Professional Documents
Culture Documents
مراجعة كتاب «الثورة السودانية (2018-2019) مقاربة توثيقية-تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها» لأحمد أبو شوك
مراجعة كتاب «الثورة السودانية (2018-2019) مقاربة توثيقية-تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها» لأحمد أبو شوك
مراجعة كتاب
أحمــد أبــو شــوك« ،الثــورة الســودانية ( )2019-2018مقاربــة توثيقية-تحليليــة لدوافعها
ومراحلها وتحدياتها»
مراجعة :المهدي جراد
أستاذ مشارك في التاريخ الحديث ،قسم العلوم اإلنسانية ،كلية اآلداب والعلوم ،جامعة قطر
Book Review
Ahmed Abu-Shouk, The Sudanese revolution (2018 -2019), a documentary-
analytical approach to its motives, stages and challenges
Reviewed By: Mehdi Jerad
Associate professor of Modern History, Humanities Department, College of Arts and
Sciences
mjerad@qu.edu.qa
لالقتباس:جراد ،المهدي« .مراجعة كتاب" :الثورة السودانية ( )2019-2018مقاربة توثيقية-تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها"،
ألحمد أبو شوك» ،مجلة تجسير ،املجلد الرابع ،العدد 2022 ،1
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0089
ً
© ،2022جراد ،الجهة املرخص لها :دار نشر جامعة قطر .تم نشر هذه املقالة البحثية وفقا لشروط Creative Commons Attribution-
) .NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0تسمح هذه الرخصة باالستخدام غير التجاري ،وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه،
مع بيان أي تعديالت عليه .كما تتيح حرية نسخ ،وتوزيع ،ونقل العمل بأي شكل من األشكال ،أو بأية وسيلة ،ومزجه وتحويله والبناء عليه ،طاملا
ُينسب العمل األصلي إلى املؤلف.
141 مجلة تجسير ،املجلد الرابع ،العدد ،2022 ،1تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
صدر كتاب الثورة السودانية ( )2019-2018مقاربة توثيقية تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها ،عن املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات عام 2021ملؤلفه األستاذ أحمد إبراهيم أبو شوك ،أستاذ التاريخ الحديث واملعاصر بجامعة
قطر .يبدأ الكتاب بتقديم من الدكتور عزمي بشارة ،املدير العام ملركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،وجاء في 640
ً ً
صفحة موزعة على سبعة فصول ،إضافة إلى املالحق (حوالي 250صفحة) ،وقائمة املراجع ،والفهرس العام.
ً
ورصدا لتسلسلها ولئن يبدو للقارئ منذ الوهلة األولى أن العمل ال يغدو أن يتجاوز عملية مسح وثائقي لوقائع الثورة
الزمني وللتحديات التي تواجه الفترة االنتقالية الحالية التي تمر بها السودان؛ إال أن القراءة املتأنية والفاحصة تبرز أن
ً
متوخيا مقاربة تحليلية عن شرح من خالله مالبسات الثورة وخلفياتها،املؤلف قد نجح في تقديم عمل أكاديمي فريد من نوعه ّ
ً
ومتسلحا بقراءات نظرية ومستجليا املبادرات السياسية واملفاوضات التي تلت سقوط رأس السلطة، ً ثورة ديسمبر ،2018
ومعتمدا على مدونة مصدرية متنوعة .فقد اختبر املؤلف التقارير الصادرة عن مراكز البحث العلمي واملؤسسات ً جادة
األكاديمية والكتابات اإلسفيرية والصور والخرائط والرسومات التوضيحية بما هي تمثالت مستبطنة من قبل الفاعلين
ً
االجتماعيين فضل عن التسجيالت الصوتية واملقاالت الصحفية املنشورة ومنصات التواصل االجتماعي .وقد عالج مختلف
هذه املصادر بحرفية عالية ومكابدة تستحق التنويه وت�شي برغبة املؤرخ في النفاذ إلى الفضاء العمومي واملشاركة في صياغة
األفكار ذات الصلة باملسار الثوري ،إنه ببساطة يحمل هموم الثورة الجاثمة بثقلها على مخيلة السودانيين على اختالف
مشاربهم.
وقد تناول الفصل األول بالتحليل حكومة اإلنقاذ ( )2019-1989واألسباب غير املباشرة التي ساهمت في «تراكم الغبن
التاريخي» واندالع الثورة السودانية في ديسمبر ،2018إضافة إلى رصد األشكال النضالية السلمية للفاعلين االجتماعيين
وحد االحتجاجات ضد النظام القائم آنذاك .وخلص املؤلف إلى فكرة أساسية ،مفادها أن ما وسمه بـالحرمان النسبي قد ّ
ّ
الشعبية وجعلها تنتقل من حالتها العفوية إلى احتجاجات مؤطرة هاتفة بعبارة «تسقط بس».
ويناقش الفصالن الثاني والثالث أحداث الثورة السودانية منذ اندالع شرارتها األولى في مدينة الدمازين في والية النيل
ً
األزرق وصول إلى بداية االعتصام الذي أدى إلى سقوط نظام عمر حسن البشير في أبريل ،2019مع إبراز خطاب السلطة.
صص الجزء األكبر منها إلى «الشؤون األمنية» في حين لم وشدد املؤلف على الخلل الذي أصاب املوازنة العامة حيث ُخ ّّ
تتجاوز حصة قطاعي الصحة والتعليم خمس إجمالي املوازنة العامة .كما تطرق إلى األليات التي استخدمتها السلطة لتشوية
الحركة االحتجاجية
وتصدى املؤلف في الفصل الرابع والخامس والسادس إلى مسألة على غاية من األهمية تتعلق باملبادرات وحيثياتها
معرجا على املفاوضات بعد إسقاط النظام قبل وبعد فض االعتصام والتي توجت بتوقيع االتفاق ً وخلفياتها وتحدياتها ،
السيا�سي والوثيقة الدستورية.
وتناول الفصل السابع واألخير املوسوم بـ«الحكومة االنتقالية وتحديات االنتقال الديمقراطي» اختصاصات الحكومة
االنتقالية وسلطاتها وإجراءات تشكيلها .في حين تطرقت خاتمة الكتاب إلى الفترة االنتقالية الحالية ( )2022-2019ومقارنتها
بالفترات السابقة مع إبراز القواسم املشتركة وأوجه االختالف بينها .وعرض املؤلف بعض املسارات الجديرة لبلوغ نهج
التحول الديمقراطي املستدام.
يندرج الكتاب ضمن ما ُيعرف بالتاريخ الراهن الذي بدأ يحظى باهتمام املؤرخين منذ سنوات ،وفي هذا الصدد ال ُيخفي
املؤلف وعيه بمزالق هذا االختصاص ً
نظرا لقصر املسافة بين زمن وقوع األحداث وتاريخ معالجتها وتحليلها في ظل توفر كم
هائل من املعطيات اإللكترونية .وال ريب أن املؤرخ اليوم لم يعد ذاك الذي يسرد األخبار الغابرة واألحداث بل صار مرتبطا
مجلة تجسير ،املجلد الرابع ،العدد ،2022 ،1تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 142
بقضايا العصر بهدف املساهمة في تلبية حاجة راهنة واملشاركة في فهم املا�ضي وتمثل الحاضر .وعليه نعتقد أن هذا العمل
عبارة عن تأمالت فورية عمل خاللها الباحث على االنتقال من طور املعرفة إلى طور الفكر عبر مناوشة الجانب األنطولوجي
ّ
في التاريخ ومثل لحظة فارقة في تقديري «السترجاع التاريخ» صدارته للعلوم االنسانية بواسطة االهتمام بالغايات املواطنية،
يعد املؤرخ يحتكر لوحده كتابة التاريخ بل أضحى الحديث في في ظل املكانة املُتعاظمة لوسائل االعالم واالتصال ،بحيث لم ُ
أيامنا عن تاريخ مدر�سي وتاريخ صحفي وتاريخ شعبي ...ويسوغ أن نعتبر أن أحمد أبو شوك قد نجح في توثيق أحداث الثورة
مول سياق على املدى القصير وعبر مقاربة مجهرية.بحرفية عالية ُمدليا بشهادته بوصفه ُم ّ
جزءا من أدوات الحراك الثوري مثل شبكة تجمع املهنيين السودانيين. لقد اعتمد املؤلف على مواقع إلكترونية كانت ً
غير أن السؤال الذي يتبادر إلى األذهان في هذا اإلطار هو التالي :أليست هذه املصادر مرآة لذاكرة انتقائية تحمل هواجس
منتجيها؟ وكيف يمكن الوقوف على مسافة منها لتوثيق األحداث وتحليلها في الزمن الراهن؟ ولئن أشار املؤلف إلى «تحقيق»
و« تمحيص» األخبار املنقولة عن املدونة املصدرية إال أنه لم يفصح عن طريقة معالجتها بدقة ،مثال عبر مكافحتها ببعضها
البعض أم عبر معالجتها معالجة كمية مثلما توحي بذلك بعض الجداول التي ضبطها لهذا الغرض ،واكتفى بذكر املناهج
املتبعة عبر الفصول وتصنيف مصادره .ومهما يكن من أمر فإن تاريخ الزمن الراهن يبقى تاريخا تحت املراقبة ألنه ببساطة
تاريخ غير منتهي يفترض إجراء املؤرخ لحوار مع مصادره.
ال ُمراء في أن املؤلف قد استفاد من القراءات الجادة التي استأنس بها لدراسة الثورة السودانية دون أن يقع في فخ
التنميط مع ثورات أخرى ،ذلك أن لكل ثورة خصوصياتها املرتبطة بسياقها التاريخي ،غير أن ما ُيمكن التعجيل به في هذا
اإلطار هو تشديده على خاصية اندالع الثورة من األطراف (منطقة الدمازين) ومن األسفل – خالفا ملا هو مألوف – وهي
خاصية نجد لها تقاطعات مع ثورات أخرى .لكن الالفت لالنتباه هو الدور الذي لعبته النخب السودانية في إطار نظرية
تعبئة املوارد والتي أعلنت مساندتها للثورة بصفة مبكرة وأعني على وجه التحديد أساتذة جامعة الخرطوم الذين ضخوا
دماء جديدة لصالح الثورة ،في حين ،وعلى سبيل املثالُ ،نعاين على النقيض من ذلك ً
غيابا ً
تاما للنخب في تونس زمن قيام
شكك ً ّ ُ
الحقا في جدوى توصيف الحراك االحتجاجي الثورة وخنوعها للكتل الضاغطة ،بل إن البعض من هذه النخب قد
مستبطنا مقاومة كل نفس ثوري .وربما كان على املؤلف أن يجد بعض القوالب التفسيرية التي من شأنها توضيحً بالثورة،
العالقة الوثيقة بين منطقة النيل األزرق وبين اندالع شرارة الثورة السودانية.
جرب املؤلف ضمن أثره العديد من النماذج املعرفية واستطاع بمستويات متباينة من التوفيق ومالءمتها مع قضية الثورةّ
نضده من عروض بقدرته على مجادلة العديد من وجهات النظر املعرفية واالستنتاجات السودانية .كما أوحت لنا قراءة ما ّ
متدخال في العديد من املناسبات لتصويب طروحاتها .ولئن استند العمل إلى التجسيد النظري ّ ّ
املتسرعة غير الدقيقة،
ّ
التصورات أو الفرضيات التأويلية التي قدمها إلى تدقيق بحسب طريقة استغالل املعطيات املتاحة ،أو إلى واحتاجت بعض
املؤلف وشهادات الفاعلين أو املتابعين للشأن العام من السودانيين ّ
إحالة واضحة على معالجات متقاطعة مع تصورات ِ
املتصلة بتجارب بعض الدول العربية (الجزائر ومصر) ،قد وغيرهم ،فإن فسح املجال أحيانا للمقارنات االفقية وخاصة ّ
ساهم في إكساب متنه َن َف ًسا ً
عميقا.
إن املقاربة التوثيقية التي اتبعها املؤلف تفتح أفاقا للمؤرخين ملزيد التعمق في دراسة الثورات وتجعل القارئ يطرح عدة
أسئلة لعل من أبرزها :هل ُجبلت البالد العربية على انتكاسة ثوراتها وتقبل شظايا العسكر؟ ويزيد التساؤل إلحاحا خاصة
وأن الثورة السودانية اتخذت مسارا سلميا ،ألم ترفع الثورة السودانية شعار «سلمية سلمية» غير أن هذا التوجه الذي
ُيعبر عن نضج الشعب لم يرق للبعض – أطراف سودانية وأخرى أجنبية – ولم يستسيغوه فكان العمل على وأد الثورة
143 مجلة تجسير ،املجلد الرابع ،العدد ،2022 ،1تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر
وعدم السماح باسترسال هذه التجربة.
ً ً ً
جديرا أكاديميا في األخير ،ينبغي اإلقرار بأن هذا الكتاب يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة التاريخية العربية وعمل
ُ بالقراءةُ ،
نأمل أن تتبعه كتابات أخرى تزيح الغبار عن األحداث املتسارعة التي يعيش على وقعها العالم العربي ،وتمتزج
فيها التأمالت الفورية – رغم محاذيرها – باألثر العفوي للكتابة .واملهم أن املؤلف قد دحض بشكل أو بآخر مقولة ّروج
تليد
لها الغرب لفترات غابرة ،وهي أن «الديمقراطية ال يمكن أن تينع في املناطق الحارة» ،ودفع نحو املصالحة بين ماض ٍ
جديد.
ٍ ومستقبل
مجلة تجسير ،املجلد الرابع ،العدد ،2022 ،1تصدر عن مركز ابن خلدون للعلوم اإلنسانية واالجتماعية وتنشرها دار نشر جامعة قطر 144