Professional Documents
Culture Documents
١- مُلخص محاضرة مرجعية الوحي
١- مُلخص محاضرة مرجعية الوحي
خ ٌ
تفر ي ٌغ م ُل َ ّ ِ
ِ
الشرح: منهجية ُ
-١سأتحدثُ في الباب باعتبار؛ تفصيل عنوانه ،و بحث مقاصده ،وما يتعل ّق به من فوائد.
ل شواهد َ الباب؛ الآيات ثم الأحاديث؛ بتفسير الآية وشرح الحديث ،وبيان أهم الفوائد
-٢سأتناو ُ
المستخرجة منهما فيما له علاقة بالباب.
تنبيـه :بالنسبة للأحاديث :إذا كان الحديثُ خار َ
ج الصحيحين؛ فقد أتكل ّم عن إسناده وما يتعل ّق به إن
كانت الحاجة ُ تدعو إلى ذلك.
ْ
التسليم لل ّه ِ ولرسولِه ِ ﷺ
ِ الوحي وشموليتِه ِ ومركز ية ِ
ِ باب في مرجعي ّة ِ
ٌ
الباب:
ِ ن
ل عنوا ِ
تفصي ُ
-يحتوي عنوانُ الباب على أربعة ِ أمو ٍر؛ وهي:
ن الوحي َ مرجعي ّة ُ المؤمن.
-١أ ّ
باب دون آخر.
ل الأبواب؛ فهي ليست في ٍ
وصف لهذه المرجعية؛ بأ ّنها شاملة ٌ لك ّ ِ
ٌ -٢
-٣الدعوة ُ إلى التسليم لل ّه ولرسوله ﷺ.
أمر مركزيّ في الدين؛ وهذا سيظهر ُ من خلال محتو يات الباب.
ن هذا التسليم َ ٌ
-٤بيانُ أ ّ
ل على ثمان آيات وخمسة أحاديث؛ الآياتُ فيه أكثر ُ من الأحاديث ،فالمتنُ وإن كان متن ًا
-هذا البابُ يشتم ُ
ن العناية َ فيه بكتاب الل ّه -تعالى -عناية ٌ كبيرة ٌ؛ و(هذه طر يقة ٌ مهمة ٌ لمن يتعامل مع الحديث
في الحديث إلا أ ّ
الن ّبوِ ّي؛ بأ ْن يأتي َ بالآيات التي تشهد للأحاديث في الباب ،وكذلك إذا تناول كتابَ الل ّه؛ عليه أ ْن يأتي َ
ل الإمام ُ البخاريّ -رحمه الل ّه -هذه الطر يقة َ في صحيحه؛ فهو وإ ْن
بالأحاديث المُبي ِّنة للآيات)؛ وقد استعم َ
كان كتاب ًا في الحديث إلا أن ّه يأتي َ ببعض الآيات التي تشهد لمعنى الباب.
-2-
الباب:
ِ مقاصد ُ
-وهي خمسة ُ أمو ٍر مطلوبة ٍ من المسلم تُجاه َ مرجعي ّة الوحي؛ وهي( :تعظيم ُ مرجعي ّة الوحي ،والتسليم ُ لمرجعي ّة
الوحي ،وتحكيم ُ مرجعي ّة الوحي ،وتقديم ُ مرجعي ّة الوحي ،والاستغناء ُ والاستبشار ُ بمرجعي ّة الوحي).
يعيش الإنسانُ
َ سك والاعتصام بمرجعي ّة الوحي( :الهداية)؛ بأ ْن
ل نتيجة َ التم ّ فاـئدة :من أعظم ما ُ
يحصّ ُ
ل وهو يتغيى ما يحبه الل ّه
على نو ٍر من الل ّه؛ يعلم م َن هو ،وما الذي يريده الل ّه منه في نفسه وأهله وأمّته ،فيعم ُ
و يرضاه ،و يقتدي في ذلك بالنماذج البشر ية وهم الأنبياء.
الباب:
ِ شواهد ُ
ل و َأول ِي الْأ ْمر ِ م ِنك ُ ْم ف َِإن تَنَازَعْتُم ْ ن آم َن ُوا أطِيع ُوا الل ّه َ و َأطِيع ُوا الر ّسُو َ الآية الأولى :قال تعالى" :ي َا أ ّيهَا ال ّذ ِي َ
ن ت َأْ وِ يل ًا":ك خَيْر ٌ و َأحْ س َ ُ ل ِإن كُنتُم ْ تُؤْم ِن ُونَ ب ِالل ّه ِ و َالْيَو ْ ِم الْآ ِ
خر ِ ذََٰل ِ َ فِي شَيْء ٍ ف َرُدّوه ُ ِإلَى الل ّه ِ و َالر ّسُو ِ
ضا.
ج هذه ُ الآية ُ تحتَ مقصد التحكيم لمرجعي ّة الوحي -في الأساس ،-ومقصد التقديم لها أي ً
-تندر ُ
-3-
ن
اختلف العلماء ُ في تفسير (أولي الأمر) على قولين؛ إمّا الأمراء ُ الحكام وإمّا العلماء ُ ،وفي الآية بيانُ أ ّ
َ -
مرجعي ّة َ الوحي مق ّدمة ٌ على مرجعي ّة أولي الأمر ،كما يقول الإمام الطبري في تفسيره للآية( :فإ ْن اختلفتم،
أ ّيها المؤمنون ،في شيء ٍ من أمر دينكم :أنتم فيما بينكم ،أو أنتم وولاة ُ أمركم ،فاشتجرتم فيه =فردوه إلى الل ّه
ل على التحكيم من جهة ٍ أخرى.
ل على التقديم من جهة ٍ ،ويد ّ
والر ّسول)؛ وهذا يد ّ
ن الردّ إلى رسوله ﷺ؛ هو الردّ إلى شخصه في ن الردّ إلى الل ّه؛ هو الردّ إلى كتابه ،وأ ّ
-وقد أجم َع العلماء ُ على أ ّ
استنبط العلماء ُ من الآية حُ جي ّة َ الإجماع.
َ سن ّته بعد مماته ﷺ ،وأيضًا حياته وإلى ُ
ن
ات أ ّ
ن يَعْم َلُونَ الصّ الِ ح َ ِ
ن يَهْدِي لِل ّتِي هِي َ أق ْوَم ُ و َيُبَش ِّر ُ ال ْمُؤْم ِنِينَ ال ّذ ِي َ الآية الثانية :قال تعالىِ " :إ ّ
ن هََٰذ َا الْقُر ْآ َ
خرَة ِ أعْتَدْن َا لَه ُ ْم عَذ َاب ًا ألِيماً":
ن ل َا يُؤْم ِن ُونَ ب ِالْآ ِ
ن ال ّذ ِي َ
جر ًا كَب ِير ًا * و َأ ّ
لَه ُ ْم أ ْ
ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم؛ وذلك بإدراك الجوانب العظيمة في كتاب الل ّه من الهداية والبشارة
-تندر ُ
ن
ن كتابَ الل ّه يهدي للسبيل الأقوم ،ولذلك؛ فإ ّ
ج تحتَ مقصد الاستغناء؛ لأ ّ
للمؤمنين ،وكذلك تندر ُ
الإنسانَ باتباعه للقرآن =يستغني عن دواعي السبل الأخرى.
-4-
ِيم
ل مّ ِنْ حَك ٍ
ل م ِن بَيْنِ يَد َيْه ِ وَل َا م ِنْ خ َل ْفِه ِ تَنزِي ٌ الآية الثالثة :قال تعالى" :و َِإن ّه ُ لَكِت َ ٌ
اب عَز ِيز ٌ * لّا ي َأْ تيِه ِ الْبَاطِ ُ
حَم ِيدٍ":
ن القرآنَ
عزة القرآن؛ منها :أ ّ ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم للوحي؛ وقد ذكر َ المفسرون وجوه ًا من ّ -تندر ُ
ل.
ف أو يب ّد َ
ن أعلى من أن ي ّشوه َ أو يحر ّ َ
لا يؤتى بمثله؛ فهو عزيز ٌ في مكانته وشأنه ،وهو في مكا ٍ
ل م َن
لكتاب عزيز ٌ بإعزاز الل ّه إياه ،وحفظه من ك ّ ِ
ٌ ن هذا الذكر َ
-قال الإمام ُ الطبريّ في تفسيره للآية( :وإ ّ
ن ماردٍ)؛ ومما ي ُعضد ُ هذا التفسير ُ؛
ي وجن ٍيّ وشيطا ٍ
أراد له تبديل ًا أو تحر يف ًا أو تغيير ًا من إنس ٍ ّ
ن
ن ل َا ي َأْ تُونَ بِمِثْلِه ِ و َلَو ْ ك َا َ
ل هََٰذ َا الْقُر ْآ ِ
نس و َالْج ِنّ عَلَى أن ي َأْ تُوا بِمِث ْ ِ
َت ال ِْإ ُ
-١قوله تعالى" :قُل ل ّئِنِ اجْ تَمَع ِ
ض َظه ِير ًا".
بَعْضُه ُ ْم لِبَعْ ٍ
خ ٱلل ّه ُ
ن فِی أمۡن ِی ّتِه ِۦ فَیَنسَ ُ
شیۡط ََٰ ُ
ك م ِن رّسُولࣲ وَل َا نَبِ ٍ ّی ِإلّا ِإذ َا تَم َن ّى ألۡقَى ٱل ّ -٢وقوله تعالى" :وَم َا أ ۡرسَل ۡنَا م ِن قَب ۡل ِ َ
یحۡكِم ُ ٱلل ّه ُ ءَایََٰتِهِۦۗ و َٱلل ّه ُ عَل ِیم ٌ حَكِیمࣱ".
ن ث ُم ّ ُ
شیۡط ََٰ ُ
م َا یلُۡقِی ٱل ّ
ك
ن ال ْعِلْم ِ م َا ل َ َ الآية الرابعة :قال تعالى" :وَكَذََٰل ِ َ
ك أنزَلْنَاه ُ ح ُكْ مًا ع َرَب ًّيِ ّا و َلئَِنِ ات ّبَعْتَ أه ْوَاءَه ُم بَعْدَم َا ج َاءَك َ م ِ َ
ق":ن الل ّه ِ م ِن و َل ِ ٍيّ وَل َا و َا ٍ
مِ َ
ج هذه الآية ُ تحتَ مقصد التعظيم للوحي؛ ومما يضاف إلى جوانب تعظيم القرآن :تنو ّع ُ الصفات التي
-تندر ُ
ل صفة ٍ أعظم من الأخرى.
بصفات متعددة ٍ ،وك ّ
ٍ وصفه الل ّه بها؛ فقد وصفه
ن
ج الآية ُ تحتَ مقصد الاستغناء؛ وذلك لقوله تعالى" :و َلئَِنِ ات ّبَعْتَ أه ْوَاءَه ُم بَعْدَم َا ج َاءَك َ م ِ َ -وأيضًا تندر ُ
ل الل ّه ُ -تعالى -بين الحق والباطل؛ بأ ْن يكونَ الحقّ مستندًا إلى ال ْعِلْم ِ"؛ والمقصود ُ بالعلم هنا :القرآن ،فهنا قاب َ
العلم وأن يكون ما سواه من الباطل هو الهوى؛ وهذا من أعظم ما يجعل الإنسانُ يستمسك بمقتضى الوحي
وهو (العلم).
-ومن المفارقات :أن ّنا نجد -اليوم -في كثيرٍ من السياقات الدراسية إذا ذُك ِر َ (العلم) مجر ّد ًا =فلا ي ُفهم منه إلا
-5-
العلم الطبيعي ،بينما العلم الذي ينبغي أ ْن ي ُسمّى علم ًا هو العلم ُ المتصل بالوحي؛ ذلك العلم الذي ينفع الناس في
يكشف لهم عن غاية وجودهم ،وينفعهم في مآلهم الذي ينبغي أن يعملوا له.
ُ حياتهم؛ حيث
فاـئدة :حين يأتي المفسرون لتفسير الآيات التي تبدأ بـ(وكذلك أو كما)؛ فإ ّنهم يرجعون إلى ما قبلها من
طابيّ في كتابه (بيان إعجاز القرآن)
ل الإمام ُ الخ ّ
الآيات و يحاولون أن يبحثوا عن العلاقة والرابط بينهما ،كما فع َ
ن
ن فَرِ يق ًا مّ ِ َ
ق و َِإ ّ
ك ب ِالْح َ ّ ِ
ك م ِن بَي ْت ِ َ ك ر َب ّ َخرَج َ َ ل الل ّه تعالى" :كَمَا أ ْ
ن قو َ
في الردِّ على إشكالات الزنادق في أ ّ
َات عِند َ ح ًّ ّقا ل ّه ُ ْم دَرَج ٌ ك هُم ُ ال ْمُؤْم ِن ُونَ َ ال ْمُؤْم ِنِينَ لَك َارِه ُونَ" ليس له علاقة ٌ بما قبله وهو قوله تعالى" :أولََٰئ ِ َ
ر َ ّبِه ِ ْم وَمَغْف ِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَر ِيم ٌ".
ل
ل قُ ِ
ن الْأنف َا ِ
ك عَ ِ
ارتباط وعلاقة ٌ بقوله تعالى في أوّل سورة الأنفال" :يَسْألُون َ َ
ٌ ن الآية َ لها
طابيّ أ ّ
=فذكر َ الخ ّ
ل لِل ّه ِ و َالر ّسُو ِ
ل فَات ّق ُوا الل ّه َ و َأصْ لِحُوا ذ َاتَ بَي ْنِك ُ ْم و َأطِيع ُوا الل ّه َ وَرَسُولَه ُ ِإن كُنتُم مّؤْم ِنِينَ"؛ ثم بي ّن وجه َ الْأنف َا ُ
ن كراهت َهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم في الخروج معك وقد حمدوا عاقبته -
هذا الارتباط بقوله( :يريد أ ّ
أي :حمدوا عاقبة ما فعلته في الغنائم -فليصبروا في هذا -أي :في الخروج -وليسلموا ويحمدوا عاقبته كذلك).
-و يظهر ُ في هذه الآية التعظيم ُ الواضح للوحي الذي إذا لم يسلـكْه ُ الإنسانُ فإن ّه يكون كافر ًا؛ بمعنى أن تعاملنا
ن الل ّه َمع مرجعي ّة الوحي وتحكيمه ليست قضية ً من عامّة الأوامر ،وإنما هي من قضايا الإسلام الـكبرى؛ فإ ّ
ك ل َا يُؤْم ِن ُونَ حَت ّى يُحَكِّم ُوك َ ف ِيم َا
أنزل هذا الوحي ليكون قائد ًا ،ولذلك قال الل ّه ُ في الآية التي تليها" :فَلَا وَر َب ِّ َ
ضي ْتَ و َيُس َل ِّم ُوا تَسْلِيم ًا"؛ وربما هذه الآية أوضُ ح آية ٍ في قضية شَ ج َر َ بَيْنَه ُ ْم ث ُم ّ ل َا َ
يجِد ُوا فِي أنفُسِه ِ ْم حَرَج ًا مِّم ّا ق َ َ
خاص.
ّ ٍ ل
ل عا ٍمّ ولسُن ّة الن ّب ِيّ ﷺ بشك ٍ
التسليم لمرجعي ّة الوحي بشك ٍ
-6-
سن ّة رسوله ﷺ ،وفي
ل بينها وبين الح ُكم بكتاب الل ّه و ُ
يحا َ
ن من أعظم ما ابتُليت به الأمّة ُ :أ ْن ُ
-وعلى ذلك؛ فإ ّ
توصيف قضية الحاكمية بأ ّنها من القضايا السياسية ،في ذلك التوصيف نوعٌ من الإبعاد والتهميش لقضية ٍ
كبرى من قضايا الإسلام.
ن لَهُم ُ الْخ ِيَرَة ُ الآية السادسة :قال تعالى" :وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ
ن وَل َا مُؤْم ِنَة ٍ ِإذ َا ق َض َى الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ أم ًْرا أن يَكُو َ
ل ضَلَال ًا مّب ِينًا": ض ّ ص الل ّه َ وَرَسُولَه ُ فَق َ ْد َ
م ِنْ أ ْمرِه ِ ْم وَم َن يَعْ ِ
ل ما يقضيه الل ّه ورسوله ﷺ؛ وذلك لما احتوته الآية ُ من أعلى صيغ العموم؛
لك ّ
-هذه الآية عامّة ٌ؛ تشم ُ
قال تعالىِ " :إذ َا ق َض َى الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ أم ًْرا"؛ "أم ًْرا" :يعني :أيّ أمر ٍ.
ل ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإذ َا دُع ُوا ِإلَى الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ لِيَحْكُمَ بَيْنَه ُ ْم أن يَق ُولُوا سَمِعْنَا
الآية السابعة :قال تعالىِ " :إن ّمَا ك َانَ قَو ْ َ
ك هُم ُ ال ْمُفْلِحُونَ".
طعْنَا و َأولََٰئ ِ َ
و َأ َ
َي الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ": الآية الثامنة والأخيرة :قال تعالى" :ي َا أ ّيهَا ال ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ل َا تُق َ ّدِم ُوا بَيْنَ يَد ِ
ل بها على مركز ي ّة مرجعي ّة الوحي والتسليم والإنقياد له ،وتقديمها على
-هذه الآية ُ من أهم الآيات التي ي ُستد ُ
غيرها؛ وهذه الآية ُ هي محور ُ كتاب (الفرقان بين الحق والبطلان) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الل ّه-؛
ن درجة َ إنحرافهم كانت بمقدار البعد عن
لأصناف من الطوائف؛ فبي ّن أ ّ
ٍ سي َر التار يخية
استعرض ال ِ
َ حيث
هذه الآية ،وعدم تقديمهم لمرجعي ّة الوحي على غيرها.
ن الهداية َ من أعظم
ن ات ّبَع َه ُ كانَ علَى الهُد َى ،وَم َن ت َرَك َه ُ كانَ علَى ضَلَالَة ٍ"؛ فيه إثباتُ أ ّ
-قوله ﷺ" :م َ ِ
سا في حياته.
ل المسلم ُ اتباعَ كتاب الل ّه أسا ً
ثمرات اتباع مرجعي ّة الوحي ،ولذا؛ يجبُ أ ْن يجع َ
فـوائد جانبيـة:
-كان الصحابة ُ -رضي الل ّه عنهم -يحتاطون في الرواية عن الن ّب ِيّ ﷺ تعظيم ًا لشأن الحديث عنه ﷺ وخوفًا
من أن ينسبوا للن ّب ِيّ ﷺ ما لم يقله؛ ومن شواهد ذلك:
يح ّدِثَ عن الن ّب ِيّ ﷺ وهو كبير ٌ في السن؛ قال( :و َالل ّه ِ لق َ ْد كَبِر ْ
َت سِن ِ ّي، ل زيد بن أرقم أ ْن ُ -١أن ّه لما سُئ ِ َ
ل الل ّه ِ ﷺ ،فَما ح َ ّدث ْتُك ُ ْم فَاق ْبَلُوا ،و َما ل َا فلا
كن ْتُ أعِ ي م ِن ر َسو ِ
ْض ال ّذي ُ
و َقَدُم َ ع َ ْهدِي ،و َنَسِيتُ بَع َ
تُك َلِّف ُونيِه ِ).
س ،فإذا قال :سمعتُ رسول الل ّه ﷺ
ل خمي ٍ
ل( :كنت آتي ابن مسعود ك ّ
-٢روي عن عمرو بن ميمون قا َ
انتفخت أوداج ُه ُ ،ثم قال :أو دون ذلك ،أو فوق ذلك ،أو قريب ذلك ،أو شبيه ذلك ،أو كما قال)،
ْ
أنس بن مالكٍ -رضي الل ّه عنه.-
وأيضًا؛ روي ذلك عن ٍ
-8-
-كان كلام ُ الن ّب ِيّ ﷺ قليل ًا مختصر ًا؛ كما قالت عائشة -رضي الل ّه عنها -لما سمعت أبا هريرة يسرد ُ الحديثَ
ل الل ّه ِ ﷺ ل َ ْم يَكُنْ يَسْرُد ُ الحَدِيثَ كَسَرْدِك ُ ْم) ،وفي رواية ٍ؛ قالت( :إن ّما كانَ الن ّبيّ ﷺ
ن ر َسو َ
سرد ًا( :إ ّ
يُح َ ّدِثُ حَدِيثًا ،لو ع َ ّده ُ الع َادّ لأحْ صَاه ُ).
ل عنه ُ) ،وكان كلام ُه ُ ﷺ مح ّدد ًا؛ ومنه قوله ﷺ:
-وكان من هديه ﷺ أن ّه (كان يُع ِيد ُ الكَل ِمة َ ثَلاث ًا لِتُعْق َ َ
ن" ،ثم يح ّدِد ُ ﷺ هذه الثلاثة ،وقوله ﷺ" :أرْب َ ٌع م َن كُنّ فيه كانَ
ثلاث م َنْ كُنّ فيه وجَد َ حلاوَة َ الإيما ِ
ٌ "
حفظ الس ُن ّة على الصحابة.
َ م ُنَافِق ًا خ َال ِصً ا" ،ثم يحدد ﷺ هذه الأربعة؛ وهكذا .وهذا كل ّه مما سهّل
ٍ
رافع -رضي الل ّه عنه -عن الن ّب ِيّ ﷺ قال" :لا أل ْف ِي َ ّن أحدَك ُ ْم متكئًا على أر يكتِه ِ الحديث الثاني :عن أبي
كتاب الل ّه ِ اتبعناه ُ" ،أخرجه أبو داود ِ ل :لا أدرِي .ما وجدن َا فيأمر مما أمرتُ به ِ أو نهيتُ عنه ُ فيقو ُ
يأتيه ِ ٌ
والترمذيّ وأحمد ورواه الشافعيّ بإسنادٍ ص ٍ
حيح.
-قوله ﷺ" :لا أل ْف ِي َ ّن" :فيه تحذير ٌ لأصحابه وأمّته ألا يجد فيهم م َن ينكرون سُن ّته ﷺ ،وفي رواية أخرى من
ك
ش ُ حديث المقدام ابن معدي كرب -رضي الل ّه عنه -فيها الإخبار بق ُرب حدوث ذلك ،قال الن ّبيّ ﷺ" :يو ِ
ل :بينَنَا وبينَك ُ ْم كتابُ الل ّهِ ،فما وجدْنا ل م ُت ّكِئًا على أرِ يكَتِه ِ ،يُح َ ّدثُ ب ٍ
حديث م ِنْ حديثي ،فيقو ُ أ ْن يقعُد َ الرج ُ
ل الل ّه ِ مث َ
ل ما حرّم َ الل ّه ُ"، ن ما حرّم َ رسو ُ
ل اسْ تَحْلَل ْناه ُ ،وما وجد َنا فيه م ِنْ حرا ٍم حرّمْناه ُ ،أل َا ِوإ ّفيه م ِنْ حلا ٍ
ن بس ُن ّة الن ّب ِيّ ﷺ الذي أخبر َ بوقوع مثل هذا ن وجود َ منكري السُن ّة في ح ّدِ ذات ِه ِ ،فيه يقي ٌ وعلى ذلك؛ فإ ّ
الحدث.
-قوله ﷺ" :م ُت ّكِئًا على أرِ يكَتِه ِ" :لا ينحصر ُ في الصورة الحسية للاتكاء ،يقول الإمام ُ الخ ّ
طابيّ( :وأراد بهذه
الصفة ِ أصحابَ الترف ّه ِ والد ّع َة ،الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم َ ،ولم يغدوا له ،ولم يروحوا في طلبه في
صف لحال منكري السُن ّة -اليوم -من فقدانهم لأصول العلم وأبجدياته.
مظان ِّه واقتباسه من أهله)؛ وهذا و ٌ
-9-
ل"؛ وفي هذا ز يادة ُ يقينٍ في الس ُن ّة!
ن ارْتَض َى م ِنْ رَسُو ٍ "عَالِم ُ الْغَي ِ
ْب فَلا ي ُ ْظه ِر ُ عَلَى غَي ْبِه ِ أحَدًا ِإلا م َ ِ
الحديث الثالث :عن أبي هريرة َ -رضي الل ّه عنه -عن الن ّب ِيّ ﷺ قال" :م َن أطَاعَنِي فق َ ْد أطَاعَ الل ّهَ ،وم َن
عَصَانِي فق َ ْد ع َص َى الل ّه َ" ،أخرجه البخاريّ ومسلم ٌ.
ن قضية َ صة ً الس ُن ّة ،وبالرغم من وضوح أ ّ ج تحتَ مقصد التعظيم لمرجعي ّة الوحي؛ خا ّ -هذا الحديثُ يندر ُ
(طاعة الرسول ﷺ من طاعة الل ّه) قضية ٌ قرآنية ٌ مؤسّ سة ٌ في كتاب الل ّه "مّن يُط ِِع الر ّسُو َ
ل فَق َ ْد أطَاع َ الل ّه َ" ،إلا
ل البشر في منزلة ن في اتباع الر ّسول ﷺ شرك ًا بالل ّه بجع ِ أ ّنها تغيب عن كثيرٍ من منكري السُن ّة؛ إذ يدّعون أ ّ
الل ّه ،بينما في هذا الحديث الجوابُ البدهيّ على ذلك الادِّعاء.
ل في الخطبة ِ" :أمّا ل ﷺ يقو ُ الحديث الرابع :عن جابر بن عبد الل ّه -رضي الل ّه عنه -قال( :كانَ الر ّسو ُ
ل بدْعَة ٍ ضَلَالَة ٌ")، ديث كِتَابُ الل ّهِ ،وَخَي ْر ُ الهُدَى هُد َى مُحَم ّدٍ ،و َشَر ّ الأم ُورِ ُ
محْد َث َاتُهَا ،وَك ُ ّ ن خَيْر َ الح َ ِ
بَعْد ُ؛ فإ ّ
أخرجه مسلم ٌ.
ج هذا الحديثُ تحت مقصد التقديم لمرجعي ّة الوحي ،وأيضًا الاستغناء بها؛ فإن ّك متى نظرتَ إلى كتاب
-يندر ُ
ن هذا من أدعى ما يجعلك تستغني سن ّة الن ّب ِيّ ﷺ على أ ّنها خير ُ الهدي =فإ ّ
الل ّه على أن ّه خير ُ الحديث ،وإلى ُ
ن من معاني الحديث :إعادة َ
بهما عن الاتجاهات المعرفية التي تزعم أ ّنها ت ُغني البشر وتملأ عقولهم .ولذلك؛ فإ ّ
تعظيم ومركزة الوحي في نفوسنا.
ل البيت -رضي الل ّه عنهم -كانوا يروون هذه الأحاديث التي فيها تقديم ٌ
سادات أه ِ
ِ ن
-وفي هذه لطيفة ٌ( :أ ّ
ن لتعظيم أهل البيت لشأن كتاب الل ّه وسُن ّة رسوله
سن ّة رسوله ﷺ على غيرهما)؛ وفي هذا بيا ٌ
لكتاب الل ّه و ُ
ن كلام َ الأئمة يمكن أ ْن يوازيَ أو يُق ّدم َ
بعض الفرق الضالة في أ ّ
ُ ﷺ ،وذلك يختلف كثير ًا عما تعتقده
أحيان ًا على ما جاء عن رسول الل ّه ﷺ.
- 01 -
ل الل ّه ِ ﷺ "لِل ّه ِ ما الحديث الخامس والأخير :عن أبي هريرة َ -رضي الل ّه عنه -قال( :لَم ّا ن َزَل َ ْ
ت علَى ر َسو ِ
سبْك ُ ْم به الل ّه ُ فَيَغْف ِر ُ لم َِن يَشاء ُ و يُع َ ّذِبُ
تخْف ُوه ُ يُحا ِ
سك ُ ْم أ ْو ُض وإ ْن تُبْد ُوا ما في أنْف ُ ِ ماوات وما في الأ ْر ِ ِ س
في ال ّ
ل الل ّه ِ ﷺ ث ُم ّ ل الل ّه ِ ﷺ ،فأتَو ْا ر َسو َ حاب ر َسو ِ أص ِ ك علَى ْ ل :فاشْ ت َ ّد ذل َ ل شيء ٍ قَدِير ٌ" ،قا َ
م َن يَشاء ُ والل ّه ُ علَى ك ُ ّ ِ
والصيام َ والْج ِهاد َ والصّ د َق َة َ، ِّ ل ما نُط ِيقُ ،الصّ لاة َ ن الأعْما ِ ل الل ّهِ ،ك ُلِّفْنا م ِ َ
أي ر َسو َ
َب ،فقالواْ : ب َرَكُوا علَى الر ّك ِ
ل الكِتابَيْنِ م ِن
ل أه ْ ُ ل الل ّه ِ ﷺ" :أتُر ِيد ُو َ
ن أ ْن تَق ُولوا كما قا َ ل ر َسو ُ
ك هذِه الآيَة ُ ولا نُط ِيق ُها ،قا َ
ت عَلَي ْ َ
وق ْد أنْز ِل َ ْ
ك ر َب ّنا
طعْنا غُفْران َ َ
ك المَصِ ير ُ" ،قالوا :سَمِعْنا وأ َ
ك ر َب ّنا وإلَي ْ َ
طعْنا غُفْران َ َ
صي ْنا؟ بَلْ قُولوا :سَمِعْنا وأ َ
قَب ْل ِـك ُ ْم سَمِعْنا وع َ َ
ل إلَيْه ِ م ِن ر َبِّه ِل بما أنْز ِ َ
ن الر ّسُو ُ
ل الل ّه ُ في إثْر ِها" :آم َ َ
ت بها ألْسِنَتُهُمْ ،فأن ْز َ َ
ك المَصِ ير ُ ،فَلَم ّا اق ْتَر َأها القَوْم ُ ،ذ َل ّ ْوإلَي ْ َ
ك
طعْنا غُفْران َ َ ن بالل ّه ِ وم َلائِكَتِه ِ وكُتُبِه ِ ورُسُلِه ِ لا نُف َرِّقُ بيْنَ أحَدٍ م ِن رُسُلِه ِ وقالُوا سَمِعْنا وأ َ ل آم َ َ وال ْمُؤْم ِن ُونَ ك ُ ّ
ل" :لا يُك َل ّ ُِف الل ّه ُ ن َ ْفسًا إلّا و ُسْ ع َها
عز وج ّ ل الل ّه ُ ّ ك نَسَخَها الل ّه ُ ت َعالَى ،فأن ْز َ َ ك المَصِ ير ُ" ،فَلَم ّا فَع َلُوا ذل َ
ر َب ّنا وإلَي ْ َ
ل :نَع َ ْم" ،ر َب ّنا ولا تَحْم ِلْ علي ْنا إصْر ًا خذْنا إ ْن نَسِينا أ ْو أخْ ط َأْ نا" قا َ كسَب َْت وعليها ما اكْ تَسَب َْت ر َب ّنا لا تُؤا ِ لها ما َ
ْف ع َن ّا واغْفِر ْ لنا ل :نَع َ ْم" ،ر َب ّنا ولا تُح َم ِّل ْنا ما لا طاق َة َ لنا به ِ" قا َ
ل :نَع َ ْم" ،واع ُ ن م ِن قَب ْلِنا" قا َ
كما حَمَل ْت َه ُ علَى ال ّذ ِي َ
ل :نَع َ ْم) ،أخرجه مسلم ٌ.
ن" قا َ
وا ْرحَم ْنا أن ْتَ مَو ْلانا فان ْصُرْنا علَى القَو ْ ِم الكافِرِي َ
-١فائدة ٌ في طبيعة تلقي الصحابة -رضي الل ّه عنهم -لكتاب الل ّه -تعالى-؛ إذ كانوا يتلقون آياته بحساسية
ن الآية َ التي تنزل هي من كلام الل ّه؛ في ُعونها وينتبهون لدلالتها وما تستلزمه أو تقتضيه.
عالية؛ يستشعرون أ ّ
جاءت فاطمة -رضي الل ّه عنها -تطلبُ ميراثها من أبي بكر -رضي الل ّه عنه-؛ شعر َ أمامها
ْ -ومن ذلك أيضًا :لما
ن معشر َ الأنبياء ِ
نص نبويّ لا يستطيع أ ْن يتجاوز َه ُ وهو قوله ﷺ" :نح ُ
بالحرج الشديد ،ولـكن كان أمام َ عينيه ّ
لا نور َثُ ما ترَكناه ُ فهو صدقة ٌ".
ل الل ّه ِ ﷺ يَعْم َ ُ
ل به إلّا عَم ِل ْتُ به ،فإن ِ ّي -ولذا؛ قال أبو بكر -رضي الل ّه عنه( :-لَسْتُ ت َارِك ًا شيئًا ،كانَ ر َسو ُ
النص
ّ ِ أخْ ش َى إ ْن ت َرَكْ تُ شيئًا م ِن أ ْمرِه ِ أ ْن أزِ ي َغ)؛ فخاف -رضي الل ّه عنه -أ ْن يضل ّه الل ّه ُ بسبب تركه لهذا
َاب أل ِيم ٌ".
ن يُخَالِف ُونَ ع َنْ أ ْمرِه ِ أن تُصِ يبَه ُ ْم فِت ْن َة ٌ أ ْو يُصِ يبَه ُ ْم عَذ ٌ
الواضح ،كما جاء في قوله تعالى" :فَل ْيَحْذَرِ ال ّذ ِي َ
- 00 -
والصيام َ
ِّ ل ما نُط ِيقُ ،الصّ لاة َ
ن الأعْما ِ
ل الصحابة -رضي الل ّه عنهم( :-ك ُلِّفْنا م ِ َ
-٢من فوائد الحديث :قو ُ
ك هذِه الآيَة ُ ولا نُط ِيق ُها) :أي :أ ّنهم تحملوا هذه الأعمال على ما فيها من
ت عَلَي ْ َ
والْج ِهاد َ والصّ د َق َة َ ،وق ْد أنْز ِل َ ْ
ل ،لـكنهم لا يتحملون أن يحاسبوا على ما تهم به نفوسهم من الخواطر؛ وفي هذا درجة ٌ عالية ٌ في الإيمان
ث ِق ٍ
والصدق ومعرفة النفس.
-٥من فوائد الحديث :أن ّه يمكن إدراك ُ مركز ية ِ معنى التسليم لمرجعي ّة الوحي من تعظيم الوحي لـ(أواخر سورة
البقرة) المتضمنة لمعنى التسليم؛ ومن ذلك التعظيم ما يلي:
خر ِ
ن م ِن آ ِ
ن الن ّبيّ ﷺ قال" :الآيَتا ِ
ب -ما رواه البخاريّ عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو -رضي الل ّه عنه -أ ّ
كف َتاه ُ".
سُورَة ِ البَق َرَة ِ ،م َن ق َرَأهُما في لَيْلَة ٍ َ
ن مركز ية َ هذه الآيات تب ٌع -والل ّه أعلم -لموضوعها المركزي وهو الإيمان والانقياد والتسليم وما فيه بعد
جـ -أ ّ
ذلك من التخفيف من الل ّه -تعالى.-
- 03 -