Professional Documents
Culture Documents
المنهج الأسلوبي
المنهج الأسلوبي
المنهج الأسلوبي
تعريفه ومفهومه
املنهج األسلويب من املناهج النسقية اليت انتقلت ابلنص األديب من السياق الغالب على
الدراسات املتناولة له ،إىل نقد ارتبط ابملعيارية والعلمية ،مرتكزة على الدراسات اللساتية املقعد هلا دو
سوسري من جهة وعلى املدرسة الشكالنية من جهة أخرى وعن خمالفتهما يف املزاوجة بني الشكل
واملضمون وأعادت االعتبار للغة ابعتبارها الوعاء األول الذي حيتوي النص االديب ،ولكنها وإن حبثت
اللغة يف خصائصها اجلمالية التأثريية إال هأّنا وقعت يف أزمة تغييب املبدع والقارىء ما جعلها تقع
حتت طائلة نقد التفكيكية كبديل هلا.
يف يكاد يكون متهف ًقا عليه بني املهتمني أبمر الدراسة األسلوبيهة ،ذلك هو النهظر إىل
مثهة تعر ٌ
األسلوب بوصفه "طريقة التعبري عن الفكر بواسطة اللغة" ،وعلى الرغم من أ هن هذا التعريف يضرب
جبذوره إىل كتاب "اخلطابة" ألرسطو؛ حيث يرد األسلوب عنده مبعىن التعبري ووسائل الصياغة ،وإىل
كتاب "دالئل اإلعجاز لعبد القاهر اجلرجاين؛ حيث يعرفه صراحةً يف قوله" :واألسلوب :الضرب من
النهظم والطريقة فيه" ،فإ هن (بيري جريو) يصفه أبنهه -رغم بساطته الشديدة -مقبول عامليًّا ،كتعريف
لألسلوب .وميكن القول إ هن األسلوبية هي علم لغوي حديث يبحث يف الوسائل اللغوية اليت تُ ِ
كسب ه ه
اخلطاب العادي أو األدىن خصائصه التعبرييهة أو الشعريهة ،فتميهزه عن غريه ،إ هّنا تبحث يف الظواهر
وعرفها
درس يف النصوص وسياقاهتا .ه
األسلوب ظاهرة لغويهة تُ َ
َ األسلوبيهة ابملنهجية األسلوبيهةُّ ،
وتعد
أوال ،وعن سائر
عما يتميهز به الكالم الفين عن بقيهة مستوايت اخلطاب ً
أبّنا البحث ه
(جاكبسون) ه
1
فن من فنون شجرة اللسانيهات.
أصناف الفنون اإلنسانيهة اثنيًا ،فريى هأّنا ٌّ
1األسلوبية والنص النبوي الشريف ،د.عبد العزيز فتح هللا عبد الباري ،األلوكة.
هدف املنهج األسلوبيّة
النص
كل ما يتهصل مبظاهر (االحنراف اجلمايل ،االنزايح ،العدول) يف ه
تدرس األسلوبيهة َّ
بكل ما يتصل ابللغة من أصوات وكلمات وصيغ وتراكيب وحنو وصرف وداللة؛ حيث وهتتم ه
األديب ،ه
عدوال عن املألوف يف
ايحا أو ً
عاداي ،بينما متثهل مجلة (حممد حبر) انز ً
كالما ًّ
متثهل مجلة (حممد كرمي) ً
اللغة ،وكذلك فإ هن األسلوبيهة خترج عن نظام اللغة من حيث الرتتيب يف الرتاكيب ،وحذفها وذكرها
وغريها من األساليب اللغويهة.
ّاّتاهات األسلوبيّة
-4األسلوبيّة اإلحصائيّة :تقوم على دراسة ذات طرفني :التعبري ابحلدث :ويُعىن ابلكلمات أو
وهنا ال ب هد من التفريق بني األسلوب واألسلوبيهة؛ فاحلديث عن األسلوب سابق ،وهو طريق
قصدا لإليضاح
التعبري أو اإلنشاء أو الكتابة ،وطريقة اختيار األلفاظ وأتليفها والتعبري هبا عن املعاين ً
النص ،يقابله العناصر املعنويهة :األفكار واخليال والعاطفة .وتعريفه
اللفظي يف ه
ه والتأثري ،وهو العنصر
ِ
املخاطب واملخاطَب واخلطاب ،وهذا التعدد خيتلف ابختالف املنطلقات؛ فهناك تعريف ابلنظر إىل
أيضا .أما األسلوبية فهي منهج من مناهج النقد احلديث ،ويع هد من مناهج
أثهر يف تعدد األسلوبيهات ً
كالما
متفرع من شجرة اللسانيات ،يدرس األسلوب يف اللغة حني ميارسه اإلنسان ً
احلداثة ،وهو ه
ينطق به أو يكتبه؛ إذ متت هد األسلوبية امتداد اللغة واألسلوب ،يقول الدكتور عدانن علي رضا
النحوي( :واألسلوبية هي علم كما يراها بعض الدارسني الغربيني أو هي نقد أو فلسفة أو ّنج كما
يراها آخرون تقرتن دائماً ابألسلوب فحيثما وجد أحدمها وجد اآلخر فإذن األسلوب واألسلوبية
1
متالزمان).
"نوفاليس" ( )Novalisهو أول من استخدم هذا املصطلح واألسلوبية ابلنسبة إليه ختتلط
ُ
مع البالغة ،وسيقول عنها "هيالنغ" ( )1837من بعد أبّنا علم بالغي ،وإذا نظران إىل كتب
األسلوبية الالتينية فسنرى أّنا ليست سوى كتب للقواعد واألمثلة ،و"فورسيسرت" ( )1846ال يراها
إال هكذا 2.ومنذ اخلمسينيات من القرن املاضي( ،)1950أصبح مصطلح األسلوبية يُطلق على
منهج حتليلي لألعمال األدبية ،واألسلوب يُعرف وفق الطريقة التقليدية ابلتمييز بني ما يُقال يف النص
األديب ،وكيف يُقال ،أو بني (احملتوى) و(الشكل) ،ويُشار إىل احملتوى عادة مبصطلحات حنو:
املعلومات ،أو الرسالة ،أو املعىن املطروح ،بينما يُنظر إىل األسلوب على أنه تغيريات تطرأ على
الطريقة اليت تطرح من خالهلا املعلومات مما يؤثهر على طابعها اجلمايل ،أو على استجابة القارئ
-1ابن قتيبة
-كما ذكر األساليب اليت يرد عليها كالم العرب بقوله " :فاخلطيب من العرب إذا ارجتل كالما يف
فَت فيختصر
نكاح ،أو ََحَالة ،أو حتضيض ،أو صلح أو ما أشبه ذلك مل أيت به من واد واحد ،بل يَ َ ُّ
اترة إرادة التخفيف ،ويطيل اترة إرادة اإلفهام ،ويكرر اترة إرادة التوكيد ،وخيفي بعض معانيه حىت
يغمض على أكثر السامعني ،ويكشف بعضها حىت يفهمه األعجمني ،ويشري إىل الشيء ويكىن عنه،
وتكون عنايته ابلكالم على حسب احلال ،وكثرة احلشد ،وجاللة املقام".
-2اخلطاب
-يربط بني األسلوب والغرض الذي يتضمنه النص األديب ,من حيث كان تعدد األساليب داالً
على تعدد األغراض
" -وها هنا وجه آخر يدخل يف هذا الباب ،وليس مبحض املعارضة واملقابلة ،وهو أن جيري أحد
الشاعرين يف أسلوب من أساليب الكالم وواد من أوديته ،فيكون أحدمها أبلغ يف وصف ما كان
بباله من اآلخر يف نعت ما هو إبزائه ،وذلك مثل أن يُتأمل شعر أيب دؤاد اإلايدي والنابغة اجلعدي
1األسلوبية والبيان العريب ،حممد خفاجي ،وحممد فرهود ،وعبد العزيز شرف)13-11( ،
الشماخ يف وصف اخلمر ،وشعر ذي
يف صفة اخليل ،وشعر األعشى واألخطل يف نعت اخلمر ،وشعر ه
وصاف ملا يضاف إليه من
الرمة يف صفة األطالل والزمن ونعوت الّباري والقفار ،فإن كل واحد منهم ه
أنواع األمور ،فيقال :فالن أشعر يف اببه أو مذهبه من فالن يف طريقتها اليت يذهبها يف شعره.
-وذلك أبن تتأمل منط كالمه يف نوع ما يُعىن به ويصفه ،وتنظر فيما يقع حتته من النعوت
واألوصاف ،فإذا وجدت أحدمها أشد تقصيها هلا ،وأحسن ختلصا إىل دقائق معانيها ،وأكثر إصابة
فيها حكمت لقوله ابلسبق ،وقضيت له ابلتّبيز على صاحبه ،ومل تبال ابختالف مقاصدهم وتباين
الطرق هبم فيها".
-3الباقالين
" -إن نظم القرآن على تصرف وجوهه ،وتباين مذاهبه ،خارج عن املعهود من نظام مجيع كالمهم،
ومباين املألوف من ترتيب خطاهبم ،وله أسلوب خيتص به ويتميز يف تصرفه عن أساليب الكالم
املعتاد ،وذلك أن الطرق اليت يتقيد هبا الكالم البديع املنظوم تنقسم إىل أعريض الشعر على اختالف
املسجع ،مث إىل مع هدل
أنواعه ،مث إىل أنواع الكالم املوزون غري املقفى ،مث إىل أصناف الكالم املع هدل ه
مسجع ،مث إال ما يرسل إرساال فتطلب فيه اإلصابة واإلفادة ،وإفهام املعاين املعرتضة على
موزون غري ه
وجه بديع وترتيب لطيف ...وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ،و ومباين هلذه الطرق".
-األسلوب عند اإلمام عبد القاهر هو :الضرب من النظم والطريقة فيه ،حيث يقول" :واعلم أن
االحتذاء عند الشعراء وأهل العلم ابلشعر وتقديره ومتييزه أن يبتدئ الشاعر يف معىن له وغرض أسلواب
فيعمد شاعر آخر إىل ذلك األسلوب ،فيجيء به يف شعره ،فيشبه مبن يقطع من أدميه نعال على
مثال نعل قد قطعها صاحبها ،فيقال :قد احتذى على مثاله".
-واإلمام يربط األسلوب بطريقة أداء املعىن على وجه معني عن طريق التمثيل حيث يقول" :وإن
كان مما مضى إال أن األسلوب غريه ،وهو أن املعىن إذا أاتك ممثال فهو يف األكثر ينجلي لك بعد أن
حيوجك إىل طلبه ابلفكرة ،وحتريك اخلاطر له ،واهلمة يف طلبه ،وما كان منه ألطف،كان امتناعه
عليك أكثر ،وإابؤه أظهر ،واحتياجه أشد".
-ربط األسلوب ابخلصائص التعبريية يف حديثه عن "قلب التشبيه" مما يؤكد ارتباط األسلوب عنده
أبمناط األداء يف تركيب العبارة.
حيث يقول:
"واعلم أن هذا الدعوى قوهلم :ال يُدرى أ ََو ْجهه أنور أم الصبح ؟ وغرته أضوأ أم البدر ؟ وقوهلم إذا
أفرطوا :نور الصباح خيفي يف ضوء وجهه ,أو نور الشمس مسروق من جبينه ,وما جرى يف هذه
األسلوب من وجوه اإلغراق واملبالغة ,فإن يف الطريقة األوىل خالبة وشيء من السحر".
-5الزخمشري
-يربط بني معىن األسلوب واخلصائص األسلوبية ،أو بني األسلوب والطاقة الكامنة فيه
الرِحي ِم ()3 ِ يف حديثه عن أسلوب االلتفات يف قوله تعاىل ِ ِ ْ :
الر َْحَ ِن َّ
ني (َّ )2 ب الْ َعالَم َ ((احلَ ْم ُد َّّلِل َر ِه
ِ مالِ ِ ِ ِ
ني ).)) (5 ك يَ ْوم ال هدي ِن ( )4إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد َوإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ َ
عدل عن لفظ الغيبة إىل لفظ اخلطاب ،قلت :هذا يسمى االلتفات يف ِ
-حيث يقول" :فإن قلت ملَ َ
علم البيان ،قد يكون من الغيبة إىل اخلطاب ،ومن اخلطاب إىل الغيبة ،ومن الغيبة إىل التكلم كقوله
اّلِلُ الَّ ِذي أ َْر َسل هِ
الرَاي َح فَتُثِريُ َس َح ًااب ِِ ِ
((ح َّىت إذَا ُكْن تُ ْم ِيف الْ ُف ْلك َو* َجَريْ َن هب ْم)) وقوله تعاىلَ :
((و َّ تعاىلِ َ :
َ
ِ ِ ِ ٍ ٍ
ور ( )) )9وذلك على عادة افتناّنم ُّش ُ
ك الن ُ َحيَ ْي نَا بِه األ َْر َ
ض بَ ْع َد َم ْوهتَا َك َذل َ فَ ُس ْقنَاهُ إِ َىل بَلَد َميِهت فَأ ْ
يف الكالم وتصرفهم فيه ,وألن الكالم إذا نقل من أسلوب إىل أسلوب كان ذلك أحسن ,تطرية
لنشاط السامع ,وإيقاظا لإلصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ))".
ِ اب ال ري ِ ِ ِ
-احلسن يف قوله تعاىل (( :امل ( )1تَ ْن ِزيل الْ ِكتَ ِ
ني ( )2أ َْم يَ ُقولُو َن افََْرتاهُ ب فيه م ْن َر ِه
ب الْ َعالَم َ َْ َ ُ
ك )) حيث يقول: احلَ ُّق ِم ْن َربِه َ
بَ ْل ُه َو ْ
"وهذا أسلوب صحيح حمكم ،أثبت -أوال – أن تن زيله من رب العاملني ،وأن ذلك ما ال ريب فيه.
-مث أضرب عن ذلك إىل قوله (( :أ َْم يَ ُقولُو َن افََْرتاهُ )) ألن " ْأم " هي املنقطعة الكائنة مبعىن "بل" ،
واهلمزة إنكار لقوهلم وتعجبا منه لظهور أمره يف عجز بلغائهم عن مثل ثالث آايت من ،مث أضرب
عن اإلنكار إىل إثبات أنه احلق من ربك".
-فالزخمشري يستند إىل مناهج البحث البالغي من انحية ،والرتكيب النحوي من انحية أخرى ،وأفاد
من كل حماوال الوصول إىل أقصى درجة من الرصد املوضوعي للخصائص األسلوبية رابطا بني التأثري
االنفعايل لدى املتلقي واخلصائص التعبريية يف النص األديب عامة والقرآين خاصة.
-6الفخر الرازي
-مل يكتف ابلربط بني األسلوب والنوع األديب ،بل قدم إضافة جديدة يف جمال دراسة األسلوب.
-حماولته للربط بني األسلوب و القائل.
-ومن الناس من جعل اإلعجاز يف أن أسلوبه خمالف ألسلوب الشعر واخلطب والرسائل ،السيما يف
مقاطع اآلايت مثل (( يعلمون ويؤمنون)) وهو أيضا ابطل من مخسة أوجه:
األول :لو كان االبتداء ابألسلوب معجزا لكان االبتداء أبسلوب الشعر معجزا.
الثاين :أن االبتداء أبسلوب ال مينع الغري من اإلتيان مبثله.
الثالث :يلزم أن الذي تعاطاه مسيلمة من احلماقة يف "إان أعطيناك اجلماهر فصل لربك وجاهر"
وكذلك "والطاحنات طحنا"يف أعلى مراتب الفصاحة.
ِ
ص ِ
اص َحيَاةٌ)) وقوهلم " :القتل أنفى للقتل" مل ((ولَ ُك ْم ِيف الْق َ
الرابع :أنه ملا فاضلنا بني قوله تعاىل َ :
تكن املفاضلة بسبب الوزن ,واإلعجاز إمنا يتعلق مبا به ظهرت الفضيلة.
اخلامس :وهو أن وصف بعض العرب القرآن أبن له حلالوة وإن عليه لطالوة ال يليق ابألسلوب".
اخلالصة للعلماء العربيني يف املنهج األسلوب
-ابن قتيبة ربط بني تعدد األساليب وطرق العرب يف أداء املعىن يف نسق خمتلف
ربط بني األسلوب وطرق الصياغة.
ربط بني األسلوب الذي يسلكه الشاعر أو اخلطيب وحال السامعني.
-اخلطاب ربط بني األسلوب والغرض الذي يتضمنه النص األديب.
-الباقالين ربط بني األسلوب والنوع األديب.
-واإلمام عبد القاهر بني أن األسلوب ضرب من النظم ,وبني أن كل نظم له خصائصه اليت يتميز
هبا عن غريه . . .وهو بذلك يربط بني األسلوب وطريقة أداء املعىن.
-والزخمشري كان يبني اخلصائص األسلوبية يف طرق التعبري يف حتليله للقرآن الكرمي حتليال بالغيا
يكشف عن حسن النظم فيه ،وبيان األوجه اجلمالية التعبريية اليت اشتمل عليها.
-الرازي مل يكتف ابلربط بني األسلوب والنوع األديب ,وإمنا جتاوز ذلك إىل الربط بني األسلوب
واملنشئ.
من عيوب املنهج األسلوب
-1الصعوبة يف وضع التعاريف واملفاهيم هلذا املنهج؛ لتعدد ميادينها وتداخلها مع حقول معرفية
أخرى كالنقد ،والبالغة ،واللسانيات.
-2صعوبة حتديد أتريخ دقيق النطالقة األسلوبية؛ بسبب كون الدرس األسلويب نشاطا مارسته مجيع
املعارف اليت اختذت من اخلطاب ميداان هلا.
-3الرتدد بني أن األسلوبية منهجا نقداي أو أّنا أوسع من ذلك؛ بسبب تعدد ميادينها وتداخلها مع
حقول أخرى كثرية كالنقد األديب ،وعلم البالغة ،واللسانيات وعلم النص حىت عدت إن األسلوبية
نفسها أسلوبيات.
-4وجود التداخل والتخارج بني األسلوبية والبنيوية على اعتبار أن األسلوبية انبثقت من الفكر
اللغوي واألديب قبل احلركة البنيوية متأثرة بذات االجتاهات اليت أسهمت يف تشكيل البنيوية