Professional Documents
Culture Documents
مسيرة منظمة الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
مسيرة منظمة الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
مسيرة منظمة الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
مقدمة:
يميل اإلنسان إلى التع اون والت آزر ض مانا لحي اة الرفاهي ة ,ل ذا ق امت ك ل دول ة بمحاول ة تحقي ق ذل ك لص الح
مواطنيها بتطوير خدماتها .وموازاة مع التقدم التكنولوجي أصبح العالم كقرية صغيرة فأصبح التعاون بين ال دول أم را
مفروضا .هكذا كان من الضروري خلق قانون دولي عام يحكم بين الدول ,فكان له مفهوما تقليديا يتمث ل في مجموع ة
آراء فقهية ; جروسيوس ,كلسن و تربيل ; وهي عبارة عن آراء مترابطة بكلمات مفتاح تدور في كنف واحد تعبر عنه
بأنه قواعد قانونية تنظم وتحكم العالقة بين الدول .لكن ومع ظهور مدارس فقهية جديدة ب رز مفه وم ح ديث يتمث ل في
إضافة فاعلين جدد وذلك نتيجة ظهور منظمات دولية معبرة عن مدى تعاون الدول فيما بينها .فأصبح التع اون ال دولي
يتجسد في كيان اجتماعي يرقى إلى مرتبة االتحاد الدولي المتمتع بالشخصية القانونية والمتم يز بالديموم ة واالس تقالل
الذاتي ,ولتقديم تعريف أدق للتنظيم الدولي يجدر بنا أساسا اعتماد المنظمات الدولية.
في هذا الصدد يصبح من الواجب ذكر منظمة األمم المتح دة ال تي ج اءت بديل ة لعص بة األمم بمقتض ى م ؤتمر
دومبارتون أوكس المنعقد في العاصمة األمريكية واشنطن بتاريخ 26يونيو ,1945وهو ما تبلور في سان فرانسيسكو
بوالية كاليفورنيا األمريكية بتاريخ 24أكتوبر . 1945فجاءت متطلعة للسالم وتحقيق الرفاهية لشعوب الدول الخمسين
المنخرطة آنذاك,حيث وصل العدد حاليا إلى المائ ة وثالث وتس عين دول ة ,إض افة إلى إخ راجهم من ال دمار ال ذي عم
العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .حيث تسترشد باألهداف والمقاصد الواردة في ميثاق تأسيسها " :نحن شعوب
األمم المتحدة وقد ألينا على أنفسنا أن ننقذ األجيال القادمة من ويالت الحرب التي خالل جيل واحد جلبت على
اإلنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف" .هنا يجب اإلشارة إلى اهتمام هذه المنظمة العالمية باالقتصاد والتنمية,
وهذا ما حددته ديباجة ميثاقها فيما يتعلق بالتنمية المستدامة .هذه المشاهدة تقودنا لطرح التساؤالت التالية :
ماهي التنمية المستدامة؟ وكيف برز مفهومها؟
ما سماتها ومتطلباتها؟ وكيف واجهت األمم المتحدة عراقيل وتحديات تواجهها في إمكانية القيام بمسؤوليتها؟
ماهي سلسلة الحلقات التي قامت بها المنظمة في مضمار التنمية المستدامة؟ وما الحصاد المتوصل إليه ؟
ولمعالجة هذه اإلشكاليات يقتضي الموضوع تقسيمه إلى :
مفهوم التنمية المستدامة :المبحث األول
حصيلة منظمة األمم المتحدة في قضايا التنمية المستدامة :المبحث الثاني
المستدامة :المبحث األول مفهوم التنمية
مع نهاية الحروب العالمية ,ظهر مجال آخر واسع للتنافس ,أال وهو المجال االقتصادي-الص ناعي ,فق د ظه رت
قوى اقتصادية وصناعية عالمية ,هذا ما جعل الكرة األرضية تش هد ت دهورا بيئي ا يتف اقم بوت ائر متس ارعة خاص ة في
السنوات األخيرة ,هكذا أصبحت الحروب بين الدول إلى حرب مصيرية للبشرية جمعاء من أجل إنقاذ الحي اة .فأص بح
مستقبل هذه البشرية مرتبطا بالتخطيط لتنمية دائمة ,متواصلة ومتجددة تلبي حاجيات األجيال الحاض رة م ع المحافظ ة
على متطلبات أجيال المستقبل.
فمفهوم التنمية المستدامة برز كأول مرة في مؤتمر البيئة اإلنسانية لسنة 1972بالعاص مة الس ويدية س توكهولم,
حيث تمت مناقشة قضايا بيئية وعالقتها بالفقر كأول مرة .إال أنه ظل مفهوما غامضا خالل سبعينات القرن العشرين,
حيث اعتبرت التنمية المستدامة ليست سوى إط ار ع ام لالسترش اد وخل ق ت وازن بين النش اط التنم وي-االقتص ادي و
النظام البيئي-الطبيعي.
لكن بعد ذلك أصبح يأخذ المفهوم اهتماما أكبر ومن تم مع ان جدي دة ,فص ارت تط رح القض ية كنم وذج تنم وي
بديل .وفي سنة 1981أصدر االتحاد العالمي للمحافظ ة على الم وارد الطبيعي ة تقري را مخصص ا للتنمي ة المس تدامة,
فتأثر هنا التعريف باالستعمال المكثف لمفهوم االستدامة في الزراعة ,وجاءت في التقرير " :السعي الدائم لتطوير
نوعية الحياة اإلنسانية مع األخذ في االعتبار قدرات وإمكانات النظام البيئي" ,وهكذا كان أول تعريف محدد .إال أن
الوالدة الفعلية للمفهوم كان سنة 1987في كتاب " مستقبلنا المشترك" كجزء من التقرير النهائي للجنة العالمية للبيئة
والتنمية ,فهكذا كان أول إعالن بأن القضية هي مصيرية تتطلب تكاثف الجهود واعتبارها أخالقية .كما أوضح التقرير
عل أن كل األنماط التنموية الس ائدة ح تى وإن ك انت ناجع ة بمق اييس الحاض ر فإنه ا تب دو ع اجزة عن تحقي ق ش رط
االستدامة.
1
مسيرة منظمة األمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
هكذا أصبح مفهوم التنمية المستدامة مرتبطا ب أمور متع ددة س واء عنص ر البيئ ة أو عنص ر الم وارد الطبيعي ة,
وهناك من يعتبر أن الجوهر يكمن في المستقبل أو عنصر المشاركة ,في حين هناك من يعتبر األساس في التنمي ة ه و
عنصر السكان ; إذ من الضروري إحداث توازن بين الخيرات الطبيعية المحدودة والعدد المتزايد للس كان ولحاجي اتهم
الالمتناهية ,ويبقى أهم أبعادها هو إبراز الطاقة واالستهالك العالمي.
ومواكبة للقلق العالمي المتزايد حول التدهور البيئي الذي قد يؤدي النتحار إنساني شامل ,برزت لحظة تاريخي ة
في التعامل اإلنساني مع قض يتي البيئ ة والتنمي ة ; أال وهي انعق اد م ؤتمر األمم المتح دة بري و دي جين يرو البرازيلي ة
خالل 14-03يوليوز 1992الذي عرف ب" قمة األرض" ,حيث تبلور المفهوم الجديد للتنمية وتم طرح هذه القضية
على نطاق أوسع ,وكانت محاولة للربط بين القضايا البيئية ونظيراتها التنموية.
من جهة أخرى ,كان ادوارد باربير أول من استخدم مصطلح التنمية االقتصادية المستدامة ,والذي حصرها في
أربع سمات أساسية :
االختالف عن التنمية بالمفهوم الكالسيكي ,لكونها أكثر تداخال وتعقيدا خاصة فيما هو طبيعي واجتماعي.
التوجه األساسي لتلبية متطلبات الشرائح االجتماعية الفقيرة كمحاولة للحد من تفاقم الفقر والهشاشة.
البعد النوعي المتعلق بتطوير الجوانب الروحية الثقافية دون المساس بالخصوصية الحضارية للشعوب.
تداخل األبعاد الكمية والنوعية في حالة التنمية المستدامة وصعوبة فصل عناصرها أو قياس مؤشراتها.
ونبقى في المرحلة الراهنة ,نعاني من خلط بين التعريف ,الشروط والمتطلبات .فج اءت لجن ة الم وارد العالمي ة
جاهدة لفك هذا اللغز ,حيث قامت سنة 1992بنشر تقرير ارتكز على موض وع التنمي ة المس تدامة ,واس تطاعت ب ذلك
إيجاد مسح شامل للتعريفات وحصر عش رين تعريف ا واس عا مح اوال ب ذلك توزيعه ا إلى أرب ع مجموع ات :تعريف ات
اقتصادية ,تعريفات بيئية ,تعريفات اجتماعية-إنسانية ثم تعريفات تقنية-إدارية.
2
مسيرة منظمة األمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
وفي هذا البعد ,أكد التقرير على نقطة مهمة ; أال وهي غياب صيغة وحيدة للتنمية ,حيث أن اختالف الق درات
يؤدي إلى اختالف اآلليات وبالتالي تحقيق النمو .فإذا كانت الدول النامية تقوم بتهيئة مناخ أفض ل فعلى ال دول
المتقدمة إتباع سياسات كلية لتقسيم المسؤولية على الصعيد العالمي.
البعد البيئي :كانت النتيجة األساسية لقمة األرض هي أن البيئة شرط ديمومة التنمية ,ثم جاء هذا التقرير
لطرح العالقة بين البيئة وبالتنمية مؤكدا بذلك على الترابط الوثي ق بين م اهو إقليمي وم ا ه و دولي ,فإلتب اع
قواعد مشتركة للمحافظة على البيئة يجب االس تناد على مع ايير عالمي ة ملزم ة لك ون المش كالت البيئي ة تبقى
غالبا ذات تأثير عالمي .هذا ما جعل خلق نقطة توازن بين تلبية احتياجات األجيال الحالي ة وبين ح ق األجي ال
القادمة ضرورة ملحة في مجال التنمية المستدامة ,لذا يجب إتباع سياسات تنموية دون اإلخالل بالنظم البيئية.
البعد االجتماعي :إن الظروف الخاصة بكل شعب تحدد أولويات التنمية,ومنها االجتماعية واالقتصادية
تختلف بين دول الشمال والجنوب .فلقد استخلص التقرير أن االعتراف بالبعد االجتماعي غير كاف ,بل ينبغي
العمل عليه وربط التنمية بالتماسك واالستقرار االجتماعيين ,وهكذا يتم جعل العدالة دعامة للمجتمع.
البعد المجتمعي الشامل :في هذا الجانب ,رصد التقرير عالقة سببية للتنمية بقضية الديمقراطية ,معتبرا
أن هذه األخيرة سببا لضمان سالمة التوجهات التنموية .في حين أنه وفي دول أخرى ; يشترط تحق ق مس توى
معقول في التنمية إلحداث تحول ديمقراطي.
ورغم اعتراف التقرير أن الديمقراطية ال تؤدي تلقائيا لتحسينات ملموس ة في مع دالت النم و وتحقي ق العدال ة
االجتماعية,إالأنها تبقى أسلوبا وحيدا كفيال للناس المشاركة وقادرا على احتواء الفساد وحائال الحتكار المزايا.
ومن خالل سلسلة مؤتمرات عالمية انعقدت خالل العشرية األخيرة ; عملت األمم المتحدة على إعادة دراسة مسألة
التنمية وتحديد مفهوم حديث لها :
سنة : 1992ترتيب لقاء عالمي بريودي جينيرو البرازيلية ,لمناقشة الصلة بين البيئة والتنمية.
يونيو : 1993مؤتمر فيينا النمساوية يؤكد على أن التنمية حق أساسي من حقوق اإلنسان.
شتنبر : 1994مؤتمر العاصمة المصرية القاهرة ,ذكر بأهمية البعد السكاني كمحور أساسي للتنمية.
سنة : 1995في مارس ;مؤتمر قمة عالمي للتنمية االجتماعية بالعاصمة الدانمركية كوبنهاكن ,لمناقشة
مشاكل اجتماعية أساسا ; الفقر ,البطالة والتفكك االجتماعي.
وفي شتنبر من نفس السنة ; نظم بالعاصمة الصينية بكين لقاءا لمناقشة إدماج المرأة في التنمية.
سنة : 1996انعقد المؤتمر العالمي المهم للمستوطنات البشرية بتركيا-اسطنبول ; وهو مؤتمر يستحق
اسم " قمة المدن" لما تناوله من مختلف قضايا التنمية في بيئة حضرية.
خاتمة :
كان مؤتمر "قمة األرض" لسنة 1992حلقة أساسية بلورت مجهودات األمم المتحدة إلبراز مفهوم التنمية
المستدامة ومدى ارتباطه بالقضايا البيئية ,قبل أن تنض اف قض ايا أخ رى ال يمكن إغفاله ا في مج ال التنمي ة .ه ذا م ا
حاول حصره تقرير األمين العام األسبق سنة 1994في خمسة أبعاد أساسية ; مع اعتباره ا قض ية أمني ة ثم اقتص ادية
فبيئية وكذلك اجتماعية وأخيرا قضية مجتمعية شاملة.
وقبل كل هذا وذاك ,كان تقرير الموارد العالمية 1992واضحا في توزي ع التعريف ات إلى المجموع ات األرب ع ;
فاقتصاديا نجد التنمية المستدامة هي إجراء خفض في استهالك دول الش مال الص ناعية لم وارد الطبيع ة ,في حين هي
توظيف الموارد لرفع المستوى المعيشي بدول الجن وب النامي ة .أم ا بيئي::ا فتبقى هي تل ك التنمي ة ال تي تحمي الم وارد
الطبيعية عامة والزراعية والحيوانية خاصة .ثم الصيغة اإلنس::انية-االجتماعي::ة فهي الس عي الس تقرار النم و الس كاني
وتطوير مستوى الخدمات باألرياف الجتناب تدفق األفراد نحو المدن .ومن ناحي ة رابع ة وأخ يرة ف التعريف الثق::افي-
التقني يعتبرها أنها تلك التنمية التي تنقل المجتمع إلى عصر الص ناعات والتقني ات النظيف ة المس تخدمة لق در أق ل من
الطاقة وإنتاج حد أدنى من الغازات الملوثة والحابسة للحرارة والضارة بطبقة األوزون.
ويبقى القاسم المش ترك في ه ذه التع اريف ه و أن اس تدامة التنمي ة في أربع ة ش روط ; ع دم تجاه ل الض وابط
والمحددات ,عدم استنزاف الموارد الطبيعية ,ثم تطور الموارد البشرية وأخيرا وليس آخرا إحداث التح ول في القاع دة
الصناعية السائدة .هكذا تبرز أهمية العالقة بين قضية التنمية وباقي األبعاد ,فحتى وإن ك انت في جوهره ا اقتص ادية
فعناصر نجاحها األساسية تقع خارج االقتصاد لتصبح قضية دولية بمقاييس محلية.
لذا عملت األمم المتحدة مع نهاية القرن العشرين; على وضع أسس لتوافق جديد للتنمية في ضرورة توافر شروط
موضوعية ,حتى وإن كانت تتطلب تعاونا دوليا فلن تكون ناجحة إال إن استجابت الحتياجات السكان وترجمت ذلك في
إطار متماسك لسياساتها .دون أن نغفل عن ضرورة ت وافر ش روط ذاتي ة كافي ة لنق ل عملي ة التجدي د من مش روع إلى
3
مسيرة منظمة األمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة
أرض الواقع ,أي ضرورة إدراك أهمية ص ناع الق رار ,النخب ة الحاكم ة ,ق ادة الفك ر وال رأي الع ام .ه ذا م ا ترجمت ه
الجمعية العامة كخط وة أولى س نة 1993إلع ادة هيكل ة وتنش يط األمم المتح دة في المي ادين االقتص ادية واالجتماعي ة
والميادين ذات صلة.
4