Professional Documents
Culture Documents
Muqoronah No 20
Muqoronah No 20
Muqoronah No 20
الحمد هلل رب العالمين والصاله والسالم على نبينا وموالنا وشفيعنا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
وبعد وهذه مقارنة رقم ١٩إن شاء هللا تعالى:
﴿ِإَّن اَّلِذ يَن َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهَّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر َح ٍّق َو َيْقُتُلوَن اَّلِذ يَن َيْأُم ُروَن ِباْلِقْس ِط ِم َن الَّناِس َفَبِّش ْر ُهم ِبَع َذ اٍب
َأِليٍم [آل عمران ]٢١:
-قال هللا تعالى في البقرة َ(٦١و ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َو اْلَم ْسَكَنُة َو َبآُؤ ْو ْا ِبَغ َض ٍب ِّم َن ِهَّللا َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوْا َيْكُفُروَن
ِبآَياِت ِهَّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر اْلَح ِّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص وْا َّو َك اُنوْا َيْعَتُد وَن
-وقال تعالى في آل عمران ِ( ٢١إَّن اَّلِذ يَن َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر َح ٍّق َو َيْقُتُلوَن اِّلِذ يَن َيْأُم ُروَن
ِباْلِقْس ِط ِم َن الَّناِس َفَبِّش ْر ُهم ِبَع َذ اٍب َأِليٍم
-وقال تعالى في آل عمران ُ( ١١٢ض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َأْيَن َم ا ُثِقُفوْا ِإَّال ِبَح ْبٍل ِّم ْن ِهّللا َو َح ْبٍل ِّم َن الَّناِس َو َبآُؤوا
ِبَغ َض ٍب ِّم َن ِهّللا َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم اْلَم ْسَكَنُة َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوْا َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهّللا َو َيْقُتُلوَن اَألنِبَياء ِبَغْيِر َح ٍّق َذ ِلَك ِبَم ا
َع َص وا َّو َك اُنوْا َيْعَتُد وَن
قال العالمة اإلمام الشيخ الكرمانى رضي هللا عنه فى َقْو له {َو يْقتُلوَن الَّنِبيين ِبَغْير اْلحق} ِفي َهِذ ه الُّسوَر ة َو ِفي آل
عمَر ان {َو يْقتُلوَن الَّنِبيين ِبَغْير حق} وفيَها َو ِفي الِّنَس اء {وقتلهم اَأْلْنِبَياء ِبَغْير حق} َأِلن َم ا ِفي اْلَبَقَر ة ِإَش اَر ة ِإَلى
اْلحق اَّلِذ ي أذن هللا َأن تقتل الَّنفس ِبِه َو ُهَو َقْو له {َو اَل تقتُلوا الَّنفس اَّلِتي حرم هللا ِإاَّل ِباْلَح ِّق } َفَك اَن األولى َأن يذكر
ُمَع رفا َأِلَّنُه من هللا َتَع اَلى َو َم ا ِفي آل عمَر ان َو الِّنَس اء نكَر ة َأي ِبَغْير حق ِفي معتقدهم َو دينهْم َفَك اَن َهَذ ا بالتنكير
أولى َو جمع الَّنِبيين جمع الَّسالَم ة ِفي اْلَبَقَر ة لموافقة َم ا بعده من جمعى الَّسالَم ة َو ُهَو {الَّنِبيين} {الصابئين}
َو َك َذ ِلَك ِفي آل عمَر ان {ِإن اَّلذين} وناصرين ومعرضون ِبِخ اَل ف اَأْلْنِبَياء ِفي السورتين
وقال الباحث الشيخ د .فاضل السامرائي :وردت في أكثر من آية وردت في البقرة (َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر
اْلَح ِّق ) وفي آل عمران (َو َيْقُتُلوَن اَألنِبَياء ِبَغْيِر َح ٍّق ) يعني هناك نبيين وأنبياء وتنكير الحق وتعريفه وفي آية
أخرى في آل عمران (َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر َح ٍّق ) (الحق) المعَّرف المعرفة تدل على أنه كانوا يقتلون األنبياء
بغير الحق الذي يدعو إلى القتل ما يدعو إلى القتل معلوم إذن هم يقتلونهم بغير الحق الذي يستوجب القتل إذن
إذا كان أي واحد يقتل واحدًا بغير الحق الذي يستوجب القتل كان ظالمًا هذا (َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر اْلَح ِّق ) يعني
بغير األسباب الداعية إلى القتل(بغير حق) أصًال ليس هنالك ما يدعو إلى هذه الفعلة ال سبب يدعو إلى القتل
وال غيره من األسباب أحيانًا واحد يقسوعل واحد بالكالم يقول له أنت سفيه فيقتله هذا بغير حق الذي يدعو
للقتل قد يكون أثاره حتى أحيانًا تحصل عندنا مشادات إذن هذا بغير الحق الذي يستوجب القتل هذه (يقتلون
النبيين بغير الحق) يعني ليس هنالك سبب يدعو إلى القتل إعتداء هكذا فأُّي األسوأ؟ بغير حق أسوأ هذا أمر
واألمر اآلخر النبيين جمع مذكر سالم جمع قلة واألنبياء جمع كثرة إذن هم يقتلون كثرة من األنبياء بغير حق
أُّي األسوأ؟ (يقتلون األنبياء بغير حق) أسوأ من ناحيتين من ناحية الكثرة ومن ناحية بغير حق يقتلون كثيرًا من
األنبياء بدون داعي
وهناك أمر آخر هو عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر األنبياء ونقرأ سياق اآليتين (َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة
َو اْلَم ْسَكَنُة َو َبآُؤ ْو ْا ِبَغ َض ٍب ِّم َن ِهَّللا َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوْا َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهَّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر اْلَح ِّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص وْا
َّو َك اُنوْا َيْعَتُد وَن (البقرة )٦١هذه آية البقرة وفي آل عمران (ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َأْيَن َم ا ُثِقُفوْا ِإَّال ِبَح ْبٍل ِّم ْن ِهّللا
َو َح ْبٍل ِّم َن الَّناِس َو َبآُؤوا ِبَغ َض ٍب ِّم َن ِهّللا َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم اْلَم ْسَكَنُة َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوْا َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهّللا َو َيْقُتُلوَن
اَألنِبَياء ِبَغْيِر َح ٍّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص وا َّو َك اُنوْا َيْعَتُد وَن ( )١١٢هذه عامة كرر (ضربت) في البقرة قال (َو ُض ِرَبْت
َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َو اْلَم ْسَكَنُة) جمعهما في كالم واحد بينما في آل عمران أّك د وكرر وعمم قال (ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة)
ما قال المسكنة ثم قال (َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم اْلَم ْسَكَنُة) ضربت مرة أخرى كرر أعاد فصار تكرار وتعميم وتأكيد
ألنهم فعلوا أسوأ فإذن استحقوا هذا الكالم التأكيد في ضرب الذلة والمسكنة هل يجوز في البيان أن نضع واحدة
مكان أخرى؟ ال يمكن في آل عمران قال (َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر َح ٍّق ) هذه عامة هذه ليست في بني إسرائيل أما
(ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َأْيَن َم ا ُثِقُفوْا ِإَّال ِبَح ْبٍل ِّم ْن ِهّللا َو َح ْبٍل ِّم َن الَّناِس َو َبآُؤوا ِبَغ َض ٍب ِّم َن ِهّللا َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم
اْلَم ْسَكَنُة َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوْا َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهّللا َو َيْقُتُلوَن اَألنِبَياء ِبَغْيِر َح ٍّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص وا َّو َك اُنوْا َيْعَتُد وَن ()١١٢
هذه في بني إسرائيل تحديدًا في بينما اآلية األخرى هذا حكم عام (ِإَّن اَّلِذ يَن َيْكُفُروَن ِبآَياِت ِهّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن
ِبَغْيِر َح ٍّق َو َيْقُتُلوَن اِّلِذ يَن َيْأُم ُروَن ِباْلِقْس ِط ِم َن الَّناِس َفَبِّش ْر ُهم ِبَع َذ اٍب َأِليٍم ( )٢١هذا حكم آخر ثم يتكلم عن اآلخرة
(ُأوَلـِئَك اَّلِذ يَن َح ِبَطْت َأْع َم اُلُهْم ِفي الُّد ْنَيا َو اآلِخ َرِة َو َم ا َلُهم ِّم ن َّناِص ِريَن ( )٢٢أولئك كانت عقوبة الدنيا بينما هنا
الحكم عام في الدنيا واآلخرة هذا فيمن قتل النبيين فما بالك بمن قتل األنبياء؟ لو قال األنبياء يعني لم يشمل
النبيين فلما قال النبيين شمل األنبياء فالذي قتل القلة هذا أمره فما بالك بمن قتل أكثر هو قتل قلة بدون داعي فما
بالك بمن قتل أكثر؟ كل واحدة مناسبة في مكانها األلف والالم في اللغة ربما تحول الداللة بغير حق وبغير
الحق وجمع الكثرة وجمع القلة جمع المذكر السالم وجمع التكسير جمع التكسير فيه جمع قلة وجمع كثرة جمع
التكسير أفُعل أفعال أفِع لة ُفعلة جموع قلة وما عداها جمع كثرة ٢٣وزن جموع كثرة ويمكن قراءة ما جاء
حول هذا الموضوع في كتاب التعبير القرآني للدكتور فاضل في موضوع التشابه واالختالف
وقلنا إن هللا حين يقولِ{ :إَّن الذين َيْكُفُروَن ِبآَياِت هللا} هم الذين يكفرون بآيات هللا على إطالقها وهناك فرق بين
الكفر بآيات هللا وبين الكفر باهلل لماذا؟ ألن اإليمان باهلل يتطلب البينات التي تدل على هللا والبينات الدالة على
وجود هللا موجودة في الكون إذن فالبينات واضحة إن الذي يكفر باهلل يكون قبل ذلك كافرا باألدلة التي تدل على
وجود الخالق إن هللا لم يقل هنا :إن الذين يكفرون باهلل وذلك حتى يوضح لنا أّن الحق غيب ولكن اآليات البينات
ظاهرة في الكون لذلك قالِ{ :إَّن الذين َيْكُفُروَن ِبآَياِت هللا َو َيْقُتُلوَن النبيين}
ولنا أن نالحظ هنا أن كلمة القتل تأتي دائما للنبيين أي أنها ال تأتي للذين أخذوا صفة تزيد على مهمة النبي،
وهو الرسول فليس من المعقول أن يرسل هللا رسوال ليبلغ منهجا هلل فُيقدر هللا خلقه على أن يقتلوا الرسول ولكن
األنبياء يرسلهم هللا ليكونوا أسوة سلوكية للمؤمنين وال يأتي الواحد منهم بتشريعات جديدة أما الرسول فإن هللا
يبعثه حامال لمنهج من هللا وليس من المعقول أن يصطفي هللا عبدا من عباده ويستخلصه ليبلغ منهجه وُيَم ّك ن هللا
بعد ذلك بعضا من خلقه أن يقتلوا هذا الرسول إن الخلق ال يقدرون على رسول أرسله هللا لكنهم قد يقدرون
على األنبياء وكل واحد من األنبياء هو أسوة سلوكية ولذلك نجد ان كل نبّي يتعبد على دين الرسول السابق
عليه فلماذا يقتل الخلق األسوة السلوكية مادام النبّي من هؤالء قد جاء ليكون مجرد أسوة ولم يأت بدين جديد؟
فلو كان النبي من هؤالء قد جاء بدين جديد لقلنا :إن التعصب للدين السابق عليه هو الذي جعلهم يقتلونه لكن
النبّي أسوة في السلوك فلماذا القتل؟ إن النبي من هؤالء يؤدي من العبادة ما يجعل القوم يتنبهون إلى أن السلوك
الذي يفعله النبّي ال يأتي وفق أهوائهم
إن القوم الذين يقتلون النبيين هم القوم الذين ال يوافقون على أن يسلكوا السلوك اإلسالمي الذي يعني إخضاع
الجوارح والحركة لمنطق الدين ولمنطق اإلسالم لماذا؟ ألن النبّي وهو ملتزم بشرع الرسول السابق عليه حينما
يلتزم بدين هللا بين جماعة من غير الملتزمين يكون سلوكه قد طعن غير الملتزمين
إن وجود النبّي الذي يتمسك بشرع هللا ويخضع جوارحه وسلوكه لمنهج هللا بين جماعة تّد عي أنها تدين هللا
ولكنها ال تتمسك بمنهج هللا تحملهم إلى أن يقولوا :لماذا يفعل النبي هذا السلوك القويم ولماذا يخضع جوارحه
لمنطق اإليمان ونحن غير ملتزمين مثله؟ وهذا السؤال يثير الغيظ والحقد على النبّي بين هذه الجماعة عير
الملتزمة بدين هللا ،وإن أْع لنت في ظاهر األمر التزامها بالدين
إنهم يحقدون على النبّي ألنه يرتفع بسلوكه المسلم وهم ال يستطيعون أن يرتفعوا ليكونوا مثله
إن النبّي بسلوكه الخاضع لمنهج هللا يكون أسوة واضحة جلية يظهر بها الفرق بين مجرد إعالن اإليمان بمنهج
هللا وبين االلتزام السلوكي بمنهج هللا وتكون أسوة النبّي ُم حقرة لفعلهم ولذلك حين نجد إنسانا ملتزما بدين هللا
ومنهجه فإننا نجد غير الملتزم ينال الملتزم بالسخرية واالستهزاء لماذا؟ ألن غير الملتزم يمتلئ بالغيظ والحقد
على الملتزم القادر على إخضاع نفسه لمنهج هللا ويسأل غير الملتزم نفسه :لماذا يكون هذا اإلنسان قادرا على
نفسه مخضعا لها لمنهج هللا وأنا غير قادر على ذلك؟ إن غير الملتزم يحاول إزاحة الملتزم وإبعاده من أمامه.
لماذا؟ ألن غير الملتزم يتضاءل في نظر نفسه ونظر اآلخرين إذا ما قارن نفسه بالملتزم بمنهج هللا وعندما
يقارن اآلخرون بين سلوك الملتزم بمنهج هللا وسلوك غير الملتزم بمنهج هللا فهم ال يحترمون غير الملتزم
فيشعر بالصغار النفسى أمام الملتزم وأمام الناس فيحاول غير الملتزم أن يزيح الملتزم وينحيه عن طريقه إن
غير الملتزمين بمنهج هللا يسخرون ويتغامزون على الملتزمين بمنهج هللا كما يقول تعالىِ{ :إَّن الذين َأْج َرُم وْا
َك اُنوْا ِم َن الذين آَم ُنوْا َيْض َح ُك وَن َو ِإَذ ا َم ُّر وْا ِبِهْم َيَتَغاَم ُز وَن َو ِإَذ ا انقلبوا إلى َأْهِلِهُم انقلبوا َفِكِهيَن َو ِإَذ ا َر َأْو ُهْم قالوا
ِإَّن هؤالء َلَض اُّلوَن َو َم آ ُأْر ِس ُلوْا َع َلْيِهْم َح اِفِظ يَن } [المطففين]٣٣-٢٩ :
أال توضح لنا تلك اآليات البينات ما يقوله غير الملتزمين في بعض مجتمعاتنا للملتزمين بمنهج هللا؟ أال نسمع
قول غير الملتزمين للملتزم بمنهج هللا( :خذنا على جناحك)؟ إن هؤالء غير الملتزمين ينطبق عليهم قول الحق:
{َو ِإَذ ا َم ُّر وْا ِبِهْم َيَتَغاَم ُز وَن َو ِإَذ ا انقلبوا إلى َأْهِلِهُم انقلبوا َفِكِهيَن َو ِإَذ ا َر َأْو ُهْم قالوا ِإَّن هؤالء َلَض اُّلوَن }[المطففين:
]٣٢-٣٠
إن غير الملتزمين قد يفرح الواحد منهم ألنه استطاع السخرية من مؤمن ملتزم باهلل وقد يتهم غيُر الملتزمين
إنسانا ملتزما بأن االلتزام ضالل وهللا تعالى يرد على هذا االتهام بالقول الكريمَ{ :و َم آ ُأْر ِس ُلوْا َع َلْيِهْم َح اِفِظ يَن }
[المطففين]٣٣ :
هللا يرد على الساخرين من الملتزمين بمنهج هللا فيضحك الذين آمنوا يوم القيامة من الكفار ويتساءل هللا بجالل
قدرته وتمام جبروته{ :فاليوم الذين آَم ُنوْا ِم َن الكفار َيْض َح ُك وَن َع َلى األرآئك َينُظُروَن َهْل ُثِّو َب الكفار َم ا َك اُنوْا
َيْفَع ُلوَن } [المطففين]٣٦-٣٤ :
هكذا ينال غير الملتزمين عقابهم فماذا عن الذين يقتلون النبيين بغير حق؟ إن لنا أن نسأل :لماذا وصف هللا قتل
النبيين بأنه (بغير حق) وهل هناك قتل لنبّي بحق؟ ال يمكن أن يكون هناك قتل لنبي بحق وإذا كان هللا قد قال:
{َو َيْقُتُلوَن النبيين ِبَغْيِر َح ٍّق } هذا القول الكريم قد أتى ليوضح واقعا إنه يقول بعد ذلك في سلسلة أعمال هؤالء
الذين يقتلون النبيين بغير حقَ{ :و َيْقُتُلوَن الذين َيْأُم ُروَن بالقسط ِم َن الناس} إنهم لم يكتفوا بقتل النبيين بل يقتلون
أيضا من يدافع من المؤمنين عن هذا النبّي كيف؟ ألنه ساعة ُيقتل نبّي فالذين التزموا بمنهج النبّي وكانوا معه
البد لهم أن يغضبوا ويحزنوا
إن أتباع النبّي ينفعلون بحدث قتل النبّي فإن استطاعوا منع ذلك القتل لفعلوا وإن لم يستطع أتباع النبي منع قتل
النبّي فال أقل من أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر لكن القتلة يتجاوز طغيانهم فال يقتلون النبيين فقط فإذا
قال لهم منكر لتصرفهم :ولماذا تقتلون النبيين؟ فإنهم يقتلونه أيضا وبالنسبة لرسولنا محمد صلى هللا عليه وسلم
ونحن نعرف أن أعداءه قد صنعوا معه أشياء أرادوا بها اغتياله وذلك يدل على غباء الذين فكروا في ذلك
االغتيال
لماذا؟ ألنهم لم ينظروا إلى وضعه صلى هللا عليه وسلم فلم يكن نبيا فقط ولكنه رسول أيضا وما دام رسوال فهو
أسوة وحامل لمنهج في آن واحد فلو كان محمد صلى هللا عليه وسلم نبيا فقط لكان في استطاعتهم أن يقتلوه كما
قتلوا النبيين من قبل لكنه رسول من عند هللا ،ولقد رأوه يحمل منهجا جديدا وهذا المنهج يسفه أحالمهم ويوضح
أكاذيبهم من تبديلهم للكتب المنزلة عليهم إذن كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رسوال يحمل رسالة ومنهجا
وحينما أرادوا أن يقتلوه كنبّي غفلوا عن كونه رسوال ولذلك قال هللا مطمئنا لنا ومحدثا رسوله صلى هللا عليه
وسلم{ :يا أيها الرسول َبِّلْغ ما ُأنِزَل ِإَلْيَك ِم ن َّرِّبَك َو ِإن َّلْم َتْفَع ْل َفَم ا َبَّلْغ َت ِرَس اَلَتُه وهللا َيْع ِصُم َك ِم َن الناس ِإَّن هللا
َال َيْهِد ي القوم الكافرين} [المائدة ]٦٧ :
الرسول الكريم إذن حامل رسالة ومعصوم باهلل من أعدائه وهللا تعالى قد حكى عن الذين يقتلون األنبياء ،وأراد
أن يطمئن المؤمنين ويطمئن الرسول على نفسه وأن يعرف خصوم رسول هللا أنه ال سبيل إلى قتله فيقول
الحقُ{ :قْل َفِلَم َتْقُتُلوَن َأْنِبَيآَء هللا ِم ن َقْبُل ِإن ُكْنُتْم ُّم ْؤ ِمِنيَن } [البقرة]٩١ :
ولماذا يأتي هللا ب (من قبل) هذه؟ إنه يوضح لنا وللرسول وألعداء محمد صلى هللا عليه وسلم أن مسألة قتل
األنبياء كان من الممكن حدوثها قبل رسول هللا لكن هذه المسألة صارت منتهية وال يجرؤ أحد أن يمارسها مع
محمد رسول هللا وبذلك طمأن الحق المؤمنين وطمأن رسول هللا بأن أحدا لن يناله بأذى ولذلك قال الحق{ :وهللا
َيْع ِصُم َك ِم َن الناس} [المائدة]٦٧ :
وأيأس هللا الذين يريدون قتل رسول هللا فقد قال لهمُ{ :قْل َفِلَم َتْقُتُلوَن َأْنِبَيآَء هللا ِم ن َقْبُل } [البقرة]٩١ :
ولو أن المسألة مسألة نبوة ورسالة رسول هللا غير داخلة في مواجيدهم وكان إنكارهم لرسالته عنادا لكانوا قد
قالوا :إن مسألة قتل األنبياء ال تتوقف عند من قبل ألننا سنجعلها من بعد أيضا لكانوا قد كتلوا قواهم وقتلوا
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لكن هللا سبحانه أيأسهم وقنطهم من ذلك وذلك من مناط قدرة هللا
وإذا كان هللا تعالى يحكي عن أمر في قتل األنبياء ،وقتل الذين يأمرون بالقسط ،أكان ذلك معاصر لقول الرسول
هذا؟ أو كان هذا الكالم لمن؟ إنه موجه لبعض من أهل الكتاب ،إنه موجه لمن آمنوا باتباع الذين قتلوا النبيين
من قبل ،وقتلوا الذين يأمرون بالقسط ،لقد آمنوا كإيمان السابقين لهم من قتلة األنبياء ،وقتلهم للذين يأمرون
بالقسط.
وهذا تقريع لهؤالء الذين اتبعوا في اإليمان قوما قتلوا األنبياء من قبل ،وقتلوا الذين يأمرون بالقسط ،إنه تقريع
وتساؤل .كيف تؤمنون كإيمان الذين قتلوا األنبياء؟ وكيف تتبعون من فعل مثل ذلك؟ وقد قص رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ،أن بني إسرائيل قد قتلوا ثالثة وأربعين نبيا دفعة واحدة ،فقام مائة وسبعون من أتباع األنبياء
لينكروا عليهم ذلك ،فقتلوهم ،وهذا هو معنى هذه اآلية الكريمةَ{ :و َيْقُتُلوَن النبيين ِبَغْيِر َح ٍّق َو َيْقُتُلوَن الذين
َيْأُم ُروَن بالقسط ِم َن الناس َفَبِّش ْر ُهم ِبَع َذ اٍب َأِليٍم }[ ..آل عمران.]21 :
لماذا يبشرهم الحق بعذاب أليم؟ أليس معنى التبشير هو إخبار بما يسر في أمد يمكن أن يؤتى فيه الفعل الذي
يسر؟ إن التبشير دائما يكون للفعل الذي يسر ،كتبشير هللا للمؤمنين بالجنة ومعنى التبشير بالجنة أن هللا يخبر
المؤمن بأمر ُيسر له المؤمن ويعطي هللا الفرصة للمؤمن لينفذ منهج هللا ليأخذ الجائزة والبشارة
لماذا يكون الحديث بالبشارة موجها ألبناء الذين فعلوا ذلك؟ ألننا نعرف أن الذين قتلوا النبيين وقتلوا الذين أمروا
بالقسط من الناس لم يكونوا معاصرين لنزول هذا اآلية إن المعاصرين من أهل الكتاب لنزول هذه اآلية هم
أبناء الذين قتلوا األنبياء وقتلوا الذين أمروا بالقسط ويبشرهم هللا بالعذاب األليم ألنهم ربما رأوا أن ما فعله
السابقون لهم كان صوابا فإن كانوا قد رأوا أن ما فعله السابقون لهم كان صوابا فلهم أيضا البشارة بالعذاب
وتتسع دائرة العذاب لهم أيضا ولكن لماذا يكون العذاب بشارة لهم رغم أن البشارة غالبا ما تكون إخبارا بالخير
وعملية العذاب األليم ليست خيرا؟ إن علينا أن نعرف أنه ساعة نسمع كلمة (أبشر) فإن النفس تتفتح الستقبال
خبر يسر وعندما تستعد النفس بالسرور وانبساط األسارير إلى أن تسمع شيئا حسنا يأتي قول :أبشر بعذاب أليم
ماذا يحدث؟ الذي يحدث هو انقباض مفاجئ أليم ابتداء مطمع (فبشرهم) وانتهاء ُم ْيِئس (بعذاب أليم) وهنا يكون
اإلحساس بالمصيبة أشد ألن الحق لو أنذرهم وأوعدهم من أول األمر بدون أن يقول( :فبشرهم) لكان وقوع
الخبر المؤلم هينا
لكن الحق يريد للخبر أن يقع وقوعًا صاعقا ومثال لذلك قول الحقَ{ :و ِإن َيْسَتِغ يُثوْا ُيَغاُثوْا ِبَم آٍء كالمهل َيْش ِو ي
الوجوه ِبْئَس الشراب َو َس آَء ْت ُم ْر َتَفقًا} [الكهف]٢٩ :
إنهم يستغيثون في اآلخرة ويغاثون بالفعل ولكن بماذا يغيثهم هللا؟ إنه يغيثهم بماء كالمهل يشوي الوجوه إننا
ساعة أن نسمع (يغاثوا) قد نظن أن هناك فرجا قادما ولكن الذي يأتي هو ماء كالمهل يشوي الوجوه وهكذا
تكون البشارة بالنسبة لمن قتلوا األنبياء أو ألتباع القتلة الذين آمنوا بمثل ما آمن به هؤالء القتلةَ{ .فَبِّش ْر ُهم
ِبَع َذ اٍب َأِليٍم } وكلمة (عذاب) تعني إيالم حّي يحس باأللم والعذاب هو للحّي الذي يظل متألما أما القتل فهو ينهي
النفس الواعية وهذا ليس بعذاب بل العذاب أن يبقى الشخص حَّيا حتى يتألم ويشعر بالعذاب وقول الحق:
{ِبَع َذ اٍب َأِليٍم } يلفتنا إلى قوله تعالىِ{ :إَّن الذين َكَفُروْا ِبآَياِتَنا َس ْو َف ُنْص ِليِهْم َنارًا ُك َّلَم ا َنِض َج ْت ُج ُلوُد ُهْم َبَّد ْلَناُهْم
ُج ُلودًا َغْيَر َها ِلَيُذ وُقوْا العذاب ِإَّن هللا َك اَن َع ِزيزًا َحِكيمًا} [النساء]٥٦ :
أي أن الحق يديم عليهم الحياة ليديم عليهم التعذيب .وبعد ذلك يقول الحق{ :أولئك الذين َح ِبَطْت َأْع َم اُلُهْم }...
فائدة :الفرق من الناحية البيانية بين قوله (يقتلون النبيين بغير الحق) البقرة وقوله (ويقتلون األنبياء بغير حق)
آل عمران
ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله (يقتلون النبيين بغير الحق) البقرة وقوله (ويقتلون األنبياء بغير حق) آل
عمران؟ فما االختالف بين النبيين واألنبياء ،وبغير حق وبغير الحق؟
د.أحمد الكبيسى :قال تعالى(اْهِبُطوا ِم ْص ًرا َفِإَّن َلُك ْم َم ا َس َأْلُتْم َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َو اْلَم ْسَكَنُة َو َباُء وا ِبَغ َض ٍب ِم َن
ِهَّللا َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوا َيْكُفُروَن ِبَآَياِت ِهَّللا َو َيْقُتُلوَن الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر اْلَح ِّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَتُد وَن ﴿البقرة )٦١
النبيين جمع مذكر سالم نبي نبّيون َ( َو َيْقُتُلون الَّنِبِّييَن ) َيْقُتُلون فعل مضارع مرفوع بالواو والنبيين مفعول به
منصوب بالياء هذا في البقرة في آل عمران يقول (ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم الِّذَّلُة َأْيَن َم ا ُثِقُفوا ِإاَّل ِبَح ْبٍل ِم َن ِهَّللا َو َح ْبٍل ِم َن
الَّناِس َو َباُء وا ِبَغ َض ٍب ِم َن ِهَّللا َو ُض ِرَبْت َع َلْيِهُم اْلَم ْسَكَنُة َذ ِلَك ِبَأَّنُهْم َك اُنوا َيْكُفُروَن ِبَآَياِت ِهَّللا َو َيْقُتُلوَن اَأْلْنِبَياَء ِبَغْيِر
َح ٍّق َذ ِلَك ِبَم ا َع َص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَتُد وَن ﴿آل عمران ( ﴾١١٢اَأْلْنِبَياَء ِبَغْيِر َح ٍّق ) هناك (الَّنِبِّييَن ِبَغْيِر اْلَح ِّق ) باأللف
والالم وهنا(اَأْلْنِبَياَء ِبَغْيِر َح ٍّق ) األنبياء جمع تكسير وبغير حق نكرة ما الفرق؟
انظر الفرق بين كل جمع تكسير وجمع مذكر سالم أن جمع المذكر السالم أشرف وأكرم وأعلى من جمع
التكسير .يعني فرق بين طالب وطالبون طالب كلهم خلط زين على شين مثل خضرة آخر الليل لكن الطالبون:
أي النبهاء وهللا قال (َو ُكَّنا ِبِه َعاِلِم يَن ﴿األنبياء َ( )٥١و ِتْلَك اَأْلْم َثاُل َنْض ِرُبَها ِللَّناِس َو َم ا َيْع ِقُلَها ِإاَّل اْلَع اِلُم وَن
﴿العنكبوت )٤٣فأتى بصيغة جمع المذكر السالم وقال (ِإَّنَم ا َيْخ َش ى َهَّللا ِم ْن ِع َباِدِه اْلُع َلَم اُء ﴿فاطر َ( )٢٨أَو َلْم َيُك ْن
َلُهْم َآَيًة َأْن َيْع َلَم ُه ُع َلَم اُء َبِني ِإْس َر اِئيَل ﴿ الشعراء )١٩٧فأتى بصيغة جمع التكسير علماء وعالمون والعلماء
يعني صغارهم وكبارهم وطالب العلم كل من يشتغل بالعلم كما تعرفون اآلن في واقعنا الحالي ليس العلماء
على نسٍق واحد هناك الصغير والمبتدئ والجديد هناك عاقل هناك حفاظ هناك من ال يفكر وهناك من يفكر
خليط أما حين تقول عالمون ال هؤالء قمم مجتهدون أصحاب نظريات (َو َم ا َيْع ِقُلَها ِإاَّل اْلَع اِلُم وَن )
إًذ ا كلما جئت في لغتنا وفي القرآن الكريم بجمع التكسير فإنه يشمل الزين والشين وبعضه يفضل بعضه لكن
جمع المذكر السالم يعني القمم عندما تجمع أبا حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وجعفر الصادق والباقر وابن حزم
الخ وتسميهم علماء !ال هؤالء عالمون هناك عموم الشيء وهناك خصوصه
إذًا ناس من اليهود يقتلون األنبياء الصغار حزقيل وغيره من مجموعة أنبياء كانوا موجودين ذكرت قسمًا من
الذين ذبحوهم ،لكنهم ليسوا من كبار األنبياء ،وهللا قال (َو َلَقْد َفَّض ْلَنا َبْع َض الَّنِبِّييَن َع َلى َبْع ٍض ﴿اإلسراء )٥٥
وقال هللا تعالى (َفاْص ِبْر َك َم ا َص َبَر ُأوُلو اْلَع ْز ِم ِم َن الُّر ُس ِل ﴿األحقاف )٣٥لكن أولي العزم خمسة فقط من
مجموع حوالي خمسة وعشرين وكذلك (َفَّض ْلَنا َبْع َض الَّنِبِّييَن َع َلى َبْع ٍض) فلما قال هللا (َو َيْقُتُلوَن اَأْلْنِبَياَء ) عامي
شامي كما يقول المثل الدارج قتلوا صغار األنبياء قتلوا يحيى وزكريا وأشعيا وحزقيل وفالن وفالن الخ وبغير
حق وادعوا أنهم قتلوا عيسى (ِإَّنا َقَتْلَنا اْلَم ِس يَح ِع يَس ى اْبَن َم ْر َيَم َر ُسوَل ِهَّللا (النساء )١٥٧وقال هللا (َو َم ا َقَتُلوُه
َو َم ا َص َلُبوُه َو َلِكْن ُش ِّبَه َلُهْم ﴿النساء )١٥٧لكنه محسوب عليهم
هذا الخطاب لليهود الذين في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم وهم ما قتلوا لكنهم يؤمنون بصواب وصحة ما
فعله أجدادهم عندما قتلوا األنبياء والنبيين
هذا هو الفرق بين األنبياء والنبيين فهم قتلوا الصنفين ادعوا أنهم قتلوا سيدنا عيسى بينما قتلوا أيضًا أنبياء
صغار
ثانيًا يقول (ِبَغْيِر اْلَح ِّق ) و (ِبَغْيِر َح ٍّق ) بغير الحق أي بغير الحكم الثابت الحق المطلق والفرق بين الحق وحق
أن الحق هو الثابت الحكم الشرعي الثابت وهذا واحٌد من أسماء الحق ما من كلمة واسعة وغامضة ومتشابكٍة
ككلمة الحق في القرآن وكلمة الحق تعني الشيء الثابت الذي ال يتغير (ُيَثِّبُت ُهَّللا اَّلِذ يَن َآَم ُنوا ِباْلَقْو ِل الَّثاِبِت
﴿إبراهيم )٢٧يعني القول الحق فكل حٌق هو ثابت الموت حق والجنة حق والنار حق واإلسالم حق الخ .هذا
تفسير إذًا كلمة الحق هنا هي الحكم الشرعي الثابت الذي ال تأويل له كقوله (َو َأِقيُم وا) انتهى البحث عن رقم ١٩
والحمد هلل وصلى هللا وسلم على سيدنا محمد وعلى ٱله وصحبه اجمعين وهللا أعلم وأحكم