Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 15

‫تحليل رواية اللص والكالب‬

‫تمهيد‬
‫يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا وتأصيال وقد‬
‫تميز نجيب محفوظ عن غيره من الروائيين بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في‬
‫إطار رؤى فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة عبر امتداد تاريخ السالالت المالكة‬
‫للسلطة والحكومات المتعاقبة‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن تاريخ مصر‪ ،‬كما كان عبد الكريم‬
‫غالب ناطق التاريخ المغربي‪ ،‬ونبيل سليمان ناطق التاريخ السوري‪ ،‬وطاهر وطار ناطق التاريخ الجزائري‪،‬‬
‫وغسان كنفاني ناطق التاريخ الفلسطيني…‬
‫ومن أهم الروايات التي دبجها نجيب محفوظ رواية” اللص والكالب” التي اتخذت طابعا واقعيا جديدا قام‬
‫بتأليفها عام بعد ثورة الضباط في مص‬
‫وهي ضمن رواياته المصنفة تحت مسمى (الواقعية الجديدة ) التي حافظت على كون األدب موقفا من الواقع‬
‫يصور الواقع ويحفز على تغييره لكنها أيضا اهتمت بالشكل األدبي ( اللغة وشعرية اللغة )وهذا تجد يد في‬
‫الواقعية إذ أنها تعطي اللغة شحنة شعرية والميل إلى الرمزية فأصبحت للغة أبعاد رمزية كذلك هناك رمزية‬
‫لألشخاص ‪ ,‬و رمزية لألشياء ‪ ,‬وتعامل جديد مع الزمن نوضحه في سمات الواقعية في رواية نجيب محفوظ ((‬
‫اللص الكل‍‍اب ))‪.‬‬

‫‪ -‬القراءة التوجيهية‪:‬‬

‫تقديم ‪ :‬لقد كثر االهتمام في اآلونة األخيرة بالنصوص الموازية‪ ،‬أو ما يسمى بعتبات الكتابة‪ ،‬في إطار نظرية‬
‫التلقي التي تركز بالدرجة األولى على االهتمام بالمتلقي باعتباره أحد األركان األساسية للحديث عن التلقي‪،‬‬
‫فكما ال يمكن أن نتصور إبداعا بدون مؤلف‪ ،‬كذلك ال يمكن تصور تلقي بدون وجود شخص يستهدفه المبدع‬
‫بإبداعه‪ ،‬ولتسهيل عملية التلقي هذه‪ ،‬ولتوجيه القارئ وجهة التلقي السليمة وفرت له نصوص موازية‬
‫توازي النص الجوهر‪ ،‬وظيفتها إعطاء فكرة مسبقة عن النص قبل الشروع في تلقيه‪ ،‬ومن بين هذه‬
‫النصوص نذكر اسم المؤلف‪ ،‬ونص العنوان‪ ،‬فما هي نقط تقاطع حياة نجيب محفوظ والعنوان' اللص‬
‫والكالب' مع نص المؤلف؟‬

‫أ – اسم المؤلف نجيب محفوظ‪:‬‬

‫ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا كاتب مصري معروف بحي الجمالية في القاهرة عام ‪1911‬م‪ ،‬وهي‬
‫منطقة شعبية وصفها في الكثير من رواياته‪ ،‬منها ' خان خليلي'ونشأ في أسرة متوسطة الحال‪ .‬فتلقى تعليمه‬
‫االبتدائي بالمدرسة الحسنية‪ ،‬ثم الثانوي بمدرسة فؤاد األول إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا‪ ،‬درس الفلسفة‬
‫وتخرج بعد ذلك من كلية اآلداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة سنة ‪.1934‬‬
‫وقد شرع في الكتابة واإلبداع منذ المرحلة الثانوية‪ ،‬ونشر عام ‪1934‬م أول نص قصصي له حمل عنوان” ثمن‬
‫الضعف“‪ ،‬وانخرط بعد ذلك في سلك الوظيفة العمومية بإدارة جامعة فؤاد األول‪ ،‬فوزارة الثقافة ليعين عضوا بالمجلس‬
‫األعلى لرعاية الفنون واآلداب‪ ،‬ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة…‬
‫وأحيل نجيب محفوظ على المعاش عام ‪1971‬م‪ ،‬ومن يومها وهو يواصل اإلبداع والكتابة الروائية والقصصية‬
‫والمسرحية إلى أن حاز على جائزة نوبل في اآلداب عام ‪ 1988‬م‪ .‬بسبب دوره الرائد في ازدهار الفن الروائي‬
‫العربي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولقد عايش نجيب محفوظ جميع ماشاهدته مصر في تاريخها الحديث من هزات مست مختلف مكوناتها ابتداء‬
‫بالثورة العرابية سنة‪1882‬م‪ ،‬وثورة سعد زغلول سنة ‪1919‬م‪ ،‬وما عاشته من أزمات اقتصادية خاصة أزمة مابين‬
‫‪1930‬و‪1934‬م ‪ ،‬وما رافق الحرب العالمية األولى والثانية من استبدادات إقطاعية واستعمارية وأزمات سياسية وفكرية‬
‫واجتماعية‪ ،‬عمل نجيب محفوظ على تجسيد أثرها على المجتمع العربي‪ ،‬فكانت قصصه رحلة عبر األزمات المادية‬
‫والروحية‪.‬‬
‫وتأثر نجيب محفوظ إلى جانب انجذابه إلى المحيط الذاتي واالجتماعي والعصري بمؤثرات التراث العربي والغربي حيث‬
‫تأثر قديما بالتأمل الفلسفي عند أبي العالء وبالروح الشعرية التأثرية عند ابن الرومي‪ .‬فبدأ تجاربه األولى بنظم القصائد‬
‫حتى عد نفسه رائد المدرسة الحديثة في الشعر‪ ،‬وحديثا تأثر بالحس االجتماعي الرهيف عند المنفلوطي‪ ،‬والعلم‬
‫واالشتراكية عند سالمة موسى‪ ،‬كما تأثر في الجامعة بالدراسات الفلسفية التي وجهت تفكيره إلى القضايا الفكرية‪،‬كما‬
‫تأثر بمختلف االتجاهات الروائية الغربية كاالتجاه التاريخي والواقعي والنفسي والعبثي والطبيعي‪ .‬فبرز أثرها في تنوع‬
‫األشكال الروائية عنده بين التاريخية واالجتماعية والفلسفية‪.‬‬
‫كتاباته ضمن الواقعية الجديدة‪ ،‬ومن أشهر أعماله الروائية نذكر' همس الجنون‪ ،‬كفاح طيبة‪ ،‬بداية ونهاية‪،‬قصر‬
‫الشوك‪ ،‬ثرثرة فوق النيل‪،‬خمارة القط األسود‪ ،‬حكاية بال بداية ونهاية‪،‬أوالد حارتنا‪ ،‬اللص والكالب‪ ،‬السمان‬
‫والخريف‪ ،‬الطريق‪،‬الشحاذ‪ ،‬ثرثرة فوق النيل‪ ...‬وقد ترجمت قصصه ورواياته إلى العديد من اللغات‪.‬‬
‫و ما يهمنا أكتر في حياته هو أنه عايش ثورة مصر سنة ‪1952‬م واستوعب التحوالت االجتماعية والسياسية‬
‫وأثرها على نفسية الشعب المصري‪ ،‬والرواية قيد التحليل رواية واقعية ينتقد من خاللها نجيب محفوظ واقع‬
‫مصر الجديد بعد ثورة مصر ‪1952‬م‪.‬‬

‫اللص والكالب رواية لنجيب محفوظ حظيت باهتمام كبير من قبل كثير من النقاد والدارسين لما فيها من إبداع‬
‫في المبنى والمضمون‪.‬‬

‫ملخص االحداث‬
‫تبدأ الرواية في عيد الثورة عندما خرج (سعيد مهران) من السجن‪ ,‬وسعيد هذا اسم على غير مسمى‪ ,‬فهو‬
‫ليس سعيدا على اإلطالق‪ .‬فحياته كلها آالم وضياع‪ .‬منذ مات والده وهو يحمل على كتفه أعباء السنين‪ ,‬كان‬
‫والده بواب عمارة الطلبة ثم مات فأصبح لزاما على الولد واألم أن يقوما باحتياجاتهما‪ .‬وتجلّت شهامة رؤوف‬
‫علوان الطالب بكلية الحقوق فسعى أن يعمل سعيد ووالدته في خدمة العمارة بعدما رحل رب األسرة‪.‬‬

‫وبدأ سعيد يتحمل المسؤولية في سن مبكرة‪ .‬ثم مرضت أمه وهلكت بسبب مرضها حيث دأهمها نزيف حاد‪,‬‬
‫فأسرع ابنها إلى أقرب مستشفى‪ .‬تصور أن المستشفى يمكن أن ينقذها ألنها روح إنسان‪ ,‬لم يكن يعرف أن‬
‫المستشفيات الكبرى ذات قاعات االستقبال الفخمة والطبيب الشهير والممرضة األجنبية سوف تنظر ألمه‬
‫المريضة نظرة احتقار ألنها ببساطة رثة الثياب واضحة الفقر‪.‬‬

‫بعد خروج سعيد مهران من السجن كانت فكرة االنتقام تدور في رأسه مع حنين البنته التي كانت تجعل معنى‬
‫لحياته‪.‬‬

‫طبيعة الرواية‬
‫رواية "اللص والكالب "تقوم علي خط الصراع األساسي بين "اللص والكالب" أو سعيد مهران والمجتمع‪.‬‬
‫وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها‪ ،‬فال يتكلف‬
‫نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف األساسي في الرواية ويمكن‬
‫للقارئ أن يضع يده علي الخيط األول وبذلك ال يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل الفني‪.‬‬

‫تصور رواية "اللص والكالب" شخصية سعيد مهران بأنه لص خرج من السجن صيفا بعد أن قضى به أربعة‬
‫أعوام غدرا لينتقم من الذين اغتنوا على حساب اآلخرين‪ ،‬وزيفوا المبادئ‪ ،‬وداسوا على القيم األصيلة لكي‬
‫يجعل من الحياة معنى بدال من العبثية وال جدواها‪ .‬وهكذا قرر أن ينتقم من هؤالء الكالب إال أن محاوالته‬
‫كانت كلها عابثة تصيب األبرياء وينجو منها األعداء مما زاد الطين بلة‪ .‬فصارت الحياة عبثا بال معنى وال‬
‫هدف ‪ ،‬ولقي مصيره النهائي في نهاية الرواية بنوع من الالمباالة وعدم االكتراث ولم يعرف لنفسه وضعا‬
‫وال موضعا‪ ،‬وال غاية وجاهد بكل قسوة ليسيطر على شيء ما ليبذل مقاومة أخيرة‪ ،‬ليظفر عبثا بذكرى‬
‫مستعصية‪ ،‬وأخيرا لم يجد بدا من االستسالم‪ ،‬فاستسلم ‪.‬‬

‫دواعي التأليف‬
‫اللص والكالب"رواية مستوحاة من واقعة حقيقية بطلها " محمود أمين سليمان " الذي شغل الرأي العام‬
‫لعدة شهور في أوائل عام ‪ .1961‬وقد لوحظ اهتمام الناس بهذا المجرم وعطف الكثيرين منهم عليه‪ ،‬فقد‬
‫خرج " محمود أمين سليمان "عن القانون لينتقم من زوجته السابقة ومحاميه ألنهما خاناه وانتهكا شرفه‬
‫وحرماه من ماله وطفلته وكان هذا سببا هاما من أسباب تعاطف الناس معه‪ ،‬ولتحقيق انتقامه ارتكب العديد‬
‫من الجرائم في حق الشرطة وبعض أفراد المجتمع‪ ،‬فأثارت هذه الواقعة اهتمام الكاتب واستلهم منها مادته‬
‫األدبية تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلي فكانت رواية "اللص والكالب"‪.‬‬

‫التحليل السيميائي لواجهة غالف‬


‫يعد البحث في الصورة األدبية مجاال خصبا في الدراسات السيميائية‪ ،‬يغني النقد العربي ابتداء‪ ،‬ويتجاوز‬
‫قصور بعض المناهج األخرى‪ ،‬لذلك أصبح استثمار المنهج السيميائي في التحليل الروائي أمرا مطلوبا في كل‬
‫دراسة جادة‪ ،‬مادام هذا المنهج نفسه يأخذ على عاتقه دراسة شكل الداللة‪ ،‬كما أن التطور الذي عرفته‬
‫النظرية السيميائية اليوم أصبح يكشف عن عوز مناهج أخرى فأضحت بذلك من الماضي‪ ،‬خصوصا مع تطور‬
‫نظرية األيقونص‪ ،‬التي نحاول تبيئتها في النقد العربي‪ ،‬لما لها من أثر فعال في تقدمه حتى يصير إلى ما صار‬
‫إليه صنوه الغربي من تطور‪.‬‬

‫لعل هذا ما دفعنا إلى تدارك ما قصرت عنه الدراسات النقدية التي جعلت من نص «اللص والكالب» موضوعا‬
‫لها‪ ،‬خصوصا وأن الرواية اختيرت ضمن درس المؤلفات للسنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية‪.‬‬

‫ينظر إلى الغالف في النظرية السيميائية‪ ،‬وخصوصا نظرية األيقونص المتفرعة عنها‪ ،‬بوصفه لوحة ضمن‬
‫معمار النص‪ ،‬تشتغل باعتبارها صفحة تتميز عن الصفحات المشكلة للنص المتن بطابعها الداللي األيقوني‪،‬‬
‫وبتنظيم العالمات البصرية بكيفية تجعلها ترسخ المتن النصي بأكمله‪ ،‬وتبرز كيف يأتي المعنى إليه‪.‬‬

‫يخضع معمار النص من حيث تحديده‪ ،‬وطريقته في التدليل واالشتغال‪ ،‬إلى الجهاز النظري الذي يروم دراسة‬
‫النص‪ ،‬أي مختلف المفاهيم اإلجرائية التي تحدد المنهج الذي تتبناه النظرية بوصفها جهازا واصفا‪ ،‬له‬
‫كفاياته المخصوصة‪ ،‬وطريقته في االستدالل عموما‪ .‬ويختلف المعمار من هذا المنظور باختالف اإلطار‬
‫النظري الذي يستند إليه في التحديد‪ ،‬ومن تم فهو‪ ،‬منظورا إليه من جهة "نظرية" األيقونص‪ ،‬يحدد باعتباره‬
‫تركيبا للنص‪ ،‬أي بوصفه لوحة تنتظم فيها المعطيات البصرية‪ ،‬والمعطيات اللسانية‪ ،‬بشكل يجعل من اندماج‬
‫النسقين اللفظي والبصري أمرا واردا‪ ،‬ومهما في بناء النسق الداللي العام‪.‬‬

‫إن التساؤل حول المعنى‪ ،‬عن طبيعته‪ ،‬وعن شروط إنتاجه في عالقته بالنص‪ ،‬هو تساؤل عن طبيعة التدليل‬
‫نفسه‪ ،‬أي الكيفية التي يأتي بها المعنى‪ ،‬مادام النص يشتغل بوصفه تدالال‪ ،‬ويقصد به السيرورة التي يحيل‬
‫من خاللها المأثول على الموضوع عبر مؤول بحسب الطرح البورسي(نسبة إلى تشارلز ساندرس بورس)‪.‬‬

‫تنتظم الغالف إذا مجموعة من العالمات البصرية األيقونية والتشكيلية‪ ،‬والعالمات اللسانية‪ .‬يقع في أعلى‬
‫اللوحة اسم كاتب الرواية نجيب محفوظ‪ ،‬وفي وسطها يدان ممدودتان؛ في اليد اليمنى منهما مسدس مصوب‪،‬‬
‫وأمام هذه العالمات كلبان بلون أسود‪ ،‬لكنهما يوجدان في خلفية الصورة أو عمقها‪ ،‬وفي أسفل الصورة على‬
‫اليمين امرأة تلبس لباسا شفافا يكشف عن أسارير جسدها‪ ،‬وتضع في فمها أحمر الشفاه‪ ،‬كما أنها تحمل علبة‬
‫تحيل إلى الهدية‪ ،‬ويوجد في أسفل الغالف على اليسار عنوان النص ا«للص والكالب» كتب بلون أبيض‪،‬‬
‫وبخط منحرف تماما‪ ،‬توجد اليدان في األعلى‪ ،‬وكأنهما فوق عمارة‪ ،‬بينما ترزح المرأة بحركتها الملتوية‬
‫تحت هاتين اليدين‪.‬‬

‫هذا كل ما يقوله المؤول المباشر لهذه العالمات البصرية واللسانية‪ ،‬وهذا ما ال يرتضيه الذهن السيميائي‬
‫المحلل‪ ،‬إننا وقفنا فقط عند حدود ما تقوله هذه العالمات في صورتها التقريرية‪ ،‬لكنه ال يسعف في استكناه‬
‫دالالت الغالف إال باستدعاء مؤول دينامي‪ ،‬ننتقل بوساطته من المعاني المباشرة إلى المعاني اإليحائية‪ ،‬إذ‬
‫نستدعي تجربة جانبية سابقة في الوجود واالشتغال عن ما هو متحقق نصيا‪ ،‬وهي الكفيلة بتناسل المعنى‬
‫وطرحه لمتاهات التأويل‪.‬‬

‫فال يمكن سبر أغوار دالالت الغالف المائعة والدفع بمعانيها نحو ساحة التداول إال باستدعاء هذا المؤول‪،‬‬
‫بحسب المفهوم البورسي للتأويل‪ ،‬هو بمثابة مؤول ثان غير مباشر كفيل باالنطالق في متاهات التأويل إلى‬
‫حدود الرسوخ عند مؤول نهائي باعتباره نهائيا داخل التدالل‪ ،‬والتدالل في التعبير البورسي هو السيرورة‬
‫التي يشتغل من خاللها شيء ما بوصفه عالمة‪ ،‬والعالمة هي كل شيء يحل محل شيء آخر ويدل عليه‪.‬‬

‫يرى روالن بارت في هذا الصدد أن الصورة تقرأ على شكل‪ ،‬وهي في ذلك تتبع سيرورة العالمات اللسانية‪،‬‬
‫وبارت في ذلك يقصد اللغة الفرنسية التي تتجه في كتابتها من اليسار إلى اليمين‪ ،‬لكن نحن في اللغة العربية‬
‫نقرأها إذا بالعكس على شكل ‪.s‬‬
‫يوجد في األعلى اسم الكاتب نجيب محفوظ‪ ،‬لماذا كتب بلون غير بارز‪ ،‬ومن دون أي حلية مثل "الدكتور"؟‬
‫إن األمر يتعلق بنمط نموذجي‪ ،‬بتعبير روش‪ ،‬فمحفوظ أكبر من أن يحلى أو يكتب بلون بارز‪ ،‬إذ هو أشهر من‬
‫تضاف إليه اللغة الكرافية‪ ،‬لذلك كتب بخط غير بارز مادام اسمه سابق لنصه‪.‬‬

‫وتمتد في وسط اللوحة يدان‪ ،‬في اليمنى منهما مسدس مصوب‪ ،‬فلماذا اختفى صاحب المسدس؟ ولماذا‬
‫المسدس مصوب نحو الفراغ؟ وما عالقة الكلبين الموجودين خلف الصورة بتصويب المسدس؟‬

‫تلك أسئلة تنقدح انقداحا على الذات السيميائية القارئة للصورة‪ ،‬وتجعل القارئ يربط الظاهر بالباطن والكائن‬
‫بالممكن والمحال‪ ،‬إن غياب صاحب المسدس غياب للتبئير‪ ،‬وغياب للتحديد أيضا‪ ،‬ألن األمر مرتبط بشيء‬
‫مشين ابتداء‪ ،‬فاللص يتخفى عن األنظار ألنه يعي بما يفعل‪ ،‬وكان بإمكانه استبدال القناع بالتخفي‪ ،‬فغيابه‬
‫رهين بغياب أهلية العامل الذات‪/‬اللص‪ ،‬غياب للتنظيم‪ ،‬وكأن هذا اللص ال يدري هدفه أو موضوع القيمة‬
‫بالنسبة إليه بوصفه عامل ذات‪ ،‬يطلق رصاصه نحو الفراغ‪ ،‬كما أن الرصاصة لن تصل إلى الكلبين‬
‫الموجودين أمام المسدس‪ ،‬بقرينة أن المسدس مصوب إلى العدم‪.‬‬

‫لماذا يحضر الكلب باللون األسود؟ ولماذا هما اثنان وليس أكثر؟ إن األسود في الثقافة المصرية مرتبط‬
‫بالحداد والخيانة والتشاؤم‪ ،‬وفي ذلك نستحضر أن دالالت األلوان تخضع للمعيار األنتروبولوجي أكثر من‬
‫غيره‪ ،‬كما وضحت ذلك دراسات سيميائية مهمة‪ ،‬كدراسات كاندنسكي وإيتن وكوكيال ومجموعة مو‬
‫البلجيكية‪.‬‬

‫إن الكلب‪ ،‬استنادا إلى هذه المعطيات‪ ،‬سينصرف عن مدلوالته الحيوانية المتعلقة باأللفة والوداعة والوفاء‪،‬‬
‫ليفيد الكون القيمي المرتبط بالكلب اإلنساني‪ ،‬الذي من سماته المميزة التعبير الياكوبسوني‪ ،‬العربدة والخيانة‬
‫والمكر والخديعة‪ ،‬فمن يكون هذان الكلبان اإلنسانيان إذن؟‬

‫إذا كان اللص الذي يرمي بالمسدس نحو الفراغ هو (سعيد مهران) العامل الذات بال شك‪ ،‬فالكون القيمي‬
‫للكلب اإلنساني ال ينطبق إال على شخصيتين اثنتين‪/‬عاملين اثنين في الرواية‪ ،‬هما (رؤف علوان)‪ ،‬و(عليش‬
‫سدرة)‪ ،‬ألنهما خانا معا (سعيد مهران) مع زوجه (نبوية)‪ ،‬إنه إذن يصوب نحوهما لقتلهما انتقاما لشرفه‪،‬‬
‫واعتدادا بكرامته‪ ،‬وإكبارا لمروءته؛ فغيابه عن األنظار مرتبط إذا بعدم تحقيق الرغبة‪ ،‬مما يحيل تلقائيا إلى‬
‫فشل البرنامج السردي عدم حصول العامل الذات على موضوع القيمة نهاية‪ :‬القتل‪.‬‬

‫تدل صورة المرأة الموجودة أسفل الغالف من خالل شكلها الخارجي (شفاه حمراء‪ ،‬قد ممشوق‪ ،‬لباس كاشف‬
‫كلبسة المتفضل‪ ،)...‬وكذلك الشيء الذي تحمله‪ ،‬والزمان الليلي‪ ،‬تدل كل هذه البديهيات المزيفة‪ ،‬حسب‬
‫بارت‪ ،‬على كون نسائي مخصوص مرتبط ببائعات الهوى‪ ،‬تمثله في النص (نور) خليلة (سعيد مهران)‪ ،‬وهي‬
‫وإن كانت تمثل الرذيلة‪ ،‬فقد وجد فيها البطل المأساوي سعيد مالذه‪ .‬فكيف يتغير مجتمع تختفي فيه المروءة‬
‫حتى تغدو فيه المومسات حاضنات‪ ،‬وكريمات‪ ،‬وصانعات للخير؟‬

‫إن هذه التناقضات التي حبلت بها نتائج ثورة يوليوز‪1952‬في أم الدنيا‪ ،‬الثورة التي كانت أقوالها أقوى لها‬
‫وأفعالها أفعى لها‪ ،‬تختزلها الرواية في البناء الرمزي للنص‪ ،‬سواء من خالل التداعيات أم من خالل عالقات‬
‫العوامل فيما بينها‪.‬‬

‫فشل صاحب المسدس في درء الخيانة واسترجاع ابنته‪ ،‬ومن ثم أصبح بطال مأساويا بامتياز‪ ،‬ألنه اختار الحل‬
‫الفردي في ذلك‪ ،‬وأصبح ينظر إلى الناس جميعهم بوصفهم خونة إال ابنته (سناء)‪ ،‬وهذه سبيل غير مجدية‬
‫في مجتمع متناقض‪.‬‬

‫يرزح في أسفل الغالف على يسار اللوحة (اللص والكالب) عنوان الرواية‪ ،‬والمشة التي تقدم للقارئ حتى‬
‫يزدرد النص‪ ،‬هي عالمة بصرية تشكل النسق اللساني الذي يحد من تعدد دالالت الصورة‪ ،‬وهذه العالمة‬
‫اللغوية هي بمثابة ترسيخ للنص بأكمله‪.‬‬

‫إن األمر يتعلق إذا بلص (سعيد مهران)‪ ،‬وكالب تدل أحيانا على الكون القيمي اإلنساني فتحيل إلى الكالب‬
‫اإلنسانية التي تحبل بها الرواية (رؤوف علوان‪ ،‬عليش سدرة‪ ،‬المخبر‪ ،‬بياظة‪ ،)....‬وأحيانا تدل على الكلب‬
‫الحيواني‪ ،‬فتتعلق بكالب البوليس التي طاردت سعيد مهران بعد خروجه من السجن‪ ،‬وقتله لشخصين بالخطأ‬
‫عندما أراد في األولى قتل "عليش" وفي الثانية قتل (رؤوف)‪.‬‬
‫ب – عنوان المؤلف' اللص والكالب'‬
‫العنوان هو أول خطاب لفظي يواجه القارئ‪ ،‬ويوجه أفق انتظاره للنص‪ ،‬بل يلخصه له في أحيان كثيرة‪ ،‬لذا‬
‫كان من البد أن نقف على عنوان المؤلف' اللص والكالب' وقفة تجعلنا نقتحم النص بفرضيات سنتأكد من‬
‫صوابها‪.‬‬
‫يتألف عنوان النص تركيبيا من لفظتين هما 'اللص' و'الكالب' بينهما حرف عطف الواو‪ ،‬الذي يؤكد وجود‬
‫عالقة بينهما‪،‬أما دالليا فتوحي لفظة اللص إلى ذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات‬
‫الغير‪ ،‬والذي جرمته كل الديانات السماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة‪ ،‬والذي يرمز خالفا للكالب‬
‫للخيانة والغدر‪ ،‬بينما الكالب ترمز لإلخالص واألمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان األليف فهل‬
‫يعكس لص الرواية وكالب الرواية هذه الدالالت؟‬
‫إذا ما نحن حاولنا ربط العنوان بأحداث الرواية أمكن لنا استنتاج أن لص العنوان هو سعيد مهران‪ ،‬لكن‬
‫بصفات الوفاء واإلخالص ألنه أخلص لمبادئ الثورة ‪،‬أما الكالب فهي إشارة إلى كالب إنسانية‪ ،‬مجسدة في‬
‫شخص كل من نبوية‪ ،‬وعليش‪ ،‬وسعيد مهران‪ ،‬لكن بصفات الغدر والخيانة‪ ،‬ألن كل هذه الشخصيات قد‬
‫مارست الغدر والخيانة في وجه سعيد مهران‪ ،‬الشيء الذي جعل أحداث الرواية تميل إلى التراجيديا أو إلى‬
‫دراما الروايات البوليسية‪.‬‬

‫‪ -2‬القراءة التحليلية‪:‬‬
‫أ‪ -‬المنظور األول‪ :‬تتبع الحدث‬
‫* المتن الحكائي للرواية‪ :‬تحكي رواية اللص والكالب حكاية مثقف بسيط يدعى سعيد مهران‪ ،‬دخل السجن‬
‫وخرج منه في عيد الثورة‪ ،‬بعد أن قضى فيه أربع سنوات غدرا ‪ ،‬دون أن يجد أحدا في انتظاره‪ ،‬ويقرر بعدها‬
‫الذهاب إلى منزل عليش السترجاع ابنته سناء وماله وكتبه‪ ،‬ويفشل في ذلك وتسود الدنيا في وجهه أكثر‬
‫عندما جفلت منه ابنته سناء ورفضت معانقته ألنها ال تعرفه ‪ ،‬وللتخفيف من حدة االنفعال وإحياء لبعض‬
‫ذكريات ماضيه قرر االستقرار مؤقتا برباط علي الجنيدي‪ ،‬الذي قضى عنده ليلته‪ ،‬ولكن روحانية المكان‬
‫وطقوسه الخاصة وأجوبة علي الجنيدي العامة والمغرقة في الروحانيات‪ ،‬جعلت سعيدا ال يرتاح كثيرا لإلقامة‬
‫بهذا المكان المليء بالمنشدين والمريدين‪ ،‬لذلك قرر اللقاء بأستاذه رؤوف علوان ذلك الصحفي الناجح الذي‬
‫صار من األغنياء قصد تشغيله معه في جريدة الزهرة‪ ،‬فاتجه بداية إلى مقر جريدة الزهرة‪ ،‬ثم بعد ذلك نحو‬
‫فيلته‪ ،‬وهناك سيفاجأ سعيد مهران بفكر جديد لرؤوف علوان يقدس المال وال يكترث للمبادئ والقيم النضالية‬
‫‪ ،‬كما سيفاجأ برغبته في إنهاء عالقته به خاصة عندما رفض طلب تشغيله وأعطاه مبلغا من المال ليدير‬
‫شؤون حياته بمفرده بعيدا عنه‪ ،‬مما اضطر سعيد مهران إلى التفكير في االنتقام منه‪ ،‬فقرر العودة إلى فيلته‬
‫في تلك الليلة لسرقتها لكنه وجد رؤوف علوان في انتظاره ألنه عليم بأفكار تلميذه‪ ،‬فهدده بالسجن واستعاد‬
‫منه النقود وطرده من البيت‪ ،‬وخرج سعيد ليلتها مهزوما ومشاعر الحقد واالنتقام تغلي في دواخله‪ ،‬فلقد‬
‫اكتمل عقد الخيانة وباكتماله تبدأ رحلة االنتقام‪ ،‬وتسود الدنيا في وجهه وال يجد مالذا أفضل من مقهى المعلم‬
‫طرزان‪ ،‬الذي لم يتردد لحظة في إهدائه مسدسا سيكون له دور كبير في مسلسل االنتقام‪ ،‬وفي ذات المكان‬
‫سيلتقي بنور التي بدورها ولدافع حبها الشديد له مذ كان حارسا لعمارة الطلبة‪ ،‬ستوفر له المأوى والطعام‬
‫والشراب والجرائد والسيارة‪ ،‬ولما توفرت له شروط االنتقام' المسدس والسيارة' ذهب مباشرة لقتل عليش‬
‫في منزله لكنه أطلق النار على حسين شعبان الرجل البريء الذي اكترى شقة عليش بعد رحيله‪ ،‬لكن سعيد‬
‫مهران لم ينتبه لذلك ولم يعرف خطأه حتى اطلع على الجرائد‪ ،‬وفي خضم هذه األحداث استغلت جريدة الزهرة‬
‫األوضاع وبدأت بقلم رؤوف علوان تبالغ في وصف جرائم سعيد مهران وتنعته بالمجرم الخطير الذي يقتل‬
‫بدون وعي‪ ،‬الشيء الذي سيشعل نار الغضب في قلب سعيد الذي سيقرر قتل رؤوف خاصة بعدما ساعدته‬
‫نور في الحصول على بذلة عسكرية‪ ،‬فيستهل انتقامه بالقبض على المعلم بياظة بهدف معرفة االقامة الجديدة‬
‫لعليش ونبوية لكن دون جدوى فعاد إلى بيت نور ثم ارتدى بذلته العسكرية‪ ،‬واستقل سيارة أجرة ثم اكترى‬
‫قاربا صغيرا ليتجه صوب قصر رؤوف علوان ‪ ،‬لالنتقام منه وفور نزوله من سيارته أطلق سعيد مهران عليه‬
‫النار لكن رصاصات الحراس السريعة والكثيرة وإصابته بإحداها جعلته يخطئ هدفه‪ ،‬فأصاب بوابا بريئا بدل‬
‫غريمه‪ ،‬وأثناء اطالعه على الجرائد التي أمدته بها نور تعرف على خطئه فشعر بندم شديد‪ ،‬واسودت الدنيا‬
‫في وجهه مع استمرار جريدة الزهرة في تحريض الرأي العام ضده ‪ ،‬إلى أن انتهت حياته في مقبرة بعد أن‬
‫حاصرته الشرطة وأطلقت عليه الرصاص من كل جانب فاستسلم بال مباالة بال مباالة ‪ ،‬وحلت بالعالم حال من‬
‫الغرابة والدهشة‪.‬‬
‫تلخيــص اللص والكالب‬
‫الجزء األول‬
‫يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا‬
‫وتأصيال وقد تميز نجيب محفوظ بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في إطار رؤى‬
‫فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن‬
‫مجتمع مصر وتاريخها‪ ،‬ومن أهم الروايات التي أنتجها نجيب محفوظ رواية" اللص والكالب" التي اتخذت‬
‫طابعا رمزيا وذهنيا على مستوى المقصدية المرجعية والرسالة الفنية‪.‬‬
‫رواية "اللص والكالب "تقوم علي خط الصراع األساسي بين "اللص والكالب" أو سعيد مهران‬
‫والمجتمع‪ .‬وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري الذي يربط فصول الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها‪،‬‬
‫فال يتكلف نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف األساسي في‬
‫الرواية‪ ،‬ويمكن للقارئ أن يضع يده علي الخيط األول وبذلك ال يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل‬
‫الفني‪.‬‬

‫وتبدأ الوضعية األولية مع الفصول األربعة األولى إذ يسجل الفصل األول خروج سعيد مهران من السجن بعد‬
‫أربع سنوات قضاها فيه‪ ،‬ويتوجه إلى الحي الذي كان يقطنه‪ ،‬ويجتمع سعيد مع عليش بحضور المخبر‬
‫وبعض الجيران لمناقشة مطالبته بابنته وماله وكتبه‪.‬إال أن عليش ينكر وجود المال ويرفض تسليم البنت‬
‫بدون محكمة ويعطيه ما تبقى من الكتب‪ .‬وأمام هذا الوضع المخيب آلماله‪ ،‬يبدأ سعيد مع الفصل الثاني‬
‫التخطيط لمرحلة ما بعد السجن حيث توجه إلى طريق الجبل لمقابلة الشيخ صديق والده محاوال إقناعه بقبول‬
‫ضيافته إلى أن يحقق االنتقام من زوجته الخائنة وعليش الغادر رافضا محاولة الشيخ تنيه عن قرار االنتقام‬
‫بالتركيز في حواره على القيم الروحية المبنية على اإليمان ‪،‬وبعد قضاء سعيد أول ليلته في ضيافة الشيخ‬
‫علي جنيدي ‪ ،‬يبدأ سعيد مع الفصل الثالث خطوة تالية يتوجه فيها صوب صديق الطفولة الصحفي رءوف ‪،‬‬
‫حيث انتظره قرب البيت ‪،‬بعدما فشل في مقابلته بمقر جريدة "الزهرة"‪ ،‬وتبادال ذكريات الماضي على مائدة‬
‫الطعام ‪،‬وقد انزعج رءوف من تلميحات سعيد التي تنتقد ما عليه من جاه ومكانة اجتماعية فانتهى اللقاء‬
‫بتأكيد رءوف على أنه أول وآخر لقاء له مع سعيد ‪،‬مما جعل سعيد يستكمل في الفصل الرابع شريط الخيانة‬
‫التي تلقاها من أقرب الناس إليه عليش صبيه الذي بلغ عنه الشرطة للتخلص منه واإلنفراد بغنيمة الزوجة‬
‫والمال ‪،‬و نبوية الزوجة التي خانته بتواطئ مع صبيه عليش‪،‬ثم رءوف االنتهازي الذي زرع فيه مبادئ‬
‫التمرد وتنكر هو لها‪ .‬فكان كل ذلك دافعا قويا التخاذ قرار االنتقام والبداية برءوف أقرب فرصة مناسبة‪ ،‬إال‬
‫أن رءوف كان يتوقع عودته ونصب له كمينا أوقع به ليطرده من البيت خائبا‪.‬‬
‫وتبدأ سيرورة الحدث مع الفصل الخامس بتوجه سعيد إلى المقهى حيث يتجمع أصدقاء األمس‪،‬ومده‬
‫صاحب المقهى "طرزان" بالمسدس الذي طلبه ‪،‬وكان الحظ في صفه هذه المرة عندما التقى ب "نور" التي‬
‫خططت معه للتغرير بأحد رواد الدعارة وسرقة سيارته ‪،‬ويصور الفصل السادس تفاصيل نجاح الخطة التي‬
‫رسمتها ريم لإليقاع بغريمها وتمكن سعيد من السطو على السيارة والنقود ‪ ،‬ويشرع سعيد مع الفصل السابع‬
‫في تنفيذ ما عزم عليه من انتقام وكانت البداية بمنزل عليش الذي اقتحمه ليال و باغث صاحبه بطلقة نارية‬
‫أردته قتيال ‪،‬وتعمد التغاضي عن الزوجة لرعاية ابنته سناء‪،‬ثم هرب سعيد من مسرح الجريمة بعدما تأكد من‬
‫نجاح مهمته‪ .‬إال أن الفصل الثامن ينقل لنا المفاجأة ‪،‬إذ بعد تنفيذ الجريمة‪،‬لجأ سعيد إلى بيت الشيخ رجب‬
‫فجرا واستسلم لنوم عميق امتد حتى العصر ‪،‬فاستيقظ على حلم مزعج يتداخل فيه الواقع بالخيال ‪،‬ويصله‬
‫خبر وقوع جريمة ضحيتها رجل بريء يدعى شعبان حسن‪،‬فكان خبر فشل محاولته مخيبا يندر ببداية‬
‫المتاعب والمصاعب‪،‬فهرب سعيد إلى الجبل تفاديا لمطاردة الشرطة‪.‬‬
‫وهذا الحادث الطارئ أزم وضعية سعيد مما جعله مع الفصل التاسع يغير خطة عمله بالتوجه إلى نور‪،‬وقد‬
‫استحسن مكان إقامتها المناسب الختفائه عن أعين الشرطة‪ ،‬ورحبت نور برغبة سعيد في اإلقامة عندها مدة‬
‫طويلة ‪،‬وأبان سعيد عبر الفصل العاشر عن ارتياحه بإقامته الجديدة ‪،‬وكان خروج نور وبقائه وحيدا في‬
‫البيت فرصة السترجاع ذكريات تعرفه على نبوية وزواجهما الذي أثمر البنت سناء‪، .‬ثم التوقف عند غدر‬
‫عليش وخيانة نبوية‪.‬ليعود إلى واقعه مع نور التي جاءته بالطعام والجرائد التي ال زالت مهتمة بتفاصيل‬
‫جريمة سعيد ‪،‬مع إسهاب رءوف في تهويل وتضخيم صورة سعيد المجرم الذي تحول إلى سفاك الدماء‪،‬فطلب‬
‫سعيد من نور شراء قماش يناسب بذلة ضابط إلعداد الخطة انتقامية جديدة ‪،‬ويعود سعيد مع الفصل الحادي‬
‫عشر إلى الذكريات التي تنسيه عزلته في البيت عندما تغيب نور مسترجعا تفاصيل طفولته المتواضعة مع‬
‫والده البواب‪،‬وكيف تأثر بتربية الشيخ علي الجنيدي الروحية‪،‬وإعجابه بشهامة رءوف الذي زرع فيه مبادئ‬
‫التمرد وشجعه على سرقة األغنياء كحق مشروع ‪،‬وتأتي نور لتقطع شريط الذكريات وهي منهكة من ضرب‬
‫مبرح تلقته من زبنائها‪،‬مع محاولة سعيد الرفع من معنوياتها المنهارة والتخفيف من آالمها‪ .‬ومع الفصل‬
‫الثاني عشر يكون سعيد قد أكمل خياطة بذلة الضابط مما زاد تخوف نور من ضياع سعيد مرة أخرى خاصة‬
‫وأن الصحافة ال زالت منشغلة بجريمته األولى ‪،‬والشرطة تشدد الخناق عليه ‪،‬فحذره طرزان من التردد على‬
‫المقهى التي تخضع لمراقبة المخبرين‪.‬‬
‫ويبدأ تأزم العقدة مع الفصل الثالث عشر عندما عاود سعيد زيارة طرزان الذي اخبره بتواجد المعلم بياضة‬
‫لعقد صفقة‪،‬فاعترض سعيد المعلم بياضة لمعرفة مكان عليش ‪،‬إال أنه أخلى سبيله بعد الفشل في جمع‬
‫معلومات منه تفيد في معرفة مكان عليش وهو األمر الذي جعله يغير وجهة االنتقام إلى رءوف ليشرع مع‬
‫الفصل الرابع عشر في تنفيذ خطته بارتداء بذلة الضايط التنكرية والتوجه نحو بيت رءوف حيث باغته وهو‬
‫يهم بالخروج من السيارة‪،‬ليفر سعيد بعد تبادل إطالق النار مع عناصر الشرطة‪،‬وتعود نور للبيت متخوفة من‬
‫ضياع سعيد بعد تداول خبر تعرض رءوف لمحاولة اغتيال ‪.‬وجاء الفصل الخامس عشر يحمل أخبار إخفاق‬
‫سعيد في قتل رءوف ‪،‬وسقوط البواب ضحية جديدة لخطأ سعيد‪ ،‬فكانت خيبته كبيرة ولم تزده إال إصرارا على‬
‫معاودة المحاولة مهما كلفه ذلك من ثمن ‪.‬‬
‫ومع الفصل السادس عشر تبدأ الوضعية النهائية وتظهر النتيجة من خالل تطورات مفاجئة تسير عكس‬
‫طموحات سعيد ‪ ،‬أولها غياب نور المفاجئ‪،‬و طرزان الذي زوده باألكل وحذره من المخبرين الذين يتربصون‬
‫بالمقهى‪.‬وتبدأ النهاية في االقتراب مع الفصل السابع عشر عندما تأتي صاحبة بيت نور تهدد باإلفراغ‬
‫فأصبح البيت يشكل خطرا عليه‪ ،‬فقرر الهروب إلى طريق الجبل عند الشيخ علي ‪ ،‬حيث ستكون النهاية مع‬
‫الفصل الثامن عشر عندما يستيقظ سعيد من نوم عميق فيجد المنطقة محاصرة بالشرطة ويتحصن بالمقبرة‬
‫حيث كانت نهايته بعد مقاومة يائسة‪.‬‬

‫التحليل الواقعي للرواية‬


‫• تدور احداث هذه القصة كما سطرها الكاتب في مصر ‪ ،‬وهي تشكل رمزا الى الطبقية هناك في تلك الفترة ‪،‬‬
‫فحديث "سعيد مهران" عن شرعية اللصوصية من األغنياء يبين قيام الطبقية في تلك الفترة كما هي في كل‬
‫زمان ‪ ،‬وأيضا في حديثه عن اللصوص الكبار " األغنياء " واللصوص الصغار سعيد مهران ومن في زمرته ‪.‬‬
‫وتمثل الطبقية الدافع الثاني لالنتقام بعد الدافع األول وهي شخصية المرأة الممثلة ب " نبوية" ‪.‬‬
‫• يمثل رؤوف علوان ذلك النموذج الصارخ للطبقة البرجوازية ‪ ،‬المتخلية عن األصل الفقير لها ولبيئتها‬
‫والذي انتقل من حياة الفقر الى الغنى ‪.‬‬
‫• علون يمثل الرجل المتغير من ناحية المبادئ ‪ ،‬فمن مواالة اللصوصية وبيان شرعيتها وطلبه من مهران أن‬
‫يكون لها عمال منظما وأنها بذاك يجب أن تكون ‪ ،‬إلى أن أصبح علوان من اعداء اللصوصية فيعاديها بمقاالته‬
‫وفكره وقلمه أيضا‬
‫• المرأة في حال خيانتها كما في هذه الرواية هي السبب األول في االنتقام إذ أن الخيانة كان لها وقع كبير في‬
‫نفس البطل حال خروجه من السجن ‪ ،‬فهذا االنتقام كان أول ما يريده حال خروجه من السجن ال كما قال بشكل‬
‫ساخر في بداية الرواية انه يرمي للتسوية!‪.‬‬
‫شخصية سعيد مهران تمثل الرجل المجازف في نفسه في سبيل دحض الظلم ‪ ،‬فمن االمتهان للسرقة في سبيل‬
‫تحقيق العدالة من طبقة االغنياء الى االنتقام ممن خانوه من برجوازيين " علوان " او ممن خانه مع زوجه ‪،‬‬
‫غير أنه في المقابل شخصية تمثل الطموح في الحياة الكريمة بعد نيل االنتقام والممثل بالهرب خارجا هو ومن‬
‫أحب " نور "‬
‫المجتمع كما في الرواية ‪ :‬تبين فيه الطبقية ‪ ،‬فهناك طبقة األغنياء الممثلة باصحاب القصور ‪ ،‬وهناك‬
‫البرجوازية والممثلة بعلوان وأخيرا الطبقة الفقيرة المتخذة لمهنة اللصوصية أداة لكسب العيش في اعتبارها‬
‫حقا مشروعا يمارس ضد االغنياء‪.‬‬

‫* الحبكة‪ :‬الحبكة هي النسيج الذي يرصد األحداث في اتصالها وانفصالها واتجاهاتها‪ ،‬وتنقسم إلى تقليدية‬
‫تتوالى فيها األحداث بشكل متسلسل‪ ،‬وأخرى مفككة ال تخضع لتسلسل منطقي‪ ،‬ويبدو أن الحبكة المعتمدة في‬
‫رواية اللص والكالب‪ ،‬تقليدية بدليل قيامها على األسباب المؤدية إلى النتائج‪ ،‬فكل حدث فيها يؤدي إلى حدث‬
‫آخر وهكذا تقوم األحداث على مجموعة من األسباب ‪ ،‬فالخيانة التي تعرض لها سعيد دفعته لالنتقام و اكتراء‬
‫حسين شعبان لمنزل عليش جعلت الرصاصة تصيبه‪ ،‬ووشاية عليش ونبوية جعلت سعيدا يدخل السجن‪....‬‬
‫* الرهان‪ :‬ينقسم الرهان دائما إلى رهان المحتويات ويتأسس حول الشخصيات والموضوعات المتنازع‬
‫عليها‪ ،‬ورهان الخطاب ويتأسس على عالقة المؤلف مع المتلقي أو عالقة النص مع المتلقي‪ ،‬وإذا عدنا إلى‬
‫مثن اللص والكالب وجدنا أن رهان المحتوى الذي له عالقة بالشخصيات يتراوح بين الفشل والنجاح‪ ،‬فسعيد‬
‫مهران يفشل في تحقيق رهانه الكلي المتمثل في تحقيق مشروعه النضالي وتحقيق العدالة االجتماعية‪،‬‬
‫ويتراجع عن هذا الرهان إلى رهان آخر جزئي وهو االنتقام من خصومه دون أن يحققه‪ ،‬بخالف غريمه‬
‫رؤوف علوان الذي استطاع تحقيق رهانه المتجسد في الحصول على الثروة وإن كانت الطريقة وصولية‬
‫انتهازية‪ .‬أما رهان الخطاب أو النص ككل فيمكن حصرهفي كون المحاوالت الفردية لتغير الواقع مآلها‬
‫الفشل‪ ،‬فال يمكن لفرد مهما أوتي من ذكاء وعزيمة وإصرار أن يغير واقع أمة مهما كان الواقع مأساويا‬
‫وظالما‪ ،‬فالتضحيات يجب أن تكون جماعية لكي ينتصر الخير على الشر‪ ،‬والحق على الباطل‪ ،‬والعدل على‬
‫الظلم‪.‬‬

‫* دالالت وأبعاد الحدث‪ :‬إن كل اإلشارات التاريخية التي وردت داخل مؤلف اللص والكالب‪ ،‬تشير إلى أن‬
‫الرواية لها عالقة بواقع مصر السياسي واالجتماعي لما بعد الثورة المصرية سنة‪1952‬م ‪ ،‬ومن هذا المنطلق‬
‫أمكن لنا أن نقول ومن خالل األحداث التي وقعت لسعيد مهران والذي وجد نفسه فجأة يعاني من تفكك أسري‬
‫وحزبي‪ ،‬أن رواية اللص والكالب رواية تستهدف بأبعادها كشف واقع مصري يعاني معاناة اجتماعية ونفسية‬
‫نتيجة السلوك االنتهازي لبعض األفراد الذين غيروا قناعاتهم النضالية ومواقفهم استجابة لمتغيرات نهاية‬
‫مرحلة الخمسينيات والستينيات ونتيجة إلرضاء مآربهم الشخصية‪ ،‬ودمروا بمواقفهم المتغيرة أسرا كثيرة‬
‫وحكموا على الشعب بشكل عام بالفقر والجوع والقلق الوجودي والروحي‪.‬‬
‫ب‪ -‬المنظور الثاني‪ :‬تقويم القوى الفاعلة‬
‫‪ -1‬جرد القوى الفاعلة‪ :‬القوى الفاعلة ال تنحصر في الشخصيات بل تشمل كذلك المؤسسات واألفكار والقيم‬
‫والمشاعر‪ ،‬وكل ما يساهم في تحريك األحداث‪ ،‬وبالعودة إلى رواية اللص والكالب أمكننا جرد القوى الفاعلة‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشخصيات‪ :‬تنقسم شخصيات اللص والكالب إلى رئيسية وثانوية وعابرة‪ ،‬سنحاول تقديم خصائصها‬
‫ومواصفاتها باالعتماد على الجدول الثالي بدء بالرئيسية وانتهاء بالعابرة‪.‬‬
‫الشخصيات‬
‫خصائصها وصفاتها‬
‫سعيد مهران‬
‫شاب مصري مثقف‪ ،‬تحمل مسؤولية أسرته منذ الصغر‪ ،‬توفي أبوه وبعده أمه‪ ،‬مؤمن بمبادئ المساواة‬
‫والعدل والكرامة واإلنصاف‪ ،‬مناصر للمظلومين والكادحين‪ ،‬ناضل من أجل تحقيق مبادئ االشتراكية على‬
‫الواقع‪،‬حريص على االنتقام من نبوية وعليش اللذان غدرا به وأدخاله السجن‪،‬ومن رؤوف الذي تنكر لمبادئ‬
‫الحزب والنضال‪ ،‬يعاني من فراغ روحي وقلق وجودي وغربة وضياع‪ ،‬أسير الحقد والكره واالنتقام‪.‬رمز‬
‫للكادحين والفقراء المناضلين من أجل القيم‪.‬‬

‫رؤوف علوان‬
‫طالب قروي‪ ،‬مناضل مؤمن بالتغير‪ ،‬له قدرة على التأثير بأسلوبه في محاوريه‪ ،‬أكمل دراسته ثم تحول إلى‬
‫صحفي ناجح‪ ،‬انتهز الظروف السياسية الجديدة فتحول إلى قلم برجوازي مأجور‪ ،‬تنكر ألصوله‬
‫الكادحة‪،‬ولطبقته‪،‬متطلع بشغف لحياة االرستقراطية‪،‬أكال وملبسا ومسكنا‪ ،‬يشوه الحقائق ويكلب الرأي العام‬
‫ضد سعيد ويصوره مجرما خطيرا‪ .‬رمز للبرجوازية القاسية على الفقراء‪.‬‬

‫عليش‬
‫غريم سعيد مهران – المستفيد من سجنه والمستولي على زوجته وابنته وجميع ممتلكاته – متحايل كبير –‬
‫انتهازي خائف على مصيره الشخصي ومتخذ لجميع االحتياطات حتى ال ينال منه خصمه سعيد مهران‪.‬رمز‬
‫لخيانة الصداقة‪.‬‬
‫الشيخ علي الجنيدي‬
‫زاهد متصوف‪ ،‬له انشغاالت روحية بعيدة عن الواقع المعيش‪ ،‬يحاول تبرير الواقع بالغيبيات ألنه مستفيد من‬
‫الوضع السياسي السائد – يشكل نوعا من االطمئنان النفسي والروحي لسعيد مهران – يلجأ إليه دائما وقت‬
‫الشدة ‪ .‬رمز للتصوف والفكر الديني‪.‬‬
‫نـــــــــور‬
‫عنصر مساعد للشخصية الرئيسة سعيد مهران – مومس – قست عليها الحياة االجتماعية – متوسطة الجمال‬
‫– مستسلمة لرغبات الزبناء – مغرمة بسعيد مهران وترغب في زواجه – وفرت له الطعام والمسكن‬
‫والجرائد والسيارة ‪ .‬رمز لإلباحية والقيم المفقودة‪.‬‬
‫المعلم طرزان‬
‫صاحب مقهى – صديق سعيد‪ ،‬وفر له المسدس وأمده بمعلومات هامة ساعدته على االختفاء عن أنظار‬
‫الشرطة‪.‬رمز للصداقة الصادقة‪.‬‬

‫نبوية‬
‫زوجة سعيد السابقة‪ ،‬وأم سناء أحبها سعيد بصدق وظل يحلم باالستقرار الدائم إلى جوارها مع ابنته سناء‬
‫بعد خروجه من السجن‪،‬لكنها تنكرت له وارتبطت بعليش‪ .‬رمز للخيانة الزوجية‪.‬‬
‫سناء‬
‫موضوع صراع بين األب الطبيعي سعيد مهران و زوج األم والمحتضن عليش‪ ،‬لم تتعرف على أبيها‪ ،‬تبدو‬
‫خائفة مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعها بابيها الحقيقي سعيد مهران‪ .‬رمز للبراءة المغتصبة‪.‬‬
‫المعلم بياضة‬
‫زميل سابق لسعيد وصديق وشريك عليش‪ ،‬خان صديقه األول‪ ،‬وكاد أن يؤدي ثمن هذه الخيانة أثناء لقائه‬
‫بسعيد مهران الباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المؤسسات‪ :‬في الرواية عدة مؤسسات فاعلة في أحداث الرواية ومؤثرة على شخصياتها نذكر منها‬
‫على سبيل المثال ال الحصر ‪ :‬السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية‪ ،‬أثناء تواجده به حصلت‬
‫الخيانة‪ ،‬وتحققت أهداف االنتهازيين‪ ،‬وهناك الصحافة التي أثرت في جهاز الشرطة والرأي العام المنقسم إلى‬
‫معارض أو مناصر لسعيد مهران‪ ،‬ثم هناك المدرسة والجامعة التي شكلت نعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي‬
‫شقي لسعيد مهران‪.‬‬
‫ج‪ -‬الجمادات ‪ :‬متنوعة بين الحارة والمقهى ومنزل نور و فيال رؤوف علوان والجبل والمقبرة والشوارع‬
‫وعمارة سكن الطلبة ورباط الجنيدي‪ ،‬والتي تركت آثارها القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية‪،‬‬
‫فهي تحتضن الذكريات حلوها ومرها‪ ،‬لذلك تم استرجاعها أحيانا‪ ،‬أو محاولة تناسيها كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لرؤوف علوان و عليش المتنقل من منزل آلخر خوفا على حياته من انتقام سعيد مهران‪.‬‬
‫د‪ -‬القيم والمشاعر‪ :‬تتنوع هذه القيم والمشاعر بين القناعة واالستسالم لألمر الواقع ويمثلها علي الجنيدي‪،‬‬
‫واالنحراف والخروج عن القوانين‪ ،‬ويتجسد ذلك في شخصية المومس نور والمتاجرين في الممنوعات من‬
‫ذوي السوابق كطرزان وغيره‪ ،‬ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم األصلية واالنتماء الطبقي‪،‬‬
‫ويبرز ذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان‪ ،‬في مقابل االلتزام اإليديولوجي واإليمان الصادق بالعنف‬
‫الثوري المجسد في شخصية سعيد مهران‪ ،‬أما عليش فيمثل أعلى درجات الشخصية االنتهازية التي لم تكتف‬
‫بسرقة أموال الصديق بل ا استولت على زوجته وابنته وكل ممتلكاته‪ ،‬مما جعل مسألة االنتقام منه ونبوية‬
‫تحتل مركز االهتمام لدى سعيد مهران‪.‬‬
‫ولعل أهم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقصة ومتضاربة وجارفة هي شخصية سعيد مهران‪ ،‬ألنه‬
‫عاش خيانة مزدوجة‪ ،‬األولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش‪ ،‬والثانية إيديولوجية ثقافية من طرف‬
‫أستاذه وموجهه رؤوف علوان‪ ،‬مما جعله يحس بالمهانة والخزي والعار أمام أسرته وأصدقائه وذاته‪ ،‬فقرر‬
‫االنتقام من جميع الخونة‪.‬‬
‫وهكذا يظل جرد القوى الفاعلة – شخصية كانت أو مؤسسات أو جمادات أو حيوانات أو قيما ومشاعر –‬
‫الحاملة لحركة الفعل التي تمارسها الشخصيات في الرواية أساسية ومهمة في التحليل‪ ،‬ألنها تساهم بطريقة‬
‫ما من الطرق في الحدث‪.‬‬

‫ج الكشف عن البعد النفسي‪:‬‬


‫إن قراءتنا لرواية اللص والكالب من المنظور النفسي‪ ،‬تنتهي بنا إلى إدراك ما تخفيه الشخصيات من مشاعر‬
‫وأحاسيس وعواطف متوترة‪ ،‬نستنتج منها عمق األزمة اإلنسانية النفسية التي يعاني منها المجتمع المصري‬
‫والعربي في خمسينيات وستينيات القرن‪ ،20‬الذي قدر عليه أن يعيش في زمن غريب ال يأنس له وال يشعر‬
‫معه باالطمئنان ‪ ،‬إن مؤلف اللص والكالب بهذا المعنى رواية واقعية نقدية رمزية تكشف عن الحالة النفسية‬
‫للمجتمع من خالل التعمق في شخصية سعيد مهران الذي تعرض لخيانات اجتماعية وسياسية خلقت منه‬
‫نموذجا بشريا دائم القلق والحيرة ‪ ،‬فمن يكون سعيد مهران نفسيا؟ وما عالقته باإلنسان العربي؟‬
‫لقد قدمت رواية اللص والكالب شخصية سعيد مهران ذلك الشاب الفقير الذي تعرض ألنواع من الحرمان‬
‫والقهر بمواصفات نفسية جعلت منه نموذجا إنسانيا عربيا يعاني من توتر نفسي وعاطفي وقلق وغربة‬
‫سواء تجاه من خانوه' نبوية‪ ،‬عليش‪ ،‬رؤوف' أو أحبوه' نور‪ ،‬طرزان‪ ،‬فئة الفقراء' أو إزاء الزمن الماضي‬
‫والحاضر والمستقبل‪،‬فعن طريق استرجاع شريط األلم ' وفاة والده‪ ،‬أمه‪ ،‬خيانة الزوجة الصديق‪ ،‬األستاذ‪'،‬‬
‫نفهم سر جنون سعيد مهران‪ ،‬فجنونه أزمة نفسية ولدها اإلنسان الذي خان شعبه وتنكر للمبادئ‪ ،‬وأزمة‬
‫ولدها الصديق الذي خان الصداقة‪ ،‬وولدتها الزوجة التي نسيت الوفاء‪ ،...‬لذلك ال غرابة أن يعيش سعيد‬
‫مهران فراغا عاطفيا‪ ،‬وروحانيا‪ ،‬وغربة‪ ،‬وضياعا‪ ،‬وقلقا‪ ،‬وتوترا‪ ،‬وهذه صورة مصغرة ألسر كثيرة تشارك‬
‫سعيد هذه المعاناة سواء كان تواجدها داخل أم خارج المؤلف‪.‬‬
‫وهي أزمة نفسية ألقت بثقلها على العالقات العاطفية بين األفراد‪ ،‬بحيث أصبحت أكثر مأساوية‪ ،‬فعالقات‬
‫الحب التي يمثلها في المؤلف حب سعيد البنته وحب نور لسعيد‪ ،‬تتراجع لتفسح المجال للكراهية والحقد‪،‬‬
‫فتكون النتيجة قتل ومطاردة ورغبة في االنتقام‪ ،‬كما أن عالقة الوفاء التي يجسدها في المؤلف وفاء طرزان‬
‫و نور لسعيد ‪ ،‬قد تراجعت بدورها لتحل محلها الخيانة بأبعادها االجتماعية والسياسية‪ .‬بل حتى العالقة‬
‫الروحانية بين اإلنسان وربه تأثرت في وسط هذا المجتمع المادي ودليل ذلك عالقة سعيد برباط علي‬
‫الجنيدي‪.‬‬
‫هكذا يبدو العالم النفسي كئيبا وما يزيد من كآبته حضور تيمات الظلم والكره والخيانة‪ ،‬خيانة وظلم وكره‬
‫أقرب وأعز الناس إليك أو من كان من المفروض أن يحبوا‪ ،‬وتيمة الحب كذلك لكن بوجه جديد يسبب لصاحبه‬
‫األحزان أكثر من األفراح‪ ،‬حب سعيد لسناء الجريح‪ ،‬وحب نور لسعيد الذي فات زمنه‪.‬‬

‫هكذا يبدو واضحا بأن نجيب محفوظ قد تعمد التركيز على نفسية بطل هذه الرواية لغاية كشف التحوالت‬
‫الصعبة التي يعيشها اإلنسان المصري والعربي وتداعياتها على نفسية الفرد خاصة الفقير الكادح‪.‬‬
‫د المنظور االجتماعي‪:‬‬
‫اشتهر نجيب محفوظ في مجمل رواياته‪ ،‬بتصوير الواقع المصري االجتماعي تصويرا تظهر من خالله‬
‫الصورة الحقيقية للبنية االجتماعية المصرية‪ ،‬كما تبدو من خالله معاناة اإلنسان المصري االجتماعية‪ ،‬فما‬
‫هي طبيعة المجتمع الذي تتحدث عنه رواية اللص والكالب؟‬
‫تصور رواية اللص والكالب واقعيا اجتماعيا متناقضا أفرزته التحوالت السياسية في خمسينيات القرن‪20‬‬
‫تختصره فئتان‪ ،‬فئة األغنياء التي يمثلها رؤوف علوان والتي تمتلك كل شيء‪ ،‬وفئة الفقراء التي يمثلها سعيد‬
‫مهران والتي تفتقر ألبسط متطلبات العيش الكريم‪ ،‬وهو تناقض اجتماعي سيؤدي إلى ظهور أمراض‬
‫اجتماعية خطيرة‪ ،‬كالسرقة التي اعتبرها سعيد مهران وسيلة إلعادة حق الفقراء‪ ،‬فمن السارق ومن‬
‫المسروق؟‪ ،‬والمتاجرة في المخدرات والذي يمارس ذلك هو المعلم طرزان‪ ،‬ناهيك عن الدعارة التي تمارسها‬
‫نور‪ ،‬وال تتوقف تداعيات هذا التناقض في ظهور أمراض اجتماعية فقط‪ ،‬بل في ممارسات أخرى أكتر تعقيدا‬
‫كالخيانة والنفاق واالنتهازية التي ذهب ضحيتها سعيد مهران‪.‬‬
‫هكذا يبدو واضحا أن رواية اللص والكالب رواية نقدية تنتقد وبشدة الواقع االجتماعي الذي أفرزته الثورة‬
‫والذي عمق من معاناة الطبقة الفقيرة وزاد من همومها إلى درجة أن أسرا كثيرة قد تفككت عالقاتها نتيجة‬
‫الفقر والحاجة‪ ،‬واضطرت إلى بيع شرفها ومبادئها أو النضال من أجل تحققها إلى آخر أنفاس الحياة‪ ،‬فمن‬
‫يتحمل مسؤولية هذا الواقع الجديد؟‬
‫ه‪ -‬منظور البعد األسلوبي‪ :‬يتميز أسلوب نجيب محفوظ في رواية اللص والكالب باالقتراب من لغة البساطة‬
‫والوضوح والدقة في الوصف دونما اهتمام بالمحسنات البديعية‪ ،‬مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة‬
‫الصحافة والطباعة وبالمثاقفة‪ ،‬كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خالل اعتماد لغة حية لها عالقة‬
‫بالشارع المصري‪ ،‬بهذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية‬
‫في محاولة لصبر أغوار اإلنسان العربي وكشف همومه النفسية واالجتماعية‪ ،‬كما تتميز لغة الرواية بتداخل‬
‫خيوط السرد‪ ،‬الذي يتداخل فيه صوت الكاتب بصوت السارد والشخصية‪ ،‬الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد‬
‫سرد األحداث باالعتماد على وضعيات سردية متعددة‪ ،‬من أجل اإلحاطة بهموم الشخصية من كل جوانبها‪ ،‬كما‬
‫تتميز اللغة كذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة ' حقل الحرية‪ ،‬حقل الموت‪ ،‬حقل الدين‪ ،‬حقل الجسد‪ ،‬حقل‬
‫السجن‪ '.... ،‬وباعتماد لغة الوصف ' وصف الشخصيات‪ ،‬األماكن‪ '..‬واعتماد الحوار بنوعيه الخارجي‬
‫والداخلي ‪.‬‬

‫الوصف في الرواية‪:‬‬

‫ينصب الوصف على األشخاص واألمكنة واألشياء والوسائل‪ ،‬وله وظائف جمالية وداللية وتوضيحية‬
‫تفسيرية‪ .‬ويقوم الوصف بتمثيل الموجود مسبقا ومحاكاته من أجل اإليهام بوجوده الحقيقي والمرجعي(‬
‫اإليهام بالواقعية)‪ .‬ويهتم الوصف في الرواية الواقعية بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه األبطال‪ .‬ويعني هذا‬
‫أن الوصف يستخدم في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية‪ ،‬ثم إليضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء‬
‫من األهمية‪.‬‬
‫ومن العناصر التي تم التركيز عليها وصفا وتشخيصا وتجسيدا تصوير الشخصيات فيزيولوجيا واجتماعيا‬
‫وأخالقيا ونفسانيا‪ ،‬كوصف سناء التي أثارت أباها سعيد مهران بوجودها الرائع ؛ ألنه ترك بنته الوحيدة وهي‬
‫طفلة صغيرة بين األيدي الخائنة‪ ”:‬وعندما ترامى وقع األقدام القادمة ‪ ،‬خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع‬
‫إلى الباب وهو يعض على باطن شفتيه‪ .‬مسح تطلع شيق وحنان جارف جميع عواصف الحنق‪ .‬وظهرت البنت‬
‫بعينين داهشتين بين يدي الرجل‪ ،‬ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة‪ .‬وتبدت في فستان أبيض أنيق وشبشب‬
‫أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضبتين‪ .‬وتطلعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين‬
‫فالتهمتهما روحه‪”.‬‬
‫ويصف الكاتب رؤوف علوان ساخرا من مبادئه الزائفة وثورته الواهمة التي ذهب ضحيتها كثير من األبرياء‬
‫والفقراء والبؤساء وزجوا بهم في السجن من أجل أن يستفيدوا من المناصب السامية ويقتسموا الثروة ليعيش‬
‫اآلخرون جوعا وفاقة‪ ”:‬رؤوف علوان‪ ،‬خبرني كيف يغير الدهر الناس على هذا النحو البشع؟! الطالب الثائر‪.‬‬
‫الثورة في شكل طالب‪ .‬صوتك القوي يترامى إلي عند قدمي أبي في حوش العمارة‪ ،‬قوة توقظ النفس عن‬
‫طريق األذن‪،‬عن األمراء والباشوات تتكلم‪ .‬وبقوة السحر استحال السادة لصوصا‪ .‬وصورتك التنسى وأنت‬
‫تمشي وسط أقرانك في طريق المديرية بالجالبيب الفضفاضة وتمصون القصب… وكنت بين المستمعين لك‬
‫عند النخلة التي نبتت عند جذورها قصة حبي وكان الزمان ممن يستمعون لك‪ .‬الشعب… السرقة… النار‬
‫المقدسة‪ .‬الثروة…الجوع…‪.‬العدالة المذهلة‪ .‬ويم اعتقلت ارتفعت في نظري إلى السماء‪ .‬وارتفعت أكثر يوم‬
‫حميتني عند أول سرقة‪ .‬ويوم رد حديثك عن السرقة إلي كرامتي‪ .‬ويوم قلت لي في حزن” سرقات فردية ال‬
‫قيمة لهان البد من تنظيم!”‪ .‬ولم أكف عن القراءة والسرقة بعد ذلك‪ .‬وكنت ترشدني إلى السماء الجديرة‬
‫بالسرقة‪ .‬ووجدت في السرقة مجدي وكرامتي‪ .‬وأغدقت على أناس كان من بينهم لألسف عليش سدرة‪”.‬‬
‫ووصف الكاتب عليش سدرة و زوجته نبوية وخليلته نور في عدة مواضع من الرواية عبر مستويات خارجية‬
‫واجتماعية وأخالقية ونفسية تكشف لنا انتهازية عليش وخيانة رؤوف علوان ومكر نبوية واستهتار نور‬
‫وصفاء الشيخ الجنيدي ونكران سناء ألبيها الخارج من السجن ‪.‬‬
‫وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ‪ ،‬البعض منها يوحي بالغنى والثراء كڤيال رؤوف علوان الغاصة باألشياء‬
‫الثمينة‪ ،‬والبعض اآلخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة نور‪.‬‬
‫وإليكم مقطعا وصفيا يتداخل فيه وصف المكان ووصف األشياء لتجسيد التفاوت الطبقي والصراع‬
‫االجتماعي‪ ”:‬وأضاء خادم النجفة بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها‪ .‬وعلى ضوئها المنتشر‬
‫تجلت مرايا األركان عاكسة األضواء‪ ،‬وتبدت التحف الثاوية على الحوامل المذهبة كأنها بعثت من ظلمات‬
‫التاريخ‪ ،‬وتهاويل السقف وزخارف األبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى األقدام‪ .‬وأخيرا‬
‫استقر البصر على وجه األستاذ الممتلئ المستدير‪ ،‬ذلك الوجه الذي طالما عشقه وحفظه عن ظهر قلب لطول‬
‫ما أحدق فيه منصتا‪ .‬وبينا راح الخادم يفتح بابا مطال على الحديقة في الجدار األيسر ويكشف عنه ستائره‬
‫مضى وهو ينظر إلى األستاذ ويلحظ الروائع مسترقا‪”.‬‬
‫و يالحظ أن الكاتب لم يفصل كثيرا في وصف شخصياته وأماكنه وأشيائه كما كان يفعل بلزاك وستندال‬
‫وفلوبير‪ ،‬بل اكتفى بفقرات موجزة ومقاطع موحية‪ .‬ولكن وصفه لم يكن مقال كما هو الحال عند الروائيين‬
‫الجدد والذي كان يتسم باإلضمار والحذف واالختزال‪ .‬وقد أحسن نجيب محفوظ وصف األشياء التي تشير إلى‬
‫تبرجز المجتمع العربي وشروعه في التأثيث وتملك األشياء واقتناء التحف واألدوات الثمينة‪.‬‬

‫القراءة التركيبية‪:‬‬

‫لقد بات واضحا أن رواية اللص والكالب لنجيب محفوظ‪ ،‬رواية واقعية نقدية تشخص بعمق مشاكل الفرد في‬
‫مجتمع تالشت فيه القيم النبيلة‪ ،‬وساده الظلم والفساد‪ .‬هذه الرؤية المأساوية التي يعبر عنها نجيب محفوظ‬
‫في هذه الرواية‪ ،‬تستخلص من خالل مسار البطل الفردي‪ .‬والشك أن اإلصغاء لمشاكله ولمعاناته مع الذين‬
‫خانوه‪ ،‬يعكس بالملموس أزمته الداخلية‪ ،‬وهي أزمة تخلع عليه سمة البطل اإلشكالي‪ ،‬الذي يطمح إلى غرس‬
‫القيم الجميلة في مجتمع يفتقد لكل مظاهر القيم والمبادئ‪ ،‬وهذا ما يفسر تركيز الرواية على شخصية البطل‬
‫في حين تحضر الشخصيات األخرى في عالقاتها بشخصية البطل‪.‬‬

‫نقدي للروايه‬

‫الروايه كلها تجسد معنى االنتقام وكيف أن االنتقام كفيل بتدمير اإلنسان دون أن ينال مراده في كثير من‬
‫االحيان‪.‬‬
‫ويبرع نجيب محفوظ في توصيف حاله المنتقم ( سعيد مهران) الذي تعميه رغبته العارمه في االنتقام في رؤيه‬
‫كل ما هو جميل فيعجز عن رؤيه الحب ويعجز عن رؤيه الجمال الروحاني التي تبثه النفوس التقيه ويعجز عن‬
‫عيش الحياه ففي رأسه ال تدور اإل فكره االنتقام ‪.‬‬

‫الروايه رائعه في تجسيد عبثيه االنتقام وكيف ان فكره االنتقام اول ما تؤذي تؤذي صاحبها وتلوث قلبه وتعميه‬

‫عن رؤيه أي شيء‪.‬‬


‫اللص والكالب وتعليق عام‪:‬‬

‫أثبت نجيب محفوظ بما ال يدع مجاال للشك أنه سيد من يبنى البناء في أدبنا القصصي‪ .‬فهو مهندس من أعظم‬
‫طراز يعمل بالمسطرة والفرجار‬

‫أن كل خصائص القصة الكالسيكية وصلت في هذه القصة الى حد الكمال‬

‫ومضمون "اللص والكالب" مضمون واقعي في قالب رومانسي ‪..‬‬


‫واقعي في احداثه ومواقفه وان كانت المواقف لم تخل من مذاق "وجودي" في بعض األحيان‪ .‬ان سعيد مهران‬
‫بكل ميوله النفسية الناقمة لم يكن اال نمطا انسانيا صنعته ظروف ضاغطة‪ ،‬ظروف اجتماعية جددت خط سيره‬
‫في طريق الحياة‪ ..‬وكل واحد منا لو نشأ نفس النشاة وتعرض لنفس الظروف‬

‫التكنيك الحواري ‪....‬‬

‫حاول نجيب محفوظ في قصته على المزاوجه بين اللغة الفصحى التي يحرص عليها في قصصه بعامة وبين‬
‫اللغة المحكية لينقلنا بواقعية داخل الخطاب النفسي للشخوص ‪.‬‬

‫عبارات مشهورة على لسان سعيد مهران في القصة ‪..‬‬

‫" هذا هو رؤوف علوان‪ ،‬الحقيقة العارية‪ ،‬جثة عفنة ال يواريها تراب‪ ..‬تخلقني ثم ترتد‪ ،‬تغير بكل بساطة فكرك‬
‫بعد أن تجسد في شخصي‪ ،‬كي أجد نفسي ضائعا بال أصل وبال قيمة وبال أمل‪ ..‬ترى أتقر بخيانتك ولو بينك‬
‫وبين نفسك أم خدعتها كما تحاول خداع اآلخرين؟ أال يستيقظ ضميرك ولو في الظالم؟ أود ان أنفذ الى ذاتك كما‬
‫نفذت الى بيت التحف والمرايا بيتك‪ ،‬ولكني لن أجد اال الخيانة‪ .‬سأجد نبوية في ثياب رؤوف‪ ،‬أو رؤوف في‬
‫ثياب نبوية‪ ،‬او عليش مكانهما‪ ،‬وستعترف لي الخيانة بأنها اسمج رذيلة فوق األرض‪ ..‬كذلك أنت يا رؤوف‪،‬‬
‫ولكن ذنبك افظع يا صاحب العقل والتاريخ‪ ،‬اتدفع بي الى السجن وتثب أنت الى قصر األنوار والمرايا؟ انسيت‬
‫أقوالك المأثورة عن القصور واألكواخ؟ أما أنا فال أنسى!"‬

‫سمات الواقعية في رواية اللص والكالب ‪:‬‬

‫‪ -1‬اللغة ‪ :‬في دراية اللغة الروائية ومستويات الكالم ‪ ,‬أو سجالت الكالم ‪ ,‬نجد أن النص اللغوي الوارد في‬
‫الرواية يكون إحاليا وحرفيا ‪,‬‬
‫اللغة اإلحالية ‪ :‬هي الكالم المباشر الذي ينتهي بمجرد وصول خبره إلينا ‪,‬وهو في البالغة األسلوب البالغي‬
‫اإلنشائي الوصفي غير الفني ‪ ,‬وهو اللغة التسجيلية‬
‫اللغة الحرفية ‪ :‬هو الكالم األدبي الفني الشاعري والذي يبقى آثره في نفوسنا عند قراءته وكأنه قصيدة تترأى‬
‫أمامنا ويظل حاضرا بذاته وتدخل فيها الكثير من الصيغ ‪,‬االستعارة ‪,‬التأمالت‪ ,‬بعض األحكام والتقييمات‬
‫الشخصية ‪ .‬ماتميزت به الرواية الواقعية الجديدة هي الشحنة الشعرية األدبية في اللغة وقد جاءت في هذا‬
‫الرواية في أكثر من موضع منها (مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية‪ ،‬ولكن الجو غبار خانق وحر ال يطاق‪ .‬وفي‬
‫انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط ‪ ،‬وسواهما لم يجد ف بانتظاره أحداً‪ .‬ها هي الدنيا تعود‪ ،‬وها هو‬
‫باب السجن األصم يبتعد منطويا ً األسرار اليائسة‪ .‬هذه الطرقات المثقلة بالشمس ‪ ،‬وهذه السيارات المجنونة‪،‬‬
‫والعابرون والجالسون‪ ،‬والبيوت والدكاكين ‪)..‬‬

‫واستفهامات بالغية واستعارات كقوله ‪:‬‬

‫نبوية عليش‪ ،‬كيف انقلب االسمان اسما ً واحداً؟"‪.‬‬


‫غب المطر‪ ،‬ماذا تعرف الصغيرة عن أبيها؟‬ ‫‪ " -‬وسطع الحنان فيها كالنقاء َّ‬
‫‪ُ " -‬ترى بأي وجه يلقاك ؟ كيف تتالقى العينان ؟ أنسيت يا عليش أنك كنت تتمسح في ساقي كالكلب ؟"‪ " .‬ألم‬
‫ُأعلمك الوقوف على قدمين ؟ ومن الذي جعل جامع األعقاب رجالً ؟"‪.‬‬
‫واليوجد نص كل لغته حرفية أو كل لغته إحالية ‪ ,‬وإنما نحكم على النص من خالل قانون الهيمنة ‪,‬فإذا طغت‬
‫اللغة اإلحالية في الرواية نحكم على لغة الرواية بأنها لغة إحالية ‪ ,‬وإذا كانت اللغة الحرفية سائدة نحكم على‬
‫النص أن لغته حرفية ‪.‬‬

‫وباإلطالع على الفصول األولى من رواية اللص والكالب ‪ ,‬نجد اللغة في النص هي اللغة الطبيعية الواقعية‬
‫اإلحالية التقريرية ‪,‬فهي اللغة الطاغية في معظم فصول الرواية ‪.‬‬
‫وإذا تحدثنا عن اللغة في السرد نجدها لغة فصحى ‪,‬كسائر روايات نجيب محفوظ ‪.‬‬
‫أما اللغة الحوارية فقد استخدم فيها اللهجة الدارجة (العامية ) حتى يضفي الكاتب على روايته واقعية أخرى ‪.‬‬
‫وقد أظهر هذه األلفاظ العام ّية على لسان ُأناس بسطاء كالمخبر‬
‫مثل ‪:‬‬
‫((سعيد مهران !! يألف نهار أبيض ‪)..‬‬
‫والمليم !صدقوني يارجال ‪)....‬‬
‫(أخز الشيطان ‪)..‬‬
‫( حسب هللا ) الذي ينادي‪ " :‬هاتوا البنت"‪ ،‬ثم " أبوك ياشاطرة"‪.‬‬
‫وتارة أخرى على لسان المعلم ( بياظة )‪ " :‬ألف نهار أبيض" و " تعال إلى الدكان نشرب الشربات"‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى لسان خادم( رؤوف علوان )‪ :‬ننادي البوليس؟‬
‫‪ -‬وعلى لسان الرجال في مقهى المعلم طرزان ‪":‬يا أرض أحفظي ما عليك!"‪ ،‬و " ليلة بيضا بالصالة على‬
‫النبي"‪.‬‬
‫‪ -‬وتقول ( نور ) ‪ :‬ياكسوفي ‪..‬انتظرتَ طويالً ؟‬
‫‪ -‬وغمغم( بياظة )عندما اعترضه سعيد ‪ :‬فلوس العيال‬
‫‪ -‬وقال المخبرون‪" :‬من قوة الوايلي يافندم‪.‬‬
‫‪ -‬هاتي الجاكيته‪.‬‬

‫هذا على سبيل المثال ال الحصر ‪.‬‬

‫المعاني الحافة ‪ :‬وهي المعاني التي اليقصد إليها الكالم مباشرة ولكن نفهم منه معاني أخرى غير مباشرة ‪,‬‬
‫تعتمد على مرجعيتنا الثقافية أو التراثية أو الدينية ‪ .‬فتجد الكالم يحتمل أكثر من معنى لذلك هي معاني حافة‬
‫تحف بالمعنى‪.‬‬
‫مثل ‪( :‬فقال أحد ماسحي الجوخ ‪:‬‬
‫‪ -‬بنتك في الحفظ والصون ‪,‬مع أمها ‪ ,‬وشرعا يجب أن تبقى مع أمها بنت ستة أعوام ‪,‬وغن شئت أزورك بها‬
‫كل أسبوع ‪.‬‬
‫فرفع سعيد صوته متعمدا ليسمع من الخارج ‪:‬‬
‫‪ -‬شرعا هي حق ل لشتى المالبسات والظروف ‪)...‬‬
‫هنا نجد معنى من المعاني الحافة يعود إلى مرجعيتنا الدينية ‪,‬وهو سن الحضانة في اإلسالم ‪.‬‬
‫مثال آخر ‪:‬‬
‫(المهتزون باألناشيد يملئون الحوش ‪ ,‬وهللا في أعماق الصدور يتردد ‪)..‬‬

‫( وردد علي الجنيدي (هللا ) ثالثا فردد اآلخرون النداء في نغمة وسمت مخيلته حركة الذكر الراقصة ‪.‬هللا ‪..‬هللا‬
‫‪...‬هللا ‪,‬وازدادت النغمة سرعة وارتفاعا ‪)...‬‬
‫هنا يخلق لدى ذاكرة المتلقي طقوس الصوفية ‪,‬‬
‫‪ -2‬اإلحاالت ‪ :‬يعتمد النص الواقعي على مجموعة من االحاالت التاريخية والشخصية والمكانية وتكون‬
‫اإلحاالت الواردة في الرواية الواقعية لإليهام بالواقعية وفي رواية اللص والكالب نجد ‪:‬‬
‫إحالة تاريخية ‪ :‬في بداية الرواية تحدث الكاتب عن خروج سعيد من السجن بعد قضاء أربع سنوات والسبب‬
‫في خروجه هو عيد الثورة (ثورة الضباط األحرار بقيادة جمال عبد الناصر ‪23‬يوليوز ‪).1952‬‬
‫(الحمدهلل على سالمتك ‪..‬‬
‫‪ -‬مبارك لألصدقاء واألحباب ‪..‬‬
‫‪ -‬قلنا من القلوب سيفرج عنك في عيد الثورة ‪)..‬‬
‫إحالة مكانية ‪ :‬ورد ذكر أماكن في القاهر هي ( عطفة الصيرفي – حي الدارسة القائم بين ذراعي المقطم –‬
‫شمال النيل – جسر عباس – صحراء العباسية )‬
‫إحالة دينية ‪ :‬عندما قابل سعيد مهران الشيخ الجنيدي ودار بينهم حديث ما ‪,‬أورد المؤلف على لسان الشيخ‬
‫آيات كريمات كنوع من اإلحالة الدينية ( قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم هللا ) ‪.‬‬
‫(واصطنعتك على نفسي )‬
‫وردد قول القائل ( المحبة هي الموافقة أي الطاعة له فيما أمر ‪ ,‬واالنتهاء عما زجر ‪,‬والرضا بماحكم وقدر ))‬
‫وكذلك استشهاده باألشعار المشهورة للصوفية شاعرها ( ابن الفارض )‪:‬‬
‫يا حسرتي ضاع الزمان ولم أفز‪ ....‬منكم اهيل مودتي بلقاء‬
‫وكفي غراما أن أعيش متيما‪... ....‬شوقي أمامي والقضاء ورائي‬
‫كذلك نجد إحالة وراثية ‪ :‬في وصفه البنته سناء (كأنها ليست بابنته‪ ،‬رغم العينين اللوزيتين والوجه المستطيل‬
‫واألنف االقنى الطويل‪).‬‬
‫الحبكة ‪ :‬حبكة الرواية وعقدتها الجوهرية التي تتمثل في االنتقام من الخونة والثأر من الذين غدروا به وهم‪:‬‬
‫المعلم عليش وزوجته نبوية ورؤوف علوان‪.‬‬
‫‪ -3‬التدقيق في وصف األماكن والشخصيات واألشياء ‪:‬‬
‫يعير النص الواقعي أسماء العلم المشوهة أو العادية اهتماما كبيرا ‪ ,‬وللداللة االجتماعية يعطي الكاتب أسماء‬
‫شعبية فالحية لشخوص الطبقات الفالحية ‪ ,‬بينما يختار لشخوص الطبقات العليا أماء معتنى بها‬
‫وهذا مالحظ في رواية اللص والكالب‬
‫(نبوية ‪,‬عليش ‪ ,‬بياظه ‪ ,‬طرزان ‪ ,‬سعيد مهران) أسماء تعطي داللة على بيئتها الشعبية ‪.‬‬

‫( عبد الرؤوف علوان ‪ ) -‬مع انه كان ينتمي إلى الطبقة الكادحة إال انه بعد ذلك أصبح رمزا للبرجوازية فجاء‬
‫اسمه مناسبا للطبقة العليا التي انضم لها مؤخرا ‪.‬‬

‫ونالحظ التدقيق في األسماء ‪ :‬علي الجنيدي ‪,‬سعيد ابن مهران ‪ ,‬عليش سدرة ‪ ,‬عبد الرؤوف علوان ‪ ,‬وهذا‬
‫االكتمال في نسب األسماء يعطي القاري شيئا من الواقعية ( إيهام بالواقعية )‬

‫وصف األماكن ‪ :‬التدقيق في وصف األماكن من أهم مايميز الواقعية ‪ ,‬وهذا جلي في رواية اللص والكالب‬
‫كوصف المؤلف لألزقة والشوارع وصفا دقيقا حتى كأنك تراها ماثلة أمامك‬
‫( وصف عطفة الصيرفي ) ‪ :‬عندما أقطع هذا الشارع ذا البواكى العابسة‪ ،‬طريق المالهى البائدة‪ ،‬الصاعدة الى‬
‫غير رفعة‪ ،‬اشهد أنى أكرهك ‪ .‬الخمارات أغلقت أبوابها ولم يبق إال الحوارى التي تحاك فيها المؤامرات ‪،‬‬
‫والقدم تعبر من آن آلن نقرة مستقرة في األطوار كالمكيدة ‪ ،‬وضجيج عجالت الترام يكركر كالسب‪ ،‬ونداءات‬
‫شتى تختلط كأنما تنبعث من نفايات الخضر‪ ،‬اشهد أنى أكرهك ‪ .‬ونوافذ البيوت المغرية حتى وهى خالية‪،‬‬
‫والجدران المتجهمة المقشفة ‪ ،‬وهذه العطفة الغريبة عطفة الصيرفى ‪ ،‬الذكرى المظلمة ‪ ،‬حيث سرق السارق ‪،‬‬
‫وفي غمضة عين انطوى‪ ،‬الويل للخونة‪ .‬في هذه العطفة ذاتها زحف الحصار كالثعبان ليطوق الغافل‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫بعام خرجت من العطفة تحمل دقيق العيد واألخرى تتقدمك حاملة سناء في قماطها‪ ،‬تلك األيام الرائعة التي ال‬
‫يدرى أحد مدى صدقها ‪ ،‬فانطبعت آثار العيد والحب واألبوة والجريمة فوق أديم واحد‪ .‬وتراءت الجوامع‬
‫الشاهقة ‪ ،‬وطارت راس القلعة في السماء الصافية‪ ،‬وانساب الطريق في الميدان‪ ،‬تجلت خضرة البستان تحت‬
‫األشعة الحامية‪ ،‬وهبت نسمة جافة رغم القيظ منعشة‪ ،‬ميدان القلعة بكل ذكرياته المحرق‪ .‬وكان على الوجه‬
‫الذي لفحته الشمس أن ينبسط وأن يصب ماء بارداً على جوفه المستعر كي يبدو مسالما ً أليفا فيمثل دوره‬
‫المرسوم كما ينبغي‬

‫(وصفه لسكن نور) ‪:‬‬


‫البيت الوحيد في الشارع ‪,‬تحت وكالة خيش ‪,‬ووراء القرافة‬
‫(وصفه لفيال رؤوف علوان )‪:‬‬
‫وأضاء خادم النجفة فخطفت بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها‪ ،‬وعلى ضوئها المنتشر تجلت‬
‫مرايا األركان عاكسة األضواء‪ ،‬وتبدت التحف الثاوية على الحوامل ال ُمذهبة كأنما ُبعثت من ظلمات التاريخ‪،‬‬
‫وتهاويل السقف وزخارف األبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى األقدام"‪.‬‬

‫وصفه ألحد األماكن‬


‫" واجتاز وسط الميدان متجها نحو سكة اإلمام‪ .‬ومضى فيها يقترب من البيت ذي األدوار الثالثة في نهايتها‬
‫وعلى مفرق عطفتين جانبيتين يتفرع إليهما الطريق األول‪ .‬في هذه الزورة البريئة سيكشف العدو ع ّما أعده‬
‫للقاء‪ ،‬فادرس طريقك ومواقعه‪ ،‬وهذه الدكاكين التي تشرئب منها الرؤوس كالفيران المتوجسة"‪.‬‬
‫التدقيق في وصف األشخاص‪:‬‬
‫مثل وصف المؤلف ألبنت سعيد مهران سناء (وعندما ترامي وقع األقدام القادمة خفق قلب سعيد خفقه موجعة‬
‫وتطلع إلى الباب وهو يعض على باطن شفته‪ .‬مسح تطلع شفق وحنان جارف جميع عواطف الحنق‪ .‬وظهرت‬
‫البنت بعينين داهشتين بين يدي الرجل‪ ،‬ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة‪ .‬وتبدت في فستان أبيض أنيق‬
‫وشبشب أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضوبتين‪ .‬وتطلعت بوحه أسمر‬
‫وشعر أسود مسبسب فوق الجبين فالتهمتهما روحه وجعلت تقلب عينيها في‬
‫الوجوه بغرابة‪ ،‬وفي وجهه خاصة باستنكار لشدة تحديقه ولشعرها بأنها تدفع نحوه‪ ،‬وإذا بها تفرمل قدميها‬
‫في البساط وتميل بجسمها إلى الوراء‪ .‬لم ينزع منها عينيه ولكن قلبه انكسر‪ ،‬انكسر حتى لم يبق فيه إال شعور‬
‫بالضياع‪ .‬كأنها ليست بابنته‪ ،‬رغم العينين اللوزيتين والوجه المستطيل واألنف االقنى الطويل‪ .‬ونداء الدم‬
‫والروح ما شأنه؟‬
‫ووصفة لوجه رؤوف علوان (وأخيرا استقر البصر على وجه األستاذ الممتلئ المستدير)‬
‫ومالمح سعيد مهران ( بدأ سعيد وهو يتابعه بعينيه البراقتين وجسمه النحيل القوي كأنه نمر ‪)..‬‬
‫وفي النظير مالمح وهيئة عدوه عليش سدرة ( دخل عليش سدرة في جلباب فضفاض ‪ ,‬منتفخ حول جسم‬
‫برميلي ‪,‬رافعا وجها مستديرا ‪,‬ممتلئ اللغذ ‪ ,‬تحت ذقن مربع ‪ ,‬وأنف غليظ محطم العرنين ) ‪.‬‬
‫تحف به لحية‬
‫ُّ‬ ‫ويصف الشيخ على الجنيدي ( ُث ّم رفع رأسه عن وجه نحيل ‪ ،‬فائض الحيوية ‪ ،‬ب ّين اإلشراق ‪،‬‬
‫بيضاء كالهالة‪ ،‬وعلى الرأس طاق ّية بيضاء منغرزة في سوالف كثة فضية)‬
‫ويصور سعيد في مشهد آخر ‪ " :‬فأسند رأسه المفلفل إلى يده المعروقة الدكناء"‪.‬‬
‫كذلك (وقطعوا بقية الردهة دون أن ينبس أحدهم بكلمة‪ .‬وكان الشقيقان متشابهين لدرجة كبيرة ‪ ،‬فكالهما له‬
‫هذا الوجه المستطيل ‪ ،‬وعينان عسليتان واسعتان‪ ،‬وبشرة سمراء ضاربة إلى العمق‪ ،‬إال أن حسين في التاسعة‬
‫عشرة‪ ،‬يكبر أخاه بعامين ودونه ‪ ،‬حين يمتاز حسنين بدقة في قسمات وجهه أكسبته وضاءة‪)...‬‬
‫الزمن في الواقعية الجديدة ‪:‬‬
‫جاء الزمن في خط تصاعدي يبدأ من خروج سعيد من السجن حتى مقتله على أيدي رجال الشرطة‪.‬ولكن يتخلل‬
‫ذلك أنواع من األزمنة التي تمتاز بها الرواية الواقعية الجديدة‬
‫كالزمن الباطني ‪ :‬حين يكون جالسا سعيد مهران وتعود به الذاكرة إلى الماضي وكيف كان صديقة رؤوف‬
‫علوان ينادي بمثل ومبادئ أصبح الحقيقة له عنده في واقعه اليوم!!‬
‫وعندما يحلم بأن يقضي على الظلم والخيانة المتمثل في زوجته نبوية وزوجها عليش وصديقه الخائن روؤف‬
‫علوان ‪.‬‬

You might also like