Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪207-439‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫ّ‬
‫تشكل النخب ّ‬
‫وتجددها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق السياس ي المغربي‪.‬‬ ‫آليات‬
‫‪Mechanisms of elites formation and renewal: a paradigm of knowledge and‬‬
‫‪action within the Moroccan political system‬‬
‫‪‬‬
‫حربوش بوبكر‬
‫كلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة محمد البشير االبراهيمي ‪-‬برج بوعريريج‪-‬‬
‫(الجزائر)‬
‫‪boubakeur.harbouche@univ-bba.dz‬‬
‫تاريخ االستالم‪ 2122/10/01. :‬تاريخ القبول‪2120/10/22 :‬‬

‫الملخص‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫تساهم النخبة في كل مجتمع من المجتمعات اإلنسانية على تفسير وفهم السلطة السياسية داخل الدولة‪ ،‬فهي تمتلك مجموعة من المواصفات واإلمكانات‬
‫التي تمكنها من تصدر الحياة االجتماعية‪ ،‬السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬العسكرية أو الفكرية‪.‬‬
‫تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة موضوع "النخبة" من الناحية المعرفية ومالمسة نطاق الفعل ضمن النسق السياسي والثقافي المغربي من حيث آليات تش ّكل‬
‫"النخب" وتدويرها‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬النخبة‪ ،‬النسق السياسي‪ ،‬المؤسسة الملكية‪ ،‬التنخيب‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪The elites in every human society contribute to the interpretation and understanding of political power‬‬
‫‪within the state, they possess a set of qualities and capabilities that enable them to lead social, political,‬‬
‫‪economic, military or intellectual life.‬‬
‫‪This study seeks to approach the issue of "elitism" from a cognitive perspective, and to investigate the‬‬
‫‪process of elite formation in the Moroccan political and cultural system.‬‬
‫‪Keywords:s. the elite; the political system; the monarchy; elite formation.‬‬

‫د‪ .‬حربوش بوبكر‬ ‫‪‬‬


‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يُظهر التّتبع المعرفي والميداني لموضوع "النخبة" وجود تباين مفاهيمي تحليلي يجسد تضاربا ملحوظا للسياقات السياسية‪ ،‬اإليديولوجية‬
‫والتاريخية لألنساق السياسية والثقافية للمجتمعات‪ ،‬يجعل من سؤال النخبة (إنتاجا وتجديدا وتدويرا) ليس مجرد نموذجا نظريا "براديغم"‬
‫لضبط نطاق الفعل ضمن النسق السياسي لبلد ما‪ ،‬بل كذلك إطارا جامعا لفلسفة الحكم ومنطلقات التسيير‪.‬‬

‫وغني عن البيان‪ ،‬أن لطرح موضوع "النخبة" في المغرب خالل هذه المرحلة أهمية كبرى بالنظر إلى التحديات السياسية واالقتصادية التي‬
‫يشهدها المغرب في السنوات األخيرة‪ ،‬وإلى األدوار الطالئعية التي يفترض أن تلعبها هذه "النخب" داخل النسق السياسي‪ ،‬من تملّك‬
‫للسلطات وإسهامها في تحديد وتحديث التوجهات السياسية وتحقيق التوازن االجتماعي‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬ترتبط مقاربة سؤال "النخبة" جدليا بتناقضات بنية النسق السياسي وارتباطاته العالئقية بمختلف بُنى المجتمع‪ ،‬األمر‬
‫الذي يدفعنا إلى مالمسة طبيعة النسق السياسي المغربي واستكشاف ظروف إعادة األسس الثقافية للسلطة السياسية فيه‪ ،‬تمهيدا لدراسة‬
‫األداء الوظيفي ودورة حياة "النخبة" المتبلورة في ثنايا هذه األخيرة‪.‬‬

‫إشكالية البحث‪:‬‬

‫تسعى هذه الدراسة إلى إنارة بعض الزوايا التنظيرية حول موضوع "النخبة" ومالمسة نطاق الفعل ضمن النسق السياسي والثقافي المغربي‬
‫من حيث آليات تش ّكل "النخب" وتدويرها‪ ،‬وذلك عبر اإلجابة على المشكلة البحثية التالية‪:‬‬

‫ما هي محددات تش ّكل وتج ّدد النخب ضمن النسق السياسي المغربي؟‬

‫ومنه تتناسل مجموعة من التساؤالت الفرعية‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا نعني بالنخبة؟‪.‬‬

‫‪ -‬كيف تتمثل البنية السلطوية المغربية الحديثة؟‪.‬‬

‫‪ -‬ما هي مالمحها وامتداداتها في النسق السوسيوسياسي المغربي؟‪.‬‬

‫‪ -‬ما الذي يحدد معايير تش ّكل النخبة في السياق السياسي المغربي؟‪.‬‬

‫المنهج المستخدم‪:‬‬

‫لدراسة هذا الموضوع و تحليل إشكاليته‪ ،‬اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي الذي يسمح لنا بعرض المفاهيم اإلجرائية لموضوع النخبة‬
‫في إطار مختلف المطارحات العلمية و المعرفية‪ ،‬كما اعتمدنا على المقترب القانوني و المؤسسي لدراسة الدستور المغربي من خالل‬
‫استحضار مجمل السلطات المحورية التي يحظى بها الملك في النسق السياسي المغربي‪ ،‬و كذا تقصي أبرز المحددات المؤطرة لعملية‬
‫التنخيب (تش ّكال و تج ّددا) بالمغرب ‪.‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫انطالقا من اإلشكالية المطروحة والتساؤالت الفرعية‪ ،‬عمدنا إلى تجسيد هذا البناء المنهجي‪:‬‬

‫‪ -‬المفهوم اإلجرائي للنخبة ضمن األطر المرجعية المعرفية المختلفة (براديغمات المعرفة)‪.‬‬

‫‪ -‬بنية النظام السياسي المغربي‪.‬‬

‫‪ -‬امتدادات فعل التنخيب في النسق السياسي المغربي‪ :‬صناعة وتدويرا‪.‬‬

‫‪ .0‬المفهوم اإلجرائي للنخبة ضمن األطر المرجعية المعرفية المختلفة (براديغمات المعرفة)‪:‬‬

‫ارتبط مفهوم النخبة في مختلف العصور بدالالت تجسدت في الواقع الثقافي‪ ،‬االجتماعي والسياسي من خالل صور متنوعة‪ ،‬فلقد رّكز‬
‫المجتمع اليوناني في هذا السياق على ارتباط النخبة بالرجل الشريف وبجمال الجسد والجودة بغية تحقيق السعادة الروحية المرجوة‪ .‬في‬
‫حين اقترن هذا المفهوم في العهد الروماني بالمواطنة بعد ظهور القانون المدني الذي ينسج العالقة بين اإلنسان وأخيه اإلنسان‪.‬‬

‫أما فيما يخص مكانة المفهوم في الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬فقد ارتبط في العصر الجاهلي برؤساء القبائل وبأولئك الشعراء المفوهين‬
‫والفرسان المتخلقين‪ ،‬ثم اقترنت النخبة في العهد اإلسالمي بالعلماء والفقهاء والقضاة‪...‬‬

‫وفي العصر الحديث (القرنين التاسع عشر والعشرين) عرف المجتمع اإلنساني أزمة في النخب‪ ،‬حيث افتُقدت مختلف المفاهيم التي‬
‫عرفتها اإلنسانية في المراحل السابقة (الرجل الشريف‪ ،‬المواطنة‪ ،‬الشعراء‪ ،‬الفرسان‪ )...‬وظهرت في هذا السياق‪ ،‬أولى المطارحات النظرية‬
‫العامة حول مسألة النخب منبثقة من المدرسة العلمية االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 0.0‬المدرسة العلمية االجتماعية اإليطالية‪:‬‬

‫ظل موضوع النخبة مسكوتا عنه في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى أن خرق الصمت " فيلفريدو باريتو" الذي يعتبر من‬
‫مؤسسي علم االجتماع السياسي وباألخص نظرية النخبة‪ ،‬وقد تميز "باريتو" برؤية وتصور اجتماعي متشائم‪ ،‬معارضا كل اإليديولوجيات‬
‫وموجها نقدا الذعا لألوساط المثقفة‪ ،‬إذ كان متعصبا ومناهضا للديمقراطية‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬ظل باريتو إلى حد ما مخلصا لمثله القديمة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكنه عزى عدم تحقيقها إلى فشل السياسات الديمقراطية‪.‬‬

‫بدأ "باريتو" تنظيره القوي حول النخبة في كتابه " ‪ "traité de la sociologie générale‬حيث حاول دراسة العالقة التي تربط‬
‫السلطة السياسية بالمجتمع من خالل البحث في مميزات النخبة وتقسيماتها المختلفة على كل المستويات (نخبة حاكمة وأخرى غير‬
‫حاكمة)‪ ،‬وفي هذا يقول‪ " :‬بالنسبة للدراسة التي نقوم بها‪ ،‬وهي دراسة التوازن االجتماعي‪ ،‬من المستحسن أيضا تقسيم هذه الطبقة إلى‬
‫اثنتين‪ .‬نضع على حدى هؤالء الذين يمثلون‪ ،‬مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬دورا بارزا في الحكومة؛ فهم يشكلون النخبة الحكومية والباقون‬

‫‪ - 1‬جون سكوت‪ :‬خمسون عالما اجتماعيا أساسيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬رشا جمال‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪3102‬م‪ ،‬ص‪.95:‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫يشكلون النخبة غير الحكومية‪...‬وتكون لدينا ‪ -‬إذا‪ -‬فئتان من السكان‪ ،‬األولى‪ :‬وهي الفئة الدنيا‪ ،‬أو الطبقة الغريبة عن النخبة‪ ،‬ولن‬
‫نبحث حاليا التأثير الذي يمكن أن تمارسه في الحكومة؛ الثانية‪ :‬وهي الفئة العليا‪ ،‬أو النخبة التي تقسم إلى قسمين‪ :‬أ‪ -‬النخبة الحكومية؛‬
‫ب‪-‬النخبة غير الحكومية"‪ 1.‬هذا يعني أن المجتمع في تصور "باريتو" يتكون من فئتين‪ :‬فئة دنيا محرومة ومستغلة‪ ،‬و أخرى عليا هي‬
‫النخبة التي تسيطر على مقاليد الحكم‪ ،‬وتنقسم بدورها إلى قسمين‪ :‬نخبة حاكمة (‪ )l'élite gouvernementale‬ونخبة غير‬
‫حاكمة (‪.)l'élite non-gouvernementale‬‬

‫في هذا الشأن‪ ،‬يرى "باريتو" أن النخبة التي تمتلك المؤهالت و اإلمكانات لقيادة المجتمع تعتبر بديال حقيقيا لضمان التوازن العام في‬
‫الدولة‪ ،‬يأتي هذا التصور في سياق معارضته للنظرة الماركسية التي تنتقص من دور النخب و تولي األهمية البالغة إلى الطبقة الدنيا التي‬
‫لها األحقية في امتالك السلطة‪ .‬و عليه‪ ،‬فإن النخبة عند "باريتو" تحل محل الصراع الطبقي في مسار تداولي على السلطة تحقيقا‬
‫لمجتمع متوازن و متضامن‪.‬‬

‫و في سياق نفس المدرسة‪ ،‬اهتم "غايتانو موسكا" (‪0590-0191( )Gaetano Mosca‬م) بدراسة النخبة‪ ،‬والسيما النخبة‬
‫السياسية‪ ،‬من خالل مجموعة من الدراسات و الكتب من بينها (نظريات الحكومات والحكومات البرلمانية) سنة ‪0119‬م‪ ،‬و(عناصر‬
‫العلوم السياسية) سنة ‪0151‬م‪ ،‬و(تاريخ النظريات السياسية) سنة ‪0521‬م‪ .‬حيث سعى إلى صياغة نظرية حول المجتمع السياسي‬
‫انطالقا من كون المجتمعات تسيطر عليها فئة أو طبقة أو أقلية تسمى بالنخبة السياسية أو الطبقة السياسية (‪.)la classe politique‬‬

‫يعرف " غايتانو موسكا" النخبة بأنها تلك الفئة التي تعتلي هرم السلطة نتيجة تمتعها بقدرات تنظيمية ومميزات هائلة‪ ،‬فهو بذلك يميز‬
‫بين النخبة والجماهير‪ ،‬باعتبار الفئة األولى تكون غالبا قليلة العدد تمتلك حس تنظيمي كبير يؤهلها للسيادة على فئة الجماهير‪ ،‬وعليه‬
‫فهو يرى أن " من بين الحقائق والميول الدائمة التي يمكن أن توجد في كل بنية سياسية‪ ،‬ظاهرة بينة إلى درجة أنها واضحة ألقل العيون‬
‫تدقيقا‪ .‬وهي أن في كل المجتمعات‪ ...‬تنشأ طبقتان من الناس؛ طبقة حاكمة وطبقة محكومة‪ ،‬فالطبقة الحاكمة هي دائما أقل هاتين‬
‫الطبقتين عددا‪ ،‬وهي التي تقوم بكل الوظائف السياسية وتحتكر السلطة‪ ،‬كما تتمتع بالفوائد التي تكون حصيلة تلك السلطة‪ .‬بينما‬
‫الثانية‪ ،‬وهي األكثر عددا‪ ،‬تسيرها الطبقة األولى‪ ،‬وتدير شؤونها بطريقة توصف حينا بالشرعية‪ ،‬وحينا آخر بالالشرعية‪ ،‬حين تفرط في‬
‫‪2‬‬
‫استعمال القوة والضعف والقهر واإلقصاء عبر الضغط والتزوير‪".‬‬

‫‪ 2.0‬مسألة النخبة في المرجعية األلمانية‪:‬‬

‫يع ّد " كارل مانهايم " (‪ )0591-0152‬من أبرز المفكرين األلمان الذين تطرقوا إلى مسألة النخب في معرض دراساتهم حول المثقفين‪،‬‬
‫فهو يشير في كتابيه ( اإلنسان والمجتمع في عصر يعاد بناؤه ) ( ‪ )0529‬و( تشريح زماننا) (‪ )0591‬إلى تجدد النخب في‬

‫‪1‬‬
‫‪- Vilfredo Pareto: Traité de sociologie générale (éd. originale en italien Florence,1916.Trad .Franç .Payot, Lausanne,‬‬
‫‪Paris )1917-1919). p:1304.‬‬
‫‪ - 2‬توم بوتومور‪ :‬النخبة والمجتمع ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج جحا‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪0511‬م‪ ،‬ص‪.1:‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫المجتمعات الديمقراطية بشكل يمنح الجمهور فرصة للتحرك ضد الحكام وحملهم على تلبية احتياجاتهم ‪ ،‬وعليه فالذي يتغير في سياق‬
‫الديمقراطية على األخص هو المسافة الفاصلة بين النخبة والجمهور‪.‬‬

‫كما ساهم " روبرت ميتشيلز " (‪ )0521- 0111‬في محاولة تفكيك مسألة النخب من خالل البحث في عالقتها باألنظمة السياسية‬
‫و خاصة الديمقراطية منها‪ ،‬وقد تضمن كتابه حول(األحزاب السياسية)‪ 1‬الذي صدر سنة ‪ 0500‬فكرته المحورية حول القانون الحديدي‬
‫لألوليغارشية‪ .‬و" مفاده أن القائد الذي يحصل على السلطة السياسية‪ ،‬ويعتاد على ممارستها‪ ،‬يصعب عليه التخلي عنها‪ ،‬فيستخدم‬
‫بذلك السلطة من أجل البقاء واالستمرار فيها‪ ،2".‬ففي نظر " ميشالز" تتجذر األوليغارشية داخل المنظمات و األحزاب إذ تتمكن‬
‫مجموعة صغيرة مؤهلة من ناحية التخطيط و اإلشراف و التوجيه من فرض آرائها و مواقفها والسيطرة على مقاليد‪ ،‬مستفيدة من مزايا و‬
‫امتيازات الحزب و ثرواته‪ ،‬و بهذا يتحول الحزب من هيئة منفتحة إلى كيان تنظيمي مغلق " كما أكد على أن القانون الحديد لألوليغارشية‬
‫قانون عام‪ ،‬ال يسري على األحزاب فقط‪ ،‬بل يهم كل المنظمات بما فيها الدولة‪ ،‬لذلك الديمقراطية مستحيلة‪ ،‬إذ داخل كل نظام‬
‫ديمقراطي‪ ،‬توجد أوليغارشية‪.3".‬‬

‫‪ 0.0‬النخبة وفق المنظور األمريكي‪:‬‬

‫يعد "شارل رايت ميلز" (‪0513-0501‬م) من أهم السوسيولوجيين األمريكيين‪ ،‬فقد كرس اهتماماته كلها لدراسة النخبة في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ .‬وطور نظرياته السياسية واالجتماعية حول النخبة في كتابيه (نخبة السلطة )‪ 4‬سنة ‪0591‬م‪ ،‬و(الطوق األبيض) سنة‬
‫‪0590‬م‪ ،‬و يرى " ميلز " أن تفسير التاريخ يبنى على ضوء مصالح الفئة الحاكمة‪ ،‬مستندا في ذلك على رؤية"موسكا" في كون األقلية‬
‫هي التي تستحوذ غالبا على الحكم في المجتمع‪.‬‬

‫يستند مفهوم النخبة عنده إلى "وسائل القوة" التي تمنحها المشروعية في توجيه السياسة وإصدار القرارات وتحقيق التوازن االجتماعي‬
‫بين مختلف الشرائح‪ ،‬وفي هذا يقول‪ " :‬يمكننا أن نعرف نخبة السلطة استنادا إلى وسائل القوة‪ ،‬تماما كما هو األمر‪ ،‬بالنسبة لمن‬
‫يحتلون مراكز القيادة "‪.5‬‬

‫من هنا يتبين أن النخبة عند " ويلز" هي مجموعة من األفراد يمتلكون السلطة‪ ،‬ويحتلون أعلى المناصب في المؤسسات السياسية‪،‬‬
‫والعسكرية‪ ،‬واالقتصادية‪ .‬ويعني هذا أن النخبة مقتصرة على ثالثة مجاالت مهمة هي‪ :‬المجاالت السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والعسكرية‪.‬‬

‫‪ .2‬بنية النظام السياسي المغربي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Robert Michels: Les partis politiques; essai sur les tendances oligarchiques des démocraties; traduit par S. Jankélévitch,‬‬
‫‪Published [c1914] Topics Political parties, Democracy.‬‬
‫‪ - 2‬محمد الرضواني‪ :‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬سلسلة بدائل قانونية وسياسية‪ ،‬رقم ‪ ،2‬الطبعة األولى سنة ‪3109‬م‪ ، ،‬ص‪.59:‬‬
‫‪ - 3‬محمد الرضواني‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.51:‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Wright Mills: The Power Elite (L'Élite du pouvoir). Traduction en français chez Agone en 2012 sous le titre L'élite au‬‬
‫‪pouvoir.1956.‬‬
‫‪ - 5‬توم بوتمور‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫يختلف النظام السياسي المغربي عن باقي األنظمة السياسية العالمية من حيث طبيعة نسقه العقدي ومن حيث بنية السلطة ضمنه‪ ،‬فهو‬
‫يراكم بين محددات ثالث تتجسد في تجارب الفكر الدستوري الغربي والقانون العام اإلسالمي وكذا التقاليد البربرية في الحكم‪ .1‬وانطالقا‬
‫من تأكيد الدستور المغربي على أن نظام الحكم بالمغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية‪ ،‬فهذا يدفعنا إلى محاولة تحليل‬
‫ورصد مختلف الخصائص التي تميز الملكية الدستورية‪.‬‬

‫‪ 0.2‬مركزية المؤسسة الملكية‪:‬‬

‫يجمع الكثير من الباحثين حول النظام السياسي المغربي على اعتبار المؤسسة الملكية هي قطب رحى هذا النظام‪ ،‬إذ تستمد هذه‬
‫المكانة باالعتماد أساسا على المقومات التاريخية والدينية من ناحية‪ ،‬وباالستناد الى واقع موازين القوى الذي م ّكن هذه المؤسسة من‬
‫احتكار حقيقة السلطة‪ 2.‬فقد جاء في الدستور المغربي على أن السيادة لألمة وللملك الحق في ممارسة السلطة باعتباره الممثل األعلى‬
‫لألمة وباعتباره ملك المغرب يسود ويحكم خالفا لما هو الحال في الملكيات الدستورية الغربية حيث أن الملك يسود وال يحكم‪.‬‬

‫تستحضر المؤسسة الملكية لجوانب مستمدة من الثقافة السياسية (الدين و التاريخ) لتحديد مكانتها الدستورية‪ ،‬فهي غالبا ما توظف‬
‫الدالالت الدينية في خطاباتها السياسية لتأكيد عراقتها السياسية الدستورية‪ ،‬كما جاء في خطاب الملك الحسن الثاني"أن أمر الحكم‬
‫في المغرب يتصل برابطة بين الملك وشعبه والتي تبقى أكبر عامل في صنع تاريخنا المديد‪ ،‬فهي التي كفلت استمرار المغرب طيلة قرون‬
‫تحت سلطة أسالفنا المقدسين كدولة لها كيان محفوظ وحوزة منيعة ومقومات محترمة" ‪ ،3‬انطالقا منه‪ ،‬فقد جاء الدستور المغربي موائما‬
‫للشأن المغربي (تقاليد و عرف و مزاج)‪ ،‬إذ يمزج بين األعراف و التقاليد البربرية و األعراف السلطانية وبين أخرى خالفية‪ ،‬هذه العوامل‬
‫أعطت للدستور المغربي خصوصية تميزه عن الدساتير الغربية و توضح كيفية إدارة الشأن السياسي المحلي‪.‬‬

‫تحتل المؤسسة الملكية موقعا مهيمنا في الهرم الدستوري‪ ،‬مواجهة في ذلك باقي مكونات الحقل السياسي عبر حرصها على إبراز مصدر‬
‫وجودها بناء على نظرية الحق اإللهي التي تجعل من السلطة مسألة توقيفية ال يمكن تفويتها وال تفويضها‪ ،4‬فعندما تتحدث الملكية عن‬
‫نفسها لم تتردد في تأكيد حتمية ارتباط مصير المغرب بالمؤسسة و هو ما عبر عنه تكرارا العاهل المغربي الحسن الثاني " لوال ملكية‬
‫شعبية لما كان المغرب أبدا"‪ ،5‬كما أعطت مختلف الدساتير المغربية للمؤسسة الملكية سموا يجعل من الملك مرجعا ومحورا وحكما‬
‫وحاميا وضامنا وموجها‪ ،‬و في هذا اإلطار يصرح الملك " قلت وكررت والزلت أكرر أنه بالنسبة لعبد الله الضعيف‪ ،‬خادم المغرب األول‪،‬‬
‫عبد ربه‪ ،‬بالنسبة لي ليس هناك فصل في السلطة‪ ،‬أنا أب الجميع‪ ،‬أب المشرع وأب المنفذ"‪.6‬‬

‫‪ -1‬محمد ضريف‪ :‬النسق السياسي المغربي المعاصر‪ ،‬مقاربة سوسيو‪-‬سياسية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬أبريل ‪ ،0552‬ص‪.01‬‬
‫‪ -2‬ركز "ميشيل كامو ‪ "Michel Camu‬على الهيمنة السياسية للعرش ضمن النظام السياسي المغربي‪ ،‬بينما طابق " جون واتربوري ‪ "John Waterbur‬بين النظام السياسي المغربي و‬
‫المؤسسة الملكية‪ .‬أما "ريمي لوفو ‪ "Remy Leveau‬فقد أ ّكد على الدور المحوري الذي تمثله المؤسسة الملكية في النظام المغربي‪.‬‬
‫‪ -3‬خطاب العرش‪ 2 :‬مارس ‪.0512‬‬
‫‪ -4‬خطاب الحسن الثاني‪ 30 :‬فبراير ‪. 0513‬‬
‫‪ -5‬الحسن الثاني‪ :‬التحدي‪ ،‬المطبعة الملكية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،0512 ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪ -6‬خطاب ملكي‪ ،‬ألقي أمام أعضاء مجلس النواب بتاريخ ‪ 5‬أكتوبر ‪0511‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫لقد تجسدت مكانة المؤسسة الملكية من جهة‪ ،‬من خالل الفصل األول من دستور ‪ 3100‬الذي ينص على أن نظام الحكم بالمملكة‬
‫المغربية نظام ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برلمانية واجتماعية‪ .‬ثم من خالل الصالحيات التي يمارسها الملك كأمير المؤمنين (الفصل‬
‫‪ )90‬كحامي حمى الملة والدين‪ ،‬والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية‪ ،‬يتمتع بصالحيات دينية حصرية‪ ،‬وكرئيس الدولة (الفصل ‪)93‬‬
‫وممثلها األسمى‪ ،‬ورمز وحدة األمة‪ ،‬وضامن دوام الدولة واستمرارها‪ .‬والحكم األسمى بين مؤسساتها من جهة أخرى‪ ،‬وبذلك يتجلى‬
‫نظام الحكم في المغرب ملكيا شكال ومضمونا‪ ،‬إذ أن الملكية تسود وتحكم‪.1‬‬

‫ورغم المراجعات الدستورية األساسية التي شهدها المغرب لسنوات ‪ 0511‬و‪ 0513‬و‪ 0553‬و‪ 0551‬و ‪ ،3100‬إال أن الملكية‬
‫ظلت محافظة على مركزيتها في الهرم الدستوري اذ لم تكن سلطتها محل نقاش أو موضع تقليص فعلي‪.‬‬

‫‪ 0.0.2‬تعدد شرعيات المؤسسة الملكية‪:‬‬

‫تستمد المؤسسة الملكية شرعيتها من تاريخها العريق وبعدها الديني والروحي المتمثل في إمارة المؤمنين‪ ،‬حيث تملك السلطة الدينية‬
‫وما لها من دالالت رمزية ارتباطا بالتراث اإلسالمي "خليفة الله في األرض"‪.‬‬

‫أ‪ -‬الشرعية الدينية ‪:‬‬

‫تتجلى الشرعية الدينية من خالل تأدية البيعة للخليفة و تحميله لقب أمير المؤمنين‪ ،‬لما تكتسيه –البيعة‪ -‬من عمق ديني‪ ،‬تستوجب‬
‫الطاعة لإلمام و تحويله إلى فاعل لما يريد ألنه أضحت تحـوف به هالة من القدسية المستمدة من غطاء الشرعية الدينية‪ ،‬تفعيال لقول‬
‫الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و الرسول و أولي األمر منكم﴾(سورة النساء اآلية ‪.)95‬‬

‫تتجدد هذه البيعة كل سنة في مشهد طقوسي لتأكيد شرعية السلطان الدينية ولرفع مقامه فوق كل االعتبارات " تربط البيعة بصورة دائمة‬
‫الشعب بالملك‪ ،‬و تنزه هذا األخير على الصراعات والتحزبات التي يمكن أن تعرفها األمة ‪ /‬الجماعة‪ ،‬وترفع مكانته فوق األغراض‬
‫الخاصة"‪ ،2‬أما الشيء المميز للبيعة فهو صيغة اإلجماع‪ ،‬إجماع المسلمين على الوالء والطاعة للملك‪ ،‬فمهما بلغت درجة االختالالت‬
‫والخالفات‪ ،‬لن ترقى لدرجة التراجع عن البيعة و قدسيتها‪.‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬تبرز مؤسسة "الزوايا" و ظاهرة "الشرفاء" إلى جانب المؤسسة الملكية كمحدد أساسي في الشأن السياسي و الثقافي‬
‫الملك إلى استنفاذ كل الطرق في سبيل احتوائها أو اضطهادها أو خلق نقيض لها‪ " ،‬و قداختفت اللدنية‬
‫الديني‪ ،‬األمر الذي دفع بدار ُ‬
‫الشريفة شيئا ما‪ ،‬بين ‪ 0159‬و‪ 0531‬لصالح حركات أخرى‪ ،‬وتنازع هذه الحركات معروف‪ :‬مقاومة زعماء القبائل أو الزعماء الدينيين‬

‫‪ -1‬الفصل ‪ 93 ،90 ،10‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬


‫‪ -2‬عبد الله حمودي ‪ :‬الشيخ و المريد‪ .‬النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة‪ .‬ترجمة عبد الحميد جحفة‪ ،‬ضمن سلسلة المعرفة االجتماعية‪ .‬دار توبقال لنشر‪ ،‬ط ‪3111 ،10‬‬
‫‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫(المنحدرين من سالالت شريفة أو غير المنحدرين منها) ومؤسسات يتزعمها (أصحاب كرامات و خوارق) ومعارك بين قبائل رفضت‬
‫الوالء وقبائل تمسكت به‪ ،‬ثم الكفاح الوطني الذي يمنح ديناميته من اإليمان"‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الشرعية التاريخية‪:‬‬

‫لقد أكسبت الحركة الوطنية الشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية‪ ،‬إذ لم تأل جهدا في الدفاع عن العرش و في جعل االستقالل مشروطا‬
‫بعودة الملك من منفاه‪ ،‬و هذا ما يجعل المغرب " البلد الوحيد ‪ -‬تقريبا‪ -‬من بين بلدان العالم الثالث الذي لم تتسلم فيه الحركة الوطنية‬
‫التي حقق ت االستقالل الحكم‪ ،‬أعني السلطة‪ ،‬بل لقد تسلمها ملك البالد بتفويض من الحركة الوطنية تلك‪ ،‬بجناحيها السياسي‬
‫والعسكري"‪ ،2‬انطالقا من هذه الشرعية التاريخية يستمد الملك قوته و مكانته الرفيعة و يحظى باإلجماع يجعل منه المالذ للمتخاصمين‬
‫والحكم عند حدوث النزاعات‪ ،‬فهو كذات حاكمة يحل محل أي مؤسسة أخرى بما في ذلك القضاء‪.‬‬

‫مر بها المغرب (الحماية الفرنسية‪ ،‬االحتجاج على الظهير البربري سنة ‪ )0521‬في تقوية اللحمة بين‬ ‫لقد ساهمت األحداث التي ّ‬
‫العرش و الحركة الوطنية " اللحظات األولى من الكفاح وأيام االستقالل‪ ،‬الذي ناله المغرب بعد ربع قرن تقريبا‪ ،‬نما التعاون بين القصر‬
‫وزعماء الوطنية الجديدة‪ ،‬وبفضل هذا التعاون أعيد توطيد فكرة الملك بصفته رمزا لوحدة األمة"‪ ،3‬حيث جعلت الحركة الوطنية عودة‬
‫ملك البالد الراحل محمد الخامس من أولويات وثيقة المطالبة باالستقالل‪ ،‬بينما لم ير المستعمر الفرنسي أي خطر من شأنه تهديد‬
‫مطامع فرنسا بالمنطقة لهذا " تم اإلبقاء على السلطان بجميع المظاهر الخارجية واألبهة التقليدية المغربية للسيادة الدينية والسياسية‪،‬‬
‫فاحتفظ بقصوره وبعدد كبير من الموظفين التابعين له وحده وبحرسه األسود تحت إمرة الضباط الفرنسيين‪ ،‬كما ظل خليفة وأميرا للمؤمنين‬
‫وبأمره كانت تسن القوانين والظهائر وتصدر األحكام القضائية"‪ .4‬هكذا ظل الملك "يسود وال يحكم" إلى غاية ‪ 0599‬حيث سيتقوى‬
‫الشعور الوطني وما تال ذلك من التفاف حول شخص الملك ولبوسه الصفة التاريخية كأب لألمة ومحرر للبالد‪.‬‬

‫‪ 2.2‬اإلطار المؤسسي للسلطة السياسية المغربية‪:‬‬

‫نص الدستور المغربي لسنة ‪ 3100‬على تطبيق نظام ملكي برلماني يحكم فيه الملك‪ ،‬ويقوم على ثالث سلطات تتمثل األولى في‬
‫السلطة التنفيذية المكونة من المؤسسة الملكية والحكومة والمؤسسة التشريعية المتكونة من غرفتين مجلس النواب ومجلس المستشارين‬
‫إلى جانب السلطة القضائية‪.‬‬

‫أ ‪ -‬السلطة التنفيذية‪:‬‬

‫يعتبر تعيين الوزير األول و أعضاء الحكومة حقا دستوريا ملكيا‪ ،‬فالحكومة تحت وصاية الملك و ال يمكن االنفالت منها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫انه ليست للوزير األول أيه سلطة على باقي الوزراء الذين هم مسؤولين أمام الملك و مطالبين بتحقيق التوجهات الملكية‪ ،‬فالملك هو‬

‫‪ -1‬عبد الله حمودي‪ :‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ -2‬محمد عابد الجابري ‪http://www.aljabriabed.net/MAROC5.HTM :‬‬
‫‪ -3‬عبد الله حمودي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -4‬ألبير عياش ‪ :‬المغرب و االستعمار‪ ،‬حصيلة السيطرة الفرنسية‪ ،‬ترجمة عبد القادر الشاوي و نور الدين سعودي‪ ،‬دار الخطابي للطباعة و النشر ط ‪ ،0519 ،10‬ص ‪.51 – 51‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية‪ ،‬إذ يمكنه إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة‪ ،‬أما إذا‬
‫تعلق األمر باستقالة رئيس الحكومة فإن اإلعفاء يشمل الحكومة بكاملها من طرف الملك‪ ،1‬كما يعتبر الملك طبقا للفصل ‪ 92‬من‬
‫الدستور القائد األعلى للقوات المسلحة الملكية‪ ،‬وله حق التعيين في الوظائف العسكرية‪ ،‬كما يمكنه أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق‪،‬‬
‫وباعتباره القائد األعلى للقوات المسلحة الملكية يترأس الملك المجلس األعلى لألمن الذي يمكن أن يفوض لرئيس الحكومة رئاسة هذا‬
‫المجلس‪ ،‬على أساس جدول أعمال محددة‪ ،2‬ويقوم بتعيين السفراء‪ ،‬وممثلو المنظمات الدولية‪ ،‬ويوقع على المعاهدات ويصادق‬
‫عليها‪.3‬‬

‫كما يملك الملك سلطات واسعة في التعيين في الوظائف المدنية‪ ،‬بحيث يعين عشر (‪ )01‬شخصيات في مجلس الوصاية بمحض‬
‫اختياره‪ ،4‬إضافة إلى التعيينات التي يتم التداول بشأنها بالمجلس الوزاري‪ ،‬وانطالقا من الفصالن ‪ 95‬و ‪ 50‬من الدستور واعتمادا على‬
‫المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي‪ ،5‬يحتفظ الملك بحق التعيين فيما يخص المؤسسات والمقاوالت العمومية اإلستراتيجية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬السلطة التشريعية‪:‬‬

‫تتألف السلطة التشريعية من مجلسين‪ ،‬مجلس النواب المغربي يتشكل من ‪ 325‬عضو ينتخبون لمدة خمس سنوات‪ ،‬و مجلس‬
‫المستشارين المغربي الذي يتشكل من ‪ 270‬عضو ينتخبون لمدة تسع سنوات‪ ،‬تنتخبهم المجالس المحلية ( ‪013‬مقعدا)‪ ،‬والغرف‬
‫المهنية (‪ 50‬مقعدا) والغرف التجارية ( ‪31‬مقعدا)‪.6‬‬

‫تعتبر الهيئة التشريعية مقيدة و محدودة من الناحية الدستورية في مجال مراقبة العمل الحكومي‪ ،‬إذ يمنع الدستور البرلمان من تشكيل‬
‫لجان التحقيق الدائمة إال بطلب أغلبية األعضاء‪ ،‬كما ال يستطيع البرلمان خالفا لما هو سائد في النظم الديمقراطية تنصيب الحكومة‪،‬‬
‫فالدستور يكرس أولوية الملك التشريعية باعتباره مشرعا أعظما‪ ،7‬تتجسد في كونه يصدر األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما الموالية‬
‫إلحالته إلى الحكومة بعد الموافقة عليه‪ ،8‬ويفتتح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر‪ ، 9‬ويمكنه أن يطلب من كال‬
‫مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون‪ ،‬وتطلب هذه القراءة بخطاب‪ ،‬وال يمكن أن ترفض هذه القراءة‬

‫‪ -1‬الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬


‫‪ -2‬الفصل ‪ 99‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -3‬الفصل ‪ 99‬من الدستور المغربي ‪.3110‬‬
‫‪ -4‬الفصل ‪ 99‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -5‬القانون التنظيمي رقم ‪ 13.03‬المتعلق بالتعيين في المناصب العليا‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،1111‬ص‪ .9329 :‬بتاريخ ‪ 05‬يوليوز ‪.3103‬‬
‫‪ -6‬مالكي أمحمد‪ :‬المغرب و إشكالية توزيع السلطة‪ ،‬مجلة الديمقراطية‪ ،‬العدد ‪ ،22 :‬بدون تاريخ نشر‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -7‬مالكي أمحمد‪ :‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -8‬الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -9‬الفصل ‪ 19‬من الدستور المغربي ‪3100‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫الجديدة‪ ،1‬وللملك أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما‪ ،‬يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى األمة‪ ، 2‬كما للملك أن‬
‫يخاطب األمة والبرلمان‪ ،‬ويتلي خطابه أمام كال المجلسين‪ ،‬وال يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما‪.3‬‬

‫ت‪ -‬السلطة القضائية‪:‬‬

‫يعتبر الملك الضامن الستقالل السلطة القضائية كما جاء في الفصل ‪ ،011‬وبالتالي فقد عزز هذا االستقالل بالضمانة الملكية‪ ،4‬كما‬
‫يترأس الملك المجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ، 5‬الذي يتألف من ‪ 31‬عضوا من بينهم خمس شخصيات يعينها جاللة الملك مشهود‬
‫لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة‪ ،‬والعطاء المتميز في سبيل استقالل القضاء وسيادة القانون‪ ،‬إضافة إلى ذلك يمارس الملك حق العفو كما‬
‫جاء في الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي‪ ،‬ويوافق الملك بظهير على تعيين القضاة باقتراح من المجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ، 6‬كما‬
‫يوافق بظهير كذلك على تعيين المسؤولين القضائيين لمختلف محاكم االستئناف ومحاكم أول درجة طبقا للمادة ‪ 11‬من القانون المنظم‬
‫للمجلس األعلى للسلطة القضائية‪ ،‬مع حقه في تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية‪ ،‬وكذا رئيسها‪ ،7‬كما أن األحكام القضائية‬
‫تصدر وتنفذ باسمه وطبقا للقانون‪.8‬‬

‫‪ .0‬امتدادات فعل التنخيب في النسق السياسي المغربي‪ :‬صناعة وتدويرا‬

‫تساهم النخبة في كل مجتمع من المجتمعات اإلنسانية‪ -‬مع اختالفها – على تفسير و فهم السلطة السياسية داخل الدولة‪ ،‬فداخل أي‬
‫مجتمع نجد قلة نطلق عليها الصفوة أو النخبة‪ ،‬هيأتها الظروف واألسباب واإلمكانات لتتصدر الحياة االجتماعية أو السياسية أو‬
‫االقتصادية أو العسكرية أو الفكرية‪.‬‬

‫‪ .0.0‬المسار التاريخي للنخب بالمغرب‪:‬‬

‫ساهمت الكثير من األسس في مرحلة ما قبل الحماية الفرنسية في تشكيل نخب متميزة في مختلف المجاالت والقطاعات‪ :‬نخبة‬
‫الشرفاء واألعيان‪ ،‬ونخبة العلماء‪ ،‬ونخبة المحتسبين‪ ،‬ونخبة المحميين من قبل االستعمار‪ ،‬ونخبة األولياء واألقطاب والصلحاء‪ ،‬ونخبة‬
‫الفقهاء والمفتين‪ ،‬ونخبة شيوخ الزوايا‪ ،‬ونخبة قواد الجيش‪ ،‬ونخبة قواد القبائل‪ ،‬ونخبة الوزراء‪ ،‬ونخبة الكتاب‪ ،‬ونخبة األمناء‪ ،‬ونخبة كبار‬
‫المخزن‪ ،‬ونخبة كبار التجار وأرباب الحرف‪...9‬‬

‫‪ -1‬الفصل ‪ 59‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬


‫‪ -2‬الفصل ‪ 51‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -3‬الفصل ‪ 93‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -4‬حميد مالح‪ :‬المحاكمة العادلة في القانون المغربي‪ ،‬مقال استخرج من الموقع‪:‬‬
‫‪ https://fakih-kanouni.blogspot.com/p/blog-page_12.html‬اطلع عليه بتاريخ ‪.3130/01/19‬‬
‫‪ -5‬الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -6‬الفصل ‪ 91‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -7‬الفصل ‪ 021‬من الدستور المغربي ‪.3100‬‬
‫‪ -8‬الفصل ‪ 039‬من الدستور المغربي ‪3100‬‬
‫‪ - 9‬سعيد جفري‪( :‬النخبة وسؤال اإلصالح في مغرب القرن ‪05‬م)‪ ،‬نخب مغاربية‪ :‬الخلفيات‪ ،‬المسارات والـتأثير‪ ،‬أعمال المنتدى المغاربي الثاني‪ ،‬منشورات مدى‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪3103‬م‪ ،‬ص‪.91-99:‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫و لقد ظلت النخبة في تلك الفترة –حسب رأي الكثير من الدارسين‪ -‬مكونة من عنصرين أساسيين (المخزن و الخاصة)‪ ،‬أما المخزن‬
‫فيتكون من نخبة منتقاة من قبائل تربطها عالقة وطيدة مع أمير المؤمنين‪ ،‬و الخاصة تتشكل أساسا من األعيان و الشرفاء و العلماء و‬
‫شيوخ الزوايا‪.1‬‬

‫أما في فترة الحماية الفرنسية على المغرب ما بين ‪0591-0503‬م‪ ،‬فقد عمدت اإلدارة الفرنسية إلى تهميش إدارة المخزن بحيث‬
‫أصبح الوزراء مجرد موظفين يوقعون بين الفينة واألخرى على قرارات اإلدارة الفرنسية‪ ،‬ومن ّثم تراجع أدوار الخاصة من علماء وشرفاء‬
‫وشيوخ زوايا بعد إدخال اإلصالحات الحديثة‪ ،‬وتوجه الدولة نحو اقتصاد رأسمالي عقالني‪ .‬وقد ساهم هذا التطور في ظهور نخب‬
‫جديدة منها الموالية للمستعمر (نخبة اليهود‪ ،‬ونخبة األعيان المغاربة‪ ،‬والنخبة األرستقراطية المغربية المتفرنسة‪ ،‬ونخبة القواد‬
‫والباشوات‪ ،)...‬واألخرى مقاومة ومناوئة له (نخبة المقاومين الكبار ونخبة الحركة الوطنية‪ ،‬ونخبة المثقفين والمبدعين‪ ،‬ونخبة جيش‬
‫التحرير‪ ،‬والنخبة المقربة من القصر‪.)...‬‬

‫وفي ظل هذه الظروف‪ ،‬تشبعت النخبة المقاومة والمناوئة بالروح الوطنية في سياق مواجهتها المستعمر‪ ،‬كما تعززت الحركة الوطنية‬
‫بمجموعة من الشباب الذين واصلوا تعليمهم في المدارس الحديثة في فرنسا أو في دول الشرق األوسط‪ ،‬األمر الذي أسهم في تعزيز‬
‫الوعي بتحديث العمل السياسي وباعتماد أساليب ديمقراطية في تسيير الشأن السياسي‪ .‬لقد عرف المغرب بعد استقالله تطورا ملحوظا‬
‫في نخبته من حيث الكم والكيف‪ ،‬إذ ارتفع عدد موظفي الدولة‪ ،‬وتعززت النخبة بفئات ثقافية واقتصادية جديدة‪ .‬األمر الذي أدى إلى‬
‫بروز صنفين من النخب تقليدية ومعاصرة عكست الطابع المزدوج للمجتمع المغربي‪ ،‬األولى‪ :‬تقليدية حاولت االستمرار والمحافظة على‬
‫خصائصها رغم التطورات السياسية واالجتماعية والثقافية المتالحقة‪ ،‬والثانية‪ :‬حديثة استفادت من هذه التحوالت وبرزت في العقود‬
‫األخيرة‪ ،‬مما تمخض عنه نوع من الصراع والتنافس بين مختلف الفاعلين السياسيين‪.‬‬

‫‪ .2.0‬ديناميات تش ّكل النخب السياسية وتدويرها بالمغرب‪:‬‬

‫تعتبر النخبة السياسية فئة من فئات المجتمع التي تنتظم في إطار نظام سياسي وتمارس نمطا من أنماط العالقة السلطوية بين الحاكم‬
‫مر التاريخ أن الحاكم يلجأ دائما إلى االستعانة بمجموعة من األفراد لممارسة سلطته على باقي‬
‫والمحكوم‪ ،‬فلقد أثبتت التجارب على ّ‬
‫مكونات الدولة التي يحكمها‪ .‬األمر الذي سمح للنخبة بالمشاركة بفاعلية أكثر من غيرها من طبقات المجتمع في تسيير الشأن السياسي‬
‫انطالقا مما تمتلكه من مميزات مقارنة بغيرها من طبقات المجتمع‪.‬‬

‫في هذا الصدد عمل " جون واتربوري " على وضع نمذجة شكلية لنخب المغرب من خالل تبنيه لمصطلح النخبة السياسية " لقد‬
‫تبنيت مصطلح (النخبة السياسية) في هذا الكتاب نظرا لثرائه‪ ،‬رغم أن علماء السياسة لم يتفقوا بعد على تعريف مقبول شامل له‬
‫ومع ذلك يتضمن هذا المصطلح بعض الدالالت التي تعود على الجميع وأعني هنا (األقليات اإلستراتيجية) التي يتحدث عنها " ريمون‬

‫‪ -1‬جون واتربوري‪ :‬أمير المؤمنين‪ ،‬الملكية و النخبة السياسية المغربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الغني أبو العزم‪ ،‬عبد األحد السبتي‪ ،‬عبد اللطيف الفلق‪ ،‬الرباط‪ ،‬مؤسسة الغني‪ ،3109 ،‬ص ‪.91-91‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫أرون " حيث يرى أنها توجد في مواقع إستراتيجية من المجتمع وتتحكم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص‪ ،‬بل وكذلك‬
‫في مجال الشؤون العامة ويبدو لي أن النخبة السياسية المغربية عبارة عن مجموعة من هذا النوع من األقليات اإلستراتيجية وسوف‬
‫أستعمل مصطلح النخبة السياسية هنا لتعيين تلك الفئة من المغاربة الذين يستطيعون ألسباب مختلفة‪ ،‬أن يؤثروا في سلطة القرار على‬
‫المستوى الوطني كما في مقدورهم التدخل في عملية توزيع منافع الدولة وفرض مطالبهم وقد يرتبط نفوذهم هذا بشبكات األتباع واألصدقاء‬
‫ذوي المناصب العليا‪ ،‬وتضم هذه الشبكات كال من األحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الطالبية والمصالح الخاصة واألسر الكبرى‬
‫والقبائل والضباط والعلماء والشرفاء وغالبا ما يكون قادتها من الموظفين السامين في الحكومة أو وزراء ‪ ،‬وقد تتجاوز النخبة السلطة‬
‫الحكومية ألنها تشمل المعارضة كذلك وجل أعضائها من المثقفين أو األثرياء أو هما معا من أجل االنضمام إلى النخبة ومع ذلك‬
‫ليست الثروة والثقافة بالمقاييس الوحيدة ألن التعيين هو الذي يحدد طريقة الوصول إليها"‪.1‬‬

‫بغض النظر عن الصعوبات التي تواجهنا في الحديث عن النخب بالمعنى المتعارف عليه في المغرب‪ ،‬بحكم تواجد حكم مطلق متحالف‬
‫مع األعيان الذين يختلفون عن النخب في المرجعية والبنية والوظائف‪ ،‬إال أننا يمكن تصنيف النخبة بالمملكة المغربية إلى (البؤرة‬
‫واألطراف)‪ ،‬ويعنى بالبؤرة النخب األكثر تأثيرا وقربا من مصادر القرار والتي تستند غالبا إلى انتمائها إلى األعيان التقليديين وإلى وشائج‬
‫‪2‬‬
‫النسب والمصاهرة‪ ،‬بينما تقتصر وظيفة األطراف على تأثيث المشهد والتأثير الظرفي في الشأن العام‪.‬‬

‫يعتبر التعيين في المناصب اإلدارية العليا والوزارية أحد أهم السبل التي تسمح باالنخراط في فضاء النخبة السياسية في المغرب‪ ،‬ولتحقيق‬
‫ذلك يتطلب استحضار مجموعة من األدوات االجتماعية وحيازة عدد من الرساميل المفتوحة المرتبطة أساسا بـ‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإلمكانيات المالية و األصل النبيل‪:‬‬

‫اعتبر " جون واتربوري " في معرض بحثه عن أسرار الوصول إلى السلطة في المغرب أن "المخزن والمال واألصل النبيل" هي مفاتيح‬
‫الوصول إلى السلطة في المغرب " ينبغي أن نتصور أتباع الملك كمجموعة متوافقة نسبيا من العصب و األفراد المرتبطين به ارتباطا‬
‫شخصيا‪ ،‬في نسق النعم و المنن‪ ،‬يمكن نعته –و معنا بعض الحق‪ -‬بالنسق اإلقطاعي الجديد‪ ،‬إذ تع ّد عالقات الملك بأتباعه في‬
‫جوهرها عالقات تبعية‪ ،3"..‬كما تستخدم العائالت العريقة المغربية كل السبل للحفاظ على مكانتها في النسق السياسي‪ ،‬و في هذا‬
‫الشأن يؤكد واتربوري " أصبحت البورجوازية الفاسية بما تملكه من حذر و تبصر‪ ،‬ماهرة جدا في اللعب على جميع الواجهات‪ .‬لقد‬
‫استعملت جميع الوسائل للحفاظ على ثروتها من تعليم أبنائها وزواج المنفعة‪ ،‬أو استراتيجية االنتماء السياسي‪ ،‬إلى جانب دهائها الطبيعي‬
‫‪4‬‬
‫ومهارتها التجارية‪".‬‬

‫‪ -1‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.029‬‬


‫‪ -2‬المختار بنعبدالوي‪( :‬إنتاج النخب وتدويرها في المغرب)‪ ،‬نخب مغاربية‪ :‬الخلفيات‪ ،‬المسارات والـتأثير ‪ ،‬أعمال المنتدى المغاربي الثاني‪ ،‬منشورات مدى‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪3103‬م‪ ،‬ص‪.9:‬‬
‫‪ -3‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.092‬‬
‫‪ -4‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪093‬‬
‫آليات تشكّل النخب وتجدّدها‪ :‬براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق‬
‫حربوش بوبكر‬
‫السياسي المغربي‬

‫عملت العائلة المغربية على الجمع بين األصل النبيل و الكفاءة العلمية و التقنية في سبيل تواصلها واتصالها بالنخبة الملكية "كم هم‬
‫المغاربة الذين شعروا منذ البداية بأن الفشل يداهمهم‪ ،‬ألن مؤهالتهم وكفاءاتهم أصبحت غير مالئمة مع الوضع الجديد‪ ،‬و بذلك بعثوا‬
‫‪1‬‬
‫بأبنائهم للتكوين حسب مناهج العالم الغربي‪"..‬‬

‫ب‪ -‬مصاهرة النخبة‪:‬‬

‫سعت األسر المغربية من أجل تمكين أفرادها للوصول إلى مراكز القرار إلى ربط عالقات مصاهرة و نسب مع كل من له صلة بالمخزن‬
‫" لقد سعت األسر التي ليست لديها شهرة أو ثروة‪ ،‬و ال تحتل أي منصب داخل اإلدارة إلى ربط عالقات قرابة مع األسر المحظوظة‬
‫بطبيعة الحال‪ ،2"..‬فالمصاهرات تكتيك نخبوي قديم ال يزال رائجا في المغرب للمحافظة على ثروة األسرة ونقاوة دم الساللة‪ ،‬كما أنه‬
‫طريقة معتمدة داخل البرجوازية التجارية لتدعيم الثروة " يدخل الزواج داخل األسر البورجوازية في سياق األغراض ذاتها التي كانت تهدف‬
‫إليها الدراسات العصرية للشباب‪ ،‬أي المحافظة على ثروة األسرة"‪ ، 3‬أما األوليغارشية الحاكمة فتوظف األمر لتوطيد وراثة الوظائف‬
‫الكبيرة داخل الدولة‪ .‬من جانب آخر تتجنب العائالت الشريفة في المغرب الزواج المختلط‪ ،‬إنهم يرفضون نسب غير الشرفاء "لكن ال‬
‫يتردد بعضهم (الشرفاء) سعيا وراء استرجاع أمجادهم في بيع لقبهم ومصاهرة عائالت غير شريفة"‪.4‬‬

‫ت‪ -‬المدخل الديني‪:‬‬

‫صنف الدستور المغربي الملك كرأس الهرم السياسي و الديني بالمملكة المغربية فهو " أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن و الدين" ‪،‬إذ‬
‫يعتبر الدين من ناحية المرجع الرئيسي في التأسيس لشرعية المؤسسة الملكية و من ناحية أخرى كملجأ للمؤسسات السياسية لتأكيد‬
‫انخراطها في النسق العام للدولة "اللقب في المغرب هو ثروة ورأسمال يحافظ عليه "الشرفاء" (أحفاد الرسول) فهو موروث وال يمكن أن‬
‫‪5‬‬
‫يضيع‪ ،‬وطالما ظلت روح دينية تسود المغرب يحظى الشريف بنوع من االعتبار و التأثير"‬

‫أحاط الملك نفسه بشبكة من األتباع ذوو التوجه الديني و االنتماء العضوي للزوايا الصوفية التي تضفي الشرعية الدينية عليه كل سنة‬
‫خالل مراسيم البيعة‪ ،‬ومن هنا يعد المدخل الديني للنخبة من أهم طرق الولوج إلى عالم المربع الملكي المخزني " و من جانب آخر‬
‫يريد النظام الملكي – ولو بنوع من الفتور‪ -‬أن يحافظ كذلك على سمعة و جاه الشرفاء و األولياء‪ .‬و ينتمي هؤالء إلى ما يمكن تسميته‬
‫‪6‬‬
‫بـ "العائلة المقدسة" و يشكلون إحدى شبكات األتباع التي يحرك خيوطها الملك‪".‬‬

‫‪ .0.0‬األحزاب السياسية و منطق التسول السياسي‪:‬‬

‫‪ -1‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪093‬‬


‫‪ -2‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.099‬‬
‫‪ -3‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.092‬‬
‫‪ -4‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.099‬‬
‫‪ -5‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.091-095‬‬
‫‪ -6‬جون واتربوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.029‬‬
‫املجلد ‪ / 7‬الع ــدد‪ ،)2023( 52 :‬ص ‪517-430‬‬ ‫مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫تعيش األحزاب السياسية المغربية أزمة حقيقية على مستوى تسيير شؤونها الداخلية ووظائفها االجتماعية والسياسية‪ ،‬فمراكز القرار داخل‬
‫الهياكل الرئيسية للحزب هي أكثر مناعة اتجاه عمليات االختراق‪ ،‬حيث يفرض أسلوب التزكية والتعيين الذي تمارسه السلطة بقوة‪،‬‬
‫ويسود منطق الوراثة في بناء الشرعية السياسية‪ ،‬بالشكل الذي يكرس "شخصنة" هذه الهيئات عوض مأسستها ويحول دون تجددها‪،1‬‬
‫فكثير من التعابير المتداولة في هذا الشأن تقول بحزب فالن وأن ارتباط المجتمع بالشخص وليس بمشروع الحزب واألفكار التي يدعو‬
‫إليها‪.‬‬

‫لقد ظلت األحزاب المغربية تنهل من الخلفية التقليدية في التعامل مع مناضليها وترقية أطرها‪ ،‬فاألحزاب السياسية كانت تتمثل "الزوايا"‬
‫المكونة من "المريدين" الذين يتداولون "أذكار" شيخهم و"أدعية" خلفائه ومقدميه‪ ،2‬وهذا ما يفسر ظاهرة تقديس المناضلين لزعمائهم‬
‫من السياسيين‪ .‬فاعتبارا منه‪ ،‬أصبحت تمثل التضحيات والتحالفات مطية للوصول إلى أعلى الهرم الحزبي الذي يفتح الطريق مباشرة نحو‬
‫إمكانيات االستوزار وصنع القرار‪.‬‬

‫‪ .4‬خاتمة‪:‬‬
‫تنطوي دراسة النخبة في أي مجتمع على أهمية كبرى باعتبارها تؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة تاريخ المجتمعات وتحديد مسارها‪ ،‬وبفعل‬
‫احتكارها ألهم المراكز السياسية واالقتصادية واالجتماعية فهي تلعب أدوارا رئيسية داخل النسق السياسي والثقافي وتملك سلطات على‬
‫مستوى اتخاذ القرار والتأثير في صياغتها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ارتباط نظرية النخبة السياسية بالمفهوم الغربي ومقوماته‪ ،‬سواء في أبعاده التاريخية الماركسية أو الديمقراطية‪ ،‬يمكن‬
‫التأكيد على إمكانية مقاربة مفهوم النخبة بالمغرب سواء من الناحية المعرفية أو من ناحية تمثالتها الفعلية داخل النسق السياسي‪ ،‬وذلك‬
‫انطالقا من استحضار طبيعة نظام الملك الذي يتجدد ويتكيف مع الواقع‪ ،‬مع المحافظة على فلسفته المشبعة بالموروث الثقافي والديني‪،‬‬
‫وعالقة هذه المؤسسة الفاعلة بالنخبة السياسية المغربية‪ ،‬ومنه خلصنا إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تأصل رسوخ الملكية في تاريخ الحكم السياسي بالمغرب وصمودها راجع إلى الثقافة التقليدية المستوحاة من القيم الدينية‬
‫السائدة ومكانة الملك كأمير للمؤمنين‪.‬‬

‫‪ -‬اإلجماع على تقبل الدور المحوري للملك عبر احتكاره لمختلف السلطات الدينية والمدنية‪.‬‬

‫‪ -‬الولوج إلى عالم النخبة السياسية بالمغرب مرهون باكتساب مجموعة من الرساميل‪ :‬األصل النبيل واإلمكانيات المالية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى ربط عالقات مصاهرة مع كل من له عالقة بالمخزن‪ ،‬واالنتماء العضوي إلى الزوايا الصوفية‪.‬‬

‫‪ -1‬يونس برادة‪ :‬الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب‪ :‬قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية‪ ،‬مقال استخرج من الموقع‪:‬‬
‫‪ ،http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=68554‬اطلع عليه بتاريخ‪.3130/00/01 :‬‬
‫‪ -2‬عبد الله حمودي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.019‬‬

You might also like