Professional Documents
Culture Documents
تحليل رواية اللص والكلاب
تحليل رواية اللص والكلاب
تمهيد
يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا وتأصيال وقد
تميز نجيب محفوظ عن غيره من الروائيين بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في
إطار رؤى فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة عبر امتداد تاريخ السالالت المالكة
للسلطة والحكومات المتعاقبة .وبذلك ،يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن تاريخ مصر ،كما كان عبد الكريم
غالب ناطق التاريخ المغربي ،ونبيل سليمان ناطق التاريخ السوري ،وطاهر وطار ناطق التاريخ الجزائري،
وغسان كنفاني ناطق التاريخ الفلسطيني…
ومن أهم الروايات التي دبجها نجيب محفوظ رواية” اللص والكالب” التي اتخذت طابعا واقعيا جديدا قام
بتأليفها عام بعد ثورة الضباط في مص
وهي ضمن رواياته المصنفة تحت مسمى (الواقعية الجديدة ) التي حافظت على كون األدب موقفا من الواقع
يصور الواقع ويحفز على تغييره لكنها أيضا اهتمت بالشكل األدبي ( اللغة وشعرية اللغة )وهذا تجد يد في
الواقعية إذ أنها تعطي اللغة شحنة شعرية والميل إلى الرمزية فأصبحت للغة أبعاد رمزية كذلك هناك رمزية
لألشخاص ,و رمزية لألشياء ,وتعامل جديد مع الزمن نوضحه في سمات الواقعية في رواية نجيب محفوظ ((
اللص الكلاب )).
-القراءة التوجيهية:
تقديم :لقد كثر االهتمام في اآلونة األخيرة بالنصوص الموازية ،أو ما يسمى بعتبات الكتابة ،في إطار نظرية
التلقي التي تركز بالدرجة األولى على االهتمام بالمتلقي باعتباره أحد األركان األساسية للحديث عن التلقي،
فكما ال يمكن أن نتصور إبداعا بدون مؤلف ،كذلك ال يمكن تصور تلقي بدون وجود شخص يستهدفه المبدع
بإبداعه ،ولتسهيل عملية التلقي هذه ،ولتوجيه القارئ وجهة التلقي السليمة وفرت له نصوص موازية
توازي النص الجوهر ،وظيفتها إعطاء فكرة مسبقة عن النص قبل الشروع في تلقيه ،ومن بين هذه
النصوص نذكر اسم المؤلف ،ونص العنوان ،فما هي نقط تقاطع حياة نجيب محفوظ والعنوان' اللص
والكالب' مع نص المؤلف؟
ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا كاتب مصري معروف بحي الجمالية في القاهرة عام 1911م ،وهي
منطقة شعبية وصفها في الكثير من رواياته ،منها ' خان خليلي'ونشأ في أسرة متوسطة الحال .فتلقى تعليمه
االبتدائي بالمدرسة الحسنية ،ثم الثانوي بمدرسة فؤاد األول إلى حين حصوله على شهادة البكالوريا ،درس الفلسفة
وتخرج بعد ذلك من كلية اآلداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة سنة .1934
وقد شرع في الكتابة واإلبداع منذ المرحلة الثانوية ،ونشر عام 1934م أول نص قصصي له حمل عنوان” ثمن
الضعف“ ،وانخرط بعد ذلك في سلك الوظيفة العمومية بإدارة جامعة فؤاد األول ،فوزارة الثقافة ليعين عضوا بالمجلس
األعلى لرعاية الفنون واآلداب ،ثم مستشارا لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة…
وأحيل نجيب محفوظ على المعاش عام 1971م ،ومن يومها وهو يواصل اإلبداع والكتابة الروائية والقصصية
والمسرحية إلى أن حاز على جائزة نوبل في اآلداب عام 1988م .بسبب دوره الرائد في ازدهار الفن الروائي
العربي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة.
هذا ،ولقد عايش نجيب محفوظ جميع ماشاهدته مصر في تاريخها الحديث من هزات مست مختلف مكوناتها ابتداء
بالثورة العرابية سنة1882م ،وثورة سعد زغلول سنة 1919م ،وما عاشته من أزمات اقتصادية خاصة أزمة مابين
1930و1934م ،وما رافق الحرب العالمية األولى والثانية من استبدادات إقطاعية واستعمارية وأزمات سياسية وفكرية
واجتماعية ،عمل نجيب محفوظ على تجسيد أثرها على المجتمع العربي ،فكانت قصصه رحلة عبر األزمات المادية
والروحية.
وتأثر نجيب محفوظ إلى جانب انجذابه إلى المحيط الذاتي واالجتماعي والعصري بمؤثرات التراث العربي والغربي حيث
تأثر قديما بالتأمل الفلسفي عند أبي العالء وبالروح الشعرية التأثرية عند ابن الرومي .فبدأ تجاربه األولى بنظم القصائد
حتى عد نفسه رائد المدرسة الحديثة في الشعر ،وحديثا تأثر بالحس االجتماعي الرهيف عند المنفلوطي ،والعلم
واالشتراكية عند سالمة موسى ،كما تأثر في الجامعة بالدراسات الفلسفية التي وجهت تفكيره إلى القضايا الفكرية،كما
تأثر بمختلف االتجاهات الروائية الغربية كاالتجاه التاريخي والواقعي والنفسي والعبثي والطبيعي .فبرز أثرها في تنوع
األشكال الروائية عنده بين التاريخية واالجتماعية والفلسفية.
كتاباته ضمن الواقعية الجديدة ،ومن أشهر أعماله الروائية نذكر' همس الجنون ،كفاح طيبة ،بداية ونهاية،قصر
الشوك ،ثرثرة فوق النيل،خمارة القط األسود ،حكاية بال بداية ونهاية،أوالد حارتنا ،اللص والكالب ،السمان
والخريف ،الطريق،الشحاذ ،ثرثرة فوق النيل ...وقد ترجمت قصصه ورواياته إلى العديد من اللغات.
و ما يهمنا أكتر في حياته هو أنه عايش ثورة مصر سنة 1952م واستوعب التحوالت االجتماعية والسياسية
وأثرها على نفسية الشعب المصري ،والرواية قيد التحليل رواية واقعية ينتقد من خاللها نجيب محفوظ واقع
مصر الجديد بعد ثورة مصر 1952م.
اللص والكالب رواية لنجيب محفوظ حظيت باهتمام كبير من قبل كثير من النقاد والدارسين لما فيها من إبداع
في المبنى والمضمون.
ملخص االحداث
تبدأ الرواية في عيد الثورة عندما خرج (سعيد مهران) من السجن ,وسعيد هذا اسم على غير مسمى ,فهو
ليس سعيدا على اإلطالق .فحياته كلها آالم وضياع .منذ مات والده وهو يحمل على كتفه أعباء السنين ,كان
والده بواب عمارة الطلبة ثم مات فأصبح لزاما على الولد واألم أن يقوما باحتياجاتهما .وتجلّت شهامة رؤوف
علوان الطالب بكلية الحقوق فسعى أن يعمل سعيد ووالدته في خدمة العمارة بعدما رحل رب األسرة.
وبدأ سعيد يتحمل المسؤولية في سن مبكرة .ثم مرضت أمه وهلكت بسبب مرضها حيث دأهمها نزيف حاد,
فأسرع ابنها إلى أقرب مستشفى .تصور أن المستشفى يمكن أن ينقذها ألنها روح إنسان ,لم يكن يعرف أن
المستشفيات الكبرى ذات قاعات االستقبال الفخمة والطبيب الشهير والممرضة األجنبية سوف تنظر ألمه
المريضة نظرة احتقار ألنها ببساطة رثة الثياب واضحة الفقر.
بعد خروج سعيد مهران من السجن كانت فكرة االنتقام تدور في رأسه مع حنين البنته التي كانت تجعل معنى
لحياته.
طبيعة الرواية
رواية "اللص والكالب "تقوم علي خط الصراع األساسي بين "اللص والكالب" أو سعيد مهران والمجتمع.
وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها ،فال يتكلف
نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف األساسي في الرواية ويمكن
للقارئ أن يضع يده علي الخيط األول وبذلك ال يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل الفني.
تصور رواية "اللص والكالب" شخصية سعيد مهران بأنه لص خرج من السجن صيفا بعد أن قضى به أربعة
أعوام غدرا لينتقم من الذين اغتنوا على حساب اآلخرين ،وزيفوا المبادئ ،وداسوا على القيم األصيلة لكي
يجعل من الحياة معنى بدال من العبثية وال جدواها .وهكذا قرر أن ينتقم من هؤالء الكالب إال أن محاوالته
كانت كلها عابثة تصيب األبرياء وينجو منها األعداء مما زاد الطين بلة .فصارت الحياة عبثا بال معنى وال
هدف ،ولقي مصيره النهائي في نهاية الرواية بنوع من الالمباالة وعدم االكتراث ولم يعرف لنفسه وضعا
وال موضعا ،وال غاية وجاهد بكل قسوة ليسيطر على شيء ما ليبذل مقاومة أخيرة ،ليظفر عبثا بذكرى
مستعصية ،وأخيرا لم يجد بدا من االستسالم ،فاستسلم .
دواعي التأليف
اللص والكالب"رواية مستوحاة من واقعة حقيقية بطلها " محمود أمين سليمان " الذي شغل الرأي العام
لعدة شهور في أوائل عام .1961وقد لوحظ اهتمام الناس بهذا المجرم وعطف الكثيرين منهم عليه ،فقد
خرج " محمود أمين سليمان "عن القانون لينتقم من زوجته السابقة ومحاميه ألنهما خاناه وانتهكا شرفه
وحرماه من ماله وطفلته وكان هذا سببا هاما من أسباب تعاطف الناس معه ،ولتحقيق انتقامه ارتكب العديد
من الجرائم في حق الشرطة وبعض أفراد المجتمع ،فأثارت هذه الواقعة اهتمام الكاتب واستلهم منها مادته
األدبية تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلي فكانت رواية "اللص والكالب".
لعل هذا ما دفعنا إلى تدارك ما قصرت عنه الدراسات النقدية التي جعلت من نص «اللص والكالب» موضوعا
لها ،خصوصا وأن الرواية اختيرت ضمن درس المؤلفات للسنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية.
ينظر إلى الغالف في النظرية السيميائية ،وخصوصا نظرية األيقونص المتفرعة عنها ،بوصفه لوحة ضمن
معمار النص ،تشتغل باعتبارها صفحة تتميز عن الصفحات المشكلة للنص المتن بطابعها الداللي األيقوني،
وبتنظيم العالمات البصرية بكيفية تجعلها ترسخ المتن النصي بأكمله ،وتبرز كيف يأتي المعنى إليه.
يخضع معمار النص من حيث تحديده ،وطريقته في التدليل واالشتغال ،إلى الجهاز النظري الذي يروم دراسة
النص ،أي مختلف المفاهيم اإلجرائية التي تحدد المنهج الذي تتبناه النظرية بوصفها جهازا واصفا ،له
كفاياته المخصوصة ،وطريقته في االستدالل عموما .ويختلف المعمار من هذا المنظور باختالف اإلطار
النظري الذي يستند إليه في التحديد ،ومن تم فهو ،منظورا إليه من جهة "نظرية" األيقونص ،يحدد باعتباره
تركيبا للنص ،أي بوصفه لوحة تنتظم فيها المعطيات البصرية ،والمعطيات اللسانية ،بشكل يجعل من اندماج
النسقين اللفظي والبصري أمرا واردا ،ومهما في بناء النسق الداللي العام.
إن التساؤل حول المعنى ،عن طبيعته ،وعن شروط إنتاجه في عالقته بالنص ،هو تساؤل عن طبيعة التدليل
نفسه ،أي الكيفية التي يأتي بها المعنى ،مادام النص يشتغل بوصفه تدالال ،ويقصد به السيرورة التي يحيل
من خاللها المأثول على الموضوع عبر مؤول بحسب الطرح البورسي(نسبة إلى تشارلز ساندرس بورس).
تنتظم الغالف إذا مجموعة من العالمات البصرية األيقونية والتشكيلية ،والعالمات اللسانية .يقع في أعلى
اللوحة اسم كاتب الرواية نجيب محفوظ ،وفي وسطها يدان ممدودتان؛ في اليد اليمنى منهما مسدس مصوب،
وأمام هذه العالمات كلبان بلون أسود ،لكنهما يوجدان في خلفية الصورة أو عمقها ،وفي أسفل الصورة على
اليمين امرأة تلبس لباسا شفافا يكشف عن أسارير جسدها ،وتضع في فمها أحمر الشفاه ،كما أنها تحمل علبة
تحيل إلى الهدية ،ويوجد في أسفل الغالف على اليسار عنوان النص ا«للص والكالب» كتب بلون أبيض،
وبخط منحرف تماما ،توجد اليدان في األعلى ،وكأنهما فوق عمارة ،بينما ترزح المرأة بحركتها الملتوية
تحت هاتين اليدين.
هذا كل ما يقوله المؤول المباشر لهذه العالمات البصرية واللسانية ،وهذا ما ال يرتضيه الذهن السيميائي
المحلل ،إننا وقفنا فقط عند حدود ما تقوله هذه العالمات في صورتها التقريرية ،لكنه ال يسعف في استكناه
دالالت الغالف إال باستدعاء مؤول دينامي ،ننتقل بوساطته من المعاني المباشرة إلى المعاني اإليحائية ،إذ
نستدعي تجربة جانبية سابقة في الوجود واالشتغال عن ما هو متحقق نصيا ،وهي الكفيلة بتناسل المعنى
وطرحه لمتاهات التأويل.
فال يمكن سبر أغوار دالالت الغالف المائعة والدفع بمعانيها نحو ساحة التداول إال باستدعاء هذا المؤول،
بحسب المفهوم البورسي للتأويل ،هو بمثابة مؤول ثان غير مباشر كفيل باالنطالق في متاهات التأويل إلى
حدود الرسوخ عند مؤول نهائي باعتباره نهائيا داخل التدالل ،والتدالل في التعبير البورسي هو السيرورة
التي يشتغل من خاللها شيء ما بوصفه عالمة ،والعالمة هي كل شيء يحل محل شيء آخر ويدل عليه.
يرى روالن بارت في هذا الصدد أن الصورة تقرأ على شكل ،وهي في ذلك تتبع سيرورة العالمات اللسانية،
وبارت في ذلك يقصد اللغة الفرنسية التي تتجه في كتابتها من اليسار إلى اليمين ،لكن نحن في اللغة العربية
نقرأها إذا بالعكس على شكل .s
يوجد في األعلى اسم الكاتب نجيب محفوظ ،لماذا كتب بلون غير بارز ،ومن دون أي حلية مثل "الدكتور"؟
إن األمر يتعلق بنمط نموذجي ،بتعبير روش ،فمحفوظ أكبر من أن يحلى أو يكتب بلون بارز ،إذ هو أشهر من
تضاف إليه اللغة الكرافية ،لذلك كتب بخط غير بارز مادام اسمه سابق لنصه.
وتمتد في وسط اللوحة يدان ،في اليمنى منهما مسدس مصوب ،فلماذا اختفى صاحب المسدس؟ ولماذا
المسدس مصوب نحو الفراغ؟ وما عالقة الكلبين الموجودين خلف الصورة بتصويب المسدس؟
تلك أسئلة تنقدح انقداحا على الذات السيميائية القارئة للصورة ،وتجعل القارئ يربط الظاهر بالباطن والكائن
بالممكن والمحال ،إن غياب صاحب المسدس غياب للتبئير ،وغياب للتحديد أيضا ،ألن األمر مرتبط بشيء
مشين ابتداء ،فاللص يتخفى عن األنظار ألنه يعي بما يفعل ،وكان بإمكانه استبدال القناع بالتخفي ،فغيابه
رهين بغياب أهلية العامل الذات/اللص ،غياب للتنظيم ،وكأن هذا اللص ال يدري هدفه أو موضوع القيمة
بالنسبة إليه بوصفه عامل ذات ،يطلق رصاصه نحو الفراغ ،كما أن الرصاصة لن تصل إلى الكلبين
الموجودين أمام المسدس ،بقرينة أن المسدس مصوب إلى العدم.
لماذا يحضر الكلب باللون األسود؟ ولماذا هما اثنان وليس أكثر؟ إن األسود في الثقافة المصرية مرتبط
بالحداد والخيانة والتشاؤم ،وفي ذلك نستحضر أن دالالت األلوان تخضع للمعيار األنتروبولوجي أكثر من
غيره ،كما وضحت ذلك دراسات سيميائية مهمة ،كدراسات كاندنسكي وإيتن وكوكيال ومجموعة مو
البلجيكية.
إن الكلب ،استنادا إلى هذه المعطيات ،سينصرف عن مدلوالته الحيوانية المتعلقة باأللفة والوداعة والوفاء،
ليفيد الكون القيمي المرتبط بالكلب اإلنساني ،الذي من سماته المميزة التعبير الياكوبسوني ،العربدة والخيانة
والمكر والخديعة ،فمن يكون هذان الكلبان اإلنسانيان إذن؟
إذا كان اللص الذي يرمي بالمسدس نحو الفراغ هو (سعيد مهران) العامل الذات بال شك ،فالكون القيمي
للكلب اإلنساني ال ينطبق إال على شخصيتين اثنتين/عاملين اثنين في الرواية ،هما (رؤف علوان) ،و(عليش
سدرة) ،ألنهما خانا معا (سعيد مهران) مع زوجه (نبوية) ،إنه إذن يصوب نحوهما لقتلهما انتقاما لشرفه،
واعتدادا بكرامته ،وإكبارا لمروءته؛ فغيابه عن األنظار مرتبط إذا بعدم تحقيق الرغبة ،مما يحيل تلقائيا إلى
فشل البرنامج السردي عدم حصول العامل الذات على موضوع القيمة نهاية :القتل.
تدل صورة المرأة الموجودة أسفل الغالف من خالل شكلها الخارجي (شفاه حمراء ،قد ممشوق ،لباس كاشف
كلبسة المتفضل ،)...وكذلك الشيء الذي تحمله ،والزمان الليلي ،تدل كل هذه البديهيات المزيفة ،حسب
بارت ،على كون نسائي مخصوص مرتبط ببائعات الهوى ،تمثله في النص (نور) خليلة (سعيد مهران) ،وهي
وإن كانت تمثل الرذيلة ،فقد وجد فيها البطل المأساوي سعيد مالذه .فكيف يتغير مجتمع تختفي فيه المروءة
حتى تغدو فيه المومسات حاضنات ،وكريمات ،وصانعات للخير؟
إن هذه التناقضات التي حبلت بها نتائج ثورة يوليوز1952في أم الدنيا ،الثورة التي كانت أقوالها أقوى لها
وأفعالها أفعى لها ،تختزلها الرواية في البناء الرمزي للنص ،سواء من خالل التداعيات أم من خالل عالقات
العوامل فيما بينها.
فشل صاحب المسدس في درء الخيانة واسترجاع ابنته ،ومن ثم أصبح بطال مأساويا بامتياز ،ألنه اختار الحل
الفردي في ذلك ،وأصبح ينظر إلى الناس جميعهم بوصفهم خونة إال ابنته (سناء) ،وهذه سبيل غير مجدية
في مجتمع متناقض.
يرزح في أسفل الغالف على يسار اللوحة (اللص والكالب) عنوان الرواية ،والمشة التي تقدم للقارئ حتى
يزدرد النص ،هي عالمة بصرية تشكل النسق اللساني الذي يحد من تعدد دالالت الصورة ،وهذه العالمة
اللغوية هي بمثابة ترسيخ للنص بأكمله.
إن األمر يتعلق إذا بلص (سعيد مهران) ،وكالب تدل أحيانا على الكون القيمي اإلنساني فتحيل إلى الكالب
اإلنسانية التي تحبل بها الرواية (رؤوف علوان ،عليش سدرة ،المخبر ،بياظة ،)....وأحيانا تدل على الكلب
الحيواني ،فتتعلق بكالب البوليس التي طاردت سعيد مهران بعد خروجه من السجن ،وقتله لشخصين بالخطأ
عندما أراد في األولى قتل "عليش" وفي الثانية قتل (رؤوف).
ب – عنوان المؤلف' اللص والكالب'
العنوان هو أول خطاب لفظي يواجه القارئ ،ويوجه أفق انتظاره للنص ،بل يلخصه له في أحيان كثيرة ،لذا
كان من البد أن نقف على عنوان المؤلف' اللص والكالب' وقفة تجعلنا نقتحم النص بفرضيات سنتأكد من
صوابها.
يتألف عنوان النص تركيبيا من لفظتين هما 'اللص' و'الكالب' بينهما حرف عطف الواو ،الذي يؤكد وجود
عالقة بينهما،أما دالليا فتوحي لفظة اللص إلى ذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات
الغير ،والذي جرمته كل الديانات السماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة ،والذي يرمز خالفا للكالب
للخيانة والغدر ،بينما الكالب ترمز لإلخالص واألمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان األليف فهل
يعكس لص الرواية وكالب الرواية هذه الدالالت؟
إذا ما نحن حاولنا ربط العنوان بأحداث الرواية أمكن لنا استنتاج أن لص العنوان هو سعيد مهران ،لكن
بصفات الوفاء واإلخالص ألنه أخلص لمبادئ الثورة ،أما الكالب فهي إشارة إلى كالب إنسانية ،مجسدة في
شخص كل من نبوية ،وعليش ،وسعيد مهران ،لكن بصفات الغدر والخيانة ،ألن كل هذه الشخصيات قد
مارست الغدر والخيانة في وجه سعيد مهران ،الشيء الذي جعل أحداث الرواية تميل إلى التراجيديا أو إلى
دراما الروايات البوليسية.
-2القراءة التحليلية:
أ -المنظور األول :تتبع الحدث
* المتن الحكائي للرواية :تحكي رواية اللص والكالب حكاية مثقف بسيط يدعى سعيد مهران ،دخل السجن
وخرج منه في عيد الثورة ،بعد أن قضى فيه أربع سنوات غدرا ،دون أن يجد أحدا في انتظاره ،ويقرر بعدها
الذهاب إلى منزل عليش السترجاع ابنته سناء وماله وكتبه ،ويفشل في ذلك وتسود الدنيا في وجهه أكثر
عندما جفلت منه ابنته سناء ورفضت معانقته ألنها ال تعرفه ،وللتخفيف من حدة االنفعال وإحياء لبعض
ذكريات ماضيه قرر االستقرار مؤقتا برباط علي الجنيدي ،الذي قضى عنده ليلته ،ولكن روحانية المكان
وطقوسه الخاصة وأجوبة علي الجنيدي العامة والمغرقة في الروحانيات ،جعلت سعيدا ال يرتاح كثيرا لإلقامة
بهذا المكان المليء بالمنشدين والمريدين ،لذلك قرر اللقاء بأستاذه رؤوف علوان ذلك الصحفي الناجح الذي
صار من األغنياء قصد تشغيله معه في جريدة الزهرة ،فاتجه بداية إلى مقر جريدة الزهرة ،ثم بعد ذلك نحو
فيلته ،وهناك سيفاجأ سعيد مهران بفكر جديد لرؤوف علوان يقدس المال وال يكترث للمبادئ والقيم النضالية
،كما سيفاجأ برغبته في إنهاء عالقته به خاصة عندما رفض طلب تشغيله وأعطاه مبلغا من المال ليدير
شؤون حياته بمفرده بعيدا عنه ،مما اضطر سعيد مهران إلى التفكير في االنتقام منه ،فقرر العودة إلى فيلته
في تلك الليلة لسرقتها لكنه وجد رؤوف علوان في انتظاره ألنه عليم بأفكار تلميذه ،فهدده بالسجن واستعاد
منه النقود وطرده من البيت ،وخرج سعيد ليلتها مهزوما ومشاعر الحقد واالنتقام تغلي في دواخله ،فلقد
اكتمل عقد الخيانة وباكتماله تبدأ رحلة االنتقام ،وتسود الدنيا في وجهه وال يجد مالذا أفضل من مقهى المعلم
طرزان ،الذي لم يتردد لحظة في إهدائه مسدسا سيكون له دور كبير في مسلسل االنتقام ،وفي ذات المكان
سيلتقي بنور التي بدورها ولدافع حبها الشديد له مذ كان حارسا لعمارة الطلبة ،ستوفر له المأوى والطعام
والشراب والجرائد والسيارة ،ولما توفرت له شروط االنتقام' المسدس والسيارة' ذهب مباشرة لقتل عليش
في منزله لكنه أطلق النار على حسين شعبان الرجل البريء الذي اكترى شقة عليش بعد رحيله ،لكن سعيد
مهران لم ينتبه لذلك ولم يعرف خطأه حتى اطلع على الجرائد ،وفي خضم هذه األحداث استغلت جريدة الزهرة
األوضاع وبدأت بقلم رؤوف علوان تبالغ في وصف جرائم سعيد مهران وتنعته بالمجرم الخطير الذي يقتل
بدون وعي ،الشيء الذي سيشعل نار الغضب في قلب سعيد الذي سيقرر قتل رؤوف خاصة بعدما ساعدته
نور في الحصول على بذلة عسكرية ،فيستهل انتقامه بالقبض على المعلم بياظة بهدف معرفة االقامة الجديدة
لعليش ونبوية لكن دون جدوى فعاد إلى بيت نور ثم ارتدى بذلته العسكرية ،واستقل سيارة أجرة ثم اكترى
قاربا صغيرا ليتجه صوب قصر رؤوف علوان ،لالنتقام منه وفور نزوله من سيارته أطلق سعيد مهران عليه
النار لكن رصاصات الحراس السريعة والكثيرة وإصابته بإحداها جعلته يخطئ هدفه ،فأصاب بوابا بريئا بدل
غريمه ،وأثناء اطالعه على الجرائد التي أمدته بها نور تعرف على خطئه فشعر بندم شديد ،واسودت الدنيا
في وجهه مع استمرار جريدة الزهرة في تحريض الرأي العام ضده ،إلى أن انتهت حياته في مقبرة بعد أن
حاصرته الشرطة وأطلقت عليه الرصاص من كل جانب فاستسلم بال مباالة بال مباالة ،وحلت بالعالم حال من
الغرابة والدهشة.
تلخيــص اللص والكالب
الجزء األول
يعتبر نجيب محفوظ من أهم الروائيين العرب الذين أرسوا دعائم الرواية العربية تجنيسا وتجريبا
وتأصيال وقد تميز نجيب محفوظ بتعدد أشكاله السردية وتعدد المواضيع والقضايا التي تناولها في إطار رؤى
فلسفية مختلفة في تصوير مصر و تشخيص فضاء القاهرة .وبذلك ،يكون نجيب محفوظ الناطق المعبر عن
مجتمع مصر وتاريخها ،ومن أهم الروايات التي أنتجها نجيب محفوظ رواية" اللص والكالب" التي اتخذت
طابعا رمزيا وذهنيا على مستوى المقصدية المرجعية والرسالة الفنية.
رواية "اللص والكالب "تقوم علي خط الصراع األساسي بين "اللص والكالب" أو سعيد مهران
والمجتمع .وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري الذي يربط فصول الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها،
فال يتكلف نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف األساسي في
الرواية ،ويمكن للقارئ أن يضع يده علي الخيط األول وبذلك ال يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل
الفني.
وتبدأ الوضعية األولية مع الفصول األربعة األولى إذ يسجل الفصل األول خروج سعيد مهران من السجن بعد
أربع سنوات قضاها فيه ،ويتوجه إلى الحي الذي كان يقطنه ،ويجتمع سعيد مع عليش بحضور المخبر
وبعض الجيران لمناقشة مطالبته بابنته وماله وكتبه.إال أن عليش ينكر وجود المال ويرفض تسليم البنت
بدون محكمة ويعطيه ما تبقى من الكتب .وأمام هذا الوضع المخيب آلماله ،يبدأ سعيد مع الفصل الثاني
التخطيط لمرحلة ما بعد السجن حيث توجه إلى طريق الجبل لمقابلة الشيخ صديق والده محاوال إقناعه بقبول
ضيافته إلى أن يحقق االنتقام من زوجته الخائنة وعليش الغادر رافضا محاولة الشيخ تنيه عن قرار االنتقام
بالتركيز في حواره على القيم الروحية المبنية على اإليمان ،وبعد قضاء سعيد أول ليلته في ضيافة الشيخ
علي جنيدي ،يبدأ سعيد مع الفصل الثالث خطوة تالية يتوجه فيها صوب صديق الطفولة الصحفي رءوف ،
حيث انتظره قرب البيت ،بعدما فشل في مقابلته بمقر جريدة "الزهرة" ،وتبادال ذكريات الماضي على مائدة
الطعام ،وقد انزعج رءوف من تلميحات سعيد التي تنتقد ما عليه من جاه ومكانة اجتماعية فانتهى اللقاء
بتأكيد رءوف على أنه أول وآخر لقاء له مع سعيد ،مما جعل سعيد يستكمل في الفصل الرابع شريط الخيانة
التي تلقاها من أقرب الناس إليه عليش صبيه الذي بلغ عنه الشرطة للتخلص منه واإلنفراد بغنيمة الزوجة
والمال ،و نبوية الزوجة التي خانته بتواطئ مع صبيه عليش،ثم رءوف االنتهازي الذي زرع فيه مبادئ
التمرد وتنكر هو لها .فكان كل ذلك دافعا قويا التخاذ قرار االنتقام والبداية برءوف أقرب فرصة مناسبة ،إال
أن رءوف كان يتوقع عودته ونصب له كمينا أوقع به ليطرده من البيت خائبا.
وتبدأ سيرورة الحدث مع الفصل الخامس بتوجه سعيد إلى المقهى حيث يتجمع أصدقاء األمس،ومده
صاحب المقهى "طرزان" بالمسدس الذي طلبه ،وكان الحظ في صفه هذه المرة عندما التقى ب "نور" التي
خططت معه للتغرير بأحد رواد الدعارة وسرقة سيارته ،ويصور الفصل السادس تفاصيل نجاح الخطة التي
رسمتها ريم لإليقاع بغريمها وتمكن سعيد من السطو على السيارة والنقود ،ويشرع سعيد مع الفصل السابع
في تنفيذ ما عزم عليه من انتقام وكانت البداية بمنزل عليش الذي اقتحمه ليال و باغث صاحبه بطلقة نارية
أردته قتيال ،وتعمد التغاضي عن الزوجة لرعاية ابنته سناء،ثم هرب سعيد من مسرح الجريمة بعدما تأكد من
نجاح مهمته .إال أن الفصل الثامن ينقل لنا المفاجأة ،إذ بعد تنفيذ الجريمة،لجأ سعيد إلى بيت الشيخ رجب
فجرا واستسلم لنوم عميق امتد حتى العصر ،فاستيقظ على حلم مزعج يتداخل فيه الواقع بالخيال ،ويصله
خبر وقوع جريمة ضحيتها رجل بريء يدعى شعبان حسن،فكان خبر فشل محاولته مخيبا يندر ببداية
المتاعب والمصاعب،فهرب سعيد إلى الجبل تفاديا لمطاردة الشرطة.
وهذا الحادث الطارئ أزم وضعية سعيد مما جعله مع الفصل التاسع يغير خطة عمله بالتوجه إلى نور،وقد
استحسن مكان إقامتها المناسب الختفائه عن أعين الشرطة ،ورحبت نور برغبة سعيد في اإلقامة عندها مدة
طويلة ،وأبان سعيد عبر الفصل العاشر عن ارتياحه بإقامته الجديدة ،وكان خروج نور وبقائه وحيدا في
البيت فرصة السترجاع ذكريات تعرفه على نبوية وزواجهما الذي أثمر البنت سناء، .ثم التوقف عند غدر
عليش وخيانة نبوية.ليعود إلى واقعه مع نور التي جاءته بالطعام والجرائد التي ال زالت مهتمة بتفاصيل
جريمة سعيد ،مع إسهاب رءوف في تهويل وتضخيم صورة سعيد المجرم الذي تحول إلى سفاك الدماء،فطلب
سعيد من نور شراء قماش يناسب بذلة ضابط إلعداد الخطة انتقامية جديدة ،ويعود سعيد مع الفصل الحادي
عشر إلى الذكريات التي تنسيه عزلته في البيت عندما تغيب نور مسترجعا تفاصيل طفولته المتواضعة مع
والده البواب،وكيف تأثر بتربية الشيخ علي الجنيدي الروحية،وإعجابه بشهامة رءوف الذي زرع فيه مبادئ
التمرد وشجعه على سرقة األغنياء كحق مشروع ،وتأتي نور لتقطع شريط الذكريات وهي منهكة من ضرب
مبرح تلقته من زبنائها،مع محاولة سعيد الرفع من معنوياتها المنهارة والتخفيف من آالمها .ومع الفصل
الثاني عشر يكون سعيد قد أكمل خياطة بذلة الضابط مما زاد تخوف نور من ضياع سعيد مرة أخرى خاصة
وأن الصحافة ال زالت منشغلة بجريمته األولى ،والشرطة تشدد الخناق عليه ،فحذره طرزان من التردد على
المقهى التي تخضع لمراقبة المخبرين.
ويبدأ تأزم العقدة مع الفصل الثالث عشر عندما عاود سعيد زيارة طرزان الذي اخبره بتواجد المعلم بياضة
لعقد صفقة،فاعترض سعيد المعلم بياضة لمعرفة مكان عليش ،إال أنه أخلى سبيله بعد الفشل في جمع
معلومات منه تفيد في معرفة مكان عليش وهو األمر الذي جعله يغير وجهة االنتقام إلى رءوف ليشرع مع
الفصل الرابع عشر في تنفيذ خطته بارتداء بذلة الضايط التنكرية والتوجه نحو بيت رءوف حيث باغته وهو
يهم بالخروج من السيارة،ليفر سعيد بعد تبادل إطالق النار مع عناصر الشرطة،وتعود نور للبيت متخوفة من
ضياع سعيد بعد تداول خبر تعرض رءوف لمحاولة اغتيال .وجاء الفصل الخامس عشر يحمل أخبار إخفاق
سعيد في قتل رءوف ،وسقوط البواب ضحية جديدة لخطأ سعيد ،فكانت خيبته كبيرة ولم تزده إال إصرارا على
معاودة المحاولة مهما كلفه ذلك من ثمن .
ومع الفصل السادس عشر تبدأ الوضعية النهائية وتظهر النتيجة من خالل تطورات مفاجئة تسير عكس
طموحات سعيد ،أولها غياب نور المفاجئ،و طرزان الذي زوده باألكل وحذره من المخبرين الذين يتربصون
بالمقهى.وتبدأ النهاية في االقتراب مع الفصل السابع عشر عندما تأتي صاحبة بيت نور تهدد باإلفراغ
فأصبح البيت يشكل خطرا عليه ،فقرر الهروب إلى طريق الجبل عند الشيخ علي ،حيث ستكون النهاية مع
الفصل الثامن عشر عندما يستيقظ سعيد من نوم عميق فيجد المنطقة محاصرة بالشرطة ويتحصن بالمقبرة
حيث كانت نهايته بعد مقاومة يائسة.
* الحبكة :الحبكة هي النسيج الذي يرصد األحداث في اتصالها وانفصالها واتجاهاتها ،وتنقسم إلى تقليدية
تتوالى فيها األحداث بشكل متسلسل ،وأخرى مفككة ال تخضع لتسلسل منطقي ،ويبدو أن الحبكة المعتمدة في
رواية اللص والكالب ،تقليدية بدليل قيامها على األسباب المؤدية إلى النتائج ،فكل حدث فيها يؤدي إلى حدث
آخر وهكذا تقوم األحداث على مجموعة من األسباب ،فالخيانة التي تعرض لها سعيد دفعته لالنتقام و اكتراء
حسين شعبان لمنزل عليش جعلت الرصاصة تصيبه ،ووشاية عليش ونبوية جعلت سعيدا يدخل السجن....
* الرهان :ينقسم الرهان دائما إلى رهان المحتويات ويتأسس حول الشخصيات والموضوعات المتنازع
عليها ،ورهان الخطاب ويتأسس على عالقة المؤلف مع المتلقي أو عالقة النص مع المتلقي ،وإذا عدنا إلى
مثن اللص والكالب وجدنا أن رهان المحتوى الذي له عالقة بالشخصيات يتراوح بين الفشل والنجاح ،فسعيد
مهران يفشل في تحقيق رهانه الكلي المتمثل في تحقيق مشروعه النضالي وتحقيق العدالة االجتماعية،
ويتراجع عن هذا الرهان إلى رهان آخر جزئي وهو االنتقام من خصومه دون أن يحققه ،بخالف غريمه
رؤوف علوان الذي استطاع تحقيق رهانه المتجسد في الحصول على الثروة وإن كانت الطريقة وصولية
انتهازية .أما رهان الخطاب أو النص ككل فيمكن حصرهفي كون المحاوالت الفردية لتغير الواقع مآلها
الفشل ،فال يمكن لفرد مهما أوتي من ذكاء وعزيمة وإصرار أن يغير واقع أمة مهما كان الواقع مأساويا
وظالما ،فالتضحيات يجب أن تكون جماعية لكي ينتصر الخير على الشر ،والحق على الباطل ،والعدل على
الظلم.
* دالالت وأبعاد الحدث :إن كل اإلشارات التاريخية التي وردت داخل مؤلف اللص والكالب ،تشير إلى أن
الرواية لها عالقة بواقع مصر السياسي واالجتماعي لما بعد الثورة المصرية سنة1952م ،ومن هذا المنطلق
أمكن لنا أن نقول ومن خالل األحداث التي وقعت لسعيد مهران والذي وجد نفسه فجأة يعاني من تفكك أسري
وحزبي ،أن رواية اللص والكالب رواية تستهدف بأبعادها كشف واقع مصري يعاني معاناة اجتماعية ونفسية
نتيجة السلوك االنتهازي لبعض األفراد الذين غيروا قناعاتهم النضالية ومواقفهم استجابة لمتغيرات نهاية
مرحلة الخمسينيات والستينيات ونتيجة إلرضاء مآربهم الشخصية ،ودمروا بمواقفهم المتغيرة أسرا كثيرة
وحكموا على الشعب بشكل عام بالفقر والجوع والقلق الوجودي والروحي.
ب -المنظور الثاني :تقويم القوى الفاعلة
-1جرد القوى الفاعلة :القوى الفاعلة ال تنحصر في الشخصيات بل تشمل كذلك المؤسسات واألفكار والقيم
والمشاعر ،وكل ما يساهم في تحريك األحداث ،وبالعودة إلى رواية اللص والكالب أمكننا جرد القوى الفاعلة
كالتالي:
أ -الشخصيات :تنقسم شخصيات اللص والكالب إلى رئيسية وثانوية وعابرة ،سنحاول تقديم خصائصها
ومواصفاتها باالعتماد على الجدول الثالي بدء بالرئيسية وانتهاء بالعابرة.
الشخصيات
خصائصها وصفاتها
سعيد مهران
شاب مصري مثقف ،تحمل مسؤولية أسرته منذ الصغر ،توفي أبوه وبعده أمه ،مؤمن بمبادئ المساواة
والعدل والكرامة واإلنصاف ،مناصر للمظلومين والكادحين ،ناضل من أجل تحقيق مبادئ االشتراكية على
الواقع،حريص على االنتقام من نبوية وعليش اللذان غدرا به وأدخاله السجن،ومن رؤوف الذي تنكر لمبادئ
الحزب والنضال ،يعاني من فراغ روحي وقلق وجودي وغربة وضياع ،أسير الحقد والكره واالنتقام.رمز
للكادحين والفقراء المناضلين من أجل القيم.
رؤوف علوان
طالب قروي ،مناضل مؤمن بالتغير ،له قدرة على التأثير بأسلوبه في محاوريه ،أكمل دراسته ثم تحول إلى
صحفي ناجح ،انتهز الظروف السياسية الجديدة فتحول إلى قلم برجوازي مأجور ،تنكر ألصوله
الكادحة،ولطبقته،متطلع بشغف لحياة االرستقراطية،أكال وملبسا ومسكنا ،يشوه الحقائق ويكلب الرأي العام
ضد سعيد ويصوره مجرما خطيرا .رمز للبرجوازية القاسية على الفقراء.
عليش
غريم سعيد مهران – المستفيد من سجنه والمستولي على زوجته وابنته وجميع ممتلكاته – متحايل كبير –
انتهازي خائف على مصيره الشخصي ومتخذ لجميع االحتياطات حتى ال ينال منه خصمه سعيد مهران.رمز
لخيانة الصداقة.
الشيخ علي الجنيدي
زاهد متصوف ،له انشغاالت روحية بعيدة عن الواقع المعيش ،يحاول تبرير الواقع بالغيبيات ألنه مستفيد من
الوضع السياسي السائد – يشكل نوعا من االطمئنان النفسي والروحي لسعيد مهران – يلجأ إليه دائما وقت
الشدة .رمز للتصوف والفكر الديني.
نـــــــــور
عنصر مساعد للشخصية الرئيسة سعيد مهران – مومس – قست عليها الحياة االجتماعية – متوسطة الجمال
– مستسلمة لرغبات الزبناء – مغرمة بسعيد مهران وترغب في زواجه – وفرت له الطعام والمسكن
والجرائد والسيارة .رمز لإلباحية والقيم المفقودة.
المعلم طرزان
صاحب مقهى – صديق سعيد ،وفر له المسدس وأمده بمعلومات هامة ساعدته على االختفاء عن أنظار
الشرطة.رمز للصداقة الصادقة.
نبوية
زوجة سعيد السابقة ،وأم سناء أحبها سعيد بصدق وظل يحلم باالستقرار الدائم إلى جوارها مع ابنته سناء
بعد خروجه من السجن،لكنها تنكرت له وارتبطت بعليش .رمز للخيانة الزوجية.
سناء
موضوع صراع بين األب الطبيعي سعيد مهران و زوج األم والمحتضن عليش ،لم تتعرف على أبيها ،تبدو
خائفة مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعها بابيها الحقيقي سعيد مهران .رمز للبراءة المغتصبة.
المعلم بياضة
زميل سابق لسعيد وصديق وشريك عليش ،خان صديقه األول ،وكاد أن يؤدي ثمن هذه الخيانة أثناء لقائه
بسعيد مهران الباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش.
ب -المؤسسات :في الرواية عدة مؤسسات فاعلة في أحداث الرواية ومؤثرة على شخصياتها نذكر منها
على سبيل المثال ال الحصر :السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية ،أثناء تواجده به حصلت
الخيانة ،وتحققت أهداف االنتهازيين ،وهناك الصحافة التي أثرت في جهاز الشرطة والرأي العام المنقسم إلى
معارض أو مناصر لسعيد مهران ،ثم هناك المدرسة والجامعة التي شكلت نعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي
شقي لسعيد مهران.
ج -الجمادات :متنوعة بين الحارة والمقهى ومنزل نور و فيال رؤوف علوان والجبل والمقبرة والشوارع
وعمارة سكن الطلبة ورباط الجنيدي ،والتي تركت آثارها القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية،
فهي تحتضن الذكريات حلوها ومرها ،لذلك تم استرجاعها أحيانا ،أو محاولة تناسيها كما هو الشأن بالنسبة
لرؤوف علوان و عليش المتنقل من منزل آلخر خوفا على حياته من انتقام سعيد مهران.
د -القيم والمشاعر :تتنوع هذه القيم والمشاعر بين القناعة واالستسالم لألمر الواقع ويمثلها علي الجنيدي،
واالنحراف والخروج عن القوانين ،ويتجسد ذلك في شخصية المومس نور والمتاجرين في الممنوعات من
ذوي السوابق كطرزان وغيره ،ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم األصلية واالنتماء الطبقي،
ويبرز ذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان ،في مقابل االلتزام اإليديولوجي واإليمان الصادق بالعنف
الثوري المجسد في شخصية سعيد مهران ،أما عليش فيمثل أعلى درجات الشخصية االنتهازية التي لم تكتف
بسرقة أموال الصديق بل ا استولت على زوجته وابنته وكل ممتلكاته ،مما جعل مسألة االنتقام منه ونبوية
تحتل مركز االهتمام لدى سعيد مهران.
ولعل أهم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقصة ومتضاربة وجارفة هي شخصية سعيد مهران ،ألنه
عاش خيانة مزدوجة ،األولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش ،والثانية إيديولوجية ثقافية من طرف
أستاذه وموجهه رؤوف علوان ،مما جعله يحس بالمهانة والخزي والعار أمام أسرته وأصدقائه وذاته ،فقرر
االنتقام من جميع الخونة.
وهكذا يظل جرد القوى الفاعلة – شخصية كانت أو مؤسسات أو جمادات أو حيوانات أو قيما ومشاعر –
الحاملة لحركة الفعل التي تمارسها الشخصيات في الرواية أساسية ومهمة في التحليل ،ألنها تساهم بطريقة
ما من الطرق في الحدث.
هكذا يبدو واضحا بأن نجيب محفوظ قد تعمد التركيز على نفسية بطل هذه الرواية لغاية كشف التحوالت
الصعبة التي يعيشها اإلنسان المصري والعربي وتداعياتها على نفسية الفرد خاصة الفقير الكادح.
د المنظور االجتماعي:
اشتهر نجيب محفوظ في مجمل رواياته ،بتصوير الواقع المصري االجتماعي تصويرا تظهر من خالله
الصورة الحقيقية للبنية االجتماعية المصرية ،كما تبدو من خالله معاناة اإلنسان المصري االجتماعية ،فما
هي طبيعة المجتمع الذي تتحدث عنه رواية اللص والكالب؟
تصور رواية اللص والكالب واقعيا اجتماعيا متناقضا أفرزته التحوالت السياسية في خمسينيات القرن20
تختصره فئتان ،فئة األغنياء التي يمثلها رؤوف علوان والتي تمتلك كل شيء ،وفئة الفقراء التي يمثلها سعيد
مهران والتي تفتقر ألبسط متطلبات العيش الكريم ،وهو تناقض اجتماعي سيؤدي إلى ظهور أمراض
اجتماعية خطيرة ،كالسرقة التي اعتبرها سعيد مهران وسيلة إلعادة حق الفقراء ،فمن السارق ومن
المسروق؟ ،والمتاجرة في المخدرات والذي يمارس ذلك هو المعلم طرزان ،ناهيك عن الدعارة التي تمارسها
نور ،وال تتوقف تداعيات هذا التناقض في ظهور أمراض اجتماعية فقط ،بل في ممارسات أخرى أكتر تعقيدا
كالخيانة والنفاق واالنتهازية التي ذهب ضحيتها سعيد مهران.
هكذا يبدو واضحا أن رواية اللص والكالب رواية نقدية تنتقد وبشدة الواقع االجتماعي الذي أفرزته الثورة
والذي عمق من معاناة الطبقة الفقيرة وزاد من همومها إلى درجة أن أسرا كثيرة قد تفككت عالقاتها نتيجة
الفقر والحاجة ،واضطرت إلى بيع شرفها ومبادئها أو النضال من أجل تحققها إلى آخر أنفاس الحياة ،فمن
يتحمل مسؤولية هذا الواقع الجديد؟
ه -منظور البعد األسلوبي :يتميز أسلوب نجيب محفوظ في رواية اللص والكالب باالقتراب من لغة البساطة
والوضوح والدقة في الوصف دونما اهتمام بالمحسنات البديعية ،مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة
الصحافة والطباعة وبالمثاقفة ،كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خالل اعتماد لغة حية لها عالقة
بالشارع المصري ،بهذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية
في محاولة لصبر أغوار اإلنسان العربي وكشف همومه النفسية واالجتماعية ،كما تتميز لغة الرواية بتداخل
خيوط السرد ،الذي يتداخل فيه صوت الكاتب بصوت السارد والشخصية ،الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد
سرد األحداث باالعتماد على وضعيات سردية متعددة ،من أجل اإلحاطة بهموم الشخصية من كل جوانبها ،كما
تتميز اللغة كذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة ' حقل الحرية ،حقل الموت ،حقل الدين ،حقل الجسد ،حقل
السجن '.... ،وباعتماد لغة الوصف ' وصف الشخصيات ،األماكن '..واعتماد الحوار بنوعيه الخارجي
والداخلي .
الوصف في الرواية:
ينصب الوصف على األشخاص واألمكنة واألشياء والوسائل ،وله وظائف جمالية وداللية وتوضيحية
تفسيرية .ويقوم الوصف بتمثيل الموجود مسبقا ومحاكاته من أجل اإليهام بوجوده الحقيقي والمرجعي(
اإليهام بالواقعية) .ويهتم الوصف في الرواية الواقعية بتحديد المجال العام الذي يتحرك فيه األبطال .ويعني هذا
أن الوصف يستخدم في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية ،ثم إليضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء
من األهمية.
ومن العناصر التي تم التركيز عليها وصفا وتشخيصا وتجسيدا تصوير الشخصيات فيزيولوجيا واجتماعيا
وأخالقيا ونفسانيا ،كوصف سناء التي أثارت أباها سعيد مهران بوجودها الرائع ؛ ألنه ترك بنته الوحيدة وهي
طفلة صغيرة بين األيدي الخائنة ”:وعندما ترامى وقع األقدام القادمة ،خفق قلب سعيد خفقة موجعة وتطلع
إلى الباب وهو يعض على باطن شفتيه .مسح تطلع شيق وحنان جارف جميع عواصف الحنق .وظهرت البنت
بعينين داهشتين بين يدي الرجل ،ظهرت بعد انتظار طال ألف سنة .وتبدت في فستان أبيض أنيق وشبشب
أبيض كشف عن أصابع قدميها المخضبتين .وتطلعت بوجه أسمر وشعر أسود مسبسب فوق الجبين
فالتهمتهما روحه”.
ويصف الكاتب رؤوف علوان ساخرا من مبادئه الزائفة وثورته الواهمة التي ذهب ضحيتها كثير من األبرياء
والفقراء والبؤساء وزجوا بهم في السجن من أجل أن يستفيدوا من المناصب السامية ويقتسموا الثروة ليعيش
اآلخرون جوعا وفاقة ”:رؤوف علوان ،خبرني كيف يغير الدهر الناس على هذا النحو البشع؟! الطالب الثائر.
الثورة في شكل طالب .صوتك القوي يترامى إلي عند قدمي أبي في حوش العمارة ،قوة توقظ النفس عن
طريق األذن،عن األمراء والباشوات تتكلم .وبقوة السحر استحال السادة لصوصا .وصورتك التنسى وأنت
تمشي وسط أقرانك في طريق المديرية بالجالبيب الفضفاضة وتمصون القصب… وكنت بين المستمعين لك
عند النخلة التي نبتت عند جذورها قصة حبي وكان الزمان ممن يستمعون لك .الشعب… السرقة… النار
المقدسة .الثروة…الجوع….العدالة المذهلة .ويم اعتقلت ارتفعت في نظري إلى السماء .وارتفعت أكثر يوم
حميتني عند أول سرقة .ويوم رد حديثك عن السرقة إلي كرامتي .ويوم قلت لي في حزن” سرقات فردية ال
قيمة لهان البد من تنظيم!” .ولم أكف عن القراءة والسرقة بعد ذلك .وكنت ترشدني إلى السماء الجديرة
بالسرقة .ووجدت في السرقة مجدي وكرامتي .وأغدقت على أناس كان من بينهم لألسف عليش سدرة”.
ووصف الكاتب عليش سدرة و زوجته نبوية وخليلته نور في عدة مواضع من الرواية عبر مستويات خارجية
واجتماعية وأخالقية ونفسية تكشف لنا انتهازية عليش وخيانة رؤوف علوان ومكر نبوية واستهتار نور
وصفاء الشيخ الجنيدي ونكران سناء ألبيها الخارج من السجن .
وينقل لنا الكاتب أمكنة متناقضة ،البعض منها يوحي بالغنى والثراء كڤيال رؤوف علوان الغاصة باألشياء
الثمينة ،والبعض اآلخر يوحي بالفقر والفاقة والخصاص كشقة نور.
وإليكم مقطعا وصفيا يتداخل فيه وصف المكان ووصف األشياء لتجسيد التفاوت الطبقي والصراع
االجتماعي ”:وأضاء خادم النجفة بصر سعيد بمصابيحها الصاعدة ونجومها وأهلتها .وعلى ضوئها المنتشر
تجلت مرايا األركان عاكسة األضواء ،وتبدت التحف الثاوية على الحوامل المذهبة كأنها بعثت من ظلمات
التاريخ ،وتهاويل السقف وزخارف األبسطة والمقاعد الوثيرة والوسائد المستقرة عند ملقى األقدام .وأخيرا
استقر البصر على وجه األستاذ الممتلئ المستدير ،ذلك الوجه الذي طالما عشقه وحفظه عن ظهر قلب لطول
ما أحدق فيه منصتا .وبينا راح الخادم يفتح بابا مطال على الحديقة في الجدار األيسر ويكشف عنه ستائره
مضى وهو ينظر إلى األستاذ ويلحظ الروائع مسترقا”.
و يالحظ أن الكاتب لم يفصل كثيرا في وصف شخصياته وأماكنه وأشيائه كما كان يفعل بلزاك وستندال
وفلوبير ،بل اكتفى بفقرات موجزة ومقاطع موحية .ولكن وصفه لم يكن مقال كما هو الحال عند الروائيين
الجدد والذي كان يتسم باإلضمار والحذف واالختزال .وقد أحسن نجيب محفوظ وصف األشياء التي تشير إلى
تبرجز المجتمع العربي وشروعه في التأثيث وتملك األشياء واقتناء التحف واألدوات الثمينة.
القراءة التركيبية:
لقد بات واضحا أن رواية اللص والكالب لنجيب محفوظ ،رواية واقعية نقدية تشخص بعمق مشاكل الفرد في
مجتمع تالشت فيه القيم النبيلة ،وساده الظلم والفساد .هذه الرؤية المأساوية التي يعبر عنها نجيب محفوظ
في هذه الرواية ،تستخلص من خالل مسار البطل الفردي .والشك أن اإلصغاء لمشاكله ولمعاناته مع الذين
خانوه ،يعكس بالملموس أزمته الداخلية ،وهي أزمة تخلع عليه سمة البطل اإلشكالي ،الذي يطمح إلى غرس
القيم الجميلة في مجتمع يفتقد لكل مظاهر القيم والمبادئ ،وهذا ما يفسر تركيز الرواية على شخصية البطل
في حين تحضر الشخصيات األخرى في عالقاتها بشخصية البطل.
نقدي للروايه
الروايه كلها تجسد معنى االنتقام وكيف أن االنتقام كفيل بتدمير اإلنسان دون أن ينال مراده في كثير من
االحيان.
ويبرع نجيب محفوظ في توصيف حاله المنتقم ( سعيد مهران) الذي تعميه رغبته العارمه في االنتقام في رؤيه
كل ما هو جميل فيعجز عن رؤيه الحب ويعجز عن رؤيه الجمال الروحاني التي تبثه النفوس التقيه ويعجز عن
عيش الحياه ففي رأسه ال تدور اإل فكره االنتقام .
الروايه رائعه في تجسيد عبثيه االنتقام وكيف ان فكره االنتقام اول ما تؤذي تؤذي صاحبها وتلوث قلبه وتعميه
أثبت نجيب محفوظ بما ال يدع مجاال للشك أنه سيد من يبنى البناء في أدبنا القصصي .فهو مهندس من أعظم
طراز يعمل بالمسطرة والفرجار
حاول نجيب محفوظ في قصته على المزاوجه بين اللغة الفصحى التي يحرص عليها في قصصه بعامة وبين
اللغة المحكية لينقلنا بواقعية داخل الخطاب النفسي للشخوص .
" هذا هو رؤوف علوان ،الحقيقة العارية ،جثة عفنة ال يواريها تراب ..تخلقني ثم ترتد ،تغير بكل بساطة فكرك
بعد أن تجسد في شخصي ،كي أجد نفسي ضائعا بال أصل وبال قيمة وبال أمل ..ترى أتقر بخيانتك ولو بينك
وبين نفسك أم خدعتها كما تحاول خداع اآلخرين؟ أال يستيقظ ضميرك ولو في الظالم؟ أود ان أنفذ الى ذاتك كما
نفذت الى بيت التحف والمرايا بيتك ،ولكني لن أجد اال الخيانة .سأجد نبوية في ثياب رؤوف ،أو رؤوف في
ثياب نبوية ،او عليش مكانهما ،وستعترف لي الخيانة بأنها اسمج رذيلة فوق األرض ..كذلك أنت يا رؤوف،
ولكن ذنبك افظع يا صاحب العقل والتاريخ ،اتدفع بي الى السجن وتثب أنت الى قصر األنوار والمرايا؟ انسيت
أقوالك المأثورة عن القصور واألكواخ؟ أما أنا فال أنسى!"
-1اللغة :في دراية اللغة الروائية ومستويات الكالم ,أو سجالت الكالم ,نجد أن النص اللغوي الوارد في
الرواية يكون إحاليا وحرفيا ,
اللغة اإلحالية :هي الكالم المباشر الذي ينتهي بمجرد وصول خبره إلينا ,وهو في البالغة األسلوب البالغي
اإلنشائي الوصفي غير الفني ,وهو اللغة التسجيلية
اللغة الحرفية :هو الكالم األدبي الفني الشاعري والذي يبقى آثره في نفوسنا عند قراءته وكأنه قصيدة تترأى
أمامنا ويظل حاضرا بذاته وتدخل فيها الكثير من الصيغ ,االستعارة ,التأمالت ,بعض األحكام والتقييمات
الشخصية .ماتميزت به الرواية الواقعية الجديدة هي الشحنة الشعرية األدبية في اللغة وقد جاءت في هذا
الرواية في أكثر من موضع منها (مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية ،ولكن الجو غبار خانق وحر ال يطاق .وفي
انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط ،وسواهما لم يجد ف بانتظاره أحداً .ها هي الدنيا تعود ،وها هو
باب السجن األصم يبتعد منطويا ً األسرار اليائسة .هذه الطرقات المثقلة بالشمس ،وهذه السيارات المجنونة،
والعابرون والجالسون ،والبيوت والدكاكين )..
وباإلطالع على الفصول األولى من رواية اللص والكالب ,نجد اللغة في النص هي اللغة الطبيعية الواقعية
اإلحالية التقريرية ,فهي اللغة الطاغية في معظم فصول الرواية .
وإذا تحدثنا عن اللغة في السرد نجدها لغة فصحى ,كسائر روايات نجيب محفوظ .
أما اللغة الحوارية فقد استخدم فيها اللهجة الدارجة (العامية ) حتى يضفي الكاتب على روايته واقعية أخرى .
وقد أظهر هذه األلفاظ العام ّية على لسان ُأناس بسطاء كالمخبر
مثل :
((سعيد مهران !! يألف نهار أبيض )..
والمليم !صدقوني يارجال )....
(أخز الشيطان )..
( حسب هللا ) الذي ينادي " :هاتوا البنت" ،ثم " أبوك ياشاطرة".
وتارة أخرى على لسان المعلم ( بياظة ) " :ألف نهار أبيض" و " تعال إلى الدكان نشرب الشربات".
-وعلى لسان خادم( رؤوف علوان ) :ننادي البوليس؟
-وعلى لسان الرجال في مقهى المعلم طرزان ":يا أرض أحفظي ما عليك!" ،و " ليلة بيضا بالصالة على
النبي".
-وتقول ( نور ) :ياكسوفي ..انتظرتَ طويالً ؟
-وغمغم( بياظة )عندما اعترضه سعيد :فلوس العيال
-وقال المخبرون" :من قوة الوايلي يافندم.
-هاتي الجاكيته.
المعاني الحافة :وهي المعاني التي اليقصد إليها الكالم مباشرة ولكن نفهم منه معاني أخرى غير مباشرة ,
تعتمد على مرجعيتنا الثقافية أو التراثية أو الدينية .فتجد الكالم يحتمل أكثر من معنى لذلك هي معاني حافة
تحف بالمعنى.
مثل ( :فقال أحد ماسحي الجوخ :
-بنتك في الحفظ والصون ,مع أمها ,وشرعا يجب أن تبقى مع أمها بنت ستة أعوام ,وغن شئت أزورك بها
كل أسبوع .
فرفع سعيد صوته متعمدا ليسمع من الخارج :
-شرعا هي حق ل لشتى المالبسات والظروف )...
هنا نجد معنى من المعاني الحافة يعود إلى مرجعيتنا الدينية ,وهو سن الحضانة في اإلسالم .
مثال آخر :
(المهتزون باألناشيد يملئون الحوش ,وهللا في أعماق الصدور يتردد )..
( وردد علي الجنيدي (هللا ) ثالثا فردد اآلخرون النداء في نغمة وسمت مخيلته حركة الذكر الراقصة .هللا ..هللا
...هللا ,وازدادت النغمة سرعة وارتفاعا )...
هنا يخلق لدى ذاكرة المتلقي طقوس الصوفية ,
-2اإلحاالت :يعتمد النص الواقعي على مجموعة من االحاالت التاريخية والشخصية والمكانية وتكون
اإلحاالت الواردة في الرواية الواقعية لإليهام بالواقعية وفي رواية اللص والكالب نجد :
إحالة تاريخية :في بداية الرواية تحدث الكاتب عن خروج سعيد من السجن بعد قضاء أربع سنوات والسبب
في خروجه هو عيد الثورة (ثورة الضباط األحرار بقيادة جمال عبد الناصر 23يوليوز ).1952
(الحمدهلل على سالمتك ..
-مبارك لألصدقاء واألحباب ..
-قلنا من القلوب سيفرج عنك في عيد الثورة )..
إحالة مكانية :ورد ذكر أماكن في القاهر هي ( عطفة الصيرفي – حي الدارسة القائم بين ذراعي المقطم –
شمال النيل – جسر عباس – صحراء العباسية )
إحالة دينية :عندما قابل سعيد مهران الشيخ الجنيدي ودار بينهم حديث ما ,أورد المؤلف على لسان الشيخ
آيات كريمات كنوع من اإلحالة الدينية ( قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم هللا ) .
(واصطنعتك على نفسي )
وردد قول القائل ( المحبة هي الموافقة أي الطاعة له فيما أمر ,واالنتهاء عما زجر ,والرضا بماحكم وقدر ))
وكذلك استشهاده باألشعار المشهورة للصوفية شاعرها ( ابن الفارض ):
يا حسرتي ضاع الزمان ولم أفز ....منكم اهيل مودتي بلقاء
وكفي غراما أن أعيش متيما... ....شوقي أمامي والقضاء ورائي
كذلك نجد إحالة وراثية :في وصفه البنته سناء (كأنها ليست بابنته ،رغم العينين اللوزيتين والوجه المستطيل
واألنف االقنى الطويل).
الحبكة :حبكة الرواية وعقدتها الجوهرية التي تتمثل في االنتقام من الخونة والثأر من الذين غدروا به وهم:
المعلم عليش وزوجته نبوية ورؤوف علوان.
-3التدقيق في وصف األماكن والشخصيات واألشياء :
يعير النص الواقعي أسماء العلم المشوهة أو العادية اهتماما كبيرا ,وللداللة االجتماعية يعطي الكاتب أسماء
شعبية فالحية لشخوص الطبقات الفالحية ,بينما يختار لشخوص الطبقات العليا أماء معتنى بها
وهذا مالحظ في رواية اللص والكالب
(نبوية ,عليش ,بياظه ,طرزان ,سعيد مهران) أسماء تعطي داللة على بيئتها الشعبية .
( عبد الرؤوف علوان ) -مع انه كان ينتمي إلى الطبقة الكادحة إال انه بعد ذلك أصبح رمزا للبرجوازية فجاء
اسمه مناسبا للطبقة العليا التي انضم لها مؤخرا .
ونالحظ التدقيق في األسماء :علي الجنيدي ,سعيد ابن مهران ,عليش سدرة ,عبد الرؤوف علوان ,وهذا
االكتمال في نسب األسماء يعطي القاري شيئا من الواقعية ( إيهام بالواقعية )
وصف األماكن :التدقيق في وصف األماكن من أهم مايميز الواقعية ,وهذا جلي في رواية اللص والكالب
كوصف المؤلف لألزقة والشوارع وصفا دقيقا حتى كأنك تراها ماثلة أمامك
( وصف عطفة الصيرفي ) :عندما أقطع هذا الشارع ذا البواكى العابسة ،طريق المالهى البائدة ،الصاعدة الى
غير رفعة ،اشهد أنى أكرهك .الخمارات أغلقت أبوابها ولم يبق إال الحوارى التي تحاك فيها المؤامرات ،
والقدم تعبر من آن آلن نقرة مستقرة في األطوار كالمكيدة ،وضجيج عجالت الترام يكركر كالسب ،ونداءات
شتى تختلط كأنما تنبعث من نفايات الخضر ،اشهد أنى أكرهك .ونوافذ البيوت المغرية حتى وهى خالية،
والجدران المتجهمة المقشفة ،وهذه العطفة الغريبة عطفة الصيرفى ،الذكرى المظلمة ،حيث سرق السارق ،
وفي غمضة عين انطوى ،الويل للخونة .في هذه العطفة ذاتها زحف الحصار كالثعبان ليطوق الغافل ،وقبل ذلك
بعام خرجت من العطفة تحمل دقيق العيد واألخرى تتقدمك حاملة سناء في قماطها ،تلك األيام الرائعة التي ال
يدرى أحد مدى صدقها ،فانطبعت آثار العيد والحب واألبوة والجريمة فوق أديم واحد .وتراءت الجوامع
الشاهقة ،وطارت راس القلعة في السماء الصافية ،وانساب الطريق في الميدان ،تجلت خضرة البستان تحت
األشعة الحامية ،وهبت نسمة جافة رغم القيظ منعشة ،ميدان القلعة بكل ذكرياته المحرق .وكان على الوجه
الذي لفحته الشمس أن ينبسط وأن يصب ماء بارداً على جوفه المستعر كي يبدو مسالما ً أليفا فيمثل دوره
المرسوم كما ينبغي