Professional Documents
Culture Documents
آليات تشكّل النخب و تجدّدها - براديغم المعرفة و الفعل ضمن النسق السياسي المغربي
آليات تشكّل النخب و تجدّدها - براديغم المعرفة و الفعل ضمن النسق السياسي المغربي
آليات تشكّل النخب و تجدّدها - براديغم المعرفة و الفعل ضمن النسق السياسي المغربي
ّ
تشكل النخب ّ
وتجددها :براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق السياس ي المغربي. آليات
Mechanisms of elites formation and renewal: a paradigm of knowledge and
action within the Moroccan political system
حربوش بوبكر
كلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة محمد البشير االبراهيمي -برج بوعريريج-
(الجزائر)
boubakeur.harbouche@univ-bba.dz
تاريخ االستالم 2122/10/01. :تاريخ القبول2120/10/22 :
الملخص:
تساهم النخبة في كل مجتمع من المجتمعات اإلنسانية على تفسير وفهم السلطة السياسية داخل الدولة ،فهي تمتلك مجموعة من المواصفات واإلمكانات
التي تمكنها من تصدر الحياة االجتماعية ،السياسية ،االقتصادية ،العسكرية أو الفكرية.
تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة موضوع "النخبة" من الناحية المعرفية ومالمسة نطاق الفعل ضمن النسق السياسي والثقافي المغربي من حيث آليات تش ّكل
"النخب" وتدويرها.
كلمات مفتاحية :النخبة ،النسق السياسي ،المؤسسة الملكية ،التنخيب.
Abstract:
The elites in every human society contribute to the interpretation and understanding of political power
within the state, they possess a set of qualities and capabilities that enable them to lead social, political,
economic, military or intellectual life.
This study seeks to approach the issue of "elitism" from a cognitive perspective, and to investigate the
process of elite formation in the Moroccan political and cultural system.
Keywords:s. the elite; the political system; the monarchy; elite formation.
مقدمة:
يُظهر التّتبع المعرفي والميداني لموضوع "النخبة" وجود تباين مفاهيمي تحليلي يجسد تضاربا ملحوظا للسياقات السياسية ،اإليديولوجية
والتاريخية لألنساق السياسية والثقافية للمجتمعات ،يجعل من سؤال النخبة (إنتاجا وتجديدا وتدويرا) ليس مجرد نموذجا نظريا "براديغم"
لضبط نطاق الفعل ضمن النسق السياسي لبلد ما ،بل كذلك إطارا جامعا لفلسفة الحكم ومنطلقات التسيير.
وغني عن البيان ،أن لطرح موضوع "النخبة" في المغرب خالل هذه المرحلة أهمية كبرى بالنظر إلى التحديات السياسية واالقتصادية التي
يشهدها المغرب في السنوات األخيرة ،وإلى األدوار الطالئعية التي يفترض أن تلعبها هذه "النخب" داخل النسق السياسي ،من تملّك
للسلطات وإسهامها في تحديد وتحديث التوجهات السياسية وتحقيق التوازن االجتماعي.
في هذا السياق ،ترتبط مقاربة سؤال "النخبة" جدليا بتناقضات بنية النسق السياسي وارتباطاته العالئقية بمختلف بُنى المجتمع ،األمر
الذي يدفعنا إلى مالمسة طبيعة النسق السياسي المغربي واستكشاف ظروف إعادة األسس الثقافية للسلطة السياسية فيه ،تمهيدا لدراسة
األداء الوظيفي ودورة حياة "النخبة" المتبلورة في ثنايا هذه األخيرة.
إشكالية البحث:
تسعى هذه الدراسة إلى إنارة بعض الزوايا التنظيرية حول موضوع "النخبة" ومالمسة نطاق الفعل ضمن النسق السياسي والثقافي المغربي
من حيث آليات تش ّكل "النخب" وتدويرها ،وذلك عبر اإلجابة على المشكلة البحثية التالية:
ما هي محددات تش ّكل وتج ّدد النخب ضمن النسق السياسي المغربي؟
المنهج المستخدم:
لدراسة هذا الموضوع و تحليل إشكاليته ،اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي الذي يسمح لنا بعرض المفاهيم اإلجرائية لموضوع النخبة
في إطار مختلف المطارحات العلمية و المعرفية ،كما اعتمدنا على المقترب القانوني و المؤسسي لدراسة الدستور المغربي من خالل
استحضار مجمل السلطات المحورية التي يحظى بها الملك في النسق السياسي المغربي ،و كذا تقصي أبرز المحددات المؤطرة لعملية
التنخيب (تش ّكال و تج ّددا) بالمغرب .
آليات تشكّل النخب وتجدّدها :براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق
حربوش بوبكر
السياسي المغربي
خطة البحث:
انطالقا من اإلشكالية المطروحة والتساؤالت الفرعية ،عمدنا إلى تجسيد هذا البناء المنهجي:
-المفهوم اإلجرائي للنخبة ضمن األطر المرجعية المعرفية المختلفة (براديغمات المعرفة).
.0المفهوم اإلجرائي للنخبة ضمن األطر المرجعية المعرفية المختلفة (براديغمات المعرفة):
ارتبط مفهوم النخبة في مختلف العصور بدالالت تجسدت في الواقع الثقافي ،االجتماعي والسياسي من خالل صور متنوعة ،فلقد رّكز
المجتمع اليوناني في هذا السياق على ارتباط النخبة بالرجل الشريف وبجمال الجسد والجودة بغية تحقيق السعادة الروحية المرجوة .في
حين اقترن هذا المفهوم في العهد الروماني بالمواطنة بعد ظهور القانون المدني الذي ينسج العالقة بين اإلنسان وأخيه اإلنسان.
أما فيما يخص مكانة المفهوم في الثقافة العربية اإلسالمية ،فقد ارتبط في العصر الجاهلي برؤساء القبائل وبأولئك الشعراء المفوهين
والفرسان المتخلقين ،ثم اقترنت النخبة في العهد اإلسالمي بالعلماء والفقهاء والقضاة...
وفي العصر الحديث (القرنين التاسع عشر والعشرين) عرف المجتمع اإلنساني أزمة في النخب ،حيث افتُقدت مختلف المفاهيم التي
عرفتها اإلنسانية في المراحل السابقة (الرجل الشريف ،المواطنة ،الشعراء ،الفرسان )...وظهرت في هذا السياق ،أولى المطارحات النظرية
العامة حول مسألة النخب منبثقة من المدرسة العلمية االجتماعية.
ظل موضوع النخبة مسكوتا عنه في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى أن خرق الصمت " فيلفريدو باريتو" الذي يعتبر من
مؤسسي علم االجتماع السياسي وباألخص نظرية النخبة ،وقد تميز "باريتو" برؤية وتصور اجتماعي متشائم ،معارضا كل اإليديولوجيات
وموجها نقدا الذعا لألوساط المثقفة ،إذ كان متعصبا ومناهضا للديمقراطية .وفي الحقيقة ،ظل باريتو إلى حد ما مخلصا لمثله القديمة،
1
ولكنه عزى عدم تحقيقها إلى فشل السياسات الديمقراطية.
بدأ "باريتو" تنظيره القوي حول النخبة في كتابه " "traité de la sociologie généraleحيث حاول دراسة العالقة التي تربط
السلطة السياسية بالمجتمع من خالل البحث في مميزات النخبة وتقسيماتها المختلفة على كل المستويات (نخبة حاكمة وأخرى غير
حاكمة) ،وفي هذا يقول " :بالنسبة للدراسة التي نقوم بها ،وهي دراسة التوازن االجتماعي ،من المستحسن أيضا تقسيم هذه الطبقة إلى
اثنتين .نضع على حدى هؤالء الذين يمثلون ،مباشرة أو غير مباشرة ،دورا بارزا في الحكومة؛ فهم يشكلون النخبة الحكومية والباقون
- 1جون سكوت :خمسون عالما اجتماعيا أساسيا ،ترجمة :رشا جمال ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية سنة 3102م ،ص.95:
املجلد / 7الع ــدد ،)2023( 52 :ص 517-430 مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية
يشكلون النخبة غير الحكومية...وتكون لدينا -إذا -فئتان من السكان ،األولى :وهي الفئة الدنيا ،أو الطبقة الغريبة عن النخبة ،ولن
نبحث حاليا التأثير الذي يمكن أن تمارسه في الحكومة؛ الثانية :وهي الفئة العليا ،أو النخبة التي تقسم إلى قسمين :أ -النخبة الحكومية؛
ب-النخبة غير الحكومية" 1.هذا يعني أن المجتمع في تصور "باريتو" يتكون من فئتين :فئة دنيا محرومة ومستغلة ،و أخرى عليا هي
النخبة التي تسيطر على مقاليد الحكم ،وتنقسم بدورها إلى قسمين :نخبة حاكمة ( )l'élite gouvernementaleونخبة غير
حاكمة (.)l'élite non-gouvernementale
في هذا الشأن ،يرى "باريتو" أن النخبة التي تمتلك المؤهالت و اإلمكانات لقيادة المجتمع تعتبر بديال حقيقيا لضمان التوازن العام في
الدولة ،يأتي هذا التصور في سياق معارضته للنظرة الماركسية التي تنتقص من دور النخب و تولي األهمية البالغة إلى الطبقة الدنيا التي
لها األحقية في امتالك السلطة .و عليه ،فإن النخبة عند "باريتو" تحل محل الصراع الطبقي في مسار تداولي على السلطة تحقيقا
لمجتمع متوازن و متضامن.
و في سياق نفس المدرسة ،اهتم "غايتانو موسكا" (0590-0191( )Gaetano Moscaم) بدراسة النخبة ،والسيما النخبة
السياسية ،من خالل مجموعة من الدراسات و الكتب من بينها (نظريات الحكومات والحكومات البرلمانية) سنة 0119م ،و(عناصر
العلوم السياسية) سنة 0151م ،و(تاريخ النظريات السياسية) سنة 0521م .حيث سعى إلى صياغة نظرية حول المجتمع السياسي
انطالقا من كون المجتمعات تسيطر عليها فئة أو طبقة أو أقلية تسمى بالنخبة السياسية أو الطبقة السياسية (.)la classe politique
يعرف " غايتانو موسكا" النخبة بأنها تلك الفئة التي تعتلي هرم السلطة نتيجة تمتعها بقدرات تنظيمية ومميزات هائلة ،فهو بذلك يميز
بين النخبة والجماهير ،باعتبار الفئة األولى تكون غالبا قليلة العدد تمتلك حس تنظيمي كبير يؤهلها للسيادة على فئة الجماهير ،وعليه
فهو يرى أن " من بين الحقائق والميول الدائمة التي يمكن أن توجد في كل بنية سياسية ،ظاهرة بينة إلى درجة أنها واضحة ألقل العيون
تدقيقا .وهي أن في كل المجتمعات ...تنشأ طبقتان من الناس؛ طبقة حاكمة وطبقة محكومة ،فالطبقة الحاكمة هي دائما أقل هاتين
الطبقتين عددا ،وهي التي تقوم بكل الوظائف السياسية وتحتكر السلطة ،كما تتمتع بالفوائد التي تكون حصيلة تلك السلطة .بينما
الثانية ،وهي األكثر عددا ،تسيرها الطبقة األولى ،وتدير شؤونها بطريقة توصف حينا بالشرعية ،وحينا آخر بالالشرعية ،حين تفرط في
2
استعمال القوة والضعف والقهر واإلقصاء عبر الضغط والتزوير".
يع ّد " كارل مانهايم " ( )0591-0152من أبرز المفكرين األلمان الذين تطرقوا إلى مسألة النخب في معرض دراساتهم حول المثقفين،
فهو يشير في كتابيه ( اإلنسان والمجتمع في عصر يعاد بناؤه ) ( )0529و( تشريح زماننا) ( )0591إلى تجدد النخب في
1
- Vilfredo Pareto: Traité de sociologie générale (éd. originale en italien Florence,1916.Trad .Franç .Payot, Lausanne,
Paris )1917-1919). p:1304.
- 2توم بوتومور :النخبة والمجتمع ،ترجمة :جورج جحا ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية سنة 0511م ،ص.1:
آليات تشكّل النخب وتجدّدها :براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق
حربوش بوبكر
السياسي المغربي
المجتمعات الديمقراطية بشكل يمنح الجمهور فرصة للتحرك ضد الحكام وحملهم على تلبية احتياجاتهم ،وعليه فالذي يتغير في سياق
الديمقراطية على األخص هو المسافة الفاصلة بين النخبة والجمهور.
كما ساهم " روبرت ميتشيلز " ( )0521- 0111في محاولة تفكيك مسألة النخب من خالل البحث في عالقتها باألنظمة السياسية
و خاصة الديمقراطية منها ،وقد تضمن كتابه حول(األحزاب السياسية) 1الذي صدر سنة 0500فكرته المحورية حول القانون الحديدي
لألوليغارشية .و" مفاده أن القائد الذي يحصل على السلطة السياسية ،ويعتاد على ممارستها ،يصعب عليه التخلي عنها ،فيستخدم
بذلك السلطة من أجل البقاء واالستمرار فيها ،2".ففي نظر " ميشالز" تتجذر األوليغارشية داخل المنظمات و األحزاب إذ تتمكن
مجموعة صغيرة مؤهلة من ناحية التخطيط و اإلشراف و التوجيه من فرض آرائها و مواقفها والسيطرة على مقاليد ،مستفيدة من مزايا و
امتيازات الحزب و ثرواته ،و بهذا يتحول الحزب من هيئة منفتحة إلى كيان تنظيمي مغلق " كما أكد على أن القانون الحديد لألوليغارشية
قانون عام ،ال يسري على األحزاب فقط ،بل يهم كل المنظمات بما فيها الدولة ،لذلك الديمقراطية مستحيلة ،إذ داخل كل نظام
ديمقراطي ،توجد أوليغارشية.3".
يعد "شارل رايت ميلز" (0513-0501م) من أهم السوسيولوجيين األمريكيين ،فقد كرس اهتماماته كلها لدراسة النخبة في الواليات
المتحدة األمريكية .وطور نظرياته السياسية واالجتماعية حول النخبة في كتابيه (نخبة السلطة ) 4سنة 0591م ،و(الطوق األبيض) سنة
0590م ،و يرى " ميلز " أن تفسير التاريخ يبنى على ضوء مصالح الفئة الحاكمة ،مستندا في ذلك على رؤية"موسكا" في كون األقلية
هي التي تستحوذ غالبا على الحكم في المجتمع.
يستند مفهوم النخبة عنده إلى "وسائل القوة" التي تمنحها المشروعية في توجيه السياسة وإصدار القرارات وتحقيق التوازن االجتماعي
بين مختلف الشرائح ،وفي هذا يقول " :يمكننا أن نعرف نخبة السلطة استنادا إلى وسائل القوة ،تماما كما هو األمر ،بالنسبة لمن
يحتلون مراكز القيادة ".5
من هنا يتبين أن النخبة عند " ويلز" هي مجموعة من األفراد يمتلكون السلطة ،ويحتلون أعلى المناصب في المؤسسات السياسية،
والعسكرية ،واالقتصادية .ويعني هذا أن النخبة مقتصرة على ثالثة مجاالت مهمة هي :المجاالت السياسية ،واالقتصادية ،والعسكرية.
1
- Robert Michels: Les partis politiques; essai sur les tendances oligarchiques des démocraties; traduit par S. Jankélévitch,
Published [c1914] Topics Political parties, Democracy.
- 2محمد الرضواني :مدخل إلى علم السياسة ،سلسلة بدائل قانونية وسياسية ،رقم ،2الطبعة األولى سنة 3109م ، ،ص.59:
- 3محمد الرضواني :المرجع السابق ،ص.51:
4
- Wright Mills: The Power Elite (L'Élite du pouvoir). Traduction en français chez Agone en 2012 sous le titre L'élite au
pouvoir.1956.
- 5توم بوتمور :المرجع السابق ،ص.22:
املجلد / 7الع ــدد ،)2023( 52 :ص 517-430 مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية
يختلف النظام السياسي المغربي عن باقي األنظمة السياسية العالمية من حيث طبيعة نسقه العقدي ومن حيث بنية السلطة ضمنه ،فهو
يراكم بين محددات ثالث تتجسد في تجارب الفكر الدستوري الغربي والقانون العام اإلسالمي وكذا التقاليد البربرية في الحكم .1وانطالقا
من تأكيد الدستور المغربي على أن نظام الحكم بالمغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية ،فهذا يدفعنا إلى محاولة تحليل
ورصد مختلف الخصائص التي تميز الملكية الدستورية.
يجمع الكثير من الباحثين حول النظام السياسي المغربي على اعتبار المؤسسة الملكية هي قطب رحى هذا النظام ،إذ تستمد هذه
المكانة باالعتماد أساسا على المقومات التاريخية والدينية من ناحية ،وباالستناد الى واقع موازين القوى الذي م ّكن هذه المؤسسة من
احتكار حقيقة السلطة 2.فقد جاء في الدستور المغربي على أن السيادة لألمة وللملك الحق في ممارسة السلطة باعتباره الممثل األعلى
لألمة وباعتباره ملك المغرب يسود ويحكم خالفا لما هو الحال في الملكيات الدستورية الغربية حيث أن الملك يسود وال يحكم.
تستحضر المؤسسة الملكية لجوانب مستمدة من الثقافة السياسية (الدين و التاريخ) لتحديد مكانتها الدستورية ،فهي غالبا ما توظف
الدالالت الدينية في خطاباتها السياسية لتأكيد عراقتها السياسية الدستورية ،كما جاء في خطاب الملك الحسن الثاني"أن أمر الحكم
في المغرب يتصل برابطة بين الملك وشعبه والتي تبقى أكبر عامل في صنع تاريخنا المديد ،فهي التي كفلت استمرار المغرب طيلة قرون
تحت سلطة أسالفنا المقدسين كدولة لها كيان محفوظ وحوزة منيعة ومقومات محترمة" ،3انطالقا منه ،فقد جاء الدستور المغربي موائما
للشأن المغربي (تقاليد و عرف و مزاج) ،إذ يمزج بين األعراف و التقاليد البربرية و األعراف السلطانية وبين أخرى خالفية ،هذه العوامل
أعطت للدستور المغربي خصوصية تميزه عن الدساتير الغربية و توضح كيفية إدارة الشأن السياسي المحلي.
تحتل المؤسسة الملكية موقعا مهيمنا في الهرم الدستوري ،مواجهة في ذلك باقي مكونات الحقل السياسي عبر حرصها على إبراز مصدر
وجودها بناء على نظرية الحق اإللهي التي تجعل من السلطة مسألة توقيفية ال يمكن تفويتها وال تفويضها ،4فعندما تتحدث الملكية عن
نفسها لم تتردد في تأكيد حتمية ارتباط مصير المغرب بالمؤسسة و هو ما عبر عنه تكرارا العاهل المغربي الحسن الثاني " لوال ملكية
شعبية لما كان المغرب أبدا" ،5كما أعطت مختلف الدساتير المغربية للمؤسسة الملكية سموا يجعل من الملك مرجعا ومحورا وحكما
وحاميا وضامنا وموجها ،و في هذا اإلطار يصرح الملك " قلت وكررت والزلت أكرر أنه بالنسبة لعبد الله الضعيف ،خادم المغرب األول،
عبد ربه ،بالنسبة لي ليس هناك فصل في السلطة ،أنا أب الجميع ،أب المشرع وأب المنفذ".6
-1محمد ضريف :النسق السياسي المغربي المعاصر ،مقاربة سوسيو-سياسية ،منشورات المجلة المغربية لعلم االجتماع السياسي ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،أبريل ،0552ص.01
-2ركز "ميشيل كامو "Michel Camuعلى الهيمنة السياسية للعرش ضمن النظام السياسي المغربي ،بينما طابق " جون واتربوري "John Waterburبين النظام السياسي المغربي و
المؤسسة الملكية .أما "ريمي لوفو "Remy Leveauفقد أ ّكد على الدور المحوري الذي تمثله المؤسسة الملكية في النظام المغربي.
-3خطاب العرش 2 :مارس .0512
-4خطاب الحسن الثاني 30 :فبراير . 0513
-5الحسن الثاني :التحدي ،المطبعة الملكية ،الطبعة الثانية ،0512 ،ص .329
-6خطاب ملكي ،ألقي أمام أعضاء مجلس النواب بتاريخ 5أكتوبر 0511
آليات تشكّل النخب وتجدّدها :براديغم المعرفة والفعل ضمن النسق
حربوش بوبكر
السياسي المغربي
لقد تجسدت مكانة المؤسسة الملكية من جهة ،من خالل الفصل األول من دستور 3100الذي ينص على أن نظام الحكم بالمملكة
المغربية نظام ملكية دستورية ،ديمقراطية برلمانية واجتماعية .ثم من خالل الصالحيات التي يمارسها الملك كأمير المؤمنين (الفصل
)90كحامي حمى الملة والدين ،والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية ،يتمتع بصالحيات دينية حصرية ،وكرئيس الدولة (الفصل )93
وممثلها األسمى ،ورمز وحدة األمة ،وضامن دوام الدولة واستمرارها .والحكم األسمى بين مؤسساتها من جهة أخرى ،وبذلك يتجلى
نظام الحكم في المغرب ملكيا شكال ومضمونا ،إذ أن الملكية تسود وتحكم.1
ورغم المراجعات الدستورية األساسية التي شهدها المغرب لسنوات 0511و 0513و 0553و 0551و ،3100إال أن الملكية
ظلت محافظة على مركزيتها في الهرم الدستوري اذ لم تكن سلطتها محل نقاش أو موضع تقليص فعلي.
تستمد المؤسسة الملكية شرعيتها من تاريخها العريق وبعدها الديني والروحي المتمثل في إمارة المؤمنين ،حيث تملك السلطة الدينية
وما لها من دالالت رمزية ارتباطا بالتراث اإلسالمي "خليفة الله في األرض".
تتجلى الشرعية الدينية من خالل تأدية البيعة للخليفة و تحميله لقب أمير المؤمنين ،لما تكتسيه –البيعة -من عمق ديني ،تستوجب
الطاعة لإلمام و تحويله إلى فاعل لما يريد ألنه أضحت تحـوف به هالة من القدسية المستمدة من غطاء الشرعية الدينية ،تفعيال لقول
الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و الرسول و أولي األمر منكم﴾(سورة النساء اآلية .)95
تتجدد هذه البيعة كل سنة في مشهد طقوسي لتأكيد شرعية السلطان الدينية ولرفع مقامه فوق كل االعتبارات " تربط البيعة بصورة دائمة
الشعب بالملك ،و تنزه هذا األخير على الصراعات والتحزبات التي يمكن أن تعرفها األمة /الجماعة ،وترفع مكانته فوق األغراض
الخاصة" ،2أما الشيء المميز للبيعة فهو صيغة اإلجماع ،إجماع المسلمين على الوالء والطاعة للملك ،فمهما بلغت درجة االختالالت
والخالفات ،لن ترقى لدرجة التراجع عن البيعة و قدسيتها.
في نفس السياق ،تبرز مؤسسة "الزوايا" و ظاهرة "الشرفاء" إلى جانب المؤسسة الملكية كمحدد أساسي في الشأن السياسي و الثقافي
الملك إلى استنفاذ كل الطرق في سبيل احتوائها أو اضطهادها أو خلق نقيض لها " ،و قداختفت اللدنية
الديني ،األمر الذي دفع بدار ُ
الشريفة شيئا ما ،بين 0159و 0531لصالح حركات أخرى ،وتنازع هذه الحركات معروف :مقاومة زعماء القبائل أو الزعماء الدينيين
(المنحدرين من سالالت شريفة أو غير المنحدرين منها) ومؤسسات يتزعمها (أصحاب كرامات و خوارق) ومعارك بين قبائل رفضت
الوالء وقبائل تمسكت به ،ثم الكفاح الوطني الذي يمنح ديناميته من اإليمان".1
لقد أكسبت الحركة الوطنية الشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية ،إذ لم تأل جهدا في الدفاع عن العرش و في جعل االستقالل مشروطا
بعودة الملك من منفاه ،و هذا ما يجعل المغرب " البلد الوحيد -تقريبا -من بين بلدان العالم الثالث الذي لم تتسلم فيه الحركة الوطنية
التي حقق ت االستقالل الحكم ،أعني السلطة ،بل لقد تسلمها ملك البالد بتفويض من الحركة الوطنية تلك ،بجناحيها السياسي
والعسكري" ،2انطالقا من هذه الشرعية التاريخية يستمد الملك قوته و مكانته الرفيعة و يحظى باإلجماع يجعل منه المالذ للمتخاصمين
والحكم عند حدوث النزاعات ،فهو كذات حاكمة يحل محل أي مؤسسة أخرى بما في ذلك القضاء.
مر بها المغرب (الحماية الفرنسية ،االحتجاج على الظهير البربري سنة )0521في تقوية اللحمة بين لقد ساهمت األحداث التي ّ
العرش و الحركة الوطنية " اللحظات األولى من الكفاح وأيام االستقالل ،الذي ناله المغرب بعد ربع قرن تقريبا ،نما التعاون بين القصر
وزعماء الوطنية الجديدة ،وبفضل هذا التعاون أعيد توطيد فكرة الملك بصفته رمزا لوحدة األمة" ،3حيث جعلت الحركة الوطنية عودة
ملك البالد الراحل محمد الخامس من أولويات وثيقة المطالبة باالستقالل ،بينما لم ير المستعمر الفرنسي أي خطر من شأنه تهديد
مطامع فرنسا بالمنطقة لهذا " تم اإلبقاء على السلطان بجميع المظاهر الخارجية واألبهة التقليدية المغربية للسيادة الدينية والسياسية،
فاحتفظ بقصوره وبعدد كبير من الموظفين التابعين له وحده وبحرسه األسود تحت إمرة الضباط الفرنسيين ،كما ظل خليفة وأميرا للمؤمنين
وبأمره كانت تسن القوانين والظهائر وتصدر األحكام القضائية" .4هكذا ظل الملك "يسود وال يحكم" إلى غاية 0599حيث سيتقوى
الشعور الوطني وما تال ذلك من التفاف حول شخص الملك ولبوسه الصفة التاريخية كأب لألمة ومحرر للبالد.
نص الدستور المغربي لسنة 3100على تطبيق نظام ملكي برلماني يحكم فيه الملك ،ويقوم على ثالث سلطات تتمثل األولى في
السلطة التنفيذية المكونة من المؤسسة الملكية والحكومة والمؤسسة التشريعية المتكونة من غرفتين مجلس النواب ومجلس المستشارين
إلى جانب السلطة القضائية.
أ -السلطة التنفيذية:
يعتبر تعيين الوزير األول و أعضاء الحكومة حقا دستوريا ملكيا ،فالحكومة تحت وصاية الملك و ال يمكن االنفالت منها ،إضافة إلى
انه ليست للوزير األول أيه سلطة على باقي الوزراء الذين هم مسؤولين أمام الملك و مطالبين بتحقيق التوجهات الملكية ،فالملك هو
الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية ،إذ يمكنه إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارة رئيس الحكومة ،أما إذا
تعلق األمر باستقالة رئيس الحكومة فإن اإلعفاء يشمل الحكومة بكاملها من طرف الملك ،1كما يعتبر الملك طبقا للفصل 92من
الدستور القائد األعلى للقوات المسلحة الملكية ،وله حق التعيين في الوظائف العسكرية ،كما يمكنه أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق،
وباعتباره القائد األعلى للقوات المسلحة الملكية يترأس الملك المجلس األعلى لألمن الذي يمكن أن يفوض لرئيس الحكومة رئاسة هذا
المجلس ،على أساس جدول أعمال محددة ،2ويقوم بتعيين السفراء ،وممثلو المنظمات الدولية ،ويوقع على المعاهدات ويصادق
عليها.3
كما يملك الملك سلطات واسعة في التعيين في الوظائف المدنية ،بحيث يعين عشر ( )01شخصيات في مجلس الوصاية بمحض
اختياره ،4إضافة إلى التعيينات التي يتم التداول بشأنها بالمجلس الوزاري ،وانطالقا من الفصالن 95و 50من الدستور واعتمادا على
المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي ،5يحتفظ الملك بحق التعيين فيما يخص المؤسسات والمقاوالت العمومية اإلستراتيجية.
ب -السلطة التشريعية:
تتألف السلطة التشريعية من مجلسين ،مجلس النواب المغربي يتشكل من 325عضو ينتخبون لمدة خمس سنوات ،و مجلس
المستشارين المغربي الذي يتشكل من 270عضو ينتخبون لمدة تسع سنوات ،تنتخبهم المجالس المحلية ( 013مقعدا) ،والغرف
المهنية ( 50مقعدا) والغرف التجارية ( 31مقعدا).6
تعتبر الهيئة التشريعية مقيدة و محدودة من الناحية الدستورية في مجال مراقبة العمل الحكومي ،إذ يمنع الدستور البرلمان من تشكيل
لجان التحقيق الدائمة إال بطلب أغلبية األعضاء ،كما ال يستطيع البرلمان خالفا لما هو سائد في النظم الديمقراطية تنصيب الحكومة،
فالدستور يكرس أولوية الملك التشريعية باعتباره مشرعا أعظما ،7تتجسد في كونه يصدر األمر بتنفيذ القانون خالل الثالثين يوما الموالية
إلحالته إلى الحكومة بعد الموافقة عليه ،8ويفتتح الدورة التشريعية في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر ، 9ويمكنه أن يطلب من كال
مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون ،وتطلب هذه القراءة بخطاب ،وال يمكن أن ترفض هذه القراءة
الجديدة ،1وللملك أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما ،يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى األمة ، 2كما للملك أن
يخاطب األمة والبرلمان ،ويتلي خطابه أمام كال المجلسين ،وال يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما.3
يعتبر الملك الضامن الستقالل السلطة القضائية كما جاء في الفصل ،011وبالتالي فقد عزز هذا االستقالل بالضمانة الملكية ،4كما
يترأس الملك المجلس األعلى للسلطة القضائية ، 5الذي يتألف من 31عضوا من بينهم خمس شخصيات يعينها جاللة الملك مشهود
لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة ،والعطاء المتميز في سبيل استقالل القضاء وسيادة القانون ،إضافة إلى ذلك يمارس الملك حق العفو كما
جاء في الفصل 91من الدستور المغربي ،ويوافق الملك بظهير على تعيين القضاة باقتراح من المجلس األعلى للسلطة القضائية ، 6كما
يوافق بظهير كذلك على تعيين المسؤولين القضائيين لمختلف محاكم االستئناف ومحاكم أول درجة طبقا للمادة 11من القانون المنظم
للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،مع حقه في تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية ،وكذا رئيسها ،7كما أن األحكام القضائية
تصدر وتنفذ باسمه وطبقا للقانون.8
تساهم النخبة في كل مجتمع من المجتمعات اإلنسانية -مع اختالفها – على تفسير و فهم السلطة السياسية داخل الدولة ،فداخل أي
مجتمع نجد قلة نطلق عليها الصفوة أو النخبة ،هيأتها الظروف واألسباب واإلمكانات لتتصدر الحياة االجتماعية أو السياسية أو
االقتصادية أو العسكرية أو الفكرية.
ساهمت الكثير من األسس في مرحلة ما قبل الحماية الفرنسية في تشكيل نخب متميزة في مختلف المجاالت والقطاعات :نخبة
الشرفاء واألعيان ،ونخبة العلماء ،ونخبة المحتسبين ،ونخبة المحميين من قبل االستعمار ،ونخبة األولياء واألقطاب والصلحاء ،ونخبة
الفقهاء والمفتين ،ونخبة شيوخ الزوايا ،ونخبة قواد الجيش ،ونخبة قواد القبائل ،ونخبة الوزراء ،ونخبة الكتاب ،ونخبة األمناء ،ونخبة كبار
المخزن ،ونخبة كبار التجار وأرباب الحرف...9
و لقد ظلت النخبة في تلك الفترة –حسب رأي الكثير من الدارسين -مكونة من عنصرين أساسيين (المخزن و الخاصة) ،أما المخزن
فيتكون من نخبة منتقاة من قبائل تربطها عالقة وطيدة مع أمير المؤمنين ،و الخاصة تتشكل أساسا من األعيان و الشرفاء و العلماء و
شيوخ الزوايا.1
أما في فترة الحماية الفرنسية على المغرب ما بين 0591-0503م ،فقد عمدت اإلدارة الفرنسية إلى تهميش إدارة المخزن بحيث
أصبح الوزراء مجرد موظفين يوقعون بين الفينة واألخرى على قرارات اإلدارة الفرنسية ،ومن ّثم تراجع أدوار الخاصة من علماء وشرفاء
وشيوخ زوايا بعد إدخال اإلصالحات الحديثة ،وتوجه الدولة نحو اقتصاد رأسمالي عقالني .وقد ساهم هذا التطور في ظهور نخب
جديدة منها الموالية للمستعمر (نخبة اليهود ،ونخبة األعيان المغاربة ،والنخبة األرستقراطية المغربية المتفرنسة ،ونخبة القواد
والباشوات ،)...واألخرى مقاومة ومناوئة له (نخبة المقاومين الكبار ونخبة الحركة الوطنية ،ونخبة المثقفين والمبدعين ،ونخبة جيش
التحرير ،والنخبة المقربة من القصر.)...
وفي ظل هذه الظروف ،تشبعت النخبة المقاومة والمناوئة بالروح الوطنية في سياق مواجهتها المستعمر ،كما تعززت الحركة الوطنية
بمجموعة من الشباب الذين واصلوا تعليمهم في المدارس الحديثة في فرنسا أو في دول الشرق األوسط ،األمر الذي أسهم في تعزيز
الوعي بتحديث العمل السياسي وباعتماد أساليب ديمقراطية في تسيير الشأن السياسي .لقد عرف المغرب بعد استقالله تطورا ملحوظا
في نخبته من حيث الكم والكيف ،إذ ارتفع عدد موظفي الدولة ،وتعززت النخبة بفئات ثقافية واقتصادية جديدة .األمر الذي أدى إلى
بروز صنفين من النخب تقليدية ومعاصرة عكست الطابع المزدوج للمجتمع المغربي ،األولى :تقليدية حاولت االستمرار والمحافظة على
خصائصها رغم التطورات السياسية واالجتماعية والثقافية المتالحقة ،والثانية :حديثة استفادت من هذه التحوالت وبرزت في العقود
األخيرة ،مما تمخض عنه نوع من الصراع والتنافس بين مختلف الفاعلين السياسيين.
تعتبر النخبة السياسية فئة من فئات المجتمع التي تنتظم في إطار نظام سياسي وتمارس نمطا من أنماط العالقة السلطوية بين الحاكم
مر التاريخ أن الحاكم يلجأ دائما إلى االستعانة بمجموعة من األفراد لممارسة سلطته على باقي
والمحكوم ،فلقد أثبتت التجارب على ّ
مكونات الدولة التي يحكمها .األمر الذي سمح للنخبة بالمشاركة بفاعلية أكثر من غيرها من طبقات المجتمع في تسيير الشأن السياسي
انطالقا مما تمتلكه من مميزات مقارنة بغيرها من طبقات المجتمع.
في هذا الصدد عمل " جون واتربوري " على وضع نمذجة شكلية لنخب المغرب من خالل تبنيه لمصطلح النخبة السياسية " لقد
تبنيت مصطلح (النخبة السياسية) في هذا الكتاب نظرا لثرائه ،رغم أن علماء السياسة لم يتفقوا بعد على تعريف مقبول شامل له
ومع ذلك يتضمن هذا المصطلح بعض الدالالت التي تعود على الجميع وأعني هنا (األقليات اإلستراتيجية) التي يتحدث عنها " ريمون
-1جون واتربوري :أمير المؤمنين ،الملكية و النخبة السياسية المغربية ،ترجمة :عبد الغني أبو العزم ،عبد األحد السبتي ،عبد اللطيف الفلق ،الرباط ،مؤسسة الغني ،3109 ،ص .91-91
املجلد / 7الع ــدد ،)2023( 52 :ص 517-430 مجلة هيرودوت للعلوم اإلنسانية واالجتماعية
أرون " حيث يرى أنها توجد في مواقع إستراتيجية من المجتمع وتتحكم في السلطة ليس فقط داخل مجالها الخاص ،بل وكذلك
في مجال الشؤون العامة ويبدو لي أن النخبة السياسية المغربية عبارة عن مجموعة من هذا النوع من األقليات اإلستراتيجية وسوف
أستعمل مصطلح النخبة السياسية هنا لتعيين تلك الفئة من المغاربة الذين يستطيعون ألسباب مختلفة ،أن يؤثروا في سلطة القرار على
المستوى الوطني كما في مقدورهم التدخل في عملية توزيع منافع الدولة وفرض مطالبهم وقد يرتبط نفوذهم هذا بشبكات األتباع واألصدقاء
ذوي المناصب العليا ،وتضم هذه الشبكات كال من األحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الطالبية والمصالح الخاصة واألسر الكبرى
والقبائل والضباط والعلماء والشرفاء وغالبا ما يكون قادتها من الموظفين السامين في الحكومة أو وزراء ،وقد تتجاوز النخبة السلطة
الحكومية ألنها تشمل المعارضة كذلك وجل أعضائها من المثقفين أو األثرياء أو هما معا من أجل االنضمام إلى النخبة ومع ذلك
ليست الثروة والثقافة بالمقاييس الوحيدة ألن التعيين هو الذي يحدد طريقة الوصول إليها".1
بغض النظر عن الصعوبات التي تواجهنا في الحديث عن النخب بالمعنى المتعارف عليه في المغرب ،بحكم تواجد حكم مطلق متحالف
مع األعيان الذين يختلفون عن النخب في المرجعية والبنية والوظائف ،إال أننا يمكن تصنيف النخبة بالمملكة المغربية إلى (البؤرة
واألطراف) ،ويعنى بالبؤرة النخب األكثر تأثيرا وقربا من مصادر القرار والتي تستند غالبا إلى انتمائها إلى األعيان التقليديين وإلى وشائج
2
النسب والمصاهرة ،بينما تقتصر وظيفة األطراف على تأثيث المشهد والتأثير الظرفي في الشأن العام.
يعتبر التعيين في المناصب اإلدارية العليا والوزارية أحد أهم السبل التي تسمح باالنخراط في فضاء النخبة السياسية في المغرب ،ولتحقيق
ذلك يتطلب استحضار مجموعة من األدوات االجتماعية وحيازة عدد من الرساميل المفتوحة المرتبطة أساسا بـ:
اعتبر " جون واتربوري " في معرض بحثه عن أسرار الوصول إلى السلطة في المغرب أن "المخزن والمال واألصل النبيل" هي مفاتيح
الوصول إلى السلطة في المغرب " ينبغي أن نتصور أتباع الملك كمجموعة متوافقة نسبيا من العصب و األفراد المرتبطين به ارتباطا
شخصيا ،في نسق النعم و المنن ،يمكن نعته –و معنا بعض الحق -بالنسق اإلقطاعي الجديد ،إذ تع ّد عالقات الملك بأتباعه في
جوهرها عالقات تبعية ،3"..كما تستخدم العائالت العريقة المغربية كل السبل للحفاظ على مكانتها في النسق السياسي ،و في هذا
الشأن يؤكد واتربوري " أصبحت البورجوازية الفاسية بما تملكه من حذر و تبصر ،ماهرة جدا في اللعب على جميع الواجهات .لقد
استعملت جميع الوسائل للحفاظ على ثروتها من تعليم أبنائها وزواج المنفعة ،أو استراتيجية االنتماء السياسي ،إلى جانب دهائها الطبيعي
4
ومهارتها التجارية".
عملت العائلة المغربية على الجمع بين األصل النبيل و الكفاءة العلمية و التقنية في سبيل تواصلها واتصالها بالنخبة الملكية "كم هم
المغاربة الذين شعروا منذ البداية بأن الفشل يداهمهم ،ألن مؤهالتهم وكفاءاتهم أصبحت غير مالئمة مع الوضع الجديد ،و بذلك بعثوا
1
بأبنائهم للتكوين حسب مناهج العالم الغربي"..
سعت األسر المغربية من أجل تمكين أفرادها للوصول إلى مراكز القرار إلى ربط عالقات مصاهرة و نسب مع كل من له صلة بالمخزن
" لقد سعت األسر التي ليست لديها شهرة أو ثروة ،و ال تحتل أي منصب داخل اإلدارة إلى ربط عالقات قرابة مع األسر المحظوظة
بطبيعة الحال ،2"..فالمصاهرات تكتيك نخبوي قديم ال يزال رائجا في المغرب للمحافظة على ثروة األسرة ونقاوة دم الساللة ،كما أنه
طريقة معتمدة داخل البرجوازية التجارية لتدعيم الثروة " يدخل الزواج داخل األسر البورجوازية في سياق األغراض ذاتها التي كانت تهدف
إليها الدراسات العصرية للشباب ،أي المحافظة على ثروة األسرة" ، 3أما األوليغارشية الحاكمة فتوظف األمر لتوطيد وراثة الوظائف
الكبيرة داخل الدولة .من جانب آخر تتجنب العائالت الشريفة في المغرب الزواج المختلط ،إنهم يرفضون نسب غير الشرفاء "لكن ال
يتردد بعضهم (الشرفاء) سعيا وراء استرجاع أمجادهم في بيع لقبهم ومصاهرة عائالت غير شريفة".4
صنف الدستور المغربي الملك كرأس الهرم السياسي و الديني بالمملكة المغربية فهو " أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن و الدين" ،إذ
يعتبر الدين من ناحية المرجع الرئيسي في التأسيس لشرعية المؤسسة الملكية و من ناحية أخرى كملجأ للمؤسسات السياسية لتأكيد
انخراطها في النسق العام للدولة "اللقب في المغرب هو ثروة ورأسمال يحافظ عليه "الشرفاء" (أحفاد الرسول) فهو موروث وال يمكن أن
5
يضيع ،وطالما ظلت روح دينية تسود المغرب يحظى الشريف بنوع من االعتبار و التأثير"
أحاط الملك نفسه بشبكة من األتباع ذوو التوجه الديني و االنتماء العضوي للزوايا الصوفية التي تضفي الشرعية الدينية عليه كل سنة
خالل مراسيم البيعة ،ومن هنا يعد المدخل الديني للنخبة من أهم طرق الولوج إلى عالم المربع الملكي المخزني " و من جانب آخر
يريد النظام الملكي – ولو بنوع من الفتور -أن يحافظ كذلك على سمعة و جاه الشرفاء و األولياء .و ينتمي هؤالء إلى ما يمكن تسميته
6
بـ "العائلة المقدسة" و يشكلون إحدى شبكات األتباع التي يحرك خيوطها الملك".
تعيش األحزاب السياسية المغربية أزمة حقيقية على مستوى تسيير شؤونها الداخلية ووظائفها االجتماعية والسياسية ،فمراكز القرار داخل
الهياكل الرئيسية للحزب هي أكثر مناعة اتجاه عمليات االختراق ،حيث يفرض أسلوب التزكية والتعيين الذي تمارسه السلطة بقوة،
ويسود منطق الوراثة في بناء الشرعية السياسية ،بالشكل الذي يكرس "شخصنة" هذه الهيئات عوض مأسستها ويحول دون تجددها،1
فكثير من التعابير المتداولة في هذا الشأن تقول بحزب فالن وأن ارتباط المجتمع بالشخص وليس بمشروع الحزب واألفكار التي يدعو
إليها.
لقد ظلت األحزاب المغربية تنهل من الخلفية التقليدية في التعامل مع مناضليها وترقية أطرها ،فاألحزاب السياسية كانت تتمثل "الزوايا"
المكونة من "المريدين" الذين يتداولون "أذكار" شيخهم و"أدعية" خلفائه ومقدميه ،2وهذا ما يفسر ظاهرة تقديس المناضلين لزعمائهم
من السياسيين .فاعتبارا منه ،أصبحت تمثل التضحيات والتحالفات مطية للوصول إلى أعلى الهرم الحزبي الذي يفتح الطريق مباشرة نحو
إمكانيات االستوزار وصنع القرار.
.4خاتمة:
تنطوي دراسة النخبة في أي مجتمع على أهمية كبرى باعتبارها تؤثر تأثيرا كبيرا في صناعة تاريخ المجتمعات وتحديد مسارها ،وبفعل
احتكارها ألهم المراكز السياسية واالقتصادية واالجتماعية فهي تلعب أدوارا رئيسية داخل النسق السياسي والثقافي وتملك سلطات على
مستوى اتخاذ القرار والتأثير في صياغتها.
وعلى الرغم من ارتباط نظرية النخبة السياسية بالمفهوم الغربي ومقوماته ،سواء في أبعاده التاريخية الماركسية أو الديمقراطية ،يمكن
التأكيد على إمكانية مقاربة مفهوم النخبة بالمغرب سواء من الناحية المعرفية أو من ناحية تمثالتها الفعلية داخل النسق السياسي ،وذلك
انطالقا من استحضار طبيعة نظام الملك الذي يتجدد ويتكيف مع الواقع ،مع المحافظة على فلسفته المشبعة بالموروث الثقافي والديني،
وعالقة هذه المؤسسة الفاعلة بالنخبة السياسية المغربية ،ومنه خلصنا إلى النتائج التالية:
-تأصل رسوخ الملكية في تاريخ الحكم السياسي بالمغرب وصمودها راجع إلى الثقافة التقليدية المستوحاة من القيم الدينية
السائدة ومكانة الملك كأمير للمؤمنين.
-اإلجماع على تقبل الدور المحوري للملك عبر احتكاره لمختلف السلطات الدينية والمدنية.
-الولوج إلى عالم النخبة السياسية بالمغرب مرهون باكتساب مجموعة من الرساميل :األصل النبيل واإلمكانيات المالية ،باإلضافة
إلى ربط عالقات مصاهرة مع كل من له عالقة بالمخزن ،واالنتماء العضوي إلى الزوايا الصوفية.
-1يونس برادة :الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب :قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية ،مقال استخرج من الموقع:
،http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=68554اطلع عليه بتاريخ.3130/00/01 :
-2عبد الله حمودي :المرجع السابق ،ص .019