DFTAA Volume 14 Issue 50 Pages 10-55

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 46

‫العدد الخمسون‬

‫التضخم النقدي في ميزان الفقه اإلسالمي‬


‫المفهوم واألسباب‪ -‬اآلثار والعالج‬

‫الأستاذ الدكتور‪ /‬رمضان عبد ال ل��ه الصاوي‬


‫عميد كلية الشريعة والقانون بالدقهلية‬

‫مقدمة‬ ‫‪1‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والســام على أشــرف المرسلين سيدنا‬


‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫وبعد‪...‬‬
‫فإن اإلنسان خلقه اهلل تعالى ليكون خليفة له يف أرضه؛ فعهد إليه بالسعي فيها‬
‫َ َ ُ َۡ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫{ه َو ٱذَّلِي َج َعل لك ُم ٱأۡلۡرض‬
‫والسير يف مناكبها لطلب الرزق‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ه‬
‫ُّ‬ ‫ٱم ُشــوا ْ ِيِف َم َناكِب َها َو ُلُكُوا ْ مِن ّر ۡزقِهِۦ َ ۡ‬
‫ِإَويَلهِ ٱلن ُش ُ‬ ‫َُ ٗ‬
‫واٗل فَ ۡ‬
‫ور} [الملك‪ ،]15 :‬ويف‬ ‫ِ ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ذل‬
‫ِ‬ ‫الســائِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــول اهَّلل ‪َ (( :‬د ُعوا‬ ‫ب َم ْر ُفو ًعا‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫الحديث َع ْن َع َطاء ْب ِن َّ‬
‫ض))(((‪ ،‬وقد جعل اهلل للناس ميزانًا‬ ‫َّاس فِي َغ َف َاَلتِ ِه ْم َي ْرز ُُق اهَّللُ َب ْع َض ُه ْم ِم ْن َب ْع ٍ‬
‫الن َ‬
‫يتحاكمون إليه يف أعمالهم وتعاقداهتم وانتقال ملكيات بعضهم إلى بعض‪ ،‬أال‬

‫((( كتــاب مــن حديث خيثمة بن ســليمان‪ ،‬خيثمة بن ســليمان ‪ 188 /1‬ط‪ .‬دار الكتــاب العربي‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫المقنَّن بمعيار ثابت للقيم وهو الذهب والفضة‪ ،‬ومع تطور اإلنسان ونفاسة‬ ‫وهو المال ُ‬
‫المعدن لجأ اإلنسان إلى ما تعارف عليه كل مجتمع بارتضائه نقدً ا يعتد به يف التعامالت‬
‫وانتقــال الملكيات‪ ،‬حتــى غدا أهل األرض جمي ًعــا يتعاملون بــأوراق نقدية بديلة عن‬
‫المعدن النفيس‪ ،‬وارتضى كل مجتمع تســمية المال المقبول عنده بالتزام الدولة بالقوة‬
‫الشرائية للورقة النقدية التي ُتصدرها‪.‬‬
‫ونظرا لظروف كل دولة من ثبات أو تقلب يف األحوال‪ ،‬ومن تنوع الموارد أو قلتها‪،‬‬‫ً‬
‫ونظرا للجوء‬
‫ومــن وفــرة المنتجات فيها أو قلتها تأخــذ كل عملة القوة من مجتمعهــا‪ً ،‬‬
‫بعــض البــاد لطبــع أوراق نقدية زائدة عن الحد المســموح به مما يعــود بضعف قيمة‬
‫العملة كل عام عن قوهتا الشــرائية الســابقة عليه بداعي ما يســمى بالتضخم‪ ،‬وقد تعود‬
‫أسباب هذا التضخم إلى كثرة عدد الناس وثبات اإلنتاج وكذا البطالة المقنعة‪.‬‬
‫ووجود التضخم يف أي مجتمع يلقي بظالله عليه‪ ،‬وحتى نســتطيع معالجة التضخم‬
‫فــا بد من الوقوف على هذه الظاهرة وأســباهبا ورؤية مــدى تأثير ظاهرة التضخم على‬
‫األحكام يف المجتمع المســلم الذي لــه خصوصية عن باقي المجتمعات حيث يحكمه‬
‫شــرع ودين‪ ،‬فال بد من معرفــة الحالل من الحرام‪ ،‬فتأثير التضخــم ذو أثر واضح على‬
‫عبادة من أهم العبادات يف اإلســام‪ ،‬إذ هي األساس يف تكافل المجتمع وارتباط بعضه‬
‫ببعــض بســياج من المــودة والرحمــة أال وهي الــزكاة‪ ،‬وضرب التضخــم للمال الذي‬
‫خرج يف‬
‫الم َ‬
‫هــو األســاس يف إخراج زكاة النقــد وعروض التجــارة يؤثر على النِّصــاب ُ‬
‫الــزكاة‪ ،‬وهل تجب الزكاة على الشــخص الذي عنــده عدد ثابت مــن األوراق النقدية‬
‫مع فقده جز ًءا كل عام من قوهتا الشــرائية؟ وهذا بال شــك يؤثر على المتلقي المستحق‬
‫فحتما ســيتأثر بــه المتلقي عند حجب أموال‬
‫ً‬ ‫للــزكاة‪ ،‬فإنه إذا أثر التضخم على المزكي‬
‫كانت تخرج له يف أعوام ســابقة‪ ،‬وفقدت جز ًءا من قوهتا حتى ســقط عنها حد النصاب‬
‫الواجب يف الزكاة‪.‬‬
‫ومــن المســائل الشــائكة يف هــذا المجــال يف المعامــات تــرز أهم مشــكلة وهي‬
‫مشــكلة القروض التــي يأخذها المدين يف وقــت تكون فيه القوة الشــرائية غال ًبا أقوى‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫كبيرا من‬
‫وحيــن الــرد تكون القوة الشــرائية لنفس المبلغ أقــل‪ ،‬وربما فقد المال جــز ًءا ً‬
‫قيمتــه بداعي التضخم‪ ،‬فهل يكون الرد بالمثل الصــوري؟ أي بنفس العدد الذي أخذه‬
‫أو بالقوة الشــرائية المقيســة علــى معيار ثابت أو ســلعة أو نقد حتــى وإن زاد المدفوع‬
‫عــد ًدا عن المســرد بما لــه من محاذيــر أهمها الخوف مــن الوقوع يف الربــا زيادة على‬
‫المشــاكل بين الناس بســبب اختالفهم فيما بينهم على السداد بالصورة أو القيمة‪ ،‬وكل‬
‫يرى الحق يف جانبه‪.‬‬
‫ومن هنا لم يكن كاف ًيا أن نقف على الحكم الشرعي يف أهم المسائل التي يظهر فيها‬
‫أيضا التخلــص منه أو العمل على التقليــل منه إن لم نقدر‬ ‫أثــر التضخــم‪ ،‬بل من المهم ً‬
‫على األولى‪ ،‬حتى نضيق مادة الشــقاق والخالف بين الناس‪ ،‬ومن هنا كانت فكرة هذا‬
‫البحث الذي أسأل اهلل تعالى أن يجعله ناف ًعا مفيدً ا‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫ً‬
‫محــاواًل الوصول للحكم عن طريق‬ ‫منهجا اســتنباط ًّيا مقارنًا‬
‫ً‬ ‫اتبعــت يف هذا البحث‬
‫الدليــل ومــا صــح منه‪ ،‬متب ًعــا يف ذلــك األصــول العلمية يف النقل واالســتنباط ونســبة‬
‫المذهــب أو القول ألصحابه‪ ،‬وكذلــك العزو لآليات واألحاديــث وغيرها من النقول‬
‫عن أئمتنا الكرام‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫هذا البحث بعنوان «التضخم النقدي يف ميزان الفقه اإلسالمي‪ -‬المفهوم واألسباب‬
‫اآلثار والعالج»‪ ،‬وقد قسمته لثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية التضخم وأنواعه وأسبابه‪ ..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التضخم النقدي وتاريخه‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬أنواع التضخم النقدي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب التضخم‪.‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬آثار التضخم على األحكام الفقهية‪ ..‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫المطلب األول‪ :‬آثار التضخم على الزكاة‪.‬‬


‫المطلب الثاين‪ :‬آثار التضخم على أداء الديون‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عالج التضخم‪ ..‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الربط القياسي‪.‬‬
‫المطلب الثاين‪ :‬تطبيق مبدأ الجوائح‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الرتاضي بين األطراف‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬التمييز بين الحاالت والعقود‪.‬‬
‫وبعد ذلك الخاتمة متضمنة أهم النتائج التي توصلت إليها ومتضمنة أهم التوصيات‪.‬‬
‫واهلل أسأل اإلخالص والقبول‪.‬‬
‫َ‬
‫أ‪ .‬د‪ /‬رمضان عبد اهلل الصاوي‬

‫أستاذ الفقه العام‬


‫وعميد لكية الرشيعة والقانون بادلقهلية‬

‫‪13‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫املبحث األول‪:‬‬
‫ماهية التضخم وأنواعه وأسبابه‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التضخم النقدي وتاريخه‬
‫أواًل‪ :‬معنى التضخم‪.‬‬
‫ً‬
‫اللح ِم‪،‬‬ ‫يظ مِــ ْن ك ُِّل َشــي ٍء‪ ،‬أو العظيــم ِ‬ ‫ــم‪ :‬ا ْل َغلِ ُ‬
‫الكثيــر ْ‬
‫ُ‬ ‫الج ْرم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الض ْخ ُ‬
‫التضخــم لغــة‪َّ :‬‬
‫الم ِ‬
‫الواســع‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫وشــأن‬ ‫قيل‪ ،‬و ُي ْســتعار َف ُي َق ُال َأ ٌ‬
‫مر َض ْخ ٌم‬ ‫ياه‪ :‬ال َّث ُ‬ ‫ُ‬ ‫الطريق‪:‬‬ ‫والض ْخ ُم من‬
‫َّ‬
‫تضخم ٌّ‬
‫دال على‬ ‫ُّ‬ ‫وطريق َض ْخ ٌم(((‪ ،‬وال شــك أن وجو َد أحــرف الزيادة يف كلمة‬ ‫ٌ‬ ‫َض ْخ ٌم‪.‬‬
‫المعنى و ُمع ِّبر عنه‪.‬‬
‫معنــى التضخــم يف االصطــاح‪ :‬علمــاء الفقه اإلســامي لــم يســتخدموا مصطلح‬
‫التضخم‪ ،‬فهو يف األســاس مصطلــح اقتصادي‪ ،‬وماهيته تظهر عنــد أهل االختصاص‪،‬‬
‫ويأخــذه منهــم أهل الفقــه للنظــر يف اآلثار الفقهيــة المرتتبة عليــه‪ ،‬ومن هنا فــإن علينا‬
‫الذهاب ألهل االختصاص يف التعريف بالتضخم‪ ،‬وقد اختلف االقتصاديون يف تعريفه‬
‫إلى اآليت‪:‬‬
‫(أ) ُعرف التضخم بأنه‪ :‬ارتفاع يف المســتوى العام لألســعار(((‪ ،‬وهذا التعريف رغم‬
‫تضخمــا إال إذا كان االرتفاع‬
‫ً‬ ‫شــهرته لــدى االقتصاديين فإنه يفيــد أن التضخم ال يعترب‬
‫يف أســعار الســلع والخدمات عا ًّما‪ ،‬فإذا ارتفعت بعض أسعار الســلع والخدمات دون‬
‫تضخما‪ ،‬وكذلك يخرج عن إطار التضخم ما لو كان االرتفاع‬ ‫ً‬ ‫األخرى فال يسمى ذلك‬
‫يف األسعار طارئًا(((‪.‬‬
‫((( لســان العــرب البــن منظور ‪ 353 /12‬بــاب‪ :‬الميم‪ ،‬فصــل‪ :‬الضاد‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكــر‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيــروت‪ ،‬أولى‪،‬‬
‫‪1990‬م‪ ،‬القامــوس المحيــط للفيروزآبادي‪ ،‬باب‪ :‬الميم‪ ،‬فصل‪ :‬الضــاد‪ ،‬ص‪ 1020‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪،‬‬
‫المصباح المنير للمقري الفيومي ‪ 369 /2‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫((( النقــود والبنــوك واالقتصاد‪ ،‬باري ســيجل‪ ،‬ترجمــة د‪ /‬طه منصور‪ ،‬د‪ /‬عبــد الفتاح عبد الحميــد ط‪ .‬دار المريخ‬
‫بالرياض‪1407 ،‬هـ‪ ،‬ص‪ ،554‬التضخم يف االقتصاديات المختلفة‪ ،‬د‪ /‬نبيل الروبي‪ ،‬ص‪ 17‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬مؤسســة‬
‫الثقافة الجامعية باإلسكندرية‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫((( يراجع التضخم النقدي يف الفقه اإلســامي د‪ /‬خالد عبد اهلل المصلح‪ ،‬ص‪ ،76‬رســالة دكتوراه من جامعة اإلمام‬
‫محمد بن ســعود‪ ،‬معجــم مصطلحات االقتصاد والمــال وإدارة األعمال‪ ،‬نبيه غطــاس‪ ،‬ص‪ ،469‬مكتبة لبنان‪ ،‬أولى‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫ومع شهرة هذا التعريف عند االقتصاديين إال أن سهام النقد قد وجهت إليه؛ ألنه ركز‬
‫علــى األثر والمظهر الغالب يف التضخم‪ ،‬وأعــرض عن الجوانب األخرى التي تعرتيه‪،‬‬
‫كمــا أن التعريــف غير جامع؛ حيث إن هناك حاالت يكــون فيها التضخم موجو ًدا‪ ،‬وال‬
‫يرتفع معها المســتوى العام لألســعار‪ ،‬كما أن ارتفاع المســتوى العام لألسعار ال يعني‬
‫حقيقة التضخم‪ ،‬وإنما هو مجرد نتيجة أو أثر له(((‪.‬‬
‫(ب) عــرف التضخــم بأنــه زيــادة يف كميــة النقود تــؤدي إلــى ارتفاع األســعار(((‪،‬‬
‫وأصحاب هذا التعريف يرون أن زيادة كمية النقود هي أساس التضخم‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫يف علم االقتصاد بالنظرية الكمية للنقود(((‪.‬‬
‫وقــد ُوجهت ســهام النقد لهذا التعريف حيــث إنه َيفرتض تغير بعــض العناصر مع‬
‫افرتاض ثبات البعض اآلخر‪ ،‬ويبني ذلك على مجرد االفرتاض‪ ،‬وإن كان هذا التعريف‬
‫يتوافق مع الظروف التاريخية يف القرنين الثامن عشــر والتاســع عشــر الميالديين من أن‬
‫زيادة كمية النقود أدت الرتفاع األســعار حينها‪ ،‬إال أن األمر قد اختلف اآلن؛ حيث إنه‬
‫المصدَ َرة وبإمكاهنا توفير الســلع والخدمات‬
‫بإمــكان الدولــة أن تتحكم يف كمية النقود ُ‬
‫عند وجود جهاز إنتاجي مرن(((‪.‬‬
‫(ج) ويــرى البعــض أن التعريــف األفضــل للتضخم هــو حركة صعودية لألســعار‬
‫تتصف باالستمرار الذايت‪ ،‬وتنتج من فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض(((‪.‬‬
‫ويتميز هذا التعريف عن سابقيه بأنه ارتفاع متواصل الصعود‪ ،‬فطابع التضخم ارتفاع‬
‫وأيضا يبين الســبب الناتج عنه التضخم النقــدي‪ ،‬وهو الزيادة يف‬
‫تراكمــي يف األســعار‪ً ،‬‬
‫الطلب على اســتهالك الســلع والخدمات أو االســتثمار فيها زيادة تفوق قدرة العرض‬

‫‪1980‬م‪ ،‬موســوعة المصطلحــات االقتصادية واإلحصائية‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز هيــكل‪ ،‬ص‪ ،774‬ط‪ .‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫ثانية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫((( راجع النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬ص‪ ،180‬ط‪ .‬دار الفكر الجامعي باإلسكندرية‪ ،‬ط‪ .‬أولى‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫((( اقتصاديات النقود والمال‪ ،‬د‪ /‬مجدي شهاب‪ ،‬ص‪ ،70‬ط‪ .‬دار الجامعة الجديدة‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫((( موسوعة المصطلحات االقتصادية واإلحصائية‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 710‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( اقتصاديات النقود والمال‪ ،‬د‪ /‬مجدي شهاب‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫((( نظرية التضخم‪ ،‬د‪ /‬نبيل الروبي‪ ،‬ص‪ ،20‬ط‪ .‬مؤسسة الثقافة الجامعية باإلسكندرية‪ ،‬ثانية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫حدث للتضخم(((‪ ،‬ويمكن أن ُيع َّبر عن هذا‬ ‫الكلي لها‪ ،‬مما ينتج عنه ارتفاع األسعار الم ِ‬
‫ُ‬
‫التعريف بصيغة أخرى وهي‪ :‬عدم مالءمة اإلنتاج لالحتياجات الضرورية واالجتماعية‪،‬‬
‫وتوزيع غير عادل للدخول بين الفئات المساهمة يف اإلنتاج‪ .‬والتعريف هبذه الصيغة ُيربز‬
‫الجوانــب الجوهريــة يف التضخم من كونه ظاهرة مركبة بيــن االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫ويحدث نتيجة خلل يف العالقات التي تربط بين عناصر االقتصاد ببعضها(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬معنى النقد‪.‬‬
‫النقد لغة‪ :‬خالف النســيئة‪ ،‬وهو تمييز الدراهم وإخراج الزيــف منها‪ ...‬ونقده إياها‬
‫نقدً ا‪ :‬أعطاه فانتقدها أي قبضها‪ ،‬ونقدته الدراهم ونقدت له الدراهم أي أعطيته فانتقدها‬
‫أي قبضها(((‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬يطلــق النقد عنــد غالب الفقهــاء المتأخرين علــى الذهب‬
‫ً‬ ‫معنــى النقــد‬
‫نظــرا لدخول غير‬
‫والفضــة‪ ،‬وكل مــا يقــوم مقامهمــا يف معامــات الناس ومبادالهتــم ً‬
‫الذهب والفضة على العملة‪ ،‬بل أصبح األصل هو التعامل بالنقد الذي من غير الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وعلى ذلك جاء تعريف النقد بأنه‪« :‬كل شيء َيلقى ً‬
‫قبواًل عا ًّما كوسيط للتبادل‬
‫مهمــا كان ذلك الشــيء وعلــى أي حال يكون»(((‪ ،‬وهــو ما عرب عنــه االقتصاديون بأن‬
‫النقود هي‪« :‬أية وســيلة أو واســطة متداولة للتبادل مقبولة على نطاق واســع كمعيار أو‬
‫مقياس لقيمة األشياء»(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬نبذة تاريخية عن التضخم النقدي يف اإلسالم‪.‬‬
‫عــرف التضخم مع بداية اســتخدام العملــة الورقية يف بالد الصين يف القرن التاســع‬
‫الميــادي (القــرن الثــاين الهجــري)‪ ،‬وكــذا يف القــرن التالــي له بســبب تزايــد إصدار‬
‫النقود الورقية(((‪.‬‬
‫التضخم المالي‪ ،‬د‪ /‬غازي حسين عناية‪ ،‬ص‪ ،25‬ط‪ .‬مؤسسة شباب الجامعة‪1405 ،‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.181‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب ‪ ،425 /3‬باب‪ :‬الدال‪ ،‬فصل‪ :‬النون‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ص‪ ،292‬المصباح المنير ‪.620 /2‬‬ ‫(((‬
‫الورق النقدي‪ ،‬د‪ /‬عبد اهلل منيع‪ ،‬ص‪ ،13‬ط‪ .‬مطابع الرياض‪ ،‬أولى‪1391 ،‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫معجم مصطلحات االقتصاد والمال وإدارة األعمال‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.360‬‬ ‫(((‬
‫قصة الحضارة‪ ،‬ويل وايريل ديورانت‪ ،250 /4 ،‬ترجمة محمد بدران‪ ،‬اإلدارة الثقافية لجامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪16‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫ومــع توالي حــاالت التضخم للســبب الســابق قامــت الحكومة الصينيــة يف القرن‬
‫الخامــس عشــر الميــادي (التاســع الهجــري) بســحب األوراق النقديــة ً‬
‫أمــا يف‬
‫اإلصالح االقتصادي(((‪.‬‬
‫وقبــل الرجوع الســتخدام األوراق النقديــة يف العالم مرة أخــرى حدث تضخم مع‬
‫اســتعمال العمالت المعدنية يف القرن الســادس عشــر الميالدي ( العاشــر الهجري)‪،‬‬
‫وقد حدث هذا التضخم بســبب اســتعمار إســبانيا ألجزاء من قارة أمريــكا‪ ،‬كما يرجع‬
‫أيضا لزيادة أعداد الناس(((‪ ،‬ويف عام ‪794‬هـ ومــا بعدها حدث تضخم يف الدولة‬ ‫ســببه ً‬
‫المملوكية نتيجة زيادة ضرب الفلوس مما أدى النخفاض القيمة الشرائية لها‪ ،‬واستمر‬
‫أيضا يف البالد المصرية سنة ‪1215‬هـ غالء‬ ‫ذلك حتى هناية عصر المماليك‪ ،‬وقد حدث ً‬
‫لألســعار يف جميع األصناف حتى صار كل شــيء إلى عشــرة أمثاله أو يزيد‪ ،‬واســتمر‬
‫ضرب العملة المغشوشة فاضطربت معها معامالت الناس(((‪.‬‬
‫وتــأيت أهميــة دراســة التضخــم وتزايــد االهتمــام هبــا منــذ عــام ‪1930‬م ومــا‬
‫أيضــا‬
‫بعدهــا نتيجــة للتغيــرات االقتصاديــة والسياســية واالجتماعيــة‪ ،‬كمــا تــأيت ً‬
‫نتيجــة لتزايــد التعامــل بالنقــود االئتمانيــة؛ حيــث إهنــا أكثــر أنــواع النقــود عرضــة‬
‫للتقلب والتغير(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع التضخم‬
‫تتعــدد أنواع التضخم بحســب الزاوية التي ننظر منها لهذه األنــواع‪ :‬فإذا نظرنا إليها‬
‫بحســب سرعة ارتفاع السعر‪ ،‬فإنه ينقســم إلى تضخم زاحف‪ ،‬ومتسارع‪ ،‬وجامح‪ ،‬وإن‬
‫نظرنا إليه باعتبار توقع حدوثه أو عدم توقعه‪ ،‬فإنه ينقسم لتضخم متوقع أو غير متوقع‪،‬‬
‫وإن نظرنا إليه باعتبار مصادره وأســبابه‪ ،‬فإنه ينقســم لتضخم ناشــئ عن جذب الطلب‬
‫كاًّل منها بشيء من التفصيل‪:‬‬ ‫وآخر ناشئ عن دفع التكاليف‪ ،‬وأبين ًّ‬

‫التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬خالد المصلح‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫(((‬
‫مقدمة يف النقود والبنوك‪ ،‬د‪ /‬محمد علي القرى‪ ،‬ص‪ ،25‬ط‪ .‬مكتبة دار جدة‪ ،‬أولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫النقود العربية ماضيها وحاضرها‪ ،‬د‪ /‬عبد الرحمن فهمي محمد‪ ،‬ص‪ 108‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪.‬‬ ‫(((‬
‫التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.83‬‬ ‫(((‬

‫‪17‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫أواًل‪ :‬أنواع التضخم بالنظر الرتفاع األسعار‪:‬‬


‫ً‬
‫ينقسم التضخم بالنسبة لقوة ارتفاع األسعار إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫(أ) التضخــم الزاحــف‪ :‬ويراد بــه االرتفاع المتواصل يف المســتوى العام لألســعار‬
‫نظرا الرتفاع األســعار فيه ببطء؛‬‫بمعدالت صغيرة‪ ،‬ويســميه البعــض بالتضخم الدائم ً‬
‫ونظرا لنسبه القليلة‬
‫حيث ترتاوح نسبة الزيادة فيه بين واحد وخمسة يف المائة سنو ًّيا ‪ً ،‬‬
‫(((‬

‫يهــون البعــض مــن خطورة هذا النــوع على االقتصــاد لدرجة أهنــم يرونه داف ًعــا للنمو‬
‫االقتصادي‪ ،‬بينما يهول البعض من نتائجه؛ حيث إن االســتمرار يف زيادة المعدل العام‬
‫تضخما زاح ًفــا‪ ،‬وقد يخرج بذلك عن التحكم‬ ‫ً‬ ‫لألســعار لفرتة طويلة يخرجه عن كونه‬
‫والســيطرة(((‪ ،‬وهــذا النــوع ال يحمل يف طياتــه من العوامــل ما يوقف هــذه الموجات‬
‫المتزايدة من األسعار‪ ،‬ووجوده ال يقتصر على البلدان الصناعية‪ ،‬فهو موجود يف البالد‬
‫النامية‪ ،‬حيث أصبح ظاهرة اقتصادية وإن كانت نسبته تختلف من بلد ألخرى‪ ،‬ويحدث‬
‫بسبب زيادة النفقات الناشئة عن زيادة األجور وأسعار المواد مما يؤدي لتقليل العرض‪،‬‬
‫فينتج عنها زيادة السعر(((‪.‬‬
‫خطرا من األول؛ ألن نسبة الزيادة فيه أكرب‪،‬‬
‫(ب) التضخم السريع‪ :‬وهذا النوع أشد ً‬
‫حيث تصل إلى عشــرة يف المائة زيادة ســنوية‪ ،‬فتفقد النقود وظائفها األساسية كمخزن‬
‫نظرا لوجود‬
‫للقيمــة ووحدة للقياس ‪ ،‬وتــأيت صعوبة معالجة هذا النوع مــن التضخم ً‬
‫(((‬

‫العديد من أنواع الخلل يف القطاعات المختلفة كشأن اقتصاديات أغلب الدول المتخلفة‬
‫التي تعــاين يف اقتصادياهتا من االختالالت الداخلية والخارجية كعدم اكتمال الســوق‪،‬‬
‫وشــيوع البطالة المقنعة‪ ،‬وارتفاع الميل الحدي يف االســتهالك‪ ،‬وتصدير جزء كبير من‬
‫الناتج المحلي‪ ،‬واإلنفاق المتزايد على مشروعات التنمية والشؤون العسكرية(((‪.‬‬

‫مذكرات يف النقود والبنوك‪ ،‬د‪ /‬إسماعيل محمد هاشم‪ ،‬ص‪ ،197‬ط‪ .‬دار النهضة العربية‪ ،‬أولى‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.85‬‬ ‫(((‬
‫النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.191 -190‬‬ ‫(((‬
‫اقتصاديات البنوك والمال‪ ،‬د‪ /‬مجدي شهاب‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.80‬‬ ‫(((‬
‫النقود والتضخم‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.191‬‬ ‫(((‬

‫‪18‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫(ج) التضخم الجامح‪ :‬وهو كما يؤخذ من اسمه أن نسبة الزيادة يف األسعار فيه عالية‬
‫جدًّ ا‪ ،‬بحيث تصبح النقود فيه قليلة‪ ،‬مما يؤدي الهنيار النظام النقدي بأسره‪ ،‬وهذا النوع‬
‫أشد أنواع التضخم خطورة على االقتصاد؛ حيث تزداد فيه نسبة ارتفاع المستوى العام‬
‫لألســعار عــن خمســين يف المائة‪ ،‬وقد ترتفــع ألكثر من ذلك‪ ،‬بل قــد وصلت يف بعض‬
‫األحيان إلى أربع منازل عشرية كما حدث يف الربازيل حين وصلت نسبة التضخم فيها‬
‫عــام ‪1995‬م إلــى ‪ ،(((%2148‬وغالب وجــود هذا النوع من التضخــم وقت األزمات‬
‫االقتصاديــة والحروب‪ ،‬وهذا ما حدث مع ألمانيا بعــد الحرب العالمية األولى؛ حيث‬
‫وقعت تحت ضغط نفقات ما بعد الحرب من تســديد الديون وإعادة البناء‪ ،‬وكذلك ما‬
‫حدث للعملة العراقية من االهنيار بعد تطبيق الحصار االقتصادي عليها(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أنواع التضخم بالنظر للتوقع لوقت حدوثه وعدمه‪:‬‬
‫وينقسم التضخم هنا لنوعين هما‪:‬‬
‫(أ) التضخم النقدي المتوقع‪ :‬ويعرف هذا النوع بقراءة معطيات الوضع االقتصادي‬
‫الحالي الذي يعطي قراءة بنســبة التضخم يف المســتقبل‪ ،‬فإذا صدقت هذه التوقعات أو‬
‫كانــت دوهنا‪ ،‬فإهنــا تصنف ضمن التضخم النقدي المتوقع‪ ،‬وقــراءة الحالة االقتصادية‬
‫دورا يف اإلصالح االقتصادي ومعالجة‬ ‫إن صحت بتوقع التضخم بنســبة معينة‪ ،‬فإن لها ً‬
‫أســباب التضخــم والتقليل من األضــرار الناتجة عنــه‪ ،‬وهذا النوع قليــل الحدوث‪ ،‬إذ‬
‫غالب التضخم ال يمكن توقعه بدقة(((‪.‬‬
‫نظرا لكثــرة العوامــل المؤثــرة يف التضخم‬
‫(ب) التضخــم النقــدي غيــر المتوقــع‪ً :‬‬
‫ونســبته وصعوبــة التحكم فيها‪ ،‬وألن التنبؤ بنســبة التضخم يكتنفهــا كثير من المخاطر‬
‫والغموض‪ ،‬يأيت غالب التضخم من هذا النوع؛ ألن التنبؤ بنسبة التضخم النقدي وتوقعه‬
‫إمــا أن يكــون مبن ًّيا علــى الماضي أو على المســتقبل؛ ويف كلتا الحالتيــن صدق التوقع‬

‫((( النظريــات والسياســات النقديــة والماليــة‪ ،‬د‪ /‬ســامي خليــل‪ ،‬ص‪ ،622‬الناشــر‪ :‬شــركة كاظمــة‪ ،‬الكويــت‪،‬‬
‫أولى‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫((( اقتصاديات البنوك والمال‪ ،‬د‪ /‬مجدي شهاب‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫((( نظريات االقتصاد الكلي الحديثة‪ ،‬د‪ /‬سامي خليل‪ 1533 /2 ،‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬مطابع األهرام‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫يكــون بعيــدً ا؛ ألن معطيات الماضي والعوامــل المؤثرة فيه ال تــدوم فتختلف النتائج‪،‬‬
‫والنظــر للمســتقبل نوع من التخمين غير مبني على مقدمــات صحيحة‪ ،‬وقد يطرأ ما لم‬
‫يكن يف الحسبان(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أنواع التضخم النقدي باعتبار المصادر واألسباب‪.‬‬
‫ووف ًقا لهذا االعتبار ينقسم التضخم لقسمين‪:‬‬
‫(أ) التضخــم النقدي الناشــئ عن جــذب الطلب‪ :‬ويف هذا النوع تقل نســبة الســلع‬
‫المعروضة عن االحتياجات‪ ،‬مما يعني زيادة الطلب الكلي عليها؛ مما يحدث ً‬
‫خلاًل يف‬
‫األسواق نتيجة الطلب المتزايد وقلة المعروض فتزيد األسعار(((‪.‬‬
‫(ب) التضخم النقدي الناشــئ عن دفع التكاليف‪ :‬ويحــدث هذا النوع من التضخم‬
‫نتيجة الضغط من العمال لرفع أجورهم مما يزيد من تكاليف إنتاج السلعة؛ فاالستجابة‬
‫لمطالــب العمــال ترفــع أجورهــم ممــا يزيــد مــن تكاليف إنتــاج الســلعة‪ ،‬فينتــج عنه‬
‫هذا التضخم(((‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب التضخم‬
‫تتمثل أسباب التضخم يف األمور اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬زيــادة كمية النقــود المعروضة عن الكميــة المطلوبة‪ :‬حيث يــرى الغالبية من‬
‫االقتصادييــن أن زيــادة الكمية المعروضة من النقود عن المطلوبة هي الســبب الرئيس‬
‫يف التضخــم وارتفــاع األســعار‪ ،‬وهــذا العنصر له اعتبــاره خاصة يف البــاد النامية التي‬
‫تلجــأ لضخ كثير من النقود عند مواجهــة الظروف الطارئة واألزمات(((‪ ،‬فقد أصبح من‬
‫الميســور على الدول يف ظل النظام النقدي الحالي ضخ كميات هائلة من النقود‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى لظاهرة التضخم التي نعيشها‪.‬‬

‫المرجع السابق‪.537 /2 ،‬‬ ‫(((‬


‫التضخم المالي‪ ،‬د‪ /‬غازي حسين عناية‪ ،‬ص‪ 66‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الجامعة ‪1405‬هـ‪.‬‬ ‫(((‬
‫مبادئ االقتصاد الكلي‪ ،‬د‪ /‬سامي خليل‪ ،‬ص‪ ،698‬ط‪ .‬مؤسسة الصباح ‪1980‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 192‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪20‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫ثان ًيــا‪ :‬ارتفاع تكلفــة اإلنتاج‪ :‬من أســباب التضخم ارتفــاع تكلفة الســلعة المنتجة‪،‬‬
‫ويرجع ســبب ذلك إما لضغط النقابات العمالية لزيــادة األجور‪ ،‬أو لالرتفاع يف المواد‬
‫األوليــة إلنتاج الســلعة أو لرفــع معدالت األربــاح أو لرفع الضرائب‪ ،‬ممــا يعني تزايد‬
‫األسعار للسلع والخدمات‪ ،‬وبالتالي تبدأ العملية التضخمية يف الوجود(((‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تمويل اإلنفاق العسكري‪ :‬تأيت النفقات العسكرية دون أن يكون لها عائد يذكر‬
‫علــى اإلنتاج‪ ،‬بل إهنــا يف أحيان كثيرة يتوقــف معها اإلنتاج‪ ،‬وهذه النفقــات من الكثرة‬
‫بمــكان‪ ،‬إذ إهنا تكون وقت االســتعداد للحرب وأثناءهــا‪ ،‬وحركة اإلعمار بعد الحرب‬
‫أيضا مع توقف اإلنتاج أو قلته وكثرة اإلنفاق يحدث التضخم(((‪.‬‬ ‫ً‬
‫راب ًعا‪ :‬زيادة النفقات العامة يف المجاالت غير المنتجة‪ :‬من أســباب التضخم اإلنفاق‬
‫ً‬
‫طوياًل لإلنتاج؛‬ ‫وزيادته يف المجــال اإلداري غير المنتج أو المجاالت التي تحتاج وقتًا‬
‫وحيــن تزيد هذه النفقات عن اإليرادات العامة للدولة تلجأ الحكومة إلصدار األوراق‬
‫النقدية دون غطاء حقيقي‪ ،‬فينتج التضخم(((‪.‬‬
‫خامســا‪ :‬تأثير العوامــل الخارجية‪ :‬ويراد هبا تأثيــر العوامل الخارجيــة يف التكاليف‬
‫ً‬
‫واألســعار الداخلية‪ ،‬وهو ما يعرف بالتضخم المســتورد؛ حيث تؤثر أســعار الواردات‬
‫وكذلك ســعر الصرف والتوســع النقدي لدى بعض الدول للتأثير على كثير من الدول‬
‫وخاصــة النامية منها‪ ،‬ويتفــاوت هذا األثر تب ًعا لعدة متغيرات داخــل الدولة منها درجة‬
‫انفتاحها على العالم الخارجي وتأثرها به‪ ،‬وكذا وضعها االقتصادي حتى أصبح تصدير‬
‫التضخم سياســة أساســية واعية للدول الصناعية؛ مما يعني أننا أمام عملة لها وجهان؛‬
‫األول منهما تضخم مستورد‪ ،‬والثاين تضخم مصدَّ ر(((‪.‬‬
‫سادســا‪ :‬زيادة الطلب الكلي على الســلع والخدمات‪ :‬بغض النظر عن ســبب زيادة‬
‫ً‬
‫الطلب الكلي على السلع والخدمات‪ ،‬فإن زيادة الطلب على السلعة مع قلة المعروض‬

‫النقود والفوائد والبنوك‪ ،‬د‪ /‬عبد الرحمن يسري‪ ،‬ص‪ 59‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬الدار الجامعية‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫الجامع يف أصول الربا‪ ،‬د‪ /‬رفيق يونس المصري‪ ،‬ص‪ ،239‬ط‪ .‬دار القلم دمشق‪ ،‬ثانية‪.2001 ،‬‬ ‫(((‬
‫محاضرات يف اقتصاديات النقود‪ ،‬د‪ /‬نبيل الروبي‪ ،‬ص‪ ،146‬ط‪ .‬مكتبة الجالء الجديدة بالمنصورة‪1982 ،‬م‪.‬‬ ‫(((‬
‫التضخم والنقود‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 197‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪21‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫عــن الوفاء باحتياجات الفئة الطالبة يؤدي بال شــك الرتفاع عام يف األســعار‪ ،‬وتتوقف‬
‫نســبة االرتفاع العام يف األسعار على مدى استجابة الناتج القومي للدولة على مواجهة‬
‫الزيادة التلقائية يف الطلب الكلي‪ ،‬وهبا تقاس حدة التضخم من عدمها(((‪.‬‬
‫ســاب ًعا‪ :‬البطالة المقنعة وســوء التنظيم اإلداري‪ :‬ســبب رئيس من أســباب التضخم‬
‫البطالة المقنعة‪ ،‬حيث تصرف رواتب وأجور ومعاشــات وتعويضات ألناس ليس لهم‬
‫صلــة بالمنتج من الســلع والخدمــات تعادل أو تقــرب من قيمة المــال المدفوع لهم‪،‬‬
‫وهــو بذاتــه يجرنا إلى وجود عدم الشــفافية يف أنظمة التعيين والرتقية والرقابة وتفشــي‬
‫الفســاد والمحسوبية يؤثر بال شك يف ظهور التضخم‪ ،‬حيث يصبح المجتمع عال ًة على‬
‫بعض أفراده‪ ،‬أو عالة على بعض الدول األخرى التي تعمل على نشر هذه الروح بقصد‬
‫استغالل هذه الدولة والوقوع تحت تبعيتها تحت ستار المساعدات والقروض‪ ،‬وحينها‬
‫تصبح األوراق النقدية مجردة من قيمتها(((‪.‬‬

‫((( النقود والفوائد والبنوك‪ .‬د‪ /‬عبد الرحمن يسري‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 59‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( الجامع يف أصول الربا‪ ،‬د‪ /‬رفيق يونس المصري‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 239‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫املبحث الثاني‪:‬‬
‫آثار التضخم النقدي على األحكام الفقهية‬
‫تمهيد‪ :‬ال شك أن نقص قيمة العملة يؤثر على شتى مناحي الحياة‪ ،‬فما كانت قيمته‬
‫عشرة قبل التضخم زاد المال المدفوع فيه عن العشرة بحسب نسبة التضخم‪ ،‬واألحكام‬
‫أيضا بالتضخم ونسبته‪ ،‬وإذا أردنا‬‫الفقهية ليست بمنأى عما يحدث يف المجتمع‪ ،‬فتتأثر ً‬
‫تتبــع األحــكام الفقهية المتأثرة بالتضخم ســيطول بنا المقام‪ ،‬وتتشــعب معنا المســائل‬
‫الفقهيــة؛ حيــث التأثير يف الــزكاة والمعامالت بأنواعهــا والتأثير يف الديــون‪ ،‬والنفقات‬
‫الواجبــة للزوجــة واألوالد‪ ،‬والتأثير يف الديــة ومقدارها‪ ،‬والتأثيــر يف مقدار النصاب يف‬
‫الســرقة‪ ،‬إال أن أهم األحــكام الفقهية التي تحتاج منا لبحث هي مــا يتعلق بالزكاة‪ ،‬وما‬
‫يتعلق بأداء الديون‪ ،‬ونفصل القول يف كل واحد منهما يف مطلب مستقل‪:‬‬
‫المطلب األول‪:‬‬
‫أثر التضخم النقدي على الزكاة‬
‫الــزكاة فريضة فرضها اهلل على أغنياء المســلمين بالقدر الذي يســع فقراءهم‪ ،‬وعند‬
‫وجــود فقيــر يف المجتمع المســلم فاعلم أن هناك غن ًّيا لم يخرج مــا عليه من حق اهلل يف‬
‫مالــه‪ ،‬والــزكاة يف المال مرتبطــة بأصل النقد حتــى وإن كانت تخرج يف صــورة أوراق‬
‫نقدية‪ ،‬فإن تلك األوراق مقيســة بالذهب‪ ،‬وتزداد أو تنقص األوراق المالية تب ًعا للقيمة‬
‫دينارا‪ ،‬وإذا نظرنا إليها من تلك الزاوية فال أثر يذكر للتضخم على‬
‫المســاوية للعشــرين ً‬
‫قيمــة المخرج من الــزكاة‪ ،‬طالما كان مقيــاس الذهب موجو ًدا‪ ،‬لكــن األثر قد يأيت من‬
‫الزكاة الواجب إخراجها اليوم‪ ،‬فأخرها صاحبها عن وقت األداء بعض الوقت‪ ،‬فزادت‬
‫األســعار من وقت الوجوب إلى وقــت اإلخراج زيادة كبيرة توصــف بالتضخم فال بد‬
‫مــن معالجة هذا الحكم فقه ًّيا؛ حيث نبحث أثر التضخــم على تأخير إخراج الزكاة من‬
‫ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى نبحث أثر التضخم على إخراج القيمة يف الزكاة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫أوال‪ :‬أثر التضخم على تأخير إخراج القيمة يف الزكاة‪.‬‬


‫اتجــه الفقهــاء يف هــذه المســألة التجاهيــن‪ :‬أحدهما يــرى الضمان‪ ،‬والثــاين يرى‬
‫عدم الضمان‪.‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬يرى أن تأخير إخراج األوراق المالية يترتب عليه ضمان ما نقص من‬
‫قياســا على ضمان تلف‬
‫قيمــة النقود؛ ألنه بالتأخيــر تعدى‪ ،‬فيجب عليه ضمان النقص ً‬
‫العين ونقصها(((‪ ،‬كما اســتدلوا بأن القول بالضمان فيه جرب للمســتحقين للزكاة؛ حيث‬
‫فــوت عليهــم المزكي بتأخيره يف اإلخراج بعض حقهم‪ ،‬فيلزمــه إخراج ما فوت عليهم‬‫َّ‬
‫كضمان المغصوب ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويناقــش القول بالتضمين بأن الضمان الذي قاس عليه الفقهاء إنما هو ضمان عين‪،‬‬
‫قادرا عليها يف وقت اإلخراج ولم يخرج‪ ،‬أما‬ ‫فإن ضيع عين الزكاة فهو ضامن؛ ألنه كان ً‬
‫القيمة إذا نقصت فهي غير مضمونة؛ ألن زكاة األوراق النقدية زكاة عين ال زكاة قيمة(((‪،‬‬
‫كمــا أن التضميــن يرتتب عليه الزيادة يف مقدار الزكاة الواجبــة‪ ،‬والزيادة يف العبادات ال‬
‫تثبت إال بدليل‪ ،‬وال دليل عليه(((‪.‬‬
‫أيضا بالقياس على قول المالكية إذا أخرج ذه ًبا عن‬
‫واســتدل أصحاب هذا االتجاه ً‬
‫فضة أو فضة عن ذهب؛ حيث قالوا بالجواز شريطة أن يكون بصرف وقته بالقيمة(((‪.‬‬
‫ونوقــش بأن القياس هنا مع الفــارق؛ ألن اعتبار القيمة يوم اإلخراج ليس المراد منه‬
‫أبيع‬
‫كنت ُ‬‫حــذرا من الوقوع يف الربا لحديث ابن ُعمــر‪ ،‬قال‪ُ (( :‬‬‫ً‬ ‫تضميــن المزكي‪ ،‬ولكن‬
‫الدنانير‪ُ ،‬‬
‫آخذ هذه من‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫وأبيع بالدراه ِم‬
‫ُ‬ ‫الدراهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫فأبيع بالدنانير‬
‫اإلبل بالبقيع‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬وهو يف بيت حفصةَ‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫فأتيت‬
‫ُ‬ ‫وأعطي هذه من هذه‪،‬‬ ‫هذه‪ُ ،‬‬
‫الدراهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫فأبيع بالدنانيــر‬ ‫َ‬
‫اإلبــل بالبقيع‪ُ ،‬‬ ‫يا رســول اهلل‪ُ ،‬ر َو ْيدَ ك أســأ ْلك‪ ،‬إين ُ‬
‫أبيع‬

‫((( يراجع فتاوى الســبكي ‪ ،201 /1‬تحقيق‪ :‬حسام الدين القدسي‪ ،‬ط‪ .‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬أولى‪1981 ،‬م‪ ،‬كشاف‬
‫القناع عن متن اإلقناع للبهويت‪ ،90 /4 ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫((( راجع المنثور يف القواعد للزركشي ‪ ،182 /2‬ط‪ .‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالكويت‪ ،‬ثالثة‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫((( بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع للكاساين‪ ،14 /2 ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬أولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫((( أحكام القرآن البن العربي‪ ،583 /1 ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫((( التــاج واإلكليــل لمختصر خليل للمــواق المالكــي ‪ ،240 /3‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيــروت‪ ،‬أولى‪1994 ،‬م‪،‬‬
‫القوانين الفقهية البن جزي ‪ 69 /1‬دون تاريخ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫وأعطي هذه من هذه‪ ،‬فقال‬ ‫آخذ هذه من هذه‪ُ ،‬‬ ‫الدنانير‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫وأبيع بالدراه ِم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تأخ َذها بس ْعرِ يومها‪ ،‬ما لم َت ْفترِقا وبينكُما شي ٌء))(((‪.‬‬
‫أس أن ُ‬
‫‪(( :‬ال َب َ‬
‫االتجــاه الثاين‪ :‬يرى أن المزكــي المتأخر يف إخراج الزكاة ال يضمن ما طرأ من نقص‬
‫يف قيمة النقود‪ ،‬وقد أ َّيد أصحاب هذا االتجاه قولهم بأن الضمان الذي تكلم عنه الفقهاء‬
‫إنما يكون عند تلف المال الواجب زكاته‪ ،‬أما الغالء والرخص فغير مضمون‪ ،‬وإن قلنا‬
‫بالضمــان عند نقص قيمة األوراق النقدية ســيفضي ذلك للتناقــض واالضطراب‪ ،‬فلو‬
‫قلنا‪ :‬إن األوراق النقدية الواجب فيها لو أخذنا بالقيمة يوم اإلخراج عند التأخير ووجود‬
‫التضخــم ألدى ذلك الضطراب يف األحكام الشــرعية‪ً ،‬‬
‫فمثاًل لو قلنا‪ :‬إن الواجب اليوم‬
‫يساوي مائة ألف جنيه كنصاب للزكاة التي وجبت اليوم‪ ،‬وعند التأخير يف إخراجها غال‬
‫الذهب حتى وصلت قيمة نصاب الزكاة إلى ما يســاوي مائة وخمســين أل ًفا‪ ،‬فإن المائة‬
‫ألــف التــي وجبت فيها الزكاة لم تعد مغطية للنصــاب‪ ،‬وخرجت عن حد اإلخراج مما‬
‫كثيرا من الناس يتوخى الحذر يف اإلخراج ً‬
‫أماًل‬ ‫يوقــع الناس يف اضطــراب‪ ،‬ومما يجعل ً‬
‫يف الخروج من النصاب‪ ،‬وهذا يؤدي لالضطراب يف األحكام الشرعية‪.‬‬
‫وهــذا مفهــوم ما نقل عن صاحب البدائع حيث قال‪« :‬من كانت له مائتا قفيز حنطة‪،‬‬
‫فحال عليها الحول فلم يؤ ِّد زكاهتا حتى تغير ســعرها إلى النقصان حتى صارت قيمتها‬
‫مائة درهم أو إلى الزيادة حتى صارت قيمتها أربعمائة درهم إن على قول أبي حنيفة إن‬
‫أدى مــن عينها يؤدي خمســة أقفزة من الزيادة والنقصــان جمي ًعا؛ ألنه تبين أنه الواجب‬
‫من األصل‪ ،‬فإن أدى القيمة يؤدي خمســة دراهم يف الزيادة والنقصان جمي ًعا‪ ،‬ألنه تبين‬
‫أهنا واجبة يوم الحول‪ ،‬وعند أبي يوســف ومحمد إن أدى من عينها يؤدي خمســة أقفزة‬
‫يف الزيــادة والنقصان كما قال أبو حنيفة‪ ،‬وإن أدى من القيمة يؤدي يف النقصان درهمين‬
‫ونصف‪ ،‬ويف الزيادة عشــرة دراهم؛ ألن الواجب األصلي عندهما هو ربع عشــر العين‪،‬‬
‫أيضا من كالم صاحب‬ ‫وإنمــا لــه والية النقل إلى القيمة يــوم األداء»(((‪ ،‬وهو المفهــوم ً‬
‫((( ســنن أبــي داود ‪ ،242 /5‬ط‪ .‬دار الرســالة‪ ،‬أولــى‪2009 ،‬م‪ ،‬ســنن النســائي ‪ ،281 /7‬ط‪ .‬مكتبــة المطبوعات‬
‫اإلسالمية حلب‪ ،‬ثانية‪1986 ،‬م‪ ،‬مسند اإلمام أحمد ‪ ،359 /10‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬أولى‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫((( راجع بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‪ ،‬للكاساين ‪ ،21 /2‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫أسنى المطالب حيث قال‪« :‬فلو ابتاع مائتي قفيز حنطة بمائتي درهم أو بمائة‪ ،‬وساوت‬
‫آخر الحول مائتين لزمه خمســة دراهم‪ ،‬فلو أخر فنقصــت قيمتها فعادت إلى مائة‪ ،‬فإن‬
‫كان قبل التمكن لزمه درهمان ونصف أو بعده أو زادت قبله فصارت أربعمائة أو أتلفها‬
‫بعــد الوجوب وقيمتها مائتان فصارت أربعمائة لزمه خمســة دراهم؛ ألهنا القيمة وقت‬
‫التمكن أو اإلتالف»(((‪.‬‬
‫الترجيــح‪ :‬ممــا يؤخذ من كالم األئمة الســابق على االتفاق على نقطــة التقاء بينهما‬
‫يقبلهــا‪ ،‬وهــي أن مــا وجب فيه اإلخــراج أصبــح ثابتًا يف الذمــة حتــى وإن زادت قيمة‬
‫النصاب بفعل التضخم لم يعد لها أثر على ما تعلق بالذمة‪ ،‬وهذا يقبله كالم االتجاهين‬
‫السابقين‪ ،‬وبقي الكالم يف المخرج هل يكون وقت الوجوب أو وقت األداء؟ وال شك‬
‫دائما عن‬
‫أن الوجــوب يكون وقت األداء؛ فإن الزكاة واجبة علــى الفور‪ ،‬والبحث فيها ً‬
‫مصلحــة الفقير‪ ،‬فإن أخر الزكاة عن وقــت الوجوب فإن الواجب القيمة يوم الوجوب‪،‬‬
‫وهــذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالمملكة العربية الســعودية؛‬
‫حيــث جــاء فيهــا جوا ًبا عن المقــدار الواجــب كنصاب يف الــدوالر فأجابــت‪« :‬مقدار‬
‫النصــاب يف الزكاة يف الــدوالر وغيره من العمالت الورقية هو ما يعادل قيمته عشــرين‬
‫مثقااًل مــن الفضة يف الوقت الذي وجبت عليك فيه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مثقــااًل من الذهب أو مائة وأربعين‬
‫الــزكاة من الــدوالرات ونحوها من العمــات‪ ،‬ويكون ذلك باألحــظ للفقراء من أحد‬
‫نظرا إلى اختالف سعرها باختالف األوقات والبالد»(((‪.‬‬
‫النصابين‪ ،‬وذلك ً‬
‫ثان ًيا‪ :‬أثر التضخم على إخراج القيمة يف الزكاة‪.‬‬
‫تحريــر محل النــزاع‪ :‬اتفق الفقهــاء على أن زكاة عــروض التجارة تجــب الزكاة يف‬
‫قيمتهــا(((‪ ،‬أمــا الــزكاة يف غير عــروض التجارة فقد اختلــف الفقهــاء يف إمكانية إخراج‬
‫((( راجع أســنى المطالب شــرح روض الطالب لشــيخ اإلســام زكريا األنصاري ‪ ،383 /1‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫((( راجــع فتــاوى اللجنة الدائمة للبحوث واإلفتــاء ‪ 257 /9‬رقم الفتوى ‪ ،1728‬جمع وترتيــب أحمد عبد الرازق‬
‫الدويش‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة دار المعارف للنشر والتوزيع بالرياض‪ ،‬أولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫((( راجــع بدائــع الصنائــع ‪ ،30 /2‬ط‪ .‬دار الفكــر‪ ،‬بيروت‪ ،‬أولى‪1996 ،‬م‪ ،‬الشــرح الصغيــر للدردير ‪ ،65 /2‬طبع‬
‫علــى نفقة الشــيخ خليفة بن زايد آل هنيان دون تاريخ‪ ،‬روضــة الطالبين وعمدة المفتين للنووي ‪ ،150 /2‬ط‪ .‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ثالثة‪1991 ،‬م‪ ،‬المغني البن قدامة ‪ ،30 /3‬ط‪ .‬دار البصائر دون تاريخ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫القيمــة عنها أم ال بد مــن عينها إلى اتجاهات ثالثة‪ ،‬أحدها‪ :‬منــع إخراج القيمة مطل ًقا‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أجازها مطل ًقا‪ .‬والثالث‪ :‬أجاز إخراج القيمة عند الضرورة أو الحاجة‪.‬‬
‫االتجــاه األول‪ :‬يرى منع إخراج القيمــة مطل ًقا‪ ،‬وهو لجمهور الفقهــاء من المالكية‬
‫والشافعية والحنابلة(((‪.‬‬
‫َب َل ُه َه َذا‬ ‫وقد اســتدل هذا الفريق بحديث البخاري عن أنــس أن َأ َبا َب ْك ٍر ‪َ ‬كت َ‬
‫الصدَ َق ِة ا َّلتِي‬ ‫الر ِحيــمِ‪َ ،‬ه ِذ ِه َفرِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يض ُة َّ‬ ‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫َــاب َل َّما َو َّج َه ُه إِ َلى ال َب ْح َر ْي ِن‪(( :‬بِ ْســ ِم اهَّلل َّ‬ ‫الكت َ‬
‫ين‪َ ،‬وا َّلتِي َأ َم َر اهَّللُ بِ َها َر ُسو َل ُه‪َ ،‬ف َم ْن ُسئِ َل َها ِم َن‬ ‫ِِ‬ ‫َفر َض رس ُ ِ‬
‫الم ْسلم َ‬ ‫ول اهَّلل ‪َ ‬ع َلى ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين م َن اإلبِ ِل‬ ‫ين َع َلى َو ْج ِه َها‪َ ،‬ف ْل ُي ْعط َها‪َ ،‬و َم ْن ُسئ َل َف ْو َق َها َف َاَل ُي ْعط في أ ْر َب ٍع َوع ْشرِ َ‬ ‫الم ْسلم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ين إِ َلى َخ ْم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫س َشــا ٌة إِ َذا َب َلغ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َما ُدون ََها م َن ال َغنَ ِم م ْن ك ُِّل َخ ْم ٍ‬
‫ين‪،‬‬ ‫س َو َث َاَلث َ‬ ‫َت َخ ْم ًســا َوع ْشرِ َ‬
‫اض ُأ ْن َثى))(((‪.‬‬ ‫ْت َمخَ ٍ‬ ‫َف ِف َيها بِن ُ‬
‫َب َلــ ُه ا َّلتِي َأ َم َر اهَّللُ َر ُســو َل ُه‬‫أيضــا بحديث أنــس‪َ (( :‬أ َّن َأ َبــا َب ْكرٍ ‪َ ‬كت َ‬ ‫واســتدلوا ً‬
‫ْت َل ُب ٍ‬
‫ون َفإِن ََّها‬ ‫ــت ِعنْدَ ُه‪َ ،‬و ِعنْــدَ ُه بِن ُ‬‫اض َو َل ْي َس ْ‬ ‫ْت َمخَ ٍ‬ ‫َت َصدَ َق ُت ُه بِن َ‬ ‫ــن َب َلغ ْ‬‫‪َ :‬و َم ْ‬
‫اض َع َلى‬ ‫ْت َمخَ ٍ‬ ‫ين ِد ْر َه ًما َأ ْو َشا َت ْي ِن‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َيك ُْن ِعنْدَ ُه بِن ُ‬ ‫ِ‬
‫الم َصدِّ ُق ع ْشرِ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت ْق َب ُل منْ ُه َو ُي ْعطيه ُ‬
‫ون َفإِ َّن ُه ُي ْق َب ُل ِمنْ ُه َو َل ْي َس َم َع ُه َش ْي ٌء))(((‪.‬‬
‫َو ْج ِه َها‪َ ،‬و ِعنْدَ ُه ا ْب ُن َل ُب ٍ‬
‫ول اهَّلل ِ ‪َ ‬ب َع َث ُه إِ َلى ا ْل َي َم ِن‪،‬‬ ‫اذ ْب ِن َج َبلٍ‪َ (( :‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫كما استدلوا بحديث َعن مع ِ‬
‫ْ َُ‬
‫اإْلبِ ِل‪َ ،‬وا ْل َب َق َر َة ِم َن ا ْل َب َقرِ))(((‪.‬‬
‫الشا َة ِم َن ا ْل َغنَمِ‪َ ،‬وا ْل َب ِع َير ِم َن ْ ِ‬ ‫ب‪َ ،‬و َّ‬ ‫َف َق َال‪ُ :‬خ ِذ ا ْلح ِ‬
‫ب م َن ا ْل َح ِّ‬ ‫َ َّ‬

‫((( راجع التوضيح يف شرح مختصر ابن الحاجب لخليل بن إسحاق المالكي (ت‪776‬هـ) ‪ ،172 /2‬ط‪ .‬مركز نجيبويه‬
‫للمخطوطات وخدمة الرتاث‪2008 ،‬م‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشــربيني الخطيب‪ ،419 /1 ،‬ط‪.‬‬
‫مصطفى البابي الحلبي‪1958 ،‬م‪ ،‬الزوائد يف فقه اإلمام أحمد بن حنبل لمحمد بن عبد اهلل آل حســين‪ ،255 /1 ،‬طبع‬
‫على نفقة الشيخ علي الفهد العلي الهزاع‪ ،‬ثالثة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫((( صحيــح البخــاري ‪ ،118 /2‬بــاب‪ :‬زكاة الغنم‪ ،‬رقــم الحديــث ‪ ،1454‬ط‪ .‬دار طوق النجــاة‪ ،‬أولى‪1422 ،‬هـ‪،‬‬
‫صحيــح ابن خزيمــة ‪ 14 /4‬باب‪ :‬فرض صدقة اإلبل والغنم‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،2261‬مســند اإلمام الشــافعي ‪،88 /1‬‬
‫ومن كتاب الزكاة من أوله‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬أولى‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫((( صحيح البخاري ‪ ،116 /2‬باب‪ :‬العرض يف الزكاة‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1448‬سنن ابن ماجه ‪ ،20 /3‬باب‪ :‬ما يأخذ‬
‫المصدق من اإلبل رقم الحديث ‪ ،1800‬ط‪ .‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬أولى‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫((( ســنن أبي داود ‪ ،109 /2‬باب‪ :‬صدقة الزرع‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1599‬ط‪ .‬المكتبة العصرية صيدا دون تاريخ‪ ،‬سنن‬
‫ابن ماجه ‪ ،580 /1‬باب‪ :‬ما تجب فيه الزكاة من األموال‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1814‬المســتدرك على الصحيحين للحاكم‬
‫‪ ،546 /1‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1433‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬أولى‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫ووجــه الداللــة من هذه األحاديث أن كتاب أبي بكــر ‪ ‬لم يكن من عنده وال‬
‫من عند رســول اهلل ‪ ،‬بل كما ذكر أبو بكر‪(( :‬الصدقة التي أمر اهللُ رســوله))‬

‫ولــو كانت القيمة كافية لما كلفوا من ليــس عنده بنت مخاض أن يخرج أقل منها «بنت‬
‫لبون» مع دفع الفارق‪ ،‬ولما كلفوا المصدق أن يخرج ابن لبون‪ ،‬بل كان يمكن أخذ قيمة‬
‫بنت المخاض عند عدمها‪ ،‬فلما لم يحدث ذلك علم أن الواجب من جنس المال‪ ،‬وهو‬
‫واضحا يف حديث النبي ‪ ‬لمعاذ بأخذ الحب من الحب‪ ،‬والشــاة من‬ ‫ً‬ ‫ما بدا‬
‫الغنم‪ ،‬والبعير من اإلبل‪ ،‬ولم يصرح بغير هذا‪.‬‬
‫ويســتدل لهذا القول من المعقول بأن جواز إخراج القيمة يف الزكاة قد يجنح ببعض‬
‫الناس إلى إخراج غير الجيد من األنواع‪ ،‬أو مما ال يستفيد به الفقير الذي جعلت الزكاة‬
‫خصوصا أن الزكاة جعلت للمواساة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لمصلحته‬
‫االتجاه الثاين يرى إخراج القيمة وهو للحنفية(((‪:‬‬
‫ض‬‫ــن‪« :‬ا ْئتُونِي بِ َع ْر ٍ‬ ‫اذ ‪ِ ‬أِلَ ْه ِل ال َي َم ِ‬ ‫ول مع ٍ‬
‫وقد اســتدل أصحاب هــذا القول ب َق ِ ُ َ‬
‫ــع ِير و ُّ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫الصدَ َق ِة َمــ َك َ‬ ‫يــص ‪َ -‬أو َلبِ ٍ ِ‬ ‫ثِي ٍ ِ‬
‫الذ َرة َأ ْه َ‬
‫ــو ُن َع َل ْي ُك ْ‬
‫ــم َو َخ ْي ٌر‬ ‫َ‬ ‫ان َّ‬ ‫يــس‪ -‬فــي َّ‬ ‫ــاب َخم ٍ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّبِ ِّي ‪ ‬بِا ْل َمدينَة»(((‪.‬‬ ‫ِأِلَ ْص َح ِ‬
‫ويستدل له من المعقول بأن الهدف من الزكاة إغناء الفقير‪ ،‬وهو حاصل بدفع القيمة‬
‫كما يحدث بالدفع من جنس المال بل أولى؛ ألن القيمة يمكن التصرف فيها على حالها‬
‫يف جميع الوجوه بخالف المال المخرج يف الزكاة الذي ينبغي تحويله لنقد ً‬
‫أواًل‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬يرى أن األصل اإلخراج من جنس مال الزكاة إال أنه عند الحاجة أو‬
‫المصلحة يمكن إخراج القيمة‪.‬‬
‫وهــذا قول عنــد اإلمام أحمد واختاره ابن تيمية(((‪ .‬ويســتدل لهــذا االتجاه بحديث‬
‫اب‬‫ض ثِ َي ٍ‬ ‫معــاذ حين بعثه رســول اهلل ‪ ‬ألهل اليمن فقال لهــم‪(( :‬ا ْئتُونِي بِ َع ْر ٍ‬
‫((( راجع المبسوط للسرخسي‪ ،‬المجلد الثاين ‪ ،20 /3‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪ ،‬حاشية ابن عابدين ‪،310 /2‬‬
‫ط‪ .‬دار الفكر ‪1995‬م‪.‬‬
‫((( البخاري ‪ ،144 /2‬كتاب‪ :‬بدء الوحي‪ ،‬باب‪ :‬العرض يف الزكاة‪ ،‬شــرح الســنة للبغوي ‪ ،12 /6‬باب‪ :‬زكاة اإلبل‬
‫السائمة والغنم والورق‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫((( الفروع البن مفلح ‪ ،563 /2‬ط‪ .‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬اإلنصاف يف معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‬
‫‪ ،65 /3‬ط‪ .‬مكتبــة الســنة المحمدية‪ ،‬أولــى‪1375 ،‬هـ‪ ،‬مجموع فتاوى ابــن تيمية‪ ،47 /25 ،‬ط‪ .‬المكتبــة التوفيقية‪،‬‬
‫دون تاريخ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫ُــم َو َخ ْي ٌر ِأِلَ ْص َح ِ‬
‫اب‬ ‫ــعيرِ و ُّ ِ‬
‫الذ َرة َأ ْه َو ُن َع َل ْيك ْ‬ ‫َ‬
‫الش ِ‬ ‫َان َّ‬ ‫الصدَ َق ِة َمك َ‬ ‫يــس‪ -‬في َّ‬
‫‪-‬أو َلبِ ٍ ِ‬ ‫َخ ِم ٍ‬
‫يــص َ ْ‬
‫النَّبِ ِّي ‪ ‬بِا ْل َم ِدين َِة))(((‪.‬‬
‫بداًل من الشعير والذرة‪ ،‬فإذا جاز إخراج‬ ‫ووجه الداللة أن معا ًذا رأى إخراج العرض ً‬
‫العــرض للحاجــة والمصلحة فأولى منــه اإلخراج للقيمة‪ ،‬حيــث إن الحاجة إليها أكرب‬
‫والمصلحة يف إخراجها أوضح‪.‬‬
‫خاصــا بالزكاة‪ ،‬بدليل‬ ‫ويمكن مناقشــة هــذا الدليل بأن األثر خــاص بالجزية وليس ًّ‬
‫ث ُم َعا ًذا ‪ ‬إِ َلى‬ ‫اس ‪َ (( :‬أ َّن النَّبِ َّي ‪َ ‬ب َع َ‬ ‫حديــث معاذ َع ِن ا ْب ِ‬
‫ــن َع َّب ٍ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ول اهَّللِ‪َ ،‬فإِ ْن ُه ْم َأ َطا ُعوا لِ َذلِ َ‬ ‫ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْد ُع ُه ْم إِ َلى َش َها َد ِة َأ ْن َاَل إِ َل َه إِ َّاَّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأنِّي َر ُس ُ‬
‫ــة‪َ ،‬فإِ ْن ُه ْم َأ َطا ُعوا‬ ‫ات فِي ك ُِّل يو ٍم و َلي َل ٍ‬ ‫ــد ا ْفتَر َض ع َلي ِهــم َخمس ص َلو ٍ‬ ‫َف َأع ِلمهــم َأ َّن اهَّلل َق ِ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ ْ‬
‫ــك‪َ ،‬ف َأ ْع ِل ْم ُه ْم َأ َّن اهَّللَ ا ْفت ََر َض َع َل ْي ِه ْم َصدَ َق ًة فِي َأ ْم َوالِ ِه ْم ت ُْؤ َخ ُذ ِم ْن َأ ْغن ِ َيائِ ِه ْم َوت َُر ُّد َع َلى‬‫لِ َذلِ َ‬
‫ِ‬
‫ــم))(((‪ ،‬فــإذا كانت الــزكاة تؤخذ منهم وترد فيهم فإن الــذي يؤخذ منهم ويذهب‬ ‫ُف َق َرائ ِه ْ‬
‫للمدينــة إنمــا هو الجزية وليس الصدقة الواجبة‪ ،‬ويمكــن أن يجاب عن ذلك بأن فري ًقا‬
‫من الفقهاء فســر قوله‪(( :‬مــن أغنيائهم وترد على فقرائهم)) أي المراد أغنياء المســلمين‬
‫وفقراء المســلمين‪ ،‬وعليه فإن نقل المال يف الزكاة الواجبة من اليمن إلى المدينة جائز‪،‬‬
‫خصوصا أن الرواية صرحت أن ذلك يف‬‫ً‬ ‫كمــا أن هذا احتمــال مما يضعف من األخذ به‬
‫الصدقة‪ ،‬والمراد هبا الفرض الواجب‪.‬‬
‫الرأي الراجح‪ :‬بعد عرض األقوال وأدلتها أرى ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬رجحان القول الثالث‬
‫الذي يرى أن الواجب إخراج عين المال إال إذا كانت هناك مصلحة راجحة من إخراج‬
‫القيمة على أساسها أو كان هناك مشقة يف إخراج العين‪ ،‬فالحرج مرفوع والمشقة منتفية‪.‬‬
‫أثر التضخم على إخراج القيمة يف الزكاة‪ :‬بعد أن وصلنا إلى جواز إخراج القيمة ً‬
‫بداًل‬
‫مــن العين الواجب فيها الــزكاة إن كان ذلك للضرورة والمصلحة‪ ،‬فما هو أثر التضخم‬
‫علــى إخــراج القيمــة؟ والجواب أنه ال أثــر للتضخم مطل ًقــا إن أخذنا بــرأي الجمهور‬
‫الذي يرى إخراج عين المال؛ ألن الســلعة المخرجة لن تتأثر هببوط قيمة العملة‪ ،‬إذ إن‬

‫((( الحديث تقدم تخريجه‪.‬‬


‫((( صحيح البخاري‪ ،104 /2 ،‬باب‪ :‬وجوب الزكاة‪ ،‬رقم الحديث ‪.1395‬‬

‫‪29‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫انخفاض القيمة الشــرائية لألوراق المالية ال أثر له على السلعة‪ ،‬فبعد أن كانت بخمسة‬
‫آالف قبل التضخم صارت بســتة أو ســبعة آالف بعده‪ ،‬والمخرج هو عين الســلعة‪ ،‬فال‬
‫أثــر يعود علــى الفقير بالضــرر؛ ألنه ظفر بعين المال‪ ،‬وأما إن ســرنا علــى القول الذي‬
‫ترجح لدينا‪ ،‬وهو جواز إخراج القيمة عند الحاجة أو الضرورة‪ ،‬فإن التضخم قد يكون‬
‫لــه أثر وقــد ال يكون له هذا األثر‪ ،‬فإن قــام المزكي بإخراج القيمــة الفعلية يوم وجوب‬
‫اإلخــراج فــإن التضخم ال يؤثر؛ ألن تقدير القيمة قد تــم يوم الوجوب وصاحبه إخراج‬
‫القيمــة يف حينــه‪ ،‬ومعنى ذلك أن ما وجــب عليه قد خرج بقيمتــه الحقيقية فلم يؤثر فيه‬
‫التضخم‪ ،‬أما إن كان تقدير القيمة يوم الوجوب وتأخر المزكي يف إخراج ما وجب عليه‬
‫دون ســبب واضــح حتى وقع التضخــم‪ ،‬فإنه بذلك يكون قد منع حــق الفقير مع قدرته‬
‫علــى اإلخراج حتى وقع التضخــم الذي أ َّثر على القيمة المخرجــة للفقير‪ ،‬وهنا يكون‬
‫كالغاصــب؛ ألنه منع ح ًّقــا واج ًبا عليه مع قدرته على إخراجــه‪ ،‬ويف هذه الحالة يضمن‬
‫أعلى القيم للشــيء الواجب عليه من وقت االســتحقاق إلى يوم اإلخراج حتى نستطيع‬
‫أن نزيــل أثر التضخم عن الفقير‪ ،‬وإال يعود األمر إلى نصابه بإخراج العين الواجبة عليه‬
‫بذاته النتفاء الفائدة والمصلحة يف إخراج القيمة للفقير لتأثرها بالتضخم‪ ،‬وترجيحنا يف‬
‫ٌ‬
‫مشروط باألنفع للفقير واألفضل لمصلحته‪.‬‬ ‫إخراج القيمة‬
‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫أثر التضخم على سداد الديون‬
‫اقــرض أحد الناس مبل ًغا من المــال لمدة من الزمن‪ ،‬ولما جاء وقت الســداد تأخر‬
‫المدين يف ســداد دينه حتى هبطت قيمة النقد بفعل التضخم‪ ،‬فهل الواجب الرد بالمثل‬
‫أم الرد بالقيمة؟‬
‫اتجه الفقهاء يف هذه المسألة التجاهين‪:‬‬
‫االتجــاه األول‪ :‬يرى الــرد بالمثل حتــى وإن اختلفت القيمة‪ ،‬وهــذا القول لجمهور‬
‫الفقهاء من الحنفية والمالكية والشــافعية والحنابلة‪ ،‬فقــد جاء عند الحنفية‪« :‬وأجمعوا‬
‫علــى أن الفلوس إذا لم تكســد ولكــن غلت قيمتها أو رخصت فعليــه مثل ما قبض من‬

‫‪30‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫قدرا وصفة‪ ،‬أو عينه‬


‫العدد» ‪ ،‬وجاء عند المالكية‪« :‬ورد المقرتض على المقرض مثله ً‬
‫(((‬

‫إن لم يتغير يف ذاته عنده‪ ،‬وال يضر بغير تغير السوق‪ ،‬فإن تغير تعين رد مثله وجاز أفضل‪،‬‬
‫أي رد أفضــل ممــا اقرتضه صفة؛ ألنه من حســن القضــاء إذا كان بال شــرط‪ ،‬وإال منع‬
‫األفضل‪ ،‬والعادة كالشرط‪ ،‬ويتعين رد مثله»(((‪ ،‬وقال الشافعية‪« :‬ولو أقرض نقدً ا فأبطل‬
‫الســلطان المعاملة به‪ ،‬فليس له إال النقد الذي أقرضه»‪ .‬وقال الشيرازي‪« :‬ويجب على‬
‫المســتقرض رد المثــل فيما له مثل؛ ألن مقتضى القــرض رد المثل»(((‪ ،‬وقال الحنابلة‪:‬‬
‫«إن الفلوس إذا لم يحرمها السلطان وجب رد مثلها غلت أو رخصت أو كسدت»(((‪.‬‬
‫االتجاه الثاين‪ :‬يرى الرد بالقيمة‪ ،‬وهو ألبي يوســف ومحمد من الحنفية‪ ،‬ورأي عند‬
‫المالكيــة وقول لبعــض الحنابلة؛ فقــد قال أبو يوســف‪« :‬عليه قيمتها مــن الذهب يوم‬
‫القــرض يف الفلوس والدراهم‪ ،‬وقال محمد‪ :‬عليه قيمتها يف آخر وقت إنفاقها»(((‪ ،‬وقد‬
‫ذكر ابن عابدين أن قول الفتوى يف المذهب هو القول بالقيمة حيث قال‪« :‬وأما قول أبي‬
‫يوســف‪ :‬فقد جعلوا الفتوى عليه يف كثير من المعتربات فليكن المعول عليه‪ ،‬وقد دلل‬
‫يف شــرح فتح القدير علة اعتماد رد القيمة فقال‪« :‬إن العقد قد صح إال أنه تعذر التسليم‬
‫بالكســاد‪ ،‬وأنه ال يوجب الفســاد؛ كما إذا اشرتى بالرطب فانقطع أوانه‪ ،‬وإذا بقي العقد‬
‫وجــب القيمــة‪ ،‬لكن عند أبي يوســف وقت البيع؛ ألنــه مضمون به‪ ،‬وعنــد محمد يوم‬
‫االنقطاع؛ ألنه أوان انتقال القيمة»(((‪.‬‬
‫والمالكية وإن كانوا يرون الرد بالمثل إال أن الرهوين يف حاشيته علق على «بالمثل»‬
‫بخالفه‪ ،‬فقال‪« :‬قلت‪ :‬وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر جدًّ ا حتى يصير القابض لها‬
‫كالقابض لما ال كبير لمنفعة فيه لوجود العلة التي علل هبا المخالف حيث إن الدائن قد‬

‫((( شرح فتح القدير ‪ 57 /7‬وما بعدها‪ ،‬مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ ،60 /2‬ط‪ .‬دار الرتاث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫((( الشرح الكبير للدردير على متن خليل ‪ ،106 /2‬المدونة ‪.444 /3‬‬
‫((( روضــة الطالبيــن وعمــدة المفتيــن ‪ ،37 /4‬المهــذب مع المجمــوع للشــيرازي ‪ ،185 /12‬الحــاوي للفتاوي‬
‫للسيوطي ‪ ،97 /1‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬ثانية‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫((( كشاف القناع عن متن اإلقناع ‪ ،315 /2‬المغني ‪ ،352 /4‬مجموع الفتاوى ‪.306 /29‬‬
‫((( شرح فتح القدير ‪.148 /7‬‬
‫((( مجموعة رسائل ابن عابدين ‪.62 /2‬‬

‫‪31‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫دفع شي ًئا منتف ًعا به ألخذ منتفع به‪ ،‬فال يظلم بإعطائه ما ال ينفع»(((‪ ،‬ويرى ابن مفلح من‬
‫الحنابلة أن االنتقال على القيمة إن حرم الســلطان المعاملــة بالفلوس فال يلزمه قبولها‬
‫ويصير للقيمة؛ ألن تحريم السلطان لها أصبح كالعيب(((‪.‬‬
‫الترجيــح‪ :‬بعــد أن عرب أصحاب كل اتجــاه عن وجهة نظرهم وأيــد كل فريق وجهة‬
‫نظــره بما رأى أنه دليل معترب؛ حيث احتاط أصحــاب القول األول خو ًفا من الوقوع يف‬
‫الربا‪ ،‬بينما نظر أصحاب القول الثاين إلى العدل‪ ،‬ورأوا أن العدل غير متحقق يف المثلية‬
‫الصوريــة بأخذ عــدد بعدد مثله مجر ًدا مــن قيمته أو بعضهــا‪ ،‬ورأوا أن العدل الحقيقي‬
‫خصوصا أن التعامل‬
‫ً‬ ‫هــو الــذي يعطي بنفس القوة الشــرائية والقيمة الحقيقية لما أخــذ‬
‫هنــا ليــس بالنقد الحقيقي الذي هو الذهــب والفضة‪ ،‬وإنما بعملة أخــرى لها قيمة أقل‬
‫ويدخل عليها الرخص والغالء‪ ،‬أو أهنا تستمد قوهتا من اعرتاف الدولة بقوهتا الشرائية‪،‬‬
‫وإن كانت مجردة من هذه القيمة يف نفسها كالنقود الورقية‪.‬‬
‫هل النقود الورقية شبيهة بالذهب والفضة أم شبيهة بالفلوس؟ هناك اتجاهان للفقهاء‬
‫يف هذه المسألة‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬يرى أن النقود الورقية شبيهة بالفلوس‪ ،‬فهي أشبه بالسلع التجارية‪.‬‬
‫فقد رأى أصحاب هذا االتجاه أن هناك فار ًقا بين الفلوس وبين النقد الشــرعي؛ ألن‬
‫الفلــوس مأخــوذة من معادن أخرى غيــر الذهب والفضة كالنيــكل والربونز والنحاس‬
‫واأللومنيــوم مثــل القــروش المصرية والفلســات اليمنيــة وغيرها من عمــات البالد‬
‫األخــرى‪ ،‬فال ربا يف التعامل هبا عند الجمهور من الفقهاء‪ ،‬وال يشــرط فيها ما يشــرط‬
‫غرضا معينًا‬
‫يف الذهــب والفضــة أو النقود المتخــذة منها‪ ،‬وألن لــكل من المتعاقديــن ً‬
‫قياســا؛ ألن الوزن‬
‫نصا وال ً‬ ‫ومصلحة يف هذا التبادل‪ ،‬والنص التشــريعي لم يشــملها ال ًّ‬
‫أصاًل‪ ،‬بل المعترب هو العد والقيمة‪ ،‬والعد ليس علة على المعتمد‬ ‫مقياســا يف ذلك ً‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫أيضا باتفاق ليســت علة؛ ألهنا تتغير من زمن إلى زمن‪..‬‬ ‫يف بيع الربويات كما أن القيمة ً‬
‫ولهــذا كانــت القيمة هي العلــة يف إباحة الربح والتفــاوت فيه يف البيع‪ ،‬لقوله ســبحانه‪:‬‬

‫((( حاشية الرهوين على شرح الزرقاين لمختصر خليل ‪ ،178 /5‬ط‪ .‬دار الفكر بيروت ‪1978‬م‪.‬‬
‫((( المبدع شرح المقنع البن مفلح ‪ ،207 /4‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي دمشق‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫َ َ َ َّ َّ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ َّ َ ّ َ ٰ ْ‬
‫ٱلربوا} [البقرة‪ ، ]275 :‬وإذا كانت األوراق النقدية ليســت‬
‫(((‬
‫{وأحل ٱهَّلل ٱبۡليع وحرم ِ‬ ‫و‬
‫من األشــياء التــي ثبتت فيها علة الربا ال بالنص وال بالقيــاس‪ ،‬فتكون يف حكم الفلوس‬
‫التــي ال يثبت فيهــا الربا؛ ألهنا حينئذ تكــون عروض تجارة؛ بل ذلــك واضح فيها أكثر‬
‫مــن الفلوس‪ ،‬والمالكية اعتربوا الفلوس من عــروض التجارة‪ ،‬وال خالف بين الفقهاء‬
‫أن عــروض التجــارة ال ربا فيها؛ ألنــه يجوز التفاضل فيها ســواء كان ذلك يف الحال أو‬
‫مع التأخير(((‪.‬‬
‫االتجاه الثاين‪ :‬يرى أن الورقة ال قيمة لها يف ذاتها وأعطتها الدولة القوة واإللزام‪.‬‬
‫يــرى أصحــاب هذا االتجاه أن الورقــة النقدية ال قيمة لها يف ذاهتــا‪ ،‬وأعطتها الدولة‬
‫القــوة واإللــزام‪ ،‬وقد تعامــل الناس هبــا واصطلحوا علــى اتخاذها وســي ًطا للتبادل يف‬
‫المعامالت‪ ،‬ووســيلة لشــغل الذمم ووظيفة األوراق النقدية يف التعامل هبا بي ًعا وشــرا ًء‬
‫يجعلهــا كالدراهم والدنانير وعموم الوظيفــة أولى باالعتبار من خصوصها‪ ،‬واألوراق‬
‫النقديــة وإن كانت تجتمع مع الفلوس يف الثمنية اليوم إال أن ثمنية األوراق النقدية أكثر‬
‫وضوحــا ومماثلة لثمنيــة الدراهم والدنانير‪ ،‬فعلــة الثمنية يف الذهــب والفضة أظهر يف‬ ‫ً‬
‫األوراق النقديــة منهــا يف الفلوس‪ ،‬وفارقت الفلوس يف شــمول التعــاون وعمومه فيما‬
‫صغر من المعامالت فحســب‪ ،‬بل إهنا فاقت التعامل بالذهب والفضة لما يتأثر فيها من‬
‫سبل التعامل مما ال يتيسر للذهب والفضة‪ ،‬ولهذا كله صح قياس األوراق النقدية على‬
‫الذهب والفضة لعلة الثمنية(((‪.‬‬
‫الترجيــح‪ :‬بعد ذكر االتجاهين الســابقين أرى ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن الرأي يميل لرتجيح‬
‫شــبه األوراق النقديــة بالفلــوس‪ ،‬فيجري التعامل هبا على أســاس أهنا عرض وســلعة‪،‬‬
‫ويدخلها الرخص والغالء‪ ،‬وقد اعتربه أبو يوســف عي ًبا لحق الفلوس ســواء يف القرض‬
‫أو البيــع‪ ،‬فرتتــب عليه ظلــم للدافع مع الرخــص‪ ،‬فينبغي أن يجــر بالقيمة‪ ،‬كما الحظ‬
‫((( راجــع بحوث ودراســات إســامية يف العقود الربويــة والمعامالت المصرفية والسياســة النقديــة‪ ،‬د‪ /‬نصر فريد‬
‫واصل‪ ،‬ص‪ ،53 -52‬ط‪ .‬مكتبة الصفا‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫((( بحوث ودراسات إسالمية‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫((( العملــة وأحكامهــا يف الفقــه اإلســامي‪ ،‬د‪ /‬عجيــل جاســم النشــمي‪ ،‬ص‪ ،322‬بحث منشــور بمجلة الشــريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية بالكويت‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬أغسطس‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫أن الفلــوس أثمــان باصطــاح الناس‪ ،‬فإذا تغير فإنــه يتغير اصطالحهــم‪ ،‬أو إذا تغير ما‬
‫اصطلحوا عليه فإنه ينبغي مراعاة هذا التغير بحيث ال يرتتب على طرف ضرر(((‪ ،‬وأكرب‬
‫دليل على أن النقود الورقية تعد قيمية أن لها بورصة مالية تعترب سو ًقا عالمية لكل نقود‬
‫الدول وأوراقها المالية وأســهمها التجارية‪ ،‬وهذه النقود تتغير صعو ًدا وهبو ًطا بالنســبة‬
‫لبعضهــا مــن يوم آلخر‪ ،‬وعلى ضوء ذلــك تتجدد معامالت الــدول والهيئات واألفراد‬
‫وتعــرف الحقوق‪ ،‬وتجدد االلتزامات المالية على أساســها يتــم الوفاء عند األداء‪ ،‬وقد‬
‫ظهر كالم الفقهاء المسلمين يف هذا الجانب المتعلق هببوط سعر النقد أو صعوده عندما‬
‫ظهر الغش فيه أو كســاده ألســباب أهمها الجانب االقتصــادي يف الدولة‪ ،‬ونقص النقد‬
‫الخالص المسكوك من الذهب أو الفضة(((‪.‬‬
‫أثر التضخم النقدي على زكاة الديون‪:‬‬
‫قبــل بيان أثــر التضخم على زكاة الدين نقــدم بأن الفقهاء اختلفــوا يف زكاة الدين ما‬
‫دام صاحبــه لــم يقبضه بعــد إلى اتجاهين‪ ،‬وعلى كل منهما يؤســس أثــر التضخم على‬
‫زكاة الدين‪.‬‬
‫االتجــاه األول‪ :‬يــرى أن زكاة الديــن تجــب على صاحــب الدين عــن كل عام‪ ،‬إال‬
‫أن أصحــاب هــذا االتجاه اختلفــوا فيما بينهم يف وقــت اإلخراج؛ حيث يــرى الحنفية‬
‫والحنابلة أنه ال يجب عليه إخراج الزكاة عن الدين ما لم يقبضه(((‪ ،‬بينما يرى الشافعية‬
‫وجوب إخراج زكاة الدين هناية كل حول(((‪.‬‬
‫االتجــاه الثاين‪ :‬يرى وجوب زكاة الدين عند قبضه عن عام واحد فقط(((‪ ،‬وبنا ًء على‬
‫كال االتجاهين يؤســس أثر التضخم النقدي على زكاة الدين ســواء بالنســبة لآلخذ أو‬
‫بالنســبة للمعطي‪ ،‬فإذا أخذنا بقول أصحاب االتجاه األول وافرتضنا أن الدين يســاوي‬

‫((( تغيــر قيمــة العملة وأثره يف الحقوق وااللتزامات‪ ،‬د‪ /‬كيالين محمد المهدي‪ ،‬بحث منشــور بمجلة كلية الشــريعة‬
‫والقانون بالدقهلية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪2001 ،176‬م‪.‬‬
‫((( بحوث ودراسات إسالمية‪ ،‬د‪ /‬نصر فريد‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 111‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( حاشية ابن عابدين ‪.322 /2‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب ‪ ،506 /5‬ط‪ .‬مكتبة اإلرشاد جدة‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫((( مواهب الجليل ‪ 358 /2‬لمحمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر دمشق‪ ،‬ثالثة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫مائة ألف جنيه‪ ،‬وأن النصاب كذلك يســاوي مائة ألــف جنيه‪ ،‬ثم حدث التضخم الذي‬
‫رفع قيمة النصاب إلى مائة وعشــرين ألف جنيه‪ ،‬فــإن المعطي يخرج عن العام األول‪،‬‬
‫وأمــا عن العام الثــاين فال يجب عليه؛ ألنه خرج عن حد النصاب‪ ،‬وهنا يســتفيد اآلخذ‬
‫يف العام األول‪ ،‬وليس له حق عن العام الثاين‪ ،‬وهنا أثر التضخم يف وجوب قياس نســبة‬
‫النصــاب عن كل عام‪ ،‬وأما عــن أثر التضخم بنا ًء على أصحــاب االتجاه الثاين‪ ،‬فإنه ال‬
‫تجب زكاة الدين إال عند قبضه‪ ،‬ويوم القبض ينظر هل المبلغ الذي أخذه يساوي نصا ًبا‬
‫أو يزيــد أو ينقص؛ فإن زاد عن النصاب أو ســاواه يوم القبــض وجب عليه اإلخراج يف‬
‫حينه‪ ،‬وإن كان أقل ســقط عنه أداء الزكاة لعدم اكتمال النصاب‪ ،‬ســواء كان ذلك بفعل‬
‫التضخم أو بسبب قلة الدين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫املبحث الثالث‪ :‬عالج التضخم‬


‫هنــاك حلــول مطروحة لمعالجــة التضخم نفســه‪ ،‬فتقضــي عليــه إن كان موجو ًدا‪،‬‬
‫وتمنع وجوده إن لم يكن موجو ًدا‪ ،‬وهذه الحلول تحتاج لجهد كبير لتحقيق االستقرار‬
‫المحمود لقيمة النقود‪ ،‬وهو مطلب رئيس لفقهاء الشــريعة اإلســامية الذين ينشــدون‬
‫المصلحة والعدالة‪ ،‬وتتطلب جهود االقتصاديين‪ ،‬والجهد المبذول يحتاج مدة طويلة‪،‬‬
‫كما يحتاج جهد الجميع لسنوات طويلة يتم العمل فيها على تعديالت جذرية يف األنظمة‬
‫االجتماعية والسياسية؛ حيث يحتاج التعديل يف سياسات اإلنتاج والتمويل واالستثمار‬
‫وأنماط االستهالك والتبادل والتوزيع والتصدير والسياسات المالية والنقدية‪.‬‬
‫والفقــه اإلســامي ال يقف بمنــأى عن هذه اإلصالحــات‪ ،‬إذ إنه يشــجع كل ما فيه‬
‫مصلحــة للعباد ويرفع عنهم الضرر‪ ،‬ويحقق االســتقرار الحميــد للنقود حماية ألموال‬
‫الناس وحفا ًظا على مصالحهم(((‪.‬‬
‫ً‬
‫طوياًل وجهو ًدا‬ ‫ونظــرا ألن الحلول المطروحة للقضاء على التضخم ســتأخذ وقتًــا‬‫ً‬
‫مضنيــة مع أن آثــار التضخم ال تزال موجودة‪ ،‬وتدهور قيمة العملــة قائم‪ ،‬فال ينبغي أن‬
‫تتوقــف الجهــود عند الحلــول الدائمة التي تعمــل للقضاء على التضخــم أو على منع‬
‫ظهــوره إن كان غيــر موجــود‪ ،‬وإنما ال بد من معالجة اآلثار جن ًبــا إلى جنب‪ ،‬فال بد من‬
‫إيجــاد حلول عاجلة لمواجهة األضرار الناتجة عــن التضخم‪ ،‬وهذه الحلول المعالجة‬
‫لآلثار الناتجة عن التضخم تتمثل يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬الربط القياسي‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيق مبدأ الجوائح‪.‬‬
‫‪ -3‬الرتاضي بين األطراف‪.‬‬
‫‪ -4‬التمييز بين الحاالت والعقود‪.‬‬
‫ونبحث ًّ‬
‫كاًّل منها يف مطلب مستقل‪.‬‬

‫((( راجع النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.274‬‬

‫‪36‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫المطلب األول‪ :‬الربط القياسي‬


‫معنى الربط القياســي‪ :‬يراد بالربط القياسي جعل َدين أو التزام مالي آخر يتغير مبلغه‬
‫عند االســتحقاق بتغير مقياس أو مؤشر ال يكون مستواه معرو ًفا عند التعاقد‪ ،‬بل يعرف‬
‫عند االستحقاق(((‪ ،‬وطريقة استخدام الربط القياسي يراد به ربط المتغيرات االقتصادية‬
‫بأرقــام قياســية يمكنها تحويل هذه المتغيرات لمقاديــر حقيقية‪ ،‬يعرف هبا ما حدث من‬
‫نقص يف القوة الشــرائية بغــرض تعويض هذا النقص‪ ،‬وقد تم اســتعمال هذه األداة من‬
‫قبل االقتصاديين للحفاظ على مستوى ثابت لقيمة األجور‪.‬‬
‫ويتم الربط القياسي بعدة طرق منها‪:‬‬
‫أواًل‪ :‬الربط بمؤشــر تكاليف المعيشة‪ ،‬ويراد به احتكام طريف التعامل للرقم القياسي‬
‫ً‬
‫لتكاليف المعيشة‪ ،‬وما يحدث فيه من تغيرات بحيث يكون هو الحكم عند أداء الحقوق‬
‫وااللتزامات يف زمنها المحدد يف المســتقبل؛ فإن كان هناك بيع مؤجل الثمن ونخشــى‬
‫مــن وقوع التضخم ونريــد تأمين أموالنا مــن مخاطره‪ ،‬فنقوم بتحريــر العقد باالحتكام‬
‫لهــذا الرقم عند الســداد‪ً ،‬‬
‫فمثاًل لو كان الرقم القيمي يســاوي ‪ 200‬عنــد بداية التعاقد‪،‬‬
‫وبعد ارتفاع األســعار أصبح يســاوي مائة‪ ،‬فإنه يعني أن االنخفاض أو تدهور القيمة يف‬
‫العملة أصبح يساوي ‪ %50‬طالما ارتضيا هذا المؤشر كمقياس لقيمة النقود‪ ،‬ومعناه أن‬
‫يســدد المدين ضعف مبلغ الدين؛ ألن الضعف هنا يساوي نفس القيمة الحقيقية لمبلغ‬
‫الدين األصلي(((‪.‬‬
‫ضررا واق ًعا من‬
‫وقــد أيد فريق من الفقهاء هذا الرابــط كأداة للقياس؛ حيث إن هناك ً‬
‫جــراء التضخم‪ ،‬والربط القياســي يزيل هذا الضرر‪ ،‬وإزالــة الضرر أصل أصيل وقاعدة‬
‫مــن قواعد الفقه(((‪ ،‬كما أن الربط القياســي لاللتزامــات والديون اآلجلة يحقق التماثل‬

‫((( الربــط القياســي وضوابطــه وآراء االقتصادييــن اإلســاميين فيــه‪ ،‬د‪ /‬محمد علــي القري‪ ،‬بحث منشــور بمجلة‬
‫الدراسات اإلسالمية واالقتصادية‪ ،‬مجلد ‪ 4‬العدد ‪ ،2‬ص‪.17‬‬
‫((( راجع النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫((( القواعد الفقهية د‪ /‬محمد بكر إسماعيل‪ ،‬ص‪ ،99‬ط‪ .‬دار المنار‪ ،‬أولى‪1997 ،‬م‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز‬
‫عزام‪ ،‬ص‪ ،127‬ط‪ .‬دار الحديث ‪2005‬م‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫الحقيقــي‪ ،‬وهــو التماثل يف القيمة وليس التماثل االســمي‪ ،‬فهو أولــى لتحقيقه العدالة‬
‫الحقيقية وليس الصورية(((‪.‬‬
‫بينما يرى البعض اآلخر أن الربط القياســي وســيلة ثبت فشــلها يف عالج التضخم؛‬
‫حيث إن الربط القياســي بتكاليف المعيشــة يؤدي لزيادة التضخم‪ ،‬فالزيادة يف مســتوى‬
‫األســعار ســتؤدي الرتفاع جميع الديون وااللتزامــات والحقوق المرتبطــة به‪ ،‬فتزداد‬
‫تكاليف اإلنتاج مما ينعكس على زيادة األسعار(((‪.‬‬
‫والذي يؤيد الربط القياســي من الفقهاء اشــترط لجوازه عدة شــروط‪ :‬منها أن يكون‬
‫التضخــم غير متوقع‪ ،‬أمــا المتوقع فيمكن للمضار أن يحتاط منــه كالبيوع اآلجلة‪ ،‬وأن‬
‫كبيرا بقياســه على الغبن الفاحــش‪ ،‬ومعيار الكبيــر والصغير يرجع فيه‬ ‫يكــون التضخم ً‬
‫للعــرف أو ألهــل الخــرة‪ ،‬والبعض حدده بالثلــث‪ ،‬ومنها أن يكون الربــط الح ًقا على‬
‫المعاملة وليس ساب ًقا‪ ،‬وأن يتم السداد بعملة مغايرة للعملة التي تم هبا التعاقد(((‪ ،‬وكما‬
‫ترى من هذه الشروط كلها تبتعد وتحذر من الوقوع يف الربا‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬الربط القياسي بالذهب أو عملة أو سلعة‪.‬‬
‫ومعنــى الربط بالذهب أو بســلعة من الســلع أو عملة من العمالت أنــه عند التعاقد‬
‫اآلجل يقوم المتعاقدان على ربط قيمة االلتزام بمقداره من الذهب أو من العملة المرادة‬
‫أو من ســلعة من السلع بعينها‪ ،‬ومثال ذلك ما لو قال أحد المتعاقدين لآلخر‪ :‬لي عندك‬
‫عشــرون ألف جنيه مصرية‪ ،‬وهي اليوم تعادل عشــرين جرا ًما من الذهب عيار ‪ ،21‬أو‬
‫تعادل مائة كيلو من اللحم البقري‪ ،‬أو تســاوي ألف دوالر أمريكي‪ ،‬فعند السداد ينبغي‬
‫مراعــاة هذه القيمة من الذهب أو اللحم أو الدوالرات‪ ،‬وعادة ما يلجأ أحد المتعاقدين‬
‫لذلك خو ًفا من اضطرابات السوق وتقلبات العملة‪ ،‬فيعول على القيمة المستقرة بالغة‬
‫ما بلغت؛ سواء كان ذلك يف ثوب سلعة أو ذهب أو عملة(((‪.‬‬

‫((( بحوث يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬علي محيي الدين القرة داغي‪ ،‬ص‪ ،73‬ط‪ .‬دار البشائر بيروت‪ ،‬ثانية‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫((( التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬خالد المصلح‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫((( راجع النقود والتضخم‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.279‬‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.280‬‬

‫‪38‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫موقف الفقه اإلسالمي من الربط القياسي‪:‬‬


‫اتجه الفقه اإلسالمي المعاصر لثالثة اتجاهات يف هذه المسألة‪:‬‬
‫االتجــاه األول‪ :‬يرى جــواز ربط المدفوعات اآلجلة بمســتوى األســعار‪ ،‬وال عربة‬
‫لكون المستحق دينًا أو عقدً ا(((‪.‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا االتجاه باآلتي‪:‬‬
‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫فأبيــع بالدنانير‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلبــل بالبقيع‪،‬‬ ‫أبيع‬
‫كنت ُ‬ ‫(أ) بمــا روي عــن ابن ُعمر‪ ،‬قــال‪ُ (( :‬‬
‫فأتيت‬
‫ُ‬ ‫وأعطي هذه من هذه‪،‬‬ ‫آخذ هذه من هذه‪ُ ،‬‬ ‫الدنانير‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫وأبيع بالدراه ِم‬
‫ُ‬ ‫الدراهم‪،‬‬
‫َ‬
‫رســول اهلل ‪ ‬وهــو يف بيت حفصةَ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رســول اهلل‪ُ ،‬ر َو ْيدَ ك أســأ ْلك‪،‬‬ ‫َ‬
‫الدنانير‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫وأبيع بالدراهــ ِم‬
‫ُ‬ ‫الدراهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وآخذ‬ ‫فأبيع بالدنانيــر‬ ‫َ‬
‫اإلبــل بالبقيع‪ُ ،‬‬ ‫أبيــع‬
‫إين ُ‬
‫أس أن‬ ‫رســول اهلل ‪ :‬ال َب َ‬ ‫ُ‬ ‫وأعطــي هذه من هذه‪ ،‬فقــال‬ ‫آخــذ هــذه من هذه‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫يومها‪ ،‬مــا لم َت ْفترِقا وبينكُما شــي ٌء))(((‪ ،‬ووجه الداللــة من الحديث أن‬ ‫تأخ َذها بســعرِ ِ‬‫ُ‬
‫ْ‬
‫النبــي ‪ ‬اشــرط يف وفاء الدراهــم عن الدنانير أو عكســها أن يكون بســعر‬
‫يوم القضاء‪.‬‬
‫يه‪،‬‬ ‫ب‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬ ‫أيضا بحديث رسول اهلل ‪َ ‬ع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ‬ ‫(ب) يســتدل ً‬
‫ْ‬
‫ول اهلل ِ ‪ُ ‬ي َق ِّو ُم ِد َي َة ا ْلخَ َطأِ َع َلى َأ ْه ِل ا ْل ُق َرى َأ ْر َب َع ِمائ َِة‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫َع ْن َجدِّ ِه‪َ ،‬ق َال‪(( :‬ك َ‬
‫يمتِ َها‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫ِ ِ‬
‫ــت َر َف َع في ق َ‬ ‫اإْلبِ ِل‪َ ،‬فإِ َذا َغ َل ْ‬ ‫ان ْ ِ‬ ‫ــو ِر ِق‪َ ،‬وي َق ِّو ُم َها َع َلى َأ ْث َم ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِدين ٍ ِ‬
‫َــار َأ ْو عدْ َل َها م َن ا ْل َ‬
‫ــول اهلل ِ ‪َ ‬ما َب ْي َن‬ ‫َت َع َلــى َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫يمتِ َهــا‪َ ،‬و َب َلغ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ــت ُر ْخ ًصــا َن َق َص م ْن ق َ‬ ‫اج ْ‬ ‫َه َ‬
‫َار‪َ ،‬أو ِعدْ َلها ِمن ا ْلو ِر ِق َثماني ِة َآاَل ٍ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ف))(((‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َأ ْر َبعمائَة إِ َلى َث َمانمائَة دين ٍ ْ‬

‫((( راجع‪ :‬تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية‪ ،‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ‪ ،‬ص‪ ،327‬ط‪ .‬المعهد العالي للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫أولى‪1999 ،‬م‪ ،‬آثار التضخم على العالقات التعاقدية يف المصارف اإلسالمية والوسائل المشروعة للحماية‪ ،‬د‪ /‬رفيق‬
‫يونس المصري‪ ،‬ص‪ 63‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬دار المكتبي‪ ،‬أولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫((( سنن أبي داود ‪ 242 /5‬باب‪ :‬اقتضاء الذهب من الورق‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،3354‬سنن النسائي ‪ 281 /7‬بيع الفضة‬
‫بالذهب وبيع الذهب بالفضة‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،4582‬مسند اإلمام أحمد ‪ 478 /5‬حديث عبد اهلل بن عمر بن الخطاب‬
‫رقم الحديث ‪.4582‬‬
‫((( ســنن أبي داود ‪ 1955 /4‬و‪ 1956‬باب‪ :‬ديات األعضاء‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬مســند اإلمام الشــافعي‪ ،‬باب‪ :‬تقويم‬
‫إبل الدية‪ 309 /3 ،‬رقم ‪ ،1646‬الســنن الكربى للبيهقي ‪ 135 /8‬باب‪ :‬إعواز اإلبل‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،16170‬ط‪ .‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ثالثة‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫ووجــه الداللة من الحديث أن النبي ‪ ‬جعل األصل يف الدية اإلبل‪ ،‬وأن‬


‫مقياسا للقيمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدراهم والدنانير قيمة لها فجعل السلع األساسية‬
‫(ج) أن المعامــات األصل فيها اإلباحة إال مــا دل دليل على تحريمه‪ ،‬وليس هناك‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫من األدلة ما يدل على تحريم الربط القياسي لألسعار‪ ،‬فيبقى على أصل الحل‬
‫أن النقود الورقية كثيرة التقلب(((‪.‬‬
‫االتجاه الثاين‪ :‬يرى عدم جواز ربط المدفوعات اآلجلة بمستوى األسعار مطل ًقا(((‪.‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا االتجاه باآلتي‪:‬‬
‫(أ) أن الربط القياســي بمســتوى األســعار يفضي ال محالة إلى زيادة على ما ثبت يف‬
‫الذمــة من الديون والقــروض‪ ،‬وهو من ربــا الجاهلية؛ ألنه مقابل األجــل‪ ،‬والمثلية يف‬
‫األوراق النقدية تقضي بعدم الزيادة‪.‬‬
‫ويمكن مناقشــة هذا الدليل بأن القوة الشرائية للنقود تختلف من وقت آلخر‪ ،‬وهذا‬
‫يخرجها عن عداد المثلية‪ ،‬كما أن الزيادة يف القرض أو الدين هنا ليست مقابل األجل‪،‬‬
‫بل بما طرأ على النقود من نقص يف قيمتها‪ ،‬كما أن الزيادة هنا صورية وليســت حقيقية؛‬
‫ألهنا مرتبطة بالقيمة الشرائية وقت األخذ ولم ترد عليها(((‪.‬‬
‫(ب) كما يســتدل لهذا االتجاه بحديــث َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ق َال‪(( :‬ن ََهى َر ُس ُ‬
‫ــول‬
‫اهلل ِ ‪َ ‬ع ْن َب ْي ِع ا ْل َح َص ِاة‪َ ،‬و َع ْن َب ْي ِع ا ْلغ ََر ِر))(((‪ ،‬ووجه الداللة أن الربط القياسي‬
‫بمســتوى األســعار يعترب من الغــرر؛ ألن كال المتعاقديــن ال يدري ما ســيتم دفعه عند‬
‫حلول األجل‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذا الدليل بأن الربط القياسي بمستوى األسعار ال يعد من الغرر‪ ،‬بل‬
‫هو وسيلة لتثبيت القيمة الحقيقية للثمن‪.‬‬
‫((( راجع تغير القوة الشرائية‪ ،‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.329‬‬
‫((( راجع‪ :‬آثار التضخم على العالقات التعاقدية‪ ،‬د‪ /‬رفيق يونس المصري‪ ،‬الســابق‪ ،‬ص‪ 63‬وما بعدها‪ ،‬تغير القيمة‬
‫الشرائية للنقود الورقية‪ ،‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.330‬‬
‫((( يراجع يف نفس المعنى‪ :‬التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬خالد المصلح‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪ 282‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( مســلم ‪ ،1153 /3‬بــاب‪ :‬بطالن بيــع الحصاة‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1513 /4‬ســنن أبــي داود ‪ 259 /5‬باب‪ :‬يف بيع‬
‫الغرر‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،3376‬سنن الرتمذي ‪ ،524 /3‬باب‪ :‬ما جاء يف كراهية بيع الغرر‪ ،‬رقم الحديث ‪.1230‬‬

‫‪40‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫االتجاه الثالث‪ :‬يرى جواز الربط القياســي بمســتوى األســعار يف األجور والرواتب‬
‫دون القــروض والديــون‪ ،‬وأدلــة هذا االتجــاه هي مزيج بيــن االتجاهين الســابقين؛ إذ‬
‫أخــذوا أدلة الجواز من االتجاه األول على الرواتب واألجور‪ ،‬وأخذوا أدلة المنع على‬
‫القروض والديون من االتجاه الثاين‪.‬‬
‫الــرأي الراجح‪ :‬بعد ذكــر االتجاهات وأدلتهــا يرتجح االتجاه األول لما ســاقه من‬
‫أدلــة ولتحقيقــه للعدالة الحقيقيــة‪ ،‬على أنه يمكن تقييــد هذا الجواز بشــروط ذكرناها‬
‫قبل ذلك(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تطبيق مبدأ الجوائح‬
‫الجائحة هي الشدة المجتاحة للمال‪ ،‬وتعني اإلهالك واالستئصال(((‪.‬‬
‫والجائحــة بالمعنى الواســع تعني أذى لحق بمال بشــكل مباشــر أو غير مباشــر لم‬
‫يتسلمه صاحبه بعد من الطرف الثاين‪ ،‬فما خرج عن طاقة اإلنسان أو ما خرج من تحت‬
‫يــده ســواء كان من الجوائــح التي تصيب الــزروع والثمار أو اآلفات الســماوية كالربد‬
‫الشديد والثلج والفيضان والربكان والزلزال مما يؤدي يف العالقات التعاقدية إلى هالك‬
‫المعقــود عليه أو عدم صالحيته لتنفيذ االلتزام‪ ،‬وقد وضع الفقهاء قاعدة‪« :‬ما ال يمكن‬
‫االحرتاز عنه ال ضمان فيه»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫فاحشــا يتجاوز ثلثي‬ ‫التضخــم ومدى اعتباره من الجائحة‪ :‬إذا هبطت العملة هبو ًطا‬
‫ً‬
‫فاحشا‪،‬‬ ‫قيمة النقد وقوته الشرائية‪ ،‬وبقي من قيمته أقل من الثلث‪ ،‬فإن هذا الضرر يعترب‬
‫ويوجب توزيع الفرق على الطرفين ً‬
‫أخذا من األدلة الشرعية واآلراء الفقهية التي تجعل‬
‫حد الكثرة الثلث(((‪ ،‬وقد قال بذلك كثير من الفقهاء بجامع الضرر وعدم اســتيفاء أحد‬
‫الطرفيــن حقه وكون األذى غير مقدور على رفعه لكونه غير متوقع‪ ،‬كما أن الجائحة ال‬
‫((( راجع الشروط ص‪.40‬‬
‫((( القاموس المحيط‪ ،‬ص‪ ،197‬باب‪ :‬الحاء‪ ،‬فصل‪ :‬الجيم‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬اســتحالة تنفيذ االلتزام وآثارها دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون المدين‪ ،‬د‪ /‬محمد علي عثمان‬
‫الفقي‪ ،‬ص‪ ،67‬ط‪ .‬دار النهضة العربية ‪1995‬م‪.‬‬
‫((( راجــع‪ :‬بحــوث يف االقتصــاد اإلســامي‪ ،‬د‪ /‬علــي محيي الديــن القرة داغــي‪ ،‬ص‪ ،83‬وقد نقل هــذا الرأي عن‬
‫د‪ /‬مصطفى الزرقا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫تتوقــف عند نقص المقــدار أو الكمية‪ ،‬وإنما تتعدى ذلك إلى نقــص القيمة أو المالية‪،‬‬
‫والتضخــم يصل لنفــس النتيجة ومن هنــا يجوز التعامل مــع آثار التضخــم طب ًقا لمبدأ‬
‫الجوائح أو أحكام الطوارئ(((‪.‬‬
‫كما أن العدول إلى تطبيق مبدأ الجوائح ما هو إال وسيلة من وسائل إقامة العدل التي‬
‫هي من أهم مقاصد الشــريعة اإلســامية‪ ،‬ولم تحصر طرق العدل ودالالته يف شــيء‪،‬‬
‫وإنما إذا ظهرت أمارات العدل وتبين وجهه بأي طريق كان فهو شــرع اهلل‪ ،‬وأي طريقة‬
‫اهتدي هبا إلنفاذ العدل والقسط فهي من الدين؛ ألن الطرق أسباب ال تراد لذاهتا؛ وإنما‬
‫ــمع جابِر بن عب ِد اهللِ‬ ‫ِ‬
‫الز َب ْي ِر‪َ ،‬أ َّن ُه َس َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫المراد منها غاياهتا‪ ،‬والســند يف ذلك ما روي َع ْن َأبِي ُّ‬
‫يك َث َم ًرا‪َ ،‬ف َأ َصا َبتْــ ُه َجائِ َحةٌ‪َ ،‬ف َاَل‬
‫ــن َأ ِخ َ‬ ‫ــول اهللِ ‪َ (( :‬لو بِع َ ِ‬ ‫ــول‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫تم ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫يك بِ َغ ْيرِ َح ٍّق؟))(((‪ ،‬ومن نصوص الفقهاء‬ ‫ــال َأ ِخ َ‬
‫ك َأ ْن ت َْأ ُخ َذ ِمنْ ُه َشــ ْيئًا‪ .‬بِ َم ت َْأ ُخ ُذ َم َ‬ ‫ي ِ‬
‫ح ُّل َل َ‬ ‫َ‬
‫مــا يؤيد ذلك؛ فقد جاء عن اإلمام الكاســاين الحنفــي‪« :‬والثاين عدم حدوث عذر بأحد‬
‫العاقدين أو بالمســتأجر‪ ،‬فإن حدث بأحدهما أو بالمســتأجر عــذر ال يبقى العقد الز ًما‬
‫وله أن ينفسخ‪ ...‬ألن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ ألنه لو لزم العقد عند تحقق‬
‫العــذر للزم صاحب العذر ضرر لــم يلتزمه بالعقد(((‪ ،‬وعند المالكية‪« :‬من اكرتى رحى‬
‫ســنة‪ ،‬فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا هبا وجــا معهم المكرتي أو بقي آمنًا إال أنه‬
‫ال يأتيه الطعام لجالء الناس‪ ،‬فهو كبطالن الرحى من نقص الماء أو كثرته‪ ،‬ويوضع عنه‬
‫قدر المدة التي جلوا فيها»(((‪.‬‬
‫وقــد انتهى الرأي يف مجمع الفقه اإلســامي إلى هذه النتيجة حيث قرر أنه‪ -1« :‬يف‬
‫العقود المرتاخيــة التنفيذ كعقود التوريد والتعهدات والمقــاوالت إذا تبدلت الظروف‬
‫كبيرا بأسباب طارئة‬
‫تغيرا ً‬
‫تبداًل غ َّير األوضاع والتكاليف واألسعار ً‬ ‫التي تم فيها التعاقد ً‬
‫عامــة لم تكن متوقعــة حين التعاقد‪ ،‬فأصبح هبــا تنفيذ االلتزام العقــدي يلحق بالملتزم‬

‫((( راجع‪ :‬النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬ص‪.291‬‬


‫((( صحيح مســلم ‪ ،1190 /3‬كتاب‪ :‬المســاقاة‪ ،‬باب‪ :‬وضع الجوائح‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1554 /14‬ســنن النســائي‬
‫‪ ،264 /7‬باب‪ :‬وضع الجوائح رقم الحديث ‪.4527‬‬
‫((( بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ‪ ،197 /4‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ثانية‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫((( منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ‪ ،521 /7‬ط‪ .‬دار الفكر بيروت‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫خســائر جسيمة غير معتادة من تقلبات األســعار يف طرق التجارة‪ ،‬ولم يكن ذلك نتيجة‬
‫تقصيــر أو إهمال من الملتزم من تنفيذ التزاماته‪ ،‬فإنــه يحق للقاضي يف هذه الحالة عند‬
‫التنــازع وبنــا ًء على الطلب تعديــل الحقوق وااللتزامــات العقدية بصــورة توزع القدر‬
‫المتجاوز للمتعاقدين من الخســارة على الطرفين المتعاقدين‪ ،‬كما يجوز له أن يفســخ‬
‫العقد فيما لم يتم تنفيذه منه إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل يف القضية المعروضة عليه‪،‬‬
‫ً‬
‫معقواًل من‬ ‫وذلــك مع تعويض عادل للملتزم له صاحــب الحق يف التنفيذ يجرب له جان ًبا‬
‫الخســارة التي تلحقه من فســخ العقد؛ بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم‪،‬‬
‫ويعتمد القاضي يف هذه الموازنات جمي ًعا رأي أهل الخربة الثقات‪.‬‬
‫‪ -2‬ويحــق للقاضــي أن يمهل الملتزم إذا وجد أن الســبب الطــارئ قابل للزوال يف‬
‫كثيرا هبذا اإلمهال‪ ،‬هذا وإن مجلس المجمع الفقهي‬ ‫وقت قصير وال يتضرر الملتزم له ً‬
‫يرى يف هذا الحل المستمد من أصول الشريعة تحقي ًقا للعدل الواجب بين طريف العقد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بســبب ال يد له فيه‪ ،‬وأن هذا الحل أشــبه بالفقه‬ ‫ومن ًعــا للضــرر المرهق ألحد العاقدين‬
‫الشرعي الحكيم وأقرب إلى قواعد الشريعة ومقاصدها العامة»(((‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التراضي بين األطراف‬
‫معنــاه‪ :‬يــراد بالرتاضي بين الطرفين هنــا أنه إذا حدث تضخم ق َّلت بــه قيمة العملة؛‬
‫صلحا أن يتفقا عن طريق التصالح‬
‫ً‬ ‫بحيث يقع على أحد الطرفين الضرر كله‪ ،‬يمكن لهما‬
‫بينهما على النسبة التي يحملها كل طرف‪.‬‬
‫وباب الرضا يف الفقه اإلســامي واسع فســيح‪ ،‬ويمكن ضبطه بمقياس الشرع‪ ،‬لكن‬
‫إذا تعارضــت المصالــح واختلفت‪ ،‬فإنه يمكن اللجــوء لخطوة أخرى أكثــر إلزا ًما من‬
‫التصالــح وهي التحكيم‪ ،‬وهو إلزام برضا الطرفين باللجوء إلى محكم يرتضيانه إلزالة‬
‫ما بينهما من خالف ويذعنان لما سيحكم به لحل النزاع بينهما‪ ،‬فإذا لم يتفقا على ذلك‬
‫فال يبقى إال اللجوء للقضاء‪.‬‬

‫((( راجع مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ‪.342 -341 /8‬‬

‫‪43‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫وهــذه الطريقة للحل مؤيدة من كثير من الفقهاء القدامى والمعاصرين‪ ،‬فقد نقل عن‬
‫العالمة ابن عابدين أنه قال‪« :‬بعدم تخيير المشــري يف مثل هذا لما علمت من الضرر‪،‬‬
‫التصرف؛ يصح اصطالحهما بحيث ال يكون‬ ‫ِ‬ ‫وأنه يفتى بالصلح حيث المتعاقدان مطل َقا‬
‫الضرر على شــخص واحد‪ ،‬وإن كان الخيار للمشــري يف دفع ما شاء وقت العقد‪ ،‬وإن‬
‫امتنع البائع لكنه إنما ساغ ذلك لعدم تفاوت األنواع‪ ،‬فإذا امتنع البائع عما أراده المشرتي‬
‫يظهر تعنته‪ ،‬أما يف هذه الصورة فال؛ ألنه يظهر أنه امتنع عن قصد إضراره وال ســيما إذا‬
‫كان المال أليتام أو وقف‪ ،‬فعدم النظر له بالكلية مخالف لما أمر به من اختيار األنفع له‪،‬‬
‫خصوصا والمســؤولية غير منصوص عليها بخصوصها(((‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫فالصالح حينئذ أحوط‬
‫أيدها الدكتور علي محيي الدين القرة داغي فقال‪« :‬وعلى ضوء ذلك نقول يف موضوعنا‬
‫الخــاص بالنقود الورقيــة‪ :‬إهنا غير منصوص عليها بعينها‪ ،‬بل هي جديدة ومســتحدثة‪،‬‬
‫فيجب النظر إليها واالجتهاد فيها على ضوء مقاصد الشريعة ومبادئها العامة من تحقيق‬
‫العدالة والمساواة بين طريف العقد وعدم اإلضرار والضرار»(((‪.‬‬
‫ويــرى بعــض االقتصاديين المعاصرين أن هذا الحل هــو األقرب لمعالجة موضوع‬
‫التضخــم؛ حيــث إنه يتميــز عن باقي الحلــول بخلوه مــن االعرتاضات الــواردة عليه‪،‬‬
‫ً‬
‫مجااًل أوســع أمام الطرفين لالتفاق على ما يحقــق لهما م ًعا أكرب قدر ممكن‬ ‫وإلعطائــه‬
‫من المصلحة(((‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬التمييز بين بعض حاالت العقود‬
‫يفــرق كثير من الفقهاء بين بعض الحاالت والعقود بالنســبة للتضخم‪ ،‬فال يضعوهنا‬
‫يف ســلة واحدة‪ ،‬بل يفرقون بينها على حســب طبيعة كل منها‪ ،‬وهذه أبرز الحاالت التي‬
‫يرون التفرقة بينها‪:‬‬
‫أواًل‪ :‬التفريــق بيــن المعاوضــات واألمانات‪ :‬يــرى فريق مــن الفقهاء أن المســائل‬
‫ً‬
‫المتعلقــة بالتضخــم ينبغــي أن تكــون يف العقود المســماة بعقود المعاوضــات؛ كالبيع‬
‫((( تنبيه الرقود على مسائل النقود البن عابدين‪ ،‬ص‪ 360‬مطبوع مع العقود الربوية‪ ،‬د‪ /‬نصر فريد واصل‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬بحوث يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬علي محيي الدين القرة داغي‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫((( راجع‪ :‬النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شوقي دنيا‪ ،‬ص‪.344‬‬

‫‪44‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫واإلجارة والقرض‪ ،‬وال تدخل يف عقود األمانات كعقد المضاربة‪ ،‬وحجتهم يف ذلك أنه‬
‫يف عقود المعاوضات تجد عوضين متقابلين وطرفين مستقلين؛ فوارد أن يحدث ضرر‬
‫لطرف دون اآلخر‪ ،‬وهذا يســتوجب إزالة الضــرر بخالف األمانات‪ ،‬حيث إن الطرفين‬
‫بمثابــة طــرف واحد؛ ألن المال يســلم للمضارب‪ ،‬وهذا يعني أنه ليــس لرب المال إال‬
‫المــال المدفوع منه‪ ،‬وال اعتداد بتغير قيمته حــال المضاربة‪ ،‬وإن كانت هذه وجهة نظر‬
‫أيضا‬ ‫نفرا من الفقهاء يرون دخول مســائل التضخم يف عقود األمانات ً‬ ‫فريق إال أن هناك ً‬
‫أرباحا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أموااًل ال تعد‬ ‫ناقصا‪ ،‬بينما المضارب يأخذ‬
‫لعــدم ظلم رب المال بعودة ماله إليه ً‬
‫حقيقية؛ ألن قيمة المال نقصت بفعل التضخم‪ ،‬كما لو سلم رجل آلخر ً‬
‫مااًل قدره مائة‬
‫ألــف جنيه ليضارب هبا‪ ،‬فبفعل التضخم نقصت قيمتها ‪ ،%20‬وربح الرجل المضارب‬
‫نفس النسبة‪ ،‬فأخذ منها ‪ %10‬وأعطى صاحب المال ‪ %10‬األخرى‪ ،‬فعند رد المال إليه‬
‫سيتســلم رأس المال الذي قلت قيمته فأصبحت كثمانين أل ًفا يف القوة الشــرائية مضا ًفا‬
‫إليها ‪ %10‬نصيبه من الربح‪ ،‬وبالنظر إلى ما أخذه نجده قد أخذ أقل من رأس ماله‪ ،‬بينما‬
‫ربحا حقيق ًّيا(((‪.‬‬ ‫أخذ المضارب ً‬
‫مااًل ال يعد ً‬
‫ثان ًيــا‪ :‬البيع والقرض‪ :‬يرى فريق من الفقهاء التفريق بين البيع والقرض يف التضخم؛‬
‫حيــث يمكــن مراعاة التضخم يف البيــوع بخالف القروض؛ ألن المــراد من القرض أن‬
‫المشــاحة؛ فقد جاء عن المالكية‪« :‬وسألته‬
‫ّ‬ ‫يكون عقد إرفاق؛ بخالف البيع القائم على‬
‫‪-‬أي ســألت مال ًكا‪ -‬عمن له على رجل عشــرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشــرين‬
‫بدينار‪ ،‬أو خمســة دراهم من صرف عشــرة بدينار؛ فقال‪ :‬أرى أن يعطيه نصف دينار ما‬
‫بلغ كان أقل من ذلك أو أكثر إذا كانت تلك العشــرة دراهم أو الخمســة المكتوبة عليه‬
‫من بيع باعه إياه‪ ،‬فأما إن كانت من سلف أو سلعة فال يأخذ منه إال مثل ما أعطاه»(((‪.‬‬
‫ثال ًثــا‪ :‬المديــن المماطل والمدين غيــر المماطل‪ :‬المدين غير المماطل أو المعســر‬
‫نفســا إال وســعها‪ ،‬أما القادر علــى الوفاء وامتنع عن‬
‫ينظر لحين ميســرة‪ ،‬فال يكلف اهلل ً‬
‫الســداد حتى رخصت قيمة النقود بفعل التضخم‪ ،‬فيســتأنس ببعض النصوص الواردة‬
‫((( راجع يف هذا المعنى‪ :‬النقود والتضخم‪ ،‬السابق‪ ،‬ص‪.347 -346‬‬
‫((( البيان والتحصيل البن رشد القرطبي (ت‪520‬هـ) ‪ ،487 /6‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ثانية‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫يه‪َ ،‬ع ْن َجدِّ ِه َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن‬ ‫ب‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬


‫ْ‬ ‫يف السارق من األشجار‪ ،‬ف َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ‬
‫اب‬ ‫ــق‪َ ،‬ف َق َال‪َ (( :‬م ْن َأ َص َ‬ ‫ــول اهَّللِ ‪َ ،‬أ َّن ُه ُســئِ َل َع ِن ال َّث َم ِر ا ْل ُم َع َّل ِ‬ ‫اص‪َ ،‬ع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ا ْل َع ِ‬
‫ــي ٍء ِمنْ ُه َف َع َل ْي ِه َغ َر َام ُة‬ ‫ِ‬
‫ــي َء َع َل ْيه‪َ ،‬و َم ْن َخ َر َج بِ َش ْ‬
‫ٍِ‬
‫اجة َغ ْي َر ُمتَّخذ ُخ ْبنَةً‪َ ،‬ف َاَل َش ْ‬
‫يــه ِمن ِذي ح ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫بِ ِف ِ‬
‫ــن ا ْل ِم َج ِّن‪َ ،‬ف َع َل ْي ِه‬ ‫ين‪َ ،‬ف َب َلغَ َث َم َ‬
‫ِ‬
‫ــر َق منْ ُه َشــ ْيئًا َب ْعدَ َأ ْن ُي ْؤ ِو َيــ ُه ا ْل َجرِ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫م ْث َل ْيــه َوا ْل ُع ُقو َبةُ‪َ ،‬و َم ْن َس َ‬
‫ك َف َع َل ْي ِه َغ َر َامــ ُة ِم ْث َل ْي ِه‪َ ،‬وا ْل ُع ُقو َب ُة))(((‪ ،‬وأخذ شــطر مال مانع‬ ‫ون َذلِ َ‬ ‫ــر َق ُد َ‬‫ــع‪َ ،‬و َم ْن َس َ‬ ‫ا ْل َق ْط ُ‬
‫ول اهَّللِ ‪َ ‬ق َال‪(( :‬فِي‬ ‫يه‪َ ،‬ع ْن َجدِّ ِه‪َ ،‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫يم‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الزكاة لحديث َب ْه ِز ْب ِن َحك ٍ ْ‬
‫اها ُم ْؤت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت َل ُب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َج ًرا‬ ‫ــن َأ ْع َط َ‬ ‫ون‪َ ،‬و َاَل ُي َف َّر ُق إِبِ ٌل َع ْن ح َســابِ َها‪َ ،‬م ْ‬ ‫ين بِن ُ‬ ‫ك ُِّل َســائ َمة إِبِ ٍل في َأ ْر َبع َ‬
‫وها َو َشــ ْط َر َمالِ ِه‪َ ،‬عز َْم ًة‬ ‫ِ‬
‫َج ًرا بِ َها‪َ -‬ف َل ُه َأ ْج ُر َها‪َ ،‬و َم ْن َمنَ َع َها َفإِنَّا آخ ُذ َ‬ ‫ــن ا ْل َع َاَل ِء‪ُ :‬م ْؤت ِ‬ ‫‪َ -‬ق َ‬
‫ــال ا ْب ُ‬
‫الض ْعف من كاتم الضالة‬ ‫وأخ ُذ ِّ‬ ‫ات َر ِّبنَا ‪َ ،‬ل ْي َس ِآِل ِل ُم َح َّم ٍد ِمن َْها َش ْي ٌء))(((‪ْ ،‬‬ ‫ِمن عزَم ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫الملتقطــة حيــث يرى اإلمام ابن القيم أن هذه األخبار ليســت منســوخة‪ ،‬بــل هو النوع‬
‫الذي يدخله االجتهاد من األئمة بحسب المصالح‪ ،‬ولذلك لم يأمر الشرع فيه بأمر عام‪،‬‬
‫والصــواب أنه يختلف باختالف المصالح‪ ،‬ويرجع فيه إلــى اجتهاد األئمة يف كل زمان‬
‫ومكان بحســب المصلحة إذ ال دليل على النســخ‪ ،‬وقد فعله الخلفاء الراشــدون و َمن‬
‫بعدهم من األئمة(((‪ ،‬لذلك يرى فريق من المحدثين أن المدين المماطل يشبه الغاصب‬
‫ويأخــذ حكمــه‪ ،‬حيث يعامل الغاصب يف الرد بأعلى قيمة للشــيء من يوم الغصب إلى‬
‫يــوم الــرد(((‪ ،‬وال يقفــون عند هذا الحد بل يزيــدون عليه يف وجــوب تعويضه عما كان‬
‫سيجنيه الدائن من الربح المعتاد إن قبض دينه يف موعده واستثمره بطرق مشروعة(((‪.‬‬

‫((( ســنن أبي داود ‪ ،137 /4‬باب‪ :‬ما ال قطع فيه‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،4390‬ســنن النســائي ‪ 85 /8‬باب‪ :‬أخذ الثمر بعد‬
‫أن يؤيه الجرين‪ ،‬رقم الحديث ‪.4958‬‬
‫((( ســنن أبــي داود ‪ 101 /2‬باب‪ :‬يف زكاة الســائمة‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،1575‬ســنن الدارمــي ‪ 1043 /2‬باب‪ :‬ليس يف‬
‫عوامل اإلبل صدقة‪ ،‬رقم الحديث ‪.1719‬‬
‫((( إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم ‪ ،102 /2‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬أولى‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫((( هــل يقبل شــرعًا الحكم على المديــن المماطل بالتعويض؟ ص‪ ،109‬د‪ /‬مصطفى الزرقا‪ ،‬بحث منشــور بمجلة‬
‫أبحاث االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬المجلد الثاين‪ ،‬العدد الثاين‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫((( التعويــض عــن ضــرر المماطلة يف الدين بيــن الفقه واالقتصاد‪ ،‬د‪ /‬محمــد أنس الزرقا ود‪ /‬محمــد علي القري‪،‬‬
‫ص‪ 30‬وما بعدها‪ ،‬ط‪ .‬مركز أبحاث االقتصاد اإلسالمي جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬الجزء الخامس‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫نتائج البحــث‬
‫بعد الفراغ من هذا البحث يمكن رصد النتائج اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬التضخــم يحدث نتيجة االرتفاع المتواصل يف األســعار‪ ،‬أو للزيادة على الطلب‬
‫الكلي لالســتهالك زيــادة تفوق قدرة العرض الكلــي لها‪ ،‬وكذا زيادة نســبة النقود عن‬
‫الناتج المعروض من السلع‪.‬‬
‫‪ -2‬التضخــم يحــدث نتيجة اســتخدام عملة غير مغطــاة بالنقد الحقيقــي حتى وإن‬
‫عاما؛ ألن قيمة النقد يف ذاته‪ ،‬بخالف األوراق النقدية التي تلقى ً‬
‫قبواًل‬ ‫قبواًل ًّ‬
‫كانت تلقى ً‬
‫عا ًّما يف التعامل بين الناس اليوم‪ ،‬فقيمتها ليست يف ذاهتا‪.‬‬
‫‪ -3‬تتنــوع أنواع التضخم‪ ،‬فمنه التضخم الدائم‪ ،‬وهو الذي يحدث بنســب صغيرة‪،‬‬
‫ومنه السريع وهو أكثر نسبة من سابقه‪ ،‬ومنه الجامح وهو أشدها خطورة على االقتصاد‪.‬‬
‫‪ -4‬يأتــي غالب التضخم من النوع غير المتوقع الذي يكتنفه كثير من المخاطر؛ ألن‬
‫التوقع فيه يتم إما عن قراءة الماضي أو استشراف المستقبل‪ ،‬وكالهما غير صادق‪ ،‬فإن‬
‫صدقت قراءته كان من التضخم المتوقع‪.‬‬
‫‪ -5‬الســبب الرئيــس يف التضخــم يرجع إلى ارتفــاع تكلفة اإلنتاج‪ ،‬وارتفاع أســعار‬
‫الواردات‪ ،‬وزيادة اإلنفاق يف األغراض غير المنتجة‪ ،‬والبطالة المقنعة‪.‬‬
‫‪ -6‬يؤثــر التضخم على إخراج الزكاة من جهة أن إخراج الزكاة مقيس بالذهب‪ ،‬فال‬
‫بد من الرجوع لمقدار النصاب عند كل إخراج‪ ،‬وال شك أن التضخم يلقي بظالله على‬
‫المزكــي الــذي ق َّلت قيمــة األوراق النقدية يف يده‪ ،‬فأخرجها عن حــد النصاب إلى أقل‬
‫حتما‪.‬‬
‫منه‪ ،‬فال يجب عليه يف هذه الحال‪ ،‬مما يؤثر على متلقي الزكاة ً‬
‫‪ -7‬التأخير يف إخراج الزكاة يعصي بســببه الواجب عليه الزكاة‪ ،‬ويطالب بإخراج ما‬
‫ثبــت يف ذمته يوم الوجوب بقيمته يف ذلك اليوم‪ ،‬الســتقرار األحــكام وعدم اضطراهبا‪،‬‬
‫انتظــارا للتضخم الذي قد‬
‫ً‬ ‫وإال ألدى ذلــك إلــى تف ُّلــت كثير من الناس عــن أداء الزكاة‬
‫يخرجهم عن حد النصاب‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫‪ -8‬ال أثــر للتضخم على الــزكاة إن تم إخراجها من عين المنتــج‪ ،‬وليس من قيمته‪،‬‬
‫وإن قلنا بإخراج القيمة فيجب تحديد قيمتها يوم الوجوب مع المســارعة يف اإلخراج‪،‬‬
‫وإال كان متعمدً ا لإلضرار بالفقراء‪ ،‬فيعامل معاملة الغاصب بضمان أعلى قيمة من يوم‬
‫الوجوب إلى وقت اإلخراج‪.‬‬
‫‪ -9‬المدين المماطل يف سداد ديونه قد يستفيد من التضخم عند سداد الدين بعد فرتة‬
‫ق َّلــت فيها قيمة النقد إن قام بالســداد بالمثلية الصورية‪ ،‬وهي مثليــة العدد‪ ،‬لكن العدل‬
‫يقضي بسداده بالمثلية الحقيقية وهي المقيسة بالقوة الشرائية‪.‬‬
‫‪ -10‬يؤثــر التضخــم على زكاة الديــن‪ ،‬إن قلنا بوجوب الزكاة عــن كل عام ظل فيه‬
‫حبيســا عند المدين‪ ،‬كمــا يؤثر يف إخراج الزكاة إن قلنــا بوجوهبا مرة واحدة عند‬
‫ً‬ ‫المال‬
‫القبــض‪ ،‬حيث يتم قياســها يوم القبض على قيمة النصــاب‪ ،‬فيتم اإلخراج وعدمه على‬
‫حسب بلوغه حد اإلخراج من عدمه‪.‬‬
‫‪ -11‬عالج التضخم ال بد فيه من السير يف اتجاهين‪ :‬أحدهما اتجاه القضاء عليه من‬
‫ناحية‪ ،‬واتجاه معالجة آثاره من ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪ -12‬هنــاك طــرق لمعالجة آثار التضخــم تتمثل يف الربــط القياســي واألخذ بمبدأ‬
‫الجوائح والرتاضي بين الطرفين والتفريق بين الحاالت والعقود‪.‬‬
‫‪ -13‬لعــل أفضــل الطرق التي يتم عن طريقها معالجة آثــار التضخم تتمثل يف الربط‬
‫القياسي حيث له من األدلة واألسانيد ما يقوي جانب األخذ به‪.‬‬
‫كبيرا يف‬
‫تبداًل ً‬
‫‪ -14‬ينبغي تعديل الحقوق وااللتزامات عند تبدل الظروف واألوضاع ً‬
‫أضرارا جســيمة غير معتادة‪ ،‬فيمكن التعديل‬
‫ً‬ ‫العقــود الممتدة‪ ،‬مما يلحق بأحد الطرفين‬
‫عن طريق القضاء للتخفيف من األضرار وآثار التضخم‪.‬‬
‫‪ -15‬التراضي باب واســع يســع الحلول المطروحة لعــاج التضخم بما يحمل من‬
‫سماحة المسلم يف التعامل بالبيع والشراء واالقتضاء‪.‬‬
‫‪ -16‬التفريق بين بعض الحاالت والعقود لمعالجة آثار التضخم قد يؤدي لكثير من‬
‫اإلشكاالت بما ينذر بعواقب غير محمودة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫أما عن التوصيات فتتمثل يف اآلتي‪:‬‬


‫فقها يف إزالة آثار التضخم رف ًعا‬
‫‪ -1‬ينبغي تدخل الدولة باإللزام بتقنين القول الراجح ً‬
‫للنــزاع‪ ،‬وقط ًعا لمادة الخالف بمــا للحاكم من الوالية التي تجعــل اختياره للمباح من‬
‫قبيل الواجب بمقتضى طاعته الواجبة‪.‬‬
‫‪ -2‬ينبغي تدخل الدولة بالتشريع بإلزام المدين المماطل يف أداء دينه بأعلى قيمة له‪،‬‬
‫حيــث يعــد ذلك من قبيل الغصب مــع إضاعته بمماطلته لحق الفقيــر يف مال اهلل وقيمة‬
‫المال على مالكه‪ ،‬فينبغي أن يعامل بنقيض قصده‪.‬‬
‫وصىل اهلل ىلع سيدنا حممد وىلع آهل وصحبه وسلم‪ ،‬آمني‬

‫‪49‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫املراجع واملصادر‬
‫‪ -1‬آثــار التضخــم علــى العالقــات التعاقديــة والمصارف اإلســامية والوســائل‬
‫المشروعة للحماية‪ ،‬د‪ /‬رفيق يونس المصري‪ ،‬ط‪ .‬دار المكتبي‪ ،‬أولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أحكام القرآن البن العربي‪ ،‬ط‪ .‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪3‬ـ اســتحالة تنفيــذ االلتــزام وآثارها دراســة مقارنة بيــن الفقه اإلســامي والقانون‬
‫المدين‪ ،‬د‪ /‬محمد علي عثمان الفقي‪ ،‬ط‪ .‬دار النهضة العربية‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪4‬ـ أســنى المطالب شــرح روض الطالب للشــيخ زكريا األنصــاري‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪5‬ـ إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬أولى‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪6‬ـ اقتصاديات النقود والمال‪ ،‬د‪ /‬مجدي شهاب‪ ،‬ط‪ .‬دار الجامعة الجديدة‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪7‬ـ اإلنصاف يف معرفة الراجح من الخالف للمرداوي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الســنة المحمدية‪،‬‬
‫أولى‪1375 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8‬ـ بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع للكاساين‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬أولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪9‬ـ بحوث يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ /‬علي محيي الدين القرة داغي‪ ،‬ط‪ .‬دار البشائر‬
‫بيروت‪ ،‬ثانية‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪10‬ـ بحوث ودراســات إسالمية يف العقود الربوية والمعامالت المصرفية والسياسة‬
‫النقدية‪ ،‬د‪ /‬نصر فريد واصل‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الصفا‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪11‬ـ البيــان والتحصيــل البن رشــد القرطبــي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلســامي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ثانية‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪12‬ـ التــاج واإلكليــل لمختصــر خليــل للمواق المالكــي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتــب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬أولى‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪13‬ـ التضخــم يف االقتصاديــات المختلفــة‪ ،‬د‪ /‬نبيــل الروبــي‪ ،‬ط‪ .‬مؤسســة الثقافة‬
‫الجامعية باإلسكندرية‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪14‬ـ التضخم المالي‪ ،‬د‪ /‬غازي حسين عناية‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة شباب الجامعة‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪15‬ـ التضخم النقدي يف الفقه اإلسالمي د‪ /‬خالد عبد اهلل المصلح‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫‪16‬ـ التعويــض عن ضــرر المماطلة يف الدين بين الفقــه واالقتصاد‪ ،‬د‪ /‬محمد أنس‬
‫الزرقا‪ ،‬ود‪ /‬محمد علي القري‪ ،‬ط‪ .‬مركز أبحاث االقتصاد اإلســامي‪ ،‬جامعة الملك‬
‫عبد العزيز‪.‬‬
‫‪17‬ـ تغير القيمة الشــرائية للنقود الورقيــة‪ ،‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ‪ ،‬ط‪ .‬المعهد العالي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬أولى‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪18‬ـ تغير قيمة العملة وأثره يف الحقوق وااللتزامات‪ ،‬د‪ /‬كيالين محمد المهدي‪ ،‬بحث‬
‫منشور بمجلة كلية الشريعة والقانون بالدقهلية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬الجزء األول‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪19‬ـ تنبيه الرقود على مسائل النقود البن عابدين‪ ،‬مطبوع مع العقود الربوية‪ ،‬د‪ /‬نصر‬
‫فريد‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الصفا‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪20‬ـ التوضيح يف شرح مختصر ابن الحاجب لخليل بن إسحاق المالكي‪ ،‬ط‪ .‬مركز‬
‫نجيبويه للمخطوطات وخدمة الرتاث‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪21‬ـ الجامــع يف أصــول الربــا‪ ،‬د‪ /‬رفيق يونــس المصــري‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪ ،‬دمشــق‪،‬‬
‫ثانية‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪22‬ـ حاشــية الرهــوين علــى شــرح الزرقــاين لمختصــر خليــل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكــر‪،‬‬
‫بيروت‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪23‬ـ حاشية ابن عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪24‬ـ الحاوي للفتاوي للسيوطي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ثانية‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪25‬ـ الربط القياســي وضوابطه وآراء االقتصاديين اإلســاميين فيه‪ ،‬د‪ /‬محمد علي‬
‫القري‪ ،‬بحث منشور بمجلة الدراسات اإلسالمية واالقتصادية‪ ،‬مجلد ‪ 4‬العدد ‪.2‬‬
‫‪26‬ـ روضة الطالبين وعمدة المفتين لإلمام النووي‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ثالثة‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪27‬ـ الزوائــد يف فقه اإلمام أحمد بن حنبل لمحمد بن عبد اهلل آل حســين‪ ،‬طبع على‬
‫نفقة علي الفهد العلي الهزاع‪ ،‬ثالثة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪28‬ـ سنن الرتمذي‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث بالقاهرة‪ ،‬أولى‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪29‬ـ سنن الدارمي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪30‬ـ سنن أبي داود‪ ،‬ط‪ .‬دار الرسالة‪ ،‬أولى‪2009 ،‬م وطبعة أخرى‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫‪31‬ـ السنن الكربى للبيهقي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ثالثة‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪32‬ـ سنن ابن ماجه‪ ،‬ط‪ .‬دار الرسالة العلمية‪ ،‬أولى‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪33‬ـ سنن النسائي‪ ،‬ط‪ .‬المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ثانية‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪34‬ـ شرح السنة للبغوي‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪35‬ـ الشــرح الصغيــر للدرديــر‪ ،‬طبــع علــى نفقــة الشــيخ خليفة بــن زايــد آل هنيان‬
‫دون تاريخ‪.‬‬
‫‪36‬ـ شــرح فتح القديــر للكمال بن الهمــام‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الــراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دون تاريخ‪.‬‬
‫‪37‬ـ الشرح الكبير للدردير‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪38‬ـ صحيح البخاري‪ ،‬ط‪ .‬دار طوق النجاة‪ ،‬أولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪39‬ـ صحيح ابن خزيمة‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪40‬ـ صحيح مسلم‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪ ،‬رابعة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪41‬ـ العملة وأحكامها‪ ،‬د‪ /‬عجيل جاســم النشــمي‪ ،‬بحث منشــور بمجلة الشــريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية بالكويت‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬أغسطس ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪42‬ـ فتــاوى الســبكي‪ ،‬تحقيــق حســام الديــن القدســي‪ ،‬ط‪ .‬دار الجيــل‪ ،‬بيــروت‪،‬‬
‫أولى‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪43‬ـ فتــاوى اللجنة العلميــة الدائمة للبحــوث واإلفتاء بالســعودية‪ ،‬جمع وترتيب‪:‬‬
‫أحمــد عبــد الــرازق الدويــش‪ ،‬ط‪ .‬مكتبــة دار المعــارف للنشــر والتوزيــع بالرياض‪،‬‬
‫أولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪44‬ـ الفروع البن مفلح‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة ابن تيمية دون تاريخ‪.‬‬
‫‪45‬ـ القاموس المحيط للفيروزآبادي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪46‬ـ قصــة الحضــارة ويل وايريل ديورانــت‪ ،‬ترجمة محمد بــدران‪ ،‬اإلدارة الثقافية‬
‫لجامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪47‬ـ القواعد الفقهية د‪ /‬عبد العزيز محمد عزام‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪48‬ـ القواعد الفقهية د‪ /‬محمد بكر إسماعيل‪ ،.‬ط‪ .‬دار المنار‪ ،‬أولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪49‬ـ القوانين الفقهية البن جزي‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫‪50‬ـ كتاب من حديث خيثمة بن سليمان‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،‬لبنان‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪51‬ـ كشــاف القنــاع عــن متــن اإلقناع‪ ،‬منصــور بن يونــس البهــويت‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪52‬ـ لسان العرب لجمال الدين بن منظور‪ ،‬ط‪ .‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬أولى‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪53‬ـ المبدع شرح المقنع البن مفلح‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪54‬ـ المبسوط لشمس األئمة السرخسي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬أولى‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪55‬ـ مجموعة رسائل ابن عابدين‪ ،‬ط‪ .‬دار الرتاث‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪56‬ـ المجموع شرح المهذب للنووي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة اإلرشاد‪ ،‬جدة‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪57‬ـ مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪58‬ـ مجموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬ط‪ .‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪59‬ـ محاضــرات يف اقتصــاد النقــود‪ ،‬د‪ /‬نبيــل الروبــي‪ ،‬طبعــة مكتبــة الجــاء‬
‫بالمنصورة‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪60‬ـ المدونة يف فقه اإلمام مالك‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر بيروت‪ ،‬أولى‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪61‬ـ مذكرات يف النقود والبنوك‪ ،‬د‪ /‬إسماعيل محمد هاشم‪ ،‬ط‪ .‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫أولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪62‬ـ مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬أولى‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪63‬ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬أولى‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪64‬ـ مسند اإلمام الشافعي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬أولى‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪65‬ـ المصباح المنير للمقري الفيومي‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪66‬ـ معجــم مصطلحات االقتصاد والمال وإدارة األعمــال‪ ،‬نبيه غطاس‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة‬
‫لبنان‪ ،‬أولى‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪67‬ـ المغني البن قدامة‪ ،‬ط‪ .‬دار البصائر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪68‬ـ مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج‪ ،‬ط‪ .‬مصطفى البابي الحلبي‪1958 ،‬م‪.‬‬
‫‪69‬ـ مقدمــة يف النقــود والبنــوك‪ ،‬د‪ /‬محمــد علــي القــري‪ ،‬ط‪ .‬مكتبــة جــدة‪،‬‬
‫أولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫العدد الخمسون‬

‫‪70‬ـ المنثور للزركشــي‪ ،‬ط‪ .‬وزارة األوقاف والشــؤون اإلســامية بالكويت‪ ،‬ثالثة‪،‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪71‬ـ منح الجليل على مختصر خليل للشــيخ محمد عليش‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دون تاريخ‪.‬‬
‫‪72‬ـ المهذب للشيرازي مطبوع مع المجموع‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة اإلرشاد‪ ،‬جدة‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬
‫‪73‬ـ مواهــب الجليل لمحمد بن عبد الرحمــن المعروف بالحطاب‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ثالثة ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪74‬ـ موسوعة المصطلحات االقتصادية واإلحصائية‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز هيكل‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬ثانية‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪75‬ـ نظريات االقتصاد الكلي الحديثة‪ ،‬د‪ /‬سامي خليل‪ ،‬ط‪ .‬مطابع األهرام‪.‬‬
‫‪76‬ـ النظريات والسياســة النقدية والمالية‪ ،‬د‪ /‬ســامي خليل‪ ،‬الناشر‪ :‬شركة كاظمة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬أولى‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪77‬ـ نظرية التضخم‪ ،‬د‪ /‬نبيل الروبي‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الثقافة الجامعية باإلسكندرية‪ ،‬ثانية‪.‬‬
‫‪78‬ـ النقــود والبنــوك واالقتصاد‪ ،‬باري ســيجل‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ /‬طــه منصور‪ ،‬ود‪ /‬عبد‬
‫الفتاح عبد الحميد‪ ،‬ط‪ .‬دار المريخ بالرياض‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪79‬ـ النقود والتضخم‪ ،‬د‪ /‬شــوقي أحمد دنيا‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر الجامعي باإلسكندرية‪،‬‬
‫أولى‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪80‬ـ النقود العربية ماضيها وحاضرها‪ ،‬د‪ /‬عبد الرحمن فهمي محمد‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‬
‫دون تاريخ‪.‬‬
‫‪81‬ـ النقــود والفوائــد والبنــوك‪ ،‬د‪ /‬عبــد الرحمــن يســري‪ ،‬ط‪ .‬الــدار الجامعيــة‬
‫باإلسكندرية‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪82‬ـ هل يقبل شــر ًعا الحكم على المدين المماطــل بالتعويض‪ ،‬د‪ /‬مصطفى الزرقا‬
‫بحث منشــور بمجلة أبحاث االقتصاد اإلســامي‪ ،‬جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬المجلد‬
‫الثاين‪ ،‬العدد الثاين‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪83‬ـ الورق النقدي‪ ،‬د‪ /‬عبد اهلل بن منيع‪ ،‬ط‪ .‬مطابع الرياض‪ ،‬أولى‪1391 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫السإلا هقفلا نازيم يف يدقنلا مخضتلا‬

‫فهرس احملتويات‬
‫مقدمة‪10...............................................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ماهية التضخم وأنواعه وأسبابه ‪14.............................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التضخم النقدي وتاريخه ‪14...........................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع التضخم ‪17..................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أسباب التضخم ‪20................................................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬آثار التضخم النقدي عىل األحكام الفقهية ‪23...............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أثر التضخم النقدي عىل الزكاة‪23...............................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أثر التضخم عىل سداد الديون ‪30..............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عالج التضخم ‪36..................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الربط القيايس ‪37...................................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تطبيق مبدأ الجوائح ‪41..........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرتايض بني األطراف ‪43.........................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التمييز بني بعض حاالت العقود‪44............................................‬‬
‫نتائج البحــث‪47....................................................................................‬‬
‫املراجع واملصادر ‪50.................................................................................‬‬

‫‪55‬‬

You might also like