Professional Documents
Culture Documents
1176 001 003 007
1176 001 003 007
عمرو الشلقاني *
ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻋﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﻴﻦ :ﺍﻟﺴﻨﻬﻮﺭﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ - 1952 ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ:
1954
المحامين»:
إعدامﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ يريد
ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ «الشعب
ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ:
ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻸﺑﺤﺎﺙ ﻭﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ:
بينﻋﻤﺮﻭالقانون والثورة ()1954 – 1952 السنهوري
ﺍﻟﺸﻠﻘﺎﻣﻲ، ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ:
ﻣﺞ ,1ﻉ 3 ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ/ﺍﻟﻌﺪﺩ:
ﻧﻌﻢ يف أزمة آذار /مارس 1954بطلاً آثر الوقوف مع التيار الديمقراطي ،فنادى مع ظهر السنهوري ﻣﺤﻜﻤﺔ:
اجلناح املؤيد للواء حممد نجيب بعودة اجليش إىل ثكناته ،وإطالق حرية األحزاب السياسية ،متهيدً ا
2013 ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ:
لعقد انتخابات نزهية يف ظل دستور جديد كان له الدور الكبري يف صوغ أحكامه .ثم ظهر بعد
ﺷﺘﺎﺀاستخفاف العسكر بسيادة القانون ،وعدائهم الستقالل القضاءُ ،فيرضب القايض ذلك بأيام شهيد ﺍﻟﺸﻬﺮ:
123ثم يشتد العداء بينه وبني عبد النارص ُفيعزل من منصبه القضائي ،و ُيمنع حمكمته، الكبري عىل س ّلم
- 140 ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ:
من السفر أعوا ًما جزاء التزامه بمبادئه القانونية الرصينة.
10.12816/0000314 :DOI
هذا الرسد التقليدي لقصة االعتداء عىل السنهوري نراه حمل اعرتاضات جوهرية ،ملا يف ذلك الرسد
غري قليل للدور السيايس الذي أداه السنهوري قبل حلظة االعتداء عليه تلك، 470791
التقليدي من إغفال ﺭﻗﻢ :MD
ﻭﻣﻘﺎﻻﺕوالتعاون مع القائمني عىل حركة انقالب اجليش ما يتعذر معه اعتبار ﺑﺤﻮﺙأوجه الود
ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ :وهو دور فيه من
ضحية طاهرة للعصف النارصي بسيادة القانون. AraBase
ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ:السنهوري جمرد
كيف لنا أن نفرس هذا التناقض الصارخ بني االعتداء عىل السنهوري يف 29آذار /مارس 1954
ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ،ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ،ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،ﺍﻹﻧﻘﻼﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ، ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ:
جراء تأييده للتيار الديمقراطي بحسب فولكلورنا القانوين من جانب ،ومواقف السنهوري ّ
ﺍﻟﻤﺤﺎﻣﻮﻥ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻮﻥ ،ﺍﻟﺴﻨﻬﻮﺭﻱ ،ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺍﺯﻕ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺴﻨﻬﻮﺭﻱ ،ﻣﺼﺮ
السابقة عىل ذلك االعتداء الدرامي بكل ما انطوت عليه من تأييد ومباركة للتدابري الثورية
واخلارقة يف جمملها للرشعية الدستورية من جانب آخر؟
http://search.mandumah.com/Record/470791 ﺭﺍﺑﻂ:
أمهية السؤال تكمن يف ما تشهده مرص اليوم وسط صدمة الشعب من عزوف نخبتنا القانونية عن
إقامة «العدل الثوري» احلق بعد 25كانون الثاين /يناير ،2011وذلك ألسباب نراها تارخيية،
باقية معنا بعد ستة عقود من انقالب اجليش ،تاركة اجلميع يف توجس من أي تعامل ثوري مع نظام
مبارك وحاشيته ،بينام نتابع أحكام الرباءة تصدر الواحد تلو اآلخر يف شأن كل من قامت ثورة 25
يناير يف وجه سلطانه.
هي هواجس املايض ،تعود لرتاودنا يف احلارض ،عساها تفيد يف حلظة ثورية جديدة كالتي تشهدها
النخبة القانونية يف مرص اليوم ،حلظة حتمل يف طياهتا واقعة رضب أخرى ،لسنهوري آخر ،ربام عىل
س ّلم جملس الدولة ،أو دار القضاء ،أو الدستورية العليا ،وك ّلهم سواء.
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ 29.آذار /مارس 1954تظاهرات مل يشهد تاريخ الثورات احلديثة أعجب منها؛ ظهرية يوم القاهرة
ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺟﻤﻴﻊشهدت
© 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ
وعبد
ﺗﺼﺮﻳﺢ والثورة ﺩﻭﻥ اجليش
ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( بحياةﺍﻟﺒﺮﻳﺪ طرقاهتا ،تارة
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﻭﺳﻴﻠﺔ يف
)ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ املدينةﺃﻱوهتتف ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭشوارع
ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ املواطنني لتغمر
من ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ جمموعات
ﻭﻳﻤﻨﻊ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡخرجت
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ، إذ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ
ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
* مدرس القانون املدين ،كلية احلقوق جامعة القاهرة ،وأستاذ مساعد ،قسم القانون ،اجلامعة األمريكية بالقاهرة.
123
عمرو الشلقاني *
ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ:
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ 29.آذار /مارس 1954تظاهرات مل يشهد تاريخ الثورات احلديثة أعجب منها؛ ظهرية يوم القاهرة
ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺟﻤﻴﻊشهدت
© 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ
وعبد
ﺗﺼﺮﻳﺢ والثورة ﺩﻭﻥ اجليش
ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( بحياةﺍﻟﺒﺮﻳﺪ طرقاهتا ،تارة
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﻭﺳﻴﻠﺔ يف
)ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ املدينةﺃﻱوهتتف ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭشوارع
ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ املواطنني لتغمر
من ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ جمموعات
ﻭﻳﻤﻨﻊ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡخرجت
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ، إذ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ
ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
* مدرس القانون املدين ،كلية احلقوق جامعة القاهرة ،وأستاذ مساعد ،قسم القانون ،اجلامعة األمريكية بالقاهرة.
123
عمرو الشلقاني *
ظهر السنهوري يف أزمة آذار /مارس 1954بطلاً آثر الوقوف مع التيار الديمقراطي ،فنادى مع
اجلناح املؤيد للواء حممد نجيب بعودة اجليش إىل ثكناته ،وإطالق حرية األحزاب السياسية ،متهيدً ا
لعقد انتخابات نزهية يف ظل دستور جديد كان له الدور الكبري يف صوغ أحكامه .ثم ظهر بعد
ذلك بأيام شهيد استخفاف العسكر بسيادة القانون ،وعدائهم الستقالل القضاءُ ،فيرضب القايض
الكبري عىل س ّلم حمكمته ،ثم يشتد العداء بينه وبني عبد النارص ُفيعزل من منصبه القضائي ،و ُيمنع
من السفر أعوا ًما جزاء التزامه بمبادئه القانونية الرصينة.
هذا الرسد التقليدي لقصة االعتداء عىل السنهوري نراه حمل اعرتاضات جوهرية ،ملا يف ذلك الرسد
التقليدي من إغفال غري قليل للدور السيايس الذي أداه السنهوري قبل حلظة االعتداء عليه تلك،
وهو دور فيه من أوجه الود والتعاون مع القائمني عىل حركة انقالب اجليش ما يتعذر معه اعتبار
السنهوري جمرد ضحية طاهرة للعصف النارصي بسيادة القانون.
كيف لنا أن نفرس هذا التناقض الصارخ بني االعتداء عىل السنهوري يف 29آذار /مارس 1954
جراء تأييده للتيار الديمقراطي بحسب فولكلورنا القانوين من جانب ،ومواقف السنهوري ّ
السابقة عىل ذلك االعتداء الدرامي بكل ما انطوت عليه من تأييد ومباركة للتدابري الثورية
واخلارقة يف جمملها للرشعية الدستورية من جانب آخر؟
أمهية السؤال تكمن يف ما تشهده مرص اليوم وسط صدمة الشعب من عزوف نخبتنا القانونية عن
إقامة «العدل الثوري» احلق بعد 25كانون الثاين /يناير ،2011وذلك ألسباب نراها تارخيية،
باقية معنا بعد ستة عقود من انقالب اجليش ،تاركة اجلميع يف توجس من أي تعامل ثوري مع نظام
مبارك وحاشيته ،بينام نتابع أحكام الرباءة تصدر الواحد تلو اآلخر يف شأن كل من قامت ثورة 25
يناير يف وجه سلطانه.
هي هواجس املايض ،تعود لرتاودنا يف احلارض ،عساها تفيد يف حلظة ثورية جديدة كالتي تشهدها
النخبة القانونية يف مرص اليوم ،حلظة حتمل يف طياهتا واقعة رضب أخرى ،لسنهوري آخر ،ربام عىل
س ّلم جملس الدولة ،أو دار القضاء ،أو الدستورية العليا ،وك ّلهم سواء.
شهدت القاهرة ظهرية يوم 29آذار /مارس 1954تظاهرات مل يشهد تاريخ الثورات احلديثة أعجب منها؛
إذ خرجت جمموعات من املواطنني لتغمر شوارع املدينة وهتتف يف طرقاهتا ،تارة بحياة اجليش والثورة وعبد
* مدرس القانون املدين ،كلية احلقوق جامعة القاهرة ،وأستاذ مساعد ،قسم القانون ،اجلامعة األمريكية بالقاهرة.
العدد 3
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
هذا الرسد التقليدي لقصة االعتداء عىل السنهوري نراه حمل اعرتاضات جوهرية ،ال متت بصلة إىل مكانة الرجل
الفكرية كواحد من أنبغ فقهاء القانون يف تارخينا احلديث ،بل ربام أنبغهم عىل اإلطالق .إنام يكمن االعرتاض يف
ما ينطوي عليه ذلك الرسد التقليدي ،بنرباته البطولية ،من إغفال غري قليل للدور السيايس الذي أداه السنهوري
قبل حلظة االعتداء عليه تلك ،وهو دور فيه من أوجه الود والتعاون مع القائمني عىل حركة انقالب اجليش ما
يتعذر معه اعتبار السنهوري جمرد ضحية طاهرة للعصف النارصي بسيادة القانون .فالرجل الذي ضرُ ب عىل
س ّلم جملس الدولة يف 29آذار /مارس ،1954وكان بذلك ضحية شديدة الدرامية لرفض «العسكر» تب ّني
أيضا الرجل نفسه الذيدستور ديمقراطي جديد وعقد انتخابات نزهية خيتار فيها الشعب ممثّليه بالربملان ،هو ً
جلس عىل منصتة القضائية يف 31متوز /يوليو ،1952بعد أسبوع واحد من قيام اجليش بانقالبه العسكري،
فأفتى بام نراه يأيت عىل أحكام دستور 1923ويتعارض مع أبسط قواعد املنطق القانوين السليم.
ثم أمىض السنهوري بعد ذلك اجلانب األكرب من تلك املرحلة احلرجة ما بني انقالب اجليش واشتعال أزمة آذار/
مارس 1954وهو يمد الضباط األحرار ،وعىل رأسهم نارص ،بمختلف صور العون القانوين يف مرشوع «تطهري»
احلياة السياسية عىل نحو ما سنتناول بالتفصيل .فقد ساهم يف صوغ بعض القوانني احلساسة للنظام العسكري
احلاكم يف تلك املرحلة ،وأفتى من قسم الرأي يف جملس الدولة بتحصني هذه القوانني من الطعن عليها بالعيب
أو العوار ،كام صدرت يف ظل رئاسته للمجلس ً
أيضا جمموعة مهمة من األحكام القضائية املؤيدة لتلك القوانني.
أدل عىل مقدار ما وصلت إليه أوجه الود والتعاون بني جملس الدولة والقائمني عىل انقالب اجليش حتى وليس ّ
آذار /مارس ،1954من أننا نجد سليامن بك حافظ يف مذكراته ،وهو زميل السنهوري يف إدارة دفة التعاون
القانوين/العسكري هذا ،قد ذهب يف تفسريه لواقعة االعتداء إىل استبعاد ضلوع جبهة عبد النارص فيها «النعدام
الباعث من جهتهم ،إذ كانوا يعلمون أن السنهوري مل ينحز إىل جانب أي من الفريقني يف اخلالف الواقع بينهام،
بل لعله كان يف املرحلة األخرية منه أكثر لو ًما لنجيب منه لصحبه»(.)3
ولعل مطالعة غالف جملة روز اليوسف يف عددها الصادر قبل أسبوع من وقوع االعتداء عىل السنهوري أن
تكون أفضل متثيل للحال الذي بلغه هذا الود والتعاون بني نخبة القانونيني والضباط األحرار ،إذ نجد عىل
تأبط ذراعيه نارص ونجيب من كل ناحية ،بينام
كاريكاترييا لدستور البالد اجلديد املرتقب ،وقد ّ
ًّ الغالف رسماً
يقوم صالح سامل عىل زفّه كالعروس بالورد من األمام ،بينام السنهوري يف اخللف حيتفي باملوكب الدستوري
أيضا عن طريق دق الصاجات ،وسليامن حافظ إىل جانبه يف مشهد مقارب حلركات األراجوزات يف املوالد، ً
احتفالاً هو اآلخر بقرب صدور الدستور املأمول.
جراء تأييده للتيار
كيف لنا أن نفرس هذا التناقض الصارخ بني االعتداء عىل السنهوري يف 29آذار /مارس ّ 1954
الديمقراطي حسب فولكلورنا القانوين من جانب ،ومواقف السنهوري السابقة عىل ذلك االعتداء الدرامي من
جانب آخر ،بكل ما انطوت عليه من تأييد ومباركة للتدابري الثورية واخلارقة يف جمملها للرشعية الدستورية؟
قبل هذا وذاك ،ملاذا العودة من األصل إىل استذكار قصة رضب السنهوري عىل س ّلم جملس الدولة؟ هل من
فائدة ترجى لتلك الذكرى؟ َأوليس من األجدى عدم فتح دفاتر املايض من جديد ،واالنتباه إىل ما حييق بحارضنا
القانوين من مشكالت ومرص تسترشف مستقبلها الدستوري يف أعقاب ثورة 25يناير؟
الرأي لدينا أن الثورة ،أي ثورة ،أينام تكن ،أو كيفام تَقُ ْم ،هي دو ًما عند أهل القانون جريمة ،وعند أهل الثوار
عدل وقصاص .كانت تلك معضلة السنهوري يف األعوام الفارقة بني انقالب اجليش عام 1952واشتعال أزمة
3سليامن حافظ ،ذكريايت عن الثورة (القاهرة :دار الرشوق ،)2010 ،ص .129
العدد 3
4وحيد رأفت ،فصول من ثورة 23يوليو (القاهرة :دار الرشوق ،)1978 ،ص .121- 120
5راجع يف كل ما سبق :عبد الرمحن الرافعي ،يف أعقاب الثورة املرصية :ثورة 3 ،1919ج (القاهرة :دار املعارف،)1989-1987 ،
ج ،3ص 18- 17و.49-47
127 المحور :الدستور في الفكر العربي الحديث ( :)Iتواريخ وقضايا
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
العرش ألي سبب آخر ،كأن يتنازل امللك عنه مثلاً ملرض يعيقه عن االضطالع بمهامه ،أو أن يتم عزل امللك
عن العرش بثورة الشعب عليه ،ثم يبقى يف قيد احلياة.
وإزاء هذا الغموض يف مواد الدستور ،أخذت الترصحيات تتضارب بشأن جملس الوصاية عىل عرش األمري أمحد
فؤاد ،فنجد عيل باشا ماهر ،رئيس الوزراء حينئذ ،تارة يقول بوجوب أن حيلف األوصياء اليمني أمام الربملان
ويدعي أن املادة ()52 قبل تو ّليهم سلطات احلكم وفقًا للامدة ( )52من الدستور ،وتارة أخرى ينفي ذلك ّ
تقترص فقط عىل حالة وفاة امللك من دون تنازله عن العرش(.)6
جمر ًدا من أي أثر سيايس، وحتى ال يتصور القارئ أن هذا اخلالف يف تفسري دستور 1923كان خال ًفا ً
فقهيا ّ
ينبغي لنا التذكري بأن وزارة اهلاليل باشا كانت قد أمرت بحل جملس النواب عقب وقوع حريق القاهرة يف
كانون الثاين /يناير ،1952ثم تال ذلك وقف جلسات جملس الشيوخ ،فكانت احلياة النيابية َّ
معطلة متا ًما عند
قيام «حركة اجليش» يف 23متوز /يوليو ،1952وبالتايل كان من شأن اإلرصار عىل أداء األوصياء اليمني أمام
الربملان أن ُيدعى املجلس النيايب إىل االنعقاد ،ومن ثم عودة األغلبية الوفدية إىل مقاعدها ،وهو أمر مل يكن عىل
هوى حكام مرص اجلدد من العسكر ،وال عىل هوى ساسة البلد من املناوئني حلزب الوفد.
إزاء هذا التباين يف تفسري املادة ( )52من الدستور ،اتفق عيل ماهر مع الضباط األحرار برئاسة اللواء حممد
نجيب بك عىل استطالع وجهة نظر قسم الرأي يف جملس الدولة يف هذا الشأن ،وقيل حينئذ «إن الطرفني املدين
والعسكري التزما مسبقًا بالنزول عىل هذه الفتوى الدستورية أ ًيا كان حمتواها»(.)7
وعىل ذلك ،انعقد قسم الرأي يف جملس الدولة يف الساعة احلادية عرشة من صباح يوم 31متوز /يوليو ،1952
بغرض اإلجابة عن طلب الفتوى املقدم من رئيس الوزراء ،ونصه «هل جيوز دعوة الربملان املنحل لالنعقاد
لفض مظروف الوصاية [عىل العرش] وليحلف األوصياء أمامه باليمني الدستورية وذلك تطبيقًا للامدة 52من
وتوجه إىل ذلك االجتامع الطارئ مجيع مستشاري قسم الرأي يف املجلس ،بمن فيهم األستاذ سليامن
ّ الدستور؟»(.)8
حافظ بك وكيل املجلس لقسمي الرأي والترشيع( .)9كام فوجئ احلضور بقدوم رئيس جملس الدولة الدكتور عبد
الرزاق السنهوري باشا لريأس االجتامع بنفسه ،وذلك عىل غري العادة ،حيث كان سليامن حافظ هو الذى يرتأس
تلك االجتامعات يف الظروف العادية .وقد كان يف قدوم السنهوري إىل مقر رئاسة قسم الرأي يف شارع الفلكي،
ورئاسته لذلك االجتامع الطارئ ،ثم خروج سليامن حافظ من االجتامع ملقابلة رئيس الوزراء عيل ماهر باشا
والتشاور معه عىل ما يبدو ،ثم عودته بعد ذلك للمشاركة يف االجتامع ثانية ،كان يف كل ذلك ما يدعو إىل الشعور
باألمهية االستثنائية للموضوع املطروح ألخذ رأي املجلس فيه ،وبمقدار فداحة األثر السيايس هلذا الرأي(.)10
ويشري حمرض االجتامع إىل انقسام الرأي يف تفسري املادة 52بني وجهتني ،األوىل تب ّناها الدكتور وحيد رأفت دون
وملخص الرأي األول
ّ غريه من احلضور ،والثانية ا ّدعاها سائر قسم الرأي ،ويف مقدمته السنهوري وسليامن حافظ.
أن األصل يف الدستور هو أن حيلف امللك وجملس األوصياء اليمني أمام الربملان قبل توليّ أي منهام سلطات احلكم،
6وهذا ما يبدو من مطالعة املذكرات الشخصية للدكتور وحيد رأفت بك ،والذى كان يشغل حينئذ وظيفة رئيس ادارة الرأي بمجلس
الدولة لوزاريت اخلارجية والعدل ،انظر :رأفت ،ص .121- 120
7املصدر نفسه ،ص .121- 120
8املختار من فتاوى اجلمعية العمومية لقسمي الفتوى والترشيع يف مخسني عام ًا ،تقديم طارق البرشي (القاهرة :جملس الدولة،)1997 ،
ص .46-39انظر يف النص الكامل ملحرض اجللسة ،ملحق الكتاب رقم (.)11
وهم األساتذة أبو العينني سامل وعبده حمرم وعمر لطفي وحامد عبد الكريم وعبد العزيز خري الدين وعبد الرمحن نصري ،فضلاً عنُ 9
الدكتور وحيد رأفت كام أرشنا سابقًا ،انظر :املصدر نفسه ،ص .39
10املصدر نفسه ،ص 40و ،42وحافظ ،ص .56 - 51
العدد 3
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
وش ّتان ما بني لفظي «الثورة» و«االنقالب» يف الداللة واملعنى ،وليس أعلم من رجال القانون بقيمة هذا
االختالف بينهام ،وما يستتبع كلاًّ منهام من أثر فقهي متباين جدً ا يف املنظومة القانونية للبالد.
من هنا نجد الف ًتا للنظر أنه يف يوم انعقاد قسم الرأي يف جملس الدولة للنظر يف طلب الفتوى السالف الذكر،
نرشت جريدة األهرام أوىل مقاالت الدكتور سيد صربي يف سلسلته عن «الفقه الثوري» ،التي دافع فيها عن
النظرية الدستورية القائلة بسقوط الدساتري القائمة بعد الثورات واالنقالبات ،وذهب فيها إىل أن ما حدث يف
يومي 23و 26متوز /يوليو 1952ما هو إلاّ «ثورة» أطاح فيها اجليش نظام احلكم القديم ،ومل يتبق سوى إعالن
قادة هذه الثورة لسقوط دستور ،1923إثباتًا بذلك لواقع احلال ،ودونام احلاجة إىل أي إجراءات أخرى(.)14
ويبدو أن املقال هذا قد لقي اهتام ًما يف أوساط اجليش ،ولدى القائمني عىل حركة 23يوليو خاصة .وكاتبه،
الدكتور سيد صربي ،هو أستاذ القانون الدستوري يف كلية احلقوق -جامعة فؤاد األول ،أو جامعة القاهرة يف ما
أيضا يف آراء بعض مستشاري جملس بعد .ونجد أن نظرية الدكتور صربي هذه يف «الفقه الثوري» كان هلا صدى ً
الدولة ّممن حرضوا اجتامع قسم الرأي يف يوم نرش هذا املقال ،فذهب األستاذ عبده حمرم مثلاً إىل أن البالد دخلت
بعد انقالب اجليش يف «حالة الرضورة» ،بكل ما يستتبعها من السامح بإجراءات القانون االستثنائية ،بينام قال
األستاذ عبد الرمحن نصري ،يف سياق معارضته دعوة الربملان إىل االنعقاد ،إنه «حتى لو س ّلمنا بانطباق حالة الوفاة
معطلة وأمام ثورة داخلية ،وال يمكن عىل حالة النزول ،فإننا لسنا أمام جملس نواب منحل وإنام أمام حياة نيابية َّ
القول بعودة هذا املجلس املنحل للعمل»(.)15
ولعل رأي األستاذ أبو العينني سامل يف هذا الشأن ،وعىل نحو ما ورد يف حمرض االجتامع ،كان هو أكثر آراء َّ
طبقنا حكم الدستور ،فإن احلل تأثرا بنظرية الفقه الثوري تلك ،إذ ذهب إىل أنه «إذا ّ مستشاري جملس الدولة ً
الذى قال به الدكتور وحيد رأفت يكون هو احلل الصحيح ،ولكن األمر هنا أمر ثورة قامت إلصالح شئون هذه
البلد التي ساءت ،فيجب يف هذه احلالة النظر إىل االعتبارات التى قامت هبا هذه الثورة وعدم التقيد بنصوص
حرفيا إلاّ ما استطعنا أن نصل إىل األهداف التي قامت عليها هذه احلركة املباركة .وإذا كان القائمون ً الدستور
عىل هذا احلركة قد أعلنوا احرتامهم ألحكام الدستور فإهنم يقصدون بذلك األحكام الدستورية الصاحلة
واحلياة النيابية السليمة ،وأرى أنه ال يمكن دعوة الربملان املنحل لالنعقاد»(.)16
وكام رأينا ،فقد انتهت فتوى املجلس بالفعل إىل عدم احلاجة إىل دعوة الربملان إىل االنعقاد ،لكن صائغيها مل
يستندوا يف هذا إىل نظرية الفقه الثوري ،واكتفوا بتسبيب رأهيم عىل أساس قصور أحكام دستور 1923عن
تناول حالة النزول عن العرش رصاحة .ولعله كان أفضل ملستشاري املجلس أن يسندوا فتواهم تلك إىل رأي
عمليا عن أثر
ً الفقه الثوري رصاحة ،بدلاً من ذلك التفسري املعيب يف مواد الدستور ،وهو التفسري الذى متخض
القول ذاته بسقوط الدستور متا ًما.
امتد اجتامع قسم الرأي يف جملس الدولة ما يقارب الست ساعات ،وأخذت هلجة النقاش فيه تزداد حدة
بمرور الوقت ،إىل أن انتهت اجللسة بمداخلة أخرية للدكتور وحيد رأفت أثبتها أمني الرس يف املحرض الرسمي
لالجتامع ،وسجل فيها تأكيد رأفت رصاحة بأنه «ال يمكن أن يوافق» عىل رأي السنهوري وحافظ ،م ّتهماً تفسري
األغلبية للامدة ( )52بأنه «خمالفة خطرية ألحكام الدستور بل تعديل ألحكامه»(.)17
14سيد صربى« ،الفقه الثوري »،األهرام ،1952/8/24 ،1952/7/31 :و 5و ،1952/9/13وقد قام الدكتور وحيد رأفت بالرد
عىل هذه املقاالت بأخرى معارضة هلا يف اجلريدة ذاهتا ،ومشار إليها باملرجع السابق.
15انظر حمرض اجللسة ،يف :املختار من فتاوى اجلمعية العمومية ،ص .41
16املصدر نفسه ،ص .42
17املصدر نفسه ،ص .45
العدد 3
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
حركة اجليش يف 23متوز /يوليو 1952؛ فقد مد املجلس ،وعىل رأسه السنهوري باشا ،يد العون واملؤازرة إىل
التحول فتوى املجلس
ّ احلكومات املتعاقبة عىل حكم مرص حتى آذار /مارس ،1954وكان أول مؤرشات هذا
يف 31متوز /يوليو ،1952التي أتت وفق هوى حكومة عيل باشا ماهر ،ومن خلفها الضباط األحرار ،يف جت ّنب
عودة الوفد إىل الربملان.
ويبدو من مذكرات وحيد رأفت يف االجتامع الذي متخضت عنه هذه الفتوى أن مقدار العداوة بني السنهوري
وحافظ من جهة والوفد من جهة أخرى كان قد وصل إىل حد املطالبة بأن «تضمن الفتوى الصادرة منا دعوة
احلكومة إىل استخدام القوة إذا ما حاول جملس النواب الوفدي املنحل االنعقاد من تلقاء نفسه» .كام نجد يف
حمرض اجللسة سليامن حافظ يتوعد احلضور رصاحة بأنه «إذا سئلت يف ذلك فإين سأفتي بأن احلكومة تستطيع
أن متنع هذا االجتامع بل يتعني عليها أن متنعه ولو بالقوة»( ،)22فثار رأفت يف وجه سليامن حافظ عند سامعه هذا
يستعدوا احلكومة عىل نواب انتخبهم الشعب لتمثيله»، الرأي ،مذكّ ًرا بأنه «ال يليق بسدنة القانون وحرماته أن ْ
خاصة أن الوطن «بصدد انقالب عسكري ال يعلم إلاّ اهلل إىل أين سيقود البالد ،وإنَّ واجبنا كحقوقيني مدنيني
أن نتضافر ملواجهة ما يصاحب تلك االنقالبات العسكرية من خطر عىل احلريات»(.)23
عىل أي حال ،صدرت الفتوى يف 31متوز /يوليو 1952ثم أعقبها يف آب /أغسطس اهنيار العالقات الودية
بني ماهر والضباط األحرار .وكان يف مقدمة اخلالفات بينهام اعرتاض ماهر رصاحة عىل مرشوع قانون حتديد
م ْلكية األرض الزراعية ،إىل أن وصل الصدام بينهام أوجه يف ليلة 5أيلول /سبتمرب ،1952فتم اعتقال أربعة
وستني شخصية من كبار الساسة ورجال احلكم من خمتلف األحزاب السياسية ،ثم أقيل عيل ماهر من رئاسة
الوزارة يف اليوم التايل ،وأخذ الضباط األحرار يف البحث عن رئيس وزراء جديد خلالفته.
كان اسم السنهوري أبرز األسامء املرشحة للمنصب لدى الضباط األحرار ،وما من شك أن تأييده قانون حتديد
امل ْلكية الزراعية كان من األسباب الرئيسة وراء ترشيحه للمنصب .وكان الرجل نفسه قد أعرب عن استعداده
االستقالة من جملس الدولة لتوليّ رئاسة الوزارة اجلديدة ،إلاّ أن الضغوط األمريكية ،يف ما يبدو ،أثنت الضباط
عن هذا االختيار .وكان يف مقدمة اعرتاضات السفري األمريكي جيمس كافري سبق توقيع السنهوري عىل «إعالن
ستوكهومل» يف ،1951ذلك اإلعالن الذى تب ّنته حركة السالم الدولية وأيده كبار املفكرين من اليسار األورويب
أمثال جان بول سارتر ،فثارت خماوف السفري األمريكي من ميول السنهوري «املتطرفة» ،وضغط الستبعاده من
توليّ املنصب ،فكان ثاين األسامء املرشحة لرئاسة الوزارة سليامن بك حافظ ،وكيل جملس الدولة لقسمي الرأي
والترشيع ،وكان بدوره مستعدً ا لرتك املجلس واالنضامم إىل الوزارة اجلديدة ولكن من دون توليّ رئاستها(.)24
وإزاء استبعاد اسم السنهوري ،ثم رفض حافظ توليّ املنصب ،ولدت الوزارة اجلديدة برئاسة اللواء حممد نجيب
يف 7أيلول /سبتمرب ،1952فكانت بذلك أول وزارة مدنية يرأسها رجل من العسكر يف تاريخ السياسة املرصية
منذ أن تولىّ عرايب باشا رئاسة الوزارة عام .1882ويبدو أن الثنائي القانوين السنهوري /حافظ قام بدور مهم
مرجحا له السالمة القانونية الضطالع رجل اجليش بزمام جملس
ً يف إقناع نجيب بتوليّ منصب رئاسة الوزارة،
الوزراء يف أعقاب االنقالبات العسكرية.
ووزيرا للداخلية ،وكان له الدور األكرب يف انتقاء
ً نائبا لرئيس جملس الوزراء
انضم سليامن حافظ إىل وزارة نجيب ً
22أنظر حمرض اجللسة ،يف :املختار من فتاوى اجلمعية العمومية ،ص .43
23رأفت ،ص .122
“extremist” 24راجع يف ذلك مراسالت كافري ،ولقاء خاص مع خالد حميى الدين ،يفJoel Gordon, Nasser’s Blessed Movement: :
Egypt’s Free Officers and the July Revolution, Studies in Middle Eastern History (New York: Oxford University Press,
1992), p. 67.
العدد 3
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
حلزب الوفد ورئيسه النحاس باشا عىل وجه اخلصوص( .)27وإذا كانت أحكام القانون الذي أعده قد طاولت نظر ًيا
مجيع األحزاب يف الساحة السياسية املرصية ،فإن حزب الوفد كان ،بال شك ،املترضر الرئيس من أحكامه؛ فبعد
فتنحى النحاسمتوخيا أحكام قانون األحزاب اجلديدّ ،
ً صدور القانون ،قام الوفد بإعادة تنظيم أوراقه الداخلية،
باشا عن رئاسة احلزب ُ
وأسندت إليه رئاسته الفخرية ،بينام انتقلت رئاسة احلزب الفعلية إىل عبد السالم باشا مجعة
خل ًفا للنحاس .وهبذا التشكيل اجلديد تقدم الوفد إىل وزارة الداخلية بإخطار إعادة تكوين احلزب يوم 6ترشين
األول /أكتوبر ،1952وذلك قبل يوم واحد من انقضاء املهلة املمنوحة لألحزاب يف هذا الشأن.
وزيرا للداخلية ،عىل إخطار الوفد بإعادة تشكيله هذه .وكان اعرتاضه بدعوىاعرتض سليامن حافظ ،بصفته ً
أن يف توليّ النحاس الرئاسة الرشفية حلزب الوفد حتايلاً وخمالفة لقانون تنظيم األحزاب .كام اعرتض حافظ
أيضا ،وللسبب نفسه ،عىل استمرار عضوية عبد الفتاح باشا الطويل يف الوفد .وإزاء هذه االعرتاضات ،انتقل ً
اخلالف بني حافظ والوفد إىل قاعات املداولة يف جملس الدولة ،لتفصل حمكمة القضاء اإلداري يف النزاع بموجب
تكونت من 12
وشكل الوفد هيئة للدفاع عن احلزب ّ اختصاصها املنصوص عليه يف قانون األحزاب اجلديدّ .
حماميا من كبار رجال املحاماة حينئذ ،وىف مقدمتهم األساتذة إبراهيم فرج وحممود سليامن غنام وحممد صالح ً
الدين ،ووحيد رأفت بعد استقالته من جملس الدولة. ّ
حدة يف ترافعه عن مصري احلزب ،فنجده يف جلسة ولعل األستاذ إبراهيم فرج كان أكثر أعضاء هيئة الدفاع ّ
عيا أن «القضية التي تنظروهنا اليوم ليست قضية مصطفى النحاس مد ً
االستامع األوىل للنزاع أمام جملس الدولة ّ
أو عبد الفتاح الطويل ،بل هي قضية احلياة النيابية يف مرص!» ،ثم نراه يوم 10كانون الثاين /يناير 1953
()28
يرتافع يف القضية ،ويتهم سليامن حافظ رصاحة بالتواطؤ حلل حزب الوفد ،وذلك يف جلسة صاخبة حرضها
حولوا قاعة املحكمة إىل شبه مظاهرة سياسية» نادى فيها فرج بأن األمة املرصية وحدها
«مجع غفري من املواطنني ّ
دون سليامن حافظ هي صاحبة احلق يف حل حزب الوفد .
()29
27يذهب رأفت يف هذا السياق إىل أن «من املعروف عن األستاذ سليامن حافظ أنه كان يف وقت ما من أنصار احلزب الوطني القديم،
عدوا لدو ًدا حلزب الوفد ورئيسه مصطفى النحاس بالذات ،بل ولألحزاب السياسية بوجه عام ،فانعكست معامل هذا العداء يفكام كان ً
نصوص الترشيع الذى أعده (مرسوم بقانون 179لسنة .»)1952انظر :رأفت ،ص .75
28املرصي ،1952/11/21 ،و راجع يف تشكيل هيئة الدفاع :رأفت ،ص .78
29املرصي1953 /1/11 ،؛ رأفت ،ص ،80و Gordon, p. 77.
30رأفت ،ص ،45واألهرام .1952 /12/ 10
31اجلريدة الرسمية ( 17كانون الثاين /يناير .)1953
العدد 3
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
بذلك صفحة جديدة يف اخلطاب السيايس املحتدم حينئذ حول إمكان الرجوع إىل احلياة النيابية وتفعيل دور
األحزاب السياسية ،ولكن مع تفادي مثالبها عىل نحو ما كانت قبل انقالب اجليش.
وقد كان للسنهوري رأي يف هذا املسألة ،عرضه بشكل تفصييل ودافع عنه عىل املأل ،مؤداه رضورة جت ّنب عودة
احلياة احلزبية إىل سريهتا األوىل قبل الثورة ،من ترشذم االجتاهات السياسية والتناحر بني األحزاب ،ومن ثم
وجوب اختزال النشاط السيايس مستقبلاً يف ثالثة أحزاب حمددة باالسم ال رابع هلا ،كان أوهلا حزب يميني
حمافظ يدافع عن التقاليد وينادي بعودة البالد إىل سابق عهدها من عظمة التاريخ ،وثانيها حزب ذو نزعة ليربالية
ريا حزب يتب ّنى التوجه اإلصالحي احلذر ويدافع عن احلريات الفردية سواء املدنية منها أو االقتصادية ،وأخ ً
اشرتاكي العقيدة غرضه الدفاع عن «املكاسب الثورية» التي حتققت بعد انقالب اجليش.
تباعا اسم «حزب املحافظني» و«حزب األحرار» ومن بني هذه األحزاب الثالثة ،التي أطلق السنهوري عليها ً
خيف الفقيه والقايض الكبري تأييده املطلق للفصيل االشرتاكي يف هذه و«احلزب اجلمهوري االشرتاكي» ،مل ِ
التشكيلة احلزبية اجلديدة ،معللاً رأيه برضورة تب ّني سياسة تقدمية يف الشأن االجتامعي جتعل من قانون اإلصالح
نموذجا حيتذى به يف ما قد تتب ّناه الدولة مستقبلاً من إصالحات ترشيعية منشودة.
ً الزراعي
وال خيفى عىل القارئ هنا كيف اختفى حزب الوفد متا ًما من تصور السنهوري ملستقبل احلياة السياسية يف مرص.
وإذا كان نظام يوليو قد حقق للسنهوري بعض آماله يف رؤية إعادة التوزيع العادل للثروة يف مرص ،فإنه ال يغيب
برمتها ،وفدية كانت أيضا أن النظام ذاته كان مسؤو ً
ال عماّ نال السنهوري من إقصاء عن احلياة الساسية ّ عن القارئ ً
أو غريها ،مع دخول البالد يف هيمنة احلزب الواحد عىل مقدرهتا خالل الستة عقود التالية النقالب اجليش.
وكان ضرب السنهوري على ّ
سلم مجلس الدولة
عرضنا حتى اآلن لبعض تفاصيل مرحلة ما بني قيام انقالب اجليش يف 1952واندالع أزمة آذار /مارس
.1954ورأينا كيف كان تأييد السنهوري ومعه سليامن حافظ للقائمني عىل االنقالب بعد أسبوع من وقوعه،
ثم استمرار تأييدهم بعد ذلك وعىل نحو مطرد ،حتى أصبح الثنائي القانوين السنهوري /حافظ من كبار الوجوه
السياسية يف هذه الفرتة ،خاصة ما تعلق يف وقائعها بتفكيك املنظومة القانونية املرصية وفق دستور 1923؛ فقد
أفتى الرجالن بام ينتهك مبدأ حياد رجل القضاء عن السياسة ،وفاضال بني التفسري السليم للامدة ( )52منه
وعداوهتم السياسية حلزب الوفد ،وغ ّلبا التفسري اخلاليف يف أحكام هذا الدستور عىل رؤية نواب الوفد يعودون
إىل الربملان .وكان معهام يف ذلك كله سائر أعضاء قسم الرأي يف جملس الدولة ،باستثناء الدكتور وحيد رأفت
مدافعا عن حق الشعب يف عودة نوابه َ
املنتخبني منه إىل الربملان ،كام رأينا. ً الذي وقف دون غريه
وزيرا للداخلية يف وزارة نجيب ،واضطلع انطال ًقا من منصبه هذا بـ “تطهري” احلياة
ثم انتقل سليامن حافظ بعد ذلك ً
السياسية من نخبة ما قبل الثورة من الوفديني ،ليصبح بعد ذلك املستشار القانوين لنجيب عقب إعالن اجلمهورية
رئيسا ملجلس الدولة بعد حتجيم دور هذا اجلهاز القضائي يف يف 18حزيران /يونيو ،1953بينام بقي السنهوري ً
الرقابة عىل عمل السلطة التنفيذية ،خاصة ما تعلق منها بتطبيق القوانني الثورية املحصنة من رقابة املحاكم عليها.
إىل أن كانت أزمة آذار /مارس ،1954حني وقف الرجالن عىل األنقاض الباقية من مبادئ القانون ،ومل تكن
كثرية ،وحتالفا مع حممد نجيب يف صدام فرقته مع عبد النارص ومؤيديه ،ثم حتمال ثمن فشل هذا التحالف ،فقرر
جملس قيادة الثورة إعفاء نجيب من منصبه يف 15ترشين الثاين /نوفمرب ،1954وتم إقصاؤه إىل فيال حرم النحاس
باشا يف ضواحي القاهرة حيث بقي معتقلاً قرابة عرشين عا ًما .كام أقيل حافظ من منصبه واع ُتقل هو اآلخر إبان
العدوان الثالثي عام ،1956حتى إذا ما ُأفرج عنه قام بزيارة وحيد رأفت يف مكتبه ،وقد أصبحا كالمها من مماريس
املحاماة بعد أن كانا من القضاة يف جملس الدولة ،ودار بينهام ،وفق مذكرات رأفت ،احلديث التايل:
العدد 3
دعوة احلضور إىل اجتامع الربملان لسامع حلف اليمني الدستورية من
امللك فاروق قبل تنصيبه عىل عرش البالد يف متوز /يوليو 1937 مصطفى باشا النحاس
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
امللك فاروق يف جلسة حلف اليمني أمام الربملان (قاعة جملس الشعب اليوم) ً
حماطا بأمراء األرسة املالكة من جانب ،ووزارة
النحاس باشا من جانب آخر
امللكة نازيل واألمريات شقيقات فاروق يتابعن جلسة حلف اليمني من املقصورة امللكية يف الربملان
العدد 3
القضاة ووسطهم امللك فاروق يف فناء مبنى جملس الدولة القديم عقب افتتاحه عام 1949
«الشعب يريد إعدام المحامين» :السنهوري بين القانون والثورة ()1954 – 1952
غالف جملة روز اليوسف الصادرة يف أعقاب حريق القاهرة 18 ،شباط /فرباير 1952
جريدة األخبار :اجليش والشعب «جبهة واحدة» يف أزمة عدد املرصي 26آذار /مارس :1954تسليم اجليش السلطة
آذار /مارس 1954 حلكومة منتخبة