Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫ص لسلسلة‪:‬‬

‫خ ٌ‬
‫تفر ي ٌغ م ُل َ ّ ِ‬

‫ِيراث الن ّب ُو ّة ِ"‬


‫ْهاج م ِن م ِ‬
‫ح المِن ِ‬
‫"شر ُ‬
‫للشيخ| أحمد بن يُوسُف السيد‬
‫‪-‬حفظه الل ّه‪-‬‬
‫س وال ْغ َيرِ‬
‫يف تُجاه َ الن ّف ِ‬
‫ل مسؤولية ِ الت ّ ْكل ِ ِ‬
‫المحاضرة الحادية عشر‪ :‬تحم ّ ُ‬
‫سه ِ وغ َيرِه ِ‬
‫تجاه َ نف ِ‬
‫يف ُ‬
‫ل الفردِ مسؤولية َ الت ّ ْكل ِ ِ‬
‫باب فِي تحم ّ ِ‬
‫ٌ‬
‫م ُق ّدِمة ٌ‪:‬‬
‫سا وتمهيدًا وقاعدة ً للانطلاق منها‪ ،‬وهذا البابُ أشبه ُ ما يكونُ بالواصلة بينَ هذه‬
‫‪-‬تُعتبر ُ الأبوابُ السابقة ُ أسا ً‬
‫القاعدة وبينَ المنطلق المتعل ّ ِق بواجبات ومسئوليات الإصلاح‪.‬‬

‫بدأت هذه القاعدة ُ من تعزيز مرجعية الوحي وتعظيمها‪ ،‬ثم تعظيم حدود الل ّه‪ ،‬ثم موضعة مرجعية الوحي في‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫ل القلوب عليها مدار ُ الفلاح‪ ،‬ثم بيان‬
‫ن أعما َ‬
‫موضعها الصحيح وضبطها للأفهام والمعايير‪ ،‬ثم تزكية القلب وأ ّ‬
‫يعيش الإنسانُ عامل ًا مطبق ًا لما أمره‬
‫َ‬ ‫أهمية العلم وأن ّه ي ُراد ُ للعمل وبيان العلم الن ّافع‪ ،‬ثم بيان مبدأ العمل؛ بأ ْن‬
‫الل ّه‪ ،‬ثم التنبيه على قضية الن ِّي ّة ودوام استحضار الغايات الشر يفة والخشية من مزاحمتها بالمطالب الدنيئة‪.‬‬

‫‪-‬بعد هذه التهيئة نبدأ في هذا الباب بالواجبات والمسؤوليات الواجبة على الفرد تُجاه نفسه أساسًا‪ ،‬ثم تُجاه‬
‫تجاه الإسلام‬
‫غيره تبع ًا؛ والغير ُ هم الدوائر ُ الأقربُ منه؛ كالأسرة‪ ،‬ثم في الباب التالي‪ :‬مسئولية الفرد العامّة ُ‬
‫والمسلمين‪ ،‬وهذا الترتيبُ مقصود ٌ؛ وفيه أمران‪:‬‬
‫ل للإسلام هو مسئولية ٌ على الفرد في ذاته يجبُ أ ْن يتحمل َها‪.‬‬
‫ن العم َ‬
‫الأوّل‪ :‬أ ّ‬
‫تجاه نفسه‪.‬‬
‫يصرف اهتمام ُ الفرد بالمسئولية العامّة عن مسؤوليته المطالب بها ُ‬
‫َ‬ ‫الثانـي‪ :‬أن ّه لا ينبغي أ ْن‬

‫الباب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫شواهد ُ‬
‫ض ال ْمُؤْم ِنِينَ"‪:‬‬
‫ك وَحَرّ ِ ِ‬ ‫ل الل ّه ِ ل َا تُك َل ّ ُ‬
‫ف ِإلّا ن َ ْفسَ َ‬ ‫الآية الأولى‪ :‬قال الل ّه ‪-‬تعالى‪" :-‬فَق َات ِلْ فِي سَب ِي ِ‬
‫ك م ِن جهادِ عدوِه ِ وعدوِك َ‪ ،‬إلا ما حم ّلك‬
‫ض علي َ‬
‫ك الل ّه ُ فيما فر َ َ‬
‫ل الإمام ُ الطبريّ ‪-‬رحمه الل ّه‪( :-‬لا يكلف ُ َ‬
‫‪-‬قا َ‬
‫أي‪ :‬أن ّك إن ّما تُت ّبع بما اكتسبته دونَ ما اكتسب َه ُ غير ُك َ‪ ،‬وإن ّما عليك ما‬
‫م ِن ذلك دونَ ما حم ّل غير َك َ منه‪ْ ،‬‬
‫ك ُل ّ ِفت َه ُ دونَ ما ك ُل ّ ِفه غير َك َ)‪.‬‬

‫ل الل ّه ِ"‪ ،‬لـكن وجه ُ إيراد‬


‫تجاه الإسلام والمسلمين "فَق َات ِلْ فِي سَب ِي ِ‬
‫وردت الآية ُ في سياق المسئولية العامّة ُ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫ك"‪،‬‬
‫ف ِإلّا ن َ ْفسَ َ‬
‫تجاه المسئوليات العامّة "ل َا تُك َل ّ ُ‬
‫ن فيها مسئولية ٌ فردية ٌ ُ‬
‫صة أ ّ‬
‫الآية في باب المسؤولية الخا ّ‬

‫‪-2-‬‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ل امرئٍ في نفسه‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫التكليف ‪-‬من بعده ﷺ‪ -‬على ك ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ف هنا رسول الل ّه ﷺ‪ ،‬ثم ينصبُ‬
‫والمكل ّ ُ‬
‫صة‪.‬‬
‫ن هذه الآية َ تجم ُع بين باب ْي المسئولية؛ العامّة والخا ّ‬
‫يحاسبُ عبد َه ُ على ما كل ّفه به‪ ،‬وعلى ذلك؛ فإ ّ‬

‫ق المؤمنين بك‪ ،‬لـكن المسؤولية ُ عليك وحدك؛ وكان‬


‫ح َ‬
‫أي‪ :‬حاول أ ْن تلُ ِ‬
‫ض ال ْمُؤْم ِنِينَ"‪ْ :‬‬
‫‪-‬قوله تعالى‪" :‬وَحَرّ ِ ِ‬
‫اس عنه‬‫ق من هذا المبدأ في تنفيذ أوامر الل ّه؛ ومن شواهد ذلك‪ :‬ثباتُ النب ِيّ يوم َ أ ْن فر ّ الن ّ ُ‬ ‫الن ّبيّ ﷺ ينطل ُ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ‪،‬‬
‫ل ف ِيه ِنّ ر َسو ُ‬
‫ك الأي ّا ِم ال ّتي قات َ َ‬
‫ض تِل َ‬ ‫البخاري‪( :‬ل َ ْم يَب ْ َ‬
‫ق مع الن ّب ِيّ ﷺ في بَعْ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫يوم َ أح ُد؛ كما جاء في‬
‫قت الصفوف عنك؛ عليك المسؤولية وحدك "ل َا‬
‫اس أو تفر ّ ْ‬
‫انصرف الن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫سعْدٍ)‪ ،‬والشاهد ُ أن ّه مهما‬
‫غَي ْر ُ طَلْح َة َ و َ‬
‫ك"‪.‬‬
‫ف ِإلّا ن َ ْفسَ َ‬
‫تُك َل ّ ُ‬

‫ف ﷺ‪ ،‬والثاني‪ :‬أن ّه نب ّي م ُبل ّ ٌغ‪ ،‬كما قال‬


‫ق في حياته باعتبارين؛ الأوّل‪ :‬أن ّه عبدٌ مكل ّ ٌ‬
‫‪-‬كان الن ّبيّ ﷺ ينطل ُ‬
‫ن ال ْمُشْرِكِينَ * قُلْ‬‫تعالى‪" :‬قُلْ ِإن ّنِي هَد َانِي ر َب ِ ّي ِإلَى صِر َاطٍ مّسْت َق ٍِيم دِينًا ق ِيَم ًا مّ ِل ّة َ ِإ ب ْر َاه ِيم َ حَن ِيفًاۚ وَم َا ك َانَ م ِ َ‬
‫أي‪:‬‬
‫ل ال ْمُسْل ِمِينَ"؛ ْ‬
‫ك أم ِْرتُ و َأَ ن َا أَ وّ ُ‬
‫ك لَه ُ و َبِذََٰل ِ َ‬ ‫َب الْع َالم َي ِنَ * ل َا شَرِ ي َ‬ ‫مح ْيَايَ و َمَمَاتِي لِل ّه ِ ر ِّ‬
‫ن صَلَاتِي و َنُسُكِي و َ َ‬ ‫ِإ ّ‬
‫ف في‬ ‫ل الممتثلين المستسلمين لل ّه القائمين بموجب العبودية‪ ،‬فقد كان الن ّبيّ ﷺ يستشعر ُ أن ّه عبدٌ مكل ّ ٌ‬ ‫وأنا أ ّو ُ‬
‫ن م َْري َم َ؛ فإن ّما أَ ن َا عَبْدُه ُ‪ ،‬فَق ُولوا‪ :‬عبد ُ‬
‫ل أحواله‪ ،‬كما جاء في قوله ﷺ‪" :‬ل َا تُطْر ُونِي كما أَ طْ ر َِت الن ّصَار َى اب ْ َ‬ ‫ك ِّ‬
‫الل ّه ِ وَرَسُولُه ُ"‪.‬‬

‫ل الن ّب ِيّ ﷺ وأصحاب ِه في الحديبية؛ قال‬


‫وأعدت الجموع َ لقتا ِ‬
‫ْ‬ ‫منعت قريش الن ّبيّ ﷺ وأصحابَه الع ُمرة َ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬وكذلك لما‬
‫ت بهِمْ‪ ،‬فإ ْن‬
‫ن قُر َيْشًا ق ْد نَهِكَتْهُم ُ الحَر ْبُ وأَ ضَرّ ْ‬
‫جئ ْنَا مُعْتَمِرِينَ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل أحَدٍ‪ ،‬ولَكِن ّا ِ‬ ‫الن ّبيّ ﷺ‪" :‬إن ّا ل َ ْم َ‬
‫نج ِئ ْ ل ِق ِتَا ِ‬
‫اس‬
‫ل فيه الن ّ ُ‬
‫شَاؤ ُوا م َاد َ ْدتُه ُ ْم م ُ ّدة ً‪ ،‬و يُخَل ّوا بَيْنِي وبيْنَ الن ّاسِ‪ ،‬فإ ْن أظْ هَر ْ‪ :‬فإ ْن شَاؤ ُوا أ ْن ي َ ْدخ ُلُوا ف ِيما دَخ َ َ‬
‫فَع َلُوا‪ ،‬وإلّا فق َ ْد جَم ّوا‪ ،‬وإ ْن ه ُ ْم أبَو ْا‪ ،‬ف َوَال ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَدِه ِ ل َأقَاتِلَنّه ُ ْم علَى أ ْمر ِي هذا حت ّى تَنْفَرِد َ سَالِفَتِي‪،‬‬
‫ن الل ّه ُ أمْرَه ُ"‪.‬‬
‫ولَيُن ْفِذ َ ّ‬
‫ن لقوله ﷺ‪" :‬تَنْفَرِد َ سَالِفَتِي" معنيان؛ إمّا حت ّى تُقط َع رقبتي‪ ،‬وإمّا حت ّى لو بقيت وحيدًا في‬
‫‪-‬ذكر َ العلماء ُ أ ّ‬
‫مقاتلتهم‪.‬‬

‫ك" في السياقات الإصلاحية؛ فم َع كثرة الثغور وقلة‬


‫ف ِإلّا ن َ ْفسَ َ‬
‫ج أ ْن نستحضر َ قول َه تعالى‪" :‬ل َا تُك َل ّ ُ‬
‫‪-‬نحتا ُ‬
‫يسقط عنك‬
‫ُ‬ ‫ك أ ْن ت ُغي ِّر َ الواق َع كل ّه‪ ،‬لـكن لا‬
‫ن الل ّه َ ‪-‬تعالى‪ -‬لا ي ُكل ّ ِف ُ َ‬
‫العاملين وكثرة الفتن والشهوات؛ فإ ّ‬
‫ل بها‪.‬‬
‫التكليف والمسؤولية التي في استطاعتك أ ْن تعم َ‬

‫‪-3-‬‬
‫يستأنس‬
‫ُ‬ ‫الآية الثانية‪ :‬قال الل ّه ‪-‬تعالى‪" :-‬وَك ُل ّه ُ ْم آتيِه ِ يَوْم َ ال ْق ِيَامَة ِ فَرْد ًا"‪ :‬ق ْد ترك ّز َ في فطرة ِ الإنسا ِ‬
‫ن أن ّه‬
‫صة ً أن ّه سيكونُ‬
‫ن فكرة َ أ ْن يكونَ الإنسانُ وحيدًا صعبة ُ التصو ّر‪ ،‬خا ّ‬
‫و يعتضد ُ ويتقو ّي بم َن حوله‪ ،‬لذلك؛ فإ ّ‬
‫ج فيه إلى م َن حوله‪.‬‬
‫وحد َه ُ في اليوم الذي يحتا ُ‬

‫ل الفردِ مسؤولية َ‬
‫ن في تحم ّ ِ‬
‫شي ْئًا"‪ :‬هذا بيا ٌ‬
‫س َ‬
‫ْس ع َن ن ّ ْف ٍ‬ ‫الآية الثالثة‪ :‬قال تعالى‪" :‬و َات ّق ُوا يَوْم ًا لّا َ‬
‫تجْزِي نَف ٌ‬

‫تجاه نفسه‪.‬‬
‫يف ُ‬
‫التكل ِ‬

‫ل الل ّه ُ‪" :‬و َأَ نْذِ ْر‬‫ل الل ّه ِ ﷺ حِينَ أن ْز َ َ‬ ‫الحديث الأوّل‪ :‬عن أبي هريرة َ ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬قال‪( :‬قَام َ ر َسو ُ‬
‫ن الل ّه ِ شيئًا‪ ،‬يا‬ ‫نح ْو َه َا‪ -‬اشْ تَر ُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أ ْغنِي عَنْك ُ ْم م ِ َ‬
‫ْش ‪-‬أ ْو كَل ِم َة ً َ‬
‫ل‪" :‬يا مَعْشَر َ ق ُر َي ٍ‬
‫ك الْأَ ق ْر َبِينَ"‪ ،‬قا َ‬
‫عَشِيرَت َ َ‬
‫ن الل ّه ِ شيئًا‪ ،‬وي َا‬
‫ك مِ َ‬
‫طل ِِب‪ ،‬لا أ ْغنِي عَن ْ َ‬
‫ن عبدِ الم ُ ّ‬ ‫ن الل ّه ِ شيئًا‪ ،‬يا ع َب ّ ُ‬
‫اس ب َ‬ ‫اف‪ ،‬لا أ ْغنِي عَنْك ُ ْم م ِ َ‬
‫بَنِي عبدِ م َن َ ٍ‬
‫ن الل ّه ِ شيئًا‪ ،‬وي َا فَاطِم َة ُ بن ْتَ مُحَم ّدٍ‪ ،‬سَلِينِي ما شِئ ِ‬
‫ْت م ِن م َال ِي‪ ،‬لا‬ ‫ل الل ّهِ‪ ،‬لا أ ْغنِي عَن ْكِ م ِ َ‬
‫صَف ِي ّة ُ ع َم ّة َ ر َسو ِ‬
‫ن الل ّه ِ شيئًا")‪ ،‬أخرج َه ُ البخاريّ ومسلم ٌ‪.‬‬
‫أ ْغنِي عَن ْكِ م ِ َ‬

‫تجاه إنقاذ نفسه في عشيرته وأهل بيته من بداية زمن الن ّب ُو ّة‬
‫تأسيس الن ّب ِيّ ﷺ لمسؤولية الإنسان ُ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬في الحديث‬
‫سقط حقّ الل ّه في التكليف والمسؤولية؛ وشاهد ُ ذلك‪:‬‬‫ن قرابت َهم من الن ّب ِيّ ﷺ لا ت ُ ُ‬
‫أي أ ّ‬ ‫وذلك بنداء ٍ مفصّ ٍ‬
‫ل؛ ْ‬
‫يستجب لرسالته ﷺ =كان من أهل الن ّار‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لهب حين لم‬
‫ن ع ّم الن ّب ِيّ ﷺ أبا ٍ‬
‫أ ّ‬

‫‪-‬قول ﷺ‪" :‬اشْ تَر ُوا أنْفُسَك ُ ْم"‪ :‬فيه معنى البذل والحرص على العمل ك ْي ينقذ َ الإنسانُ نفسه من عذاب الل ّه‪.‬‬

‫ل الله ﷺ يقول‪" :‬ك ُل ّـك ُ ْم ر ٍ‬


‫َاع‬ ‫الحديث الثاني‪ :‬عن عبد الل ّه بن عمر ‪-‬رضي الل ّه عنهما‪ -‬قال‪ :‬سمعتُ رسو َ ّ‬
‫ل عن رَعِي ّتِه ِ‪،‬‬ ‫َاع وهو مَسْؤ ُو ٌ‬ ‫ل في أه ْلِه ِ ر ٍ‬
‫ل عن رَعِي ّتِه ِ‪ ،‬والر ّج ُ ُ‬ ‫ل عن رَعِي ّتِه ِ؛ فَالإم َام ُ ر ٍ‬
‫َاع وهو مَسْؤ ُو ٌ‬ ‫ومَسْؤ ُو ٌ‬
‫ِ‬
‫ل عن‬ ‫َاع وهو مَسْؤ ُو ٌ‬ ‫ل سَيِّدِه ِ ر ٍ‬‫جه َا ر َاعِي َة ٌ وهي مَسْؤ ُولَة ٌ عن رَعِي ّتِهَا‪ ،‬والخا َدِم ُ في م َا ِ‬
‫ْت ز َ ْو ِ‬‫والمَر ْأَ ة ُ في بَي ِ‬
‫رَعِي ّتِه ِ"‪ ،‬أخرج َه ُ البخاريّ ومسلم ٌ‪.‬‬

‫ن استرعاه الل ّه ُ على أمرٍ ما‪ ،‬وتزداد ُ هذه المسؤولية ُ‬


‫ل إنسا ٍ‬
‫ينص الحديثُ على معنى المسؤولية الشامل لك ّ ِ‬
‫‪ّ -‬‬
‫ل تحتها؛ كمسؤولية الإمام‪ ،‬والقائم على أمانة الد ِّين وتبليغه‪ ،‬ولذا؛‬
‫وتعظُم ُ بقدر التكاليف التفصيلية التي تدخ ُ‬
‫باب إلى الجن ّة‪ ،‬وآخر ُ‬
‫ح بابان يقلان أ ْن يُفتحا لغير صاحب المسؤولية العظيمة؛ ٌ‬
‫ُمت المسؤولية ُ =انفت َ‬
‫إذا عظ ْ‬
‫إلى الن ّار‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫وصف الن ّبيّ ﷺ أصحاب الأموال بالأخسرين‪ ،‬كما‬
‫َ‬ ‫ل؛ ولذلك‬
‫ل عنها‪ :‬الما ُ‬
‫‪-‬من المسؤوليات الـكبرى التي ي ُغف َ ُ‬
‫َب‬
‫ل‪" :‬هُم ُ الأخْ سَر ُونَ ور ِّ‬
‫ل الـكَعْبَة ِ‪ ،‬يقو ُ‬
‫قال أبو ذر الغفاري ‪-‬رضي الل ّه عنه‪( :-‬انْتَهَي ْتُ إلَيْه ِ وهو في ظِ ّ ِ‬
‫َب الـكَعْبَة ِ"‪ .‬قُلتُ ‪ :‬ما شَأْ نِي؟! أي ُر َى فِيّ شَيْءٌ؟ ما شَأْ نِي؟! فَجل ََسْتُ إلَيْه ِ وهو‬ ‫الـكَعْبَة ِ‪ ،‬هُم ُ الأخْ سَر ُونَ ور ِّ‬
‫ل الل ّهِ؟ قا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫شانِي ما شاء َ الل ّهُ‪ ،‬فَق ُلتُ ‪ :‬م َن ه ُ ْم بأَ بِي أن ْتَ وأمِّي يا ر َسو َ‬
‫يقولُ‪ ،‬فَما اسْ تَطَعْتُ أ ْن أسْ كُتَ ‪ ،‬وتَغ َ ّ‬
‫ق في وجوه الخير‪.‬‬
‫أي‪ :‬إلا م َن أنف َ‬
‫ل هَك َذا‪ ،‬وهَك َذا‪ ،‬وهَك َذا")؛ ْ‬
‫"الأكْ ثَر ُونَ أمْوال ًا‪ ،‬إلّا م َن قا َ‬

‫ن‬
‫مح ْب ُوسُونَ‪ ،‬غير َ أ ّ‬
‫صحابُ الج َ ّدِ َ‬
‫باب الجنَ ّة ِ‪ ،‬ف َكانَ عامّة َ م َن دَخ َلَها المَساكِينُ‪ ،‬وأَ ْ‬
‫‪-‬وقال الن ّبيّ ﷺ‪" :‬قُم ْتُ علَى ِ‬
‫باب الن ّارِ‪ ،‬فإذا عامّة ُ م َن دَخ َلَها الن ِّساء ُ"‪ ،‬أصحاب الجد‪ :‬هم‬
‫أصحابَ الن ّارِ ق ْد أم ِرَ به ِ ْم إلى الن ّارِ‪ ،‬وقُم ْتُ علَى ِ‬
‫ْ‬
‫الأغنياء ُ؛ محبوسون لما عليهم من مسؤوليات مالية يُسألون عنها‪.‬‬
‫‪-‬وعلى ذلك؛ ينبغي أ ْن ينظر َ الإنسانُ إلى ما استرعاه الل ّه ُ فيه من أمو ٍر نظرة َ المسؤول عن القيام بحقها أمام َ‬
‫الل ّه ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫ل الل ّه ِ ﷺ الد ّج ّا َ‬
‫ل ذ َاتَ غَد َاة ٍ‪،‬‬ ‫الحديث الثالث‪ :‬عن النواس بن سمعان ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬قال‪( :‬ذَك َر َ رَسُو ُ‬

‫ل‪" :‬ما شَأْ نُكُمْ؟" قلُ ْنَا‪ :‬يا‬ ‫ك ف ِينَا‪ ،‬ف َقا َ‬ ‫ف ذل َ‬ ‫ل‪ ،‬فَلَم ّا ر ُحْ نَا ِإلَيْه ِ ع َرَ َ‬
‫ض فيه وَر َف ّعَ‪ ،‬حت ّى ظَنَن ّاه ُ في طَائِفَة ِ الن ّخْ ِ‬ ‫فَخ َ ّف َ‬
‫ل‬
‫ل‪" :‬غَي ْر ُ الد ّج ّا ِ‬ ‫ل‪ ،‬ف َقا َ‬
‫ل غَد َاة ً‪ ،‬فَخ َ ّفضْ تَ فيه وَر َف ّعْتَ ‪ ،‬حت ّى ظَنَن ّاه ُ في طَائِفَة ِ الن ّخْ ِ‬ ‫ل الل ّهِ‪ ،‬ذَكَر ْتَ الد ّجّا َ‬
‫رَسُو َ‬

‫سه ِ‪ ،‬و َالل ّه ُ‬


‫ج ن َ ْف ِ‬
‫يخ ْر ُجْ و َلَسْتُ ف ِيكُمْ‪ ،‬فَامْرُؤ ٌ حَ ج ِي ُ‬
‫يخ ْر ُجْ و َأَ ن َا ف ِيكُمْ‪ ،‬فأن َا حَ ج ِيج ُه ُ د ُونَكُمْ‪ ،‬وإ ْن َ‬
‫أَ خْ و َفُنِي علَيْك ُم‪ ،‬إ ْن َ‬
‫سل ِ ٍم")‪ ،‬أخرج َه ُ مسلم ٌ‪.‬‬
‫ل مُ ْ‬
‫خ َلِيف َتي علَى ك ُ ّ ِ‬

‫يكشف الحديثُ عن أسلوب الن ّب ِيّ ﷺ البيان ِيّ في إيضاح القضايا وإعطائها حقها من البيان؛ فكان الصحابة ُ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬رضي الل ّه عنهم‪ -‬يستحضرون ويستشعرون الأمور َ الغيبية التي يتلقونها عن رسول الل ّه ﷺ وكأ ّنهم يرونها‬
‫ل الل ّه ِ‬
‫اب رسو ِ‬ ‫سي ْديّ ‪-‬وكان م ِن ك ُت ّ ِ‬ ‫حنْظَلة َ الأ َ‬ ‫ن َ‬ ‫بأعينهم؛ ومن ذلك‪ :‬حديثُ حنظلة ‪-‬رضي الل ّه عنه‪"( :-‬أ ّ‬
‫سب ْح َانَ الل ّه ِ! ما تَق ُولُ؟‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫حنْظَلَة ُ‪ ،‬قا َ‬
‫ق َ‬ ‫ل‪ :‬قُلتُ ‪ :‬ن َاف َ َ‬
‫حنْظَلَة ُ؟ قا َ‬
‫كيف أَ ن ْتَ يا َ‬
‫َ‬ ‫ل‪:‬‬
‫ﷺ‪ -‬قال‪ :‬لَق ِيَنِي أَ بُو بَكْرٍ‪ ،‬ف َقا َ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ يُذَك ِّر ُن َا بالن ّارِ و َالْجنَ ّة ِ حت ّى ك َأن ّا ر َأْ يُ عَيْنٍ‪ ،‬ف َِإذ َا خَر َجْ نَا م ِن عِندِ رَسُو ِ‬
‫ل‬ ‫ل‪ :‬قُلتُ ‪ :‬نَكُونُ عِنْد َ رَسُو ِ‬
‫قا َ‬
‫ل هذا‪،‬‬ ‫ل أَ بُو بَكْرٍ‪ :‬ف َوَالل ّه ِ إن ّا لَنَلْقَى مِث ْ َ‬
‫َات‪ ،‬فَنَسِينَا كَث ِير ًا‪ ،‬قا َ‬ ‫ج و َالأ ْول َاد َ و َالضّ يْع ِ‬ ‫الل ّه ِ ﷺ‪ ،‬عَافَسْنَا الأ ْزو َا َ‬
‫ل الل ّه ِ‬ ‫ل رَسُو ُ‬ ‫ل الل ّهِ‪ ،‬ف َقا َ‬
‫حنْظَلَة ُ‪ ،‬يا رَسُو َ‬ ‫ق َ‬ ‫ل الل ّه ِ ﷺ‪ ،‬قُلتُ ‪ :‬ن َاف َ َ‬ ‫فَانْطَلَقْتُ أَ ن َا و َأَ بُو بَكْرٍ حت ّى دَخ َل ْنَا علَى رَسُو ِ‬
‫ل الل ّهِ‪ ،‬نَكُونُ عِنْدَك َ‪ ،‬تُذَك ِّر ُن َا بالن ّارِ و َالْجنَ ّة ِ حت ّى ك َأن ّا ر َأْ يُ عَيْنٍ‪ ،‬ف َِإذ َا خَر َجْ نَا‬
‫ﷺ‪" :‬و َما ذ َاك َ؟"‪ ،‬قُلتُ ‪ :‬يا رَسُو َ‬
‫ل الل ّه ِ ﷺ‪" :‬و َال ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَدِه ِ‪،‬‬
‫ل رَسُو ُ‬
‫َات‪ ،‬نَسِينَا كَث ِير ًا‪ ،‬ف َقا َ‬
‫ج و َالأ ْول َاد َ و َالضّ يْع ِ‬
‫م ِن عِندِك َ‪ ،‬عَافَسْنَا الأ ْزو َا َ‬
‫‪-5-‬‬
‫شك ُ ْم وفي طُر ُقِكُمْ‪ ،‬و َلـَكِنْ يا‬
‫إ ْن لَو ْ تَد ُوم ُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْر ِ‪ ،‬لَصَافَحتَْكُم ُ المَلَائِك َة ُ علَى فُر ُ ِ‬
‫كشف لآثار مجالس الن ّب ِيّ ﷺ على قلوب الصحابة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ات")‪ ،‬وفي هذا‬
‫حنْظَلَة ُ سَاع َة ً وَسَاع َة ً‪ ،‬ثَلَاثَ م َّر ٍ‬
‫َ‬

‫ل المرء ُ‬
‫ح على مجالس العلم والذكر التي ت ُزيد ُ الإيمانَ وت ُذك ِّر ُ بالجن ّة والن ّار؛ فيص َ‬‫حرص المُصل ُ‬ ‫ولذلك؛ ينبغي أ ْن ي َ‬
‫إلى مقام المسؤولية ومراقبة الل ّه في جميع أحواله‪.‬‬

‫‪-‬كان الن ّبيّ ﷺ خبير ًا في التعامل مع النفوس؛ فلما رأى في وجوه أصحابه الفزعَ بعد َ خبر الدجال =أراد َ ﷺ‬
‫يخ ْر ُجْ و َأَ ن َا‬
‫ل أَ خْ و َفُنِي علَيْك ُم‪ ،‬إ ْن َ‬
‫يحدِثُ في أنفسهم قدر ًا من الموازنة؛ فقال ﷺ‪" :‬غَيْر ُ الد ّج ّا ِ‬
‫خفف عنهم و ُ‬
‫ي َ‬ ‫أ ْن ُ‬
‫سل ِ ٍم"‪.‬‬
‫ل مُ ْ‬
‫سه ِ‪ ،‬و َالل ّه ُ خ َلِيف َتي علَى ك ُ ّ ِ‬
‫ج ن َ ْف ِ‬
‫يخ ْر ُجْ و َلَسْتُ ف ِيكُمْ‪ ،‬فَامْرُؤ ٌ حَ ج ِي ُ‬
‫ف ِيكُمْ‪ ،‬فأن َا حَ ج ِيج ُه ُ د ُونَكُمْ‪ ،‬وإ ْن َ‬

‫سه ِ في فتنة ٍ‬
‫ج نف ِ‬
‫سه ِ" هو موض ُع الشاهد المتعل ّ ِق بباب المسؤولية‪ ،‬فإ ْن كانَ المرء ُ حجي َ‬
‫ج ن َ ْف ِ‬
‫‪-‬قوله ﷺ‪" :‬فَامْرُؤ ٌ حَ ج ِي ُ‬
‫عظيمة ٍ كفتنة الدجال التي ح ّذر َ منها الأنبياء ُ أقوامهم ‪-‬كما قال الن ّبيّ ﷺ‪" :‬ما م ِن نَبِ ٍ ّي إلّا وق ْد أنْذَرَه ُ قَوْم َه ُ‪،‬‬
‫سه ِ فيما دونَ الدجال من الفتن والشهوات‪.‬‬ ‫ج نف ِ‬
‫ن المرء ُ حجي َ‬
‫باب أولى أ ْن يكو َ‬
‫ح قَوْم َه ُ"‪-‬؛ فمن ِ‬
‫لق َ ْد أنْذَرَه ُ نُو ٌ‬

‫الحديث الرابع‪ :‬عن ع ُدي بن حات ٍم ‪-‬رضي الل ّه عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ل الل ّه ﷺ‪" :‬ما منكم م ِن أحدٍ إلا‬
‫ن منه‪ ،‬فلا يرى إلا ما ق ّدم‪ ،‬وينظر ُ أشأَ م َ منه‪،‬‬
‫سي ُكل ِّم ُه الل ّه ُ يوم َ القيامة ِ‪ ،‬ليس بينه وبينه ت َرجمانُ‪ ،‬فينظر ُ أيْم َ‬
‫ِق تمرة ٍ‪ ،‬ولو بكلمة ٍ‬
‫فلا يرى إلا ما ق ّدم‪ ،‬وينظر ُ بين يد َيه‪ ،‬فلا يرى إلا الن ّار َ تِلقاء َ وجه ِه‪ ،‬فات ّقوا الن ّار َ‪ ،‬ولو بش ّ ِ‬
‫طيِّبة ٍ"‪ ،‬أخرج َه ُ البخاريّ ومسلم ٌ‪.‬‬

‫تجاه نفسه في موقفه الأخير (مشهد القيامة)‪ ،‬وفيه توجيه ُ الن ّب ِيّ‬
‫‪-‬يؤكد ُ الحديثُ معنى تحم ّل الإنسان المسؤولية ُ‬
‫بشق التمرة؛ وفي الحديث؛ يقول الن ّبيّ ﷺ‪" :‬م َن‬ ‫ِّ‬ ‫ﷺ للعمل اتقاء َ الن ّار؛ ف َذ َك َر َ الصدقة َ بما يستطيع ُه ُ المرء ُ ولو‬
‫ن الل ّه َ يَتَق َب ّلُه َا بيمَِينِه ِ‪ ،‬ث ُم ّ ي ُر َب ّ ِيهَا لِصَاحِبِه ِ‪ ،‬كما‬
‫طي ِّبَ ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل الل ّه ُ إلّا ال ّ‬
‫ْب طَي ّ ٍِب‪ ،‬ول َا يَقْب َ ُ‬
‫كس ٍ‬
‫ل تَم ْرَة ٍ م ِن َ‬
‫ص ّدقَ بع َ ْد ِ‬
‫تَ َ‬
‫ل"‪ ،‬والفلو‪ :‬هو صغير ُ الخيل‪.‬‬
‫ل الجب َ َ ِ‬ ‫ي ُر َب ِ ّي أَ حَد ُك ُ ْم فَلُو ّه ُ‪ ،‬حت ّى تَكُو َ‬
‫ن مِث ْ َ‬

‫‪-6-‬‬

You might also like