب عليه‪ ،‬وكذلك البيوع إن‬

‫(‪ )1‬يف فتح باب العناية‪.32 :3‬‬


‫(‪ )2‬يف سنن ابن ماجه‪ ،81 :1‬واملعجم األوسط‪ ،245 :4‬واملعجم الصغري‪ ،36 :1‬واملعجم‬
‫الكبري‪ ،195 :10‬ومعجم اإلسامعيِّل‪ ،652 :2‬ومسند أيب يعىل ‪ ،223 :5‬ومسند الشهاب‪:1‬‬
‫‪ ،136‬وغريها‪ .‬قال أمحد‪ :‬ال يثبت عندنا يف هذا الباب يشء‪ ،‬قال البزار‪ :‬كل ما يروى فيها‬
‫عن أنس غري صحيح‪ ،‬وقال البيهقي متنه مشهور وإسناده ضعيف‪ ،‬وروي من أوجه كلها‬
‫ضعيفة‪ ،‬قال العراقي‪ :‬قد صحح بعض األئمة بعض طرقه‪ ،‬وقال املزي‪َّ :‬‬
‫إن طرقه تبلغ رتبة‬
‫احلسن‪ .‬قال السخاوي‪ :‬وقد أحلق بعض املحققني‪ :‬ومسلمة؛ وليس هلا ذكر يف يشء من طرقه‬
‫وإن كانت صحيحة املعنى‪ .‬كام يف ختريج أحاديث اإلحياء‪ ،57-55 :1‬وكشف اخلفاء‪:2‬‬
‫‪ ،57-56‬وقال السيوطي يف تبييض الصحيفة ص‪« :298‬وعندي إنَّه بلغ رتبة الصحيح؛‬
‫ألين وقفت له عىل نحو مخسني طريق ًا وقد مجعتها يف جزء»‪.‬‬
‫(‪ )3‬يف تعليم املتعلم ص‪.20-19‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪184‬‬
‫كان يتَّجر‪ ،‬وكذلك ُيفرض عليه علم َأحوال القلب‪ ،‬من التوكل واإلنابة‬
‫واخلشية والرضا‪ ،‬فإ َّنه واقع يف مجيع األحوال‪.» ..‬‬
‫(ق‪« :)103:‬جناية العجامء ُج َبار»‪ :‬أي جناية احليوانات وإتالفها هدر‪،‬‬
‫ال يلزم الضامن بإهالكها إن مل يمكن االحرتاز من صاحبها‪ ،‬كام لو نفحت‬
‫الدابة برجلها أو ذنبها‪ ،‬فال يضمن الراكب‪ ،‬بخالف ما لو وطئت وأصابت‬
‫بيدها أو رأسها‪ ،‬فإ َّنه يضمن؛ إلمكان االحرتاز بدفعها(‪.)1‬‬
‫وهذه من قواعد «املجلة»‪ ،‬وأصلها يف حديث أيب هريرة ‪ ‬قال النبي‬
‫‪« :‬العجامء جرحها ُج َبار»(‪.)2‬‬
‫الربط فيه‪ ،‬فأتلفت إحدامها‬‫فلو ربط اثنان دابتهام يف حمل هلام َحق َّ‬
‫األخرى‪ ،‬فال ضامن عىل صاحبها‪ ،‬ولكن لو أتلفت العجامء شيئ ًا بنفسها‪،‬‬
‫وكان صاحبها يراها‪ ،‬فلم يمنعها ضمن‪ ،‬والظاهر تقييده بام إذا كان قادر ًا‬
‫عىل منعها(‪.)3‬‬
‫(ق‪« :)104:‬متليك الدَّ ين من غِّي َمن عليه الدَّ ين ال جيوز»‪.‬‬
‫فإن صاحب الدَّ ين إذا م َّلك دينه الثابت يف ذمة املديون لغري َمن عليه‬
‫َّ‬
‫الدَّ ين فأ َّنه ال ُيوز سواء كان بعوض أم بغري عوض؛ لعدم القدرة عىل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.318‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،12 :9‬وصحيح مسلم‪.1334 :3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.457‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪185‬‬
‫التسليم‪ ،‬وأما متليك الدَّ ين ِمن عليه الدَّ ين فجائز؛ أل َّنه إبراء يف احلقيقة‬
‫وإسقاط(‪ ،)1‬أو متليك بعوض والتسليم متحقق فيه؛ لوجود املال بني يديه‪.‬‬
‫فلو كان يف الرتكة دين عىل الناس‪ ،‬و ُأخرج أحد الورثة من الرتكة بعني‬
‫ـ أي ماالً موجود ًا ـ عىل أن يكون الدَّ ين لسائر الورثة بام يأخذ منهم من املال‬
‫املوجود ال يصح(‪.)2‬‬
‫ولو باع رجل ديونه عىل زيد لعمرو جاز‪.‬‬
‫(ق‪« :)105:‬التابع ال يتقدَّ م عىل املتبوع»‪ ،‬ملا كان التابع تالي ًا ملتبوعه‬
‫ومتأخر ًا عنه يف الوجود‪ ،‬فال ُيوز أن يتقدم عليه يف الفعل والعمل؛ أل َّنه إذا‬
‫تقدَّ م عليه يف الفعل تقدَّ م يف احلكم‪ ،‬وهذا تناقض؛ أل َّنه تابع ملتبوعه يف‬
‫أحكامه(‪ ،)3‬فال يصح تقدم املأموم عىل إمامه يف تكبرية اإلفتتاح وال يف‬
‫األركان(‪ ،)4‬وسيأيت تفاصيل بقية قواعد التبعية يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫(ق‪« :)106:‬بناء القوي عىل الضعيف»‪ ،‬فمن العبادات ما هو قوي‪:‬‬
‫كالفرض والواجب‪ ،‬ومنها ما هو ضعيف كالنفل والتطوع‪ ،‬فام كان ضعيف ًا‬
‫يبنى عىل القوي‪ ،‬ولكن ما كان قو ًّيا فال ينبني عىل الضعيف(‪ ،)5‬فال تصح‬
‫صالة املفرتض خلف املتنفل‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.480 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.316‬‬
‫(‪ )3‬موسوعة القواعد‪.162 :2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.315‬‬
‫(‪ )5‬موسوعة القواعد‪.86 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪186‬‬
‫الرعاف‬
‫كمن به ُّ‬
‫وال ُيصِّل الطاهر خلف َمن هو يف معنى املستحاضة‪َ ،‬‬
‫الدَّ ائم واجلرح الذي ال يرقأ‪ ،‬و َمن به سلس البول‪ ،‬أو استطالق البطن‪ ،‬أو‬
‫الريح ونحوها‪ ،‬وال تصِّل ال َّطاهرات خلف املستحاضة؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫انفالت ِّ‬
‫الصحيح أقوى حاالً من املعذور‪ ،‬وال ُيصِّل القارئ خلف األُمي (‪،)1‬‬
‫َّ‬
‫تصح به‬
‫ُّ‬ ‫والقارئ من ُيفظ ما تصح به الصالة‪ ،‬واألمي َمن ال ُيفظ ما‬
‫الصالة‪ ،‬فحال القارئ أقوى‪ ،‬فلم تصح صالته خلف األمي‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬الطوري (ت‪1004‬هـ) يف «ذخِّية الناظر يف األشباه‬
‫والنظائر»‪:‬‬
‫لعِّل بن عبد اهلل الطوري املرصي احلنفي ‪ ،‬قال يف مقدمته‪« :‬مجعت فيه‬
‫بني الفقه والقواعد ومسائل اجلمع والفرق‪ ،‬وبدأت بالفقه وثنيت بمسائل‬
‫اجلمع والفرق‪ ،‬وختمت بالقواعد»‪ ،‬وذكر فيه (‪ )59‬تسع ًا ومخسني قاعدة‪.‬‬
‫ومن قواعده‪:‬‬
‫(ق‪« :)107:‬االعتبار يف العبادات بام يف نفس األمر ال لظن املكلف»‪،‬‬
‫فلو صىل ال ُّظهر ناوي ًا القضاء فظهر‪ ،‬ف َّ‬
‫أن بقي الوقت كان أدا ًء‪ ،‬ولو نوى‬
‫أن خرج الوقت كان قضا ًء(‪.)2‬‬ ‫األداء فظهر‪ ،‬ف َّ‬

‫(ق‪« :)108:‬السكوت إقرار»‪ ،‬أي‪ :‬السكوت قائم مقام النطق‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.314‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\195‬ب‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪187‬‬
‫واألصل فيه‪َّ :‬‬
‫أن كل عمل ال يتفاوت الناس فيه يعتّب فيه اإلذن داللة‪،‬‬
‫كقصاب شد شاة للذبح فذبحها غريه مل يضمن(‪ ،)1‬أي‪ :‬بعدما جهز َمن يذبح‬
‫الشياه شا ًة للذبح قام بذبحها شخص آخر‪ ،‬فإنه ال يضمن‪.‬‬
‫(ق‪« :)109:‬من صار خص ًام يف حادثة ال تقبل شهادته»‪ ،‬كالوكيل‬
‫باخلصومة إذا خاصم عند احلاكم ثم عزل ال تقبل شهادته فيام خاصم فيه(‪)2‬؛‬
‫ملا فيه من التهمة له‪.‬‬
‫(ق‪« :)110:‬األفعال اجلائزة أو الواجبة املرتتب عليها احلرمة إذا وقع‬
‫الش ُك يف املرتترب عليها ال تثبت احلرمة»‪« :‬كصبية أرضعها قوم كثريون من‬
‫يتزوجها‪ ،‬قال‬
‫قرية‪ ،‬وال يدرى من أرضعها‪ ،‬وأراد واحدٌ من أهل القرية أن َّ‬
‫الصفار‪ :‬إذا مل يظهر له عالمة‪ ،‬وال شهد له بذلك ُيوز‬
‫أبو القاسم َّ‬
‫نكاحها»(‪.)3‬‬
‫(ق‪« :)111:‬ما عمت بليته اتسعت قضيته»؛ َّ‬
‫ألن ما ضاق عىل الناس‬
‫أمره اتسع بحكمه(‪ :)4‬كطني الشارع املتيقن نجاسته يعفى عن القدر الذي ال‬
‫يمكن االحرتاز عنه‪ ،‬والبول إذا انتثر عىل الثوب «كرؤوس اإلبر» يعفى‬
‫عنه(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\192‬أ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\168‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\259‬ب‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬البحر الرائق‪.120 :8‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\148‬ب‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪188‬‬
‫رابع ًا‪« :‬جملة األحكام العدلية العثامنية»‪:‬‬
‫صدرت سنة ‪ 1286‬هـ‪ ،‬إذ قدمت موادها بتسع وتسعني قاعدة فقهية‬
‫خمتارة من أهم ما مجع ابن نجيم واخلادمي‪ ،‬بإضافة بعض القواعد األخرى‬
‫من املادة ‪ 2‬إىل املادة ‪ ،100‬وهلذه املجلة رشوح من أمهها‪:‬‬
‫‪« .1‬مرآة جملة األحكام العدلية» لسعود أفندي‪.‬‬
‫عربه عن الرتكية فهمي احلسيني‪.‬‬
‫‪« .2‬درر احلكام» لعِّل حيدر‪َّ ،‬‬
‫‪« .3‬رشح املجلة» لسليم بن رستم بن باز (ت‪1328‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .4‬رشح املجلة» ملحمد سعيد عبد الغني الراوي (ت‪1354‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .5‬رشح املجلة» ملفتي محص‪ :‬الشيخ حممد خالد األتايس (ت‪1326‬هـ)‪،‬‬
‫وأكمله ابنه الشيخ طاهر األتايس (ت‪1359‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .6‬رشح املجلة» ملحمد سعيد املحاسني الدمشقي (ت‪1374‬هـ)‪.‬‬
‫‪ « .7‬رشح قواعد املجلة» لعبد الستار القسطنطيني (ت‪1304‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .8‬رشح قواعد املجلة»ألمحد الزرقا احلنفي احللبي (ت‪ 1357‬هـ)‪ ،‬حيث‬
‫حاول الشارح أن ُيمع يف هذا الكتاب كل ما له صلة بإحدى القواعد‪ :‬من‬
‫الفروع‪ ،‬والقيود‪ ،‬واملستثنيات(‪.)1‬‬
‫‪« .9‬رشح قواعد املجلة» ملنري القايض (ت‪1389‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،183-178‬والوجيز لبورنو ص‪.104‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪189‬‬
‫‪« .10‬القواعد الفقهية مع الّشح املوجز» لعزت عبيد الدعاس‪.‬‬
‫‪« .11‬املبادئ الفقهية» أليب الوفاء حممد درويش املحامي‪ ،‬وهي رسالة‬
‫موجزة يف رشح قواعد املجلة‪.‬‬
‫ومن القواعد املذكورة يف املجلة‪:‬‬
‫(ق‪« :)112:‬ال يتم التربع إال بالقبض»‪ ،‬فالتّبع‪ :‬كاهلبة واهلدية‬
‫والصدقة وما أشبه ذلك ال بدَّ فيه من القبض حتى يتم التّبع‪ ،‬فلو رجع‬
‫الواهب مث ً‬
‫ال قبل القبض مل تلزم اهلبة‪ ،‬وله ذلك‪ ،‬ولو تويف الواهب أو‬
‫املوهوب له قبل القبض بطلت اهلبة(‪.)1‬‬
‫إن أبا بكر الصدِّ يق ‪ ‬كان‬ ‫وأصلها‪ :‬عن عائشة ريض اهلل عنها قالت‪َّ « :‬‬
‫نحلها ِجداد عّشين وسق ًا من ماله بالغابة‪ ،‬فلام حّضته الوفا ُة قال‪ :‬واهلل يا‬
‫أعز عِّل فقر ًا بعدي‬
‫غنى بعدي منك‪ ،‬وال ُّ‬
‫أحب إيل ً‬
‫ُّ‬ ‫بنية ما من النَّاس أحدُّ‬
‫منك‪ ،‬وإين كنت نحلتك ِجداد عّشين وسق ًا‪ ،‬فلو كنت جددته كان لك‪،‬‬
‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫مال وارث‪ ،‬وإنَّام مها َأخواك و ُأختاك‪ ،‬فاقتسموه عىل‬
‫وإنَّام هو اليو ُم ُ‬
‫اهلل‪ ،‬قالت عائشة ريض اهلل عنها‪ :‬فقلت‪ :‬يا أبت‪ ،‬واهللِ لو كان كذا وكذا‬
‫لرتكته‪ ،‬إنَّام هي أسامء فمن األخرى‪ ،‬قال‪ :‬ذو بطن ابنة خارجة أراها‬
‫وجارية‪ ،)2(»...‬وعن عمر ‪« :‬ال َُيِ ُّل إال َملن حازه فقبضه»(‪ ،)3‬وعنه أيض ًا‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬قواعد الزحيِّل‪.524 :1‬‬


‫(‪ )2‬يف املوطأ‪ ،752 :2‬ورشح معاين اآلثار ‪ ،88 :4‬والسنن الكّبى ‪.280 :6‬‬
‫(‪ )3‬يف مصنف عبد الرزاق‪.102 :9‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪190‬‬
‫ّبع لو تم بدون قبض‬ ‫َّ‬
‫وألن عقدَ الت ُّ‬ ‫‪« :‬اإلنحال مرياث ما مل يقبض»(‪،)1‬‬
‫ّبع عليه مطالبة املتّبع بالتَّسليم فيصري عقد ضامن‪ ،‬وهو تغيري‬
‫لثبت للمت ِّ‬
‫للمّشوع‪.‬‬
‫فإَّنا تّبع وتتم بدون قبض(‪.)2‬‬
‫وخرج عن القاعدة‪ :‬الوصية‪َّ ،‬‬
‫(ق‪« :)113:‬ما جاز بعذر بطل بزواله»‪ :‬أي َّ‬
‫إن احلكم الذي رشع‬
‫بسبب العوارض‪ ،‬تزول مّشوعيته إذا زالت تلك العوارض‪ :‬كإشارة‬
‫فإَّنا ُتقبل منه كاخلطاب يف املعامالت‪ ،‬فإذا زال منه مرض‬
‫األخرس‪َّ ،‬‬
‫اخلرس‪ ،‬فال تقبل إشارته(‪.)3‬‬
‫تيمم ملرض بطل بّبءه‪ ،‬أو لّبد بطل بزواله(‪.)4‬‬
‫ولو َّ‬
‫حرم الشارع عىل املسلم فعله‬
‫(ق‪« :)114:‬ما حرم فعله حرم طلبه»‪ ،‬فام َّ‬
‫حرم عليه أن يطلب فعله من غريه(‪ ،)5‬فال ُيوز غش الغري‪ ،‬وال خديعته‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬
‫خيانته‪ ،‬وال إتالف ماله‪ ،‬وال رسقته‪ ،‬وال غصبه‪ ،‬وال طلب الرشوة‪ ،‬وال فعل‬
‫ما يوجب حد ًا‪ ،‬أو تعزير ًا‪ ،‬أو إساءة‪ ،‬وال ُيوز طلب يشء منها؛ بأن يفعله‬
‫الغري(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬يف السنن الصغرى ‪.338 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص‪.307‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح املحاسني عىل املجلة ‪.53 :1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الدر املختار‪.256 :1‬‬
‫(‪ )5‬موسوعة القواعد ‪.122 :9‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.217‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪191‬‬
‫(ق‪« :)115:‬إذا تعارض املانع واملقتيض يقدم املانع»؛ َّ‬
‫ألن اعتناء الشارع‬
‫باملنهيات أشد من اعتنائه باملأمورات‪.‬‬
‫رصف‬
‫ِمنوع عن الت ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ال منهام‬ ‫السفل لواحد والعلو آلخر‪َّ ،‬‬
‫فإن ك ً‬ ‫فلو كان َّ‬
‫ّض بملك صاحبه؛ تغليب ًا للامنع عىل املقتيض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يف ملكه بام َي ُ ُّ‬
‫ولو َضم ما ال ُيل بيعه كاخلنزير إىل ما ُيل يف صفقة واحدة يفسد‬
‫البيع‪.‬‬
‫َّرصف يف العني املأجورة بام يمس حق املستأجر؛‬
‫ويمنع املؤجر من الت ُّ‬
‫تقدي ًام للامنع وهو حق املستأجر(‪.)1‬‬
‫يترصف يف ملك الغِّي بال إذنه»‪ ،‬فال ُّ‬
‫ُيل‬ ‫(ق‪« :)116:‬ال جيوز ألحد أن َّ‬
‫ترصف ًا فعلي ًا يف ملك الغري‪ ،‬سواء كان خاص ًا أو‬
‫يترصف ُّ‬
‫يصح منه أن َّ‬
‫ُّ‬ ‫له وال‬
‫مشرتك ًا بال إذنه سابق ًا‪ ،‬أو إجازته الحق ًا‪.‬‬
‫رصف نوعان‪ :‬فعِّل وقويل‬
‫وال َّت ُّ‬
‫أما الترصف الفعِّل‪ ،‬فإن كان تقدمه إذن سابق ُيل ويصح؛ َّ‬
‫ألن اإلذن‬
‫السابق توكيل‪.‬‬
‫َّرصف القويل يف ملك الغري‪ :‬كبيع الفضويل وهبته وإجارته‬ ‫وأ َّما الت ُّ‬
‫وغريها‪ ،‬فإن أعقبه التَّسليم كان غاصب ًا بالتسليم وضامن ًا‪ ،‬وعقده موقوف‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.244‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪192‬‬
‫فإذا حلقته إجازة املالك بّشطها لزم(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)117:‬املواعيد بصور التَّعليق تكون الزمة»‪ ،‬فاملواعيد التي‬
‫تصدر من اإلنسان فيام ُيمكن ويصح التزامه به رشع ًا‪ ،‬إذا صدرت منه‬
‫مصحوب ًة بأدوات التَّعليق الدالة عىل احلمل أو املنع تكون الزمة؛ حلاجة‬
‫الناس إليها‪.‬‬
‫وإذا صدرت بغري صورة التَّعليق ال تكون الزمة؛ لعدم وجود ما يدل‬
‫عىل احلمل واملنع‪ ،‬بل تكون جمرد وعد‪ ،‬وال ُيب الوفاء به قضا ًء‪.‬‬
‫فلو قال رجل آلخر‪ :‬بع هذا الّشء لفالن‪ ،‬وإن مل يعطك ثمنه فأنا‬
‫ُأعطيه لك‪ ،‬فباعه منه‪ ،‬ثم طالبه بال َّثمن فلم يعط املشرتي للبائع بعد مطالبته‬
‫الرجل‬
‫له‪ ،‬بأن امتنع من الدَّ فع‪ ،‬أو مل يمتنع ولكن أخذ يف املامطلة‪ ،‬لزم عىل َّ‬
‫أداء ال َّثمن املذكور للبائع‪ ،‬بنا ًء عىل وعده املع َّلق(‪.)2‬‬
‫(ق‪« :)118:‬تبدل سبب امللك قائم مقام تبدل الذات»‪ ،‬فتبدل علة‬
‫امللك قائمة مقام تبدل الذات وعاملة عمله‪.‬‬
‫واألصل يف ذلك ما ورد يف حلم أهدته بريرة للنبي ‪ ‬فقيل له‪ :‬إ َّنه‬
‫تصدق به عليها‪ ،‬فقال‪« :‬هو عليها صدقة ولنا هدية»(‪ ،)3‬فأقام ‪ ‬تبدل سبب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.462‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.425‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري‪ ،53 :1‬وصحيح مسلم‪.755 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪193‬‬
‫امللك من التَّصدق إىل اإلهداء‪ «،‬فيام هو حمظور عليه‪ ،‬وهو الصدقة» مقام‬
‫تبدُّ ل العني‪.‬‬
‫فلو اشرتى من آخر عين ًا‪ ،‬ثم باعها من غريه‪ ،‬ثم اشرتاها من ذلك الغري‪،‬‬
‫ثم اطلع عىل عيب قديم فيها كان عند البائع األول‪ ،‬فليس له أن يردها عليه؛‬
‫َّ‬
‫ألن هذا امللك غري مستفاد من جانبه‪.‬‬
‫ولو وهب لغريه العني املوهوبة له‪ ،‬ثم عادت إليه بسبب جديد؛ بأن‬
‫باعها منه أو تصدق هبا عليه‪ ،‬فأراد الواهب أن يرجع هببته ال يملك ذلك(‪.)1‬‬
‫فيتسامح‬
‫ُ‬ ‫(ق‪« :)119:‬يغتفر يف البقاء ما ال يغتفر يف االبتداء»‪،‬‬
‫ألن البقا َء‬ ‫ُ‬
‫تساهل يف خالل األمر وأثناءه ما ال يغتفر يف االبتداء؛ وذلك َّ‬‫و ُي‬
‫أسهل من االبتداء‪.‬‬
‫فلو وهب حص ًة شائع ًة قابل ًة للقسمة‪ ،‬فإ َّنه ال يصح‪ ،‬ولكن إذا وهب‬
‫عين ًا بتاممها‪ ،‬ثم استحق جزء شائع منها‪ ،‬أو رجع الواهب يف جزء منها شائع‪،‬‬
‫ال تفسد اهلبة يف الباقي وإن كان شائع ًا يقبل القسمة‪.‬‬
‫الزوج يف ابتداء العقد‪ ،‬فلو عقدت معه‬
‫والزوجة ال متلك حط املهر عن َّ‬
‫َّ‬
‫النِّكاح عىل أن ال مهر هلا مل يصح احلط ووجب مهر املثل‪ ،‬ولو حطت املهر‬
‫الزوج بعد العقد َصح ح ُّطها‪ ،‬وبرئ َّ‬
‫الزوج عن املهر(‪.)2‬‬ ‫عن َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.467‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.293‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪194‬‬
‫خامس ًا‪ :‬احلسيني (ت‪ 1305‬هـ)يف «الفرائد البهية يف القواعد‬
‫الفقهية»‪:‬‬
‫ملحمود بن حممد بن نسيب‪ ،‬املعروف بابن محزة احلسيني الدمشقي‬
‫إن الزمان تغريت أحواله‪ ،‬والعلم‬ ‫احلنفي‪ ،‬مفتي دمشق‪ ،‬قال يف مقدمته(‪َّ «:)1‬‬
‫فيام نشاهد يف سائر األقطار ق َّلت رجاله‪ ،‬خصوص ًا علم الفقه‪ ،‬فإ َّنه ُد ِرس‬
‫إن ذاك لبالء عظيم‪ ،‬وحيث ق َّلت ِّ‬
‫الرواية‪،‬‬ ‫و ُأوكل يف كل إقليم‪ ،‬ولعمري َّ‬
‫أكثر الناس‬ ‫و ُف ِقدَ ت الدِّ راية‪ ،‬وصعب الوصول إىل املسائل الّشعية‪ِ ،‬‬
‫ب ُ‬ ‫ورك َ‬‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫متن عمياء يف حوادث الرعية‪ ،‬فوجب تقريب الطريق للوصول إىل َأجوبة‬
‫السالك‪ ،‬بتحرير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضوابط والقواعد‪ ،‬وتسهيل املسالك عىل َّ‬ ‫برعاية َّ‬ ‫النَّوازل‬
‫الزوائد‪ ،‬فاستخرت اهلل تعاىل يف مجع كتاب ُيتوي عىل ما‬ ‫الفوائد وحذف َّ‬
‫ذكر آخذ ًا ذلك من الكتب املعتمدة‪.» ...‬‬
‫وهو من أوسع ما ُمجِع باسم‪« :‬القواعد الفقهية»‪ ،‬ويعتّب َّأول من أفرد‬
‫القواعد الفقهية والضوابط وجردها يف كتاب مستقل‪ ،‬وإن كان ما يف الكتاب‬
‫الضوابط والفوائد الفقهية أكثر بكثري ِما فيه من القواعد الكلية‪ ،‬وبلغت‬
‫من َّ‬
‫القواعد فيه (‪ )243‬ثالث ًا وأربعني ومائتي قاعدة فقهية‪.‬‬
‫ومن القواعد التي ذكرها‪:‬‬
‫(ق‪« :)120:‬األفعال والنركرات تنرصف إىل الكامل»‪.‬‬

‫(‪ )1‬يف الفوائد البهية ص‪.3‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪195‬‬
‫فمن تكفل بفعل يشء أو حلف عىل فعل يشء أو عدم فعله‪ ،‬فنَّه يعتّب‬
‫َ‬
‫للّشوط‪ ،‬وكذلك بالنِّسبة ملن ذكر شيئ ًا أو حلف عىل‬
‫الفعل الكامل املستويف ُّ‬
‫فعل يشء منكر ًا أ َّنه ينرصف إىل الكامل منه(‪.)1‬‬
‫فتزوج بنكاح فاسدَ ال ُينث؛ أل َّنه ذكر الفعل‪،‬‬
‫يتزوج‪َّ ،‬‬
‫فلو حلف ال َّ‬
‫وهو التزوج‪ ،‬فانرصف إىل الكامل يف الذهن‪ ،‬وهو النكاح الصحيح دون‬
‫الفاسد(‪.)2‬‬
‫(ق‪« :)121:‬النقود عندنا ال تتعني بالتعيني»‪.‬‬
‫فالنقود من الذهب والفضة والنقود الورقية ال تتعني يف العقود أو‬
‫الفسوخ؛ َّ‬
‫ألن املقصود قيمتها ال عينها(‪.)3‬‬
‫فإذا باعه سلعة بخمسة دنانري يف يده‪ ،‬ثم أخرج له غريها من جيبه‬
‫جاز(‪.)4‬‬
‫املشرتى ٌ‬
‫قبض»‪.‬‬ ‫(ق‪« :)122:‬التخلية بني املشرتي وبني َ‬
‫ولفظها يف الّشوح‪« :‬التخلية قبض»‪ ،‬فالتخلية قبض حك ًام ولو مع‬
‫القدرة عليه بال كلفة‪ ،‬لك َّن ذلك ُيتلف بحسب حال املبيع‪ ،‬ففي نحو‪ :‬حنطة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.234 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.38‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.180 :2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.43‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪196‬‬
‫يف بيت مث ً‬
‫ال فدفع املفتاح إذا أمكنه الفتح بال كلفة قبض‪ ،‬ويف نحو‪ :‬دار‪،‬‬
‫فالقدرة عىل إغالقها قبض‪ ،‬أي بأن يكون يف البلد فيام يظهر‪ ،‬ويف نحو‪ :‬بقر‬
‫يف مرعى‪ ،‬فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض‪ ،‬ويف نحو ثوب‪ ،‬فكونه بحيث‬
‫لو َمد يده تصل إليه قبض‪ ،‬ويف نحو فرس‪ ،‬أو طري يف بيت‪ ،‬فإن إمكان أخذه‬
‫منه بال ُمعني قبض(‪.)1‬‬
‫فلو اشرتى ٌ‬
‫رجل من آخر شا ًة وخىل البائع بني املشرتي والشاة‪ ،‬بحيث‬
‫ُيمكنه أخذها‪ ،‬كان ذلك قبض ًا وإن مل يقبضها حقيقة‪ ،‬فإذا هلكت هتلك عىل‬
‫املشرتي(‪.)2‬‬
‫(ق‪« :)123:‬الدعوى باملجهول فاسدة»‪ ،‬أي باطلة ال تقبل‪ ،‬وال ُيوز‬
‫للقايض أن يسمعها أو يطالب املدعي بالبينة‪ ،‬أو املدعى عليه باليمني؛ َّ‬
‫ألن‬
‫كوَّنا دعوى عىل جمهول دليل بطالَّنا(‪ ،)3‬فال تصح الدعوى إال بعد بيان‬
‫القدر واجلنس(‪.)4‬‬
‫للضامن»‪ ،‬كرجل وضع ثوبه‬ ‫(ق‪« :)124:‬الرد الرصيح يف الوديعة ٍ‬
‫ناف َّ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫بني يدي آخر‪ ،‬وقال‪ :‬هو وديعة عندك‪ ،‬فقال ذلك اآلخر‪ :‬ال أقبل‪ ،‬ثم ذهبا‬
‫وضاع ال َّثوب‪ ،‬فال يكون ضامن ًا‪ ،‬بخالف ما إذا وضع ثوبه بني يديه ومل يقل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رد املحتار‪.562 :3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.63‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.326 :4‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.91‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪197‬‬
‫شيئ ًا‪ ،‬فلم يرد ذلك اآلخر رصُي ًا بل سكت‪ ،‬وضاع الثوب‪ ،‬فإ َّنه يضمن؛‬
‫ألن هذا إيداع عرف ًا(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫(ق‪« :)125:‬اإلشارة تُسقط اعتبار الصفة والتَّسمية»؛ َّ‬
‫ألن اإلشار َة إىل‬
‫الّشء أقوى يف تعيينه من العبارة والتَّسمية(‪ ،)2‬كام لو كانت امرأتان واحدة‬
‫َّ‬
‫منهام عمياء‪ ،‬فقال‪ :‬امرأيت هذه العمياء طالق‪ ،‬وأشار إىل البصرية تطلق‬
‫البصرية(‪.)3‬‬
‫ولو كان املقتدي يرى شخص اإلمام وقال‪ :‬اقتديت هبذا اإلمام الذي‬
‫هو عبد اهلل‪ ،‬وظهر أ َّنه جعفر جاز االقتداء‪.‬‬
‫ولو كان يف آخر الصفوف‪ ،‬وال يرى شخص اإلمام فقال‪ :‬اقتديت‬
‫قائم يف املحراب الذي هو عبد اهلل‪ ،‬فإذا هو جعفر جاز ؛‬
‫باإلمام الذي هو ٌ‬
‫عرفه باإلشارة‪ ،‬فلغت التسمية(‪.)4‬‬
‫أل َّنه َّ‬
‫(ق‪« :)126:‬شهادة اإلنسان فيام بارشه مردودة باإلمجاع»‪.‬‬
‫فمن يشهد يف جملس القضاء عىل فعل نفسه‪ ،‬أو معاملة أجراها‬
‫وبارشها ال يقبل منه باإلمجاع(‪ ،)5‬كام إذا شهد الوكيل بالنكاح‪َّ ،‬‬
‫فإن شهادته ال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.165‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.401 :1‬‬
‫(‪ )3‬الفوائد البهية ص‪.16‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتاوى قايض خان‪.39 :1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.142 :5‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪198‬‬
‫تصح‪ ،‬ويستوي يف ذلك َمن بارش لنفسه أو لغريه(‪.)1‬‬
‫املتض رمن بطل ا ُمل َ‬
‫تض َّمن»‪ ،‬فالّشء الذي ثبت‬ ‫(ق‪« :)128:‬إذا بطل َ‬
‫ضمن يشء آخر حقيقة‪ ،‬أو كان مرتب ًا عىل املتضمن ترتيب املسبب عىل‬
‫متضمنه ال يبقى له حكم‪ ،‬بل يبطل كام بطل أصله(‪َّ ،)2‬‬
‫فإن‬ ‫ِّ‬ ‫السبب‪ ،‬إذا بطل‬
‫اإلبراء أو اإلقرار متى كان ٌّ‬
‫كل منهام عام ًا ُمستقالً‪ :‬كقوله‪ :‬وهو بري ٌء ِما يل‬
‫ِقبله‪ ،‬فإ َّنه يدخل فيه كل عني ودين‪ ،‬وال ُتسمع بعده دعوى(‪.)3‬‬
‫بالرضا ـ من حيث‬ ‫(ق‪« :)129:‬العلم بالرضا ينفي احلرمة»‪ ،‬فالعلم ِّ‬
‫كونه قائ ًام مقام إظهار الرضا ـ ُيل تناول ما ُعلِم الرضا بتناوله‪ ،‬وإذا كان‬
‫ُُيله‪ ،‬فهو بالتايل ينفي التَّحريم ويعدمه؛ َّ‬
‫ألن وجود اإلذن والرضا علة‬
‫وعالمة ودليل عىل نفي التَّحريم(‪.)4‬‬
‫فلو دخل رجل بستان صديق له‪ ،‬وتناول شيئ ًا بغري أمره‪ ،‬وكان يعلم َّ‬
‫أن‬
‫صاحب البستان لو علم بذلك ال يبايل وال يمنعه‪ ،‬فالظاهر أ َّنه ال بأس‬
‫بذلك‪.‬‬
‫(ق‪« :)130:‬الدفع أسهل من الرفع»؛ َّ‬
‫ألن الدفع يكون قبل الثبوت‪،‬‬
‫فإن الشهادة عىل اجلرح املجرد تقبل؛ َّ‬
‫ألن جرح الشاهد دفع‬ ‫والرفع بعده‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتاوى قايض خان‪ ،163 :1‬وقرة عني األخيار‪.550 :7‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.269 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.31-30‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.448 :7‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪199‬‬
‫الشهادة قبل ثبوهتا وبعد التعديل رفع هلا‪ ،‬بعد الثبوت‪ ،‬حتى ُيب عىل‬
‫القايض العمل هبا إذا مل يوجد اجلرح(‪.)1‬‬
‫ولعل هذا الكتاب من أمجع ما أ ِّلف يف موضوع القواعد إىل عرص‬
‫َّ‬
‫املؤ ِّلف؛ وذلك أل َّنه التقطها من مواطن خفية يف مصادر الفقه‪ ،‬ال ي َّطلع عليها‬
‫إال َمن َس َّب الفقه ومارسه(‪.)2‬‬
‫سادس ًا‪ :‬املجددي (ت‪1975‬م) يف «القواعد الفقه»‪:‬‬
‫ملحمد عميم اإلحسان املجددي الّبكتي البنجالديّش احلنفي‪ ،‬وهو‬
‫كتاب ُيتوي عىل مخس رسائل‪ :‬الرسالة األوىل‪ :‬ذكر فيها أصول اإلمام‬
‫الكَرخي‪ ،‬والرسالة الثانية‪ :‬ذكر فيها أصول اإلمام الدَّ بويس‪ ،‬والرسالة‬
‫الثالثة‪ :‬ذكر فيها ست ًا وعّشين وأربعامئة قاعدة من قواعد املذهب احلنفي(‪،)3‬‬
‫ومل يتعرض لّشحها‪.‬‬
‫ومن قواعده‪:‬‬
‫(ق‪ :)131:‬قاعدة‪« :‬اليمني عىل نية احلالف إن كان مظلوم ًا وعىل نية‬
‫املستحلف إن كان ظامل ًا»(‪)4‬؛ ألنَّه هو َمن طلب اليمني من احلالف‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفوائد البهية ص‪.119‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القواعد للندوي ص‪ ،186-183‬والوجيز لبورنو ص‪.105‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪:‬القواعد للندوي ص‪،188-186‬والوجيز لبورنو ص‪،106‬والقواعدلشبري‬
‫ص‪.61-48‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬قواعد الفقه للمجددي ص‪.144‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪200‬‬
‫«اليمني عىل نية املست َْحلِف»(‪ ،)1‬وقال ‪« :‬يمينك عـىل مـا ُي َصـدِّ ُق َك عليـه‬
‫وألن ا ُملدَّ عي إذا كان حمق ًا‪ ،‬فاليمني مّشوعة حلقه‪ ،‬وإنَّام يتحقـق‬
‫َّ‬ ‫صاحبك»(‪)2‬؛‬
‫هذا إذا اعتّبنا نية املست َْحلِف(‪.)3‬‬
‫فلو ادعى رشاء يشء يف يد آخر بكذا وأنكـر‪ ،‬فحلفـه بـاهلل مـا وجـب‬
‫عليك تسليمه إ َّيل‪ ،‬فحلف ا ُملدَّ عى عليه‪ ،‬ونوى التسـليم إىل ا ُملـدَّ عي باهلبـة ال‬
‫بالبيع‪ ،‬فهذا وإن كان صادق ًا‪ ،‬فهو َغموس معنى‪ ،‬فال تعتّب نيته‪.‬‬
‫ويرتك اعتبار نية املست َْحلِف إن كان احلالف مظلوم ًا‪ ،‬يريد املسـت َْحلِف‬
‫ألن املظلوم ُي َم َّك ُن من دفع الظلم عن نفسه بـام تيّسـ لـه رشعـ ًا‪،‬‬
‫أخذ حقه؛ َّ‬
‫وإنَّام ُيلف له؛ ليدفع الظلم عن نفسه‪ ،‬فتعتّب نيتـه يف ذلـك‪ ،‬والظـامل مـأمور‬
‫رشع ًا بالكف عـن الظلـم وإيصـال احلـق إىل املسـتحق‪ ،‬فـال تعتـّب نيتـه يف‬
‫اليمني(‪.)4‬‬
‫كره عىل بيع يشء ِ‬
‫بيده للمدَّ عي‪ ،‬فحلف ا ُملدَّ عى عليه أنَّـه دفعـه يل‬ ‫فلو ُأ ِ َ‬
‫فالن‪ ،‬يعني بائعه‪ ،‬ومل يقل‪ :‬باعه فالن؛ حتى يوهم ا ُملـدَّ عي َّ‬
‫أن املبيـع مـا زال‬ ‫ٌ‬
‫كره عىل بيعه للمدَّ عي‪ ،‬فإنَّه ال يكون يمين ًا َغموسـ ًا‬
‫ِملوك ًا لبائعه فالن؛ لئال ُي َ‬

‫)‪ (1‬يف صحيح مسلم ‪ ،1274 :3‬ومسند أيب عوانة ‪ ،48 :4‬وسنن ابن ماجه ‪،685 :1‬‬
‫ومسند الشهاب ‪ ،178 :1‬وغريها‪.‬‬
‫)‪ (2‬يف صحيح مسلم ‪ ،1274 :3‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬املبسوط ‪ ،215 :30‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬املبسوط ‪ ،215 :30‬وغريه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪201‬‬
‫حقيقة؛ ألنَّه نوى ما ُيتمله لفظ الـدفع‪ ،‬وهـو البيـع‪ ،‬وإن كـان لفـظ الـدفع‬
‫ظاهر ًا ال يفيد البيع؛ َّ‬
‫ألن ال َغموس ما يقتطع هبا حق مسلم(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)132:‬قاعدة‪« :‬اليمني إذا عقدت عىل صفة كانت صحتها لصـفة‬
‫حملها» ‪ ،‬أي متى عقد يمينه عىل عني بوصف‪ ،‬يـدعو ذلـك الوصـف‬ ‫(‪)2‬‬

‫إىل اليمني‪ ،‬يتقيد اليمني ببقاء ذلك الوصف‪.‬‬


‫فمن حلف ال يكلم هذا الشاب‪ ،‬فك َّلمه بعدما شاخ ُينـث؛ َّ‬
‫ألن صـفة‬ ‫َ‬
‫الشباب ليست بداعية إىل اليمني(‪.)3‬‬
‫(ق‪ :)133:‬قاعــدة‪« :‬اليمــني إذا كانــت هلــا حقيقــة مســتعملة وجمــاز‬
‫متعارف فالعربة للحقيقة»(‪ ،)4‬أي إن ُه ِجـر املعنـى احلقيقـي للفـظ‪ ،‬يرصـف‬
‫اليمني اىل املجاز منه؛ ألنَّه متى عقد يمينه عىل يشء لـيس حقيقـة مسـتعملة‪،‬‬
‫وله جماز متعارف‪ُ ،‬يمل عىل املجاز‪ ،‬وإن كانت له حقيقة مستعملة ُيمل عىل‬
‫احلقيقة‪ ،‬وإن كانت له حقيقة مستعملة وجماز متعارف‪ُ ،‬يمل عىل احلقيقة(‪.)5‬‬
‫فمن حلف ال يأكل من هذه النَّخلة‪ ،‬فإنَّه ُينث بأكله من ثمرها‪ ،‬وكذا‬‫َ‬
‫مهجور ِحس ًا؛ وألنَّه أضاف اليمني‬
‫ٌ‬ ‫دبسها غري املطبوخ؛ َّ‬
‫ألن املعنى احلقيقي‬

‫)‪ (1‬رد املحتار ‪ ،784 :3‬وغريه‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬قواعد الفقه للمجددي ص‪.144‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬املبسوط ‪ ،181 :8‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬قواعد الفقه للمجددي ص‪.144‬‬
‫)‪ (5‬وعندمها‪ُ :‬يمل عىل املجاز املتعارف‪ .‬ينظر‪ :‬جممع األَّنر ‪ ،564 :1‬وغريه‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪202‬‬
‫إىل ما ال يؤكل‪ ،‬فينرصف إىل ما ُيرج منها بال صنع أحد جتوز ًا باسم السبب‪،‬‬
‫يتغري‬
‫ألَّنا سبب فيه‪ ،‬لكن رشط أن ال َّ َ‬
‫وهو النخلة يف املسبب‪ ،‬وهو اخلارج؛ َّ‬
‫بصفة حادثة(‪.)1‬‬
‫سابع ًا‪ :‬مصطفى الزرقا (ت‪1999‬م) يف «املدخل الفقهي‬
‫العام»‪:‬‬
‫ملصطفى بن أمحد الزرقا احللبي؛ إذ أفرد القواعد الكلية بقسم خاص‪،‬‬
‫وتطورها‬
‫َّ‬ ‫تكلم فيه عن القواعد الفقهية يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬ونشأهتا‬
‫وتدوينها وأشهر ما ألف فيها‪ ،‬كام رشح قواعد املجلة رشح ًا موجز ًا‪ ،‬وأردفها‬
‫بذكر إحدى وثالثني قاعدة ُأخرى مرتبة عىل حروف املعجم‪ ،‬فكان ما ذكره‬
‫(‪ )130‬ثالثني ومائة قاعدة(‪.)2‬‬
‫ومما ذكر من القواعد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫سبب رشعي»‪ ،‬وهي‬ ‫ألحد أن يأخذ مال ٍ‬
‫أحد بال‬ ‫ٍ‬ ‫(ق‪«:)134:‬ال جيوز‬
‫من «قواعد املجلة»‪ ،‬أي ال ُيوز ألحد « ولو والد ًا أو ولد ًا أو زوج ًا» أن‬
‫يأخذ جاد ًا أو العب ًا مال أحد‪ ،‬بال سبب رشعي ُي ِّ‬
‫سوغ له األخذ‪.‬‬
‫فالسبب القوي‪ :‬ال ُيتاج يف جتويز األخذ إىل قضاء القايض‪ ،‬وذلك هو‬
‫الكثري الغالب‪ :‬كثمن البياعات‪ ،‬ومثل القرض‪ ،‬ونفقة الزوجة واألوالد‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬جممع األَّنر‪ ،557-556 :1‬وغريه‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.106‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪203‬‬
‫فإن مجيع ذلك ُيوز أخذه رشع ًا بال قضاء القايض‪ ،‬وإن مل َ‬
‫يرض‬ ‫واألبوين‪َّ ،‬‬
‫من عليه احلق‪.‬‬
‫الضعيف‪ :‬ال ُيوز األخذ معه بدون رضا َمن عليه احلق إال‬
‫والسبب َّ‬
‫بقضاء القايض‪ ،‬وذلك‪ :‬اسرتداد العني املوهوبة من املوهوب له‪ ،‬ونفقة غري‬
‫الزوجة واألوالد واألبوين من األقارب(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)135:‬الغرم بالغنم»‪ ،‬وهذه عىل عكس قاعدة‪« :‬اخلراج‬
‫بالضامن»‪ ،‬ومجع معنامها قاعدة‪« :‬النعمة بقدر النقمة‪ ،‬والنقمة بقدر النعمة»‪.‬‬
‫أن الضامن أيض ًا باخلراج‪ :‬أي َّ‬
‫أن التكاليف واخلسارة التي حتصل‬ ‫وتفيد َّ‬
‫من الّشء تكون عىل َمن يستفيد منه رشع ًا‪ ،‬فنفقة رد العارية إىل املعري يلتزم‬
‫ألن اإليداع‬ ‫فإن كلفته عىل املالك ِ‬
‫املودع؛ َّ‬ ‫هبا املستعري‪ ،‬بخالف رد الوديعة‪َّ ،‬‬
‫ملصلحته(‪.)2‬‬
‫وما يلزم املرء لقاء يشء من مال أو نفس ُمقا َبل بام ُيصل له من مرغوبه‬
‫من ذلك الّشء‪.‬‬
‫وال فرق يف الغرم بني أن يكون مّشوع ًا‪ :‬كمؤونة تعمري امللك املشرتك‪،‬‬
‫فإَّنا عليهم بمقابلة انتفاعهم به انتفاع املالك‪ ،‬وكمؤونة تعمري َمن يرغب من‬
‫َّ‬
‫فإَّنا عليهم بمقابلة‬
‫املوقوف عليهم يف سكنى العقار املوقوف لسكناهم‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪ ،1041 :2‬ورشح الزرقا ص‪. 466‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.1035 :2‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪204‬‬
‫سكناهم فيه(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)136:‬يلزم مراعاة الرشط بقدر اإلمكان»‪ ،‬والّشط املقصود يف‬
‫هذه القاعدة هو الّشط التقييدي ال التعليق‪ ،‬فيجب احرتامه ونفاذه بقدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬واملراد بقدر اإلمكان‪ :‬أن ال ُيالف قواعد الّشيعة يف نظام‬
‫العقود(‪.)2‬‬
‫وهذه من قواعد «املجلة»‪ ،‬حيث يلزم مراعاة الّشط اجلائز بقدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬ومراعاته بالوفاء به‪ ،‬ففي احلديث‪« :‬املسلمون عند رشوطهم»(‪.)3‬‬
‫بالّشط عدم قبل‬ ‫والفرق بني املعلق بالّشط واملقيد بالّشط‪َّ :‬‬
‫أن املعلق َّ‬
‫وجود الّشط؛ َّ‬
‫ألن ما توقف حصوله عىل حصول يشء يتأخر بالطبع عنه‪،‬‬
‫بخالف املقيد بالّشط‪َّ ،‬‬
‫فإن تقييده ال يوجب تأخره يف الوجود عىل القيد‪ ،‬بل‬
‫سبقه عليه‪.‬‬
‫وتقييد الّشط باجلائز إلخراج غريه‪َّ ،‬‬
‫فإن الّشط ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪.1‬رشط جائز‪ :‬وهو ما يقتضيه العقد‪ :‬أي ُيب بدون رشط‪ :‬كاشرتاط‬
‫حبس املبيع بالثمن‪ ،‬أو يالئمه‪ :‬كاشرتاط رهن بالثمن‪ ،‬أو ال يقتضيه وال‬
‫يالئمه ولكن جرى العرف به‪ ،‬كّشاء نعل عىل أن يّشكها البائع‪ ،‬أو ورد‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.437‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.1031 :2‬‬
‫(‪ )3‬يف صحيح البخاري ‪ 794 :2‬معلق ًا‪ ،‬واملستدرك ‪ ،57 :2‬وسنن البيهقي الكبري ‪، ،79 :6‬‬
‫وسنن الدارقطني ‪ ،27 :3‬ورشح معاين اآلثار ‪ ،90 :4‬وغريها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪205‬‬
‫الّشع به بجوازه‪ ،‬كاشرتاط خيار الّشط ونحوه من اخليارات‪َّ ،‬‬
‫فإن الّشط‬
‫يف مجيع ذك تلزم مراعاته‪.‬‬
‫‪.2‬رشط فاسد‪ :‬وهو ما كان بخالف ذلك وفيه نفع مّشوط يف صلب‬
‫العقد من أحد املتعاقدين لآلخر غري معطوف بالواو‪ :‬كّشاء ثوب عىل أن‬
‫يصبغه له البائع‪ ،‬أو الدابة عىل أن يركبها البائع شهر ًا مثال‪ ،‬أو عىل أن ُييل‬
‫البائع رجال بالثمن‪َّ ،‬‬
‫فإن كل ذلك مفسد للعقد‪.‬‬
‫‪.3‬رشط لغو‪ :‬وهو ما كان بخالف ذينك الّشطني‪ ،‬كأن يشرتط عىل‬
‫أجنبي رشط ًا لو اشرتط عىل أحد املتبايعني يفسد البيع‪ ،‬أو يشرتط ما فيه نفع‬
‫ألحدمها عىل اآلخر‪َّ ،‬‬
‫فإن العقد يف مجيع ذلك يصح‪ ،‬ويلغو الّشط‪.‬‬
‫واملعامالت الّشعية بالنسبة إىل التقييد بالّشط الفاسد تنقسم إىل‬
‫قسمني‪:‬‬
‫‪ .1‬يفسد بالّشط الفاسد‪ ،‬وهو املبادالت املالية‪ :‬كالبيع واإلجارة‪.‬‬
‫‪ .2‬ال يفسد بالّشط الفاسد‪ ،‬وهي كل ما ليس من املعاوضات املالية‪،‬‬
‫سواء كان من املعاوضات غري املالية‪ :‬كالنكاح‪ ،‬والطالق عىل مال‪ ،‬واخللع‬
‫كذلك‪ ،‬والصلح عن دم عمد ًا‪ ،‬أو مل يكن من املعاوضات أصالً‪ :‬كاإلبراء‬
‫عن الدَّ ين‪ ،‬وكاهلبة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والقرض‪ ،‬واإليصاء والوصية‪ ،‬وتولية‬
‫القضاء‪ ،‬واإلذن والتجارة‪ ،‬والطالق‪ ،‬والعتاق‪ ،‬والوكالة‪ ،‬والّشكة‪،‬‬
‫واملضاربة‪ ،‬والرهن‪ ،‬والكفالة‪ ،‬واحلوالة واإلقالة‪ ،‬وعزل القايض‪ ،‬وعزل‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪206‬‬
‫الوكيل‪ ،‬وحجر املأذون ‪َّ ،‬‬
‫فإن مجيع ذلك ال يفسد بالّشط الفاسد ‪ ،‬بل‬
‫يصح ويلغو الّشط(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)137:‬املعلق بالرشط جيب ثبوته عند ثبوت الرشط»‪ ،‬يعني َّ‬
‫أن‬
‫الّشء املع َّلق عىل رشط يكون معدوم ًا قبل ثبوت الّشط الذي علق عليه؛‬
‫أل َّنه لو ثبت الّشء قبل وجود الّشط؛ الستوجب ذلك وجود املّشوط‬
‫بدون الّشط وذلك حمال‪.‬‬
‫واملعلق‪ :‬هو ربط حصول مضمون مجلة بحصول مضمون مجلة أخرى‪.‬‬
‫ويشرتط يف صحة التَّعليق أن يكون الّشط معدوم ًا عىل خطر الوجود ‪،‬‬
‫أي أن يكون معدوم ًا ِمكن ًا حصوله‪.‬‬
‫فلو قال شخص‪ :‬إذا مل يدفع لك فالن ما لك عليه من الدَّ ين فأنا كفيل‬
‫بأداء دينك‪ ،‬فتثبت الكفالة املعلقة عىل رشط عند ثبوته‪ ،‬وحينئذ يطالب‬
‫الكفيل باملكفول به‪.‬‬
‫ولو قال لزوجته‪ :‬أنت طالق إن كلمت فالن ًا‪ ،‬فكلمته‪ ،‬وقع الطالق(‪.)2‬‬
‫(ق‪« :)138:‬من سعى يف نقض ما تم يف جهته فسعيه مردود عليه»‪ ،‬فال‬
‫يصح من املقر أن يرجع عن إقراره السابق بحجة اخلطأ(‪ ،)3‬وهذه من قواعد‬
‫«املجلة»‪ ،‬فمن سعى يف نقض ما تم انّبامه من جهته‪ ،‬وكان ال يمس به حق‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.421‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬درر احلكام رشح جملة األحكام ‪ ،82-81 :1‬واملدخل الفقهي العام‪.28-1 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام ‪.1015 :2‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪207‬‬
‫صغري أو حق وقف‪ ،‬فسعيه مردود عليه؛ أل َّنه «واحلالة هذه» يكون متناقض ًا‬
‫يف سعيه بذلك مع ما كان أمته وأبرمه‪ ،‬والدعوى املتناقضة ال تسمع‪.‬‬
‫فلو باع أو اشرتى ثم ادعى أ َّنه كان فضولي ًا‪َّ ،‬‬
‫وأن املالك أو املشرتي مل‬
‫ُيز العقد‪ ،‬مل يسمع ذلك منه(‪.)1‬‬
‫(ق‪« :)139:‬ما ثبت عىل خالف القياس ال يقاس عليه غِّيه»‪،‬‬
‫ِ‬
‫حلالة ما بعد املوت‪ ،‬وهي احلال ُة التي تنقطع فيها‬ ‫مضاف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫متليك‬ ‫فالوصي ُة‬
‫حقوق الشخص يف أمواله‪ ،‬وتتعلق هبا حقوق ورثته‪ ،‬فهي ثابتة خالف‬
‫ألن الشارع أراد أن يفتح هبا للشخص باب ًا يتدارك ما فاته من أعامل‬
‫القياس؛ َّ‬
‫الّب‪ ،‬فال ُيوز أن يقاس عليها جتويز إضافة غريها من الترصفات إىل ما بعد‬
‫املوت‪ :‬كاهلبة‪ ،‬واإلعارة والبيع‪ ،‬واإلجارة مث ً‬
‫ال؛ بأن يعقدها الشخص يف‬
‫حياته عقد ًا مضاف ًا إىل ما بعد املوت(‪.)2‬‬
‫وهذه من قواعد «املجلة»‪ ،‬فام ثبت من األحكام بالنص الوارد عىل‬
‫خالف القياس فغريه ال يقاس عليه‪ ،‬وقد ثبت عىل خالف القياس أحكا ٌم‬
‫كثري ٌة تفوق احلرص‪ ،‬فيقترص فيها عىل مورد النص‪ ،‬وال ُيقاس عليها غريها‪:‬‬
‫كاحلدود‪ ،‬فقد ورد للسارق القطع فال يقاس عليه النباش مثالً‪ ،‬والسلم‬
‫واالستصناع والوصية ‪ ....‬والتتبع ينفي احلرص(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.475‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.1012 :2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.152‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪208‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪209‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫عناية املالكية والشافعية واحلنابلة‬
‫بالقواعد «أصول البناء»‬
‫سبق ذكر اهتامم احلنفية بالقواعد «أصول البناء»‪ ،‬وظهر يف املذاهب‬
‫السابع اهلجري برز هذا العلم إىل‬
‫الفقهية األخرى عناية كبرية به‪ ،‬ففي القرن َّ‬
‫حدٍّ كبري‪ ،‬وعىل رأس املؤلفني يف ذلك العرص‪ :‬حممد بن إبراهيم اجلاجرمي‬
‫السهلكي (ت‪ 613‬هـ) ‪ ،‬فألف كتاب ًا بعنوان‪« :‬القواعد يف فروع الشافعية»‪،‬‬
‫ثم ِعز الدِّ ين بن عبد السالم (ت‪ 660‬هـ) أ َّلف كتابه‪« :‬قواعد األحكام يف‬
‫مصالح األنام»‪ ،‬والذي شاع صيته يف اآلفاق‪.‬‬
‫ومن فقهاء املالكية‪ :‬أ َّلف العالمة حممد بن عبد اهلل بن راشد البكري‬
‫القفيص (‪ 685‬هـ) كتاب ًا بعنوان‪« :‬املذهب يف ضبط قواعد املذهب»‪.‬‬

‫فهذه املؤلفات تعطينا فكر ًة عام ًة عن القواعد الفقهية يف القرن َّ‬


‫السابع‬
‫وأَّنا بدأت ختتمر وتتبلور يوم ًا فيوم ًا‪.‬‬
‫اهلجري‪َّ ،‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪210‬‬
‫أما القرن الثامن اهلجري‪ ،‬فهو يعتّب العرص الذهبي لتدوين القواعد‬
‫الفقهية ونمو التَّأليف فيها‪ ،‬تفوقت فيها عناية الشافعية إلبراز هذا الفن‪ ،‬ثم‬
‫تتابعت هذه السلسلة يف املذاهب الفقهية املشهورة‪.‬‬
‫ومعظم هذه املؤلفات‪ -‬عىل اختالف مناهجها ومناحيها‪ -‬محلت ثروة‬
‫كبرية من القواعد والضوابط‪ ،‬واألحكام األساسية األخرى‪ ،‬وفيها إرهاص‬
‫عىل نضوج هذا الفن إىل َحد كبري يف ذلك العرص‪.‬‬
‫ويف القرن التَّاسع اهلجري أيض ًا جدَّ ت مؤلفات ُأخرى عىل املنهاج‬
‫السابق‪ ،‬فتجد يف مطلع هذا القرن ابن امللقن (ت‪ 804‬هـ) ‪ ،‬صنَّف كتاب ًا يف‬
‫القواعد؛ اعتامد ًا عىل كتاب اإلمام ُّ‬
‫السبكي‪.‬‬
‫ويبدوا أ َّنه رقي النَّشاط التَّدويني هلذا العلم يف القرن العارش اهلجري‪،‬‬
‫حيث جاء العالمة السيوطي (ت‪ 910‬هـ)‪ ،‬وقام باستخالص أهم القواعد‬
‫والزركّش‪ ،‬ومجعهام يف كتابه‪:‬‬
‫والسبكي َّ‬
‫الفقهية املتناثرة املبددة عند العالئي ُّ‬
‫«األشباه والنظائر»‪ ،‬يف حني َّ‬
‫أن تلك الكتب تناولت بعض القواعد األصولية‬
‫الزركّش‪ ،‬كام سيأيت بيان ذلك بّشء من‬
‫مع القواعد الفقهية‪ ،‬ما عدا كتاب َّ‬
‫التفصيل‪.‬‬
‫الزقاق التجيي املالكي (‪ 912‬هـ) بنظم‬
‫ويف هذا العرص قام أبو احلسن َّ‬
‫القواعد الفقهية‪ ،‬بعد استخالصها وإقرارها من كتب السابقني مثل‪:‬‬
‫«الفروق» للقرايف‪ ،‬وكتاب «القواعد» للمقري‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪211‬‬
‫واحتل الكتاب مكان ًا رفيع ًا عند فقهاء املالكية‪ ،‬كام يظهر ذلك من‬
‫األعامل التي تتابعت عىل املنظومة‪.‬‬
‫وبعد هذا اإلمجال يف العناية بالقواعد «أصول البناء» نخص كل‬
‫مذهب عىل حدة يف عنايته بالقواعد «أصول البناء» عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬كتب القواعد عند املالكية‪:‬‬
‫ُأ ِّلفت عندهم كتب عديدة يف القواعد «أصول البناء» منها‪:‬‬
‫‪« .1‬أنوار الّبوق يف أنواء الفروق»‪ ،‬املعروف بكتاب الفروق‪ ،‬لشهاب‬
‫الدِّ ين أمحد بن إدريس القرايف املالكي (ت ‪ 684‬هـ)‪.‬‬
‫فقد مجع فيه ثامنية وأربعني ومخسامئة فرق أو قاعدة‪ ،‬ووضح الفرق بني‬
‫كل اثنتني منها وربام يناسبهام من فروع ومسائل وأمثلة‪ ،‬وقد تضمن كتابه‬
‫هذا مباحث مل يسبق إليها‪ ،‬ولكنَّه مع ذلك مل ُيمع قواعد فقهية باملعنى‬
‫االصطالحي‪ ،‬وإ َّنام أراد من القواعد معنى األحكام األساسية‪ ،‬والضوابط‬
‫اللغوية‪ ،‬أو األصولية‪ ،‬أو الكالمية‪ ،‬فهو يعرض هذه األحكام والضوابط يف‬
‫كل موضوعني متشاهبني‪ ،‬ثم ُيلو ما بينهام من فروق‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫انتّشت يف فصوله قواعد فقهية كثرية باملعنى االصطالحي‪ ،‬وذلك يف‬
‫مناسبات تعليل األحكام‪ ،‬ونصب الضوابط وبعض‪ ،‬املقارنات املذهبية‪.‬‬
‫ومن أمثلة كتاب الفروق‪ :‬الفرق الثامن‪( :‬الفرق بني قاعدة أجزاء العلة‬
‫والّشط)‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪212‬‬
‫الفرق الثالث عّش يف الفرق بني (قاعديت فرض الكفاية وفرض العني‬
‫وضابط كل منهام وحتقيقه‪ ،‬بحيث ال يلتبس بغريه)‪.‬‬
‫ومن األعامل عليه‪:‬‬
‫«إدرار الّشوق عىل أنوار الفروق»‪ ،‬لّساج الدِّ ين قاسم بن عبد اهلل‬
‫األنصارى املالكي‪ ،‬املعروف بابن الشاط (ت‪ 723‬هـ) علق فيه عىل هذا‬
‫الكتاب مصحح ًا ومستدرك ًا‪ ،‬حيث تعقب القرايف يف كثري من مواضع‪.‬‬
‫و«هتذيب الفروق والقواعد السنية»‪ ،‬ملحمد عِّل حسني املالكي‬
‫(ت‪1337‬هـ) سار فيه عىل نسق القرايف‪ :‬شارح ًا وموضح ًا‪.‬‬
‫و«خمترص قواعد القرايف»‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن إبراهيم البقوري‬
‫املالكي (ت‪ 707‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.2‬املذهب يف ضبط قواعد املذهب»‪ ،‬ملحمد بن عبد اهلل بن راشد‬
‫البكري القفيص املالكي (ت‪ 685‬هـ)‪ ،‬وله ترمجة يف الدِّ يباج املذهب‪.‬‬
‫‪« .3‬املدخل إىل تنمية األعامل بتحسني النيات»‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن‬
‫حممد بن حممد ابن احلاج العبدري املالكي الفايس (ت‪ 737‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.4‬القوانني الفقهية»‪ ،‬ملحمد بن أمحد بن جزي املالكي املتوىف سنة‬
‫‪ 741‬هـ‪ ،‬وفيه تلخيص ملذهب املالكية مع التنبيه عىل مذهب الشافعية‬
‫واحلنفية واحلنابلة‪ ،‬وقد ذكر يف مقدمة كتابه طريقته يف إيراد املسائل‪ ،‬إذ يبدأ‬
‫أوال بمذهب مالك‪ ،‬ثم يتبعه بمذهب غريه‪ ،‬وقد صدر كتابه بعّشة أبواب‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪213‬‬
‫يف التوحيد‪ ،‬وقد رتب كتابه عىل األبواب الفقهية‪ ،‬إذ بدأ بكتاب الطهارة من‬
‫العبادات وهي عّشة كتب‪ ،‬وأتبع ذلك بعّشة كتب أخرى بدأها بكتاب‬
‫النكاح‪ ،‬وختم الكتاب بكتاب جامع يف السرية وتاريخ اخللفاء واألخالق‪،‬‬
‫وعادته أن يذكر املسألة واألقوال فيها بدون ذكر األدلة‪ ،‬وهو كتاب ليس فيه‬
‫من القواعد الفقهية يشء‪ ،‬وعده من كتب القواعد جتوز ومن وضع الّشء يف‬
‫غري موضعه‪.‬‬
‫‪« .5‬القواعد»‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد املقري املالكي (ت‪758‬‬
‫هـ)‪ ،‬وهذا الكتاب مجع فيه مؤلفه مئتني وألف قاعدة‪ ،‬وهي ليس كلها قواعد‬
‫باملعنى االصطالحي للقاعدة‪ ،‬بل أكثره ضوابط‪.‬‬
‫‪« .6‬املسند املذهب يف ضبط قواعد املذهب»‪ ،‬ملحمد بن أمحد أيب عبد‬
‫اهلل الشهري بعظوم املالكي (ت‪ 782‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .7‬الكليات الفقهية والقواعد»‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد ابن غازي‬
‫املكنايس املالكي (ت‪ 901‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .8‬املنتخب عىل قواعد املذهب»‪ ،‬أليب احلسن عِّل بن قاسم الزقاق‬
‫الفايس التجيي املالكي (ت‪ 912‬هـ)‪ ،‬وهي منظومة يف قواعد مذهب مالك‪،‬‬
‫ورشحه أمحد بن عِّل الفايس أيب العباس‪ ،‬الشهري باملنجور (ت‪ 992‬هـ)‪،‬‬
‫وقد اخترص هذا الّشح أبو القاسم ابن حممد بن التوائي‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪214‬‬
‫‪« .9‬إيضاح املسالك إىل قواعد اإلمام مالك»‪ ،‬ألمحد بن ُييى بن حممد‬
‫الونّشيس التلمساين (ت‪914‬هـ)‪ ،‬وهو اختصار لقواعد املقري‪ .‬وهو‬
‫كتاب يشتمل عىل ثامن عّشة ومائة قاعدة أكثرها يف احلقيقة ضوابط‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة قواعد هذا الكتاب‪:‬‬
‫ـ قوله يف القاعدة الثامنة‪( :‬الواجب االجتهاد أو اإلصابة)‪.‬‬
‫ـ قولة يف القاعدة العارشة‪( :‬كل جمتهد يف الفروع الظنية مصيب‪ ،‬أو‬
‫املصيب واحد ال بعينه) ‪.‬‬
‫وهاتان ليستا قاعدتني فقهيتني‪ ،‬بل مها مسألتان كالميتان يوردمها‬
‫األصوليون عند حديثهم عن االجتهاد ومسائلة‪.‬‬
‫‪« .10‬عقد اجلواهر يف نظم النظائر»‪ ،‬أليب احلسن عِّل بن عبد الواحد‬
‫ابن حممد األنصاري السجلاميس اجلزائري املالكي (ت‪1057‬هـ)‪ ،‬وله‬
‫كتاب آخر اسمه‪« :‬اليواقيت الثمينة يف نظائر عامل املدينة»‪ ،‬وهو نظم لقواعد‬
‫اإلمام مالك‪.‬‬
‫‪« .11‬الباهر يف اختصار األشباه والنظائر»‪ ،‬أليب زيد بن عبد القادر بن‬
‫عِّل بن أيب املحاسن يوسف الفايس املغريب املالكي(ت‪1096‬هـ)(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪ ،106-94‬والقواعد للندوي ص‪ ،210-189‬والقواعد‬


‫لشبري ص‪.61-48‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪215‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬كتب القواعد عند الشافعية‪:‬‬
‫وهم من أكثر املذاهب اهتامم ًا يف التأليف يف القواعد «أصول البناء»‪،‬‬
‫ومن كتبهم‪:‬‬
‫‪«.1‬القواعد يف فروع الشافعية»‪ ،‬ملعني الدين حممد بن إبراهيم‬
‫اجلاجرمي الشافعي (ت‪ 613‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.2‬ختريج الفروع عىل األصول»‪ ،‬أليب املناقب شهاب الدين حممد بن‬
‫الزنجاين الشافعي (ت‪656‬هـ)‪.‬‬
‫أمحد ِّ‬
‫وهو يف كتابه هذا يرسم عالقة الفروع واجلزئيات من مسائل الفقه‬
‫بأصوهلا وضوابطها من القواعد وذلك ضمن إطار؛ لتقييد االختالف بني‬
‫املذهبني الشافعي واحلنفي‪ ،‬وبيان األصل الذي ترد إليه كل مسألة خالفية‬
‫فيهام‪.‬‬
‫وقد التزم السري وراء أبواب الفقه؛ ملتزم ًا ختريج فروعها عىل األصول‬
‫التي تنتمي إليها‪ ،‬فقد قال هو عن كتابه هذا‪ :‬فبدأت باملسألة األصولية ثم‬
‫رددت الفروع الناشئة منها إليها‪ ،‬فتحرر الكتاب مع صغر حجمه حاوي ًا‬
‫لقواعد األصول جامع ًا لقوانني الفروع‪.‬‬
‫وطريقته يف كتابه‪ :‬أن يأيت بالقاعدة األصولية أو الضابط الفقهي‪ ،‬ثم‬
‫يذكر اخلالف فيه‪ ،‬وبعد ذلك يفرع املسائل عىل كال املذهبني بعد ذكر‬
‫استدالل كل مذهب عىل أصله‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬من مسائل اإلقرار‪ ،‬األصل عند‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪216‬‬
‫أن الفعل إذا وجد مطابق ًا لظاهر الّشع حكم بصحته‪ ،‬وال تعتّب‬
‫الشافعي‪َّ :‬‬
‫التهمة يف األحكام؛ َّ‬
‫ألن األحكام تتبع األسباب اجللية دون املعاين اخلفية‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ « :‬كل فعل متكنت التهمة فيه حكم بفساده؛ لتعارض‬
‫دليل الصحة والفساد‪ ،‬ويتفرع عىل هذا األصل مسائل»‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪« .4‬قواعد األحكام يف مصالح األنام»‪ ،‬لعز الدِّ ين عبد العزيز بن عبد‬
‫السالم السلمي الشافعي (ت‪ 660‬هـ)‪ ،‬وهو املسمى بـ«القواعد الكّبى»‪،‬‬
‫حيث له كتاب آخر يسمى بـ«القواعد الصغرى»‪ ،‬وهو قد بنى كتابه هذا‬
‫عىل قاعدة‪« :‬جلب املصالح ودرء املفاسد»‪.‬‬
‫وهو كتاب مبني عىل فصول فقهية أخالقية‪ ،‬وحتتها أحكام مفصلة‬
‫تفصي ً‬
‫ال‪ ،‬وفيه كثري من بيان حكمة التّشيع‪ ،‬وهو قد بني كتابه هذا عىل‬
‫قاعدة‪« :‬جلب املصالح ودرء املفاسد»‪ ،‬بل أرجع الكل إىل اعتبار املصالح؛‬
‫َّ‬
‫ألن درء املفاسد من اعتبار املصالح‪ ،‬وهو مل ينهج َّنج غريه من الفقهاء يف‬
‫اعتبار القواعد التي ذكروها‪ ،‬ومل يرجع كل فرع فقهي إىل قاعدته أو ضابطه؛‬
‫ليسهل عىل الناظر فهمه؛ أل َّنه يف حقيقة األمر مل يرد من كتابه أن يكون كتاب ًا‬
‫فقهي ًا باملعنى األخص لكلمة «الفقه»‪ ،‬بل أراد من كتابه كام قال يف فصل بيان‬
‫مقاصد الكتاب‪« :‬الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات‬
‫واملعامالت وسائر الترصفات؛ ليسعى العباد يف حتصيلها‪ ،‬وبيان مقاصد‬
‫املخالفات؛ ليسعى العباد يف درئها‪ ،‬وبيان مصالح العبادات؛ ليكون العباد‬
‫عىل خّب منها‪ ،‬وبيان ما يقدم من بعض املصالح عىل بعض‪ ،‬وما يؤخر من‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪217‬‬
‫بعض املفاسد عىل بعض‪ ،‬وما يدخل حتت اكتساب العبيد دون ما ال قدرة‬
‫هلم عليه وال سبيل هلم إليه‪ ،‬فالكتاب حقه أن يدرج ضمن الكتب التي‬
‫تبحث يف أرسار التّشيع ال يف كتب القواعد الفقهية»‪.‬‬
‫‪« .4‬قواعد الّشع وضوابط األصل والفرع»‪ ،‬أليب الفضل حممد بن‬
‫عِّل بن احلسني الشافعي اخلالطي (ت‪ 675‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.5‬األصول والضوابط»‪،‬أليب زكريا ُييى بن رشف النووي‬
‫(ت‪676‬هـ)‪ ،‬ذكر أهم ما ُيتاج فيه طالب العلم‪ :‬من القواعد‪ ،‬واألصول‬
‫املهمة‪ ،‬واملسائل املتشاهبة‪.‬‬
‫‪« .6‬األشباه والنظائر»‪ ،‬لصدر الدين حممد بن عمر الشافعي‪ ،‬الشهري‬
‫بابن الوكيل وابن املرحل (ت‪ 716‬هـ)‪ ،‬وهو أول كتاب ُس ِمي بـ«األشباه‬
‫والنظائر»‪ ،‬وهذا الكتاب غري خاص للقواعد الفقهية‪ ،‬بل يشمل إىل جانبها‬
‫كثري ًا من القواعد األُصولية‪.‬‬
‫‪« .7‬املجموع املذهب يف قواعد املذهب»‪ ،‬لصالح الدين خليل بن‬
‫كيكليدي الشافعي‪ ،‬الشهري بالعالئي (ت‪ 761‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .8‬األشباه والنظائر يف فروع الفقه الشافعي»‪ ،‬البن كيكليدي‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪« .9‬األشباه والنظائر»‪ ،‬لتاج الدين عبد الوهاب بن عِّل بن عبد‬
‫الكايف‪ ،‬املعروف بابن السبكي الشافعي (ت‪ 771‬هـ)‪ ،‬وقد سلك يف كتابه‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪218‬‬
‫طريقة ابن الوكيل‪ ،‬ولكنَّه فاقه يف استيفائه وتنسيقه ولغته‪.‬‬
‫‪« .10‬األشباه والنظائر»‪ ،‬جلامل الدين عبد الرحيم بن احلسن بن عِّل‬
‫اإلسنوي الشافعي (ت‪ 772‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.11‬التمهيد يف ختريج الفروع عىل األصول»‪ ،‬جلامل الدِّ ين عبد‬
‫الرحيم بن احلسن اإلسنوي (ت‪ 772‬هـ)‪ ،‬وهو كتاب يف مسائل اخلالف‬
‫األُصويل ضمن مذهب الشافعي فقط‪ ،‬وقد بنى الكتاب عىل ترتيب كتب‬
‫األصول؛ إذ ُيعل املوضوع األصويل عنوان ًا‪ ،‬ثم يذكر حتته مسائل وما يتفرع‬
‫عىل كل مسألة منها‪ ،‬فمث ً‬
‫ال يقول‪ « :‬باب أركان احلكم وهو احلاكم واملحكوم‬
‫عليه وبه»‪ ،‬ثم يذكر مسألة «األفعال الصادرة من الشخص قبل بعثة‬
‫الرسل»‪ ،‬وهي مسألة اإلباحة واحلظر‪ ،‬ويذكر اخلالف املذهبي فيها‪ ،‬ثم يفرع‬
‫عىل ذلك فروع ًا مع بيان اخلالف بني علامء مذهب الشافعي يف كل منها‪،‬‬
‫وهو كتاب يف قواعد األصول اخلالفية ال يف قواعد الفقه‪.‬‬
‫‪« .12‬االستغناء يف الفروق واالستثناء»‪ ،‬لبدر الدِّ ين حممد بن أيب بكر‬
‫بن سليامن البكري الشافعي‪ ،‬من علامء القرن التاسع‪.‬‬
‫ملحمد بن سليامن‬ ‫‪« .13‬خمترص قواعد العالئي واإلسنوي»‪،‬‬
‫الرصخدي الشافعي (ت‪ 792‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .14‬املنثور يف القواعد الفقهية»‪ ،‬لبدر الدِّ ين حممد بن عبد اهلل‬
‫الزركّش الشافعي (ت‪ 794‬هـ)‪.‬‬
‫َّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪219‬‬
‫‪«.15‬القواعد من الفروع»‪ ،‬لّشف الدِّ ين عيسى بن عثامن الغزي‬
‫الشافعي (ت‪799‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .16‬األشباه والنظائر»‪ ،‬البن امللقن عمر بن عِّل األنصاري الشافعي‬
‫(ت ‪ 804‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.17‬فوائد احلسام عىل قواعد ابن عبد السالم»‪ ،‬أليب حفص رساج‬
‫الدين عمر بن رسالن البلقيني الشافعي (ت‪805‬هـ)‪.‬‬
‫الزبريي العيزري‬
‫‪« .18‬أسنى املقاصد يف حترير القواعد»‪ ،‬ملحمد بن َّ‬
‫الشافعي (ت ‪ 808‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .19‬القواعد املنظومة»‪ ،‬البن اهلائم شهاب الدين أمحد بن حممد بن‬
‫عامد الشافعي(ت‪ 815‬هـ)‪ ،‬وقد رشح هذا الكتاب القباقبي إبراهيم بن‬
‫حممد (ت‪ 901‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .20‬القواعد»‪ ،‬لتقي الدين أيب بكر بن حممد احلصني البكري‬
‫الشافعي‪( ،‬ت‪ 829‬هـ)‪ ،‬وهو كتاب خمترص لكتاب العالئي السابق الذكر‬
‫«املجموع املذهب»‪.‬‬
‫‪« .21‬خمترص قواعد العالئي واإلسنوي»‪ ،‬أليب الثناء حممود بن أمحد‬
‫ابن خطيب الدهشة اهلمذاين احلموي الشافعي (ت ‪ 834‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .22‬نظم الذخائر يف األشباه والنظائر»‪ ،‬لعبد الرمحن بن عِّل املقديس‬
‫الشافعي املعروف بشقري (ت ‪ 876‬هـ)‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪220‬‬
‫‪« .23‬األشباه والنظائر»‪ ،‬جلالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‬
‫السيوطي الشافعي (ت‪ 911‬هـ)‪.‬‬
‫فهو يشتمل عىل سبعة كتب «أي أبواب»‪:‬‬
‫الكتاب األول‪ :‬ذكر فيه القواعد اخلمس الكّبى‪ ،‬ورشحها باألمثلة‪،‬‬
‫يتفرع عىل ٍّ‬
‫كل‬ ‫وبني ما يندرج حتت ِّ‬
‫كل قاعدة من أبواب الفقه املختلفة‪ ،‬وما َّ‬
‫منها من قواعد فرعية‪.‬‬
‫الكتاب الثاين‪ :‬ذكر فيه قواعد كلية يتخرج عليها ما ال ينحرص من‬
‫الصور اجلزئية‪ ،‬وهي أربعون قاعدة‪ ،‬وهذه القواعد األربعون أقل يف‬
‫ُّ‬
‫عمومها وشموليتها من تلك اخلمس الكّبى‪.‬‬
‫الكتاب ال َّثالث‪ :‬ذكر فيه عّشين قاعد ًة خمتلف ًا عليها‪.‬‬
‫خصصها ألحكام يكثر دورها‬ ‫وأما الكتب األربعة األخرى‪ ،‬فقد َّ‬
‫ويقبح بالفقه جهلها‪ ،‬ويف نظائر األبواب‪ ،‬وما افرتقت فيه األبواب املتشاهبة‪،‬‬
‫ثم يف نظائر شتى‪ ،‬نثر بني موضوعاهتا قواعد ًا خمتلفة وضوابط ًا شتى‪ ،‬وكان‬
‫جمموع ما يف الكتاب من القواعد ثالثني ومئة قاعدة كلية وفرعية‪.‬‬
‫ومن األعامل عليه‪:‬‬
‫ـ «الفرائد البهية»‪ ،‬أليب بكر بن أيب القاسم األهدل (ت‪ 1053‬هـ)‪،‬‬
‫نظم قواعده‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪221‬‬
‫ـ «املواهب السنية عىل الفرائد البهية»‪ ،‬لعبد اهلل بن سليامن اجلرهزي‬
‫اليمني (ت‪ 1201‬هـ)‪،‬وهو رشح هلذه املنظومة‪ ،‬ووضع عىل هذا الّشح‬
‫الشيخ حممد ياسني بن عيسى الفاداين املكي (ت‪ 1376‬هـ)‪ ،‬حاشية جليلة‬
‫نافعة حتت عنوان‪« :‬الفوائد اجلنية حاشية عىل املواهب السنية»‪.‬‬
‫‪« .24‬رشح قواعد الزركّش»‪ ،‬لّساج الدِّ ين عمر بن عبد اهلل العبادي‬
‫الشافعي (ت‪ 1‬أو ‪ 947‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .25‬إيضاح القواعد الفقهية»‪ ،‬لعبد اهلل بن سعيد حممد عبادي‬
‫اللحجي احلّضمي‪ ،‬وهذا الكتاب رشح فيه مؤلفه قواعد السيوطي التي‬
‫نظمها أبو بكر بن أيب القاسم األهدل‪ ،‬ورشحها الشيخ عبد اهلل بن سليامن‬
‫اجلرهزي‪ ،‬وهو رشح لطيف خلمسني قاعدة فقهية(‪.)1‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬كتب القواعد عند احلنابلة‪:‬‬
‫اهتم احلنابلة بكتب القواعد «أصول البناء»‪ ،‬ومن أبرز كتبهم فيها‪:‬‬
‫‪« .1‬القواعد الكّبى»‪ ،‬و«القواعد الصغرى»‪ ،‬لنجم الدين سليامن بن‬
‫عبد القوي الطويف احلنبِّل (ت ‪ 710‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .2‬القواعد النورانية الفقهية»‪ ،‬لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد‬
‫احلليم ابن تيمية احلراين (ت‪ 728‬هـ)‪ ،‬وهو كتاب فقهي ذكر فيه كثري ًا من‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪ ،106-94‬والقواعد للندوي ص‪ ،250-211‬والقواعد‬


‫لشبري ص‪.61-48‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪222‬‬
‫القواعد والضوابط‪.‬‬
‫‪« .3‬تقرير القواعد وحترير الفوائد»‪،‬أليب الفرج عبد الرمحن بن رجب‬
‫احلنبِّل (ت‪ 795‬هـ)‪ ،‬إذ بنى مباحثه عىل ستني ومئة قاعدة‪ ،‬وهو يضع حتت‬
‫القاعدة موضوع ًا فقهي ًا‪ ،‬ثم يتناوله بإيضاح وإسهاب‪ ،‬وهو كتاب مذهبي‪،‬‬
‫حرص فيه مؤلفه مذهب احلنابلة ضمن ضوابط فقهية سامها قواعد‪ ،‬فمن‬
‫درسه كان مل ًام بأمهات املسائل الفقهية يف املذهب احلنبِّل‪ ،‬وقد ذكر ذلك ابن‬
‫رجب نفسه‪ ،‬حيث قال يف مقدمة كتابه‪« :‬فهذه قواعد مهمة مجة تضبط للفقيه‬
‫أصول املذهب وتطلعه مآخذ الفقه عىل ما كان عنه تغيب ‪.» ...‬‬
‫‪«.4‬القواعد الفقهية»‪ ،‬أليب العباس رشف الدين أمحد بن احلسني‬
‫احلنبِّل‪ ،‬الشهري بابن قايض اجلبل (ت‪771‬هـ)‪.‬‬
‫‪« .5‬القواعد والضوابط»‪ ،‬جلامل الدِّ ين يوسف بن حسن بن أمحد ابن‬
‫عبد اهلادي‪ ،‬الشهري بابن املّبد الصاحلي احلنبِّل (ت‪ 909‬هـ)‪.‬‬
‫‪«.6‬جملة األحكام الّشعية عىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين»‪،‬‬
‫ألمحد بن عبد اهلل القاري (ت‪1359‬هـ)‪ ،‬وقد خصص املقدمة للقواعد‬
‫الفقهية التي بلغت (‪ ) 160‬ستني ومائة قاعدة‪ ،‬وهي ملخصة من قواعد ابن‬
‫رجب‪.‬‬
‫‪« .7‬القواعد»‪ ،‬لعبد الرمحن بن نارص السعدي احلنبِّل (ت‪ 1376‬هـ)‪،‬‬
‫وهي عبارة عن رشح لنظم يف القواعد الفقهية‪ ،‬وكالمها للمؤلف نفسه‪،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪223‬‬
‫والكتاب يشتمل عىل ستني قاعدة فقهية وأصولية(‪.)1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬كتب القواعد عند املعارصين‪:‬‬


‫توجهت عناية املعارصين نحو علم القواعد الفقهية بدرجة مل تسبق من‬
‫قبل‪ ،‬فأ َّلفوا فيها ما ال ُيىص من املؤلفات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪« .1‬مقاصد املكلفني»‪ ،‬وهو رسالة دكتوراه لعمر بن سليامن األشقر‪،‬‬
‫من كلية الّشيعة بجامعة األزهر‪.‬‬
‫‪« .2‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية»‪ ،‬ملحمد صدقي بن أمحد بن‬
‫حممد البورنو الغزي أيب احلارث‪ ،‬وهو كتاب مجع فيه مؤلفه ثامنني ومائة‬
‫قاعدة فقهية منها القواعد الست الكّبى وما تفرع عليها من قواعد‪ ،‬وهي‬
‫مّشوح ًة رشح ًا خمترص ًا‪.‬‬
‫‪« .3‬القواعد الفقهية نشأهتا وتطورها دراسة مؤلفاهتا»‪ ،‬وهو رسالة‬
‫ماجستري للدكتور عِّل بن أمحد الندوي اهلندي من جامعة أم القرى بمكة‬
‫املكرمة‪ ،‬وهو من أفضل وأوىف الكتب يف موضوعه‪.‬‬
‫‪« .4‬القواعد الفقهية وتارُيها وأثرها يف الفقه»‪ ،‬للدكتور حممد محود‬
‫الوائِّل‪ ،‬وهو كتاب صغري‪ ،‬بني فيه‪ :‬تعريف القواعد الفقهية‪ ،‬والفرق بينها‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪ ،106-94‬والقواعد للندوي ص‪،275-251‬‬


‫والقواعد لشبري ص‪.61-48‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪224‬‬
‫وبني قواعد األصول‪ ،‬والنظريات‪ ،‬ونشأة القواعد‪ ،‬ووضعها‪ ،‬وأمهيتها‪،‬‬
‫وأثرها‪ ،‬وذكر املؤلفات الفقهية يف املذاهب األربعة‪ ،‬حيث ذكر بعض ما ألف‬
‫يف كل مذهب ومثل لكل كتاب منها‪.‬‬
‫‪« .5‬النظريات الفقهية»‪ ،‬للدكتور حممد بن وهبة الزحيِّل‪ ،‬خص باب ًا يف‬
‫القواعد الكلية يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪«.6‬القواعد الفقهية اإلسالمية من خالل كتاب اإلرشاف عىل مسائل‬
‫اخلالف للقايض عبد الوهاب املالكي»‪ ،‬ملحمد الروكي‪.‬‬
‫‪«.7‬القواعد الفقهية يف بايب العبادات واملعامالت من خالف كتاب‬
‫املغني البن قدامة»‪ ،‬لعبد اهلل بن عيسى‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.‬‬
‫‪«.8‬القواعد والضوابط املستخلصة من كتاب التحرير رشح اجلامع‬
‫الكبري» ملحمد بن احلسن لإلمام مجال الدِّ ين احلصريي(ت‪636‬هـ)»‪،‬‬
‫للدكتور عِّل الندوي‪.‬‬
‫‪«.9‬موسوعة القواعد الفقهية»‪ ،‬ملحمد صدق البورنو‪.‬‬
‫‪«.11‬املفصل يف القواعد الفقهية»‪ ،‬للدكتور يعقوب الباحسني‪.‬‬
‫‪«.12‬القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الّشيعة اإلسالمية»‪،‬‬
‫للدكتور حممد عثامن شبري‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪225‬‬
‫‪« .13‬إعامل الكالم أوىل من إمهاله»‪ ،‬وهو رسالة ماجستري ملحمود بن‬
‫مصطفى عبود اللبناين‪ ،‬كشف فيه عن هذه القاعدة واستيعاهبا وشموهلا‪،‬‬
‫وقد نال به صاحبه درجة املاجستري‪.‬‬
‫‪« .14‬قاعدة املشقة جتلب التيسري»‪ ،‬وهو رسالة ماجستري للدكتور‬
‫صالح بن سليامن بن حممد اليوسف احلنبِّل‪.‬‬
‫‪« .15‬القواعد الفقهية للفقه اإلسالمي»‪ ،‬ألمحد حممد احلرصي‬
‫املرصي‪ ،‬أدرج فيه املؤلف رسالة اإلمام الكرخي‪ ،‬وأصول اإلمام الدَّ بويس‪،‬‬
‫وتأسيس النظر‪ ،‬وقواعد ابن نجيم‪ ،‬وبعض القواعد من املذاهب األخرى‪،‬‬
‫مع ترمجة لبعض من كتبوا يف القواعد‪ ،‬وختم الكتاب بّشح للقواعد الكلية‬
‫الكّبى وبعض ما تفرع عنها(‪.)1‬‬
‫أن كتب القواعد عىل جمموعتني‪:‬‬
‫فيظهر مما سبق َّ‬
‫‪.1‬ما أفردت فيها القواعد الكلية بالذكر والتوضيح والتفريع‪ ،‬كام‬
‫ذكرت الضوابط‪ ،‬ومثل هلا‪ ،‬وميزت عن قواعد األصول وقواعد اللغة‬
‫إمجاالً‪.‬‬
‫وهي األشباه والنظائر‪ :‬كاألشباه والنظائر للسيوطي وابن نجيم‪،‬‬
‫وخامتة «جممع احلقائق» للخادمي‪ ،‬و«الفرائد البهية يف القواعد الفقهية»‬
‫ملحمود بن محزة احلسيني‪ ،‬و«جملة األحكام العدلية»‪ ،‬واملدخل الفقهي العام»‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪ ،109-106‬والقواعد لشبري ص‪.63-61‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪226‬‬
‫ملصطفى الزرقا‪ ،‬و«املنثور يف القواعد الفقهية» للزركّش‪ ،‬و«خمترص قواعد‬
‫العالئي واألسنوي» البن خطيب الدهشة‪ ،‬و«القواعد»أليب بكر احلصني‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪.2‬ما محلت اسم القواعد‪ ،‬وتضمنت كثري ًا من القواعد‪ ،‬ومل تفرق بني‬
‫القواعد والضوابط واألصول الفقهية والفوائد‪ ،‬أو َّأَّنا مع اشتامهلا عىل كثري‬
‫من القواعد الفقهية‪ ،‬جاءت مشتملة عىل قواعد أصولية‪ ،‬أو لغوية‪ ،‬أو‬
‫مشتملة عىل أحكام‪ ،‬وتقسيامت فقهية عامة‪.‬‬
‫وهي‪« :‬تأسيس النظر» للدبويس‪ ،‬و«القواعد يف الفقه اإلسالمي» البن‬
‫رجب احلنبِّل‪ ،‬و«إيضاح املسالك إىل قواعد مذهب مالك»للونّشيس‪،‬‬
‫و«الفروق» للقرايف‪ ،‬و«ختريج الفروع عىل األصول» للزنجاين»(‪.)1‬‬
‫واختلفت مناهج تأليف الفقهاء يف ترتيب القواعد الفقهية‪:‬‬
‫‪ .1‬ترتيبها عىل كتب الفقه‪ ،‬كام هو يف «القواعد» للمقري‪ ،‬و«القواعد»‬
‫البن رجب‪.‬‬
‫‪.2‬ترتيبها حسب عمومها‪ ،‬وخصوصها‪ ،‬وموضوعها‪ ،‬كام يف «املجموع‬
‫للسبكي‪.‬‬
‫املذهب» للعالئي‪ ،‬و«األشباه» ُّ‬
‫‪.3‬ترتيبها وفق الرتتيب اهلجائي حلروف املعجم‪ ،‬كـ«املنثور يف‬
‫القواعد» للزركّش(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوجيز لبورنو ص‪.120-110‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪227‬‬

‫مناقشة الفصل الثاين‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أجب عن األسئلة اآلتية مع الرشح الوايف‪:‬‬
‫‪ .1‬ترجع بداية القواعد «أصول البناء» باعتبارها فن ًا مستق ً‬
‫ال إىل‪ :‬عرص‬
‫املجتهدين املنتسبني يف القرن الرابع اهلجري‪،‬وعرص املجتهدين يف املذهب‬
‫فيام بعد القرن الرابع‪ ،‬وضح ذلك مع التمثيل‪.‬‬
‫‪ .2‬الدَّ بويس يف كتابه تأسيس النظر كان له دور كبري يف نشأة علم القواعد‬
‫الفقهية‪ ،‬تك َّلم عن ذلك مع التمثيل‪.‬‬
‫‪َ .3‬أوىل قاضيخان القواعد «أصول البناء» عناي ًة كبري ًة وقام بجهد َج َّبار يف‬
‫وضح ذلك مع التمثيل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ربط الفروع بأصوهلا يف كتابه رشح الزيادات‪ِّ ،‬‬
‫‪ .4‬تك َّلم بالتفصيل عن دور ابن نجيم يف كتابه‪ :‬األشباه والنظائر يف تدوين‬
‫القواعد الفقهية‪ ،‬ومكانة كتابه مع التمثيل‪.‬‬
‫وضح دور املتأخرين يف تدوين علم القواعد الفقهية مع التمثيل‪.‬‬
‫‪ِّ .5‬‬
‫‪ِّ .6‬بني كيف كانت عناية املالكية والشافعية واحلنابلة يف القواعد‪ ،‬مع ذكر‬
‫أمثله من أبرز كتب القواعد عندهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القواعد لشبري‪.54-53‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪228‬‬
‫‪ .7‬عدد مناهج تأليف الفقهاء يف ترتيب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬م ريز بني القاعدة والضابط واألصل‪ ،‬ثم ارشحها مع التمثيل والتدليل‬
‫كلام أمكن مما ييل‪:‬‬
‫الّضورة‪.‬‬ ‫َّحري ُيوز يف ِّ‬
‫كل ما جازت فيه َّ‬ ‫‪ .1‬الت ِّ‬
‫‪ .2‬الظاهر يدفع االستحقاق وال يوجب االستحقاق‪.‬‬
‫‪ .3‬للحالة من الدَّ اللة كام للمقالة‪.‬‬
‫‪ .4‬االحتياط يف حقوق اهلل تعاىل جائز‪ ،‬ويف حقوق العباد ال ُيوز‪.‬‬
‫‪َّ .5‬‬
‫كل َمن ال يقدر بنفسه فوسع غريه ال يكون وسع ًا له‪.‬‬
‫‪ .6‬اجلمع بني البدل واملبدل حمال‪.‬‬
‫‪ .7‬القايض مأمور بالنظر واالحتياط‪.‬‬
‫‪ .8‬إذا اجتمع احلالل واحلرام ُغ ِّلب احلرام‪.‬‬
‫‪ .9‬ما جاز بعذر بطل بزواله‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ضع هذه العالمة ( √ ) أمام كل عبارة صحيحة مما يأيت‪:‬‬
‫متأخر عنه يف التَّأليف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ .1‬علم القواعد الفقهية سابق يف ِّ‬
‫الذهن للفقه‬
‫‪ .2‬القواعد «أصول البناء» كجزء من علم الفقه ليست متأثر ًة بطبقات‬
‫املجتهدين وأنواع التأليف وصوره من عرص إىل عرص‪.‬‬
‫‪ .3‬مل يتابع احلصريي يف كتابه التحرير أستاذه قاضيخان‪ ،‬حيث مل ُي َصدِّ ر‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪229‬‬
‫والضوابط واألصول الفقهية‪.‬‬
‫كل باب يف كتابه بالقواعد َّ‬
‫‪ِ .4‬صيغ القواعد والضوابط واملدارك عند املتقدمني يف عبارهتا طول وزيادة‬
‫بيان‪ ،‬بخالفها عند املتأخرين‪ ،‬حيث امتازت بإُياز عبارهتا‪ ،‬وقلة كلامهتا‪،‬‬
‫مع استيعاهبا ملسائلها‪.‬‬
‫‪َ .5‬قدمت جملة األحكام العدلية موادها بتسع وتسعني قاعدة فقهية‪ ،‬خمتارة‬
‫من أهم ما مجع ابن نجيم واخلادمي بإضافة بعض القواعد األخرى‪.‬‬
‫‪ .6‬القرن الثامن اهلجري يعتّب العرص الذهبي لتدوين القواعد الفقهية‪ ،‬ونمو‬
‫التَّأليف فيها‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أكمل الفراغ يف العبارات اآلتية بالكلمة املناسبة‪:‬‬
‫‪ .1‬القرن الرابع اهلجري وهو عرص املجتهدين املنتسبني هو املرحلة ‪........‬‬
‫يف نشأة القواعد الفقهية وتدوينها‪.‬‬
‫‪ .2‬طور النمو والتدوين للقواعد الفقهية‪ :‬هو ‪.................‬‬
‫‪ .3‬أوسع موطن للقواعد «أصول البناء»‪ :‬هو ‪..................‬‬
‫‪ .4‬اختالف عبارة القواعد «أصول البناء» وصيغها يف كتب املتقدمني عنها يف‬
‫كتب املتأخرين دليل عىل َّ‬
‫أن‪...........................................‬‬
‫‪ .5‬كتاب ‪ .........‬لـ‪ ..........‬يعـد مـن أوسـع مـا ُمجِـع باسـم «القواعـد‬
‫الفقهية»‪ ،‬ويعتّب َّأول من أفرد القواعـد الفقهيـة والضـوابط وجردهـا يف‬
‫كتاب مستقل‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪230‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪231‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫القواعد اخلمس الكربى والوسطى‬
‫أهداف الفصل الثالث‪:‬‬
‫يتوقع من الطالب بعد دراسة هذا الفصل أن يكون قادر ًا عىل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األهداف املعرفية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يوضح القواعد اخلمس الكّبى ومتعلقاهتا‪ ،‬مع بيان فروعها ومستثنياهتا‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يوضح القواعد الوسطى ومتعلقاهتا‪ ،‬مع بيان فروعها ومستثنياهتا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األهداف املهارية‪:‬‬
‫أن ُيفظ القواعد اخلمس الكّبى والقواعد الوسطى‪ ،‬وُييد التمييز بني‬
‫القواعد املتعلقة هبا‪ ،‬ويستحّض فروع ومستثنيات هلا‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األهداف الوجدانية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يدرك مدى اسـتيعاب الفقـه اإلسـالمي لألحكـام‪ ،‬ومراعاتـه للحقـوق‬
‫والواجبات‪ ،‬من خالل علم القواعد الفقهية‪ ،‬ويفتخر بعدالة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يرغب يف دراسة علم القواعد الفقهية‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪232‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪233‬‬

‫املبحث األول‬
‫القواعد الكربى ومتعلقاهتا‬
‫وبياَّنا‪،‬‬ ‫نتوقف يف هذا الفصل مع القواعد الفقهية الكّبى بتوضيحها‬
‫وبيان القواعد املتعلقة ِّ‬
‫بكل واحدة منها عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫(ق‪ :)140:‬القاعدة األوىل‬
‫األمور بمقاصدها‬
‫األمور مجع أمر‪ ،‬وهو‪ :‬لفظ عام لألفعال واألقوال كلها‪.‬‬
‫إن الكال َم عىل تقدير مقتىض‪ :‬أي أحكام األمور بمقاصدها؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ثم َّ‬
‫علم الفقه إ َّنام يبحث عن أحكام األشياء ال عن ذواهتا(‪.)1‬‬
‫وأصل هذه القاعدة فيام يظهر قوله ‪« :‬إ َّنام األعامل بالنيات»(‪.)2‬‬
‫وال تعتّب النية التي ال تقرتن بفعل ظاهري ال ترتتب عليها أحكام‬
‫رشعية‪ :‬فلو طلق شخص زوجته يف قلبه‪ ،‬أو باع فرسه ومل ينطق بلسانه‪ ،‬فال‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص‪.47‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح البخاري‪ ،3 :1‬وصحيح مسلم‪ ،1515 :3‬وغريمها‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪234‬‬
‫يرتتب عىل ذلك الفعل الباطني حكم؛ َّ‬
‫ألن األحكام الّشعية تتعلق‬
‫بالظواهر‪.‬‬
‫ولو اشرتى شخص ماالً بقصد أن يوقفه‪ ،‬وبعد أن اشرتاه مل يتكلم بام‬
‫يدل عىل وقفه ذلك املال‪ ،‬فال يصري وقف ًا(‪.)1‬‬
‫وهذه القاعدة جتري يف كثري من األبواب الفقهية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ـ املعاوضات والتمليكات املالية‪ :‬كالبيع‪ ،‬والّشاء‪ ،‬واإلجارة‪،‬‬
‫فإَّنا كلها عند إطالقها ــ أي إذا مل يقرتن هبا ما يقصد به‬
‫والصلح‪ ،‬واهلبة‪َّ ،‬‬
‫إخراجها عن إفادة ما وضعت له ـ تفيد حكمها‪ ،‬وهو األثر املرتتب عليها من‬
‫التمليك والتم ُّلك‪ ،‬لكن إذا اقرتن هبا ما ُيرجها عن إفادة هذا احلكم‪ ،‬وذلك‬
‫كإرادة النكاح هبا‪ ،‬فإنه يسلبها إفادة حكمها املذكور‪ ،‬ويقع هبا نكاح ًا‪.‬‬
‫ـ اإلبراء‪ :‬كام لو قال الطالب للكفيل‪ :‬برئت من املال الذي كفلت به‪،‬‬
‫فريجع للطالب يف البيان ملا قصده من هذا اللفظ‪ ،‬فإن كان قصد براءة‬
‫القبض واالستيفاء منه‪ ،‬فله أن يرجع عىل املكفول عنه‪ ،‬وإن كان قصد من‬
‫ذلك براءة اإلسقاط‪ ،‬فال رجوع عىل واحد منهام‪.‬‬
‫ـ الوكاالت‪ ،‬فمنها‪ :‬ما لو وكل إنسان غريه بّشاء فرس معني أو نحوه‪،‬‬
‫فاشرتى الوكيل فرس ًا‪ ،‬ففيه تفصيل‪ :‬إن كان نوى رشاءه للموكِّل‪ ،‬أو أضاف‬
‫العقد إىل دراهم املوكل يقع الّشاء للموكِّل‪ ،‬وإن نوى الّشاء لنفسه‪ ،‬أو‬

‫)‪ (1‬درر احلكام‪.19 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪235‬‬
‫أضاف العقد إىل دراهم نفسه يقع الّشاء لنفسه‪.‬‬
‫ـ اإلحرازات‪ ،‬وهي‪ :‬استمالك األشياء املباحة‪َّ ،‬‬
‫فإن النية والقصد رشط‬
‫يف إفادهتا امللك‪ ،‬فلو وضع إنسان وعاء يف مكان فاجتمع فيه ماء املطر‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫فإن كان وضعه خصيص ًا جلمع املاء يكون ما اجتمع فيه ملكه‪ ،‬وإن وضعه‬
‫بغري هذا القصد فام اجتمع فيه ال يكون ملكه‪ ،‬ولغريه حينئذ أن يتملكه‬
‫باألخذ؛ َّ‬
‫ألن احلكم ال يضاف إىل السبب الصالح إال بالقصد‪.‬‬
‫ـ الضامنات واألمانات‪ ،‬فمنها‪ :‬إن التقط ملتقط بنية حفظ اللقطة‬
‫ملالكها‪ ،‬فتكون أمان ًة ال تضمن إال بالتعدي‪ ،‬وإن التقطها بنية أخذها لنفسه‪،‬‬
‫كان يف حكم الغاصب‪ ،‬فيضمن إذا تلفت يف يده بأي صورة كان تلفها‪.‬‬
‫ـ العقوبات‪ :‬كالقصاص‪ ،‬فإ َّنه يتو َّقف عىل أن يقصد القاتل القتل‪ ،‬لكن‬
‫اآللة املفرقة لألجزاء تقام مقام قصد القتل؛ َّ‬
‫ألن هذا القصد ِما ال يوقف‬
‫عليه‪ ،‬ودليل الّشء يف األمور الباطنة يقام مقامه(‪.)1‬‬
‫ومن مستثنيات القاعدة‪:‬‬
‫األصل اعتبار ظاهر الفعل قضائي ًا دون النية‪ ،‬فاأللفاظ الرصُية ال‬
‫حتتاج إىل نية‪ ،‬ويكفي حصول الفعل لرتتب احلكم عليها؛ إذ َّ‬
‫أن األفعال‬
‫الرصُية تكون النية متمثلة هبا‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو قال شخص آلخر‪ :‬بعتك مايل هذا‪ ،‬أو أوصيت لك به‬

‫)‪ (1‬رشح القواعد للزرقا ص‪.53-47‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪236‬‬
‫يصح البيع أو الوصية‪ ،‬كام َّ‬
‫أن اإلقرار والوكالة واإليداع واإلعارة والقذف‬
‫والّسقة كلها أمور ال تتوقف عىل النية‪ ،‬بل فعلها يكفي لرتتب احلكم‪.‬‬
‫وعامة األحكام الّشعية ال تتبدل أحكامها باختالف القصد والنية‪ ،‬كام‬
‫شخص مال آخر عىل سبيل املزاح بدون إذنه‪ ،‬فبمجرد وقوع األخذ‬
‫ٌ‬ ‫لو أخذ‬
‫يكون اآلخذ غاصب ًا‪ ،‬وال ينظر إىل نيته؛ من كونه ال يقصد الغصب بل يقصد‬
‫املزاح(‪.)1‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)141:‬األوىل‪ :‬العربة يف العقود للمقاصد واملعاين‪ ،‬ال‬
‫لأللفاظ واملباين‪:‬‬
‫هذه القاعدة بالنسبة للتي قبلها كاجلزئي من الكِّل‪ ،‬فتلك عامة وهذه‬
‫خاصة‪ ،‬فتصلح أن تكون فرع ًا منها(‪.)2‬‬
‫والعقد‪ :‬هو ارتباط اإلُياب بال َقبول‪ :‬كعقد البيع‪ ،‬واإلجارة‪،‬‬
‫واإلعارة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫واللفظ‪ :‬هو الكالم الذي ينطق به اإلنسان بقصد التعبري عن ضمريه‪.‬‬
‫ويفهم من هذه القاعدة‪ :‬أ َّنه عند حصول العقد ال ينظر لأللفاظ التي‬
‫يستعملها العاقدان حني العقد‪ ،‬بل إ َّنام ينظر إىل مقاصدهم احلقيقية من‬

‫)‪ (1‬درر احلكام‪.20 :1‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.55‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪237‬‬
‫الكالم الذي يلفظ به حني العقد؛ َّ‬
‫ألن املقصو َد احلقيقي هو املعنى وليس‬
‫اللفظ وال الصيغة املستعملة‪ ،‬وما األلفاظ إال قوالب للمعاين‪.‬‬
‫ومع ذلك فإ َّنه ما مل َّ‬
‫يتعذر التَّأليف بني األلفاظ واملعاين املقصودة‪ ،‬ال‬
‫ُيوز إلغاء األلفاظ(‪.)1‬‬
‫واملراد باملقاصد واملعاين‪ :‬ما يشمل املقاصد التي تعينها القرائن اللفظية‬
‫التي توجد يف عقد‪ ،‬فتكسبه حكم عقد آخر‪ :‬كانعقاد الكفالة بلفظ احلوالة إذا‬
‫اشرتط فيها براءة املديون عن املطالبة‪ ،‬وما يشمل املقاصد العرفية املرادة‬
‫رصح‬
‫فإَّنا معتّب ٌة يف تعيني جهة العقود‪ ،‬فقد َّ‬
‫للناس يف اصطالح ختاطبهم‪َّ ،‬‬
‫الفقهاء‪ :‬بأنه ُيمل كالم كل إنسان عىل لغته وعرفه‪ ،‬وإن خالفت لغة الّشع‬
‫وعرفه‪ ،‬كانعقاد البيع والّشاء بلفظ‪ :‬األخذ واإلعطاء(‪.)2‬‬
‫وذكر لفظ العقود يف هذه القاعدة ليس إلفادة َّ‬
‫أن اعتبار املقاصد‬
‫واملعاين ال ُيري إال يف العقود‪ ،‬بل جري ًا عىل الغالب‪ ،‬وإال َّ‬
‫فإن القاعدة‬
‫املذكورة جتري يف غري العقود‪ :‬كالدعاوى‪ ،‬فيذكرون َّ‬
‫أن الصلح يعتّب بأقرب‬
‫العقود إليه‪ ،‬بمعنى أ َّنه إن كان فيه معنى البيع؛ بأن وقع عن مال بامل يعتّب‬
‫بيع ًا‪ ،‬وإن كان فيه معنى اإلجارة؛ بأن وقع عن مال بمنفعة يعتّب إجارة‪،‬‬
‫وهكذا(‪.)3‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬درر احلكام ‪.21 :1‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.55‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.66-64‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪238‬‬
‫ومن أمثلتها‪:‬‬
‫ـ بيع الوفاء‪َّ :‬‬
‫إن جريان حكم الرهن يف بيع الوفاء ليس يف مجيع األحكام‬
‫بل يف بعضها‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أ َّنه اختلف يف بيع الوفاء‪ ،‬فقيل‪ :‬هو بيع صحيح‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بيع فاسد‪ ،‬وقيل‪ :‬هو رهن‪ ،‬واملفتى به هو القول اجلامع‪ ،‬وعليه جرت‬
‫املجلة يف املادة‪ ،/118/‬وهو َّ‬
‫أن بيع الوفاء له شبه بالبيع الصحيح‪ ،‬وشبه‬
‫بالفاسد‪ ،‬وشبه بالرهن‪ ،‬وله من كل شبه بعض أحكام املشبه به‪ ،‬وال مانع من‬
‫أن يكون للعقد الواحد أكثر من حكم واحد باعتبار املقصود منه‪ ،‬كاهلبة‬
‫بّشط العوض‪.‬‬
‫ـ الكفالة‪ :‬فهي ضم ذمة إىل ذمة يف املطالبة‪ ،‬فإذا اشرتط فيها براءة‬
‫املديون عن املطالبة تعتّب حوالة‪ ،‬فيشرتط حينئذ فيها ما يشرتط يف احلوالة‪،‬‬
‫وال يطالب الدائن إال الكفيل فقط‪.‬‬
‫ـ احلوالة‪ :‬وهي نقل الدين من ذمة املحيل إىل ذمة املحال عليه‪ ،‬فإَّنا إذا‬
‫اشرتط فيها عدم براءة املحيل عن املطالبة تعتّب كفالة‪ ،‬فيشرتط فيها ما‬
‫يشرتط يف الكفالة‪ ،‬ويطالب املحال ك ً‬
‫ال من املحيل واملحال عليه‪.‬‬
‫فإَّنا إذا رشط فيها تعويض الواهب تصح وتعتّب هبة ابتدا ًء‬
‫ـ اهلبة‪َّ ،‬‬
‫وبيع ًا انتها ًء‪ ،‬فبالنظر لكوَّنا هب ًة يشرتط لصحتها رشوط اهلبة‪ ،‬فال تصح من‬
‫الصغري ولو كان العوض كثري ًا‪.‬‬
‫َّ‬
‫فإَّنا إذا رشط فيها أن يكون كل الربح للمضارب تعتّب‬
‫ـ املضاربة‪َّ ،‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪239‬‬
‫قرض ًا‪ ،‬فإذا تلف املال يف يد املضارب يكون مضمون ًا عليه‪.‬‬
‫ـ الوصاية والوكالة‪ ،‬فكام لو أوىص اإلنسان غريه ببيع يشء من ماله‪،‬‬
‫َّ‬
‫فإن ذلك يكون وكالة‪ ،‬ولو وكَّله بتنفيذ وصيته بعد موته يكون ذلك وصاية‪.‬‬
‫ـ العارية والقرض‪َّ ،‬‬
‫فإن إعارة ما ُيوز قرضه‪ :‬كالنقود واملثليات‪ ،‬تعتّب‬
‫قرض ًا‪.‬‬
‫ويستثنى من هذه مسائل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫َّ‬
‫أن البيع بال ثمن يبطل‪ ،‬وال ينعقد هبة‪ ،‬وكذا اإلجارة بال بدل ال تنعقد‬
‫عاري ًة إال عىل قول؛ أل َّنه دار األمر فيهام بني عقد حمظور‪ ،‬وهو البيع بال ثمن‪،‬‬
‫واإلجارة بال بدل‪ ،‬وكالمها فاسد‪ ،‬وهو حمظور‪ ،‬وبني عقد مباح‪ ،‬وهو اهلبة‬
‫والعارية‪ ،‬فغلب احلاظر‪ ،‬بخالف بقية ما ُف ِّرع عىل القاعدة‪ ،‬فإ َّنه قد دار األمر‬
‫يف مجيعها بني أمرين مباحني‪ ،‬فاعتّب فيهام املقصد واملعنى(‪.)1‬‬
‫الثانية‪ :‬ال ثواب إال بالنية ‪ ،‬وسبق ذكرها عند «أشباه» ابن نجيم‪.‬‬
‫(ق‪ :)142:‬الثالثة‪ :‬األيامن مبنية عىل األلفاظ ال عىل األغراض‬
‫ومعنى ذلك‪َّ :‬‬
‫أن مبنى األيامن عىل األلفاظ العرفية ال عـىل األغـراض‪،‬‬
‫أي ‪ :‬املقاصد والنيات ‪ ،‬فصـار احلاصـل‪َّ :‬‬
‫أن املعتـّب إنَّـام هـو اللفـظ العـريف‬
‫املسمى‪ ،‬وأما غرض احلالف‪ :‬فإن كان مدلول اللفظ املسمى اعتّب‪ ،‬وإن كان‬

‫)‪ (1‬رشح الزرقا ص‪ ،64-56‬وترتيب الاللئ‪.360-358 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪240‬‬
‫زائد ًا عىل اللفظ ‪ ،‬فال يعتّب(‪.)1‬‬
‫وهي مكملة للمقصود من قاعدة بناء األيامن عىل‪ ،‬العرف ومعناها‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫املعتّب هو املعنى املقصود يف العرف من اللفظ املسمى‪ ،‬وإن كـان يف اللغـة أو‬
‫يف الّشع أعم من املعنى املتعارف‪.‬‬
‫وملا كانت هذه القاعدة مومهة اعتبار الغرض العـريف‪ ،‬وإن كـان زائـد ًا‬
‫عىل اللفظ املسمى وخارج ًا عن مدلولـه‪َّ ،‬‬
‫فـإَّنم دفعـوا ذلـك الـوهم بـذكر‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬وهي بناء األيامن عىل األلفاظ ال عىل األغراض‪ ،‬فقـوهلم‪ :‬ال‬
‫عىل األغراض دفعوا به توهم اعتبـار الغـرض الزائـد عـىل اللفـظ املسـمى‪،‬‬
‫وأرادوا باأللفاظ‪ :‬األلفاظ العرفية؛ بقرينة القاعـدة األوىل‪ ،‬ولوالهـا لتـوهم‬
‫اعتبار األلفاظ ولو لغوية أو رشعية‪ ،‬فال تنايف بني القاعدتني(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)143:‬الرابعة‪ :‬العام ُُيص وال ُيزاد‪:‬‬
‫أن اللفـظ إذا كـان عامـ ًا ُيـوز ختصيصـه بـالعرف‪،‬‬
‫ومعنى « ُُيص»‪َّ :‬‬
‫فالغرض العـريف ُيصـص عمومـه‪ ،‬فـإذا أطلـق اللفـظ العـام ينرصـف إىل‬
‫املتعارف منه(‪ ،)3‬مثاله‪ :‬من حلف ال يأكل رأسـ ًا‪ ،‬فإنَّـه ُينـث بـالرأس الـذي‬
‫يشوى ويطبخ؛ ألنَّه يف العرف اسم ملا يشوى ويباع يف األسواق‪ ،‬وهو رأس‬

‫)‪ (1‬رد املحتار ‪ ،743 :3‬وغريه‪.‬‬


‫)‪ (2‬رد املحتار ‪ ،744 :3‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،744 :3‬وغريه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪241‬‬
‫الغنم‪ ،‬فال يدخل رأس اجلراد والعصفور ونحومها حتته(‪.)1‬‬
‫ومعنى‪« :‬وال ُيزاد»؛ َّ‬
‫أن داللة العرف ال تأثري هلا يف جعل غري امللفوظ‬
‫ملفوظ ًا‪ ،‬فال اعتبار للغرض اخلارج عن اللفظ‪ ،‬وال يصلح أن ُيزاد عىل اللفظ‬
‫هبذا الغرض‪ ،‬مثاله‪ :‬لو قال ٌ‬
‫رجل ألجنبية‪ :‬إن دخلت الدار فأنت طالق‪ ،‬فإنَّه‬
‫يلغو‪ ،‬وال تصح إرادة امللك‪ ،‬أي‪ :‬إن دخلت وأنت يف نكاحي‪ ،‬وإن كان هو‬
‫املتعارف؛ َّ‬
‫ألن ذلك غري مذكور(‪.)2‬‬
‫اخلامسة‪ :‬اليمني عىل نية املست رَحلف‪ ،‬وسبق بياَّنا‪.‬‬
‫(ق‪ :)144:‬القاعدة الثانية‬
‫اليقني ال يزول بالشك‬
‫هذه القاعدة من أمهات القواعد التي عليها مدار األحكام الفقهية‪ ،‬وقد‬
‫قيل‪ :‬إَّنا تدخل يف مجيع أبواب الفقه‪ ،‬واملسائل املخرجة عليها‪ :‬من عبادات‪،‬‬
‫ومعامالت‪ ،‬وغريها يبلغ ثالثة أرباع علم الفقه‪.‬‬
‫الشك عليه؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أن ما كان ثابت ًا متيقن ًا ال يرتفع بمجرد طروء َّ‬
‫ومعناها َّ‬
‫األمر اليقيني ال يعقل أن يزيله ما هو َأضعف منه‪ ،‬بل ما كان مث ُله أو أقوى‪.‬‬

‫)‪ (1‬وكان أبو حنيفة يقول أوالً يدخل فيه رأس اإلبل والبقر والغنم‪ ،‬ثم رجع فيه إىل رأس‬
‫البقر والغنم خاصة‪ ،‬وعندمها يف رأس الغنم خاصة‪ .‬فعلم أنَّه اختالف عرص وزمان ال‬
‫اختالف حجة وبرهان‪ .‬ينظر‪ :‬رشح مال مسكني ص‪ ،147‬وغريه‪.‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رد املحتار ‪ ،744 :3‬وغريه‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪242‬‬
‫فاليقني‪ :‬العلم الذي ال تردد معه؛ َّ‬
‫ألن األحكام الفقهية إ َّنام تبنى عىل‬
‫الظاهر‪ ،‬فكثري ًا ما يكون األمر يف نظر الّشع يقين ًا ال يزول بالشك‪ ،‬يف حني‬
‫َّ‬
‫أن العقل ُييز أن يكون الواقع خالفه‪ ،‬وذلك كاألمر الثابت بالبينة الّشعية‪،‬‬
‫الشهود ال خترج عن‬ ‫الّشع يقني كالثابت بالعيان‪ ،‬مع َّ‬
‫أن شهادة ُّ‬ ‫فإ َّنه يف نظر َّ‬
‫كوَّنا خّب آحاد‪ُ ،‬ييز العقل فيها السهو والكذب‪ ،‬وهذا االحتامل الضعيف‬
‫ال ُيرج ذلك عن كونه يقين ًا؛ أل َّنه َّ‬
‫لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابله‪ ،‬ومل‬
‫يبق له اعتبار يف نظر الناظر‪.‬‬
‫والش ُّك‪ :‬الرت ُّدد بني النَّقيضني بال ترجيح ألحدمها عىل اآلخر‪ ،‬فإن‬
‫َّ‬
‫ترجح أحدُ مها عىل اآلخر بدليل‪ ،‬ووصل ترجيحه إىل درجة ال ُّظهور الذي‬ ‫َّ‬
‫يبني عليه العاقل ُأموره لكن مل يطرح االحتامل اآلخر‪ ،‬فهو ال َظن‪ ،‬فإن طرح‬
‫االحتامل اآلخر‪ ،‬بمعنى أ َّنه مل يبق له اعتبار يف النظر لشدة ضعفه‪ ،‬فهو غالب‬
‫الظن‪ ،‬وهو معتّب رشع ًا بمنزلة اليقني يف بناء األحكام عليه« يف أكثر املسائل»‬
‫إذا كان مستند ًا إىل دليل معتّب‪ ،‬وذلك كام إذا رأى إنسان عين ًا يف يد آخر‪،‬‬
‫يترصف هبا ترصف ًا يغلب عىل ظن َمن يشاهده أَّنا مل ُكه‪ ،‬وكان مثله يملك‬
‫ُّ‬
‫مثلها‪ ،‬ومل ُيّب الرائي عدالن بأَّنا ملك غريه‪ ،‬فإ َّنه ُيوز له أن يشهد لذي اليد‬
‫بملكها(‪.)1‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد ص‪.80-79‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪243‬‬
‫ويتفرع عىل هذه القاعدة مسائل‪:‬‬
‫َّ‬
‫إنسان يعلم أن َبكر ًا مديون لعمرو بألف مثالً‪ ،‬فإ َّنه ُيوز له أن‬
‫ٌ‬ ‫لو كان‬
‫ِ‬
‫إبراء الدائن له‬ ‫يشهد عىل َبكر باأللف‪ ،‬وإن خامره الشك يف وفائها أو يف‬
‫للش ِّك يف جانب اليقني السابق‪.‬‬
‫عنها؛ إذ ال عّبة َّ‬

‫ولو ط َّلق َّ‬


‫الرجل زوجته‪ ،‬وكانت ذات لبن‪ ،‬وتزوجت بآخر بعد عدهتا‬
‫فإن لبنها مل يزل معتّب ًا من‬
‫ال يف مدة احلمل‪َّ ،‬‬
‫فحملت منه وأرضعت طف ً‬
‫الرضاع بالنسبة له؛ أل َّنه كان متيقن ًا َّ‬
‫أن اللبن‬ ‫األول‪ ،‬فتثبت به حرمة َّ‬
‫الزوج َّ‬
‫الزوج‬ ‫منه‪ ،‬فال نحكم بأ َّنه من الثاين بمجرد َّ‬
‫الشك احلاصل بسبب حبلها من َّ‬
‫بأن ال َّلب َن بعد الوالدة من ال َّثاين(‪.)1‬‬
‫ال َّثاين‪ ،‬فإذا ولدت ُُيكم حينئذ َّ‬

‫ويستثنى من هذه القاعدة‪:‬‬


‫لو ادعى املشرتي عيب ًا يف املبيع موجب ًا لرده عىل البائع بعد قبضه املبيع‪،‬‬
‫فإ َّنه ال ُيّب عىل دفع ال َّثمن للبائع حتى تنتهي اخلصومة يف العيب‪ ،‬فإن ثبت‬
‫ِقدَ م العيب عند البائع يفسخ القايض البيع‪ ،‬فإن عجز املشرتي عن اإلثبات‬
‫ُيّب عىل دفع الثمن حينئذ‪ ،‬فقد زال اليقني ههنا‪ ،‬وهو وجوب دفع الثمن‬
‫املتيقن به للحال بمجرد الشك‪ ،‬وهو قدم العيب املحتمل الثبوت وعدمه(‪.)2‬‬

‫)‪ (1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد ص‪.84-81‬‬


‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬رشح القواعد ص ص‪.85‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪244‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)145:‬األوىل‪ :‬األصل بقاء ما كان عىل ما كان‪:‬‬
‫وهي من فروع قاعدة‪ :‬اليقني ال يزول بالشك‪.‬‬
‫و ُيطلق عليها‪« :‬االستصحاب»‪ :‬وهو عبارة عن احلكم عىل أمر ثابت يف‬
‫وقت بثبوته يف وقت آخر‪ ،‬واملشهور يف املذهب أن االستصحاب يصلح‬
‫حجة للدفع ال لالستحقاق‪ ،‬كام سبق‪.‬‬
‫واألصل بقاء ما كان عىل ما كان‪ ،‬حتى يقوم الدليل عىل خالفه؛ َّ‬
‫ألن‬
‫األصل إذا اعرتض عليه دليل خالفه بطل‪.‬‬
‫الّشء وليس‬ ‫ِ‬
‫اخلصومة حال َّ‬ ‫ومعنى هذه القاعدة‪ :‬أ َّنه إذا جهل يف ِ‬
‫وقت‬
‫هناك دليل ُيكم بمقتضاه‪ ،‬وكان لذلك الّشء حال سابقة معهودة‪ ،‬فإن‬
‫األصل يف ذلك أن ُيكم ببقائه واستمراره عىل تلك احلال املعهودة التي كان‬
‫عليها‪ ،‬حتى يقوم الدليل عىل خالف ذلك‪ ،‬فيصار حينئذ إليه‪.‬‬
‫وذلك الدليل أحد أربعة أشياء‪ :‬البينة‪ ،‬واإلقرار‪ ،‬والنكول‪ ،‬واألمارة‬
‫الظاهرة‪.‬‬
‫واإلقرار والن ُ‬
‫ُّكول‪ ،‬فأمثلتها واضحة معلومة‪ ،‬وأما األمارة‬ ‫ُ‬ ‫فأما ال َب ِّين ُة‬
‫الظاهرة فكتحكيم احلال‪ :‬كام ما لو كان لالبن الغائب مال عند أبيه‪ ،‬فأنفق‬
‫األب منه عىل نفسه‪ ،‬ثم اختلفا فقال االبن لألب‪ :‬إنك أنفقت عىل نفسك‬
‫منه وأنت مورس‪ ،‬وقال األب‪ :‬أنفقت وأنا معّس‪ ،‬وال بينة ألحدمها‪ ،‬فإنه‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪245‬‬
‫ُيكم احلال‪ ،‬فلو كان حال اخلصومة معّس ًا فالقول له‪ ،‬ولو مورس ًا فالقول‬
‫البنه‪ ،‬فقد جعل اليسار أو اإلعسار القائم يف احلارض منسج ًام مع املايض‪،‬‬
‫وإ َّنام مل ُيعل القول قول مدعي اإلعسار مطلق ًا عىل أ َّنه الصفة األصلية يف‬
‫اإلنسان‪ ،‬واألصل اعتبار بقائه؛ َّ‬
‫ألن اعتبار بقاء ما كان عىل ما كان إ َّنام هو‬
‫عند قيام دليل عىل خالفه‪ ،‬وملا كان قيام صفة اليسار حني اخلصومة أمارة‬
‫ظاهرة يف تأييد كالم مدعيه طرح ذلك األصل لقيام الدليل عىل خالفه‪،‬‬
‫واعتّب القول ملدعي اليسار‪.‬‬

‫ويتفرع عىل هذه القاعدة مسائل كثِّية‪:‬‬

‫لو ادعت الزوجة عىل زوجها عدم وصول النفقة املقدَّ رة إليها‪ ،‬وادعى‬
‫الزوج اإليصال‪ ،‬فالقول قوهلا بيمينها؛ َّ‬
‫ألن األصل بقاؤها بعد أن كانت ثابتة‬ ‫َّ‬
‫يف ذمته ‪ ،‬حتى يقوم عىل خالفه دليل من بينه أو نكول‪.‬‬

‫الّشط‪ ،‬أو يف ُميض مدة‬


‫ولو اختلف البائع واملشرتي يف ُميض مدة خيار َّ‬
‫أجل ال َّثمن‪ ،‬فالقول ملنكر امليض؛ َّ‬
‫ألَّنام تصادقا عىل ثبوت اخليار واألجل‪ ،‬ثم‬
‫السقوط‪ ،‬واألصل بقاؤمها بعد ال ُّثبوت‪.‬‬
‫ادعى أحدُ مها ُّ‬
‫ولو ادعت امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة‪ ،‬صدِّ قت بيمينها‪ ،‬وهلا‬
‫نفقة العدة؛ َّ‬
‫ألن األصل بقاء العدة بعد وجودها‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫‪246‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وخرج عن هذه القاعدة مسائل‪:‬‬


‫لو َّ‬
‫أن املو َدع ادعى رد الوديعة أو هالكها‪ ،‬واملالك ُينكر‪ ،‬فالقول‬
‫ألن َّ‬
‫كل أمني ادعى رد األمانة‬ ‫أن األصل بقاؤها عنده؛ وذلك َّ‬
‫للمو َدع‪ ،‬مع َّ‬
‫إىل مستحقها فالقول قوله بيمينه؛ أل َّن األصل براءة ِّ‬
‫الذمة وعدم التَّعدِّ ي‬
‫والتَّقصري‪.‬‬
‫ولو ا َّدعت املرأ ُة ميض عدهتا يف مدة حتتمل‪ ،‬صدقت بيمينها‪ ،‬مع َّ‬
‫أن‬
‫ألن ُم ِيض العدة من األُمور التي ال‬ ‫َ‬
‫األصل بقاء العدة بعد وجودها؛ وذلك َّ‬
‫ُتع َلم إال منها‪ ،‬فإذا مل ُيقبل قوهلا يف ُمضيها ال ُيمكن ثبوت ُمضيها َأصالً‪،‬‬
‫فقبل قوهلا يف ذلك رضورة(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)146:‬الثانية‪ :‬األصل براءة الذمة‪:‬‬
‫فاألصل عدم مسؤولية الذمة بّشء من الدُّ يون والضامنات‪ ،‬فيطلب‬
‫الّبهان ِمن يدعي خالف األصل؛ َّ‬
‫ألن البينة تثبت خالف األصل(‪.)2‬‬
‫والذمة لغة‪ :‬العهد‪ ،‬واصطالح ًا‪ :‬وصف يصري الشخص به أه ً‬
‫ال‬
‫لإلُياب له أو عليه‪.‬‬
‫ومن املعلوم أ َّنه عند تنازع اخلصمني تتخالف مزاعمهام نفي ًا وإثبات ًا‪،‬‬
‫رجح به‪ ،‬يف مبدأ األمر‪ ،‬زعم أحدمها‬
‫مرجح ُي َّ‬
‫فيحتاج يف فصل اخلصومة إىل ِّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للرزقا ص‪.93-87‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح املحاسني عىل املجلة ‪.36 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪247‬‬
‫عىل زعم اآلخر‪.‬‬
‫الرتجيح األولية‪ ،‬ويف تقديم أحد‬
‫وعند تتبع املسائل والنظر يف وجوه َّ‬
‫املرجحات عىل اآلخر إذا تعارضت‪ ،‬بعد ذلك يظهر َّ‬
‫أن الرتجيح‪ ،‬يف مبدأ‬ ‫ِّ‬
‫األمر‪ ،‬يكون بأحد شيئني‪ ،‬مها‪ :‬األصل‪ ،‬والظاهر‪.‬‬
‫‪.1‬األصل‪ ،‬فأنواعه كثِّية‪:‬‬
‫ألن الذمم ُخلِ َقت بريئ ًة غري‬
‫منها هذه القاعدة‪ ،‬وهي براءة الذمة؛ َّ‬
‫بحق من احلقوق‪ ،‬وإليه بعض األصول التي يستند إليها عند التنازع‬
‫مشغولة ٍّ‬
‫للرتجيح‪:‬‬
‫و«كون اليقني ال يزول بالشك»‪.‬‬
‫و«األصل بقاء ما كان عىل ما كان»‪.‬‬
‫و«األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته»‪.‬‬
‫و«كون األصل« فيام جهل قدمه وحدوثه» أن يعتّب قدي ًام إذا كان يف‬
‫ملك خاص‪ ،‬وحادث ًا إذا كان يف غريه»‪.‬‬
‫و«كون األصل يف الكالم احلقيقة»‪.‬‬
‫و«األصل يف الصفات واألشياء العارضة العدم‪ ،‬والصفات الوجودية‬
‫الوجود»‪.‬‬
‫و«كون األصل يف البيع أن يكون بات ًا قطعي ًا»‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪248‬‬
‫و«كون األصل يف العقود أن تكون صحيحة»‪ ،‬فلو اختلف العاقدان يف‬
‫صحة البيع وفساده‪ ،‬فالقول ملدعي الصحة‪.‬‬
‫و«كون األصل يف الوكالة والعارية اخلصوص‪ ،‬ويف املضاربة والّشكة‬
‫العموم»‪.‬‬
‫و«كون األصل فيام ال يعلم إال من جهة أحد اخلصمني‪ ،‬أو كان أحدمها‬
‫أدرى من اآلخر أن يقبل قوله فيه بيمينه»؛ ولذا قبلوا قول املرأة يف انقضاء‬
‫عدهتا ـ واملدة حتتمل ـ أو عدم انقضائها بيمينها؛ لكون ذلك ال يعلم إال من‬
‫جهتها‪.‬‬
‫و«كون األصل هو اجلد يف البيع ال االستهزاء»‪ ،‬فلو اختلف املتعاقدان‬
‫فيهام‪ ،‬فالقول ملدعي اجلد؛ أل َّنه األصل‪.‬‬
‫و«كون األصل يف مطلق الّشكة التنصيف»‪ ،‬فلو أقر َّ‬
‫بأن هذا الّشء‬
‫مشرتك بيني وبني فالن‪ ،‬أو هو يل ولفالن‪ ،‬أو هو بيني وبينه‪ ،‬فهو عىل‬
‫ألَّنا األصل‪ ،‬ومن يدعي خالفها‬
‫املناصفة‪ ،‬فيكون القول قول من يدعيها؛ َّ‬
‫فعليه الّبهان‪ ،‬إىل غري ذلك من األصول التي يعّس استقصاؤها‪.‬‬
‫أن هذه األصول يتداخل بعضها يف بعض؛ َّ‬
‫ألن بعضها فرع‬ ‫وال ُيفى َّ‬
‫عن اآلخر‪ ،‬كفرعية‪« :‬بقاء ما كان عىل ما كان» عن «اليقني ال يزول بالشك»‪،‬‬
‫وفرعية «براءة الذمة» عن «األصل يف الصفات العارضة العدم»‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪249‬‬
‫يرتجح قوله‬
‫فأي واحد من املتنازعني يشهد له أصل من هذه األصول َّ‬
‫ُّ‬
‫حتى يقوم دليل عىل خالفه؛ لقوهلم‪َّ :‬‬
‫إن القول قول َمن يشهد له األصل‪.‬‬
‫‪.2‬الظاهر‪ :‬وهو احلالة القائمة التي تدل عىل أمر من األمور‪ ،‬وله‬
‫صورتان‪:‬‬
‫أ‪.‬ما مل يصل يف الظهور إىل درجة اليقني‪.‬‬
‫فمنه ‪ :‬حتكيم احلال الذي يتوصل به إىل احلكم بوجود أمر يف املايض‪،‬‬
‫بأن ُيعل ما يف احلارض منسحب ًا عىل املايض‪ ،‬كام سبق‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬داللة احلال التي ليس فيها سحب ما يف احلارض عىل املايض‪ ،‬بل‬
‫يستأنس هبا ويعتمد عليها يف ترجيح أحد الزعمني عىل اآلخر‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫وضع اليد فيام لو ادعى شخصان ملك عني وهي يف ِ‬
‫يد أحدمها‪ ،‬فإن‬
‫القول قول ذي اليد‪.‬‬
‫وتأييد مهر املثل لقول أحد الزوجني فيام لو اختلفا يف مقدار املهر‬
‫َ‬
‫القول ملن يشهد له‬ ‫الزوجة األكثر‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫املسمى‪ ،‬فادعى الزوج األقل وا َّدعت َّ‬
‫مهر املثل بيمينه‪ ،‬فإن كان كام قال أو أقل فالقول قوله‪ ،‬وإن كان كام قالت أو‬
‫أكثر‪ ،‬فالقول قوهلا يف الزيادة‪.‬‬
‫وتأييد نقصان ال َّثمن املسمى عن ثمن املثل فيام لو تبايعا عقار ًا‪ ،‬ومل ينصا‬
‫البيع كان بات ًا‪ ،‬واآلخر أ َّنه كان‬
‫َ‬ ‫عىل البتات‪ ،‬ثم اختلفا فادعى أحدُ مها َّ‬
‫أن‬
‫فإن القول ملدعي البتات؛ أل َّنه األصل يف البيع‪ ،‬إال إذا كان الثمن‬ ‫وفا ًء‪َّ ،‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪250‬‬
‫فإن القول حينئذ ملدعي الوفاء؛ َّ‬
‫ألن الظاهر‬ ‫املسمى ناقص ًا عن ثمن املثل‪َّ ،‬‬
‫شاهد له‪.‬‬
‫وتأييد قرائن احلال فيام إذا كان رجالن يف سفينة مشحونة بالدَّ قيق‪،‬‬
‫كل واحد السفينة وما فيها‪ ،‬وأحدُ مها يعرف ببيع الدَّ قيق‪ ،‬واآلخر‬ ‫فا َّدعى ُّ‬
‫وبالسفينة ملن يعرف‬
‫َّ‬ ‫عرف ببيعه‪،‬‬
‫يعرف بأ َّنه مالح‪ ،‬فإ َّنه ُُيكم بالدَّ قيق للذي ُي َ‬
‫ال بال َّظاهر من احلال‪.‬‬
‫مالح؛ عم ً‬
‫بأ َّنه ٌ‬
‫يتقوى هبا زعم أحد املتنازعني‬
‫الرتجيح األولية التي َّ‬
‫فهذه مقتضيات َّ‬
‫عىل اآلخر‪ ،‬والتي ُيمعها كلمتان‪« :‬األصل» و«الظاهر»‪.‬‬
‫ثم َّ‬
‫إن هذا «األصل» و«الظاهر» إذا تعارضا مع بعضهام ُتقدَّ م جهة‬
‫عارض عىل «األصل» ُّ‬
‫يدل عىل خالفه‪ :‬كالقضاء بالنُّكول‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال َّظاهر؛ أل َّنه ٌ‬
‫أمر‬
‫فإن اعتباره يف األحكام ليس إال رجوع ًا إىل جمرد القرينة الظاهرة‪ ،‬ف ُقدِّ مت‬
‫َّ‬
‫عىل أصل براءة ِّ‬
‫الذمة‪.‬‬
‫ب‪.‬هو الذي وصل فيه إىل درجة اليقني‪.‬‬
‫وهو غري مراد هنا؛ َّ‬
‫ألن الكالم اآلن يف املرجحات األولية غري اليقينية‪،‬‬
‫و ُيسمى وجوه الرتجيح الثانوية‪ ،‬فهي حجج الّشع الثالثة‪ :‬البينة‪ ،‬واإلقرار‪،‬‬
‫والنكول عن اليمني‪ ،‬وكذا القرينة القاطعة املذكورة يف املادة ‪ /1741/‬من‬
‫«املجلة»‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪251‬‬
‫فهذه األربعة إذا تعارض أحدها مع أحد املرجحات األولية‪ ،‬التي هي‬
‫«األصل» و«الظاهر»‪ ،‬يتقدَّ م عليها ويرتك «األصل» و«الظاهر»؛ َّ‬
‫ألن‬
‫الرتجيح هبام إ َّنام كان استئناس ًا‪ ،‬حتى يقوم دليل َأقوى عىل خالفهام‪ ،‬فإذا قام‬
‫َّ‬
‫الّشع تعتّب بمنزلة اليقني‪،‬‬
‫عليه أحد األدلة األربعة القوية التي هي يف نظر َّ‬
‫يتبع وُيكم بمقتضاه دون «األصل» و«الظاهر»(‪.)1‬‬
‫الصفات العارضة العدم‪:‬‬
‫(ق‪ :)147:‬الثالثة‪ :‬األصل يف ر‬
‫الصفات األصلية‬ ‫األصل يف الصفات العارضة العدم‪ ،‬كام َّ‬
‫أن األصل يف ِّ‬
‫الوجود حتى يقوم الدليل عىل خالفه‪.‬‬
‫فالصفات التي يكون وجودها يف الّشء طارئ ًا وعارض ًا‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الصفات العارضة‪،‬‬‫الّشء بطبيعته يكون خالي ًا عنها غالب ًا‪ ،‬وهذه ُتسمى ِّ‬
‫َّ‬
‫الصفات غريها من األمور التي توجد بعد‬ ‫واألصل فيها العدم‪ ،‬ومثل هذه ِّ‬
‫العدم‪ ،‬كسائر العقود واألفعال‪.‬‬
‫الّشء مقارن ًا لوجوده‪ ،‬فهو مشتمل‬
‫والصفات التي يكون وجودها يف َّ‬
‫ِّ‬
‫الصفات األصلية‪ ،‬واألصل فيها الوجود‪:‬‬ ‫عليها بطبيعته غالب ًا‪ ،‬وهذه ُت َّ‬
‫سمى ِّ‬
‫والص َّحة يف العقود بعد انعقادها‪.‬‬
‫كبكارة املرأة‪ ،‬وسالمة املبيع من العيوب‪ِّ ،‬‬
‫بالصفات األصلية الصفات العارضة التي ثبت وجودها يف‬ ‫و ُيلحق ِّ‬
‫وقت ما‪ ،‬فإن األصل فيها حينئذ البقاء بعد ثبوت وجودها‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد ص‪.116-105‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪252‬‬
‫فلو اختلف العاقدان يف سالمة املبيع من العيوب وعدم سالمته‪ ،‬أو يف‬
‫يتمسك بسالمة املبيع وصحة العقد؛‬ ‫صحة البيع مث ً‬
‫ال وفساده‪ ،‬فالقول ملن َّ‬
‫أل َّنه يشهد له األصل‪ ،‬بخالف ما لو اختلف املتعاقدان يف صحة البيع‬
‫غري منعقد‪ ،‬فهو‬ ‫َ‬
‫الباطل ُ‬ ‫ألن‬ ‫القول ُ‬
‫قول من يتمسك بالبطالن؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫وبطالنه‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ُينكر وجود العقد‪ ،‬واألصل عدمه‪.‬‬
‫ويتفرع عىل هذه القاعدة مسائل كثِّية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ُ‬
‫فالقول‬ ‫الربح وعدمه‪،‬‬‫املضارب ورب املال يف حصول ِّ‬ ‫ُ‬ ‫لو اختلف‬
‫َ‬
‫األصل عد ُمه‪.‬‬ ‫الربح؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫للمضارب‪ ،‬وال َب ِّين ُة عىل َر ِّب املال إلثبات ِّ‬
‫ولو قال الويص‪ :‬مل أجتر يف مال اليتيم‪ ،‬أو اجترت فلم أربح أصالً‪ ،‬أو ما‬
‫ربحت إال كذا‪ ،‬فالقول قوله‪.‬‬
‫الرضيع‪ ،‬ومل ُيعلم هل دخل اللبن‬
‫ولو أدخلت املرأ ُة حلمة ثدهيا يف فم َّ‬
‫فإن النكاح ال ُيرم؛ َّ‬
‫ألن يف املانع من النكاح «وهو نزول‬ ‫يف حلقه أو ال‪َّ ،‬‬
‫اللبن شك ًا» نزل أم مل ينزل(‪.)1‬‬
‫ولو اختلف البائع واملشرتي يف قبض املبيع أو الثمن‪ ،‬أو اختلف املؤجر‬
‫واملستأجر يف قبض املأجور أو بدل اإلجارة‪ ،‬فالقول ملنكر القبض يف مجيع‬
‫ذلك؛ َّ‬
‫ألن األصل عدمه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األشباه البن نجيم ص‪ ،58‬وعبارة الزرقا هنا مومهة‪ ،‬فلينتبه‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪253‬‬
‫ولو اختلف البائع واملشرتي يف رشط اخليار‪ ،‬فالقول ملنكره؛ أل َّنه صفة‬
‫عارضة‪.‬‬
‫ولو دفع إنسان آلخر شيئ ًا ثم أراد اسرتداده مدَّ عي ًا أ َّنه دفعه له عارية‪،‬‬
‫وقال القابض‪ :‬إ َّنك كنت بعتني إياه أو وهبتني إياه‪ ،‬فالقول للدافع يف كونه‬
‫عارية؛ َّ‬
‫ألن األصل عدم البيع واهلبة‪.‬‬
‫ويستثنى من هذه القاعدة‪:‬‬
‫ترصفه كان‬ ‫الزوج يف غالت زوجته ثم ماتت‪ ،‬فادعى َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ترصف َّ‬
‫لو َّ‬
‫فإن القول قوله بيمينه مع َّ‬
‫أن األصل عدم اإلذن‪.‬‬ ‫بإذَّنا وأنكر الورثة‪َّ ،‬‬

‫الزوجة‪ :‬وهبته لك بّشط أن‬


‫الزوجان يف هبة املهر فقالت َّ‬
‫ولو اختلف َّ‬
‫الّشط من‬ ‫ال تطلقني‪ ،‬وقال الزوج‪ :‬بغري رشط‪ ،‬فالقول قوهلا‪ ،‬مع َّ‬
‫أن َّ‬
‫العوارض واألصل عدمه‪.‬‬
‫ولو جاء املضارب بمبلغ وقال‪ :‬هو أصل وربح‪ ،‬وقال رب املال‪:‬‬
‫الربح‪.‬‬ ‫ك ُّله أصل‪ ،‬فالقول قول املضارب مع َّ‬
‫أن األصل عدم ِّ‬
‫فرضها القايض هلم‪،‬‬
‫الصغار بعد أن َ‬ ‫ولو طلبت املرأ ُة نفقة أوالدها ِّ‬
‫عدم‬ ‫َ‬
‫األصل ُ‬ ‫فالقول قو ُله مع اليمني‪ ،‬مع َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫فادعى األب أ َّنه أنفق عليهم‪،‬‬
‫اإلنفاق(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد الفقهية للزرقا ص‪.121-117‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪254‬‬
‫(ق‪ :)148:‬الرابعة‪ :‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‪:‬‬
‫ِ‬
‫حدوث أمر‪ ،‬فحينئذ ُينسب إىل‬ ‫يعني أ َّنه إذا وقع االختالف يف ِ‬
‫زمن‬
‫أقرب األوقات إىل احلال‪ ،‬ما مل تثبت نسب ُته إىل زمن بعيد‪ ،‬فإذا ثبتت نسب ُته إىل‬
‫الزمن البعيد ُُيكم بذلك؛ َّ‬
‫ألن اخلصمني ملا اتفقا عىل حدوثه‪ ،‬وادعى‬ ‫َّ‬
‫أحدُ مها حدوثه يف وقت‪ ،‬وادعى اآلخر حدوثه قبل ذلك الوقت‪ ،‬فقد اتفقا‬
‫عىل أ َّنه كان موجود ًا يف الوقت األقرب‪ ،‬وانفرد أحدمها بدعوى أنه كان‬
‫موجود ًا قبل ذلك‪ ،‬واآلخر ُينكر دعواه‪ ،‬والقول للمنكر‪.‬‬
‫كثِّي من مسائل الطالق‪ ،‬واملرياث‪ ،‬واإلقرار‪،‬‬
‫يتفرع عىل هذه القاعدة ٌ‬
‫واهلبة‪ ،‬والبيع وفسخه‪ ،‬واحلجر‪ ،‬والوكالة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫فلو طلق رجل زوجته طالق ًا بائن ًا ثم مات قبل أن تنقيض عدهتا‪،‬‬
‫الزوجة أ َّنه أباَّنا وهو يف مرضه‪ ،‬فصار بذلك فار ًا فرتث هي منه‪،‬‬
‫فا َّدعت َّ‬
‫َ‬
‫القول يف‬ ‫وقال الورثة‪ :‬إ َّنه أباَّنا وهو يف صحته فلم يكن فار ًا فال ترث‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الزوجة تضيف احلادث« وهو‬ ‫الزوجة‪ ،‬والب ِّينة عىل الورثة؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫ذلك قول َّ‬
‫الطالق» إىل أقرب األوقات من احلال وهو زمن املرض‪.‬‬
‫مسلم وله امرأ ٌة نرصانية‪ ،‬فجاءت امرأته بعد موته‬
‫ٌ‬ ‫ولو مات رجل‬
‫مسلمة وقالت‪ :‬أسلمت قبل موته‪ ،‬فأنا وارثة منه‪ ،‬وقال الورثة‪ :‬إ َّنك‬
‫أسلمت بعد موته فال ترثني منه؛ الختالف دينكام عند موته‪ ،‬فالقول للورثة‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪255‬‬
‫والبينة عىل الزوجة(‪)1‬؛ َّ‬
‫ألن أقرب األوقات أن تكون أسلمت بعد موته‪ ،‬فال‬
‫تستحق املرياث؛ الختالف الدِّ ين‪.‬‬
‫إنسان شيئ ًا باخليار‪ ،‬ثم بعد ميض مدة اخليار جاء املشرتي‬
‫ٌ‬ ‫ولو اشرتى‬
‫لريده عىل البائع قائالً‪ :‬إ َّنه فسخ قبل ميض مدة اخليار‪ ،‬وقال البائع‪ :‬فسخت‬
‫َ‬
‫القول قول البائع؛ إلضافة الفسخ إىل‬ ‫بعد ميض املدة‪ ،‬فال يصح فسخك‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫أقرب أوقاته من احلال‪.‬‬
‫إنسان شيئ ًا‪ ،‬ثم جاء لريده بعيب فيه مدعي ًا أنه كان موجود ًا‬
‫ٌ‬ ‫ولو اشرتى‬
‫فيه عند البائع‪ ،‬وقال البائع‪ :‬ال بل حدث العيب عندك بعد القبض‪ ،‬وكان‬
‫القول ُ‬
‫قول البائع‪ ،‬والبينة عىل املشرتي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫العيب ِما ُيدث مث ُله‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ُ‬
‫وخرجت عن هذه القاعدة مسائل منها‪:‬‬
‫لو اشرتى إنسان شيئ ًا ثم جاء لريده عىل البائع بخيار الرؤية‪ ،‬فقال البائع‬
‫له‪ :‬إ َّنك رضيت باملبيع بعدما رأيته‪ ،‬فسقط خيارك‪ ،‬وقال املشرتي‪ :‬رضيت به‬
‫قبل أن أراه‪ ،‬فلم يسقط خياري‪ ،‬فالقول للمشرتي‪.‬‬
‫ولو مات ذمي فجاءت امرأ ُته مسلم ًة وقالت‪ :‬إنني أسلمت بعد موته‬
‫فأرث‪ ،‬وقال الورثة‪ :‬إنك أسلمت قبل موته‪ ،‬فال إرث لك‪ ،‬فالقول هلم‪ ،‬مع‬
‫َّ‬
‫أن إسالم الزوجة أمر حادث‪ ،‬وهي تضيفه إىل أقرب أوقاته وهو ما بعد‬
‫ألَّنا اعرتفت بسبب احلرمان من اإلرث‪ ،‬وهو اختالف‬
‫موت الزوج؛ وذلك َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.331 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪256‬‬
‫الدِّ ينني‪ ،‬ومتسكت بالظاهر الذي هو إضافته إىل أقرب األوقات؛ لكي‬
‫تستحق اإلرث بذلك‪ ،‬والظاهر ال يكفي حجة لالستحقاق‪.‬‬
‫ولو تزوج رجل بامرأة‪ ،‬ثم جاءت بولد واختلفا‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬إ َّنك‬
‫ولدت قبل أن يتم لعقد النكاح ستة أشهر‪ ،‬فالولد ليس بثابت النَّسب مني‪،‬‬
‫الزوجة‪ :‬ولدت بعد أن تم للعقد ستة أشهر فالولد ثابت النَّسب‬
‫وقالت َّ‬
‫الزوجة بيمينها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فالقول قول َّ‬ ‫منك‪،‬‬
‫ال ليشرتي له شيئ ًا بعينه‪ ،‬فاشرتاه وهلكت‬
‫ولو دفع آلخر ألف ًا مث ً‬
‫الدَّ راهم يف يده‪ ،‬ثم اختلفا فقال اآلمر‪ :‬هلكت قبل الّشاء‪ ،‬أي‪ :‬وبطلت‬
‫الّشاء للوكيل‪ ،‬وقال املأمور‪ :‬هلكت بعد الّشاء‪،‬‬
‫الوكالة هبالكها‪ ،‬فوقع ِّ‬
‫أي‪ :‬فيكون الّشاء لآلمر‪ ،‬ويكون للمأمور الرجوع عليه بمثلها‪ ،‬فالقول‬
‫لآلمر بيمينه(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)149:‬اخلامسة‪ :‬القديم يرتك عىل قدمه‪:‬‬
‫القديم‪ :‬هو الذي ال يوجد َمن يعرف َّأوله‪.‬‬
‫املتنازع فيه إذا كان قدي ًام ُتراعى فيه حالته التي‬
‫َ‬ ‫ومعنى هذه القاعدة‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫هو عليها من القديم‪ ،‬بال زيادة وال نقص‪ ،‬وال تغيري وال حتويل‪.‬‬
‫وإ َّنام مل ُيز تغيري القديم عن حاله‪ ،‬أو رفعه بدون إذن صاحبه؛ أل َّنه ملا‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص‪.132-122‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪257‬‬
‫كان من الزمن القديم عىل هذه احلالة املشاهدة‪ ،‬فاألصل بقاؤه عىل ما كان‬
‫رشعي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫عليه؛ ولغلبة الظن بأ َّنه ما وضع إال بوجه‬
‫فلو كان ألحد جناح يف داره ِمدود عىل أرض الغري‪ ،‬أو كان لداره‬
‫ال يف أرض الغري‪،‬‬‫مسيل ماء أو أقذار يف أرض الغري‪ ،‬أو كان له ِمر إىل داره مث ً‬
‫ف أحدٌ من احلارضين مبد ًأ‬ ‫املمر قدي ًام‪ ،‬ال َي ْع ِر ُ‬ ‫ُ‬
‫املسيل أو ُ‬ ‫اجلناح أو‬
‫ُ‬ ‫وكان ذلك‬
‫صاحب الدَّ ار من مدِّ اجلناح أو‬
‫َ‬ ‫صاحب األرض أن يمنع‬
‫ُ‬ ‫حلدوثه‪ ،‬فأراد‬
‫غريه عن حاله‬ ‫ُيول املسيل أو املمر و ُي ِّ‬
‫التَّسييل أو املرور يف أرضه‪ ،‬أو أراد أن ِّ‬
‫القديم‪ ،‬فليس له ذلك إال بإذن صاحبه(‪.)1‬‬
‫الرضر ال يكون قدي ًام‪:‬‬
‫السادسة‪َّ :‬‬
‫(ق‪َّ :)150:‬‬
‫ديمه كحديثه يف احلكم‪ ،‬فال ُيراعى قدمه وال يعتّب‪،‬‬
‫الّض َر ق ُ‬ ‫املعنى َّ‬
‫أن َّ‬
‫يتصور تقادم عليه‪ ،‬بحيث ال يوجد َمن يعرف‬
‫َّ‬ ‫بل ُيزال ‪ ،‬وليس املراد أ َّنه ال‬
‫َّأوله‪.‬‬
‫وهذه القاعدة بمنزلة القيد للتي قبلها‪ ،‬فوضعت عقبها؛ إلفادة َّ‬
‫أن‬
‫السابقة ليست عىل إطالقها‪ ،‬بل هي مقيد ٌة بأن ال يكون القديم‬ ‫القاعد َة َّ‬
‫رضر ًا‪ ،‬فلو كان رضر ًا فإ َّنه ُيزال‪ ،‬وال عّبة بقدمه‪ ،‬فإذا كان مّض ًا يكون‬
‫رشعي؛ إذ ال وجه رشعي ًا ُُي ِّوز اإلرضار‬
‫ٍّ‬ ‫رضره دلي ً‬
‫ال عىل أ َّنه مل يوضع بوجه‬
‫بالغري‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص‪.99-95‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪258‬‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫ألن كونه عام ًا يكفي العتباره فاحش ًا‪ ،‬كام لو‬
‫الّضر العام ُيزال مطلق ًا؛ َّ‬
‫كان لدار مسيل ماء‪ ،‬أو أقذار يف ال َّطريق العام ُّ‬
‫يّض باملارين‪ ،‬أو غرفة بارزة‬
‫وطيئة متنع النَّاس من املرور حتتها لتس ُّفلها‪ ،‬فإن َّ‬
‫كل ذلك ُيزال مهام كان‬
‫قدي ًام‪.‬‬
‫اخلاص ُيزال منه الفاحش‪ ،‬وال عّبة لقدمه‪ ،‬وذلك كام لو كان‬
‫ُّ‬ ‫والّضر‬
‫لرجل مسيل ماء‪ ،‬أو أقذار ُيري يف دار آخر من القديم‪ ،‬وكان يوهن بناء‬
‫الرجل بإزالة‬ ‫الدار أو ينجس ماء بئرها‪َّ ،‬‬
‫فإن لصاحب الدَّ ار أن ُيكلف ذلك َّ‬
‫بأي وجه‬
‫الّضر بصورة حتفظ البناء من التَّوهني‪ ،‬واملاء من التَّنجيس ِّ‬
‫هذا َّ‬
‫كان‪.‬‬
‫مقر‬ ‫ٌ‬
‫شباك من القديم عىل ِّ‬ ‫فلو كان داران قديمتان‪ ،‬وإلحدامها ٌ‬
‫مطل أو‬
‫النِّساء يف الدَّ ار األُخرى‪َّ ،‬‬
‫فإن صاحب املطل أو ِّ‬
‫الشباك ُيّب عىل إزالة هذا‬
‫الّضر‪ ،‬بمنع النظر بوجه من الوجوه‪ ،‬فلو كانت الدار التي فيها املطل أو‬
‫ِّ‬
‫الشباك هي قديمة‪ ،‬فجاء آخر فأحدث بجانبها دارا بحيث صار املطل أو‬
‫الشباك مّشف ًا عىل مقر النِّساء فيها‪ ،‬فإن صاحب الدار احلديثة هو الذي‬
‫واملتعرض له‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُيك َّلف حينئذ بإزالة هذا الّضر عن نفسه؛ أل َّنه هو حمدثه‬
‫وأما الّضر اخلاص غري الفاحش‪ ،‬كام لو كان لدار رجل حق إلقاء‬
‫القاممات والثلوج‪ ،‬أو حق التَّسييل يف أرض الغري‪ ،‬أو يف طريق خاص‪َ ،‬‬
‫فإن‬
‫السابق الفاحش‪ ،‬فإذا كان من‬ ‫َّ‬
‫كل ذلك فيه نوع رضر‪ ،‬ولكنَّه دون الّضر َّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪259‬‬
‫القديم يعتّب قدمه ويراعى‪ ،‬وال ُيوز تغيريه أو تبديله بغري رضا صاحب‬
‫احلق؛ أل َّنه ُيمكن حينئذ أن يكون مستحق ًا بوجه من الوجوه َّ‬
‫الّشعية‪.‬‬
‫والفرق بني الفاحش وغريه‪َّ :‬‬
‫أن كل ما ُيمكن أن ُيستحق عىل الغري‬
‫بوجه من الوجوه الّشعية‪ ،‬فهو ليس بّضر فاحش‪ ،‬فتجب حينئذ مراعاة‬
‫قدمه إذا كان قدي ًام‪ ،‬وما ال يمكن أن يستحق عىل الغري بوجه رشعي‪ ،‬فهو‬
‫فاحش‪ ،‬و ُيرفع مهام كان قدي ًام‪ ،‬فمثل توهني بناء الغري‪ ،‬وتنجيس ماء‬
‫ٌ‬ ‫رضر‬
‫مقر نسائه ال ُيمكن أن يستح َّقه اإلنسان عىل الغري بوجه من‬
‫بئره‪ ،‬والنَّظر إىل ِّ‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫ومثل حق املرور أو التَّسييل يف أرض الغري‪ ،‬وحق وضع اجلذع عىل‬
‫جدار الغري‪ ،‬والغرفة البارزة يف ملك الغري‪ ،‬وال َّطريق اخلاص هو ِما يمكن أن‬
‫ُ‬
‫اإلنسان عىل الغري بوجه رشعي‪ ،‬كام لو كانت الدَّ اران مشرتكتني عىل‬ ‫يستح ُّقه‬
‫رشط ِ‬
‫بقاء‬ ‫ِ‬ ‫كل واحد بواحدة عىل‬ ‫اختص ُّ‬ ‫الشيوع بني رجلني فاقتسامها‪ ،‬و‬ ‫ُّ‬
‫َّ‬
‫احلقوق املذكورة‪ ،‬أو أن َمن كانتا يف ملكه باع إحدامها‪ ،‬ورشط حني البيع‬
‫والّشط‬
‫َّ‬ ‫إبقاء احلقوق له يف الدَّ ار املبيعة‪َّ ،‬‬
‫فإن تلك القسمة وذلك البيع‬
‫صحيحان(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬رشح القواعد للزرقا ص‪.104-101‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪260‬‬
‫(ق‪ :)151:‬القاعدة الثالثة‬
‫املشقة جتلب ال َّتيسِّي‬
‫مدفوع بالنَّص‪ ،‬ولكن جلبها التَّيسري‬
‫ٌ‬ ‫احلرج‬
‫َ‬ ‫جتلب التَّيسري؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫املشقة‬
‫مّشوط بعدم مصادمتها نص ًا‪ ،‬فإذا صادمت نص ًا ُروعي دوَّنا‪.‬‬
‫ٌ‬

‫واملراد باملشقة اجلالبة للتَّيسري‪ :‬املشقة التي تنفك عنها التَّكليفات‬


‫الّشعية‪.‬‬
‫َّ‬
‫الّشعية‪ :‬كمشقة اجلهاد‪ ،‬وأمل‬
‫أما املشقة التي ال تنفك عنها التَّكليفات َّ‬
‫الزناة‪ ،‬وقتل ال ُبغاة واملفسدين واجلناة‪ ،‬فال أثر هلا يف جلب‬
‫احلدود‪ ،‬ورجم ُّ‬
‫تيسري وال ختفيف‪.‬‬
‫واملشقة التي جتلب التَّيسري حتتها سبعة أنواع‪:‬‬
‫‪.‬السفر‪ ،‬وتيسرياته كثري ٌة‪ ،‬منها‪ :‬جواز حتميل الشهادة للغري يف غري حد‬
‫‪َّ 1‬‬
‫وقود‪ ،‬وجواز فسخ اإلجارة بعذر السفر‪ ،‬وجواز تزويج الويل‬
‫األبعد للصغرية عند عدم انتظار الكفء اخلاطب استطالع رأي الويل‬
‫السفر من مال‬
‫األقرب املسافر‪ ،‬وجواز إنفاق املضارب عىل نفسه يف َّ‬
‫املضاربة‪.‬‬
‫‪.2‬املرض‪ ،‬وتيسرياته كذلك كثري ٌة‪ ،‬منها‪ :‬جواز حتميل َّ‬
‫الشهادة‪ ،‬وتأخري‬
‫إقامة احلد عىل املريض‪ ،‬وعدم صحة اخللوة مع قيام املرض املانع من الوطء‬
‫الزوجة‪.‬‬
‫الزوج أو يف َّ‬
‫سواء كان يف َّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪261‬‬
‫‪.3‬اإلكراه‪ ،‬وهو‪ :‬التَّهديد ِمن هو قادر عىل اإليقاع؛ بّضب مّبح‪ ،‬أو‬
‫بإتالف نفس أو عضو‪ ،‬أو بحبس أو قيد مديدين مطلق ًا‪ ،‬أو بام هو دون ذلك‬
‫لذي جاه‪ ،‬و ُيسمى إكراه ًا ملجئ ًا‪ ،‬وبام يوجب َغ ًام يعدم ِّ‬
‫الرضا‪ ،‬وهو ما كان‬
‫بغري ذلك‪ ،‬و ُيسمى غري ملجئ‪.‬‬
‫الّشء عند احلاجة إليه‪ ،‬واتفق العلامء عىل‬
‫‪.4‬النِّسيان‪ ،‬وهو عد ُم تذكر َّ‬
‫مسقط للعقاب‪ ،‬ومن تيسرياته‪ :‬أ َّنه إذا وقع فيام يوجب عقوب ًة كان شبه ًة‬
‫ٌ‬ ‫أ َّنه‬
‫يف إسقاطها‪ ،‬وما لو نس املديون الدَّ ين حتى مات‪ ،‬والدَّ ي ُن ثمن مبيع أو‬
‫قرض مل يؤخذ به‪ ،‬بخالف ما إذا كان غصب ًا‪.‬‬
‫‪.5‬اجلهل‪ ،‬وهو‪ :‬عد ُم العلم ِمن شأنه أن يعلم‪ ،‬وهو قد ُيلب التيسري‪،‬‬
‫الشفيع بالبيع‪ ،‬فإ َّنه يعذر يف تأخري طلب ُّ‬
‫الشفعة‪،‬‬ ‫ومن تيسرياته‪ :‬ما لو جهل َّ‬
‫ترصفهم‬ ‫وما لو جهل الوكيل أو القايض بالعزل‪ ،‬أو املحجور باحلجر‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫صحيح إىل أن يعلموا بذلك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪.6‬العّس وعمـوم البلـوى‪ ،‬ولـه تيسـريات منهـا‪ :‬جتـويز بيـع الوفـاء‪،‬‬
‫والسلم‪ ،‬واإلجـارة‪ ،‬وإباحـة نظـر الطبيـب والشـاهد‬
‫واملزارعة‪ ،‬واملساقاة‪َّ ،‬‬
‫واخلاطب لألجنبية‪ ،‬والتَّيسري عىل املجتهدين باالكتفاء منهم بغلبة الظن‪.‬‬
‫كالصغر‬
‫‪.7‬النقص‪ ،‬وفيه نوع من املشقة يتسبب عنها التخفيف‪ ،‬وذلك‪ِّ :‬‬
‫الصغري واملجنون؛ لعدم‬
‫فاألوالن ُيلبان التَّخفيف عن َّ‬
‫َّ‬ ‫واجلنون‪ ،‬واألنوثة‪،‬‬
‫تكليفهام أص ً‬
‫ال فيام يرجع إىل غري خطاب الوضع اآليت بيانه‪ ،‬فإ َّنه موج ٌه‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪262‬‬
‫إليهام‪ ،‬وأ َّما التَّخفيف بسبب األُنوثة فمنه‪ :‬عدم تكليف النِّساء بكثري ِما ك ِّلف‬
‫ُ‬
‫القاتل غريها‪.‬‬ ‫وحتمل الدِّ َية إذا كان‬
‫الرجل‪ :‬كاجلهاد‪ ،‬واجلزية‪ُّ ،‬‬
‫به َّ‬
‫وإننا مهام أشبعنا الكالم عىل هذه القاعدة ال نوفها ح َّقها؛ إذ هي من‬
‫أمهات القواعد اخلمس التي يدور عليها معظم أحكام الفقه(‪.)1‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)152:‬األوىل‪ :‬إذا ضاق األمر اتسع‪:‬‬
‫الّضورات تبيح املحظورات‪ ،‬ومتام القاعدة‬
‫هذا يف معنى قاعدة‪َّ :‬‬
‫الفقهية‪« :‬وإذا اتسع ضاق»‪ ،‬وكان يف معنى الشق الثاين منها أ َّنه إذا دعت‬
‫الّضورة‬
‫الّضورة واملشقة إىل اتساع األمر‪ ،‬فإ َّنه يتسع إىل غاية اندفاع َّ‬
‫واملشقة‪ ،‬فإذا اندفعت وزالت ال َّّضورة الداعية عاد األمر إىل ما كان عليه‬
‫قبل نزوله‪.‬‬
‫ويقرب منه قاعدة‪« :‬الّضورة تقدر بقدرها»‪.‬‬
‫وهذه القاعدة من جزئيات القاعدة السابقة‪ُ ،‬يتمع حتتها من مسائلها‪:‬‬
‫ُّ‬
‫كل ما كان التيسري فيه موقت ًا‪.‬‬
‫ومن مجلة ما تفرع عليها غري ما تقدم‪:‬‬
‫رشه ولو بالقتل‪ ،‬ولذا‬
‫السارق والباغي ما أمكن إىل أن يندفع ُّ‬
‫جواز دفع َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح القواعد للزرقا ص‪.161-157‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪263‬‬
‫قال سيدنا عِّل ‪ ‬يوم اجلمل‪« :‬ال تتبعوا ُمدبر ًا‪ ،‬وال جتهزوا عىل جريح‪،‬‬
‫ألن القصدَ من القتال كان دفع الّضر‪ ،‬وقد‬‫و َمن ألقى سالحه فهو آمن»(‪)1‬؛ َّ‬
‫الزيادة عليه؛ َّ‬
‫ألن ما جاز لعذر امتنع بزواله‪.‬‬ ‫حصل هبربه أو جرحه‪ ،‬فال ُيوز ِّ‬
‫ووجوب إنظار املعّس إىل امليّسة‪.‬‬
‫وجواز طعن املزكي يف الشهود‪ ،‬وطعن ا ُمل َحدِّ ث يف الرواة‪.‬‬
‫وعدم وجوب اخلروج عىل اإلمام اجلائر إذا كان متغلب ًا‪ ،‬ويف اخلروج‬
‫عليه مفسدة(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)153:‬الثانية‪ :‬الرضورات تبيح املحظورات‪:‬‬
‫هذه القاعدة من فروع القاعدتني؛ َّ‬
‫ألن ما تفرع عليها يمكن أن يتفرع‬
‫عىل تينك‪َّ ،‬‬
‫فإن من فروعها‪:‬‬
‫جواز إتالف مال الغري إذا ُأكره عليه بملجئ‪.‬‬
‫وجواز أخذ الدائن مال املديون املمتنع عن األداء إذا ظفر‪ ،‬وإن كان من‬
‫خالف جنس حقه يف زماننا‪.‬‬
‫(ق‪ :)154:‬الثالثة‪ :‬الرضورات تقدر بقدرها‪:‬‬
‫وفائدة وضع هذه القاعدة عقب السابقة‪ :‬التنبيه عىل َّ‬
‫أن ما تدعو إليه‬

‫(‪ )1‬يف مصنف ابن أيب شيبة‪ ،375 :21‬ومعرفة السنن‪.316 :12‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.164-163‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪264‬‬
‫الّضورة‬ ‫الّضورة من املحظورات إ َّنام ُي َّ‬
‫رخص منه القدر الذي تندفع به َّ‬
‫يتوسع يف املحظور‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ملحظور فليس له أن َّ‬ ‫فحسب‪ ،‬فإذا اضطر‬
‫الّضورة فقط‪.‬‬
‫يقترص منه عىل قدر ما تندفع به َّ‬
‫ومن مجلة ما يتفرع عىل هذه القاعدة‪:‬‬
‫ِ‬
‫إباحة إقدامه عىل‬ ‫الّضور َة تقترص عىل‬ ‫َمن اضطر ألكل مال الغري‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫الّضورة بال إثم فقط‪ ،‬ولكن ال تدفع عنه الضامن‪.‬‬
‫أكل ما يدفع به َّ‬
‫و َمن ُأكره عىل اليمني الكاذبة فإ َّنه ُيباح له اإلقدام عىل التَّلفظ مع‬
‫وجوب التَّورية والتَّعريض فيها إن خطرت عىل‪ ،‬باله التَّورية والتَّعريض(‪.)1‬‬
‫الرابعة‪ :‬ما جاز لعذر بطل بزواله‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)155:‬‬
‫السابقة‪.‬‬
‫فهي بمثابة التَّعليل للقاعدة َّ‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫مريض‪َّ ،‬‬
‫فإن فيئه إليها بالقول‪ ،‬ولكن إذا مرضت‬ ‫لو آىل من زوجته وهو ٌ‬
‫فإن فيئه بالوطء ال باللسان؛ َّ‬
‫ألن تبدُّ ل‬ ‫الزوجة ثم برئ وبقيت مريضة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫بالرخصة األوىل‪.‬‬
‫الرخصة يمنع من االحتساب ُّ‬
‫أسباب ُّ‬
‫وُيوز حتميل َّ‬
‫الشهادة للغري بعذر السفر أو املرض‪ ،‬فإذا زال ذلك العذر‬
‫قبل أداء الفرع َّ‬
‫للشهادة بطل اجلواز(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.185‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.190-189‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪265‬‬
‫(ق‪ :)156:‬اخلامسة‪ :‬إذا زال املانع عاد املمنوع‪:‬‬
‫أفادت هذه القاعدة عكس احلكم الذي أفادته القاعدة السابقة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫السابقة أفادت حكم ما جاز بسبب ثم زال‪ ،‬وهذه أفادت حكم ما امتنع‬
‫لسبب ثم زال السبب املانع‪.‬‬
‫واملراد باملانع هنا‪ :‬األمر الطاريء الذي يمنع نفوذ احلكم‪ ،‬فاملانع يقف‬
‫حاجز ًا للحكم عن النفاذ‪ ،‬فإذا زال وارتفع عاد األمر إىل ما كان(‪.)1‬‬
‫يتفرع عىل هذه القاعدة مسائل‪:‬‬
‫َّ‬
‫لو أوىص لوارث ثم امتنع إرثه بامنع صحت‪ ،‬كام لو أوىص ألخيه ثم‬
‫ولد له ابن ثم مات املويص‪.‬‬

‫ولو وهب حصة شائعة قابلة للقسمة‪ ،‬ثم قسم وس َّلمها َّ‬
‫صحت اهلبة‪.‬‬
‫ولو اَّندمت الدَّ ار املأجورة سقطت األجرة‪ ،‬فإذا بناها املؤجر يف املدة‬
‫قبل أن يفسخ املستأجر اإلجارة عادت يف املستقبل‪.‬‬
‫ولو اطلع عىل عيب قديم يف املبيع له ر َّده‪ ،‬ولكن إذا حدث عنده عيب‬
‫آخر امتنع الرد‪ ،‬فإذا زال العيب احلادث ولو بمداواة املشرتي عاد حق‬
‫الرد(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موسوعة القواعد‪.316 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪ ،194-191‬وترتيب الاللئ‪.180 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪266‬‬
‫السادسة‪ :‬احلاجة تُنزل منزلة َّ‬
‫الرضورة عامة كانت‬ ‫(ق‪َّ :)157:‬‬
‫أو خاصة‪:‬‬
‫الّضورة عامة كانت أو‬
‫الّشع »منزلة َّ‬ ‫احلاج ُة َّ‬
‫تتنزل «فيام ُيظره ظاهر َّ‬
‫الّضورة يف كوَّنا تثبت حك ًام‪ ،‬وإن افرتقا يف كون‬
‫خاصة‪ ،‬وتنزيلها منزلة َّ‬
‫حكم األوىل مستمر ًا‪ ،‬وحكم الثانية مؤقت ًا بمدة قيام َّ‬
‫الّضورة؛ إذ الّضورة‬
‫تقدَّ ر بقدرها‪.‬‬
‫وكيفام كانت احلاجة‪ ،‬فاحلكم الثابت بسببها يكون عام ًا‪ ،‬بخالف احلكم‬
‫ال َّثابت بالعرف والعادة‪ ،‬فإنه يكون مقترص ًا وخاص ًا َ‬
‫بمن تعارفوه وتعاملوا‬
‫ألن احلاج َة إذا َّ‬
‫مست إىل إثبات حكم تسهي ً‬
‫ال عىل‬ ‫عليه واعتادوه؛ وذلك َّ‬
‫قوم‪ ،‬ال يمنع ذلك من التَّسهيل عىل آخرين وال يّض‪ ،‬بخالف احلكم ال َّثابت‬
‫ِ‬
‫احلكمة إلزام‬ ‫بالعرف والعادة‪ ،‬فإنه يقترص عىل أهل ذلك العرف؛ إذ ليس من‬
‫قوم بعرف آخرين وعادهتم‪ ،‬ومؤاخذهتم هبا‪.‬‬
‫ثم الّضورة يف احلالة امللجئة إىل ما ال ُبد منه‪.‬‬
‫واحلاج ُة هي احلال ُة التي تستدعي تيسري ًا أو تسهيالً؛ ألجل احلصول‬
‫الّضورة من هذه اجلهة‪ ،‬وإن كان احلكم ال َّثابت‬ ‫عىل املقصود‪ ،‬فهي دون َّ‬
‫للّض ِ‬
‫ورة مؤقت ًا كام تقدَّ م‪.‬‬ ‫ألجلها مستمر ًا‪ ،‬وال َّث ُ‬
‫ابت َّ‬
‫ثم إ َّنام ُيضاف جتويز احلكم إىل احلاجة فيام يظهر إذا كان جتويزه خمالف ًا‬
‫للقياس‪ ،‬وإال كانت إضافته للقياس أوىل‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪267‬‬
‫وال َّظاهر َّ‬
‫أن ما ُيوز للحاجة إ َّنام ُيوز فيام ورد فيه نص ُيوزه أو تعامل‪،‬‬
‫أو مل يرد فيه يشء منهام ولكن مل يرد فيه نص يمنعه بخصوصه‪ ،‬وكان له نظري‬
‫يف الّشع يمكن إحلاقه به‪ ،‬وجعل ما ورد يف نظريه وارد ًا فيه‪ ،‬كام يف بيع‬
‫انتفاع بالعني‬
‫ُ‬ ‫الربا؛ أل َّنه‬ ‫الوفاء‪َّ ،‬‬
‫فإن مقتضاه عدم اجلواز؛ أل َّنه إما من قبيل ِّ‬
‫بمقابلة الدَّ ين‪ ،‬أو صفق ٌة مّشوط ٌة يف صفقة‪ ،‬كأنه قال‪ :‬بع ُته منك بّشط أن‬
‫غري جائز‪ ،‬ولكن ملا َم َّست احلاجة إليه‬‫تبي َعه مني إذا جئتك بالثمن‪ ،‬وكالمها ُ‬
‫يف بخارى بسبب كثرة الدُّ يون عىل أهلِها‪ُ ،‬ج ِّوز عىل وجه أ َّنه ره ٌن ُأبيح‬
‫والره ُن عىل هذه الكيفية جائز‪.‬‬
‫االنتفاع بإنزاله‪َّ ،‬‬
‫ُيوزه أو تعامل‪ ،‬ومل يرد فيه نص يمنعه‪ ،‬ومل يكن‬
‫أو كان مل يرد فيه نص ِّ‬
‫نفع ومصلح ٌة‪ ،‬كام‬
‫الّشع ُيمكن إحلا ُقه به‪ ،‬ولكن كان فيه ٌ‬
‫جائز يف َّ‬
‫له نظري ٌ‬
‫األول من تدوين الدَّ واوين‪ ،‬ورضب الدَّ راهم‪ ،‬والعهد‬ ‫الصدر َّ‬
‫وقع يف َّ‬
‫باخلالفة‪ ،‬وغري ذلك ِما مل يأمر به الّشع ومل ينه عنه‪ ،‬ومل يكن له نظري قبل‪،‬‬
‫الّضورة فإن ما ُيوز‬
‫وسوغته املصلحة‪ ،‬بخالف َّ‬
‫َّ‬ ‫فإنه دعت إليه احلاجة‬
‫ألجلها ال يعتمد شيئ ًا من ذلك‪.‬‬
‫نظري‬
‫نص يسوغه‪ ،‬وال تعاملت عليه األمة‪ ،‬ومل يكن له ٌ‬ ‫أما ما مل يرد فيه ٌّ‬
‫الّشع يمكن إحلاقه به‪ ،‬وليس فيه مصلح ٌة عملي ٌة ظاهرةٌ‪ ،‬فإن الذي يظهر‬ ‫يف َّ‬
‫يتصور فيه أنه حاجة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الّشع؛ ألن ما‬ ‫عندئذ عدم جوازه‪ ،‬جري ًا عىل ظواهر َّ‬
‫الّشع‪.‬‬
‫غري منطبق عىل مقاصد َّ‬
‫«واحلالة هذه» يكون ُ‬
‫وقد ذكر اب ُن اهلُامم‪ :‬أن نفي املدرك الّشعي يكفي لنفي احلكم الّشعي‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪268‬‬
‫َص يمنعه بخصوصه‪ ،‬فعدم اجلواز فيه واضح ولو‬
‫وأما ما ورد فيه ن ٌّ‬
‫ألَّنا حينئذ وهم‪.‬‬
‫ظنت فيه مصلحة؛ َّ‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫فإَّنا جوزت بالنص عىل خالف القياس؛ للحاجة إليها‪،‬‬
‫جتويز اإلجارة‪َّ ،‬‬
‫وذلك َّ‬
‫ألن عقد اإلجارة يرد عىل املنافع وهي معدومة‪ ،‬ومتليك املعدوم قبل‬
‫وجوده يستحيل‪ ،‬وال يمكن جعل العقد فيها مضاف ًا إىل زمن وجود املنفعة؛‬
‫َّ‬
‫ألن ال َّتمليكات ال تقبل اإلضافة‪.‬‬
‫الس َلم‪ ،‬فإ َّنه ُج ِّوز بالنَّص أيض ًا عىل خالف القياس للحاجة؛‬
‫وجتويز َّ‬
‫أل َّنه بيع املعدوم أيض ًا‪.‬‬
‫القياس‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫السمسار عىل أ َّنه له يف ِّ‬
‫كل مئة كذا‪َّ ،‬‬ ‫وجتويزهم استئجار ِّ‬
‫يمنعه‪ ،‬ويوجب له أجر املثل‪ ،‬ولكن جوزوه للتَّعامل‪.‬‬
‫وجتويز االستصناع فيام فيه تعامل‪ ،‬عىل الصحيح من َّ‬
‫أن االستصناع بيع‬
‫جوزوه استحسان ًا باإلمجاع؛‬
‫بيع املعدوم‪ ،‬لكن َّ‬ ‫ال عدة‪َّ ،‬‬
‫فإن القياس يأباه؛ أل َّنه ٌ‬
‫للحاجة بسبب تعامل النَّاس عليه‪.‬‬
‫وجتويز دخول احلامم بأجر‪ ،‬فمقتىض القياس عدم جوازه؛ أل َّنه وارد عىل‬
‫فإن ما يستوفيه ٌّ‬
‫كل من اآلخر‬ ‫استهالك األعيان وهو املاء احلار‪ ،‬ومع ذلك َّ‬
‫جمهول‪ ،‬لكنَّه ُج ِّوز حلاجة النَّاس بالتعامل‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪269‬‬
‫ٌ‬
‫متليك مضاف إىل ما بعد‬ ‫ألَّنا‬ ‫وجتويز الوصية‪َّ ،‬‬
‫فإن القياس يأباها؛ َّ‬
‫املوت‪ ،‬والتَّمليكات ال تقبل اإلضافة‪ ،‬وأيضا باملوت ينتقل امللك إىل الوارث‬
‫فلم يبق ملك للمورث بعد املوت حتى يملك متليكه للغري‪ ،‬ولكن جوزت‬
‫بنص الكتاب العزيزللحاجة(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫االضطرار ال يبطل حق الغِّي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫السابعة‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)158:‬‬
‫االضطرار ال يبطل حق الغري سواء كان االضطرار بأمر ساموي‪:‬‬
‫ُ‬
‫كاملجاعة واحليوان الصائل‪ ،‬أو غري ساموي‪ :‬كاإلكراه امللجئ‪.‬‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫والزرع َب ٌ‬
‫قل مل ُيصد بعد‪ ،‬فإ َّنه يبقى‬ ‫لو انتهت مدة اإلجارة أو العارية‪َّ ،‬‬
‫اضطرار املستأجر واملستعري إلبقائه‬
‫َ‬ ‫إىل أن يستحصد‪ ،‬ولكن بأجر املثل؛ َّ‬
‫ألن‬
‫ال يبطل حق املالك‪ ،‬فتلزم األجرة‪.‬‬
‫الرضيع ال يأخذ ثدي غريها ومل‬ ‫ولو انتهت مدة إجارة ال ِّظئر وقد صار َّ‬
‫فإَّنا جتّب عىل إرضاعه ولكن َبأجر املثل(‪.)2‬‬
‫يستغن بال َّطعام‪َّ ،‬‬
‫ولو قتل رجل َ‬
‫مجل غريه الذي صال عليه‪ ،‬أي‪ :‬هجم عليه‪ ،‬وإن كان يف‬
‫قتله مضطر ًا لدفع َّ‬
‫الّضر عن نفسه يضمنه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.212-209‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.213‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ترتيب الاللئ‪.246-245 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪270‬‬
‫(ق‪ :)159:‬الثامنة‪ :‬إذا بطل األصل ُيصار إىل البدل‪:‬‬
‫ُ‬
‫األصل‬ ‫متعذر ًا ُيصار إىل البدل‪ ،‬أما ما دام‬
‫ِّ‬ ‫إذا بطل األصل بأن صار‬
‫ِمكن ًا فال ُيصار إىل البدل‪ ،‬فيجب َرد عني املغصوب إذا كان قائ ًام يف يد‬
‫تسليم عني الواجب وهو األصل؛ أل َّنه َر ٌّد صور ًة ومعنى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الغاصب؛ أل َّنه‬
‫وتسليم البدل ر ٌّد معنى فقط‪ ،‬وهو خملص وخلف عن الواجب‪ ،‬واخللف ال‬
‫ُيصار إليه إال عند العجز عن األصل(‪.)1‬‬
‫تعذر َر ُّد األصل‪ ،‬وهو َر ُّد عني املغصوب؛ بأن كان هالك ًا أو‬
‫أما إذا َّ‬
‫مستهلك ًا‪ ،‬فيجب حينئذ َر ُّد بدله من ِمثل أو قيمة(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)160:‬القاعدة الرابعة‪:‬‬
‫ال رضر وال رضار‬
‫أي ‪ :‬ال فعل رضر وال رضار بأحد يف ديننا‪ ،‬أي‪ :‬ال ُيوز رشع ًا ألحد‬
‫أن يلحق بآخر رضر ًا وال رضار ًا‪.‬‬
‫ولفظ هذه القاعدة حديث‪« :‬ال رضر وال رضار»(‪ ،)3‬ومعنى األول‬
‫ِ‬
‫وجه‬ ‫إحلاق مفسدة بالغري مطلق ًا‪ ،‬ومعنى الثاين إحلاق مفسدة بالغري عىل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.287‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح سليم رستم ‪.41 :1‬‬
‫(‪ )3‬يف املوطأ‪ ،1078 :4‬وسنن ابن ماجة‪ ،784 :2‬ومسند أمحد‪ ،55 :5‬واملستدرك‪،66 :2‬‬
‫واملعجم األوسط‪ ،307 :1‬وغريها‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪271‬‬
‫املقابلة له‪ ،‬لكن من ِ‬
‫غري تقييد بقيد االعتداء باملثل واالنتصار للحق‪.‬‬
‫الّضر‪ :‬كالقصاص‬ ‫والقاعد ُة مق ِّيد ٌة إمجاع ًا بغري ما َأذن به َّ‬
‫الّشع من َّ‬
‫واحلدود‪ ،‬وسائر العقوبات‪ ،‬والتَّعازير؛ َّ‬
‫ألن در َء املفاسد ُمقدَّ م عىل جلب‬
‫الّضر أيض ًا‪.‬‬
‫املصالح‪ ،‬عىل َّأَّنا مل تّشع يف احلقيقة إال لدفع َّ‬
‫ويتفرع عىل هذه القاعدة كثِّي من أبواب الفقه مما كانت مرشوعيته توقي ًا‬
‫من وقوع الرضر‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫السجون؛ لردع أهل الفساد‪.‬‬
‫اختاذ ُّ‬
‫األول‬ ‫الرؤية‪ ،‬وخيار الّشط‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬ ‫ومن ذلك‪ :‬بعض اخليارات‪ :‬كخيار ُّ‬
‫الّضر عن املشرتي بدخول ما ال يالئمه يف ملكه‪ .‬والثاين رشع‬
‫رشع لدفع َّ‬
‫الرتوي؛ لئال يقع يف رضر الغبن‪.‬‬
‫للحاجة إىل َّ‬
‫فإَّنا ُرشعت توقي ًا من وقوع َّ‬
‫الّضر العائد‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أنواع احلجر؛ َّ‬
‫تار ًة لذات املحجور وتار ًة لغريه‪ ،‬فإن من وجب حجره إذا ُترك بدون حجر‬
‫يّض بغريه‪ ،‬كام هو ظاهر‪.‬‬
‫يّض بنفسه وقد ُّ‬
‫قد ُّ‬
‫فإَّنا ُرشعت توقي ًا من رضر جار ُّ‬
‫السوء(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫والشفعة؛ َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.167-165‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪272‬‬
‫القواعدُ املتعلق ُة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)161:‬األوىل‪َّ :‬‬
‫الرض ُر ُيزال‪:‬‬
‫األخبار يف كالم الفقهاء للوجوب‪.‬‬
‫َ‬ ‫الّضر؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫جتب إزالة َّ‬
‫يتفرع عىل هذه القاعدة‪:‬‬
‫وِما َّ‬
‫مّشوعية خيار التَّغرير القويل يف البيع إذا كان معه غب ٌن فاحش‪ ،‬سواء‬
‫كان التَّغرير من البائع للمشرتي‪ ،‬أو من املشرتي للبائع‪ ،‬أو كان من الدَّ الل‬
‫ألحدمها‪ ،‬فإن املغرور ُيري بني إمضاء البيع أو فسخه‪ ،‬واسرتداد ماله من‬
‫مبيع أو ثمن(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)162:‬ال َّثانية‪َّ :‬‬
‫الرضر ال ُيزال بمثله‬
‫فالّض ُر ال يزال بمثلِه‪ ،‬وال بام هو فوقه باألوىل‪ ،‬بل بام هو دونه‪ ،‬فهذه‬
‫َّ‬
‫تعّست والدة املرأة‪ ،‬والولدُ حي‬
‫الّضر ُيزال»‪ ،‬كام لو َّ‬‫القاعدة تقيد قاعدة‪َّ « :‬‬
‫يضطرب يف بطنها‪ ،‬وخيف عىل األُم‪ ،‬فإ َّنه يمتنع من تقطيع الولد إلخراجه؛‬
‫ألن موت األُم به أمر موهوم(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫الرضر اخلاص لدفع َّ‬
‫الرضر العام‬ ‫يتحمل َّ‬
‫َّ‬ ‫(ق‪ :)163:‬ال َّثالثة‪:‬‬
‫والّضر العام‪ :‬ما‬
‫والّضر اخلاص‪ :‬هو ما يلحق الفرد عىل حدته‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.179-180‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.196-195‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪273‬‬
‫يلحق اجلامعة‪ :‬كاحلائط املائل إىل االَّندام عىل ال َّطريق العام‪َّ ،‬‬
‫فإن اَّندامه عىل‬
‫ال َّطريق العام يوجب رضر ًا بالعامة‪ ،‬فيأمر احلاكم هبدمه(‪.)1‬‬
‫الّضرين إذا كان ال ُيامثل اآلخر‪َّ ،‬‬
‫فإن األعىل ُيزال‬ ‫ومفهومها‪َّ :‬‬
‫أن أحد َّ‬
‫الّضرين إما خلصوص أحدمها‪ ،‬وإما لعموم‬
‫باألدنى‪ ،‬وعدم املامثلة بني َّ‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫فوجوب قتل قاطع ال َّطريق إذا قتل بأي كيفية كانت‪ ،‬بدون قبول عفو‬
‫عنه من ويل القتيل؛ دفع ًا َّ‬
‫للّضر العام‪.‬‬
‫وجواز التَّسعري إذا تعدَّ ى أرباب القوت يف بيعه بالغبن الفاحش‪ ،‬وهو‬
‫ما ال يدخل حتت تقويم املقومني‪.‬‬
‫وبيع الفاضل من طعام املحتكر عن قوته وقوت عياله إىل وقت‬
‫السعة(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫بالرضر األَخف‪:‬‬ ‫(ق‪ :)164:‬الرابع ُة‪َّ :‬‬
‫الرض ُر األشدُ ُيزال َّ‬
‫وجوب النَّفقات يف مال املورسين ألصوهلم وفروعهم‪ ،‬لكن ال يشرتط‬
‫يف نفقة األبوين اليسار‪ ،‬بل إذا كان ك َُسوب ًا َّ‬
‫ضمهام إليه‪.‬‬
‫وحبس َمن وجبت عليه النَّفقة إذا امتنع عن أدائها‪ ،‬ولو نفقة ابنه‪،‬‬
‫وجواز رضبه يف احلبس إذا امتنع عن اإلنفاق‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح املحاسني‪.55 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.197-198‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪274‬‬
‫السجني يف ثالث‪:‬‬
‫ويّضب َّ‬
‫‪.1‬إذا امتنع عن اإلنفاق عىل رمحه املحرم ُيبس‪ ،‬فإذا امتنع أيض ًا‬
‫يّضب‪.‬‬
‫‪.2‬إذا امتنع عن كفارة الظهار ُيبس‪ ،‬فإذا امتنع أيض ًا رضب‪.‬‬
‫‪.3‬إذ امتنع عن القسم بني زوجاته ُيبس‪ ،‬فإذا امتنع أيض ًا يّضب‪.‬‬
‫(ق‪ :)165:‬اخلامسة‪ :‬إذا تعارضت مفسدتان ُروعي أعظمهام‬
‫رضر ًا بارتكاب أخ رفهام‬
‫ألن املفاسد تراعى نفي ًا‪ ،‬كام َّ‬
‫أن املصالح‬ ‫مراعاة أعظمهام تكون بإزالته؛ َّ‬
‫تراعى إثبات ًا‪.‬‬
‫يتفرع عىل هذه القاعدة‪:‬‬
‫الّضورة من الطاعات‪ ،‬كاألذان‬
‫جتويز أخذ األجرة عىل ما دعت إليه َّ‬
‫واإلمامة‪ ،‬وتعليم القرآن والفقه‪.‬‬
‫السكوت عىل املنكر إذا كان يرتتَّب عىل إنكاره رضر أعظم‪ ،‬كام‬
‫وجتويز ُّ‬
‫رش أعظم‪.‬‬
‫جتوز طاعة األمري اجلائر إذا كان يرتتَّب عىل اخلروج عليه ٌّ‬
‫وجواز َشق بطن امليتة إلخراج الولد إذا كان ُترجى حياته(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪ ،202-201‬وترتيب الاللئ‪.188-187 :1‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪275‬‬
‫السادسة‪ُ :‬يتار أهون الرشين‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)166:‬‬
‫هذه القاعدة عني سابقتها‪ ،‬وما قيل فيها ُيقال يف هذه(‪.)1‬‬
‫درء املفاسد أوىل من جلب املصالح‪:‬‬
‫السابعة‪ُ :‬‬
‫(ق‪َّ :)167:‬‬
‫إذا تعارضت مفسد ٌة ومصلح ٌة ُقدِّ م دفع املفسدة غالب ًا؛ َّ‬
‫ألن اعتناء‬
‫َّ‬
‫الشارع باملنهيات أشد من اعتنائه باملأمورات‪ ،‬قال ‪« :‬ما َّنيتكم عنه‬
‫فاجتنبوه‪ ،‬وما أمرتكم به فأفعلوا منه ما استطعتم»(‪.)2‬‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫الرجال تؤخر ال ُغسل(‪.)3‬‬
‫املرأة إذا وجب عليها ال ُغسل ومل جتد سرتة من ِّ‬
‫ترصف ًا‬
‫يترصف ُّ‬
‫السفل وصاحب العلو ليس له أن َّ‬
‫ال من صاحب ُّ‬ ‫َّ‬
‫وإن ك ً‬
‫مّض ًا باآلخر‪ ،‬وإن كان يترصف يف خالص ملكه وله منفعة‪.‬‬
‫السفيه‪.‬‬
‫واحلجر عىل َّ‬
‫مقر نساء جاره(‪.)4‬‬
‫وليس لإلنسان أن يفتح كو ًة ُتّشف عىل ِّ‬
‫(ق‪ :)168:‬ال َّثامنة‪َّ :‬‬
‫الرضر يدفع بقدر اإلمكان‪:‬‬
‫الّضر يدفع بقدر اإلمكان‪ ،‬فإن أمكن دفعه بالكلية فبها‪ ،‬وإال فبقدر ما‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.203‬‬


‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪ ،1830 :4‬وسنن ابن ماجة‪ ،3 :1‬وموطأ حممد‪.343 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬منافع الدقائق ص‪.319‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.206-205‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪276‬‬
‫يمكن‪ ،‬كام يف املغصوب فإنه يدفع الّضر برده إذا بقي عينه وكان سلي ًام‪ ،‬فإن‬
‫مل تبق عينه ُيّب الّضر؛ برد مثله أو قيمته(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)170:‬القاعدة اخلامسة‬
‫العادة حمكمة‬
‫أن العاد َة عامة كانت أو خاصة ُجتعل َح َك ًام إلثبات حكم رشعي مل‬
‫يعني َّ‬
‫نص ُيالفها أصالً‪ ،‬أو َو َر َد ولكن‬
‫ينص عىل خالفه بخصوصه‪ ،‬فلو مل يرد ٌّ‬
‫عام ًا‪َّ ،‬‬
‫فإن العاد َة تعتّب‪.‬‬
‫وأصل هذه القاعدة‪ :‬قول ابن مسعود ‪« :‬ما رآه املسلمون حسن ًا‬
‫فهو عند اهلل حسن‪ ،‬وما رآه املسلمون قبيح ًا فهو عند اهلل قبيح » (‪ ،)2‬وإ َّنه وإن‬
‫كان موقوف ًا عليه‪ ،‬فله حكم املرفوع؛ أل َّنه ال مدخل َّ‬
‫للرأي فيه‪.‬‬
‫االستمرار عىل يشء مقبول للطبع السليم‪ ،‬واملعاودة إليه‬
‫ُ‬ ‫والعادة‪ :‬هي‬
‫مر ًة بعد ُأخرى‪ ،‬وهي املرادة بالعرف العمِّل‪.‬‬
‫فاملرا ُد هبا حينئذ‪ :‬ما ال يكون مغاير ًا ملا عليه ُ‬
‫أهل الدِّ ين والعقل‬
‫املستقيم‪ ،‬وال منكر ًا يف نظرهم‪.‬‬
‫واملراد من كوَّنا عامة‪ :‬أن تكون مطرد ًة أو غالب ًة يف مجيع البلدان‪ ،‬ومن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.207‬‬


‫(‪ )2‬يف مسند أمحد ‪ ،379 :1‬ومستدرك احلاكم ‪ ،83 :3‬واملعجم الكبري ‪ ،112 :9‬ومسند أيب‬
‫داود ال َّط َيالِس ص‪ ،33‬وفضائل الصحابة ‪.367 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪277‬‬
‫كوَّنا خاصة‪ :‬أن تكون كذلك يف بعضها‪ ،‬فاالطراد والغلبة رشط العتبارها‬
‫سواء كانت عامة أو خاصة‪.‬‬
‫وما تفرع عليها من الفروع الفقهية تعرس اإلحاطة به‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬لو بعثه إىل ماشيته فركب املبعوث داب َة الباعث‪ ،‬برئ لو بينهام انبساط‬
‫وإال ضمن‪.‬‬
‫‪ -‬وجواز التقاط ال ِّثامر التي يتسارع إليها الفساد من البساتني والرساتيق‪،‬‬
‫عىل املعتمد ما مل توجد داللة املنع‪.‬‬
‫‪ -‬واعتبار عرف احلالف والناذر إذا كان العرف مساوي ًا للفظ أو أخص‪،‬‬
‫فلو حلف ال يأكل رأس ًا‪ ،‬أو ال يركب دابة‪ ،‬أو ال ُيلس عىل بساط‪ ،‬ال ُينث‬
‫برأس عصفور‪ ،‬وال بركوب إنسان‪ ،‬وال بجلوس عىل األرض؛ َّ‬
‫ألن العرف‬
‫َخص الرأس بام يباع لألكل يف األسواق‪ ،‬والدابة بام يركب عادة‪ ،‬والبساط‬
‫باملنسوج املعروف الذي يفرش وُيلس عليه(‪.)1‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)171:‬األوىل‪ :‬استعامل الناس حجة جيب العمل هبا‪:‬‬
‫نفس املراد بالعادة(‪.)2‬‬ ‫الظاهر َّ‬
‫أن املرا َد باستعامل الناس هو ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.222-219‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.223‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪278‬‬
‫(ق‪ :)172:‬الثانية‪ :‬املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة‪:‬‬
‫فكام َّ‬
‫أن املمتنع حقيقة ال تسمع الدَّ عوى به‪ ،‬وال تقام البينة عليه؛ للتيقن‬
‫بكذب مدعيه‪ ،‬كقوله ملن ال يولد مثله ملثله‪ :‬هذا ابني‪ ،‬فكذلك املمتنع عادة‬
‫كدعوى معروف بالفقر عىل آخر أمواالً جسيمة‪ ،‬مل يعهد عنه أ َّنه أصاب‬
‫مثلها بإرث أو بغريه‪.‬‬
‫ومن فروعها‪:‬‬
‫كدعوى املدعي إقرار املدعى عليه بعد أن طالت اخلصومة بينهام‪.‬‬
‫َّ‬
‫أوأن له فيه حصة‬ ‫وكدعوى األجنبي عىل املشرتي‪َّ :‬‬
‫أن املبيع ملكه ‪،‬‬
‫بعدما رآه يترصف يف املبيع ترصف املالك يف أمالكهم‪ :‬باهلدم أو البناء أو‬
‫الغراس(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)173:‬ال َّثالثة‪ :‬ال ُينكر تغِّي األحكام بتغِّي األزمان‪:‬‬
‫ال ُينكر تغري األحكام بتغري األزمان‪ :‬أي بتغري عرف أهلها وعادهتم‪،‬‬
‫فإذا كان عرفهم وعادهتم يستدعيان حك ًام‪ ،‬ثم تغريا إىل عرف وعادة ُأخرى‪،‬‬
‫فإن احلكم يتغري إىل ما يوافق ما انتقل إليه عرفهم وعادهتم‪.‬‬
‫الغاصب إذا‬
‫َ‬ ‫كام كان لون السواد يف زمن أيب حنيفة ُي َعدُّ عيب ًا‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫بأن‬
‫تغري عرف النَّاس وصاروا‬‫صبغ الثوب أسود يكون قد ع َّيبه‪ ،‬ثم بعد ذلك ملا َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.225‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪279‬‬
‫يعدونه زياد ًة قال صاحباه‪ :‬إنه زيادة‪.‬‬
‫وكذلك الدُّ ور ملا كانت تبنى بيوهتا عىل نمط واحد قال املتقدِّ مون غري‬
‫ُزفر‪ :‬يكفي لسقوط خيار الرؤية رؤية بيت منها‪ ،‬وملا تبدَّ لت األزمان‬
‫وصارت بيوت الدور تبنى عىل كيفيات خمتلفة رجح املتأخرون قول ُزفر‪ :‬من‬
‫أن ال ُبد من رؤية كل البيوت ليسقط اخليار‪.‬‬
‫ولو ندرت العدالة وعزت يف هذه األزمان قالوا‪ :‬بقبول شهادة األمثل‬
‫فاألمثل واألقل فجور ًا فاألقل‪.‬‬
‫ولو مل يوجد يف القضاة إال غري العدول‪ ،‬أقمنا أصلحهم وأقلهم فجور ًا؛‬
‫لئال تضيع املصالح وتتع َّطل احلقوق واألحكام(‪.)1‬‬
‫الرابعة‪ :‬احلقيقة ترتك بداللة العادة‬
‫(ق‪َّ :)174:‬‬
‫يعني‪ :‬االستعامل والتعارف ُيعل إطالق اللفظ عىل ما تعورف استعامله‬
‫فيه حقيقة بالنَّسبة إىل املستعملني‪ ،‬وُيعل إطالقه عىل معناه الوضعي األصِّل‬
‫يف نظرهم جماز ًا‪.‬‬
‫ومن املعلوم َّ‬
‫أن األمر إذا دار بني احلقيقة واملجاز ترتجح احلقيقة‪ ،‬وهي‬
‫هنا العرف والعادة‪ ،‬ويرتك املجاز‪ ،‬وهو املعنى الوضعي األصِّل(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.229-227‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.231‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪280‬‬
‫(ق‪ :)175:‬اخلامسة‪ :‬تعترب العادة إذا اطردت أو غلبت‪:‬‬
‫يعني‪َّ :‬‬
‫أن العادة ليست مرعية عىل اإلطالق‪ ،‬بل إذا اطردت أو غلبت‪،‬‬
‫أما إذا ساوت أو ندرت فال تراعى‪.‬‬
‫ولذا أفتى األكابر من فقهائنا بفساد اإلجارة املتعارفة عند خواص أهل‬
‫بخارى‪ ،‬فيام لو استقرض ألف ًا مث ً‬
‫ال‪ ،‬واستأجر املقرض حلفظ ملعقة أو ما‬
‫ال ِّ‬
‫حلل املرابحة يف‬ ‫شاكلها مدة معلومة بأجرة تزيد عىل قيمة امللعقة‪ ،‬توص ً‬
‫القرض‪.‬‬
‫والرواج‪ ،‬ينرصف‬‫ولو باع بدراهم أو بدنانريوكانت خمتلفة يف املالية َّ‬
‫البيع إىل أغلبها رواج ًا‪ ،‬وإذا كانت متساوية يف َّ‬
‫الرواج واملسألة بحاهلا فسد‬
‫العقد؛ ألنه يؤدي إىل التنازع(‪.)1‬‬
‫السادسة‪ :‬العربة للغالب الشائع ال للنَّادر‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)176:‬‬
‫فلو بني حكم عىل أمر غالب فإ َّنه يبنى عام ًا‪ ،‬وال يؤثر عىل عمومه‬
‫وا ِّطراده‪ ،‬ختلف ذلك األمر يف بعض األفراد أو يف بعض األوقات‪.‬‬
‫جوز املتأخرون للدائن يف هذا الزمن استيفاء دينه من غري جنس‬
‫فقد َّ‬
‫ح ِّقه لغلبة العقوق‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ليس للزوج أن ُيّب زوجته عىل السفر من وطنها إذا كان‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.233‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪281‬‬
‫معجل مهرها لغلبة اإلرضار يف األزواج‪.‬‬
‫نكحها فيه‪ ،‬وإن أوفاها َّ‬
‫وقالوا‪ :‬ليس للقايض أن يقيض بعلمه؛ لفساد حال القضاة‪.‬‬
‫وصححوا االستئجار عىل اإلمامة واألذان والتعليم؛ لتكاسل الناس‬
‫َّ‬
‫عن القيام هبا جمان ًا‪.‬‬
‫وقدَّ روا ُمدة اإلياس من احليض للمرأة بخمس ومخسني سن ًة ألجل أن‬
‫السن ففي الغالب ينقطع حيضها‪.‬‬ ‫تعتد؛ َّ‬
‫ألن املرأ َة إذا بلغت هذه ِّ‬
‫وجعلوا كل ذلك أحكام ًا عامة مع أنه ال َشك يف التَّخلف يف بعض‬
‫األفراد ويف بعض األوقات‪ ،‬ولكن مل ينظروا له وجعلوا العّبة للكثري‬
‫الغالب(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)177:‬السابعة‪ :‬املعروف عرف ًا كاملرشوط رشط ًا‪:‬‬
‫ّب و ُيراعى فيه رشع ًا رصيح َّ‬
‫الّشط املتعارف‪ ،‬وذلك‬ ‫كل ٍّ‬
‫حمل ُيعت ُ‬ ‫ففي ِّ‬
‫بأن ال يكون مصادم ًا للنص بخصوصه‪ ،‬إذا تعارفه الناس واعتادوا التَّعامل‬
‫عليه بدون اشرتاط رصيح فهو مرعي‪ ،‬ويعتّب بمنزلة االشرتاط الرصيح‪ ،‬فلو‬
‫استخدم صانع ًا يف صنعة معروف هبا وهبا قوام حاله ومعيشته‪ ،‬ومل ُيعني له‬
‫أجر ًة‪ ،‬ثم طالبه باألجر فادعى أنه استعان به مثالً‪ ،‬فإنه ال يسمع منه ويلزمه‬
‫أجر مثله‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.235-234‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪282‬‬
‫الرصيح غري معتّب رشع ًا‪ ،‬وذلك بأن كان‬
‫وأما إذا كان الّشط املتعارف َّ‬
‫مصادم ًا للنص بخصوصه‪ ،‬فال يكون معتّب ًا إذا تعارف الناس العمل عليه‬
‫بدون اشرتاط‪ ،‬فلو تعارف النَّاس مث ً‬
‫ال تضمني املستعري واملستأجر ما تلف‬
‫من العني املعارة أو املأجورة بدون َت َعدٍّ منه وال تقصري‪ ،‬ال يعتّب ذلك‬
‫التَّعارف وال ُيراعى؛ ألنه مضا ٌد َّ‬
‫للشارع‪.‬‬
‫فلو جهز األب ابنته بجهاز ودفعه هلا‪ ،‬ثم ادعى أ َّنه عاريةوال بينة له‪،‬‬
‫فإ َّنه ينظر‪:‬‬
‫أن مثل ذلك األب يدفع مثل ذلك اجلهاز عاري ًة‬
‫إن كان العرف مستمر ًا َّ‬
‫أو ملك ًا فإ َّنه يتبع‪ ،‬ويكون القول قول َمن يشهد له العرف‪ ،‬وال َب ِّين ُة ب ِّي ُنة‬
‫العرف مشرتك ًا فالقول لألب‪ ،‬والب ِّينة بين ُة البنت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وإن كان‬
‫ولو دفع األب ابنه إىل صاحب احلرفة مدة معلومة ليعلمه احلرفة‪ ،‬ثم‬
‫اختلفا فطلب كل منهام من اآلخر األجر‪ ،‬فإ َّنه ُيكم باألجر ملن يشهد له‬
‫عرف البلدة(‪.)1‬‬
‫املعروف بني التُجار كاملرشوط بينهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫(ق‪ :)178:‬الثامنة‪:‬‬
‫هذه القاعد ُة يف معنى سابقتها ال تفرتق عنها‪ ،‬إال َّ‬
‫أن تلك يف مطلق‬
‫عرف‪ ،‬وهذه خاصة يف عرف التُّجار‪ ،‬فإذا وقع التَّعارف واالستعامل بينهم‬
‫عىل يشء غري مصادم للنص يتبع وينرصف إليه عند اإلطالق‪ ،‬وال تسمع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.237-238‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪283‬‬
‫دعوى إرادة خالفه؛ كام لو باع التَّاجر شيئ ًا‪ ،‬وقد جرى العرف عىل أن يكون‬
‫بعض معلوم القدر من الثمن حاالً‪ ،‬أو عىل أن دفع كل ال َّثمن يكون منج ًام‬
‫الرصيح(‪.)1‬‬ ‫عىل نجوم معلومة يكون ذلك العرف مرعي ًا بمنزلة َّ‬
‫الّشط َّ‬
‫(ق‪ :)179:‬التَّاسعة‪:‬التَّعيني بالعرف كالتَّعيني بالنَّص‬
‫السابقة‪.‬‬
‫هذه القاعدة يف معنى القواعد َّ‬
‫فلو استأجر دار ًا أو حانوت ًا بال بيان َمن يسكن أو بال بيان ما ُيعمل فيه‪،‬‬
‫فله أن ينتفع بجميع أنواع االنتفاع‪ ،‬غري أ َّنه ال يسكن وال يسكن حداد ًا وال‬
‫قصار ًا وال طحان ًا‪ ،‬من غري إذن املؤجر‪.‬‬
‫ولو استأجر حانوت ًا يف سوق البزازين مثالً‪ ،‬فليس له أن يتخذه للحدادة‬
‫أو ال َّطبخ أو نحو ذلك ِما يؤذي جريانه(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)180:‬العارشة‪ :‬الكتاب كاخلطاب‪:‬‬
‫الصادر من الغائب كاخلطاب من احلارض‪،‬‬
‫الكتاب املستبني املرسوم َّ‬
‫وكذا اإلرسال؛ حتى إ َّنه يعتّب فيهام جملس بلوغ الكتاب وجملس أداء‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫فإَّنا‬
‫والتَّقييد باملستبني إلخراج غري املستبني‪ :‬كالكتابة عىل املاء أو اهلواء َّ‬
‫ال ُتعتّب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.239‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.241‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪284‬‬
‫والتَّقييد باملرسوم‪ ،‬وهو ما كان فيه اخلط واملخطوط عليه عىل الوجه‬
‫املعتاد‪ ،‬من اإلرسال بالّبيد أو اإليميل أو الفاكس من الطرق الرسمية لنقل‬
‫الرسائل؛ ليخرج غريه كأ َّنه يكتب عىل ورقة ويسلمها له‪ ،‬ومها يف جملس‬
‫واحد(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)181:‬احلادية عرش‪ :‬اإلشارة املعهودة لألخرس كالبيان‬
‫باللسان‪:‬‬
‫اإلشارة املعهودة‪ ،‬أي‪ :‬املعلومة املعتادة لألخرس األصِّل‪ ،‬بعضو من‬
‫أعضائه كيده‪ ،‬أو رأسه معتّبة كالبيان باللسان‪ ،‬وقائمة مقامه يف كل يشء‬
‫غري احلدود والشهادة‪ ،‬وذلك‪ :‬كالنِّكاح والطالق والعتاق والبيع واإلجارة‬
‫واهلبة والرهن واإلبراء واإلقرار واإلنكار واحللف والنكول(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.349‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.251‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪285‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫القواعد الوسطى ومتعلقاهتا‬

‫(ق‪ :)182:‬القاعدة األوىل‬


‫إعامل الكالم أوىل من إمهاله‬
‫فاملهمل لغو‪ ،‬وكالم العاقل ُيصان عنه‪ ،‬فيجب محله ما أمكن عىل أقرب‬
‫وأوىل وجه «ُيعله معموالً به من حقيقة ِمكنة» وإال فمجاز(‪.)1‬‬
‫ومعنى إعامله‪ :‬أي إعطاؤه حك ًام‪ ،‬وإمهاله‪ :‬عدم ترتيب ثمرة عملية‬
‫الصادر يف مقام التَّّشيع أو التَّرصف إذا كان‬
‫عليه‪ ،‬ومعنى القاعدة‪ :‬أن اللفظ َّ‬
‫محله عىل أحد املعاين املمكنة ال يرتتب عليه حكم ‪ ،‬ومحله عىل معنى آخر‬
‫يرتتب عليه حكم ‪ ،‬فالواجب محله عىل املعنى املفيد حلكم جديد؛ َّ‬
‫ألن خالفه‬
‫ٌ‬
‫إمهال وإلغاء‪ ،‬وإن كالم العقالء ُيصان عن اإللغاء ما أمكن‪.‬‬
‫فلو أقر شخص بألف عليه بموجب صك‪ ،‬ومل يبني منشأها‪ ،‬ثم أقر‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.315‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪286‬‬
‫ثانية يف صك آخر بألف كذلك‪ُ ،‬يطالب باأللفني‪ ،‬وال ُيقبل قوله‪َّ :‬إَّنام‬
‫واحد(‪.)1‬‬
‫ولو أوىص أو وقف عىل أوالده تناول أوالده الصلبية فقط إن كانوا؛‬
‫أل َّنه احلقيقة‪ ،‬وإال تناول أوالدهم بطريق املجاز؛ ألن َ‬
‫إعامل الكالم أوىل من‬
‫إمهاله(‪.)2‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)183:‬األوىل‪ :‬األصل يف الكالم احلقيقة‪:‬‬
‫فرع فيه وخلف عنها‪ ،‬ولكوَّنا أص ً‬
‫ال‬ ‫واملجاز ٌ‬
‫َ‬ ‫األصل يف الكالم احلقيقة‪،‬‬
‫ُقدِّ مت عىل املجاز وكان العمل هبا أوىل من العمل به‪ ،‬ما مل يوجد ُم ِّ‬
‫رج ٌح له‬
‫ف ُيصار إليه‪.‬‬
‫واحلقيقة يف االصطالح‪ :‬الكلم ُة املستعمل ُة فيام وضعت له يف اصطالح‬
‫الروح‪ ،‬فإ َّنه حقيق ٌة‬ ‫التَّخاطب‪ :‬كاستعامل لفظة القتل مث ً‬
‫ال يف إزهاق ُّ‬
‫ال عند أهل‬ ‫الستعامله يف املعنى الوضعي له‪ ،‬وكاستعامل لفظ الوصية مث ً‬
‫الّشع يف التَّمليك املضاف إىل ما بعد املوت‪ ،‬فإ َّنه حقيق ٌة أيض ًا بالنَّسبة‬
‫َّ‬
‫الصطالحهم وختاطبهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪.1002 :2‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.315‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪287‬‬
‫استعامل الكلمة يف غري ما ُو ِض َعت له لقرينة‪ ،‬وذلك‬
‫ُ‬ ‫واملجاز‪ :‬هو‬
‫كاستعامل لفظة القتل املذكورة يف اإليالم‪ ،‬واستعامل لفظة الوصية عند أهل‬
‫األول‬
‫ال منهام جماز؛ الستعامل َّ‬‫الّشع يف العهد الذي هو معناه اللغوي‪ ،‬فإن ك ً‬ ‫َّ‬
‫واستعامل ال َّثاين يف غري ما ُو ِضع له اصطالح ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يف غري ما ُو ِضع له لغ ًة‪،‬‬
‫واملراد هبذه القاعدة‪ :‬أ َّنه إذا كان للفظ معنيان متساو استعامهلام‪ :‬معنى‬
‫رجح أحدَ املعنيني عىل‬ ‫حقيقي ومعنى جمازي‪ ،‬وورد جمرد ًا عن ِّ‬
‫مرجح ُي ِّ‬
‫املجاز خلف عن‬
‫َ‬ ‫اآلخر‪ ،‬يراد به حينئذ املعنى احلقيقي ال املجازي؛ َّ‬
‫ألن‬
‫فإَّنا حقيق ٌة يف‬
‫فرت َّجح هي عليه يف نفسها‪ ،‬كام يف لفظة النِّكاح‪َّ ،‬‬
‫احلقيقة‪ُ ،‬‬
‫جماز يف العقد‪.‬‬
‫الوطء ٌ‬
‫ويتفرع عىل تلك القاعدة مسائل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الراجح؛‬
‫لو أوىص أو وقف عىل أوالد أوالده‪ ،‬دخل أوالد البنات عىل َّ‬
‫َّ‬
‫ألن ولد بنت اإلنسان ولد ولده حقيقة‪.‬‬
‫الّشء الفالين‪ ،‬فوكَّل غريه ففعله‬
‫ولو حلف بطالق زوجته أن ال يفعل َّ‬
‫الّشء ال يقبل التَّوكيل به أصالً‪ :‬كاألكل‪،‬‬
‫الوكيل ال ُينث إذا كان فعل ذلك َّ‬
‫أو كان يقبل التَّوكيل‪ ،‬ولكنَّه كان من األفعال التي ال يلزم الوكيل حني فعله‬
‫هلا أن ُيضيفها إىل املوكِّل كالبيع(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.136-133‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪288‬‬
‫(ق‪ :)184:‬الثانية‪ :‬ال عربة بالدَّ اللة يف مقابلة التَّرصيح‪:‬‬
‫الّشء بحال يفيد الغري عل ًام‪ ،‬وتكون لفظية وغري لفظية‪،‬‬
‫الدَّ اللة‪ :‬كون َّ‬
‫ٌّ‬
‫وكل منهام ثالثة أقسام‪ :‬وضعية‪ ،‬وعقلية‪ ،‬وطبيعية‪.‬‬
‫فاللفظية الوضعية‪ :‬كداللة األلفاظ عىل ما وضعت له‪.‬‬
‫واللفظية العقلية‪ :‬كداللة اللفظ عىل وجود الالفظ‪.‬‬
‫واللفظية الطبيعية‪ :‬كداللة «أح» عىل وجع الصدر‪ ،‬و«أخ» عىل مطلق‬
‫الوجع‪ .‬فلو ضحكت البكر بال استهزاء عندما بلغها خّب تزويج الويل‪ ،‬فإ َّنه‬
‫ترصيح بالرد تلغى تلك الدَّ اللة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يعتّب إجازة لكن إذا وجد قبله أو معه‬
‫ويتفرع عىل تلك القاعدة مسائل كثِّية‪:‬‬
‫َّ‬
‫السابقني‪ ،‬ولكن إذا وجد‬ ‫ِ‬ ‫ُي ُّ‬
‫القوام َّ‬
‫ستدل عىل مصارف الوقف بتعامل َّ‬
‫كتاب الواقف املوثوق به‪ ،‬فال عّبة بتعامل القوام عىل خالفه‪.‬‬
‫البيع كان وفاء‪ ،‬وقال‬
‫أن َ‬ ‫لو باع عقار ًا بيع ًا صحيح ًا رشعي ًا‪ ،‬ثم ادعى َّ‬
‫املشرتي‪ :‬إ َّنه بات قطعي‪ ،‬ينظر‪ :‬فإن كان هناك داللة عىل الوفاء‪ :‬ككون‬
‫ال َّثمن دون ثمن املثل بغبن فاحش تسمع دعوى الوفاء من البائع ويكون‬
‫القول قوله‪ ،‬ولكن إذا وجد التَّرصيح بالبتات فال ُيعمل بتلك الدَّ اللة‪ ،‬وال‬
‫تسمع دعوى الوفاء حينئذ‪.‬‬

‫ولو قبض املشرتي املبيع قبل نقد ال َّثمن بمشهد من البائع ومل ينهه‪َّ ،‬‬
‫صح‬
‫السكوت عىل اإلذن‪ ،‬وال يملك‬‫القبض‪ ،‬وسقط حق احلبس بال َّثمن بداللة ُّ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪289‬‬
‫اسرتداده بل ُيطالبه بال َّثمن فقط‪ ،‬أما لو وجد رصيح النَّهي فال يسقط ُّ‬
‫حق‬
‫احلبس‪ ،‬وله أن يسرت َّده منه وُيبسه بال َّثمن‪.‬‬
‫ويستثنى من هذه القاعدة‪:‬‬
‫لو اشرتى شيئ ًا ثم اطلع عىل عيب فيه‪ ،‬فاستعمله استعامالً ُّ‬
‫يدل عىل‬
‫الرضا به‪ ،‬فإ َّنه يلزمه املبيع‪ ،‬وال يقبل منه‬
‫رصح بعدم ِّ‬
‫الرضا بالعيب وهو ُي ِّ‬
‫ِّ‬
‫الرضا‪.‬‬
‫ترصُيه بعدم ِّ‬
‫ولو بنى املتويل أو غرس يف عقار الوقف‪ ،‬ومل يشهد أ َّنه لنفسه‪ ،‬ثم‬
‫اختلف مع املستحقني فقال‪ :‬فعلته لنفس‪ ،‬وقالوا‪ :‬بل للوقف‪ ،‬فالقول‬
‫قوهلم؛ ترجيح ًا للدَّ اللة بكونه متولي ًا‪ ،‬وبناؤه وغرسه لنفسه غري جائز و ُي َعدُّ‬
‫خيان ًة منه‪ ،‬واألصل عدمه عىل ترصُيه بأنه فعل لنفسه‪.‬‬
‫إنسان حيوان ًا‪ ،‬ثم قال ملن يساومه عليه‪ :‬اشرته فال عيب به‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ولو اشرتى‬
‫ومل يتفق بينهام البيع ثم وجد به عيب ًا‪ ،‬فله َرده عىل بائعه‪ ،‬وال يمنعه إقراره‬
‫الرتويج؛‬
‫جماز عن َّ‬
‫ألن كال َمه ذلك ٌ‬ ‫السابق ملن ساومه بأ َّنه ال عيب فيه؛ َّ‬‫َّ‬
‫لظهور أ َّنه ال ُيلو عن عيب‪ ،‬فيتيقن َّ‬
‫بأن ظاهر إقراره غري مراد(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)185:‬الثالثة‪ :‬إذا َّ‬
‫تعذرت احلقيق ُة ُيصار إىل املجاز‪:‬‬
‫تعذرت احلقيق ُة أو َّ‬
‫تعّست أو ُهجرت ُيصار إىل املجاز‪.‬‬ ‫إذا َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.146-141‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪290‬‬
‫ُّ‬
‫وتعذر احلقيقة إما بعدم إمكاَّنا أصالً؛ لعدم وجود فرد هلا يف اخلارج‪،‬‬
‫كام لو وقف عىل أوالده‪ ،‬وليس له إال أحفاد‪.‬‬
‫وتعّسها بعدم إمكاَّنا إال بمشقة‪ ،‬كام لو حلف‪ :‬ال يأكل من هذا‬ ‫ُّ‬
‫فإن احلقيق َة وهي األكل من عينها‬
‫لشجرة‪ ،‬أو هذا الّب‪َّ ،‬‬
‫القدر‪ ،‬أو من هذه ا َّ‬
‫ِمكن ٌة لكن بمشقة‪ ،‬ف ُيصار إىل املجاز(‪.)1‬‬
‫الرابعة‪ :‬إذا َّ‬
‫تعذر إعامل الكالم ُُيمل‪:‬‬ ‫(ق‪َّ :)186:‬‬
‫إعامل الكالم بأن كان ال ُيمكن مح ُله عىل معنى حقيقي له‬ ‫ُ‬ ‫إذا َت َع َّذ َر‬
‫َّعذر‪ ،‬أو لتزاحم املتنافيني من احلقائق‬ ‫ِ‬
‫وجوه الت ُّ‬ ‫لتعذر احلقيقة بوجه من‬ ‫ِمكن؛ ُّ‬
‫كذبه ال َّظاهر من‬
‫مرجح‪ ،‬وال عىل معنى جمازي مستعمل‪ ،‬أو كان ُي ِّ‬
‫حتتها وال ِّ‬
‫ِ‬
‫حكمه من نحو العادة‪ ،‬فإنه ُهيمل حينئذ‪ :‬أي ُيلغى وال‬ ‫حس أو ما هو يف‬
‫ٍّ‬
‫ُيعمل به‪.‬‬
‫فإَّنا‬
‫أ َّما تزاحم املتنافيني فكام لو كفل‪ ،‬ومل يعلم أَّنا كفالة نفس أو مال‪َّ ،‬‬
‫ال تصح‪.‬‬
‫وأما تكذيب احلس فكدعوى قتل املورث وهو حي‪ ،‬أو قطع العضو‬
‫كل ذلك ُيلغى وال ُيعتّب وال ُيعمل به وإن ُأقيمت عليه‬
‫وهو قائم‪ ،‬فإن َّ‬
‫البينة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.317‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.320-319‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪291‬‬
‫(ق‪ :)187:‬اخلامسة‪ :‬ذكر بعض ما ال يتجزأ كذكر ك رله‪:‬‬
‫الشيوع كنصفه مث ً‬
‫ال كذكر كله؛ ألنا إذا‬ ‫يتجزأ عىل وجه ُّ‬
‫ذكر بعض ما ال َّ‬
‫مل نقل بذلك‪ ،‬واملوضوع أن املحدَّ َ‬
‫ث عنه ال يتجزأ يلزم إمهال الكالم باملرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫واحلال أن إعامل الكالم ما أمكن إعامله أوىل من إمهاله‪.‬‬

‫تزوجت نص َفك فقبلت‪َّ ،‬‬


‫صح العقد‪.‬‬ ‫فلو قال المرأة‪َّ :‬‬
‫ال طلقت ك ُّلها‪ ،‬أو ط َّلقها نصف طلقة‬
‫ولو ط َّلق ثلث امرأته أو نصفها مث ً‬
‫أو ربع طلقة وقع عليها طلق ٌة كامل ٌة(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)188:‬السادسة‪ :‬املطلق جيري عىل إطالقه ما مل يقم دليل‬
‫التَّقييد نص ًا أو داللة‪:‬‬
‫املطلق‪ :‬ما دل عىل املاهية بال قيد‪ ،‬فيجري عىل إطالقه ما مل يقم دليل‬
‫التقييد نص ًا‪ ،‬أي‪ :‬لفظ ًا‪ ،‬وذلك بأن يكون مقرون ًا بنحو صفة‪ :‬كثوب هروي‬
‫وفرس عريب ونحو ذلك(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)189:‬السابعة‪ :‬الوصف يف احلارض لغو‪:‬‬
‫الّشء احلارض املشار إليه يف املجلس لغو‪ ،‬أي‪ :‬ساقط‬
‫الوصف يف َّ‬
‫االعتبار؛ َّ‬
‫ألن املقصود من الوصف التَّعريف وإزالة االشتباه واالشرتاك‪،‬‬
‫وقد حصل من ذلك باإلشارة إليه ما هو أعىل وأبلغ‪ ،‬فإن اإلشارة تقطع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪ ،321‬ومنافع الدقائق ص‪.320‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.323‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪292‬‬
‫االشرتاك بالكلية والوصف ُيق ِّلله‪ ،‬فإذا وجدت يلغو معها ما هو دوَّنا من‬
‫الوصف الذي ُيقلل االشرتاك وال يقطعه‪.‬‬
‫وهذا إذا كان املشار إليه من جنس املسمى املوصوف‪ ،‬كام لو أراد البائع‬
‫بيع فرس أشهب حارض يف املجلس‪ ،‬وقال يف إُيابه‪ :‬بعتك هذا الفرس‬
‫األدهم‪ ،‬وقبل املشرتي صح البيع ولغا وصف األدهم ملا تقدَّ م‪.‬‬
‫وأما إذا كان من غري جنسه فال عّبة لإلشارة‪ ،‬بل للتَّسمية والوصف‪،‬‬
‫فلو باع فص ًا حارض ًا وأشار إليه عىل أنه ياقوت‪ ،‬فإذا هو زجاج ال ينعقد‬
‫البيع‪.‬‬
‫ولو حلف ال يدخل هذه الدَّ ار فدخلها بعدما اَّندمت وصارت‬
‫وصف فيها‪ ،‬ففي حال اإلشارة‬
‫ٌ‬ ‫صحراء ُينث؛ َّ‬
‫ألن الدَّ ار هي العرصة والبناء‬
‫إليها يلغو الوصف لعدم إفادته‪ ،‬بخالف ما لو حلف ال يدخل دار ًا‪ ،‬فدخل‬
‫دار ًا منهدمة فإ َّنه ال ُينث؛ َّ‬
‫ألَّنا عند عدم اإلشارة من قبيل الغائب فيعتّب‬
‫فيها الوصف(‪.)1‬‬

‫(ق‪ :)190:‬ال َّثامنة‪ُ :‬‬


‫السرال معا ٌد يف اجلواب‬
‫يعني‪َّ :‬‬
‫أن ما قيل يف السؤال املصدق كان املجيب املصدق قد أقر به(‪.)2‬‬
‫فلو قال‪ :‬امرأة زيد طالق‪ ،‬وعليه املّش إىل بيت اهلل تعاىل احلرام إن دخل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ‪.332-331‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬درر احلكام حليدر‪.65 :1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪293‬‬
‫يتضمن إعادة‬
‫َّ‬ ‫هذه الدار‪ ،‬فقال زيد‪ :‬نعم‪ ،‬كان زيدٌ حالف ًا بك ِّله؛ َّ‬
‫ألن اجلواب‬
‫السؤال‪ ،‬ولو قال‪ :‬أجزت ذلك‪ ،‬ومل يقل‪ :‬نعم‪ ،‬فهو مل ُيلف عىل‬
‫ما يف ُّ‬
‫يشء(‪.)1‬‬
‫ولو قيل آلخر‪ :‬ط َّلقت امرأتك؟ أو هل أوصيت بكذا؟ أو هل بعت‬
‫الّشء الفالين من فالن؟ أو هل آجرته دارك مثالً؟ أو قتلت فالن ًا؟ فقال جميبا‬
‫بنعم‪ ،‬فإ َّنه يكون ُمقر ًا بام ُس ِئل عنه‪.‬‬
‫ومثل السؤال غريه من ألفاظ اإلنشاء‪ :‬كام لو قالت له امرأته‪ :‬أنا طالق‪،‬‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬طلقت‪ ،‬أو قال آخر‪ :‬امرأة فالن طالق‪ ،‬وعليه املّش إىل بيت اهلل‬
‫احلرام إن دخل هذه الدار‪ ،‬فقال فالن‪ :‬نعم‪ ،‬كان حالف ًا‪.‬‬
‫ولو قال آلخر‪ :‬ارسج يل دابتي هذه‪ ،‬أو جصص يل داري هذه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬كان إقرار ًا منه بالدابة والدار(‪.)2‬‬
‫السكوت‬ ‫ٍ‬
‫ساكت ٌ‬
‫قول‪ ،‬لكن ُ‬ ‫(ق‪ :)191:‬التَّاسعة‪ :‬ال ينسب إىل‬
‫بيان‪:‬‬
‫يف معرض احلاجة ٌ‬
‫ِ‬
‫احلاجة إىل‬ ‫نسب إىل ساكت قادر عىل التَّك ُّلم «غري كائن يف معرض‬
‫ال ُي ُ‬
‫البيان» قول‪ ،‬يعني‪ :‬أ َّنه ال ُيقال لساكت‪ :‬إ َّنه قال‪ :‬كذا(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األشباه ص‪.128‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.335‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.337‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪294‬‬
‫فلو رأى أجنبي ًا يبيع ماله فسكت‪ ،‬ال يكون سكوته إجازة(‪ ،)1‬بخالف ما‬
‫لو قبضه املشرتي بعد ذلك بحّضته وهو ساكت‪ ،‬فإ َّنه يكون إجازة‪.‬‬
‫ولو رأى غريه يتلف ماله فسكت‪ ،‬ال يكون سكوته إذن ًا بإتالفه‪.‬‬
‫ولو سكتت زوجة العنني‪ ،‬ال يكون سكوهتا رضا ولو أقامت معه‬
‫سنني‪.‬‬
‫ولكن السكوت من القادر عىل التَّك ُّلم «يف معرض احلاجة إىل البيان»‬
‫بيان‪ ،‬بّشط أن يكون هناك داللة من حال املتك ِّلم‪ ،‬أو يكون هناك رضورة‬
‫السكوت فيام يلزم التَّك ُّلم به ٌ‬
‫إقرار وبيان‪.‬‬ ‫والّضر‪ ،‬يعني أن ُّ‬
‫لدفع الغرر َّ‬
‫فسكوت البكر عند استئامر وليها هلا قبل التَّزويج‪ ،‬فإن سكوهتا كرصيح‬
‫الرجال ال عن إظهار عدمها تدل عىل َّ‬
‫أن‬ ‫الرغبة يف ِّ‬ ‫القول؛ َّ‬
‫ألن حالتَها إظهار َّ‬
‫سكوهتا مع إمكان ترصُيها بالرد‪ ،‬وال حياء يمنعها ٌ‬
‫بيان وإفصاح‪.‬‬ ‫َ‬
‫وسكوت املالك عند قبض املوهوب له واملتصدِّ ق عليه واملرهتن‬
‫ِ‬
‫العقد املوضوع‬ ‫إقدام ِه عىل‬
‫ِ‬ ‫إذن؛ َّ‬
‫ألن حالتَه من‬ ‫واملشرتي قبل نقد ال َّثمن ٌ‬
‫حكم ِه‪ ،‬ثم سكوته عند القبض مع قدرته عىل النهي تدل كرصيح‬
‫ِ‬ ‫إلفادة‬
‫القول عىل اإلذن‪.‬‬
‫ولو آجر األرض للزراعة ومل ُي ِّبني ما ُيزرع فيها فالعقد فاسد‪ ،‬فإذا زرع‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪ ،337‬وذخرية الناظر ق‪\194‬أ‪.‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪295‬‬
‫املستأجر فيها وعلم املؤجر بام زرعه وسكت انقلب العقد صحيح ًا ولزمت‬
‫اإلجارة‪ ،‬ومل يبق للمؤجر حق الفسخ‪.‬‬
‫ويستثنى من هذه القاعدة‪:‬‬
‫كل املهر‪ ،‬ومل يشرتطا الدُّ خول‬ ‫الزوجان يف ِ‬
‫عقد النِّكاح تأجيل ِّ‬ ‫لو رشط َّ‬
‫الزوج إىل أن تقبض املهر‬
‫قبل حلول األجل‪ ،‬فللزوجة أن متنع نفسها عن َّ‬
‫الزوج ملا طلب تأجيل كل املهر‪ ،‬فقد‬ ‫استحسان ًا وبه يفتى‪ ،‬وع َّللوه هناك َّ‬
‫بأن َّ‬
‫ريض بإسقاط ح ِّقه يف االستمتاع(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)192:‬العارشة‪ُ :‬‬
‫دليل َّ‬
‫اليشء يف األمور الباطنة يقوم مقامه‪:‬‬
‫وُيعل وجود الدَّ ليل وثبوته بمنزلة وجود املدلول‬
‫ف ُيحال احلكم عليه‪ُ ،‬‬
‫وثبوته‪ ،‬يعني‪ :‬أنه ُُيكم بال َّظاهر وهو الدَّ ليل‪ ،‬فيام يتعّس االطالع عليه‪ ،‬وهو‬
‫األمر الباطني‪.‬‬
‫فلو أن املشرتي إذا اطلع عىل عيب قديم يف املبيع‪ ،‬فداواه أو عرضه‬
‫ال‪ ،‬كان ذلك رض ًا منه بالعيب‪.‬‬
‫للبيع مث ً‬
‫ولو أوجب أحد املتعاقدين فتشاغل اآلخر بام ُّ‬
‫يدل عىل اإلعراض من‬
‫قول أو عمل‪ ،‬بطل اإلُياب‪.‬‬
‫وعرفها كانت أمان ًة عنده ال‬ ‫َ‬
‫امللتقط إذا أشهد حني األخذ َّ‬ ‫ولو َّ‬
‫أن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.341-337‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪296‬‬
‫تضمن‪ ،‬وإال فهي غصب؛ ألن القصد ال يوقف عليه‪.‬‬
‫والقتل العمد فإنه قصد القتل ال يوقف عليه‪ ،‬فأقيم استعامله اآللة‬
‫اجلارحة مقام القصد والتعمد‪.‬‬
‫الزوج كل املهر؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫بالزوجة مقام الوطء يف إلزام َّ‬
‫وإقامتهم اخللوة َّ‬
‫الصحيحة دليل عليه‪ ،‬فأقيمت مقامه‪.‬‬
‫الوط َء ِما ُيفى‪ ،‬واخللوة َّ‬
‫ويستثنى من هذه القاعدة‪:‬‬
‫ما لو أدخلت املرأة حلمة ثدهيا يف فم الرضيع‪ ،‬ومل يدر أدخل اللبن يف‬
‫حلقه أم ال؟ فإ َّنه ال ُيرم(‪ ،)1‬كام سبق‪.‬‬
‫(ق‪ :)193:‬احلادية عرش‪ُ :‬يقبل قول املرتجم مطلق ًا‪:‬‬
‫يقبل قول املرتجم الواحد يف الدَّ عاوى والبينات وما يتعلق هبا مطلق ًا‪،‬‬
‫أي يف أي نوع كان منها‪ ،‬ولو يف احلدود والقود‪.‬‬
‫رشائطه‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون املرتجم يف احلدود والقود رجالً‪ ،‬فلو كان امرأة ال يقبل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون املرتجم مطلق ًا ولو يف غري احلدود عدالً‪ ،‬فلو كان فاسق ًا ال‬
‫ُيقبل‪ ،‬ولو كان أكثر من واحد‪ ،‬وكذا لو كان مستور ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.347-345‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪297‬‬
‫‪ .3‬أن يكون عارف ًا باللغتني‪ :‬املرتجم عنها واملرتجم إليها معرفة كافية؛‬
‫ليكون مأمون اخلطأ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يكون بصري ًا؛ أل َّنه لو كان أعمى ال يؤمن عليه اشتباه النغامت‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يكون احلاكم غري عامل بلغة اخلصوم‪ ،‬فلو كان احلاكم يعلم لغة‬
‫اخلصوم ال يقبل قول املرتجم(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)194:‬القاعدة الثانية‬
‫التابع تابع‬
‫ِ‬
‫كاجللد من‬ ‫فالتَّابع لّشء يف الوجود‪ ،‬بأن كان جزء ًا ِما ُّ‬
‫يّضه التَّبعيض‪:‬‬
‫أقر بخاتم دخل‬
‫وكالفص للخاتم‪ ،‬فلو َّ‬
‫ِّ‬ ‫احليوان‪ ،‬أو كاجلزء وذلك كاجلنني‪،‬‬
‫فصه‪ ،‬أو كان وصف ًا فيه‪ :‬كالشجر والبناء القائمني يف األرض‪ ،‬أو كان من‬
‫ِّ‬
‫رضوراته‪ :‬كال َّطريق للدَّ ار وكالعجول للبقرة احللوب‪ ،‬واملفتاح للقفل‪،‬‬
‫وكاجلفن واحلامئل للسيف‪.‬‬
‫فلو أقر بسيف دخل جفنُه ومحائ ُله‪.‬‬
‫ولو بيع حيوان يف بطنه جنني دخل اجلنني يف البيع تبع ًا‪ ،‬أي ‪ :‬وإن مل‬
‫تابع له يف احلكم(‪.)2‬‬
‫للّشء يف الوجود ٌ‬ ‫يذكر وقت العقد؛ َّ‬
‫ألن التَّابع َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.354-353‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح سليم رستم ‪.39 :1‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪298‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)195:‬األوىل‪ :‬التَّابع ال يفرد باحلكم ما مل يرص مقصود ًا‪:‬‬
‫فاجلنني الذي يف بطن أمه ال يباع منفرد ًا عىل أ ِّمه وال يرهن‪ ،‬وكام ال ُيباع‬
‫الرهن؛ َّ‬
‫ألن ما ال يصح إيراد العقد‬ ‫وال يرهن‪ ،‬ال يستثنى من البيع وال من َّ‬
‫عليه منفرد ًا ال ُّ‬
‫يصح استثناؤه من العقد‪ ،‬ولو استثني فسد البيع ال الرهن‪.‬‬
‫صحت اهلبة‬ ‫ِ‬
‫وكذلك ال يفرد هببة وال يستثنى عن اهلبة‪ ،‬ولو استثني َّ‬
‫وبطل االستثناء‪.‬‬
‫ولو استثني يف الصدقة أو املهر أو النكاح أو بدل اخللع أو بدل‬
‫الصلح عن دم العمد صحت‪ ،‬وبطل االستثناء‪.‬‬
‫ومثل اجلنني يف األحكام املذكورة ُّ‬
‫كل ما كان اتصاله خلقه‪ ،‬كاللبن يف‬
‫والصوف عىل ظهر الغنم‪ ،‬واجللد عىل احليوان‪،‬‬
‫الّضع‪ ،‬واللؤلؤ يف الصدف‪ُّ ،‬‬
‫والنوى يف الثمر‪.‬‬
‫كزوائد املغصوب‬ ‫ِ‬ ‫أما إذا صار التابع مقصود ًا فإ َّنه يفرد باحلكم‪ ،‬وذلك‬
‫يد الغاصب غري مضمونة عليه إال بال َّتعدِّ ي‬ ‫املنفصلة املتو ِّلدة فإَّنا أمان ٌة يف ِ‬
‫َّ‬
‫ألَّنا صارت مقصودةً‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬أو منعها بعد ال َّطلب‪ ،‬فإ َّنه يضمنها حينئذ؛ َّ‬
‫وقد خرج عن هذه القاعدة مسائل‪:‬‬
‫‪ -‬اجلنني يورث‪ ،‬فتكون غرته بني ورثته‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪299‬‬
‫يصح اإليصاء باجلنني‪ ،‬وله إذا ولد ألقل من أقل مدة احلمل وقت‬
‫‪ -‬و ُّ‬
‫الوصية‪.‬‬
‫‪ -‬ولو أبطل املديون األَجل َص َّح‪ُّ ،‬‬
‫وُيل الدَّ ين‪ ،‬مع َّ‬
‫أن األجل صفة له‪،‬‬
‫والصفة تابعة للموصوف(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)196:‬ال َّثانية‪َ :‬من ملك شيئ ًا ملك ما هو من رضوراته‬
‫َمن ملك شيئ ًا أعم من كونه ملك عني أو ترصف ملك ما هو من‬
‫رضوراته‪.‬‬
‫فمثال العني‪ :‬ما لو اشرتى دار ًا مثال ملك الطريق املوصل إليها بدون‬
‫تنصيص عليه‪ ،‬ما مل يكن يف ملك خاص‪.‬‬
‫ال دخل مفتاحه‪ ،‬أو بقرة حلوب ًا ألجل اللبن دخل‬
‫وكذلك لو اشرتى قف ً‬
‫عجوهلا‪.‬‬
‫ومثال الترصف‪ :‬لو عرضه الدالل عىل رب الدكان وتركه عنده‪ ،‬فهرب‬
‫رب الدُّ كان وذهب به‪ ،‬مل يضمن الدَّ الل يف الصحيح؛ أل َّنه أمر ال ُبد منه يف‬
‫البيع‪ ،‬فقد ملك الدالل تركه عند رب الدُّ كان؛ أل َّنه من رضورات البيع وال‬
‫ُبد منه فيه‪ ،‬فكان مأمور ًا به(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪ ،258-257‬ومنافع الدقائق ص‪.315‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.261‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪300‬‬
‫(ق‪ :)197:‬ال َّثالثة‪ :‬إذا سقط األصل سقط الفرع‪:‬‬
‫إذا سقط األصل سقط الفرع وال عكس‪ ،‬فلو أبرأ الدائن األصيل عن‬
‫الدين برئ الكفيل باملال عن الكفالة‪ ،‬بخالف ما إذا أبرأ الكفيل فإنه ال يّبأ‬
‫األصيل‪.‬‬
‫الرهن‪،‬‬
‫ولو أبرأ املرهتن الراهن عن الدَّ ين أو وهبه له سقط ضامن َّ‬
‫رهتنه بال حبسه هيلك أمانة‪ ،‬بخالف ما بعد‬
‫وانقلب أمانة‪ ،‬فإذا هلك يف يد ُم َ‬
‫إيفاء الدين‪ ،‬فإنه مضمون؛ وذلك ألنه باإليفاء مل يسقط الدَّ ين؛ َّ‬
‫ألن الدُّ يون‬
‫تقىض بأمثاهلا‪.‬‬
‫ولو حلف ليقضني دينه غد ًا مثالً‪ ،‬فأبرأه الدَّ ائن عن الدَّ ين قبل ميض‬
‫ب قبل ميض‬
‫فص َّ‬
‫الغد‪ ،‬أو حلف ليّشب َّن ماء هذا الكوز اليوم وكان فيه ماء ُ‬
‫اليوم بطلت اليمني؛ لكون بقائها فرع ًا عن بقاء الدَّ ين وبقاء املاء‪.‬‬
‫وخرج عن هذه القاعدة مسألة سقط فيها األصل ومل يسقط الفرع‪،‬‬
‫وهي‪ :‬ما إذا كفل بنفس املديون‪ ،‬فأبرأه الطالب عن الدين يسقط الدين‪،‬‬
‫وتبقى كفالة النفس فيطالب الكفيل بإحضاره‪ ،‬إال إذا قال الطالب‪ :‬ال حق يل‬
‫قبل املديون فحينئذ يّبأ كفيل النفس(‪.)1‬‬
‫الرابعة‪ :‬إذا بطل َّ‬
‫اليشء بطل ما يف ضمنه‪:‬‬ ‫(ق‪َّ :)198:‬‬
‫املتضمن بطل‬
‫ِّ‬ ‫الّشء بطل ما يف ضمنه‪ ،‬وبمعناه قوهلم‪ :‬إذا بطل‬
‫إذا بطل َّ‬
‫املتضمن‪.‬‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.264-263‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪301‬‬
‫اإلقرار أو اإلبرا ُء‬
‫ُ‬ ‫إنسان آلخر أو أبرأه ولو إبرا ًء عام ًا‪ ،‬وكان‬
‫ٌ‬ ‫أقر‬
‫فلو َّ‬
‫الصلح بوجه ما‪ ،‬بطل‬ ‫مرتتب ًا عىل عقد كبيع أو صلح‪ ،‬ثم انتقض البيع أو ُّ‬
‫يتضمن‬
‫َّ‬ ‫فإن رشاءه منه‬ ‫اإلقرار واإلبراء‪ ،‬وذلك كام إذا اشرتى شيئ ًا من آخر‪َّ ،‬‬
‫املبيع‬
‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫بوجوب ال َّثمن يف ذمته ثم َظ َه َر َّ‬ ‫إقراره له بامللك‪ ،‬أو رشاه منه وأقر له‬
‫تضمنه أو ترتَّب‬
‫َّ‬ ‫مستحق للغري ومل ُيز املستحق البيع بطل البيع‪ ،‬وبطل ما‬
‫ٌّ‬
‫عليه من اإلقرار بامللك‪ ،‬أو بوجوب الثمن‪ ،‬ورجع املشرتي عىل البائع‬
‫بال َّثمن إذا كان دفعه له‪ ،‬وال يمنعه إقراره من ذلك؛ أل َّنه بطل ببطالن البيع‬
‫الذي تضمنه‪.‬‬
‫ولو اشرتى شيئ ًا ِمن ُأكره عىل البيع‪ ،‬وترصف فيه املشرتي ترصف ًا يقبل‬
‫النَّقض‪ ،‬ثم زال اإلكراه‪ ،‬فالبائع له نقض ترصفات املشرتي‪.‬‬
‫الزوج غري مستدانة بأمر القايض‪ ،‬فأبان‬
‫ولو كانت النَّفقة املرتاكمة عىل َّ‬
‫الزوجة أو مات عنها‪َّ ،‬‬
‫فإن النفقة املرتاكمة عليه تسقط عن ذمته؛ أل َّنه ملا بطل‬ ‫َّ‬
‫النِّكاح بطل ما ترتب عليه من النَّفقة‪.‬‬
‫وخرج عن هذه القاعدة مسائل كثِّية‪:‬‬
‫املخرية عىل مال لتختاره‪ ،‬ففعلت واختارت‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬لو صالح الزوج زوجته‬
‫زوجها مل يصح الصلح‪ ،‬ومل يلزم املال وسقط خيارها‪.‬‬
‫‪ -‬ولو اشرتى دار ًا وقبل أن يراها بيعت دار بجانبها فأخذها ُّ‬
‫بالشفعة‪ ،‬ثم‬
‫رد األوىل بخيار الرؤية‪ ،‬تبقى الثانية التي أخذها بالشفعة له‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪302‬‬
‫فإن األجل يسقط‪،‬‬‫‪ -‬ولو كان له عىل آخر دين مؤجل فّشى به منه شيئ ًا‪َّ ،‬‬
‫فإذا تقايال عقد البيع انفسخ البيع‪ ،‬وال يعود األجل وصار دينه حاالً(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)199:‬اخلامسة‪ :‬يغتفر يف التابع ما ال يغتفر يف املتبوع‬
‫يتسامح ويتساهل يف التَّابع‪ ،‬وهو ما اشتمل عليه غريه‪ ،‬سواء كان من‬
‫متضمن ًا له أو من‬‫َ‬ ‫حقوق املتبوع املشتمل أو لوازمه أو عقد ًا أو فسخ ًا‬
‫حقوق عقد متع ِّلق به ما ال يغتفر يف املتبوع‪ ،‬فيغتفر يف التَّابع ما دام تابع ًا ما ال‬
‫ال ومقصود ًا‪.‬‬
‫يغتفر فيه إذا صار متبوع ًا‪ ،‬أي‪ :‬أص ً‬
‫ويقرب من هذا قوهلم قاعدة‪« :‬التابع ال يفرد باحلكم»‪.‬‬
‫زوج فضو ٌّيل امرأةً‪ ،‬ثم أراد الفضويل فسخ النِّكاح فإ َّنه ال ينفسخ‪،‬‬
‫فلو َّ‬
‫فزوجه إياها أو ُأختها‪،‬‬ ‫يزوجه امرأ ًة َّ‬
‫الرجل الفضويل أن ِّ‬ ‫ولكن لو وكل َّ‬
‫انفسخ العقد األول ضمن ًا(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.277-273‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.293-292‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪303‬‬
‫(ق‪ :)200:‬القاعدة الثالثة‪:‬‬
‫ال َب رين ُة عىل املدعي واليمني عىل من أنكر‬
‫وردت القاعدة يف لفظ حديث‪ :‬ابن عباس‪ ،‬قال ‪« :‬لو يعطى‬
‫الناس بدعواهم الدعى رجال أموال قوم ودماءهم‪ ،‬ولك َّن البينة عىل ا ُملدَّ عي‬
‫واليمني عىل َمن أنكر‪ ،)1(»...‬وعنه ‪ ،‬قال ‪« :‬لو يعطى الناس بدعواهم‬
‫ُ‬
‫الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم‪ ،‬ولك َّن اليمني عىل ا ُملدعى عليه»(‪.)2‬‬
‫أن جانب املدعي ضعيف؛ أل َّنه يدَّ عي خالف ال َّظاهر‪،‬‬
‫واحلكمة فيه‪َّ :‬‬
‫الضعيف‪ ،‬واحلُجة القوية‬ ‫فكانت احلُج ُة القوي ُة واجب ٌة عليه؛ َّ‬
‫ليتقوى هبا جانبه َّ‬
‫هي ال َب ِّينة‪.‬‬
‫َ‬
‫األصل عد ُم املدعى به‪ ،‬فاكتفي منه‬ ‫وجانب املدعى عليه قوي؛ َّ‬
‫ألن‬
‫الضعيفة وهي اليمني‪.‬‬
‫باحلجة َّ‬
‫وهذا أصل ال يعدل عنه‪ ،‬حتى لو اصطلح املتخاصامن عىل َّ‬
‫أن املدعي‬
‫لو حلف‪ ،‬فاملدعى عليه ضامن للامل‪ ،‬وحلف املدعي مل يضمن خصمه(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬يف سنن البيهقي الكبري‪ ،252 :1‬قال النووي‪ :‬حديث حسن‪ .‬وينظر‪ :‬تلخيص احلبري‪:4‬‬
‫‪ ،208‬وكشف اخلفاء‪.342 :1‬‬
‫(‪ )2‬يف صحيح مسلم‪ ،1336 :3‬وصحيح البخاري‪.1657 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.369‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪304‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)201:‬األوىل‪:‬الب رينة إلثبات خالف ال َّظاهر‪ ،‬واليمني إلبقاء‬
‫األصل‪:‬‬
‫فالبينة رشعت إلثبات خالف األصل‪ :‬كإضافة احلادث إىل أبعد أوقاته‪،‬‬
‫وكعدم بقاء ما كان‪ ،‬وكوجود الصفات العارضة‪ ،‬وكشغل الذمة‪ ،‬فإن كل‬
‫ذلك خالف األصل‪ ،‬فإن األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‪ ،‬وبقاء ما‬
‫كان عىل ما كان عليه‪ ،‬وعدم وجود الصفات العارضة‪ ،‬وبراءة الذمة‪ ،‬فال‬
‫ُيكم بخالف األصل إال بالبينة‪.‬‬
‫وما كان األصل فيه اخلصوص‪ :‬كالوكالة والعارية‪ ،‬والعموم‪:‬‬
‫كاملضاربة والّشكة‪ ،‬فإ َّنه ال ُيكم يف ٍّ‬
‫كل منها بخالف األصل إال ببينة‪.‬‬
‫واليمني رشعت إلبقاء األصل عىل ما كان عليه من عدم‪ ،‬إن كان‬
‫األصل عدم املتنازع فيه‪ :‬كالصفات العارضة‪ ،‬أو وجود إن كان األصل‬
‫كالصفات األصلية‪.‬‬
‫وجود املتنازع فيه‪ِّ :‬‬
‫فإذا متسك أحد املتخاصمني بام هو األصل وعجز اآلخر عن إقامة‬
‫البينة عىل ما ادعاه من خالفه‪ ،‬يكون القول قول َمن يتمسك باألصل بيمينه‪.‬‬
‫وخرج عن هذه القاعدة مسائل‪:‬‬
‫ُ‬
‫فالقول قول َمن يدَّ عي املرض‪ ،‬وال َب ِّينة‬ ‫الصحة واملرض‬
‫‪ -‬لو اختلف يف ِّ‬
‫عارض واألصل الصحة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫املرض‬
‫ب ِّينة من يدعي الصحة‪ ،‬مع أن َ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪305‬‬
‫‪ -‬ولو اختلف يف العقل واجلنون فالقول قول َمن يدعي اجلنون‪ ،‬والب ِّينة‬
‫ب ِّينة من يدعي العقل‪.‬‬
‫‪ -‬ولو اختلف يف القدم واحلدوث فالقول قول من يدعي القدم‪ ،‬والبينة‬
‫بينة مدعي احلدوث‪.‬‬
‫وإ َّنام خرجت هذه؛ َّ‬
‫ألن مدعي املرض أو اجلنون أو القدم إ َّنام هو يف‬
‫منكر ملا يدَّ عيه املدعي‪ :‬من حق إزالة ما يدعي حدوثه يف األخرية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫احلقيقة‬
‫ومن موجب عقد املريض واملجنون يف الباقي(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)202:‬الثانية‪ :‬ال َّثابت بالربهان كال َّثابت بالعيان‪:‬‬
‫الشخصية العادلة كال َّثابت باملشاهدة‪ ،‬فكام أ َّن‬
‫فاملرا ُد به ال َّثابت بالبينة َّ‬
‫األمر املشاهد بحاسة البرص ال يسع اإلنسان خمالفته‪ ،‬فكذلك ما ثبت بالبينة‬
‫املزكاة ال تسوغ خمالفته؛ ألن البينة كاسمها ُمب ِّينة‪ ،‬فإذا ثبت بالب ِّينة إقرار‬
‫ال‪ُ ،‬يكم عليه بمنزلة ما إذا أقر باحلّضة واملشاهدة‪.‬‬ ‫املدعى عليه باملدعى مث ً‬
‫فلو ثبت الدَّ ين ا ُملدعى أو البيع أو الكفالة أو الغصب أو امللك مثال‬
‫بالبينة‪ ،‬فإ َّنه ُيكم به بمنزلة ما إذا شوهد باحلس(‪.)2‬‬
‫(ق‪ :)203:‬الثالثة‪ :‬الب رينة حجة متعدر ية‪ ،‬واإلقرار حجة قارصة‪:‬‬
‫فالب ِّينة حجة متجاوزة إىل غري من قامت عليه ‪ ،‬وملزمة له ‪ ،‬واإلقرار‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.393-391‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.397‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪306‬‬
‫حجة قارصة عىل نفس املقر‪ ،‬ال تتجاوزه إىل غريه؛ َّ‬
‫ألن كونه حجة يبتنى عىل‬
‫زعمه‪ ،‬وزعمه ليس بحجة عىل غريه‪.‬‬
‫فلو أقر الوارث بدين عىل الرتكة ينفذ إقراره عىل نفسه بقدر حصته‪.‬‬
‫وقريب من لفظ هذه القاعدة‪« :‬البينة حجة ُيب العمل هبا ما أمكن»‪،‬‬
‫كام لو شهد فريقان‪ :‬إن أوىص الثنني بثلث الرتكة فإ َّنه يقسم الثلث بينهام‬
‫نصفني؛ َّ‬
‫ألن البينات من حجج الّشع فيجب العمل هبا ما أمكن‪ ،‬وقد أمكن‬
‫هنا بخالف النكاح؛ أل َّنه ال يقبل االشرتاك‪ ،‬فتسقط الشهادات لعدم إمكانية‬
‫العمل بالشهادة ؛ بسبب عدم قابلية املحل للتنصيف(‪.)1‬‬
‫وخرج عن هذه القاعدة مسائل يتعدى فيها اإلقرار عىل غِّي املقر‪:‬‬
‫فلو أقر املؤجر بدين ال وفاء له إال ببيع العني املأجورة‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلجارة‬
‫تفسخ‪ ،‬ويباع املأجور لوفاء الدَّ ين(‪.)2‬‬
‫ٌ‬
‫مراخذ بإقراره‪:‬‬ ‫املرء‬
‫الرابعة‪ُ :‬‬
‫(ق‪َّ :)204:‬‬
‫ال طائع ًا فيه‪ ،‬ومل يرص مكذب ًا فيه‬
‫املرء مؤاخذ بإقراره إذا كان بالغ ًا عاق ً‬
‫بحكم احلاكم‪ ،‬ومل يكن حماالً من كل وجه عق ً‬
‫ال أو رشع ًا‪ ،‬ومل يكن حمجورا‬
‫عليه‪ ،‬وأن ال يكون ِما يكذبه ظاهر احلال‪ ،‬وأن ال يكون املقر له جمهوال‬
‫جهالة فاحشة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تبيني احلقائق‪.316 :4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.396-391‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪307‬‬
‫‪ -‬فلو أقر صغري ًا أو معتوه ًا أو مكره ًا ال يعتّب إقراره‪.‬‬
‫‪ -‬ولو أقر بالدَّ ين بعد أن قبل إبراء الدائن منه كان باطالً‪.‬‬
‫‪ -‬ولو أقر لزوجته بنفقة مدة ماضية كانت فيها ناشزة‪ ،‬فإ َّنه ال يصح‬
‫إقراره(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)205:‬اخلامسة‪ :‬ال حجة مع التناقض ولكن ال ُيتل معه‬
‫حكم احلاكم‪:‬‬
‫فال تعتّب احلجة وال يعمل هبا مع قيام التناقض فيها‪ ،‬أو يف دعوى‬
‫ا ُملدعي‪ ،‬ولكن إذا وقع التَّناقض يف َّ‬
‫الشهادة بعدما حكم هبا ال ُيتل معه‬
‫حكم احلاكم‪.‬‬
‫الشاهدان عن شهادهتام ال تبقى شهادهتام حجة‪ ،‬لكن لو كان‬ ‫فلو رجع َّ‬
‫القايض حكم بام شهدا به أوالً ال ينتقض حكم ذلك احلاكم‪ ،‬وإ َّنام يلزم عىل‬
‫َّ‬
‫الشاهدين ضامن املحكوم به‪.‬‬
‫والتَّناقض إما أن يكون يف الدَّ عوى فقط‪ ،‬أو يف َّ‬
‫الشهادة فقط‪ ،‬أو بني‬
‫الدَّ عوى َّ‬
‫والشهادة‪.‬‬
‫فإن كان يف الدَّ عوى ترد ابتداء‪ ،‬فال تسمع حتى يمكن التَّوصل إلقامة‬
‫احلجة عليها؛ إال فيام إذا كان التَّناقض يف حمالت اخلفاء‪ ،‬أو فيام إذا وفق‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.402-401‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪308‬‬
‫املدعي بني تناقضه‪ .‬كام لو أقر أحد بأنه استأجر دار ًا ثم ادعى َّأَّنا ملكه‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫دعواه ال تسمع‪ ،‬ولكن إذا وفق كأن قال‪ :‬كنت مستأجر ًا ثم اشرتيتها‪ ،‬تسمع‬
‫دعواه‪.‬‬
‫الشهادة‪ ،‬بأن رجع ُّ‬
‫الشهود‪ ،‬فإ َّنه يشرتط أن يكون‬ ‫وإن كان التَّناقض يف َّ‬
‫رجوعهم يف جملس حاكم‪ ،‬فلو رجعوا خارج جملس احلاكم ال يلتفت إىل‬
‫رجوعهم مطلق ًا‪ ،‬سواء كان قبل احلكم أو بعده‪.‬‬
‫وإن كان التَّناقض يف دعوى املدعي َّ‬
‫والشهادة‪ ،‬كام لو ا َّدعى عىل آخر‬
‫الّشء باإلرث من‬
‫قرض‪ ،‬أو ا َّدعى ملك َّ‬ ‫ألف ًا ثمن مبيع فشهد ُّ‬
‫الشهود بأنه ٌ‬
‫والده فشهدوا أ َّنه ملكه باإلرث من أمه‪ ،‬أو ادعى بألف ذهب ًا‪ ،‬فوافق أحد‬
‫فإن البين َة يف مجيع ذلك‬
‫الشهود وخالف اآلخر‪ ،‬فشهد َّأَّنا فضة ونحو ذلك‪َّ ،‬‬
‫ال تعتّب(‪.)1‬‬
‫السادسة‪ :‬قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت األصل‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)206:‬‬
‫قد يوجد ويبقى الفرع مع عدم وجود األصل‪.‬‬
‫أفادت هذه القاعدة‪ :‬أ َّنه ال تالزم بني األصل والفرع يف الوجود‪:‬‬
‫أما وجود األصل بدون وجود الفرع‪ :‬كاملديون إذا مل يكن له كفيل‪ ،‬فهو‬
‫ظاهر؛ إذ ليس ُّ‬
‫كل أصل له فرع‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.406-405‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪309‬‬
‫وأ َّما وجود الفرع بدون وجود األصل فأمثلته كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫إن لفالن عىل فالن دين ًا وأنا كفيل به‪ ،‬وبناء عىل إنكار‬ ‫‪ -‬لو قال ٌ‬
‫رجل‪َّ :‬‬
‫األصيل ا َّدعى الدَّ ائن عىل الكفيل بالدَّ ين فلزم الكفيل أداؤه‪.‬‬

‫‪ -‬ولو غصب إنسان شيئ ًا فباعه‪َّ ،‬‬


‫ثم تداولته األيدي بالبيع والّشاء‪،‬‬
‫فأجاز املالك أحد العقود جاز ذلك العقد الذي أجازه خاصة‪ ،‬ال ما قبله وال‬
‫ما بعده‪.‬‬
‫الزوج بدل اخللع عىل املرأة فأنكرت‪ ،‬بانت وال يلزم املال‪.‬‬
‫‪ -‬ولو ادعى َّ‬
‫وج غائب يقىض بالنَّفقة ال‬
‫والز ُ‬
‫‪ -‬ولو أقامت املرأة البينة عىل النِّكاح َّ‬
‫بالنِّكاح‪ ،‬كام هو مذهب ُزفر املفتى به(‪.)1‬‬
‫السابعة‪ :‬ال عربة بالظن البني خطره‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)207:‬‬
‫البني خطؤه‪ ،‬بل يلغى وُيعل كأن مل يكن‪،‬‬
‫ال اكرتاث وال مباالة بالظ ِّن ِّ‬
‫سواء أكان اخلطأ ظاهر ًا ومبين ًا للحال‪ ،‬أو كان خفي ًا ثم ظهر بعد(‪ .)2‬ولفظها‬
‫يف «ذخرية الناظر»‪« :‬ال عّبة بالظن املبني خطأوه بيقني»‪.‬‬
‫فمن عليه فوائت‪ ،‬و َظن أن وقت الفجر قد ضاق فصىل الفجر‪ ،‬ثم تبني‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الوقت سع ٌة‬ ‫أنه كان يف الوقت سع ٌة بطل الفجر‪ ،‬فإذا بطل ُينظر‪ :‬فإن كان يف‬
‫صىل الفائتة ثم يعيد الفجر‪ ،‬وإن مل يكن فيه سع ٌة صىل الفجر(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.411-410‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الرزقا ص‪.358‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ذخرية الناظر ق‪\195‬أ‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪310‬‬
‫ولو أقر بال َّطالق بناء عىل إفتاء املفتي له بالوقوع‪ ،‬ثم تبني عدمه مل يقع‬
‫ديانة‪.‬‬
‫ولو َظن َّ‬
‫أن لآلخر عليه دينا فقضاه إياه‪ ،‬ثم تبني له عدمه رجع بام دفع‪.‬‬
‫ولو دفع نفقة فرضها القايض عليه‪ ،‬ثم تَبني عدم وجوهبا رجع هبا(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)208:‬ال َّثامنة‪ :‬ال حجة مع االحتامل‪:‬‬
‫مسموع مع قيام االحتامل وانتصابه عىل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مقبول‪ ،‬وال احتجاج‬ ‫ال برهان‬
‫أن ما قامت عليه احلجة ليس خالي ًا من التهمة‪ ،‬فإن التُّهم َة إذا متكنت من‬
‫َّ‬
‫فعل الفاعل حكم بفساد فعله‪ ،‬لكن هذا يف االحتامل النَّاشئ عن دليل‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألحد ورثته بدين أو عني‪ ،‬فإن كان يف مرض موته ال يصح‬ ‫فلو أقر أحدٌ‬
‫ما مل ُيصدِّ قه باقي الورثة ولو يف حياة املورث‪ ،‬أو ُييزوه بعد موته؛ وذلك‬
‫ألن احتامل كون املريض قصد هبذا اإلقرار حرمان سائر الورثة مستندٌ إىل‬
‫دليل‪ ،‬وهو كونه يف املرض‪.‬‬
‫ولو وكَّل آخر بّشاء يشء فّشاه‪ ،‬ومل ُي ِّبني أنه رشاه لنفسه أو ملوكله‪ ،‬ثم‬
‫بعد أن تلف املشرتى بيده أو حدث به عيب‪ ،‬قال‪ :‬إين كنت رشيته ملوكِّل فال‬
‫ُيصدَّ ق‪.‬‬
‫صحته وانقضت عدهتا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أقر املريض المرأته‪ :‬بأ َّنه كان ط َّلقها يف‬
‫ولو َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الرزقا ص‪.358-357‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪311‬‬
‫أقر هلا بدين‪ ،‬ثم مات فلها األقل من‬
‫وصدقته املرأة‪ ،‬ثم أوىص هلا بوصية‪ ،‬أو َّ‬
‫املرياث‪ ،‬ومبلغ الوصية أو الدين املقر به؛ لدليل احتامل التُّهمة يف إقراره(‪.)1‬‬
‫(ق‪ :)209:‬التَّاسعة‪ :‬ال عربة للتَّوهم‪:‬‬
‫ال اكرتاث بالتَّومهوال يبنى عليه حكم رشعي‪ ،‬بل يعمل بال َّثابت قطع ًا‬
‫أو ظاهر ًا دونه‪.‬‬
‫والتَّوهم‪ :‬هو إدراك الطرف املرجوح من طريف أمر مرتدد فيه‪.‬‬
‫واألمر املوهوم يكون نادر الوقوع‪ ،‬ولذلك ال يعمل يف تأخري حق‬
‫ألن ال َّثابت قطع ًا أو ظاهر ًا ال يؤخر ألمر موهوم‪ ،‬بخالف‬
‫صاحب احلق؛ َّ‬
‫املتو َّقع فإ َّنه كثري الوقوع‪ ،‬فيعمل بتأخري احلكم‪ ،‬كام َّ‬
‫جوزوا للحاكم تأخري‬
‫الصلح بني األقارب‪ ،‬وما ذاك‬
‫احلكم للمدعي بعد استكامل أسبابه؛ لرجاء ُّ‬
‫إال ألنه متو َّقع بخالف غريهم‪.‬‬
‫فلو أثبت الورثة إرثهم بشهود بأن قالوا‪ :‬ال نعلم له وارث ًا غريهم‪،‬‬
‫يقىض هلم‪ ،‬وال عّبة باحتامل ظهور وارث آخر يزمحهم ألنه موهوم‪.‬‬
‫ولو أثبت الغرماء ديوَّنم بشهود بأن قالوا‪ :‬ال نعلم له غري ًام غريهم‪،‬‬
‫فإ َّنه يقىض هلم يف احلال‪ ،‬وال عّبة ملا عساه يظهر من الدُّ يون؛ أل َّنه وهم جمرد‪.‬‬
‫ولو دفع ماله مضارب ًة لرجل جاهل جاز أخذ ربحه ما مل ُيعلم أ َّنه‬
‫اكتسب من احلرام(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.362-361‬‬


‫(‪ )2‬ينتظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.365-363‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪312‬‬
‫(ق‪ :)210:‬القاعدة الرابعة‪:‬‬
‫إذا اجتمع املبارش واملتسبب‬
‫يضاف احلكم إىل املبارش‬
‫الّشء وفاعله بالذات‪ ،‬مع املتسبب وهو‬
‫إن اجتمع املبارش أي‪ :‬عامل َّ‬
‫السبب هو املؤدي إىل‬
‫الّشء‪ ،‬ومل يكن َّ‬
‫الفاعل للسبب املفيض لوقوع ذلك َّ‬
‫السيئة إذا هو مل ُيتبع بفعل فاعل آخر‪ُ ،‬يضاف احلكم الذي يرتتَّب عىل‬
‫النَّتيجة َّ‬
‫الفعل إىل الفاعل املبارش دون املتسبب‪ ،‬وبعبارة أخرص‪« :‬يقدم املبارش يف‬
‫الضامن عن املتسبب»‪ ،‬وتعريف املبارش‪ :‬هو الذي ُيصل التَّلف من فعله‬
‫دون أن يتخ َّلل بينه وبني التَّلف فعل فاعل آخر(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫واألصل يف‬ ‫ف ُيضاف احلكم للمبارش؛ َّ‬
‫ألن الفاعل هو العلة املؤثرة‪،‬‬
‫األحكام أن ُتضاف إىل ع ِّللها املؤثرة ال إىل أسباهبا املوصلة؛ ألن تلك أقوى‬
‫وأقرب؛ إذ املتسبب هو الذي خت َّلل بني فعله واألثر املرتتب عليه من تلف أو‬
‫غريه من ُ‬
‫فعل فاعل خمتار‪ ،‬واملبارش هو الذي ُيصل األثر بفعله من غري أن‬
‫يتخ َّلل بينهام ُ‬
‫فعل فاعل خمتار‪ ،‬فكان أقرب إلضافة احلكم إليه من املتسبب‪.‬‬
‫فلو دل سارق ًا عىل مال إنسان فّسقه‪ ،‬أو دل آخر عىل القتل‪ ،‬أو قطع‬
‫السارق والقاتل وقاطع ال َّطريق‬
‫ال َّطريق‪ ،‬ففعل فال ضامن عىل الدال بل عىل َّ‬
‫أل َّنه املبارش(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬درر احلكام حليدر‪.91 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.448-447‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪313‬‬
‫ولو حفر ٌ‬
‫رجل بئر ًا يف ال َّطريق العام فألقى أحدٌ حيوان ًا يف ذلك البئر‪،‬‬
‫حفر البئر بحدِّ ذاته‬ ‫َض ِمن الذي ألقى احليوان‪ ،‬وال يشء عىل حافر البئر؛ َّ‬
‫ألن َ‬
‫ال يستوجب تلف احليوان‪ ،‬ولو مل ينضم إليه فعل املبارش وهو إلقاء احليوان‬
‫يف البئر» ملا تلف احليوان بحفر البئر فقط(‪.)1‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪:‬‬
‫(ق‪ :)211:‬األوىل‪ُ :‬يضاف الفعل إىل الفاعل ال إىل اآلمر ما مل‬
‫يكن جمرب ًا‪:‬‬
‫الّشع يبحث عن أفعال املك َّلفني‬ ‫ُينسب حكم الفعل إىل الفاعل؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫ال بالغ ًا‪ ،‬ومل‬
‫من حيث أحكامها ال من حيث ذواهتا‪ ،‬و ُيقترص عليه إذا كان عاق ً‬
‫يصح أمر اآلمر يف زعمه؛ ألن الفاعل هو العلة للفعل‪.‬‬
‫َّرصف يف ملك الغري باطل‪،‬‬
‫األمر بالت ُّ‬
‫َ‬ ‫وال ُينسب الفعل إىل اآلمر به؛ َّ‬
‫ألن‬
‫اآلمر قد يكون سبب ًا والفاعل علة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وألن‬ ‫ومتى بطل األمر مل يضمن اآلمر؛‬
‫ألَّنا هي املؤثرة فيها‪ ،‬ال إىل‬
‫واألصل يف املعلوالت أن ُتضاف إىل عللها؛ َّ‬
‫ُ‬
‫واملوصل دون املؤثر‪.‬‬ ‫أسباهبا؛ ألَّنا موصل ٌة إليها يف اجلملة‪،‬‬
‫نسب حكم الفعل إىل الفاعل دون اآلمر ما مل يكن اآلمر مكره ًا‬
‫ثم إ َّنام ُي ُ‬
‫للفاعل عىل الفعل‪ ،‬فإذا كان مكره ًا له عليه‪ ،‬فحينئذ ُتنسب ما ُيمكن نسبته‬
‫ألن الفا َ‬
‫عل باإلكراه صار كاآللة يف يد‬ ‫من حكم الفعل إليه ال إىل الفاعل؛ َّ‬
‫ِ‬
‫املكره‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬درر احلكام حليدر‪.91 :1‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪314‬‬
‫فلو أمر إنسان غريه بإتالف مال أو تعييبه أو بقطع عضو حمرتم أو بقتل‬
‫نفس معصومة ففعل‪ ،‬فالضامن والقصاص عىل الفاعل ال عىل اآلمر‪ ،‬إال إذا‬
‫كان اآلمر جمّب ًا ومكره ًا للفاعل عىل الفعل‪ ،‬فالضامن والقصاص يكونان‬
‫عليه حينئذ إذا كان إكراهه له ملجئ ًا‪ ،‬وال عّبة بغري امللجئ يف مثل هذا أل َّنه‬
‫رصفات الفعلية(‪.)1‬‬
‫من الت ُّ‬
‫ولو قال إنسان آلخر‪ :‬أتلف مال فالن ففعل‪ ،‬كان الضامن عىل املأمور‬
‫بمكر ِه‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫إذا فعل ذلك‪ ،‬حيث مل يكن اآلمر ِ‬
‫جمّب ًا رشع ًا؛ َّ‬
‫ألن اآلمر ليس‬
‫ملزم عىل فعل ما َأمر به من حيث هو آخر‪ ،‬بل هو طالب إليقاع املأمور‪،‬‬
‫وأ َّما حصول الفعل فهو باختيار الفاعل‪ ،‬ف ُيضاف احلكم إىل الفاعل دون‬
‫اآلمر(‪.)2‬‬
‫وخرج عن هذه القاعدة‪:‬‬
‫ما لو كان املأمور أجري ًا خاص ًا لآلمر‪ ،‬فتلف بعمله يشء من غري أن‬
‫ُياوز املعتاد‪ ،‬فالضامن عىل أستاذه اآلمر له‪ ،‬فلو خترق الثوب من دقه‪ ،‬أو‬
‫فالضامن عىل أستاذه اآلمر(‪.)3‬‬
‫السفينة من مدِّ ه‪َّ ،‬‬
‫غرقت َّ‬
‫الضامن‬ ‫(ق‪ :)212:‬الثانية‪ :‬اجلواز َّ‬
‫الرشعي ُينايف َّ‬
‫ال كان أو ترك ًا ُينايف َّ‬
‫الضامن‬ ‫الّشعي وهو كون األمر مباح ًا فع ً‬
‫واجلواز َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.443‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مرآة املجلة‪.50 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.446-443‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪315‬‬
‫ملا حصل بذلك األمر اجلائز من التَّلف‪.‬‬
‫ولكن بّشط‪:‬‬
‫‪.1‬أن ال يكون ذلك األمر اجلائز مق َّيد ًا بّشط السالمة‪.‬‬
‫‪.2‬أن ال يكون عبارة عن إتالف مال الغري ألجل نفسه؛ وذلك َّ‬
‫ألن‬
‫الضامن يستدعي سبق التَّعدي‪ ،‬واجلواز الّشعي يأبى وجوده‪ ،‬فتنافيا‪.‬‬
‫أما إذا كان األمر املباح فع ً‬
‫ال‪ ،‬فهو ما أفادته القاعدة بقوهلا(‪.)1‬‬
‫فمن حفر بئر ًا يف ملكه فوقع فيه حيوان أو ٌ‬
‫رجل وهلك ال يضمن حافر‬ ‫َ‬
‫رضر أو‬
‫ٌ‬ ‫ألن َّ‬
‫كل ما جاز أن يفعله رشع ًا‪ ،‬فإذا ترتب عىل فعله‬ ‫البئر شيئ ًا؛ َّ‬
‫خسار ٌة ال يضمن؛ للمنافاة بني اجلواز الّشعي والضامن(‪.)2‬‬
‫وإ َّنام رشط لعدم الضامن أن ال يكون الفعل اجلائز مقيد ًا بّشط‬
‫السالمة‪ ،‬وأن ال يكون عبارة عن إتالف مال الغري ألجل نفسه؛ ليخرج ما لو‬
‫تلف بمروره بالطريق العام يشء‪ ،‬أو أتلفت دابته بال َّطريق العام شيئ ًا بيدها‬
‫أو فمها وهو راكبها أو سائقها أو قائدها فيضمن؛ َّ‬
‫ألن مروره ذلك وإن كان‬
‫مباح ًا لكنه مقيدٌ بّشط السالمة‪.‬‬
‫وُيرج عن القاعدة‪ :‬املضطر ألكل طعام الغري‪ ،‬فإ َّنه يضمن قيمته(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص ‪.449‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح األتايس‪.251 :1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪. 451-449‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪316‬‬
‫يتعمد‪:‬‬
‫ضامن وإن مل َّ‬
‫ٌ‬ ‫(ق‪ :)213:‬ال َّثالثة‪ :‬املبارش‬
‫يعني َمن أتلف مال غريه بغري وجه رشعي يضمنه مطلق ًا‪ ،‬سواء َّ‬
‫تعمد‬
‫يتعمد‪ ،‬حيث كان مبارش ًا ذلك بنفسه‪َ ،‬‬
‫كمن أتلف مال إنسان‬ ‫ذلك أم مل َّ‬
‫يضمنه(‪.)1‬‬
‫فاملبارش للفعل ضام ٌن ملا تلف بفعله إذا كان متعدي ًا فيه‪ ،‬ويكفي لكونه‬
‫ُ‬
‫متعدي ًا أن يتصل فع ُله يف غري ملكه بام ال مسوغ له فيه‪ ،‬سواء كان نفس الفعل‬
‫سائغ ًا‪ ،‬أو غري سائغ‪ ،‬كام لو أراد رضب معصوم فأصاب آخر نظريه‪ ،‬فيضمن‬
‫يتعمد اإلتالف؛ ألن اخلطأ يرفع عنه إثم مبارشة اإلتالف‪ ،‬وال‬
‫حينئذ وإن مل َّ‬
‫يرفع عنه ضامن املتلف بعد أن كان متعدِّ ي ًا؛ وألن املبارش َة عل ٌة صاحل ٌة وسبب‬
‫َّعمد أن يكون عذر ًا مسقط ًا للحكم‪،‬‬
‫مستقل لإلتالف‪ ،‬فال يصلح عدم الت ُّ‬
‫الضامن عن املبارش املتعدي‪.‬‬
‫وهو َّ‬
‫إنسان َ‬
‫مال غريه‬ ‫ٌ‬ ‫فلو زلق إنسان فوقع عىل مال آخر فأتلفه‪ ،‬أو أتلف‬
‫الصورتني‪.‬‬
‫يظنُّه مال نفسه‪ ،‬فإنه يضمن يف ُّ‬
‫ولو طرق احلداد احلديدة املحامة فطار رشرها‪ ،‬فأحرق ثوب إنسان مار‬
‫يف ال َّطريق ضمنه احلداد‪.‬‬
‫الصغري ولوال يعقل أص ً‬
‫ال»عىل مال لغريه فأتلفه‪،‬‬ ‫ولو انقلب النائم أو َّ‬
‫أو شخص فقتله‪ ،‬فإ َّنه يضمن(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مرآة املجلة ‪.52 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.454-453‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪317‬‬
‫الرابعة‪ :‬املتسبب ال يضمن إال بالتَّعمد‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)314:‬‬
‫للّضر‪ ،‬وهو‪ :‬فاعل ما ُيفيض و ُيوصل إليه ال يضمن ما أفىض‬
‫املتسبب َّ‬
‫الّضر؛ ألنه بانفراده ال يصلح علة مستقلة لإلتالف إال إذا‬
‫إليه عمله من َّ‬
‫كان متعدِّ ي ًا‪ ،‬ويكفي يف كونه متعدي ًا أن يتصل فعله يف غري ملكه‪ ،‬بام ال مسوغ‬
‫له‪.‬‬
‫الح‬
‫الص َ‬
‫بب َّ‬
‫الس َ‬
‫احلكم ال ُيضاف إىل َّ‬
‫َ‬ ‫عمد؛ أل َّن‬
‫وكان فعله مقرون ًا بالت ُّ‬
‫َّعمد‪ :‬أن يقصد بالفعل األثر املرتتِّب عليه‪.‬‬ ‫إال بالقصد‪ ،‬يعني بالت ُّ‬
‫وال يشرتط أن يقصد أيضا ما يرتتب عىل ذلك األثر‪ .‬مثالً‪ :‬لو رمى‬
‫بالبندقية‪ ،‬فخافت الدَّ ابة فندَّ ت وأتلفت شيئ ًا‪ ،‬فإ َّنه يشرتط لصريورته ضامن ًا‬
‫أن يكون قصد اإلخافة فقط‪ ،‬وال يشرتط لصريورته ضامن ًا أكثر من ذلك؛‬
‫بأن يكون قصد اإلخافة ألجل اإلتالف‪ ،‬كام أ َّنه يكفي لتضمينه بسوقها أن‬
‫بالسوق أثره املرتتب عليه‪ ،‬وهو سريها‪ ،‬وال يشرتط أن يكون‬
‫يكون قصد َّ‬
‫قصد سريها لتتلف‪.‬‬
‫السكني إىل صبي فوقعت من يده فجرحته‪ ،‬أو حفر يف غري ما‬
‫فلو دفع ِّ‬
‫له حق احلفر فيه‪ ،‬فتدهور يف حفرته حيوان فهلك‪ ،‬أو سقى أرضه سقي ًا غري‬
‫الصور كلها؛ لتعديه وتعمده(‪.)1‬‬
‫معتاد فأرض بجاره ضمن يف ُّ‬
‫ولو وضع س ًام يف بيته فأكله إنسان‪ ،‬فامت به ال يضمنه‪ ،‬بخالف ما لو‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪. 456-455‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪318‬‬
‫صبه يف حلقه كره ًا فامت‪ ،‬فإ َّنه يضمن ديته(‪.)1‬‬
‫َّرصف يف ملك الغِّي باطل‪:‬‬
‫(ق‪ :)215:‬اخلامسة‪ :‬األمر بالت ُ‬
‫َّرصف يف ملك غري اآلمر ال حكم له‪ ،‬إذا كان املأمور عاق ً‬
‫ال‬ ‫األمر بالت ُّ‬
‫بالغ ًا ومل يكن اآلمر جمّب ًا للمأمور‪ ،‬ومل يصح أمر اآلمر يف زعم املأمور‪،‬‬
‫وتكون العهدة فيه حينئذ عىل املأمور املترصف؛ أل َّنه العلة املؤ ِّثرة واآلمر‬
‫سبب‪.‬‬
‫واألصل اإلضافة إىل العلل املؤ ِّثرة ال إىل األسباب املفضية املوصلة؛‬
‫َّ‬
‫وألن أمر اآلمر إذا كان كذلك ال ُياوز أن يكون مشورةً‪ ،‬وهي غري ملزمة‬
‫للمأمور‪ ،‬وال تصلح مستند ًا له لتّبير عمله‪.‬‬
‫فلو ُأخّب أ َّنه ويص امليت‪ ،‬فلم يضع يده عىل َّ‬
‫الرتكة‪ ،‬ولكن أمر املخّب أن‬
‫يعمل هبا بطريق املضاربة‪ ،‬ففعل وضاع املال‪ ،‬ثم مل تثبت وصايته‪ ،‬فالذي‬
‫عمل باملال ضامن؛ لعدم صحة أمر اآلمر‪ ،‬وعدم نفاذه يف ملك الغري‪ ،‬وال‬
‫يضمن اآلمر؛ أل َّنه مل يضع يده عىل املال(‪.)2‬‬

‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مرآة املجلة ‪.52 :1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رشح الزرقا ص‪.460-459‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪319‬‬

‫مناقشة الفصل الثالث‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أجب عن األسئلة اآلتية مع الرشح الوايف‪:‬‬
‫وضح‬
‫‪.1‬قاعدة‪ :‬األمور بمقاصدها جتري يف كثري من األبواب الفقهية ِّ‬
‫ذلك‪ ،‬ثم عدد مستثنيات هذه القاعدة‪.‬‬
‫‪.2‬من القواعد اخلمس الكّبى‪ :‬اليقني ال يزول بالشك ‪ُ ،‬اذكر فروع هلذا‬
‫القاعدة ومستثنيات هلا‪.‬‬
‫وضح املراد باملشقة اجلالبة للتَّيسري يف قاعدة‪ :‬املشقة جتلب التَّيسري مع‬
‫‪ِّ .3‬‬
‫بيان أنواعها‪.‬‬
‫وضح املراد من الّضر والّضار يف قاعدة‪ :‬ال رضر وال رضار ‪.‬‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫‪.5‬قاعدة‪ :‬العادة حمكمة هلا أصل من قول صحايب جليل اذكره‪.‬‬
‫وضح املقصود بقاعدة‪ :‬التابع تابع مع ذكر فروع هلا‪.‬‬
‫‪ِّ .6‬‬
‫‪.7‬اذكر لفظ احلديث النبوي الّشيف الذي ورد فيه لفظ قاعدة‪ :‬ال َب ِّين ُة عىل‬
‫املدعي واليمني عىل َمن أنكر ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ارشح املقصود من كل قاعدة مما ييل‪ ،‬مع بيان القاعدة الكربي أو‬
‫الوسطى التي تتعلق هبا‪ ،‬ثم اذكر فروع ًا هلا‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا َّ‬
‫تعذر إعامل الكالم ُهيمل‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪320‬‬
‫‪ .2‬األيامن مبنية عىل األلفاظ ال عىل األغراض‪.‬‬
‫‪ .3‬ال ُينكر تغري األحكام بتغري األزمان‪.‬‬
‫‪ .4‬ال َّثابت بالّبهان كال َّثابت بالعيان‪.‬‬
‫‪ .5‬الكتاب كاخلطاب‪.‬‬
‫‪ .6‬ال حجة مع االحتامل‪.‬‬
‫السكوت يف معرض احلاجة ٌ‬
‫بيان‪.‬‬ ‫‪ .7‬ال ينسب إىل ساكت ٌ‬
‫قول‪ ،‬لكن ُّ‬
‫بالّضر األَخف‪.‬‬
‫الّض ُر األشدُ ُيزال َّ‬
‫‪َّ .8‬‬
‫يتعمد‪.‬‬
‫‪ .9‬املبارش ضام ٌن وإن مل َّ‬
‫‪ .10‬ما جاز لعذر بطل بزواله‪.‬‬
‫‪َ .11‬من ملك شيئ ًا ملك ما هو من رضوراته‪.‬‬
‫‪ .12‬إذا ضاق األمر اتسع‪.‬‬
‫االضطرار ال يبطل حق الغري‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪.13‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪321‬‬

‫املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬أثر احلديث الّشيف يف اختالف األئمة الفقهاء ‪ :‬ملحمد عوامة‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1418 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬االختيار لتعليل املختار‪ :‬لعبد اهلل بن حممود املوصِّل (ت‪683‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬زهري عثامن‪ ،‬دار‬
‫األرقم‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .3‬إدرار الّشوق عىل أنوار الفروق؛ لّساج الدِّ ين قاسم بن عبد اهلل األنصارى املالكي املعروف‬
‫بابن الشاط (ت‪ 723‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬خليل منصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1418 ،‬هـ‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .4‬إسعاد املفتي عىل رشح عقود رسم املفتي ملحمد أمني ابن عابدين‪ :‬للدكتور صالح أبو احلاج‪،‬‬
‫دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلسعاف يف أحكام األوقاف‪ :‬إلبراهيم بن موسى الطرابلس‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور صالح أبو‬
‫احلاج‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬ط‪2015 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬أسنى املطالب رشح روضة الطالب‪ :‬أليب ُييى زكريا األنصاري الشافعي (‪926-823‬هـ)‪،‬‬
‫دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .7‬األشباه والنظائر‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد مطيع‬
‫احلافظ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ .8‬األشباه والنظائر‪ :‬لتاج الدين السبكي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬األشباه والنظائر‪ :‬جلالل الدين السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬األصل ملحمد بن احلسن الشياين (ت‪189‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬حممد بوينوكالن‪ ،‬وزارة األوقاف‬
‫القطرية‪ ،‬ط‪2012 :1‬م‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪322‬‬
‫‪ .11‬أصول اإلفتاء وآدابه‪ :‬ملحمد تقي الدين العثامين‪ ،‬طبعة مكتبة معارف القرآن‪ ،‬كراتّش‪،‬‬
‫باكستان‪1432 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .12‬أصول البزدوي‪ :‬لعِّل بن حممد بن حسني البزدوي (‪482-400‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مطبوع مع رشحه كشف األرسار‪.‬‬
‫‪ .13‬أصول الّسخس‪ :‬ملحمد بن أمحد الّسخس (ت ‪590‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬أبو الوفاء األفغاين‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪1342 .‬هـ‪.‬‬
‫‪ .14‬أصول الفقه اإلسالمي‪ :‬لشاكر بك احلنبِّل‪ ،‬اعتنى به رفعت نارص‪ ،‬املكتبة املكية‪ ،‬مكة‬
‫املكرمة‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬أصول الفقه للمبتدئني‪ :‬ملحمد أنور بدخشاين‪ ،‬مكتبة اإليامن‪ ،‬كراتّش‪ ،‬ط‪.1420 ،1‬‬
‫‪ .16‬أصول الفقه‪ :‬ملحمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .17‬البحر الرائق رشح َكنْز الدقائق‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .18‬البحر املحيط يف أصول الفقه‪ :‬ملحمد بن هبادر الزركّش (ت‪794‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور عمر‬
‫األشقر‪ ،‬ط‪1989 ،1‬م‪ ،‬الكويت‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتبي‪.‬‬
‫‪ .19‬بدائع الصنائع يف ترتيب الّشائع‪ :‬أليب بكر بن مسعود الكاساين (ت‪587‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ .‬ط‪1402 ،2‬هـ‪ ،‬وأيض ًا‪ :‬طبعة دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .20‬البناية يف رشح اهلداية‪ :‬أليب حممد حممود بن أمحد ال َع ْينِي بدر الدين (‪855-762‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬ط‪1980 ،1‬مـ‪.‬‬
‫‪ .21‬تاريخ جرجان‪ :‬حلمزة بن يوسف اجلرجاين (ت‪345‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور حممد عبد معيد‬
‫خان‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1401 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ .22‬تأسيس النظر‪ :‬لعبيد اهلل بن عمر الدبويس‪ ،‬أبو زيد (ت‪430‬هـ)‪ ،‬طبع يف املطبعة األدبية‪،‬‬
‫مرص‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪323‬‬
‫‪ .23‬تبييض الصحيفة يف مناقب اإلمام أيب حنيفة‪ :‬لعبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي جالل‬
‫الدين (‪911-849‬هـ)‪ ،‬دار إحياء العلوم‪ ،‬ضمن الرسائل التسعة له‪.‬‬
‫‪ .24‬تبيني احلقائق رشح َكنْز الدقائق‪ :‬لعثامن بن عِّل الزيلعي فخر الدين (ت‪743‬هـ)‪ ،‬املطبعة‬
‫األمريية‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1313 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .25‬التحرير يف أصول الفقه‪ :‬ملحمد بن عبد الواحد بن عبد احلميد السكندري السيوايس كامل‬
‫الدين الشهري بـ(ابن اهلامم)(‪861-790‬هـ)‪ ،‬مطبعة احللبي‪1351 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .26‬ختريج أحاديث اإلحياء للعراقي وابن السبكي والزبيدي‪ :‬مجع حممود احلداد‪ ،‬دار العاصمة‬
‫للنّش‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .27‬ترتيب الآللئ لناظر زاده الاللئ ملحمد بن سليامن الشهري بناظر زاده‪ ،‬ت‪ :‬خالد آل سليامن‪،‬‬
‫مكتبة الرشد‪1425 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .28‬ترتيب املدارك وتقريب املسالك‪ :‬أليب الفضل القايض عياض بن موسى اليحصبي (ت‪:‬‬
‫‪544‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬ابن تاويت الطنجي ورفقائه‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة فضالة ‪ -‬املحمدية‪ ،‬املغرب‪.‬‬
‫‪ .29‬تسهيل الوصول إىل علم األصول‪ :‬ملحمد عبد الرمحن املحالوي‪ ،‬مطبعة مصطفى البايب‬
‫احللبي‪ ،‬مرص‪1341 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .30‬تشنيف املسامع بجمع اجلوامع ملحمد بن عبد اهلل بن هبادر الزركّش (ت‪794‬هـ)‪،‬ت‪ :‬سيد‬
‫عبد العزيز وآخرون‪ ،‬مكتبة قرطبة‪1418 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،1‬مرص‪.‬‬
‫‪ .31‬التعريفات‪ :‬للسيد الّشيف عِّل بن حممد بن عِّل السيد الزين أيب احلسن احلسيني اجلُ ْرجاين‬
‫احلَن َِفي (‪ ،)816-740‬مطبعة مصطفى البايب‪1938 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬تعليم املتعلم طريق التعلم‪ :‬لّبهان اإلسالم الزرنوجي‪ ،‬ت‪ :‬عبد اجلليل عطا‪ ،‬دار النعامن‪،‬‬
‫ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .33‬التقرير والتحبري رشح التحرير‪ :‬أليب عبد اهلل‪ ،‬حممد بن حممد احلَ َلبِي احلنفي شمس الدين‬
‫املعروف بـ(ابن أمري احلاج)(‪879-825‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1996 ،1‬مـ‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪324‬‬
‫الرافِ ِعي الكبري‪ :‬ألمحد بن عِّل ابن حجر ال َع ْس َقالين‬
‫‪ .34‬تلخيص احلبري يف ختريج أحاديث َّ‬
‫(‪852-773‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬السيد عبد اهلل هاشم‪ ،‬املدينة املنورة‪1384 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .35‬التهذيب يف اختصار املدونة‪ :‬خللف بن أيب القاسم حممد األزدي القريواين (ت‪372 :‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬الدكتور حممد األمني ولد حممد سامل بن الشيخ‪ ،‬دار البحوث للدراسات اإلسالمية‬
‫وإحياء الرتاث‪ ،‬ديب‪ ،‬ط‪ 1423 ،1‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬تيسري التحرير‪ :‬ملحمد أمني بن حممود البخاري املعروف بأمري بادشاه احلنفي (ت‪:‬‬
‫‪972‬هـ)‪ ،‬دار الفكر – بريوت‪.‬‬
‫‪ .37‬جامع بيان العلم‪ :‬ليوسف بن عبد الّب (ت‪463‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ .38‬جامع مسانيد أيب حنيفة‪ :‬أليب املؤيد حممد بن حممود اخلوارزمي (‪665-593‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .39‬اجلوهر النقي عىل سنن البيهقي‪ :‬أليب احلسن عالء الدين عِّل بن عثامن بن إبراهيم بن‬
‫مصطفى املارديني الشهري بـ(ابن الرتكامين)(ت‪750‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .40‬اجلوهرة النرية رشح خمترص القدوري‪ :‬أليب بكر بن عِّل بن حممد احلدَّ ِ‬
‫ادي (‪-720‬‬ ‫َ‬
‫‪800‬هـ)‪ ،‬املطبعة اخلريية‪ ،‬ط‪1322 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .41‬حاشية البيجرمي‪ :‬لسليامن بن عمر البيجرمي‪ ،‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬ديار بكر‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫‪ .42‬حاشية الرهاوي عىل رشح املنار‪ :‬ليحيى الرهاوي‪ ،‬مطبعة عثامنية‪ ،‬در سعادت‪1315 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .43‬حاشية ال َّط ْح َطاوي عىل مراقي الفالح‪ :‬ألمحد بن حممد ال َّط ْح َط ِ‬
‫اوي احلنفي (ت‪1231‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬حممد عبد العزيز اخلالدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .44‬حاشية العطار عىل رشح املحِّل عىل مجع اجلوامع‪ :‬حلسن بن حممد بن حممود العطار‬
‫(ت‪569‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .45‬حاشية حتفة املحتاج‪ :‬ألمحد بن قاسم العبادي (ت‪992‬هـ)‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪325‬‬
‫‪ .46‬احلجة عىل أهل املدينة‪ :‬ملحمد بن احلسن الشييباين (ت‪ ،)189‬ت‪ :‬مهدي الكيالين‬
‫القادري‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬مصورة عن طبعة جلنة إحياء املعارف النعامنية‪.‬‬
‫‪ .47‬حسن الدراية ألواخر رشح الوقاية‪ :‬للمولوي حممد عبد العزيز‪ ،‬املطبع اليوسفي‪،‬‬
‫‪1323‬هـ‪.‬‬
‫‪ .48‬اخلراج‪ :‬ليحيى بن ادم‪ ،‬املطبعة السلفية ومكتبتها‪ ،‬ط‪1384 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .49‬الدر املختار رشح تنوير األبصار‪ :‬ملحمد بن عِّل بن حممد احلصكفي احلنفي‬
‫(ت‪1088‬هـ)‪ ،‬مطبوع يف حاشية َرد ا ُمل ْحتَار‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .50‬درر احلكام رشح جملة األحكام‪ :‬لعِّل حيدر‪ ،‬تعريب‪ :‬املحامي فهمي احلسيني‪ ،‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الرياض‪ ،‬طبعة خاصة‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ .51‬ذخرية الناظر يف األشبه والنظائر لعِّل بن عبد اهلل الطوري املرصي احلنفي‪ ،‬من خمطوطات‬
‫األزهر‪.‬‬
‫‪ .52‬الذخرية‪ :‬أليب العباس شهاب الدين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن املالكي الشهري بالقرايف‬
‫(ت ‪684‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد حجي‪ ،‬وآخرون‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .53‬رد املحتار عىل الدر املختار‪ :‬ملحمد أمني بن عمر ابن عابدين احلنفي (‪1252-1198‬هـ)‪،‬‬
‫دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .54‬سبيل الوصول إىل علم األصول‪ :‬للدكتور صالح أبو احلاج‪ ،‬دار الفاروق‪ ،‬عامن‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ .55‬سنن ابن ماجه‪ :‬ملحمد بن يزيد بن ماجه القزويني (‪273-207‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .56‬سنن أيب داود‪ :‬لسليامن بن أشعث السجستاين (‪275-202‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد حميي الدين عبد‬
‫احلميد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪326‬‬
‫‪ .57‬سنن ال َب ْي َه ِقي الكبري‪ :‬ألمحد بن احلسني بن عِّل البَ ْي َه ِقي (ت‪458‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .58‬سنن الرتمذي‪ :‬ملحمد بن عيسى الرتمذي (‪279-209‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬أمحد شاكر وآخرون‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .59‬سنن الدَّ َار ُق ْطنِي‪ :‬أليب احلسن عِّل بن عمر الدَّ َار ُق ْطنِي (‪385-306‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬السيد عبد اهلل‬
‫هاشم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1386 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .60‬السنن الصغرى‪ :‬ألمحد بن حسني البيهقي(ت‪458‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور حممد ضياء الرمحن‬
‫األعظمي‪ ،‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .61‬سنن الن ََّسائي الكّبى‪ :‬ألمحد بن شعيب الن ََّس ِائي (ت‪303‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور عبد الغفار‬
‫البنداوي وسيد كّسوي حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .62‬رشح اجلامع الصغري لعبد احلي اللكنوي (ت‪1304‬هـ)‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .63‬رشح الزيادات حلسن بن منصور األوزجندي‪ ،‬قايض خان‪( ،‬ت ‪592‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬قاسم‬
‫أرشف‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ .‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1426 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .64‬رشح السري الكبري‪ :‬ملحمد بن أمحد الّسخس (ت ‪590‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور صالح املنجد‪،‬‬
‫مطبعة رشكة اإلعالنات الّشقية‪1971 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .65‬رشح القواعد الفقهية‪ :‬ألمحد الزرقاء‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور عبد الستار أبو غدة‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .66‬رشح الكوكب املنري‪ :‬ملحمد ابن النجار احلنبِّل (ت‪972‬هـ)‪ ،‬مطبعة السنة املحمدية‪.‬‬
‫‪ .67‬رشح املجلة لسليم رستم باز اللبناين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1304 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .68‬رشح املجلة ملحمد خالد اآلتايس‪ ،‬طبع يف محص سنة ‪1349‬هـ ـ ‪1930‬م‪.‬‬
‫‪ .69‬رشح املجلة ملحمد سعيد املحاسني‪ ،‬مطبع الرتقي بدمشق‪1346 ،‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪327‬‬
‫‪ .70‬رشح املنار‪ :‬لعبد اللطيف بن عبد العزيز الكرماين ابن ملك (ت‪801‬هـ)‪ ،‬املطبعة العثامنية‬
‫يف دار اخلالفة‪1316 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .71‬رشح تنقيح الفصول؛ ألمحد بن إدريس بن عبد الرمحن املالكي الشهري بالقرايف (‪684‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬طه عبد الروؤف‪ ،‬رشكة الطباعة الفنية املتجددة‪1393 ،‬هـ‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .72‬رشح مجع اجلوامع جلالل الدين املحِّل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .73‬رشح معاين اآلثار‪ :‬ألمحد بن حممد بن سالمة ال َّط َحاوي (‪321-229‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد‬
‫زهري النجار‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1399 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .74‬صحيح ابن ح َّبان برتتيب ابن بلبان‪ :‬ملحمد بن ِح َّبان التميمي (‪354‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬شعيب‬
‫األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .75‬صحيح البخاري‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن إسامعيل اجلعفي ال ُب َخ ِاري (‪256-194‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫الدكتور مصطفى البغا‪ ،‬دار ابن كثري والياممة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ .76‬صحيح مسلم‪ :‬ملسلم بن احلجاج ال ُق َش ْريي النَّيْ َسابوري (ت‪261‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .77‬عقد اجلامن يف مناقب اإلمام األعظم أيب حنيفة النعامن‪ :‬ملحمد بن يوسف الصاحلي‬
‫(ت‪942‬هـ)‪ ،‬مكتبة اإليامن‪ ،‬املدينة املنورة‪.‬‬
‫‪ .78‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪ :‬أليب حممد حممود بن أمحد ال َع ْينِي بدر الدين (‪-762‬‬
‫‪855‬هـ)‪ ،‬مصورة عن الطبعة املنريية‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .79‬العناية عىل اهلداية‪ :‬ألكمل الدين حممد بن حممد الرومي ال َبا َب ْريت (ت‪786‬هـ)‪ ،‬هبامش فتح‬
‫القدير للعاجز الفقري ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .80‬العني‪ :‬أليب عبد الرمحن اخلليل بن أمحد الفراهيدي (‪ ،)175-100‬ت‪ :‬الدكتور َم ْه ِدي‬
‫ا َْمل ْخ ُز ِ‬
‫ومي والدكتور إِبر ِ‬
‫اهيم السامرائي‪ ،‬دار الرشيد‪ ،‬بغداد‪1980 ،‬م‪.‬‬ ‫َْ‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪328‬‬
‫‪ .81‬غاية الوصول يف رشح لب األصول‪ :‬لزكريا بن حممد األنصاري (ت‪926‬هـ)‪ ،‬طبعة‬
‫مصطفى البايب احللبي‪.‬‬
‫‪ .82‬غمز عيون البصائر عىل األشباه والنظائر‪ :‬ألمحد بن حممد احلموي (ت‪1098‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الطباعة العامرة‪ ،‬مرص‪1290 ،‬هـ‪.‬‬
‫وز َجن ِْدي‬
‫‪ .83‬الفتاوى اخلانية (فتاوى قايض خان)‪ :‬حل َسن بن َمن ُْصور بن َحم ْ ُمود األُ ْ‬
‫(ت‪592‬هـ)‪ ،‬مطبوعة هبامش الفتاوي اهلندية‪ ،‬املطبعة األمريية ببوالق‪ ،‬مرص‪1310 ،‬هـ‪.‬‬
‫الر ْم ِِّل احلَنَفي (‪1081-993‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫‪ .84‬الفتاوي اخلريية لنفع الّبية‪ :‬خلري الدين بن أمحد َّ‬
‫املعرفة‪ ،‬ط‪1974 ،2‬مـ‪ ،‬أعيدة باألوفست عن الطبعة األمريية‪1300 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .85‬فتح العِّل املالك يف الفتوى عىل مذهب اإلمام مالك‪ :‬ملحمد بن أمحد عليش‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ .86‬فتح العناية بّشح النقاية‪ :‬أليب احلسن عِّل بن سلطان حممد القاري اهلروي (‪-930‬‬
‫‪114‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد نزار وهيثم نزار‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .87‬فتح الغفار بّشح املنار‪ :‬إلبراهيم ابن نجيم املرصي زين الدين (ت‪970‬هـ)‪ ،‬مطبعة‬
‫مصطفى البايب احللبي‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪1355 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .88‬الفروق‪ :‬ألسعد بن حممد الكرابيس‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬حممد طموم‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ .89‬فضائل الصحابة‪ :‬أليب عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل (ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬ويص اهلل‬
‫حممد عباس‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ .90‬الفقيه واملتفقه‪ :‬ألمحد بن عِّل اخلطيب (ت‪463‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1395‬هـ‪.‬‬
‫‪ .91‬فواتح الرمحوت بّشح ُم َس َّلم ال ُّثبُوت‪ :‬ل َع ْبد العِّل ُحم َ َّمد بن نظام الدِّ ين األَن َْص ِاري‪ ،‬دار‬
‫العلوم احلديثة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪329‬‬
‫‪ .92‬الفوائد البهية يف القواعد الفقهية‪ :‬ملحمود أفندي احلمزاوي‪ ،‬مطبعة حبيب أفندي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1298‬هـ‪.‬‬
‫‪ .93‬الفوائد املكية فيام ُيتاج طلبة الشافعية من املسائل والضوابط والقواعد الكلية‪ :‬للسيد‬
‫علوي بن حممد السقاف‪ ،‬طبعة مصطفى احللبي‪.‬‬
‫‪ .94‬قرة عني األخيار لتكملة رد املحتار عىل «الدر املختار رشح تنوير األبصار»‪ :‬لعالء الدين‬
‫حممد بن حممد أمني ابن عابدين احلسيني الدمشقي (ت‪1306 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫حممد عبد احلليم ال َّل ْكن َِوي (ت‪1285‬هـ)‪،‬‬
‫‪ .95‬قمر األقامر عىل كشف األرسار عىل املنار‪َّ :‬‬
‫املطبعة األمريية ببوالق‪1316 ،‬هـ‪.‬‬
‫الز ِ‬
‫اهدي (ت‪658‬هـ)‪ ،‬من خمطوطات مكتبة وزارة األوقاف‬ ‫‪ .96‬قنية املنية‪ :‬ملختار بن حممود َّ‬
‫العراقية‪ ،‬برقم (‪.)7434‬‬
‫‪ .97‬قواعد الفقه‪ :‬ملحمد عميم اإلحسان املجددي الّبكني‪ ،‬الصدف ببلّش‪ ،‬كراتّش‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .98‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة‪ :‬ملحمد مصطفى الزحيِّل‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ .99‬القواعد الفقهية‪ :‬لعِّل أمحد الندوي‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪1420 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪ .100‬القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الّشيعة اإلسالمية‪ :‬ملحمد عثامن شبري‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪1428 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،2‬عامن‪.‬‬
‫‪ .101‬القواعد‪ :‬لعبد الرمحن بن أمحد ابن رجب احلنبِّل (ت‪795‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ .102‬الكامل يف التاريخ‪ :‬لعِّل بن حممد ابن األثري اجلزري (ت‪630‬هـ)‪ ،‬دار الكتاب العريب‪.‬‬
‫‪ .103‬كتاب اخلراج‪ :‬أليب يوسف يعقوب بن إبراهيم (ت‪182‬هـ)‪ ،‬املطبعة األمريية ببوالق‪،‬‬
‫ط‪1302 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .104‬كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ :‬ملحمد بن عِّل التهانوي تويف بعد (‪1158‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫الدكتور عِّل دحروج‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬نارشون‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪330‬‬
‫‪ .105‬كشف األرسار رشح أصول ال َب ْز َدوي‪ :‬لعبد العزيز بن أمحد البخاري احلنفي عالء الدين‬
‫(ت‪730‬هـ)‪ ،‬طبعة دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .106‬كشف اخلفاء ومزيل اإللباس عام اشتهر من األحاديث‪ :‬إلسامعيل بن حممد العجلوين‬
‫(ت‪1162‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬أمحد القالش‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1405 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ .107‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ :‬ملصطفى بن عبد اهلل القسطنطيني احلنفي‬
‫(‪ ،)1067-1017‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .108‬لسان العرب‪ :‬أليب الفضل حممد بن مكرم اإلفريقي املرصي املشهور بـ(ابن‬
‫منظور)(ت‪711‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬ع ْبد اهلل الكبري وحممد حسب اهلل وهاشم الشاذيل‪ ،‬دار املعارف‪.‬‬
‫‪ .109‬ملحات النظر يف سرية اإلمام زفر‪ :‬ملحمد زاهد الكوثري‪ ،‬املكتبة األزهرية للرتاث‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .110‬املبسوط‪ :‬أليب بكر حممد بن أيب سهل الّسخس توىف بحدود (‪500‬هـ)‪1406 ،‬هـ‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .111‬املجتبى من السنن‪ :‬أليب عبد اهلل أمحد بن شعيب النسائي (‪ ،)303-215‬ت‪ :‬عبد الفتاح‬
‫أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .112‬جملة األحكام العدلية‪ :‬جلنة مكونة من عدة علامء وفقهاء يف اخلالفة العثامنية‪ ،‬ت‪ :‬نجيب‬
‫ِ‬
‫جتارت كتب‪ ،‬آرام باغ‪ ،‬كراتّش‪.‬‬ ‫هواويني‪ ،‬نور حممد‪ ،‬كارخانه‬
‫الرومي املعروف بـ(شيخِ‬ ‫محن ِ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫بن حممد ُّ‬ ‫‪ .113‬جممع األَّنر رشح ملتقى األبحر‪ :‬لعبد َّ‬
‫زاده)(ت ‪1078‬هـ)‪ ،‬دار الطباعة العامرة‪1316 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .114‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ :‬لعِّل بن أيب بكر اهليثمي (ت‪807‬هـ)‪ ،‬دار الريان للرتاث‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪ ،‬ودار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .115‬جممع الضامنات‪ :‬لغانم بن حممد البغدادي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫الشافِ ِعي(‪-631‬‬
‫‪ .116‬املجموع رشح املهذب‪ :‬أليب زكريا حميي الدين ُييى بن رشف الن ََّو ِوي َّ‬
‫‪676‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممود مطرحي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪331‬‬
‫‪ .117‬املحيط الّبهاين يف الفقه النعامين‪ :‬أليب املعايل برهان الدين حممود بن أمحد ابن َم َاز َة‬
‫البخاري (ت‪616 :‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عبد الكريم سامي اجلندي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪ 1424 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .118‬خمتار الصحاح‪ :‬ملحمد بن أيب بكر بن عبد القادر الرازي (ت‪ ،)666‬ت‪ :‬محزة فتح اهلل‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .119‬املدخل الفقهي العام‪ :‬ملصطفى أمحد الزرقاء‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1387 ،10‬هـ‪.‬‬
‫‪ .120‬املدخل اىل دراسة الّشيعة للدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬مكتبة القدس‪،‬‬
‫ط‪1410 ،11‬هـ‪.‬‬
‫‪ .121‬املدخل اىل دراسة الفقه وأصوله للدكتور صالح أبو احلاج وآخرون‪ ،‬جامعة آل البيت‪،‬‬
‫خمطوط‪.‬‬
‫‪ .122‬املدخل‪ :‬ملحمد العبدري املالكي الفايس ابن احلاج (ت‪737‬هـ)‪ ،‬دار الرتاث‪.‬‬
‫‪ .123‬مرآة األصول يف رشح مرقاة الوصول‪ :‬ملحمد بن فرا ُموز بن عِّل مال خّسو (ت‪885‬هـ)‪،‬‬
‫مطبعة احلاج حمرم أفندي البوسنوي‪1291 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .124‬مرآة املجلة‪ :‬ليوسف آصاف‪ ،‬املطبعة العمومية‪ ،‬مرص‪1894 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .125‬مراسيل أيب داود‪ :‬لسليامن بن أشعث السجستاين (ت‪275‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب‬
‫األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .126‬املستدرك عىل الصحيحني‪ :‬ملحمد بن عبد اهلل احلاكم (ت‪405‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى عبد‬
‫القادر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .127‬املستصفى من علم األصول‪ :‬أليب حامد حممد بن حممد بن حممد الغزايل (‪-450‬‬
‫‪505‬هـ)‪ ،‬دار العلوم احلديثة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .128‬مسند ابن اجلعد‪ :‬أليب احلسن عِّل بن اجلعد اجلوهري (ت‪230‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عامر أمحد‬
‫حيدر‪ ،‬مؤسسة نادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪332‬‬
‫‪ .129‬مسند أيب حنيفة رواية احلصكفي‪ :‬أليب حنيفة النعامن‪ ،‬ت‪ :‬عبد الرمحن حممود‪.‬‬
‫‪ .130‬مسند أيب داود الطيالس‪ :‬لسليامن بن داود (ت‪204‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .131‬مسند أيب عوانة‪ :‬ليعقوب بن إسحاق االسفرائيني أيب عوانة (ت‪216‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬أيمن بن‬
‫عارف‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .132‬مسند أمحد بن حنبل‪ :‬ألمحد بن حنبل (‪241-164‬هـ)‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .133‬مسند احلميدي‪ :‬لعبد اهلل بن الزبري احلميدي (ت‪219‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬حبيب الرمحن‬
‫األعظمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ودار املتنبي‪ ،‬بريوت‪ ،‬والقاهرة‪.‬‬
‫‪ .134‬مسند الشهاب‪ :‬أليب عبد اهلل حممد بن سالمة ال ُق َضاعي (ت‪454‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬محدي السلفي‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .135‬املصباح املنري يف غريب الّشح الكبري‪ :‬ألمحد بن عِّل الفيومي (ت‪770‬هـ)‪ ،‬املطبعة‬
‫األمريية‪ ،‬ط‪1909 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .136‬املصنف يف األحاديث واآلثار‪ :‬لعبد اهلل بن حممد بن أيب َش ْيبَ َة (‪235-159‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬كامل‬
‫احلوت‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .137‬املصنف‪ :‬لعبد الرزاق بن مهام الصنعاين (‪211-126‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حبيب الرمحن األعظمي‪،‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .138‬معجم أيب يعىل‪ :‬ألمحد بن عِّل بن املثنى املوصِّل (‪307-210‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬إرشاد احلق‪،‬‬
‫إدارة العلوم األثرية‪ ،‬فيض آباد‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .139‬املعجم األوسط‪ :‬للحافظ أيب القاسم سليامن بن أمحد الطّباين (‪360-260‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫طارق بن عوض اهلل‪ ،‬دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫ّب ِاين (ت‪360‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عمر شكور حممود‪ ،‬املكتب‬
‫‪ .140‬املعجم الصغري‪ :‬لسليامن بن أمحد ال َّط َ َ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دار عامر‪ ،‬بريوت‪ ،‬عامن‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪333‬‬
‫‪ .141‬املعجم الكبري‪ :‬أليب القاسم سليامن بن أمحد ال َّط َ َ‬
‫ّباين (‪360-260‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬محدي‬
‫السلفي‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املوصل‪ ،‬ط‪1404 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ .142‬معجم شيوخ أيب بكر اإلسامعيِّل‪ :‬ألمحد بن إبراهيم اإلسامعيِّل (‪371-277‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫زياد حممد‪ ،‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .143‬معجم مفردات ألفاظ ال ُق ْرآن‪ :‬للعالمة أيب القاسم بن حممد بن املفضل املعروف‬
‫بـ(الراغب األصفهاين) (‪502‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬نديم مرعشِّل‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .144‬معجم مقاييس اللغة‪ :‬ألمحد بن فارس بن زكريا (ت‪395‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم هارون‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ّس ْو ِجردي اخلراساين‪ ،‬أبو‬
‫‪ .145‬معرفة السنن واآلثار‪ :‬ألمحد بن احلسني بن عِّل بن موسى اخلُ ْ َ‬
‫بكر البيهقي (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عبد املعطي أمني قلعجي‪ ،‬جامعة الدراسات اإلسالمية‬
‫(كراتّش ‪ -‬باكستان)‪ ،‬دار قتيبة (دمشق ‪-‬بريوت)‪ ،‬دار الوعي (حلب ‪ -‬دمشق)‪ ،‬دار‬
‫الوفاء (املنصورة ‪ -‬القاهرة)‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ .146‬مغني املحتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج‪ :‬ملحمد اخلطيب الّشبيني (ت‪977‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫‪ .147‬املفصل يف القواعد الفقهية‪ :‬للدكتور يعقوب بن عبد اهلل الباحسني‪ ،‬دار التدمرية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1432‬هـ‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .148‬املقاصد‪ :‬البن عاشور‪ ،‬دار الكتاب اللبناين للطباعة والنّش‪.‬‬
‫‪ .149‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬للعالمة عبد الرمحن بن حممد بن خلدون األشبيِّل (ت‪808‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫ابن خلدون‪.‬‬
‫‪ .150‬مقدمة نصب الراية‪ :‬ملحمد زاهد بن احلسن الكوثري (ت‪1371‬هـ)‪ ،‬ضمن مقدمات‬
‫الكوثري‪ ،‬دار الثريا‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪334‬‬
‫‪ .151‬منافع الدقائق رشح جمامع احلقائق‪ :‬ملصطفى ُك ْو َزل َحصاري (ت‪1215‬هـ)‪ ،‬دار الطباعة‬
‫العامرة‪1308 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .152‬املنتقى من السنن املسندة‪ :‬لعبد اهلل بن عِّل بن اجلارود (ت‪307‬هـ)‪ ،‬مؤسسة الكتاب‬
‫الثقافية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .153‬املنثور يف القواعد الفقهية‪ :‬أليب عبد اهلل بدر الدين حممد بن عبد اهلل بن هبادر الزركّش‬
‫(ت‪794‬هـ)‪ ،‬وزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬ط‪1405 ،2‬ه ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ .154‬منحة اخلالق عىل البحر الرائق‪ :‬ملحمد أمني بن عمر ابن عابدين احلنفي (‪-1198‬‬
‫‪1252‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ .155‬منحة السلوك يف رشح حتفة امللوك‪ :‬أليب حممد حممود بن أمحد ال َع ْينِي بدر الدين (‪-762‬‬
‫‪855‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد فاروق البدري‪ ،‬بإرشاف‪ :‬د‪ .‬حميي هالل الّسحان‪ ،‬رسالة ماجستري‪،‬‬
‫جامعة بغداد‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .156‬املنهاج القويم عىل املقدمة احلّضمية‪ :‬ألمحد بن عِّل بن حجر املكي اهليتمي الشافعي‬
‫(‪974-909‬هـ)‪ ،‬ط‪1358 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ .157‬املوافقات‪ :‬إلبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطبي (ت‪790‬ه)‪،‬‬
‫ت‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلامن‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪1417 ،2‬ه ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ .158‬موسوعة القواعد‪ :‬ملحمد صدقي آل بورنو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ .159‬موطأ مالك‪ :‬ملالك بن أنس األصبحي (‪179-93‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .160‬موطأ حممد‪ :‬ملحمد بن احلسني الشيباين (ت‪189‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور تقي الدين الندوي‪،‬‬
‫دار السنة والسرية‪ ،‬بومباي‪ ،‬ودار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1991 ،1‬مـ‪.‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪335‬‬
‫‪ .161‬ميزان األصول يف نتائج العقول يف أصول الفقه‪ :‬ملحمد بن أمحد السمرقندي‬
‫(ت‪539‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬الدكتور عبد امللك السعدي‪ ،‬طباعة وزارة األوقاف العراقية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ .162‬نّش العرف يف بناء بعض األحكام عىل العرف‪ :‬ملحمد أمني ابن عابدين احلنفي‪ ،‬مسودة‬
‫مصفوفة ومصححة ومعلق عليها عن املطبوعة القديمة (دار الفكر)‪ ،‬اعتنى هبا وعلق‬
‫عليها الدكتور صالح أبو احلاج‪.‬‬
‫الز ْي َل ِعي (ت‪762‬هـ)‪ ،‬ت‪:‬‬
‫‪ .163‬نصب الراية يف ختريج أحاديث اهلداية‪ :‬لعبد اهلل بن يوسف َّ‬
‫حممد يوسف البنوري‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬مرص‪1357 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .164‬نفع املفتي والسائل بجمع متفرقات املسائل‪ :‬لعبد احلي اللكنوي (‪1304-1264‬هـ)‪،‬‬
‫ت‪ :‬الدكتور صالح حممد أبو احلاج‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪2001 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .165‬النكت يف املسائل املختلف فيها من مسائل الصيام إىل َّناية مسائل الفرائض (‪:)2‬‬
‫إلبراهيم الشريازي (ت‪467‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬عيسى أمحد الفالحي‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪َّ .166‬ناية السول يف رشح منهاج األصول‪ ،‬لآلسنوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪َّ .167‬ناية الوصول إىل علم األصول املعروف ببديع النظام اجلامع بني كتاب البزدوي‬
‫واألحكام ألمحد بن عِّل بن تغلب بن الساعايت (ت‪694‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬سعد السلمي‪ ،‬جامعة‬
‫أم القرى‪ ،‬السعودية‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .168‬اهلداية رشح بداية املبتدي‪ :‬أليب احلسن عِّل بن أيب بكر املرغيناين (ت‪593‬هـ)‪ ،‬مطبعة‬
‫مصطفى البايب‪ ،‬الطبعة األخرية‪ ،‬بدون تاريخ طبع‪.‬‬
‫‪ .169‬اهلداية عىل مذهب االمام امحد‬
‫‪ .170‬هدية العارفني ‪ :‬إلسامعيل باشا البغدادي (ت‪1339‬هـ)‪ ،‬دار الفكر ‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪336‬‬
‫‪ .171‬الوايف يف رشح االخسيكثي حلسني بن عِّل السغناقي‪( ،‬ت‪714‬هـ)‪ ،‬ت‪ :‬أمحد اليامين‪ ،‬دار‬
‫القاهرة‪ ،1423 ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ .172‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقة الكلية‪ :‬ملحمد صدقي آل بورنو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪1416 ،4‬هـ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪337‬‬

‫فهرس املوضوعات‪:‬‬
‫املقدمة‪7 .......................................................................... :‬‬

‫متهيد يف مقدمات عامة‪17 ..........................................................:‬‬

‫أوالً‪ :‬ترادف القاعدة والضابط واألصل يف االستعامل الفقهي‪17 ................. :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬القواعد الفقهية متثل أصول البناء يف االستعامل الفقهي‪19 .................. :‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬إطالق الفقهاء القواعد الفقهية عىل أصول االستنباط وأصول البناء وأصول‬

‫التطبيق‪33 ...................................................................... :‬‬

‫راجع إىل االختالف يف األصول ال َّثالثة‪ :‬االستنباط والبناء‬


‫ٌ‬ ‫اختالف الفقهاء‬
‫ُ‬ ‫رابع ًا‪:‬‬

‫والتَّطبيق‪38 .................................................................... .‬‬

‫الفصل األول ‪43 ...................................................................‬‬

‫التعريفات واحلجية واملصادر ‪43 ....................................................‬‬

‫للقواعد «أصول البناء» ‪43 ..........................................................‬‬

‫أهداف الفصل األول‪43 ........................................................ :‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪338‬‬
‫املبحث األول‪45 .................................................................‬‬

‫التعريفات ‪45 ....................................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التَّعريف اإلضايف وتوابعه‪45 .................................. :‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف الوصفي‪55 ...........................................:‬‬

‫املطلب ال َّث ُ‬
‫الث‪ :‬ركن القاعدة ورشوطها «أصل البناء»‪58 ...................... :‬‬ ‫ُ‬

‫أوالً‪ :‬ركن القاعدة «أصل البناء» له طرفان‪58 ...............................:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬رشوط القاعدة‪59 ....................................................:‬‬

‫املبحث الثاين ‪61 .................................................................‬‬

‫عالقة القواعد «أصول البناء» ‪61 .................................................‬‬

‫بالنظرية والقاعدة األصولية واملقاصدية ‪61 .......................................‬‬

‫ِ‬
‫والقاعدة األُصولية‪61 ............... :‬‬ ‫ِ‬
‫القاعدة الفقهية‬ ‫املطلب األَ َّول‪ :‬ا ُ‬
‫لفرق بني‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الفرق بني القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية‪65 .................. :‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املقاصد الّشعية والقواعد الفقهية‪66 ......................... :‬‬

‫املبحث الثالث ‪71 ................................................................‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪339‬‬
‫أمهية القواعد «أصول البناء» ‪71 ..................................................‬‬

‫وكيفية تكوينها وحجيتها‪71 ......................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬أمهية القواعد «أصول البناء»‪71 ................................:‬‬


‫ُ‬

‫املطلب الثاين‪ :‬كيفية تكوين القواعد الفقهية‪74 ................................ :‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬حجية القواعد الفقهية‪84 ..................................... :‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬مصادر القواعد «أصول البناء» ‪89 ..............................‬‬

‫أوالً‪ :‬مصادر القواعد «أصول البناء» عند املجتهد املطلق‪90 ................. :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬مصدر القواعد «أصول البناء» عند املجتهد يف املذهب‪105 ............ :‬‬

‫الفصل الثاين ‪111 ..................................................................‬‬

‫نشأت القواعد «أصول البناء» ‪111 .................................................‬‬

‫وتدوينها وتطورها ‪111 ............................................................‬‬

‫أهداف الفصل الثاين‪111 ....................................................... :‬‬

‫متهيد‪113 ...................................................................... :‬‬

‫املبحث األول‪117 ...............................................................‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪340‬‬
‫عناية احلنفية بالقواعد‪117 .......................................................‬‬

‫«أصول البناء»‪ ،‬وأمثلتها ‪117 ....................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬القواعد يف عرص االجتهاد املطلق‪117 ......................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬أبو يوسف (ت‪182‬هـ) يف «اخلراج»‪117 ............................ :‬‬

‫ثاني ًا‪َّ :‬‬


‫الشيباين (ت‪189‬هـ) يف كتاب «األصل»‪ ،‬وكتاب و«احلجة»‪119 ......:‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬القواعد يف عرص االجتهاد املنتسب‪123 ........................:‬‬

‫أوالً‪ :‬أبو طاهر الدَّ باس والقواعد‪127 ......................................:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬الكَرخي والقواعد‪128 .............................................. :‬‬

‫بويس والقواعد‪136 .............................................. :‬‬


‫ُّ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الدَّ‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القواعد يف عرص املجتهدين يف املذهب‪144 ................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬الكاساين (ت‪ 587‬هـ) يف «بدائع الصنائع»‪145 ...................... :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬قايض خان (ت‪592‬هـ) يف «رشح الزيادات»‪147 .................... :‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬احلصريي (ت‪636‬هـ) يف «التحرير رشح اجلامع الكبري»‪150 ......... :‬‬

‫الرابع‪ :‬األشباه والنظائر البن نجيم (ت‪970‬هـ) ورشوحها‪157 .......:‬‬


‫املطلب َّ‬
‫ُ‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪341‬‬
‫أوالً‪ :‬وصف كتاب األشباه‪158 ............................................:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬القواعد الكّبى التي ذكرها ابن نجيم‪ ،‬هي‪159 .......................:‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬القواعد األقل اتساع ًا عند ابن نجيم‪ ،‬هي‪162 ........................ :‬‬

‫رابع ًا‪ :‬مكانة األشباه والنظائر‪169 ..........................................:‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬كتب املتأخرين والقواعد‪176 ............................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬ناظر زاده يف «ترتيب الآللئ يف سلك األمايل»‪176 .................... :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬اخلادمي (ت‪1176‬هـ) يف خامتة «جمامع احلقائق»‪179 .................:‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الطوري (ت‪1004‬هـ) يف «ذخرية الناظر يف األشباه والنظائر»‪186 ... :‬‬

‫رابع ًا‪« :‬جملة األحكام العدلية العثامنية»‪188 .................................:‬‬

‫خامس ًا‪ :‬احلسيني (ت‪ 1305‬هـ)يف «الفرائد البهية يف القواعد الفقهية»‪194 ..:‬‬

‫سادس ًا‪ :‬املجددي (ت‪1975‬م) يف «القواعد الفقه»‪199 .....................:‬‬

‫سابع ًا‪ :‬مصطفى الزرقا (ت‪1999‬م) يف «املدخل الفقهي العام»‪202 ........ :‬‬

‫املبحث الثاين عناية املالكية والشافعية واحلنابلة بالقواعد «أصول البناء» ‪209 ......‬‬

‫املطلب األول‪ :‬كتب القواعد عند املالكية‪211 ................................ :‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪342‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬كتب القواعد عند الشافعية‪215 ................................:‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬كتب القواعد عند احلنابلة‪221 ................................:‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬كتب القواعد عند املعارصين‪223 ............................. :‬‬

‫مناقشة الفصل الثاين‪227 ....................................................... :‬‬

‫الفصل الثالث‪231 .................................................................‬‬

‫القواعد اخلمس الكّبى والوسطى‪231 .............................................‬‬

‫أهداف الفصل الثالث‪231 ..................................................... :‬‬

‫املبحث األول‪233 ...............................................................‬‬

‫القواعد الكّبى ومتعلقاهتا‪233 ..................................................‬‬

‫(ق‪ :)140:‬القاعدة األوىل ‪233 .............................................‬‬

‫األمور بمقاصدها ‪233 .....................................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪236 ....................................... :‬‬

‫(ق‪ :)141:‬األوىل‪ :‬العّبة يف العقود للمقاصد واملعاين‪ ،‬ال لأللفاظ واملباين‪:‬‬

‫‪236 .....................................................................‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪343‬‬
‫الثانية‪ :‬ال ثواب إال بالنية ‪ ،‬وسبق ذكرها عند «أشباه» ابن نجيم‪239 ...... .‬‬

‫(ق‪ :)142:‬الثالثة‪ :‬األيامن مبنية عىل األلفاظ ال عىل األغراض ‪239 .......‬‬

‫(ق‪ :)143:‬الرابعة‪ :‬العام ُُيص وال ُيزاد‪240 ............................:‬‬

‫اخلامسة‪ :‬اليمني عىل نية املست َْحلِف‪241 ...................................‬‬

‫(ق‪ :)144:‬القاعدة الثانية ‪241 .............................................‬‬

‫اليقني ال يزول بالشك ‪241 .................................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪244 ....................................... :‬‬

‫(ق‪ :)145:‬األوىل‪ :‬األصل بقاء ما كان عىل ما كان‪244 .................. :‬‬

‫(ق‪ :)146:‬الثانية‪ :‬األصل براءة الذمة‪246 .............................. :‬‬

‫الصفات العارضة العدم‪251 ............. :‬‬


‫(ق‪ :)147:‬الثالثة‪ :‬األصل يف ِّ‬

‫(ق‪ :)148:‬الرابعة‪ :‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‪254 ......... :‬‬

‫(ق‪ :)149:‬اخلامسة‪ :‬القديم يرتك عىل قدمه‪256 ........................ :‬‬

‫الّضر ال يكون قدي ًام‪257 ......................... :‬‬


‫السادسة‪َّ :‬‬
‫(ق‪َّ :)150:‬‬

‫(ق‪ :)151:‬القاعدة الثالثة املشقة جتلب التَّيسري‪260 ..........................‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪344‬‬
‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪262 ....................................... :‬‬

‫(ق‪ :)152:‬األوىل‪ :‬إذا ضاق األمر اتسع‪262 ............................ :‬‬

‫(ق‪ :)153:‬الثانية‪ :‬الّضورات تبيح املحظورات‪263 .................... :‬‬

‫(ق‪ :)154:‬الثالثة‪ :‬الّضورات تقدر بقدرها‪263 ........................ :‬‬

‫الرابعة‪ :‬ما جاز لعذر بطل بزواله‪264 ....................... :‬‬


‫(ق‪َّ :)155:‬‬

‫(ق‪ :)156:‬اخلامسة‪ :‬إذا زال املانع عاد املمنوع‪265 ...................... :‬‬

‫الّضورة ‪266 ...................‬‬


‫السادسة‪ :‬احلاجة ُتنزل منزلة َّ‬
‫(ق‪َّ :)157:‬‬

‫االضطرار ال يبطل حق الغري‪269 .................. :‬‬


‫ُ‬ ‫السابعة‪:‬‬
‫(ق‪َّ :)158:‬‬

‫(ق‪ :)159:‬الثامنة‪ :‬إذا بطل األصل ُيصار إىل البدل‪270 ................. :‬‬

‫(ق‪ :)160:‬القاعدة الرابعة‪270 ........................................... :‬‬

‫ال رضر وال رضار ‪270 .....................................................‬‬

‫القواعدُ املتعلق ُة هبذه القاعدة‪272 ....................................... :‬‬

‫الّض ُر ُيزال‪272 .................................... :‬‬


‫(ق‪ :)161:‬األوىل‪َّ :‬‬

‫الّضر ال ُيزال بمثلِه ‪272 .............................‬‬


‫(ق‪ :)162:‬ال َّثانية‪َّ :‬‬
‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪345‬‬
‫الّضر العام ‪272 .........‬‬
‫الّضر اخلاص لدفع َّ‬
‫يتحمل َّ‬
‫َّ‬ ‫(ق‪ :)163:‬ال َّثالثة‪:‬‬

‫بالّضر األَخف‪273 ............. :‬‬ ‫(ق‪ :)164:‬الرابع ُة‪َّ :‬‬


‫الّض ُر األشدُ ُيزال َّ‬

‫السادسة‪ُ :‬يتار أهون الّشين‪275 ........................... :‬‬


‫(ق‪َّ :)166:‬‬

‫السابعة‪ :‬در ُء املفاسد أوىل من جلب املصالح‪275 ............ :‬‬


‫(ق‪َّ :)167:‬‬

‫(ق‪ :)168:‬ال َّثامنة‪َّ :‬‬


‫الّضر يدفع بقدر اإلمكان‪275 ..................... :‬‬

‫(ق‪ :)170:‬القاعدة اخلامسة ‪276 ...........................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪277 ....................................... :‬‬

‫(ق‪ :)171:‬األوىل‪ :‬استعامل الناس حجة ُيب العمل هبا‪277 ............ :‬‬

‫(ق‪ :)172:‬الثانية‪ :‬املمتنع عادة كاملمتنع حقيقة‪278 ..................... :‬‬

‫(ق‪ :)173:‬ال َّثالثة‪ :‬ال ُينكر تغري األحكام بتغري األزمان‪278 ............. :‬‬

‫الرابعة‪ :‬احلقيقة ترتك بداللة العادة ‪279 .......................‬‬


‫(ق‪َّ :)174:‬‬

‫(ق‪ :)175:‬اخلامسة‪ :‬تعتّب العادة إذا اطردت أو غلبت‪280 .............. :‬‬

‫السادسة‪ :‬العّبة للغالب الشائع ال للنَّادر‪280 ............... :‬‬


‫(ق‪َّ :)176:‬‬

‫(ق‪ :)177:‬السابعة‪ :‬املعروف عرف ًا كاملّشوط رشط ًا‪281 ................ :‬‬


‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪346‬‬
‫املعروف بني التُّجار كاملّشوط بينهم‪282 ............ :‬‬
‫ُ‬ ‫(ق‪ :)178:‬الثامنة‪:‬‬

‫(ق‪ :)179:‬التَّاسعة‪:‬التَّعيني بالعرف كالتَّعيني بالنَّص ‪283 .................‬‬

‫(ق‪ :)180:‬العارشة‪ :‬الكتاب كاخلطاب‪283 .............................:‬‬

‫(ق‪ :)181:‬احلادية عّش‪ :‬اإلشارة املعهودة لألخرس كالبيان باللسان‪284 :‬‬

‫املبحث الثاين ‪285 ...............................................................‬‬

‫القواعد الوسطى ومتعلقاهتا‪285 .................................................‬‬

‫(ق‪ :)182:‬القاعدة األوىل‪285 ................................................‬‬

‫إعامل الكالم أوىل من إمهاله ‪285 ..............................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪286 .......................................... :‬‬

‫(ق‪ :)183:‬األوىل‪ :‬األصل يف الكالم احلقيقة‪286 .......................... :‬‬

‫(ق‪ :)184:‬الثانية‪ :‬ال عّبة بالدَّ اللة يف مقابلة التَّرصيح‪288 .................:‬‬

‫تعذرت احلقيق ُة ُيصار إىل املجاز‪289 .................:‬‬


‫(ق‪ :)185:‬الثالثة‪ :‬إذا َّ‬

‫الرابعة‪ :‬إذا َّ‬


‫تعذر إعامل الكالم ُهيمل‪290 .......................:‬‬ ‫(ق‪َّ :)186:‬‬

‫(ق‪ :)187:‬اخلامسة‪ :‬ذكر بعض ما ال يتجزأ كذكر ك ِّله‪291 ................. :‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪347‬‬
‫(ق‪ :)188:‬السادسة‪ :‬املطلق ُيري عىل إطالقه ما مل يقم دليل التَّقييد نص ًا أو‬

‫داللة‪291 ................................................................. :‬‬

‫(ق‪ :)189:‬السابعة‪ :‬الوصف يف احلارض لغو‪291 .......................... :‬‬

‫(ق‪ :)190:‬ال َّثامنة‪ُّ :‬‬


‫السؤال معا ٌد يف اجلواب ‪292 ............................‬‬

‫(ق‪ :)191:‬التَّاسعة‪ :‬ال ينسب إىل ساكت ٌ‬


‫قول ‪293 ..........................‬‬

‫الّشء يف األمور الباطنة يقوم مقامه‪295 ......... :‬‬ ‫(ق‪ :)192:‬العارشة‪ُ :‬‬
‫دليل َّ‬

‫(ق‪ :)193:‬احلادية عّش‪ُ :‬يقبل قول املرتجم مطلق ًا‪296 ..................... :‬‬

‫(ق‪ :)194:‬القاعدة الثانية ‪297 ................................................‬‬

‫التابع تابع‪297 ................................................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪298 .......................................... :‬‬

‫(ق‪ :)195:‬األوىل‪ :‬التَّابع ال يفرد باحلكم ما مل يرص مقصود ًا‪298 ........... :‬‬

‫(ق‪ :)196:‬ال َّثانية‪َ :‬من ملك شيئ ًا ملك ما هو من رضوراته ‪299 .............‬‬

‫(ق‪ :)197:‬ال َّثالثة‪ :‬إذا سقط األصل سقط الفرع‪300 .......................:‬‬

‫الّشء بطل ما يف ضمنه‪300 ................... :‬‬


‫الرابعة‪ :‬إذا بطل َّ‬
‫(ق‪َّ :)198:‬‬
‫املنهاج الوجيز يف القواعد والضوابط واألصول الفقهية‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪348‬‬
‫(ق‪ :)199:‬اخلامسة‪ :‬يغتفر يف التابع ما ال يغتفر يف املتبوع ‪302 ...............‬‬

‫(ق‪ :)200:‬القاعدة الثالثة‪303 ............................................... :‬‬

‫ال َب ِّين ُة عىل املدعي واليمني عىل من أنكر ‪303 ....................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪304 .......................................... :‬‬

‫(ق‪ :)201:‬األوىل‪:‬البيِّنة إلثبات خالف ال َّظاهر‪ ،‬واليمني إلبقاء األصل‪304 :‬‬

‫(ق‪ :)202:‬الثانية‪ :‬ال َّثابت بالّبهان كال َّثابت بالعيان‪305 ................... :‬‬

‫(ق‪ :)203:‬الثالثة‪ :‬الب ِّينة حجة متعدِّ ية‪ ،‬واإلقرار حجة قارصة‪305 .......... :‬‬

‫ٌ‬
‫مؤاخذ بإقراره‪306 ............................... :‬‬ ‫الرابعة‪ :‬املر ُء‬
‫(ق‪َّ :)204:‬‬

‫(ق‪ :)205:‬اخلامسة‪ :‬ال حجة مع التناقض ‪307 .............................‬‬

‫السادسة‪ :‬قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت األصل‪308 ........... :‬‬


‫(ق‪َّ :)206:‬‬

‫السابعة‪ :‬ال عّبة بالظن البني خطؤه‪309 ....................... :‬‬


‫(ق‪َّ :)207:‬‬

‫(ق‪ :)208:‬ال َّثامنة‪ :‬ال حجة مع االحتامل‪310 .............................. :‬‬

‫(ق‪ :)209:‬التَّاسعة‪ :‬ال عّبة للتَّوهم‪311 .................................. :‬‬

‫(ق‪ :)210:‬القاعدة الرابعة‪312 .............................................. :‬‬


‫لألستاذ الدكتور صالح أبو احلاج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪349‬‬
‫إذا اجتمع املبارش واملتسبب ‪312 ...............................................‬‬

‫يضاف احلكم إىل املبارش ‪312 ..................................................‬‬

‫القواعد املتعلقة هبذه القاعدة‪313 .......................................... :‬‬

‫(ق‪ :)211:‬األوىل‪ُ :‬يضاف الفعل إىل الفاعل ال إىل اآلمر ما مل يكن جمّب ًا ‪313 .‬‬

‫الضامن ‪314 ........................‬‬


‫الّشعي ُينايف َّ‬
‫(ق‪ :)212:‬الثانية‪ :‬اجلواز َّ‬

‫(ق‪ :)213:‬ال َّثالثة‪ :‬املبارش ضام ٌن وإن مل َّ‬


‫يتعمد‪316 ........................ :‬‬

‫الرابعة‪ :‬املتسبب ال يضمن إال بالتَّعمد‪317 .....................:‬‬


‫(ق‪َّ :)314:‬‬

‫َّرصف يف ملك الغري باطل‪318 .............. :‬‬


‫(ق‪ :)215:‬اخلامسة‪ :‬األمر بالت ُّ‬

‫مناقشة الفصل الثالث‪319 ......................................................:‬‬

‫املراجع‪321 .......................................................................:‬‬

‫فهرس املوضوعات‪337 .......................................................... :‬‬

‫‪‬‬

You might also like