Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫ص لسلسلة‪:‬‬

‫خ ٌ‬
‫تفر ي ٌغ م ُل َ ّ ِ‬

‫ِيراث الن ّب ُو ّة ِ"‬


‫ْهاج م ِن م ِ‬
‫ح المِن ِ‬
‫"شر ُ‬
‫للشيخ| أحمد بن يُوسُف السيد‬
‫‪-‬حفظه الل ّه‪-‬‬
‫المحاضرة الأولى‪ :‬م ُق ّدِمة ُ السلسلة‪ ،‬ومرجعي ّة ُ الوح ِيّ‬
‫م ُق ّدِمة ُ السلسلة ِ‪:‬‬
‫ل بطر يق‬
‫ن في الحديث‪ ،‬انتقيتُ فيه من الأبواب التي تعني المسلم ُ المنشغ ُ‬
‫‪-‬متنُ المنهاج من ميراث الن ّب ُو ّة هو مت ٌ‬
‫ل ه ِ ّم الدين والعمل له‪ .‬وهذا شروعٌ في شرح الكتاب شرح ًا مفصل ًا‪ ،‬فقد تناولت ‪-‬سابق ًا‪-‬‬
‫الإصلاح وحم ِ‬
‫ح بعض الحلقات للجيل الصاعد شرح ًا مُجمل ًا في بيان بعض مقاصد الأبواب‪.‬‬
‫شر َ‬

‫ِ‬
‫الشرح‪:‬‬ ‫منهجية ُ‬
‫‪ -١‬سأتحدثُ في الباب باعتبار؛ تفصيل عنوانه‪ ،‬و بحث مقاصده‪ ،‬وما يتعل ّق به من فوائد‪.‬‬
‫ل شواهد َ الباب؛ الآيات ثم الأحاديث؛ بتفسير الآية وشرح الحديث‪ ،‬وبيان أهم الفوائد‬
‫‪ -٢‬سأتناو ُ‬
‫المستخرجة منهما فيما له علاقة بالباب‪.‬‬
‫تنبيـه‪ :‬بالنسبة للأحاديث‪ :‬إذا كان الحديثُ خار َ‬
‫ج الصحيحين؛ فقد أتكل ّم عن إسناده وما يتعل ّق به إن‬
‫كانت الحاجة ُ تدعو إلى ذلك‪.‬‬
‫ْ‬

‫التسليم لل ّه ِ ولرسولِه ِ ﷺ‬
‫ِ‬ ‫الوحي وشموليتِه ِ ومركز ية ِ‬
‫ِ‬ ‫باب في مرجعي ّة ِ‬
‫ٌ‬
‫الباب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ل عنوا ِ‬
‫تفصي ُ‬
‫‪-‬يحتوي عنوانُ الباب على أربعة ِ أمو ٍر؛ وهي‪:‬‬
‫ن الوحي َ مرجعي ّة ُ المؤمن‪.‬‬
‫‪ -١‬أ ّ‬
‫باب دون آخر‪.‬‬
‫ل الأبواب؛ فهي ليست في ٍ‬
‫وصف لهذه المرجعية؛ بأ ّنها شاملة ٌ لك ّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫‪-٢‬‬
‫‪ -٣‬الدعوة ُ إلى التسليم لل ّه ولرسوله ﷺ‪.‬‬
‫أمر مركزيّ في الدين؛ وهذا سيظهر ُ من خلال محتو يات الباب‪.‬‬
‫ن هذا التسليم َ ٌ‬
‫‪ -٤‬بيانُ أ ّ‬

‫ل على ثمان آيات وخمسة أحاديث؛ الآياتُ فيه أكثر ُ من الأحاديث‪ ،‬فالمتنُ وإن كان متن ًا‬
‫‪-‬هذا البابُ يشتم ُ‬
‫ن العناية َ فيه بكتاب الل ّه ‪-‬تعالى‪ -‬عناية ٌ كبيرة ٌ؛ و(هذه طر يقة ٌ مهمة ٌ لمن يتعامل مع الحديث‬
‫في الحديث إلا أ ّ‬
‫الن ّبوِ ّي؛ بأ ْن يأتي َ بالآيات التي تشهد للأحاديث في الباب‪ ،‬وكذلك إذا تناول كتابَ الل ّه؛ عليه أ ْن يأتي َ‬
‫ل الإمام ُ البخاريّ ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬هذه الطر يقة َ في صحيحه؛ فهو وإ ْن‬
‫بالأحاديث المُبي ِّنة للآيات)؛ وقد استعم َ‬
‫كان كتاب ًا في الحديث إلا أن ّه يأتي َ ببعض الآيات التي تشهد لمعنى الباب‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫الباب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫مقاصد ُ‬
‫‪-‬وهي خمسة ُ أمو ٍر مطلوبة ٍ من المسلم تُجاه َ مرجعي ّة الوحي؛ وهي‪( :‬تعظيم ُ مرجعي ّة الوحي‪ ،‬والتسليم ُ لمرجعي ّة‬
‫الوحي‪ ،‬وتحكيم ُ مرجعي ّة الوحي‪ ،‬وتقديم ُ مرجعي ّة الوحي‪ ،‬والاستغناء ُ والاستبشار ُ بمرجعي ّة الوحي)‪.‬‬

‫سـؤال‪ :‬لماذا تم ّ البدء ُ بباب مرجعي ّة الوحي؟‬


‫ن أمّة ٌ دين ُها الإسلام؛ والإسلام ُ معناه الاستسلام ُ لل ّه ‪-‬تعالى‪ ،-‬وهذا الاستسلام ُ إن ّما يكون لأمره‪،‬‬
‫=نح ُ‬
‫وأمرُ الل ّه نعرِف ُه ُ بالوحي‪ ،‬ولذا؛ حين نقول‪( :‬مرجعي ّة الوحي ومركز ي ّة التسليم)؛ فنحن نتحدثُ عن أعظم ما‬
‫تجاه َ ما أنزله الل ّه من أمره على رسله صلوت الل ّه وتسليماته عليهم‪.‬‬
‫يمكن أ ْن يعمل َه الإنسان ُ‬

‫ج أ ْن نؤكد َ على معنى مرجعي ّة الوحي؛ وذلك بالاحتكام والتفعيل‬


‫ن في مثل هذا الواقع؛ نحتا ُ‬
‫=ونح ُ‬
‫سن ّة رسوله ﷺ علاقة ً مباشرة ً‪ ،‬ولا يعني ذلك‬
‫والاستغناء والاهتداء؛ بحيث تكون علاقة ُ المسلم بكتاب الل ّه و ُ‬
‫ن وجود َ هؤلاء الأئمة لا يلغي علاقتنا‬
‫ألا يتكأ الإنسانُ في فهمه لنصوص الوحي على فهم أئمة المسلمين‪ ،‬فإ ّ‬
‫المباشرة بكتاب الل ّه وسُن ّة رسوله ﷺ؛ فهي لا تقتصر ُ على مجر ّد الأحكام الفقهية التي تتعل ّق باجتهاد هؤلاء‬
‫ل مسلم ٍ‪.‬‬
‫مطلوب من ك ّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫سن ّة رسوله ﷺ ٌ‬
‫الأئمة‪ ،‬بل هي أوس ُع من ذلك بكثيرٍ؛ فالاهتداء ُ بكتاب الل ّه و ُ‬

‫يعيش الإنسانُ‬
‫َ‬ ‫سك والاعتصام بمرجعي ّة الوحي‪( :‬الهداية)؛ بأ ْن‬
‫ل نتيجة َ التم ّ‬ ‫فاـئدة‪ :‬من أعظم ما ُ‬
‫يحصّ ُ‬
‫ل وهو يتغيى ما يحبه الل ّه‬
‫على نو ٍر من الل ّه؛ يعلم م َن هو‪ ،‬وما الذي يريده الل ّه منه في نفسه وأهله وأمّته‪ ،‬فيعم ُ‬
‫و يرضاه‪ ،‬و يقتدي في ذلك بالنماذج البشر ية وهم الأنبياء‪.‬‬

‫ْس بِ خَار ٍِج‬


‫ات لَي َ‬ ‫س كَم َن مّثَلُه ُ فِي ال ّ‬
‫ظلُم َ ِ‬ ‫جع َل ْنَا لَه ُ نُور ًا يَمْش ِي بِه ِ فِي الن ّا ِ‬
‫ن مَي ْتًا ف َأحْ يَي ْنَاه ُ و َ َ‬
‫‪-‬قال تعالى‪" :‬أوَم َن ك َا َ‬
‫ن م َا ك َانُوا يَعْم َلُونَ"؛ ومن ذلك‪ :‬أن ّك ترى ‪-‬اليوم‪ -‬كثير ًا مم َن تق ّدموا في الحياة‬
‫ن لِلْك َافِرِي َ‬
‫ك ز ُي ِ ّ َ‬
‫مِّنْهَا كَذََٰل ِ َ‬
‫المادية من حيث الصناعات التقنية والاختراعات‪ ،‬قد وصلوا إلى درجة ٍ من الانحطاط الأخلاقي أبش َع مما‬
‫العيش‬
‫َ‬ ‫ن في استطاعتهم‬
‫وصل إليه قوم ُ لوطٍ ؛ ذلك لأ ّنهم فقدوا نور َ الهداية من الل ّه ‪-‬تعالى‪ ،-‬حين ظنوا أ ّ‬
‫وهم مستغنون عن الل ّه‪.‬‬

‫الباب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫شواهد ُ‬
‫ل و َأول ِي الْأ ْمر ِ م ِنك ُ ْم ف َِإن تَنَازَعْتُم ْ‬ ‫ن آم َن ُوا أطِيع ُوا الل ّه َ و َأطِيع ُوا الر ّسُو َ‬ ‫الآية الأولى‪ :‬قال تعالى‪" :‬ي َا أ ّيهَا ال ّذ ِي َ‬
‫ن ت َأْ وِ يل ًا"‪:‬‬‫ك خَيْر ٌ و َأحْ س َ ُ‬ ‫ل ِإن كُنتُم ْ تُؤْم ِن ُونَ ب ِالل ّه ِ و َالْيَو ْ ِم الْآ ِ‬
‫خر ِ ذََٰل ِ َ‬ ‫فِي شَيْء ٍ ف َرُدّوه ُ ِإلَى الل ّه ِ و َالر ّسُو ِ‬

‫ضا‪.‬‬
‫ج هذه ُ الآية ُ تحتَ مقصد التحكيم لمرجعي ّة الوحي ‪-‬في الأساس‪ ،-‬ومقصد التقديم لها أي ً‬
‫‪-‬تندر ُ‬

‫‪-3-‬‬
‫ن‬
‫اختلف العلماء ُ في تفسير (أولي الأمر) على قولين؛ إمّا الأمراء ُ الحكام وإمّا العلماء ُ‪ ،‬وفي الآية بيانُ أ ّ‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫مرجعي ّة َ الوحي مق ّدمة ٌ على مرجعي ّة أولي الأمر‪ ،‬كما يقول الإمام الطبري في تفسيره للآية‪( :‬فإ ْن اختلفتم‪،‬‬
‫أ ّيها المؤمنون‪ ،‬في شيء ٍ من أمر دينكم‪ :‬أنتم فيما بينكم‪ ،‬أو أنتم وولاة ُ أمركم‪ ،‬فاشتجرتم فيه =فردوه إلى الل ّه‬
‫ل على التحكيم من جهة ٍ أخرى‪.‬‬
‫ل على التقديم من جهة ٍ‪ ،‬ويد ّ‬
‫والر ّسول)؛ وهذا يد ّ‬

‫ن الردّ إلى رسوله ﷺ؛ هو الردّ إلى شخصه في‬ ‫ن الردّ إلى الل ّه؛ هو الردّ إلى كتابه‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪-‬وقد أجم َع العلماء ُ على أ ّ‬
‫استنبط العلماء ُ من الآية حُ جي ّة َ الإجماع‪.‬‬
‫َ‬ ‫سن ّته بعد مماته ﷺ‪ ،‬وأيضًا‬ ‫حياته وإلى ُ‬

‫بعض الثمرات الحسنة لعاقبة‬


‫ن من الهدي الرباني في تشر يع الأحكام؛ أ ْن ت ُذكر َ ُ‬
‫‪-‬ومما يؤخذ ُ من الآية‪ :‬أ ّ‬
‫ن الل ّه َ ‪-‬تعالى‪ -‬في هذه الآية جم َع بين ثلاثة ِ أمو ٍر في التوجيه إلى التحكيم لكتابه‬
‫الالتزام بهذه الأحكام؛ فإ ّ‬
‫سن ّة رسوله ﷺ عند َ التنازع؛ وهم‪:‬‬
‫و ُ‬
‫ل"‪.‬‬
‫ن آم َن ُوا أطِيع ُوا الل ّه َ و َأطِيع ُوا الر ّسُو َ‬
‫الأوّل‪ :‬الأمرُ المباشر ُ؛ فقال تعالى‪" :‬ي َا أ ّيهَا ال ّذ ِي َ‬
‫ق الردِّ إلى مرجعي ّة الوحي على الإيمان؛ فقال تعالى‪ِ " :‬إن كُنتُم ْ تُؤْم ِن ُونَ ب ِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الْآ ِ‬
‫خر ِ"؛‬ ‫الثانـي‪ :‬تعلي ُ‬
‫ن مقتضىَ الإيمان‬
‫ل وإشكالٌ؛ لأ ّ‬
‫ن م َن لا يعتبر ُ مرجعي ّة الوحي عند َ التنازع =ففي إيمانه خل ٌ‬
‫ومعنى ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫هو التقديم ُ والتحكيم والتسليم لمرجعي ّة الوحي‪.‬‬
‫ن‬
‫ك خَيْر ٌ و َأحْ س َ ُ‬
‫سن ّة رسوله ﷺ؛ وذلك في قوله تعالى‪" :‬ذََٰل ِ َ‬
‫الثالث‪ :‬بيانُ العاقبة الحسنة للردِّ إلى كتاب الل ّه و ُ‬
‫ت َأْ وِ يل ًا"‪ ،‬والمقصود ُ بالتأو يل في الآية‪ :‬المآل والعاقبة‪.‬‬

‫ح في خطابه الدعوي؛ بأ ْن يذكر َ الثمرات الحسنة والمآلات الصالحة للالتزام بدين‬


‫‪-‬وهذا يستفيد ُ منه المصل ُ‬
‫ك‬
‫الل ّه‪ ،‬اقتضاء ً بالأنبياء والمرسلين أ ّنهم يبشرون وينذرون‪ .‬قال الإمام ُ الطبريّ في تفسير قوله تعالى‪" :‬ذََٰل ِ َ‬
‫ن ت َأْ وِ يل ًا"‪( :‬أي‪ :‬فردّ ما تنازعتم فيه من شيء ٍ إلى الل ّه والر ّسول =خير ٌ لـكم عند الل ّه في معادكم‪،‬‬
‫خَيْر ٌ و َأحْ س َ ُ‬
‫ن ت َأْ وِ يل ًا" يعني‪ :‬وأحمد ُ‬
‫ن ذلك يدعوكم إلى الألفة‪ ،‬وترك التنازع والف ُرقة‪" ،‬و َأحْ س َ ُ‬
‫ح لـكم في دنياكم‪ ،‬لأ ّ‬
‫وأصل ُ‬
‫ل عاقبة ً)‪.‬‬
‫مَو ْئل ًا ومغب ّة ً‪ ،‬وأجم ُ‬

‫ن‬
‫ات أ ّ‬
‫ن يَعْم َلُونَ الصّ الِ ح َ ِ‬
‫ن يَهْدِي لِل ّتِي هِي َ أق ْوَم ُ و َيُبَش ِّر ُ ال ْمُؤْم ِنِينَ ال ّذ ِي َ‬ ‫الآية الثانية‪ :‬قال تعالى‪ِ " :‬إ ّ‬
‫ن هََٰذ َا الْقُر ْآ َ‬
‫خرَة ِ أعْتَدْن َا لَه ُ ْم عَذ َاب ًا ألِيماً"‪:‬‬
‫ن ل َا يُؤْم ِن ُونَ ب ِالْآ ِ‬
‫ن ال ّذ ِي َ‬
‫جر ًا كَب ِير ًا * و َأ ّ‬
‫لَه ُ ْم أ ْ‬

‫ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم؛ وذلك بإدراك الجوانب العظيمة في كتاب الل ّه من الهداية والبشارة‬
‫‪-‬تندر ُ‬
‫ن‬
‫ن كتابَ الل ّه يهدي للسبيل الأقوم‪ ،‬ولذلك؛ فإ ّ‬
‫ج تحتَ مقصد الاستغناء؛ لأ ّ‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وكذلك تندر ُ‬
‫الإنسانَ باتباعه للقرآن =يستغني عن دواعي السبل الأخرى‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫ِيم‬
‫ل مّ ِنْ حَك ٍ‬
‫ل م ِن بَيْنِ يَد َيْه ِ وَل َا م ِنْ خ َل ْفِه ِ تَنزِي ٌ‬ ‫الآية الثالثة‪ :‬قال تعالى‪" :‬و َِإن ّه ُ لَكِت َ ٌ‬
‫اب عَز ِيز ٌ * لّا ي َأْ تيِه ِ الْبَاطِ ُ‬
‫حَم ِيدٍ"‪:‬‬
‫ن القرآنَ‬
‫عزة القرآن؛ منها‪ :‬أ ّ‬ ‫ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم للوحي؛ وقد ذكر َ المفسرون وجوه ًا من ّ‬ ‫‪-‬تندر ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫ف أو يب ّد َ‬
‫ن أعلى من أن ي ّشوه َ أو يحر ّ َ‬
‫لا يؤتى بمثله؛ فهو عزيز ٌ في مكانته وشأنه‪ ،‬وهو في مكا ٍ‬

‫ل م َن‬
‫لكتاب عزيز ٌ بإعزاز الل ّه إياه‪ ،‬وحفظه من ك ّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ن هذا الذكر َ‬
‫‪-‬قال الإمام ُ الطبريّ في تفسيره للآية‪( :‬وإ ّ‬
‫ن ماردٍ)؛ ومما ي ُعضد ُ هذا التفسير ُ؛‬
‫ي وجن ٍيّ وشيطا ٍ‬
‫أراد له تبديل ًا أو تحر يف ًا أو تغيير ًا من إنس ٍ ّ‬
‫ن‬
‫ن ل َا ي َأْ تُونَ بِمِثْلِه ِ و َلَو ْ ك َا َ‬
‫ل هََٰذ َا الْقُر ْآ ِ‬
‫نس و َالْج ِنّ عَلَى أن ي َأْ تُوا بِمِث ْ ِ‬
‫َت ال ِْإ ُ‬
‫‪ -١‬قوله تعالى‪" :‬قُل ل ّئِنِ اجْ تَمَع ِ‬
‫ض َظه ِير ًا"‪.‬‬
‫بَعْضُه ُ ْم لِبَعْ ٍ‬

‫خ ٱلل ّه ُ‬
‫ن فِی أمۡن ِی ّتِه ِۦ فَیَنسَ ُ‬
‫شیۡط ََٰ ُ‬
‫ك م ِن رّسُولࣲ وَل َا نَبِ ٍ ّی ِإلّا ِإذ َا تَم َن ّى ألۡقَى ٱل ّ‬ ‫‪ -٢‬وقوله تعالى‪" :‬وَم َا أ ۡرسَل ۡنَا م ِن قَب ۡل ِ َ‬
‫یحۡكِم ُ ٱلل ّه ُ ءَایََٰتِهِۦۗ و َٱلل ّه ُ عَل ِیم ٌ حَكِیمࣱ"‪.‬‬
‫ن ث ُم ّ ُ‬
‫شیۡط ََٰ ُ‬
‫م َا یلُۡقِی ٱل ّ‬

‫اب عَز ِيز ٌ"؛ ومن ذلك‪:‬‬


‫ل المفسرين في قوله "و َِإن ّه ُ لَكِت َ ٌ‬
‫تنوعت أقوا ُ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬وقد‬
‫ل شيء ٍ من معانيه عما هو به‪ ،‬وذلك هو‬
‫ل تغيير َه بكيده‪ ،‬وتبدي َ‬
‫‪ -١‬قال الإمام ُ الطبريّ ‪( :‬لا يستطي ُع ذو باط ٍ‬
‫الإتيانُ من بين يديه‪ ،‬ولا إلحاقَ ما ليس منه فيه‪ ،‬وذلك إتيان ُه ُ من خلفه)‪.‬‬
‫ن كثيرٍ‪( :‬أي‪ :‬مني ُع الجناب لا ي ُرام أ ْن يأتي َ أحدٌ بمثله)‪.‬‬
‫‪ -٢‬قال الإمام ُ اب ُ‬
‫ج‬
‫ن حُ ج َ‬
‫ن)؛ يقصد أ ّ‬
‫ج القُر ْآ ِ‬
‫ك حُ ج َ ُ‬
‫‪ -٣‬قال الإمام ُ الطاهر ُ ابن عاشور‪( :‬والعَزِيز ُ‪ :‬ال ّذ ِي يَغْل ِبُ ولا يُغْلَبُ ‪ ،‬وكَذَل ِ َ‬
‫تغلب ولا ت ُغلب؛ فهو عزيز ٌ في مضمونه ودلائله وحججه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ن‬
‫القرآ ِ‬

‫ك‬
‫ن ال ْعِلْم ِ م َا ل َ َ‬ ‫الآية الرابعة‪ :‬قال تعالى‪" :‬وَكَذََٰل ِ َ‬
‫ك أنزَلْنَاه ُ ح ُكْ مًا ع َرَب ًّيِ ّا و َلئَِنِ ات ّبَعْتَ أه ْوَاءَه ُم بَعْدَم َا ج َاءَك َ م ِ َ‬
‫ق"‪:‬‬‫ن الل ّه ِ م ِن و َل ِ ٍيّ وَل َا و َا ٍ‬
‫مِ َ‬
‫ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم للوحي؛ ومما يضاف إلى جوانب تعظيم القرآن‪ :‬تنو ّع ُ الصفات التي‬
‫‪-‬تندر ُ‬
‫ل صفة ٍ أعظم من الأخرى‪.‬‬
‫بصفات متعددة ٍ‪ ،‬وك ّ‬
‫ٍ‬ ‫وصفه الل ّه بها؛ فقد وصفه‬

‫ن‬
‫ج الآية ُ تحتَ مقصد الاستغناء؛ وذلك لقوله تعالى‪" :‬و َلئَِنِ ات ّبَعْتَ أه ْوَاءَه ُم بَعْدَم َا ج َاءَك َ م ِ َ‬ ‫‪-‬وأيضًا تندر ُ‬
‫ل الل ّه ُ ‪-‬تعالى‪ -‬بين الحق والباطل؛ بأ ْن يكونَ الحقّ مستندًا إلى‬ ‫ال ْعِلْم ِ"؛ والمقصود ُ بالعلم هنا‪ :‬القرآن‪ ،‬فهنا قاب َ‬
‫العلم وأن يكون ما سواه من الباطل هو الهوى؛ وهذا من أعظم ما يجعل الإنسانُ يستمسك بمقتضى الوحي‬
‫وهو (العلم)‪.‬‬

‫‪-‬ومن المفارقات‪ :‬أن ّنا نجد ‪-‬اليوم‪ -‬في كثيرٍ من السياقات الدراسية إذا ذُك ِر َ (العلم) مجر ّد ًا =فلا ي ُفهم منه إلا‬
‫‪-5-‬‬
‫العلم الطبيعي‪ ،‬بينما العلم الذي ينبغي أ ْن ي ُسمّى علم ًا هو العلم ُ المتصل بالوحي؛ ذلك العلم الذي ينفع الناس في‬
‫يكشف لهم عن غاية وجودهم‪ ،‬وينفعهم في مآلهم الذي ينبغي أن يعملوا له‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حياتهم؛ حيث‬

‫ك أنزَلْنَاه ُ ح ُكْ مًا ع َرَب ًّيِ ّا"؛ منها‪ :‬الحكمة؛ أي‪:‬‬


‫‪-‬ذكر َ المفسرونُ وجوه ًا في دلالة كلمة "ح ُكْ مًا" في قوله تعالى‪" :‬وَكَذََٰل ِ َ‬
‫حكيم ًا‪ ،‬والإحكام والإتقان؛ أي‪ :‬محكمًا‪ ،‬والحاكمية؛ أي‪ :‬حاكم ًا؛ ومن ذلك‪:‬‬
‫ن كثير‪( :‬وكما أرسلنا قبلك المرسلين‪ ،‬وأنزلنا عليهم الـكتب من السماء‪ ،‬كذلك أنزلنا عليك‬
‫‪ -١‬قال الإمام ُ اب ُ‬
‫القرآن محكم ًا معرب ًا‪ ،‬شرفناك به وفضلناك على م َن سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي)‪.‬‬
‫ن سعدي‪( :‬أي‪ :‬ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب حكم ًا‪ ،‬عربي ًا أي‪ :‬محكم ًا متقن ًا)‪.‬‬
‫‪ -٢‬قال الإمام ُ اب ُ‬
‫‪ -٣‬قال الإمام ُ الطاهر ُ بن عاشور‪( :‬والح ُ ْكم ُ‪ :‬ه ُنا بِمَعْنى الح ِ ْ‬
‫كمَة ِ كَما في قَو ْلِه ِ‪" :‬وآتَي ْناه ُ الح ُ ْكمَ صَب ًِّي ّا"؛ والمُراد ُ أن ّه ُ‬
‫ح ْ‬
‫كمَة ٍ)‪.‬‬ ‫أي ِ‬
‫ذ ُو ح ُ ْكمٍ‪ْ ،‬‬

‫فاـئدة‪ :‬حين يأتي المفسرون لتفسير الآيات التي تبدأ بـ(وكذلك أو كما)؛ فإ ّنهم يرجعون إلى ما قبلها من‬
‫طابيّ في كتابه (بيان إعجاز القرآن)‬
‫ل الإمام ُ الخ ّ‬
‫الآيات و يحاولون أن يبحثوا عن العلاقة والرابط بينهما‪ ،‬كما فع َ‬
‫ن‬
‫ن فَرِ يق ًا مّ ِ َ‬
‫ق و َِإ ّ‬
‫ك ب ِالْح َ ّ ِ‬
‫ك م ِن بَي ْت ِ َ‬ ‫ك ر َب ّ َ‬‫خرَج َ َ‬ ‫ل الل ّه تعالى‪" :‬كَمَا أ ْ‬
‫ن قو َ‬
‫في الردِّ على إشكالات الزنادق في أ ّ‬
‫َات عِند َ‬ ‫ح ًّ ّقا ل ّه ُ ْم دَرَج ٌ‬ ‫ك هُم ُ ال ْمُؤْم ِن ُونَ َ‬ ‫ال ْمُؤْم ِنِينَ لَك َارِه ُونَ" ليس له علاقة ٌ بما قبله وهو قوله تعالى‪" :‬أولََٰئ ِ َ‬
‫ر َ ّبِه ِ ْم وَمَغْف ِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَر ِيم ٌ"‪.‬‬
‫ل‬
‫ل قُ ِ‬
‫ن الْأنف َا ِ‬
‫ك عَ ِ‬
‫ارتباط وعلاقة ٌ بقوله تعالى في أوّل سورة الأنفال‪" :‬يَسْألُون َ َ‬
‫ٌ‬ ‫ن الآية َ لها‬
‫طابيّ أ ّ‬
‫=فذكر َ الخ ّ‬
‫ل لِل ّه ِ و َالر ّسُو ِ‬
‫ل فَات ّق ُوا الل ّه َ و َأصْ لِحُوا ذ َاتَ بَي ْنِك ُ ْم و َأطِيع ُوا الل ّه َ وَرَسُولَه ُ ِإن كُنتُم مّؤْم ِنِينَ"؛ ثم بي ّن وجه َ‬ ‫الْأنف َا ُ‬
‫ن كراهت َهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم في الخروج معك وقد حمدوا عاقبته ‪-‬‬
‫هذا الارتباط بقوله‪( :‬يريد أ ّ‬
‫أي‪ :‬حمدوا عاقبة ما فعلته في الغنائم‪ -‬فليصبروا في هذا ‪-‬أي‪ :‬في الخروج‪ -‬وليسلموا ويحمدوا عاقبته كذلك)‪.‬‬

‫ك هُم ُ الْك َاف ِر ُونَ"‪:‬‬


‫ل الل ّه ُ ف َأولََٰئ ِ َ‬ ‫الآية الخامسة‪ :‬قال تعالى‪" :‬وَم َن ل ّ ْم َ‬
‫يحْك ُم بِمَا أنز َ َ‬
‫ضا مقصد التسليم والتقديم‪.‬‬
‫ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التحكيم لمرجعي ّة الوحي‪ ،‬وأي ً‬
‫‪-‬تندر ُ‬

‫‪-‬و يظهر ُ في هذه الآية التعظيم ُ الواضح للوحي الذي إذا لم يسلـكْه ُ الإنسانُ فإن ّه يكون كافر ًا؛ بمعنى أن تعاملنا‬

‫ن الل ّه َ‬‫مع مرجعي ّة الوحي وتحكيمه ليست قضية ً من عامّة الأوامر‪ ،‬وإنما هي من قضايا الإسلام الـكبرى؛ فإ ّ‬
‫ك ل َا يُؤْم ِن ُونَ حَت ّى يُحَكِّم ُوك َ ف ِيم َا‬
‫أنزل هذا الوحي ليكون قائد ًا‪ ،‬ولذلك قال الل ّه ُ في الآية التي تليها‪" :‬فَلَا وَر َب ِّ َ‬
‫ضي ْتَ و َيُس َل ِّم ُوا تَسْلِيم ًا"؛ وربما هذه الآية أوضُ ح آية ٍ في قضية‬ ‫شَ ج َر َ بَيْنَه ُ ْم ث ُم ّ ل َا َ‬
‫يجِد ُوا فِي أنفُسِه ِ ْم حَرَج ًا مِّم ّا ق َ َ‬
‫خاص‪.‬‬
‫ّ ٍ‬ ‫ل‬
‫ل عا ٍمّ ولسُن ّة الن ّب ِيّ ﷺ بشك ٍ‬
‫التسليم لمرجعي ّة الوحي بشك ٍ‬

‫‪-6-‬‬
‫سن ّة رسوله ﷺ‪ ،‬وفي‬
‫ل بينها وبين الح ُكم بكتاب الل ّه و ُ‬
‫يحا َ‬
‫ن من أعظم ما ابتُليت به الأمّة ُ‪ :‬أ ْن ُ‬
‫‪-‬وعلى ذلك؛ فإ ّ‬
‫توصيف قضية الحاكمية بأ ّنها من القضايا السياسية‪ ،‬في ذلك التوصيف نوعٌ من الإبعاد والتهميش لقضية ٍ‬
‫كبرى من قضايا الإسلام‪.‬‬

‫ن لَهُم ُ الْخ ِيَرَة ُ‬ ‫الآية السادسة‪ :‬قال تعالى‪" :‬وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ‬
‫ن وَل َا مُؤْم ِنَة ٍ ِإذ َا ق َض َى الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ أم ًْرا أن يَكُو َ‬
‫ل ضَلَال ًا مّب ِينًا"‪:‬‬ ‫ض ّ‬ ‫ص الل ّه َ وَرَسُولَه ُ فَق َ ْد َ‬
‫م ِنْ أ ْمرِه ِ ْم وَم َن يَعْ ِ‬
‫ل ما يقضيه الل ّه ورسوله ﷺ؛ وذلك لما احتوته الآية ُ من أعلى صيغ العموم؛‬
‫لك ّ‬
‫‪-‬هذه الآية عامّة ٌ؛ تشم ُ‬
‫قال تعالى‪ِ " :‬إذ َا ق َض َى الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ أم ًْرا"؛ "أم ًْرا"‪ :‬يعني‪ :‬أيّ أمر ٍ‪.‬‬

‫ل ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإذ َا دُع ُوا ِإلَى الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَه ُ ْم أن يَق ُولُوا سَمِعْنَا‬
‫الآية السابعة‪ :‬قال تعالى‪ِ " :‬إن ّمَا ك َانَ قَو ْ َ‬
‫ك هُم ُ ال ْمُفْلِحُونَ"‪.‬‬
‫طعْنَا و َأولََٰئ ِ َ‬
‫و َأ َ‬

‫َي الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ"‪:‬‬ ‫الآية الثامنة والأخيرة‪ :‬قال تعالى‪" :‬ي َا أ ّيهَا ال ّذ ِي َ‬
‫ن آم َن ُوا ل َا تُق َ ّدِم ُوا بَيْنَ يَد ِ‬
‫ل بها على مركز ي ّة مرجعي ّة الوحي والتسليم والإنقياد له‪ ،‬وتقديمها على‬
‫‪-‬هذه الآية ُ من أهم الآيات التي ي ُستد ُ‬
‫غيرها؛ وهذه الآية ُ هي محور ُ كتاب (الفرقان بين الحق والبطلان) لشيخ الإسلام ابن تيمية ‪-‬رحمه الل ّه‪-‬؛‬
‫ن درجة َ إنحرافهم كانت بمقدار البعد عن‬
‫لأصناف من الطوائف؛ فبي ّن أ ّ‬
‫ٍ‬ ‫سي َر التار يخية‬
‫استعرض ال ِ‬
‫َ‬ ‫حيث‬
‫هذه الآية‪ ،‬وعدم تقديمهم لمرجعي ّة الوحي على غيرها‪.‬‬

‫ل‬ ‫ن الن ّبيّ ﷺ قال عن القرآن‪" :‬ك ِتابُ الل ّه ِ هو َ‬


‫حب ْ ُ‬ ‫الحديث الأوّل‪ :‬عن زيدٍ بن أرق ٍم ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬أ ّ‬
‫ن علَى ضَلَالَة ٍ"؛ أخرجه مسلم ٌ‪.‬‬ ‫الل ّهِ‪ ،‬م َ ِ‬
‫ن ات ّبَع َه ُ كانَ علَى الهُد َى‪ ،‬وَم َن ت َرَك َه ُ كا َ‬
‫فاـئدة‪ :‬لهذا الحديث قصة ٌ طو يلة ٌ فيها عدد ٌ من الفوائد‪ ،‬ولذا؛ يحس ُ ُ‬
‫ن الرجوع ُ إليها‪.‬‬

‫حث على اتباعه مع ذكر‬


‫صة ً كتاب الل ّه‪ ،‬وفيه ال ّ‬
‫ج هذا الحديثُ تحتَ مقصد التعظيم لمرجعي ّة الوحي؛ خا ّ‬
‫‪-‬يندر ُ‬
‫ل الل ّه ِ"؛ الحبل هو العهد؛ أي‪ :‬كتاب‬ ‫عاقبته‪ ،‬وعاقبة ِ م َن ترك اتباعه أيضًا؛ يقول الن ّبيّ ﷺ‪" :‬كِتابُ الل ّه ِ هو َ‬
‫حب ْ ُ‬
‫الل ّه هو العهد ُ بيننا وبين الل ّه ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫ن الهداية َ من أعظم‬
‫ن ات ّبَع َه ُ كانَ علَى الهُد َى‪ ،‬وَم َن ت َرَك َه ُ كانَ علَى ضَلَالَة ٍ"؛ فيه إثباتُ أ ّ‬
‫‪-‬قوله ﷺ‪" :‬م َ ِ‬
‫سا في حياته‪.‬‬
‫ل المسلم ُ اتباعَ كتاب الل ّه أسا ً‬
‫ثمرات اتباع مرجعي ّة الوحي‪ ،‬ولذا؛ يجبُ أ ْن يجع َ‬

‫خط ِيبًا بمَاء ٍ ي ُ ْدعَى‬


‫ل الل ّه ِ ﷺ يَوْم ًا ف ِينَا َ‬
‫‪-‬في رواية الإمام مسلم؛ قال زيدٍ بن أرق ٍم ‪-‬رضي الل ّه عنه‪( :-‬قَام َ ر َسو ُ‬
‫اس‪ ،‬فإن ّما أن َا بَشَر ٌ‬ ‫خ ًُّم ّا بيْنَ مَك ّة َ و َال ْمَدِينَة ِ‪ ،‬فَحَمِد َ الل ّه َ و َأث ْن َى عليه‪ ،‬وَوَع ََظ وَذَك ّر َ‪ ،‬ث ُم ّ قا َ‬
‫ل‪" :‬أمّا بَعْد ُ‪ ،‬أل َا أ ّيهَا الن ّ ُ‬
‫‪-7-‬‬
‫ل ر َب ِ ّي ف َأجِيبَ ‪ ،‬و َأن َا ت َارِك ٌ ف ِيك ُ ْم ثَق َلَيْنِ‪ :‬أوّلُه ُما ك ِتَابُ الل ّهِ‪ ،‬فيه الهُد َى و َالن ّور ُ‪ ،‬فَخُذ ُوا‬
‫ك أ ْن ي َأْ تِي َ ر َسو ُ‬ ‫ش ُ‬‫يُو ِ‬
‫ل بَي ْتي‪ ،‬أذَك ِّرُكُم ُ الل ّه َ في أه ْ ِ‬
‫ل‬ ‫اب الل ّه ِ وَرَغّبَ ف ِيه ِ‪ ،‬ث ُم ّ قا َ‬
‫ل‪ :‬و َأه ْ ُ‬ ‫ث علَى كِت َ ِ‬ ‫سكُوا به‪ ،‬فَح َ ّ‬ ‫اب الل ّهِ‪ ،‬و َاسْ تَم ْ ِ‬
‫بكِت َ ِ‬
‫ل بَيْتِي‪ ،‬أذَك ِّر ُكُم ُ الل ّه َ في أه ْ ِ‬
‫ل بَي ْتي")؛ هذه هي الرواية الصحيحة الثابتة عن الن ّب ِيّ‬ ‫بَيْتِي‪ ،‬أذَك ِّرُكُم ُ الل ّه َ في أه ْ ِ‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية ٍ أخرى؛ عن زيدٍ بن أرق ٍم ‪-‬رضي الل ّه عنه‪-‬؛ قال الن ّبيّ ﷺ‪ِ " :‬إن ِ ّي ت َارِك ٌ ف ِيكُم ُ الث ّق َلَيْنِ‪ :‬كِتَابَ الل ّهِ‪،‬‬
‫ظ ِم ُها الشيعة‬
‫ْض"؛ هذه رواية ٌ ضعيفة ٌ‪ ،‬وهذا الرواية ُ يع ّ‬
‫ل بَيْتِي‪ ،‬و َِإ ّنهُم َا لَنْ يَتَف َر ّقَا حَت ّى يَرِد َا عَلَيّ الْحَو َ‬
‫و َأه ْ َ‬
‫كثير ًا؛ لما فيها من أمر الن ّب ِيّ ﷺ باتباع كتاب الل ّه وعترته ﷺ ‪-‬أهل بيته‪ -‬وجعلهما على حدٍ سواءٍ في الاتباع‪،‬‬
‫بينما الثابت أن ّه ﷺ أوصى بثقلين؛ كتاب الل ّه من جهة الاتباع‪ ،‬وأهل البيت من جهة رعاية حقهم‬
‫والإحسان إليهم‪.‬‬

‫وصف الن ّبيّ ﷺ ما تركه بالثقلين؟‬


‫َ‬ ‫سـؤال‪ :‬لماذا‬
‫ل العلماء ُ‪ :‬سُم ِّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما‪ ،‬وقيل‪ :‬لثقل العمل‬ ‫=قال الإمام ُ النوويّ ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬قا َ‬
‫ل شيء ٍ‬‫ك قَوْل ًا تَق ِيل ًا"‪ ،‬وكذلك؛ كانت العربُ تقول لك ّ ِ‬
‫بهما)‪ ،‬كما قال تعالى عن القرآن‪ِ " :‬إن ّا سَنُلْقِي عَلَي ْ َ‬
‫س (ثقيل ًا)‪.‬‬
‫نفي ٍ‬

‫فـوائد جانبيـة‪:‬‬
‫‪-‬كان الصحابة ُ ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪ -‬يحتاطون في الرواية عن الن ّب ِيّ ﷺ تعظيم ًا لشأن الحديث عنه ﷺ وخوفًا‬
‫من أن ينسبوا للن ّب ِيّ ﷺ ما لم يقله؛ ومن شواهد ذلك‪:‬‬

‫يح ّدِثَ عن الن ّب ِيّ ﷺ وهو كبير ٌ في السن؛ قال‪( :‬و َالل ّه ِ لق َ ْد كَبِر ْ‬
‫َت سِن ِ ّي‪،‬‬ ‫ل زيد بن أرقم أ ْن ُ‬ ‫‪ -١‬أن ّه لما سُئ ِ َ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ‪ ،‬فَما ح َ ّدث ْتُك ُ ْم فَاق ْبَلُوا‪ ،‬و َما ل َا فلا‬
‫كن ْتُ أعِ ي م ِن ر َسو ِ‬
‫ْض ال ّذي ُ‬
‫و َقَدُم َ ع َ ْهدِي‪ ،‬و َنَسِيتُ بَع َ‬
‫تُك َلِّف ُونيِه ِ)‪.‬‬
‫س‪ ،‬فإذا قال‪ :‬سمعتُ رسول الل ّه ﷺ‬
‫ل خمي ٍ‬
‫ل‪( :‬كنت آتي ابن مسعود ك ّ‬
‫‪ -٢‬روي عن عمرو بن ميمون قا َ‬
‫انتفخت أوداج ُه ُ‪ ،‬ثم قال‪ :‬أو دون ذلك‪ ،‬أو فوق ذلك‪ ،‬أو قريب ذلك‪ ،‬أو شبيه ذلك‪ ،‬أو كما قال)‪،‬‬
‫ْ‬
‫أنس بن مالكٍ ‪-‬رضي الل ّه عنه‪.-‬‬
‫وأيضًا؛ روي ذلك عن ٍ‬

‫ن الن ّارِ"‪ ،‬وذلك‬


‫‪ -٣‬توارد َ عدد ٌ من الصحابة على رواية حديث‪" :‬م َن كَذ َبَ عَلَيّ م ُتَعَمِّدًا‪ ،‬فَل ْيَتَبَو ّأْ م َ ْقعَدَه ُ م ِ َ‬
‫ق صحيحة‪.‬‬
‫من وجوه ٍ متعددة ٍ وطُر ُ ٍ‬

‫‪-8-‬‬
‫‪-‬كان كلام ُ الن ّب ِيّ ﷺ قليل ًا مختصر ًا؛ كما قالت عائشة ‪-‬رضي الل ّه عنها‪ -‬لما سمعت أبا هريرة يسرد ُ الحديثَ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ ل َ ْم يَكُنْ يَسْرُد ُ الحَدِيثَ كَسَرْدِك ُ ْم)‪ ،‬وفي رواية ٍ؛ قالت‪( :‬إن ّما كانَ الن ّبيّ ﷺ‬
‫ن ر َسو َ‬
‫سرد ًا‪( :‬إ ّ‬
‫يُح َ ّدِثُ حَدِيثًا‪ ،‬لو ع َ ّده ُ الع َادّ لأحْ صَاه ُ)‪.‬‬
‫ل عنه ُ)‪ ،‬وكان كلام ُه ُ ﷺ مح ّدد ًا؛ ومنه قوله ﷺ‪:‬‬
‫‪-‬وكان من هديه ﷺ أن ّه (كان يُع ِيد ُ الكَل ِمة َ ثَلاث ًا لِتُعْق َ َ‬
‫ن"‪ ،‬ثم يح ّدِد ُ ﷺ هذه الثلاثة‪ ،‬وقوله ﷺ‪" :‬أرْب َ ٌع م َن كُنّ فيه كانَ‬
‫ثلاث م َنْ كُنّ فيه وجَد َ حلاوَة َ الإيما ِ‬
‫ٌ‬ ‫"‬
‫حفظ الس ُن ّة على الصحابة‪.‬‬
‫َ‬ ‫م ُنَافِق ًا خ َال ِصً ا"‪ ،‬ثم يحدد ﷺ هذه الأربعة؛ وهكذا‪ .‬وهذا كل ّه مما سهّل‬

‫ٍ‬
‫رافع ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬عن الن ّب ِيّ ﷺ قال‪" :‬لا أل ْف ِي َ ّن أحدَك ُ ْم متكئًا على أر يكتِه ِ‬ ‫الحديث الثاني‪ :‬عن أبي‬
‫كتاب الل ّه ِ اتبعناه ُ"‪ ،‬أخرجه أبو داود‬ ‫ِ‬ ‫ل‪ :‬لا أدرِي‪ .‬ما وجدن َا في‬‫أمر مما أمرتُ به ِ أو نهيتُ عنه ُ فيقو ُ‬
‫يأتيه ِ ٌ‬
‫والترمذيّ وأحمد ورواه الشافعيّ بإسنادٍ ص ٍ‬
‫حيح‪.‬‬

‫‪-‬قوله ﷺ‪" :‬لا أل ْف ِي َ ّن"‪ :‬فيه تحذير ٌ لأصحابه وأمّته ألا يجد فيهم م َن ينكرون سُن ّته ﷺ‪ ،‬وفي رواية أخرى من‬
‫ك‬
‫ش ُ‬ ‫حديث المقدام ابن معدي كرب ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬فيها الإخبار بق ُرب حدوث ذلك‪ ،‬قال الن ّبيّ ﷺ‪" :‬يو ِ‬
‫ل‪ :‬بينَنَا وبينَك ُ ْم كتابُ الل ّهِ‪ ،‬فما وجدْنا‬ ‫ل م ُت ّكِئًا على أرِ يكَتِه ِ‪ ،‬يُح َ ّدثُ ب ٍ‬
‫حديث م ِنْ حديثي‪ ،‬فيقو ُ‬ ‫أ ْن يقعُد َ الرج ُ‬
‫ل الل ّه ِ مث َ‬
‫ل ما حرّم َ الل ّه ُ"‪،‬‬ ‫ن ما حرّم َ رسو ُ‬
‫ل اسْ تَحْلَل ْناه ُ‪ ،‬وما وجد َنا فيه م ِنْ حرا ٍم حرّمْناه ُ‪ ،‬أل َا ِوإ ّ‬‫فيه م ِنْ حلا ٍ‬
‫ن بس ُن ّة الن ّب ِيّ ﷺ الذي أخبر َ بوقوع مثل هذا‬ ‫ن وجود َ منكري السُن ّة في ح ّدِ ذات ِه ِ‪ ،‬فيه يقي ٌ‬ ‫وعلى ذلك؛ فإ ّ‬
‫الحدث‪.‬‬

‫‪-‬قوله ﷺ‪" :‬م ُت ّكِئًا على أرِ يكَتِه ِ"‪ :‬لا ينحصر ُ في الصورة الحسية للاتكاء‪ ،‬يقول الإمام ُ الخ ّ‬
‫طابيّ‪( :‬وأراد بهذه‬
‫الصفة ِ أصحابَ الترف ّه ِ والد ّع َة‪ ،‬الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم َ‪ ،‬ولم يغدوا له‪ ،‬ولم يروحوا في طلبه في‬
‫صف لحال منكري السُن ّة ‪-‬اليوم‪ -‬من فقدانهم لأصول العلم وأبجدياته‪.‬‬
‫مظان ِّه واقتباسه من أهله)؛ وهذا و ٌ‬

‫فاـئدة‪ :‬ي ُع ّد الإمام ُ الخ ّ‬


‫طابيّ ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬من أفضل الش ّر ّاح المتق ّدِمين لأحاديث الن ّب ِيّ ﷺ‪ ،‬لـكنه غير‬
‫لاصات مهمة‪ ،‬ومن أشهر شروحه‪( :‬أعلام الحديث) في شرح صحيح‬ ‫ٍ‬ ‫متوس ٍع في الشرح إنما يُعطي خ ُ‬ ‫ِّ‬
‫سن َن أبي داود‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬و(معالم الس ُنَن) في ُ‬

‫استعدادات مبكرة ٌ لها‪ ،‬ومن جهل‬


‫ٌ‬ ‫‪-‬كان الن ّبيّ ﷺ يح ّذِر ُ أصحابه وأمّته من الفتن المستقبلية؛ ليكونَ لديهم‬
‫منكري الس ُن ّة (أ ّنهم يستدلون بالأحاديث التي فيها أمور ٌ غيبية ٌ على إبطال الس ُن ّة؛ لأن ّه لا يعلم الغيبَ إلا الل ّه)‬
‫ل فاـسدٌ؛ إذ ما ورد َ في السُن ّة من أمو ٍر غيبية ٍ هي من وحي الل ّه ‪-‬تعالى‪ -‬لنبي ِّه ﷺ؛ قال تعالى‪:‬‬
‫وهذا استدلا ٌ‬

‫‪-9-‬‬
‫ل"؛ وفي هذا ز يادة ُ يقينٍ في الس ُن ّة!‬
‫ن ارْتَض َى م ِنْ رَسُو ٍ‬ ‫"عَالِم ُ الْغَي ِ‬
‫ْب فَلا ي ُ ْظه ِر ُ عَلَى غَي ْبِه ِ أحَدًا ِإلا م َ ِ‬

‫الحديث الثالث‪ :‬عن أبي هريرة َ ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬عن الن ّب ِيّ ﷺ قال‪" :‬م َن أطَاعَنِي فق َ ْد أطَاعَ الل ّهَ‪ ،‬وم َن‬
‫عَصَانِي فق َ ْد ع َص َى الل ّه َ"‪ ،‬أخرجه البخاريّ ومسلم ٌ‪.‬‬
‫ن قضية َ‬ ‫صة ً الس ُن ّة‪ ،‬وبالرغم من وضوح أ ّ‬ ‫ج تحتَ مقصد التعظيم لمرجعي ّة الوحي؛ خا ّ‬ ‫‪-‬هذا الحديثُ يندر ُ‬
‫(طاعة الرسول ﷺ من طاعة الل ّه) قضية ٌ قرآنية ٌ مؤسّ سة ٌ في كتاب الل ّه "مّن يُط ِِع الر ّسُو َ‬
‫ل فَق َ ْد أطَاع َ الل ّه َ"‪ ،‬إلا‬
‫ل البشر في منزلة‬ ‫ن في اتباع الر ّسول ﷺ شرك ًا بالل ّه بجع ِ‬ ‫أ ّنها تغيب عن كثيرٍ من منكري السُن ّة؛ إذ يدّعون أ ّ‬
‫الل ّه‪ ،‬بينما في هذا الحديث الجوابُ البدهيّ على ذلك الادِّعاء‪.‬‬

‫ل في الخطبة ِ‪" :‬أمّا‬ ‫ل ﷺ يقو ُ‬ ‫الحديث الرابع‪ :‬عن جابر بن عبد الل ّه ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬قال‪( :‬كانَ الر ّسو ُ‬
‫ل بدْعَة ٍ ضَلَالَة ٌ")‪،‬‬ ‫ديث كِتَابُ الل ّهِ‪ ،‬وَخَي ْر ُ الهُدَى هُد َى مُحَم ّدٍ‪ ،‬و َشَر ّ الأم ُورِ ُ‬
‫محْد َث َاتُهَا‪ ،‬وَك ُ ّ‬ ‫ن خَيْر َ الح َ ِ‬
‫بَعْد ُ؛ فإ ّ‬
‫أخرجه مسلم ٌ‪.‬‬
‫ج هذا الحديثُ تحت مقصد التقديم لمرجعي ّة الوحي‪ ،‬وأيضًا الاستغناء بها؛ فإن ّك متى نظرتَ إلى كتاب‬
‫‪-‬يندر ُ‬
‫ن هذا من أدعى ما يجعلك تستغني‬ ‫سن ّة الن ّب ِيّ ﷺ على أ ّنها خير ُ الهدي =فإ ّ‬
‫الل ّه على أن ّه خير ُ الحديث‪ ،‬وإلى ُ‬
‫ن من معاني الحديث‪ :‬إعادة َ‬
‫بهما عن الاتجاهات المعرفية التي تزعم أ ّنها ت ُغني البشر وتملأ عقولهم‪ .‬ولذلك؛ فإ ّ‬
‫تعظيم ومركزة الوحي في نفوسنا‪.‬‬

‫ِيث ك ِتَاب ًا مّتَش َابِهًا مّثَانِي َ"؛‬


‫ن الْحَد ِ‬ ‫ديث كِتَابُ الل ّه ِ"‪ :‬يشهد له قوله تعالى‪" :‬الل ّه ُ نَز ّ َ‬
‫ل أحْ س َ َ‬ ‫ن خَيْر َ الح َ ِ‬
‫‪-‬قوله ﷺ‪" :‬فإ ّ‬
‫ن الس ُن ّة َ جاءت بالتعظيم لكتاب الل ّه‪ ،‬على غير ما يزعمون‬ ‫وفي هذا فائدة ٌ مهمة ٌ في منازعة منكري الس ُن ّة؛ إذ أ ّ‬
‫بأ ّنها جاءت لمفارقته ومقاطعته‪.‬‬
‫فاـئدة‪ :‬هذا الحديثُ في ص ِ‬
‫حيح مسلمٍ من طر يق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪،-‬‬
‫وجعفر هو‪ :‬جعفر الملقب بـ(جعفر الصادق)‪ ،‬بن محمد الملقب بـ(الباقر)‪ ،‬بن علي الملقب بـ(زين العابدين)‬
‫بن الحسين بن علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ ،-‬وهذه السلسلة ُ يروي بها الإمام ُ مسلم ٌ أحاديثَ معروفة ً‬
‫عن جابر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪.-‬‬

‫ل البيت ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪ -‬كانوا يروون هذه الأحاديث التي فيها تقديم ٌ‬
‫سادات أه ِ‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫‪-‬وفي هذه لطيفة ٌ‪( :‬أ ّ‬
‫ن لتعظيم أهل البيت لشأن كتاب الل ّه وسُن ّة رسوله‬
‫سن ّة رسوله ﷺ على غيرهما)؛ وفي هذا بيا ٌ‬
‫لكتاب الل ّه و ُ‬
‫ن كلام َ الأئمة يمكن أ ْن يوازيَ أو يُق ّدم َ‬
‫بعض الفرق الضالة في أ ّ‬
‫ُ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وذلك يختلف كثير ًا عما تعتقده‬
‫أحيان ًا على ما جاء عن رسول الل ّه ﷺ‪.‬‬

‫‪- 01 -‬‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ "لِل ّه ِ ما‬ ‫الحديث الخامس والأخير‪ :‬عن أبي هريرة َ ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬قال‪( :‬لَم ّا ن َزَل َ ْ‬
‫ت علَى ر َسو ِ‬
‫سبْك ُ ْم به الل ّه ُ فَيَغْف ِر ُ لم َِن يَشاء ُ و يُع َ ّذِبُ‬
‫تخْف ُوه ُ يُحا ِ‬
‫سك ُ ْم أ ْو ُ‬‫ض وإ ْن تُبْد ُوا ما في أنْف ُ ِ‬ ‫ماوات وما في الأ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫في ال ّ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ ث ُم ّ‬ ‫ل الل ّه ِ ﷺ‪ ،‬فأتَو ْا ر َسو َ‬ ‫حاب ر َسو ِ‬ ‫أص ِ‬ ‫ك علَى ْ‬ ‫ل‪ :‬فاشْ ت َ ّد ذل َ‬ ‫ل شيء ٍ قَدِير ٌ"‪ ،‬قا َ‬
‫م َن يَشاء ُ والل ّه ُ علَى ك ُ ّ ِ‬
‫والصيام َ والْج ِهاد َ والصّ د َق َة َ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ل ما نُط ِيقُ‪ ،‬الصّ لاة َ‬ ‫ن الأعْما ِ‬ ‫ل الل ّهِ‪ ،‬ك ُلِّفْنا م ِ َ‬
‫أي ر َسو َ‬
‫َب‪ ،‬فقالوا‪ْ :‬‬ ‫ب َرَكُوا علَى الر ّك ِ‬
‫ل الكِتابَيْنِ م ِن‬
‫ل أه ْ ُ‬ ‫ل الل ّه ِ ﷺ‪" :‬أتُر ِيد ُو َ‬
‫ن أ ْن تَق ُولوا كما قا َ‬ ‫ل ر َسو ُ‬
‫ك هذِه الآيَة ُ ولا نُط ِيق ُها‪ ،‬قا َ‬
‫ت عَلَي ْ َ‬
‫وق ْد أنْز ِل َ ْ‬
‫ك ر َب ّنا‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬
‫ك المَصِ ير ُ"‪ ،‬قالوا‪ :‬سَمِعْنا وأ َ‬
‫ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬
‫صي ْنا؟ بَلْ قُولوا‪ :‬سَمِعْنا وأ َ‬
‫قَب ْل ِـك ُ ْم سَمِعْنا وع َ َ‬
‫ل إلَيْه ِ م ِن ر َبِّه ِ‬‫ل بما أنْز ِ َ‬
‫ن الر ّسُو ُ‬
‫ل الل ّه ُ في إثْر ِها‪" :‬آم َ َ‬
‫ت بها ألْسِنَتُهُمْ‪ ،‬فأن ْز َ َ‬
‫ك المَصِ ير ُ‪ ،‬فَلَم ّا اق ْتَر َأها القَوْم ُ‪ ،‬ذ َل ّ ْ‬‫وإلَي ْ َ‬
‫ك‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬ ‫ن بالل ّه ِ وم َلائِكَتِه ِ وكُتُبِه ِ ورُسُلِه ِ لا نُف َرِّقُ بيْنَ أحَدٍ م ِن رُسُلِه ِ وقالُوا سَمِعْنا وأ َ‬ ‫ل آم َ َ‬ ‫وال ْمُؤْم ِن ُونَ ك ُ ّ‬
‫ل‪" :‬لا يُك َل ّ ُِف الل ّه ُ ن َ ْفسًا إلّا و ُسْ ع َها‬
‫عز وج ّ‬ ‫ل الل ّه ُ ّ‬ ‫ك نَسَخَها الل ّه ُ ت َعالَى‪ ،‬فأن ْز َ َ‬ ‫ك المَصِ ير ُ"‪ ،‬فَلَم ّا فَع َلُوا ذل َ‬
‫ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫ل‪ :‬نَع َ ْم‪" ،‬ر َب ّنا ولا تَحْم ِلْ علي ْنا إصْر ًا‬ ‫خذْنا إ ْن نَسِينا أ ْو أخْ ط َأْ نا" قا َ‬ ‫كسَب َْت وعليها ما اكْ تَسَب َْت ر َب ّنا لا تُؤا ِ‬ ‫لها ما َ‬
‫ْف ع َن ّا واغْفِر ْ لنا‬ ‫ل‪ :‬نَع َ ْم‪" ،‬ر َب ّنا ولا تُح َم ِّل ْنا ما لا طاق َة َ لنا به ِ" قا َ‬
‫ل‪ :‬نَع َ ْم‪" ،‬واع ُ‬ ‫ن م ِن قَب ْلِنا" قا َ‬
‫كما حَمَل ْت َه ُ علَى ال ّذ ِي َ‬
‫ل‪ :‬نَع َ ْم)‪ ،‬أخرجه مسلم ٌ‪.‬‬
‫ن" قا َ‬
‫وا ْرحَم ْنا أن ْتَ مَو ْلانا فان ْصُرْنا علَى القَو ْ ِم الكافِرِي َ‬

‫بعض الفوائد؛ منها‪:‬‬


‫ج هذا الحديثُ تحت مقصد التسليم لمرجعي ّة الوحي والتسليم؛ وجاء في الحديث ُ‬
‫‪-‬يندر ُ‬

‫‪ -١‬فائدة ٌ في طبيعة تلقي الصحابة ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪ -‬لكتاب الل ّه ‪-‬تعالى‪-‬؛ إذ كانوا يتلقون آياته بحساسية‬
‫ن الآية َ التي تنزل هي من كلام الل ّه؛ في ُعونها وينتبهون لدلالتها وما تستلزمه أو تقتضيه‪.‬‬
‫عالية؛ يستشعرون أ ّ‬

‫سبْك ُ ْم" =عم ِل َت في نفوسهم ما‬


‫تخْف ُوه ُ يُحا ِ‬
‫سك ُ ْم أ ْو ُ‬
‫ل عليهم قول ُه ُ تعالى‪" :‬وإ ْن تُبْد ُوا ما في أنْف ُ ِ‬
‫‪-‬ولذلك؛ لما نز َ‬
‫ل لكتاب الل ّه من التعظيم‬
‫عملت‪ ،‬ولذلك؛ (إذا أردنا أ ْن نقتديَ بهدي أصحاب رسول الل ّه ﷺ =علينا أ ْن نجع َ‬
‫المتعل ّ ِق بمقتضى ما في آياته من أمرٍ ونهي وح ٍّد‪ ،‬ما كان عند أصحاب رسول الل ّه ﷺ)‪.‬‬

‫جاءت فاطمة ‪-‬رضي الل ّه عنها‪ -‬تطلبُ ميراثها من أبي بكر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪-‬؛ شعر َ أمامها‬
‫ْ‬ ‫‪-‬ومن ذلك أيضًا‪ :‬لما‬
‫ن معشر َ الأنبياء ِ‬
‫نص نبويّ لا يستطيع أ ْن يتجاوز َه ُ وهو قوله ﷺ‪" :‬نح ُ‬
‫بالحرج الشديد‪ ،‬ولـكن كان أمام َ عينيه ّ‬
‫لا نور َثُ ما ترَكناه ُ فهو صدقة ٌ"‪.‬‬

‫ل الل ّه ِ ﷺ يَعْم َ ُ‬
‫ل به إلّا عَم ِل ْتُ به‪ ،‬فإن ِ ّي‬ ‫‪-‬ولذا؛ قال أبو بكر ‪-‬رضي الل ّه عنه‪( :-‬لَسْتُ ت َارِك ًا شيئًا‪ ،‬كانَ ر َسو ُ‬
‫النص‬
‫ّ ِ‬ ‫أخْ ش َى إ ْن ت َرَكْ تُ شيئًا م ِن أ ْمرِه ِ أ ْن أزِ ي َغ)؛ فخاف ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬أ ْن يضل ّه الل ّه ُ بسبب تركه لهذا‬
‫َاب أل ِيم ٌ"‪.‬‬
‫ن يُخَالِف ُونَ ع َنْ أ ْمرِه ِ أن تُصِ يبَه ُ ْم فِت ْن َة ٌ أ ْو يُصِ يبَه ُ ْم عَذ ٌ‬
‫الواضح‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪" :‬فَل ْيَحْذَرِ ال ّذ ِي َ‬

‫‪- 00 -‬‬
‫والصيام َ‬
‫ِّ‬ ‫ل ما نُط ِيقُ‪ ،‬الصّ لاة َ‬
‫ن الأعْما ِ‬
‫ل الصحابة ‪-‬رضي الل ّه عنهم‪( :-‬ك ُلِّفْنا م ِ َ‬
‫‪ -٢‬من فوائد الحديث‪ :‬قو ُ‬
‫ك هذِه الآيَة ُ ولا نُط ِيق ُها)‪ :‬أي‪ :‬أ ّنهم تحملوا هذه الأعمال على ما فيها من‬
‫ت عَلَي ْ َ‬
‫والْج ِهاد َ والصّ د َق َة َ‪ ،‬وق ْد أنْز ِل َ ْ‬
‫ل‪ ،‬لـكنهم لا يتحملون أن يحاسبوا على ما تهم به نفوسهم من الخواطر؛ وفي هذا درجة ٌ عالية ٌ في الإيمان‬
‫ث ِق ٍ‬
‫والصدق ومعرفة النفس‪.‬‬

‫ن من‬‫صي ْنا؟"‪ :‬فيه إفادة ٌ أ ّ‬


‫ل الكِتابَيْنِ م ِن قَب ْل ِـك ُ ْم سَمِعْنا وع َ َ‬
‫ل أه ْ ُ‬
‫ل الن ّب ِيّ ﷺ‪" :‬أتُر ِيد ُونَ أ ْن تَق ُولوا كما قا َ‬
‫‪ -٣‬قو ُ‬
‫ن من الفقه في الدين‪:‬‬ ‫أخطر صور التشب ّه بأهل الكتاب‪ :‬عدم َ الانقياد والتسليم لمرجعي ّة الوحي‪ ،‬ولذلك؛ فإ ّ‬
‫ل التي ذمّ الل ّه عليها أهل الكتاب في كتابه؛ إذ جاءت لمخاطبتهم واستصلاحهم‪ ،‬ثم‬
‫أ ْن يفقه َ المسلم ُ الأعما َ‬
‫لتحذير المؤمنين من التشب ّه بهم‪.‬‬
‫ن من عدم الفقه‪ :‬أ ْن يتم ّ التركيز ُ في قضية التشب ّه بالـكفار على الأعمال الظاهرة؛‬
‫‪-‬وبعكس ذلك؛ فإ ّ‬
‫كطر يقة اللباس وقص الشعر ‪-‬وهي بلا شك داخلة ٌ في التشب ّه المذموم‪ ،-‬دونَ التركيز على التشب ّه بهم فيما‬
‫ل القلبية المتعل ِّقة بقضايا الإيمان؛ كالانقياد والتسليم‪.‬‬
‫هو أعظم ُ من ذلك وهي الأعما ُ‬

‫درجات متفاوتة ٍ في الذ ِمّ)‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫‪-‬وعلى ذلك؛ (يجبُ على المسلم أ ْن يفقه َ مقامات التشب ّه بالـكفار؛ وأ ّنها على‬
‫حيم)‬
‫حاب الج ِ‬
‫المستقيم لمخالفة ِ أص ِ‬
‫ِ‬ ‫خ الإسلام ابن تيمية ‪-‬رحمه الل ّه‪ -‬في كتابه (اقتضاء ُ الصراطِ‬ ‫ولذلك؛ تتب ّ َع شي ُ‬
‫كثير ًا من مواطن التشب ّه بالـكفار التي ورد الذمّ عليها في الشر يعة‪ ،‬ثم ّ ركز َ على الجوانب القلبية‪ ،‬ومما أورده‪:‬‬
‫ش ّد‬
‫ي ك َالْ حِجَارَة ِ أ ْو أ َ‬
‫ك فَه ِ َ‬
‫َت قُلُوبُك ُم مّ ِن بَعْدِ ذََٰل ِ َ‬
‫(التشب ّه بأهل الكتاب في قسوة القلب)‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ث ُم ّ قَس ْ‬
‫قَسْوَة ً"‪.‬‬
‫‪-‬وفي الحديث‪ :‬يح ّذِر ُ الن ّبيّ ﷺ أصحابه من التشب ّه بأهل الكتاب في قضية ٍ مركز ية ٍ وهي (عدم التسليم)؛ فقال‬
‫طعْنا"‪ ،‬كما جاء‬
‫صي ْنا؟ بَلْ قُولوا‪ :‬سَمِعْنا وأ َ‬
‫ل الكِتابَيْنِ م ِن قَب ْل ِـك ُ ْم سَمِعْنا وع َ َ‬
‫ل أه ْ ُ‬
‫ن أ ْن تَق ُولوا كما قا َ‬
‫ﷺ‪" :‬أتُر ِيد ُو َ‬
‫طور َ خُذ ُوا م َا آتَي ْنَاكُم بِقُو ّة ٍ‬
‫في سورة البقرة عن أهل الكتاب؛ قال تعالى‪" :‬و َِإ ْذ أخَذْن َا م ِيثَاقَك ُ ْم وَر َفَعْنَا فَوْقَكُمُ ال ّ‬
‫ف في مخالفة‬
‫صي ْنَا" وفي هذا تطر ّ ٌ‬
‫صي ْنَا"؛ فلم يقولوا عصينا فقط‪ ،‬بل قالوا‪" :‬سَمِعْنَا وَع َ َ‬
‫و َاسْم َع ُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَع َ َ‬
‫مرجعي ّة الوحي‪.‬‬
‫صي ْنَا‬
‫ن ه َاد ُوا يُح َرِّف ُونَ الْكَل ِم َ ع َن مّوَاضِعِه ِ و َيَق ُولُونَ سَمِعْنَا وَع َ َ‬
‫ن ال ّذ ِي َ‬
‫ضا في سورة النساء؛ قال تعالى‪" :‬مّ ِ َ‬ ‫‪-‬وأي ً‬
‫صف الل ّه ُ المؤمنين بانقيادهم وتسليمهم؛ فقال‬ ‫سم ٍَع وَر َاعِنَا ل ًَّي ّا ب ِألْسِنَتِه ِ ْم و َ َطعْنًا فِي الد ِّي ِن"‪ ،‬بينما و َ‬
‫و َاسْم َعْ غَيْر َ م ُ ْ‬
‫ك المَصِ ير ُ"‪.‬‬
‫ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫تعالى‪" :‬وقالُوا سَمِعْنا وأ َطعْنا غُفْران َ َ‬

‫ن فيها أيضًا تشب ّه ٌ بأهل الكتاب‪،‬‬


‫‪-‬إذن؛ قضية ُ عدم التسليم لمرجعي ّة الوحي غير أ ّنها مذمومة ٌ في ذاتها‪ ،‬إلا أ ّ‬
‫ج الل ّه ُ به على أهل الكتاب في دعواهم أ ّنهم يريدون أن يحكِّموا الر ّسول ﷺ؛‬
‫ولذلك؛ كان من جملة ما احت َ‬
‫‪- 02 -‬‬
‫ك‬‫ك وَم َا أولََٰئ ِ َ‬ ‫ن م ِن بَعْدِ ذََٰل ِ َ‬ ‫ك وَعِند َهُم ُ الت ّوْر َاة ُ ف ِيهَا ح ُ ْكم ُ الل ّه ِ ث ُم ّ يَت َوَل ّو ْ َ‬ ‫ْف يُحَكِّم ُون َ َ‬ ‫كي َ‬
‫كما قال تعالى‪" :‬و َ َ‬
‫اب الل ّه ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَه ُ ْم ث ُم ّ‬
‫اب ي ُ ْدعَوْنَ ِإلَى ك ِت َ ِ‬ ‫ن الْكِت َ ِ‬ ‫ن أوتُوا نَصِ يبًا مّ ِ َ‬ ‫ب ِال ْمُؤْم ِنِينَ"‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬أل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال ّذ ِي َ‬
‫ظ ِموا الكتاب ولم يتبعوه‬
‫ق مِّنْه ُ ْم و َه ُم مّعْرِضُونَ"؛ وهكذا يذكر ُ الل ّه ُ عن أهل الكتاب أ ّنهم لم يع ّ‬
‫يَت َو َل ّى فَرِي ٌ‬
‫النص الواضح من اتباعهم في قولهم‪.‬‬
‫ّ ِ‬ ‫فيجعلونه حكم ًا ومرجعي ّة ً‪ ،‬ثم يح ّذِرنا الن ّبيّ ﷺ بهذا‬

‫بعض الأحكام لاختبار قضية التسليم؛ مثل تحو يل القبلة‬


‫َ‬ ‫ن الل ّه َ ‪-‬تعالى‪ -‬قد ي ُشرِّع‬
‫‪ -٤‬من فوائد الحديث‪ :‬أ ّ‬
‫جع َل ْنَا ال ْقِبْلَة َ ال ّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ِإلّا لِنَعْلَم َ م َن‬
‫ضا؛ قال تعالى في أمر ِ تحو يل القبلة‪" :‬وَم َا َ‬
‫وهي في سورة البقرة أي ً‬
‫ن قضية َ التسليم‬
‫ن هَد َى الل ّه ُ" ولذا؛ (فإ ّ‬
‫ل مِم ّن يَنق َل ِبُ عَلَى ع َق ِبَيْه ِ و َِإن ك َان َْت لـَكَب ِيرَة ً ِإلّا عَلَى ال ّذ ِي َ‬
‫يَت ّب ِ ُع الر ّسُو َ‬
‫ن مركز ية َ قصة البقرة ‪-‬التي كانت سببًا في تسمية‬ ‫جلي ّا في أ ّ‬ ‫من أعظم مركز يات سورة البقرة)؛ ونجد ذلك ًّ‬
‫النص بالأسئلة التعنوتية كما جاء في آيات القصة‪.‬‬
‫ّ ِ‬ ‫السورة‪ ،-‬مركز ية َ هذه القصة في التسليم وعدم معارضة‬

‫ك المَصِ ير ُ"‪ ،‬قال أبو‬


‫ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬
‫‪-‬ولذلك لما أرشد َ الن ّبيّ ﷺ الصحابة َ بقوله‪" :‬بَلْ قُولوا‪ :‬سَمِعْنا وأ َ‬
‫ل الل ّه ُ في‬
‫ت بها ألْسِنَتُهُمْ‪ ،‬فأن ْز َ َ‬
‫ك المَصِ ير ُ‪ ،‬فَلَم ّا اق ْتَر َأها القَوْم ُ‪ ،‬ذ َل ّ ْ‬
‫ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬
‫هريرة‪( :‬قالوا‪ :‬سَمِعْنا وأ َ‬
‫ن بالل ّه ِ وم َلائِكَتِه ِ وكُتُبِه ِ ورُسُلِه ِ لا نُف َرِّقُ بيْنَ أحَدٍ‬
‫ل آم َ َ‬
‫ل إلَيْه ِ م ِن ر َبِّه ِ وال ْمُؤْم ِن ُونَ ك ُ ّ‬
‫ل بما أنْز ِ َ‬
‫ن الر ّسُو ُ‬
‫إثْر ِها‪" :‬آم َ َ‬
‫ل الل ّه ُ ‪-‬‬
‫ك نَسَخَها الل ّه ُ ‪-‬تَعالَى‪ ،-‬فأن ْز َ َ‬
‫ك المَصِ ير ُ"؛ فَلَم ّا فَع َلُوا ذل َ‬
‫ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ‬
‫طعْنا غُفْران َ َ‬
‫م ِن رُسُلِه ِ وقالُوا سَمِعْنا وأ َ‬
‫ل‪" :-‬لا يُك َل ّ ُِف الل ّه ُ ن َ ْفسًا إلّا و ُسْ ع َها")؛ فهذا كان اختبار ًا لقضية التسليم في نفوس أصحاب رسول‬
‫عز وج ّ‬
‫ّ‬
‫الل ّه ﷺ‪.‬‬

‫‪ -٥‬من فوائد الحديث‪ :‬أن ّه يمكن إدراك ُ مركز ية ِ معنى التسليم لمرجعي ّة الوحي من تعظيم الوحي لـ(أواخر سورة‬
‫البقرة) المتضمنة لمعنى التسليم؛ ومن ذلك التعظيم ما يلي‪:‬‬

‫ل قَاعِدٌ عِنْد َ الن ّب ِيّ ﷺ‪ ،‬سَم ِ َع نَق ِيضًا م ِن‬‫جبْرِي ُ‬


‫أ‪ -‬ما رواه مسلم ٌ عن ابن عباس ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪ -‬قال‪( :‬بي ْن َما ِ‬
‫ل‪ :‬هذا‬ ‫ل منه م َل َكٌ ‪ ،‬ف َقا َ‬ ‫سم َاء ِ فُت ِ َ‬
‫ح اليوم َ ل َ ْم يُفْت َحْ ق َّط إلّا الي َوم َ‪ ،‬فَنَز َ َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫َاب م ِ َ‬
‫ل‪ :‬هذا ب ٌ‬
‫فَو ْقِه ِ‪ ،‬ف َر َف َ َع ر َأْ سَه ُ‪ ،‬ف َقا َ‬
‫ل‪ :‬أب ْشِرْ بن ُور َي ْ ِن أوتِيتَه ُما ل َ ْم يُؤْتَه ُما نَبِ ّي قَب ْل َ َ‬
‫ك‪ :‬فَاتِ ح َة ُ‬ ‫ض ل َ ْم يَنْزِلْ ق َّط إلّا الي َوم َ‪ ،‬فَسَل ّم َ‪ ،‬و َقا َ‬
‫ل إلى الأ ْر ِ‬
‫م َل َكٌ ن َز َ َ‬
‫ْف منهما إلّا أ ْعط ِيت َه ُ)‪.‬‬
‫اب‪ ،‬وَخَوَات ِيم ُ سُورَة ِ البَق َرَة ِ‪ ،‬لَنْ تَقْرَأ بحَر ٍ‬
‫الكِت َ ِ‬

‫خر ِ‬
‫ن م ِن آ ِ‬
‫ن الن ّبيّ ﷺ قال‪" :‬الآيَتا ِ‬
‫ب‪ -‬ما رواه البخاريّ عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬أ ّ‬
‫كف َتاه ُ"‪.‬‬
‫سُورَة ِ البَق َرَة ِ‪ ،‬م َن ق َرَأهُما في لَيْلَة ٍ َ‬

‫ن مركز ية َ هذه الآيات تب ٌع ‪-‬والل ّه أعلم‪ -‬لموضوعها المركزي وهو الإيمان والانقياد والتسليم وما فيه بعد‬
‫جـ‪ -‬أ ّ‬
‫ذلك من التخفيف من الل ّه ‪-‬تعالى‪.-‬‬
‫‪- 03 -‬‬

You might also like