Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 101

‫طبعة منقحة وملونة مع بعض اإلضافات‬

‫‪ 1441‬للهجرة املوافق ‪ 2020‬للميالد‬

‫حقوق النرش‬
‫ال حقــوق نــرش هلــذا الكتــاب رقمي ـاً‪ .‬فهــي ألي فــرد قــام بتنزيلهــا مــن‬
‫أي موقــع إلكــروين‪ .‬أمــا ورقيـاً‪ ،‬فهــي لــكل إنســان أو مؤسســة أو رشكــة‬
‫عــى أن تكــون الطباعــة بنوعيــة عاليــة بعــد مراســلة املؤلــف يف حياتــه‬
‫لتحديــد املواصفــات‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك هــي حــق ملــن طبعهــا عــى أن تكــون‬
‫بجــودة عاليــة‪.‬‬
‫مقدمـة الطبعة امللونة‬

‫ال‪ :‬إن ممــا حــاول كتــاب «عــارة األرض»‬ ‫الكتــاب فكريــا‪ .‬فمثـ ً‬ ‫لقــد ظهــرت الطبعــة األوىل مــن هــذا الكتــاب قبــل أكــر‬
‫إثباتــه هــو إمكانيــة الرجــوع إىل مبــدأ إحيــاء األرض والــذي‬ ‫مــن ثالثــن ســنة باللونــن األبيــض واألســود‪ .‬ونظــر ًا النتشــاره‬
‫كان يشــكك فيــه الكثــر مــن الباحثــن عندمــا كتبــت «عــارة‬ ‫بحمــد اللــه وتوفيقــه ظهــر اقــراح بإعــادة طباعتــه ملونــاً‪،‬‬
‫األرض» قبــل حــوايل ثالثــن ســنة (‪1991‬م) ومــن قبــل ذلــك‬ ‫فقامــت الدكتــورة «ســعودي هاجــر» بتصميمــه وقــام الدكتــور‬
‫يف بحــث الدكتــوراه ســنة ‪1984‬م‪ ،‬وذلــك العتــاد اخلدمــات‬ ‫«آراس نفطجــي» بتحويــل الصــور مــن رشائــح ‪ slides‬إىل صور‬
‫عــى الشــبكات املركزيــة آنــذاك‪ .‬لكــن مــع التقــدم التقــي‬ ‫رقميــة‪ .‬فلهــا الشــكر والتقديــر‪.‬‬
‫بتوفــر اخلدمــات بطريقــة ال مركزيــة (مثــل ظهــور اهلواتــف‬ ‫لقــد انتهيــت بتوفيــق اللــه ومحــده مــن كتــاب «عــارة‬
‫املحمولــة أو تطــور وســائل التخلــص مــن الفضــالت يف ذات‬ ‫األرض يف اإلســالم» شــهر صفــر ســنة ‪1412‬هـــ‪ ،‬املوافــق‬
‫املوقــع دومنــا احلاجــة لشــبكات الــرف الصحــي أو االعتــاد‬ ‫ألغســطس لعــام ‪1991‬م‪ .‬ثــم بعــد الطبعــة األوىل بســنوات‬
‫عــى توليــد الطاقــة مــن الريــاح‪ ،‬ومــا شــابه مــن أمثلــة)‪،‬‬ ‫كتبــت مقدمــة الطبعــة الثانيــة (يف الصفحــة التاليــة) للطبعــات‬
‫فكلهــا زادت مــن قــوة طــرح كتــاب «عــارة األرض» برغــم‬ ‫الالحقــة (وكان ذلــك يف ذي القعــدة مــن ســنة ‪ 1415‬هـــ املوافــق‬
‫مــرور هــذه الســنن‪ .‬وبالطبــع فــإن هــذا جيــب أال يفــر عــى‬ ‫لشــهر مــارس لعــام ‪1995‬م)‪ .‬ولعلكــم إن قرأتــم كتــاب «قــص‬
‫أنــه نــر لكتــاب «عــارة األرض»‪ ،‬بــل هــو نــر للرشيعــة‬ ‫احلــق» (ســنة ‪ 1435‬هـــ املوافــق لعــام ‪2014‬م أو بعدهــا)‬
‫اإلســالمية‪ .‬فــا هــذا الكتــاب إال تفســر عمــراين للرشيعــة‬ ‫ســتلحظون بــأن بــذرة كتــاب «قــص احلــق» كنــت قــد كتبتهــا‬
‫اخلالــدة بحمــد اللــه‪ .‬حتــى وإن خالــف البعــض التأويــالت‬ ‫قبــل حــوايل أربــع وعرشيــن ســنة يف مقدمــة الطبعــة الثانيــة‬
‫العمرانيــة التــي يف هــذا الكتــاب بدعــوى أهنــا رؤيــة مؤلــف‬ ‫كمقدمــة للطبعــات الالحقــة لكتــاب «عــارة األرض»‪.‬‬
‫مــا وأنــه ســتظهر رؤى أخــرى تنظــر للرشيعــة مبنظــار آخــر‪،‬‬
‫وبالطبــع ســتلحظون إن قرأتــم هــذه األيــام (أي ســنة‬
‫ال‪ :‬قــد خيتلــف الباحثــون حــول‬ ‫فــالزال األســاس واحــدا‪ .‬فمثـ ً‬
‫‪2020‬م أو بعدهــا) هــذه النســخة امللونــة بــأن الظــروف قــد‬
‫أحقيــة الفــرد يف إحيــاء األرض هــل هــي بــإذن اإلمــام أو ال‪،‬‬
‫تغــرت خــالل الســنوات املاضيــة مــا يتطلــب تعديــل بعــض‬
‫لكنهــم لــن يســتطيعوا قتــل مبــدأ إحيــاء األرض ألن النصــوص‬
‫معلومــات أي كتــاب لتحديثــه‪ .‬لكــن نظــراً النشــغايل بإهنــاء‬ ‫هذه الصورة من جنوب رشق تركيا (املصدر‪ :‬جوجل‪ ،‬عن طريق رابية دوكاجي)‪ ،‬وقد وضعتها كأول صورة يف الكتاب جلمعها للكثر‬
‫الرشعيــة تقــف أمامهــم‪ .‬وســيزداد وضعهــم صعوبــة بتقــادم‬ ‫من املعاين‪ ،‬فهي مثال حلق استخدام الفناء‪ ،‬والفناء رشعاً هو املكان املالصق للعقار والذي يقع خارجه‪ .‬وقد يكون الفناء يف الطريق أو‬
‫كتــاب «قــص احلــق» بتوفيــق اللــه ومحــده‪ ،‬فقــد رأيــت نــرش‬
‫الزمــن إن كانــت النصــوص الرشعيــة املؤديــة لإلحيــاء مدعومــة‬ ‫يف الساحة‪ ،‬وقد أقرته الرشيعة كحق استخدام‪ .‬فالصورة مثال ملعظم مستوطنات العامل اإلسالمي قبل احلداثة‪ .‬ثم بعد احلداثة وبتدخل‬
‫كتــاب «عــارة األرض» كــا هــو مــع إضافــة بعــض الصــور‬
‫باملنطــق الــذي يتطلــب اإلحيــاء اآلن ومدعومــة بالتقنيــة التــي‬ ‫خفف حق الناس يف الفناء‪ .‬ففي الصورة مؤرش عى تفاعل الناس مع العمران لتأيت احللول من خالل تفعيل احلقوق التي تطلق‬ ‫السلطات ُ‬
‫أو تغيرهــا جلــودة أعــى‪ .‬لكــن ألن املعلومــات املكتوبــة يف‬ ‫أيدي الناس فتنترش املشورة عمرانياً‪ ،‬ما يؤدي لظهور االستثار األمثل للموارد ودومنا تلوث أو هدر ودومنا استبداد خارجي‪ .‬لكن هذا‬
‫تذلــل نفســها ملبــدأ اإلحيــاء‪.‬‬
‫معظمهــا فقهيــة وتارخييــة مــع اســتنتاجات عمرانيــة فلــم‬ ‫ال يعي الفوىض‪ .‬فالعارة اإلسالمية ليست قباباً وأقواساً وزخارف فحسب‪ ،‬بل هي حقوق عمرانية‪ .‬وهذا الثناء ملا يف الصورة ال يعي أبداً‬
‫ملحوظــة‪ :‬باســتثناء الكــروت الربيديــة‪ ،‬فــإن مجيــع‬ ‫أغرهــا‪ .‬فبالنســبة للمعلومــات فــال حاجــة بالطبــع لتحديثهــا‪.‬‬ ‫حماولة إجياد بيئة مشابه هلا لوقتنا احلايل‪ .‬ال‪ ،‬بل يعي أن سكان ذلك الوقت إن متكنوا من استحداث عمران فذ برغم ضعف إمكاناهتم مقارنة‬
‫بوضعنا احلايل من تطور يف تقنيات التشييد ومواد البناء‪ ،‬فالبد وأن نصل نحن لبيئة أفضل بكثر من بيئاهتم إن فهمنا كيف متكنوا من ذلك‪.‬‬
‫الصــور مــن تصويــر املؤلــف إال إن ذكــر اســم املصــور أو‬ ‫أمــا االســتنتاجات‪ ،‬فهــي أيضـاً صاحلــة أليامنــا هــذه ذلــك أهنــا‬ ‫ولكنكم قد تسألون‪ :‬ولكن معظم العمران قبل احلداثة كان كذلك؟ فأجيب‪ :‬ال‪ .‬وهذا هو موضوع كتاب «عارة األرض يف اإلسالم»‬
‫املصــدر‪.‬‬ ‫اســتنتاجات تتصــل بالغرائــز اإلنســانية التــي ال تتغــر كــا‬ ‫الذي سيحاول إقناعكم أن التمكن لألمة يأيت من خالل متكن األفراد والذين سيوجدون عمراناً فذاً إن انطلقوا‪ ،‬لكن االنطالق لن يأيت‬
‫ستســتنتجون إن شــاء اللــه إن قرأتــم كتــاب «قــص احلــق»‪.‬‬ ‫بسبب تسلط السلطات واحتكار املوارد كاألرايض‪ ،‬وهذا الوضع يستحيل الوصول إليه إال بتطبيق الرشيعة اإلسالمية لتاليف الفوىض‪.‬‬
‫اسطنبول‪ ،‬تركيا‪ :‬السبت ‪ 2‬مجادى األوىل ‪ 1441‬للهجرة‬
‫املوافق ‪ 28‬ديسمرب‪ ،‬كانون األول ‪ 2019‬م‪.‬‬ ‫بــل إن التغيــرات خــالل هــذه الســنن زادت مــن قــوة طــرح‬

‫‪5‬‬
‫علميــة مهمــة مــع انتعــاش اقتصــادي وارتفــاع يف مســتوى‬ ‫ال وختفيف‬ ‫ممكــن مــن ختفيــف اآلالم البرشيــة بتقــدم الطــب مثـ ً‬
‫املعيشــة‪ .‬لقــد آمنــت فلســفة كانــط بإمكانيــة تشــكيل دســتور‬ ‫ســاعات العمــل للموظفــن ودور اآللــة يف ختفيــف املعانــاة‬
‫للحريــة مالئــم جلميــع احلضــارات‪ .‬وآمنــت بإمكانيــة إجيــاد‬ ‫لعــال العــامل الغــريب وضــان احلقــوق لألفــراد وجتمعاهتــم مــن‬
‫ســالم بــن األمــم وبإمكانيــة التقــدم البــرشي أخالقيـاً وعقليـاً‪.‬‬ ‫نقابيــة وحزبيــة ومــن حريــة قــول وهكــذا مــن خــالل آليــات‬
‫وانتــرش هــذا الفكــر بــن الفالســفة إال أنــه انتــر وانتــرش عى‬
‫مســتوى شــعبي بالثــورة الفرنســية والثــورة الصناعيــة يف إنجلرا‪.‬‬
‫التعدديــة احلزبيــة والدميقراطيــة منتهي ـاً بالعــامل إىل مــا يســمى‬
‫باحلداثــة‪ .‬أي أن الغــرب حقــق حتــت شــعار احلداثــة مــرشوع‬
‫مقدمـة الطبعة الثانية‬
‫فالثــورة الفرنســية حــررت الشــعوب األوروبيــة مــن االســتبداد‬ ‫ديــكارت يف الســيطرة عــى الطبيعــة قــدر املســتطاع مــا أدى‬
‫اإلقطاعــي إىل إجيــاد دســتور يضمــن ســيادة دولــة القانــون‪ .‬أمــا‬ ‫إىل اســتعباد شــعوب ألخــرى بالســطوة التقنيــة واملاليــة‪ .‬ويف‬
‫الثــورة الصناعيــة فقــد حــررت اإلنتاجيــة برأســاليتها ونقلتهــا‬ ‫الوقــت ذاتــه‪ ،‬فقــد قــادت جمتمعــات احلداثــة العــامل إىل مفاســد‬
‫من هم قراء هذا الكتاب؟‬
‫إىل آفــاق أخــرى اتســمت بالرفاهيــة مــن خــالل االســتهالكية‬ ‫أخالقيــة وكــوارث طبيعيــة‪ .‬فبالنســبة للمفاســد األخالقيــة‬
‫وتســخر املــوارد وتكديــس الــروات‪.‬‬ ‫فإنكارنــا عليهــم أمــر يصعــب عليهــم تقبلــه ألهنــا مســألة‬ ‫فهنــاك مــن الزمــالء مــن لــه اهتامــات حمــددة ويــود وضــع‬ ‫بســم اللــه واحلمــد للــه والصــالة والســالم عــى رســول‬
‫قيميــة برغــم االنحــدار احلضــاري الــذي هــم فيــه‪ ،‬فهــذا بــاب‬ ‫ـواء يف ختصــص معــن‬ ‫الكتــاب عــى خارطــة الفكــر العمــراين سـ ً‬ ‫اللــه‪ .‬بعــد وجبــة عشــاء عنــد أحــد األصدقــاء ســألي أحــد‬
‫أي أن التنويــر بالنســبة لفالســفة الغــرب هــو الرغبــة‬ ‫كالرشيعــة أو التنميــة أو العــارة‪ ،‬أو يف موقــع جغــرايف مــا‪ ،‬أو‬
‫مغلــق أمامنــا‪ .‬أمــا التلــوث البيئــي والــرر الناتــج منــه لكرتنــا‬ ‫الزمــالء بإحلــاح‪« :‬ماهــي األزمــة البيئيــة التــي يعاجلهــا كتــاب‬
‫العميقــة لــدى البــرش يف التقــدم وذلــك مــن خــالل حــق‬ ‫يف حقبــة تارخييــة حمــددة للرجــوع للكتــاب متــى أراد‪ .‬فــال‬
‫األرضيــة وألجيالنــا القادمــة‪ ،‬فهــو مــا جيــب علينــا حماســبتهم‬ ‫«عــارة األرض»؟ فقــد ســمعت أن كتابــك يناقــش قضايــا‬
‫الشــعوب يف حكــم نفســها باســتحداث القوانــن التــي تصــوت‬ ‫يتمكــن مــن ذلــك ألن الكتــاب جيمــع بــن الرشيعــة والقانــون‬
‫فيــه‪ .‬ولكــن مــا الــذي أدى إىل هــذا االهنيــار البيئــي؟ باختصــار‪:‬‬ ‫بيئيــة ويقــرح هلــا حلــوال إســالمية‪ .‬فهــال خلصــت لنــا هــذه‬
‫عليهــا باســتخدام الدميقراطيــة‪ .‬أي أن الثــورات كانــت جتســيداً‬ ‫والعــارة والتخطيــط والسياســات البيئيــة وغرهــا دومنــا تق ّيــد‬
‫إهنــا احلداثــة‪ .‬فــا هــي جــذور احلداثــة؟ ومــا عالقــة ذلــك‬ ‫األزمــة يف دقائــق!»‪ .‬فحاولــت الفــرار مــن الطلــب لتأكــدي‬
‫ألفــكار التنويــر عــى الواقــع‪ .‬فهوية احلداثــة حتــددت بالتنوير‬ ‫مبواضــع جغرافيــة أو تارخييــة‪ .‬لذلــك رأيــت رضورة إضافــة‬
‫بالعقــل اإلنســاين وبالتقليــد أو التحــرر الفكــري؟‬ ‫بــأن دقائــق لــن تفــي املوضــوع حقــه‪ .‬ولكــن الزميــل أرص‬
‫وبالثــورة والتــي أعتقــد مؤسســوها بأهنــا ســتؤدي إىل التقــدم‬ ‫هــذه املقدمــة لتوضيــح معــامل مــا ســبق مــن تســاؤالت‪.‬‬ ‫مــن خــالل أســئلة ملحــة‪ .‬فأجبــت طلبــه ولكــن كنــت كلــا‬
‫البــرشي نحــو الســعادة مــن خــالل احــرام الفكــر للفكــر‬ ‫إن جــذور احلداثــة مغروســة يف عــر التنويــر‪ .‬فقبــل‬
‫أيــن ميكننــا وضــع الكتــاب فكريـاً؟ ومن هــم قــراؤه؟ قبل‬ ‫أعــرض عليــه طرحــاً عمرانيــاً لتوضيــح جانــب مــن أفــكار‬
‫واســتقاللية املعرفــة وزيــادة اإلنتاجيــة واحــرام احلضــارات‬ ‫عــر التنويــر كانــت الكنيســة هــي املســيطرة‪ .‬وكان اإلنســان‬
‫اإلجابــة عــى هــذا الســؤال فمــن املهــم تذكــر حــال املســلمن‬ ‫الكتــاب قاطــع بطــرح فكــرة معارضــة منطقيــة‪ .‬وكل مــا أراد‬
‫بعضهــا لبعــض بتشــكيل دســتور مينــع وقــوع احلــروب و و و ‪...‬‬ ‫األوريب مقلــداً ومســراً‪ .‬فــكان التنويــر‪ ،‬وهــو خــروج‬
‫اليــوم مــن وهــن وتفــكك وضعــف مقارنــة بشــعوب أخــرى‬ ‫هــذا الزميــل الوقــوف عليــه هبــذه االســراتيجية هــو معرفــة‬
‫وهكــذا ظهــرت قيــم العقالنيــة والدميقراطيــة واحلداثــة‪.‬‬ ‫اإلنســان مــن أغــالل حكــم الكنيســة إىل حكــم العقــل البــرشي‬
‫مــا جيعــل كل مــن لــه أدىن فكــر واكــراث ملســتقبل املســلمن‬ ‫مضمــون الكتــاب يف دقائــق اســتثاراً لوقتــه‪ .‬فتأكــدت مــن‬
‫كــا هــو معلــوم‪ .‬فشــعار التنويــر هــو مقــدرة اإلنســان عــى‬
‫إال أن أمــراض احلداثــة بــدأت تتفــى مــن خــالل‬ ‫يف حــرة أدت إىل ظهــور الكثــر مــن الكتابــات التحليليــة‬ ‫نتيجــة كنــت قــد وصلــت إليهــا مــن خــالل مثل هــذه اللقــاءات‬
‫اســتخدام عقلــه‪ .‬وهــذا النهــج الفكــري مل ينتــر وينتــرش إال‬
‫ظهــور املؤسســات الســلطوية التــي تســر املجتمعــات ومــن‬ ‫والتوجيهيــة للخــروج مــن هــذا التخلــف‪ .‬ولعــل األقــوى‬ ‫وهــي أن مــا يطرحــه كتــاب «عــارة األرض» هــو سلســلة مــن‬
‫يف القــرن الثامــن عــرش مــن خــالل مســامهات الفالســفة مثــل‬
‫خــالل انتشــار الفقــر ومــا إىل ذلــك مــن إفــرازات الرأســالية‬ ‫واملؤثــر مــن بــن هــذه الكتابــات هــي تلــك التــي حتلــل الفكــر‬ ‫أفــكار قــد تبــدوا معلومــة للبعــض يف ظاهرهــا‪ ،‬ولكــن ال تظهــر‬
‫كانــط وفولتــر وروســو‪ .‬وأول مــن صــاغ عقالنيــة احلداثــة هو‬
‫التــي نعلمهــا‪ ،‬فظهــرت طبقــة مــن املفكريــن وبالــذات مــن‬ ‫اإلســالمي وتنتقــده يف نخاعــه بأنــه ديــن تقليــد ال ديــن إبــداع‬ ‫مقدرهتــا عــى نقــد البيئــة إال بربطهــا‪ .‬وهــذا يتطلــب الكثــر‬
‫كانــط يف زمــن بــدأ فيــه اإلنســان األوريب حتقيــق اكتشــافات‬
‫وأنــه بذلــك أوقــف املســلمن مــن الدخــول يف حلبــة الســباق‬ ‫مــن اجللــد يف القــراءة الســيا أن قــراءة كتــاب تفــوق صفحاتــه‬
‫احلضــاري بــن األمــم‪ .‬وبالطبــع فــإن مصــدر هــذه االنتقــادات‬ ‫األربــع مئــة بتــأن أمــر شــاق وبالــذات إن كــرت مصطلحاتــه‬
‫‪45‬‬
‫هــي املقارنــة بــن حــال املســلمن اليــوم مــن ضيــاع ومــا آل‬ ‫املســتحدثة‪ .‬فبعــد توزيــع الطبعــة األوىل وخــالل الثــالث‬
‫هــذه الصــــورة هــي رقــم ‪ 45‬مــن احلامــات بتونــس‬
‫إليــه العــامل املتحــر بقيــادة الغــرب إىل مــا يســمى بـــ «النظــام‬ ‫الســنوات املاضيــة تلقيــت بعــض االنتقــادات مــن الزمــالء بــأن‬
‫وتوضــح مبــى بفنــاء داخــي ومل يكــن بنــاؤه مــن‬
‫خــالل مصمــم معــاري حمــرف‪ ،‬ولكــن بالرجــوع‬ ‫العاملــي اجلديــد» مــن تقنيــة وإنتاجيــة ورفاهــة تبهــر العقول يف‬ ‫الكتــاب حيــوي مصطلحــات غــر معروفــة هلــم‪ .‬وهــم أهــل‬
‫لألعــراف التــي تطــورت مــن خــالل تراكــم جتــارب‬ ‫بعــض أصقــاع األرض‪ ،‬ومتــزق لإلنســانية يف أصقــاع أخــرى مــن‬ ‫التخصــص‪ ،‬فــا بالــك مبــن هــم خــارج التخصــص! فــإن هــم‬
‫الســكان التــي أوجــدت حلــوال عمرانيــة فــذة تــؤدي‬
‫جــراء الفقــر واملــرض واجلهــل‪ ،‬وكل هــذا يف عــر احلداثــة‪.‬‬ ‫أرادوا البــدء بالفصــل اخلامــس لقــراءة تاريــخ إنشــاء الكوفــة‬
‫لبيئــة مســتدامة‪ .‬الحــظ أن بعــض الباحثــن قــد ال‬
‫تالمئــه بعــض احللــول العمرانيــة ذلــك أن الكثــر‬ ‫وبالتــايل فــإن اإلجابــة عــى هــذا الســؤال تعتمــد عــى اإلجابــة‬ ‫ال فســيواجهون مبصطلحــات ألفــكار تزيدهــم ضياعــاً‪.‬‬ ‫مثــ ً‬
‫مــن الســكان هــذه األيــام أفــراد معدمــون‪ .‬لكــن‬ ‫عــى ســؤال آخــر بإجيــاز وهــو‪ :‬ماهــي احلداثــة ومــا عالقتهــا‬
‫مــع تطبيــق اإلســالم كــا حيــاول الكتــاب تبيانــه‪،‬‬
‫ويف الوقــت ذاتــه قــد يكونــون ممــن ال هيتمــون بالقانــون‬
‫ومــع تقــارب النــاس يف الدخــل‪ ،‬ســتزدهر األعــراف‪.‬‬
‫بالعقــل اإلنســاين والعمــران وعالقــة ذلــك بالكتــاب؟ كــا‬ ‫ال وبذلــك فــإن مــا يــدور يف الفصــل الثالــث قــد ال يعنيهــم‬
‫مث ـ ً‬
‫هــو معلــوم‪ ،‬فــإن الليرباليــة أو الرأســالية حققــت أكــرب قــدر‬ ‫ألنــه فصــل مطعــم بالبنــود القانونيــة‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪،‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫كانــط زرعــت جمتمع ـاً ذا نظــام واضــح املالمــح يف مؤسســاته‬ ‫أي أن احلداثــة خرجــت مــن جمراهــا فتغلبــت الغريــزة‬
‫وقوانينــه وعالقاتــه بــن أفــراده وزيــادة إنتاجيتــه لكنــه مــع‬ ‫املنفعيــة الســلطوية عــى الغريــزة املعرفيــة التحرريــة‪ ،‬وتغلبت‬
‫كل هــذه اإلنجــازات تعــرض لنقــد حــاول حتريــره مــن قيــوده‬ ‫ســات التوســع واهليمنــة حتــت شــعار التقــدم يف احلداثــة عــى‬
‫برفــض جــذوره العقالنيــة بدفــع املجتمعــات للنــزوات‪ .‬فعــر‬ ‫حتريــر البــرش‪ ،‬وهكــذا خضعت املجتمعــات لتســلط رأس املال‬
‫مــا بعــد احلداثــة هــو الــراع القائــم بــن هذيــن اخلطــن مــن‬ ‫ال مــن تســلط الكنيســة‪ .‬فالفالســفة الغربيــون‬ ‫والقانــون بــد ً‬
‫العقالنيــة (كانــط) والثــورة عليهــا بالتحــرر منهــا (فوكــو)‪.‬‬ ‫الذيــن وضعــوا أســس احلداثــة مثــل ديــكارت وكانــت وهيغــل‬
‫ولكــن إىل أيــن؟‬ ‫اعتقــدوا أن البرشيــة ســتتقدم باســتمرار نحــو الســعادة والرفــاه‬
‫للجميــع‪ .‬إال أن هــذا مل حيــدث‪.‬‬
‫بــن هذيــن النقضــن ظهــرت عــدة توجهــات فلســفية يف‬
‫ضــوء التنبــؤات مبــا ميكــن أن يكــون عليــه العــامل يف القــرن‬ ‫ولكــن هنــاك مــن املفكريــن مــن دافــع عــن احلداثــة‪،‬‬
‫القــادم مبعطيــات االنفجــار الســكاين والفقــر املدقــع لســكان‬ ‫فاملفكــر األملــاين هابرمــاز وبرغــم اعرافــه ببعــض ســلبيات‬ ‫عادة ما يتكون العمران من عنارص يف مستويات خمتلفة بعضها فوق بعض‪ .‬فمثال‪ :‬اجلدار يف مستوى أعى من األثاث‪ .‬فإن تغر موقع اجلدار سيتأثر موضع األثاث‪ .‬لكن‬
‫جنــوب الكــرة األرضيــة وســهولة االتصــاالت بــن القــارات‬ ‫احلداثــة إال أنــه يــرى أهنــا هــي دولــة احلــق والقانــون وهــي‬ ‫إن غرنا موضع األثاث فلن يتأثر اجلدار‪ .‬ونرى يف الصورة اليمى يف فندق جنويب تركيا مهندسا أقنع املالك بأن من األوفر له أن يبي األثاث كاحلائط بدل احلاجة ألثاث‬
‫متحرك‪ ،‬وبالتايل فال حاجة مثال لتنظيف ما حتت الرير‪ .‬وكذلك األريكة‪ ،‬فلاذا ال يبنيها كا يف الصورة اليري؟ أي أننا نرى هنا وضعاً شاذاً جعل فيه املهندس األثاث‬
‫وســيولة املعلومــات لــدى اجلميــع‪ .‬وهــذه التوجهــات والتنبــؤات‬ ‫التــي ســتضمن للبرشيــة الســعادة الدامئــة‪ .‬أي أن اخلــالف دب‬
‫يف مستوى اجلدار‪ .‬مثال آخر‪ :‬قد يأيت مهندس متعامل ويصب عاموداً يف ركن الغرفة وبطريقة هبا جتويف يضع فيه مواسر املاء وأسالك الكهرباء وأنابيب الرف توفراً‬
‫رســمت احلــدود الفكريــة للباحثــن إلجيــاد فلســفة توجــه‬ ‫بــن مــن يؤيــدون احلداثــة املنبثقــة مــن عــر التنويــر ومــن‬ ‫للمكان والتكلفة‪ .‬فالذي حدث هنا هو أننا ربطنا ثالثة أنظمة (املاء والرف والكهرباء) كان البد وأن تكون مستقلة داخل نظام إنشايئ (العمود)‪ .‬فإن أردنا إحداث أي‬
‫ال‪ .‬ومبــا أن اإلســالم ديــن تقليــد يف بعــض‬ ‫املجتمعــات مســتقب ً‬ ‫يريــدون جذهــا مــن جذورهــا بالبحــث عــن جديــد مــن خالل‬ ‫ال فالبد وأن تتغر مواضع باقي األنظمة ما يؤدي لصعوبة التغير إال بخسائر‪ .‬والرشيعة أبدعت يف هذا املجال‪ ،‬أي فصل األنظمة ليتحرر العمران‪.‬‬‫تغير وظيفي مستقب ً‬
‫أمــوره (إذ أنــه يوجــه معتنقيــه إىل ســلوكيات مــن ســبقوهم‬ ‫نقدهــا‪ .‬وهكــذا بــدء مهامجــوا احلداثــة بالبحــث عــن حمــرك‬ ‫عــى حســاب التعليــم‪ .‬هكــذا مــن تناقضــات مل ختطــر ببــال أي‬ ‫الفرنســين مثــل جــان ليوتــار ومايــكل فوكــو وجــاك داريــدا‬
‫وحيــدد هلــم حقوقهــم مــن خــالل الرشيعــة املنزلــة) فهــو بذلــك‬ ‫فلســفي آخــر للمجتمعــات‪ ،‬فاســتحدثت مصطلحــات مثــل «مــا‬ ‫ال يؤمــن بــأن الســلطة‬
‫ممــن وضعــوا أســس احلداثــة‪ .‬ففوكــو مثـ ً‬ ‫ممــن دب اليــأس يف نفوســهم مــن تضاربــات إنجــازات احلداثــة‬
‫ديــن يؤطــر دور العقــل‪ .‬أي أنــه ديــن ال يطلــق العقــل (كانــط)‬ ‫بعــد احلداثــة» أو «مــا بعــد التنويــر»‪ .‬فــكان البــد مــن نقــد‬ ‫والقــوة مهــا اللــذان شــكال التاريــخ‪ .‬لذلــك يرفــض العقالنيــة‬ ‫مــع مبــادئ عــر التنويــر فــكان اهلجــوم العنيــف عــى أســس‬
‫وال يثــور عليــه (فوكــو)‪ ،‬ولكنــه ديــن وبرغــم احرامــه للعقــل‬ ‫منهــج العقالنيــة ألهنــا جــذور احلداثــة‪ .‬وهــذا الــذي حــدث‪.‬‬ ‫التــي يتبناهــا كانــط‪ .‬فقــد صــور احلداثــة عــى أهنــا مؤسســات‬ ‫احلداثــة‪ .‬فاملفكــر الفرنــي فوكــو هــو أحــد رؤوس احلربــة يف‬
‫ال) ويقيــده يف جمــاالت أخــرى‬ ‫يطلقــه يف جمــاالت (القيــاس مث ـ ً‬ ‫فربغــم أن احلداثــة كانــت حتــرراً مــن املــايض الكنائــي‬ ‫تســير املجتمعــات مــن خــالل الســلطة‪ .‬فاألنــوار التــي أدت‬ ‫انتقــاد احلداثــة‪ .‬فهــو يعتقــد أن احلداثــة نظــام مدجج بالســيطرة‬
‫ال)‪ .‬لذلــك فالبــد وأن يــؤدي للتخلــف‬ ‫(التفكــر يف ذات اللــه مثـ ً‬ ‫والفكــر التقليــدي بعقالنيتهــا‪ ،‬إال أهنــا بالنســبة لفوكــو وديلــوز‬ ‫إىل احلريــات أفــرزت األغــالل يف جمتمــع احلداثــة مــن خــالل‬ ‫برغــم توفــر احلريــات‪ ،‬فهــو نظــام خيضــع النــاس إلرادتــه ألن‬
‫(يف نظرهــم) بدليــل مــا أفرزتــه املجتمعــات اإلســالمية‪ .‬هبــذا‬ ‫قيــد ًا ألهنــا حتجــم الرغبــات والغرائــز بتحوهلــا تدرجييــاً‬ ‫املدرســة واملعمــل والثكنــات‪ .‬فمــن ملــك شــهادات أعــى‬ ‫كل فــرد قــد خيضــع ملراقبتــه‪ .‬فتقــدم التقنيــة أدى إىل أســلحة‬
‫رفضــه املفكــرون مــن غــر املســلمن‪ .‬ومــا زاد احلــال ســوءاً هو‬ ‫إىل نظــام حيــايت‪ .‬فللحداثــة نظامهــا وقوانينهــا العقالنيــة‪.‬‬ ‫ال أكــر كانــت لــه املتعــة‪.‬‬
‫كانــت لــه الســيطرة‪ ،‬ومــن ملــك مــا ً‬ ‫الدمــار الشــامل وارتفــاع نفقــات التجهيــز احلــريب والــذي كان‬
‫ظهــور كتابــات بعــض املفكريــن املســلمن الذيــن نــادوا بإعادة‬ ‫والعقالنيــة لفوكــو ســجن‪ .‬وللخــروج مــن الســجن ينبغــي‬
‫الصورة اليمى السفى جلامع السلطان حسن بالقاهرة واليرى من الفكوشا بقربص‪،‬‬
‫ال يبحــث‬ ‫النظــر يف املنهجيــة اإلســالمية‪ .‬فمحمــد أركــون مث ـ ً‬ ‫ال تعــي اجلــري وراء‬ ‫للحداثــة أن تتحــرر‪ .‬فاحلداثــة يف الفــن مثـ ً‬ ‫الحظ إتقان النسب‪ ،‬والسبب كا يوضح الكتاب هو أن تراكم التجارب بسبب‬
‫عــن عقــل مــا بعــد احلداثــة مــن خــالل االســتفادة مــن أدوات‬ ‫كل ماهــو جديــد والــذي رسعــان مــا يصبــح قدمي ـاً‪ .‬أي إجيــاد‬ ‫إطالق أيدي الناس الذين هم يف املوقع وأدرى بإمكاناته‪ ،‬تفاعلت مع مهارات‬
‫ال‬
‫الغــرب يف النقــد والتحليــل للفكــر اإلســالمي‪ .‬فهــو يدعــو مثـ ً‬ ‫آليــة حتويــل املســتقبل إىل مــاض وبذلــك فــإن التخصصــات‬ ‫السكان وارتقت بالتايل األعراف البنائية لتتجسد يف املباين‪ .‬وقد تسأل‪ :‬أليس هذا‬
‫لالســتفادة مــن جتــارب التفاعــل بــن دولــة القانــون يف الغــرب‬ ‫ال جتــد نفســها يف هــوس حييــل املســتقبل ملــاض‪.‬‬ ‫ما وقع يف العارة القوطية مثال؟ اجلواب‪ :‬ال‪ .‬هنالك فرق‪ ،‬فا وصلوا إليه من تقدم‬
‫مثــل العــارة مثـ ً‬
‫ينحر يف املباين املهمة وليس عرفاً يشمل معظم املباين‪ .‬فقط تذكروا املرشبيات‬
‫وجمتمعــه املــدين ألهنــا خــربة تارخييــة مل يتعــرض هلــا العــامل‬ ‫فظهــرت تيــارات مثــل العــارة احلديثــة ومــا بعــد احلديثــة‬ ‫ومجاهلا أو تقنيات املباين الطينية‪ .‬وهذا ما سيوضحه الكتاب إن شاء الله‪.‬‬
‫اإلســالمي‪ .‬وكــا يدعــوا إىل إعــادة قــراءة احلداثــة الغربيــة مــن‬ ‫والالإنشــائية (أو التفكيكيــة) وهكــذا مــن خــالل البحــث عــا‬ ‫‪51‬‬
‫زاويــة الوضــع التارخيــي والفكــري اخلــاص بالعقــل اإلســالمي‪.‬‬ ‫هــو جديــد وغريــب (كالفــن الســريايل) بالدخــول يف عــامل‬
‫ومبثــل هــذه الدراســات السوســيولوجية واألنروبولوجيــة‬ ‫املمنــوع أو حتــى املحــرم أحيانــاً‪ .‬وهبــذا بــدأ العــامل الغــريب‬
‫يدعــو إىل مقارنــة نقائــص عقــل كل حضــارة مــن خــالل جتــارب‬ ‫يقفــز مــن تيــار آلخــر‪ .‬كل هــذا حتــت التجديــد ومســايرة‬
‫العقــول األخــرى وتعميــم املقارنــة للوصــول لعقــل مــا بعــد‬ ‫الغرائــز بتفجــر مكامنهــا بالثــورة عــى العقالنيــة‪ .‬إال أن هــذا‬
‫احلداثــة‪ .‬وهــذا يتطلــب إعــال العقــل يف النظــر يف النصــوص‬ ‫التوجــه الــذي تبنــاه بعــض الفرنســيون بقيــادة فوكــو واملنبثــق‬
‫التــي شــكلت احلضــارة اإلســالمية‪ .‬فهــو بذلــك يســتخدم‬ ‫مــن تبــي أفــكار فالســفة مثــل نيتشــه وهيدغــر أثــر يف الفنــون‬
‫العقــل البــرشي‪ ،‬وبالــذات مــن خــالل التحليــل األلســي أو‬ ‫واآلداب واحلــرف أكــر مــن تأثــره يف املؤسســات املجتمعيــة‬
‫اللغــوي للنصــوص (القــرآن واحلديــث والفقــه ألــخ) ويســتخدم‬ ‫التــي ظلــت كــا هــي‪ .‬أي أن التحرريــة الفكريــة التــي أسســها‬

‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬
‫وهنــا أشــجع القــارئ الســتخدام عقلــه للوصــول الســتنتاجاته‬ ‫جمــال إطــالق العقــل وجمــال حتجيمــه‪ .‬ونحــن بحاجــة هلــذه‬ ‫‪140.7‬‬ ‫أدوات التحليــل التارخيــي واالجتاعــي واإلنربولوجــي إلضــاءة‬
‫بنفســه بعــد تســلحه باألفــكار املجــردة مــن أي زمــن أو موقــع‪.‬‬ ‫األدوات‪ .‬ففــي هــذا الكتــاب حماولــة إلجيــاد أداة لتحقيــق ذلــك‬ ‫تلــك النصــوص‪ .‬وهبــذا يتمكــن اإلنســان (كــا يقــول) مــن‬
‫فهــذا الكتــاب يســتخدم العقــل للفهــم والربــط وال يطلقــه‬ ‫عمراني ـاً‪ .‬وفيــه مــادة قــد تقنــع أولئــك الذيــن ينــادون بإطــالق‬ ‫بلــورة علمنــة جديــدة جتيــب مطالــب اإلنســان بــكال بعدهيــا‬
‫إلجيــاد األحــكام‪ .‬وشــتان بــن احلالــن‪ .‬ويــأيت الســؤال‪ :‬إذا‬ ‫العقــل بــأن لــه حــدوداً‪ .‬وبالتايل إعــادة النظــر يف احليــاة البرشية‬ ‫الروحــي واملــادي لســعادة قادمــة‪ .‬ال كــا فعلــت احلداثــة‬
‫كان اإلســالم صالــح لــكل زمــان ومــكان وجيــب علينــا اتبــاع‬ ‫مــن منطلــق العقالنيــة إىل التســليم بتأطــر العقــل واألخــذ مبــا‬ ‫بتوفرهــا البعــد املــادي وإلغــاء البعــد الروحــي أو كــا فعلــت‬
‫أحكامــه‪ ،‬ملــاذا ختلــف املســلمون؟ إن جــزء ًا مــن اإلجابــة‬ ‫أنــزل ســبحانه وتعــاىل (القــرآن والســنة)‪.‬‬ ‫احلضــارة اإلســالمية بعــدم إرسافهــا يف البعــد املــادي‪.‬‬
‫يكمــن يف أماكــن متفرقــة مــن هــذا الكتــاب‪ .‬فأنــت أهيــا‬
‫فكتــاب «عــارة األرض يف اإلســالم» ال ينطلــق من فلســفة‬ ‫أي أن العقــل هــو املرجــع األســايس يف مجيــع التوجهــات‬
‫القــارئ بحاجــة الســتخدام عقلــك للوصــول لالســتنتاجات‪.‬‬
‫ســاقطة مــن بــروج عاجيــة يتــم تلبيســها عــى واقــع حــايل‬ ‫الفلســفية املعــارصة املعمــول هبــا أو تلــك التــي تبحــث عــن‬
‫ولعــل ســبب ختلــف املســلمن يكــون موضــوع كتــاب آخــر‬
‫كــا هــو حــال الفالســفة‪ ،‬ولكنــه ينطلــق مــن ربــط بدهييــات‬ ‫خمــرج ألزمــة احلداثــة‪ .‬العقــل هــو املحــور وهــو املحــك‬
‫(وهــذا بحمــد اللــه مــا فعلتــه يف كتــاب «قــص احلــق» بعــد‬
‫وغرائــز ومســلات لتوضيــح عمــق الرشيعــة وحكمتهــا‬ ‫تلحظون يف الصورة العلوية من أصيلة باملغرب (وهي الصورة الوحيدة‬ ‫وهــو املقــرر وهــو العصــب‪ .‬إنــه كل يشء‪ .‬ومــن مل يقبــل‬
‫كتابــة هــذه املقدمــة بحــوايل عرشيــن ســنة)‪ .‬فهذا الكتــاب عن‬
‫وصالحيتهــا لــكل زمــان ومــكان مــن خــالل أطــر نظريــة‪.‬‬ ‫املكررة يف الكتاب) طريقاً نافذاً ومن ورائه طريق نافذ آخر وبينها باب‬ ‫هبــذا فهــو ناقــص يف كيانــه ومرفــوض يف منطقــه ممــا وضــع‬
‫العمــران وليــس العقليــة املســلمة‪ .‬فهــو كتــاب ينظــر إلنتاجيــة‬ ‫إشارة إىل أن سكان املنطقة الداخلة هلم حق متلك تلك املنطقة دون سكان‬
‫وهــذا املنطــق بالطبــع مرفــوض ألولئــك العقالنيــن‪ .‬وهنــا‬ ‫كل مفكــر مســلم يف حــرة‪ .‬وهنــا تــأيت أمهيــة كتــاب «عــارة‬
‫املجتمــع وســعادته مــن زاويــة العمــران‪ .‬لذلــك فهــو يدفــع بــك‬ ‫املنطقة اخلارجة‪ .‬ما يعي استغالهلم التام له ملا فيه منفعتهم‪ ،‬أما املنطقة‬
‫التحــدي‪ .‬ألهنــم عنــد نقدهــم هلــذا الكتــاب يتالفــون نقــده يف‬ ‫األرض» بالنســبة يل‪ .‬فتجــارب العــامل الغــريب مــن إعــال العقــل‬
‫إىل املثاليــة والتــي قــد ال توجــد‪ ،‬وهبــذا الدفــع يعينــك عــى نقــد‬ ‫اخلارجة فهي ملك جلميع سكان الطريقن اخلارج والداخل‪ .‬وهذا الشعور‬
‫مادتــه‪ ،‬ولكــن يبدعــون يف نقــد وســيلته ألهنــم يرفضــون حتجيم‬ ‫بالتملك يوجد التآلف بن السكان‪ ،‬فال حيق ألحد رشعا عمل يشء يف الطريق‬ ‫البــرشي خــالل قرنــن أدى إىل كــوارث إنســانية وماديــة وبيئيــة‬
‫احلداثــة وتقديــر أحــكام الرشيعــة وكيــف أهنــا ظُلمــت‪.‬‬
‫العقــل وتأطــره‪ ،‬وهلــم أدواهتــم يف ذلــك‪ .‬ولكــن العــربة بالنتائــج‪.‬‬ ‫الداخل كزرع شجرة مثال إال مبوافقة سكان الطريق الداخل‪ ،‬بينا ال حيق‬ ‫وعمرانيــة‪ ،‬وذلــك ألن العمــران والتدخــالت البيئيــة التــي يقــوم‬
‫ومــن كل مــا ســبق قــد تســتنتجون أحبتــي بــأن هــذا‬ ‫فهــذا الكتــاب لــكل مــن شــكك يف صالحيــة الرشيعــة لــكل‬ ‫لسكان الطريق اخلارج االعراض يف األغلب‪ .‬قلت يف األغلب ألن هنالك‬ ‫ـواء‬
‫ـاء عــى الدســاتر واحلقــوق املنبثقــة منهــا سـ ً‬
‫هبــا اإلنســان بنـ ً‬
‫تفاصيل حقوقية كثرة سيأيت توضيحها بإذن الله يف فصل «األماكن» تؤدي‬
‫الكتــاب هــو طــرح فكــري أكــر منــه كتابــاً يف العــارة أو‬ ‫زمــان ومــكان‪ .‬هــذا الكتــاب لــكل مــن ال يؤمــن أن الرشيعــة‬ ‫للمزيد من التمكن للناس ما يؤدي لعزة األمة ألن األفراد مبشاركاهتم إمنا‬
‫لألفــراد أو املؤسســات تراكمــت وأدت إىل هــذه الكــوارث‪.‬‬
‫التخطيــط‪ ،‬إنــه طــرح فكــري عــن عــارة األرض يف اإلســالم‪.‬‬ ‫تســمو فــوق العقــول‪ .‬وقــد ال تكــون األمثلــة مقنعــة يف الفصــل‬ ‫يسهمون يف بناء األمة‪ ،‬وكلا زاد عدد املسامهن كلا تعززت األعراف‪،‬‬ ‫فالبيئــة بعمراهنــا أعقــد مــن أن يتمكــن أي عقــل بــرشي مــن‬
‫فهــو ليــس مرجعــاً تارخييــاً يف العــارة أو كتابــاً فقيهــاً عــن‬ ‫األخــر والــذي ركــز عــى واقعنــا املعــارص ألهنــا حمــدودة‪،‬‬ ‫وهبذا يكون العمران أداة متكن ال استنزاف كا سيتضح إن شاء الله‪.‬‬ ‫اإلملــام براكاهتــا عــرب الزمــن وبالتــايل مــن وضــع تصــورات‬
‫ناجعــة ملعضالهتــا‪ .‬وأبســط مثــل عــى ذلــك هــو احلقــوق‪.‬‬
‫يف الصورة السفى اليرى من اجلزائر العاصمة يف القصبة ترون فتحة يف احلائط املنخفض بن سطحن ثم يف السطح األمين ترون ثقبا لينساب منه املاء‪ ،‬بينا‬ ‫فمتــى يكــون جممــوع حقــوق األفــراد يف مصلحــة العمران‬ ‫‪143.7‬‬
‫يف الصورة اليمى من ارسير جنوب املغرب ترون جمموعة من األسطح ينساب فيها املاء بن املباين من خالل األسطح وليس بالرورة من خالل الشارع ليشق‬
‫ومتــى يكــون ضــده؟ ومــن الــذي يصــدر احلكــم؟ أهــو املقــرر‬
‫املاء طريقه خلارج املنطقة السكنية‪ ،‬أي أن السكان متكنوا من حل إشكالية تريف مياه األمطار فيا بينهم دومنا تكلفة عالية وذلك من خالل حقوق مسيل‬
‫املاء‪ .‬هذه هي املدينة اإلسالمية كا سرون إن شاء الله‪ .‬فهي السهل املمتنع‪ .‬بالطبع فإن بعض املهنين قد ال يقنعهم هذا احلل‪ .‬لكن تذكروا أنه غر مكلف إال‬ ‫أم املســتخدم؟ ومتــى يتــم احلكــم عــى قانــون مــا؟ أبعــد ســنة أم‬
‫القليل من املال الذي يأيت من السكان عادة‪ .‬فكم ستوفر املجتمعات من نفقات إن حتولت هذه اخلدمات من السلطات إىل الناس؟ لكنك قد تقول‪ :‬ملاذا ال تقوم‬ ‫عــرشات الســنن مــن وضــع الدســتور وإقــرار القانــون؟ فلــكل‬
‫به السلطات؟ واجلواب هو أن قيام السلطات به سيؤدي للهدر والتسيب وسوء التنفيذ‪ .‬لكن هذا ال يعي قيام الناس به مبارشة‪ ،‬بل يعي أنه حتت سلطتهم ألهنم هم‬ ‫قانــون مرتبــات سوســيولوجية واقتصاديــة ال تتجــى آثارهــا‬
‫من يدفعون تكاليفه‪ ،‬لذا فقد تظهر الرشكات للقيام هبذه املهمة‪ .‬وبالتايل فقد وفرت املجتمعات الكثر من اهلدر‪ .‬لنتذكر أن ما لدى السلطات من مال هو حق‬
‫احلقيقيــة إال بعــد عــرشات الســنن‪ .‬وحينهــا تكــون الظــروف‬
‫للناس والذي ميكن بالتايل استثاره يف التعليم مثال‪ .‬كا أن احللول سرتقي إن طبقت حقوق الرشيعة كا سيأيت بإذن الله‪.‬‬
‫واملعطيــات قــد تغــرت‪ .‬أي أن البيئــة أعقــد مــن أن يتمكــن‬
‫العقــل البــرشي مــن اإلملــام هبــا وبالتــايل مــن وضــع خارطــة‬
‫‪9‬‬ ‫لتســير احلقــوق واملصالــح هبــا ومــا هــذا إال مثــل بســيط‪ .‬هلــذا‬
‫جيــب تأطــر دور العقــل ألنــه قــد يشــدنا إىل ضيــاع كــا فعــل‬
‫(فالكــرة األرضيــة لــن تتمكــن مــن حتمــل قرنــن آخريــن مــن‬
‫الصورة العلوية لساحة بن عدة مباين وكأهنا طريق غر نافذ يف أصيلة‬
‫التجربــة والضيــاع)‪ .‬وهنــا العقــدة‪ .‬أيــن يتــم إطــالق العقــل‬ ‫باملغرب‪ .‬كنت مارا فرأيت مدخال منكرا‪ ،‬فاقربت وإذا هبذه الساحة‬
‫وأيــن جيــب إيقافــه بالرجــوع للتقليــد أو بإتبــاع الرشيعــة؟‬ ‫النظيفة خلفها‪ ،‬وكأهنا صالة معيشة بن عدة منازل ويستخدمها السكان‬
‫ولــدي اعتقــاد بــأن هــذه املســألة هــي إحــدى أهــم اإلشــكاليات‬ ‫لنرش الغسيل و و و ‪ ....‬أي أن العمران خادم للسكان يف كل تفاصيله‪.‬‬
‫والسبب كا سرون يف الكتاب هو منظومة احلقوق التي عادة ما تعطي‬
‫التــي تواجــه الفكــر اإلســالمي‪ .‬فاملفكــرون ثالثــة طوائــف‪.‬‬
‫السكان حق التملك للمكان برغم أنه خارج عقاراهتم‪ .‬ولكن ألن الرشيعة‬
‫طائفــة تطالــب بـــإطالق العقــل وأخــرى ترفضــه‪ ،‬وبينهــا‬ ‫مل تطبق هذه األيام‪ ،‬ولعدم وصول أيدي السلطات للمكان‪ ،‬كان الشعور‬
‫طائفــة ثالثــة تــرى التوســط ولكنهــا ال متلــك األدوات ملعرفــة‬ ‫بالتملك لدى السكان‪ .‬ما رفع من كفاءة االستفادة من املكان‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫الرشيعــة يف العمــران أو دراســة حتليليــة للقوانــن الوضعيــة‪.‬‬
‫والطــرح الفكــري عــادة مــا يكــون يف صفحــات‪ .‬إال أن هــذا‬
‫الكتــاب طويــل يف مادتــه وكثــر يف مصطلحاتــه املســتحدثة‬
‫مــا قــد يزيــده صعوبــة يف القــراءة‪ .‬لكنــي اضطــررت لذلــك‪.‬‬
‫والســبب هــو أن هنــاك الكثــر مــن األفــكار املســتحدثة عــى‬
‫العــامل الغــريب نفســه‪ ،‬ألن الكتــاب أخــذ الرشيعــة كمنظــار‬
‫للعمــران مــا أفــرز أفــكاراً إضافــة إىل األفــكار التــي مل تنقــل‬
‫إىل الثقافــة العربيــة بعــد والتــي أفرزهتــا التخصصــات املختلفــة‬
‫مــا ضاعــف عــي العــبء‪ .‬ومــن جهــة أخــرى فــإن إثبــات هــذه‬
‫النزيــه الــذي ســر حفــر ًة دفــن فيهــا أولئــك املهتمــن بقضايــا‬ ‫بســم اللــه‪ ،‬واحلمــد للــه‪ ،‬والصــالة والســالم عــى رســول‬ ‫األفــكار باألدلــة والوقائــع إلقنــاع القــراء تطلــب هــذه اإلطالة‪.‬‬
‫مســر األمــة اإلســالمية فقــرر بذلــك أن الديــن ختصــص لــه‬ ‫اللــه‪ ،‬ســبحان بديــع الســموات واألرض‪ ،‬العليــم احلكيــم‪،‬‬ ‫الصورة العلوية من سفرانبولو بركيا‪ ،‬الحظ أن املبى أمهل لسنوات فظهرت‬ ‫ويل هنــا رجــاء وهــو أال يقفــز القــارئ للفصــول املتقدمــة بــل‬
‫أهلــه فــال احتــكاك وال تقــارب‪ ،‬وجــاء كل ختصــص بلغــة‬ ‫الســميع املجيــب‪ ،‬أســأله التوفيــق والســداد‪ .‬رب ارشح يل‬ ‫مكونات احلائط‪ .‬ثم ُسكن مرة أخرى‪ .‬تلحظون كيف أن بناء احلوائط كان‬ ‫يبــدأ إن أراد اإلرساع يف القــراءة بالفصــل األول (وحيــرص عــى‬
‫باستغالل مواد متواجدة حول املوقع وليست غالية الثمن‪ .‬هكذا تأيت االستدامة‬ ‫اإلملــام مبصطلحــات اإلطــار النظــري) ثــم بعــد ذلــك يقــرأ‬
‫ورطانــة ال يفهمهــا كثــر مــن علائنــا األفاضــل ممــا زاد احلفــرة‬ ‫صــدري‪ ،‬ويــر يل أمــري‪ ،‬واحلــل عقــدة مــن لســاين يفقهــوا‬
‫باستخدام مواد طبيعية من املوقع وليست مستوردة‪ .‬أي بدل إنفاق الكثر يف‬
‫عمقــاً ليعــزل العلــاء واخلــرق ســعة لتغــوص األمــة يف عمــق‬ ‫قــويل‪ .‬أخــي القــارئ‪ ،‬ال خيفــى عليــك مــا وصــل إليــه حــال‬ ‫العمران‪ ،‬استغل املجتمع ما هو متوفر وابدع يف استغالله ليظهر املبى كا يف‬
‫الفصلــن الثــاين والثالــث عــى مهــل إن كان مــن املهتمــن‬
‫التخلــف‪ ،‬فأنفصــل بذلــك دور كتــاب اللــه وســنة رســوله‬ ‫املســلمن اليــوم مــن ختلــف ووهــن حضــاري حتــى فاهتــم‬ ‫الصورة أسفل النص من نفس املدينة‪ .‬الحظ جودة اخلارجات والشبابيك‪ .‬فمع‬ ‫بالرشيعــة أو القانــون‪ .‬فهــذه الفصــول الثالثــة األوىل هــي لــب‬
‫صلــوات اللــه وســالمه عليــه عــن واقــع احليــاة وعــن رســم‬ ‫الركــب بعــد أن كانــوا رواده‪ ،‬وكل هــذا وكتــاب اللــه وســنة‬ ‫تطبيق الرشيعة التي ستؤدي لتمكن الناس وبالتايل ثراؤهم‪ ،‬سيزدهر العمران من‬ ‫الكتــاب وتعكــس نكهتــه وتوجهــه‪ .‬أمــا الفصــل الرابــع فهــو‬
‫خالل آليات تبلور األعراف‪ ،‬فهنالك أعراف لتوزيع األماكن‪ ،‬وأعراف للتشييد‪،‬‬ ‫مهــم أيضــاً ألنــه إطــار نظــري آخــر ويطــرح مصطلحــات‬
‫املنهــج لألمــة اإلســالمية يف النهــوض مــن كبوهتــا‪.‬‬ ‫رســوله بــن أيدهيــم‪ ،‬فكيــف يكــون هــذا وهــو ســبحانه‬ ‫وأعراف للتفاصيل‪ ،‬وهكذا‪ .‬أي أن العمران األمثل دومنا تلويث لن يتأىت إال بتطبيق‬
‫ٍ‬
‫بعــد كتابتــي لكتــاب باللغــة اإلنجليزيــة بعنــوان أزمــة‬ ‫ــدى‬ ‫تــاب تِ ْبيانــاً لِــك ُّل يشء ُ‬
‫وه ً‬ ‫القائــل‪« :‬ونَ ّزلنــا َعل َ ِ‬
‫َيــك الك َ‬ ‫الرشيعة‪ ،‬وهذا ما حياول كتاب عارة األرض تبيانه إن شاء الله‪.‬‬
‫مهمــة هلضــم باقــي فصــول الكتــاب‪ .‬فــإن كان القــارئ ممــن ال‬
‫للمســلمن»‪ ،‬ورس ـوله صلــوات اللــه وســالمه‬ ‫ـرشى ُ‬ ‫ورمحــةً و ُبـ ْ‬
‫َْ‬ ‫هيتمــون بالرشيعــة أو القانــون‪ ،‬بــل بتاريــخ املــدن اإلســالمية‪،‬‬
‫البيئــة املبنيــة‪ :‬حالــة املدينــة اإلســالمية ‪Crisis in the Built‬‬
‫عليــه القائــل‪« :‬تركــت فيكــم مــا إن متســكتم بــه لــن تضلــوا‬ ‫فبإمكانــه التعجيــل يف الفصلــن الثــاين والثالــث بعــد الركيــز‬
‫‪ ،Environment: the Case of the Muslim City‬وبعــد تــردد‬
‫بعــدي أبــد ًا‪ ،‬كتــاب اللــه وســنة رســوله»؟ ويف كل حلظــة‬ ‫عــى األول والرابــع والتمهــل يف اخلامــس مــع أنــه فصــل يــرد‬
‫كبــر‪ ،‬أيقنــت أنــه ال مفــر مــن كتابــة كتــاب آخــر باللغــة‬
‫متــي‪ ،‬حتــى وأنــت تقــرأ هــذه الصفحــات أختــي القارئــة‬ ‫وقائــع تارخييــة إلثبــات الفصــل الرابــع أكــر مــن كونــه إضافــة‬
‫العربيــة‪ ،‬وبطريقــة ختاطــب املفكريــن وعلــاء الرشيعــة‬
‫أخــي القــارئ‪ ،‬يــزداد الوهــن ويتســع خــرق ســفينة املســلمن‬ ‫فكريــة‪ .‬ومــادة الفصــل الســابع تعتمــد عــى الفصــل الســادس‪،‬‬
‫واملهنيــن مــن مهندســن ومعاريــن وخمططــن‪ ،‬ومل أكــن‬
‫لتغــوص يف أعــاق حميــط التخلــف احلضــاري‪ ،‬والراقعــون يف‬ ‫ولكــن بإمــكان القــارئ التوجــه للفصــل الســابع مبــارشة بعــد‬
‫أتوقــع الصعوبــات التــي تنتظــرين ألنــي مل أتتلمــذ عــى يــد‬
‫حــرة كيــف الســبيل إىل النهــوض؟ ومــا هــو دور اإلســالم يف‬ ‫الرابــع إن كان مــن املهتمــن بركيــب املدينــة اإلســالمية‪ .‬أمــا‬
‫أحــد مــن علــاء الفقــه‪ ،‬باإلضافــة إىل أن مصطلحــات العــارة‬
‫زمــن العلــوم الباهــرة‪ ،‬والصناعــات الراقيــة‪ ،‬والتخصصــات‬ ‫إن كان مــن املنظريــن فــإن مــادة الفصــل الســادس مهمــة‬
‫والتخطيــط‪ ،‬برغــم فصاحــة اللغــة العربيــة‪ ،‬مل ُي ّتفــق عــى‬
‫املتفرعــة؟ وال حــول وال قــوة إال باللــه‪.‬‬ ‫بالنســبة لــه‪ .‬والفصــل الثامــن هــو أشــد فصــول الكتــاب تعقيداً‬
‫تعريبهــا‪ ،‬أو مل توجــد البدائــل العربيــة الحتياجاهتــا‪ .‬وكانــت‬
‫ويتطلــب جلــداً يف القــراءة وباســتطاعة القــارئ قفــزه ولكنــه‬
‫العقبــة األوىل هــي األكــرب يف نفــي خلشــيتي مــن الوقــوع يف‬ ‫وممــا زاد اخلــرق حــدة‪ ،‬وإبــرة الرقــع ضعفــاً‪ ،‬أن‬
‫بالنســبة يل مــن أمجــل الفصــول ألنــه يوضــح عظــم الرشيعــة‬
‫ســوء فهــم بعــض نصــوص الرشيعــة وقواعدهــا‪ .‬ولكــن بعــد‬ ‫التخصصــات املتفرعــة املســتوردة هتيــأت يف قمــة زينتهــا‬
‫حتــى يف أدق التفاصيــل ويثبــت أهنــا ليســت إال مــن تنزيــل‬
‫مــا رأيــت اهلــوة العميقــة بــن مســتحدثات واقعنــا املعــارص‬ ‫وزخرفهــا بالتقنيــة وظواهــر املــادة‪ ،‬فبهــرت بذلــك العقــول‪،‬‬
‫خالــق عظيــم‪ ،‬فهــي هبــذا تفــوق عقــول البــرش مــن خــالل‬
‫وماهــو موجــود يف كتــب الرشيعــة مــن قواعــد وأحــكام‪،‬‬ ‫وأزاغــت األبصــار‪ ،‬وغــزت املؤسســات واألنظمــة فارضــة‬
‫مبادئهــا البيئيــة البســيطة مــع ســمو جوهرهــا‪ ،‬إهنــا الســهل‬
‫وتقصــر العلــاء يف بنــاء اجلســور لعبــور هــذه اهلــوة‪ ،‬كان البــد‬ ‫نفســها حتــى عــى مــن هــم محــاة اإلســالم وعلــاء األمــة‪ ،‬شــالة‬
‫املمتنــع‪ .‬وبالطبــع فــإن قــراءة الكتــاب مــن أولــه وبنفــس‬
‫يل مــن الكتابــة‪ ،‬ولكــن بحــذر‪ .‬فأرجــو منــك أخــي القــارئ‪،‬‬ ‫بذلــك فكرهــم عــن ســاحات املجتمــع الفكريــة وراســمة‬
‫الرتيــب هــو األســلم لإلملــام ببعــض معــامل عــارة األرض يف‬
‫وبالــذات إن كنــت مــن علــاء الرشيعــة‪ ،‬أن تصحــح يل حيــث‬ ‫حــدوداً هلــم ال يتعدوهــا‪ .‬وممــا زاد هــذا الغــزو خطــورة أنــه‬
‫اإلســالم‪ .‬واللــه مــن وراء القصــد‪.‬‬
‫أخطــأت‪ ،‬فــكل ابــن آدم خطــاء‪ ،‬وكل واحــد منــا مأخــوذ منــه‬ ‫جــاء بصفــة رســمية عــى شــكل ختصصــات نزهيــة‪ .‬ولكــن‬
‫ومــردود عليــه‪ .‬وأنــا ال أجتهــد يف كتــايب هــذا‪ ،‬ومعــاذ اللــه أن‬ ‫الواقــع هــو أهنــا ولــدت ونشــأت يف بيئــات ختتلــف متام ـاً عــن‬ ‫(مدينة اخلرب‪ :‬رشق اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫أفعــل‪ ،‬فلالجتهــاد أهلــه؛ ولكــن ألوضــح فقــط عظــم الرشيعــة‬ ‫بيئــات املســلمن‪ ،‬ثــم جــاءت إىل املســلمن بثوهبــا الفضفــاض‬ ‫ذو القعدة ‪1415‬هـ ‪ -‬مارس ‪1995‬م )‬

‫‪13‬‬ ‫‪12‬‬
‫وكان حكــم علــاء الرشيعــة املعارصيــن مبنيــاً عــي‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ومالءمتهــا التامــة حلياتنــا املعــارصة يف حقــي التخطيــط‬
‫مشــاهداهتم لراكــم مشــاكل البيئــة املعــارصة ‪contemporary‬‬ ‫والعــارة‪ ،‬يف أهنــا تفــوق مجيــع النظــم الوضعيــة والنظريــات‬
‫‪ environment‬والتــي ظهــرت باســتخدام القوانــن الوضعيــة‪.‬‬ ‫املعــارصة‪.‬‬
‫ال اعتــرب األرايض غــر اململوكــة مثــل‬ ‫فالقانــون املــري مثــ ً‬ ‫وإين أتعجــب جلمــود أولئــك املخططــن واملهندســن‪،‬‬
‫جــزءا مــن أمــالك الدولــة ووضــع قيــوداً‬ ‫ً‬ ‫األرايض املــوات‬ ‫يص ّمــون آذاهنــم عــن هــذه املســائل وحياولــون إبعــاد‬
‫عندمــا ُ‬
‫إلحيائهــا‪ ،‬وهــذا أدى إىل ارتفــاع أســعار األرايض‪ .‬وممــا ســاعد‬ ‫الرشيعــة عــن هــذه التخصصــات بدعــوى أهنــا إقحــام غــر‬
‫أيضــا عــى ارتفــاع األســعار زيــادة الكثافــة الســكانية الناجتــة‬ ‫مالئــم‪ ،‬وأن املجتمــع أدرى بشــؤون دنيــاه‪ .‬فمــن خــالل بحثــي‬
‫عــن السياســة املركزيــة للدولــة التــي ركــزت أكــر اخلدمات يف‬ ‫ملســائل بيئتنــا ظهــرت يل عظمــة رشيعتنــا يف هــذا املجــال‪،‬‬
‫املــدن الرئيســية مثــل الدوائــر احلكوميــة واملعاهــد واملصانــع‪،‬‬ ‫ووجــدت أن علــاء الرشيعــة املعارصيــن مل يوفــوا املوضــوع‬
‫وهــذه اســتقطبت الســكان مــن األريــاف إىل تلــك املــدن‪،‬‬ ‫حقــه مــن البحــث رمبــا لعــدم إملامهــم بتخصــص العــارة‬
‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬
‫وازداد الطلــب عــى األرايض‪ ،‬وكــرت التعديــات‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫والتخطيــط‪ ،‬ويف اجلانــب اآلخــر‪ ،‬وجــدت أن غالبية املهندســن‬
‫ـرت القوانــن للســيطرة عــي إحيــاء األرض‪ ،‬وهكــذا ضاقــت‬ ‫كـ ُ‬ ‫واملخططــن املعارصيــن ينظــرون إىل املــدن اإلســالمية نظــرة‬
‫عليهــم األرض مبــا رحبــت‪ .‬وهــذا االرتفــاع يف أســعار األرايض‬ ‫عاطفيــه مصحوبــة بســوء يف الفهــم أحيان ـاً‪ .‬ولتوضيــح هذيــن‬
‫املصحــوب بزيــادة الكثافــة الســكانية‪ ،‬أدى إىل زيــادة الكثافــة‬ ‫االجتاهــن أقــول‪:‬‬
‫ال يف الركيــب العمــراين‬ ‫البنائيــة كعلــو املبــاين ممــا أحــدث خلـ ً‬
‫بالنســبة الجتــاه علــاء الرشيعــة‪ :‬قامــت بعــض األبحــاث‬
‫ال أن شــبكات الرف‬ ‫للمدينــة ‪ ، urban structure‬نتــج عنــه مثـ ً‬
‫احلديثــة بدراســة قوانــن البنــاء يف الرشيعــة اإلســالمية‬
‫الصحــي مل تعــد حتتمــل فضــالت الســكان (الصــور ‪ 1‬إىل ‪.)4‬‬
‫وتوصلــت إىل نتائــج ال تتفــق مــع آراء مجهــور علــاء الســلف‬
‫ومــن األسبـــاب التــي ســاعدت عــى إلغـــاء نظــام إحيــاء‬ ‫مثــل إحيــاء األرض‪ .‬فعلــاء املالكيــة والشــافعية واحلنابلــة‬
‫األرض يف الـــدول اإلســالمية احلملــة القائلة بأن البيئــة العمرانية‬ ‫وقليــل مــن احلنفيــة أجــازوا إحيــاء األرض دون إذن اإلمــام‪،‬‬
‫الناجتــة مــن اإلحيــاء ستكـــون عشــوائية ال حمالــة‪ ،‬ألن البيئــة‬ ‫‪7‬‬ ‫‪3‬‬
‫بينــا تنــازل الباحثــون املعــارصون يف الرشيعــة عــن هــذا‪،‬‬
‫التقليديــة‪ traditional environment 2‬يف العــامل اإلســالمي‬ ‫وقالــوا بجــواز اإلحيــاء ولكــن بعــد إذن اإلمــام‪ .‬مثــال آخــر‪،‬‬
‫كـــانت غــر منظمــة‪ ،‬حيــث أن شــوارعها غر صـــاحلة لوســائل‬ ‫أجــاز جممــع الفقــه اإلســالمي يف دورتــه الرابعــة نــزع امللكيــة‬
‫النقــل احلديثــة‪ ،‬وهبـــا الكثــر من الـــطرق امللتـــوية والـــضيقة‬ ‫الفرديــة للمصلحــة العامــة‪ ،‬وهــذا خمالــف لــرأي مجهــور علــاء‬
‫ذات الـسابـــاطات والطـــرق غر النـــافذة‪ ،‬ومبـــانيها متـالصقة‬ ‫الســلف‪ 1.‬باختصــار‪ ،‬وجــد العلــاء أنفســهم يف مــأزق؛ فــكان‬
‫ومتاســكة دون مــا فراغـــات بينهــا (الصــور ‪ 5‬إىل ‪ .)25‬وهبــذا‬ ‫عليهــم أن يســايروا املتطلبــات الراهنــة باجتهــادات قــد ال‬
‫تلقــت املـــدينة التقليديــة ركالت مــن مجيــع فئــات املفكـــرين‬ ‫تتفــق مــع رأي اجلمهــور مــن العلــاء بــي أعنــاق النصــوص‪،‬‬
‫مورخــن أو مهندســن أو خمططــن‪ .‬وســنأيت عــى‬ ‫ـواء كانــوا ٔ‬
‫سـ ً‬ ‫ــم اإلســالم بالتخلــف‪.‬‬ ‫وإال ا ِ‬
‫هت َ‬
‫الصـورة رقم ‪ 5‬لتـونس القـدميـة‪ :‬الحـظ السـابـاط الـذي يغطي الطريق‬ ‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الصـورة ‪ 1‬من القـاهـرة‪ :‬الحـظ أن املبنـى الـذي يف وسط الصورة رغم‬
‫وكذلك انحناء الطريق بالرياض القدمية يف الصورة ‪ٔ ،6‬امـا الصورتـان ‪7‬‬ ‫اكتال بنائه إال أن أدواراً جديدة تضاف إليه اآلن وذلك ألن األرض‬
‫و ‪ 8‬فها من تونـس‪ ،‬إحدامها تـظهر مبـاين تونس القـدمية وتالصقهـا مع‬ ‫أصبحت سلعة مرتفعة يف السعر ما أدى الكتظاظ املدن‪ .‬وهذا بالتايل أدى‬
‫بعضهـا البعض‪ ،‬واألخـرى (الصـورة ‪ )8‬تــوضح الشـوارع الـتي تفـصل‬ ‫إىل زيادة كل من الكثـافة السكانيـة ثم البنائية والتي ٔادت إىل اسـتنهاك‬
‫بن املباين بانتظام هنـديس يف املنطقة اجلديدة من تونس‪ .‬فال عجب إن‬ ‫الـبنية األسـاسية كـا هو مالحظ يف الـصورتن ‪( 2‬شـال البــاكــستـان)‬
‫مل يتـحامـل املهنيـون عى نـظام اإلحـياء ! ٔامـا الصـورة ‪( 9‬يف الصفحة‬ ‫و ‪( 3‬اجلزائر) حيـث إن أسالك الكهربـاء عى العمود يف الـصورة ‪ ،2‬وعى‬
‫‪ ،)11‬فهي صورة علويـة لقرية إرسيـر بوادي رضعة جـنويب املغرب‬ ‫واجهـات املباين يف الـصـورة ‪ ،3‬تــشر إىل الفـوضـى الـتي عـمت شـبكـات‬
‫وتوضح أحـد الطرق وهبـا أحد السـاباطـات‪ .‬الحظ طول الساباط‬ ‫الكـهرباء‪ .‬الحـظ ٔايضاً تـرب مياه الفـضالت إىل الطريق يف الصورة ‪ 4‬من‬
‫الذي يغطي الطريق‪ .‬وبالطبع‪ ،‬فإن هذه الصور من العامل اإلسالمي‬ ‫شال أفريقيا‪ .‬كل هذه اإلشكاالت ليست بسبب جهل الناس‪ ،‬بل بسبب‬
‫وبرغم اختالفاهتا‪ ،‬لكن هنالك ما يربطها‪ ،‬لكنه ليس بالرورة الشكل‬ ‫فقرهم والذي ما وقع إال لعدم تطبيق الرشيعة التي تطلق أيدي الناس‪ ،‬فأتت‬
‫دامئا‪ ،‬بل هنالك ِعقد رابط يوحدهم‪ .‬وهذا ما سنوضحه إن شاء الله يف‬ ‫السلطات فقيدهتا كا حدث مع منع إحياء األرض‪ ،‬فأصبحت األرض نادرة‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬ ‫كا سيأيت بإذن الله‪ .‬هكذا تدهور العمران‪ ،‬بسبب تسلط السلطات‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪10‬‬
‫إن صور هذه الصفـحة حديثة من شال أفـريقيا‪.‬‬ ‫بعد اخـراع آلة التـصويـر (‪1853‬م) وانتشـارها قـام‬
‫‪18‬‬ ‫فالصورة ‪ 18‬مـن مديـنة تـونس تـوضح متـاسك املـباين‬ ‫أفراد بـتصـويـر املـدن الـتقليـديـة يف هنـايـة القـرن‬ ‫‪11‬‬
‫يف طـريق غر نـافذ‪ .‬والـصورة ‪ 19‬مـن فاس بـاملغـرب‬ ‫التـاسـع عرش امليالدي‪ ،‬وذلك الستخدام الصور‬
‫وهي ملـتقطـة من سـابــاط يطل عى طـريق ســالك‪،‬‬ ‫كبطاقات بريدية‪ .‬فمثل هـذه الصور وثيقة توضح لنا‬
‫الحظ وجــود السـابـاط املقابـل واملحالت التجاريـة‬ ‫حالة املدينة يف ذلك الـوقت‪ .‬وبالطبع سيصعـب معرفـة‬
‫بالـدور األريض‪ .‬والصورة ‪ 20‬من احلامات بـتونس‪،‬‬ ‫وقت الـتقاط هـذه الصور أو اسم املـصور‪ .‬ولكن‬
‫الحظ ضيق وانحناء الطريق‪ ،‬وكذلك الصورة ‪ 21‬من‬ ‫من تـواريخ كتابات املرسلـن عى ظهر البطـاقـة أو‬
‫سـيدي بوسعيد من تونس والصورة ‪ 22‬فهي من فاس‬ ‫من اخلـتم الربيـدي سنـلحظ أن أعار هـذه الصـور‬
‫باملغرب‪ .‬الحظ‪ .‬أمـا الصــور ‪ 23‬و ‪ 24‬و ‪ 25‬فهي مناظر‬ ‫قد تزيد عن املئة عـام‪ .‬ومواقع صور هذه الصفحـة‬
‫لطرق غر نافذة من مدينة تونس أيضاً‪ .‬وكا سرون‬ ‫هي‪ :‬الصورة ‪ 10‬من تونس‪ ،‬و ‪ 11‬من طـنجة‪ ،‬و‪ 12‬من‬
‫بإذن الله يف فصل األماكن‪ ،‬توضيح حلركيات (آليات)‬ ‫تازة‪ ،‬و ‪ 13‬من تطوان‪ ،‬و‪14‬من مدينة اجلزائر‪،‬و‪ 15‬من‬
‫تشكل هذه األماكن من خالل تفاعالت السكان ما‬ ‫فاس‪،‬و‪16‬و‪17‬من الدار البـيضـاء‪ .‬دقـقوا يف الطــرق‬
‫يزيد من خربهتم كأفراد فاعلن بتحميلهم املسؤولية‬ ‫واملبـاين والحظوا السـاباطات يف الصـور ‪ 10‬و ‪ 11‬و‬
‫فتزداد األمة قوة بعزة أفرادها بتحمل املسؤولية‪.‬‬ ‫‪ . 12‬أما الصورة ‪ 13‬فقـد التقـطت مـن حتت سـابـاط‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬

‫التمكن‪ ،‬فالـصورة ‪ 31‬من مدينة تونس تـريكم موقـع بوابـة عى يـمن الصـورة‬ ‫يف الصـورتـن العلويتن ‪ 26‬و ‪ 27‬توضيح إلحياء األرض‪ .‬فاألوىل من ضـواحي‬
‫حلي سـكي داخل املدينـة‪ .‬وقد قلعت البوابة إال أن آثـارها ال تزال موجودة‪ ،‬فهـذه‬ ‫مـدينـة فـاس والثانية مـن ضواحـي مديـنة أصـيلة بـاملغرب‪ .‬الحظوا كـيفيـة‬
‫البـوابة تـفصل بن املـدينـة واحلي‪ .‬فا هـو إذاً سبب وجود هذه البوابات يا ترى؟‬ ‫إحيـاء النـاس لألرايض‪ ،‬وبـالـذات الفقـراء مـنهم‪ ،‬وكيف أهنا تبـدو غر منـظمـة‬
‫‪33‬‬ ‫‪32‬‬
‫وما عالقة هذا باملسؤولية والتمكن؟‬ ‫ال كـرة الـفضالت‪ .‬فهي بيئة غر صحية يف نظر‬ ‫للـدارس ألسبـاب كـثرة منهـا مث ً‬
‫كا متيزت املدن التقليدية بأسوارها التي حتيط هبا‪ .‬فالـصورتـان ‪ 32‬و ‪ 33‬يف‬ ‫الكـثر من املهنين ويطلـقون عليها اسم «األرايض املغتـصبـة»‪ ،‬ونحـوهـا من‬
‫الصفحة املقابلة رسمتـا من زاويتن خمـتلفتن لـسور املدينة املنورة‪ .‬والصورتان‬ ‫ألفـاظ تـعرب عن تعدي الناس عى القانون الوضعي‪ .‬بالطبع كا سرون بإذن الله‬
‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪ 34‬و ‪ 35‬لسور كل من الرباط وطنجة من املغرب بالـرتيب‪ .‬أما الصورتان ‪ 36‬و‬ ‫فهنالك خلط بن التمكن والتنظيم‪ .‬فهؤالء فقراء بسبب قفل أبواب التمكن التي‬
‫‪ 37‬فها من زاويـتن خمـتلفـتن ملـــدينــة ســوســة‪ .‬والـصــورة ‪ 38‬للقـروان‪،‬‬ ‫فتحتها الرشيعة‪ .‬وهو ما سيتضح بإذن الله يف باقي الكتاب‪.‬‬
‫بينـا الصـورة األخرة (‪ )39‬للـربـاط من جهـة اليابسة‪ .‬فهل هذه األسوار نتاج‬ ‫ال من‬ ‫ٕ‬
‫الصورة ‪ 28‬توضح احدى بوابـات مدينة تونس‪ ،‬والصورة ‪ 29‬تبن مـدخ ً‬
‫لإلسالم أم أنه ظهر لتطبيق كمؤرش عى خلل يف تطبيق اإلسالم؟ هذا ما سيتضح‬ ‫مداخل مـدينة فـاس‪ ،‬والصورة ‪ 30‬هي لبـوابة يف القاهـرة (باب الفتـوح)‪.‬‬
‫إن شاء الله‪.‬‬ ‫وهناك اعتقـاد شائع بأن البـوابـات وجـدت ألسبــاب أمنيـة‪ ،‬إال أهنـا وجـدت‬
‫أيضـاً داخل املدن كـبوابـات األحيـاء ما يعي أهنا ليست أمنية‪ ،‬بل هي مؤرش عى‬

‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪18‬‬
‫‪42‬‬ ‫القــارئ األحيــاء القدميــة يف القاهــرة أو فــاس أو بغــداد أو جــدة‬ ‫ال واحـداً‪ ،‬فتـأمي أختي‬ ‫بعـــض أقواهلـم‪ ،‬ولكن لنـذكر اآلن مـثا ً‬
‫الصورتان أسفل الصفحة السابقة من غرداية باجلزائر (‪ 40‬و‪41‬‬
‫وكلتامها من اإلنرنت)‪ ،‬ثم طـنجة (‪ )42‬وتـوضح تالصق املبـاين‪.‬‬
‫أو قريــة مــا وجتــول خالهلــا بذاكرتــه فســتتضح لــه الصــورة‬ ‫القارئة و ٔاخي القـــارئ قول عي بـــاشا مـــبارك واصفــاً القاهـــرة‬
‫وهـناك اعـتقاد أن هـذه إحدى ميزات املدينة التقليدية‪ ،‬وهذا غر‬ ‫مؤقتــا‪ ،‬فهــي بيئــة متيــزت بأســوار مدهنــا وبواباهتــا وتالصــق‬ ‫يف أواخر القـــرن الثـــالث عـــرش اهلجــري‪ ...« :‬وأمـــا احلارات‬
‫سليم كا سرنى إن شاء الله‪ .‬وتــوضح الصـور الـصغرة األفـنيـة‬ ‫مبانيهــا ذات األفنيــة أو الســاحات الداخليــة (الصــور مــن ‪28‬‬ ‫فكـــانت كثــرة االنعطافـــات‪ ،‬ضيقــة املـــسالك‪ ،‬ليـــست عــى‬
‫الــداخليـة عن قـرب‪ .‬فالصورة ‪ 43‬من مراكش‪ ،‬والصورة ‪ 44‬من‬ ‫إىل ‪ .)46‬ولكــن يف الوقــت الــذي تبــدوا فيــه البيئــة التقليديــة‬ ‫هيئــة انتظـــامية‪ ،‬بل بعـــض البيوت بـــارز يف الطريق والبعـــض‬
‫سيدي بوسعيد بتـونـس‪ ،‬والصــورة ‪( 45‬صفحة ‪ )7‬من احلامـات‬
‫بتـونـس‪ .‬الحظ أن منازل احلامـات ال تزال حتتفظ باألفـنية رغم‬
‫غــر منتظمــة فهــي تدهشــك أخــي القــارئ يف جمــاالت أخــرى‬ ‫داخــل عنــه‪ ،‬وهــــذا مــن ٔاســفل‪ ،‬و ٔامـــا األعــى فكـانـــت بعض‬
‫أهنا تطل عى الـشاطـئ‪ .‬أما الصـورة ‪ 46‬فهي من مـدينة تـونس‪.‬‬ ‫يف تنظيمهــا مــن حيــث إتقــان البنــاء يف الواجهــات الداخليــة‬ ‫املـرشبيـــات تـــتالصق مــن جوانبهـــا‪ ،‬وتتالقــى مع مـــا واجهها‬
‫الحظ أن هنـاك ثالثـة أفنيـة تفـصل بينهـا غرف أو بـيوت املنازل‬ ‫ال‪،‬‬
‫املحيطــة بالفنــاء الداخــي للمنــازل واملــدارس واملســاجد مثـ ً‬ ‫ال عن‬ ‫حتـــى حتــدث سـاباطــاً مركبــاً عى مجيــع الطـــريق‪ ،‬فض ً‬
‫املتجاورة (البيت هو الغرفة يف الدور األريض عادة)‪.‬‬
‫فاإلبــداع يف االعتنــاء بالفنــاء الداخــي ووضــع األشــجار فيــه‬ ‫األسبـــطة احلقيقيـــة»‪ .‬أمــا يف وصف املنـــازل فيقــول‪ « :‬و أكر‬
‫وتنســيقها‪ ،‬ومجــال رســم ونســب ونقــش العقــود واألقــواس‬ ‫حمــالت الــدار قليــل الـــنور واهلــواء اللذيــن مهــا مـــن ٔاســاس‬
‫‪46‬‬ ‫‪43‬‬ ‫والقبــاب كلهــا دليــل عــى دقــة وســمو يف العــارة والتنظيــم‬ ‫ـل أن ختلـــو مــن الرطوبـــات‪ ،‬التــي تتولـــد عنهــا‬ ‫الصحــة‪ ،‬وقَيـ ّ‬
‫(الصــور ‪ 47‬إىل ‪ .) 67‬فهــل هــذا تناقــض أم أننــا أســأنا الفهــم؟‬ ‫األمــراض»‪ .‬ثــم يقــول واصفـاً املدينــة عمـــوماً‪« :‬وباجلملــة فقد‬
‫أجيــب فأقــول‪ :‬لقــد أســأنا الفهــم‪ .‬فالبيئــة التقليديــة ذات‬ ‫طــم‪ ،‬وكثــر مــن التــالل داخــل‬ ‫عــم‪ ،‬والدمــار ّ‬‫كان اخلــراب ّ‬
‫‪44‬‬

‫الطــرق امللتويــة والضيقــة التــي ال نراهــا منظمــة هــي أفضــل‬ ‫وســط األماكـــن‪ ،‬ســوى مــا يف اخلــارج مــن التــالل الشاهقـــة‬
‫مــا ميكــن الوصــول إليــه لتلــك املجتمعــات‪ .‬فهــي بيئــة ذات‬ ‫يف اهلــواء‪ ،‬املمتــدة إىل أمــد بعيــد‪ .‬فـــإذا هبــت الريــح فهـــي‬
‫جوهــر رفيــع املســتوى لدرجــة أن عقــول الكثــر مل تتمكــن‬ ‫القيامــة‪ ،‬وال تـــرى إال غباراً منـــبثاً عى البيـــوت‪ ،‬متلفاً للصحـــة‬
‫ٕ‬ ‫مــن فهمــه ألن الظاهــر املتعــرج شــتت أفكارهــم‪.‬‬ ‫وللعيون‪ 3.»... ،‬فـــإذا كـــان هـــذا قـول مـسلمـــن ممن كـتبـوا‬
‫يف الوقت الذي قد تبدو فيه املدينة التقليدية غر منظمة يف شـوارعهـا ومبـانيـها اال أهنـا تدهـش الدارس هلـا يف وإتقان مبـانيها كا يف ا ٔ‬
‫المثلـة لتنظيـم األفنية‬
‫الـداخليـة وإتقـان واجهـاهتـا‪ .‬فــالصـورتـان ‪ 47‬و ‪ 48‬لفناءين داخلين ملسجـدين وكانا مدرسة يف كل مـن مراكـش وفاس‪ .‬والـصورة ‪ 49‬لفـناء قر الـريصوين‬
‫‪40‬‬ ‫عــن املـدينـــة اإلسالميـــة فــا بـــالك بغـــرهم كـاملستـــرشقن‪.‬‬
‫بأصيلة بـاملغرب‪ .‬والصورة ‪ 50‬هي إليوان مــسجــد الــسلـطــان حــسن (بـالقـاهـرة)‪ .‬والصـورة ‪ 51‬والتي مرت بنا صفحة ‪ 8‬هـي أيضـاً لصحن مسجد السلـطان‬ ‫ومــن مـــثل هــذه الـــركالت ستقـــتنع أخــي القـــارئ أنــه إذا‬
‫حسن‪ .‬أما الـصورتـان ‪ 52‬و ‪ 53‬فها للفـناءين الـداخلين ملـدرستن يف كل من مـراكش وفـاس عى الرتيب‪ .‬الحـظوا الدقة يف التنظيم والتصميم واالبداع يف‬ ‫مــا تـــرك أمــر اإلحـــياء لعمـــوم النـــاس فــإن الفـــويض ســتعم‪.‬‬
‫البناء‪ .‬وهنا ملحوظة مهمة‪ ،‬فجميع هذه املباين بالطبع حماطة بشوارع من جهة أو أكر‪ ،‬فعند مقارنة حالة هذه الشوارع من استثارات كاإلضاءة أو التشجر مع‬ ‫وال ألـــومك عــى ذلــك‪ ،‬ألن مـــا تــراه بعـــينك مــن ســـوء البيئــة‬
‫الناجتــة عــن إحيــاء النــاس لــألرايض يف ٔايامنــا هــذه ال يــر ٔاي‬
‫املباين سنلحظ الفرق الشاسع يف االهتام‪ .‬فاالهتام هو باملباين وما بداخلها مقارنة بالطرق‪ .‬وهذا يعي أن املجتمع استثمر أكر ما لديه يف األماكن التي هي األكر‬
‫استخداما‪ .‬وهذا عكس املجتمعات املعارصة‪ .‬فلعلكم الحظتم الطرق يف أيامنا هذه مثال كم هي مضاءة ومزدانة بينا تصطف بجانبيها منازل الفقراء‪ ،‬أي أن العمران‬
‫يكشف لنا كيفية استثار املجتمعات ألمواهلا‪ .‬هل هي مصبوبة يف املناطق ذات امللكية اخلاصة‪ ،‬أم أهنا مصبوبة يف الساحات ذات امللكيات العامة؟ هذه مسألة‬ ‫مســلم (الصورتــان ‪ 26‬و ‪ .)27‬ولكــن الـــكل يعلــم أن الـسيـــارة‬
‫سأكررها ألمهيتها‪ ،‬ذلك أهنا ستكشف لنا عن الركيبة السياسية االقتصادية يف األمة‪ .‬فمع تطبيق الرشيعة‪ ،‬ومع إطالق أيدي الناس وبالتايل تراكات األموال يف‬ ‫مل تظهـــر إال يف هـــذا القـــرن؛ فكـيف يالم نظـــام اإلحيـاء عى‬
‫أيدهيم‪ ،‬ستظهر عالمات منها أن اخلرات تنجذب للملكيات اخلاصة أكر منها للمشركة‪ .‬هذه أحدى عالمات املدينة اإلسالمية‪ ،‬أي انجذاب اخلرات للخاص‪.‬‬
‫يشء مل يقرفــه؟ وهــل أُعطي نظـــام اإلحيـــاء الفرصـــة إلنتـــاج‬
‫بيئــة مبنـــية ‪ built environment‬يف ظــل الظـــروف احلــاليــــة‬
‫‪49‬‬ ‫‪47‬‬
‫واتبـــاع رشوطه املعـروفـة مـثل حق املـــرور وحـريـم األرض‬
‫‪48‬‬ ‫املحيـــاة؟ بـاخـتصـــار‪ ،‬اجته بعـــض علاء الـرشيعــــة للبحـث‬
‫عن خمـــارج يف الـرشيعــــة اإلسالميـة لـــتالئم الظروف احلالية‬
‫دون التعمــق يف فهــم الرشيعــة يف البيئــة‪.‬‬
‫والبــد مــن توضيــح بســيط هنــا قبــل االســتمرار وهــو‬
‫‪53‬‬ ‫‪50‬‬ ‫املقصــود مــن لفــظ «البيئــة التقليديــة»‪ .‬فالبيئــة التقليديــة هــي‬
‫جممــوع املبــاين واألماكــن بينهــا التــي شــيدها املســلمون بإتبــاع‬
‫‪52‬‬ ‫مبــادئ الرشيعــة اإلســالمية واألعــراف املحليــة واســتخدام‬
‫مــواد البنــاء املتوفــرة يف تلــك الفــرة دون تدخــل الســلطة إال يف‬
‫حــاالت اخلــالف بــن املــالك‪ .‬وســيتضح هــذا التعريــف خــالل‬
‫الفصــول القادمــة‪ ،‬ولكــن لغــرض هــذه املقدمــة إذا ختيــل‬
‫‪41‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪54‬‬
‫لعل ٔاكثـر ما هبـر املعارين حـول العامل ذوقـياً هـو إتقان املسلمن للـزخارف‬ ‫صور هـذه الصفحـة تظهـر طريقـة التحكـم يف اإلضاءة يف ٔاوضـاع خمـتلفـة‬
‫والنقـوش عى والواجهـات واألعمدة والقـباب ونحوها‪ .‬فـالصورتان ‪ 61‬و ‪62‬‬ ‫بـاإلضـافـة إىل اإلبـداع يف الـتنــسيـق بن الـعنـارص‪ ،‬ومـا هــذا إال مثـال عـى‬
‫جلـامع قرطبة من الداخل‪ ،‬والصـورة ‪ 63‬لنفس اجلامـع ولكن من اخلارج‪ .‬أما‬ ‫سمــو العـارة‪ .‬فالـصور الثالث األوىل من القـاهرة‪ :‬الصـورة ‪ 54‬من داخل‬
‫الصورة ‪ 64‬فهـي لعقد مبـسجد الكتـبية مبـراكش‪ ،‬الحظ الـدقــة يف تقسـيم‬ ‫منزل السحيمي‪ ،‬الحـظ أن مسـاحات الفـتحات املـكونـة للنـافذة تـتغر من‬
‫العقـد‪ ،‬وكـذا دقـة املقـرنصـات مبـدخل مسجد ومـدرسة السلـطان حسـن‬ ‫األصغر لألكرب كلا ارتفعت الفتحة‪ .‬والصـورة ‪ 55‬من وكـالـة بـزعــة‪ ،‬الحظ‬
‫بالقاهـرة (الصورة ‪ .)65‬أمـا الصورة ‪ 66‬فـهي رسمة إلحـدى ردهات قـر‬ ‫كيفية دخول اإلضاءة من األعى‪ .‬بينا الصورة ‪ 56‬تبن أيضا إضاءة علوية‬
‫احلمراء بغـرنـاطــة‪ ،‬ولعل هــذا القـر يـمثـل قمـة مــا وصل إلـيه املسلـمون‬ ‫مدروسة (منزل الـسحيمي)‪ .‬أمــا الـصــورة ‪ 57‬فهـي من مـراكش وتوضـح‬
‫يف فن الزخـرفة‪ .‬أما الـصورة األخرة (‪ )67‬فهي لصومعة أو مئذنة الكتبـية‬ ‫إحدى األروقة وطـريقة دخـول الضوء مـن األعى‪ .‬والصـور الثالث الـسفليـة‬
‫مبراكش‪ .‬فكـيف يكون الـتوافق إذ ًا بن هـذين املتـضادين من دقة العارة‬ ‫هـي ٔايضــاً مشـاهـد خمتلفة إلدخـال الضوء‪ .‬فـالصورة ‪ 58‬من ٔاحـد مباين‬
‫والفوىض يف شوارع املدينة؟ ملحوظة مهمة عى هذه الصور‪ ،‬هل فيها اإلرساف‬ ‫مـدينة فاس‪ ،‬والصورة ‪ 59‬من مـسجد السلطان قـالوون بالقاهرة‪ ،‬والصـورة‬
‫املنهي عنه رشعا؟ وإذا كان‪ ،‬فلاذا منجدها؟ ستأيت اإلجابة إن شاء الله‪.‬‬ ‫األخرة (‪ )60‬لساحـة دار (منزل احلـاج حممد بن سامل) بالقاهرة‪.‬‬

‫‪64‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪67‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪66‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪74‬‬ ‫حياولــون تطويــر عنــارص البيئــة اإلســالمية ملالءمــة متطلبــات‬ ‫تــوضح صـور هـذه الـصفحــة بعـض اجتـاهــات املهنـين باستـنباط‬ ‫أ َّمــا اجتــاه املهندســن واملخططــن املعارصيــن فهــو‬
‫العــر كبنــاء بيئــة تنمــي الرابــط االجتاعــي وتالئــم املنــاخ‬ ‫أمناط بنـائية من البـيئة التقلـيدية‪ :‬فـالصورة ‪ 68‬مـنظـر ألحـد شـوارع‬ ‫دراســة البيئــة القدميــة الســتنباط أفــكار معاريــة وختطيطيــة‬
‫بأقــل التكاليــف كاســتخدام مــواد البنــاء التقليديــة يف البنــاء‬ ‫مـرشوع إسكـان حفـصيـة مبـدينـة تـونـس والذي فاز بجائزة األغا خان‬
‫وحماولــة تطبيقهــا يف البيئــة احلاليــة‪ .‬كاإلكثــار مــن اســتخدام‬
‫املعارية‪ ،‬الحظ وجــود السـابـاط وانحنــاء الطـريق كتقليد للبيئة‬
‫كالطــن مثــال (الصــورة ‪ .)69‬وهكــذا‪ ،‬بإجيــاز‪ ،‬لقــد كــر‬ ‫العقــود والقبــاب يف املبــاين احلديثــة واملنــاداة باســتخدام‬
‫اإلسالمية يف الشكل ولكن ليس يف حركيات اختاذ القرار‪ .‬أمـا الصـورة‬
‫تــداول عبــارة «العــارة اإلســالمية»‪ .‬وأصبحــت ذات مفهــوم‬ ‫‪ 69‬فـهي من مـدينـة الـورزازات بـاملغـرب‪ ،‬وقـد استخدم الطن يف بناء‬ ‫ـون الناتــج عــارة‬
‫األفنيــة الداخليــة والطــرق غــر النافــذة ليكـ ِّ‬
‫متغــر حســب إدراك واهتــام املســتخدم للعبــارة؛ ولكــن يف‬ ‫هذا املـبى‪ .‬والصورة ‪ 70‬هي لسوق بالشـارقة‪ ،‬والصـورة ‪ 71‬ملبى سـكي‬ ‫إســالمية (الصــور ‪ 70‬إىل ‪ .)73‬والبعــض اآلخــر مــن املهندســن‬
‫العمــوم‪ ،‬العــارة اإلســالمية تعــي بالنســبة للمهنيــن دراســة‬ ‫بجـدة‪ ،‬والصـورة ‪ 72‬ألحـد مـداخل سـوق جـديـد بـوسط مـدينـة تونـس‪.‬‬
‫أكــر إدراكا وتركيــزاً عــي النواحــي االجتاعيــة واالقتصاديــة‬
‫والصـورة األخرة (‪ )73‬هي ملـبان عى طول طريق مبدينة إجدز جنويب‬
‫وتطويــر وتطبيــق األمنــاط واألفــكار البنائيــة القدميــة أو‬ ‫للبيئــة القدميــة واســتخدامات الفراغــات هبــا (الصــورة ‪ .)68‬فهم‬
‫املغرب‪ .‬مجيع هذه املحاوالت العمرانية لتأصيل املايض !!!‬
‫التقليديــة ‪5.traditional environment‬‬

‫‪68‬‬
‫وحيــث إن العــامل الغــريب يعتمــد عــى أنظمتــه االقتصادية‬
‫‪75‬‬ ‫‪69‬‬

‫والسياســية واإلداريــة يف تســير أمــوره‪ ،‬فقــد تبلــور للمهنــدس‬


‫واملخطــط مــن خــالل تصــارع هــذه العوامــل دور ذي‬
‫مســؤوليات حمــددة ومعروفــة يف إطــار تلــك النظــم‪ ،‬غــر أن‬
‫الوضــع خمتلــف بالنســبة للمســلمن‪ ،‬فالرشيعــة اإلســالمية‬
‫كإطــار ختتلــف عــن تلــك النظــم؛ لذلــك فــإن دور املهنــدس‬
‫واملخطــط يف العــامل اإلســالمي البــد وأن يكــون خمتلفـاً‪ .‬ولكــن‬
‫الــذي حــدث هــو أن ذلــك الــدور الــذي تبلــور يف الغــرب‬
‫نقــل كــا هــو إىل العــامل اإلســالمي‪ ،‬متامــا كشــجرة تنبــت يف‬
‫‪76‬‬
‫منطقــة اســتوائية ونقلــت وغرســت يف منطقــة صحراويــة! هــل‬ ‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫تعيــش؟ لــي تعيــش البــد مــن تكييــف املحيــط الصحــراوي‬
‫إىل اســتوايئ‪ ،‬وهــذا مــا فعلــه املخططــون ومتخــذو القــرارات!‬
‫إهنــم ك ّيفــوا جمتمعاهتــم لتالئــم مهنتهــم املســتنبطة مــن جمتمعات‬
‫أخــرى حتــت شــعار التطــور ودون علمهــم بأهنــم ســحبوا‬
‫جمتمعاهتــم إىل كــوارث اقتصاديــة واجتاعيــة وبيئيــة! ولقــد‬
‫ســاعد عــى هــذا االجتــاه بعــض الباحثــن وذلــك بإثبــات وجــود‬
‫التخطيــط يف املــدن اإلســالمية باملفهــوم الغــريب‪ ،‬وبالتــايل إثبات‬
‫ـي أعنــاق النصــوص‪ ،‬فكــم‬ ‫ِ‬
‫دور املخطــط واملهنــدس وذلــك بـ َ ِّ‬
‫إن صور هـذه الصفـحة والـتي تليهـا أمثلة لـلمبـاين غـر االعتيـاديـة التي‬ ‫قرأنــا وســمعنا عــن ختطيــط بغــداد والكوفــة‪ .‬ولكن ماهــو دور‬ ‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫ركـز عليهـا دارسـو العارة اإلسالميـة كاملسـاجد واملـدارس والقصور‪.‬‬ ‫املخطــط يف تلــك املــدن اإلســالمية؟ ومــا معــى كلمــة ختطيــط‬
‫فـالصورة ‪ 74‬هي ملـدرسة يف اجلـزائر‪ ،‬والصـورة ‪ 75‬هي للجامع اجلـديد‬
‫يف ذلــك الوقــت؟ وهــل نجحــت تلــك املــدن أم أهنــا تعارضــت‬
‫بـاجلزائر أيضاً‪ .‬أمـا الصورتـان ‪ 76‬و ‪ 77‬فها من القـاهرة‪ :‬األوىل لـصـحن‬
‫جـامـع ابن طـولــون والثــانيــة يف الصفحة التالية هي للــواجهـة‬ ‫مــع تلــك املجتمعــات وفشــلت؟ فالبــد مــن اإلجابــة عــى هــذه‬
‫األســئلة أوال قبــل احلديــث عــن دور املهنــدس واملخطــط‪6.‬‬
‫اخلارجـية ملـسجد الـسلطـان قلوون‪ .‬أمـا الصـورة ‪ 78‬يف الصفحة التالية‬ ‫ً‬
‫فهي للـجامـع الكبر بـاألسكـودار باسـطنبـول (رسم الـرسام ألـوم)‪.‬‬
‫فكا تـرون فـإن هذه املـباين ومثـيالهتا يف العـامل اإلسالمي ذات القـباب‬ ‫أمــا بالنســبة للعــارة‪ ،‬فعنــد دراســة تاريــخ العــارة يركــز‬
‫واألقـواس هي الـتي طـبعت يف أذهـان الكـثر مـن النـاس مفهــوم العارة‬ ‫املعاريــون عــى املبــاين اهلامــة مثــل املــدارس والقصــور‪،‬‬
‫اإلسالمية وذلك لركيز البـاحثن عليها‪ .‬ولكن ملاذا يركز الباحـثون عى‬ ‫كمدرســة الســلطان صالــح نجــم الديــن بالقاهــرة وقــر‬
‫هذه املـباين ويستـنبطون منهـا عرباً لتطبق يف مياديـن معارية أخـرى‬
‫احلمــراء بغرناطــة‪ .‬وهــذه املبــاين ميكــن تســميتها باملبــاين‬
‫كاإلسـكان مع اختالف املـساكن التقليديـة عن هذه املعامل األثـرية‬
‫ال)‪.‬‬
‫(كأعـال األستاذ حسن فتحي مث ً‬ ‫اخلالــدة ‪ monumental‬أو املعــامل التارخيية (الصــور ‪ 74‬إىل ‪،)81‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬
‫معظم مباين البيئة مبان اعتياديـة كاملساكن‪ .‬فصور هذه الصـفحة والتي تليها‬ ‫ـت لرمــز إىل عظمــة حاكــم أو دولــة مــا‪ ،‬أو حتــي لنــا‬‫وقــد ُب ِنيـ ْ‬ ‫‪80‬‬ ‫‪77‬‬
‫(من ‪ 82‬إىل ‪ )86‬تظهر معـامل بنائية كـاملساجد حماطـة باملـساكن‪ .‬الحـظ‬
‫تاريــخ حضــارة مضــت‪ ،‬فهــي بعظمــة مظهرهــا وحســن بنائهــا‬
‫النسـبة بن الـنوعن‪ .‬فـالصــورة ‪ 82‬من طنجـة‪ ،‬و ‪ 83‬جلـامع الـزيتـونـة‬
‫بـتـونس‪ ،‬والـصورة ‪ 84‬للرياض القدمية (املصدر‪ :‬م‪ .‬عي الشعيبي) والـصورة‬ ‫حتمــل لنــا ولألجيــال القادمــة رســائل عــن تلــك احلضــارات‪.‬‬
‫‪ 85‬يف الصفحة التالية جلامع القـروين مبراكش‪ ،‬والصورة ‪ 86‬مـن املوصل‪،‬‬ ‫لذلــك فهــي ُب ِن ْ‬
‫يــت لتكــون مبــاين فــوق اعتياديــة؛ علــاً بــان‬
‫وتـشر مجيع الصـور لقلة املعـامل األثريـة باملـدينة مقـارنة باملباين االعتيادية‪.‬‬ ‫هــذه املبــاين ماهــي إال جــزء بســيط مــن البيئــة العمرانيــة يف‬
‫‪82‬‬ ‫ذلــك الوقــت‪ ،‬فالغالبيــة العظمــى مــن البيئــة العمرانيــة تتكــون‬
‫مــن مبــاين عاديــة (الصــور ‪ 82‬إىل ‪ .)86‬وبدراســة هــذه املعــامل‬
‫التارخييــة قــام بعــض املهندســن واملخططــن باســتنباط أُ ُســس‬
‫العــارة والتخطيــط اإلســالمي‪ .‬ومــن هــذه االســتنباطات‬
‫االعتقــاد الســائد واخلاطــئ أن البيئــة تنتظــر مــن يصممهــا مــن‬
‫املهندســن ألن تلــك املعــامل التارخييــة صممهــا مهندســون؛‬ ‫‪78‬‬
‫ولكــن يف الواقــع‪ ،‬البيئــة التقليديــة مل تعتمــد يف نشــأهتا عــى‬
‫ختصــص العــارة أو التخطيــط ولكــن عــى أســس وضعتهــا‬
‫الرشيعــة‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫ومتــى اتضحــت احلقيقــة الســابقة يتبلــور الســؤال‬
‫التــايل‪ :‬مــا الــذي نعرفــه كمهندســن وخمططــن عــن البيئــة؟‬
‫وماهــي املهــارات التــي نحتاجهــا وباســتطاعتنا تقدميهــا للبيئــة‬
‫العمرانيــة لرنفــع مــن نوعيتهــا وعطائهــا يف أطــر املفهــوم‬
‫اإلســالمي؟ بالنســبة للمهنــدس يف العــامل الغــريب فــإن هــذا‬
‫الســؤال مل يكــن ذات أمهيــة حتــى املــايض القريــب ألنــه تقبــل‬ ‫‪81‬‬ ‫‪79‬‬
‫البيئــة كــا هــي‪ ،‬ألن دوره يف املجتمــع كان تصميــم وبنــاء‬
‫جمموعــة مــن املنشــآت‪ .‬أي أن عــى املهنــدس أن يتعامــل مــع‬

‫‪84‬‬

‫كا يتضح اهتام عموم الدارسن باملباين غر السكنية من رسـوماهتم‪ .‬فتـجد‬


‫الكثر مـن الرسومـات التي تصف تلك املباين‪ .‬ورسوم هذه الـصفحة أمثلة عى‬
‫ذلك وهي من أيام اخلالفة العثانية‪ .‬فـالصورة ‪ 79‬هي رسم ملجمـع السليانية‬
‫بإسطنبـول (رسم ألـوم)‪ .‬والصورة ‪ 80‬هي لـساحة مسجد أيوب بإسطنبـول أيض ًا‬
‫(رسم بارتليت)‪ .‬أما الـصــورة ‪ 81‬فـهي الـفنــاء الــداخـي لنــزل أو خــان (رسم‬
‫بارتليت) بركيا‪ .‬الحظ أن مفردات العارة العثانية وبرغم أهنا تشبه مفردات‬
‫العارة اململوكية مثال‪ ،‬لكن االختالف بينها وبن العارة اليمنية واضح‪ .‬هذا يف‬
‫األشكال كالعنارص البنائية أو طريقة توفر املرافق‪ ،‬أما من حيث حركيات أو‬
‫آليات اختاذ القرار‪ ،‬فهنالك تشابه كبر بن معظم احلضارات اإلسالمية ما أدى‬
‫لتشاهبات قد ال ترى يف الشكل ولكن يف احلقوق ما يؤثر يف جودة العمران كا‬
‫سيأيت إن شاء الله‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬
‫ماهــو موجــود يف البيئــة ومــا هــو معطــى لــه مــن موقــع ورأس‬ ‫‪86‬‬ ‫‪85‬‬
‫إن صـور هاتن الـصفحتن تـشران إىل التـشابـه الكبر بن مبـاين‬
‫البيئة الـتقليـديـة‪ .‬فــالصـورة ‪ 87‬من الصفحة السابقة هي إلحـدى‬ ‫مــال للمــرشوع ومــا إىل ذلــك مــن معطيــات ومتطلبــات‪ .‬وهــذا‬
‫قـرى أفغانـستـان‪ ،‬فرى أطالل املـباين املـتشـاهبة بعـد أن دمرت أثنـاء‬ ‫ناتــج مــن اإلطــار الفكــري االشــرايك أو الــرأس مــايل‪ .‬حيــث‬
‫احلـرب‪ .‬والصـورة ‪ 88‬ملـراكـش‪ ,‬و ‪ 89‬ملـدينـة سفـرنبـولــو بركيـا‪. ،‬‬ ‫إن القــوى االقتصاديــة املتصارعــة يف أمتــه تــؤدي يف النهايــة‬
‫وبالـنسبـة لصـور هذه الصـفحة‪ ،‬فهي للـمديـنة املـنورة (‪ ،)90‬الحظ‬
‫تـشـابه واجهــات املبـاين عـى الطـريق‪ٔ .‬امـا الـصــور ‪ 91‬و ‪ 92‬و‬
‫إىل اســتئجار صاحــب املــرشوع للمهنــدس‪ .‬وعــى املهنــدس‬
‫‪( 93‬رسـم الــرســام ألـــوم) فهـي مـن إسطنبول عى مضيق البسفور‪.‬‬ ‫أن يقــوم بتصميــم وبنــاء أفضــل مــا ميكــن لذلــك املوقــع أو‬
‫وتالحظ التشابه بن املباين املختلفـة من حيث تفاصيل الـنوافذ‬ ‫املــرشوع دون االكــراث بتأثــر ذلــك عــى عمــوم املجتمــع‪.‬‬
‫واألسقف والربوزات إىل الطـريق‪ .‬والصـورة األخرة (‪ )94‬هي صـورة‬ ‫ال مئــات املاليــن‪،‬‬‫فــإذا كان املبلــغ املخصــص لبنــاء بنــك مثــ ً‬
‫علـويـة ملدينة طنجة من املغرب‪.‬‬
‫ال بــإن هــذا املبلــغ أكــر بكثــر‬‫فــإن املهنــدس لــن يثــر ســؤا ً‬
‫‪90‬‬ ‫ممــا هــو مطلــوب‪ .‬ولكــن حيــاول إن يبــي أفضــل مــا ميكــن يف‬ ‫‪88‬‬ ‫‪87‬‬
‫حــدود املبلــغ املرصــود‪ .‬ولــن يثــر املهنــدس املصمــم الســؤال‬
‫بــأن هــذا املبــى الفخــم ســيبى عــى حســاب مــوارد أخــرى يف‬
‫األمــة‪ .‬فاملهنــدس ال يفكــر يف البيئــة ككل‪ ،‬ولكــن يف مــا هــو‬
‫معطــى لــه ألنــه اعتــرب ذلــك مــن واجبــات غــره كاالقتصاديــن‬
‫واملرشعــن‪ .‬بينــا مل ولــن يتمكــن أولئــك املرشعــن بالتفكــر يف‬
‫ّ‬
‫البيئــة مــن كل جوانبهــا الفتقادهــم للمهــارات البيئيــة‪ ،‬فهنــاك‬
‫حلقــة مفقــودة‪ .‬ودور املهنــدس بالطبــع يف عاملنــا اإلســالمي‬
‫متأثــر مبــا هــو يف الغــرب‪ ،‬بســبب تقبــل املهنــدس البيئــة كــا‬
‫‪89‬‬
‫‪93‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪94‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬ ‫ففــي منــازل مكــة املكرمــة مثــال تســتخدم األخشــاب بكــرة‬ ‫هــي وإن اســتخدمها كمنبــع ألفــكاره أو كمصــدر النتقاداتــه‪.‬‬
‫يف الواجهــات رغــم نــدرة األخشــاب يف تلــك املنطقــة‪ ،‬بينــا‬ ‫أمــا يف هــذا الكتــاب فســرنكز عــى البيئــة العمرانيــة ذاهتــا‬
‫ال تســتخدم األخشــاب يف واجهــات منــازل األحســاء برغــم‬ ‫ونحــاول أن نعــرف مــا الــذي حيركهــا وحيكمهــا‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك‬
‫توفرهــا يف تلــك املنطقــة‪ .‬كــا تســتخدم الرواشــن اخلشــبية‬ ‫تتضــح لنــا املهــارات التــي جيــب أن نتعلمهــا لنســاهم يف الرفــع‬
‫يف واجهــات مبــاين مكــة املكرمــة وجــدة برغــم االختــالف‬ ‫مــن كفاءهتــا‪.‬‬
‫الشــديد بينهــا مــن حيــث الرطوبــة النســبية مناخي ـاً‪.‬‬ ‫وإذا قلنــا بــأن دراســة البيئــة القدميــة ســتوضح لنــا تراكــم‬
‫إن البحــث عــن اإلجابــة ملثــل هــذه األســئلة أدى إىل‬ ‫جتــارب األجيــال الســابقة‪ ،‬جيــب أن نتذكــر بــأن هــذه التجــارب‬
‫اقتناعــي باســتحالة فهــم البيئــة العمرانيــة دون االســتعانة‬ ‫هــي لشــعوب إســالمية ذات إمكانيــات اقتصاديــة وصناعيــة‬
‫بعامــل الزمــن يف فهــم البيئــة‪ ،‬وهــو مــا جيــب رشحــه قبــل‬ ‫خمتلفــة عــن إمكانياتنــا احلاليــة‪ .‬فالبيئــة العمرانيــة التقليديــة‬
‫‪99‬‬ ‫‪98‬‬ ‫البــدء يف موضــوع الكتــاب‪ .‬فمــن رصــد ‪ observation‬عنــارص‬ ‫هــي النتــاج النهــايئ ‪ end product‬لعمليــة تفاعــل بــن ثوابــت‬
‫البيئــة مــن حولنــا ملــدة كافيــة قــد تصــل إىل عــرشات الســنن‬ ‫كالرشيعــة واملنــاخ وبــن متغــرات كاإلمكانــات االقتصاديــة‬
‫أحيانـاً‪ ،‬سنســتنتج أن مجيــع عنــارص البيئــة متــر مبراحــل خمتلفــة‬ ‫والصناعيــة‪ ،‬لذلــك فمــن اخلطــأ بدهييــاً أن نرجــع إىل النتــاج‬
‫يف حياهتــا‪ .‬فالبيئــة متغــرة وليســت ثابتــة‪ ،‬وهــذا التغـ ّـر تدرجيي‬ ‫النهــايئ املبــي كاملســاجد واملســاكن والطــرق غــر النافــذة‬
‫كمصــدر إلغنــاء علــم العــارة احلديــث وطــرق تصميمــه كــا‬
‫إن التغر يف الـبيئة ٔامـر البـد مـنه‪ .‬ومالحظـة التغر قـد ال تكــون‬
‫مـتيـرة‪ ،‬ولـكن لـلتـغر آثــار قــد تــرى يف بعـض األحيـان‪ .‬فنـرى‬
‫يفعــل الكثــر مــن الباحثــن‪ ،‬وذلــك ألن املتغــرات قــد تغــرت‪.‬‬
‫يف الصـورة ‪ 95‬من تـازة أسفل النص آثار بـوابة قـد سدت بحـائط‪ .‬ويف‬ ‫فلــاذا ال يكــون الركيز عــى النظــم واملبــادئ ‪societal process‬‬
‫الصـورة ‪ 96‬يف الصفحة املقابلة من تـونس نـرى آثـار مـبنـى قـد هـدم‬ ‫التــي اتبعتهــا تلــك الشــعوب إلنتــاج هــذه املبــاين‪ ،‬مثــل مبــادئ‬
‫وحتـول مــوقعه إىل مــواقف للـسيارات‪ٔ .‬امـا الصـورة ‪ 97‬فهي ملنـزل باخلرب‬
‫الشــفعة والوراثــة أو مبــدأ »ال رضر وال رضار« الــذي أخــذ بــه‬
‫بـبالد احلرمن وتــرى فيهـا آثـار عــدة تغرات‪ :‬فقــد أضيف دور جـديـد‬
‫لـلمبنـى‪ ،‬وبنيت الـرشفة لـتضم للـدار‪ ،‬وبنيت غـرفة ذات نافـذة وباب يف‬ ‫أجدادنــا للحكــم عــي جــواز إخــراج روشــن أو بنــاء ســباط‬
‫‪101‬‬ ‫‪100‬‬ ‫موقع الكراج األصي يف الدور األريض عى ميـن الصــورة‪ .‬والصـورتـان‬ ‫ومــا إىل ذلــك مــن أمــور بيئيــة بــدل الركيــز عــى البيئــة املبنيــة‬
‫‪ 98‬و ‪ 99‬مهـا لنـفس املـبنـى‪ ،‬فــالصـورة األوىل تـوضح إضـافـة جـزء‬ ‫أو املنتــج النهــايئ ‪built environment‬؟ ثــم يــأيت الســؤال‪ :‬وماذا‬
‫جـديــد للمـبنـى‪ ،‬والثانية ترينا املبى بعد اإلضافة‪ .‬فال يرى التغير هنـا‬
‫عــن تلــك النظــم واملبــادئ‪ ،‬أمل تتغــر هــي األخــرى؟ أقــول‪:‬‬
‫ألن آثـاره قــد أزيلت بــاستخـدام نفـس مـواد الـبنـاء وطريقة التصميم‬
‫عند إحداث التغير‪ .‬وقـد تكـون مالمح الـتغر واضحـة أحيـانـاً أخـرى‬ ‫هــذا مــا ســنحاول تقصيــه يف هــذا الكتــاب‪.‬‬
‫إذا مـا حـاول الـدارس اكـتشـافهـا‪ .‬فـالصـورتـان ‪ 100‬و ‪ 101‬مهـا لنفس‬ ‫ســؤال آخــر‪ ،‬إذا نظرنــا إيل البيئــة التقليديــة نالحــظ‬
‫املـبى بالرياض ولـكن يف وقتن خمتـلفن‪ ،‬فاألوىل تـرينا هدم حوائط جزء‬
‫من الدور األريض لتحويل املسكن ملحل جتـاري‪ ،‬والثـــانيــة تــرينا‬
‫أن مبــاين منطقــة مــا متشــاهبة متامــا مــن حيــث مــواد البنــاء‬
‫الــدور األريض بعد الـتغـير‪ .‬والصورة ‪ 102‬ملنزل قد حتول إىل مستوصف‬ ‫والواجهــات ومواقــع األماكــن داخــل املنــزل مثــل املجالــس‬
‫للهالل األمحر ببالد احلرمن باخلرب وذلك بـإزالة السـور اخلـارجي للـمبنـى‬ ‫واملطابــخ ودورات امليــاه‪ ،‬أي أن كل منطقــة هلــا منطهــا املميــز‬
‫وإجـراء بعـض التعـديـالت داخله‪ .‬والصـورة ‪ 103‬تـوضح كراجـاً قد‬
‫هبــا ‪( distinct type‬الصــور ‪ 87‬إىل ‪ .)94‬وهــذا النمــط خيتلــف‬
‫حوله صاحبه إىل غرفة يف نفس املدينة (اخلرب)‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪102‬‬ ‫مــن منطقــة إىل أخــرى‪ ،‬فمبــاين مكــة املكرمــة مثــال تشــتهر‬
‫‪95‬‬ ‫بكــرة الفتحــات املغطــاة بالرواشــن عــى الواجهــات‪ ،‬وأمــا‬
‫الريــاض فمعروفــة بقلــة فتحاهتــا عــي الواجهــات رغــم تشــابه‬
‫املنــاخ يف املنطقتــن‪ .‬ملــاذا هذا التجانــس البيئــي ‪homogeneous‬‬
‫‪ environment‬يف كل منطقــة؟ واإلجابــة دامئــا‪ :‬هــي األعــراف‬
‫‪ .conventions‬ولكــن كيــف نشــأت هــذه األعــراف وتبلــورت؟‬
‫ملــاذا ا ّتبــع ســكان وب ّنــاؤو مدينــة مــا نفــس األعــراف؟ الكثــر‬
‫يعتقــدون بــأن اإلجابــة تكمــن يف العوامــل املناخيــة ومــواد‬
‫البنــاء! وهــذا كــا أثبتــت الدراســات غــر مقنــع إىل حــد مــا‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬
‫‪107‬‬ ‫ب) غريــزة التطويــر وإظهــار الــذات لــدي البــرش‪ :‬هــذه‬ ‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬
‫واجهــة رخاميــة ُتغطــي الواجهــة احلجريــة القدميــة‪ ،‬واحلديقــة‬
‫أضيــف هلــا مســبح‪ ،‬واملحــل التجــاري تغــرت واجهته اخلشــبية‬
‫إىل زجاجيــة وهكــذا‪.‬‬
‫ج) تقــدم تكنولوجيــا البنــاء‪ :‬مثــال عــى ذلــك انتشــار‬
‫التكييــف املركــزي ليحــل مــكان التكييــف الالمركــزي‪،‬‬
‫والتوصيــالت البالســتيكية لتأخــذ مــكان املعدنيــة‪.‬‬
‫ال يف‬
‫تغــر البيئــة املحيطــة‪ :‬بعــد بنــاء مستشــفى مثــ ً‬
‫د) ّ‬
‫منطقــة مــا فــإن املبــاين املحيطــة بــه تتأثــر وتتحــول بعضهــا‬
‫‪108‬‬
‫إىل عيــادات أو صيدليــات‪ ،‬أو ظهــور منطقــة صناعيــة بالقــرب‬ ‫تبعـاً لتغــرات أخرى‪ ،‬لذلــك ال يالحظه عمــوم الدارســن‪ .‬مثال‪،‬‬
‫مــن منطقــة ســكنية ممــا يؤثــر عــى بعــض الوحــدات الســكنية‬ ‫كــراج الســيارة حيولــه مالكــه إىل حمــل جتــاري‪ ،‬والرشفــة تبــى‬
‫املجــاورة‪.‬‬ ‫ثــم تضــم للمنــزل‪ ،‬واملنــزل يتحــول إىل مســتوصف‪ ،‬والشــقة إىل‬
‫ه) تغــر الوضــع االقتصــادي‪ :‬هــذه جمموعــة عوائــل‬ ‫عيــادة طبيــة‪ ،‬والشــارع الســكي إىل شــارع جتــاري‪ ،‬وظهــور‬
‫وقســمته إىل‬
‫اضطــرت للســكن يف منــزل واحــد لقلــة دخلهــا ّ‬ ‫أحيــاء ســكنية ومناطــق صناعيــة جديــدة‪ ،‬أو منــو بعــض املــدن‬
‫وحــدات أصغــر‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬ ‫أو ظهورهــا (الصــور مــن ‪ 95‬إىل ‪ .)106‬وختتلــف العنــارص يف‬
‫تغــر املبــاين واألحيــاء (معاريــاً)‪،‬‬ ‫البيئــة مــن حيــث رسعــة التغــر‪ ،‬فشــكل الرصيــف يف الشــارع‪،‬‬
‫تلــك بعــض عوامــل ّ‬
‫تغــر يف الركيبــة االقتصاديــة‬ ‫ومواقــع األشــجار‪ ،‬وأعمــدة الكهربــاء قــد تتغــر أرسع مــن‬
‫أمــا املــدن (ختطيطيــاً) فــإن أي ّ‬
‫أو السياســية للمدينــة أو الدولــة ســتؤدي إىل تغيــر أو ظهــور‬ ‫املبــاين‪ ،‬واملبــاين قــد تتغــر أرسع مــن الشــوارع‪ ،‬فقــد هتــدم‬
‫‪109‬‬
‫مناطــق جديــدة أو حتــى مــدن جديــدة‪ ،‬وهــذا معــروف‬ ‫تغــر يف اجتــاه الشــارع وعرضــه‪.‬‬‫مبــان وتضــاف أخــر دون ّ‬
‫ومســلم بــه لــدى املخططــن فــال داعــي للخــوض فيــه‪ ،‬فقــد‬ ‫وتغــر الشــوارع بالطبــع أرسع مــن تغــر مواقــع املــدن‪ ،‬فهنــاك‬
‫ظهــرت مدينــة العــارش مــن رمضــان مبــر ومدينــة اجلبيــل‬ ‫‪106‬‬ ‫مــدن تســتحدث وتنمــوا‪ ،‬وهنــاك مــدن هتجــر وتندثــر‪ ،‬وهــذا‬
‫الصناعيــة ببــالد احلرمــن‪.‬‬ ‫التغيــر أبطــأ مــن تغــر اجتــاه الشــوارع وتغــر وظائفهــا مــن‬
‫ال (الصــور ‪ 107‬إىل ‪ .)117‬أي أن منــو البيئــة‬‫ســكي لتجــاري مثـ ً‬
‫إن العوامــل الســابقة باإلضافــة إىل الكثــر مــن العوامــل‬
‫وتغرهــا ظاهــرة حتميــة ومســتمرة لعــدة أســباب منهــا‪:‬‬
‫ّ‬
‫التــي ال ميكــن حرهــا هنــا حتتــم علينــا تقبــل ظاهــرة »تغـ ّـر‬
‫ومنــو البيئــة املســتمر« والتــي ســتؤدي إىل تغيــر الركيــب‬ ‫أ) تغــر متطلبــات املــالك‪ :‬فمنهــم مــن زاد عــدد أفــراد‬
‫العمــراين للمدينــة‪ ،‬وبالتــايل إىل مضاعفــات يصعــب التعامــل‬ ‫أرستــه وأراد إضافــة حجــرة أو أكــر ملنزلــه‪ ،‬ومنهــم مــن قــل‬
‫معهــا مثــل زيــادة احلمــل عــى البنيــة األساســية ‪infrastructure‬‬ ‫ـزءا مــن‬
‫عــدد أفــراد أرستــه كــزواج ابنتــه وأراد أن يؤجــر جـ ً‬
‫إن التغر خيـتلف من عنر آلخـر من حيث الـرعة‪ ،‬ففي‬ ‫منزلــه وعليــه تقســيم املنــزل‪ .‬هــذا ليــس تغـ ّـر يف عــدد أفــراد‬
‫الصـور ‪ 107‬و ‪ 108‬و ‪ 109‬ملـبنـى من تـونـس نــرى أنه من‬
‫كازديــاد الطلــب عــى خطــوط اهلاتــف اآليل أو رضورة تغيــر‬
‫أنابيــب الــرف الصحــي باملدينــة الســتيعاب زيــادة الكثافــة‬ ‫تغــر يف العالقــات بــن أفــراد األرسة‬
‫األرسة فحســب‪ ،‬ولكــن ّ‬
‫الطـبيعي أن تتغـر األشجار بـرعة أكثـر من غرهـا‪ ،‬ففي‬
‫ال أضـيفت بعض األشجار للواجـهة اليمى ثم‬ ‫هذا املبى مث ً‬ ‫الســكانية‪ .‬والرشيعــة اإلســالمية تعاملــت مــع هــذه الظاهــرة‬ ‫والــذي يتطلــب تغيــر املنــزل‪.‬‬
‫زرعت أشجـار أخـرى يف اجلهـة الـيرى‪ ،‬أو قـد يكون‬
‫(التغــر والنمــو) بحكمــة عجيبــة اإلتقــان‪ ،‬بينــا رضب‬
‫بناء عى أقدمية الصور‪.‬‬
‫العكس ً‬ ‫الصورة ‪ 104‬أعى الصفحة من الـقاهرة ألحد مباين مرشوع إسكان‬
‫املهندســون واملخططــون العريــون هبــذه احلكمــة عــرض‬
‫وقـد قام كل ساكن ببعض التغيرات ال سيا يف الواجهة‪ .‬والصورتان‬
‫احلائــط‪ ،‬إضافــة إىل جتاهلهــم لفكــرة التغـ ّـر والنمــو لصعوبــة‬ ‫الرأسيتان (‪ 105‬و ‪ )106‬مها جلامع احللفاوين بـتـونـس‪ ،‬وتـرى‬
‫التعامــل معهــا‪.‬‬ ‫الـتغـر يف عـرض الــرصـيف ومـن ثـم استخدامه كمقاعد ملقهى مما‬
‫غر من شكل الطريق‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫نلحظ يف الصورتن ‪ 110‬و ‪ 111‬يف الصفحة السابقة تغرات يف عنـارص‬
‫‪114‬‬
‫فهــل ظاهــرة التغيــر والنمــو عشــوائية؟ أم هــل ميكننــا‬ ‫‪110‬‬
‫ال‬
‫الشارع‪ :‬فقـد حتولت صفـوف األشجار عى يسـار الطريق األيـر مث ً‬
‫من صفـن إىل صف واحد وتغر بـذلك عرض الطريق‪ .‬ويف الصورتن ‪112‬‬ ‫توقــع تغـ ّـر العنــارص يف البيئــة؟ إن معظم املعارين واملهندســن‬
‫و ‪ 113‬من طنجة نرى تغر ًا بسيطاً بن الصورتن علاً ٔان الفارق بينها ٔاكر‬ ‫تالفــوا التنبــوء بالت ّغــر وبالتــايل مل يتعاملــوا مــع البيئــة مــن‬
‫من مثانن عاما‪ ،‬والتغر هو إضافة سور للمبى األمين‪ .‬فهـذه مبان أثرية‬ ‫هــذا املنطلــق وذلــك ألن مهمــة املهنــدس تنتهــي باالنتهــاء مــن‬
‫وال تتغر برعة‪ .‬لكن إن كان الرصد للعمران ملئات السنن‪ ،‬ففي الغالب‬
‫سيتغر املبى يف االستخدام إن مل يتغر يف الشكل‪ ،‬فالكثر من مباين مدينة‬
‫تشــطيب املبــى‪ ،‬وألن املبــى يتأثــر يف تغــره بعوامــل متغــرة‪.‬‬
‫اسطنبول تغرت يف االستخدام من مدرسة مثال إىل مستوصف‪ .‬ففي الصورة‬ ‫أمــا املخططــون ومتخــذو القــرارات البيئيــة مثــل رؤســاء‬
‫العليا اليرى يف الصفحة السابقة كلية العارة بجامعة السلطان حممد‬ ‫البلديــات فــإن وضعهــم أســوأ ألن تنبؤاهتــم املســتقبلية تعتمــد‬
‫الفاتح الوقفية والتي كانت ثكنة عسكرية ثم حمكمة ثم كلية عارة‪ .‬ثم يف‬ ‫عــي عوامــل كثــرة ومتغــرة ومســتقبلية وخــارج ســيطرهتم‪،‬‬
‫الصورة حتتها نرى كنيسة يف قربص الركية قد حوهلا املسلمون إىل مسجد‪.‬‬
‫مثــل االقتصــاد والسياســة والتصنيــع؛ فوضعهــم أســوأ ألن‬
‫‪115‬‬ ‫منطلقهــم األســايس هــو أن باســتطاعتهم فهــم هــذه العوامــل‬
‫لتوفــر فــرص العمــل‪ .‬وعندمــا ســكن هــؤالء مــع أقارهبــم يف‬ ‫‪111‬‬
‫ال‪ ،‬خيططــون إلنشــاء مدينــة مــا‪،‬‬‫التــي تؤثــر يف منــو البيئــة‪ .‬فمثـ ً‬
‫نيودهلــي ارتفــع عــدد الســكان ممــا أدى إىل إربــاك مــروري ألن‬
‫ـاء عــى دراســات‬ ‫أو يســرون املدينــة لتتطــور باجتــاه معــن بنـ ً‬
‫عــال وموظفــي املــدن اجلديــدة دامئــي التنقــل مــن وإىل املدينــة‬
‫مســتفيضة‪ ،‬ثــم يثبــت غــر ذلــك؛ كــا حــدث يف املثــال‬
‫األم‪ ،‬وهــذا أدى إىل ظهــور طبقــة اجتاعيــة اقتصاديــة جديــدة‬
‫املشــهور مــن مدينــة نيودهلــي حيــث تــم ختطيــط وبنــاء مــدن‬
‫تعتمــد يف دخلهــا عــى نقــل هــؤالء العــال‪ .‬ومــن الطبيعــي أن‬
‫صناعيــة صغــرة ومثاليــة خــارج نيودهلــي جلــذب الســكان‬
‫يكــون هلــذه الطبقــة تأثــرات أخــرى عــى املدينــة وهكــذا‪.‬‬
‫إليهــا وذلــك لتخفيــف كثافتهــا الســكانية؛ والــذي حــدث هــو‬
‫وســنمر عــى أمثلــة مشــاهبة يف عاملنــا اإلســالمي‪7.‬‬
‫العكــس‪ ،‬فســكان املــدن اجلديــدة فضلــوا الســكن يف نيودهلــي‪،‬‬
‫وهنــاك أمــر آخــر يلتمــس املخططــون األعــذار للدفــاع‬ ‫باإلضافــة إىل جــذب هــذه املــدن اجلديــدة لســكان األريــاف‬
‫عنــه‪ :‬وهــو أن هنــاك ظواهــر اجتاعيــة واقتصاديــة خفيــة‬
‫‪116‬‬ ‫مصاحبــة لبعــض الوظائــف ال يدركهــا املخططــون إال بعــد‬ ‫‪112‬‬
‫ال‬
‫اختــاذ القــرار املضــاد هلــذه الوظائــف‪ .‬ففــي القــرى مثــ ً‬
‫جيتمــع النســاء عنــد مصــادر امليــاه كاآلبــار ويتبادلــن احلديــث‪،‬‬
‫وقــد تشــتي امــرأة لصديقتهــا ســوء معاملــة زوجهــا هلــا‪،‬‬
‫ثــم ختفــف عليهــا صديقتهــا وتعظهــا بتحمــل زوجهــا‪ .‬هــذه‬
‫الوظيفــة االجتاعيــة ومثيالهتــا انتهــت يف القــرى التــي اســتبدل‬
‫فيهــا نظــام توزيــع امليــاه التقليــدي بنظــام شــبي مــن األنابيــب‬
‫وبــدون التفكــر يف إحــداث بديــل هلــذه املتطلبــات االجتاعية‬
‫ألن أمهيــة دورهــا مل يكــن ظاهــراً للمخططــن؛ والنتيجــة هــي‬
‫‪117‬‬ ‫إن من أهم ظواهر البيئة منـوها‪ ،‬وهذا أمر ال مفر منه يف معظم األحوال‪،‬‬ ‫‪113‬‬
‫فالحظ التغر يف الشاطئ بن الصورتن ‪ 114‬و ‪ 115‬من الرباط‪ ،‬فقد‬
‫ظهرت مبان جديدة‪ .‬ويف الصورتن ‪ 116‬و ‪ 117‬من طنجة الحظ أن‬
‫هناك تغرات كبرة حدثت حول البـوابـة يف وسط الصورة‪ .‬فـقد بنيت‬
‫مبان جديـدة عى مين الصورة بجانب البوابـة‪ ،‬وأضيف مبنـى بالساحة‪،‬‬
‫هذا بـاإلضافة إىل تغر تنسيق الساحة متاماً‪ .‬ودراسة مثل هذه التغرات‬
‫متكننا من فهم الركيب العمراين سياسيا واقتصاديا‪ .‬وبالطبع فإن الركيبة‬
‫السياسية يف املجتمع متأثرة باحلقوق‪ ،‬ومنها احلقوق العمرانية‪ ،‬وهذا ما‬
‫سيحاول توضيحه هذا الكتاب إن شاء الله‪ .‬أي أن الرشيعة أبدعت يف‬
‫إجياد حقوق تؤدي باستمرار ألعى كفاءة عمرانية للتعامل مع التغير دومنا‬
‫هدر‪ .‬مبثل هذه احلركيات احلقوقية تتحقق االستدامة‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬
‫‪124‬‬ ‫اإلنســانية‪ .‬وبــدون هــذه اللمســة فلــن ُتــرى املدينــة ولــن‬ ‫‪118‬‬ ‫اهنيــار اجتاعــي‪ 8.‬ومــن األمثلــة املشــهورة هــو مــا حــدث‬
‫حتيــا‪ .‬فاملدينــة احليــة هــي التــي يشــارك مجيــع الســكان يف اختــاذ‬ ‫يف املكســيك ومدينــة شــاندجيار باهلنــد حيــث أن الدراســات‬
‫قراراهتــا مــع مــرور الزمــن كــا ســرنى الحق ـاً‪ ،‬وليــس فقــط‬ ‫أشــارت إىل أن مــا يبيعــه الباعــة املتجولــون مــن مأكــوالت‬
‫يف بنــاء كل ســاكن لقطعــة أرضــه ولكــن يف ختطيطــه للمدينــة‬ ‫يســاعد عــى نقــل األمــراض‪ .‬فبــدل القيــام بتوعيــة هــؤالء الباعة‬
‫أيضـاً‪ .‬وقــد يقــول البعــض بــأن هــذا مســتحيل؛ فأقــول إن هــذا‬ ‫املتجولــن قامــت الســلطات مبنعهــم وبنــت األســواق هلــم ومل‬
‫مــا فعلتــه الرشيعــة‪ .‬وقــد يقــول آخــرون‪ :‬إن املــدن املخططــة‬ ‫تســعهم مجيعـاً؛ ولكــن تبــن بعــد منعهــم أن هلــؤالء الباعــة دور ًا‬
‫ناجحــة‪ .‬فأقــول‪ :‬كــم رصف عــى ختطيطهــا وبنائهــا وكــم‬ ‫اجتاعيـاً و اقتصاديـاً قويـاً‪ :‬فهــم ينقلــون األخبــار بــن الزبائن‬
‫ســيرف عــى صيانتهــا؟ أي هــل هــذا نجــاح أم أنــه اســتنزاف‬ ‫وكأهنــم شــبكة اتصــاالت؛ باإلضافــة إىل أهنــم شــبكة توزيــع‬
‫ملــوارد املســلمن؟ فبنفــس هــذه املبالــغ ميكــن عمــل الكثــر‬ ‫جتاريــة كــربى جلميــع املنتوجــات وليــس املــواد الغذائيــة فقط‪،‬‬
‫والكثــر واألفضــل إذا رصفــت هــذه املبالــغ بحكمــة الرشيعــة‪.‬‬ ‫بــل وبأقــل التكاليــف ألهنــم يكتفــون بكســب رزقهــم اليومــي‬
‫كــا أن املــدن التــي خططــت مثــل اخلــرب ببــالد احلرمــن قــد‬ ‫دون حتمــل مصاريــف إضافيــة مثــل إجيــارات املحالت وماشــابه‬
‫‪125‬‬ ‫‪119‬‬

‫دبــت فيهــا احليــاة ليــس بســبب التخطيــط‪ ،‬ولكــن مبســامهة‬ ‫ذلــك‪ .‬وعنــد منعهــم مــن مزاولــة مهنتهــم أصبحــوا عالــة عــى‬
‫الســكان يف بنائهــا وإعطائهــا تلــك اللمســة اإلنســانية‪ .‬أي أن‬ ‫جمتمعاهتــم لفقرهــم؛ وكانــت النتيجــة االقتصاديــة وخيمــة‬
‫عامــل الزمــن ســاعد عــى إحــداث التعديــل املطلــوب‪ .‬أي أن‬ ‫عــى املدينــة‪ 9.‬لذلــك فــإن اقراحــات املخططــن وقــرارات‬
‫التغيــرات واإلضافــات الصغــرة والكثــرة مثــل بنــاء منــزل أو‬ ‫املســؤولن تتطلــب مراجعــات دامئــة للمعلومــات البيئيــة ومــن‬
‫متجــر والتــي قــام هبــا الســكان أعــاد إىل املدينــة احليــاة‪ .‬وهــذه‬ ‫ثــم تعديــالت مســتمرة للقــرارات املتخــذة ســالفاً‪ .‬وأي إضافــة‬
‫احليويــة عــى مســتوى املبــاين طغــت عــى ســوء التخطيــط‪،‬‬ ‫أو تعديــل ختطيطــي إمنــا هــو يف الواقــع تصحيــح لقــرار ســابق‬
‫وإال لكانــت املــدن املخططــة ميتــة كاملــدن األخــرى املكتملــة‬ ‫وخاطــئ‪ ،‬أو تعديــل لقــرار ســابق لتغـ ّـر الظــروف املؤثــرة يف‬
‫البنــاء‪.‬‬ ‫ذلــك القــرار‪ .‬ولذلــك تكــر نظريــات التخطيــط‪ ،‬وســتظهر‬
‫الصـورة ‪ 118‬يف الصفحة السابقة هي ملـرشوع إسكــان بتـونــس‪ ،‬والصـورة‬ ‫‪122‬‬ ‫‪120‬‬ ‫نظريــات جديــدة يف الســنن القادمــة لتخطــئ النظريــات‬
‫‪ 119‬ملــرشوع إسكــان آخـــر من مـــدينـــة اجلبـيل الــصنـــاعيــة‬ ‫احلاليــة وهكــذا‪ 10.‬والواقــع هــو أن فهــم البيئــة والتخطيــط هلــا‬
‫ببالد احلرمن‪ ،‬والصـورة ‪ 120‬ملـرشوع إسكـان بـالـدار البـيضــاء‪ .‬الحظ‬ ‫أمــر شــبه مســتحيل ألي فكــر بــرشي؛ والرشيعــة اإلســالمية‬
‫املـسوولـة عن‬
‫ٔ‬ ‫التطـابق بن واجهات ومبـاين كل مرشوع وذلك ألن اجلهة‬
‫أبدعــت يف هــذا املجــال‪ .‬وقــد تتســاءل أخــي القــارئ‪ :‬ولكــن‬
‫تـصميـم وتنفيـذ هذه األحـياء اختـذت مجيع القــرارات بنفـسهــا ومل ترك‬
‫منها شيئا للـسكـان‪ .‬وهكذا معظم إن مل تكن مجيع مشاريع اإلسكان‪.‬‬ ‫املــدن احلاليــة ناجحــة ختطيطيــا‪ ،‬واملــدن القدميــة غــر منظمــة‪.‬‬
‫وحتـى يعـطي املهنـيون هـذه األحيـاء نوعـاً من احلـيويـة فهم يقـومون يف‬ ‫ت خطــأه يف الكتــاب إن شــاء اللــه‪.‬‬ ‫فأقــول‪ :‬هــذا مــا ســيث ُب ُ‬
‫العادة بإجياد فراغات وواجهات خمتلفـة من مبى آلخر أو من حي آلخر‪ ،‬إال‬
‫أن التطـابق اململ بن املبـاين والفراغات مسألة ال ميكن تالفيها ألن مـتخذي‬ ‫ومل يكتــف املخططــون واملهندســون بالتخطيــط فقط أو‬
‫القرارات هم جمموعة صـغرة من األفـراد وهلـم قيم حتـدد اإلطـار الـذي هـم‬ ‫ـدى ذلــك إىل بنــاء مــدن بكاملهــا‬ ‫بنــاء بعــض املبــاين‪ ،‬ولكــن تعـ ّ‬
‫فيه‪ .‬فـكيف ميـكننـا إذاً الـوصـول لبيئة ذات ملسـات إنسـانيـة تعكـس قيم‬ ‫وبجميــع احتياجاهتــا مــن منــازل ومــدارس‪ ،‬وحتــى تأثيــث‬
‫األفراد الـساكنـن وليس قيم أولئك املصممن هلا؟ هذا ما حياول هذا الكتاب‬
‫املنــازل يف بعــض احلــاالت (الصــور ‪ 118‬إىل ‪ .)120‬وكــا هــو‬
‫توضيحه‪ .‬وفقط لتزدادوا قناعة لننظر للصور التالية‪ .‬ففي الصورة ‪ 121‬أسفل‬
‫معــروف فــإن هــذه املــدن املكتملــة البنــاء دامئــة الكآبــة وبــال‬
‫‪123‬‬ ‫‪121‬‬
‫الصفحة السابقة من قرية جومايل كيزيك خارج بورصة‪ ،‬نرى مالكا يف وضع‬
‫مايل وبرغم صعوبته إال أنه حياول أن يستقر بتلبية طلبات منزله من الداخل‬ ‫حيــاة يف مجيــع أنحــاء العــامل‪ .‬لقــد حــاول املصممــون إدخــال‬
‫ال عى حساب واجهة املنزل‪ ،‬وبالتدريج بدل دفع اإلجيار يزداد متكينا ليكمل‬ ‫أو ً‬ ‫احليــاة إىل هــذه املــدن عــن طريــق بنــاء مبــان خمتلفــة األشــكال‬
‫بناء داره‪ ،‬وكذلك احلال مع مالك الدار يف الصورة ‪( 122‬يف هذه الصفحة) من‬
‫والواجهــات وإضافــة املالعــب لألطفــال والنــوادي للكبــار‬
‫نفس القرية‪ .‬وبالتدريج سيتحسن حال املالك والذي قد يبي منزال يشبه يف‬
‫إتقانه املنزل يف قربص الركية يف الصورة ‪ 123‬أو كا يف الصورة ‪ 124‬يف نفس‬ ‫ومــا شــابه ذلــك‪ ،‬حتــى ال يشــعر الســكان بامللــل (الصورتــان‬
‫القرية الركية‪ .‬حتى أن اإلتقان قد يصل إىل حال املنازل املراصة ببورصة يف‬ ‫‪ 18‬و ‪ .)19‬إال أهنــم أمهلــوا أمهيــة إرشاك الســاكن يف عمليــة‬
‫الصورة ‪ 125‬والتي تستخدم كمحالت بيع اآلن‪ .‬أي أن هذا الكتاب سيوضح‬ ‫البنــاء وتقريــره بنفســه ملــا يريــد‪ ،‬ومل ُيتيحــوا لــه الفرصــة‬
‫احلقوق التي ستدفع الناس للمزيد من التمكن‪ .‬وهكذا مع باقي املباين كا‬
‫سيأيت إن شاء الله‪.‬‬
‫يف اختــاذ قــراره‪ .‬والنتيجــة هــي مــدن تفتقــر إىل اللمســة‬

‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬
‫‪129‬‬ ‫وأرجــو أن ال ُيفهــم مــن هــذه املقدمــة بأنــي أحــاول‬
‫التشــكيك يف حاجــة املجتمــع املســلم إىل املهنــدس أو املخطــط‪،‬‬
‫بــل عــى العكــس‪ ،‬فنحــن بأمــس احلاجــة هلــم ولكــن ليــس‬
‫بالــدور الــذي يقومــون بــه اآلن‪ .‬كــا أود أن أوضــح ملتخــذي‬
‫القــرارات البيئيــة خطــورة قراراهتــم وكيــف أهنــم أســاؤوا‬
‫اســتخدام دورهــم حتــت شــعار التنظيــم‪ ،‬وال أدل عــى ذلــك‬
‫مــن مناهــج علــم التخطيــط التــي تــدرس يف اجلامعــات العربيــة‬
‫واإلســالمية دون وعــي ملتطلبــات جمتمعاهتــم‪.‬‬
‫وأخــراً أقــدم يف هــذا الكتــاب املــادة العلميــة لــكل مــن‬
‫هيمــه أمــر البيئــة إلقناعــه بأمهيــة دراســة الرشيعــة ودورهــا‬ ‫‪126‬‬
‫‪128‬‬ ‫‪130‬‬ ‫يف العمــران؛ وســأرشح بعضــا مــن طــرق دراســة البيئــة لدعــوة‬
‫فقهائنــا األجــالء لالجتهــاد وذلــك القتناعــي مبــا قالــه كثــر مــن‬
‫املفكريــن بــرورة فتــح بــاب االجتهــاد‪ ،‬وذلــك لــرد غربــة‬
‫الرشيعــة إىل احليــاة املعــارصة‪ 9.‬فهنــاك عزلــة بــن حياتنــا‬
‫العمرانيــة ورشيعتنــا‪ .‬وكفــى علــاء الرشيعــة املعــارصون‬
‫اختصــارا ملؤلفــات الســلف ريض اللــه عنهــم‪ ،‬أو رشحــا لكتبهــم‬
‫أو جتميعــا ملــا تفــرق مــن علومهــم دون ربطهــا بالواقــع أو‬
‫تصحيح ـاً ملســار خاطــئ؛ فهنــاك الكثــر والكثــر ممــا ينتظــر‬
‫‪131‬‬ ‫‪127‬‬
‫علاؤنــا املعارصيــن‪ .‬فالتنافــر بــن واقعنــا احلــايل مــن متطلبــات‬
‫وكتــب الرشيعــة عــى أرفــف املكتبــات متــزق قلــب كل مــن‬
‫يفكــر يف مســار األمــة اإلســالمية‪ .‬فأنــا عــى ثقــة مــن أن هــؤالء‬
‫الذيــن يفكــرون‪ ،‬وبرغــم حتقيقهــم لطموحاهتــم الشــخصية‬
‫ووصوهلــم إىل مراتــب رفيعــة‪ ،‬إال اهنــم يعيشــون حيــاة كئيبــة‬
‫ألن جمتمعاهتــم تعــاين مــن مضاعفــات هــذا التنافــر مــن ضيــاع‬
‫ومتــزق‪ ،‬ممــا ترتــب عليــه ضيــاع األمــة اإلســالمية‪ .‬فالبــد‬
‫مــن إيقــاظ العقــول‪ ،‬فــإن تــم هــذا فالعــز آت‪ ،‬وإال فالغربــة‬
‫مســتمرة والشــتاء طويــل والليــل حالــك والضيــاع أشــد‪،‬‬
‫والحــول وال قــوة إال باللــه‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫‪132‬‬
‫ال من املهي‪ .‬وكا سرنى بإذن الله‪ ،‬ستراكم التجارب العمرانية‬
‫خمتلفة تتطلب ح ً‬ ‫نرى أعى هذه الصفحة الصورة رقم ‪ 126‬ملنزل يف بورصة وقد بلغ مرحلة من‬
‫ليأيت البناؤون ويستقون منها العرب ويطوروهنا‪ .‬وهكذا من دورات بن الناس‬ ‫اإلتقان الذي يعرب عن متكن مالكه‪ ،‬أي أن منطا بنائيا بتنفيذ راق قد حتقق‪ .‬فهنا‬
‫واملهنين الذين يتفاعلون معهم ألن الرشيعة تدفع للتفاعل باملشورة فتزداد مثال‬ ‫نرى ما قد حيدث لألمناط البنائية من تطور من مسامهات السكان ألن الرشيعة‬
‫املقرنصات إتقانا كا يف الصورة ‪ 129‬من اجلامع األخر يف بورصة والصورة ‪130‬‬ ‫تدفع إليه‪ .‬هي مسامهات السكان كا يف الصورة ‪ 127‬والتي توضح طريقا يف‬
‫ملحراب اجلامع والصورة ‪ 131‬ملرشبية من قربص الركية‪ .‬فربغم اإلرساف املنهي‬ ‫قرية تركية كل ما فيها من مجال هو نتاج ملسات إنسانية من قرارات السكان‬
‫عنه يف املساجد‪ ،‬إال الركيز هنا عى التقنية وليس مكان استخدامها‪ .‬وقد يقول‬ ‫الذين يعيشون يف املوقع ويعرفون كل إشكاالته وجيدون احللول املناسبة هلا‬
‫باحث‪ :‬ما الذي مييز املدينة اإلسالمية عن املدن األخرى التي مل ختطط؟ فها‬ ‫ليكون املنتج النهايئ هبذا املستوى من اجلال‪ .‬أما الصورة ‪ 128‬من قرية جومايل‬
‫هي فينسيا (الصورتان ‪ 132‬و ‪ )133‬هبا ساباطات وطرق غر نافذة؟ اإلجابة‪ :‬نعم‬ ‫كيزيك بالقرب من بورصة التقلدية يف أعى يسار الصفحة املقابلة فرينا حماوالت‬
‫هنالك تشابه بن مدن ما قبل احلداثة‪ ،‬لكن هنالك حركيات يف الرشيعة تؤدي‬ ‫وبرغم ضعف حال السكان املادي إال أهنم حياولون استحداث بيئة إنسانية ما‬
‫لركيبة عمرانية تسحب عموم البيئة ملا هو أعى جودة كا سرنى إن شاء الله‪.‬‬ ‫كرب الصورة وانظر إىل املواسر التي ستوضع يف حاالت‬ ‫سيؤدي لرفع مهاراهتم‪ّ .‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪38‬‬
40
‫الفصل األول‬

‫حـر ِ‬
‫ك ّية البيئة‬
‫طريقــة توزيــع األثــاث يف املنــزل‪ .‬أي أن البيئــة قــد تــؤدي‬ ‫َ‬
‫إىل رصاع بــن األفــراد املشــاركن يف تكوينهــا‪ .‬ولتــاليف هــذا‬
‫ــى البيئــة وتنمــو وتتغــر بواســطة‬ ‫مــن البدهــي أن ُت ْب َ‬
‫الــراع‪ ،‬تطــورت األعــراف واألنظمــة التــي تبلــور تسلســل‬
‫األفــراد واملؤسســات؛ ومــن البدهــي أيضــاً أن هــؤالء األفــراد‬
‫اختــاذ القــرارات البيئيــة‪ ،‬والتــي مــن خالهلــا يتمكــن األفــراد‬
‫أو املؤسســات يترفــون حســب الظــروف املحيطــة هبــم‪ ،‬أو‬
‫مــن معرفــة ماهــو مســموح وحمظــور عليهــم عملــه ومــا هــي‬
‫حتــت ضغــوط عوامــل كثــرة‪ ،‬اجتاعيــة واقتصاديــة‪ .‬ولكــن‬
‫حقــوق عقاراهتــم‪ .‬وهــذا هــو املقصــود بـــ «حركيــة البيئــة»‪.‬‬
‫عنــد قيــام هــؤالء األفــراد أو املؤسســات بالبنــاء أو اهلــدم‬
‫وحركيــة البيئــة هــذه بالطبــع تتأثــر مبذاهــب املجتمعــات‬ ‫لعنــارص البيئــة‪ ،‬فهــم يتحركــون داخــل أطــر جمتمعاهتــم مــن‬
‫الفكريــة ‪ ideologies‬ومــا للفــرد مــن حقــوق ومــا عليــه مــن‬ ‫أنظمــة وقوانــن وأعــراف‪ ،‬وقــد يصطدمــون مــع هــذه األنظمــة‬
‫ال‪ ،‬يف جمتمــع مــا قــد ال يكــون للفــرد احلــق‬ ‫واجبــات‪ .‬مثــ ً‬ ‫أو األعــراف أو مــع أفــراد آخريــن يشــاركوهنم يف الســيطرة‬
‫يف االعــراض عــى رئيــس البلديــة أو املشــاركة يف اختــاذ‬ ‫ال‪ ،‬قــد يواجــه شــخص معارضــة اجلــران عنــد‬ ‫عــى البيئــة‪ .‬فمثـ ً‬
‫قــرارات تؤثــر يف تركيــب املدينــة‪ ،‬ويف جمتمعــات أخــرى قــد‬ ‫ٍ‬
‫حتويــل منزلــه لنــاد‪ ،‬أو قــد متنعــه البلديــة عنــد إضافــة دور‬
‫يكــون لعمــوم الســكان االعــراض عــى مــا يقــرره املجلــس‬ ‫ـان‪ ،‬ورئيــس البلديــة قــد تقيــده القوانــن أو املوازنــة املاليــة أو‬‫ثـ ٍ‬
‫البلــدي‪ .‬ومــن البدهــي أيضـاً أن هــذه األنظمــة متأثــرة بعوامــل‬ ‫معارضــة الســكان مــن إضافــة منشــأ جديــد يف املدينــة‪ ،‬أو قــد‬
‫كاالجتاعيــة واالقتصاديــة والسياســية واجلغرافيــة؛ وهنــاك‬ ‫يفــرض مســؤول يف الدولــة أنظمــة ختطيطيــة وبنائيــة حديثــة‬
‫الكثــر مــن األبحــاث التــي تــدرس هــذه العوامــل‪ .‬والــذي‬ ‫تؤثــر يف املدينــة أو قــد تصطــدم رشكــة مــع الدولــة يف حتقيــق‬
‫أعتقــده هــو أن دراســة هــذه العوامــل دون الركيــز عــى‬ ‫أهدافهــا االســتثارية وهكــذا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فيمكننــا تصــور البيئــة‬
‫حركيــة البيئــة لــن يرينــا كثــراً يف فهــم البيئــة‪ .‬فبعــد دراســة‬ ‫كحلبــة أو مــرح ألفــراد ومؤسســات حكوميــة أو خاصــة‬
‫احلركيــة‪ ،‬ميكننــا التعمــق يف هــذه العوامــل‪ .‬لذلــك‪ ،‬وحتــى ال‬ ‫قــد خيتلفــون يف قيمهــم وبالتــايل قــد يتنازعــون أو يتفقــون‪،‬‬
‫تتعقــد األمــور‪ ،‬ســنتالىف هــذه العوامــل‪ ،‬ونركــز عــى حركيــة‬ ‫ومــن ثــم ُي ْصــدرون أو ُتصــدر هلــم القوانــن ويســيطرون‬
‫البيئــة كإطــار ‪ framework‬واحــد جيمــع هــذه العوامــل حتــت‬ ‫عــى بعضهــم البعــض مــن خــالل هــذه القوانــن‪ .‬فاجلامعــة قــد‬
‫مظلتــه‪.‬‬ ‫تســيطر عــى الشــوارع داخــل حرمهــا اجلامعــي أو قــد تقــوم‬
‫البلديــة بذلــك‪ ،‬والوالــد أو الوالــدة أو كالمهــا يســيطران عــى‬

‫‪41‬‬
‫‪2.1‬‬ ‫غــر أن هــذا التفســر االجتاعــي فقــط ال يســاعدنا‬ ‫‪ )2‬أمــا املقصــود بتوزيــع األعيــان يف البيئــة‪ ،‬فهــو دراســة‬ ‫ثروات األمم‬
‫كثــر ًا يف فهــم حركيــة البيئــة‪ .‬وهنــاك تفســر آخــر ســيتضح‬ ‫أماكــن تواجدهــا‪ .‬ملــاذا هــذه العــن هنــا وليســت هنــاك؟‬
‫أيــن هــي ثــروات األمــم ومصادرهــا؟ إهنــا كامنــة يف‬
‫يف الفصــول القادمــة ويكمــن يف حركيــة البيئــة‪ ،‬وهــو األهــم‬ ‫ومــن الــذي قــرر هــذا؟ لنأخــذ األشــجار كمثــال‪ :‬ففــي املــدن‬
‫ممتلكاهتــم أو أعياهنــم (مجــع عــن) امللموســة‪ .‬فهــذا الكتــاب‬
‫ال واحــداً (أخــي‬ ‫بالنســبة لنــا‪ .‬ولتوضيــح ذلــك ســأرضب مثــا ً‬ ‫التقليديــة نجــد أن غالبيــة األشــجار متواجــدة يف األفنيــة‬
‫الــذي بــن يديــك‪ ،‬وأثــاث وســقف وحوائــط هــذه الغرفــة‪،‬‬
‫القــارئ‪ ،‬أرجــو أن تركــز عــى هــذا املثــال‪ ،‬فهــو أســايس إلدراك‬ ‫الداخليــة وحدائــق العقــارات اخلاصــة‪ ،‬مثــل املنــازل والقصــور‬
‫وأســالك ومصابيــح ذاك املبــى‪ ،‬وأشــجار تلــك احلديقــة‪،‬‬
‫أمهيــة حركيــة البيئــة)‪ :‬إذا حصــل ســكان قريــة مــا حتتــاج إىل‬ ‫واملــدارس؛ بينــا تنــدر يف األماكــن العامــه كالشــوارع‬
‫وواجهــات املبــاين املجــاورة‪ ،‬وأعمــدة كهربــاء ومواســر‬
‫األشــجار عــى مئــة شــجرة وعــدد ســكاهنا أربعائــة نســمة‪،‬‬ ‫(الصــور ‪ 1.1‬إىل ‪ .)4.1‬هــذا خــالف املدينــة احلديثــة‪ ،‬حيــث أن‬
‫جمــاري املدينــة‪ ،‬كلهــا عنــارص ملموســة أو أعيــان‪ :‬أي أن‬
‫فأيــن سيغرســها الســكان؟ إذا غرســت يف الطــرق العامــة للقرية‬ ‫نســبة األشــجار يف املناطــق العامــة مثــل الســاحات والشــوارع‬
‫العــن كل عنــر مــادي ملمــوس يشــغل حيــزاً يف البيئــة‪.‬‬
‫فسيســتفيد منهــا املــارة‪ ،‬وإذا غرســت يف حديقــة وايل القريــة‬ ‫مرتفعــة (الصــورة ‪ .)5.1‬وهنــاك تفســرات كثــرة هلــذا‬
‫حتــى الفراغــات مــن حولنــا فهــي مكونــه مــن أعيــان؛ فالغرفــة‬
‫‪3.1‬‬ ‫فسيســتفيد منهــا الــوايل فقــط‪ ،‬وإذا وزعــت عــى أهــل القريــة‬ ‫االختــالف‪ :‬أحدهــا‪ ،‬وهــو تفســر اجتاعــي واألكــر شــيوعاً‬
‫ال توجــد إال باحلوائــط‪ ،‬والشــارع حمــدد باملبــاين‪ ،‬والطريــق‬
‫فســيكون نصيــب كل أربعــة مــن الســكان شــجرة واحــدة‪،‬‬ ‫بــن الباحثــن‪ :‬هــو أن احلضــارة اإلســالمية تنظــر إىل األرسة‬
‫مرصــوف باحلجــارة‪ ،‬وامللعــب بــه مدرجــات‪ ،‬واملطــار بــه‬
‫وســيتفاوت بذلــك الســكان يف نصيبهــم‪ :‬فمنهــم مــن حصــل عــى‬ ‫ـر (اخلصوصيــة) والبعــد عــن أنظــار املتطفلــن‪،‬‬ ‫السـ ْ ْ‬
‫مــن حيــث ّ‬
‫طائــرات‪ .‬إذاً‪ ،‬ثــروات األمــم مركــزة يف أعياهنــا‪ .‬مــاذا عــن‬
‫شــجرة واحــدة يف داره ومنهــم مــن حصــل عــى عــرش شــجرات‬ ‫ولذلــك وفــرت كل شــيئ لإلنســان داخــل بيتــه‪ .‬هــذا عــى‬
‫املروفــات األخــرى مثــل التعليــم والصحــة؟ هــي أيضــاً‬
‫بنــاء عــى عــدد ســكان املنــزل‪ .‬وسيســتفيد يف هــذه احلالــة‬ ‫ً‬ ‫عكــس احلضــارة الغربيــة التــي تدعــو إىل االختــالط‪ ،‬فــال بــأس‬
‫أعيــان‪ .‬فمروفــات التعليــم هــي مبــاين وطــاوالت ومعــدات‬
‫عمــوم ســكان القريــة مــن األشــجار يف منازهلــم وحيرمــون منها‬ ‫عنــد الغربيــن مــن اســتخدام احلدائــق العامــة جمتمعــن‪ ،‬لذلــك‬
‫ورواتــب ومكافــآت؛ والرواتــب ألفــراد‪ ،‬واألفــراد بحاجــة‬
‫يف طرقهــم‪ .‬وقــد يتفــق الســكان عــى توزيــع األشــجار عــى‬ ‫كــرت األشــجار يف املناطــق العامــة‪.‬‬
‫إىل األعيــان مــن أثــاث وملبــس ومــأكل ومــرشب‪ 1.‬لذلــك‪ ،‬إذا‬
‫مجيــع فراغــات القريــة مــن منــازل وشــوارع وبنســب متفاوتة‪،‬‬
‫‪1.1‬‬ ‫ال‪ ،‬وتوزيعهــا أو أماكــن تواجدهــا‬ ‫درســنا حــاالت األعيــان أو ً‬
‫مثــل أن ُيطلــب مــن رب كل منــزل أن يغــرس نصف أشــجاره‪ ،‬أو‬
‫يف البيئــة مــن حولنــا ثاني ـاً‪ ،‬فبإمكاننــا املســامهة يف الرفــع مــن‬
‫شــجرة واحــدة عــى األقــل يف فنــاء داره (فنــاء الدار هــو املنطقة‬
‫عطــاء البيئــة وتوفــر ثــروات املســلمن لتســخرها يف أعيــان‬
‫املالصقــة للمنــزل أو العقــار يف الطريــق) والباقــي يف ســاحة‬
‫‪4.1‬‬ ‫أخــرى‪ .‬هاتــان املســألتان (حالــة العــن ومكانــه) قــد ال تبدوان‬
‫داره‪ .‬عــى العمــوم‪ ،‬لــكل حالــة مــن احلــاالت الســابقة مرتبــات‪:‬‬
‫مهمتــن لركيــب البيئــة‪ ،‬وباألخــص يف املجتمعــات الريــة؛‬
‫ولكــن مــن دوهنــا لــن ُتفهــم البيئــة‪ ،‬ومهــا املصــدر للخالفــات‬
‫واالتفاقــات بــن األفــراد‪ ،‬واألفــراد واملؤسســات يف املجتمــع؛‬
‫إن من أهم مميزات البيئة التقليدية تواجد معظم أعياهنا داخل‬ ‫كــا أن مجيــع األنظمــة العمرانيــة تــدور حوهلــا‪ ،‬أي أهنــا‬
‫العقارات اخلاصة كاملنازل والقصور‪ ،‬أو االستخدامات املحددة‬ ‫أساســيتان حلركيــة البيئــة‪.‬‬
‫كاملدارس واملساجد‪ .‬أما يف البيئة املعارصة فهي العكس متاماً‪،‬‬
‫فالكثر من ثروات املجتمع تستثمر يف املناطق العامة كالساحات‬ ‫‪ )1‬املقصــود بحالــة العــن هــو االهتــام هبــا أو إمهاهلــا‪.‬‬
‫والطرق‪ .‬لنأخذ األشجار كمثال‪ :‬ففي الصورة ‪ 1.1‬من سفرنبولو‬ ‫ال‪ ،‬االهتــام هبــا قــد يعــي إيقافهــا يف‬
‫ففــي حالــة الســيارة مث ـ ً‬
‫بركيا تالحظ عدم وجود األشجار يف الشارع رغم أن املنطقة‬ ‫أماكــن مظللــة صيفـاً وإصالحهــا حــال ســاع صــوت غريــب‬
‫زراعية‪ .‬ويف الصورة ‪ 2.1‬من تونس والصورة ‪ 3.1‬من بوسعادة‬
‫‪5.1‬‬ ‫مــن حمركهــا‪ ،‬وإمهاهلــا قــد يعــي تأخــر موعــد تغيــر زيوهتــا؛‬
‫باجلزائر تالحظ أن رؤوس األشجار تظهر من املنازل‪ ،‬فهي‬
‫ليست يف الطرق‪ .‬ويف الصورة ‪ 4.1‬من بسكرة باجلزائر تالحظ‬ ‫وبالنســبة للمنــزل فقــد تعــي تغيــر أنابيــب الــرف بــه عنــد‬
‫أن مجيع األشجار داخل البساتن واملنازل‪ ،‬وذلك برغم توفر‬ ‫احلاجــة حتــى ال تتــرب امليــاه إىل احلوائــط وتتلفهــا‪ ،‬وإمهالــه‬
‫املاء بالطريق‪ .‬أما الصورة ‪ 5.1‬من تونس احلديثة فريكم كرة‬ ‫قــد يعــي عــدم االكــراث بــه عنــد احلاجــة إىل لياســته؛ أمــا‬
‫األشجار يف الشارع مقارنة باملباين املحيطة‪ .‬فلاذا إذاً هذا‬
‫التناقض؟‬
‫بالنســبة للشــجرة فقــد يعــي االهتــام هبــا اســتخدام الربــة‬
‫املناســبة هلــا واملواظبــة عــى رهيــا وقــص أوراقهــا؛ واالهتــام‬
‫بالطريــق قــد يعــي عــدم إلقــاء الفضــالت بــه ورصفــه وغــرس‬
‫األشــجار عــى جانبيــه‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪42‬‬
‫ففــي احلالــة األوىل عندمــا تغــرس األشــجار يف الطــرق العامــة‬
‫(شــكل ‪ ،)1.1‬قــد ُيطالــب أهــل القريــة بــري هــذه األشــجار؛‬
‫الشكل‬ ‫الشكل‬ ‫الشكل‬ ‫وإذا كان هلــذه األشــجار مثــار فاملســتفيد يف هــذه احلالــة هــم‬
‫‪3.1‬‬ ‫‪2.1‬‬
‫أهــل القريــة مجيعـاً‪ ،‬وعليهــم أن يقطفــوا الثمــر‪ ،‬وهــذا يتطلــب‬
‫‪1.1‬‬

‫جمهــوداً لتحديــد وتوزيــع نصيــب كل فــرد مــن الــري والثمــر‪.‬‬


‫ولتــاليف اخلالفــات‪ ،‬فرمبــا يكلفــون أشــخاصاً منهــم للقيــام‬
‫بذلــك مقابــل أجــر معلــوم‪ .‬أمــا يف حالــة غــرس األشــجار يف‬
‫ســاحات املنــازل (شــكل ‪ ،)2.1‬فــإن مســألة توزيــع الثمــر وري‬
‫ـداء‪ ،‬فلــن تنجــم خالفــات‪ ،‬ولــن ُيكلِّــف‬
‫الشــجر قــد ُحلــت إبتـ ً‬
‫ري الشــجر ومجــع الثمــر وتوزيعــه عــى أهــل القريــة شــيئاً؛‬
‫أي أن هــذا احلــل هــو األفضــل اقتصاديـاً‪ .‬ولكــن يف هــذه احلالــة‬
‫ســتبقى طــرق القريــة مــن غــر أشــجار (الصــور ‪ 6.1‬إىل ‪.)8.1‬‬
‫ويف حالــة غــرس األشــجار يف أفنيــة الــدور وســاحات املنــازل‬
‫الصور الثالث اليمى السفلية توضح قلة أو حتى انعدام األشجار يف طرق املدينة التقليدية‪ .‬والصور هي لكل من تازة باملغرب (‪ )6.1‬وبوسعادة باجلزائر (‪)7.1‬‬ ‫األشكال الثالثة توضح ثالثة احتاالت خمتلفة لتوزيع األشجار كمثال‬ ‫(شــكل ‪ ،)3.1‬فــإن رب كل منــزل ســيقوم أيضــاً بــري شــجره‬
‫ومسجد سيدي عبد الرمحن باجلزائر أيضاً (‪ ،)8.1‬الحظ أن األشجار بداخل املسجد‪ .‬وعى النقيض من الطرق فإن ساحات الدور متيزت باهتام السكان‬ ‫لتوضيح كيفية احتال توزيع الروات‪ .‬وبالطبع فلكل احتال مآالت خمتلفة‬ ‫وقطــف مثــره يف حديقتــه وفنائــه (الصــور ‪ 9.1‬إىل ‪ ،)11.1‬ويف‬
‫واستثار األعيان هبا كاألشجار‪ .‬ففي الصورتن ‪ 9.1‬يف هذه الصفحة والصورة ‪ 10.1‬يف الصفحة التالية ترى فناءين داخلين ملبنين باجلزائر‪ ،‬ويف الرسمة ‪11.1‬‬ ‫اقتصاديا واجتاعيا وسياسيا‪ ،‬ذلك أن قرار التوزيع قرار سيايس عمراين ويتبع‬ ‫هــذه احلالــة قــد ال هيتم بعــض الســكان باألشــجار املغروســة يف‬
‫يف الصفحة التالية (رسم الرسام بارليت) ترى الفناء الداخي ملنزل تريك أيام اخلالفة العثانية‪.‬‬ ‫عقيدة اجلاعة الساكنة‪ .‬فأي هذه االحتاالت هو األفضل؟‬
‫أفنيتهــم ممــا قــد يــؤدي إىل جفــاف بعــض هــذه األشــجار‪ .‬أي أن‬

‫‪9.1‬‬ ‫‪8.1‬‬ ‫‪7.1‬‬ ‫‪6.1‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬
‫‪15.1‬‬ ‫أمــا مــن حيــث منظــر هــذه األشــجار مــن الناحيــة‬ ‫القريــة ســتفقد بعــض مواردهــا؛ ولــي تتجنــب القريــة ذلــك‪،‬‬ ‫‪10.1‬‬
‫اجلاليــة‪ ،‬فــإن كل توزيــع لألشــجار ســينتج عنــه تأثــر ومنظــر‬ ‫قــد توضــع بعــض األنظمــة لضبــط ترفــات هــؤالء األفــراد‬
‫خمتلــف‪ .‬وهنــاك احتــاالن متضــادان بينهــا احتــاالت كثــرة‪:‬‬ ‫مكونــة مــن‬
‫ممــا ســيؤدي إىل ظهــور طبقــة منظِّمــة مــن الســكان َّ‬
‫االحتــال األول هــو أن تغــرس مجيــع األشــجار يف الطــرق‬ ‫ال‪ .‬أو رمبــا حيــدث العكــس متامـاً‪ ،‬فقــد‬
‫كبــار أهــل القريــة مثـ ً‬
‫العامــة بــرك مســافات متســاوية بينهــا بحيــث تكفــي املئــة‬ ‫يقــوم الســكان بتوظيــف شــخص لــري هــذه األشــجار‪ .‬وقــد‬
‫شــجرة مجيــع شــوارع القريــة أو املدينــة (الصــورة ‪،)12.1‬‬ ‫ال ممــا يــؤدي إىل تلــف األشــجار‬ ‫يكــون هــذا املســؤول مهمــ ً‬
‫وقــد يــأيت هــذا القــرار مــن ســلطة مركزيــة كرئيــس البلديــة‪.‬‬ ‫يف الطــرق العامــة؛ وقــد ال يالحــظ الســكان ذلــك النشــغاهلم‬
‫شــجر ِه‬
‫ِ‬ ‫واالحتــال الثــاين هــو أن يقــوم كل ســاكن بغــرس‬ ‫بأمورهــم اخلاصــة؛ ومــن ثــم‪ ،‬فقــد يــوكّل بعضهــم بعضـاً ملراقبة‬
‫ويتخــذ قــراراً خمتلفــاً عــن جــاره بحيــث أن الناتــج النهــايئ‬ ‫هــذا املســؤول؛ أو قــد يتبلــور عــرف لــدى أهــل القريــة‬
‫‪16.1‬‬ ‫ال متجــاورة وخمتلفــة‪ ،‬فمنهــم مــن غــرس أربــع‬ ‫يكــون حلــو ً‬
‫ِّ‬ ‫لــري األشــجار يف الطــرق العامــة مثــل أن تقــوم كل عائلــة أو‬
‫‪11.1‬‬
‫شــجرات يف فنائــه القصــر ومنهــم مــن غــرس شــجرة واحــدة يف‬ ‫جمموعــة عوائــل متقاربــة بــري مجيــع األشــجار ملــدة شــهر أو‬
‫فنائــه الطويــل (الصورتــان ‪ 13.1‬و ‪ .)14.1‬واملهــم يف االحتــال‬ ‫فصــل مــن فصــول الســنة‪ ،‬أو رمبــا يقــوم أحــد األثريــاء بوقــف‬
‫األول هــو أن مــا قــرره رئيــس البلديــة هــو الــذي نُفــذ‪ .‬أي أن‬ ‫ـار وإجيــاره لتغطيــة نفقــات هــذه األشــجار‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬ ‫عقـ ٍ‬
‫ُــرض‬‫ــم ‪ values‬هــذا املســؤول أو مــا يــراه مناســباً قــد ف ِ‬ ‫ِ‬
‫ق َي َ‬ ‫يف كل حالــة مــن احلــاالت الســابقة ســتوجد مضاعفــات‬
‫عــى أهــل القريــة‪ .‬أمــا يف احلالــة الثانيــة فمجمــوع قــرارات‬
‫ال‪ ،‬قد يقــوم املوظف‬‫ماليــة واجتاعيــة ومجاليــة ووظيفيــة‪ :‬فمثـ ً‬
‫أهــل القريــة هــو الــذي نُــ ِّفذ‪ .‬ومــن الطبيعــي فــإن آراء النــاس‬
‫املســؤول برقــة وبيــع بعــض الثمــر ألهــل القــرى املجــاورة‪،‬‬
‫يف احلكــم عــى هــذه احللــول ســتختلف‪ :‬فمنهــم مــن يفضــل‬
‫أو رمبــا يزعــم أن ري األشــجار ُمكْلــف وعــى ســكان القريــة‬
‫النظــر إىل األشــجار وهــي مصفوفــة ومنتظمــة‪ ،‬لذلــك ســيفضل‬
‫زيــادة األجــر‪ ،‬أو قــد يــؤدي نظــام ري األشــجار يف الشــوارع‬
‫غرســها متباعــدة بالتســاوي يف مجيــع شــوارع القريــة أو املدينــة‬
‫إن الصورتن ‪ 15.1‬و ‪ 16.1‬لنفس الشارع يف الدار البيضاء‪ ،‬والفرق بينها‬
‫عــن طريــق الســكان أنفســهم إىل زيــادة تعــارف وتقــارب‬
‫(الصورتــان ‪ 15.1‬و ‪)16.1‬؛ ومنهــم مــن يفضــل تقارهبــا بانتظام‪،‬‬
‫عدة سنوات‪ .‬الحظوا منو النخيل يف الصورة الثانية والحظوا أيضاً تساوي‬ ‫الســكان ألن عليهــم أن جيتمعــوا ويتفقــوا عــى وســائل ري‬ ‫‪12.1‬‬
‫وســيفضل تركيزهــا يف ســوق القريــة أو شــوارعها الرئيســية؛‬
‫املسافات بن النخيل داللة عى أن الذي اختذ قرار املسافات بن النخيل هو يف‬ ‫هــذه األشــجار‪ ،‬وهبــذا يــزداد االتصــال بينهــم وهــذا ســيوثق‬
‫الغالب شخص واحد أو جهة مسؤولة واحدة وليس السكان‪ .‬فكم ستكلف‬ ‫ومنهــم مــن يعتقــد بــأن مجــال األشــجار يكمــن يف اختالفهــا‬
‫روابطهــم االجتاعيــة‪.‬‬
‫هذه النخيل صيانة طوال السنوات القادمة؟ وهل من األجدى استثارها كا‬ ‫يف التوزيــع‪ ،‬وأن رصهــا بانتظــام كصــف مــن اجلنــود إهانــة‬
‫يف الصورة أم يف التعليم؟‬
‫لطبيعتهــا ومجاهلــا‪ ،‬ولذلــك فهــو حيبــذ أن يقــوم كل ســاكن‬ ‫الصورة ‪ 12.1‬من مدينة صفاقس‪ .‬الحظ املسافات املتساوية بن األشجار‬
‫باختــاذ قــراره بنفســه‪.‬‬ ‫يف فناء املبى ويف الطريق‪ .‬والصورة ‪ 13.1‬من اخلرب ببالد احلرمن‪ ،‬والصورة‬
‫إن املثــال الســابق ومرتباتــه‪ ،‬ماهــو إال مثــل بســيط لعــن‬ ‫‪ 14.1‬من سفرنبولو من تركيا‪ .‬الحظ أن كال الساكنن قاما بزراعة فنايئ‬
‫واحــدة (الشــجرة) لتوضيــح تشــابك األمــور وأمهيــة دراســة‬ ‫ال جتــذب‬ ‫أمــا مــن الناحيــة الوظيفيــة فــإن لألشــجار ظــال ً‬ ‫دارهيا بطريقة خمتلفة‪ .‬ستلحظون برعة أن قرار موقع النباتات هل هو‬
‫أماكــن تواجــد األعيــان يف البيئــة‪ .‬وهــذا بالطبــع ينطبــق عــي‬ ‫وركــزت يف‬ ‫النــاس أينــا وجــدت‪ ،‬فــإن غُرســت األشــجار ُ‬ ‫من السكان أو من السلطات‪ .‬لكن لننتبه أن النباتات أحيانا إن كانت أفضل‬
‫وهي من وضع السلطات‪ ،‬فهي مكلفة جدا‪ ،‬ما يعي استنزاف موارد األمة‪،‬‬
‫مجيــع األعيــان األخــرى‪ .‬وكــا الحظنــا‪ ،‬فــإن الــذي أثــر يف‬ ‫وســط املدينــة فإهنــا ســتجذب األطفــال والرجــال إليهــا‪ ،‬وإن‬
‫بينا إن كان اإلتقان من الناس‪ ،‬فهو ممتع هلم وبنفقات أقل‪.‬‬
‫توزيــع األشــجار يف القريــة هــو حركيــة البيئــة‪ :‬كاالتفــاق‬ ‫ري حيــاة أهــل الــدار‪،‬‬ ‫غرســت داخــل املنــازل فإهنــا ســ ُت ْ ِ‬
‫‪14.1‬‬ ‫‪13.1‬‬
‫بــن جمموعــة مــن الســكان أو قــرار مســؤول البلديــة أو نظــام‬ ‫فبــدل أن يذهــب رب املنــزل أو االبــن إىل وســط القريــة فقــد‬
‫مفــروض مــن الدولــة‪ .‬فــإذا متــت معرفــة نقــاط الضعــف‬ ‫يفضــل البقــاء يف حديقــة داره للقيــام مبــا يلــزم لشــجره‪ .‬أي أن‬
‫والقــوة لــكل طريقــة مــن طــرق اختــاد القــرارات‪ ،‬ميكــن‬ ‫مواقــع األشــجار ســتؤثر عــى النشــاطات املختلفــة يف القريــة‬
‫للمجتمــع بعــد ذلــك حتســن بيئتــه‪ .‬لذلــك‪ ،‬فالســؤال هــو‪ :‬هــل‬ ‫جلذهبــا للنــاس‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ولــكل حالــة ســلبياهتا وإجيابياهتــا‪،‬‬
‫توجــد طــرق لقيــاس كفــاءة وعطــاء األعيــان يف البيئــة وأماكــن‬ ‫وباســتطاعة القــارئ التفكــر يف مضاعفــات أخــرى كثــرة قــد‬
‫تواجدهــا؟ وكيــف ميكننــا كمجتمــع االســتفادة القصــوى مــن‬ ‫ختتلــف عــا رشحتــه هنــا نظــرا الختــالف جتربتــه وتقييمــه‬
‫هــذه األعيــان؟‬ ‫لألمــور‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪46‬‬
‫ذلــك يف حياتنــا اليوميــة‪ .‬ملــاذا حتتــاج املناطــق العامــة لصيانــة‬ ‫وســي ْبهت لــوين الــرباق تدرجييـاً»‪ ،‬أو‪« :‬إن حالتــي تــزداد ســوءاً‬ ‫عمومـاً مــن منظــور املســؤولية‪ ،‬والــذي أعتقــده أنــه األســاس يف‬ ‫مــن دراســة البيئــة اســتنتجت أن حــاالت األعيــان‬
‫مســتمرة؟ ملــاذا ال تعيــش الســيارات التــي متلكهــا الدولــة كتلــك‬ ‫يومـاً بعــد يــوم ألنــي موضوعــة يف ردهــة هــذا الفنــدق‪ ،‬وكثــر‬ ‫إدراك مشــكالت البيئــة؛ وبــدون هــذا اإلدراك ســيظل مفهومنــا‬ ‫وأماكــن تواجدهــا وظاهــرة النمــو والتغــر (والتــي رشحــت‬
‫التــي ميلكهــا األفــراد؟ اإلجابــة عى مثــل هــذه األســئلة متعددة‪،‬‬ ‫ـي ويضعــون حقائبهــم الكبــرة فوقــي‪،‬‬ ‫مــن النــاس جيلســون عـ ّ‬ ‫للبيئــة ســطحياً‪ .‬أخــراً‪ ،‬ورغــم أن أغلــب فقــرات هــذا الكتــاب‬ ‫يف املقدمــة) وحركيــة البيئــة تعتمــد أساس ـاً عــى مقــدار متتــع‬
‫ولكــن بطريقــة أو بأخــرى تنتهــي مجيعــاً إىل املســؤولية‪،‬‬ ‫والبعــض اآلخــر مــن النــزالء ال مينعــون أطفاهلــم مــن القفــز‬ ‫عــن البيئــة التقليديــة‪ ،‬إال أن هــذا ليــس كتابــاً يف التاريــخ أو‬ ‫األفــراد باملســؤولية؛ وهنــاك عــدة منــاذج هلــذا التمتــع‪ .‬املثــال‬
‫فاملســؤولية مغروســة فينــا كبــرش‪ .‬وهنــاك مســؤوليات‬ ‫فوقــي بأحذيتهــم‪ ،‬وإذا مل أُصــن قريبــا فســيلقى يب خــارج‬ ‫الفقــه أو القانــون‪ ،‬ولكــن الفقــه والتاريــخ والقانون اســتخدموا‬ ‫التــايل ســيوضح بإذنــه تعــاىل املقصــود مــن املصطلــح منــاذج‬
‫خاصــة بنــا كأفــراد مثــل تنظيــف منازلنــا‪ ،‬وهنــاك مســؤوليات‬ ‫الفنــدق‪ ،‬إن مل أُلــق يف املحرقــة»‪ .‬إن مــا يشــغل األريكــة هــو‬ ‫يف مواضــع متعــددة لينــروا لنــا دراســة البيئــة‪.‬‬ ‫املســؤولية‪ :‬قــد نجــد يف عــارة ســكنية ضمــن مــرشوع‬
‫مشــركة كعــدم إلقــاء الفضــالت يف األماكــن العامــة‪ .‬فحيثــا‬ ‫أن ال هتمــل لــي ال متــوت؛ أي أهنــا تريــد العيــش فــرة أطــول‪.‬‬ ‫إســكان أحــد قطاعــات الدولــة أن صيانــة وتنظيــف املمــرات‬
‫نظرنــا نجــد آثــار اإلحســاس باملســؤولية أو فقداهنــا جمســدة يف‬ ‫وملعرفــة ذلــك جيــب أن يكــون الســؤال يف احلــوار عــن حالــة‬ ‫هــي مســؤولية ذلــك القطــاع احلكومــي‪ ،‬والــذي قــد يتعاقــد‬
‫األعيــان مــن حولنــا‪ .‬فهــذا كــريس لفصــل درايس يف اجلامعــة‪،‬‬ ‫العــن مبــارشة‪.‬‬
‫األعيان تتحدث‬ ‫ـون جهــازاً فني ـاً للقيــام بذلــك‪.‬‬‫مــع إحــدى الــرشكات‪ ،‬أو يكـ ّ‬
‫وملبــس بقــاش فاخــر‪ ،‬قــد أخــذه احلــارس ليجلــس عليــه عنــد‬ ‫إن أغلــب الدراســات البيئيــة (املعاريــة و التخطيطيــة‬ ‫عــى العمــوم‪ ،‬الــذي يقــوم بصيانــة املمــر هــو يف الغالــب جهــة‬
‫إذا ســألنا الشــارع‪« :‬كيــف حالــك؟» قــد جييــب‪« :‬كل‬
‫مراقبــة املبــى‪ ،‬وتركــه معرض ـاً ألشــعة الشــمس ليبــى يف وقــت‬ ‫وأحيان ـاً التقنيــة)‪ ،‬تعتمــد عــى حتاليلنــا وآرائنــا كبــرش نفكــر‬ ‫خارجيــة وليــس الســكان أنفســهم‪ .‬أ ّمــا إذا كان هــذا املمــر يف‬
‫عــي‬
‫ّ‬ ‫يشء طبيعــي إال أن بعــض الســكان يلقــون بفضالهتــم‬
‫قصــر (الصــورة ‪ .)17.1‬فهــذا احلــارس الــذي ال ميلــك الكــريس‬ ‫وذلــك للحكــم عــى نتائجهــا ألن هــذه الدراســات قــد تركــز‬ ‫عــارة ســكنية ميلكهــا فــرد يســكنها هــو وأبنــاؤه املتزوجــون‪،‬‬
‫وهــذا يســبب روائــح تزعــج املــارة ممــا ين ِّف ُرهــم ويقلــل مــن‬
‫قــد ال هيتــم مبصــر ذلــك الكــريس‪ ،‬بينــا املســؤول عنــه‪،‬‬ ‫عــى األفــراد‪ ،‬مثــل دراســة أعرافهــم وميوهلــم ومــن ثــم‬ ‫فــإن صيانــة هــذا املمــر قــد تكــون مــن واجبــات أبنــاء هــذا‬
‫اســتخدامي» أو قــد جييــب‪« :‬رصيفــي بــه بعــض التجويفــات‬
‫ال‪ ،‬منشــغل بأمــور أخــرى أكــر أمهيــة يف‬ ‫كعميــد الكليــة مث ـ ً‬ ‫تأثرهــم كأفــراد ومؤسســات يف البيئــة أو العكــس‪ ،‬أو أهنــا‬ ‫الرجــل وأرسهــم‪ .‬فنمــوذج املســؤولية يف احلالــة األوىل خيتلــف‬
‫والتــي تتجمــع هبــا ميــاه األمطــار ثــم تتــرب إىل أنابيبــي‬
‫نظــره‪ .‬مثــال آخــر‪ ،‬نالحــظ يف بعــض املســاجد أن قطع الســجاد‬ ‫ال‬
‫تركــز عــى اخللفيــة ‪ contextual‬االقتصاديــة أو التصنيعيــة مثـ ً‬ ‫عــن احلالــة الثانيــة‪ .‬ففــي احلالــة األوىل مســؤولية صيانــة املمــر‬
‫(أنابيــب شــبكة امليــاه) فتتــآكل»‪ .‬أخــرا‪ ً،‬إذا ســألنا جملــس‬
‫تتحــرك مــن مواضعهــا بعــض الــيء بســبب حركــة املصلــن‪،‬‬ ‫ملجتمعــات هــؤالء األفــراد‪ .‬وهنــاك نــوع آخــر مــن الدراســات‬ ‫ملقــاة عــى جهــة خارجيــة‪ ،‬أمــاّ يف احلالــة الثانيــة فهــي مــن‬
‫مــا‪« :‬ملــاذا أنــت كبــر يف مســاحتك؟» فاإلجابــة قــد ال تكــون‪:‬‬
‫ولذلــك جيــب تعديلهــا كل فــرة وأخــرى؛ فبــدل القيــام بذلــك‪،‬‬ ‫وهــو نوعــي وكمــي ‪ qualitative and quantitative‬كالركيــز‬ ‫واجبــات الســاكنن‪ .‬وإذا مــا تــم متليــك الشــقق الســكنية يف‬
‫«ألن الــذي يســتخدمي مســلم غــي»‪ ،‬أو حتــى‪« :‬ألن الــذي‬
‫فقــد يقــوم املســؤول عــن املســجد بتســمرها يف األرض‪ .‬والشــد‬ ‫عــى أشــكال ومقاســات األعيــان واألماكــن (مثــل املنــازل‬ ‫احلالــة األوىل للســكان أنفســهم (موظفــي ذلــك القطــاع) فــإن‬
‫يســتخدمي ذمــي غــي»‪ ،‬ولكــن قــد تكــون اإلجابــة‪« :‬لقــد‬
‫املســتمر عــى البســاط ســيمزقه مــن مواضــع التســمر‪ ،‬وهــذا‬ ‫والشــوارع والســاحات) وعالقاهتــا مــع بعضهــا‪ .‬غــر أن حتاليــل‬ ‫صيانــة املمــر ســتكون مســؤوليةً مشــركة بــن مســتخدمي‬
‫بنيــت هكــذا»‪ .‬أمــا إذا ســألناه عــن حالــه فقــد جييــب‪« :‬إن‬
‫بالطبــع ســيقلل مــن عطــاء البســاط عــى املــدى الطويــل‬ ‫واســتنتاجات مجيــع الدراســات الســابقة نســبية‪ ،‬ألهنــا تعتمــد‬ ‫ذلــك املمــر‪ ،‬وهــذا منــوذج ثالــث وخمتلــف بعــض الــيء عــن‬
‫الــذي يســتخدمي هيتــم يب ويعيــد طــاليئ ســنوياً» أو «إنــي‬
‫(الصــورة ‪ .)18.1‬ونــرى يف الصــورة ‪ ،19.1‬احلفــرة الصغــرة‬ ‫ـم الــدارس وخلفيتــه ‪ .subjective‬لكــن هنــاك طريقــة‬ ‫ِ‬ ‫الثــاين‪.‬‬
‫ســعيد ألنــي سأقســم إىل غرفتــن وســيتم طــاليئ بعــد ذلــك»‪.‬‬ ‫عــى ق َيـ ْ‬
‫بجانــب الشــجرة وهــي آثــار إمهــال عامــل الرشكــة املتعاقــدة‬ ‫أخــرى للبحــث ال تعتمــد عــى ُحكــم األشــخاص أو ِق َيمهــم‪.‬‬ ‫إن أحــد أهــداف هــذا الكتــاب توضيــح منــاذج املســؤولية‬
‫مــع البلديــة لــري املدينــة الــذي اســتخدم خرطــوم مــاء ذا‬ ‫برغــم ســذاجة هــذه احلــوارات‪ ،‬إال أهنــا تشــر إىل أن‬ ‫كيان مســتقل‪،‬‬ ‫هــذه الطريقــة هــي األعيــان يف البيئــة باعتبارهــا ِ‬
‫يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬والتــي انبثقــت مــن الرشيعــة اإلســالمية‪،‬‬
‫قطــر كبــر (صــورة ‪ .)20.1‬فرعــة انســياب امليــاه وفــرت‬ ‫اهتــام أي عــن يك ُْمــن يف حالتــه‪ ،‬لذلــك فــإن إجابتــه حمايــدة‪.‬‬ ‫هلــا اهتاماهتــا ومصاحلهــا وعلينــا أن نكتشــف هــذه املصالــح‪.‬‬ ‫وتوضيــح مــدى اختالفهــا الكبــر عــن البيئــة احلاليــة‪ .‬وكيــف‬
‫هلــذا الســاقي بعــض الوقــت‪ ،‬فمجمــوع األوقــات لــري مجيــع‬ ‫أي أن العــن ال هتتــم مــا إذا كان مســتخدمها أو مالكهــا رجــل‬ ‫فكيــف نفعــل ذلــك؟‬ ‫أن املســؤولية مــن خــالل مناذجهــا املختلفــة حتــدد لنــا تكويــن‬
‫األشــجار قــد تكــون أكــر أمهيــة للســاقي مــن حالــة الشــجرة‪.‬‬ ‫أو امــرأة‪ ،‬مســلم أو مســيحي‪ ،‬غــي أو فقــر‪ ،‬ولكــن تركــز يف‬
‫لنتخيــل مؤقتــاً أن أعيــان البيئــة هلــا مصالــح خاصــة‬ ‫البيئــة ماديـاً ألهنــا تؤثــر يف حــاالت األعيــان وأماكــن تواجدها‪،‬‬
‫فهــو قــد ال يبــايل بالــرر إال إذا الحظــه رئيســه يف العمــل‪،‬‬ ‫إجابتهــا عــى طريقــة معاملــة هــؤالء األفــراد هلــا‪ .‬فإجابــة‬
‫هبــا وميكــن أن تتحــدث مثــل البــرش ل ُتعـ ّـرب عــن حاهلــا وعــن‬ ‫وبالتــايل عــى مجيــع مكونــات البيئــة‪ .‬كــا أن املســؤولية تصيــغ‬
‫والــذي قــد ال هيتــم بالــرر الواقــع عــى الشــجرة ألنــه لــن‬ ‫العــن تركــز أيضـاً عــى العــن ومــا حتــوزه مــن أعيــان أخــرى‪.‬‬
‫مطالبهــا‪ ،‬مــاذا ســتقول يــا تــرى؟ لنحــاول ذلــك مــن خــالل هذا‬ ‫حركيــة البيئــة والتــي تؤثــر بدورهــا عــى العوامــل األخــرى‪.‬‬
‫ـاء عــى تنبيــه موظفــي البلديــة‬ ‫فالشــارع يتحــدث عــن أشــجاره ورصيفــه وأعمــدة إنارتــه‪.‬‬
‫يدركــه إال إذا نبهتــه الرشكــة بنـ ً‬ ‫احلــوار عــى ألســنتها‪ .‬إذا ســألنا أريكــة أو كنبــة‪« :‬ملــاذا لونـ ِ‬
‫ـك‬ ‫ال‪ ،‬منــاذج املســؤولية أثــرت وال زالــت تؤثــر عــى توزيــع‬ ‫مثــ ً‬
‫هلــم‪ .‬فاملســؤولية يف هــذه احلالــة قــد ُشـ ّتتت‪ .‬وعــى النقيــض من‬ ‫والكــريس قــد ال يبــايل بالطاولــة التــي خيدمهــا‪ ،‬ولكــن عــن‬
‫أزرق؟»‪ ،‬قــد ال جتيــب‪« :‬إن ســاكن هــذه الــدار حيــب اللــون‬ ‫مــوارد األمــة والتصنيــع والعالقــات االجتاعيــة بــن األفــراد‬
‫هــذا‪ ،‬فالســيارة املغطّــاة واملحميــة مــن أشــعة شــمس الصيــف‬ ‫الظــروف التــي تؤثــر عــى حالتــه‪ .‬أي أن حالــة أي عــن هــي‬
‫األزرق » أو «لــوين أزرق ليســاير باقــي ألــوان املنــزل»‪ ،‬بــل قــد‬ ‫واألعــراف وتركيــب الفراغــات يف املدينــة وطــرق االســتفادة‬
‫املحرقــة خلــف الشــجرة تــدل عــى اهتــام مالــك الســيارة هبــا‪،‬‬ ‫املــرآة الصادقــة والوحيــدة التــي تعكــس لنــا بجــدارة معاملــة‬
‫يكــون جواهبــا‪« :‬لقــد صنعــت هكــذا»‪ .‬هــذا الســؤال ال يثــر‬ ‫منهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن األمــم تســتطيع تغيــر وضعهــا البيئــي‬
‫وهنــاك أمثلــة كثــرة (الصــور ‪ 21.1‬إىل ‪.)26.1‬‬ ‫ســواء كانــوا مــالكاً أو مســتخدمن أو‬‫ً‬ ‫األفــراد لتلــك العــن‬
‫فضــول األريكــة‪ ،‬واإلجابــة ليســت ذات أمهيــة بالنســبة لنا‪ .‬أي‬ ‫واالقتصــادي واالجتاعــي لألفضــل واالســتفادة القصــوى مــن‬
‫زائريــن‪.‬‬
‫أن املهــم يف هــذه املحادثــة هــو طــرح الســؤال املناســب‪ .‬فــإذا‬ ‫أعياهنــا إذا غــرت منــاذج املســؤولية هبــا‪ .‬ولكــن هــذا ليــس‬
‫فحالــة أي عــن تعتمــد منطقيــاً عــى مــدى اإلحســاس‬ ‫كان الســؤال متعلقـاً باهتامــات األريكــة نفســها فقــد تكــون‬ ‫ال أن نفهــم معــى املســؤولية يف البيئــة ودورهــا‬
‫ال‪ .‬علينــا أو ً‬
‫ســه ً‬
‫باملســؤولية لــدى أولئــك الذيــن ميلكوهنــا ويقومــون بصيانتهــا‬ ‫اإلجابــة أكــر إفــادة بالنســبة لنــا‪ .‬لنســأهلا‪« :‬كيــف حالــك؟»‬ ‫وهــو مــا ســأحاول فعلــه‪ .‬فهــذا الكتــاب ال يتطــرق للتخطيــط‬
‫واســتخدامها‪ .‬أي أهنــا تعتمــد علينــا مجيع ـاً‪ .‬وميكننــا مالحظــة‬ ‫ـمســـة‬ ‫قــد جتيــب‪« :‬لقــد و ِضعــت يف هــذه الزاويــة امل ُ ْش ِ‬ ‫أو العــارة أو اهلندســة كعلــم‪ ،‬ولكــن يناقــش مشــكالت البيئــة‬
‫ُ‬

‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬
‫العامــة التــي متلكهــا الدولــة يســتخدمها عمــوم النــاس‪ .‬مبثــل‬ ‫املسؤولية كإطار نظري‬ ‫‪18.1‬‬ ‫‪17.1‬‬

‫هــذه األمثلــة نســتنتج أن امللكيــة ختتلــف عــن االســتخدام‪ .‬أمــا‬ ‫لقــد اســتنتجت إطــاراً نظري ـاً لنــاذج املســؤولية وذلــك‬
‫الســيطرة عــى العــن هــي حــق ثالــث؛ فرئيــس البلديــة قــد ال‬ ‫لتوضيــح العالقــة بــن حالــة العــن واملســؤولية؛ وتــم هــذا بعــد‬
‫ُيبيــح اســتخدامات جتاريــة معينــة يف شــارع مــا رغــم أنــه ال‬ ‫دراســة حــاالت األعيــان يف البيئــة التقليديــة ومقارنتهــا بالبيئــة‬
‫ميلــك وال يســتخدم ذلــك الشــارع‪ ،‬وبإمــكان مالــك املنــزل أن‬ ‫املعــارصة‪ .‬أي أن الدراســة والتحاليــل أدت إىل اســتنتاج اإلطــار‬
‫يبــي غرفــة إضافيــة إذا رغــب ذلــك بينــا املســتأجر ال يســتطيع‬ ‫النظــري‪ .‬ويف هــذا الكتــاب‪ ،‬ولغــرض التســهيل واإليضــاح‪،‬‬
‫ذلــك دون إذن املالــك ألنــه ال يســيطر عــى احلوائــط‪ ،‬ولكــن‬ ‫ال ثــم منــاذج املســؤولية وتأثرهــا‬ ‫ســأرشح اإلطــار النظــري أو ً‬
‫باســتطاعة املســتأجر حتريــك أثاثــه الــذي يســيطر عليــه‪ .‬إذاً‪،‬‬ ‫عــى البيئــة‪.‬‬
‫نســتنتج أن أي عــن ختضــع لثالثــة حقــوق مميــزة وهــي‪ :‬حــق‬
‫امللكيــة وحــق الســيطرة وحــق االســتخدام‪3.‬‬
‫‪20.1‬‬ ‫‪19.1‬‬
‫ونظــراً لطبيعــة العــن‪ ،‬فاحلقــوق الثالثــة قــد ال تتضــح‬
‫احلَق‬
‫ال عــى ســيارة مســتأجرة‪ ،‬الرشكــة‬
‫للباحــث‪ .‬فمــن يســيطر مث ـ ً‬ ‫احلــق وشــق‬
‫ّ‬ ‫مكــون مــن ِشــ ّقن‪ :‬شــق‬
‫ّ‬ ‫اإلطــار النظــري‬
‫املالكــة أو املســتأجر؟ نقــول إن احلقــوق الثالثــة بالنســبة‬ ‫الفريــق‪ .‬شــق احلــق هــو التمتــع بحــق امللكيــة وحــق الســيطرة‬
‫جلميــع األعيــان التــي شــيدها اإلنســان تتضــح بقليــل مــن‬ ‫وحــق االســتخدام للعــن‪ 2.‬ومــن الواضــح أن أي عــن قــد يتمتع‬
‫التفكــر يف طريقــة التعامــل اليومــي مــع العــن‪ :‬فالريــر‬ ‫مبلكيتهــا أنــاس ويســتخدمها آخــرون‪ ،‬فالكــريس يف املعهــد‬
‫ُيســتخدم بالنــوم عليــه‪ ،‬بينــا الســيطرة عليــه تعــي املقــدرة‬ ‫الــدرايس يســتخدمه الطالــب وميلكــه املعهــد‪ ،‬واملنــزل الــذي‬
‫عــى تغيــر مرتبتــه أو موضعــه؛ واســتخدام الســيارة هــو‬ ‫ميلكــه شــخص مــا قــد يســتأجره ويســكنه آخــر‪ ،‬واحلديقــة‬

‫الـصــورة ‪ 17.1‬يف الصفحة السابقة ملقعـد درايس مـلبـس بـالـقاش يف إحـدى‬


‫‪25.1‬‬ ‫املوسسـات التعليمية ببالد احلرمن وقد ترك معرضاً ألشعة الشمس وماء املطـر‬ ‫ٔ‬ ‫‪22.1‬‬ ‫‪21.1‬‬
‫املــوسسـات والدوائر احلكــوميـة‪.‬‬‫ٔ‬ ‫لـيبى‪ ،‬وهـذا مـنظـر مـألـوف يف أكثـر‬
‫الحـظ يف الـصـورة ‪ 18.1‬مــوقع املسار الـذي ُدق عى سجاد املـسجد والـذي‬
‫سيـمزقه عى األمد البعيـد‪ .‬والصورة ‪ 19.1‬توضح احلفرة الناجتة من ري الـشجـرة‬
‫بــاستخـدام خـرطـوم مــاء بقطـر كبـر كا يف الصورة ‪ 20.1‬وهــذا أدى إىل‬
‫ضعف جــذور الـشجــرة فاقتلعها األطفال‪ ،‬ومجيع هذه الصور من بالد احلرمن‪.‬‬
‫نفس اإلحساس باملسؤولية يتكرر يف معظم الشعوب إن مل يكن املستخدمن‬
‫مالكاً‪ .‬ففي الـصورة ‪ 21.1‬من تونس قام بعض العال بتسخن املـاء لعمل الشـاي‬
‫أثناء صيـانتهم للـرصيف‪ ،‬فكان أنـسب مكــان للقيـام بـذلك هـو خلف حـوض‬
‫الـشجـرة‪ ،‬ولكن هـذا الفعل حرق جـدار حوض الـشجرة وسـودها‪ ،‬إال أن حال‬
‫هـذه العن أقل أمهيـة هلم من عمل الـشاي‪ .‬ويف الـصورة ‪ 22.1‬مـن إحدى مـدارس‬
‫ال يقوم بإعادة طـالء خشبة نـافذة املبـى‪ .‬الحظ أنه ال ينـظفها‬‫مر نـرى عامـ ً‬
‫‪26.1‬‬ ‫قبل طالئهـا‪ ،‬وهـذا سيـرك طبقـة غبـاريـة بـن الطالء اجلـديـد والطالء القـديم‪،‬‬ ‫‪24.1‬‬ ‫‪23.1‬‬
‫ما سيؤدي إىل تـساقط الطـالء احلديث بعد حن‪ .‬كا أنه ال يقوم بطالء مجيع‬
‫أجزاء النافذة‪ ،‬فاألجزاء التي ال يلحظها عموم الناس ال تطى كـا يف الصـورة‬
‫‪ . 23.1‬أما الصورة ‪ 24.1‬فهي ملبى باخلرب ترك أكر من مخسة عرش عاماً خلالف بن‬
‫املقـاول واملـالك ما أدى إىل سـوء حـاله لركه مهجــوراً‪ .‬والـصـــورة ‪ 25.1‬يف‬
‫املوسـسات‬ ‫ٕ‬
‫هذه الصفحة فهي ملجـمــوعــة مـن الكــرايس والـطاوالت يف احـدى ٔ‬
‫الـتعليـمة ببالد احلرمن‪ ،‬فحـينا أريـد نقلهـا ملبنـى آخر تـركت ألكثـر من‬
‫اسـبوع معرضـة ألشعة الـشمس فتغر حاهلا لألسوء بالطبع‪ .‬والـصورة ‪ 26.1‬من‬
‫القـاهرة هي األكـر إيالمـاً‪ .‬فهي منـظر يـتكرر يف مجـيع دول ما يـسمى بـالعـامل‬
‫الثـالث‪ ،‬وهـو إلقـاء النـاس للفـضالت عى املبـاين الغائب عنها مالكها لتصبح‬
‫مزابل دامئة حتى يأيت املالك ويقرر اإلهتام مببناه‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪50‬‬
‫مــن البدهــي أن حجــم الفريــق املســتخدم ســيؤثر‬ ‫الشكل‬ ‫وبســكناها لعمــرو‪ .‬وحتــى ال تلتبــس األمــور علينــا البــد لنــا‬ ‫ال؛ وكذلــك‬‫قيادهتــا‪ ،‬بينــا الســيطرة عليهــا هــو تغيــر لوهنــا مثـ ً‬
‫ال‬ ‫‪4.1‬‬
‫عــى حالــة العــن؛ فحالــة كــريس يف حديقــة خاصــة مثــ ً‬ ‫مــن الركيــز عــى التعريفــات املذكــورة ســالفاً‪ .‬وجيــدر أن‬ ‫الصحــي هــو رصف الفضــالت إليهــا‪،‬‬ ‫اســتخدام شــبكة الــرف ّ‬
‫ـا إذا كان يف حديقــة‬ ‫وتســتخدمها عائلــة واحــدة‪ ،‬ســيختلف عـ ّ‬ ‫أشــر هنــا إىل أن عبــارة اإلمــام شــهاب الديــن الصنهاجــي (مــن‬ ‫أ ّمــا الســيطرة عليهــا فهــو تغيــر ِسـ َعة أو اجتــاه أنابيبهــا‪ ،‬أو عــدم‬
‫عامــة ويســتخدمه ألــوف مــن عامــة النــاس‪ .‬نفــس الفكــرة‬ ‫فقهــاء املالكيــة واملعــروف بالقــرايف‪ ،‬ت ‪ )684‬لفتــت نظــري‬ ‫ـق االســتخدام للحائــط‬ ‫الســاح لآلخريــن بالتوصيــل هبــا‪ .‬وحـ ّ‬
‫تنطبــق عــى الســيطرة وامللكيــة‪ :‬املنــزل الــذي ُيســيطر عليــه أو‬ ‫ألمهيــة الفــرق بــن امللكيــة والســيطره يف الرشيعــة‪ .‬فقــد قــال‬ ‫املشــرك بــن الداريــن البــد وأن يكــون للجاريــن مــن اجلانبــن‬
‫يشــرك يف ملكيتــه عــدة أفــراد ســيكون يف حالــة خمتلفــة عــا‬ ‫رمحــه اللــه‪« :‬إعلــم أن امللــك أشــكل ضبطــه عــى كثــر مــن‬ ‫معــاً‪ ،‬ألن طبيعــة اســتخدام هــذا احلائــط البــد وأن تكــون‬
‫إذا ســيطر عليــه أو ملكــه شــخص واحــد‪ .‬غــر أن أي قــرار‬ ‫الفقهــاء‪ ،‬فإنــه عــام يرتــب عــى أســباب خمتلفــة‪ ،‬البيــع واهلبــة‬ ‫مــن اجلهتــن معــاً؛ ا ّمــا الســيطرة عليــه فتعــي املقــدرة عــى‬
‫حيــال امللكيــة والســيطرة هــو قــرار يتخــذه فريــق واحــد‪،‬‬ ‫والصدقــة واإلرث وغــر ذلــك‪ ،‬فهــو غرهــا‪ ،‬وال ميكــن أن يقــال‬ ‫ال‪ .‬لذلــك‪ ،‬فاألثــاث الــذي ميلكــه‬ ‫إحــداث كــوة (شــباك) بــه مثـ ً‬
‫ـررون‬ ‫وهــذا ال ينطبــق عــى االســتخدام‪ ،‬ألن املســتخدمن ال يقـ ّ‬ ‫هــو التــرف‪ ،‬ألن املحجــور عليــه ميلــك وال يتــرف‪ ،‬فهــو‬ ‫الوالــد‪ ،‬يســتخدمه وقــد يســيطر عليــه االبــن‪ ،‬والشــارع الــذي‬
‫ـرر هلــم‪ .‬ولــي ال ندخــل يف تفصيــل أكــر‪ ،‬ســنؤجل‬ ‫ولكــن ُيقـ ّ‬ ‫الشكل ‪ :4.1‬كل دائرة يف الشكل متثل حقاً‬ ‫حينئــذ غــر التــرف‪ ،‬فالتــرف وامللــك كل واحــد منهــا‬ ‫يســتخدمه النــاس‪ ،‬متلكــه الدولــة وتســيطر عليــه البلديــة‪،‬‬
‫مناقشــة اعتبــار املســتخدمن كفريــق واحــد إىل الفصــل‬ ‫من احلقوق الثالثة وهي امللكية والسيطرة‬ ‫أعــم مــن اآلخــر مــن وجــه وأخــص مــن وجــه‪ ،‬فقــد يوجــد‬ ‫وهكــذا‪.‬‬
‫الرابــع‪ ،‬وســرنى بإذنــه تعــاىل أن هــذا االعتبــار هــو قــوة هلــذا‬ ‫واالستخدام‪.‬‬ ‫التــرف بــدون امللــك كالــويص والوكيــل واحلاكــم وغرهــم‬
‫ـرف يف‬‫ـرف حــق الســيطرة بأنــه املقــدرة عــى التـ ّ‬ ‫إذاً نعـ ّ‬
‫اإلطــار النظــري‪.‬‬ ‫يترفــون وال ملــك هلــم‪ ،‬ويوجــد امللــك بــدون التــرف‬
‫القــرار ال يتــم إال مبوافقــة الــرشكاء كفريــق واحــد‪ .‬فاألخــوان‬ ‫العنــر دون اســتخدامه أو ملكــه كناظــر الوقــف الــذي ال‬
‫كالصبيــان واملجانــن وغرهــم ميلكــون وال يترفــون‪4.»...‬‬
‫قــد خيتلفــان يف بيــع املنــزل‪ ،‬ولكــن يف النهايــة قرارمهــا هــو‬ ‫ميلــك وال يســتخدم الوقــف‪ ،‬أو املوظــف املســؤول يف الفنــدق‬
‫ال ّنّاذج اإلذعان ّية‬ ‫قــرار واحــد‪ ،‬وهــو البيــع أو عدمــه‪ .‬أ ّمــا عــن كيفيــة الوصــول‬ ‫ولبيــان العالقــة بــن احلقــوق الثالثــة‪ ،‬فسنســتخدم ثــالث‬ ‫والــذي ال ميلــك غرفــة النزيــل وال يســكنها ولكــن يســتطيع‬
‫هلــذا القــرار فهــذا أمــر ميكننــا تأجيلــه مؤقتــاً حيــث أنــه ال‬ ‫دوائــر متداخلــة بحيــث متثــل كل دائــرة حقــاً مــن احلقــوق‬ ‫تغيــر مواضــع أثاثهــا‪ .‬ومــن أمثلــة مشــاهبة نالحــظ أن مجيــع‬
‫كــا أوضحــت‪ ،‬فبإمــكان فريــق واحــد التمتــع بحــق‬ ‫الثالثــة‪ ،‬كــا هــو موضــح يف الصفحــة املقابلــة يف الشــكل رقــم‬ ‫القــرارات التــي تؤثــر يف البيئــة‪ ،‬كفتــح نافــذة أو هــدم مبــى‬
‫يتعلــق مبوضوعنــا احلــايل‪.‬‬
‫أو حقــن أو ثالثــة حقــوق معــاً؛ وبالنقيــض فــإن أكــر مــن‬ ‫‪.4.1‬‬ ‫أو إغــالق شــارع‪ ،‬هــي حقــوق ســيطرة فقــط وليســت حقــوق‬
‫فريــق ال ميكــن هلــم أن يتمتعــوا بحــق واحــد‪ .‬وبربــط الشــقن‬ ‫نفــس الفكــرة الســابقة تنطبــق عــى الســيطرة‪ .‬فالعــن ال‬
‫ملكيــة‪ .‬كــا أن إجيــاد هــذا اخلــط الفاصــل بــن حــق امللكيــة‬
‫معـاً (الفريــق واحلــق) نحصــل عــى مخســة احتــاالت رئيســية‬ ‫يســيطر عليهــا إال فريــق واحــد‪ ،‬فقــرار حتويــل أحــد شــوارع‬
‫والســيطرة رضورة البــد منهــا لفهــم دور املســؤولية يف البيئــة‪،‬‬
‫للمســؤولية‪ ،‬وقــد ســميتها «النــاذج اإلذعانيــة للعــن» ألن‬ ‫املدينــة إىل طريــق مشــاة جتــاري هــو قــرار واحــد‪ ،‬وقــد‬ ‫الفريق‬ ‫ولكــن هــذا ال ينــايف أن يتمتــع شــخص واحــد بحــق الســيطرة‬
‫العــن ليــس هلــا أي خيــار أو مقالــة يف الوضــع الــذي هــي فيــه‪.‬‬ ‫خيتلــف مســؤولو البلديــة حيــال هــذا القــرار فيــا بينهــم‪ ،‬أو مع‬
‫الشــق الثــاين مــن اإلطــار النظــري هــو الفريــق‪ .‬نقــول‪،‬‬ ‫وامللكيــة معــاً كــا ســأوضح‪ .‬ونُعــرف حــق االســتخدام‬
‫ــرق التــي تتمتــع باحلقــوق‬ ‫ِ‬ ‫الســكان‪ ،‬أو مــع مســؤويل الدوائــر األخــرى؛ ولكــن يف النهايــة‬
‫إمنــا هــي مذعنــة ومستســلمة للف َ‬ ‫إن أي قــرار يف البيئــة كقــرار بيــع أو بنــاء أو اســتخدام البــد‬ ‫بأنــه التمتــع باســتخدام العــن دون التمتــع بحــق امللكيــة أو‬
‫الثالثــة عليهــا‪ ،‬مقــررة بذلــك مصرهــا‪ .‬أي أن العــن ُمرغمــة‬ ‫هــو قــرار واحــد‪ .‬وباملثــل‪ ،‬فــإن قــرار حتويــل غرفتــن إىل غرفة‬
‫وأن يتخــذه فــرد أو جمموعــة أفــراد‪ ،‬ولنطلــق عــى ذلــك الفــرد‬ ‫الســيطرة؛ كالشــخص اجلالــس عــى كــريس يف احلديقــة العامــة‪،‬‬
‫عــى هــذا الوضــع‪.‬‬ ‫واحــدة بإزالــة احلائــط بينهــا هــو قــرار واحــد أيضـاً‪ ،‬فقــد ال‬
‫أو تلــك املجموعــة مــن األفــراد لفــظ فريــق‪ .‬وتنبغــي اإلشــارة‬ ‫واملســتأجر الســاكن يف الشــقة‪ .‬ا ّمــا حــق امللكيــة فتعريفــه‬
‫يــرىض بعــض أفــراد األرسة هبــذا القــرار إال أنــه قــرار توصلــوا‬
‫االحتــال األول‪ ،‬وســميته «النمــوذج اإلذعــاين املتحــد»‪،‬‬ ‫هنــا إىل أن الفريــق هــو مــا تعتــربه العــن كصاحــب قــرار‬ ‫هوملــك الرقبــة فقــط أو املقــدرة عــى نقــل امللكيــة كاألرايض‬
‫إليــه بعــد جــدل‪ .‬ومــن الواضــح أن قــرار أي فريــق مبــي عــى‬
‫وحيــدث عندمــا يتمتــع فريــق واحــد باحلقــوق الثالثــة؛ أي‬ ‫تداخــل وتفاعــل ٍ‬ ‫وليــس كــا نعتــربه نحــن‪ .‬فعــى ســبيل املثــال‪ ،‬قــد نعتــرب‬ ‫األمريــة أيــام اخلالفــة العثانيــة‪ ،‬حيــث أن املتمتعــن بحــق‬
‫كل مــن عــادات ومعايــر واهتامــات وغرائــز‬
‫أن نفــس الفريــق ميلــك ويســيطر ويســتخدم (شــكل ‪.)5.1‬‬ ‫نحــن أن األرسة كاملــة فريــق واحــد يؤثــر عــى حالــة أثــاث‬ ‫ـرف كانــوا يســيطرون ويســتخدمون أ ّمــا الدولــة فتملــك‬ ‫التـ ّ‬
‫ومســتوى إدراك أعضــاء ذلــك الفريــق‪ ،‬هــذا باإلضافــة إىل‬
‫وألن املســؤولية موحــدة يف فريــق واحــد يف هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن‬ ‫البيــت‪ ،‬متأثريــن يف اعتبارنــا مبفهــوم األرسة كلبنــة اجتاعيــة‬ ‫فقــط‪.‬‬
‫احلالــة االجتاعيــة والنفســية والدينيــة والسياســية واملناخيــة‬
‫ال‪ ،‬إذا أراد‬
‫عــى هــذا الفريــق أن يتعامــل مــع نفســه فقــط‪ .‬مث ـ ً‬ ‫هلــا وزهنــا وتأثرهــا يف باقــي األمــور االجتاعيــة‪ ،‬لكــن نظــرة‬ ‫والبــد مــن التنويــه هنــا عــى أن هنــاك تعاريــف كثــرة يف‬
‫واجلغرافيــة املحيطــة للفريــق والعــن‪ .‬أي أن مجيــع مــا ســبق‬
‫الفريــق أن يبــي غرفــة يف منزلــه الــذي يســكنه ويســيطر عليــه‬ ‫األثــاث إىل الفريــق ختتلــف متامــاً ألنــه ال ينظــر إىل األرسة‬ ‫الرشيعــة اإلســالمية واألنظمــة الوضعيــة وســنتطرق هلــا الحقاً‪،‬‬
‫ذكــره مــن عوامــل تتفاعــل وتتبلــور يف القــرار الــذي يتخــذه‬
‫فلــن حيتــاج إىل إذن اآلخريــن‪ .‬وإذا أراد مســتخدمو الطريــق‬ ‫كلبنــة اجتاعيــة بــل كمؤثــرات ذات قــرارات‪ ،‬وبالتــايل قــد‬ ‫مثــل حــق االرتفــاق وحــق االســتغالل وحــق االنتفــاع وملــك‬
‫الفريــق‪ ،‬وهــذه مســألة مهمــة البــد مــن إدراكهــا‪.‬‬
‫غــر النافــذ بنــاء دكــة فلهــم ذلــك دون أخــذ إذن الســلطات إذا‬ ‫يكــون األب وحــده يف الواقــع هــو الفريــق املالــك لكونــه‬ ‫املنفعــة‪ ،‬وكلهــا هلــا مدلــول وتأثــر معــن بالنســبة للعــن‪.‬‬
‫كانــوا هــم املــالك واملســيطرين‪.‬‬ ‫واالســتخدام هــو أيضــاً حــق يتمتــع بــه فريــق واحــد‬ ‫الوحيــد الــذي يقــرر متــى يبيــع األثــاث لــرشاء غــره‪ .‬هــذا مــن‬ ‫ال‪ ،‬امللكيــة يف الرشيعــة اإلســالمية تســتخدم بطــرق كثرة؛‬ ‫فمثـ ً‬
‫فقــط؛ وقــد يكــون هــذا الفريــق املســتخدم مكون ـاً مــن فــرد‬ ‫جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى فــإن أي عــن ال ميلكهــا إال فريــق‬
‫االحتــال الثــاين‪ ،‬واملعاكــس لــألول‪ ،‬حيــدث عندمــا‬ ‫فالفقهــاء يقســمون امللكيــة إىل أنــواع مثــل امللــك التــام وامللــك‬
‫ِ‬ ‫واحــد كمســتخدم الطاولــة‪ ،‬أو عائلــة كمســتخدمي غرفــة‬ ‫فســواء كان مالــك املنــزل شــخصاً واحــداً أو أقــارب‬
‫ً‬ ‫واحــد‪.‬‬
‫ــرق يف عنــر واحــد‪ ،‬بحيــث يتمتــع كل‬ ‫تشــرك ثالثــة ف َ‬ ‫ال هــو أن يكــون قــارص ًا عــى‬ ‫الناقــص‪ .‬فامللــك الناقــص مثــ ً‬
‫املعيشــة‪ ،‬أو عمــوم النــاس كمســتخدمي احلديقــة العامــة‪.‬‬ ‫أو مؤسســة‪ ،‬فــإن قــرار بيــع املنــزل هــو قــرار واحــد‪ .‬وهــذا‬
‫فريــق بأحــد احلقــوق؛ أحدهــم ميلــك وثانيهــم يســيطر وثالثهــم‬ ‫الرقبــة أو عــى املنفعــة كأن يــويص شــخص برقبــة داره لزيــد‬

‫‪53‬‬ ‫‪52‬‬
‫الشكل‬ ‫الشكل‬ ‫ال‪ ،‬قــد يقــول قائــل‪ :‬إن صخــرة كبــرة‬ ‫بإلغــاء أحــد احلقــوق‪ .‬مثـ ً‬ ‫يســتخدم (شــكل ‪ .)6.1‬فعــى كل فريــق يف هــذا اإلحتــال‬
‫‪6.1‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫ال يســتطيع أحــد أن يســيطر عليهــا لطبيعــة حجمهــا‪ ،‬وعليــه‬ ‫والــذي تشــ ّتتت فيــه املســؤولية أن يتعامــل مــع الفريقــن‬
‫فهــي ال تذعــن ألي مــن النــاذج اخلمســة ! أو قــد يقــول‪ :‬إن‬ ‫اآلخريــن‪ ،‬ولقــد ســميته «النمــوذج اإلذعــاين املشـ ّتت»‪ .‬ومثــال‬
‫قطعــة ارض يف الصحــراء ال ميلكهــا أو يســيطر عليهــا أي فريق‪،‬‬ ‫ذلــك األمــالك املوقوفــة (األوقــاف) جلاعــة مــا‪ ،‬فيســيطر‬
‫فهــي ال تذعــن أيض ـاً ألحــد النــاذج اخلمســة ! ويف احلقيقــة‪،‬‬ ‫عليهــا ناظــر ويســتخدمها أيتــام؛ أو الكــريس يف املعهــد والــذي‬
‫بإمــكان أي شــخص التفكــر يف جمموعــة مــن العقبــات لطبيعــة‬ ‫يســتخدمه الطالــب ويســيطر عليــه مديــر املعهــد ومتلكــه‬
‫ـرق ألحــد احلقــوق الثالثــة‪ .‬قــد‬ ‫ِ‬
‫العــن أو عــدم ممارســة أحــد الفـ َ‬ ‫الدولــة‪.‬‬
‫ال بالســيطرة عــى الصحــراء التــي متلكهــا‪،‬‬ ‫ال تقــوم الدولــة مث ـ ً‬ ‫ال ثالث ـاً‬
‫بــن هذيــن االحتالــن املتعاكســن نجــد احتــا ً‬
‫وهــذا ال يعــي عــدم وجــود فريــق مســيطر‪ ،‬ولكــن يعــي أن‬
‫الشكل ‪ :6.1‬النموذج اإلذعاين املشتت‬ ‫الشكل ‪ :5.1‬النموذج اإلذعاين املتحد‪.‬‬ ‫ويأخــذ ثــالث حــاالت ألن العــن خاضعــة فيــه لفريقــن‬
‫الفريــق املســيطر ال يــزاول حقوقــه‪ .‬أمــا بالنســبة للصخــرة‬
‫إن املناطق الثالث املسودة تعي أن ثالث فرق تشرك يف مسؤولية‬ ‫إن املنطقة املتوسطة املسودة تعي أن فريقاً واحداً يتمتع باحلقوق‬ ‫اثنــن‪ :‬احلالــة األوىل وهــي «النمــوذج اإلذعــاين الرخيــي»‪،‬‬
‫العن‪ .‬أحدهم ميلك‪ ،‬والثاين يسيطر‪ ،‬والثالث يستخدم‪ ،‬فكل فريق‬ ‫الثالثة‪ ،‬أي بكل من امللكية والسيطرة واالستخدام‪.‬‬ ‫فالســيطرة عليهــا قــد تكــون مبنــع اآلخريــن مــن اســتخدامها‬
‫وعــى الفريــق املســتخدم فيهــا أن يتعامــل مــع الفريــق املالــك‬
‫يتمتع بحق واحد‪ .‬وهذا النموذج مضاد لإلذعاين املتحد‪.‬‬ ‫وليــس حتريكهــا‪ .‬باختصــار‪ ،‬إذا جتاهلنــا مثــل هــذه احلــاالت‬
‫ال‬
‫املســيطر (شــكل ‪)7.1‬؛ كالشــخص الــذي يســتأجر داراً أو حمـ ً‬
‫الشــاذة‪ ،‬فــإن مجيــع األعيــان واألماكــن يف البيئــة البــد وأن‬
‫يت هــذا النمــوذج مــن املســؤولية بالرخيي‬ ‫جتاريـاً‪ .‬ولقــد سـ ّم ُ‬
‫ختضــع ألحــد النــاذج اإلذعانيــة اخلمســة‪ .‬وملعرفــة النمــوذج‬
‫الشكل‬
‫ألن املالــك املســيطر يســمح فيــه لفريــق آخــر باســتخدام‬
‫الشكل‬ ‫اإلذعــاين اخلاضــع لــه العنــر علينــا أن منيــز احلقــوق الثالثــة‬
‫‪8.1‬‬ ‫‪7.1‬‬ ‫عنــره‪ .‬يف احلالــة الثانيــة‪ ،‬وهــي «النمــوذج اإلذعــاين احليازي»‪،‬‬
‫ال‪،‬‬
‫بوضــوح وحــذر‪ ،‬وإال نُســبت األعيــان لغــر مناذجهــا‪ .‬مث ـ ً‬ ‫عــى الفريــق املتمتــع بحــق الســيطرة واالســتخدام التعامــل مــع‬
‫املنــزل الــذي يســكنه أخــوان وميلكانــه كفريــق واحــد‪،‬‬
‫الفريــق املالــك‪ .‬وســمي ُته احليــازي ألن حــق الســيطرة عــادة مــا‬
‫خيضــع لنمــوذج إذعــاين خمتلــف عــا إذا كان املالــك أحــد‬
‫يتمتــع هبــا املالــك‪ ،‬ولكــن الــذي حــدث هنــا هــو أن الفريــق‬
‫األخويــن فقــط؛ ففــي احلالــة األوىل املنــزل مملــوك ومســتخدم‬
‫املســتخدم قــد حــاز عــى حــق الســيطرة‪ .‬وطبيعــة العالقــة بــن‬
‫ومســيطر عليــه مــن فريــق واحــد (إذعــاين متحــد)؛ ويف‬
‫الفريقــن يف هــذا اإلذعــاين متيــل إىل إصــدار القوانــن مــن ِق َبــل‬
‫الثانيــة مملــوك ومســيطر عليــه مــن فريــق واحــد وهــو املالــك‪،‬‬
‫الفريــق املالــك؛ مثــل األرايض األمريــة التــي متلكهــا الدولــة‬
‫ويســتخدمه فريــق آخــر ومهــا األخــوان معــاً‪ ،‬أي أن املالــك‬
‫ويســكن هبــا املزارعــون املتمتعــون بحــق التــرف (شــكل‬
‫عضــو يف الفريــق املســتخدم (إذعــاين ترخيــي)‪ .‬ولــي يتــم‬
‫الشكل ‪ :8.1‬النموذج اإلذعاين احليازي‪.‬‬ ‫الشكل ‪ :7.1‬النموذج اإلذعاين الرخيي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ .)8.1‬واحلالــة الثالثــة هــي «النمــوذج اإلذعــاين املؤقــت»‪ ،‬وهذا‬
‫املنطقة املسودة بن الدائرتن تعي أن فريقاً واحداً يتمتع بحقي‬ ‫املنطقة املسودة بن الدائرتن تعي أن فريقاً واحداً يتمتع بحقي‬ ‫ــرق لــك أهيــا القــارئ‪ ،‬فاســتنتج‬ ‫متييــز احلقــوق الثالثــة والف َ‬ ‫حيــدث عندمــا يســيطر فريــق مــا عــى عــن يســتخدمها املالــك‪.‬‬
‫السيطرة واالستخدام‪ .‬أما املنطقة املسودة الكربى فتعي أن فريقاً‬ ‫امللكية والسيطرة‪ .‬أما املنطقة املسودة الكربى فتعي أن فريقاً‬ ‫ذلــك مبراجعــة دورك لألعيــان التــي تســتخدمها ومتلكهــا‪ .‬فــأي‬
‫واحداً يتمتع بحق امللكية‪.‬‬ ‫واحداً يتمتع بحق االستخدام‪.‬‬ ‫وســمي مؤقتـ ًآ ألنــه مرحلــة إذعانيــة انتقاليــة وليســت ثابتــة مثل‬ ‫ُ‬
‫فــرد م ّنــا البــد وأن يكــون فريق ـاً أو عضــو ًا يف فريــق يــزاول‬
‫باقــي النــاذج‪ .‬مثــال عــى ذلــك احلَ ْجــر‪ ،‬حيــث ُحيجــر عــى‬
‫أحــد األدوار الســبعة التاليــة ‪ )1 :‬فريــق ميلــك ويســيطر‬
‫مــال الســفيه أو املــال املرهــون أو منــزل اليتيــم‪ ،‬فالطفــل اليتيــم‬
‫ويســتخدم‪ )2 .‬فريــق ميلــك ويســيطر‪ )3 .‬فريــق يســتخدم‪.‬‬
‫يســكن منزلــه ولكــن ال يســيطر عليــه‪ ،‬فاملســيطر هــو الــويص‬
‫‪ )4‬فربــق يســيطر ويســتخدم‪ )5 .‬فريــق ميلــك‪ )6 .‬فريــق‬
‫عــى الطفــل (شــكل ‪.)9.1‬‬
‫الشكل‬ ‫ميلــك ويســتخدم‪ )7 .‬فريــق يســيطر‪.‬‬
‫ـرق املشــركة يف عــن مــا تؤثــر عــى‬ ‫ِ‬
‫‪9.1‬‬ ‫إن العالقــة بــن الفـ َ‬
‫ولقــد أطلقــت عــى كل منــوذج إذعــاين اســاً لتســهيل‬
‫ال املســتأجر قــد ال يصــون املبــى كــا‬ ‫حالــة ذلــك العــن‪ .‬مث ـ ً‬
‫توصيــل املعلومــات للقــارئ‪ .‬فعنــد دراســة البيئــة التقليديــة‬
‫يفعــل املالــك ألنــه ال ميلكــه؛ وباملثــل‪ ،‬املالــك لشــقة مؤجــرة‬
‫ومقارنتهــا باحلاليــة ســنجد أن النــاذج اإلذعانيــة للعنــر قــد‬
‫قــد ال يصوهنــا كــا ســيفعل إذا كان هــو الســاكن هبــا‪ .‬وحالــة‬
‫تغــرت يف البيئتــن؛ وسيســهل إدراك ذلــك بذكــر اســم النمــوذج‬ ‫ِ‬
‫ــرق‬
‫العــن بالتــايل ســتعكس لنــا طبيعــة العالقــة بــن الف َ‬
‫فقــط‪ ،‬دون ذكــر تفاصيــل توضيحيــة أخــرى‪ .‬إخــويت‪ ،‬إن مــا‬
‫الشكل ‪ :9.1‬النموذج اإلذعاين املؤقت‪.‬‬ ‫املشــركة يف ذلــك العنــر‪ .‬فــأي عــن يف البيئــة البــد وأن تذعن‬
‫رشحتــه ســابقاً هــو أســايس ملتابعــة القــراءة؛ فــإذا مل تســتوعبوه‬
‫املنطقة املسودة بن الدائرتن تعي أن فريقاً واحداً يتمتع بحقي امللكية واالستخدام‪ .‬أما‬ ‫ألحــد هــذه النــاذج اخلمســة‪ ،‬وليــس لنموذجــن يف آن واحــد‪.‬‬
‫املنطقة املسودة الكربى فتعي أن فريقاً واحداً يتمتع بحق السيطرة‪.‬‬ ‫فأرجــو منكــم إعــادة النظــر إليــه لتتمكنــوا مــن االســتمرار‪.‬‬
‫ولكــن نظريــاً‪ ،‬بإمــكان أي شــخص أن يــأيت بنــاذج أخــرى‬

‫‪55‬‬ ‫‪54‬‬
‫ِ‬ ‫توضيح‬
‫ـرق املشــركة يف نفــس العــن‪،‬‬ ‫ملحوظــة أخــرى‪ :‬إن الفـ َ‬ ‫واحــداً ولكــن عــدة فــرق‪ ،‬وبالتــايل قــد توجــد تلــك األعيــان‬ ‫تظهــر أمهيــة دراســة التاريــخ ملســألة املســؤولية‪ .‬فيمكننــا‬
‫تتعامــل معــه بطــرق خمتلفــة‪ .‬فاملمــر يف العــارة الســكنية‬ ‫املكونــة للشــارع يف منــاذج إذعانيــة خمتلفــة‪.‬‬ ‫حتديــد الفريــق املســيطر باملشــاهدة املســتمرة لتغــر ومنــو‬
‫قبــل دراســة البيئتــن التقليديــة واملعــارصة‪ ،‬البــد يل‬
‫بالنســبة للمســتأجر الســاكن مثــل الشــارع‪ ،‬فهــو ال ميلكــه وال‬ ‫ال مــن «العقــار» و «املــكان» و ِ‬ ‫البيئــة‪ ،‬وكذلــك بدراســة ومقارنــة األنظمــة والقوانــن البيئيــة يف‬ ‫مــن توضيــح نقطتــن‪ ،‬أو ً ِ‬
‫«اخلطّــة» كلــات‬ ‫إن ك ً‬ ‫ــرق‪ :‬ألن الفريــق املالــك هــو‬
‫يســيطر عليــه‪ ،‬ولكــن يســتخدمه فقــط باملــرور خاللــه (شــكل‬ ‫املجتمعــات‪.‬‬ ‫ال الف َ‬
‫حتتــاج لبعــض التوضيــح‪ :‬فكلمــة عقــار تــدل يف العمــوم عــى‬ ‫املســيطر يف كثــر مــن احلــاالت‪ ،‬فعمــوم النــاس يعتقــدون أن‬
‫‪ ،7.1‬ترخيــي)‪ .‬نفــس هــذا املمــر يعتــرب بالنســبة ملالــك العارة‬ ‫امللكيــة وليــس الســيطرة أو االســتخدام؛ فالنــاس يعتــربون‬ ‫ثانيــاً املصطلحــات‪ :‬عنــد دراســة منــزل ُم ْســتأجر‪،‬‬ ‫ّلون البيئــة‪ .‬ويف‬
‫املــالك هــم األهــم‪ ،‬وأهنــم ُيصيغــون أو ُي َش ـك َ‬
‫الســكنية كعــن يف خمزنــه‪ ،‬فاملالــك الــذي ال يســكن العــارة‬ ‫العــارة الســكنية التــي ميلكهــا شــخص واحــد وتســكنها‬ ‫ِ‬
‫املســتأجر يســتخدم احلوائــط‪ ،‬ولكــن ال يســيطر عليهــا‬ ‫فــإن‬ ‫ـاء عــى تعريفنــا للملكيــة‪ ،‬فالفريــق املســيطر هــو‬ ‫الواقــع‪ ،‬وبنـ ً‬
‫ال يســتخدم املمــر‪ ،‬ولكــن يســيطر عليــه وميلكــه‪ ،‬كأي عــن‬ ‫عــدة عوائــل كعقــار واحــد‪ ،‬بغــض النظــر عــن عــدد العوائــل‬ ‫أو ميلكهــا (ترخيــي‪ ،‬الشــكل ‪ ،)7.1‬بينــا ميلــك ويســيطر‬ ‫الــذي يصيــغ أو يشـكِّل البيئــة‪ .‬فهــو الــذي يتخــذ القــرار ببنــاء‬
‫مودعــة يف خمزنــه (شــكل ‪ .)7.1‬مــن حيــث الشــكل أو املظهــر‪،‬‬ ‫املســتخدمة أو الســاكنة يف تلــك العــارة الســكنية‪ .‬نفــس‬ ‫ويســتخدم األثــاث داخــل املنــزل واخلاضــع لنمــوذج إذعــاين‬ ‫أو هــدم منــزل‪ ،‬أو إحــداث شــارع؛ أ ّمــا املالــك فيتمتــع فقــط‬
‫هــذا املمــر يشــابه الطريــق غــر النافــذ يف املــدن اإلســالمية‬ ‫الفكــرة تنطبــق عــى كلمــة مــكان‪ ،‬فهــي غالب ـاً مــا تــدل عــى‬ ‫خمتلــف (متحــد‪ ،‬الشــكل ‪ .)5،1‬أي أن كل عــن يف البيئــة قــد‬ ‫بصالحيــة نقــل امللكيــة‪ ،‬وتغيــر الفريــق املســيطر واملســتخدم‬
‫والــذي أكــر املعاريــن املعارصيــن مــن اســتخدامه‪ ،‬ولكــن‬ ‫االســتخدام‪ ،‬فالنــاس يعتــربون الســوق كمــكان واحــد عنــد‬ ‫تقــع يف منــوذج إذعــاين خمتلــف عــن األعيــان املحيطــة هبــا‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬إذا اشــرى الفريــق املالــك عقــاراً جمــاوراً‬ ‫أحيانــاً‪ .‬فمثــ ً‬
‫مــن حيــث توزيــع املســؤولية أو النــاذج اإلذعانيــة‪ ،‬فهنــاك‬ ‫احلديــث عــن أماكــن املدينــة ألن املســتخدمن كلهــم باعــة‪،‬‬ ‫وألن األعيــان متداخلــة ومتجــاورة يف البيئــة‪ ،‬جيــب أن أوضــح‬ ‫لعقــاره وأعطــى حــق الســيطرة للفريــق املســيطر عــى عقــاره‬
‫فــرق شاســع‪.‬‬ ‫ولكــن عنــد احلديــث عــن األماكــن يف الســوق نجــد أن ذلــك‬ ‫لــك أخــي القــارئ عــدة نقــاط عــن املصطلحــات لتــاليف ســوء‬ ‫األول‪ ،‬فهــو إمنّ ــا يوســع مــن دائــرة ســيطرة الفريــق املســيطر‪.‬‬
‫أخــي القــارئ‪ ،‬ســندرس يف كل منــوذج إذعــاين عــدة‬ ‫املــكان (الســوق) يقســم إىل عــدة أماكــن متخصصــة‪ ،‬كمــكان‬ ‫الفهــم‪.‬‬ ‫أي أن املســيطر دائــم احلركــة داخــل حــدود الفريــق املالــك‪،‬‬
‫ال زيــد‬
‫أعيــان بغــض النظــر عــن حجــم العــن أو طبيعتــه‪ .‬فمثـ ً‬ ‫للعطاريــن وآخــر للجزاريــن‪ .‬وهــذه الظواهــر مــن قــوة اللغــة‬ ‫وهنــا تكمــن قــوة الفريــق املالــك‪ .‬نفــس الفكــرة تنطبــق عــى‬
‫وكــا ذكــرت‪ ،‬فــإن كل مــكان يف البيئــة مكــون مــن‬
‫مــن النــاس قــد ميلــك احلائــط الــذي يفصــل بينــه وبــن جــاره‬ ‫العربيــة التــي تبيــح لنــا اســتخدام نفــس الكلمــة يف عــدة‬ ‫الفريــق املســتخدم‪ .‬مالحظــة أخــرى هــي أن الفريــق املالــك‬
‫أعيــان‪ .‬وحيــث إن الــدارج يف اللغــة هــو اســتخدام املــكان‬
‫عمــرو‪ ،‬وعمــرو اســتأجر مــن زيــد مواضــع يف احلائــط ليغــرز‬ ‫مســتويات‪ .‬وهــذا ينطبــق أيضــاً عــى كلمــة ِخطــة والتــي‬ ‫قــد يؤثــر عــى قــرارات املســيطر‪ ،‬ولكــن ال جيــربه عليهــا؛ أمــا‬
‫(الغرفــة مثــال) للداللــة عــى األعيــان املكونــة لــه (احلوائــط)‪،‬‬
‫ـريس الكمــرة اخلرســانية لســقفه عــى‬
‫خشــب ســقف داره أو ُيـ َ‬ ‫تشــر إىل الســيطرة‪ ،‬وهــي كلمــة قدميــة أبــدع املؤرخــون يف‬ ‫إذا كان لــه إجبــاره‪ ،‬فهــو (أي الفريــق املالــك) املســيطر؛ والذي‬
‫فــإذا ذكرنــا املــكان فإننــا سنشــمل األعيــان املكونــة لــه‪ :‬مثــل‬
‫عمــود جــاره‪ .‬ســنتعامل مــع تلــك املواضــع مــن احلائــط الفاصل‬ ‫اســتخدامها وذات معــى نحــن بحاجــة إليــه اليــوم وهــي تعــي‬ ‫ك ّنــا نعتقــده املســيطر ّإمنــا هــو موظــف لــدى املالــك فقــط‪.‬‬
‫الغرفــة أو القبــو وليــس بالــرورة مــا بداخلهــا مــن أعيــان‪ .‬كا‬
‫كموقــع ميلكــه ويســيطر عليــه زيــد ويســتخدمه عمــرو‪.‬‬ ‫باإلنجليزيــة ‪ territory‬وترجــم عــادة إىل منطقــة أو إقليــم أو‬
‫ميكننــا أيضـاً اســتخدام الوظيفــة للداللــة عــى العــن أو املكان‪،‬‬ ‫وإضافــة ملــا ســبق‪ ،‬يتميــز الفريــق املســيطر عــن املالــك‬
‫وهــذا هــو نفــس منــوذج املســؤولية لشــقة مســتأجرة‪ ،‬حيــث أن‬ ‫نِطــاق؛ ومعناهــا منطقــة نفــوذ حمــددة يســيطر عليهــا فريــق‬
‫مثــل املدخــل أو املدرســة أو امللعــب‪ .‬لذلــك سأســتخدم اســمي‬ ‫واملســتخدم بأنــه معــرض للقوانــن واألنظمــة‪ .‬ومــن املمكــن‬
‫الســاكن يســتخدم دون أن يســيطر أو ميلــك؛ أي نفــس النمــوذج‬ ‫واحــد؛ مثــل حمافظــة يف الدولــة أو مدينــة يف اإلقليــم أو حــارة‬
‫املــكان والوظيفــة للداللــة عــى األعيــان املكونــة هلــا‪ ،‬وليــس‬ ‫تقنــن امللكيــة مبنــع بيــع العقــار يف منطقــة مــا‪ ،‬وكذلــك أمــر‬
‫اإلذعــاين (ترخيــي)‪.‬‬ ‫ال يف احلــارة أو غرفــة يف املنــزل‪ ،‬فهــي كلمــة‬
‫يف املدينــة أو منــز ً‬ ‫ال‪ .‬فــإذا قلــت «مدرســة» فأنــا أعــي‬
‫مــا بداخلهــا مــن أثــاث مثـ ً‬ ‫أو إرشــاد املســتخدم بطريقــة اســتخدام معينــة للعــن‪ .‬ولكــن‬
‫ذات مســتويات خمتلفــة‪ .‬ويف هــذا الكتــاب سأســتخدم عقــار‬
‫جيــب أن ال ننــى هدفنــا األســايس اآلن‪ ،‬وهــو أن‬ ‫حوائــط املدرســة وال أعــي مــا بداخــل املدرســة مــن قواطــع‬ ‫أغلــب القوانــن البيئيــة‪ ،‬إن مل تكــن مجيعهــا‪ ،‬هتــدف إىل حتديــد‬
‫للداللــة عــى ملكيــة فريــق واحــد لألعيــان‪ ،‬ومــكان للداللــة‬
‫الغــرض مــن اســتخدام النــاذج اإلذعانيــة هــو الوصــول إىل‬ ‫ال فأنــا أعــي حوائــط الفصل وال‬ ‫بــن املكاتــب‪ ،‬وإذا قلــت فصـ ً‬ ‫ال‪ ،‬البلديــة قــد تصــدر قانونـاً للمــالك بــأن ال‬
‫حــق الســيطرة‪ .‬مثـ ً‬
‫ِ‬ ‫عــى اســتخدام فريــق واحــد للمــكان املســمى كالشــارع أو‬
‫ـرق‬ ‫حالــة العــن‪ .‬وحيــث إن حالــة العــن تتأثــر بعالقــات الفـ َ‬ ‫أعــي الكــرايس والطــاوالت‪ ،‬هــذا إذا كان هنــاك اختــالف بــن‬ ‫ـو مبانيهــم عــن دوريــن يف منطقــة مــا‪ .‬رغــم أن هــذا‬ ‫يرتفــع ُعلـ ّ‬
‫الطريــق غــر النافــذ‪ ،‬وخطــة للداللــة عــى فريــق واحــد‬
‫املشــركة فيــه والتــي تنبثــق مــن حركيــة البيئــة‪ ،‬فيجــب علينــا‬ ‫ـاء عليــه‪ ،‬إذا أردنــا‬
‫املدرســة والفصــل يف منــاذج املســؤولية‪ .‬وبنـ ً‬ ‫القانــون موجــه للمــالك‪ ،‬إال أنــه خياطــب املســيطرين ألنــه‬
‫دراســة هــذه العالقــات واحلركيــات دون التعمــق يف قيــم ِ‬ ‫مســيطر عــى تلــك اخلطــة‪ .‬والفــرق بينهــم هــو أن العقــار يــدل‬
‫الف َر ْق‪.‬‬ ‫متييــز النمــوذج اإلذعــاين ســندرس األعيــان املكونــة للمــكان‬ ‫يفــرض أن املــالك هــم املســيطرون؛ وا ّمــا إذا كان املســيطر‬
‫عــى أعيــان تتبــع منوذجـاً إذعانيـاً واحــداً لنفس الفريــق كقطعة‬
‫أي أن أخــالق وعــادات ومعتقــدات الفريــق املتمتــع بحــق‬ ‫دون ذكــر تلــك األعيــان مبــارشة‪ .‬فــإذا كان النمــوذج اإلذعــاين‬ ‫فريقــاً آخــر فــإن هــذا القانــون خياطــب املســيطرين وليــس‬
‫األرض ومــا عليهــا مــن أعيــان كاألشــجار واملبــاين ومــا بداخلها‬
‫امللكيــة أو الســيطرة أو االســتخدام أو إمكانياتــه املاليــة قــد‬ ‫للمنــزل هــو الرخيــي والغــرف هــي احليــازي‪ ،‬فهــذا يعــي‬ ‫املــالك‪.‬‬
‫مــن أثــاث‪ ،‬بينــا املــكان يــدل عــى الفــراغ كالشــارع ومــا بــه‬
‫تبــدو مهمــة للوهلــة األوىل وتؤثــر عــى حالــة العــن‪ ،‬ولكنهــا‬ ‫أن الســاكن يســيطر عــى احلوائــط الداخليــة وال يســيطر عــى‬
‫مــن أعيــان أو املنــزل واألعيــان املكونــة لــه وليــس مــا بداخــل‬ ‫إن متييــز الفريــق املالــك أو املســتخدم يف البيئــة أســهل‬
‫قــد تشــتت أفكارنــا اآلن‪ .‬لذلــك أســألك أخــي القــارئ أن تتخى‬ ‫ـر اســتخدام املــكان للداللــة‬ ‫احلوائــط اخلارجيــة‪ .‬أمــا إذا تعـ ّ‬
‫املــكان (أنظــر التوضيــح الســابق للمــكان)‪ ،‬أمــا اخلطــة فتــدل‬ ‫مــن متييــز الفريــق املســيطر‪ .‬فــكل مــا علينــا فعلــه هــو‬
‫عــن طــرح مجيــع األســئلة االجتاعيــة للفريــق‪ ،‬وكذلــك تــرك‬ ‫عــى العــن‪ ،‬مثــل احلائــط املشــرك بــن جاريــن أو الرصيــف‪،‬‬
‫عــى موضــع‪ .‬وســيتضح معــى اخلطــة يف الفصــل اخلامــس‪ .‬ولقــد‬ ‫الســؤال‪ :‬مــن هــو املالــك؟ وتكــون اإلجابــة‪ :‬بأنــه زيــد أو‬
‫العوامــل األخــرى جانبـاً كاملناخيــة واالقتصاديــة واجلغرافيــة‪.‬‬ ‫فســأذكر اســم العــن نفســها‪ .‬كــا أن هنــاك أماكــن نتجــت‬
‫تالفيــت اســتخدام كلمــة فــراغ يف الكتــاب رغــم شــيوعها بــن‬ ‫عمــرو‪ .‬أ ّمــا الفريــق املســتخدم فهــو يف املوقــع‪ ،‬وميكــن رؤيتــه‬
‫عودنــا‬ ‫فأنــا ال أقلــل مــن أمهيــة هــذه العوامــل‪ ،‬ولكــن إذا ّ‬ ‫بفعــل وجــود أعيــان فــرق متعــددة مــن حوهلــا كالشــارع‬
‫املعاريــن لعــدم حاجتــي هلــا وألن أي فــراغ عمــراين ال يكــون‬ ‫وهــو يســتخدم أو يســكن العقــار‪ .‬ولكــن الصعوبــة تكمــن‬
‫أنفســنا عــى الركيــز عــى حالــة العــن مــن وجهــة نظرهــا هــي‬ ‫والســاحة‪ ،‬فوجــود املبــاين وأســوارها حــددت الشــارع كمــكان‬
‫إال بوجــود أعيــان‪ ،‬وبذلــك يصبــح مكان ـاً كالغرفــة والشــارع‪.‬‬ ‫يف متييــز الفريــق املســيطر‪ .‬والطريقــة املثــى ملعرفتــه هــي‬
‫فقــط وحركيــة البيئــة‪ ،‬سنســتنتج النــاذج اإلذعانيــة‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫(كــا ســرنى)‪ .‬فــإذا ذكرنــا املــكان يف هــذه احلالــة فنقصــد مــا‬
‫التغــر والنمــو التــي حتدثنــا عنهــا يف املقدمــة‪ .‬وهنــا‬
‫ّ‬ ‫ظاهــرة‬
‫نتمكــن مــن دراســة هــذه العوامــل بصــورة أوضــح‪.‬‬ ‫هبــا مــن أعيــان ألن األعيــان التــي حتــدد املــكان ال ختــص فريقـاً‬

‫‪57‬‬ ‫‪56‬‬
‫‪31.1‬‬ ‫إن من أهم الغرائز اإلنسانية حماولة اإلنسان لتحسن وضعه وبالذات التوسع‬ ‫الفصــول الثــاين والســادس والســابع والثامــن)‪ .‬وهنــاك أعيــان‬ ‫الغرائز اإلنسـانيـة‬
‫يف مكانه إن أمكنه ذلك‪ .‬فالصورة ‪ 27.1‬يف الصفحة السابقة من تونس توضح‬
‫مشــركة بــن العقــارات‪ ،‬مثــل مســيل املــاء‪ ،‬وتدفعهــا الرشيعــة‬
‫خروج مبى عى الطريق واألخذ منه‪ ،‬لكن هذا ال يعي أن هذا الفعل سليا‪،‬‬ ‫إن أحــد فوائــد النــاذج اإلذعانيــة هــي مقدرهتا عــى توقع‬
‫فهذا وقع ألن السلطات تساهلت معه‪ ،‬لكن مع تطبيق الرشيعة كا سرى فإن‬ ‫إىل اإلذعــاين الرخيــي املتميــز باالتفــاق بــن األطــراف‬
‫ال‪ .‬والســبب يف ذلــك هــو أن النــاذج‬ ‫حــاالت األعيــان مســتقب ً‬
‫هذا لن يقع ألن السيطرة بأيدي السكان الذين سيتررون وبالتايل سيمنعونه‪.‬‬ ‫(الفصلــن الثــاين واخلامــس)‪ .‬أمــا أنظمــة البيئــة احلاليــة فإهنــا‬
‫اإلذعانيــة مبنيــة عــى الغرائــز اإلنســانية‪ .‬وهــذه الغرائــز دامئــة‬
‫ويف الصورة ‪ 28.1‬من الطائف نرى تشييد صاحب املبى لدرج يف السطح حتسباً‬ ‫تدفــع العنــارص البيئيــة إىل اإلذعــاين املشــتت (الفصلــن الثالــث‬
‫ال‪ .‬ويف الصورتان ‪ 29.1‬من أصيلة باملغرب و‪ 30.1‬من‬
‫إلضافة دور ثان مستقب ً‬ ‫الوجــود يف كل مــكان وزمــان وحتــت كل الظــروف‪ ،‬وليســت‬
‫والتاســع)‪ ،‬مبــددة بذلــك ثــروات األمــم وجمهوداهتــم‪ .‬فهنــاك‬
‫الرياض يف هذه الصفحة نلحظ أخذ السكان جلزء من الطريق غر النافذ ببناء‬ ‫ال‬
‫متغــرة مثــل العوامــل األخــرى كاالقتصــاد‪ .‬فــكل إنســان مثـ ً‬
‫حائط عليه‪.‬‬ ‫إعجــاز يف الرشيعــة مــن حيــث البيئــة املبنيــة لــن جتارهيــا‬
‫حيــاول أن ميتلــك وأن يســيطر؛ وهــذه غريــزة ال ختفــى عــى أحد‬
‫‪30.1‬‬ ‫كل نظريــات اهلندســة أو العــارة أو التخطيــط احلاليــة‪ ،‬كــا‬
‫منــا‪ ،‬ولعلهــا تتجــى أكــر مــا يكــون بــن األطفــال وبــن الدول‬
‫ســرنى بإذنــه تعــاىل‪.‬‬
‫يف نزاعاهتــا احلدوديــة‪ ،‬أمــا نحــن الكبــار فغالب ـاً مــا ننجــح يف‬
‫‪27.1‬‬
‫‪32.1‬‬ ‫إخفائهــا أو تالفيهــا التباعنــا لألنظمــة واألعــراف‪ .‬ومــن هــذه‬
‫الغرائــز أن كل إنســان حيــاول أن ُحي ّســن بيئتــه حســب إدراكــه‬
‫يتوســع يف مكانــه إذا أعطــي الفرصــة دون‬ ‫هــو‪ ،‬وحيــاول أن ّ‬
‫اإلرضار باآلخريــن‪ ،‬أو عــى حســاب اآلخريــن أحيانــاً‪ .‬ويف‬
‫حماوالتــه هــذه يطبــق أو يفــرض قيمــه وذوقــه وعاداتــه عــى‬
‫مــا ميلــك أو يســيطر أو يســتخدم مــن أعيــان؛ وحيــاول أيض ـاً‬
‫أن يتــالىف أو حتــى يوقــف تدخــل اآلخريــن يف شــؤونه‪ .‬وقــد‬
‫جتتمــع جمموعــة مــن النــاس ويتحــدون يف إجيــاد عــرف جديــد‪.‬‬
‫ومــن الطبيعــي أن هيتــم عمــوم النــاس مبــا ميلكــون أكــر ممــا‬
‫‪33.1‬‬ ‫‪28.1‬‬ ‫ال ميلكــون إال مــن رحــم ربــك‪ .‬فهــذه الغرائــز دامئــة الوجــود‪،‬‬
‫ال أساســياً يف فهــم وتوقــع‬
‫وهلــذا الســبب تعتــرب املســؤولية عام ـ ً‬
‫ال (الصــور ‪ 27.1‬إىل‪.)40.1‬‬ ‫حــاالت األعيــان يف البيئــة مســتقب ً‬
‫وبرغــم تفــاوت هــذه الغرائــز بــن املجتمعــات لتفاوهتــا‬
‫والتديــن واإلدراك‪ ،‬وبرغــم تفــاوت‬ ‫ّ‬ ‫مــن حيــث التعليــم‬
‫هــذه الغرائــز بــن أفــراد نفــس املجتمــع الختــالف وعيهــم‬
‫وإحساســهم باملســؤولية‪ ،‬إال أن كل منــوذج إذعــاين يتمتــع بطابع‬
‫ــرق املشــركة فيــه‪ ،‬والتــي تؤثــر‬ ‫ِ‬
‫مميــز مــن العالقــة بــن الف َ‬
‫ال‪ ،‬عالقــة الفريقــن يف النموذج‬ ‫بدورهــا عــى حالــة العــن‪ .‬فمثـ ً‬
‫‪34.1‬‬ ‫إن الغرائز اإلنسانية توجد يف كل مكان وزمان‪ ،‬فهي ليست قارصة عى‬ ‫اإلذعــاين الرخيــي متيــل إىل االتفــاق بــن الطرفــن‪ ،‬وهــذا يف‬
‫‪29.1‬‬
‫املسلمن دون غرهم‪ ،‬فالصور ‪ 32.1‬إىل ‪ 34.1‬حلي صيي مبدينة ملكا‬ ‫صالــح حــال العنــر‪ .‬أمــا العالقــة يف اإلذعــاين املؤقــت فتميــل‬
‫مباليزيا‪ :‬فرى عى يسار الصورة األوىل رواقاً يف الدور األريض كان قد‬
‫إىل احلــذر واحلــرص‪ ،‬ويف احليــازي فتميــل إىل إصــدار القوانــن‬
‫بي أساساً ملرور املشاة‪ ،‬إال أن بعض السكان بدأوا بوضع عالمات تشر‬
‫إىل حيازهتم للجزء املالصق لعقارهم من الرواق كوضع طاولة أو حاجز‬ ‫ومتابعتهــا‪ .‬ومجيــع مبــادئ الرشيعــة‪ ،‬مثــل «ال رضر وال رضار»‬
‫خشبي‪ .‬وتطور األمر لدرجة أن البعض منهم قام ببناء حائط عريض ليغلق‬ ‫وامللكيــة والوراثــة والشــفعة واإلجــارة واإلحيــاء واإلقطــاع‬
‫الرواق ومينع الناس من املرور فيه (الصورة ‪ ،)33.1‬وبالتدريج قام البعض‬ ‫واالحتجــار واالختطــاط ‪ ...‬الــخ‪ ،‬وباســتثناء الوقــف‪ ،‬تدفــع‬
‫بإدخال الرواق يف عقارهم والبناء عليه ليصبح جزءاً من املبى بعد أن كان‬
‫جزءاً من الطريق (الصورة ‪ .)34.1‬أما الصورة ‪( 31.1‬أعى الصفحة) فهي‬
‫العقــارات واألماكــن بأعياهنــا مــن شــوارع وســاحات عامــة‬
‫وبناء عى‬
‫ً‬ ‫بناء عى ذوقه هو‬
‫ال قام صاحبه بتشييده ً‬ ‫من مر وتريك منز ً‬ ‫وطــرق غــر نافــذة ومبــاين إىل النمــوذج اإلذعــاين املتحــد‪،‬‬
‫املواد البنائية املتوفرة لديه نظراً لضيق حاله‪ .‬وسنوضح هذه املسألة أكر يف‬ ‫وهــو أفضــل وضــع حلالــة العــن (وهــو موضــوع كل مــن‬
‫الفصل القادم إن شاء الله العليم احلكيم‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫‪58‬‬
‫‪41.1‬‬ ‫‪38.1‬‬ ‫‪36.1‬‬ ‫أخــراً‪ ،‬إن هــذا اإلطــار النظــري الــذي اســتنتجته مــن‬
‫دراســة البيئــة القدميــة واملعــارصة‪ ،‬ســيلقي لنــا ضــوء ًا خمتلفــاً‬
‫عــى البيئــة ممــا يعيننــا عــى إبــراز نقــاط اخللــل يف بيئتنــا‪ .‬ليــس‬
‫هــذا فحســب‪ ،‬فنقــاط اخللــل هــذه عنــد ظهورهــا ســتوضح لنــا‬
‫مشــكالت أخــرى ال ميكــن رؤيتهــا دون بلــورة هــذه النقــاط؛‬
‫وهبــذا نتمكــن مــن فهــم البيئــة‪ ،‬وبالتــايل نتمكــن مــن اختــاذ‬
‫قراراتنــا البيئيــة بطريقــة أســلم‪.‬‬
‫أختــي القارئــة وأخــي القــارئ‪ ،‬لقــد رشحــت تركيــب‬
‫املدينــة اإلســالمية باســتخدام النــاذج اإلذعانيــة باللغــة‬
‫‪39.1‬‬ ‫‪37.1‬‬
‫اإلنجليزيــة؛ ولقــد ســئلت مــراراً‪ :‬هــل ميكــن رشح تركيــب‬
‫املدينــة اإلســالمية بتاليف النــاذج اإلذعانيــة لصعوبــة متابعتها؟‬
‫وكانــت إجابتــي‪ :‬نعــم ولكــن ليــس بنفــس العمــق والوضــوح‪.‬‬
‫لذلــك‪ ،‬فأنــا أدرك مــدى الصعوبــة التــي يواجههــا عمــوم القــراء‬
‫مــن متابعــة النــاذج اإلذعانيــة‪ .‬ولقــد حاولــت عــدة مــرات‬
‫رشح تركيــب املدينــة اإلســالمية دون االســتعانة هبــا‪ ،‬ولكنــي‬
‫مل أمتكــن لتشــابك املســائل البيئيــة عــي؛ وقــد أمتكــن مــن ذلــك‬
‫ال‪ ،‬أو قــد يقــوم شــخص آخــر بذلــك‪ .‬فأرجــو املعــذرة‪.‬‬ ‫مســتقب ً‬
‫كــا إن يل رجــاء أخــي القــارئ‪ ،‬وهــو أن تــدرك أن النــاذج‬
‫اإلذعانيــة ليســت اهلــدف مــن هــذا الكتــاب رغــم اضطــراري‬
‫‪42.1‬‬ ‫‪40.1‬‬
‫من الغرائز املالحظة أيضاً تاليف اإلنسان لألنظمة إذا ما اصطدمت مع‬ ‫لإلطالــة يف رشحهــا تالفيـاً لســوء الفهــم‪ ،‬ولكــن هــي أداة فقــط‬
‫احتياجاته ومتى اقتنع أنه مل ير أحداً مبخالفته هلا‪ .‬ولعل أفضل من يعلم هذا‬ ‫لتســاعدنا يف فهــم دور املســؤولية يف صياغــة البيئــة‪ ،‬وعندئــذ‬
‫هم مسؤولو البلديات الذين وضعوا الكثر من العقوبات والوسائل لضبط أولئك‬
‫املخالفن ألنظمتهم‪ .‬فالصورة ‪ 35.1‬من اخلرب تريك بناء رجل يف منطقة مينع‬
‫ينتهــي دورهــا وتــرك جانب ـاً كأي أداة أخــرى تســتغي عنهــا‪.‬‬
‫فيها االرتفاع عن دورين‪ ،‬فا كان منه إال أن حفر األرض إلضافة دور ثالث‪.‬‬ ‫واآلن لنذهــب للفصــل الثــاين والــذي ســيرشح منــاذج‬
‫والصورتان ‪ 36.1‬من الطائف و ‪ 37.1‬من الرياض مها ملنظر مألوف التفاق‬
‫السكان وإيقافهم لسياراهتم بطريقة متنع املرور يف الشوارع الفرعية‪ .‬فالكل‬
‫املســؤولية يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬ثــم يليــه الفصــل الثالــث والــذي‬
‫يعلم أن هذا خمالف للتعاليم‪ ،‬إال أن الكل يفعله حلاجة الكل هلذه املواقف حتى‬ ‫ســيرشح منــاذج املســؤولية يف البيئــة املعــارصة لــرنى الفــرق بــن‬
‫وإن ُحبست بعض السيارات عن اخلروج‪ ،‬فالسكان يعرفون سيارات بعضهم‬ ‫البيئتــن‪.‬‬
‫البعض‪ .‬فهذه املخالفة غريزة لدى العامة أيضاً متى شعروا أهنم مل يروا أحداً‪.‬‬
‫أما الصورتان ‪ 38.1‬و ‪ 39.1‬يف الصفحة املقابلة من القاهرة فريك فرض الناس‬
‫يف الفصول القادمة إن شاء الله كأداة إلجياد بيئة عمرانية تلبي احتياجات‬ ‫ألذواقهم عى أعياهنم‪ .‬الحظ قيام السكان بطالء حوائطهم ليميزوا أنفسهم‬ ‫‪35.1‬‬
‫السكان ويف الوقت ذاته تزيل الرر املحتمل من احلرية املعطاة هلم حتى‬ ‫ومنازهلم عن اآلخرين‪ .‬فغريزة إظهار الذات متأصلة لدى الكثرين‪ ،‬لذلك‬
‫ال تظهر الفوىض‪ .‬والرشيعة معجزة يف هذه املسألة‪ ،‬أال وهي إجياد االتزان‬ ‫تكر األزياء وأنواع السيارات وما إىل ذلك من رضوريات وكاليات‪ .‬ويف‬
‫بن حريات األفراد واجلاعات وتاليف الرر والوصول ألفضل حل عمراين‬ ‫الصورة األخرة (‪ 40.1‬من دكا ببنجالدش) تالحظ أن كل حمل جتاري ومسكن‬
‫ممكن من خالل األعراف ليستقي منها املهنيون أفكارا تعينهم يف مهامهم‪ .‬أي‬ ‫خيتلف عا جياوره‪ .‬فبمرور الزمن يقوم كل ساكن بإجراء التعديالت التي‬
‫أن الرشيعة ال تقف عائقا أمام الغرائز اإلنسانية‪ ،‬بل توجهها ملا فيه صالح‬ ‫تناسبه ليصبح املبى ذو امللكية الواحدة بعد حن كأنه مبان صغرة متجاورة‬
‫العمران‪ .‬لكن الذي حدث كا يف الصورة األخرة عندما كان املحتل الفرني‬ ‫متى تعدد املالك وقام كل مالك بتطبيق قيمه عى ما يسيطر من أعيان‪ .‬وبالطبع‬
‫حيكم اجلزائر‪ ،‬انفلت البعض وقام بأفعال ضارة كا يف الصورة ‪ 1.17‬من تونس‬ ‫فإن بعض هذه املشاهد مؤملة لبعض املعارين‪ ،‬هلذا تظهر أمهية الرر كوسيلة‬
‫لعدم متكن السلطات من كبح هذه الغرائز والتي أتقنت الرشيعة استثارها‬ ‫حلل إشكاليات االختالفات بن الناس املحتملة‪ ،‬ففي الصورة ‪ 41.1‬من اجلزائر‬
‫باألعراف‪ .‬هلذا جيب دامئا االلتفات هلذه املسألة‪ ،‬فعندما نرى عمرانا مفعا‬ ‫العاصمة نرى حماولة مقبولة من أحد السكان حلاجته للمزيد من املساحة كيف‬
‫بالفوىض‪ ،‬جيب أن ندرك أن املسؤولية قد خرجت من أيدي سكان املوقع‪ ،‬ما‬ ‫أنه متدد يف دوره العلوية هبذه اخلارجة‪ ،‬لكن يف الصورة ‪ 42.1‬من نفس املدينة‪،‬‬
‫أدى النفالت البعض ألن الرشيعة مل تطبق‪.‬‬ ‫نرى متددا قد يؤذي اجلار املقابل‪ .‬هنا تظهر أمهية مبدأ الرر والذي سيناقش‬

‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
62
‫الفصل الثاين‬

‫يف مقدمــة هــذا التخطيــط ضــان مــكان للعيــش فيــه‪ .‬ومتــى‬ ‫ســرنكز يف هــذا الفصــل عــى تأثــر الرشيعــة يف منــاذج‬
‫اســتقر الفــرد كغــره مــن األفــراد اســتقر املجتمــع وازدهــر‬ ‫املســؤولية يف البيئــة التقليديــة باســتثناء مبــدأ الــرر الــذي‬
‫لفاعليــة أفــراده يف بنــاء املجتمــع يف شــتى املجــاالت االقتصاديــة‬ ‫ســ ُيرشح يف الفصــل الســادس والســابع‪ ،‬وباســتثناء الوراثــة‬
‫ال مــن بنــاء جمتمــع مشــلول‬ ‫والصناعيــة والعمرانيــة بــد ً‬ ‫والشــفعة واللتــان ســترشحان يف الفصــل الثامــن إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫األطــراف‪ .‬ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فــإن اهتــام النــاس مبــا ميلكــون‬ ‫واملقصــود بالبيئــة التقليديــة يف هــذا الكتــاب هــي البيئــة التــي‬
‫ــدون‬ ‫ال يقــارن باهتامهــم مبــا ال ميلكــون‪ ،‬فتجــد النــاس ِ‬
‫جي ّ‬ ‫ُبنيــت بالرجــوع إىل الرشيعــة اإلســالمية واألعــراف املحليــة‪.‬‬
‫يف صيانــة منازهلــم وطرقهــم وحمالهتــم أكــر مــن اهتامهــم‬ ‫ومل أســتخدم عبــارة البيئــة اإلســالمية حتــى ال يفهــم منهــا أن‬
‫بأمــالك الغــر‪ ،‬وهلــذا فشــلت االشــراكية‪ ،‬فهــي افرضــت أن‬ ‫البيئــة املعــارصة غــر إســالمية‪ .‬وســرون كيــف أن الرشيعــة‬
‫إقنــاع وإرغــام النــاس عــى تقديــم التكافــل االجتاعــي عــى‬ ‫وضعــت األعيــان بــكل الوســائل يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وإن مل‬
‫مصلحــة ومصــر الفــرد أمــر ممكــن التطبيــق يف كل مســتويات‬ ‫تفعــل فقــد دفعتــه إىل ذلــك بتوحيــد املســؤولية بطريقــة أو‬
‫املجتمــع‪ .‬لذلــك‪ ،‬إذا كانــت معظــم أعيــان البيئــة يف اإلذعــاين‬ ‫أخــرى يف الفريــق املســتخدم أو املســيطر أو املالــك‪.‬‬
‫املتحــد فنتوقــع أن تكــون البيئــة يف أفضــل وضــع ممكــن هلــا‬
‫مــن حيــث اهتــام النــاس هبــا‪ ،‬وبذلــك تقــل نفقــات املجتمــع‬
‫عــى صيانــة أعيانــه وادخــار تلــك النفقــات يف بنــاء أعيــان‬ ‫النموذج اإلذعاين املتحد‬
‫أخــرى‪ .‬ومــن جهــة ثالثــة‪ ،‬فــإن وضــع األعيــان يف منــاذج غــر‬ ‫لعلكــم تســألون‪ :‬ملــاذا تدفــع الرشيعــة األعيــان لإلذعــاين‬
‫اإلذعــاين املتحــد يتطلــب الكثــر مــن اجلهــد والتنســيق بــن‬ ‫املتحــد؟ واإلجابــة ســهلة ومنطقيــة‪ ،‬فــكل مــا عليــك فعلــه هــو‬
‫الفــرق‪ ،‬فتصــوري أختــي القارئــة وأخــي القــارئ أنــك تســكن‬ ‫ســؤال نفســك‪ ،‬ملــاذا حيــاول النــاس امتــالك منــزل خــاص هبــم؟‬
‫ال‪ ،‬فــإذا أردت فعــل أي‬‫يف منــزل متلكــه مؤسســة حكوميــة مث ـ ً‬ ‫فتكــون اإلجابــة‪ :‬ليســتقروا ولرتــاح باهلــم مــن خطــر بقائهــم‬
‫يشء يف املنــزل عليــك أن تأخــذ موافقــة تلــك املؤسســة والتــي‬ ‫وأبنائهــم مــن غــر ســقف جيمعهــم‪ ،‬وهبــذا يأمنــون عــى‬
‫قــد ترفــض طلبــك‪ ،‬هــذا إذا مل تصــدر لــك املؤسســة أنظمــة‬ ‫أنفســهم‪ .‬فاالســتقرار واألمــن مهــا مــن أساســيات احلضــارة‪.‬‬
‫لتتبعهــا‪ ،‬وهبــذا قــد ال جتــد راحــة يف العيــش حتــت ظــل‬ ‫فعمــوم النــاس خيططــون ملســتقبلهم ومســتقبل أبنائهــم‪ ،‬ويــأيت‬

‫‪63‬‬
‫ال يبــاع»‪ 8.‬وقــد‬ ‫هــو حــق متعلــق باهلــواء‪ ،‬وليــس اهلــواء مــا ً‬ ‫لو كمثال‬
‫ملكية ال ُع ّ‬ ‫شــبكة ألجــل الصيــد ‪ )2‬النقــل بعــد ثبــوت امللكيــة‪ :‬مثــل البيــع‬ ‫تلــك األنظمــة‪ ،‬وهــذا قــد يضطــر بعــض الســكان ملخالفتــه‪،‬‬
‫وافقهــم يف ذلــك الشــافعية‪ ،‬ففــي الفــروق للجرجــاين (ت ‪:)482‬‬ ‫واهلبــة ‪ )3‬اإلبقــاء‪ :‬مثــل الوراثــة‪ 2.‬ومــن هــذه اآلراء يتضــح أن‬ ‫ويضطــر املؤسســة إلجيــاد جهــاز ملراقبــة أولئــك الســكان‪ .‬أي‬
‫لنأخــذ اآلن ملكيــة العلــو كمثــال لتوضيــح أمهيــة هاتــن‬
‫«إذا نشــزت أغصــان شــجرة يف داره إىل دار جــاره كان جلــاره‬ ‫الطريقــة الثانيــة والثالثــة تــأيت بعــد األوىل‪ ،‬وهــي االســتيالء أو‬ ‫متــى خرجــت األعيــان عــن اإلذعــاين املتحــد كــرت املعامــالت‬
‫القاعدتــن وكيفيــة اســتخدامها مــن قبــل العلــاء لتحديــد مــا‬
‫منعــه منهــا‪ ،‬فــإن صاحلــه عنهــا بعــوض عــى أن يركهــا يف هــواء‬ ‫اإلثبــات‪ ،‬لذلــك ســرنكز عليهــا‪.‬‬ ‫الورقيــة‪ ،‬والشــكاوي واملرافعــات وقضايــا املحاكــم ومــا إىل‬
‫ـداء‪ .‬ولنبــدأ باحلاجــة‪ :‬هنــاك خــالف يف‬‫ُيــرشع فيــه امللــك إبتـ ً‬
‫داره‪ ،‬مل جيــز‪ ،‬ألنــه أخــذ العــوض عــن جمــرد اهلــواء‪ ،‬وذلــك ال‬ ‫ذلــك مــن مســائل جتلــب الضغينــة وتضيــع الكثــر مــن املــال‬
‫حكــم مــن ميلــك أرض ـاً أو مبــى هــل ميلــك مــا حتتهــا؟ يقــول‬ ‫ماهــي القواعــد التــي حتكــم امللكيــة؟ إن موضــوع‬
‫جيــوز»‪ .‬وجــاء يف املحــى يف املذهــب الظاهــري‪« :‬وال حيــل بيــع‬ ‫ال‪ .‬وهــذا‬
‫واملجهــود والوقــت يف مســائل مل تكــن لتوجــد أصــ ً‬
‫القــرايف (ت‪ )684‬إن فقهــاء املذهــب املالــي مل خيتلفــوا يف ملــك‬ ‫امللكيــة متشــعب يف الرشيعــة اإلســالمية واجتهــادات العلــاء‬
‫ال‪ ،‬كمــن بــاع مــا عــى ســقفه وجدرانــه للبنــاء عــى‬ ‫اهلــواء أصـ ً‬ ‫املثــل ال ينطبــق عــى املنــزل فقــط‪ ،‬ولكــن عــى مجيــع أماكــن‬
‫مــا فــوق البنــاء مــن اهلــواء ولكــن يف الســفل؛ وحلاجــة النــاس‬ ‫أدت إىل آراء خمتلفــة ومتعارضــة أحيان ـاً يف بعــض االجتهــادات‪،‬‬
‫ذلــك‪ ،‬فهــذا باطــل مــردود أبــدا‪ ،‬ألن اهلــواء ال يســتقر فيضبــط‬ ‫وخطــط وأعيــان البيئــة‪ .‬ولقــد اكتفيــت هنــا بذكر مثــال املنزل‬
‫للعلــو يف األبنيــة لالســتراف والنظــر إىل املواضــع البعيــدة مــن‬ ‫ولكــن برغــم اختــالف هــذه اآلراء إال أهنــا مجيعــاً تــؤدي إىل‬
‫مبلــك أبــدا‪ ،‬إمنــا هــو متمــوج ميــي منــه يشء ويــأيت آخــر‬ ‫لوضوحــه مقارنــة باألمثلــة األخــرى كــا ســرنى بإذنــه تعــاىل‪.‬‬
‫األهنــار ومواضــع الفــرح والتنــزه‪ ،‬وحلاجــة النــاس لالحتجــاب‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين املتحــد‪ .‬ولتوضيــح ذلــك ســنأخذ قاعدتــن‬
‫أبــدا‪ .‬فــكان بيعــه أكل مــال بالباطــل‪ ،‬ألنــه بــاع مــا ال ميلــك‬ ‫هــذه بعــض مزايــا اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وســنمر عــى الكثــر منهــا‬
‫عــن غرهــم بعلــو بنائهــم‪ ،‬وغــر ذلــك مــن املقاصــد التــي ال‬ ‫رئيســتن إلثبــات امللكيــة‪ ،‬وكلتامهــا خالفيتــن يف نتائجهــا بــن‬
‫وال يقــدر عــى إمســاكه‪ ،‬فهــو بيــع غــرر‪ ،‬وبيــع مــا ال ميلــك‪،‬‬ ‫التــي يصعــب رشحهــا اآلن بإذنــه تعــاىل‪.‬‬
‫تتوفــر دواعيهــم يف بطــن األرض عــى أكــر ممــا يستمســك بــه‬ ‫الفقهــاء‪ :‬األوىل هــي احلاجــة‪ ،‬والثانيــة هــي الســيطرة‪.‬‬
‫وبيــع جمهــول‪ .‬فــإن قيــل‪ :‬إمنــا بيــع املــكان ال اهلــواء‪ ،‬قلنــا‪ :‬ليس‬
‫البنــاء مــن األساســات‪ ،‬وحيــث إن الــرشع لــه قاعــدة «وهــو‬ ‫عنــد دراســة النــاذج اإلذعانيــة ملعرفــة حالــة العــن‪،‬‬
‫ال غــر اهلــواء‪ ،‬فلــو كان مــا قلتــم لــكان مل‬ ‫هنــاك مــكان أص ـ ً‬ ‫بالنســبة للحاجــة‪ :‬يقــول القــرايف رمحــه اللــه (ت‪)684‬‬
‫إمنــا ميلــك ألجــل احلاجــة‪ ،‬ومــا ال حاجــة فيــه ال يــرشع فيــه‬ ‫نركــز يف العــادة عــى العالقــات بــن الفــرق املشــركة يف‬
‫ال‪ ،‬ألنــه عــدم‪ ،‬فهــو آكل مــال بالباطــل حقــا‪ .‬فان‬ ‫يبــع شــيئا أصـ ً‬ ‫أن «الــرشع لــه قاعــدة وهــو إمنــا ميلــك ألجــل احلاجــة‪ ،‬ومــا‬
‫امللــك‪ ،‬فلذلــك مل ُميلــك مــا حتــت األبنيــة مــن ختــوم األرض‬ ‫مســؤولية تلــك العــن‪ .‬ولكــن هــذا ال ينطبــق عــى النمــوذج‬
‫قيــل‪ :‬إمنــا بــاع ســطح ســقفه وجدرانــه‪ ،‬قلنــا‪ :‬هــذا باطــل هــو‬ ‫ال حاجــة فيــه ال يــرشع فيــه امللــك»‪ ،‬فاجلنــن ملــا كان ميتــاً‬ ‫ِ‬
‫بخــالف اهلــواء إىل عنــان الســاء»‪ .‬وقــد رد ابــن الشــاط (ت‬ ‫ـرق مشــركة يف العــن؛‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وذلــك لعــدم وجــود فـ َ‬
‫أيض ـاً‪ ،‬ألنــه رشط ليــس يف كتــاب اللــه تعــاىل فهــو باطــل»‪9.‬‬ ‫رشع ـاً‪ ،‬وهــو بصــدد احلاجــة العامــة يف حياتــه ملــك األمــوال‬
‫‪ )723‬بقولــه‪« :‬إذا كانــت القاعــدة الرشعيــة أن ال ميلــك إال مــا‬ ‫إمنــا هــو فريــق واحــد ميلــك ويســيطر ويســتخدم‪ .‬لذلــك‪،‬‬
‫أمــا املالكيــة ومجهــور احلنابلــة فقــد أجــازوا بيــع اهلــواء ملــن‬ ‫باإلمجــاع‪ ،‬وامليــت بعــد احليــاة مل تبــق لــه حاجــة عامــة فلــم‬
‫فيــه احلاجــة‪ ،‬وأي حاجــة يف البلــوغ إىل عنــان الســاء؛ وإذا‬ ‫عنــد دراســة اإلذعــاين املتحــد ســرنكز عــى عالقــة هــذا الفريق‬
‫ينتفــع بــه؛ ففــي هتذيــب الفــروق‪« :‬وأمــا األهويــة فقــد اتفقــوا‬ ‫ميلــك‪ 3.‬وقاعــدة احلاجــة هــذه جيــب أن ال تتعــارض مــع حديــث‬
‫كانــت القاعــدة أنــه ميلــك ممــا فيــه احلاجــة‪ ،‬فــا املانــع مــن‬ ‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم «ال رضر وال رضار»‪4.‬‬ ‫ال‪،‬‬
‫الواحــد مــع الفــرق األخــرى لألعيــان املجــاورة‪ .‬فمثــ ً‬
‫(أي فقهــاء املالكيــة) فيهــا عــى قاعــدة أن حكمهــا تابــع حلكــم‬
‫ملــك مــا حتــت البنــاء حلفــر بــر يعمقهــا حافرهــا مــا شــاء»‪.‬‬ ‫الســاكن يف منزلــه ليســت لــه عالقــة مــع فــرق أخــرى يف نفــس‬
‫األبنيــة‪ ،‬فهــواء الوقــف وقــف‪ ،‬وهــواء الطلــق طلــق‪ ،‬وهــواء‬ ‫والقاعــدة الثانيــة هــي الســيطرة‪ :‬فالرشيعــة تســتثمر‬
‫ويشــر ابــن الشــاط أن «مــن أراد أن حيفــر مطمــورة حتــت‬ ‫العقــار ولكــن مــع جرانــه واملجتمــع ككل‪ ،‬وســيناقش هــذا يف‬
‫املــوات مــوات‪ ،‬وهــواء اململــوك مملــوك ‪ ...‬بــل قــد نــص‬ ‫الســيطرة يف املالــك‪ .‬فاألعيــان إذا مل ُينتفــع هبــا بــأن ُتصــان‬
‫ملــك غــره يتوصــل إليهــا مــن ملــك نفســه مينــع مــن ذلــك بــال‬ ‫فصــول قادمــة‪ 1.‬أمــا يف هــذا الفصــل فســنعرض املبــادئ التــي‬
‫أصحابنــا عــى بيــع اهلــواء ملــن ينتفــع بــه»‪10.‬‬
‫وهتــدم‪ ،‬فلــن تكــون مفيــدة ملســتخدميها‪ .‬أي أن‬ ‫ُوتعــدل وتبــى ُ‬ ‫ســاعدت عــى انتشــار األعيــان يف اإلذعــاين املتحــد يف البيئــة‬
‫ريــب»‪ 6.‬وجــاء يف القواعــد للزركــي (ت ‪ )794‬مــن املذهــب‬ ‫ِ‬
‫ولقــد اتفقــت آراء مجيــع املذاهــب أن بإمــكان املالــك أن‬ ‫أي عــن البــد وأن ُيســيطر عليهــا فريــق لــه االنتفــاع والترف‬ ‫ّ‬ ‫التقليديــة‪ .‬فأغلــب عنــارص البيئــة التقليديــة وفراغاهتــا‪ ،‬مثــل‬
‫الشــافعي بأنــه «ينبغــي أن ال ميلــك (أي األرض) مــن قــراره إال‬
‫يبيــع أي جــزء مــن مبنــاه كالــدور الثــاين إذا كان مبنيـاً‪ ،‬حيــث‬ ‫الســائغ رشع ـاً ال ينازعــه فيــه منــازع ألن االنتفــاع ال يكتمــل‬ ‫الطــرق النافــذة وغــر النافــذة والســاحات واألفنيــة‪ ،‬وضعــت‬
‫مــا تدعــوا احلاجــة إليــه دون مــا ســفل إىل ســبع أرضــن‪ ،‬إذ ال‬
‫إن هــذا اجلــزء حمــدد ومعلــوم‪ ،‬أي مســيطر عليــه‪ ،‬لذلــك فهــم‬ ‫بالتنــازع بــن النــاس‪ .‬ومعظــم تعاريــف امللكيــة‪ ،‬تذكــر‬ ‫يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬هــذا يف املناطــق العامــة (وهــو موضــوع‬
‫حاجــة لــه ‪ 7.»..‬إن هــذه األمثلــة الســابقة مــا هــي إال إشــارة‬
‫يقــرون مــا هــو معــروف مبلكيــة الطبقــات‪ .‬وإذا اهنــدم العلــو‬ ‫الســيطرة أو حــق التــرف أو املقــدرة عــى التــرف كــرشط‬ ‫الفصــل الســابع)‪ ،‬أمــا بالنســبة للعقــارات اخلاصــة كاملنــازل‬
‫لتوضيــح دور احلاجــة يف حتديــد امللكيــة‪.‬‬
‫فــإن صاحبــه يظــل مالــكاً هلوائــه‪ ،‬ويف هــذا يقــول ابــن رجــب‬ ‫للملكيــة‪ .‬فقــد عــرف ابــن تيميــة (ت ‪ )728‬مــن املذهــب‬ ‫والشــوارع‪ :‬فــإن مبــادئ الرشيعــة اإلســالمية أدت إىل كــرة‬
‫أمــا بالنســبة للســيطرة لتحديــد مــا يــرشع فيــه امللــك‪،‬‬ ‫احلنبــي امللكيــة بقولــه‪« :‬هــو القــدرة الرشعيــة عــى التــرف‬
‫احلنبــي (ت ‪ ) 795‬يف قواعــده‪« :‬إن صاحــب الســفل ال جيــرب عى‬ ‫العقــارات يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬للوصــول هلــذه النتيجــة‪ ،‬البــد‬
‫فــال خــالف هنــاك يف أحقيــة مالــك األرض أو املبــى يف تعليــة أو‬ ‫يف الرقبــة»‪ ،‬وعرفــه القــايض حســن بــن حممــد املــروذي (ت‬
‫البنــاء ألجــل صاحــب العلــو‪ ،‬لكــن صاحــب العلــو لــه أن يبــي‬ ‫مــن توضيــح العالقــة بــن بعــض قواعــد امللكيــة ونظــام إحيــاء‬
‫تعميــق مبنــاه ألنــه سيســيطر عــى مــا ســيبنيه‪ .‬ولكــن اختلــف‬ ‫‪ )462‬مــن املذهــب الشــافعي بأنــه «اختصــاص يقتــي إطــالق‬
‫احليطــان ويســقف عليهــا ومينــع صاحــب الســفل مــن االنتفــاع‬ ‫األرض واإلقطــاع يف الرشيعــة‪.‬‬
‫الفقهــاء يف جــواز بيــع الفــراغ فــوق ســطح املبــى‪ ،‬أو جــواز بيع‬ ‫االنتفــاع والتــرف»‪ ،‬وعرفــه ابــن اهلــام (ت ‪ )861‬مــن‬
‫بــه حتــى يعطيــه مــا بــى بــه الســفل»‪ 11.‬بينــا يقــول الشــافعي‬
‫حــق التعــي ألن هــذا الفــراغ ال يســيطر عليــه املالــك‪ .‬فذهــب‬
‫(ت ‪« :)204‬وإن ســقط البيــت مل جيــرب صاحــب الســفل عــى‬ ‫املذهــب احلنفــي بقولــه‪« :‬امللــك هــو قــدرة يثبتهــا الشــارع‬ ‫امل ِ ِ‬
‫لك ّية‬
‫احلنفيــة بعــدم اجلــواز‪ ،‬فيقــول ابــن عابديــن (ت ‪ )1252‬بأنــه‬ ‫ـداء عــى التــرف»‪ .‬ومــن هــذا يســتنتج العلــاء أن هنــاك‬ ‫ابتـ ً‬
‫البنــاء‪ ،‬وإن تطــوع صاحــب العلــو بــأن يبــي الســفل كــا كان‪،‬‬
‫«إذا كان الســفل لرجــل وعلــوه آلخــر فســقطا أو ســقط العلــو‬ ‫أشــياء ال متلــك الســتحالة الســيطرة عليهــا‪ ،‬مثــل أشــعة الشــمس‬ ‫لقــد وحــدت الرشيعــة املســؤولية يف فريــق واحــد‬
‫ويبــي علــوه كــا كان‪ ،‬فذلــك لــه وليــس لــه أن مينــع صاحــب‬
‫وحــده فبــاع صاحــب العلــو علــوه مل جيــز‪ ،‬ألن املبيــع حينئــذ‬ ‫وطبقــات اهلــواء؛ وأشــياء ال متلــك لصعوبــة الســيطرة عليهــا‪،‬‬ ‫وذلــك باســتثار الســيطرة وامللكيــة يف املســتخدم؛ فكيــف تــم‬
‫الســفل مــن ســكنه ونقــض اجلــدران لــه متــى شــاء أن هيدمهــا‪،‬‬
‫ليــس إال حــق التعــي‪ ،‬وحــق التعــي ليــس مبــال‪ ،‬ألن املــال عــن‬ ‫مثــل الســمك يف البحــر‪ 5.‬أي أن قاعــديت احلاجــة والســيطرة دون‬ ‫هــذا؟ إن مجهــور الفقهــاء يــرون أن امللكيــة تــأيت مــن ثــالث‬
‫ومتــى جــاءه صاحــب الســفل بقيمــة بنائــه كان لــه أن يأخــذه‬
‫ميكــن إحرازهــا وإمســاكها‪ ،‬وال هــو حــق متعلــق باملــال‪ ،‬بــل‬ ‫اإلرضار باآلخريــن مهــا مدخــالن البتــداء امللكيــة‪.‬‬ ‫طــرق‪ )1 :‬االســتيالء أو اإلثبــات‪ :‬مثــل إحيــاء األرض أو وضــع‬
‫منــه ويصــر البنــاء لصاحــب الســفل‪ ،‬إال أن خيتــار الــذي بــى‬

‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫‪1.2‬‬ ‫لقـد كــان اإلحيـاء مـن أهم الـوســائل البتـداء املـلكيـة يف الرشيعـة‬ ‫تطلــب اتســاع رقعتهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فقــد حظــي موضــوع إحيــاء‬ ‫أن هيــدم بنــاءه فيكــون ذلــك لــه‪ 12.»...‬ومــن البدهــي أن هذين‬
‫اإلسالمية‪ .‬ففي الصورة اجلـوية رقم ‪ 2.1‬من ‪ Google Earth‬خارج مكة‬
‫األرض باهتــام كبــر ودراســة مســتفيضة مــن العلــاء؛ وكانــت‬ ‫الرأيــن هلــا تأثــران خمتلفــان عــى البيئــة‪13.‬‬
‫املكرمـة نرى قيام السكان بإحياء األرايض رغم أن ذلك خمـالف لألنـظمـة‪.‬‬
‫األرايض غــر اململوكــة وغــر املســتخدمة تســمى باملــوات‪ .‬كا‬
‫ال ثـم بنـوا الغـرف‬ ‫الحظ كيف ٔان معظم النـاس سـوروا أراضيهم ٔاو ً‬ ‫أختــي القارئــة وأخــي القــارئ‪ :‬إذا قــرأت مــا ذكرتــه‬
‫والـبيــوت داخلهـا بطريقة كانت فيها املساحات املسـورة أكرب مما حيتـاجه‬ ‫كانــت هنــاك مبــادئ وأعــراف متبعــة المتــالك هــذه األرايض‬
‫هنــا عــن ملكيــة العلــو واضعــاً يف ذهنــك مبــدأي احلاجــة‬
‫السكان وذلـك حتسبـاً للمـستقبل إذ أن لألرض قيـمة رشائية مرتفعة يف‬ ‫ال بحديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيــا‬ ‫عم ـ ً‬
‫أيـامنـا هذه‪ ،‬وهـذا مل يكن احلـال يف البيئة التقلـيديـة كا سرنى إن شاء‬ ‫والســيطرة يف حتديــد امللكيــة فســتدرك دورمهــا لتحديــد مــا‬
‫أرض ـاً موات ـاً فهــي لــه»‪.‬‬
‫الله ذلك أن اإلحياء حيارب االحتكار ما يزيد التنمية‪.‬‬ ‫يصــح لألفــراد أن يتملكــوه‪ .‬وهنــاك اســتنتاجات أخــرى كثــرة‬
‫هنــاك خــالف بــن املذاهــب يف تعريــف األرض املــوات‬ ‫لتأثرمهــا عــى البيئــة‪ ،‬وقــد اســتخدمت ملكيــة العلــو كمثــال‬
‫وهــذا االســتنتاج مهــم للنمــوذج اإلذعــاين املتحــد كــا ســيتضح‬ ‫وبالتــايل يف احلكــم عليهــا‪ .‬فلقــد عرفهــا احلنفيــة أهنــا األرض‬ ‫توضيحــي فقــط‪ .‬ومــن هــذا املثــال ميكــن القيــاس والقــول‬
‫بإذنــه تعــاىل‪.‬‬ ‫التــي مل يكــن فيهــا أثــر زراعــة‪ ،‬وال بنــاء ألحــد‪ ،‬وليســت‬ ‫بــأن األرايض غــر اململوكــة كالصحــاري واملــوات ليســت‬
‫ملــكا ألحــد‪ ،‬ومل تكــن مــن مرافــق البلــد كأن تكــون حمتطبـاً‬ ‫ملــكاً ألحــد؛ وهــذا االســتنتاج ناتــج عــن ســؤالن‪ .‬األول‪ :‬هــل‬
‫وأمهيــة موضــوع اإلحيــاء بالنســبة لنــا هــو يف أن الســيطرة‬
‫ألهــل قريــة مــا أو مرعــى دواهبــم ومــا شــابه ذلــك‪ ،‬وأن‬ ‫بإمــكان أحــد الســيطرة عــى الصحــراء؟ والثــاين‪ :‬هــل حيتــاج‬
‫كانــت الدولــة تعــرف مبلكيــة أولئــك الذيــن أحيــوا املــوات‪.‬‬ ‫عــى األرض املوات واســتخدامها أدت إىل ملكيــة األرض للفريق‬
‫تكــون خارجــة عــن البلــد بحيــث إذا وقــف عــى أدناهــا مــن‬ ‫إليهــا هــذا الــذي حيــاول الســيطرة عليهــا كائنـاً مــن كان؟ فــإذا‬
‫ففــي كتــاب األمــوال أن حكيــم بــن رزيــق قــال ‪ :‬قــرأت‬ ‫الــذي اســتخدمها وســيطر عليهــا‪ .‬أي أن األرايض املحيــاة كانت‬ ‫العامــر منـ ٍ‬
‫ـاد بأعــى صوتــه مل يســمعه أقــرب النــاس إليهــا مــن‬ ‫اســتخدمنا قاعــديت احلاجــة والســيطرة لتحديــد امللــك‪ ،‬نصــل‬
‫كتــاب عمــر بــن عبــد العزيــز إىل أيب (يأمــره) «إن مــن أحيــا‬ ‫يف النمــوذج اإلذعــاين املتحــد؛ فهنــاك الكثــر مــن األدلــة مــن‬
‫العامــر‪ 14.‬ومــن الواضــح أن هــذا التعريف خيــرج كل األرايض‬ ‫إىل نتيجــة أساســية وهــي أن األرايض غــر اململوكــة كاملــوات‬
‫أرضــاً ميتــة ببنيــان أو حــرث‪ ،‬مــا مل تكــن مــن أمــوال قــوم‬ ‫أفعــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم واخللفــاء وبعــض‬
‫ابتاعوهــا مــن أمواهلــم‪ ،‬أو أحيــوا بعضـاً وتركــوا بعضـاً‪ِ ،‬‬ ‫املحيطــة بالعامــر مــن اإلحيــاء ألهنــا ال تعتــرب مواتـاً يف املذهــب‬ ‫ليســت ملــكاً ألحــد‪ ،‬وال حتــى الدولــة‪ .‬لقــد تناقشــت مــع زميــل‬
‫فأجــز‬ ‫احلــكام وآراء الفقهــاء التــي تؤكــد أن زراعــة أو بنــاء األرض‬
‫احلنفــي‪ ،‬فــاألرايض املتامخــة ألرض معمــورة كمزرعــة ال ميكــن‬ ‫يل وقلــت لــه‪ :‬إن أي دولــة أو مؤسســة ال ميكــن هلــا أن متتلــك‬
‫للقــوم إحياءهــم الــذي أحيــوا ببنيــان أو حــرث»‪ .‬وذكــر ابــن‬ ‫جلبــت امللكيــة ملحيــي األرض املــوات‪.‬‬
‫إحياؤهــا‪ ،‬وكذلــك األرايض التــي هــي خــارج أســوار املــدن‬ ‫ـاء عــى قاعــديت احلاجــة والســيطرة‪،‬‬ ‫األرايض غــر اململوكــة بنـ ً‬
‫قدامــة (ت ‪ )620‬بــأن عــروة قــال‪« :‬قــى بذلــك (يعــي اإلحياء)‬ ‫قــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬العبــاد عبــاد اللــه‪،‬‬ ‫ال‪ .‬ويقــول املــاوردي يف هــذا منتقــداً (ت‪ )450‬رأي املذهــب‬ ‫مثـ ً‬ ‫ولكــن عليهــا محايــة هــذه األرايض مــن األعــداء‪ .‬فأجــاب‪ :‬إن‬
‫عمــر بــن اخلطــاب يف خالفتــه وعامــة فقهــاء األمصــار عــى أن‬ ‫والبــالد بــالد اللــه‪ ،‬ومــن أحيــا أرضــاً ميتــة فهــي لــه»؛ ويف‬ ‫احلنفــي‪« :‬وهــذان القــوالن (يعــي قــول أيب حنيفــة وأيب يوســف‪،‬‬ ‫الدولــة متثــل عمــوم املســلمن‪ ،‬كــا أن أي دولــة البــد وأن حتتاج‬
‫املــوات ميلــك باإلحيــاء وإن اختلفــوا يف رشوطــه»‪ 19.‬ومــا ذكــر‬ ‫حديــث آخــر يف املوطــأ قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيا‬ ‫ت ‪ )182‬خيرجــان عــن املعهــود يف اتصــال العارات ويســتوي يف‬ ‫ال‪.‬‬
‫ال كبنــاء مطــار مث ـ ً‬
‫إىل الكثــر مــن األرايض ملنشــآهتا مســتقب ً‬
‫ســابقاً مــا هــو إال القليــل للتأكيــد عــى أن أولئــك الذيــن أحيــوا‬ ‫أرضــاً فهــي لــه‪ ،‬وليــس لعــرق ظــامل حــق»‪ ،‬وأضــاف مالــك‬ ‫إحيــاء املــوات جرانــه واألباعــد»‪ .‬فكــا تعلــم أخــي القــارئ‬ ‫قلــت‪ :‬يف تلــك احلالــة عــى الدولــة أن حتــدد بعــض املناطــق‬
‫املــوات أصبحــوا مــالكاً هلــا‪.‬‬ ‫(ت ‪« :)179‬وعــى ذلــك األمــر عندنــا»‪ .‬ويف حديــث ثالــث‬ ‫فــإن مبــاين وعقــارات البيئــة التقليديــة متالصقــة‪ .‬فكيــف‬ ‫ال لتمتلكهــا؛ فــاألرض ملــك لعموم‬ ‫التــي قــد حتتــاج إليهــا مســتقب ً‬
‫واآلن ســأذكر بعــض مبــادئ اإلحيــاء التــي قــد ال تبــدو‬ ‫الم (ت ‪)224‬‬ ‫ذكــره اإلمــام احلافــظ أيب عبيــد القاســم بــن ســ ّ‬ ‫تكــون متالصقــة إذا مل تكــن أراضيهــا مواتــاً ثــم أحييــت؟‬ ‫ال‪ :‬ولكــن مــن يعلــم‬
‫املســلمن كــا هــو معــروف‪ .‬فأجــاب قائـ ً‬
‫متعلقــة مبوضوعنــا (اإلذعــاين املتحــد)‪ ،‬ولكــن ســتظهر العالقــة‬ ‫قــال صلــوات اللــه وســالمه عليــه‪« :‬مــن أحيــا أرضـاً ميتــة فهــي‬ ‫وهــذا مــا قصــده املــاوردي‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬بقولــه «خيرجــان عــن‬ ‫أيــن ومتــى ســتقرر الدولــة إنشــاء مطــار أو مدينــة حديثــة أو‬
‫عنــد التعليــق عليهــا جمتمعــة فيــا بعــد‪.‬‬ ‫لــه‪ .‬ومــا أكلــت العافيــة منهــا فهــي لــه صدقــة»‪ .‬ويف صحيــح‬ ‫املعهــود يف اتصــال العــارات»‪ .‬أمــا املذاهــب الثالثــة األخــرى‬ ‫مينــاء بحــري؟ وهنــا رشحــت لــه اآليت مــن إحيــاء املــوات‪.‬‬
‫البخــاري أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن أعمــر‬ ‫فــال تتفــق مــع املذهــب احلنفــي يف اشــراط ال ُبعــد عــن العامــر‪.‬‬
‫يتفــق الفقهــاء يف أن األرايض اململوكــة وغــر العامــرة ال‬
‫أرضـاً ليســت ألحــد فهــو أحــق»‪ 17.‬ويف الواقــع‪ ،‬فــإن أحاديــث‬ ‫فاملــوات عنــد الشــافعية كــا عرفــه املــاوردي‪ :‬هــو كل مــا مل‬
‫متلــك باإلحيــاء؛ ولكــن االختــالف يف مــا كان عامــراً مــن أرايض‬ ‫اإلحياء‬
‫اإلحيــاء كثــرة جــد ًا ومرويــة بطــرق خمتلفــة ومثبتــة األســانيد‪.‬‬ ‫ال بعامــر‪ .‬وقــال‬‫يكــن عامــراً وال حرمي ـاً لعامــر وإن كان متص ـ ً‬
‫ال عــى ثالثــة أقــوال‪:‬‬ ‫املســلمن فخــرب وصــار مواتــاً عاطــ ً‬
‫فعــى ســبيل املثــال ال احلــر‪ ،‬ذكرهــا محيــد بــن زنجويــه (ت‬ ‫الشــافعي رمحــه اللــه (ت‪« :)204‬بــالد املســلمن شــيئان‪ :‬عامــر‬ ‫إن اإلحيــاء هــو البــذرة التــي جعلــت مــن املدينــة‬
‫قــال مالــك‪ :‬ميلــك باإلحيــاء ســواء ُعــرف أربابــه أو مل يعرفــوا‪،‬‬
‫‪ )125‬يف كتــاب األمــوال ســت مــرات‪ ،‬وذكرهــا حييــى بــن آدم‬ ‫ومــوات‪ ،‬فالعامــر ألهلــه كل مــا صلــح بــه العامــر إن كان‬ ‫التقليديــة حديقــة تعــج باألعيــان ذات اإلذعــاين املتحــد‪.‬‬
‫ألن أصــل هــذه األرض مبــاح‪ ،‬فــإذا تركــت حتــى تصــر موات ـاً‬
‫القــريش (ت ‪ )203‬يف كتــاب اخلــراج أكــر مــن ثــالث عــرشة‬ ‫مرفقــاً ألهلــه مــن طريــق وفنــاء ومســيل مــاء أو غــره فهــو‬ ‫ولعــل قــراءة الصفحــات التاليــة قــد تكــون مملــة بعــض الــيء‬
‫مــاء مــن هنــر ورده فيــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫عــادت إىل اإلباحــة‪ ،‬كمــن أخــذ‬
‫مــرة وبأســانيد وألفــاظ خمتلفــة داللــة عــى تأكيــد تطبيقاهتــا‪.‬‬ ‫كالعامــر يف أن ال ميلــك عــى أهلــه إال بإذهنــم‪ ،‬اهـــ‪ .‬واملــوات‬ ‫ملصطلحاهتــا الفقهيــة‪ ،‬ولكــن البــد لنــا مــن ذلــك لنــدرك غــرس‬
‫وقــال الشــافعي بأنــه ال ميلــك باإلحيــاء ســواء ُعــرف أربابــه أو‬
‫ال‪ ،‬قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحــاط حائط ـاً عــى‬ ‫مث ـ ً‬ ‫هــو األرض اخلــراب الدارســة ‪ 15.»...‬وعنــد املالكيــة املــوات‬ ‫الرشيعــة لبــذرة اإلحيــاء يف البيئــة التقليديــة‪ .‬ولعــل اإلحيــاء‬
‫مل يعرفــوا‪ .‬أمــا أبــو حنيفــة فقــال إن ُعــرف أربابــه مل ميلــك‬
‫وجتمــع‬‫باإلحيــاء‪ ،‬وإن مل يعرفــوا ملــك باإلحيــاء بــإذن اإلمــام‪ُ .‬‬
‫ال‬
‫وي مــن أن رجـ ً‬ ‫يشء فهــو لــه»‪ 18.‬ومــن هــذه التطبيقــات مــا ُر َ‬ ‫هــو األرض التــي ال مالــك هلــا وال ينتفــع هبــا‪ .‬وعرفهــا احلنابلــة‪:‬‬ ‫هــو أهــم مــا مييــز املدينــة التقليديــة عــن غرهــا مــن املــدن‪.‬‬
‫جــاء إىل عــي ريض اللــه عنــه فقــال‪« :‬أتيــت ارضـاً قــد خربــت‬ ‫بأهنــا كل أرض بائــرة مل يعلــم أهنــا ملكــت أو ملكهــا مــن ال‬
‫املذاهــب األربعــة أن مــا كان عامــراً مــن أرايض غــر املســلمن‬ ‫إن االســتيالء عــى األرايض كان أمــراً شــائعاً يف القــرون‬
‫وعجــز عنهــا أهلهــا‪ ،‬فكريــت أهنــار ًا وزرعتهــا‪ .‬قــال ‪ :‬كل‬ ‫عصمــة لــه‪ 16.‬وكــا هــو مالحــظ فــإن مجيــع هــذه التعاريــف‬
‫ال فهــي كاملــوات‪ ،‬كالــذي مل يثبــت‬ ‫فخــرب وصــار مواتـاً عاطـ ً‬ ‫األوىل لإلســالم‪ ،‬حيــث أنشــئت املــدن يف املناطــق املفتوحــة أو‬
‫فيــه عــارة‪ ،‬فيجــوز إحيــاؤه‪20.‬‬ ‫هنيئ ـاً وأنــت مصلــح غــر مفســد‪ ،‬معمــر غــر خمــرب»‪ .‬ولقــد‬ ‫وغرهــا ال تقحــم احلاكــم أو الدولــة كالــك لــألرض املــوات‪،‬‬
‫التــي أســلم أهلهــا وعاشــت هــذه املــدن ازدهــارا مفاجئ ـاً ممــا‬

‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫ديــوان اجليــش‪ .‬أمــا األرايض املعطــاة لبيــت املــال مــن النــاس‪،‬‬ ‫املدينــة صنفــن أحدمهــا معمــور ببنــاء وحفــر وغــراس وزرع‪،‬‬ ‫واآلجــر والطــن واجلــص إن كانــت عادهتــم ذلــك‪ ،‬أو القصــب‬ ‫ولكــن ماهــي األعــال املطلوبــة لإلحيــاء واملؤديــة‬
‫فكــا حــدث يف املدينــة عندمــا أعطــى األنصــار األرايض التــي‬ ‫واآلخــر خــارج مــن ذلــك‪ ،‬فأقطــع رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫أو اخلشــب إن كانــت عادهتــم ذلــك‪ ،‬ويســقف وينصــب عليــه‬ ‫مللكيــة األرض؟ هــي كل مــا لــزم مــن األعــال للوظيفــة املحيــاة‬
‫مل يتمكنــوا مــن اســتصالحها إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫عليــه وســلم اخلــارج مــن ذلــك مــن الصحــراء اســتدللنا عــى أن‬ ‫البــاب ألنــه ال يصلــح للســكى مبــا دون ذلــك‪ ،‬فــإن أراد مراحـاً‬ ‫بنــاء عــى عــرف أهــل املنطقــة التــي هبــا‬
‫ً‬ ‫مــن أجلهــا األرض‬
‫وســلم‪ 27.‬ومــن هــذا يتضــح بــأن أكــر اإلقطاعــات البــد وأن‬ ‫الصحــراء وإن كانــت منســوبة إىل حــي بأعياهنــم ليســت ملــكا‬ ‫للغنــم أو احلظــرة للشــوك واحلطــب بــى احلائــط ونصــب عليــه‬ ‫األرض املــوات‪ .‬ويف هــذا يقــول املــاوردى‪« :‬وصفــة اإلحيــاء‬
‫تكــون مــن األرايض املــوات‪ ،‬والقليــل جــداً مــن بيــت مــال‬ ‫هلــم كملــك مــا أحيــوا ‪ .»...‬فــإذا ُملكــت األرايض املــوات‬ ‫البــاب‪ ،‬ألنــه ال يصــر مراح ـاً وحظــرة مبــا دون ذلــك ‪21.»...‬‬ ‫معتــربة بالعــرف فيــا يــراد لــه اإلحيــاء‪ ،‬ألن رســول اللــه صــى‬
‫املســلمن إذا مــا قورنــت باملــوات‪.‬‬ ‫لبيــت املــال‪ ،‬لــكان التــرف هبــا يف أيــدي احلــكام وأهوائهــم‪،‬‬ ‫ومــن هــذا يتضــح أن األعــراف هــي التــي حتــدد معــى اإلحيــاء‪.‬‬ ‫اللــه عليــه وســلم أطلــق ذكــره إحالــة عــى العــرف املعهــود‬
‫وهــذه كارثــة كــا ســرنى‪ .‬ويقــول اإلمــام حممــد أبــو زهــرة يف‬ ‫وســنعلق عــى اإلحيــاء بعــد توضيــح اإلقطــاع الشــراكها يف‬ ‫فيــه‪ ،‬فــإن أراد إحيــاء املــوات للســكى كان إحيــاؤه بالبنــاء‬
‫ثــم يــأيت الســؤال‪ :‬إذا كان للنــاس إحيــاء املــوات دون‬
‫أهــواء احلــكام‪« :‬وقــد رأينــا بعــض الذيــن يكتبــون يف املســائل‬ ‫بعــض اخلصائــص‪.‬‬ ‫والتســقيف‪ ،‬ألنــه أول كــال العــارة التــي ميكــن ســكناها»‪.‬‬
‫إذن اإلمــام؛ فلــاذا اإلقطــاع مــن األرايض املــوات؟ أي إذا كان‬
‫اإلســالمية يقــول‪ :‬إن امللكيــة وظيفــة اجتاعيــة وال نــرى‬ ‫ويظهــر أنــه الختــالف األعــراف مــن منطقــة إىل أخــرى‬
‫للنــاس اإلحيــاء مــن املــوات‪ ،‬فلــاذا يذهبــون للســلطان أو‬
‫مانعـاً مــن اســتعال هــذا التعبــر‪ ،‬ولكــن جيــب أن يعــرف أهنــا‬ ‫ال‪،‬‬
‫اختلفــت آراء الفقهــاء يف حتديــد املطلــوب لإلحيــاء‪ .‬فمثــ ً‬
‫ينتظرونــه ليقطعهــم؟ فبإمكاهنــم اإلحيــاء ! واإلجابــة هــي أن‬
‫بتوظيــف اللــه تعــاىل ال بتوظيــف احلــكام؛ ألن احلــكام ليســوا‬
‫اإلقطاع‬ ‫ال يشــرط أبــو يعــى احلنبــي (ت ‪ )458‬التســقيف لإلحيــاء‬
‫اســتخدام اإلقطــاع تركــز أكــر يف حالــة بنــاء املــدن اجلديــدة‬
‫دامئــا عادلــن‪ ،‬فلــو كانــوا عادلــن دامئــا كعمــر بــن اخلطــاب أو‬ ‫املســ َت ْقطَع (أي‬
‫اإلقطــاع هــو إقطــاع اإلمــام (احلاكــم) ْ‬ ‫للســكى مثــل املــاوردي‪ ،‬فيقــول‪« :‬وصفــة اإلحيــاء فيــا يــراد‬
‫كبغــداد‪ .‬وهــذا واضــح مــن كــرة مــا ُد ّون مــن اإلقطاعــات يف‬
‫عثــان بــن عفــان أو الصديــق أو عــي أو عمــر بــن عبــد العزيز‬ ‫الشــخص الــذي ســيأخذ األرض) قــدر مــا يته َّيــأ لــه عارتــه‪،‬‬ ‫للســكى حيازهتــا ببنــاء حائــط‪ ،‬وال يشــرط فيــه تســقيف‬
‫ال يف‬
‫كتــب التاريــخ‪ .‬فلقــد اســتخدمها البــالذري (ت ‪ )279‬مث ـ ً‬
‫لقلنــا‪ :‬إن التوظيــف منهــم ســيكون دامئـاً يف دائــرة العــدل واحلق‬ ‫كأن يعطــي احلاكــم أرض ـاً لرجــل يف منطقــة مــا ليعمرهــا كــا‬ ‫البنــاء»؛ أمــا بالنســبة للزراعــة فيقــول‪« :‬وفيــا يــراد للــزرع‬
‫كتابــه فتــوح البلــدان يف أكــر مــن مخســن موضعـاً‪ .‬ويف أحــد‬
‫ال فســنجد غــره‬ ‫ومــا رشعــه اللــه تعــاىل‪ ،‬ولكــن إذا صادفنــا عــاد ً‬ ‫هــو احلــال يف أيامنــا هــذه‪ ،‬وهــي مــا تعــرف بـــ «أرايض املنــح»‬ ‫والغــرس أحــد شــيئن‪ :‬إمــا حيازهتــا بحائــط‪ ،‬أو ســوق املــاء‬
‫هــذه املواضــع يقــول‪« :‬ثــم اســتخلف أمــر املؤمنــن جعفــر‬
‫مــراراً ‪ .»...‬ويقــول ابــن رجــب احلنبــي يف اســتيالء امللــوك‬ ‫يف بــالد احلرمــن‪ 22.‬وبالطبــع ال يكــون للســلطان إقطــاع مــا‬ ‫إليهــا إن كانــت يبســاً‪ ،‬أو حبســه عنهــا إن كانــت بطائــح (‬
‫املتــوكل عــى اللــه‪ ،‬رمحــه اللــه‪ ،‬يف ذي احلجــة ســنة إثنــن‬
‫عــى ســواد العــراق واســتقطاعهم واســتصفاؤهم ألنفســهم‬ ‫كان مملــوكاً ألحــد‪ ،‬ولكــن لــه أن يقطــع مــن املــوات‪ ،‬أو ممــا‬ ‫ســاحل البطيحــة وهــي األرض ذات املــاء املســتنقع)‪ ،‬ألن إحيــاء‬
‫ـاء كثــر ًا وأقطــع‬
‫وثالثــن ومائتــن‪ ،‬فأقــام باهلــاروين وبــى بنـ ً‬
‫وأعواهنــم‪« :‬وهلــذا كان أهــل الــورع الدقيــق مــن العلــاء‬ ‫متلكــه الدولــة (بيــت املــال)‪ .‬واإلقطــاع نوعــان‪ :‬إقطــاع متليــك‬ ‫اليبــس بســوق املــاء إليــه‪ ،‬وإحيــاء البطائــح بحبــس املــاء عنهــا‬
‫النــاس يف ظهــر رس مــن رأى باحلائــر الــذي كان املعتصــم‬
‫باللــه احتجــره هبــا قطائــع‪ ،‬فاتســعوا هبــا وبــى مســجداً جامعـاً‬
‫كابــن ســرين والثــوري وأمحــد يتشــددون يف قطائــع األمــراء‬ ‫وإقطــاع اســتغالل‪ .‬وقــد قســم العلــاء األرض الـــ ُم ْقطَ َعة إىل‬ ‫حتــى ميكــن زرعهــا وغرســها»‪ .‬وإحيــاء قريــة يف الصحــراء‬
‫وصوافهــم ألنفســهم وأعواهنــم‪ ،‬وال يــرون الســكى فيهــا وال‬ ‫ثالثــة أقســام‪ :‬مــوات وعامــر ومعــادن‪ 23.‬وســرنكز هنــا عــى‬ ‫يكــون‪ ،‬كــا يقــول الشــيخ حممــد ابــو زهــرة «بتســوية أرضهــا‪،‬‬
‫كبــراً وأعظــم النفقــة عليــه وأمــر برفــع منارتــه لتعلــو أصــوات‬
‫األكل مــن زرعهــا ألهنــا يف أيدهيــم كالغصــب‪ ،‬ألهنــا مــن مــال‬ ‫املــوات والــذي ق ُّســم أيضـاً إىل نوعــن‪ :‬األول هــي األرض التــي‬ ‫وبنــاء جــدر حوهلــا وتقســيمها بيوتــاً ودوراً وحوانيتــاً ونحــو‬
‫املؤذنــن فيهــا حتــى نظــر إليهــا مــن فراســخ‪ ،‬فجمــع النــاس‬
‫الفــيء‪ ،‬وهــم مســتولون عليهــا بغــر حــق وال يعطــون املســلمن‬ ‫كانــت وال تــزال موات ـاً‪ ،‬ملــا روى وائــل بــن حجــر «أن رســول‬ ‫ذلــك»‪ .‬وال يشــرط مللكيــة األرض املحيــاة بــأن تســكن أو‬
‫فيــه وتركــوا املســجد األول‪ ،‬ثــم أنــه أحــدث مدينــة ســاها‬
‫بخــراج وال غــره»‪26.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أقطعــه أرضــاً فأرســل معاويــة‬ ‫تــزرع‪ ،‬إمنــا هتيئتهــا فقــط للزراعــة أو الســكن‪ .‬ويف هــذا‬
‫املتوكليــة وعمرهــا وأقــام هبــا وأقطــع النــاس القطائــع»‪28.‬‬
‫أن أعطــه إيــاه أو أعلمــه إيــاه»‪ 24.‬والنــوع الثــاين هــي األرض‬ ‫يقــول املــاوردي (وهــو شــافعي املذهــب)‪« :‬وغلــط بعــض‬
‫وإذا مل تكــن األرايض غــر اململوكــة ملــكاً لبيــت مــال‬
‫وكل مــا أريــد أن أخلــص إليــه مــن الســابق‪ ،‬هــو أن‬ ‫التــي كانــت عامــرة وخربــت فصــارت مواتــاً‪ .‬وهــذا النــوع‬ ‫أصحــاب الشــافعي فقــال‪ :‬ال ميلكــه (أي األرض املحيــاة) حتــى‬
‫املســلمن‪ ،‬فالســؤال يف هــذه احلالــة هــو‪ :‬ماهــي األرايض‬
‫األرايض غــر العامــرة مل تكــن مملوكــة ال ألفــراد وال لبيــت مــال‬ ‫جيــوز للحاكــم إقطــاع مــا كان معمــور ًا منــه بغــر املســلمن‪،‬‬ ‫يزرعــه أو يغرســه‪ ،‬وهــذا فاســد ألنــه مبنزلــة الســكى التــي ال‬
‫العامــرة والتــي ميلكهــا بيــت املــال‪ ،‬و ُي ْق ِطــع منهــا الســلطان‬
‫املســلمن‪ ،‬وأن هــذه األرايض كانــت تعتــرب مواتـاً‪ ،‬وأن اإلحيــاء‬ ‫واختلــف الفقهــاء يف حكــم مــا إذا كانــت بيــد املســلمن قبل أن‬ ‫تعتــرب يف متلــك املســكون»‪ .‬ويف توضيــح صفــة احلائــط املــراد‬
‫لألفــراد إضافــة إىل األرايض املــوات؟ وال أقصــد يف هــذا الســؤال‬
‫واإلقطــاع مهــا الوســيلتان األساســيتان البتــداء امللكيــة يف أي‬ ‫تصــر خرابـاً؛ وأقواهلــم هــي نفــس األقــوال بشــأن اإلحيــاء‪25.‬‬ ‫حتويــط األرض هبــا إلحيــاء األرض يقــول ابــن قدامــة‪« :‬والبــد‬
‫األرايض التــي هبــا املعــادن‪ ،‬ولكــن األرايض الصاحلــة لإلعــار‬
‫منطقــة عامــرة‪ .‬وأن إقطــاع األرايض كان أمــر ًا شــائعاً وعمــل به‬ ‫أن يكــون احلائــط منيع ـاً مينــع مــا وراءه ويكــون ممــا جــرت‬
‫مــن ســكن أو زرع أو اســتثار للــال أو املجهــود مثــل إنشــاء‬ ‫ولكــن تذكــر أخــي القــارئ أنــه اســتناد ًا إىل مــا ُرشح يف‬
‫الكثــر مــن احلــكام؛ وهذا معنــاه أن األرايض املــوات يف الغالب‪،‬‬ ‫العــادة مبثلــه وخيتلــف باختــالف البلــدان فلــو كان ممــا جــرت‬
‫مصنــع أو مزرعــة‪ .‬ويف هــذا نحتــاج إىل بحــث شــامل لتحديــد‬ ‫امللكيــة عــن احلاجــة والســيطرة‪ ،‬فــإن بيــت مــال املســلمن ال‬
‫واألرايض اململوكــة لبيــت املــال أحيان ـاً‪ ،‬متلــك باإلحيــاء (كــا‬ ‫عادهتــم باحلجــارة وحدهــا كأهــل حــوران وفلســطن أو بالطــن‬
‫طــرق ورود األرايض العامــرة لبيــت مــال املســلمن‪ .‬والظاهر يل‬ ‫ميلــك األرض غــر اململوكة ســواء كانــت لألفــراد أو للجاعات‪،‬‬
‫ســرنى يف الفصــل اخلامــس)‪ .‬أي أنــه مل يكــن هنــاك أي عائــق‬ ‫كالفطائــر ألهــل غوطــة دمشــق أو باخلشــب أو بالقصــب‬
‫اآلن هــو أن مــن أهــم هــذه الطــرق‪ :‬الصــوايف واألرايض املعطــاة‬ ‫أي أن الدولــة ال متلــك األرض غــر اململوكــة كاملــوات؛ وهــذا‬
‫أمــام مــن أراد أن يعمــل ليمتلــك قطعــة مــن األرض؛ والــكل‬ ‫كأهــل الغــور كان ذلــك إحيــاء»‪ .‬ويف املجمــوع‪« :‬واإلحيــاء‬
‫يعلــم أن هــذه هــي العقبــة األوىل يف أيامنــا هــذه‪ .‬والســؤال‬
‫لبيــت املــال مــن النــاس والغنائــم‪ .‬وكل هــذه املصــادر نــادرة يف‬ ‫مــن ِحكْمــة الشــارع‪ :‬فــاألرض أرض اللــه والعبــاد عبــاد اللــه‪.‬‬
‫الــذي ميلــك بــه أن يعمــر األرض ملــا يريــده‪ ،‬ويرجــع يف ذلــك‬
‫أيامنــا هــذه‪ .‬فالصــوايف هــي مــا أصطفــاه اإلمــام لبيت املــال من‬ ‫ويف هــذا يقــول الشــافعي بعــد ذكــر حديثــن لإلحيــاء‪« :‬ففــي‬
‫مل ال يتنافــس األفــراد‪ ،‬وبالــذات‬ ‫البدهــي يف هــذه احلالــة هــو‪َ ِ :‬‬ ‫إىل العــرف‪ ،‬ألن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أطلــق اإلحيــاء‬
‫فتــوح البــالد‪ :‬كأمــوال احلــكام وأهليهــم أو أمــوال رجــل قتــل‬ ‫هذيــن احلديثــن وغرمهــا الداللــة عــى أن املــوات ليــس ملــكا‬
‫املحتاجــون منهــم‪ ،‬يف إحيــاء األرض وإعارهــا إذا علمــوا أن‬ ‫ومل يبــن فحمــل عــى املتعــارف‪ ،‬فــإن كان يريــده للســكى‬
‫يف احلــرب أو مــا هــرب عنــه أربابــه‪ ،‬ومثــال لذلــك مــا أصطفــاه‬ ‫ألحــد بعينــه ‪ ...‬واملدينــة بــن البتــن تنســب إىل أهلهــا مــن‬
‫كل أرض مــوات متلــك بالعمــل‪ ،‬وأن أي قطعــة أرض ال مالــك‬ ‫فــأن (كــذا‪ ،‬وقــد تكــون كأن) يبــي ســور الــدار مــن اللــن‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه مــن أرض الســواد ووضــع‬ ‫األوس واخلــزرج ومــن فيــه مــن العــرب والعجــم‪ ،‬فلــا كانــت‬
‫هلــا تعتــرب موات ـاً ؟ ألــف نعــم‪ :‬ســيعملون وحييــون املــوات‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪68‬‬
‫أيضـاً عــى الظاهــر مــن املذهــب الشــافعي‪ ،‬وجــوزه كثــر مــن‬ ‫ففــي حاشــية الباجــوري (ت ‪« :)1277‬فــإن طالــت عرفــا مــدة‬
‫استثار املجهودات‬ ‫أصحــاب الشــافعي‪ .‬ولقــد كان بعــض احلــكام يأخــذون األرض‬ ‫حتجــره بــال عــذر قــال لــه اإلمــام‪ :‬احيــي أو اتــرك»‪ 32.‬ومــن‬ ‫قواعد اإلحياء واإلقطاع‬
‫التــي ِ‬
‫عجــز عــن عارهتــا امل ُ ْقطَــع لــه لتعطــى لغــره‪ .‬فيذكــر‬ ‫كل هــذا يتضــح أن األرض املحتجــره ال تعتــرب مملوكــة عــى رأي‬
‫كــا الحظنــا فالبــد للمحيــي أو املقطعــة لــه األرض مــن‬ ‫البــالذري بــأن زيــاداً «كان يقطــع الرجــل القطيعــة ويدعــه‬ ‫أكــر الفقهــاء‪ ،‬وال جيــوز بيعهــا إذا مل حتيــى‪ :‬ويف هــذا يقــول‬ ‫ليســت مبــادئ امللكيــة (الســيطرة واالســتخدام) هــي‬
‫وضــع بعــض املجهــود مــن عــارة أو زراعــة ليمتلــك األرض‪.‬‬ ‫ســنتن فــإن عمرهــا وإال أخذهــا منــه‪ ،‬فكانــت اجلمــوم أليب‬ ‫أبــو يعــى احلنبــي‪« :‬فلــو أراد املحتجــر عــى األرض بيعهــا قبــل‬ ‫التــي حثــت النــاس عــى العمــل إلمتــالك عقــار فقــط‪ ،‬بــل‬
‫وحتــى لإلحتجــار‪ ،‬فالبــد للشــخص مــن بــذل بعــض املجهــود‬ ‫بكــر ثــم صــارت لعبــد الرمحــن ابــن أيب بكــرة ‪ 33.»...‬ويظهــر‬ ‫إحيائهــا مل جيــز عــى ظاهــر كالم أمحــد ‪» ...‬؛ ومل جيــز بيعهــا‬ ‫أغلــب قواعــد اإلحيــاء واإلقطــاع‪ ،‬إن مل تكــن مجيعهــا‪،‬‬
‫ال‪ .‬أي أن‬
‫للحصــول عــى حــق االختصــاص مثــل بنــاء حائــط مثـ ً‬ ‫أن مبــدأ اســرجاع األرض املقطعــة ممــن ال يقــدر عــى إحيائهــا‬ ‫شــجعت األفــراد ودفعتهــم للمبــادرة والعمــل المتــالك أرض‬‫َّ‬
‫مبــدأ امللكيــة باســتثار بعــض املــال أو املجهــود قــد يــؤدي إىل‬ ‫بــدأت بفعــل عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه عندمــا أخــذ مــا‬ ‫ووضعهــا يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وســأذكر بعــض هــذه القواعــد‬
‫‪2.2‬‬
‫التشــاح (النــزاع) بــن النــاس‪ .‬فقــد يقــوم شــخص مــا بإحيــاء‬ ‫مل يتمكــن بــالل بــن احلــارث مــن إحيائــه مــن األرض املقطعــة‬ ‫(االحتجــار واإلمهــال واســتثار املجهــودات وإذن اإلمــام أو‬
‫أرض ميلكهــا آخــر ظنــاً منــه أهنــا مــوات‪ ،‬أو حتــى عمــد ًا‬ ‫ٍ‬ ‫لــه مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪34.‬‬ ‫الســلطات) ثــم أعلــق عليهــا جمتمعــة‪.‬‬
‫لــإلرضار بــه‪ .‬ويف هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن جمهــودات هــذا الــذي‬
‫اســتثمر يف أرض غــره ال تضيــع‪ .‬فكيــف هــذا؟‬
‫اإلمهال‬ ‫االحتجار‬
‫قــال صلــوات اللــه وســالمه عليــه‪« :‬مــن زرع يف أرض‬
‫قــوم بغــر إذهنــم فلــه نفقتــه‪ ،‬وليــس لــه مــن الــزرع يشء»‪.‬‬ ‫لقــد قــال مجهــور الفقهــاء إن امللــك ال يكــون مرهونــاً‬ ‫االحتجــار هــو تعليــم األرض املــوات أو األرض امل ُ ْقطعــة‬
‫ال أحيــا أرض ـاً موات ـاً؟ فغــرس فيهــا‪ ،‬وعمــر‪،‬‬ ‫بوقــت معــن عنــد ثبوتــه‪ ،‬أي ال يكــون كملكيــة املنافــع لفــرة‬ ‫ُبغيــة البــدء يف إحيائهــا؛ وقــد يكــون التعليــم بوضــع عالمــات‬
‫وقــد ورد أن «رج ـ ً‬
‫فأقــام رجــل البينــة أهنــا لــه‪ ،‬فاختصــا إىل عمــر بــن اخلطــاب‪،‬‬ ‫معلومــة مثــل املســتأجر للمنــزل أو احلانــوت أو كملكيــة‬ ‫مــن احلجــارة أو الــراب أو غــرس أخشــاب أو تســوير األرض‬
‫‪3.2‬‬ ‫بحائــط أو شــوك أو ماشــابه ذلــك‪ ،‬ل ُيســتدل عــى حدودهــا‬
‫قومنــا عليــك مــا أحــدث‬ ‫فقــال لصاحــب األرض‪ :‬إن شــئت ّ‬ ‫شــخص لــدار أو مزرعــة لفــرة طويلــة معلومة كتســع وتســعن‬
‫هــذا‪ ،‬فأعطيتــه إيــاه‪ ،‬وإن شــئت أن يعطيــك قيمــة أرضــك‬ ‫ســنة‪ .‬بــل إن ملكيــة األعيــان يف الرشيعــة هــي ملكيــة مؤبــدة‬ ‫(الصورتــان ‪ 2.2‬و ‪ .)3.2‬وقــد ورد أن رســول اللــه صــى اللــه‬
‫أعطــاك»‪ 38.‬أمــا إذا أىب صاحــب األرض أن يعطــي العامــر قيمــة‬ ‫مــا مل يكــن هنــاك ســبب ناقــل للملــك مثــل البيــع‪ .‬لذلــك‬ ‫ـادي األرض للــه وللرســول ثــم لكــم مــن‬
‫عليــه وســلم قــال‪« :‬عـ ّ‬
‫عارتــه‪ ،‬فيقــول ابــن الرامــي (وهــو ب ّنــاء وفقيــه مــن املذهــب‬ ‫يــأيت الســؤال ‪ :‬هــل يــزول امللــك باإلعــراض عــن اململــوك أو‬ ‫بعــد‪ ،‬فمــن أحيــا أرض ـاً ميتــة فهــي لــه‪ ،‬وليــس ملحتجــر حــق‬
‫املالــي وتــويف يف منتصــف القــرن الثامــن اهلجــري)‪« :‬تكــون‬ ‫ــك مــن األعيــان‬ ‫إمهالــه؟ اتفــق مجهــور الفقهــاء بــأن مــا ام ُتلِ َ‬ ‫بعــد ثــالث ســنن»‪ ،‬وقــال عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪:‬‬
‫(أي األرض) رشكــة بينهــا‪ ،‬رب األرض بقيمــة أرضــه براحــاً‪،‬‬ ‫ال يقبــل اإلســقاط؛ كمــن أطلــق دابتــه وأخذهــا آخــر‪ ،‬فــإن‬ ‫«مــن أحيــا أرض ـاً ميتــة فهــي لــه‪ ،‬وليــس ملحتجــر حــق بعــد‬
‫والعامــر بقيمــة عارتــه‪ ،‬وال جيــرب العامــر أن يعطــي لــرب‬ ‫اآلخــر ال ميلكهــا؛ وكذلــك األرض املشــراه أو املعطــاه‪ ،‬ال‬ ‫ال كانــوا حيتجــرون مــن األرض‬ ‫ثــالث ســنن»‪ ،‬وذلــك ألن رجــا ً‬
‫األرض قيمــة أرضــه وخيرجــه منهــا»‪ 39.‬ويف كتــاب األمــوال‪:‬‬ ‫تــزول ملكيتهــا بإمهــال مالكهــا حتــى وإن صــارت خراب ـاً‪35.‬‬ ‫مــا ال يعملــون فيهــا‪ .‬ويضيــف ابــو يوســف (ت ‪« :)182‬فــإن مل‬
‫«مــن ابتــى يف أرض قــوم‪ ،‬وهــم شــهود‪ ،‬فــإن مل ينكــروا فهــم‬ ‫ولكــن هنــاك اســتثناءات هلــذه القاعــدة‪36.‬‬ ‫حيييهــا (أي املحتجــر) بعــد ثــالث ســنن فهــو يف ذلــك والنــاس‬
‫ضامنــون لقيمــة بنائــه‪ .‬وإن هــم أنكــروا فلــه نقضــه‪ ،‬وعليــه‬ ‫رشع واحــد‪ ،‬فــال يكــون أحــق بــه بعــد ثــالث ســنن»‪ 29.‬وأمــا‬
‫ومــاذا عــن األرض املحيــاة‪ ،‬هــل تســقط ملكيتهــا‬
‫مــا أحــدث يف أرضهــم»‪ 40.‬كــا أن هنــاك مبــدأ مأخــوذاً بــه يف‬
‫الشكل‬ ‫بالنســبة لالحتجــار كخطــوة أوىل لإلحيــاء فــإن املذهــب احلنفي‬
‫باإلمهــال؟ هنــاك قــول بــأن مــا ُملــك باإلحيــاء ثــم تــرك حتــى‬ ‫‪1.2‬‬
‫أكــر األقــوال وهــو أن املحيــي أحــق مــن املتحجــر‪ ،‬أي أنــه‬ ‫يعتــرب املحتجــر «أحــق بــاألرض مــن غــره حتــى مل يكــن‬
‫عــاد موات ـاً فهــو كالــذي قبلــه ســواء‪ .‬فقــال مالــك (ت ‪:)179‬‬
‫إذا حتجــر شــخص أرضـاً فعطلهــا فجــاء آخــر فعمرهــا فاملحيــي‬ ‫لغــره أن يزعجــه ألنــه ســبقت يــده إليــه والســبق مــن أســباب‬
‫«ميلــك هــذا لعمــوم قولــه‪ :‬مــن أحيــا أرضــاً ميتــة فهــي لــه‪،‬‬
‫أحــق هبــا‪ 41.‬وأخــراً‪ ،‬هنــاك الكثــر مــن النــوازل (احلــاالت‬ ‫الرجيــح ‪ ...‬وال يقطعهــا اإلمــام غــره»‪ 30.‬ويعتــرب الشــافعية‬
‫وألن أصــل هــذه األرض مبــاح‪ ،‬فــإذا تركــت حتــى تصــر مواتـاً‬
‫القضائيــة) املدونــة مــن القــرن األول والتــي يتضــح فيهــا بجــالء‬ ‫املحتجــر أحــق مــن غــره اختصاصــاً ال ملــكاً‪ .‬ففــي هنايــة‬
‫ـاء مــن هنــر ثــم رده فيــه»‪.‬‬
‫عــادت إىل اإلباحــة كمــن أخــذ مـ ً‬
‫تصــادم املجهــودات‪ ،‬ومجيــع هــذه النــوازل‪ ،‬والتــي اســتخدمها‬ ‫املحتــاج‪« :‬مــن رشع يف عمــل إحيــاء مل يتمــه كحفــر األســاس‬
‫وذهــب بعــض احلنفيــة إىل قــول مشــابه‪ ،‬ألهنــم اعتــربوا اإلحياء‬
‫ضيــع جمهــود مــن عمــل يف‬ ‫الفقهــاء الســتنباط األحــكام‪ ،‬ال ُت‬ ‫إن فكـرة اإلحيـاء بعـد االحتجـار ال تزال متـارس يف بعض‬ ‫أو علــم عــى بقعــة بنصــب أحجــار ‪ ...‬فمتحجــر عليــه‪ ،‬أي‬
‫ُ‬ ‫إثبــات مللــك االســتغالل وليــس الرقبــة‪ .‬ولكــن هــذا الــرأي‬
‫املواقع من العـامل اإلسالمي والتي مل تـصل إليها الـسلطات‬ ‫مانــع لغــره منــه مبــا فعلــه‪ ،‬وحينئــذ هــو أحــق بــه مــن غــره‪،‬‬
‫األرض إال إذا كان متعديـاً؛ ويف هــذه احلالــة فللمتعــدي مــا بــذل‬ ‫خيالفــه مجهــور احلنفيــة والشــافعية واحلنابلــة‪ ،‬فيقــول ابــن‬ ‫بعد‪ .‬فـالصورة ‪ 2.2‬من هجـرة الدغيميـة برشق بالد احلرمن‬ ‫اختصاصــاً ال ملــكاً»‪31.‬‬
‫يف األرض منقوضــاً‪42.‬‬
‫قدامــة‪« :‬ولنــا‪ :‬أن هــذه األرض (يعــي األرض املحيــاة) يعــرف‬ ‫تريك احتجـار أرض بـأعمـدة خـشبيــة ثم البــدء يف البنـاء‪.‬‬
‫مالكهــا‪ ،‬فلــم متلــك باإلحيــاء كالتــي ملكــت بــرشاء أو عطيــة‬ ‫بـينا تــوضح الـصــورة ‪ 3.2‬أرض حمـتجــرة بـــأعمــدة‬ ‫وقــد تــرك بعــض فقهــاء الشــافعية واحلنابلــة مــدة‬
‫ٕ‬
‫‪ ...‬وألن ســائر األمــوال ال يــزول امللــك عنهــا بالــرك ‪37.»...‬‬ ‫حياوها‪ .‬الحظ مواقع األعمدة يف الشكل ‪1.2‬‬ ‫وقـــد تم ا ٔ‬ ‫االحتجــار لــرأي اإلمــام وللعــرف ومل يقيدوهــا بثــالث ســنن‪،‬‬

‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫حتــى إذا توفــرت لــك قطعــة مــن األرض فمــن أيــن لــك املــال‬ ‫الفريــق أن األرض التــي وهبــت لــه كإقطــاع إذا مل ُتع ّمــر يف‬ ‫ثــم التفــت إىل عــروة بــن الزبــر قــال فقــال‪ :‬مــا تقــول؟ قــال‪:‬‬
‫لبنــاء املنــزل؟» فأجاب‪«:‬ســأبدأ ببنــاء غرفــة مــن أي مــواد‬ ‫فــرة معلومــة (ثــالث ســنوات يف الغالــب) فسـ ُتأخذ منــه فالبــد‬ ‫أقــول إن أبعــد الثالثــة مــن هــذه األرض أمــر املؤمنــن‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫إذن اإلمام أو السلطات‬
‫بنائيــة أجدهــا ملقــاة خــارج أحــد املبــاين مــن طــوب أو آجــر‬ ‫لــه مــن العمــل‪ .‬وإذا علــم الفريــق بــأن األرض التــي احتجرهــا‬ ‫ومل؟ قــال‪ :‬ألن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬العباد‬
‫أو خشــب أو صفائــح معدنيــة‪ ،‬ويف كل ســنة ســأضيف غرفــة‬ ‫أو التــي أخذهــا كإقطــاع ال تعتــرب ملــكاً لــه‪ ،‬وقــد حيييهــا‬ ‫عبــاد اللــه والبــالد بــالد اللــه ومــن أحيــا أرضـاً ميتــة فهــي لــه»‪.‬‬ ‫هنــاك خــالف بــن الفقهــاء يف احلاجــة إىل إذن اإلمــام‬
‫أو حتــى حائط ـاً» قلــت لــه‪« :‬ولكــن منظــر املدينــة ســيكون‬ ‫آخــرون ويأخذوهنــا منــه‪ ،‬ألن املحيــي أحــق مــن املحتجــر يف‬ ‫قــال فقــال عبــد امللــك‪ :‬أنظــروا إىل هــذا يشــهد عــى رســول‬ ‫لإلحيــاء‪ ،‬فجمهــور العلــاء باســتثناء اإلمــام أيب حنيفــة وبعــض‬
‫قبيحــا هبــذه الطريقــة !» فأجــاب‪« :‬أهيــا أهــم‪ :‬منظــر املدينــة‬ ‫ملكيــة األرض‪ ،‬فســيثابر للعمــل إلثبــات إعارهــا ليمتلكهــا‪.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مبــا مل يســمع منــه‪ .‬قــال عــروة‪:‬‬ ‫فقهــاء املذهــب احلنفــي قالــوا إن مــن أحيــى مواتــاً ملكــه‬
‫بالنســبة لــك أم ســر أهــي؟ ومــن قــال لــك أنــي لــن أقــوم‬ ‫ـان أو غــرس يضعــه‬ ‫وإذا علــم فريــق مــا أن أي اســتثار مــن مبـ ٍ‬ ‫أفأُ ك ّفــر أو أكــذّ ب ممــا مل أســمع منــه‪ ،‬أســمعته يقــول‪ :‬الظهــر‬ ‫حتــى وإن كان ذلــك مــن غــر إذن اإلمــام‪ 43.‬والظاهــر هــو‬
‫بتشــطيب ودهــان املنــزل مســتقبال؟ ولكــن هنــاك أولويــات‪،‬‬ ‫يف أرض مــوات ثــم يتضــح بأهنــا مملوكــة لقــوم آخريــن‪ ،‬فــإن‬ ‫أربــع والعــر كــذا واملغــرب كــذا‪ ،‬إن الذيــن جاؤنــا هبــذا هــم‬ ‫أن هــذا اخلــالف نتــج مــن عــدة أمــور منهــا‪ :‬حماولــة جتنيــب‬
‫النــاس التشــاح وهــو ســبب اشــراط أيب حنيفــة إلذن اإلمــام‪44،‬‬
‫فبعــد بنــاء املنــزل مــن الداخــل ســأقوم بالدهــان اخلارجــي‪ .‬يــا‬ ‫ـاء بــل سـ ُي ْدف َُع لــه مــا بذلــه يف األرض أو‬
‫اســتثاره لــن يضيــع هبـ ً‬
‫جاؤنــا هبــذا»‪49.‬‬

‫حــرة املهنــدس‪ :‬حــاول أن تفهــم بأنــي مــن غــر دار أمتلكهــا‬ ‫يصبــح رشيــكاً ملالــك األرض فإنــه بالتأكيــد ســيفكر يف العمــل‪.‬‬ ‫ومنهــا الرجــوع إىل حديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫فأنــا مهمــوم وكأنــي عضــو مشــلول يف هــذا املجتمــع‪ ،‬ولقــد‬ ‫«ليــس ألحــد إال مــا طابــت بــه نفــس إمامــه»‪ 45،‬ومنهــا األخــذ‬
‫ســمعت عــن الكثــر مــن الشــباب الذيــن قبلــوا الرشــاوي‬
‫أرأيتــم كيــف أن الرشيعــة دفعــت النــاس للعمــل‬ ‫احلث عى العمل‬ ‫بحديــث اإلحيــاء نفســه‪ ،‬هــل قالــه الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫وامتــالك األرض دون أي عقبــة‪ .‬فــإذا قــرأت مــا كتبتــه ســابقاً‬ ‫وســلم باعتبــاره إمام ـاً حاك ـاً أو مرشع ـاً‪ 46.‬وقــد فــرق اإلمــام‬
‫وتنازلــوا عــن مبادئهــم ال لــيء إال حلاجتهــم للمســكن‪،‬‬ ‫واآلن لنلخــص قواعــد اإلحيــاء واإلقطــاع ومــا تعنيــه‬
‫عــن اإلحيــاء واإلقطــاع ورشوطهــا وقواعدمهــا فســتدرك أن‬ ‫مالــك بــن األرايض املجــاورة للعامــر واألرايض البعيــدة عنــه‪،‬‬
‫حــاول أن تفهــم بــأن املجتمــع لــن يســر قدم ـاً وفيــه أعضــاء‬ ‫هــذه القواعــد لألفــراد‪ .‬مــن كل مــا ســبق تتضــح لنــا حقيقــة‬
‫هــدف الرشيعــة هــو إزالــة العقبــات أمــام مــن أراد العمــل‬ ‫واشــرط إذن اإلمــام للمجــاور للعامــر‪ .47‬غــر أن الــذي‬
‫مشــلولون مثــي ومثــل أولئــك املرتشــن»‪ .‬فقلــت يف نفــي‪ :‬يــا‬ ‫ثابتــة وهــي أن األرض مل تكــن هلــا قيمــة رشائيــة‪ ،‬ومل تقــم‬
‫ومــن ثــم امتــالك األرض‪ .‬وهنــاك نتيجــة هامــة‪ :‬وهــي أن حــق‬ ‫طبــق يف البيئــة التقليديــة يف الغالــب هــو رأي مجهــور األمئــة‬
‫حلكمــة الرشيعــة‪ .‬وأذكــرك مــرة أخــرى أخــي القــارئ‪ ،‬فــإذا‬ ‫الدولــة قــط أو أي مؤسســة حكوميــة ببيعهــا‪ ،‬ولكــن كانــت‬
‫االســتخدام وحــق الســيطرة معـاً جيلبــان للفريــق العامــل حــق‬ ‫مثــل الشــافعي وأمحــد بــن حنبــل وأيب يوســف وغرهــم (كــا‬
‫ال‬
‫قــرأت مــا ذكرتــه عــن اإلحيــاء واإلقطــاع مــرة أخــرى متأمـ ً‬ ‫امللكيــة؛ وهبــذا تتحــول األرايض املــوات إىل ٍ‬ ‫مــن نصيــب أولئــك الذيــن يعملــون هبــا مقابــل إعارهــا‪ .‬وهــذه‬
‫أراض عامــرة يف‬ ‫ســيتضح يف الفصــل اخلامــس) ألهنــم رأو أن أحاديــث اإلحيــاء‬
‫النقــاط التــي أرشت إليهــا يف «احلــث عــى العمــل» فســتدرك‬ ‫احلقيقــة‪ ،‬وبرغــم بســاطتها‪ ،‬تعــي الكثــر بالنســبة للبيئــة‪:‬‬
‫ـاء عليــه فــإن غالبيــة العقــارات اململوكــة‬
‫اإلذعــاين املتحــد‪ .‬وبنـ ً‬ ‫واضحــة وجيــب أن ال ُيشــرط إذن اإلمــام المتــالك األرض‬
‫عظــم الرشيعــة يف تســهيل أمــور مــن أراد إعــار األرض برغــم‬ ‫ــرق وحثهــم عــى العمــل‪ .‬أي أن‬ ‫ِ‬
‫يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬والنتيجــة األخــرى‬ ‫ال حتفيــز الف َ‬
‫فهــي تعــي أو ً‬
‫اختــالف الفقهــاء‪.‬‬ ‫قــوي للشــافعي عــى أولئــك الذيــن‬ ‫ُ‬ ‫املحيــاة‪ .‬ويف «األم» رد‬
‫هــي أن األرايض غــر العامــرة ليســت ذات قيمــة رشائيــة ألهنــا‬ ‫ـداء مــن الرشيعــة للفــرق املســتخدمة لــي تســتخدم‬ ‫هنــاك نـ ً‬
‫قالــوا بــرورة إذن اإلمــام وقــد وضعتــه يف احلاشــية‪ 48.‬ورغــم‬
‫لقــد صــدق يف كل مــا قالــه هــذا املســكن يف مــر‪ :‬إن‬ ‫يف متنــاول اجلميــع كاملــاء يف النهــر‪ ،‬فبإمــكان اجلميــع األخــذ‬ ‫األرض غــر اململوكــة لتســيطر عليهــا وبالتــايل متتلكهــا‪ .‬فــإذا‬
‫أن أكــر احلــكام أخــذوا بــرأي اإلمــام أيب حنيفــة إال أنــه مل‬
‫ـل‬ ‫تيقــن أي فريــق أن بإمكانــه امتــالك أرض دون إذن احلاكــم‪،‬‬
‫مــن أكــرب العقبــات التــي تعيــق املجتمــع عــن املــي قدمـاً َشـ ُّ‬ ‫مــن مــاء النهــر‪ ،‬وكذلــك األرض‪ ،‬فبإمــكان مــن أراد الســكن أو‬ ‫تكــن لدهيــم املقــدرة اإلداريــة عــى تنفيــذ ذلــك لعــدم وجــود‬
‫أفــراده بالوقــوف أمامهــم إليــواء أنفســهم‪ .‬هــل علمــت أن بعض‬ ‫االســتثار األخــذ منهــا ألهنــا ليســت ملــكاً لكائــن مــن كان‪.‬‬ ‫فإنــه بالتأكيــد ســيحيي األرض التــي ســيحتاج إليهــا وخاصــة إذا‬
‫جهــات تنظيميــة كالبلديــات يف أيامنــا هــذه يف ذلــك الوقــت‬
‫املحتاجــن اضطــروا للســكى يف املقابــر؟ هــذا مــا حــدث‬ ‫أمــا األرايض العامــرة فقيمتهــا تكمــن فيــا عليهــا مــن أعيــان‬ ‫كان مــن الفقــراء أو املســتثمرين‪ .‬وإذا تيقــن املؤمــن املحتــاج‬
‫لتمنــع النــاس مــن اإلحيــاء‪ .‬إي أن رأي اجلمهــور هــو الــذي‬
‫ال (الصورتــان ‪ 4.2‬و ‪ .)5.2‬وللرشيعــة حكمــة‬ ‫بــأن إحيــاءه لــألرض ال يــؤدي إىل امتالكــه لــألرض فقــط‪،‬‬
‫يف القاهــرة مثــ ً‬ ‫كاملبــاين والنخــل ومــا شــابه‪ ،‬وهــذا االســتنتاج منطقــي إال إذا‬ ‫طبــق يف البيئــة باســتثناء بعــض املــدن الرئيســية‪ ،‬وســنفصل هــذا‬
‫كبــرة يف مســألة اإلحيــاء‪ :‬فهنــاك غريــزة قويــة لــدى البــرش مل‬ ‫أصبحــت األرض بفعــل منــو املدينــة يف موقــع مرغــوب فيــه‪،‬‬ ‫ولكــن أيض ـاً إىل نيــل الثــواب مــن اللــه عــز وجــل لقولــه صــى‬
‫يف حينــه‪.‬‬
‫يــدرك أمهيتهــا املخططــون ومتخــذو القــرارات‪ :‬وهــي املثابــرة‬ ‫بذلــك تكــون هلــا قيمــة رشائيــة‪ ،‬وهــذا مل حيــدث إال نــادراً يف‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيــا أرضــاً ميتــة فلــه فيهــا أجــر‪،‬‬
‫والعمــل اجلــاد الســتصالح مــا ميلكــون ال لســبب إال ألنــه هلــم‪،‬‬ ‫البيئــة التقليديــة‪ .‬وهــذا معاكــس حلالنــا اليــوم‪ ،‬فــاألرض ذات‬ ‫ومــا أكلــه العــوايف منهــا فهــو لــه صدقــة»‪ 50،‬فإنــه ســيعمل‬ ‫وليــس للمســلم اإلحيــاء مــن غــر إذن اإلمــام فقــط‪ ،‬ولكن‬
‫وألبنائهــم مــن بعدهــم‪ .‬فبإمــكان أي فــرد البنــاء إذا توفــرت‬ ‫قيمــة رشائيــة مرتفعــة (ســنوضح هــذا يف الفصل التاســع إن شــاء‬ ‫ال حمالــة‪ .‬وإذا علــم املســلم بــأن األرايض غــر العامــرة تعتــرب‬ ‫عــى اإلمــام أيضـاً التســليم بحــق امللكيــة ملــن أحيــا أرضـاً مواتاً‬
‫لــه قطعــة األرض حتــى وإن كان معدمــاً‪ .‬فالعقبــة األوىل‬ ‫اللــه)‪.‬‬ ‫مواتــاً بالنســبة لبعــض املذاهــب‪ ،‬أو تعتــرب موافقــة مبدئيــة‬ ‫مــن غــر إذنــه‪ .‬ويف هــذا يقــول أبــو األعــى املــودودي رمحــه‬
‫والكــربى هــي قطعــة األرض‪ ،‬والعقبــة الثانيــة واألســهل هــي‬ ‫بنــاء‬
‫ً‬ ‫بعــد‬
‫مــن أصحاهبــا إلحيائهــا ألن أصحاهبــا مل ميتلكوهــا ُ‬ ‫اللــه‪« :‬فــال يتوقــف حــق العامــل يف ملكيــة أرضــه عــى إذن‬
‫لقــد قــال يل أحــد الفقــراء املحتاجــون إىل قطعــة أرض‬ ‫عــى رأي بعــض املذاهــب األخــرى‪ ،‬فإنــه ســيعمل‪ .‬وإذا علــم‬ ‫احلكومــة‪ ،‬وهــو يصبــح مالــكاً ألرضــه عــى مــا قــد خولــه اللــه‬
‫بنــاء الغرفــة األوىل‪ ،‬ويتــم ذلــك بطــرق عــدة بقــدر إمكانيــة‬
‫يبــي عليهــا ولــو غرفــة واحــدة إليــواء أهلــه بــدل أن يدفــع‬ ‫فريــق أن األرض املحيــاة التــي أمهلهــا ُحميوهــا ســتعود مواتــاً‬ ‫ورسـوله مــن احلــق‪ .‬وللحكومــة أن تســلم بحقــه وتقــره عليــه إذا‬
‫الســاكن‪ :‬فمنهــم مــن يتمكــن مــن بنــاء الغرفــة فقــط ودورة‬
‫قســطاً كبــراً مــن دخلــه كإجيــار‪« :‬ليــس هنــاك ظلــم يقرفــه‬ ‫يف رأي بعــض املذاهــب‪ ،‬وإنــه ســيمتلكها بإعارهــا‪ ،‬فســيفكر‬ ‫ُرفــع إليهــا األمــر عنــد النــزاع»‪ .‬وذكــر حيــى بــن آدم القــريش‬
‫امليــاه‪ ،‬وهــم األكــر؛ ومنهــم مــن ال ميتلــك حتــى قيمــة طوبــة‬
‫جمتمــع عــى الفــرد أشــنع عــى وجــه األرض مــن منــع مســلم‬ ‫بالتأكيــد بالعمــل‪ .‬وإذا أدرك الفريــق املحيــي لــألرض أن أرضــه‬ ‫ال حتجــر عــى أرض ثــم‬ ‫(ت ‪ )224‬يف كتابــه اخلــراج‪« :‬أن رجــ ً‬
‫واحــدة‪ ،‬وهــم نــادرون‪ .‬وهــذا املعــدم ســيقوم بالتقــاط بعــض‬
‫أراد ســر أهلــه واســتقرارهم يف دار ميتلكوهنــا؛ هــا هــي ذي‬ ‫التــي أحياهــا إذا مل يســتمر يف إعارهــا قــد تعــود موات ـاً ومــن‬ ‫عطلهــا‪ ،‬فجــاء آخــر فأحياهــا‪ ،‬فأختصــا إىل عبــد امللــك‪،‬‬
‫احلجــارة والطــوب واخلشــب مــن فضــالت املبــاين األخــرى‪،‬‬
‫الصحــاري غــر املســتغلة يف بــالدي التــي متنعــي مــن البنــاء‪،‬‬ ‫ثــم قــد حيييهــا اآلخــرون فإنــه ســيجد بالعمــل‪ .‬وإذا علــم‬ ‫فقــال‪ :‬مــا أرى أحــداً أحــق هبــذه األرض مــن أمــر املؤمنــن‪.‬‬
‫وإحضارهــا ملوقــع بنائــه‪ ،‬أو قــد يقــوم بالتقاطهــا مــن مناطــق‬
‫لقــد ضاقــت علينــا األرض مبــا رحبــت !»‪ .‬قلــت لــه‪« :‬ولكــن‬

‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫إال فائــض عــن حاجــة اآلخريــن‪ ،‬وهــذا ال ينطبــق فقــط عــى‬ ‫بعيــدة وخيزهنــا عنــد أحــد معارفــه يف تلــك املنطقــة‪ ،‬ثــم يقنــع‬ ‫‪4.2‬‬
‫األحجــار والطــوب ولكــن عــى األثــاث واألبــواب ومــا شــابه‬ ‫ال ثم بـناء‬
‫ونرى يف الصورتن ‪ 7.2‬و ‪ 8.2‬شخصن قاما ببناء سور خارجي أو ً‬ ‫صديقــه مثــال مبعاونتــه وحتميــل هــذه املــواد عــى عربتــه‬
‫ذلــك‪ ،‬أي أن هنــاك إعــادة الســتخدام مــوارد األمــة بــدل أن‬ ‫املنزل من الـداخل‪ ،‬فحال هذان الشخصان أفضل اقتـصادياً من حال بـاين‬ ‫وإحضــار مــا قــد مجعــه مــن مــواد بنــاء مقابــل خدمــة يقدمهــا‬
‫تلقــى (الصــور ‪ 18.2‬إىل ‪.)24.2‬‬ ‫الغرفة يف الصورة ‪ 6.2‬الحـظ أن السـور يف الصــورة ‪ 7.2‬يكلف القلـيل من‬ ‫لــه كأن يســاعده يف حتميــل عربتــه يومـاً آخــر وهكــذا‪ .‬وهنــاك‬
‫املـال ألنه صـنع من بــراميل زيـت تم فـردهـا وحلـامهـا مع بـعضهـا‪ .‬فهـذه‬
‫الكثــر مــن القصــص عــن تبــادل الفقــراء املســاعدات فيــا‬
‫وممــا ســاعد هــؤالء الفقــراء عــى احلصــول عــى حاجتهــم‬ ‫الربامـيل متـوفــرة بكثـرة يف مـدينــة ابقيق رشق بالد احلرمن بــالقــرب‬
‫بينهــم إلنجــاز أعــال بعضهــم البعــض دون مــا حتصيــل مــادي‪.‬‬
‫مــن مــواد البنــاء بالتقاطهــا مــن أماكــن متعــددة وجتميعهــا لبنــاء‬ ‫ال‬
‫من مــوقع هــذا املنــزل (هجـرة الدغيمـية)‪ .‬وترون يف الصورة ‪ 9.2‬منـز ً‬
‫خلف السور وقد بي من مواد بنـاء بالية‪ .‬فالـك هذه الدار بدأ بـسور بسيط‬ ‫وهكــذا‪ ،‬حتــى بنــاء الغرفــة األوىل‪ ،‬وعندهــا ينتقــل إليهــا هــذا‬
‫منــزل متواضــع يف البيئــة التقليديــة هــو‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬مبــدأ‬
‫متـاماً كا بدأ صاحب الـدار يف الصورة ‪ ، 8.2‬وبالتدريج إىل أن بنـى داره‪،‬‬ ‫املعــدم ويكــون قــد ارتــاح نفســياً واكتســب خــربة بنائيــة‬
‫اللقطــة يف الرشيعــة‪ .‬ويف هــذا نحتــاج إىل بحــث مســتفيض‪،‬‬ ‫ولـديه اآلن سيـارة تـراهـا واقفـة أمـام داره‪ .‬الحظ اهتامه بسيارته املغطـاة‬
‫متكنــه مــن مواصلــة املســر وإكــال املنــزل (الصــور ‪ 6.2‬إىل‬
‫فأيــن هــم علــاء الرشيعــة؟ فعــى العمــوم‪ ،‬وكــا ذكــرت ســابقاً‬ ‫ليحميها من أشعة الشمس‪.‬‬
‫‪5.2‬‬
‫‪ .)17.2‬وقــد تكــون هــذه الغرفــة غــر الئقــة معاريــاً وهبــا‬
‫أن هنــاك اســتثناءات لقاعــدة مــا أمتلــك مــن األعيــان وال يقبــل‬
‫بعــض املســاوئ مثــل تــرب ميــاه األمطــار إىل داخلهــا‪ ،‬ولكــن‬
‫اإلســقاط باإلمهــال أو األعــراض‪ :‬ومــن هــذه االســتثناءات‬ ‫‪7.2‬‬
‫ُ‬ ‫كــا أثبتــت الدراســات‪ ،‬فــإن هــذا أمــر مقبــول ألي إنســان‬
‫يكــر‬ ‫املحقــرات وهــي مــا يغلــب الظــن عــى أن فاقــده ال‬
‫حمتــاج ألن هــذه الغرفــة ملــكاً لــه‪ ،‬فهــو متيقــن بأنــه ســيتغلب‬
‫أســفه عــى مــا فقــد مثــل كــرة اخلبــز‪ .‬وهــذه املحقــرات‬
‫عــى مثــل هــذه املســاوئ يومــا مــا‪ ،‬فــا هــي إال مســألة وقــت‬
‫جيــوز التقاطهــا وملكيتهــا‪ 52.‬أمــا مــا كانــت ذات قيمــة فتملــك‬
‫بالنســبة لــه‪51.‬‬
‫بعــد تعريفهــا ســنة يف أكــر أقــوال الفقهــاء لقولــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يف اللقطــة (وهــي املــال الضائــع مــن ربــه يلتقطــه‬ ‫فاألمــل بــأن يكــون لذلــك الفقــر أو أي إنســان مســكن‬
‫غــره)‪« :‬أعــرف عفاصهــا ووكاءهــا ثــم عرفهــا ســنة فــإن جــاء‬ ‫خــاص بــه جيعلــه يتحمــل مجيــع املصاعــب ويدفعــه إىل املثابــرة‬
‫خــص لنــا‬ ‫صاحبهــا وإال فشــأنك هبــا»‪ 53.‬وعــن جابــر قــال‪« :‬ر ّ‬ ‫والبنــاء‪ .‬أي واللــه‪ ،‬إنــه األمــل الــذي لــواله مــا غــرس غــارس‬
‫والســوط واحلبــل‬ ‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف العصــا ّ‬ ‫شــجرة وال أرضعــت أم ولدهــا‪ ،‬إنــه األمــل الــذي وضعــه اللــه‬ ‫‪6.2‬‬
‫وأشــباهه يلتقطــه الرجــل ينتفــع بــه»‪ 54.‬واملهــم بالنســبة لنــا‬ ‫ســبحانه وتعــاىل فينــا ووضــع معهــا الطريــق الســتثار ذلــك‬
‫‪8.2‬‬
‫هــو مــواد البنــاء‪ :‬فمــن ذلــك اعتبــار احلجــارة امللقــاة بــن‬ ‫األمــل ليصبــح احللــم حقيقــة‪ .‬حقيقــة بنــاء فــرد ميتلــك عقــار ًا‬
‫األزقــة لقطــة‪ .‬أمــا إذا تســاقطت مــن مبــى مــا‪ ،‬ومل يعلــم هبــا‬ ‫ٍ‬
‫إجيــار فيــا إذا كان هــذا‬ ‫يأويــه ويــأوي أهلــه بــدل دفــع‬
‫املالــك فــال حيــل أخذهــا؛ وكذلــك إذا كانــت مــن ملــك يتيــم‬ ‫الفقــر مســتأجراً‪ .‬فبعــد بنائــه للغرفــة التــي ميتلكهــا سيســتثمر‬
‫أو وقــف‪ 55.‬والظاهــر هــو أن النــاس كانــوا يلتقطــون مــا هيمــل‬ ‫يف عقــاره ببنــاء منزلــه غرفــة تلــو األخــرى حتــى يكتمــل‬
‫لفــرة طويلــة مــن مــواد البنــاء حلاجتهــم إليهــا واســتفادهتم‬ ‫املنــزل‪ ،‬ثــم يبــدأ يف تشــطيبه ودهانــه‪ .‬وهنــا مســألتان هامتــان‪:‬‬
‫منهــا؛ ويتعاملــون معهــا وكأهنــا لقطــة دون الرجــوع إىل الفقهاء‬ ‫األوىل نفســية والثانيــة اقتصاديــة‪ .‬فمــن الناحيــة النفســية‪:‬‬
‫أحيان ـاً‪ .‬ومثــال ذلــك هــو ماذكــره البــالذري بــأن زيــاداً ابتــى‬ ‫فــإن شــعور هــذا املالــك بالعــزة والفخــر مبــا قــام بــه بــدل أن‬
‫دار اإلمــارة بالبــرة‪ ،‬فــأراد أن يزيــل إســمه عنهــا؛ ويظهــر أن‬ ‫ال يف جمتمعــه فقــراً يف كيانــه منحطــاً يف نفســيته‪،‬‬ ‫يكــون ذليــ ً‬
‫ـم ببنائهــا‬
‫املبــى كان قــد عــرف بــدار زيــاد أو مبــى زيــاد «فهـ ّ‬ ‫ال منتج ـاً ملجتمعــه‪ .‬فكــا‬ ‫فاإلحيــاء ســيجعل منــه عضــو ًا ف ّعــا ً‬ ‫الـصورتـان ‪ 4.2‬و ‪ 5.2‬من القـاهرة وتـشران إىل التـكدس السكـاين‪ .‬فرى‬
‫‪9.2‬‬
‫بجــص وآجــر فقيــل لــه إمنــا تزيــد اســمه ثباتـاً وتوكــداً‪ ،‬فهدمها‬ ‫متكــن مــن بنــاء املنــزل ســيتمكن مــن بنــاء أرستــه ويســاهم يف‬ ‫يف الصـورة ‪ 4.2‬عائلة قد سكـنت يف أحد القـبور‪ .‬الحـظ املنطقـة املرتفعـة‬
‫خلف العمـود‪ ،‬فرى عى مين العمود بجانـب احلائط رأس القرب‪ .‬وترى يف‬
‫وتركهــا‪ ،‬فبنيــت عامــة الــدور حوهلــا مــن طينهــا ولبنهــا وأبواهبا‬ ‫بنــاء جمتمعــه الــذي يعيــش فيــه‪ .‬وشــتان بــن جمتمعــن أحدمهــا‬
‫الصورة ‪ 5.2‬عـائلـة تــسكن يف سـطح أحــد املنـازل‪ ،‬وهـذا مـنظـر مألوف‬
‫‪ ،»...‬وهنــاك أمثلــة أخــرى‪ .‬وحتــى إذا اغتصــب شــخص قطعــة‬ ‫أفــراده أعــزاء واآلخــر أذالء‪ُ .‬تــذل الشــعوب مبذلــة أفرادهــا‬ ‫جداً لكرته‪ .‬إن الصور ‪ 6.2‬إىل ‪( 11.2‬من رشق بالد احلرمن) تـريك منـو‬
‫واســتخدمها يف بنائــه‪ ،‬واســتناد ًا للقاعــدة الرشعيــة «الــرر ال‬ ‫وترتفــع مكانتهــا بــن األمــم بعــزة أفرادهــا‪ .‬وقــد تقــول أخــي‬ ‫املنـزل من ال يشء إىل دار مـكتملـة‪ .‬دققوا يف الصـورة ‪ 6.2‬فـسـتلحظون أن‬
‫يــزال بالــرر» يقــول ابــن نجيــم‪« :‬لــو غصــب ســاجة‪ ،‬أي‬ ‫املهنــدس واملخطــط‪ :‬ولكــن ســتصبح البيئــة فــوىض إذا قــام كل‬ ‫الذي بنـاها بذل أقـىص ما بـوسعه بجمع ما ألـقاه اآلخرون من حـبال وأقمشـة‬
‫وألواح خشبـية وما شـابه ذلك من مواد بنـاء وذلك لفقـره‪ ،‬أي أنه بنـى غرفـة‬
‫خشــبة‪ ،‬وأدخلهــا يف بنائــه‪ ،‬فــإن كانــت قيمــة البنــاء أكــر‬ ‫شــخص بإحيــاء مــا يناســبه ! أقــول‪ :‬ال‪ ،‬وســأوضح لــك هــذا يف‬ ‫من ال يشء‪ .‬فهو هبذا قبل أن يبى مسكنا بى نفسه كإنسان عزيز‪.‬‬
‫ميلكهــا صاحبــه بالقيمــة‪ .‬وإن كانــت قيمتهــا أكــر مــن قيمتــه‪،‬‬ ‫الفصلــن اخلامــس والتاســع‪ .‬أمــا مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ :‬فــإن‬
‫مل ينقطــع حــق املالــك عنهــا»‪ .‬كــا أن الرشيعــة تراعــي‬ ‫مــا مجعــه هــذا املحتــاج واســتخدمه يف مبنــاه مــا هــو يف الواقــع‬

‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫‪10.2‬‬

‫‪17.2‬‬ ‫‪16.2‬‬

‫‪13.2‬‬

‫الصـورتان ‪ 12.2‬أسفل الصفحة والصورة ‪ 13.2‬يف األعى من القـاهرة وتريك‬


‫استخـدام الناس ملواد بنــائية قـد مجعـت من أمـاكـن شتـى‪ .‬الحـظ أن البـاين‬
‫ٕ‬ ‫يف الصورة ‪ 12.2‬قد استخدم الطوب يف الغرفة العلوية اليمى واآلجر يف الغـرفة‬
‫تودي‬
‫أما الـصور األربـع (من ‪14.2‬اىل ‪ )17.2‬فهي مثـال لطـريقة مجع النـاس ألحد مـواد البـناء واسـتخدامه بـطريقـة ٔ‬
‫العلـوية اليـرى‪ .‬فلقد قـام بجعها من ٔامـاكن خمتلفـة وبأسعـار زهيدة‪ٔ .‬امـا‬
‫الغـــرض‪ ،‬وهـــو الــبالط‪ .‬فـرى يف الــصـــورة ‪ 14.2‬يف الصفحة السابقة مـن اخلرب رشقي بالد احلرمن رجل قـد بنـى‬
‫الصـورة ‪ 13.2‬فريك اليء ذاته ولكنها عارة سكنية ذات أدوار متعددة‪.‬‬
‫درج منـزله من مـواد مجعهـا من أماكن خمتلفـة وعى مراحل خمتلفـة‪ .‬الحظ وجود البالط املخــزون عى ميـن الصـورة‬
‫ليـستخـدمه يف مكـان آخـر‪ .‬أما الصورة ‪ 15.2‬فهي ملدخل منزل بأصيلة يف املغـرب‪ :‬الحـظ أن البالطـات جممعـة من‬
‫أمـاكن خمـتلفـة‪ .‬وتـرى يف الصـورة ‪ 16.2‬يف هذه الصفحة من أصيلـة بـاملغـرب أيضا درج مـدخل منزل باستخـدام بالطات‬ ‫‪14.2‬‬ ‫‪11.2‬‬
‫خمتلفة وبطريـقة مجيلة بعد دهان أطرافهـا‪ .‬والصـورة ‪17.2‬من سـيدي بـو سعيـد من تـونس تـريك اليء ذاته‪ ،‬الحظ‬ ‫ال كان صــاحبه قـد بنـاه من‬ ‫ويف الصـورة ‪ 10.2‬من قـرية الـدغيميـة نرى منـز ً‬
‫ٕ‬
‫مـواد بنـاء مهملة كخـشب قـديم وصفائح معـدنية (يف السقـف)‪ ،‬فسكن فيه اىل‬
‫طريقـة صف البالطات املختلفة بطريقة جذابة‪ .‬وهــذا املثـال (للـبالط) دليـل عى مثـابــرة النـاس للوصول ألفضل حل‬
‫يف حدود طاقاهتم وبأدىن تكلفة‪ .‬هكذا يتمكن أفراد املجتمع بأقل القليل‪.‬‬ ‫ٔان متكن من بـناء الغـرفة األوىل من الـطابـوقات اخلـرسانيـة‪ ،‬ثم الثـانية والثالثة‪،‬‬
‫هذا باإلضـافة إىل متكنه من تسوير أرضه‪ .‬فعندما متـر بالطريق ال تدرك كيف‬
‫بـدأ هذا الرجل بناء داره‪ .‬فهو قد مر بنـفس املراحل التي بـدأها األول يف الصورة‬
‫حجــارة هــذه اآلثــار وحتــى يف املســاجد (الصورتــان ‪ 25.2‬و‬ ‫مواطــن الــرورة أو شــدة احلاجــة‪ .‬فقــد جــاء يف مذهــب‬
‫‪ 6.2‬إىل أن تكـتمل الدار‪ .‬ويف الـصورة ‪ 11.2‬من نفـس القريـة نرى ثالث غرف‬
‫‪ .)26.2‬ومل أجــد مــن قــراءايت مــا يشــر إىل اعــراض العلــاء‬ ‫اإلمــام أمحــد كــا حيكيــه ابــن القيــم «أن قومـاً إذا اضطــروا إىل‬ ‫بنيت بالرتيب‪ ،‬فكلا اجتمع لدى املالك مبلغ مـن املال قـام ببـناء غـرفة ٔاو مـرفق‪،‬‬
‫عــى إعــادة اســتخدام هــذه احلجــارة مــن مبــاين غــر املســلمن‬ ‫الســكى يف بيــت إنســان ال جيــدون ســواه‪ ،‬أو النــزول يف خــان‬ ‫هـوالء من البناء ألهنـم يف مناطق مل تصل‬‫وهكـذا حتـى تكتمل الـدار‪ .‬وقد متكن ٔ‬
‫ملســاجد املســلمن‪ .‬أي أن إعــادة اســتخدام مــواد البنــاء مــرات‬ ‫مملــوك‪ ،‬أو اســتعارة ثيــاب يســتدفؤن هبــا‪ ،‬أو رحــى للطحــن‪ ،‬أو‬ ‫إليها الـسلطات بعد باستثنـاء الغرفة يف الـصورة ‪ 6.2‬والتي قامت السلطات بازالتها‪.‬‬
‫ٕ‬
‫‪12.2‬‬
‫ومــرات يف مبــاين خمتلفــة هلــو دليــل عــى االســتغالل التــام‬ ‫دلــو لنــزع املــاء‪ ،‬أو قــدر‪ ،‬أو فــأس‪ ،‬أو غــر ذلــك‪ ،‬وجــب عــى‬
‫‪15.2‬‬
‫ملــوارد املســلمن‪.‬‬ ‫صاحبــه بذلــه بــال نــزاع‪ .‬ولكــن هــل لــه أن يأخــذ عليــه أجــر ًا؟‬
‫فيــه قــوالن للعلــاء»‪ 56.‬باختصــار‪ ،‬إذا كان املنــزل يســكن يف‬
‫‪18.2‬‬
‫حالــة الــرورة‪ ،‬فــا بالــك بالتقــاط مــواد البنــاء املهملــة‪ ،‬ومــا‬
‫أكرهــا يف بيئتنــا احلاليــة‪.‬‬
‫ويظهــر أن مبــدأ التقــاط مــا ال مالــك لــه مــن مــواد‬
‫البنــاء‪ ،‬قــد طبــق الســتغالل مــواد بنــاء املبــاين األثريــة مثــل‬
‫الرومانيــة والفرعونيــة‪ .‬فلــم يكتــف املســلمون بإحيــاء مــا كان‬
‫ال مــن أرايض غــر املســلمن ولكنهــم أخــذوا مواد‬ ‫خربـاً وعاطـ ً‬
‫بنائهــم أيضـاً؛ فهنــاك الكثــر مــن املبــاين التــي بنيــت باســتخدام‬

‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫هريــرة عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪« :‬ملعــون‬ ‫‪25.2‬‬ ‫‪20.2‬‬ ‫‪19.2‬‬
‫مــن غــر حــدود األرض ملعــون مــن تــوىل غــر مواليــه»‪57.‬‬

‫ويف الواقــع‪ ،‬إذا أعدنــا النظــر يف قواعــد امللكيــة يف الرشيعــة‬


‫ــرق ســتحاول التوســع‪ ،‬فســنالحظ‬ ‫ِ‬
‫آخذيــن يف االعتبــار أن الف َ‬
‫أن أكــر هــذه القواعــد وضعــت للحــد مــن هــذه التوســعات‪،‬‬
‫وأهنــا تعالــج اخلالفــات بــن هــذه الفــرق التــي حتــاول التوســع‪،‬‬
‫وســرى يف الفصلــن الســادس والســابع حكمــة الرشيعــة يف‬
‫ذلــك‪.‬‬
‫فــإذا كانــت الرغبــة يف التوســع تــؤدي إىل اخلالفــات بــن‬
‫الفــرق‪ ،‬فالبــد مــن وســيلة تعــرف هبــا احلــدود بــن العقــارات‬ ‫تـرينـا الصـورتـان ‪ 25.2‬و ‪ 26.2‬أخـذ املسـلمن ملـواد بنـاء املباين‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪21.2‬‬
‫األثرية لتستخدم يف مبانيهم‪ .‬فالصورة ‪ 25.2‬من اجلم بتــونس تـرينـا‬
‫وإال اختلطــت األمــور بــن النــاس والعقــارات‪ ،‬فقــد يدعــي‬
‫مبـان قـد بـنيت بـاستخـدام بـعض حجـارة املـرح الروماين الـظاهر‬
‫البعــض ملكيــة عقــارات اآلخريــن‪ ،‬فالبــد إذاً مــن وســيلة‪:‬‬ ‫آخـر الطريق‪ .‬أمـا الصورة ‪ 26.2‬فهي ملـدخل مدرسة الـسلطان صـالح‬
‫هــذه الوســيلة هــي االتفاقــات بــن الفــرق املتجــاورة‪ .‬فقــد‬ ‫نجم الدين بـالقاهرة‪ .‬الحـظ أن عتبـة املـدخل قـد أ ِخـذت من أحـد‬
‫يتعــدى فــرد عــى جــاره بأخــذ جــزء مــن أرضــه أو مــن طريقــه‬ ‫املبـاين الفـرعونيـة كا هو واضح مـن الرسمـة عى العتبـة‪ .‬وهذا‬
‫ينطبق عى الكثر من املساجد‪.‬‬
‫وخيتلفــان ثــم يتفقــان بالصلــح أو بتدخــل اجلــران أو بحكــم‬
‫القــايض‪ .‬أي أن هــذه االتفاقــات مــا هــي إال نتيجــة حتميــة‬ ‫‪26.2‬‬
‫للحــوار أو النقــاش بــن األطــراف املتنازعــة‪ ،‬أو الفــرد وأفــراد‬
‫قريتــه أو مجاعتــه أو جرانــه‪ .‬وإذا مل يصــل املتنازعــون إىل‬
‫اتفــاق فــإن اخلــالف ســيحل بطــرق رشعيــة أو عرفيــة‪ ،‬مثــل‬
‫الذهــاب إىل القــايض أو رئيــس القبيلــة‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ومبعــى‬ ‫‪24.2‬‬ ‫‪23.2‬‬
‫آخــر‪ ،‬ينــدر اســتخدام املدونــات الورقيــة مثــل الصكــوك ومــا‬
‫شــابه مــن متطلبــات املحاكــم ومؤسســات الســجل العقــاري أو‬
‫الشــهر العقــاري يف أيامنــا هــذه (إال يف األوقــاف)‪ .‬فغالبيــة البيئة‬
‫التقليديــة كانــت تعتمــد عــى األعــراف بــن ســكان نفــس‬
‫املنطقــة يف حتديــد امللكيــات‪ ،‬ومل تعتمــد عــى الدواويــن إال يف‬
‫ال‪ ،‬يذكــر لنــا اليعقــويب أن‬
‫النــادر ويف العصــور املتأخــرة‪ .‬فمث ـ ً‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه هــو أول مــن كتــب النــاس‬ ‫احلوار واألعراف‬
‫عــى منازهلــم وصــك وختــم أســفل الصــكاك‪ .‬ولكــن باملقابــل‬
‫هنــاك الكثــر مــن الروايــات التــي تؤكــد دور األعــراف‬ ‫لعــدم وجــود جهــة مســيطرة مســؤولة كالدولــة أو مــن‬
‫النـافذة اخلشبية قد صنعت هلا‪ٔ .‬امـا الصورة ‪ 21.2‬فرينـا باباً تـم صنعه‬ ‫سـيـــودي إىل إعـــادة‬
‫ٔ‬ ‫إن دفع األعـيـــان لإلذعـــاين املـتحـــد‬
‫واالســتغناء عــن الصــكاك‪ .‬فعندمــا قــام امللــك الظاهــر بيــربس‬ ‫ميثلهــا كالبلديــة أو األمانــة كأيامنــا هــذه‪ ،‬فمــن البدهــي أن‬ ‫من األلواح اخلـشبية للصنـاديق‪ .‬فهذا البـاب بعد طالئه سيـظهر مبظهـر‬ ‫استخــدامهـا مـرات ومـرات حلــرص النـاس‪ ،‬وبـالـذات املعـدمـن‬
‫مبطالبــة ذوي العقــارات مبســتندات تشــهد هلــم بامللــك‪ ،‬وإال‬ ‫حتــاول بعــض الفــرق حتســن عقارهــا ليــويف باحتياجاهتــا‬ ‫مقبول‪ .‬والصـورة ‪ 22.2‬من أصيلة باملـغرب ترينا طـريقة استخدام بـرميل‬ ‫منهـم وذلك لالستفــادة القصــوى منهـا بــأقل تكلفـة‪ .‬فـالصـورة ‪18.2‬‬

‫انتزعهــا مــن أيدهيــم‪ ،‬قــال ابــن عابديــن‪« :‬فقــام عليــه (أي‬ ‫املتزايــدة بزيــادة مســاحة أرضهــا كمحاولــة األخــذ مــن‬ ‫قديم بعـد قصه وطالئه ليقوم مقام اجلدار لـبر املاء‪ .‬والصورتان األخرتان‬ ‫(يف الصفحة السابقة) تـرينـا رجل من املـغرب يـبيع أدوات معـدنيـة‬
‫تريـنا منظر ًا مألوفاً يف ٔاكر املناطق وهـو استخدام النـاس لألرشعة يف‬ ‫قديـمة كـاألقفـال ومقـابض األبـواب‪ ،‬وكـان قــد مجعهــا ليــشرهيــا‬
‫عــى الظاهــر بيــربس) شــيخ اإلســالم اإلمــام النــووي (ت ‪)676‬‬ ‫ال‪ .‬وعندهــا تتصــادم الفــرق‬ ‫اجلــار أو مــن الطريــق العــام مث ـ ً‬
‫املـوقتة‪ .‬ففي الصـورة ‪ 23.2‬من القـاهـرة نـرى تغـطيـة سـوق‬
‫الـوظائف ٔ‬ ‫النــاس ويعيـدوا استخـدامها يف مبانيهم ومعـداهتم‪ .‬أما الصور الثالث يف‬
‫رمحــه اللــه تعــاىل‪ ،‬وأعلمــه بــأن ذلــك غايــة اجلهــل والعنــاد وأنه‬ ‫مــع بعضهــا البعــض‪ ،‬فقــد خيتلــف اجلــاران يف أحقيــة قطعــة‬ ‫بـمختلف األرشعة‪ ،‬فقد قام كل بائع بـتغطية مكانه‪ .‬والصورة ‪24.2‬‬ ‫هذه الصفحة (‪19.2‬إىل ‪ )21.2‬من أفغـانـستـان فرينـا إعـادة استخـدام‬
‫ال حيــل عنــد أحــد مــن علــاء املســلمن‪ ،‬بــل مــن يف يــده يشء‬ ‫أرض واقعــة بينهــا‪ .‬وهلــذا قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫من دكا ببنجالدش تريـنا مطعاً مفتـوحاً عى الطريـق‪ .‬الحظ طريقة‬ ‫األلـواح اخلـشـبيـة لـصنــاديق األسلحــة‪ .‬فنـرى يف الـصـورة ‪19.2‬‬

‫فهــو ملكــه‪ ،‬ال حيــل ألحــد االعــراض عليــه‪ ،‬وال يكلــف إثباتــه‬ ‫ســف بــه‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫وســلم‪« :‬مــن أخــذ مــن األرض شــيئاً بغــر حقــه ُ‬ ‫استخدام األرشعة البالية وباقي األعيان األخرى‪.‬‬ ‫الصنـاديق الفارغـة املكومـة‪ ،‬ويف الصورة ‪ 20.2‬نـرى ٔاحد الصنـاديق وقد‬
‫اسـتخدم كنـافذة‪ .‬فبعـد تطين هـذه الكوة من مجيع اجلهات ستبدو وكأن‬
‫ببينــة؛ وال زال النــووي رمحــه اللــه تعــاىل يشــنع عــى الســلطان‪،‬‬ ‫يــوم القيامــة إىل ســبع أرضــن»‪ .‬وأخــرج البيهقــي عــن أيب‬

‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪27.2‬‬ ‫مــكان آلخــر باجتــاه واحــد‪ ،‬مثــل شــبكات امليــاه والــرف‬ ‫ويعظــه إىل أن كــف عــن ذلــك‪ ،‬فهــذا احلــرب الــذي اتفقــت‬
‫الصحــي‪ .‬فالفريــق املســيطر عــى الطــرف األعــى ســيهيمن عى‬ ‫النموذج اإلذعاين الرخيي‬ ‫علــاء املذاهــب عــى قبــول نقلــه واالعــراف بتحقيقــه وفضلــه‬
‫الفريــق املســيطر عــى الطــرف األدىن كــا يف املــزارع إذ أن‬ ‫ال باليــد الظاهــر‬‫نقــل العلــاء عــى عــدم املطالبــة مبســتند عم ـ ً‬
‫ال قــد هييمــن عــى جرانــه‬ ‫البــد يل هنــا مــن التوقــف قبــل رشح اإلذعــاين الرخيــي‬ ‫فيهــا أهنــا وضعــت بحــق»‪ 58.‬ولقــد كان العــرف مرجع ـاً أيض ـاً‬
‫الفريــق الــذي متــر املــاء يف أرضــه أو ً‬
‫إذا مــا قــرر إيقــاف املــاء عنهــم (الصــور ‪ 27.2‬إىل ‪ .)29.2‬كــا‬ ‫وتوضيــح خاصيــة بيئيــة سأســتخدمها مــراراً يف هــذا الكتــاب‬ ‫يف اخلالفــات بــن اجلــران يف حالــة غيــاب البينــة‪ .‬فيقــول‬
‫أن املصلحــة املســؤولة عــن توزيــع امليــاه يف مدننــا املعــارصة‬ ‫وستســهم يف فهــم حركيــة البيئــة‪ ،‬وهــي خاصيــة «املســتويات‬ ‫عــز الديــن بــن عبــد الســالم (ت ‪ )660‬يف قواعــد األحــكام‪:‬‬
‫هتيمــن عــى املســتهلكن‪ ،‬فــإذا قــررت املصلحــة تغيــر موضــع‬ ‫يف البيئــة العمرانيــة»‪ .‬فمــن خــالل ظاهــرة التغـ ّـر التــي حتدثنــا‬ ‫«وجــود األجنحــة املرشعــة املطلــة عــى ملــك اجلــار وعــى‬
‫قنواهتــا فــإن ذلــك قــد يؤثــر عــى املســتهلكن‪ ،‬والعكــس‬ ‫عنهــا يف املقدمــة ميكننــا التمييــز بــن «املســتويات املختلفــة»‬ ‫الــدروب املشــركة فإهنــا دالــة عــى أهنــا وضعــت باســتحقاق‪،‬‬
‫غــر صحيــح‪ .‬ومتــى تقــرر إصــالح شــبكة الــرف الصحــي‬ ‫يف بيئتنــا العمرانيــة‪ .‬فاحلائــط كعــن يف «مســتوى أعــى» مــن‬ ‫وكذلــك القنــوات املدفونــة حتــت األمــالك واجلــداول واألهنــار‬
‫تأثــر أولئــك الذيــن يرفــون فضالهتــم مــن خــالل الشــبكة‪،‬‬ ‫األثــاث‪ ،‬وذلــك ألن تغيــر موضــع األثــاث بنقلــه مــن مــكان‬ ‫اجلاريــة يف أمــالك النــاس دالــة عــى اســتحقاقها ألربــاب امليــاه‬
‫والعكــس أيض ـاً غــر صحيــح‪.‬‬ ‫آلخــر داخــل الغرفــة لــن يؤثــر عــى حوائــط الغرفــة‪ ،‬أمــا تغير‬ ‫ألن صورهــا دالــة عــى أهنــا وضعــت باســتحقاق»‪ 59.‬وعــى‬
‫إن من أهم مــا مييـز الـبيئـة الـتقليـديـة تـواجـد عقـاراهتـا الـواحدة‬
‫تلو األخـرى بطريقة قـد ال تبدو منظـمة للباحث العابر كا سـرنى‬ ‫موضــع أي حائــط فالبــد وأن يؤثــر عــى توزيــع األثــاث‪ .‬لذلك‬ ‫ذلــك‪ ،‬فيمكننــا القــول بــأن تدخــل الدولــة كان نــادراً يف تعليــم‬
‫إن شاء الله ألهنـا نتـجت من اإلحيـاء‪ ،‬أي أهنا مل ختطط‪ .‬فقد ميـر ماء‬
‫أي أن االحتــواء واجلــذب واالنســياب خــواص البــد وأن‬ ‫نقــول بــأن احلائــط يف مســتوى أعــى‪ .‬وإذا مــا ســيطر عــى‬ ‫حــدود العقــارات‪ ،‬وأن هــذه احلــدود تكونــت بفعــل املحاورات‬
‫مزرعة يف عـدة مزارع أخرى قبل أن يصل إليهـا‪ ،‬وهو مـا يعرف بحق‬ ‫تــؤدي إىل هيمنــة فريــق يف البيئــة عــى آخــر إذا مــا اتصلــت‬ ‫كل مــن احلوائــط واألثــاث فريقــان خمتلفــان‪ ،‬كــا حيــدث يف‬ ‫وبالتــايل االتفاقــات بــن ِ‬
‫الفــرق املالكــة‪ ،‬وهــذا أدى إىل ظهــور‬
‫املجـرى وهو أحـد أنواع حقوق االرتفـاق‪ .‬ففي الصورتن ‪ 27.2‬و ‪28.2‬‬ ‫أعياهنــم‪ .‬ومجيــع العالقــات بــن فــرق األعيــان واألمكنــة‬ ‫ال أو الشــقق املؤجــرة‪ ،‬فــإن الفريــق املســيطر عى‬ ‫الــوكاالت مثـ ً‬
‫من بسكرة باجلزائر ترى املاء جيري يف قنوات يف الطريق ويدخل منه‬ ‫وهيمنــة األعــراف يف حتديــد امللكيــات‪ .‬أمــا يف البيئــة املعارصة‪،‬‬
‫املتداخلــة يف البيئــة البــد وأن تكــون مــن خــالل واحــدة أو‬ ‫احلوائــط البــد وأن هييمــن عــى الفريــق املســيطر عــى األثاث‪،‬‬
‫إىل مزارع لـيسقيـها ثم قـد يذهـب بعد ذلك ملـزارع خلفها ليسقيها‪.‬‬ ‫فلقــد تدخلــت الســلطات وظهــر مــا يســمى بالشــهر العقــاري‬
‫ال بعض‬‫وهـذا الوضع قد يعطي أصحاب املزارع التي مير فيها املـاء أو ً‬
‫أكــر مــن هــذه العالقــات الثــالث‪ .‬وعندهــا نقــول أن األعيــان‬ ‫وذلــك ألن احلوائــط حتيــط أو حتــوي األثــاث؛ ولنســمي هــذه‬ ‫وتعقــدت األمــور وســاءت (وســنوضحه يف الفصــل الثالــث)‪.‬‬
‫اهليمـنة عى أولئك الذين مـن بعدهم‪ ،‬وهلـذا وجدت حـقوق االرتـفاق‪.‬‬ ‫(مثــل احلائــط واألثــاث) أو األماكــن (مثــل املنــزل والطريــق)‬ ‫اخلاصيــة بـــ «االحتوائيــة»‪ .‬فالفريــق املســيطر عــى األعيــان‬ ‫هــذه النتيجــة (وهــي دور املحــاورات واألعــراف يف حتديــد‬
‫وهـذا ينطـبق ٔايضـاً عى الـطريق‪ .‬فقـد يكون لـرجل املرور بـأرض‬ ‫يف مســتويات خمتلفــة‪ .‬أمــا بالنســبة لعينــن ال تربطهــا عالقــة‬ ‫احلاويــة هــو املهيمــن يف الغالــب‪ .‬ومــن أمثلــة ذلــك املنــزل‬
‫غره للـوصول ملــزرعته‪ ،‬فـرى يف الصـورة ‪ 29.2‬طـريقــاً للمـشـاة‬ ‫امللكيــات) ذات أمهيــة كــربى بالنســبة لنــا يف تأثــر املســؤولية‬
‫بنائيــة كمنزلــن متجاوريــن‪ ،‬فنقــول بأهنــا يف نفــس املســتوى‪.‬‬ ‫والطريــق‪ :‬فالفريــق املســيطر عــى الطريــق كاملســؤولن‬
‫بـأحـد املواقع بشال أفريقية وحياذيه جمرى املاء‪.‬‬ ‫عــى حالــة العنــر أو النــاذج اإلذعانيــة كــا ســنوضح بإذنــه‬
‫ومتــى كانــت هنــاك حاجــة إىل أيــة عالقــة بــن عنريــن‬ ‫يف البلديــة هييمنــون عــى أولئــك املســيطرين عــى العقــارات‬ ‫تعــاىل يف الفصــل التاســع‪.‬‬
‫املحويــة مثــل املنــازل واملــدارس‪ ،‬وذلــك ألســباب كثــرة منهــا‬
‫‪29.2‬‬ ‫‪28.2‬‬ ‫ال أهنــم إذا َمنعــوا دخــول أي يشء إىل املناطــق العامة فســتمنع‬‫مثـ ً‬ ‫لقــد حتدثنــا عــن األرايض‪ ،‬ولكــن مــاذا عــن األعيــان‬
‫بالتــايل يف املناطــق املحويــة‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ولقــد اســتخدمت كلمــة‬ ‫األخــرى كاألشــجار والبنيــان؟ أقــول‪ ،‬إن األرض هــي البــذرة‪،‬‬
‫«هيمنــة» ألميزهــا عــن «ســيطرة»‪ .‬فالســيطرة هــي عالقــة بــن‬ ‫والشــجرة تتبــع البــذرة يف خصائصهــا‪ .‬فــإذا كانــت األرض يف‬
‫فريــق وعــن‪ ،‬أمــا اهليمنــة فهــي عالقــة بــن فريقــن يســيطران‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬فقــد تبعتهــا األعيــان األخــرى‪ .‬فــإذا أدى‬
‫عــى عينــن يف مســتوين خمتلفــن‪.‬‬ ‫اإلحيــاء واإلقطــاع إىل أمــالك أو أراض يف اإلذعــاين املتحــد‪،‬‬
‫فمــن املنطــق أن تكــون األعيــان التــي عــى تلــك األرايض‪،‬‬
‫باإلضافــة إىل االحتوائيــة‪ ،‬وهــي عالقــة فراغيــة‪ ،‬فهنــاك‬ ‫كاحلوائــط واألثــاث والشــجر‪ ،‬يف اإلذعــاين املتحــد أيضــاً‪،‬‬
‫خاصيتــان أخريتــان ليســتا فراغيتــن وتؤديــان إىل ظاهــرة‬ ‫وذلــك ألن مالــك األرض غالبـاً مــا ميلــك مــا عليهــا مــن أعيــان؛‬
‫اهليمنــة بــن فــرق املســتويات املختلفــة لألعيــان‪ .‬أحدامهــا‬ ‫وبذلــك فأغلــب األعيــان يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعــاين‬
‫«اجلاذبيــة»‪ :‬وأبســط مثــال لذلــك الشــجرة‪ ،‬فالفريــق املســيطر‬ ‫املتحــد‪ .‬ولكــن مــاذا حيــدث إذا أجــر مالــك مــا داره لشــخص‬
‫عــى جــذع الشــجرة ســيهيمن عــى الفريــق الــذي يســيطر‬ ‫آخر؟اإلجابــة هــي أن الفريــق املســتخدم ســيكون غــر‬
‫عــى األغصــان‪ ،‬وذلــك ألن اجلــذوع حتمــل األغصــان‪ .‬وباملثــل‪،‬‬ ‫الفريــق املالــك‪ ،‬وبذلــك ختــرج العــن مــن اإلذعــاين املتحــد‬
‫الفريــق املســيطر عــى أعمــدة الــدور األول البــد وأن هييمــن‬ ‫إىل اإلذعــاين الرخيــي‪ ،‬وهــو موضوعنــا القــادم‪ .‬ولكــن تذكــر‬
‫عــى الفريــق الــذي يســيطر عــى الــدور الثــاين يف عــارة‬ ‫أخــي القــارئ أن القواعــد الســابقة أعطــت مجيــع الســكان‬
‫ســكنية‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وأمــا اخلاصيــة األخــرة فهــي «االنســيابية»‪:‬‬ ‫فرصــة اإلعــار‪ ،‬وبذلــك تقــل العقــارات املؤجــرة التــي تنقــل‬
‫فمــن املعــروف أن الســوائل والغــازات والكهربــاء تنســاب مــن‬ ‫األعيــان إىل اإلذعــاين الرخيــي‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫الشكل‬ ‫املســتأجر‪ ،‬أو الطريــق الــذي يرتفــق اجلــار بــه‪ ،‬أو كاملــكان‬ ‫ال‪ ،‬فــإن الوضــع‬
‫مــن نفــس املســتوى كاملنزلــن املتجاوريــن مثـ ً‬
‫‪2.2‬‬ ‫يف املســجد‪ .‬وقــد تكــون العــن صغــرة يف مســاحتها كبقعــة‬ ‫ســيكون حساسـاً النعــدام اهليمنــة؛ وهنــا قــد يتدخــل القانــون‬
‫‪30.2‬‬ ‫يف احلائــط املشــرك حيــث ير ِ‬
‫ـز أحــد اجلاريــن خشــبه عــى‬ ‫كـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال لتنظيــم العالقة‪ ،‬أو ســيتم‬‫كــا حيــدث يف حقــوق االرتفــاق مثـ ً‬
‫حائــط جــاره‪ ،‬أو قــد تكــون كبــرة كالعــارة املؤجــرة‪ .‬وقــد‬ ‫إجيــاد عنــر ذي مســتوى أعــى كاحلائــط املشــرك الســتحداث‬
‫تكــون العــن آلــة مثــل املنشــار املعــار أو قــد تكــون موقعــاً‬ ‫عالقــة اهليمنــة‪ .‬ففــي احلائــط املشــرك يف ملكيتــه بــن اجلارين‬
‫كالغرفــة يف الفنــدق‪ .‬أي أن بإمــكان أي شــخص تقســيم هــذا‬ ‫ال عالقــة هيمنــة‪ ،‬وهــي أن احلائــط املشــرك يف مســتوى‬ ‫مثــ ً‬
‫النمــوذج (والنــاذج األخــرى) إىل أنــواع خمتلفــة حســب‬ ‫ال‬
‫أعــى‪ .‬فــال يســتطيع أحــد اجلاريــن تغيــر موقــع احلائــط مث ـ ً‬
‫اهتامــه‪ .‬ولكــن برغــم هــذه التنوعــات مــن حيــث األعيــان‬ ‫ـون اجلــاران‬
‫أو هدمــه دون موافقــة جــاره‪ ،‬ويف هــذه احلالــة ُيكـ ّ‬
‫يف اإلذعــاين الرخيــي‪ ،‬إال أن هنــاك شــقن أساســين كان‬ ‫معــاً فريقــاً واحــداً يســيطر عــى احلائــط املشــرك‪ ،‬وبذلــك‬
‫الشكل ‪ 2.2‬مـن تونـس العتيقـة وهو مـسقط أفقـي للدور األريض‬ ‫هلــا تأثــر كبــر يف حالــة األعيــان يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬ومهــا‬ ‫هييمــن اجلــاران مع ـاً كفريــق واحــد عــى نفســيها كفريقــن‬
‫لعـدة منـازل‪ .‬الحـظ أن عى سكـان الـدار (ب) أن ميـروا خالل‬ ‫االرتفــاق واإلجــارة‪.‬‬ ‫متجاوريــن‪ ،‬أي نفســيها منفرديــن‪60.‬‬

‫‪31.2‬‬ ‫الـدار (أ) لـيصلـوا إىل دارهم‪( .‬أعيدت الرسمة من خرائط مركـز‬
‫احلفاظ عى املـدينـة بتـونس‪ ،‬وقـد رفعت سنة ‪1968‬م)‪.‬‬ ‫وظاهــرة اهليمنــة هــذه هــي الوضــع الســائد يف البيئــة‬
‫االرتفاق‬ ‫احلاليــة‪ .‬فأينــا نظــرت جتــد هــذه العالقــة‪ :‬فالبلديــة التــي‬
‫تســيطر عــى الشــارع الــذي حيــوي املنــازل هتيمــن عــى‬
‫‪32.2‬‬ ‫إن غالبيــة عقــارات املــدن والقــرى يف العــامل اإلســالمي‬ ‫أصحــاب املنــازل مــن خــالل خاصيــة االحتوائيــة‪ ،‬لذلــك‬
‫متالصقــة‪ ،‬أي أن ملكيــات الفــرق متجــاورة بطريقــة متالصقــة‬ ‫جتدهــا تصــدر القوانــن‪ .‬واملؤسســات التــي تغــذي املنــازل‬
‫مــع بعضهــا البعــض مــع قلــة يف املناطــق العامــة كالشــوارع‬ ‫باملــاء وتســيطر عــى شــبكاته يف املدينــة هتيمــن عــى الســكان‬
‫مقارنــة باملــدن احلديثــة‪ .‬وإذا مــا كانــت هــذه األمــالك مبنيــة‬ ‫مــن خــالل خاصيــة االنســيابية‪ .‬كــا أن هنــاك عالقــات هيمنــة‬
‫فــإن الناتــج هــو بيئــة متالصقــة بنائيـاً ‪( compact‬أنظــر للصــور‬ ‫بــن املؤسســات نفســها‪ ،‬فاملؤسســة التــي تســيطر عــى الطريــق‬
‫‪ 40‬و ‪ 41‬و ‪ 84‬إىل ‪ 88‬يف املقدمــة)‪ .‬وهــذا معنــاه وجــود بعــض‬ ‫(البلديــة) هتيمــن عــى املؤسســات التــي تســيطر عــى شــبكات‬
‫العقــارات التــي يصعــب الوصــول إليهــا مــن الطريــق العــام‪،‬‬ ‫الكهربــاء واهلاتــف اآليل‪ ،‬وهكــذا‪ .‬فــال يوجــد فريــق يف‬
‫‪33.2‬‬
‫والتــي ال ميكــن الوصــول إليهــا إال مــن خــالل املــرور يف أمــالك‬ ‫البيئــة املعــارصة إال وهنــاك عــرشات الفــرق التــي هتيمــن عليــه‬
‫الغــر (شــكل ‪ ،)2.2‬أي الوصــول إليهــا مــن عقــارات يف نفــس‬ ‫هبــذه اخلــواص‪ .‬فطبيعــة وجــود األعيــان واألماكــن تفــرض‬
‫املســتوى‪ .‬ويف مثــل هــذه احلــاالت تتبلــور احلاجــة إىل نظــام‬ ‫هــذه اهليمنــة‪ .‬وســرنى يف الفصــل الســابع والتاســع كيــف أن‬
‫يســمح ألولئــك الســاكنن يف العقــارات الداخليــة للمــرور‬ ‫الرشيعــة متكنــت مــن حتويــل هــذه اهليمنــة التــي البد منهــا إىل‬
‫خــالل العقــارات اخلارجيــة لتخفيــف هيمنــة مــن هــم يف‬ ‫عالقــات إنســانية ُتــري البيئــة‪ ،‬هــذا إن وجــدت؛ ويف الوقــت‬
‫ـرق؛ ألن اهليمنــة هنــا بــن فريقــن لعقاريــن‬ ‫ِ‬
‫اخلــارج مــن الفـ َ‬ ‫ذاتــه أنتجــت الرشيعــة بيئــة تقــل فيهــا عالقــات اهليمنــة بــن‬
‫ال‪ ،‬قــد يكــون هنــاك حــق لســكان‬ ‫مــن نفــس املســتوى‪ .‬فمث ـ ً‬ ‫الفــرق لدرجــة ال ميكــن ألي خمطــط أو مهنــدس القيــام بذلــك‬
‫دار يف املــرور مــن خــالل املنــزل املجــاور لدارهــم‪ ،‬أو أن‬ ‫إال باتبــاع الرشيعــة‪ .‬فإزالــة العالقــات ذات اهليمنــة بــن الفــرق‬
‫لســكان منــزل مــا حــق مســيل ميــاه األمطــار خــالل دار اجلــار‬ ‫مســألة مهمــة إذا مل يكــن هلــا داع‪ ،‬ألن هــذه العالقــات تعطــي‬
‫(الصــور ‪ 30.2‬إىل ‪ .)33.2‬أي أن أجــزاء بعــض املبــاين يشــرك‬ ‫بعــض أفــراد املجتمــع الســلطان لالســتبداد بالبعــض اآلخــر‪،‬‬
‫حق إجراء ماء الفضالت مثل ماء الغسيل والطبخ (أي املياه غر النجسة)‪.‬‬ ‫إن مسيل املاء هو أحد حقوق االرتفاق يف املدينة التقليـدية للتعامل مع‬ ‫يف االســتفادة منهــا أكــر مــن فريــق‪ .‬والعالقــة هنــا أدت إىل‬ ‫وهبــذا تظهــر الكثــر مــن األمــراض بــن الفــرق كالرشــاوي‬
‫فرى يف الصورة ‪ 32.2‬من كواالالمبور مباليزيا‪ ،‬ويف الـصــورة ‪ 33.2‬من‬ ‫تريف مياه األمطـار‪ .‬فقد كان الغيث يسيل من سطح مبى آلخر‪.‬‬ ‫هيمنــة أحدهــم عــى اآلخــر بحكــم خاصيتــي االنســيابية‬
‫دكــا ببـنجـالدش قنـاتـان لـلاء يف الطـريق والتي تصب فيها قنوات‬ ‫فرى يف الصورتن ‪ 30.2‬و ‪ 31.2‬من تـونس قنـوات انسـياب امليـاه‪ .‬الحظ‬ ‫والظلــم والشــكاوي واملحاكــم والقوانــن شــاغلة بذلــك‬
‫واالحتوائيــة أو إحدامهــا‪.‬‬ ‫ـداء‪ .‬واآلن لنعــد إىل اإلذعــاين‬
‫املـباين‪ .‬فقد مير ماء دار يف قناة خالل دار أخـرى قبل أن يصـل هلذه القنـاة‬ ‫األنبـوبة التي تأيت من الدور الثاين يف الـصورة ‪ 30.2‬ليصب املاء منها عى‬ ‫املســلمن فيــا ميكــن جتنبــه ابتـ ً‬
‫يودي إيل هيـمنة الفـريق اخلارجي عى‬ ‫التي عى الطـريق‪ ،‬وهذا قـد ٔ‬ ‫سـطح الــدور األول ومن ثـم ينـســاب من الـفتحـة إىل املبـى املجـاور‪.‬‬ ‫ولكــن كيــف نشــأت هــذه التداخــالت بــن العقــارات‬ ‫الرخيــي‪.‬‬
‫الفريق الداخي إذا ما حاول إيقاف املاء‪ .‬هلذا حولت الرشيعة هذه اهليمنة‬ ‫مـاوها خالل دار أخرى يقال إن هلا‬‫فمـتى كـان لدار احلق يف أن يـسيل ٔ‬
‫املحتملة إىل حقوق‪ .‬لكن لنتذكر أن ما نراه من بؤس اآلن كا يف بنجالدش‬ ‫حق املسيل‪ .‬وترى يف الصورة ‪ 31.2‬ثـالثة مواقع ينـساب منها املـاء من‬
‫التــي هــي مــن نفــس املســتوى؟ اإلجابــة مــن خــالل ثــالث‬ ‫يشــرك يف هــذا النمــوذج مــن املســؤولية فريقــان يف‬
‫هو بسبب فقدان السكان حلق السيطرة يف وضع حمتكر حمليا ودوليا‪.‬‬ ‫تودي إىل هيمنـة فريق عى آخر‬ ‫سطح آلخر‪ .‬ومن احلقوق أيضاً التـي قد ٔ‬ ‫طــرق هــي‪ :‬التقســيم والنمــو واملعاوضــات‪ .‬فــاألوىل هــي‬ ‫العــن‪ ،‬أحدمهــا ميلــك ويســيطر واآلخــر يســتخدم‪ :‬كاملنــزل‬

‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫املناطــق العامــة هبــا حتــى ال تتبــدد ثــروات املســلمن يف صيانــة‬ ‫التقســيم‪ :‬وتنتــج عــن اهلبــة أو الوراثــة أو بيــع جــزء مــن‬
‫ـداء‪ .‬ومــن جهــة‬
‫ورصــف وإضــاءة مناطــق مل يكــن هلــا داع ابتـ ً‬ ‫الشكل‬ ‫ال بحيــث‬‫املنــزل ومــا شــابه‪ .‬فقــد يقســم عقــار بــن الورثــة مثـ ً‬
‫الشكل‬
‫أخــرى فــإن أعيــان حقــوق االرتفــاق تــكاد تكــون األعيــان‬ ‫‪4.2‬‬ ‫إن عــى ســكان جــزء مــن العقــار أن ميــروا مــن خــالل جــزء‬
‫‪3.2‬‬
‫الوحيــدة يف البيئــة التقليديــة التــي تــؤدي إىل اهليمنــة املتوقعــة‬ ‫آخــر للوصــول إىل الطريــق العــام‪ .‬وهــذا التقســيم قــد يــؤدي‬
‫بــن عقاريــن‪ ،‬وقــد عاجلتهــا الرشيعــة بحكمــة‪ ،‬أمــا البيئــة‬ ‫إىل النــزاع بــن الورثــة‪ .‬ولــرب مثــل لذلــك‪ :‬فقــد ســئل الفقيــه‬
‫املعــارصة‪ ،‬فكــا قلنــا‪ :‬مليئــة هبــذه العالقــات والتــي ختبطــت‬ ‫املالــي إبراهيــم بــن عبــد اللــه اليزناســي عــن أخويــن اقتســا‬
‫فيهــا األنظمــة املعــارصة‪.‬‬ ‫أرضـاً ورثاهــا عــن أبيهــا (شــكل ‪ )3.2‬ولــألرض طريــق قديــم‬
‫متصــل هبــا فصــار يف نصيــب أحدمهــا (النصيــب أ) القســمة‬
‫باختصــار‪ ،‬إن االنســيابية واالحتوائيــة واجلاذبيــة التــي‬
‫املتصلــة بالطريــق‪ ،‬وأمــا القســمة األخــرى (ب) فــال مدخــل‬
‫تــؤدي إىل هيمنــة فريــق عــى اآلخــر دفعــت املجتمعــات‬
‫ال مــن قســمة أخيــه املتصلــة بالطريــق‪ .‬ومل يذكــرا حــن‬ ‫هلــا إ ّ‬
‫املعــارصة إىل تركيبــة بيئيــة تالفــت فيهــا هــذه املجتمعــات‬
‫القســم أن ميــر األخ يف قســمة أخيــه وال منعــه مــن ذلــك‪ .‬وعندما‬
‫هــذه العالقــة بزيــادة مســاحة األماكــن العامــة‪ ،‬وبزيــادة هــذه‬
‫أراد صاحــب القســمة التــي ال مدخــل هلــا (ب) املرور يف قســمة‬
‫ال‪ ،‬بينا‬
‫املســاحة ظهــرت عالقــات هيمنــة أخــرى مل توجد أصـ ً‬
‫أخيــه منعــه مــن ذلــك أخــوه‪ .‬فهــل يصــح القســم ويكــون لــه‬
‫عاجلــت الرشيعــة هــذه املســألة بحكمــة‪ .‬فكيــف تــم ذلــك؟‬
‫املــرور يف قســمة أخيــه أم لــه منعــه حتــى يعــاد القســم؟ وهناك‬
‫لقــد قســم الفقهــاء امللــك إىل تــام وناقــص‪ .‬وامللــك الناقص‬ ‫الشكل‬ ‫إجابــات متعــددة هلــذه النازلــة (يف الفصــل الثامــن ســرنكز‬
‫كــا عرفــه أمحــد إبراهيــم (أحــد علــاء مــر هــذا القــرن ت‬ ‫‪5.2‬‬ ‫عــى التقســيم وتأثــره يف منــاذج املســؤولية) ومجيعهــا تــؤدي إىل‬
‫‪« :)1364‬هــو عبــارة عــن بعــض مــا يقبلــه املــال مــن احلقــوق‬ ‫رضورة االتفــاق بــن الطرفــن‪ .‬وإذا مل يتــم ذلــك فــإن احلــل‬
‫اجلائــزة رشعــاً‪ ،‬وهــو إمــا أن يكــون قــارصاً عــى الرقبــة‪ ،‬أو‬ ‫ســيفرض عليهــا بحيــث أن لصاحــب القســمة الداخلــة املــرور‬
‫قــارصاً عــى املنفعــة‪ .‬وملــك املنفعــة أو حــق االنتفاع ينقســم إىل‬ ‫يف القســمة اخلارجــة للوصــول إىل الطريــق العــام تالفيـاً للــرر‬
‫قســمن‪ :‬شــخي وعيــي‪ .‬فــاألول يتعلــق بالشــخص‪ ،‬ويســمى‬ ‫بصاحــب القســمة الداخلــة‪61.‬‬
‫حــق انتفــاع أو ملــك منفعــة‪ ،‬والثــاين يتعلــق بالعــن العقاريــة‬
‫الطريقــة الثانيــة لنشــوء هــذه التداخــالت بــن العقــارات‬
‫ويســمى حــق ارتفــاق»‪ 62.‬ولقــد عــرف الشــيخ مصطفــى‬
‫هــي النمــو املســتمر ‪ incremental growth‬مثــل اإلحيــاء‪ .‬فبعــد‬
‫أمحــد الزرقــاء حــق االرتفــاق بأنــه «منفعــة مقــررة لعقــار عــى‬
‫إحيــاء قطعــة مــن األرض ســيكون هلــذه األرض حريــم مثــل‬
‫عقــار آخــر مملــوك لغــر األول كالــرشب واملســيل لــألرايض‪،‬‬
‫الطريــق املــؤدي إليهــا ومســيل مائهــا‪ ،‬فيرتــب عــى أولئــك‬
‫وكاملــرور والتعــي‪ .‬وحــق االرتفــاق يف نظــر الفقهــاء مــن قبيــل‬
‫الذيــن ســيحيون األرايض املجــاورة احــرام طريــق ومســيل‬
‫ملــك املنفعــة‪ .‬وهــي منفعــة بــن عقاريــن تابعــة هلــا عــى‬
‫مــاء األرض األوىل (وســنناقش هــذا يف الفصــل اخلامــس إن شــاء‬
‫الــدوام مهــا انتقلــت ملكيتهــا‪ ،‬وأن مالــك هــذه املنفعــة هــو‬
‫مســاحة العقــارات اخلاصــة‪ ،‬وهــذا معنــاه تقليــل تكلفــة إنشــاء‬ ‫مــن ميزانيــة مروفــات البلديــات أو أمانــات املــدن‪ .‬ولكــن‬ ‫اللــه)‪ .‬وأمــا الطريقــة الثالثــة فهــي املعاوضــات‪ :‬فقــد يقــوم فرد‬
‫مالــك العقــار املنتفــع ‪ ...‬وحــق االرتفــاق هــذا هــو يف احلقيقــة‬
‫ال إذا مــا طبقــت‬‫وصيانــة املناطــق العامــة يف املدينــة إمجــا ً‬ ‫املدينــة أيضـاً بحاجــة إىل هــذه املناطــق العامــة لتســهيل حركــة‬ ‫ببيــع حــق املــرور يف عقــاره جلــاره‪ .‬وهــذه الطــرق الثــالث أدت‬
‫منفعــة منتقصــة مــن ملكيــة العقــار املرتفــق بــه (اخلــادم)‬
‫الفكــرة يف املدينــة ككل‪ ،‬باإلضافــة إىل أبعــاد اجتاعيــة إجيابية‬ ‫مــرور الســاكنن‪ .‬فهــل هنــاك وســيلة للتقليــل مــن مســاحات‬ ‫إىل مــا هــو معــروف يف الرشيعــة والقانــون بحقــوق االرتفــاق‪.‬‬
‫ملصلحــة العقــار املرتفــق (املخــدوم)‪ .‬وبســبب هــذه التبعيــة‬
‫ال حــر هلــا مــن إجيــاد التعــارف والتداخــل بــن اجلــران‬ ‫املناطــق العامــة دون التأثــر عــى حركــة املــرور؟ إن حقــوق‬ ‫ودراســة هــذه احلقــوق ونوازهلــا ستســاعدنا عــى فهــم املدينــة‬
‫العقاريــة فيهــا مل تكــن مؤقتــة بوقــت حمــدود كغرهــا مــن‬
‫(والتــي ســتناقش يف الفصــل التاســع)‪ .‬ولكــن قــد تظهــر هنــا‬ ‫االرتفــاق هــي أحــد هــذه الوســائل‪ .‬ففــي الشــكل ‪ 4.2‬املنطقــة‬ ‫اإلســالمية مــن حيــث الركيــب اخلطــي ‪.territorial structure‬‬
‫منافــع‪ ،‬بــل تبقــى مــا بقــي العقــار إىل أن يتنــازل عنهــا املالــك‬
‫بطريــق مــرشوع»‪63.‬‬ ‫مشــكلة‪ :‬وهــي أن مــالك العقــارات اخلارجيــة قــد هييمنــون‬ ‫(أ) حتولــت مــن شــارع عــام إىل منــازل ســكنية يف الشــكل ‪.5.2‬‬ ‫وهــو مــا ســنتطرق إليــه يف الفصــل التاســع‪ .‬ولكــن ميكــن أن‬
‫عــى ســكان العقــارات الداخليــة‪ ،‬فالفريــق «ن» قــد هييمــن‬ ‫ولكــن عــى ســكان املنــازل الداخليــة (ب‪ ،‬ج‪ ،‬د) يف الشــكل‬ ‫نكتفــي هنــا بالقــول أن كــرة املناطــق العامــة كالشــوارع‬
‫وينــدرج حتــت حــق االرتفــاق حــق املجــرى واملســيل‬ ‫والســاحات يف أي مدينــة تــؤدي إىل اســتنزاف مــوارد األمــة‪ ،‬ألن‬
‫عــى الفريــق «ب» يف الشــكل ‪ 5.2‬ألنــه حيويــه أو حائــل بينــه‬ ‫‪ 5.2‬املــرور يف أمــالك جراهنــم للوصــول إىل الطريــق العــام‬
‫واملــرور‪ .‬والفــرق بــن حــق املجــرى واملســيل هــو أن يف حــق‬ ‫إنشــاء وصيانــة املناطــق العامــة تكلــف الكثــر مقارنــة باملناطق‬
‫وبــن الطريــق العــام‪ ،‬وهنــا تظهــر حكمــة الرشيعــة يف التعامل‬ ‫كاملــرور يف حديقــة اجلــار أو كبنــاء ممــر يف العقــار اخلارجــي‬
‫املجــرى يكــون لإلنســان إجــراء املــاء يف ملــك جــاره مللــك‬ ‫اخلاصــة‪ .‬فهــي حتتــاج ملــن يزرعهــا ويرصفهــا ويضيؤهــا‬
‫مــع هــذه املســألة حتــى تتــالىش هــذه اهليمنــة‪ ،‬لذلــك انتــرشت‬ ‫ليتمكــن ســكان العقــار الداخــي مــن املــرور‪ .‬والــذي حــدث‬
‫نفســه‪ .‬أمــا حــق املســيل فهــو حــق تريــف امليــاه الزائــدة‬ ‫وينظفهــا ومــا إىل ذلــك مــن مصاريــف باهظــة‪ .‬وهــذا واضــح‬
‫فكــرة تداخــل العقــارات يف املدينــة التقليديــة لتنخفــض نســبة‬ ‫يف الشــكل ‪ 5.2‬هــو تقليــل مســاحة األماكــن العامــة مــع زيــادة‬

‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫بالنســبة حلــق االرتفــاق املثبــت ســلفاً والناتــج عــن اإلحيــاء أو‬ ‫ال بيــع حــق اســتخدام جــزء مــن عقــاره إىل جــاره‬ ‫املالــك مثــ ً‬ ‫اخلــادم‪ .‬يقــول ابــن الرامــي إنــه عندمــا ســئل مالــك «عمــن لــه‬ ‫مــن ملكــه خــالل ملــك جــاره‪ .‬وتعاريــف حقــوق االرتفــاق‬
‫ال مــن الفريقن ســيحاول‬ ‫ال‪ .‬ومــن البدهــي‪ ،‬فــإن ك ً‬
‫التقســيم مثـ ً‬ ‫ليســتخدمه كطريــق‪ ،‬أو إلمــرار مائــه‪ ،‬أو حتــى ســاقية‬ ‫ممــر يف حائــط (مزرعــة) إىل ملــك لــه وراء ذلــك احلائــط ومل‬ ‫تشــر إىل حقيقــة حتميــة يف البيئــة‪ :‬وهــي أن حــق االرتفــاق‬
‫تــاليف التدخــل اخلارجــي‪ .‬فالفريــق املهيمــن يعلــم متام ـاً بــأن‬ ‫مــاء مــن خــالل مزرعتــه طاملــا اتفــق الطرفــان عــى موقــع‬ ‫يكــن حمظــوراً (أي ال جــدار حولــه)‪ ،‬فــأراد صاحــب احلائــط‬ ‫ال يكــون إال بوجــود ثــالث مناطــق‪ :‬األوىل هــي العقــار‬
‫الرشيعــة ســتقف مــع صاحــب حــق االرتفــاق إن هــو حــاول‬ ‫املمــر وســعته ومــا إىل ذلــك‪ .‬العكــس أيض ـاً جائــز‪ .‬فبإمــكان‬ ‫أن حيظــر حائطــه وجيعــل عليــه بابــا؟»‪ ،‬قــال مالــك‪« :‬ال أرى‬ ‫الــذي حيتـــاج إىل االرتفــاق أو العقــار املخــدوم‪ .‬والثانيــة هــي‬
‫منعــه مــن املــرور‪ .‬بينــا خيــاف الفريــق املالــك حلــق االرتفــاق‬ ‫املالــك بيــع ممــر يف داره (رقبــة الطريــق) جلــاره‪ ،‬بينــا حيتفــظ‬ ‫ذلــك لــه إال أن يــرىض الــذي لــه املمــر يف احلائــط‪ ،‬ألنــه إذا‬ ‫املر َت َفــق بــه أو العقــار اخلــادم؛ والثالثــة هــي املنطقــة‬
‫العقـــار ْ‬
‫مــن املضايقــات التــي قــد حيدثهــا الفريــق املهيمــن مــن قفــل‬ ‫لنفســه بحــق املــرور‪ 68.‬ولكــن هنــاك اختــالف بــن املذاهــب‬ ‫كان حمظــور ًا مل ميكــن أن يدخــل الــذي لــه املمــر يف احلائــط‬ ‫املشــركة بــن العقاريــن مــن حيــث املســؤولية والتــي ختضــع‬
‫البــاب أو حتويــل جمــرى املــاء أو تضييقــه ومــا إىل ذلــك‪ .‬أي‬ ‫يف إمكانيــة بيــع حــق االرتفــاق لفريــق آخــر ثالــث‪ ،‬وذلــك‬ ‫ال فــال يفتــح لــه ويقــال لــه‪:‬‬
‫متــى شــاء‪ ،‬ويوشــك أن يــأيت لي ـ ً‬ ‫لإلذعــاين الرخيــي‪ .‬وحيــث إن مالــي العقاريــن املتجاوريــن‬
‫أن الفريقــن بحاجــة إىل االتفــاق يف حقــوق االرتفــاق إذا كان‬ ‫الختالفهــم يف ماليــة حقــوق االرتفــاق‪ .‬فــإذا كان للفريــق (أ)‬ ‫مثــل هــذه الســاعة ال يفتــح ألحــد‪ .‬قيــل لــه‪ :‬أرأيــت إن حظــر‬ ‫يف الغالــب فريقــان خمتلفــان يف نفــس املســتوى‪ ،‬فــإن العالقــة‬
‫العقــاران يف نفــس املســتوى‪ .‬واالتفــاق يف صالــح العنــر‪ ،‬ألنــه‬ ‫ال حــق املــرور يف عقــار الفريــق (ب)‪ ،‬فهــل حيــق للفريــق‬ ‫مث ـ ً‬ ‫ومل جيعــل عــى احلائــط باب ـاً‪ ،‬قــال‪ :‬يوشــك أن يــأيت مــن يريــد‬ ‫بينهــا قــد متيــل إىل نــوع مــن اهليمنــة‪ .‬فالفريــق اخلــادم قــد‬
‫كلــا ازداد االتفــاق بــن الطرفــن كلــا أمكــن اعتبارمهــا فريق‬ ‫ال وليــس (ب)؟‬ ‫(أ) بيــع حــق املــرور لفريــق خارجــي (ج) مث ـ ً‬ ‫املــرور إىل حائــط هــذا الــذي لــه املمــر ممــن كان ميــر فيــه‬ ‫مينــع الفريــق الداخــل مــن املــرور أو قــد مينعــه مــن اســتخدام‬
‫واحــد‪ ،‬وبالــذات إذا كانــت مصاحلهــم مشــركة‪ .‬فقــد يتفــق‬ ‫يســتنتج العبــادي (أحــد الفقهــاء املعارصيــن الذيــن كتبــوا‬ ‫ويأتيــه منــه‪ ،‬فــإذا رأى احلائــط حمظــوراً مل جيــز‪ ،‬ويوشــك‬ ‫مســيل املــاء‪ .‬وهنــاك الكثــر مــن األمثلــة عــى ذلــك يف البيئــة‪.‬‬
‫طرفــان ولكــن دون اشــراكها يف املصلحــة‪ ،‬وهــذا أفضــل مــن‬ ‫يف امللكيــة) فيقــول‪« :‬ذهــب احلنفيــة والزيديــة إىل أن هــذه‬ ‫أن يطــول ذلــك فيســتحق هــذا وجيعــل عليــه بابــاً‪ ،‬ويقــال‬ ‫فالونرشيــي (فقيــه مالــي مجــع الكثــر مــن النــوازل يف كتابــه‬
‫االختــالف ولكنــه ليــس كاشــراك املصلحــة‪ .‬وعنــد اشــراك‬ ‫احلقــوق ليســت مبــال‪ ،‬ألهنــا أمــور ال ميكــن حيازهتــا‪ .‬وبنــوا‬ ‫للــذي لــه املمــر قــد جــاز عليــك»‪ 66.‬وعندمــا ســأل ســحنون‬ ‫ت ‪ )914‬يذكــر نازلــة يف رجــل ميلــك داراً وســطحها وجمــرى‬
‫املصلحــة ســيقوم الطرفــان باالهتــام بالعــن وصيانتهــا وصيانــة‬ ‫ال‪،‬‬
‫عــى ذلــك أن هــذه احلقــوق ال جيــوز بيعهــا وهبتهــا اســتقال ً‬ ‫(ت ‪ )240‬الفقيــه ابــن القاســم‪« :‬فلــو أن دار ًا يف جــوف دار‪،‬‬ ‫مائهــا لناحيــة‪ ،‬وال جمــرى هلــا إال مــن تلــك الناحيــة؛ فبــاع‬
‫مــا هبــا مــن أعيــان أخــرى أصغــر منهــا كبــاب الطريــق ولياســة‬ ‫ال‪ ،‬ولكــن جيــوز‬ ‫ألن حمــل البيــع واهلبــة جيــب أن يكــون مــا ً‬ ‫الــدار الداخلــة لقــوم واخلارجــة لقــوم آخريــن‪ ،‬وألهــل الــدار‬ ‫صاحــب الــدار الناحيــة التــي عليهــا املجــرى‪ ،‬فمنعــه املشــري‬
‫املجــرى‪ .‬أمــا إذا تشاكســا فســيهمالن العــن وسيســوء حاهلــا‪.‬‬ ‫بيعهــا تبعــاً لألمــوال التــي تتعلــق هبــا‪ ،‬كبيــع الــدار واألرض‪،‬‬ ‫الداخلــة املمــر يف اخلارجــة‪ ،‬فــأراد أهــل اخلارجــة أن حيولــوا‬ ‫فحكــم فيهــا أنــه‬
‫مــن جــري املــاء عليــه‪ .‬وال بيــان يف التبايــع‪ُ .‬‬
‫أي أن األعيــان اخلاضعــة حلــق االرتفــاق يف الرشيعــة اإلســالمية‬ ‫مــع مــا يتعلــق هبــا مــن حقــوق‪ ،‬مثــل حــق املــرور وحــق‬ ‫باهبــم يف موضــع ســوى املوضــع الــذي كان فيــه‪ ،‬وأىب عليهــم‬ ‫ال تلــك الناحيــة واملشــري عــامل بذلــك‬ ‫إن كان ال مصــب هلــا إ ّ‬
‫ــت لإلذعــاين املتحــد برغــم وجودهــا يف اإلذعــاين‬ ‫ِ‬
‫قــد ُدف َع ْ‬ ‫املســيل وحــق الــرشب ‪ ...‬وذهــب مجهــور الفقهــاء (املالكيــة‬ ‫أهــل الــدار الداخلــة ذلــك‪ ،‬أيكــون ذلــك هلــم؟» أجــاب ابــن‬ ‫قبــل البيــع فــال مقــال لــه‪ ،‬وإال فلــه الــرد ألنــه عيــب‪64.‬‬
‫ّ‬
‫الرخيــي نتيجــة لالتفــاق بــن الفــرق‪ .‬وهــذا يف صالــح حالــة‬ ‫والشــافعية واحلنابلــة واإلماميــة) إىل أن هــذه احلقــوق تعتــرب‬ ‫القاســم‪« :‬ال أحفــظ مــن مالــك يف هــذا شــيئاً‪ ،‬وأرى إن كانــوا‬
‫والبــد لنــا هنــا مــن التمييــز بــن حالتــن خمتلفتــن متام ـاً‪.‬‬
‫األعيــان وبالتــايل البيئــة‪ .‬وهــذه هــي النتيجــة املهمــة بالنســبة‬ ‫مــن قبيــل األمــوال‪ ،‬لذلــك جــاز عندهــم بيعهــا وهبتهــا»‪69.‬‬ ‫أرادوا أن حيولــوه إىل جنــب بــاب الــدار الــذي كان‪ ،‬وليــس يف‬
‫فقــد يكــون لشــخص مــا حــق املــرور يف ملــك جــاره دون‬
‫ملوضوعنــا‪.‬‬ ‫وبالطبــع فــإن الرأيــن هلــا تأثريــن خمتلفــن يف البيئــة (كــا‬ ‫ذلــك رضر عــى أهــل الــدار الداخلــة‪ ،‬رأيــت أن ال مينعــوا مــن‬
‫أن ميلــك رقبــة الطريــق‪ ،‬وهــذه مــن حقــوق االرتفــاق‪ ،‬وهــي‬
‫ســرنى بــإذن اللــه)‪.‬‬ ‫ذلــك؛ وإن أرادوا أن حيولــوا باهبــم إىل ناحيــة مــن الــدار ليــس‬
‫ختتلــف عــا إذا ملــك هــذا اإلنســان رقبــة الطريــق وكان هــو‬
‫يف قــرب املوضــع الــذي كان فيــه بــاب الــدار‪ ،‬فليــس هلــم ذلــك‬
‫اإلجارة‬ ‫واملهــم هنــا هــو أن مجيــع حقــوق االرتفــاق املســتحدثة‬
‫إن أىب عليهــم أهــل الــدار الداخلــة»‪67.‬‬
‫نفســه املســتخدم الوحيــد‪ ،‬فعندهــا يكــون الطريــق يف اإلذعاين‬
‫ال تتــم إال مبوافقــة املالــك‪ .‬ففــي نازلــة ذكرهــا الونرشيــي يف‬ ‫املتحــد‪ ،‬أي أن الطريــق ليــس إال عقــاراً وجــد يف أمــالك الغــر‪.‬‬
‫أمــا الشــق الثــاين مــن اإلذعــاين الرخيــي‪ ،‬والــذي أثّــر‬ ‫«قــوم فســد عليهــم جمــرى مائهــم ومل يقــدروا عــى إجرائــه‬ ‫أخــي القــارئ‪ ،‬إن مــا ذكرتــه ســابقاً دليــل عــى أن أي تغير‬ ‫أمــا إذا اشــرك اجلــار يف الســيطرة عــى الطريــق فســيكون‬
‫يف حالــة األعيــان يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬فهــو اإلجــارة والتــي‬ ‫وأرادوا جــري املــاء يف أرض جــار هلــم بثمــن أو بغــر مثــن‪،‬‬ ‫يف العقــار اخلــادم ال ميكــن أن يتــم إال مبوافقــة املســتخدمن‬ ‫الطريــق يف منــوذج إذعــاين خمتلــف‪ ،‬وســيناقش يف حينــه‪.‬‬
‫تتميــز عــن االرتفــاق بأهنــا مؤقتــة بزمــن معلــوم وليســت أبديــة‬ ‫هــل هلــم ذلــك؟» فــكان الــرد‪« :‬ليــس هلــم ذلــك إال بــإذن‬ ‫للمنطقــة التــي تشــرك فيهــا املســؤولية بــن مالــي العقاريــن‬
‫كاالرتفــاق‪ ،‬وأهنــا حــق شــخي يســتفيد منــه اإلنســان‪ ،‬وأمــا‬ ‫وحيــث أن الفريقــن املشــركن يف حقــوق االرتفــاق‬
‫صاحــب املوضــع وإن مل يــأذن فيــه مل جيــرب عليــه ‪ .»...‬أمــا‬ ‫(اخلــادم واملخــدوم)‪ .‬وهــذا معنــاه أن اهليمنــة املتوقعــة بــن‬
‫حــق االرتفــاق فهــو حــق عيــي مقــرر لعقــار معــن بــرف‬ ‫يف نفــس املســتوى وأحدمهــا (وهــو مالــك العقــار اخلــادم)‬
‫نازلــة الضحــاك والتــي ذكرهتــا ســابقاً فــإن للضحــاك‪ ،‬وكــا‬ ‫خ ّففــت‪ ،‬هــذا إذا مل‬
‫فريقــي مكانــن مــن نفــس املســتوى قــد ُ‬
‫النظــر عــن مالكهــا‪ ،‬لذلــك فــإن للفريــق املســتخدم يف اإلجــارة‬ ‫أصبــح مهيمنـاً بحكــم موقعــه‪ ،‬فــال غرابــة يف اعتبــار الرشيعــة‬
‫يقــول الشــافعية‪ ،‬حــق املــرور يف أرض مســلمة وهــو وضــع‬ ‫تنعــدم‪ ،‬ممــا جيلــب االســتقرار لفريــق العقــار املخــدوم‪.‬‬
‫مســتوى أقــل (مثــل األثــاث)‬ ‫احلــق يف أن حيــر أدوات ذات‬ ‫لإلرتفــاق حــق لصالــح العقــار املخــدوم لتخفيــف أو إلغــاء‬
‫ً‬ ‫خمتلــف‪ .‬ومل يأخــذ اإلمــام مالــك هبــذه النازلــة‪ 70.‬أي أن حــق‬
‫عــن مســتوى العــن املســتأجرة (مثــل املنــزل) ليســتخدمها‪.‬‬ ‫ومــن جهــة ثانيــة‪ :‬حيــث أن البيئــة متغــرة‪ ،‬فالبــد مــن‬ ‫ال الضحــاك‬ ‫هــذه اهليمنــة الالمنطقيــة‪ .‬فعندمــا حــاول مثــ ً‬
‫االرتفــاق املســتحدث هــو أساسـاً إتفــاق بــن الطرفــن (اخلــادم‬
‫وللرشيعــة فلســفة واضحــة يف اإلجــارة ميكــن توضيحهــا يف‬ ‫طريقــة لتبــادل حقــوق االرتفــاق بــن األفــراد‪ .‬فقــد يقــوم‬ ‫بــن خليفــة إمــرار مــاء مــن خــالل أرض جــاره حممــد بــن‬
‫واملخــدوم)‪ .‬فالفريــق املحتــاج حلــق املــرور عليــه أن يتفــق مع‬
‫إنــاء معدنيــاً واشــرط‬ ‫شــخص ببنــاء أرضــه الداخلــة التــي ال طريــق هلــا إال مــن ملــك‬ ‫مســلمة‪ ،‬ودون اإلرضار بــه‪ ،‬ومنعــه مــن ذلــك حممــد وكلــم‬
‫املثــال التــايل‪ :‬إذا اســتأجر شــخص مــا ً‬ ‫الفريــق املهيمــن حلاجتــه للمــرور يف العقــار اخلــادم‪ .‬وعنــد‬
‫املالــك أن ال يســتخدم املســتأجر اإلنــاء إال يف أوقــات معينــة‬ ‫جرانــه كعــارة ســكنية لعــدة أدوار‪ ،‬وحيتــاج إلمــرار ســكان‬ ‫فيــه الضحــاك عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪ ،‬أمــر عمــر‬
‫ثبــوت حــق االرتفــاق فــإن عــى الفريــق املهيمــن أن يســمح‬
‫ولــرشب املــاء وبنفســه فقــط‪ ،‬فــإن االســتفادة مــن هــذا اإلنــاء‬ ‫عارتــه املســتحدثة خــالل عقــار أحــد جرانــه‪ .‬لذلــك فــإن‬ ‫أن ميــر خليــج الضحــاك يف أرض حممــد بــن مســلمة وقــال‬
‫للفريــق املرتفــق باملــرور رغـاً عنــه‪ ،‬ألن حــق االرتفــاق حــق‬
‫ســتكون حمــدودة جــداً‪ .‬وأمــا إن قيــل هلــذا املســتأجر بأنــك‬ ‫مجيــع املذاهــب جتيــز إهــداء أو بيــع أو إجيــار حــق االرتفــاق‬ ‫ـر ّن بــه ولــو عــى بطنــك»‪ 65.‬ويف‬‫مجلتــه املعروفــة‪« :‬واللــه لي ُمـ ّ‬
‫تقــره الرشيعــة‪ .‬أي أن عــى الفريقــن االتفــاق‪ .‬ونفــس الــيء‬
‫إىل الطريــق العــام (وليــس إىل طريــق غــر نافــذ)‪ .‬فيســتطيع‬ ‫بعــض األحيــان فــإن العقــار املخــدوم يكــون عبئـاً عــى العقــار‬

‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫قــال ابــن القاســم‪ :‬إن طينــه رب البيــت فالكــراء لــك الزم‪ ،‬وإن‬ ‫فســقية (نافــورة) احلديقــة وســخانة املــاء يف أيامنــا هــذه فــال‬ ‫ذمــي باســتئجار دار مــن مســلم ويتخذهــا مصــى للعامــة‪ ،‬أو‬ ‫أنــت املالــك هلــذا اإلنــاء ملــدة عقــد اإلجــارة‪ ،‬ولــك مطلــق‬
‫أىب أن يطينــه كان لــك أن ختــرج إذا كان هطلــه رضر ًا بينـاً‪ ،‬وال‬ ‫مســؤولية فيهــا لــكال الفريقــن‪ .‬وكل مــا خــرج عــن هــذا‬ ‫ـل حائطــه خــارج داره آلخــر لالســتظالل‬ ‫يؤجــر شــخص مــا ِظـ ّ‬ ‫التــرف يف اإلنــاء عــى أن ال تــر بــه‪ ،‬فــإن املســتأجر قــد‬
‫جيــرب رب الــدار عــى أن يطينــه إال أن يشــاء»‪79.‬‬ ‫التقســيم (كل مــا هــو رضوري وكل مــا هــو مكمــل لالنتفــاع)‬ ‫هبــا‪ .‬وفيــا عــدا مثل هــذه املســائل فــإن أهم مــا يف عقــد اإلجارة‬ ‫يســتخدم اإلنــاء لــرشب املــاء البــارد أو الشــاي الســاخن أو‬
‫ال هنــاك اختــالف يف‬ ‫كان موضــع خــالف بــن الفقهــاء‪ .‬فمثــ ً‬ ‫ال يقــول‬
‫هــو اتفــاق الطرفــن وتــاليف العقــد عــى املجهــول‪ .‬فمثـ ً‬ ‫لصنــع الثلــج بتجميــد املــاء فيــه أو كمكيــال لغــرف احلبــوب‬
‫إن التمييــز املذكــور ســابقاً (أي مــا هــو رضوري لالنتفاع‬
‫اآلراء حــول الصيانــة املســتمرة ملــا جيعــل املبــى صاحلـاً لالنتفاع‬ ‫ابــن قدامــة يف مــدة العقــد‪« :‬وإن جعــال املــدة ســنة روميــة أو‬ ‫ومــا إىل ذلــك مــن اســتخدامات عديــدة‪ .‬أي أن هــذا املســتأجر‬
‫ومــا هــو مكمــل لــه) ذو عالقــة واضحــة باملســتويات املختلفــة‬
‫لألعيــان‪ .‬فاملالــك مســؤول عــن أعيــان ذات مسـ ٍ‬ ‫مثــل تنظيــف البالوعــة؛ فيقــول ابــن قدامــة‪« :‬وإن امتــألت‬ ‫شمســية أو فارســية أو قبطيــة وكانــا يعلــان ذلــك جــاز ‪ ...‬وإن‬ ‫اســتفاد مــن اإلنــاء اســتفادة قصــوى دون أن يــر بــه‪ .‬وهــذا‬
‫ـتو أعــى مــن‬
‫(يعــي البالوعــة) بفعــل املكــري فعليــه تفريقهــا‪ ،‬وهــذا قــول‬ ‫كان أحدمهــا جيهــل ذلــك مل يصــح»‪ 74.‬ومــن مراجعــة مســائل‬ ‫نتــج مــن إعطــاء مزيــد مــن احلريــة يف التــرف للفريــق‬
‫حي ِرهــا املســتأجر‪ .‬فاملالــك مســؤول عــن‬ ‫األعيــان التــي ُ ْ‬
‫الشــافعي‪ ،‬وقــال أبــو ثــور‪ :‬هــو عــى رب الــدار ألن بــه يتمكــن‬ ‫اإلجــارة ميكننــا االســتنتاج أن الفريــق املســتخدم له احلــق رشعاً‬ ‫املســتخدم‪ ،‬وذلــك بدفــع العــن املســتأجرة إىل اإلذعــاين املتحــد‬
‫ســالمة احلوائــط واألســقف والتــي ميكــن إضافــة أنابيــب‬
‫مــن االنتفــاع فأشــبه مــا لــو اكــرى وهــي مــآلى‪ .‬وقــال أبــو‬ ‫يف اســتخدام العقــار كاملالــك‪ .‬ولكــن مــا هــي حــدود املســؤولية‬ ‫فــرة اإلجــارة‪ .‬وهــذا مــا فعلتــه الرشيعــة‪ ،‬فكيــف تــم هــذا؟‬
‫الــرف إليهــا ومــا شــاهبها يف أيامنــا هــذه‪ ،‬واملســتأجر مســؤول‬
‫حنيفــة‪ :‬القيــاس أنــه عــى املكــري واالستحســان أنــه عــى‬ ‫بــن الطرفــن (املالــك واملســتأجر) يف هــذه احلالــة؟ ومــا هــي‬
‫عــن اســتخدام هــذه العنــارص وصيانتهــا‪ 80.‬ومــن مزايــا هــذا‬ ‫أســاس اإلجــارة يف الرشيعــة هــي أن املالــك يســمح‬
‫رب الــدار ألن عــادة النــاس ذلــك»‪ 77.‬وذكــر ابــن الرامــي مــن‬ ‫حــدود املســتخدم يف التــرف (الســيطرة)؟فهل للمســتأجر‬
‫الربــط بــن املســؤولية ومســتويات األعيــان هــو وضــوح‬ ‫للمســتأجر أن يســتخدم عقــاره (العــن التــي ميلكهــا) مقابــل‬
‫املذهــب املالــي‪« :‬ومــن اكــرى داراً فوجــد قناهتــا مملــوءة‬ ‫ـتأجر إن أراد ذلــك؟‬
‫ال هــدم حائــط يف املنــزل املسـ َ‬ ‫مثـ ً‬
‫حــدود مســؤولية كل فريــق عنــد أي منازعــة‪ .‬فعنــد انتهــاء‬ ‫فائــدة معينــة مبنيــة عــى اتفــاق الطرفــن‪ .‬واإلجــارة معروفــة‬
‫بالثقــل والغســاالت (الفضــالت الصلبــة) فنقــول‪ :‬ال خيلــو إمــا‬
‫العقــد قــد يدعــي املســتأجر بأنــه أضــاف إىل املبــى بعــض‬ ‫مــن مراجعــة أقــوال الفقهــاء ميكننــا االســتنتاج عمومــاً‬ ‫يف الرشيعــة بتمليــك املنفعــة‪ .‬ففــي هتذيــب الفــروق‪« :‬متليــك‬
‫أن يكــون ســد هــذه القنــاة ممــا هــو متقــدم قبــل العقــد أو بعــد‬
‫البنيــان وأن لــه نقضــه‪ ،‬وقــد ينكــر ذلــك املالــك ويزعــم أن‬ ‫أن مســؤولية املالــك عنــد تأجــر املبــى هــي توفــر كل مــا‬ ‫املنفعــة عبــارة عــن اإلذن للشــخص يف أن يبــارش هــو بنفســه‬
‫مــا ســكن املكــري‪ ،‬فــإن كان ســدها قبــل العقــد كان كنــس‬
‫ذلــك كلــه كان يف العقــار يــوم اســتأجرها املســتأجر‪ .‬فيقــول‬ ‫هــو رضوري لالنتفــاع باملبــى كاحلوائــط واألبــواب؛ ألن‬ ‫أو ميكــن غــره مــن االنتفــاع بعــوض كاإلجــارة وبغــر عــوض‬
‫مــا يف القنــاة عــى صاحــب الــدار بــال خــالف‪ .‬وإن كانــت ال‬
‫ابــن الرامــي بــأن‪« :‬القــول قــول رب الــدار (أي املالــك) فيــا‬ ‫هــذه تعتــرب مــن الروريــات األساســية للســكى‪ .‬كــا أن‬ ‫كالعاريــة؛ كمــن اســتأجر داراً أو اســتعارها فلــه أن يؤاجرهــا‬
‫تصلــح الســكى إال بإزالتــه أجــرب صاحــب الــدار عــى إزالتــه‪،‬‬
‫كان مبنيــاً فيهــا ومبنيــاً يف قاعتهــا وجذورهــا مــن صخــرة أو‬ ‫عــى املالــك صيانــة هــذه الروريــات أثنــاء العقــد؛ فــإذا‬ ‫مــن غــره أو ُيســكنه بغــر عــوض‪ ،‬وأن يتــرف يف هــذه املنفعة‬
‫وإن كان ســدها مــن بعــد العقــد وســكى املكــري فقــد اختلف‬
‫خشــبة أو غــر ذلــك مــع ميينــه‪ ،‬ومــا كان فيهــا مطروحــاً‬ ‫انقطــع املــاء مــن البــر‪ ،‬أو تغــر لونــه أو طعمــه بحيــث ميتنــع‬ ‫تــرف املــالك يف أمالكهــم عــى جــري العــادة عــى الوجــه‬
‫يف ذلــك قــول ابــن القاســم‪ ،‬فقــال يف املدونــة‪ :‬كنــس الكنيــف‬
‫وموضوع ـاً مــن صخــرة ملقــاة يف صحــن الــدار أو عمــد ملقــى‬ ‫الــرشب والوضــوء منــه‪ ،‬أو خيــف مــن ســقوط احلائــط‪ ،‬فــإن‬ ‫الــذي ملكــه ‪ ...‬ويكــون متليــك املنفعــة كتمليــك الرقــاب»‪71.‬‬
‫(أي املرحــاض أو مــكان جتمــع فضالهتــا) وإصــالح مــا هبــا‬
‫أو خشــبة أو آجــور أو لــن موضــوع بعضــه عــى بعــض أو بــاب‬ ‫عــى املالــك إصــالح ذلــك‪ ،‬ألن االنتفــاع ال يتــم مــن غرمهــا‪.‬‬ ‫ويظهــر مــن هــذا التعريــف لتمليــك املنفعــة‪ ،‬وبالــذات‬
‫مــن اجلــدار عــى صاحــب الــدار ‪ ...‬وروى ابــن حبيــب يف‬
‫ملقــى يف صحــن ومــا أشــبه ذلــك‪ ،‬فالقــول قــول املكــري مــع‬ ‫فعندمــا ســقطت قطــة يف بــر دار مكــراه بقرطبــة‪ ،‬حكــم بــأن‬ ‫مــن عبــارة «ويكــون متليــك املنفعــة كتمليــك الرقــاب»‪ ،‬أن‬
‫الواضحــة عــن ابــن القاســم قــال‪ :‬كناســة الــدار واملرحــاض‬
‫ميينــه»‪ 81.‬أرأيــت احلكمــة أخــي القــارئ يف هــذا الربــط بــن‬ ‫«عــى رب الــدار إخراجهــا‪ ،‬الن البــر (كــذا) مــن منافــع الــدار‬ ‫املســتأجر ُيعتــرب مالــكاً لفــرة حمــددة‪ .‬فلقــد اعتــرب الفقهــاء عقد‬
‫عــى املكــري‪ ،‬إشــرطه عليــه أو مل يشــرطه‪ .‬قــال ابــن حبيــب‪:‬‬
‫املســؤولية ومســتويات األعيــان‪.‬‬ ‫فعليــه تنقيتــه‪ ،‬فــإن بقيــت يف البــر أيام ـاً ســقط مــن املكــري‬ ‫اإلجــارة كعقــد البيــع‪ ،‬ولكــن بيــع للمنفعــة وليــس بيــع للعــن‪.‬‬
‫قــال مطــرف وابــن املاجشــون‪ :‬حيمــالن يف ذلــك عــى عــادة‬
‫مقــدار مــا فاتــه مــن االنتفــاع مــن البــر»‪ 75.‬وقــد يدخــل التيــار‬ ‫فيقــول القــرايف بــأن متليــك املنفعــة هــو «متليــك مطلــق يف زمــن‬
‫ومــن مزايــا الربــط أيضــاً بــن املســؤولية ومســتويات‬ ‫البلــد وهــو أحــب إيل‪ .‬قــال عبــد امللــك‪ :‬وعــادة البلــد عندنــا‬
‫الكهربــايئ يف أيامنــا هــذه يف رضوريــات االنتفــاع‪ .‬واجلديــر‬ ‫خــاص حســبا تناولــه عقــد اإلجــارة»‪ 72.‬ويوضــح ابــن قدامــة‬
‫األعيــان هــي إعطــاء الفريــق املســتخدم حريــة أكــرب مــن‬ ‫باألندلــس أن كناســة الــدار عــى املكــري وكناســة املرحــاض‬
‫تعــرض العقــار املؤجــر لكشــف العــورة‬ ‫ُّ‬ ‫بالذكــر هــو أن‬ ‫اإلجــارة بقولــه‪« :‬ومجلتــه أن املســتأجر ميلــك املنافــع بالعقــد‬
‫االســتفادة مــن العقــار املســتأجر‪ .‬وتــم هــذا يف الرشيعــة‬ ‫عــى رب الــدار»‪78.‬‬
‫(اخلصوصيــة) يعــد ممــا يــر االنتفــاع‪ .‬يقــول ابــن الرامــي‪:‬‬ ‫كــا ميلــك املشــري املبيــع بالبيــع‪ ،‬ويــزول ملــك املؤجــر عنهــا‬
‫بطريقتــن‪ ،‬األوىل‪ :‬هــي أن حالــة أعيــان العقــار املســتأجر‬
‫وللتلخيــص أقــول إن الظاهــر هــو أن العلــاء جلــأوا إىل‬ ‫«ومــن الطــرر (اســم كتــاب) البــن عــات (ت ‪ )609‬قــال‪ :‬فــإن‬ ‫كــا يــزول ملــك البائــع عــن املبيــع‪ ،‬فــال جيــوز لــه التــرف‬
‫ال أن عــى‬‫تقــدم عــى رشوط املالــك‪ .‬فــإذا اشــرط املالــك مث ـ ً‬
‫عــرف أهــل املنطقــة يف حالــة النــزاع بــن املالــك واملســتأجر‬ ‫كانــت الــدار مكــراه فبــى رجــل غرفــة وفتــح كــوة يكشــف‬ ‫فيهــا ألهنــا صــارت مملوكــة لغــره كــا ال ميلــك البائــع التــرف‬
‫املســتأجر أن يســكن بنفســه فقــط‪ ،‬فــإن هــذا الــرشط ال يؤخــذ‬
‫يف فســخ العقــد يف كل مــا مل يكــن واضحـاً مــن حيــث التمييــز‬ ‫منهــا عــى صاحــب الــدار‪ ،‬فقــال املكــري لرهبــا خاصــم عــي‪،‬‬ ‫يف املبيــع»‪73.‬‬
‫بــه إذا مل يثبــت الــرر عــى البنيــان‪ .‬فلقــد ســأل ســحنون‪:‬‬
‫املذكــور ســابقاً (مــا هــو رضوري لالنتفــاع ومــا هــو مكمــل‬ ‫وقــال رهبــا ليــس ذلــك عــي‪ ،‬قــال‪ :‬عــى رب الــدار املكــراة‬
‫«أرأيــت إن اكريــت بيتــي مــن رجــل ورشطــت عليــه أن ال‬ ‫وحيــث أن األســاس يف عقــد البيــع االتفــاق بــن الطرفــن‪،‬‬
‫ي ِ‬ ‫لالنتفــاع)‪ .‬ويف العمــوم‪ ،‬فــإن املالــك غــر جمــرب عــى إزالــة‬ ‫قطــع الــرر‪ ،‬فــإن أىب كان للمكــري فســخ الكــراء إن أحــب‪،‬‬
‫ســكن معــه أحــد ًا فتــزوج واشــرى رقيقــاً‪ ،‬أيكــون لــه أن‬ ‫ُ‬ ‫وألن اإلجــارة تعتــرب بيــع للمنفعــة لوقــت معلــوم‪ ،‬فــإن الفقهــاء‬
‫الــرر‪ ،‬ولكــن إن مل يفعــل ذلــك فقــد يفقــد املســتأجر الــذي‬ ‫كــا لــو اهنــدم منهــا مــا يــره وأىب رهبــا مــن بنيانــه»‪76.‬‬
‫يســكنهم معــه إذا أىب عليــه رب البيــت ذلــك؟ قــال ابــن القاســم‪:‬‬ ‫اشــرطوا وضــوح مجيــع بنــود العقــد لــكال الطرفــن مــع تــاليف‬
‫قــد يقــرر فســخ العقــد‪ .‬فاإلجــارة عقــد ال جيــوز ألحــد الطرفن‬ ‫أمــا مــا ُميَ ّ‬
‫ينظــر يف ذلــك‪ ،‬فــإن كان ال رضر عــى رب البيــت يف ســكى‬ ‫كــن املســتأجر مــن اســتكال املنافــع (أو مــا‬ ‫العقــد عــى املجهــول ألهنــا قــد تــؤدي إىل املنازعــة؛ كأن يكــون‬
‫فســخه إال إذا كان هنــاك مــربر‪ .‬فلقــد ســأل ســحنون‪« :‬أرأيــت‬
‫هــؤالء معــه فــال يكــون لــه أن مينعــه‪ ،‬وإن كان يكــون يف‬ ‫كمــل االنتفــاع) بالعقــار كاألثــاث وحبــل ودلــو بــر املــاء‪،‬‬ ‫ُي ِّ‬ ‫املعقــود عليــه شــائعاً‪ ،‬أو يقــوم املســتأجر بإحــداث رضر غــر‬
‫إن تكاريــت بيتــاً مــن رجــل فهطــل عــي البيــت يف الشــتاء‪،‬‬
‫ذلــك عــى رب البيــت رضر فليــس لــه أن يدخلهــم عليــه‪ ،‬وقــد‬ ‫واملصابيــح يف أيامنــا هــذه فهــي مســؤولية املســتأجر‪ .‬وبالنســبة‬ ‫ال‪.‬‬
‫معلــوم بعمــل حمــل لدباغــة اجللــود يف منــزل معــد للســكى مث ً‬
‫أيكــون يل أن أخــرج أم جيــرب رب الــدار عــى تطيــن البيــت؟‬
‫يكــون الرجــل يكــري الرجــل الغرفــة وحــده ويشــرط عليــه‬ ‫لألعيــان الرفيهيــة (أي غــر الروريــة) أو الكاليــات مثــل‬ ‫كــا أن الفقهــاء مل جييــزوا اإلجــارة ملــا هــو حمظــور كأن يقــوم‬

‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫‪34.2‬‬ ‫وهــذا الوضــع مرهــق للمجتمــع اقتصاديـاً ألن هلــؤالء املوظفــن‬ ‫يف البيئــة التقليديــة إىل وظائــف أخــرى كمحــالت للقصاريــن‬ ‫أن ال يســكنها معــه أحــد لضعــف خشــبه التــي حتــت الغرفــة‪،‬‬
‫الذيــن يراقبــون الســكان مصاريــف كرواتبهــم ومكاتبهــم‬ ‫والندافــن (نــادف القطــن أو القطــان) واحلداديــن والنجاريــن‪.‬‬ ‫فــإن أدخــل عليــه غــره خــي رب الغرفــة أن تنهــدم الغرفــة‬
‫ونحــوه؛ هــذا باإلضافــة إىل مرتبــات أخــرى (وســنتعرض هلــا يف‬ ‫أي أن عطــاء البيئــة التقليديــة كان أكــر‪ ،‬وســنفصل هــذا يف‬ ‫فهــذا ومــا أشــبهه ينظــر يف ذلــك»‪ 82.‬ويقــول ابــن قدامــة‪« :‬وال‬
‫الفصــل التاســع)‪ .‬ونظــراً ألن حــق الســيطرة يف البيئــة التقليديــة‬ ‫الفصــل التاســع‪.‬‬ ‫ال فــوق ســقف‬ ‫جيــوز (أي للمســتأجر) أن جيعــل فيهــا شــيئاً ثقيـ ً‬
‫كان مــع الفريــق املالــك أو كان مــع الفريــق املســتخدم‪،‬‬ ‫ألنــه يثقلــه ويكــر خشــبه وال جيعــل فيهــا شــيئاً يــر هبــا إال‬
‫وأخــر ًا‪ ،‬وكــا رأينــا‪ ،‬فــإن العالقــة بــن املالك واملســتأجر‬
‫ـل وجــوده يف البيئــة‬ ‫فــإن هــذا النمــوذج اإلذعــاين (املؤقــت) قـ ّ‬ ‫أن يشــرط ذلــك‪ ،‬وهبــذا قــال الشــافعي وأصحــاب الــرأي وال‬
‫ُبنيــت عــى االتفــاق‪ .‬فــكال الفريقــن حــر يف قبــول أو رفــض‬
‫التقليديــة‪ .‬ومتــى وجــد فرعــان مــا تنتقــل العــن منــه إىل‬ ‫نعلــم فيــه خمالفــاً ‪83.»...‬‬
‫أي بنــد مــن بنــود العقــد يف بدايتــه‪ .‬فاملالــك بحاجــة اىل نقــود‬
‫منــوذج إذعــاين آخــر وذلــك بــأن تعــود الســيطرة إىل املالــك‪ ،‬أو‬
‫املســتأجر‪ ،‬بينــا حيتــاج املســتأجر عقــار املالــك للســكى أو‬ ‫ومــن قــول ابــن قدامــة «إال أن يشــرط ذلــك» نســتنتج‬
‫أن الفريــق املســيطر يصبــح مالــكا أو مســتخدماً‪ ،‬أو أن ملكيــة‬
‫العمــل‪ .‬ولتحقيــق أهدافهــم املختلفــة فســيتفقان معــاً‪ .‬وكــا‬ ‫نتيجــة أخــرى يتفــق عليهــا مجهــور العلــاء وهــي أن اشــراط‬
‫‪35.2‬‬ ‫العــن تنتقــل إىل فريــق آخــر وينتقــل معهــا حــق الســيطرة‬
‫ذكرنــا ســابقاً‪ ،‬فــإن االتفــاق مــن صالــح العــن املؤجــرة‪ ،‬وهــذا‬ ‫املســتأجر يف بدايــة العقــد تقــدم عــى رضر البنيــان (األعيــان)‪،‬‬
‫إىل املالــك اجلديــد‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وهــذه االنتقاليــة ميــزة عظمــى‬
‫يف احلقيقــة اســتبقاء للعــن يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬أي أن مجيــع‬ ‫وهــي الطريقــة الثانيــة إلعطــاء الفريــق املســتخدم حريــة‬
‫ألي بيئــة‪ .‬باختصــار‪ ،‬فــإن األعيــان يف البيئــة التقليديــة يف‬
‫مبــادئ الرشيعــة يف اإلجــارة تنتهــي بإبقــاء العــن يف اإلذعــاين‬ ‫ال أن يســتخدم املبــى كمحــل‬ ‫أكــرب‪ .‬فبإمــكان املســتأجر مثــ ً‬
‫هــذا النمــوذج كانــت نــادرة‪ ،‬ونتجــت مــن احلَ ْجــر والرهــن يف‬
‫املتحــد برغــم وجودهــا يف اإلذعــاين الرخيــي لتغــر الفريــق‬ ‫للحــدادة أو النجــارة طاملــا اشــرط ذلــك يف العقــد‪ ،‬وحتــى إن‬
‫الرشيعــة‪ .‬ومتــى وضعــت األعيــان يف هــذا النمــوذج انتقلــت‬
‫املســتخدم‪ .‬وهــذا االســتنتاج ينطبــق عــى مجيــع احلــاالت التــي‬ ‫كان هنــاك رضر عــى املــكان املســتأجر‪ .‬فيقــول ابــن القاســم‪:‬‬
‫منــه إىل منــوذج آخــر‪.‬‬
‫ختضــع فيــه العــن لفريقــن‪ ،‬أحدمهــا ميلــك ويســيطر واآلخــر‬ ‫«‪ ...‬وإن كان قــد اشــرط املتــكاري عــى رب احلانــوت أن يعمل‬
‫احلجــر يف الرشيعــة هــو «منــع اإلنســان مــن التــرف‬ ‫ـواء كانــت مــن حقــوق االرتفــاق أو اإلجــارة أو‬ ‫يســتخدم‪ ،‬سـ ً‬ ‫يف احلانــوت قصــاراً (مبيــض الثيــاب) أو حــداداً أو طحانــاً‪،‬‬
‫يف مالــه»‪ 86.‬وصــور احلجــر يف الرشيعــة كثــرة أوصلهــا بعــض‬ ‫غــر ذلــك‪ .‬وســرى يف الفصــل الثالــث أخــي القــارئ كيــف أن‬ ‫وكان ذلــك رضر ًا عــى البنيــان فلــه أن يعمــل ذلــك يف احلانــوت‪،‬‬
‫الفقهــاء إىل الســبعن‪ .‬ولكــن ميكــن تقســيمها عمومـاً إىل نوعــن‪:‬‬ ‫هــذه املبــادئ تغــرت بفعــل القوانــن املعــارصة وكيــف أثــر‬ ‫وليــس لــرب الــدار حجــة مــن قبــل أنــه قــد أكراهــا منــه وقــد‬
‫األول حجــر ملصلحــة املحجــور عليــه كالصبــي واملجنــون‬ ‫ذلــك ســلبياً يف حــاالت األعيــان املؤجــرة مقللــة بذلــك مــن‬ ‫ســمى لــه املتــكاري مــا يعمــل فيــه وقــد ريض بذلــك»‪ 84.‬وهنــاك‬
‫ترينا الصــورة ‪ 34.2‬من الـريـاض عـدة ارتــدادات عن‬
‫الطريق لعدة منازل‪ .‬فالطريق يقع عى مين الصورة خلف‬ ‫والســفيه فــال ُيضيعــون أمواهلــم ويعبثــون هبــا‪ 87،‬فبالنســبة‬ ‫عطــاء البيئــة‪.‬‬ ‫طريقــة أخــرى وهــي العــرف أو العــادة‪ .‬فبإمكان املســتأجر أن‬
‫السور‪ .‬أما الصـورة ‪ 35.2‬من الطـائف ببالد احلرمن فرينـا‬ ‫للصغــر واملجنــون فــإن الرشيعــة متنعهــا مــن التــرف يف‬ ‫يســتخدم العقــار كمحــل حــدادة إذا كان املــكان املؤجــر بــن‬
‫البـناء دون ترك أي ارتدادات‪.‬‬ ‫ماهلــا وذلــك محايــة ملصلحتهــا إذ أهنــا ال حيســنان التــرف‪،‬‬ ‫حداديــن‪ .‬ففــي البدائــع‪« :‬والظاهــر أن احلانــوت الــذي يكــون‬
‫كــا وضعــت الرشيعــة قواعــد لتضمــن هلــا حقوقهــا‪88.‬‬ ‫النموذج اإلذعاين املؤقت‬ ‫يف صــف البزازيــن أنــه ال يؤاجــر لعمــل احلــداد والقصــار‬
‫والنــوع الثــاين مــن احلجــر هــو احلجــر عــى الفــرد حلــق‬
‫ولكــن هنــاك خــالف بــن الفقهــاء يف حتديــد مــا هــو الســفه‪:‬‬ ‫يكــر هــذا النمــط مــن املســؤولية يف أيامنــا هــذه بينــا‬ ‫والطحــان‪ ،‬فــال ينــرف مطلــق العقــد إليــه‪ ،‬إذ املطلــق حممــول‬
‫غــره‪ :‬كاحلجــر عــى املفلــس ملصلحــة غرمائــه‪ ،‬أو الراهــن‬
‫هــل هــو التبذيــر فيــا ال ينبغــي كالنفقــة يف معصيــة؟ أو هــو‬ ‫ينــدر يف البيئــة التقليديــة‪ .‬وخــر مثــال لــه االرتــدادات التــي‬ ‫عــى العــادة‪ ،‬فــال يدخــل غــره يف العقــد إال بالتســمية أو بالرضا‪،‬‬
‫يف املرهــون‪ ،‬أو املريــض مــرض املــوت ملصلحــة الدائنــن‬
‫اإلرساف فيــا ينبغــي كبنــاء مســجد ببــذخ مثــال؟‪ 89‬وبالتــايل‬ ‫تفرضهــا الســلطات عــى النــاس‪ .‬فــإذا أراد شــخص مــا البنــاء يف‬ ‫حتــى لــو آجــر حانوت ـاً يف صــف احلداديــن مــن حــداد يدخــل‬
‫والورثــة‪ 93.‬وإذا اســتخدم املالــك العقــار يف كلتــا احلالتــن‪ ،‬فــإن‬
‫فهنــاك خــالف يف احلجــر عــى الســفيه بعــد البلــوغ‪ .‬فــرى‬ ‫بعــض املناطــق فــإن عليــه أن يــرك مســافة معلومــة مــن أرضــه‬ ‫عمــل احلــدادة فيــه مــن غــر تســمية للعــادة»‪85.‬‬
‫أعيــان العقــار ســتكون يف اإلذعــاين املؤقــت وذلــك ألن الــويص‬
‫أبــو حنيفــة بأنــه ال حيجــر عليــه وإن كان مبــذراً‪ 90.‬ويســتدل‬ ‫مــن غــر بنــاء؛ وهبــذا يصبــح املنــزل مرتــداً عــن الطريــق‬
‫هــو املســيطر‪ 94.‬وال أريــد أن أطيــل يف هــذا النمــوذج لقلتــه يف‬ ‫ومــن كل مــا ســبق نخلــص إىل أن مبــادئ الرشيعــة‬
‫البيئــة التقليديــة‪ ،‬ولكــن أُذ ّ‬ ‫مجهــور الفقهــاء بجملــة أدلــة تــدل عــى أنــه حيجــر عــى‬ ‫العــام؛ وتســمى تلــك املنطقــة ارتــداد ًا (الصورتــان ‪ 34.2‬و‬
‫كــر بــأن هــذا النمــوذج مؤقــت يف‬ ‫باعتبــار عقــد اإلجــارة كعقــد بيــع ولكــن للمنفعــة وليــس‬
‫ويرجــح العبــادي رأي مجهــور العلــاء‬
‫ّ‬ ‫الســفيه بعــد البلــوغ‪91.‬‬ ‫‪ .)35.2‬أي أن هــذه املنطقــة غــر املبنيــة هــي ملــك لصاحــب‬
‫طبيعتــه‪ :‬فالعقــار البــد وأن ينتقــل منــه إىل منــوذج إذعــاين آخــر‪،‬‬ ‫للعقــار‪ ،‬باإلضافــة إىل جتاهــل رشط املالــك مــا مل يكــن هنــاك‬
‫ويقــول‪« :‬كــا أن احلجــر دفــع الــرر عــن أهــل اإلســالم؛‬ ‫البنــاء‪ ،‬فهــو يســتخدمها ولكــن ال ميكنــه البنــاء عليهــا مــن غــر‬
‫فالصبــي ســيكرب يومــاً مــا‪ ،‬واملفلــس ســيخرج مــن مأزقــه أو‬ ‫رضر عــى البنيــان‪ ،‬واعتبــار رشط املســتأجر حتــى وإن أرض‬
‫فــإن الســفيه بإتالفــه وإرسافــه يصــر مطيــة لديــون النــاس‪،‬‬ ‫إذن الســلطات‪ .‬فهــو (املالــك) والســلطات التــي فرضــت هــذه‬
‫يفقــد عقــاره لفريــق آخــر‪.‬‬ ‫بالبنيــان‪ ،‬كل هــذه املبــادئ دفعــت األعيــان املؤجــرة اىل‬
‫ومظنــة لوجــوب النفقــة عليــه مــن بيــت مــال املســلمن؛ فــإن‬ ‫القوانــن معــاً كفريــق واحــد يســيطران عــى تلــك املنطقــة‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ .‬متامــاً كاإلنــاء الــذي اســتخدمته كمثــال يف‬
‫ومــن الطبيعــي أن تتســم العالقــة بــن الفريقــن بنــوع مــن‬ ‫الســفهاء إذا مل حيجــروا وأرسفــوا‪ ،‬تركبهــم الديــون وتضيــع‬ ‫املرتــدة‪ .‬أي أن فريقــن يشــركان يف العــن‪ :‬أحدمهــا ميلــك‬ ‫الســابق‪ .‬وإذا مــا قيــس مثــال اإلنــاء عــى األعيــان األخــرى‬
‫احلــذر‪ .‬فالفريــق املالــك املســتخدم ســيحاول إرجــاع الســيطرة‬ ‫ال‪،‬‬
‫أمــوال املســلمن يف ذممهــم‪ ،‬ويصــرون عــى املســلمن وبــا ً‬ ‫ويســتخدم املنطقــة املرتــدة واآلخــر يســيطر عليهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫يف البيئــة فيمكننــا القــول أن اســتفادة املســلمن مــن األعيــان‬
‫لنفســه‪ ،‬وقــد حيــاول الفريــق املســيطر أن يطيــل فــرة ســيطرته‬ ‫ال»‪92.‬‬
‫وعــى بيــت ماهلــم عيــا ً‬ ‫وضــع غريــب وغــر مســتقر‪ .‬فقــد حيــاول املــالك البنــاء عــى‬ ‫املؤجــرة يف البيئــة التقليديــة أكــر منهــا يف أي بيئــة أخــرى دون‬
‫وبالــذات إذا كان مــن املســتفيدين مــن هــذه الســيطرة‪ .‬فالــويص‬ ‫هــذه االرتــدادات‪ ،‬وعــى الســلطات دوام مراقبتهــم ملنعهــم‪،‬‬ ‫اإلرضار باألعيــان‪ .‬فهنــاك الكثــر مــن املنــازل التــي حولــت‬

‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫‪36.2‬‬ ‫إال أن هــذا النمــوذج مــن املســؤولية مل ينتــرش بــن ســكان‬ ‫األمريــة‪ .‬ولكــن عندمــا ُتطابِــق ترفــات الفريــق املســيطر‬ ‫عــى الســفيه قــد حيــاول متديــد فــرة ســيطرته إال أن الســفيه‬
‫املدينــة التقليديــة إال يف األماكــن والعقــارات التــي ملكتهــا‬ ‫رغبــات الفريــق املالــك‪ ،‬وهــذا نــادر ًا مــا حيــدث‪ ،‬فيمكننــا‬ ‫يراقــب الــويص وينتظــر عودة الســيطرة إلىــه‪ 95.‬وهنــا مالحظة‪:‬‬
‫الدولــة والتــي اع ُتــربت ُمم ّثلــة لعمــوم املســلمن‪ ،‬كاألرايض‬ ‫القــول أن الفريقــن يف هــذه احلالــة (املالك واملســيطر) ليســا إال‬ ‫وهــي أن األعيــان يف النــاذج األخــرى قــد تنتقــل منــه لنمــوذج‬
‫الزراعيــة اخلراجيــة حيــث إن املزارعــن متتعــوا بحقــوق‬ ‫فريق ـاً واحــداً‪ .‬وهــذا معنــاه أن هــذه العــن ال تنتمــي إىل هــذا‬ ‫آخــر‪ ،‬فاملنــزل قــد خيــرج مــن اإلذعــاين املتحــد إىل الرخيــي‬
‫الســيطرة‪ ،‬أو مقاعــد األســواق ألن الباعــة ســيطروا عــى تلــك‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين‪.‬‬ ‫أو املشــتت‪ ،‬ولكــن هــذه ليســت خاصيــة حتميــة‪ ،‬لذلــك ال‬
‫املقاعــد‪ ،‬هــذا باإلضافــة إىل املناجــم‪ .‬وســرنكز هنــا عــى مقاعــد‬ ‫نقــول أن النــاذج األخــرى أيضــاً مؤقتــة‪ ،‬فاألعيــان يف مجيــع‬
‫أي أن مــا مييــز هــذا النمــوذج اإلذعــاين عــن غــره مــن‬
‫األســواق واألرايض الزراعيــة فقــط‪ .‬فهــا اللــذان أثــرا يف البيئة‬ ‫النــاذج (باســتثناء املؤقــت) مســتقرة برغــم ســوء حاهلــا يف‬
‫النــاذج هــو العالقــة املتســمة بإصــدار املــالك للقوانــن‪ .‬وال‬
‫العمرانيــة التقليديــة‪.‬‬ ‫بعــض األحيــان (كــا يف املشــتت)‪ ،‬غــر أن العــن يف اإلذعــاين‬
‫أقصــد هنــا أن الفريقــن املشــركن يف حتمــل املســؤولية يف هــذا‬
‫‪37.2‬‬ ‫املؤقــت حتميــة يف انتقاهلــا منــه إىل منــوذج آخــر ألن الســيطرة‬
‫النمــوذج لــن يتفقــا أبــد ًا‪ .‬ولكــن االتفــاق بينهــا لــن يؤثــر عــى‬
‫مؤقتــة بيــد الفريــق املســيطر‪.‬‬
‫مقاعد األسواق‬ ‫حالــة العــن كتأثــر القوانــن‪ .‬ومــن املنطقــي أن يكــون املــالك‬
‫ـن مالــك‪ .‬فاملســؤول يف البلديــة‬ ‫مق ِّننــن‪ ،‬ولكــن ليــس كل مق ّنـ ٍ‬
‫الظاهــر هــو أن هنــاك عرفــاً يف البيئــة التقليديــة أن‬
‫يقــوم الباعــة بحيــازة مــكان مــا لوقــت معلــوم يف األســواق أو‬
‫يصــدر القوانــن ولكنــه ال ميلــك‪.‬‬ ‫النموذج اإلذعاين احليازي‬
‫الســاحات العامــة أو الطــرق الواســعة للبيــع‪ .‬فهــؤالء الباعــة‬ ‫هنــاك فــرق أســايس بــن اإلذعــاين احليــازي واإلذعــاين‬ ‫جــرت العــادة أن يكــون الفريــق املالــك هــو املســيطر‪.‬‬
‫يســيطرون عــى املــكان ويســتخدمونه بإحضــار قطــع مــن‬ ‫الرخيــي مــن حيــث طريقــة االتفــاق‪ .‬ففــي اإلذعــاين‬ ‫ولكــن إذا كان املالــك غــر قــادر عــى الســيطرة أو ممنوعـاً منهــا‬
‫األثــاث لوضــع ســلعهم عليهــا أو فقــط بتعليمــه بحوائجهــم‪،‬‬ ‫الرخيــي (كاإلجــارة) نلحــظ أن االتفــاق هــو أســاس العالقــة‬ ‫أو غــر مهتــم بحقوقــه يف الســيطرة عــى العــن‪ ،‬فــإن الســيطرة‬
‫ولكنهــم ال ميلكــون ذلــك املــكان (الصــور ‪ 36.2‬إىل ‪.)43.2‬‬ ‫بــن مالــك العقــار والفريــق املســتخدم؛ ويف هــذه احلالــة‪ ،‬ال‬ ‫قــد تتحــول إىل الفريــق املســتخدم‪ .‬أي سيشــرك فريقــان يف‬
‫‪38.2‬‬ ‫فالشــافعي رمحــه اللــه يقــول‪« :‬فمــن قعــد يف موضــع منهــا لبيــع‬ ‫يتمتــع الفريــق املســتخدم بأيــة عالقــة مــع جرانــه عــدا مــا‬ ‫حتديــد حالــة العــن يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬أحدمهــا يســيطر‬
‫كان أحــق بــه بقــدر مــا يصلــح لــه‪ ،‬ومتــى قــام عنــه مل يكــن‬ ‫تنــص عليــه الرشيعــة واألعــراف مــن حســن اجلــوار وحقوقهــا‬ ‫ويســتخدم واآلخــر ميلــك‪ .‬ولــرب مثــل معــارص نجــد يف‬
‫لــه أن مينعــه مــن غــره ‪ ...‬واملقاعــد بالســوق ليــس بإحيــاء‬ ‫مــن معامــالت ونحــوه‪ .‬فاملالــك هــو املســؤول عــن االتفــاق‬ ‫ال أن البائــع يســتخدم ويســيطر عــى املوضــع‬ ‫ســوق اخلضــار مثـ ً‬
‫يعرفــون هــذا املبــدأ باالختصــاص‬ ‫مــع اجلــران يف كل مــا هــو متعلــق باألمــور البيئيــة كاحلائــط‬
‫مــوات»‪ .‬ومجهــور الفقهــاء ّ‬ ‫الــذي هــو فيــه ولكــن الســلطة متلــك ذلــك املوقــع‪.‬‬
‫يعرفونــه بتمليــك‬ ‫املشــرك ومســيل املــاء والســاباط‪ ،‬وذلــك ألن املالــك هــو الــذي‬
‫أو حــق االختصــاص‪ .‬وبعــض الفقهــاء ّ‬
‫‪96‬‬
‫يســيطر عــى العقــار وبالتــايل عــى حــدوده اخلارجيــة‪ .‬أمــا‬ ‫وتعتــرب األنظمــة والقوانــن مــن أبــرز ســات هــذا‬
‫االنتفــاع وهــو خمتلــف عــن متليــك املنفعــة‪ .‬والفــرق بينهــا‬ ‫ِ‬
‫يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬وألن الفريــق املســتخدم هــو املســيطر‬ ‫ــرق‬
‫النمــوذج اإلذعــاين‪ .‬فعــدم ســيطرة املــالك ال تعطــي الف َ‬
‫هــو أن متليــك االنتفــاع يؤهــل الشــخص الســتخدام املــكان‬
‫عــى احلــدود اخلارجيــة‪ ،‬فــإن عــى هــذا الفريــق املســتخدم أن‬ ‫املســتخدمة التــي تســيطر مطلــق احلريــة‪ ،‬بــل نجــد أن‬
‫بنفســه مثــل ســكى املــدارس والربــط واملجالــس يف اجلوامــع‬
‫ال‪ ،‬قــد يكــون عــى بائــع اخلــرة الــذي‬ ‫املــالك ُيظهــرون وجودهــم مــن خــالل مــا يصدرونــه مــن‬
‫واملســاجد ومقاعــد األســواق‪ ،‬أمــا متليــك املنفعــة فيؤهــل‬ ‫يتفــق مــع جرانــه‪ .‬فمثـ ً‬ ‫ِ‬
‫يأخــذ مكانـاً مــن الســاحة ليبيــع فيــه منتجاتــه أن حيــر معــه‬ ‫ـرق املســتخدمة للحــد مــن‬ ‫أنظمــة وقوانــن يفرضوهنــا عــى الفـ َ‬
‫الشــخص الســتخدام املــكان باإلضافــة إىل متكــن غــره مــن‬ ‫ِ‬
‫كل مــا حيتاجــه مــن أثــاث الســتخدام املــكان‪ ،‬فهــو قــد ميلــك‬ ‫ـرق‪ .‬وهــذه القوانــن التــي يصدرهــا الفريــق‬ ‫ســيطرة هــذه الفـ َ‬
‫لقـد اعـطت الـرشيعــة احلق ملن أراد الـبيـع يف الطـرقـات الــواسعــة أن‬ ‫االنتفــاع بــه‪ ،‬بعــوض كاإلجــارة أو بغــر عــوض كالعاريــة‪.‬‬
‫يفـعل ذلك دون اإلرضار بــاملــارة‪ ،‬وهــو مــا يعـرف بحق االخـتصـاص‪،‬‬ ‫ويســيطر وبالطبــع يســتخدم أثاثــه‪ ،‬باإلضافــة إىل اســتخدامه‬ ‫املالــك (ليتبعهــا الفريــق املســيطر املســتخدم) مــا هــي إال‬
‫ولكــن يف كال احلالتــن ال يسيـــطر املســتخدم عــى احلوائــط‬
‫وهـذه إحـدى ميـزات املـدينـة التقليـدية‪ .‬فرى يف الصورة ‪ 36.2‬من‬ ‫وســيطرته عــى املــكان؛ أي أن بائــع اخلــرة يعتــرب كاملســتأجر‬ ‫دليــل عــى وجــود نــوع مــن التضــاد يف املصالــح‪ .‬فــإذا كان‬
‫اخلارجيـــة لســكى الربــط ولكــن يســيطر عــى املــكان فقــط‪.‬‬
‫بـنزرت بتونس بعض باعـة األواين الفخاريـة يف الطـريق عى الشـاطئ‪.‬‬
‫الــذي حيــر أثاثه ويســتخدم املنــزل‪ .‬واألعيــان التــي أحرها‬ ‫تــرف املســتخدمن يتمــى مــع مصالــح املــالك‪ ،‬ملــا أصــدر‬
‫وترى يف الرسمة ‪ 37.2‬شـارعاً من شوارع مدينـة أدرنا بركيا (رسم الـرسـام‬ ‫أي أن احلــدود اخلارجيــة للمــكان (احلوائــط) يف اإلذعــاين‬
‫املســتخدم يف كلتــا احلالتــن (املنــزل واملــكان يف الســاحة) مــن‬ ‫ال‪ .‬فــكل قانــون أصــدره املالــك‬ ‫املــالك هــذه القوانــن أصــ ً‬
‫لـيتـش) وقـد جلـس البعـض يف الطـريق وفـردوا متاعهم وذلك ٔايـام اخلالفة‬ ‫الرخيــي أو املشــتت‪ .‬أمــا مقاعــد األســواق فإهنــا يف اإلذعــاين‬
‫العثانية‪ .‬أما الصورة ‪ 38.2‬فهي من أحد شوارع اجلزائر‪ .‬الحظ جتـول‬ ‫نفــس املســتوى‪ ،‬ولكــن الفــرق هــو أن عــى املســتخدم يف املنزل‬ ‫لــه قصــة تعكــس قيــام املســتخدم بترفــات اعتربهــا املالــك‬
‫احليــازي يف حالــة عــدم وجــود حوائــط خارجيــة‪97.‬‬
‫املشرين بن الباعة يف الطـريق‪ .‬والصورة ‪ 39.2‬يف الصفحة التالية هي من‬ ‫(إذا كان يف اإلذعــاين الرخيــي) أن يتفــق مــع املالــك وليــس‬ ‫خمالفــة ملصاحلــه‪ .‬أي أن العالقــة بــن الفريــق املالــك والفريــق‬
‫طـنجة وهي منظـر مألوف حتـى يف أيـامنـا هـذه وهي خـروج التجـار‬ ‫وكــا ذكــرت فــإن الفــرق بــن اإلذعــاين احليــازي‬ ‫اجلــران‪ ،‬ولكــن عــى البائــع (إذا كان يف اإلذعــاين احليــازي) أن‬ ‫«شــد‬
‫ّ‬ ‫املســتخدم الــذي يســيطر هــي عالقــة مشــاهبة لِلعبــة‬
‫بـبضــائعهم إىل الطـريق ٔاو إىل ٔافـنيتـهم كا يف الـشكل ‪ٔ 6.2‬امـا الصـورة‬
‫والرخيــي هــو القوانــن أو إطاعــة الفريــق املســتخدم‬ ‫يطيــع املالــك وأن يتفــق مــع اجلــران يف األمــور البيئيــة‪.‬‬ ‫احلبــل» مــن حيــث الســيطرة‪ .‬وتــزداد قــوة الشــد بــن الطرفــن‬
‫‪ 40.2‬يف الصفحة التالية أيضا فهي مـن آسفي بـاملغـرب فـرينـا بعـض‬
‫البـاعـة لألواين يف الـطــريق وقــد نـصبــوا خـياً هلـم‪ ،‬ومل تعـرض عى‬ ‫للالــك؛ فعــى املستخـــدم أن يطيــع القاعــدة التــي ال تبيــح‬ ‫إذا كان الفريــق املســتخدم مشاكســاً أو كان الفريــق املالــك‬
‫ذلك الرشيعة طاملا اتفق الباعة فيا بينهم‪.‬‬ ‫لــه أن يكــري أو أن يبيــع املــكان‪ ،‬كــا أن عليــه أن يطيـــع‬ ‫مــن البدهــي بــأن أي عن قــد توضــع يف اإلذعــاين احليازي‪.‬‬ ‫بعيــد ًا عــن العــن‪ ،‬كــا هــو احلــال يف األرايض الزراعيــة‬

‫‪93‬‬ ‫‪92‬‬
‫أمــا األماكــن املحاذيــة للدكاكــن أو األفنيــة يف األســواق‬ ‫ال‪ ،‬حيــق‬‫األنظمــة التــي حتكــم استخـــدام ذلــك املــكان‪ .‬فمث ـ ً‬ ‫‪40.2‬‬ ‫‪39.2‬‬
‫وأفنيــة املســاجد وأفنيــة املبــاين العامــة كمداخــل املدينــة‬ ‫لــه أن ُيظَلّــل املــكان لنفســه باســتخدام األرشعــة طاملــا أنــه‬
‫وأســوارها هــي أيض ـاً أماكــن يف اإلذعــاين احليــازي ويســيطر‬ ‫مل يــر باآلخريــن؛ ولكــن ال حيــق لــه أن يبــي أي منشــأ مــن‬
‫عليهــا املســتخدمون‪ 99.‬وبذلــك فعليهــم اتبــاع القوانــن‪.‬‬ ‫ال‪ .‬ففــي املغــي‪« :‬ومــا‬ ‫شــأنه أن يضيــق الطريــق كالدكــة مث ـ ً‬
‫ال مينعــون مــن زراعــة تلــك األفنيــة وبنــاء املظــالت‬ ‫فمثــ ً‬ ‫كان مــن الشــوارع والطرقــات والرحــاب بــن العمــران فليــس‬
‫والفواصــل واألجنحــة هبــا إذا كان الطريــق ضيقــاً‪ .‬فكتــب‬ ‫وســواء ضيــق‬
‫ً‬ ‫ســواء كان واســعاً أو ضيقــاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫ألحــد إحيــاؤه‬
‫احلســبة التــي ألفهــا املحتســبون مثــل الســقطي (تــوىل احلســبة‬ ‫عــى النــاس أو مل يضيــق‪ ،‬ألن ذلــك يشــرك فيــه املســلمون‬
‫يف أواخــر القــرن احلــادي عــرش أو أوائــل القــرن الثــاين عــرش‬ ‫وتتعلــق بــه مصلحتهــم‪ ،‬فأشــبه مســاجدهم؛ وجيــوز االرتفــاق‬
‫للميــالد) تعــج مبثــل هــذه األنظمــة التــي حتــد مــن ســيطرة‬ ‫بالقعــود يف الواســـع مــن ذلــك للبيــع والــرشاء عــى وجــه ال‬
‫املســتخدمن‪100.‬‬ ‫يضيــق عــى أحــد‪ ،‬وال يــر باملــارة التفــاق أهــل األمصــار يف‬ ‫إن إبـاحـة الـرشيعـة للنـاس الـبيع لـيسـت يف الطــرق فقط ولكنها يف‬
‫مجيــع األعصــار عــى إقــرار النــاس عــى ذلــك مــن غــر إنــكار‬ ‫السـاحات أيضاً وعى نـطاق أوسع‪ ،‬فلهم إحضار سـلع أثقل للساحة وخزن‬
‫«قــال أمحــد يف الســابق إىل دكاكــن الســوق غــدوة فهــو‬
‫(الصــور ‪ 44.2‬إىل ‪ ،)46.2‬وألنــه ارتفــاق مبــاح مــن غــر إرضار‬ ‫بعضهـا لوقت أطول أو عمل بعض الصـناعـات اخلفيفـة التي ال حتتـاج ملنـشأة‬
‫لــه إىل الليــل‪ ،‬وكان هــذا يف ســوق املدينــة فيــا مــى ‪101.»...‬‬
‫فلــم مينــع منــه كاالجتيــاز»‪98.‬‬ ‫تعـيق املارة ويـمكن نقلها من الساحة‪ .‬ففـي الصورة ‪ 41.2‬من قسنطينة‬ ‫الشكل‬
‫ويقــول البــالذري (ت ‪ )279‬يف حديثــه عــن عبــد الرمحــن بــن‬ ‫بـاجلـزائر تـرون سـاحـة وقــد وضع النــاس فيهــا متــاعهم وتركوه ورمبا‬ ‫‪6.2‬‬
‫ذهبوا للصالة أو الراحة‪ ،‬فبعض األمتعـة ملقاة وال مالك بجـانبها كا هو‬
‫‪45.2‬‬ ‫‪44.2‬‬ ‫مـوضح يف الـشكل ‪ 7.2‬ويف الصورة ‪ 42.2‬من سـاحة مبدينـة بسكرة بـاجلزائر‬
‫ترون عـن قرب بـعض األمتـعة كأكياس الفحم ونحوه‪ .‬والـصـورة (‪ )43.2‬لـ‬
‫«يي جامع» أو اجلامع اجلـديد بـاسطنبول (رسم الـرسام بارتليت) ترينا جلوس‬
‫النـاس يف الساحـة وتـشييـد بعـض املظالت أيـام اخلالفة العثانية‪ .‬ومجيع هذه‬
‫الصور مؤرشات عى متكن الرشيعة للناس ليضمحل الفقر‪ .‬وبالتدريج تزداد‬
‫األمة عزة فرتقي العمران بتمكن الناس‪.‬‬
‫‪41.2‬‬

‫الشكل‬
‫‪7.2‬‬

‫إذا ما بنيت املـباين وعرفت حـدود الطرق فـال جيوز إحياء الـطرق وال اجللـوس‬
‫فيهـا بإحـضار أمـتعة ثقـيلة ألهنـا ملك يشرك فـيه املسلـمون وتـتعلق به‬
‫مصـلحتهم‪ ،‬ولكـن جيوز للناس القعـود فيها لوقت قصر‪ .‬فرى يف الصورة ‪44.2‬‬
‫من مـراكش جلـوس بعض البـاعة يف الـطريق كا هـو موضح بـالـرسم يف‬
‫الـشكل ‪ 8.2‬والـرسمتـان ‪ 45.2‬و ‪( 46.2‬رسم كـل من الــرســامن بــارتلـيت‬
‫وألــوم عى الـرتيـب) من اسطنبول مها لنفس املـوقع‪ ،‬ولكن يف وقتن خمتلفن‬
‫وتريانا تغر االستخـدام للسـاحة والـطريـق وذلك يف عهد اخلالفة العثانية‪.‬‬
‫‪43.2‬‬ ‫‪42.2‬‬
‫‪46.2‬‬
‫الشكل‬
‫‪8.2‬‬

‫‪95‬‬ ‫‪94‬‬
‫ـرق املتجــاورة املتنازعــة والتــي أدت بدورهــا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إىل احلــوار بــن الفـ َ‬ ‫مناســباً‪ .‬فــإذا أراد شــخص مــا تعليــة بنيانــه فعليــه أن يأخــذ‬ ‫ال‪،‬‬‫ــرق عــن التعــدي‪ .‬مثــ ً‬
‫األعــراف واللجــوء إليهــا لكــف الف َ‬ ‫عبيــد عــن أبيــه أنه قــال‪« :‬كنــا نغــدو إىل الســوق يف زمــن املغرة‬
‫ـرق تلــك األماكــن‪ .‬أو أهنــا أدت اىل تدخــل‬ ‫ِ‬ ‫قــال مالــك‪« :‬إذا ُع ِ‬
‫إىل االتفاقــات بــن فـ َ‬ ‫موافقــة جرانــه‪ ،‬وليــس موافقــة الســلطة‪ ،‬ألن جرانــه هــم‬ ‫ــرف أحدهــم مبــكان وصــار بــه مشــهور ًا‬ ‫بــن شــعبة (ت ‪ ،50‬وقــد تــوىل إمــارة الكوفــة مرتــن)‪ ،‬فمــن‬
‫اآلخريــن كاجلــران أو مــن هــم مــن نفــس املهنــة أو املحتســب‬ ‫الذيــن ســيتررون‪.‬‬ ‫كان أحــق بــه مــن غــره قطعـاً للتنــازع وحسـاً للتشــاجر»‪105.‬‬ ‫قعــد يف موضــع كان أحــق بــه إىل الليــل‪ ،‬فلــا كان زيــاد قــال‪:‬‬
‫أو الســلطة‪ .‬ويف كلتــا احلالتــن فــإن االتفاقــات بكرهتــا بلورت‬ ‫مــن قعــد يف موضــع كان أحــق بــه مــا دام فيــه»‪ 102.‬وأغلــب‬
‫ونعــود اآلن ملقاعــد األســواق‪ :‬إن مبــدأ األســبقية‪،‬‬ ‫مــن الواضــح أن مبــدأ األســبقية هــذا كان خــر حافــز‬
‫األعــراف كمدبــر ألمورهــم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تعريفــات الفقهــاء حلــق االختصــاص تفيــد أن الســابق إىل مكان‬
‫ـرق‪ ،‬أدى إىل إثــارة ســؤال فقهــي عــن‬ ‫وبســبب التنافــس بــن الفـ َ‬ ‫ألولئــك الذيــن يبحثــون عــن عمــل بتوفــر مــكان هلــم يف‬
‫مــا أحــق بــه مــن غــره‪ .‬ولنســمي هــذا املبــدأ باألســبقية‪ .‬أي أن‬
‫ـي إثباتــه اآلن‪ ،‬ولكــن أطلــب‬ ‫وهــذا االســتنتاج يصعــب عـ ّ‬ ‫مــدى األحقيــة للســلطة يف التدخــل‪ .‬هــل للحاكــم التدخــل‬ ‫البيئــة للعمــل وحتفيزهــم عــى حماولــة حيــازة (الســيطرة عــى)‬
‫ِ‬ ‫هنــاك منافســة بــن عــدة فــرق عــى نفــس املــكان؛ ويف مثــل‬
‫منــك أخــي القــارئ أن تربــط يف ذهنــك عالقــة ســتتكرر‬ ‫ــرق املتنافســة عــى مقاعــد األســواق بإقطاعهــم‬ ‫وتنظيــم الف َ‬ ‫تلــك األمكنــة التــي يعملــون هبــا وذلــك بتكــرار اســتخدامهم‬
‫هــذه احلــاالت قــد حيــدث نــوع مــن التشــاح بــن املتنافســن‬
‫مــراراً يف البيئــة التقليديــة‪ :‬وهــي أن الالمركزيــة قــد تــؤدي‬ ‫إياهــا؟ هنــاك اختــالف بــن الفقهــاء يف تدخــل احلاكــم يف‬ ‫للمــكان ذاتــه‪ .‬فلــم تقــف الرشيعــة حاجــزاً أمــام مــن أراد‬
‫ِ‬ ‫عــى نفــس املوضــع‪ ،‬أو قــد حيــدث خــالف يف االتفــاق عــى‬
‫ــرق‪ ،‬وهــذا ليــس عيبــاً بــل ميــزة ألنــه‬
‫إىل اخلالفــات بــن الف َ‬ ‫أفنيــة الشــوارع والطــرق‪ ،‬فيقــول املــاوردي‪« :‬ويف حكــم نظــره‬ ‫أن ينتــج ويبــادر للعمــل‪ .‬بالتأكيــد ســيكون هلــذا املبــدأ آثــار ًا‬
‫احلــدود التــي بينهــم‪ .‬ومــن الواضــح أن هــذه اخلالفــات ليســت‬
‫عمــت البيئــة‬‫البــد هلــذه اخلالفــات مــن حــل واتفــاق‪ ،‬وإال ّ‬ ‫(أي الســلطان) وجهــان‪ :‬أحدمهــا أن نظــره فيــه مقصــور عــى‬ ‫ال (وســنتطرق هلــا يف‬ ‫اقتصاديــة كبــرة يف تــدين األســعار مثــ ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق‬
‫ــرق التــي تشــرك يف عــن واحــدة ولكنهــا بــن ف َ‬ ‫بــن الف َ‬
‫الفــوىض‪ .‬والذيــن يأتــون بأفضــل احللــول البيئيــة هــم يف العــادة‬ ‫كفهــم عــن التعــدي ومنعهــم مــن اإلرضار واإلصــالح بينهــم‬ ‫الفصــل التاســع)‪ .‬وهنــا فائــدة عمرانيــة أخــرى وهــي أن نســبة‬
‫األماكــن املتجــاورة‪ .‬وألن الســلطة نــادراً مــا تدخلــت بــن‬
‫املســتخدمون للموقــع ألهنــم أدرى مبشــاكله مــن اآلخريــن‬ ‫عنــد التشــاجر‪ ،‬وليــس لــه أن يقيــم جالسـاً وال أن يقــدم مؤخــراً‬ ‫املســيطرين عددي ـاً يف البيئــة ســيزداد‪ ،‬وذلــك ألن بعــض أفــراد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق‬
‫ــرق يف حــل هــذه اخلالفــات‪ ،‬كان عــى هــذه الف َ‬ ‫هــذه الف َ‬
‫وســيأتون باحللــول مــن خــالل االتفاقــات فيــا بينهــم‪ ،‬ثــم‬ ‫ويكــون الســابق إىل املــكان أحــق بــه مــن املســبوق‪ .‬والوجــه‬ ‫ال مــن اســتخدام مــكان مــا مــن غــر ســيطرة‬ ‫املجتمــع بــد ً‬
‫أن تتحــدث إىل بعضهــا البعــض للوصــول إىل اتفــاق وإال ع ّمــت‬
‫تتحــول االتفاقــات إىل أعــراف‪ ،‬وهــذه ميــزة للبيئــة (كــا‬ ‫الثــاين أن نظــره فيــه نظــر جمتهــد فيــا يــراه صالحـاً يف إجــالس‬ ‫باســتئجاره‪ ،‬أصبحــوا أفــراداً مســيطرين‪ ،‬وهبــذا يــزداد عــدد‬
‫الفــوىض‪ ،‬وهــذا بالتــايل أدى إىل إثــارة عــدة أســئلة فقهيــة‪ .‬ومــن‬
‫ســنوضح الحقــاً)‪ .‬وهــذا مــا حــدث يف الطرقــات الواســعة‬ ‫مــن جيلســه ومنــع مــن مينعــه وتقديــم مــن يقدمــه كــا جيتهــد‬ ‫األفــراد املســيطرين يف البيئــة‪ ،‬وســنعلق عــى هــذه الفائــدة يف‬
‫هــذه األســئلة‪ :‬هــل حيــق لفريــق مــا أن يتنــازل عــن حــق‬
‫والســاحات املســتخدمة كاألســواق‪.‬‬ ‫يف أمــوال بيــت املــال وإقطــاع املــوات ‪ ...‬وإذا تركهــم عــى‬ ‫الفصــل الرابــع‪.‬‬
‫االختصــاص لفريــق آخــر؟‪ 103‬وهــل حــق االختصــاص يســقط‬
‫الــرايض كان الســابق منهــا إىل املــكان أحــق بــه مــن املســبوق‪،‬‬
‫ورغــم أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم منــع بنــاء‬ ‫وهنــا البــد يل مــن توضيــح مصطلــح ســيتكرر اســتخدامه‬ ‫بانتهــاء النهــار أم أنــه يســتمر حتــى يرفــع الفريــق املســتخدم‬
‫فــإذا انــرف عنــه كان هــو وغــره مــن الغــد فيــه ســواء‬
‫وكــراء مقاعــد األســواق باملدينــة املنــورة‪ ،‬إال أن األســواق بنيت‬ ‫مــراراً وهــو «املركزيــة» وعكســها «الالمركزيــة»‪ .‬فعنــد‬ ‫متاعــه؟ ‪ 104‬اإلجابــة عــى مثــل هــذه األســئلة أدت إىل ظهــور‬
‫يراعــى فيــه الســابق إليــه»‪ .‬وحيــث إن اإلقطــاع مــن الشــارع‬
‫تدخــل الســلطة أو احلاكــم أو مــن ينــوب عنــه مثــل موظــف‬
‫ال يــؤدي إىل امللــك‪ ،‬فــإن هنــاك رأي ـاً ينــص عــى أنــه ال معــى‬
‫‪49.2‬‬ ‫البلديــة يف األمــور البيئيــة‪ :‬نقــول بــأن هنــاك نــوع مــن‬
‫لإلقطــاع يف الشــارع وال حيــق للحاكــم ذلــك بخــالف املــوات‪.‬‬ ‫‪47.2‬‬
‫املركزيــة‪ .‬وهــذا حيــدث عندمــا تقــوم الســلطة املركزيــة بتنفيذ‬
‫أي أن هنــاك اختالفـاً كبــراً بــن آراء الفقهــاء يف هــذه املســألة‪،‬‬
‫أو اإلرشاف عــى تنفيــذ املشــاريع البيئيــة مثــل إنشــاء شــبكات‬
‫وبدراســتها ميكننــا االســتنتاج أن تدخــل الســلطة يف هــذه‬
‫امليــاه‪ ،‬أو عندمــا تنفــذ الســلطة املركزيــة االقراحــات املقدمــة‬
‫املســألة كان يف حــدود ضيقــة معقولــة ومرشوطــة مــن ِق َبــل‬
‫الفقهــاء ُت ْشـ ِ‬ ‫مــن املخططــن للمشــاكل البيئيــة‪ .‬أمــا الالمركزيــة فتعــي أن‬
‫ـع ُر بأهنــا أمــور تنظيميــة؛ وأفضــل مثــل عــى ذلــك‬
‫املســائل البيئيــة مروكــة للســاكنن أو أصحــاب الشــأن مثــل‬
‫مقالــة الســيوطي (ت ‪ )911‬يف «البــارع يف إقطــاع الشــارع»‪،‬‬
‫اجلــران أو مــن ميثلوهنــم وعليهــم القيــام بذلــك كــا يرونــه‬
‫وخالصتهــا أن تدخــل احلاكــم مــا هــو إال لفــض النزاعــات بــن‬
‫ـرق‪ 106.‬ولكــن هنــاك رأي مفــاده أن مبــادرة األفــراد تقــدم‬ ‫ِ‬
‫الفـ َ‬ ‫لقد استمـرت ظاهرة حـيازة جزء مـن الطريق أو الـساحة للبيـع يف أكر املـدن‬
‫يف أيامنـا هذه وبـالذات يف املـدن التي تسـاهـلت فيهـا الـسلطـات مع البـاعـة‬
‫عــى املركزيــة؛ فيقــول الســبي (ت ‪« :)771‬وأمــا إذا ســبق‬
‫أو األمـاكـن التي مل تسيطر علـيها السلطات بعـد كساحات القـرى‪ .‬فالسلطات‬
‫‪50.2‬‬ ‫واحــد قبــل اإلقطــاع فينبغــي أن ميتنــع اإلقطــاع لغــره مــادام‬ ‫كا سنـرى يف الفصـول القـادمة إن شاء الله حـاولت تـنظيـم األسواق فمـنعت‬ ‫‪48.2‬‬
‫حقــه باقيـاً وال يــأيت فيــه خــالف لقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬ ‫هـوالء البـاعــة من البـيع يف الطــرق والسـاحـات‪ ،‬وطالبـتهم باحلصـول عى‬ ‫ٔ‬
‫«مــن ســبق إىل مــا مل يســبق إليــه فهــو أحــق بــه»‪ ،‬وحاصلــه أن‬ ‫تراخيص للـبيع ووضعت رشوطاً للحصول عى هذه الراخيص‪ .‬وهذا يؤدي لقفل‬
‫أبواب التمكن أمام الكثر فـالصورتان ‪ 47.2‬و ‪ 48.2‬من فـاس باملغـرب تريـانا‬
‫الســبق موجــب لألحقيــة قطع ـاً باحلديــث‪ ،‬واإلقطــاع موجــب‬
‫حيـازة الباعـة لكل من الطريق والساحة للبـيع رغم حمـاولـة السلطـات ملنعهـم‬
‫لألحقيــة عــى الصحيــح؛ فــإن تعارضــا قــدم األقــدم تارخيــاً‪.‬‬ ‫إال أهنم يفعلـون ذلك‪ ،‬وعندما تـأيت السلطات يرفعون أمتعتهم بـرعـة عجيبة‬
‫ولــو فرضنــا أهنــا حصــال يف وقــت واحــد فينبغــي تقديــم‬ ‫(انظر الصور ‪ 60.9‬إىل ‪ 62.9‬صـ ‪ .)342‬وتـرينا الصـورة ‪ 49.2‬يف الصفحة املقابلة‬
‫الســبق ألنــه ثابــت بالنــص‪ ،‬وإمنــا مل نقدمــه بعــد اإلقطــاع ألنّــا‬ ‫ساحة خمـصصة للبـيع ولتجمع الناس لعرض مهـاراهتم مبراكـش‪ .‬والصورة األخرة‬
‫(‪ )50.2‬من أصيلـة بـاملغـرب تـرينـا امـرأة مـسنـة وقـد وضعـت بعض األقمشة‬
‫نجعــل اإلقطــاع ســبقاً»‪ 107.‬باختصــار‪ ،‬فــإن مبدأ األســبقية أدى‬ ‫لتظلل بضاعتها عند مدخل السوق‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬
‫‪53.2‬‬ ‫‪51.2‬‬ ‫األيــام يف ســاحات القــرى والقليــل مــن املــدن (الصــور ‪47.2‬‬ ‫وأجــرت يف العصــور الالحقــة‪ .‬ففــي وفــاء الوفا للســمهودي (ت‬ ‫ّ‬
‫إىل ‪ 50.2‬يف الصفحتــن الســابقتن)‪.‬‬ ‫‪ )911‬الكثــر مــن الروايــات عــن اختيــار موقــع ســوق املدينــة‬
‫املنــورة إال أهنــا مجيعهــا تؤكــد عــى هنيــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ومــن كل هــذا نخلــص إىل أن أول تدخل للســلطة املركزية‬
‫عــن بنــاء الســوق وتأجــره‪ .‬فقــد رضب الرســول صــى اللــه‬
‫يف العــامل اإلســالمي يف شــؤون البيئــة كان يف األســواق‪ ،‬وهــو‬
‫عليــه وســلم برجلــه أرض ســوق املدينــة وقــال‪« :‬هــذا ســوقكم؛‬
‫أول خــروج عــن الســنة النبويــة يف مســائل العمران‪ .‬وقد تســأل‬
‫يربــن عليــه خــراج»‪ 108.‬ولكــن ممــا‬
‫ّ‬ ‫فــال ينقــص منــه‪ ،‬وال‬
‫أخــي القــارئ‪ :‬ولكــن هــل ميكــن لألســواق أن تكــون مــن غــر‬
‫قالــه البــالذري مــن قــول أبــو عبيــد‪« :‬كنــا نغــدو إىل الســوق‬
‫بنــاء أو إجيــار كــا أراده رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫‪52.2‬‬ ‫يف زمــن املغــرة بــن شــعبة‪ ،‬فمــن قعــد يف موضــع كان أحــق بــه‬
‫لســوق املدينــة املنــورة وبالــذات يف أيامنــا هــذه التــي نحتــاج‬
‫إىل الليــل ‪ »..‬ميكــن االســتدالل عــى أن هــذه ليســت هــي حــال‬
‫فيهــا إىل الــربادات الكبــرة واملخــازن الضخمــة ومواقــف‬
‫األســواق يف الكوفــة يف حيــاة البــالذري (ت ‪ .)279‬وهي ليســت‬
‫الســيارات ومــا إىل ذلــك مــن متطلبــات عريــة؟ اإلجابــة هــي‪:‬‬
‫أيض ـاً كذلــك يف حيــاة ابــن قدامــة (ت‪ )620‬مــن قولــه‪« :‬قــال‬
‫لقـد شـكلت األرايض الــزراعيـة جـزءاً كـبراً مـن البـيئية الـتقليديـة وكانـت غالبـاً ما حتـيط‬ ‫نعــم‪ .‬ســأحاول توضيــح ذلــك يف الفصــل التاســع‪.‬‬
‫املـسوولـية‪ .‬كا أن منو املدن‬
‫ٔ‬ ‫باملـدن وتتخللهـا‪ ،‬وهذا يعطيـها أمهيـة خاصـة يف دراسة مناذج‬ ‫أمحــد يف الســابق إىل دكاكــن الســوق فهــو لــه إىل الليــل وكان‬
‫ٕ‬
‫كان عى حساب هذه املزارع ألن السكان كانوا يبنون عليها املـباين حمولينها بذلك اىل أراض‬ ‫هــذا يف ســوق املدينــة فيــا مــى»‪ 109.‬ثــم بعــد ذلــك بنيــت‬
‫بنائية‪ .‬فرى يف الصورتـن القدميتن ‪ 51.2‬و ‪ 52.2‬إحـاطة املزارع بـمدينة فاس بـاملغرب‪ .‬وتـرى‬
‫يف الصـورة ‪ 53.2‬نفس املـدينـة قبل أكثـر مـن مثانـن سنـة‪ ،‬ثم تــرى يف الصـورة ‪ 56.2‬مـنظـراً‬
‫األرايض الزراعية‬ ‫األســواق يف الفســطاط يف عهــد عبــد امللــك (ت ‪ .)68‬ويف بغــداد‬
‫حـديثـاً هلـا ُصـور من فــوق نفس املـرتفع تقـريبـاً‪ .‬الحظ الفرق يف املساحة البنائية وحتول‬ ‫(أو املدينــة املــدورة) يذكــر لنــا البــالذري أن املنصــور (ت‬
‫‪54.2‬‬ ‫إن لدراســة األرايض الزراعيــة أمهيــة ملوضوعنــا وذلــك‬
‫املزارع إىل أراض بنائية‪ .‬أمــا الصـورتــان ‪ 54.2‬و‪ 55.2‬فها مـن املنـطقـة الـرشقيـة ببالد احلرمن‬ ‫‪ )158‬جعــل األســواق بالكــرخ بعــد أن كانــت داخــل املدينــة‬
‫ألن اهتامنــا يركــز عــى حــاالت األعيــان يف البيئــة وأماكــن‬
‫وترى يف األوىل تسـوية أرض كانـت مزروعة بـالنخل لـتستثمر كأرض بـنائية ! والـصورة ‪55.2‬‬ ‫املــدورة «وأمــر التجــار فابتنــوا احلوانيــت وألزمهــم الغلــة»‪.‬‬
‫تـريك أطالل أرض زراعية‪ ،‬فرى وجود النخل املهمل ميوت بن املباين املستحدثة !‬ ‫تواجدهــا‪ ،‬فاألشــجار واملبــاين التــي عــى األرايض الزراعيــة‬
‫ويف عهــد املهــدي (ت ‪ُ )169‬جبيــت أســواق بغــداد‪ 110.‬وهكــذا‬
‫تشــكل جــزءاً كبــراً مــن تركيــب البيئــة‪ .‬فقــد بــدأت‬
‫‪56.2‬‬ ‫تطــورت األمــور إىل أن ملــك األفــراد األســواق‪ .‬فيذكــر لنــا‬
‫احلضــارات والبيئــات العمرانيــة بالتشــكل مــع اســتقرار‬
‫املســترشق البيــدوس مــن دراســته للعــر اململــويك بــأن الكثــر‬
‫اإلنســان يف األماكــن الصاحلــة للزراعــة‪ .‬أي ميكننــا القــول‬
‫مــن األســواق كانــت ملــكاً للطبقــة احلاكمــة مــن املاليــك يف‬
‫أن معظــم املــدن التقليديــة نشــأت بعــارة األرايض الزراعيــة‪.‬‬
‫ذلــك الوقــت‪111.‬‬
‫ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬ونظــراً للزيــادة املســتمرة يف تعــداد ســكان‬
‫‪55.2‬‬ ‫املــدن‪ ،‬فــإن معظــم األرايض الزراعيــة املالصقــة للعامــر مــن‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬مل يكــن دور املحتســب متبلــوراً يف‬
‫املبــاين حتولــت تدرجييــاً إىل أراض بنائيــة بإقامــة املنشــآت‬ ‫العصــور األوىل كمراقــب لألســواق‪ .‬فــكان مهــدي بــن عبــد‬
‫عليهــا (الصــور ‪ 51.2‬إىل ‪ .)56.2‬وبالتــايل فقــد تأخــذ األرض‬ ‫الرمحــن أول مــن محــل لقــب حمتســب يف واســط ســنة ‪103‬‬
‫البنائيــة نفــس النمــوذج اإلذعــاين التــي كانــت فيــه وهــي أرض‬ ‫بالتقريــب‪ 112.‬ولكــن رسعــان مــا تبلــور دور املحتســب يف‬
‫زراعيــة‪ .‬ومــن جهــة ثالثــة‪ ،‬ونظــراً ألن دخــل معظــم الســلطات‬ ‫األســواق وكتبــت كتــب احلســبة التــي اهتمــت مبراقبــة التجــار‬
‫يف البيئــات التقليديــة كان مــن خــراج األرايض الزراعيــة‪،‬‬ ‫والصنــاع وتنظيــم أســواقهم‪ 113.‬فاألســواق إذاً كعنــر عمراين‬
‫فهنــاك إمكانيــة لقيــاس املســؤولية هبــا ألن الســلطات كانــت‬ ‫مــن حيــث املســؤولية مــرت بعــدة منــاذج إذعانيــة‪ ،‬مــن احليازي‬
‫تراقــب زيــادة ونقــص إنتاجهــا‪ ،‬وبالــذات يف البيئــة املعــارصة‬ ‫إىل الرخيــي وانتهــت باإلذعــاين املشــتت‪ .‬ولكــن برغــم كل‬
‫ال فيهــا كــا يف املســاقاة‪ .‬وال يســيطر‬
‫مســتصلح األرض عامــ ً‬
‫الفريــق املســتخدم يف املســاقاة عــى األرض وبالتايل فــإن األرض‬
‫‪ )1‬األرايض التي ميتلكها أفراد‬ ‫مــع ظهــور القوانــن الوضعيــة‪ .‬فهــذه األســباب الثالثــة أعطــت‬ ‫هــذا فالظاهــر هــو أن ظاهــرة حيــازة جــزء مــن الطريــق‬
‫األرايض الزراعيــة أمهيــة خاصــة لدراســتها‪ .‬وميكــن تقســيم‬ ‫للبيــع‪ ،‬وبالــذات يف الواســع منــه أو يف األســواق غــر املبينــة‪،‬‬
‫أقــرب لإلذعــاين الرخيــي منهــا إىل احليــازي‪ 115.‬واملســاقاة‬ ‫هــذا القســم مــن األرايض هــو عقــد بــن مالــك األرض‬ ‫األرايض الزراعيــة التــي كانــت يف اإلذعــاين احليــازي مــن‬ ‫كانــت مســتمرة حتــى العصــور املتأخــرة‪ ،‬وميكــن اســتنتاج‬
‫جائــزة‪ ،‬واألصــل يف جوازهــا الســنة واإلمجــاع‪116.‬‬ ‫ومــن أراد اســتصالحها‪ .‬و ُت ْعــرف يف الرشيعــة بأنــواع كاملزارعــة‬ ‫حيــث امللكيــة إىل قســمن رئيســين مهــا‪ :‬أرايض ميتلكهـــا أفراد‬ ‫اســتمرارية هــذه الظاهــرة يف الطــرق الواســعة والســاحات‬
‫أمــا بالنســبة للمزارعــة ومــا شــاهبها مــن عقــود كاملخابــرة‬ ‫واملغارســة واملخابــرة واملحاقلــة واملزابنــة واملســاقاة‪ .‬ومــدى‬ ‫وأراض لبيــت املــال‪.‬‬ ‫(وليــس أســواق املــدن) مــن نقــل ابــن قدامــة (ت ‪ )620‬لقــول‬
‫والتــي تــؤدي بــاألرايض الزراعيــة إىل اإلذعــاين احليــازي فقــد‬ ‫ســيطرة مســتصلح األرض (املســتخدم) ختتلــف حســب العقــد‬ ‫أمحــد بــن حنبــل‪« :‬مــا كان ينبغــي لنــا أن نشــري مــن هــؤالء‬
‫كانــت هــذه العقــود مســألة خالفيــة بــن الفقهــاء وذلــك ألن‬ ‫مــن ســيطرة قصــوى كــا يف املزارعــة إىل جمــرد أن يكــون‬ ‫الذيــن يبيعــون عــى الطريــق»‪ 114،‬وهــذا مــا نشــاهده هــذه‬

‫‪99‬‬ ‫‪98‬‬
‫اللــه عنــه بقولــه‪« :‬دعهــم يكونــون مــادة للمســلمن»؛ وأشــار‬ ‫الصلــح فــإن أرضيهــم بقيــت ملــكاً هلــم كــا حــدث مــع أهــل‬ ‫أحدمهــا والبــذور وآالت احلــرث مــن اآلخــر ومــا إىل ذلــك مــن‬ ‫املشــاركة يف املزارعــة بــن الفريقــن (املالــك واملســتخدم) قــد‬
‫عليــه معــاذ بــن جبــل بــأن قــال‪« :‬واللــه إذن ليكونــن مــا تكــره‪،‬‬ ‫نجــران‪ ،‬وكان عليهــم دفــع اجلزيــة واخلــراج وإيفــاء مــا كان‬ ‫تفاصيــل‪122.‬‬ ‫تتخللهــا خماطــرة مســتصلح األرض بوضــع جمهــود دون ربــح‬
‫إنــك إن قســمتها صــار الّريــع العظيــم يف أيــدي القــوم‪ ،‬ثــم‬ ‫قــد صاحلهــم عليــه املســلمون مــن رشوط‪ 125.‬ويف هاتــن‬ ‫ال‪ .‬وكــا هــو معلــوم فــإن الربــا حمــرم‬ ‫إذا هلــك الــزرع مثــ ً‬
‫ولكــن املهــم بالنســبة ملوضوعنــا (حالــة العــن)‪ ،‬هــو أن‬ ‫يف الرشيعــة ِ‬
‫يبيــدون‪ ،‬فيصــر ذلــك إىل الرجــل الواحــد أو املــرأة‪ ،‬ثــم يــأيت‬ ‫احلالتــن‪ ،‬فــإن األرايض الزراعيــة كانــت ملــكاً ألصحاهبــا؛ أي‬ ‫ِ‬ ‫ك ـ ٍم كثــرة منهــا أن املســتثمر قــد حيصــل عــى‬ ‫حل َ‬
‫كال الرأيــن الســابقن يف صالــح العــن وبالتــايل يف مصلحــة‬
‫يســدون مــن اإلســالم مســداً‪ ،‬وهــم ال جيــدون‬ ‫مــن بعدهــم قــوم ُ‬ ‫ليســت ملــكاً للدولــة وليســت بالتــايل يف اإلذعــاين احليــازي‪.‬‬ ‫أربــاح دومنــا أدىن خماطــرة‪ ،‬هلــذا كانــت املزارعــة مســألة‬
‫البيئــة العمرانيــة‪ .‬فنســتنتج مــن اآلراء التــي ال جتيــز املزارعــة‬
‫شــيئاً‪ ،‬فأنظــر أمــر ًا يســع أوهلــم وآخرهــم»‪ .‬وكان ممــن طالــب‬ ‫أمــا إذا اختــار غــر املســلمن احلــرب ومل يذعنــوا إال مكرهــن‬ ‫خالفيــة‪ 117.‬فهنــاك أحاديــث مفادهــا أن الرســول صــى اللــه‬
‫أن االســتثار مقصــور عــى مقــدار مــا يســتطيعه الفــرد مــن‬
‫بالقســمة بــالل بــن ربــاح وعبــد الرمحــن بــن عــوف‪ ،‬فــكان رد‬ ‫فإهنــم عوملــوا عــى ثــالث طــرق‪ :‬الطريقــة األوىل هــي مــا‬ ‫عليــه وســلم هنــى عــن املحاقلــة واملزابنــة واملخابــرة واملزارعــة‪.‬‬
‫عمــل‪ .‬وهــذا معنــاه أن األرايض الزائــدة عــن مقــدرة املــالك‬
‫عمــر عندمــا طالبــه املســلمون الذيــن فتحــوا الســواد بالقســمة‪:‬‬ ‫قــام بــه الرســول صــى اللــه عليــه وســلم يف مكــة‪ ،‬وهــو تركــه‬ ‫عــن العمــل تــوزع عــى أولئــك الذيــن ال ميلكــون ٍ‬ ‫والــرأي الــذي ال جييــز املخابــرة يعتمــد عــى هــذه األحاديــث‬
‫أراض للعمــل‬
‫«فــا ملــن جــاء بعدكــم مــن املســلمن؟ وأخــاف إن قســمته أن‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم ألهــل مكــة أمواهلــم وبذلــك صــارت‬ ‫ومنهــا قــول رافــع بــن خديــج‪« :‬كنـاّ نُخابــر عــى عهــد رســول‬
‫ال بــدل أن يســيطر فــرد عــى ثــالث أراض ميلكهــا‬ ‫هبــا‪ .‬فمثــ ً‬
‫تفاســدوا بينكــم يف امليــاه»‪ .‬وبذلــك أقــر عمــر ريض اللــه عنــه‬ ‫أرضوهــم بعــد إســالمهم عرشيــة وليســت ملــكاً لبيت املــال‪126.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فذكــر أن بعــض عمومتــه أتــاه‬
‫فإنــه سيســيطر عــى اثنتــن منهــا‪ ،‬بينــا يســيطر مســلم آخــر‬
‫أهــل الســواد عــى أرضيهــم ورضب عــى رؤوســهم اجلزيــة‬ ‫والثانيــة هــي مــا فعلــه صــى اللــه عليــه وســلم يف خيــرب‪ ،‬وهــو‬ ‫ِ‬ ‫فقــال‪ :‬هنــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن أمــر كان‬
‫ـرق‬‫عــى األرض الثالثــة التــي ميلكهــا األول‪ .‬فهنــا زاد عــدد الفـ َ‬ ‫ِ‬
‫وعــى أرضيهــم اخلــراج‪128.‬‬ ‫تقســيم أربعــة أمخــاس الغنائــم بــن الذيــن افتتحوهــا فكانــت‬ ‫وطواعيــة اللــه ورسـوله أنفــع لنــا وأنفــع‪ .‬قــال‪ :‬قلنــا‪:‬‬ ‫لنــا نافعـاً‪،‬‬
‫املســيطرة مــن فريــق واحــد إىل فريقــن وذلــك بوضــع إحــدى‬
‫ملــكاً هلــم‪ ،‬وهبــذا ُو ِضعــت هــذه األرايض يف اإلذعــاين املتحــد‬ ‫ومــا ذاك؟ قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــن‬
‫ال‬
‫وهــذه املبــادرة لعمــر ريض اللــه عنــه أصبحــت مثــ ً‬ ‫األرايض الثــالث يف اإلذعــاين احليــازي‪ .‬وهكــذا مــع باقــي‬
‫حيتــذى بــه لبعــض املناطــق األخــرى التــي فتحــت عنــوة‪129.‬‬ ‫أو احليــازي‪ ،‬ومتــى كانــت يف احليــازي فــإن الفــرق املالكــة هــم‬ ‫زرعهــا أخــاه وال يكارهيــا‬ ‫كانــت لــه أرض فليزر ْعهــا أو فل ُي ِ‬
‫األرايض يف البيئــة‪ ،‬وهبــذا تزيــد نســبة الفــرق املســيطرة يف‬
‫األفــراد الفاحتــون وليــس بيــت املــال‪ .‬وأمــا اخلمــس األخــر‬ ‫بثلــث وال بربــع وال بطعــام مســمى»‪ .‬وعــن جابــر بــن عبــد اللــه‬
‫والــذي قصــده عمــر هبــذا االجتهــاد هــو أن تعــم االســتفادة‬ ‫البيئــة‪.‬‬
‫فقــد بقــي يف أيــدي أهــل خيــرب يعملــون هبــا ولكنهــا ملــكاً‬ ‫قــال‪« :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ :‬مــن‬
‫مــن دخــل اخلــراج عمــوم املســلمن لفــرة أطــول‪ ،‬حيــث إن‬
‫للمســلمن عــى أن يكــون مثرهــا بينهــم وبــن املســلمن‪ ،‬وهــذا‬ ‫ونســتنتج مــن اآلراء التــي جتيــز املزارعــة أن الفريــق‬ ‫مل يــذر املخابــرة فليــأذن بحــرب مــن اللــه ورسـوله»‪ 118.‬وهناك‬
‫الدولــة اإلســالمية كانــت بحاجــة إىل األمــوال لتنظيــم العســكر‬
‫اخلمــس هــو الــذي َملكــه بيــت مــال املســلمن وهــو قليــل‬ ‫املســتخدم واملالــك معـاً كفريــق واحــد يســيطران عــى األرض‪.‬‬ ‫أحاديــث أخــرى تفيــد أن الرســول صــى اللــه عليه وســلم أوىص‬
‫وبنــاء القناطــر ومــا شــابه‪ .‬ويف هــذا يقــول املــودودي‪« :‬فكانت‬
‫جــداً إذا مــا قــورن مبــا ذكرتــه ســابقاً‪ ،‬فهــذا فعلــه صلــوات اللــه‬ ‫أي أن مبــدأ املشــاركة يف الربــح مــن اخلــارج مــن األرض‬ ‫بــأن مــن كانــت لــه أرض فليزرعهــا بنفســه أو ليمنحهــا أخــاه‬
‫النظريــة األساســية هلــذا النظــام اجلديــد أن املســلمن هــم‬
‫وســالمه عليــه‪ 127.‬أمــا الطريقــة الثالثــة فهــي مــا اختــاره عمــر‬ ‫ـد الفريقــن (املالــك واملســتخدم) للحــوار واالتفــاق ألن‬ ‫سيشـ ّ‬
‫ُ‬ ‫املســلم ليزرعهــا‪ .‬فعــن أيب هريــرة قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬
‫املالكــون احلقيقيــون لــألرايض‪ ،‬وليــس ألصحاهبــا الســابقن‬
‫بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه يف ســواد العــراق إذ وضعــت فيهــا‬ ‫اهتاماهتــا ســتكون مشــركة‪ ،‬وهبــذا تقــل ســيطرة املالــك‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن كانــت لــه أرض فليزرعهــا أو ل ُي ِ‬
‫حرثهــا‬
‫مــن منزلــة فيهــا كمنزلــة املزارعــن‪ ،‬وإمنــا تعاملهــم احلكومــة‬
‫األرايض الزراعيــة يف اإلذعــاين احليــازي وذلــك المتــالك بيــت‬ ‫وتــزداد ســيطرة املســتخدم أو مســتصلح األرض‪ .‬وهــذا يــؤدي‬ ‫أخــاه فــإن أىب فليمســك أرضــه»‪119.‬‬
‫بالنيابــة عــن املســلمن»‪ 130.‬ولقــد لقــي اجتهــاد عمــر ردود‬
‫مــال املســلمن هلــا‪ .‬ونظــراً ألمهيــة مــا حــدث يف ســواد العــراق‪،‬‬ ‫إىل زيــادة عــدد األفــراد املســيطرين يف البيئــة وذلــك ألن‬
‫فعــل خمتلفــة مــن الفقهــاء خلصهــا الشــوكاين (ت ‪ )1250‬يف نيــل‬ ‫أمــا الــرأي الــذي جييــز املزارعــة فيعتمــد عــى فعــل‬
‫ســأبن آراء الفقهــاء املختلفــة حوهلــا وتأثــر ذلــك عــى حالــة‬ ‫املســتخدم أصبــح مشــاركاً يف الفريــق املســيطر‪ .‬أي أن الرأيــن‬
‫األوطــار بــأن قــال‪« :‬وقــد اختلــف يف األرض التــي يفتتحهــا‬ ‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم وفعــل خلفائــه وصحابتــه‪.‬‬
‫ال حيتــذى بــه‪.‬‬
‫األرايض الزراعيــة ألن أرض الســواد أصبحــت مثـ ً‬ ‫املتناقضــن يؤديــان إىل زيــادة نســبة املســيطرين يف البيئــة‪.‬‬
‫املســلمون عنــوة‪ .‬قــال ابــن املنــذر‪ :‬ذهــب الشــافعي إىل أن عمــر‬ ‫فجمهــور الفقهــاء يرجحــون فعــل الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫وهلــذه النتيجــة تأثــرات إجيابيــة كبــرة يف البيئــة ســنتطرق هلــا‬
‫اســتطاب أنفــس الغامنــن الذيــن افتتحــوا أرض الســواد‪ ،‬وأن‬ ‫الم (ت ‪ )224‬يف األرض‬ ‫يقــول أبــو عبيــد القاســم بــن ســ ّ‬ ‫وســلم ويب ّينــون أن هــذه الروايــات عــن النهــي عــن املزارعــة‬
‫يف الفصــول القادمــة‪.‬‬
‫احلكــم يف أرض العنــوة أن تقســم كــا قســم النبــي صــى اللــه‬ ‫التــي أخــذت عنــوة كســواد العــراق (تعريــف الســواد يف‬ ‫مــا هــي إال نصائــح منــه صلــوات اللــه وســالمه عليــه‪ .‬فقــد‬
‫عليــه وســلم خيــرب ‪ ...‬وقــد اختلــف يف األرض الــذي أبقاهــا‬ ‫احلــوايش)‪« :‬فهــي التــي اختلــف فيهــا املســلمون‪ ،‬فقــال‬ ‫روى البخــاري عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا «أن النبــي‬
‫عمــر بغــر قســمة‪ :‬فذهــب اجلمهــور إىل أنــه وقفهــا لنوائــب‬ ‫فتخمــس وتقســم‪ ،‬فيكــون‬ ‫ّ‬ ‫بعضهــم‪ :‬ســبيلها ســبيل الغنيمــة‪،‬‬ ‫‪ )2‬ملكية بيت املال‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم خــرج إىل أرض هتتــز زرعـاً‪ ،‬فقــال‪ :‬ملــن‬
‫املســلمن‪ ،‬وأجــرى فيهــا اخلــراج ومنــع بيعهــا‪ ،‬وقــال بعــض‬ ‫أربعــة أمخاســها ِخطَطـاً بــن الذيــن افتتحوهــا خاصــة‪ ،‬ويكون‬ ‫هــذه؟ فقالــوا‪ :‬اكراهــا فــالن‪ .‬فقــال‪ :‬أمــا إنــه لــو منحهــا إيــاه‬
‫بالنســبة لــألرايض التــي متلكهــا الدولــة فــإن أول ســؤال‬
‫الكوفيــن أبقاهــا ملــكاً ملــن كان هبا مــن الكفــرة ورضب عليهم‬ ‫ـمى اللــه تبــارك وتعــاىل‪ .‬وقــال بعضهــم‪:‬‬ ‫اخلمــس الباقــي ملــن سـ ّ‬ ‫كان خــراً لــه مــن أن يأخــذ عليهــا أجــراً معلوم ـاً»‪ 120.‬وعــن‬
‫يتبــادر إىل األذهــان هــو كيــف ملكــت الدولــة اإلســالمية أو‬
‫اخلــراج ‪ ...‬وقــد ذهــب مالــك إىل أن األرض املغنومــة ال تقســم‪،‬‬ ‫بــل حكمهــا والنظــر فيهــا إىل اإلمــام‪ :‬إن رآى أن جيعلهــا غنيمــة‪،‬‬ ‫حديــث رافــع بــن خديــج يقــول زيــد بــن ثابــت‪« :‬أنــا أعلــم‬
‫بيــت مــال املســلمن األرايض الزراعيــة؟ واإلجابــة هــي عــن‬
‫بــل تكــون وقفــاً يقســم خراجهــا يف مصالــح املســلمن مــن‬ ‫فيخمســها ويقســمها‪ ،‬كــا فعــل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫بذلــك منــه (أي مــن رافــع بــن خديــج)‪ ،‬وإمنــا ســمع النبــي‬
‫طريــق الفتوحــات‪ 123.‬فعنــد بــدء الدعــوة اإلســالمية‪ ،‬وكــا‬
‫أرزاق املقاتلــة وبنــاء القناطــر واملســاجد وغــر ذلــك مــن ســبل‬ ‫وســلم بخيــرب‪ :‬فذلــك لــه‪ ،‬وإن رآى أن جيعلهــا فيئـاً فــال خيمســها‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم رجلــن قــد اقتتــال فقــال‪ :‬إن كان هــذا‬
‫هــو معــروف‪ ،‬كانــت شــعوب األمــم األخــرى ُتدعــى إىل‬
‫اخلــر‪ ،‬إال أن يــرى اإلمــام يف وقــت مــن األوقــات أن املصلحــة‬ ‫وال يقســمها‪ ،‬ولكــن تكــون موقوفــة عــى املســلمن عامــة مــا‬ ‫شــأنكم فــال تكــروا املــزارع»‪ 121.‬والظاهــر هــو أن االختالف‬
‫اإلســالم ِســلاً‪ .‬فــإن هــم اســتجابوا فــإن األرايض التــي أســلموا‬
‫تقتــي القســمة‪ ،‬فــإن لــه أن يقســم األرض‪ ،‬وحــى هــذا‬ ‫بقــوا‪ ،‬كــا صنــع عمــر بالســواد»‪ .‬وقــد كان فعــل عمــر ريض‬ ‫عليهــا كانــت تعتــرب أرايض عـ ْ ٍ‬ ‫بــن املذاهــب األربعــة يف املزارعــة هــو يف صــوره املختلفــة‬
‫ـرش وتبقــى ملــكاً ألصحاهبــا كــا‬
‫القــول ابــن القيــم عــن مجهــور الصحابــة ورجحــه ‪ ...‬فظاهــر‬ ‫اللــه عنــه بعــد استشــارة الصحابــة‪ .‬فقــد أشــار عليــه عــي ريض‬ ‫كطريقــة املشــاركة بــن الفريقــن كأن تكــون األرض مــن‬
‫حــدث يف املدينــة والطائــف‪ 124.‬أمــا مــن مل يســلموا وأرادوا‬

‫‪101‬‬ ‫‪100‬‬
‫هبــا والوقــوع يف اإلثــم‪ ،‬لذلــك نتوقــع أن يكــون أكــر عــال‬ ‫ويزيــد عــى الكثــر الــذي قــد ينقطــع‪ .‬ولكــن مــا حــدث‬ ‫بــن اخلطــاب وبعــده مبــارشة النشــغاهلم باجلهــاد ونــرش تعاليــم‬ ‫مذهــب أمحــد وأكــر نصوصــه عــى أن اإلمــام خمــر فيهــا ختيــر‬
‫اخلــراج مــن ذوي الذمــم الواســعة يف العصــور املتأخــرة‪ ،‬واللــه‬ ‫يف ســواد العــراق هــو وضــع األرايض الزراعيــة يف اإلذعــاين‬ ‫اإلســالم يف املناطــق املفتوحــة الشاســعة‪ ،‬فعــدد املســلمن مل‬ ‫مصلحــة ال ختيــر شــهوة‪ ،‬فــإن كان األصلــح للمســلمن قســمتها‬
‫أعلــم مبــا يف نفوســهم‪ ،‬فقــد يقــوم عامــل اخلــراج بالضغــط‬ ‫احليــازي واحلصــول بذلــك عــى اخلــراج الــذي يفــوق الــزكاة‬ ‫يكــن كافيــاً يف بــادئ األمــر للعمــل يف هــذه األرايض التــي‬ ‫قســمها‪ ،‬وإن كان األصلــح أن يقفهــا عــى مجاعتهــم وقفهــا‪ ،‬وإن‬
‫عــى أهــل اخلــراج ليأخــذ جــزءاً منهــا لنفســه‪ .‬والســبب الثــاين‬ ‫ال‪ ،‬ممــا زاد مــن دخــل بيت مــال املســلمن يف الســنن األوىل‪،‬‬ ‫دخـ ً‬ ‫بلغــت مســاحتها يف الســواد عــى حــد قــول أحــد الروايــات‬ ‫كان األصلــح قســمة البعــض ووقــف البعــض َف َعلــه‪ ،‬فــإن رســول‬
‫لفقــدان أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض هــو تقديــر اخلــراج‪:‬‬ ‫أمــا عــى األمــد البعيــد فقــد حــدث العكــس‪ :‬فهنــاك الكثر من‬ ‫إثنــن وثالثــن ألــف ألــف جريــب (ومســاحة اجلريــب‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فعــل األقســام الثالثــة»‪ 131.‬ويف‬
‫فعنــد تقديــر اخلــراج عــى األرض روعيــت معايــر كثــرة‪ :‬منهــا‬ ‫الروايــات التــي تشــر إىل أن خــراج الســواد كان يعتمــد عــى‬ ‫الواحــد ثالثــة آالف وســتائة ذراع ـاً مربع ـاً)‪ 134.‬فــإن نقــص‬ ‫األمــوال أليب عبيــد‪« :‬وليــس فعــل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫جــودة األرض ورداءهتــا وطريقــة الــري هل هــي مباء الســاء أو‬ ‫اهتــام أهــل اخلــراج بــاألرض‪ ،‬وهــذا االهتــام تأثــر مبعاملــة‬ ‫عــدد املســلمن معنــاه غياهبــم عــن معظــم تلــك األرايض‪ ،‬وهــذا‬ ‫بــراد لفعــل عمــر‪ ،‬ولكنــه صــى اللــه عليــه وســلم ا ّتبــع آيــةً مــن‬
‫مبــاء األبــار أو العيــون ونوعيــة الثــار وقــرب األرض اخلراجيــة‬ ‫حمصــي اخلــراج ألهــل اخلــراج‪ ،‬وأن اخلــراج كان يف تناقــص‬ ‫متتــع أكــرب يف حــق‬
‫ٌ‬ ‫معنــاه حريــة أكــرب ألهــل اخلــراج؛ أي‬ ‫اللــه تبــارك وتعــاىل فعمــل هبــا َ (يقصــد آيــة الغنيمــة‪:‬‬ ‫كتــاب‬
‫ُُ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َّ َ َ‬
‫مــن املــدن وبعدهــا ومــا يصيــب أصحــاب األرض مــن نوائــب‬ ‫مســتمر وذلــك لفقــدان أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض‪ .‬فقــد‬ ‫الســيطرة للســكان‪ ،‬وهبــذا وضعــت تلــك األرايض يف اإلذعــاين‬ ‫واعلمــوا أنمــا غ ِنمتــم مــن ش ٍء فــأن ِل خســه ‪ ...‬اآليــة‬
‫وملــات ومجيــع هــذه املعايــر قابلــة للنقــاش واألخــذ والرفــض‬ ‫«روى عبــاد بــن كثــر عــن قحــزم قــال‪ :‬جبــى عمــر العــراق‬ ‫احليــازي‪ .‬وبرغــم ســيطرة أهــل اخلــراج عــى األرض إال أن‬ ‫ـرى فعمــل هبــا‬‫َ‬ ‫‪ 41‬مــن ســورة األنفــال)‪ َ،‬واتبــع عمــر آيــة أخـ‬
‫ْ‬
‫ألهنــا غــر حمــددة وبالتــايل قابلــة لالختــالف يف الــرأي‪ .‬وهــذا‬ ‫مائــة ألــف ألــف وســبعة وثالثــن ألــف ألــف‪ ،‬وجباهــا‬ ‫العالقــة بــن الفريــق املالــك (عمــوم املســلمن ممثلــة يف بيــت‬ ‫ى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫ـن أهــل الق َر ٰ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ـاء ال َ ٰ‬
‫لع َر ُســول مـ ْ‬ ‫(يقصــد آيــة الفــيء‪َ :‬مــا أفَـ َ‬
‫قــد يــؤدي إىل نــوع مــن املشــادة يف تفســر احلقــوق‪ ،‬ومــن‬ ‫عمــر بــن عبــد العزيــز مائــة ألــف وأربعــة وعــرشون (كــذا‬ ‫املــال) والفريــق املســتخدم املســيطر (أهــل اخلــراج) كانــت‬ ‫‪...‬اآليــة ‪ 7‬مــن ســورة احلــرش)‪ ،‬ومهــا آيتــان حمكمتــان فيــا ينال‬
‫ثــم التنافــر بــن املحصلــن للخــراج والعاملــن يف األرض‪ ،‬ممــا‬ ‫واألصــح‪ :‬عرشيــن) ألــف ألــف‪ ،‬وجباهــا احلجــاج مثانيــة عــرش‬ ‫تســودها القوانــن التــي كانــت هتــدف أساس ـاً للحفــاظ عــى‬ ‫املســلمون مــن أمــوال املرشكــن‪ ،‬فيصــر غنيمــة أو فيئ ـاً»‪132.‬‬

‫يؤثــر عــى حالــة األرايض الزراعيــة برغــم توصيــة احلــكام‪،‬‬ ‫ألــف ألــف»‪ 136.‬ومــن نصيحــة أليب يوســف (ت ‪ )182‬موجهــة‬ ‫ال‪ ،‬رأي‬‫ثــروات املســلمن مــن اخلــراج‪ .‬مــن هــذه القوانــن مث ـ ً‬ ‫وهــذا االختــالف أدى إىل اختــالف آخــر بــن الفقهــاء‬
‫وعــى رأســهم عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪ ،‬بــأن ال ُحي ّمــل‬ ‫للخليفــة هــارون الرشــيد‪ ،‬نالحــظ أنه يشــر إىل نقصــان اخلراج‬ ‫مجهــور الفقهــاء أن األرض اخلراجيــة تبقــى عــى حاهلــا حتــى‬
‫الختــالف الروايــات عــن ملكيــة األرض‪ :‬هــل أرض الســواد‬
‫العاملــن يف األرض مــا ال يطيقــون‪ 138.‬وهــذا التنافــر قــد يــؤدي‬ ‫يف أيامــه عــن أيــام عمــر ريض اللــه عنــه فيقــول‪« :‬هــذا عمــر بن‬ ‫إذا أســلم مــن كان يعمــل هبــا أو انتقلــت ملكيتهــا إىل أي مســلم‪.‬‬
‫ملــك لعمــوم املســلمن وخراجهــا وقــف عــى مصاحلهــم‪ ،‬أم‬
‫إىل رفــض أهــل اخلــراج دفــع مــا هــو مطلــوب منهــم‪ .‬فقــد كتب‬ ‫اخلطــاب ريض اللــه تعــاىل عنــه كان جيبــي الســواد مــع عدلــه‬ ‫هــذا‪ ،‬وقــد أثــرت أســئلة فقهيــة كثــرة تشــر إىل تقنــن األرض‬
‫أهنــا ملــك ألصحاهبــا عــى أن يدفعــوا اخلــراج؟ ففــي املجمــوع‪:‬‬
‫عــدي بــن أرطــأة عامــل اخلليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز إليــه‪:‬‬ ‫يف أهــل اخلــراج وإنصافــه هلــم ورفعــه الظلــم عنهــم مائــة‬ ‫اخلراجيــة مثــل‪ :‬هــل يــرب عــى األرض اخلراجيــة اخلــراج إذا‬
‫«واختلــف أصحابنــا فيــا فعــل عمــر ريض اللــه عنــه فيــا فُتــح‬
‫«أمــا بعــد فــإن أناس ـاً قبلنــا ال يــؤدون مــا عليهــم مــن اخلــراج‬ ‫ألــف ألــف‪ ،‬والدرهــم إذ ذاك وزنــه وزن مثقــال»‪ .‬ويف موضــع‬ ‫قــام ســاكنها ببنائهــا أم ال‪ ،‬إذ أهنــا مل تعــد أرض ـاً زراعيــة؟ ‪135‬‬
‫مــن أرض الســواد‪ ،‬فقــال أبــو العبــاس وأبــو إســحاق‪ :‬باعهــا مــن‬
‫حتــى ميســهم يشء مــن العــذاب»‪ .‬فكتــب إليــه عمــر‪« :‬أمــا‬ ‫آخــر يذكــر أبــو يوســف بــأن الســبب يف هــذا النقصــان هــو‬
‫وال أدري مــا أقــول يف ســواد العــراق‪ .‬فلقــد رأيــت‬ ‫أهلهــا ومــا يؤخــذ مــن اخلــراج مثــن‪ ،‬والدليــل عليــه أن مــن لــدن‬
‫بعــد‪ ،‬فالعجــب كل العجــب مــن اســتئذانك إيــاي يف عــذاب‬ ‫أن العامــر مــن األرضــن كان كثــراً‪ ،‬والعاطــل منــه كان يســراً‬ ‫إعجــاز ًا كبــر ًا يف الرشيعــة اإلســالمية يف كل مــا يتعلــق بأمــور‬ ‫عمــر إىل يومنــا هــذا تبــاع وتبتــاع مــن غــر إنــكار‪ .‬وقــال أبــو‬
‫البــرش‪ ،‬كأين جنــة لــك مــن عــذاب اللــه‪ ،‬وكأن رضــاي ينجيــك‬ ‫يف أيــام عمــر ريض اللــه عنــه‪ ،‬عــى نقيــض أيامــه هــو‪ ،‬أي أيــام‬
‫البيئــة مــن مســائل يقــف اإلنســان عاجــزاً عــن التعبــر عــن‬ ‫ســعيد االصطخــري وقفهــا عمــر ريض اللــه عنــه عــى املســلمن‬
‫مــن ســخط اللــه‪ .‬إذا أتــاك كتــايب هــذا فمــن أعطــاك مــا ِقبلــه‬ ‫هــارون الرشــيد (ت ‪137.)193‬‬
‫عظمــة الرشيعــة يف حكمتهــا العمرانيــة‪ ،‬وحتــى إذا اختلفــت‬ ‫فــال جيــوز بيعهــا وال رشاؤهــا وال هبتهــا وال رهنهــا‪ ،‬وإمنــا تنقــل‬
‫ايل‬
‫عفــواً وإال فأحلفــه‪ ،‬فواللــه ألن يلقــوا اللــه بجنياهتــم أحــب ّ‬ ‫ملــاذا فقــد إذاً أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض؟ ألهنــم ال‬ ‫اجتهــادات العلــاء وتضــادت‪ ،‬فهــي اختالفــات يف الفــروع‪،‬‬ ‫مــن يــد إىل يــد‪ ،‬ومــا يؤخــذ مــن اخلــراج فهــو أجــرة وعليــه نص‬
‫مــن أن ألقــاه بعذاهبــم‪ .‬والســالم»‪ .‬ويشــر أبــو يوســف إىل هذه‬
‫ميلكوهنــا‪ ،‬وألن جــزء ًا ممــا خــرج منهــا ذهــب لغرهــم‪ .‬وهلــذا‬ ‫إال مســألتن توقفــت عندمهــا كثــر ًا‪ :‬ومهــا الوقــف وســواد‬ ‫يف ســر الواقــدي‪ ،‬والدليــل عليــه مــا روى بكــر بــن عامــر عــن‬
‫املعاملــة ألهــل اخلــراج يف رســالته هلــارون الرشــيد فيقــول‪« :‬وال‬
‫فقــد مياطلــون يف دفــع اخلــراج أو قــد ينقصونــه‪ ،‬وهــذا قــد‬ ‫العــراق‪ .‬وتــرددت كثــراً يف طرحهــا‪ ،‬ولكــن كان البــد يل مــن‬ ‫عامــر قــال‪ :‬اشــرى عقبــة بــن فرقــد أرض ـاً مــن أرض اخلــراج‪،‬‬
‫ـن رجــل يف دراهــم خــراج‪ ،‬وال يقــام عــى رجلــه‪ ،‬فإنــه‬ ‫يربـ َّ‬ ‫يــؤدي إىل ســوء معاملــة عــال اخلــراج هلــم‪ .‬فهنــاك طريقتــان‬ ‫ذلــك‪ .‬وأرجــوا اللــه أن يغفــر يل مــا ســأقول إن أخطــأت أو مل‬ ‫فــأىت عمــر فأخــربه‪ ،‬فقــال‪ :‬ممــن اشــريتها؟ قــال‪ :‬مــن أهلهــا‪.‬‬
‫بلغــي أهنــم يقيمــون أهــل اخلــراج يف الشــمس ويربوهنــم‬
‫يف اســتيفاء اخلــراج‪ :‬األوىل هــي العالــة عــى اخلــراج‪ ،‬والثانيــة‬ ‫أخطــئ‪ .‬فقــراءايت الفقهيــة حمــدودة‪ ،‬وذلــك ألنــي الحظــت أن‬ ‫قــال‪ :‬فهــؤالء أهلهــا املســلمون‪ ،‬أبعتمــوه شــيئاً؟ قالــوا‪ :‬ال‪ .‬قــال‪:‬‬
‫الــرب الشــديد ويعلقــون عليهــم اجلــرار ويقيدوهنــم مبــا‬
‫هــي التضمــن‪ .‬بالنســبة للعالــة فهنــاك ســببان أثــرا عــى فقدان‬ ‫املعلومــات قــد بــدأت بالتكــرار فتوقفــت عــن االســتزادة يف‬ ‫فاذهــب فاطلــب مالــك ‪133.»...‬‬
‫مينعهــم مــن الصــالة‪ ،‬وهــذا عظيم عنــد الله شــنيع يف اإلســالم»‪.‬‬
‫أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض‪ .‬الســبب األول هــو أن هنــاك‬ ‫املراجــع‪ .‬لذلــك فقــد يكــون هنــاك دليــل قــد فاتــي وأكــون‬
‫ويــويص أبــو يوســف اخلليفــة هــارون الرشــيد مبتابعــة مــا يقــوم‬ ‫ولكــن مــن دراســة القيــود التــي حتــدد اســتخدام األرض‬
‫رشوطـاً كثــرة لتعيــن عامــل اخلــراج كأن يكــون مســلاً وحــراً‬ ‫خمطئــاً‪.‬‬
‫ميكننــا االســتنتاج أن ملكيــة األرايض اخلراجيــة عموم ـاً أقــرب‬
‫بــه عــال اخلــراج والتأكــد مــن أمانتهــم فيقــول‪« :‬وأنــا أرى أن‬
‫وأمينــاً ومكتفي ـاً ومــن أهــل العلــم والفقــه بأحــكام اخلــراج؛‬
‫تبعــث قومــاً مــن أهــل الصــالح والعفــاف ممــن يوثــق بدينــه‬ ‫إذا ق ُّســمت أرض الســواد بــن الغامنــن كــا فعــل الرســول‬ ‫لبيــت مــال املســلمن منهــا إىل ملكيــة مــن يعمــل هبــا مــن أهــل‬
‫وهنــاك صفــات أيضــاً البــد وأن يتحــى هبــا عامــل اخلــراج‬
‫وأمانتــه يســألون عــن ســرة العــال ومــا عملــوا بــه يف البــالد‪،‬‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم يف خيــرب‪ ،‬فــإن مــا ق ُّســم مــن أراض‬ ‫اخلــراج‪ .‬كــا أن الســيطرة عــى هــذه األرايض كانــت بأيــدي‬
‫وهــي العفــة والعــدل واإلنصــاف والرفــق بأهــل اخلــراج‪.‬‬
‫وكيــف جبــوا اخلــراج عــى مــا أمــروا بــه وعــى مــا وظــف‬ ‫ســيدفع إىل اإلذعــاين الرخيــي أو املتحــد‪ .‬وهــذا معنــاه اهتــام‬ ‫املســتخدمن الســاكنن ألهنــم هــم الذيــن كانــوا يعملــون يف‬
‫ومــن املنطــق أن هــذه الصفــات قــد ال تتوفــر يف مجيــع النــاس‪،‬‬
‫عــى أهــل اخلــراج واســتقر‪ ،‬فــإذا ثبــت ذلــك عنــدك وصــح‬ ‫الغامنــن بأمالكهــم وحرصهــم عــى إعــار أرضهــم وزيــادة‬ ‫األرض ويترفــون هبــا‪ ،‬بدليــل أنــه كان هلــم مطلــق التــرف‬
‫وبالــذات األمانــة‪ ،‬أمــا مــن توفــرت فيــه هــذه الصفــات فمــن‬
‫أخــذوا مبــا اســتفضلوا مــن ذلــك أشــد األخــذ حتــى يــؤدوه بعــد‬ ‫دخلهــم منهــا‪ ،‬وبالتــايل زيــادة زكاة األرض واســتمرارية هــذه‬ ‫حتــى يف البنــاء عــى األرض اخلراجيــة‪ .‬فهــذا واضــح مــن‬
‫املنطــق أن يبتعــد عــن مثــل هــذه املناصــب خوفـاً مــن االفتتــان‬
‫الــزكاة إىل مــا شــاء اللــه‪ .‬أي أن القليــل املســتمر قــد ينمــو‬ ‫النقــص الشــديد يف األيــدي العاملــة لــدى املســلمن أيــام عمــر‬

‫‪103‬‬ ‫‪102‬‬
‫غــر ذلــك‪ .‬ونــوازل الوقــف كثــرة يف الرشيعــة اإلســالمية‪.‬‬ ‫ذكرنــا‪ ،‬ولكــن متــى وضعــت فيه أصبــح الغامنــون هــم املالكون‬ ‫اخلــراج يف الســواد يف عهــد عمــر عــى املســاحة‪ ،‬ثــم تغــر‬ ‫العقوبــة املوجعــة والنــكال‪ ،‬حتــى ال يتعــدوا مــا أمــروا بــه‬
‫وهــذا غــر مســتغرب إذا مــا علمنــا أن ثالثــة أربــاع األرايض‬ ‫وليــس الدولــة‪ ،‬وشــتان بــن احلالــن‪ :‬فملكيــة األفــراد لــألرض‬ ‫إىل املقاســمة لســوء األحــوال‪ .‬فيقــول املــاوردي (ت ‪:)450‬‬ ‫ومــا عهــد اليهــم فيــه‪ ،‬فــإن كل مــا عمــل بــه وايل اخلــراج مــن‬
‫املزروعــة يف تركيــا كانــت موقوفــة حتــى عــام ‪1925‬م‪ ،‬وثلــث‬ ‫الزراعيــة أفضــل بكثــر حلالــة العــن مــن ملكيــة الدولــة‬ ‫«ومل يــزل الســواد عــى املســاحة واخلــراج إىل أن عــدل هبــم‬ ‫حيمــل عــى أنــه قــد أُ ِمــر بــه‪ ،‬وقــد أُ ِمــر‬
‫الظلــم والعســف فإمنــا ُ ْ‬
‫األرايض يف تونــس ومثنهــا يف مــر حتــى هنايــة القــرن التاســع‬ ‫(وســنوضح الفــرق بــن ملكيــة الدولــة أو الفــرد للعــن وتأثــر‬ ‫املنصــور رمحــه اللــه (ت ‪ )158‬يف الدولــة العباســية عــن اخلــراج‬ ‫بغــره‪ ،‬وإن أحللــت بواحــد منهــم العقوبــة املوجعــة انتهــى‬
‫عــرش امليــالدي‪ 149.‬وهــذه النســب املرتفعــة نتجــت‪ ،‬واللــه‬ ‫ذلــك عــى حالــة العــن يف الفصلــن الرابــع والثامــن)‪ .‬فهنــاك‬ ‫إىل املقاســمة‪ ،‬ألن الســعر نقــص فلــم تــف الغــالت بخراجهــا‪،‬‬ ‫غــره واتقــى وخــاف‪ ،‬وإن مل تفعــل هــذا هبــم تعــدوا عــى أهــل‬
‫أعلــم‪ ،‬ألســباب (قــد ال تكــون دينيــة أحيان ـاً) دفعــت النــاس‬ ‫حديــث أخرجــه أبــو داود عــن أيب هريــرة عــن رســول اللــه‬ ‫وخــرب الســواد فجعلــه (أي املنصــور) مقاســمة ‪143.»...‬‬ ‫اخلــراج واجــرؤا عــى ظلمهــم وتعســفهم وأخذهــم مبــا ال جيــب‬
‫لوقــف أراضيهــم (وســنتطرق هلــذه األســباب يف الفصــل الثالــث‬ ‫«أميــا قريــة أتيتموهــا وأقمتــم‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪ُّ :‬‬ ‫عليهــم»‪139.‬‬
‫هــذه الراكــات أدت إىل نــزوح بعــض أهــل اخلــراج عــن‬
‫إن شــاء اللــه)‪ .‬وممــا جيــدر ذكــره هــو أن العقــارات املوقوفــة‬ ‫فيهــا فســهمكم فيهــا‪ ،‬وأميــا قريــة عصــت اللــه ورس ـوله فــإن‬
‫ال فقهيـاً‪ :‬إذا رحــل الفــالح‬
‫األرايض اخلراجيــة مثــرة بذلــك ســؤا ً‬ ‫أمــا بالنســبة للطريقــة الثانيــة يف اســتيفاء اخلــراج وهــي‬
‫هــي األعيــان الوحيــدة يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعاين املشــتت‪،‬‬ ‫مخســها للــه وللرســول ثــم هــي لكــم»‪ 146.‬قــال الشــافعي‪« :‬وكل‬
‫عــن األرض‪ ،‬هــل جيــرب عــى العــود؟ عــى األصــح ال‪ .‬وأدرج‬ ‫التضمــن أو نظــام التقبيــل‪ ،‬وهــي أن يتكفــل شــخص بتحصيــل‬
‫كــا أن نســبتها ضئيلــة جــد ًا إذا مــا قورنــت باألعيــان ذات‬ ‫مــا وصفــت أنــه جيــب قســمه فــإن تركــه اإلمــام ومل يقســمه‬
‫هنــا مــا ورد يف حاشــية ابــن عابديــن كمثــال‪« :‬قــال اخلــر‬ ‫اخلــراج وأخــذه لنفســه مقابــل قــدر حمــدود يدفعــه لبيــت‬
‫املســؤولية املشــتتة يف البيئــة احلاليــة‪ .‬وســرنكز هنــا عــى الوقــف‬ ‫فوقفــه املســلمون أو تركــه ألهلــه‪ُ ،‬ر ّد حكــم اإلمــام فيــه ألنــه‬
‫الرمــي (ت ‪ )1080‬يف حاشــية البحــر أقــول‪ :‬رأيــت بعــض أهــل‬ ‫املــال‪ :‬فــإن هــذا النظــام الــذي بــدأ يف العــر األمــوي وانتــرش‬
‫لتوضيــح تأثــر العالقــة بــن الفــرق الثالثــة عــى حالــة العــن‪.‬‬ ‫خمالــف للكتــاب ثــم الســنة معـاً‪ ،‬فــإن قيــل‪ :‬فأيــن ذكــر ذلــك يف‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫العلــم أفتــى بأنــه إذا رحــل الفــالح مــن قريتــه ولــزم خــراب‬ ‫يف العــر العبــايس أدى أيض ـاً إىل ســوء معاملــة أهــل اخلــراج‪.‬‬
‫لمــوا أنمــا غ ِن ْمتُــم‬
‫«واع ُ‬ ‫الكتــاب؟ قيــل‪ :‬قــال اللــه عــز وجــل‪:‬‬
‫إن بإمــكان املســلم أن يوقــف أي عــن ميلكهــا كمنــزل أو‬ ‫مــن ش ٍء فــأن ل ُ ُ‬ ‫القريــة برحيلــه أنــه جيــرب عــى العــود ورمبــا اغــر بــه بعــض‬ ‫ال ألن حكمــه‬ ‫ومل يــرض كثــر مــن العلــاء عنــه واعتــربوه باطـ ً‬
‫خ َســه ‪ ..... »...‬فــإن ظهــر اإلمــام عــى‬ ‫ِ‬
‫ـرف ابــن قدامــة الوقــف‬ ‫مدرســة أو حديقــة أو دكان‪ .‬و ُيعـ ِّ‬
‫‪150‬‬ ‫اجلهلــة‪ ،‬وهــو حممــول عــى مــا إذا رحــل ال عــن ظلــم وجــور‬ ‫حكــم الربــا‪ 140.‬فقــد حــذر أبــو يوســف اخلليفــة هــارون‬
‫بــالد عنــوة فخمســها‪ ،‬ثــم ســأل أهــل األربعــة األمخــاس تــرك‬
‫كغــره مــن الفقهــاء بأنــه‪« :‬حتبيــس األصــل وتســبيل الثمــرة»‪.‬‬ ‫وال عــن رضورة بــل تعنتـاً‪ ،‬وأمــر الســلطان بإعادتــه للمصلحــة‬ ‫الرشــيد مــن تطبيــق هــذا النظــام بــأن قــال‪« :‬ورأيــت أن ال ُتق ِّبل‬
‫حقوقهــم منهــا فأعطــوه ذلــك طيبــة بــه أنفســهم‪ ،‬فلــه قبولــه إن‬
‫والوقــف عنــد أيب حنيفــة‪« :‬حبــس العــن عــى ملــك الواقــف‬ ‫وهــي صيانــة القريــة عــن اخلــراب‪ ،‬وال رضر عليــه يف العــود‪،‬‬ ‫شــيئاً مــن الســواد وال غــر الســواد مــن البــالد‪ ،‬فــإن املتقبــل إذا‬
‫أعطــوه إيــاه يضعــه حيــث يــرى‪ ،‬فــإن تركــوه كالوقــف عــى‬
‫والتصــدق مبنفعتهــا»‪ 151.‬ومــن تعريفــات أخــرى ميكننــا القــول‬ ‫وأمــا مــا يفعلــه الظلمــة اآلن مــن اإللــزام بالــرد إىل القريــة‬ ‫كان يف قبالتــه فضــل عــن اخلــراج عســف أهــل اخلــراج ومحــل‬
‫املســلمن فــال بــأس أن يقبلــه مــن أهلــه وغــر أهلــه مبــا جيــوز‬
‫أن الوقــف عمومـاً هــو حتديــد منفعــة العــن جلهــة معينــة؛ كأن‬ ‫مــع التكاليــف الشــاقة واجلــور املفــرط فــال يقــول بــه مســلم‬ ‫عليهــم مــا ال جيــب عليهــم‪ ،‬وظلمهــم وأخذهــم مبــا جيحــف‬
‫للرجــل أن يقبــل بــه أرضــه‪ ،‬وأحســب عمــر بــن اخلطــاب إن‬
‫يقــوم شــخص ببنــاء مســكن إلمــام مســجد‪ ،‬أو ربــاط لأليتــام‪،‬‬ ‫‪ .»...‬وممــا ســاعد عــى خــراب الســواد تــردد املســلمن يف رشاء‬ ‫هبــم ليســلم ممــا دخــل فيــه‪ .‬ويف ذلــك وأمثالــه خــراب البــالد‬
‫كان صنــع هــذا يف يشء مــن بــالد العنــوة‪ ،‬إمنــا اســتطاب أنفــس‬
‫أو خــان للمســافرين‪ ،‬أو ســقاية للمجتازيــن‪ ،‬أو وضــع كتــب‬ ‫أرضهــا‪« .‬قــال أمحــد يف روايــة حنبــل‪ :‬ال تشــري الضيــاع‬ ‫وهــالك الرعيــة‪ .‬واملتقبــل ال يبــايل هبالكهــم بصــالح أمــره يف‬
‫أهلهــا عنهــا فصنــع مــا وصفــت فيهــا»‪ 147.‬وهنــاك شــواهد عــى‬
‫يف مكتبــة للقــراءة‪ ،‬أو أن يوقــف الواقــف ريــع مزرعــة لورثتــه‬ ‫بالســواد يــؤدي اخلــراج هــو مــن الصغــار‪ .‬وقــال يف روايــة‬ ‫قبالتــه‪ ،‬ولعلــه أن يســتفضل بعــد مــا يتقبــل بــه فضــال كثــر ًا‪،‬‬
‫أن عمــر ريض اللــه عنــه كان قــد اســتطاب أنفــس الغامنــن‪148.‬‬
‫ومــن بعدهــم عى أوالدهــم وأوالد أوالدهــم‪ ،‬أو حتــى أن يتصدق‬ ‫حــرب‪ - :‬يف املســلم يشــري مــن أرض اخلــراج ويــؤدي اخلــراج‬ ‫وليــس ميكنــه ذلــك إال بشــدة منــه عــى الرعيــة ورضب هلــم‬
‫ـزء مــن دخــل عقـ ٍ‬
‫ـار موقــوف لطائفــة معينــة كالفقــراء أو‬ ‫بجـ ٍ‬ ‫وبرغــم مــا رأينــا مــن تدهــور يف حالــة العــن يف اإلذعــاين‬ ‫‪ -‬قــال‪ :‬مكــروه»‪144.‬‬ ‫شــديد وإقامتــه هلــم يف الشــمس وتعليــق احلجــارة يف األعنــاق‪،‬‬
‫األيتــام (الصــور ‪ 57.2‬إىل ‪ .)59.2‬ومــن هــذه األمثلــة نالحــظ أن‬ ‫احليــازي عنــد اشــتداد الشــد بــن الفريقــن‪ ،‬فــإن حالــة تلــك‬ ‫وعــذاب عظيــم ينــال أهــل اخلــراج ممــا ليــس جيــب عليهــم مــن‬
‫ومــن هــذا العــرض نســتخلص أن حالــة العــن قــد تــزداد‬
‫أســاس الوقــف هــو أن يكــون الفريــق املســتفيد غــر الفريــق‬ ‫األعيــان كانــت أفضــل بكثــر مــن األعيــان التــي هــي يف‬ ‫الفســاد الــذي هنــى اللــه عنــه‪ .‬إمنــا أكــره القبالــة ألن ال آمــن أن‬
‫ســوءاً متــى ســاءت العالقــة بــن الفريــق املالــك والفريــق‬
‫املالــك‪152.‬‬ ‫اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬وهــو مــا بقــي لنــا يف هــذا الفصــل‪.‬‬ ‫حيمــل هــذا التقبــل عــى أهــل اخلــراج مــا ليــس جيــب عليهــم‬
‫املســتخدم الــذي يســيطر‪ .‬ولكــن هــذا الــذي حــدث يف الســواد‬
‫فيعاملهــم مبــا وصفــت لــك‪ ،‬فيــر ذلــك هبــم فيخربــوا مــا‬
‫ولكــن هــل تــزول ملكيــة املوقــوف مــن الواقــف‪،‬‬ ‫نتــج عــن حتميــة النفــس البرشيــة األ ّمــارة بالســوء‪ .‬فتــرف‬
‫عمــروا ويدعــوه فينكــر اخلــراج‪ .‬وليــس يبقــى عــى الفســاد‬
‫وهــل ميلــك املوقــوف عليهــم رقبــة الوقــف أم ال؟ يقــول ابــن‬ ‫النموذج اإلذعاين املشتت‬ ‫عمــر ريض اللــه عنــه كان اجتهــاد ًا منــه جللــب اخلــر لعمــوم‬
‫يشء وان يقــل مــع الصــالح يشء ‪141.»...‬‬
‫رجــب‪« :‬املوقــوف عليــه هــل ميلــك رقبــة الوقــف أم ال؟ يف‬ ‫املســلمن ال خروجـاً عــى ســنة الرســول صــى اللــه عليه وســلم‪.‬‬
‫املســألة روايتــان معروفتــان أشــهرمها أنــه ملــك للموقــوف‬ ‫ثــالث فــرق تشــرك يف حتديــد حالــة العــن يف هــذا‬ ‫فقــد ُر ِو َي أن عمــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ألن عشــت إىل هــذا‬ ‫وهنــاك نوعــان مــن اخلــراج‪ :‬خــراج املقاســمة وخــراج‬
‫عليــه‪ .‬والثانيــة ال‪ ،‬فعــى هــذه هــل هــو ملــك للواقــف أو للــه‬ ‫النمــوذج‪ :‬أحدهــم يســتخدمه والثــاين يســيطر عليــه والثالــث‬ ‫العــام املقبــل‪ ،‬ال تفتــح للنــاس قريــة إال قســمتها بينهــم كــا‬ ‫املســاحة‪ .‬ويســمى خــراج املســاحة بخــراج املقاطعــة أو‬
‫تعــاىل؟ فيــه خــالف أيض ـاً ‪ .»...‬ويقــول ابــن قدامــة‪ ...« :‬إن‬ ‫ميلكــه‪ .‬ولقــد كان الوقــف مــن أهــم األعيــان يف هــذا النمــوذج‬ ‫قســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم خيــرب»‪ 145.‬فالســنة‬ ‫خــراج الوظيفــة‪ ،‬وفيــه جيــب اخلــراج عــى مــن يعمــل يف األرض‬
‫الوقــف إذا صــح زال بــه ملــك الواقــف عنــه يف الصحيــح مــن‬ ‫ألنــه كثــر ًا مــا ُدفــع إليــه‪ .‬والوقــف رضورة للمدينــة التقليديــة‬ ‫املطهــرة كــا بينهــا اإلمــام الشــافعي تنــص عــى تقســيم أرض‬ ‫حتــى وإن مل يزرعهــا‪ ،‬ألنــه هــو الــذي قــر يف حتصيلــه‪،‬‬
‫املذهــب‪ ،‬وهــو املشــهور مــن مذهــب الشــافعي ومذهــب أيب‬ ‫ألنــه وفــر هلــا خدماهتــا األساســية كاملــدارس واملستشــفيات‬ ‫ــرق الغامنــة وتوضــع‬ ‫ِ‬
‫العنــوة‪ ،‬وبذلــك تركــز املســؤولية يف الف َ‬ ‫فعليــه أن يتحمــل نتيجــة تقصــره‪ .‬أمــا يف خــراج املقاســمة‪،‬‬
‫حنيفــة‪ ،‬وعــن أمحــد ال يــزول ملكــه وهــو قــول مالــك ‪ ...‬ولنــا‬ ‫والســقايات واملســاجد‪ .‬ولقــد احــرت يف أمــره كثــراً‪ .‬فهــو‬ ‫األعيــان يف اإلذعــاين املتحــد إذا زرعهــا الغامنــون‪ ،‬أو توضــع يف‬ ‫فــال جيــب اخلــراج عــى أهــل اخلــراج إذا عطلــوا األرض‪ ،‬وذلــك‬
‫أنــه ســبب يزيــل التــرف يف الرقبــة واملنفعــة فــأزال امللــك‬ ‫رمحــة للمســلمن إن هــم اتقــوا اللــه عــز وجــل وفيــه خــر‬ ‫اإلذعــاين الرخيــي إذا اســتأجروا مــن يعمــل هلــم فيهــا‪ .‬وقــد‬ ‫ألن اخلــراج جــزء شــائع مــن اخلــارج مــن األرض كالربــع‬
‫كالعتــق ‪ 153.»...‬وقــول هذيــن الفقيهــن يدلنــا عــى أن هنــاك‬ ‫كثــر إن حكمــوا بالرشيعــة‪ ،‬لكنــه وبــال عليهــم إن هــم كانــوا‬ ‫توضــع األرض يف اإلذعــاين احليــازي يف بعــض األحيــان كــا‬ ‫واخلمــس‪ .‬وهــذا متعلــق بالتمكــن مــن األرض‪ 142.‬وقــد كان‬

‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬
‫‪60.2‬‬ ‫حدثــت يل قصــة لفتــت نظــري إىل تدهــور حــال الوقــف‪.‬‬ ‫‪59.2‬‬ ‫‪57.2‬‬
‫فلقــد زرت وقفـاً مبكــة املكرمــة ُبــي يف عــام ‪1353‬؛ وكان رباطـاً‬
‫مكونــاً مــن أربعــة طوابــق مشــيدة حــول صحــن مفتــوح‪،‬‬ ‫‪58.2‬‬

‫وبــكل طابــق عــرشون غرفــة‪ ،‬وبعــض غرفــه خمصصــة لســكى‬


‫كبــار الســن مــن اجلاليــة البخاريــة‪ ،‬عــى أن تؤجــر الغــرف‬
‫األخــرى ويــرف منهــا عــى صيانــة املبــى باإلضافــة إىل نفقــة‬
‫تكفــي الوريــث الوحيــد للواقــف ومــن ثــم أبنــاؤه وورثتهــم‬
‫مــن الذكــور مــن بعدهــم‪ .‬وكان مــن الواضــح أن مــن قــام‬
‫ببنــاء هــذا الوقــف كان حريصـاً يف تشــييده‪ :‬فاحلوائط ســميكة‬
‫من أشهر األمـثلة عى األوقـاف «سبيل املـاء»‪ .‬ولقد‬
‫والكمــرات حديديــة واألرضيــات مــن احلجــارة اجليــدة‪ .‬فــكان‬ ‫تفـاىن الـواقفـون يف بنـاء الـسبيـل رمبا ظنـاً مـنهم ٔان‬
‫‪61.2‬‬
‫ظاهــراً أن الواقــف اســتثمر أجــود مــواد البنــاء يف زمنــه وأمهــر‬ ‫مجــال البنـاء وكثـرة اإلنفاق عليه سيـزيد األجر‪.‬‬
‫البنائــن يف هــذا املبــى‪ .‬ولكــن مــا يثــر االنتبــاه هــو ســوء‬ ‫فالـصورة ‪ 57.2‬لسبيل مبـدينـة فـاس‪ ،‬والصـورة ‪58.2‬‬
‫لـسبـيل مبـدينــة مكنـاس باملغرب‪ ،‬والـرسمة ‪59.2‬‬
‫صيانتــه‪ .‬فبقليــل مــن املــال واملجهــود ســيصبح هــذا املبــى يف‬
‫لـسبيل باسـطنبول (رسـم الرسام بارليت)‪ .‬الحـظوا ٔاهنا‬
‫حــال أفضــل بكثــر (الصــور ‪ 60.2‬إىل ‪ .)62.2‬فســألت جــدي‬ ‫مجيعاً متتـاز بكرة النقش والـزخرفة عى احلوائط‪.‬‬
‫ألمــي (عصــام الديــن بخــاري وهــو ابــن الواقــف)‪« 157:‬ملــاذا ال‬
‫حت ّســن هــذا املبــى؟»‪ ،‬فأجــاب رمحــه اللــه وهــو يف الســبعن من‬ ‫َُ‬ ‫احتــال وارد أكــر يف هــذا النمــوذج مــن النــاذج األخــرى‪،‬‬ ‫خالفـاً واضحـاً يف ملكيــة الوقــف بــن العلــاء‪ ،‬ولكــن الظاهــر‬
‫عمــره‪« :‬كــا تــرى فأنــا أعيــش يف الطائــف وهــذا يصعــب عي‪،‬‬ ‫وألنــه منــوذج مطلــوب للخدمــات واملرافــق ذلــك أن الدولــة‬ ‫هــو أن الوقــف ال يبــاع وال يوهــب وال يــورث اســتناداً إىل مــا‬
‫لذلــك فقــد تركــت ذلــك للســيد فــالن»‪ ،‬فســألت‪« :‬وملــاذا ال‬ ‫مل يكــن وجيــب أال يكــون لدهيــا املــال لإلنفــاق عــى هــذه‬ ‫رواه عبــد اللــه بــن عمــر حيــث قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬
‫يقــوم الســيد فــالن بذلــك؟»‪ ،‬فأجــاب‪« :‬أنــت ال تعــي املســألة‪،‬‬ ‫املرافــق (كــا هــو موضــح يف كتــاب «قــص احلــق»‪ ،‬فقــد‬ ‫اللــه عليــه وســلم لعمــر عندمــا أصــاب أرضــاً بخيــرب‪« :‬إن‬
‫‪62.2‬‬ ‫فهــذا وقــف‪ ،‬فالســيد فــالن يؤجــر بعــض الطوابــق للمطــوف‪،‬‬ ‫وضعتــه الرشيعــة بطريقــة حتفــظ اهنيــاره املحتمــل بطبيعــة‬ ‫شــئت حبســت أصلهــا وتصدقــت هبــا غــر أنــه ال يبــاع أصلهــا‬
‫والــذي بــدوره يؤجــر الغــرف للحجــاج وعليــه صيانتــه»‪ .‬ويف‬ ‫تكوينــه‪ .‬فالذيــن درســوا األوقــاف يعــزون ســوء حــال الوقــف‬ ‫وال يبتــاع وال يوهــب وال يــورث»‪ 154.‬أي أن امللكيــة مقيــدة أو‬
‫صيــف عــام ‪1983‬م ذهبــت مــع أخــي لنأخــذ مــن الســيد فــالن‬ ‫ألســباب منهــا‪ :‬ضغــط املســتفيدين مــن الوقــف كورثــة الواقف‬ ‫جممــدة‪ .‬أمــا الســيطرة فهــي بيــد مــن يديــر الوقــف كاملتــويل أو‬
‫مــا بقــي جلــدي مــن كــراء تلــك الســنة‪ .‬وكان هــذا يف العــرش‬ ‫للحصــول عــى دخــل أكــرب‪ ،‬ومنهــا دور الناظــر الــذي مل يكــن‬ ‫الناظــر‪ ،‬وهــو ليــس باملالــك وال باملســتخدم‪ .‬ومــن هــذا نخلــص‬
‫األواخــر مــن رمضــان‪ .‬ووجــدت أن الســيد فــالن قــد أجــر‬ ‫لــه اهتــام كبــر بالوقــف‪ ،‬ومنهــا تقييــد ملكيــة الوقــف‪ .‬فقلــة‬ ‫إىل أن ثــالث فــرق تشــرك يف الوقــف‪ ،‬أو فريقــان مــع جتميــد‬
‫مخس ـاً وثالثــن غرفــة ملعتمريــن مــن املغــرب بســعر يــراوح‬ ‫االهتــام لعــدم وجــود احلوافــز الدنيويــة لــدى املســتفيدين‬ ‫امللكيــة‪.‬‬
‫مــا بــن مثانيــة إىل عــرشة آالف ريــال لــكل غرفــة لفــرة العــرش‬ ‫مــن الوقــف ومــن يصونونــه باإلضافــة إىل التنــازع بينهــم أدى‬
‫األواخــر مــن رمضــان؛ وكل غرفــة تؤجــر ملــا بــن ثالثــة إىل‬ ‫ولكــن مــا هــي نتائــج اشــراك الفــرق الثالثــة يف العــن؟‬
‫إىل هــذا االهنيــار‪155.‬‬
‫مخســة معتمريــن‪ .‬وكان الســيد فــالن قــد اســتأجر الغرفــة‬ ‫باختصــار‪ :‬إن حالــة العــن إذا مــا ُو ِقفــت آلــت إىل وضــع‬
‫مــن جــدي بثالثــة أالف ريــال يف الســنة عــى أن يقــوم هــو‬ ‫وإذا نظرنــا إىل ســوء حــال الوقــف باســتخدام النــاذج‬ ‫يسء يف أكــر احلــاالت ألســباب كثــرة مــن أمههــا مــرور‬
‫بصيانــة املبــى وتوصيــل املــاء ومــا إىل ذلــك مــن متطلبــات‪.‬‬ ‫اإلذعانيــة‪ ،‬نجــد أن العــن املوقوفــة قــد مزقــت بــن الفــرق‬ ‫الزمــن واختــالف الفــرق‪ .‬فالعقــارات املوقوفــة كــرت عــرب‬
‫الصـورة ‪ 60.2‬هي ألحد األوقـاف يف مكـة املكـرمة‪ ،‬وقـد تم إعـادة‬ ‫وعندمــا طالبنــاه مبــا بقــي مــن اإلجيــار‪ ،‬قــال بأنــه قــد رصف‬ ‫املشــركة فيــه‪ ،‬كأي عنر يف اإلذعاين املشــتت‪ 156.‬فاملســتخدم‬ ‫الزمــن وتراكمــت احتياجاهتــا للصيانــة دون مــا إدارة فعالــة‬
‫املسوول عن‬
‫ٔ‬ ‫طالئه من اخلـارج بأمـر من وزارة احلج ال رغبـة من‬
‫املبلــغ يف تبليــط حوائــط دورات امليــاه وطــالء املبــى مــن‬ ‫غالبـاً مــا كان فقــر ًا ومل يســتثمر يف صيانــة الوقــف؛ وحتــى إن‬ ‫مؤديــة بذلــك إىل الرشــوة يف مجيــع املســتويات‪ .‬فقــد تداعــت‬
‫املسوول طالءه بأقل جودة ممكنـة من الـدهـان‬‫ٔ‬ ‫املبى‪ ،‬وقد حاول‬
‫اخلــارج والداخــل وذلــك ألن منــدوب وزارة احلــج واألوقــاف‬ ‫كان متمكنــاً فلــاذا يصــون يشء ال ميلكــه إذا مل يتــق اللــه؟‬ ‫وتدهــورت أحــوال األعيــان املوقوفــة ألن املســؤولن عــن‬
‫وبـأعى سعـر ممكـن بحثـاً عن الـربح‪ .‬والصورة ‪ 61.2‬للمبى من‬
‫الداخل‪ ،‬الحظ اإلمهال يف وضع األمتعـة‪ .‬والصـورة الثـالثـة (‪)62.2‬‬ ‫قــد أمرهــم بذلــك‪ .‬وعندمــا قارنــت مــا طلبــه املنــدوب مبــا قــام‬ ‫هــذا إذا مل يــيء اســتخدام الوقــف كــا قــد حيــدث‪ .‬أمــا‬ ‫صيانتهــا مل يقومــوا بواجبهــم خــر قيــام‪ .‬وأفضــل شــاهد عــى‬
‫لسـقف أحد املـمرات‪ .‬الحظ التشققـات‪ ،‬فبقليل من الصيـانة‬ ‫بــه الســيد فــالن وجــدت أنــه قــد بلــط حوائــط دورات ميــاه‬ ‫الناظــر‪ ،‬فلــاذا هيتــم بــيء ال ميلكــه وال يســتفيد منــه اســتفادة‬ ‫الــراع بــن الفــرق املشــركة يف الوقــف ومــا نتــج عنــه مــن‬
‫يصبح هـذا املبى يف حال أفضل‪ .‬فربغم أن الواقف حاول إنشاء مبى‬
‫الــدور األريض وطــالء املبــى مــن اخلــارج فقــط ! ومــع ذلــك‬ ‫دنيويــة بصيانتــه إذا مل يتــق اللــه؟ هــذا إذا مل يغــن مــن الوقــف‬ ‫ســوء أحوالــه كــرة الوثائــق والنــوازل والفتــاوى التــي تعــج هبــا‬
‫متقن‪ ،‬لكن مع الزمن بدأ يتدهور بسبب اإلمهال‪.‬‬
‫فلــم يقــدم لنــا إال فاتــورة واحــدة بأربعــة أالف ريــال ! ‪158‬‬ ‫مدعي ـاً أنــه رصف بعــض املــال عــى صيانتــه‪.‬‬ ‫وزارات األوقــاف‪ .‬وهنــا ملحوظــة مهمــة‪ ،‬أال وهــي أن األوقــاف‬
‫ليســت دامئــا ســيئة‪ ،‬بــل إن اختلفــت وتنازعــت الفــرق‪ ،‬وهــو‬

‫‪107‬‬ ‫‪106‬‬
‫الرشعيــة عــى مــا رشط الواقــف»‪ .‬أي أن للناظــر حريــة يف‬ ‫املــدة الســابقة التــي شــغلوا فيهــا تلــك األوقــاف‪ ،‬ومــا حــدث‬ ‫عــن مســجد بإزائــه دار حمبســة خربــت وصــارت تلقــى فيهــا‬ ‫إن تضــارب املصالــح تتضــح يف هــذا املبــى‪ :‬فلــم يقــم‬
‫التــرف ضمــن رشوط الواقــف إذا كانــت معتــربة رشعـاً‪ .‬فلــه‬ ‫هــذا إال بإمهــال النظــار‪162.‬‬ ‫األزبــال (الصــور ‪ 63،2‬إىل ‪ ،)66،2‬فاحتســب مــن رفــع إىل‬ ‫املعتمــرون بصيانتــه ألهنــم يقطنونــه مؤقتــا‪ ،‬وكذلــك الســاكنون‬
‫أن يزيــد أو ينقــص مــن مرتبــات العاملــن ويوظــف ويفصــل‬ ‫القــايض أن ذلــك يــر بحيطــان املســجد‪ ،‬ورغــب يف توطيتهــا‬ ‫مــن كبــار الســن لعلمهــم بأهنــم مؤقتــون يف ســكناهم أو لعــدم‬
‫ولكــن ملــاذا هيمــل املتولــون الوقــف؟ لإلجابــة عــى ذلــك‬
‫مــن أراد‪ .‬ولــه أن يتــرف يف أرض الوقــف كأن يزرعهــا أو‬ ‫وبنــاء حائــط عليهــا‪ ،‬وجيعــل صحنـاً بجمــع مــا فيهــا يف ماجلهــا‬ ‫امتالكهــم للوقــف؛ أمــا الناظــر فــكان غائبــاً ملرضــه وكــرب‬
‫البــد مــن إعطــاء فكــرة رسيعــة عــن دور الناظــر أو املتــويل‪.‬‬
‫يؤجرهــا باســتثناء الرهــن‪ .‬أي أن هنــاك فرصــة كبــرة للناظــر‬ ‫(املاجــل هــو مــكان مجــع مــاء املطــر) ويــرف مثنــه يف منافــع‬ ‫ســنه؛ وأمــا مــن ينــوب عنــه فقــد حــاول االســتفادة ماليــا مــن‬
‫فالواليــة عــى الوقــف كــا يقــول الشــيخ أمحــد إبراهيــم‪ :‬هــي‬
‫ليســتغل الوقــف لنفســه عــى حســاب املســتفيدين مــن الوقــف‬ ‫املســجد‪ .‬فأجــاب‪ :‬هلــم ذلــك ‪161.»...‬‬ ‫ريــع املبــى وذلــك بالقيــام بأقــل مــا ميكــن مــن صيانــة‪ .‬وبرغــم‬
‫«القيــام مبصاحلــه واالعتنــاء بأمــوره مــن إجــارة مســتغالته‬
‫إن مل يتــق اللــه‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن دخــل الناظــر‬ ‫حماولــة الواقــف بنــاء مبــى جيــد لكســب األجــر مــن اللــه عــز‬
‫وحتصيــل أجــوره وغالتــه ورصف مــا اجتمــع منهــا يف مصارفــه‬ ‫أمــا عــدم اهتــام النظــار باألوقــاف فواضــح ممــا قــام بــه‬
‫حمــدد مــن الوقــف‪ .‬فالظاهــر هــو أن للناظــر أجــرة معينــة يف‬ ‫وجــل‪ ،‬إال أن حــال املبــى يف تدهــور مســتمر ألن مســؤولية‬
‫الســلطان اململــويك تنكــز عــام ‪ 727‬بعــد مراجعتــه لألوقــاف‪.‬‬
‫الشــهر أو الســنة مقابــل مــا يقــوم بــه‪ ،‬أو مقــدار نســبي ممــا‬ ‫‪65.2‬‬ ‫صيانتــه مشــتتة‪ .‬وباملثــل يف األوقــاف املشــاهبة‪ :‬فيمكــن القــول‬
‫فقــد تبــن لــه أن هنــاك الكثريــن ممــن يســكنون بطريقــة‬
‫ُحي ّصلــه مــن غالتــه كالعــرش إذا اشــرط الواقــف ذلــك‪ .‬ففــي‬ ‫أن امللكيــة مقيــدة‪ ،‬والناظــر قــد جتذبــه املطامــع الدنيويــة‬
‫غــر مرشوعــة يف املــدارس املوقوفــة يف دمشــق ويســتخدموهنا‬
‫هــذه احلــاالت يكــون الســؤال‪ :‬أال يقــوم الناظــر باالختــالس‬ ‫عــن طلــب األجــر‪ ،‬أمــا املســتخدم فيســتهلك فقــط ودومنــا أي‬
‫كمخــازن جتاريــة‪ ،‬فأخرجهــم منهــا وأجربهــم عــى دفــع إجيــار‬
‫مــن الوقــف عــى حســاب صيانتــه إن مل يتــق اللــه؟ ولكــن‬ ‫صيانــة إن عدمــت التقــوى‪ .‬فــال غرابــة إذا مــا تدهــور حــال‬
‫أال حياســب الناظــر؟ ومــن الــذي يقــوم بذلــك؟ يلخــص أمحــد‬ ‫‪63.2‬‬ ‫الوقــف مــع الزمــن‪ .‬أي أن الفــرق الثالثــة قــد ال تلتقــي يف‬
‫ال معروفـاً‬‫إبراهيــم هــذه املســألة فيقــول‪« :‬إن كان الناظــر عــد ً‬ ‫املصلحــة‪.‬‬
‫باألمانــة اكتفــى منــه القــايض بتقديــم احلســاب اإلمجــايل إذا‬
‫وهــذا نفــس مــا حــدث لبعــض األرايض الزراعيــة املوقوفة‬
‫تعــذر عليــه بيــان جهــات الــرف واإلنفــاق بالتفصيــل‪ .‬ثــم إن‬
‫ال‪ .‬يقــول أحــد الدارســن‪« :‬األرض الزراعيــة‬ ‫يف اهلنــد مثــ ً‬
‫ادعــى إعطاءهــا للمســتحقن ومل يصدقــوه فالقــول لــه بيمينــه‬
‫تتدهــور عــرب الزمــن‪ ،‬فــال هيتــم أحــد بحفظهــا بحــال جيــدة‪،‬‬
‫‪ ...‬وإن كان الناظــر مته ـاً فــال يكتفــي القــايض منــه بتقديــم‬
‫الغلــة تقــل وتقــل‪ ... ،‬فقــد ُعرضــت حــاالت ســوء إدارة‬
‫احلســاب اإلمجــايل بــل جيــربه عــى التفصيــل‪ ،‬لكــن ال حيبســه؛‬
‫األوقــاف يف اهلنــد وكذلــك إمهــال املتولــن (النظــار) واهنيــار‬
‫فــإن مل يبــن اكتفــى منــه باليمــن‪ ،‬هكــذا قالــوا‪ .‬وإن ادعــى‬
‫عقــارات األوقــاف عــى املحاكــم مــراراً‪ .‬وباعتبــار كل هــذه‬
‫هــذا الناظــر رصف الغلــة للمســتحقن أو ألربــاب الوظائف ومل‬
‫األمــور ميكــن القــول بــكل حــال مــن األحــوال بــأن األوقــاف‬
‫يصدقــوه فــال يقبــل قولــه إال بالبينــة عــى مــا اســتقر عليــه الرأي‬ ‫إن يف بعض النوازل الفقهية إشارة لسوء حال املباين نتيجة‬
‫بجملتهــا مــا هــي إال مأســاة لألمــة»‪159.‬‬
‫إلمهال الفرق املـسيطرة‪ .‬والصور ‪ 63.2‬إىل ‪ 66.2‬أمثلة عى‬
‫أخــراً‪ ،‬وياليــت احلكــم يف ذلــك يعــم كل ناظــر لتغيــر أحــوال‬
‫ذلك عموماً وليس بالرورة يف األوقاف‪ .‬فرى يف الـصــورة‬
‫النــاس‪ ،‬فــال يعتــرب قــول أي ناظــر إال بالبينــة ‪ .»...‬ومــن هــذا‬ ‫وهنــاك الكثــر مــن النــوازل التــي تشــر إىل مــدى‬
‫‪ 63.2‬من تـازة‪ ،‬والـصـورة ‪ 64.2‬مـن القـاهـرة يف الصفحة‬
‫القــول تتضــح لنــا مــدى صعوبــة إثبــات التهمــة عــى الناظــر‪.‬‬ ‫السابقة‪ ،‬والصـورة ‪ 65.2‬مـن فيقـيق رشقي املغــرب تــداعـي‬ ‫اســتهالكية الفريــق املســتخدم دومنــا صيانــة مالمئــة‪ ،‬وأذكــر‬
‫فمهنــا حاولــت املجتمعــات مــن اثبــات رسقــة الناظــر مثــال‪،‬‬ ‫حــوائط املـبــاين‪ .‬أمــا الـصــورة ‪ 66.2‬من الـطائف‪ ،‬فهي‬ ‫‪64.2‬‬ ‫منهــا هــذه الفتــوى‪« :‬ســئل الفقيــه ســيدي عيــى بــن عــالل‬
‫منظـر مألوف يف كل املـدن املعارصة يف العامل اإلسالمي وهي‬ ‫(وكان إمام ـاً بجامــع القرويــن وقاضي ـاً بفــاس‪ ،‬ت ‪ )823‬رمحــه‬
‫فاملخــارج للناظــر املتالعــب كثــرة ألنــه يعــرف كل مداخــل‬ ‫حتول األرض التي هيملها صاحبها إىل جممع لنفايات اجلران‪.‬‬
‫الوقــف التــي ال حييــط هبــا موظفــوا جهــات الوقــف‪ ،‬وهــذا‬ ‫اللــه عــن دار حبســت عــى مــؤذن يــؤذن يف الثلــث األخــر‬
‫بالطبــع لــن يقــع مــن املالــك لعقــاره‪ .‬ولكــن أال يعــزل الناظــر‬ ‫‪66.2‬‬ ‫مــن الليــل حــن ينــام املؤذّنــون‪ ،‬وأخــرى حمبســة عــى مــن‬
‫ال أو غــر أمــن؟ وهــذه أيضــاً مســألة صعبــة‪،‬‬ ‫إذا كان مهمــ ً‬ ‫يكنــس مبســجد آخــر ويغلــق ويفتــح‪ ،‬ثــم إن املحبــس عليهــا‬
‫فليــس للقــايض أن ُيعــزل الناظــر الــذي ُويل مــن قبــل الواقــف‬ ‫املذكوريــن مل يــزاال يســتغال الداريــن املذكورتــن حتــى‬
‫إال إذا ثبــت بالطريــق الرشعــي مــا يوجــب عزلــه‪163.‬‬ ‫هتدمتــا هتدمـاً فاحشـاً حمتاجـاً إلصــالح كثــر‪ ،‬فانظــروا ســيدي‬
‫عــى مــن هــو اإلصــالح‪ ،‬هــل مــن احلبــس؟ أعــي مــن حبــس‬
‫ومــن األســباب التــي ســاعدت عــى إمهــال الوقــف هــو‬
‫كل مســجد أم يلــزم املؤذنــن بنــاء ذلــك مــن ماهلــا؟ لكوهنــا‬
‫حتديــد الواقــف للمســتفيدين مــن الوقــف بجهــة متزايــدة يف‬
‫تســ ّببا يف هــدم ذلــك‪ ،‬وبطلــت نيــة املحبــس الــذي حبــس‬
‫عددهــا‪ ،‬كأن يكــون ريــع الوقــف خمصــص للورثــة مــن األبنــاء‬
‫ذلــك‪ ،‬ولــكل واحــد مــن املؤذنــن مــدة مــن أربــع وعرشيــن‬
‫وأبنــاء األبنــاء‪ 164.‬ففــي هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن عــدد املســتفيدين‬
‫ســنة‪ ،‬بينــوا لنــا‪ .‬فأجــاب‪ :‬املؤذنــان أوىل بإصــالح الــذي‬
‫ال بعــد جيــل مــا يــؤدي إىل نقصــان نصيــب كل فــرد‬
‫ســيزداد جيـ ً‬ ‫هتــدم مــن الــدور ‪ 160.»...‬ويف نازلــة أخــرى «ســئل الربجيــي‬

‫‪109‬‬ ‫‪108‬‬
‫‪67.2‬‬ ‫مــن ناظــر الوقــف وقــد يتقاعــس عــن ذلــك‪ .‬وكــا ذكــرت يف‬ ‫ذلــك أم ال؟ فأجــاب‪ :‬أمــا توســيع املســجد بإدخــال املواضــع‬ ‫منهــم وبالتــايل إىل عــدم اهتامهــم مبــا جيــري للوقــف ومتابعــة‬
‫املقدمــة يف ظاهــرة النمــو والتغـ ّـر‪ ،‬فــإن البيئــة تتغــر‪ ،‬وكذلــك‬ ‫احلبســة فيــه فجائــز‪ ،‬وال يفتقــر يف ذلــك إىل تعويــض عــن‬ ‫الناظــر‪ ،‬وهــذا ســيؤدي إىل اهنيــاره‪ .‬ومبســألة حســابية بســيطة‬
‫الظــروف املحيطــة بالعــن املوقوفــة تتغــر؛ وهــذا يعــي احلاجة‬ ‫احلبــس‪ ،‬إال أن يكــون احلبــس عــى قــوم معينــن‪ ،‬فــال يؤخــذ‬ ‫ميكــن اســتنتاج ذلــك‪ :‬فــإذا كان للواقــف ابنــان وخلّــف كل‬
‫املســتمرة الختــاذ القــرارات التــي تالئــم هــذه التغــرات البيئيــة‪،‬‬ ‫منهــم إال بالثمــن‪ ،‬وإمنــا اختلفــوا يف غــر اجلامــع‪ ،‬فأكــر‬ ‫ابــن منهــم ابنــن وهكــذا‪ ،‬وإذا كان الوقــف مقصــوراً عــى‬
‫والتــي ســتحتاج للفتــاوى باســتمرار ال ســيا إذا مــا أخذنــا يف‬ ‫املتأخريــن عــى جــوازه كاملســجد اجلامــع ســواء‪ ،‬وخالــف يف‬ ‫الذكــورة مــن األحفــاد‪ ،‬ففــي خــالل مخســة أجيــال قــد يصــل‬
‫االعتبــار أن الوقــف عــن أزليــة يف ُحكْمهــا وعمرها‪ ،‬فــال بد وأن‬ ‫ذلــك أبــو عبــد اللــه بــن عــات وابــن العــايص‪ ،‬قــاال‪ :‬ال يصــح‬ ‫عــدد املســتفيدين األحيــاء إىل أكــر مــن مثانيــة وأربعــن فــرد ًا‪،‬‬
‫يــأيت يــوم ألي عــن موقفــة وحتتــاج فيــه للتغيــر خــالل مئــات‬ ‫أن يؤخــذ احلبــس إال للمســجد اجلامــع خاصــة إذا ضــاق»‪167.‬‬ ‫علـاً أن هــذا الرقــم قــد يتضاعــف مــع كل جيــل‪ .‬لقــد ذكــر يل‬
‫الســنن مــن عمرهــا‪ .‬ويف هــذه احلــاالت فــإن تقييــد تــرف‬ ‫وبالطبــع فــإن هــذا الــردد ســيؤدي إىل تقييــد حريــة الناظــر‪.‬‬ ‫أحــد التالميــذ أن نصيبــه مــن أوقــاف هلــم يف مكــة املكرمــة مل‬
‫الناظــر مــن خــالل الفتــاوي قــد يؤثــر عــى حــال الوقــف‪.‬‬ ‫ال ســعودياً يف الســنة املاضيــة‪ ،‬وذلــك‬‫يتجــاوز ســتة عــرش ريــا ً‬
‫أمــا يف األحــوال التــي يكــون فيهــا الــرر واضح ـاً فقــد‬
‫لكــرة املســتفيدين مــن الوقــف‪.‬‬
‫‪68.2‬‬ ‫وقــد تســألون‪ :‬ولكــن تقييــد حريــة الناظــر رضورة‬ ‫أفتــى الفقهــاء بجــواز أو حتــى رضورة التــرف يف الوقــف‪.‬‬
‫أحيانــاً ملصلحــة املســتفيدين واملســتخدمن للوقــف؛ فقــد‬ ‫فلقــد ســئل الفقيــه مــوىس العبــدويس «عــن ميضــات (أماكــن‬ ‫أمــا إذا كان املســتفيدون مــن الوقــف هــم جهــة ثابتــة‬
‫يتــرف الناظــر بطريقــة يســتفيد هــو فيهــا مــن الوقــف عــى‬ ‫الوضــوء) بنيــت حــول املســجد اجلامــع‪ ،‬ومل يزل اإلمهــال يكر‬ ‫كعمــوم املســلمن أو الفقــراء أو حمــددة حتديــدا دقيقــاً جــداً‬
‫حســاب املوقــوف عليهــم كالفقــراء‪ ،‬لذلــك جيــب مراقبتــه؟‬ ‫فيهــا حتــى تــرك الوضــوء بــه لضيقه وكــرة ظلمتــه‪ ،‬وصــار مجلة‬ ‫(كالوقــف الــذي خصــص دخلــه ملــن يقــوم عــى الدابــة‬
‫أقــول‪ :‬هــذا صحيــح؛ ولكــن هــذه املراقبــة املســتمرة للمتولــن‬ ‫النــاس يتغوطــون فيــه‪ ،‬فينجــس بذلــك املــاء اجلــاري فيــه لبــاب‬ ‫ال)‪ 165،‬فــإن‬‫التــي تنقــل رئيــس اجلامــع األزهــر بالقاهــرة مثــ ً‬
‫أو النظــار شــبه مســتحيلة عــى املجتمــع‪ ،‬وذلــك ألن الناظــر‬ ‫احلفــاة يف غالــب األمــر‪ ،‬وتتطــرق النجاســة إىل مســجد اجلامــع‬ ‫الــذي ســيؤثر عــى حــال الوقــف هــو دور الناظــر (الفريــق‬
‫دائــم الوجــود بجانــب العــن املوقوفــة وليــس كاملجتمــع بعيــد‬ ‫صح ِنــه ليصــي‬
‫بســبب ذلــك‪ ،‬وتــؤذي رائحتــه مــن جيلــس يف ْ‬ ‫املســيطر)‪ ،‬وذلــك ألن أي تغير أســايس ســيحتاجه الوقــف وأراد‬
‫عنهــا‪ ،‬فالناظــر هــو املتمكــن‪ ،‬وبالتــايل فهنــاك أحــد ثالثــة‬ ‫فيــه يــوم اجلمعــة‪ ،‬أو يف أيــام احلــر‪ ،‬وآل أمــره إىل أن أغلــق‬ ‫الناظــر القيــام بــه وكان خارجــاً عــن الــرشوط التــي وضعهــا‬
‫احتــاالت‪ :‬األول هــو أن النــر حليــف الناظــر لعــدم متكــن‬ ‫‪ ...‬فهــل يســوغ تغيــره حوانيــت تلحــق بأحبــاس املســجد‬ ‫الواقــف ســتحتاج إىل فتــوى رشعيــة‪ .‬والفتــوى هنــا معناهــا‬
‫املجتمــع مــن مراقبتــه الدامئــة والســيطرة عليــه؛ الثــاين هــو‬ ‫اجلامــع‪ ،‬وينتفــع بخراجهــا‪ ،‬وال خيــرج املوضــع املذكــور عــن‬ ‫تقييــد حركــة الفريــق املســيطر أو الناظــر‪ ،‬وهــذه قــد تــؤدي‬
‫اعتـمدت املديـنة التقليـدية عى األوقـاف يف أكر مـرافقها من‬ ‫ازديــاد الشــد بــن الناظــر واملجتمــع عــى حســاب الوقــف‬ ‫معــى التحبيــس عــن اجلامــع املذكــور مــع احتياجــه لذلــك‬ ‫إىل تأخــر عمليــة التغيــر وبالتــايل إىل ضعــف حــال الوقــف‪.‬‬
‫مدارس ومصحـات ومكتبات وقناطـر و‪ ...‬و‪ ....‬فالرسمة ‪67.2‬‬ ‫وبالتــايل ســوء حالــه؛ الثالــث هــو إرهــاق املجتمــع باملراقبــة‬ ‫‪ ...‬فأجــاب‪ ... :‬أن بنيــان احلوانيــت يف املوضــع الــذي ذكرتــم‬ ‫ال‪ ،‬يف نازلــة «ســئل الشــيخ الفقيــه اإلمــام أبــو القاســم‬ ‫فمثــ ً‬
‫تـرينـا قـنطـرة (جـر ذا عقـود) خـارج مـدينـة بـورصـة‪،‬‬
‫املســتمرة والتــي تتطلــب الكثــر مــن املــال واملجهــود‪ ،‬إال إذا‬ ‫جائــز‪ ،‬بــل هــو مــن قبيــل املنــدوب املحتســب وإزاحــة الرر‬ ‫التازغــدري رمحــه اللــه عــن مســألة تعويــض دار ابــن بشــر‬
‫والــرسمـة ‪ 68.2‬تــرينـا عى يـمن الــرسمـة سـبيل مـاء يف‬
‫كانــت هنــاك مراقبــة ذاتيــة مســتمرة كمخافــة الناظــر مــن‬ ‫والنــن مــن املوضــع املذكــور واجــب ‪168.»...‬‬ ‫اخلربــة بــدرب ابــن حيــون مــن فــاس املحبســة عــى جامــع‬
‫الطـريق خارج مـدينـة بورصـة أيضـاً بركيـا أيام اخلالفة‬
‫العثانية (الرسمتان للرسام ألوم)‪ .‬وهنا مسألة مهمة جدا‪ ،‬أال‬ ‫اللــه عــز وجــل‪ .‬ويف هــذه احلالــة األخــرة‪ ،‬فــإن الوقــف نعمــة‬ ‫القرويــن‪ .‬فأجــاب بــأن قــال‪ :‬بيــع الــدار املذكــورة وتعويضهــا‬
‫مــن هــذه النــوازل نالحــظ مســألة وهــي أنــه ال بــد مــن‬
‫وهي كيف جتعل الرشيعة مسألة املرافق يف وضع إذعاين مشتت؟‬ ‫عــى املســلمن‪ .‬أي أن الوقــف مل يكــن دامئــاً يف حــال يسء‪.‬‬ ‫ال يصــح ألمــور ثالثــة‪ :‬أحدهــا أن بيــع احلبــس وتعويضــه‬
‫واإلجابة هي أن طبيعة بعض اخلدمات تتطلب هذا التداخل بن‬ ‫إثبــات الــرر الناجــم عــن وضــع الوقــف احلــايل حتــى يتمكــن‬
‫فالتاريــخ يذكــر لنــا أن أكــر املســاجد واملــدارس واملصحــات‬ ‫بغــره عنــد مــن أجــازه‪ ،‬إمنــا هــو إذا انقطعــت منفعتــه مجلــة‪،‬‬
‫الفرق املسيطرة واملستخدمة‪ ،‬فال مفر أحيانا من هذا التداخل إال‬ ‫الناظــر مــن التــرف‪ .‬ففــي نازلــة ســئل «ســيدي أبــو عبــد اللــه‬
‫إن كانت النظام رأساليا بحيث أن مجيع املرافق واخلدمات تكون‬ ‫واملكتبــات واخلانــات واألربطــة والقناطــر وأســوار املــدن‬ ‫وهــذه الــدار مل تنقطــع منفعتهــا‪ ،‬ألنــه ممــا ميكــن كراؤهــا عــى‬
‫احلفــار مــن أعــالم حــارضة غرناطــة عــن فــدان حبــس عــى‬
‫سلعا‪ ،‬مثل أن يكون التعليم سلعة فيحرم منه الفقراء‪ ،‬ويكون‬ ‫وجــدت عــن طريــق األوقــاف (الصورتــان ‪ 67.2‬و ‪ .)68.2‬فلــم‬ ‫مــا هــي عليــه ملــن ينتفــع هبــا مــن احــراز مــا ميكــن احــرازه‬
‫مــرف مــن مصــارف الــرب ال منفعــة فيــه‪ ،‬هــل يبــاع ويشــرى‬
‫التطبيب سلعة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬هنا كانت حكمة الرشيعة بجعل هذه‬ ‫تكــن هنــاك وزارات للتعليــم والصحــة واملواصــالت يف الــدول‬ ‫هبــا ‪ 166.»...‬أي أن الفتــوى يف هــذه النازلــة قــد قيــدت حريــة‬
‫املرافق كأوقاف ولكن باستقاللية عالية ودومنا بروقراطية تشبه‬ ‫بثمنــه مــا يكــون بــه منفعــة؟ فأجــاب‪ :‬إذا كان الفــدان الــذي‬
‫اإلســالمية األوىل مبفهومهــا احلــايل وتتــوىل مســؤولية التدريــس‬ ‫الناظــر‪ .‬فقــد تكــون املنطقــة التــي هبــا الــدار قــد حتولــت‬
‫بروقراطيات احلكومات ما يؤدي لتنمية جمتمعية أفضل كا هو‬ ‫حبــس ال منفعــة فيــه فإنــه جيــوز أن يبــاع ويشــرى بثمنــه فدان‬
‫موضح يف النص‪.‬‬ ‫وبنــاء املستشــفيات وصيانــة املســاجد وتعبيــد الطــرق‪ .‬بينــا‬ ‫تدرجييــا ملنطقــة صناعيــة مــا يتطلــب بيعهــا لصعوبــة الســكى‬
‫آخــر بحبــس‪ ،‬وتــرف غلتــه يف املــرف الــذي حبــس عليــه‬
‫ازدهــرت العصــور األوىل مــن اإلســالم هبــذه اخلدمــات‪ .‬فلقــد‬ ‫فيهــا إال بأجــر منخفــض‪.‬‬
‫األول عــى مــا أفتــى بــه كثــر مــن العلــاء يف هــذا النــوع‪ ،‬فقــد‬
‫إىل مدرســيهم مــع ســكناهم وتغذيتهــم‪ 170.‬فلــاذا إذ ًا حــال‬ ‫ال بتأمــن الطريــق‬ ‫قامــت زبيــدة زوجــة هــارون الرشــيد مث ـ ً‬ ‫أفتــى ابــن رشــد (ت ‪ )450‬رمحــه اللــه يف أرض حمبســة عدمــت‬ ‫ويف بعــض األحــوال التــي يكــون الصالــح العــام فيهــا‬
‫األوقــاف يف هــذا التناقــض؟ اإلجابــة هــي يف خمافــة اللــه‪.‬‬ ‫بــن بغــداد ومكــة مــع كل مســتلزماته‪ .‬وكان هنــاك أكــر مــن‬
‫منفعتهــا بســبب رض جــران أن تبــاع‪ ،‬ويعــاوض بثمنهــا مــا فيــه‬ ‫واضحـاً‪ ،‬كان هنــاك نــوع مــن الــردد يف فتــاوي الفقهــاء‪ .‬ففــي‬
‫وللتوضيــح البــد لنــا مــن توضيــح أصــل الوقــف ورشوطــه‪.‬‬ ‫ثالمثائــة مدرســة ابتدائيــة يف القاهــرة عندمــا احتلهــا الفرنســيون‬
‫منفعــة عــى مــا قالــه مجاعــة مــن العلــاء يف الربــع املحبــس إذا‬ ‫نازلــة ســئل فقيــه «عــن حبــس ملســجد بــإزاء مســجد ع ّينــه‬
‫هنــاك نــوع مــن اخللــط بــن الوقــف والصدقــة‪ ،‬فكثــر‬ ‫يف هنايــة القــرن الثامــن عــرش امليــالدي؛ وكانــت إحــدى هــذه‬
‫خــرب‪ ،‬ويكــون ذلــك بحكــم القــايض بعــد أن يثبــت فيــه أنــه‬ ‫صاحبــه لكــون فائــده يــرف يف املســجد يف البنــاء وغــره‬
‫مــن كتــب الفقــه تــدرج الوقــف والعطايــا أو الوقــف والصدقــة‬ ‫املــدارس تســع أربعائــة طالبــاً وأربعائــة طالبــة‪ ،‬باإلضافــة‬
‫ال منفعــة فيــه»‪ 169.‬ومراحــل اإلثبــات هــذه تتطلــب جهــوداً‬ ‫ولإلمــام‪ ،‬هــل جيــوز إدخالــه يف توســيع املســجد إذا أراد أهلــه‬

‫‪111‬‬ ‫‪110‬‬
‫معنــاه أن هــذه األوقــاف ليســت يف اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫هــي أحــد املراجــع املهمــة يف اســتقاء أحــكام الوقــف‪ .‬فرجــع‬ ‫اللــه بــن هليعــة أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم قــال بعــد‬ ‫يف بــاب واحــد‪ .‬فلقــد ســمعت وقــرأت للكثــر مــن املتحدثــن‬
‫فريقــن يشــركان يف العــن‪ ،‬فهــي يف اإلذعــاين الرخيــي‪182.‬‬ ‫الشــوكاين إليهــا فيقــول‪(« :‬قولــه أن يــأكل منهــا باملعــروف) ‪...‬‬ ‫مــا فرضــت الفرائــض يف ســورة النســاء‪« :‬ال حبــس (أي وقــف)‬ ‫والكتــاب الذيــن يســتخدمون األحاديــث واآليــات التــي حتــث‬
‫أمــا يف احلالــة التــي ال خيــاف فيهــا الناظــر اللــه يف ترفاتــه‪،‬‬ ‫قــال القرطبــي جــرت العــادة أن العامــل يــأكل مــن مثــرة الوقــف‬ ‫بعــد ســورة النســاء»‪ 174،‬ولقــد أخــذ أبــو حنيفــة هبــذا احلديــث‪.‬‬ ‫عــى الصدقــة لالســتدالل هبــا يف احلــث عــى الوقــف كحديــث‬
‫َ ْ َ َ ُ ْ َّ َ َّ ٰ ُ ْ ُ‬
‫فهــو بذلــك فريــق ثالــث‪ ،‬والشــد واالختــالف بــن الناظــر‬ ‫قبح ذلــك‬
‫حتــى لــو اشــرط الواقــف أن العامــل ال يــأكل الس ـ ُت َ‬ ‫يقــول الكاســاين يف البدائــع‪« :‬وأليب حنيفــة عليه الرمحــة ما روي‬ ‫ـى تن ِفقــوا‬ ‫ـر حـ‬ ‫صحيـ ُـح البخــاري‪« :‬ملّــا نزلــت‪ :‬لــن تنالــوا الـ ِ‬
‫َ‬
‫واملســتخدم مــع جتميــد امللكيــة أو إعطاءهــا لفريــق ثالــث‬ ‫منــه‪ ،‬واملــراد باملعــروف القــدر الــذي جــرت بــه العــادة‪ ،‬وقيــل‬ ‫عــن عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أنــه قــال ملــا نزلــت‬ ‫ت ُّبــون (آل عمــران‪ :‬األيــة ‪ -)92‬جــاء أبو طلحة إىل رســول‬ ‫َّ‬
‫ِممــا ِ‬
‫مشــاكس ســيؤدي إىل تدهــور الوقــف‪ ،‬وهــذا هــو اإلذعــاين‬ ‫القــدر الــذي يدفــع الشــهوة‪ ،‬وقيــل املــراد أن يأخــذ منــه بقــدر‬ ‫ســورة النســاء وفرضــت فيهــا الفرائــض‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬يقــول اللــه‬
‫ْ َّ َ َّ ٰ ُ ْ ُ‬ ‫َ ْ ََ ُ‬
‫املشــتت‪ .‬وهــذه النتيجــة مهمــة لنــا يف التعامــل مــع البيئــة‬ ‫ال أي‬
‫عملــه ‪( ...‬قولــه غــر متمــول) أي غــر متخــذ منهــا مــا ً‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ :‬ال حبــس عــن فرائــض اللــه تعــاىل‪ .‬أي ال مال‬ ‫ـى تن ِفقــوا ِم َّمــا‬ ‫ـر حـ‬ ‫ُتبــارك وتعــاىل يف كتابــه‪ :‬لــن تنالــوا الـ ِ‬
‫َ‬
‫املعــارصة‪ .‬انظــر وصــف القــرآن هلــذه احلالــة يف قولــه تعــاىل‪:‬‬ ‫ملــكاً ‪179.»...‬‬ ‫حيبــس بعــد مــوت صاحبــه عــن القســمة بــن ورثتــه‪ ،‬والوقــف‬ ‫ت ُّبــون‪ ،‬وإن أحــب أمــوايل إيل برحــاء‪ ،‬قــال‪ :‬وكانــت حديقــة‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ ََ ُ َُ َ ُ َ‬ ‫ََ ً َ ُ ً‬
‫ــون َو َر ُجــا‬ ‫س‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ء‬ ‫ك‬‫ش‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫يــ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ــا‬ ‫«ض َب ال مثــا رج‬ ‫َ َ‬ ‫حبــس عــن فرائــض اللــه تعــاىل عــز شــأنه‪ ،‬فــكان منفيـاً رشعـاً‬ ‫كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يدخلهــا ويســتظل‬
‫َ‬
‫َ ْ َُْ ُ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ ََ ً ْ‬
‫ال َ ْمـ ُ‬ ‫َســلَ ًما ل َر ُ‬ ‫ومــن مراجعــة أقــوال الفقهــاء املســتقاة مــن مثــل هــذه‬
‫ـم ل‬ ‫ـد ِل بــل أكثهـ‬ ‫ان مثــا‬‫ـل هــل يســت ِوي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫‪( ...‬وأمــا) أوقــاف الصحابــة ريض اللــه عنهــم فــا كان منهــا يف‬ ‫فيهــا ويــرشب مــن مائهــا فهــي إىل اللــه وإىل رســوله صــى‬
‫ََُْ َ‬ ‫األوقــاف (كقــول الشــوكاين) نخــرج بنتيجتــن هامتــن ومهــا‪:‬‬
‫يعلمــون ‪ ...‬األيــة ‪ ،29‬الزمــر»‪.‬‬ ‫زمــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم احتمــل أهنــا كانــت‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬أرجــو بــره وذخــره‪ ،‬فضعهــا أي رســول اللــه‬
‫أن للناظــر أن يــأكل مــن الوقــف قــدر حاجتــه‪ ،‬وأنــه مل تكــن‬
‫قبــل نــزول ســورة النســاء‪ ،‬فلــم تقــع حبسـاً عــن فرائــض اللــه‬ ‫حيــث أراك اللــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬بخ‬
‫هنــاك رشوط مشــددة يف الوقــف غــر الــرشط الــذي يقيــد‬
‫تعــاىل‪ ،‬ومــا كان بعــد وفاتــه عليــه الصــالة والســالم فاحتمــل‬ ‫يــا أبــا طلحــة‪ ،‬ذلــك مــال رابــح‪ ،‬قبلنــاه منــك ورددنــاه عليــك‪،‬‬
‫تذكر مهم‬ ‫ملكيــة الوقــف كــا رأينــا ســابقاً‪ 180.‬ولكــن الــذي حــدث هــو‬
‫أن ورثتهــم أمضوهــا باإلجــازة‪ ،‬وهــذا هــو الظاهــر وال كالم‬ ‫فاجعلــه يف األقربــن‪ :‬فتصــدق بــه أبــو طلحــة عــى ذوي رمحــه‬
‫أن بعــض الواقفــن ابتدعــوا الكثــر مــن الــرشوط‪ ،‬فمنهــا مــا‬
‫وأخــرا‪ ،‬ليتكــم تلتفتــون لــآليت ألمهيــة‪ ،‬فقــد وقــع لبــس‬ ‫فيــه ‪ 175.»...‬واحتــج قليــل مــن الفقهــاء بعــدم جــواز الوقــف‬ ‫‪ .»...‬إال أن مــا وىص بــه صــى اللــه عليــه وســلم هــو التصــدق‬
‫ال‪ ،‬وقــد فصلهــا الشــيخ ابــن‬ ‫هــو باطــل فاســد يف الــرشع أص ـ ً‬
‫كبــر يف فهــم األوقــاف‪ .‬فكــا وضحــت مــرارا‪ ،‬فقــد قامــت‬ ‫مبــا روي أن عبــد اللــه بــن زيــد عندمــا جعــل حائطــه صدقــة‬ ‫وليــس وقــف برحــاء‪ .‬وهــو وضــع خمتلــف متام ـاً ألن الصدقــة‬
‫تيميــة رمحــه اللــه‪ 181.‬ومنهــم مــن متــادى يف رشوطــه لضــان‬
‫األوقــاف مبعظــم اخلدمــات التــي حيتاجهــا املجتمــع املســلم‬ ‫وجعلــه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« ،‬فجــاء أبــواه‬ ‫تــؤدي إىل اإلذعــاين املتحــد حيــث أن املـــ َت َص ّدق عليــه هــو‬
‫أكــرب فائــدة ممكنــة للمســتفيدين مــن الوقــف (كطــالب العلــم‬
‫كاملــدارس واملصحــات‪ ،‬وهــذا بســبب تطبيــق الرشيعــة‬ ‫إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــاال‪ :‬يــا رســول اللــه مل‬ ‫املالــك اجلديــد‪ ،‬بدليــل أن أحدهــم بــاع نصيبــه‪ .‬فتكملــة مــا‬
‫واأليتــام) اعتقــاداً منهــم أن ذلــك فيــه زيــادة يف األجــر مــن‬
‫وبالــذات يف العصــور األوىل يف احلقــوق‪ ،‬فقــد كانــت اخلالفــة‬ ‫يكــن لنــا عيــش إال هــذا احلائــط‪ ،‬فــرده رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫جــاء يف صحيــح البخــاري هــو‪« :‬فتصــدق بــه أبــو طلحــة عــى‬
‫املــوىل عــز وجــل‪ .‬فلقــد قــرأت صــكاً لربــاط لطائفــة معينــة‬
‫ذوي رمحــه‪ ،‬قــال‪ :‬وكان منهــم أُ ّ‬
‫األمويــة أقــرب للرشيعــة منهــا مــن العباســية‪ ،‬والعباســية أفضل‬ ‫عليــه وســلم‪ ،‬ثــم ماتــا فورثهــا»‪176.‬‬ ‫يب وحســان‪ ،‬قــال‪ :‬وبــاع حســان‬
‫يف املدينــة املنــورة وبــه كل مــا خيطــر عــى بالــك مــن رشوط‪:‬‬
‫مــن العثانيــة حتــى وصلنــا إىل عرنــا احلــايل الــذي مل تطبــق‬ ‫حصتــه منــه مــن معاويــة‪ ،‬فقيــل لــه تبيــع صدقــة أيب طلحــة؟‬
‫كأن يقــوم الناظــر بكنــس املبــى مــرة يف اليــوم‪ ،‬وغســله مــرة‬ ‫كــا أن أغلــب أحاديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فيــه احلكومــات اإلســالم إال يف العبــادات كالصــالة والصيــام‬ ‫فقــال‪ :‬أال أبيــع صاع ـاً مــن متــر بصــاع مــن دراهــم؟ ‪171.»...‬‬
‫ال بعــدد كــذا وكــذا مــن املصابيــح‪،‬‬ ‫كل يومــن‪ ،‬وإضاءتــه لي ـ ً‬ ‫حتــث عــى الصدقــة وليــس الوقــف‪ .‬فعندمــا حــاول ســعد بن أيب‬
‫وليــس احلقــوق‪ .‬هلــذا‪ ،‬فقــد كانــت اخلالفــات اإلســالمية‬ ‫وعليــه أن يوفــر املــاء للنــزالء ومــا إىل ذلــك مــن رشوط تشــعر‬ ‫ال أن يــويص مبالــه كلــه وكانــت عنــده ابنــة واحــدة‪،‬‬ ‫وقــاص مثـ ً‬ ‫وحيــث أن الصدقــة ختتلــف عــن الوقــف‪ ،‬فهنــاك الكثــر‬
‫ال النتشــار اإلذعــاين املتحــد‬
‫مقارنــة بالشــعوب هــي األقــل مــا ً‬ ‫النــزالء بــأن الناظــر مــا وجــد إال خلدمتهــم‪ .‬ودراســة صكــوك‬ ‫قــال لــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قولتــه املعروفــة‪:‬‬ ‫مــن اآليــات القرآنيــة التــي حتــث عــى الصدقــة‪ ،‬ومل أجــد أي‬
‫يف العمــران وبالتــايل زيــادة نســبة املــالك والنطــالق النــاس‬ ‫األوقــاف هــذه تعطينــا فكــرة عــن كــرة وقســوة الــرشوط‬ ‫«فالثلــث والثلــث كثــر‪ ،‬إنــك إن تــدع ورثتــك أغنيــاء خــر من‬ ‫آيــة حتــث عــى الوقــف‪ .‬أمــا بالنســبة للحديــث فهنــاك حديــث‬
‫ال مــن أراد بنــاء‬
‫يف العطــاء بســبب التمكــن‪ .‬فلــم يأخــذ مثــ ً‬ ‫التــي وضعهــا بعــض الواقفــن والتــي أدت إىل الشــد ثــم التنافــر‬ ‫أن تدعهــم عالــة يتكففــون النــاس يف أيدهيــم ‪ 177.»...‬والظاهــر‬ ‫واحــد رواه اجلاعــة إال البخــاري وابــن ماجــة وهــو أســاس‬
‫مصنــع موافقــة الســلطات إال يف فــرات متأخــرة مــن اخلالفــة‬ ‫بــن املســتخدمن والناظــر‪ .‬فمعرفــة املســتخدمن بواجــب‬ ‫هــو أن الــذي أكــد الوقــف بــن الفقهــاء هــو فعــل الصحابــة‬ ‫الوقــف باإلضافــة إىل فعــل الصحابــة‪ .‬فعــن أيب هريــرة أن النبــي‬
‫العثانيــة‪ ،‬بــل كان مبــدأ الــرر هــو احلاكــم كــا ســيأيت يف‬ ‫الناظــر يــؤدي إىل طلــب حقوقهــم منــه والضغــط عليــه‪ .‬وأمــا‬ ‫رضــوان اللــه عليهــم‪ ،‬وبذلــك أصبــح إمجاعـاً‪ .‬فمــن أوائــل هــذه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا مــات اإلنســان انقطــع عملــه‬
‫فصــل «احلريــة والــرر» إن شــاء اللــه‪ .‬وألنــه ال موافقــات‬ ‫الناظــر فإنــه إن مل يتــق اللــه‪ ،‬وبالــذات إذا مل يكــن لــه احلــق‬ ‫األوقــاف وأمههــا مــا أوقفــه عمــر بــن اخلطــاب‪ .‬ففــي صحيــح‬ ‫إال مــن ثالثــة أشــياء‪ :‬صدقــة جاريــة‪ ،‬أو علــم ينتفــع بــه‪ ،‬أو‬
‫مــن الســلطات‪ ،‬فقــد انحــرت االحتــكارات‪ ،‬وبالتــايل كان‬ ‫يف االســتفادة مــن الوقــف‪ ،‬وكانــت لــه مطامــع دنيويــة‪ ،‬فإنــه‬ ‫البخــاري‪« :‬عــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬أصــاب عمــر‬ ‫ولــد صالــح يدعــو لــه»‪ 172.‬ولقــد حــث هــذا احلديــث الكثــر‬
‫التوزيــع للــروات أكــر عــدال‪ ،‬وهكــذا انتــرش الــراء‪ .‬ولــراء‬ ‫ســيهمل الوقــف ألنــه عــبء عليــه‪ ،‬أو ســيقوم باالختــالس عــى‬ ‫بخيــرب أرضـاً‪ ،‬فــأىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬أصبــت‬ ‫مــن الصحابــة عــى الوقــف‪ .‬فيقــول ابــن قدامــة‪« :‬وأكــر أهــل‬
‫النــاس‪ ،‬فقــد اســتطاعوا املســامهة ببنــاء وتوفــر هــذه املرافــق‬ ‫حســاب الوقــف‪ .‬وبالنقيــض‪ ،‬إذا كان الذيــن يســيطرون عــى‬ ‫ال قــط أنفــس منــه فكيــف تأمــرين بــه؟‬ ‫أرضــاً مل أصــب مــا ً‬ ‫العلــم مــن الســلف ومــن بعدهــم عــى القــول بصحــة الوقــف‪.‬‬
‫التــي حيتاجهــا املجتمــع مــن خــالل األوقــاف‪ ،‬وهبــذا وبرغــم‬ ‫الوقــف ممــن يتقــون اللــه ويســعون لألجــر فإهنــم ســيترفون‬ ‫قــال‪ :‬إن شــئت ح ّبســت أصلهــا وتصدقــت هبــا‪ .‬فتصــدق عمــر‬ ‫قــال جابــر‪ :‬مل يكــن أحــد مــن أصحــاب النبــي صــى اللــه عليه‬
‫أهنــا يف اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬لكنهــا متتعــت باســتقاللية عاليــة‬ ‫وكأهنــم مــالك لــه‪ ،‬فيهتمــون بــه ويصونونــه‪ .‬أي أن الناظــر‬ ‫مثــرة‬
‫أنــه ال يبــاع أصلهــا وال يوهــب وال يــورث ولكــن ينفــق ّ‬ ‫وســلم ذو مقــدرة إال وقــف‪ .‬ومل يــر رشيــح الوقــف وقــال‪ :‬ال‬
‫ألن احلكومــات مل تســتطع التدخــل يف مســارها مــا جعلهــا‬ ‫يتــرف حســب أهــواء املالــك‪ ،‬أي وكأنــه موظــف عنــد‬ ‫يف الفقــراء والقــرىب والرقــاب ويف ســبيل اللــه والضيــف وابــن‬ ‫حبــس عــن فرائــض اللــه‪ ،‬قــال أمحــد‪ :‬وهــذا مذهــب أهــل‬
‫تتمتــع مبرونــة أكــرب مقارنــة باملؤسســات احلكوميــة آنــذاك‪.‬‬ ‫ال فــإن املســاجد‬ ‫املالــك‪ .‬ففــي حالــة املســاجد املوقوفــة مثــ ً‬ ‫ـن ول ّيهــا أن يــأكل منهــا باملعــروف‪ ،‬أو‬
‫الســبيل‪ ،‬ال جنــاح عــى مـ ْ‬ ‫الكوفــة ‪ 173.»...‬ولكــن يف املقابــل‪ ،‬هنــاك حديــث ضعيــف‬
‫فهــذه األوقــاف بالطبــع ليســت مبرونــة القطــاع اخلــاص‪ ،‬لكــن‬ ‫للــه‪ ،‬وبذلــك فــإن تــرف النظــار يكــون يف خمافــة اللــه‪ ،‬وهــذا‬ ‫‪178‬‬
‫ـول فيــه»‪ .‬ويظهــر أن هــذه احلادثة‬ ‫يطعــم صديقـاً‪ ،‬غــر ُم َتمـ ّ‬ ‫أخرجــه الطحــاوي والطــرباين والبيهقــي مــن طريــق عبــد‬

‫‪113‬‬ ‫‪112‬‬
‫العــن وحجــم الفريــق والــذي وضحتــه يف الفصلــن الرابــع‬ ‫مقارنــة مبؤسســات احلكومــات املعــارصة بالــذات‪ ،‬فهــي متتعــت‬
‫والثامــن بتوفيــق اللــه‪.‬‬ ‫باســتقاللية ومرونــة عاليتــن مــا جعلهــا تغطــي حاجــات‬
‫بنــاء‬ ‫وعليــه فــإن الوقــف قــد يكــون يف منــاذج خمتلفــة‬ ‫املجتمــع بكفــاءة أعــى‪ .‬فالفســاد فيهــا ال يقــارن بالفســاد‬
‫ً‬
‫عــى تقــوى الناظــر واملســتخدمن كــا ذكــرت مــرارا‪ .‬فــإذا‬ ‫الــذي يقــع يف مؤسســات احلكومــات‪ .‬فجامعــة الســلطان حممــد‬
‫اتقــى النــاس اللــه عــز وجــل فــإن الوقــف نعمــة عليهــم‪ ،‬وذلــك‬ ‫الفاتــح الوقفيــة مثــال يف اســطنبول اآلن‪ ،‬برغــم أهنــا وقفيــة‪ ،‬إال‬
‫ألن األوقــاف تكفــل كل مــا حتتاجــه املدينــة مــن خدمــات‪ .‬أمــا‬ ‫أن اســتقالليتها ومرونتهــا جتعلهــا يف وضــع أفضــل مــن اجلامعات‬
‫إذا ســعى النــاس إىل أهوائهــم ومطامعهــم كــا هــو الغالــب‪،‬‬ ‫احلكوميــة‪ .‬فمعظــم جامعــات العــامل القوية هي مؤسســات غر‬
‫ال‬
‫فــإن الوقــف ســيوضع يف اإلذعــاين املشــتت وســيكون وبــا ً‬ ‫ربحيــة وتنفــق عــى نفســها مــن اهلبــات والتربعــات وال ختضــع‬
‫عليهــم‪.‬‬ ‫للســلطات يف قراراهتــا‪ .‬ولعلكــم تســألون‪ :‬لكــن هــل هــذا يعــي‬
‫وعــى كل حــال‪ ،‬فــإن حــال األوقــاف يف اإلذعــاين‬ ‫أن القطــاع اخلــاص هــو األفضــل يف توفــر اخلدمــات؟ تصعــب‬
‫املشــتت يف البيئــة التقليديــة أفضــل بكثــر مــن حــال األعيان يف‬ ‫اإلجابــة هنــا ألهنــا ليســت مســألة معاريــة‪ ،‬بــل هــي مســألة‬
‫بيئتنــا املعــارصة‪ ،‬وذلــك ألن األعيــان حتولــت إىل منــاذج تشــتتت‬ ‫اقتصاديــة أجبــت عليهــا يف كتــاب «قــص احلــق» بحمــد اللــه‬
‫وتبعــرت فيهــا املســؤوليات مــا أثــر عــى مجيــع أعيــان العمــران‬ ‫وتوفيقــه‪ .‬فهــذه الفقــرة بعنــوان‪« :‬تذكــر مهــم»‪ ،‬أضفتهــا هلــذه‬
‫مــن ســوء تنفيــذ إىل رسقــات يف التنفيــذ وإمهــال املســتخدمن‪،‬‬ ‫الطبعــة امللونــة لظهــور اللبــس لــدى الكثــر مــن نقــد النــاذج‬
‫وهــو موضــوع الفصــل القــادم‪ ،‬أي‪« :‬ضيــاع املســؤولية»‪.‬‬ ‫اإلذعانيــة لألوقــاف‪ ،‬ذلــك أهنــم مل يركــزوا عــى مســألة حجــم‬

‫كم هي تكلفة هذه الواجهة؟ فهل تصميم هذا املبى ذوق سقيم أم إبداع‬
‫بإرساف يف غر مكانه؟‬

‫‪114‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫أمــا الســكان فيســتخدموهنا فقــط‪ .‬ومجيــع أعيــان البيئــة‬ ‫إذا مــا قارنــا حــال األعيــان يف بيئتنــا املعــارصة بنفــس‬
‫املعــارصة قــد مــرت بأحــد هذيــن التغيريــن أو مهــا مع ـاً‪ .‬أي‬ ‫األعيــان يف البيئــة التقليديــة ســنالحظ أن هنــاك تغيريــن‬
‫أن شــخصية الفريــق قــد تغــرت‪ ،‬أو أن العــن قــد انتقلــت مــن‬ ‫أساســين‪ :‬األول هــو أن شــخصية الفريــق املالــك أو املســيطر‬
‫منــوذج إذعــاين إىل آخــر‪ ،‬أو االثنــن معــاً‪.‬‬ ‫قــد تغــرت يف نفــس النمــوذج اإلذعــاين‪ .‬فــكان املحتســب‬
‫هــذان التغيــران قــد يؤديــان إىل تغيــر ِ‬ ‫ال يرشفــون كفريــق واحــد (يســيطر) عــى‬ ‫مــع التجــار مثــ ً‬
‫خاص ّيــة النمــوذج‬
‫الشــوارع التجاريــة‪ ،‬أمــا اآلن فــإن البلديــة هــي التــي تقــوم‬
‫اإلذعــاين‪ .‬فاألعيــان يف اإلذعــاين املؤقــت أصبحــت منتــرشة‬
‫بذلــك؛ أي أن شــخصية الفريــق حتولــت مــن أفــراد يف املوقــع إىل‬
‫وأكــر دميومــة يف البيئــة املعــارصة‪ ،‬ال كــا كانــت عليــه يف‬
‫جهــة خارجيــة بعيــدة عنــه‪ .‬أو أن هنــاك فرقـاً جديــدة ظهــرت‬
‫البيئــة التقليديــة نــادرة ومؤقتــة‪ .‬وأعيــان اإلذعــاين الرخيــي‬
‫يف البيئــة مل تكــن موجــودة يف البيئــة التقليديــة رغــم وجــود‬
‫ســيطرت عليهــا القوانــن فأصبحــت أقــرب لإلذعــاين احليــازي‬
‫أعياهنــا‪ ،‬فهــي فــرق جديــدة عــى املجتمــع‪ ،‬كالشــقة الســكنية‬
‫منهــا للرخيــي‪ ،‬وهكــذا‪ .‬أخــي القــارئ‪ ،‬إن هذيــن التغيريــن‬
‫ال‪ ،‬حيــث إن الفريــق املالــك‬ ‫يف مــرشوع إســكان حكومــي مث ـ ً‬
‫قــد ال يبــدوان مهمــن‪ ،‬ولكــن‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬كانــا أحــد‬
‫املســيطر هــو الدولــة‪ ،‬يف حــن أهنــا كانــا يف البيئــة التقليديــة‬
‫األســباب الرئيســية يف بلــوى املســلمن التــي هــم فيهــا اآلن‪.‬‬
‫أفــراد ًا‪ .‬ففــي املثالــن الســابقن تغــرت شــخصية الفريــق يف‬
‫فقــد أحدثــا تغيــراً يف العالقــات بــن األفــراد واملؤسســات‬
‫البيئــة املعــارصة عــا كانــت عليــه يف البيئــة التقليديــة‪.‬‬
‫والدولــة‪ ،‬واختلفــت موازيــن القــوى يف املجتمــع‪ ،‬فأصبــح‬
‫ذو احلــق ضعيف ـاً واملنافــق قوي ـاً‪ ،‬وضاعــت احلقــوق وظهــرت‬ ‫أمــا التغيــر الثــاين فهــو انتقــال جمموعــة مــن العقــارات‬
‫املحســوبيات وأوكل األمــر لغــر أهلــه‪ ،‬وتكدســت الــروات‬ ‫واألعيــان مــن منــوذج إذعــاين يف البيئــة التقليديــة إىل منــوذج‬
‫لــدى طبقــات عــى حســاب طبقــات أخــرى‪ ،‬مؤديــة بذلــك إىل‬ ‫آخــر يف البيئــة املعــارصة‪ .‬فالطــرق النافــذة وغــر النافــذة‬
‫فقــدان اهلمــة لــدى العاملــن‪ ،‬وانعــدام األمــل لــدى الطموحــن‪،‬‬ ‫والســاحات كانــت يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعــاين املتحــد‪،‬‬
‫ومــن ثــم فقرهــم وذهلــم‪ ،‬أي ذُل املجتمــع وبالتــايل مآلنــا إىل مــا‬ ‫وذلــك ألن الفريــق املالــك املســيطر املســتخدم هــم الســكان‬
‫نحــن عليــه اآلن مــن انحــدار‪.‬‬ ‫جمتمعــون كفريــق واحــد (وســيرشح يف الفصــل الســابع)‪ ،‬إال‬
‫أهنــا انتقلــت يف البيئــة املعــارصة إىل اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬وذلــك‬
‫أختــي القارئــة وأخــي القــارئ‪ ،‬لقــد نتــج هــذان التغيــران‬
‫بعــد أن امتلكتهــا الدولــة وأصبحــت تســيطر عليهــا البلديــة‪،‬‬
‫أساســاً مــن التدخــالت ‪ interventions‬التــي قامــت هبــا‬

‫‪115‬‬
‫العباســيون ثــم الطولونيــون ثــم العباســيون مــرة أخــرى ثــم‬ ‫الشكل‬ ‫خربــة عــن نظــر احلاكــم‪ 2.‬ومــن األمثلــة األوىل عــى التدخــل‬ ‫الســلطات يف األمــور البيئيــة‪ .‬وقبــل االســتمرار لنوضــح معــى‬
‫اإلخشــيديون ثــم الفاطميــون ثــم األيوبيــون ثــم املاليــك ثــم‬ ‫‪1.3‬‬ ‫أيضـاً هــو مــا قــام بــه توبــة بــن منــر (ت ‪ )118‬قــايض مــر يف‬ ‫التدخــالت‪ .‬فالتدخــل هــو قيــام الدولــة أو الســلطة أو احلاكــم‬
‫العثانيــون؛ وأغلــب هــذه الــدول قامــت عــى دعــاوى كثــرة‬ ‫زمــن هشــام بــن عبــد امللــك عندمــا تــوىل القضــاء بجعــل ديوان‬ ‫أو مــن ميثلهــم‪ ،‬بتســير أمــور البيئــة مــن خــالل األنظمــة كأن‬
‫منهــا أن الدولــة التــي ســبقتها قــد ابتعــدت عــن الرشيعــة وأهنــا‬ ‫خــاص يــرشف عــى األوقــاف حتــى حيفظهــا مــن الضيــاع‪.‬‬ ‫يصــدر قانون ـاً مينــع النــاس مــن التعــي يف بنياهنــم عــن دوريــن‬
‫ســتعود إليهــا‪ ،‬أي أهنــا ســتعود إىل مركــز الدائــرة‪ ،‬أي إىل القــرآن‬ ‫فكــا تــرى أخــي القــارئ‪ ،‬كانــت التدخــالت متفرقــة هنــا‬ ‫ال‪ ،‬أو مينــع النــاس مــن اإلحيــاء‪ ،‬أو أن يقــوم ممثــل الدولــة‬ ‫مثــ ً‬
‫والســنة؛ وكان هــذا ضانــاً الســتمرارية تطبيــق الرشيعــة يف‬ ‫وهنــاك وتركــز عــى موقــع واحــد وليســت قانونــاً تصــدره‬ ‫بتوســيع شــارع مــا هبــدم مــا عــى جانبيــه مــن مبــان‪ ،‬أو أن‬
‫البيئــة العمرانيــة‪ .‬وممــا ســاعد عــى هــذه االســتمرارية أيض ـاً‬ ‫الســلطات ليطبــق عــى مدينــة بأكملهــا كأيامنــا هــذه‪ .‬ولقلــة‬ ‫الدولــة تأمــر التجــار بالبنــاء يف منطقــة معينــة مــن املدينــة دون‬
‫النهــي عــن البــدع لقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬وإياكــم‬ ‫هــذه التدخــالت كانــت معظــم عنــارص البيئــة التقليديــة يف‬ ‫أخــرى‪ ،‬وهكــذا‪ .‬أي أن جهــة خارجيــة تأمــر مــن هــم يف املوقع‬
‫وحمدثــات األمــور‪ ،‬فــإن كل حمدثــة بدعــة‪ ،‬وكل بدعــة ضاللــة‪،‬‬ ‫اإلذعــاين املتحــد باســتثناء األوقــاف التــي أخــذت يف الزيــادة‪،‬‬ ‫كيــف يترفــون‪ .‬وأمهيــة َتت ّبــع ودراســة هذيــن التغيريــن‬
‫وكل ضاللــة يف النــار»‪5.‬‬ ‫وبالــذات يف عــر املاليــك‪ ،‬وذلــك ألن األرايض الشاســعة‬ ‫(تغــر شــخصية الفريــق وانتقــال العــن إىل إذعــاين آخــر)‬
‫كانــت يف أيــدي أمرائهــم‪ ،‬فلــا كــرت االضطرابــات بينهــم‬ ‫وتدخــل الســلطات تارخييـاً أمــر مهــم لنــا كأمــة لتــدارك اخلطــأ‬
‫ولكــن مــا الــذي يدلنــا عــى أن مــا كُتــب يف كتــب الفقــه‬
‫وصــار الغالــب منهــم يأخــذ أمــوال املغلــوب‪ ،‬كان الوقــف هــو‬ ‫ال‪ .‬وهــذه الدراســة ميكننــا القيــام هبــا إال أهنــا‬
‫وتالفيــه مســتقب ً‬
‫هــو الــذي طُبــق يف البيئــة العمرانيــة التقليديــة؟ أقــول‪ :‬إن دور‬
‫الطريــق األضمــن لتحصــن أمواهلــم وحفظهــا مــن املصــادرة‪.‬‬ ‫ســتخرجنا عــن مــادة هــذا الكتــاب‪ ،‬وهــو الركيــز عــى حالــة‬
‫العلــاء َض ِمــن تطبيــق الرشيعــة يف البيئــة العمرانيــة‪ ،‬أي َض ِمــن‬
‫وهكــذا‪ ،‬وألســباب مشــاهبة أخــرى‪ ،‬كــرت األوقــاف مــع‬ ‫العــن‪ .‬ولكــن البــد مــن إعطــاء فكــرة تارخييــة‪ ،‬ولــو موجــزة يف‬
‫تطبيــق مــا يف الكتــب عــى الواقــع‪ ،‬أي أن دور العلــاء أكــد‬
‫تقــادم الزمــن‪3.‬‬ ‫هــذا الفصــل والفصــل التاســع‪ ،‬عــن هذيــن التغيريــن لتوضيــح‬
‫اســتمرارية منــط املســؤولية‪ .‬فهنــاك دالئــل عــى أن املفتــن‬
‫كيفيــة وصولنــا كمجتمــع مســلم إىل مــا نحــن عليــه اآلن مــن‬
‫والقضــاة ومعظــم املدرســن والعلــاء يف العلــوم األخــرى كانــوا‬
‫الشكل‬ ‫انحطــاط وذلــك لالتعــاظ‪ .‬فالتاريــخ يــدرس لالعتبــار‪ .‬يقــول‬
‫مــن الفقهــاء حتــى هنايــة العهــد اململــويك‪ 6.‬ومل يكــن هنــاك‬ ‫‪2.3‬‬ ‫تطبيق الرشيعة‬ ‫حســن مؤنــس منتقــد ًا إمهالنــا لالعتبــار مــن التاريــخ‪« :‬واســأل‬
‫فــرق بــن القانــون والديــن‪ .‬وكان القــايض قويــاً يف منصبــه‬
‫إن أهــم اخلطــوات التــي أدت إىل هذيــن التغيريــن (تغــر‬ ‫نفســك‪ :‬إننــا معــارش العــرب مــن أكــر األمــم تأليفـاً يف التاريــخ‬
‫حتــى أنــه كان أقــوى مــن احلاكــم يف بعــض العصــور‪ .‬وكان‬
‫شــخصية الفريــق وانتقــال العــن إىل إذعــاين آخــر) حدثــت يف‬ ‫وقــراءة لــه حتــى أن مناكبنــا لتنــوء بثقــل مــا نحمــل مــن أعبــاء‬
‫القــايض يرجــع للمفتــي يف املســائل املســتجدة عليــه التزامــاً‬
‫القــرن الثالــث عــرش (التاســع عــرش امليــالدي)‪ .‬فهنــاك الكثــر‬ ‫التاريــخ‪ ،‬ففيــم نفعنــا ذلــك؟ وهــا نحــن منــذ الدهــر اآلبــد نقــع‬
‫منــه بالشــورى وتالفيــاً منــه الوقــوع يف اخلطــأ‪ 7.‬وكان املفتــي‬
‫مــن األســباب التــي أدت إىل اســتمرارية تطبيــق الرشيعــة يف‬ ‫يف نفــس األغــالط ببالهــة تدعــو إىل العجــب»‪ 1.‬نعــم لقــد‬
‫يفتــي يف أي قضيــة تســتجد عليــه بالرجــوع إىل الكتــاب والســنة‬
‫البيئــة العمرانيــة حتــى منتصــف القــرن الثالــث عــرش‪ .‬ومــن‬ ‫أصــاب‪.‬‬
‫والنــوازل املشــاهبة هلــا ومــا إىل ذلــك مــن وســائل اإلفتــاء التــي‬
‫ضمنــت تطبيــق مبــادئ الرشيعــة يف البيئــة‪.‬‬ ‫أهــم هــذه األســباب اإلميــان بــأن كتــاب اللــه عــز وجــل وســنة‬ ‫مل تكــن هنــاك تدخــالت مــن الســلطات حتــى القــرن‬
‫نبيــه صــى اللــه عليــه وســلم مهــا املرجعــان األساســيان يف‬ ‫التاســع عــرش ذات تأثــر كبــر عــى البيئــة ككل‪ .‬ولكــن‬
‫باإلضافــة ملــا ســبق‪ ،‬كان القضــاة تالمــذة الفقهــاء‪ ،‬هــذا‬ ‫الرشيعــة‪ ،‬وأهنــا صاحلــان لــكل زمــان ومــكان دون نقــاش‪.‬‬ ‫كانــت التدخــالت بســيطة‪ :‬فكــا رأينــا يف الفصــل الثــاين فــإن‬
‫إن مل يكونــوا هــم أنفســهم مــن الفقهــاء األجــالء‪ ،‬وهــذا‬ ‫فيجــب الرجــوع إليهــا واســتنتاج األحــكام منهــا يف أي‬
‫ِ‬ ‫تدخــل احلاكــم يــكاد يقتــر عــى احلجــر واإلقطــاع وترتيــب‬
‫ـن تطبيــق الرشيعــة يف البيئــة العمرانيــة‪ .‬وإلعطــاء بعــض‬‫َضمـ َ‬ ‫عــر وأي مــكان‪ 4.‬وهــذه الطريقــة يف اســتنباط األحــكام‬ ‫التجــار يف األســواق وبنائهــا‪ .‬كــا كان املحتســب يأمــر التجار‬
‫األمثلــة‪ :‬كان حفــص األزدي (ت ‪ ،)194‬وهــو قــايض بغــداد‬ ‫لعـل حماولـة رسم شكل لـتوضـيح مسـار القـانون يف الـعامل الغريب‬ ‫ال‪ .‬فنحــن دامئــا‬
‫ختتلــف متامــا عــن طريقــة العــامل الغــريب مث ـ ً‬ ‫بعــدم تضييــق الشــوارع يف األســواق‪ .‬وكان بعــض الســالطن‬
‫ثــم الكوفــة‪ ،‬تلميــذاً لإلمــام أيب حنيفــة (ت ‪ ،)150‬وكان قــايض‬ ‫أو عـند املـسلمـن أمر يـستحب تـالفيه الستحـالته‪ .‬لـذلك يـرجـى‬ ‫نحتكــم لألصــل (الكتــاب والســنة) عنــد االختــالف‪ .‬أمــا يف‬
‫اعـتبـار هـذين الـرسمـن عى أهنا حمـاولـة لتـوضـيح الفكـرة ليـس إال‪.‬‬
‫يرشفــون عــى بنــاء القصــور وتوســيع بعــض الطــرق الرئيســية يف‬
‫مــر ابــن عبــد احلكــم (ت ‪ )214‬صديق ـاً للشــافعي‪ .‬وعندمــا‬ ‫الغــرب‪ ،‬فــإن القانــون قابــل للتطــور أو التغيــر دون االلتــزام‬
‫ففي الـشكل ‪ 1.3‬نـرى دائرة صغرة متثل القـانون الوضعي يف مـراحله‬ ‫ال أمــر‬
‫املــدن الكــربى مثــل دمشــق والقاهــرة‪ .‬ففــي القاهــرة مثـ ً‬
‫تــوىل ســحنون القضــاء ســنة ‪( 234‬وكان تلميــذاً لعبــد الرمحــن‬ ‫باألصــل‪ .‬وهــذا معنــاه بــأن خــط مســار القانــون يف الغــرب يف‬
‫األوىل ثم يتبلـور إىل دائرة أكرب مع الـزمن‪ ،‬وهكـذا حتـى يصـل إىل ما‬ ‫املأمــون (وهــو وزيــر اخلليفــة الفاطمــي اآلمــر بأحــكام اللــه‪،‬‬
‫بــن القاســم والــذي كان تلميــذ ًا لإلمــام مالــك) َعــن حبيــب‬ ‫هـو عليه اآلن وذلك من خـالل التجارب اإلنـسانيـة‪ .‬أما الـشكل ‪2.3‬‬ ‫الغالــب‪ ،‬وإذا جــاز التشــبيه‪ ،‬خــط شــبه مســتقيم قــد ينتهــي إىل‬ ‫حكــم مــن ‪ 495‬إىل ‪ )524‬بالنــداء ثالثــة أيــام «بــأن مــن كانــت‬
‫التميمــي قاضي ـاً عــى تونــس‪ .‬وكان ابــن رشــد (ت ‪ )520‬قاضي ـاً‬ ‫فهو يوضح دائرة يف املركـز وهي الرشيعـة‪ ،‬وإذا جاز اعـتبار اخلـطوط‬ ‫ســعادة أو كارثــة (الشــكل ‪ .)1.3‬أمــا يف العــامل اإلســالمي فــإن‬ ‫لــه دار يف اخلــراب أو مــكان يعمــره‪ ،‬ومــن عجــز عــن أن يعمــره‬
‫لقرطبــة‪ ،‬وأمــا عيــاض الســبتي (ت ‪ )544‬فــكان قــايض ســبتة ثم‬ ‫املـستقيـمة دويالت فـرنى الـدويالت اإلسالمـية خترج مـن الدائرة‬
‫هنــاك دائــرة حيــوم حوهلــا القانــون (الشــكل ‪ .)2.3‬وإذا مــا‬
‫ثم تسقط بعـد زمن لتأيت دولة أخرى إىل مركز الـدائرة ثم خترج منه‪،‬‬ ‫فليؤجــره مــن غــر نقــل يشء مــن أنقاضــه‪ ،‬ومــن تأخــر بعــد‬
‫غرناطــة‪ .‬وعبــد الواحــد الونرشيــي ابــن جامــع كتــاب املعيار‬ ‫نظرنــا إىل خريطــة زمنيــة للعــامل اإلســالمي نجــد أهنــا مكتظــة‬
‫وهكذا‪ .‬أي أن هـناك دائرة ال خيـرج عنها القانون وهي الدائرة الكربى‪.‬‬ ‫ذلــك فــال حــق لــه يف يشء منــه»‪ .‬كــا قــام الوزيــر البــازوري‬
‫املعــرب (وهــو عبــارة عــن فتــاوى ألهــل أفريقيــة واألندلــس‬ ‫ال حكمهــا األمويــون ثــم‬ ‫مــن حيــث الدويــالت‪ .‬فمــر مث ـ ً‬ ‫يف عهــد املســتنر (ت ‪ )487‬ببنــاء حائــط حتــى يســر منطقــة‬
‫واملغــرب‪ ،‬ت ‪ )914‬أصبــح قاضي ـاً عــى فــاس‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫‪116‬‬
‫وأرجــو أن ال يفهــم من هــذا بــأن اآلراء البيئيــة يف املذهب‬ ‫يف العــن وبالتــايل عــى حالتهــا‪ .‬كــا أن هــذه التدخــالت‬ ‫واملضــاد فهــو‪« :‬ويكــره (أي ُيلــزم) مــن عــال بنــاؤه أن يســر‬ ‫ليــس هــذا فحســب‪ ،‬بــل هنــاك كتــب كمخطــوط‬
‫احلنفــي غــر ســديدة‪ ،‬فاملذاهــب تتســاوى يف هــذه املســألة‪.‬‬ ‫اعتــربت حتســيناً مــن وجهــة نظــر الســلطات‪ ،‬وهــذا واضــح‬ ‫ســطحه ‪ ...‬فالســر عــى الــذي أرشف»‪ 10.‬وبرغــم تضــاد الرأين‬ ‫اجلــدار لعيــى بــن دينــار (ت ‪ ،)212‬وكتــاب القضــاء ونفــي‬
‫فهنــاك الكثــر مــن اآلراء الراجحــة للمذهب احلنفــي يف األمور‬ ‫مــن تربيراهتــا؛ وهنــا يصعــب عــي أن أناقــش هــذه املــربرات‪،‬‬ ‫الســابقن يف الظاهــر‪ ،‬إال أهنــا متفقــان يف مجيــع املراحــل التــي‬ ‫الــرر عــن األفنيــة والطــرق واجلــدر لعيــى ال ُتط ْيــي‪ ،‬وكتــاب‬
‫البيئيــة‪ .‬ولكــن الزلــة كانــت يف املجلــة‪ .‬فربغــم أن املجلــة‬ ‫ولكــن مــا ســأفعله هــو ذكــر التدخــالت فقــط وذلــك بالركيــز‬ ‫تؤثــر يف منــاذج املســؤولية‪ .‬فكالمهــا تالفيــا تدخــل الســلطة‬ ‫اإلعــالن بأحــكام البنيــان البــن الرامــي وغرهــا تؤكــد االعتاد‬
‫تســتمد موادهــا مــن الرشيعــة اإلســالمية‪ ،‬إال أهنــا بتبويبهــا‬ ‫عــى ثالثــة منــاذج إذعانيــة (املتحــد والرخيــي واحليــازي)‬ ‫ـداء‪ .‬فلــم تكــن هنــاك قوانــن موضوعــة‬ ‫يف حــل املشــكلة ابتـ ً‬ ‫عــى الرشيعــة يف األمــور البيئيــة‪ 8.‬فابــن الرامــي مثـ ً‬
‫ال تــويف يف‬
‫ال‬
‫للمــواد فقــدت ثــراء الرشيعــة وقوهتــا وقيــدت املســائل‪ .‬فمثـ ً‬ ‫ال وبالــذات إىل‬
‫خرجــت منهــا األعيــان إىل منــاذج أســوأ حــا ً‬ ‫مــن جهــة خارجيــة كأمانــة املدينــة حلــل املســألة‪ .‬وكالمهــا مل‬ ‫ـاء وعمــل مــع قضــاة‬‫منتصــف القــرن الثامــن اهلجــري وكان ب ّنـ ً‬
‫عرفــت املجلــة موادهــا بطريقــة تقلــل إن مل تلــغ احلاجــة إىل‬ ‫املشــتت‪.‬‬ ‫حيبــذا تدخــل املحتســب ألهنــا مســألة ختــص اجلاريــن معـاً‪ ،‬إال‬ ‫تونــس‪ ،‬فــكان القضــاة يســتعينون برأيــه ويرســلونه للنظــر يف‬
‫احلــوار بــن الفــرق ذات املصالــح يف البيئــة‪ .‬فاملــادة ‪ 1289‬تقول‪:‬‬ ‫إذا طلــب أحدمهــا ذلــك‪ .‬فــكال الرأيــن يقــول‪« :‬فــال اعــراض‬ ‫الشــكاوي البيئيــة بــن النــاس‪ .‬فــكان يــرد يف كتابــه أقــوال‬
‫«حريــم الشــجرة املغروســة بــاإلذن الســلطاين يف أرايض املــوات‬ ‫للمحتســب فيــه مــا مل يســتعده اجلــار ألنــه حــق خيصــه فيصــح‬ ‫الفقهــاء ثــم يــأيت بنازلــة وقعــت لــه أو لغــره لتوضيــح احلُكــم‪.‬‬
‫مــن كل جهــة مخســة أذرع‪ ،‬ال جيــوز لغــره (أي لغــر املحيــي)‬
‫اخلالفة العثانية‬ ‫منــه العفــو عنــه واملطالبــة بــه»‪ 11.‬أمــا إذا اختلــف اجلــاران‬ ‫وهــذا يــدل عــى أن كل مــا ذُكــر يف كتــب الفقــه كاملجمــوع‬
‫غــرس شــجرة يف هــذه املســافة»‪ 15.‬فهــذه املــادة مل تشــرط‬ ‫لقــد تأثــرت قوانــن العمــران يف الــدول العربيــة بــإدارة‬ ‫فــإن هنــاك مراحــل حتبــذ تدخــل األفــراد املحيطــن هبــم مثــل‬ ‫أو املغــي أو بدائــع الصنائــع أو املدونــة الكــربى مــن أحــكام‬
‫فقــط إذن الســلطان لغــرس شــجرة واحــدة يف أرض مــوات‪،‬‬ ‫اخلالفــة العثانيــة وذلــك ألن معظــم الــدول العربيــة كانــت‬ ‫اجلــران واألقــارب‪ ،‬حلــل النــزاع قبــل وصولــه إىل القــايض‪.‬‬ ‫بخصــوص العمــران كانــت مطبقــة يف البيئــة‪ ،‬فلــم يكــن هنــاك‬
‫ولكنهــا منعــت أيضــاً احلــوار بــن اجلــران بتحديــد اخلمســة‬ ‫حتــت احلكــم العثــاين حتــى هنايــة احلــرب العامليــة األوىل‪.‬‬ ‫وهــذه املراحــل مــا هــي إال نتيجــة حتميــة ملبــادئ الرشيعــة‬ ‫ابتعــاد بــن مــا قالــه العلــاء وبــن مــا طُبــق يف البيئــة‪.‬‬
‫أذرع كحريــم بغــض النظــر عــن نــوع الشــجرة وحجمهــا؛ وقــد‬ ‫وكانــت اخلالفــة العثانيــة وبالــذات يف اآلونــة األخــرة تطبــق‬ ‫التــي طــورت إطــار ًا يــؤدي إىل تدخــل اجلــران أو األقــارب يف‬
‫وقــد يتبــادر إىل األذهــان أن تطبيــق الرشيعــة البــد وأن‬
‫حتــددت هــذه يف البيئــة التقليديــة عــن طريــق احلــوار‪ ،‬ومــن‬ ‫الرشيعــة اإلســالمية جزئيــا يف إدارة البيئــة‪ ،‬وبالــذات املذهــب‬ ‫الوقــت املناســب (وســيتضح هــذا يف الفصــول القادمــة)‪ .‬أمــا إذا‬
‫خيتلــف مــن قطــر آلخــر‪ ،‬الســيا إذا اعتربنــا جغرافيــة العــامل‬
‫ـاء عــى طبيعــة األرض ونوعيــة الشــجر‪ .‬وهــذا‬ ‫ثــم األعــراف بنـ ً‬ ‫احلنفــي‪ .‬ويف عــام ‪1869‬م قــام نخبــة مــن العلــاء بتحريــر‬ ‫فشــلت هــذه املحــاوالت‪ ،‬وهــذا نــادراً مــا حيــدث‪ ،‬فــإن املســألة‬
‫اإلســالمي الشاســعة وتاريــخ شــعوهبا وحضاراهتــا املختلفــة؛‬
‫املثــل ينطبــق عــى الكثــر مــن األعيــان األخــرى مثــل اآلبــار؛‬ ‫املذهــب احلنفــي يف مدونــة‪ ،‬ثــم نرشتــه اخلالفــة العثانيــة حتــت‬ ‫تعــرض حينئــذ عــى القــايض‪ .‬وأول مــا يقــوم بــه القــايض هــو‬
‫وأن هــذه االختالفــات‪ ،‬وإن مل تكــن يف مبــادئ الرشيعــة‪،‬‬
‫ـاء؛ ولكــن‬‫فاملجلــة اعتــربت حفــر البــر احتجــار ًا وليــس إحيـ ً‬ ‫عنــوان «املجلــة»‪ ،‬أو «جملــة األحــكام العدليــة»‪ 13.‬وكانــت‬ ‫حماولــة الصلــح بــن الطرفــن‪ .‬فقــد قــال عمــر ريض اللــه عنــه‪:‬‬
‫فهــي عــى األقــل يف تفاصيلهــا الدقيقــة‪ .‬هــذا صحيــح إىل حــد‬
‫كيــف إذا كانــت األرض مــن النــوع الــذي يصعــب حفرهــا‬ ‫املجلــة بعــد حتريرهــا هــي املرجــع والدســتور الــذي تعتمــد‬ ‫«ردوا اخلصــوم حتــى يصطلحــوا فــإن فصــل القضــاء يــورث‬
‫مــا‪ :‬فأكــر علــاء الرشيعــة اعتــربوا العــادات واألعــراف‬
‫كالصخريــة وكانــت مياههــا عميقــة‪ ،‬أال يعتــرب هــذا احلفــر‬ ‫عليــه اخلالفــة العثانيــة‪ .‬ويقــال إن الســبب يف إصــدار املجلــة‬ ‫بينهــم الضغائــن»‪ ،‬وإن مل يتمكــن القــايض مــن فــرض الصلــح‬ ‫كمرجــع إذا مل تتعــارض مــع الكتــاب والســنة واإلمجــاع‪9.‬‬
‫إحيــاء ؟ أي أن املجلــة‪ ،‬بتبويــب موادهــا وزيــادة مســؤولية‬
‫ً‬ ‫هــو أن اخلالفــة العثانيــة عنــد إحساســها بالتخلــف عــن الدول‬ ‫ـاء عــى مذهبــه‬ ‫فســيفرض حينئــذ أحــد احلكمــن الســابقن بنـ ً‬ ‫وكــا نعلــم‪ ،‬فــإن العــادات ختتلــف مــن منطقــة إىل أخــرى‪ .‬إال‬
‫الســلطة وإيقافهــا للحــوار‪ ،‬تعتــرب مــن اخلطــوات األوىل يف‬ ‫األوربيــة بــادرت بإعــادة النظــر يف قوانينهــا وإدارهتــا للدولــة‪،‬‬ ‫واجتهــاده‪ 12.‬وال نريــد هنــا أن نتشــعب يف هــذه املســألة‪ ،‬ولكن‬
‫أن هــذه االختالفــات مل تؤثــر عــى منــاذج املســؤولية يف البيئــة‬
‫تاريــخ املســلمن نحــو املركزيــة‪16.‬‬ ‫فكانــت النتيجــة إصــدار عدة قــرارات ونظــم‪ ،‬من بينهــا املجلة‪،‬‬ ‫املهــم هــو أن املراحــل املختلفــة يف حــل النــزاع بــن اجلاريــن‬
‫التقليديــة‪ ،‬وذلــك ألن منــاذج املســؤولية يف أي مــكان أو أي‬
‫والتــي أخــذت طابــع القوانــن الغربيــة يف التنظيــم والتبويــب؛‬ ‫اســتهدفت إلقــاء املســؤولية عليهــا ومــن ثــم اجلــران أو‬
‫كان املجتمــع يف العــر العثــاين مقســوماً إىل طبقتــن‬ ‫عــر اعتمــدت عــى مبــادئ الرشيعــة أكــر مــن اعتادهــا‬
‫فاملجلــة مقســمة إىل ‪ 1851‬مــادة‪ .‬وإلعطــاء فكــرة عــن طريقــة‬ ‫األقــارب‪ ،‬وتالفــت التدخــل اخلارجــي‪ ،‬وهــي األســاس يف حــق‬
‫رئيســيتن‪ :‬مهــا طبقــة العســاكر وطبقــة الرعيــة‪ .‬بالنســبة لطبقة‬ ‫عــى العــادات واألعــراف‪ .‬وأحســن مثــل عــى هــذا هــو إحيــاء‬
‫التبويــب أذكــر مادتــن‪ :‬فاملــادة ‪ 1047‬تقــول‪« :‬احلائــط عبــارة‬ ‫الســيطرة‪ ،‬والتــي تؤثــر عــى حالــة العــن؛ فاملســيطرون الزالــوا‬
‫العســاكر‪ ،‬كان هنــاك نوعــان مــن اجلنــد‪ :‬األول هــم اجلنــد‬ ‫األرض‪ ،‬فاإلحيــاء ال اختــالف فيــه‪ ،‬ولكــن االختــالف هــو يف‬
‫الدامئــون‪ .‬وهــؤالء َيـ ْ ِ‬ ‫عــن اجلــدار والطبلــة واجليــت (وهــو مــا يعمــل مــن األغصــان)‬ ‫هــم الســكان أنفســهم وليــس جهــة خارجيــة‪ ،‬وســتتضح هــذه‬
‫ف عليهــم الســلطان مــن دخــل الدولــة‪.‬‬ ‫ـر ُ‬ ‫ماهيــة األعــال التــي تــؤدي إىل اإلحيــاء‪ ،‬ألن متطلباتــه ختتلــف‬
‫مجعــه حيطــان»‪ ،‬واملــادة ‪ 1431‬تقــول‪« :‬املزارعــة نــوع مــن‬ ‫النقطــة أكــر يف الفصــول القادمــة‪.‬‬
‫والنــوع الثــاين هــو اجليــش الــذي يعتمــد يف دخلــه عــى رضائب‬ ‫مــن منطقــة إىل أخــرى كــا بي ّنــا يف الفصــل الســابق‪ .‬هــذا مــن‬
‫األرايض الزراعيــة عــن طريــق نظــام يدعــى ِ‬
‫«التــار»‪ ،‬وهــو‬ ‫الرشكــة عــى كــون األرايض مــن طــرف والعمــل مــن طــرف‬ ‫ومــن هــذا العــرض نخلــص إىل أن منـــاذج املســؤولية‬ ‫جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى فــإن الرشيعــة بلــورت األعــراف عرب‬
‫آخــر‪ ،‬يعــي أن األرايض تــزرع واحلاصــالت تقســم بينهــا»‪14.‬‬
‫والتــار هــو عبــارة عــن عطيــة مــن الســلطان‬ ‫األكــر عــدداً‪ِ .‬‬ ‫استمـــرت دومنـــا تغيــر جــذري لعــدة قــرون يف معظــم أقطــار‬ ‫الزمــن وكيفتهــا لــي ال يكــون هنــاك تناقــض بــن الرشيعــة‬
‫هلــؤالء الفرســان مــن خــراج األرايض الزراعيــة مقابــل خدماهتم‬ ‫وكــا رأينــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬فــإن املذهــب احلنفــي كان‬ ‫العــامل اإلســالمي‪ .‬أمــا التغيــران اللــذان ذكرهتــا (تغــر‬ ‫واألعــراف (وســنوضح هــذا يف الفصــل التاســع)‪.‬‬
‫العســكرية‪ .‬فمتــى كانــت هنــاك حــرب اســتدعوا إليهــا‪ .‬وكان‬ ‫مييــل إىل تدخــل الســلطة أكــر مــن غــره مــن املذاهــب‪ .‬فهــو‬ ‫شــخصية الفريــق وانتقــال العــن إىل إذعــاين آخــر) فقــد‬
‫ولكــن مــاذا عــن اآلراء املتضــادة للفقهــاء إزاء نفــس‬
‫هــذا النظــام هــو العمــود الفقــري اإلداري للدولــة العثانيــة‪.‬‬ ‫املذهــب الــذي اشــرط إذن اإلمــام يف اإلحيــاء‪ ،‬وهــو املذهــب‬ ‫بــدءا بصفــة مؤثــرة يف تركيــب البيئــة خــالل حكــم اخلالفــة‬
‫واعتمــد نظــام ِ‬ ‫ال‪ :‬إذا قام‬
‫املســألة‪ ،‬هــل تؤثــر يف منــاذج املســؤولية؟ لنــرب مثـ ً‬
‫التــار عــى وحــدة اقتصاديــة وجغرافيــة‬ ‫الــذي عــرف املــوات بأهنــا األرض البعيــدة عــن العامــر‪ ،‬وهــو‬ ‫العثانيــة والتــي كانــت تســيطر عــى معظــم الــدول العربيــة‪.‬‬
‫ـزم بــأن يســر ســطحه ببناء ســور‬‫شــخص بتعليــة بنيانــه فهــل ُيلـ َ‬
‫اســمها «ســنجك»‪ 17.‬والســنجك هــو منطقــة أو إقليــم إداري‬ ‫املذهــب الــذي دعــى إىل تدخــل احلاكــم يف إقطــاع مقاعــد‬ ‫والتدخــالت البيئيــة كثــرة جــداً؛ وإذا مــا ناقشــناها مجيعهــا‬
‫حتــى ال يــرشف عــى منــازل جرانــه؟ هنــاك رأيــان متضــادان‪،‬‬
‫مكــون مــن عــدة مــدن وقــرى (وهــو مــا يقابــل قاعــدة ونيابــة‬ ‫األســواق وتنظيــم التجــار هبــا‪ .‬فــكان متوقعـاً أن تدعــم املجلــة‬ ‫فلــن ننتهــي منهــا لكرهتــا‪ .‬وهــذا حيتــم عــي أن أختــار بعــض‬
‫أحدمهــا يقــول‪« :‬وال يلــزم مــن عــال بنــاؤه أن يســر ســطحه‬
‫ومجلــة وحــارضة وواليــة يف عــر املاليــك‪ ،‬أو إمــارة يف‬ ‫تدخــل الســلطة‪ ،‬أي تــؤدي إىل املركزيــة‪ .‬وقــد كان‪.‬‬ ‫التدخــالت التــي أثــرت عــى العالقــة بــن الفــرق املشــركة‬
‫وإمنــا يلــزم أن ال يــرشف عــى غــره ‪ ،»...‬أمــا الــرأي اآلخــر‬

‫‪119‬‬ ‫‪118‬‬
‫إىل ‪ 60%‬مــن حمصولــه كريبــة للدولــة‪ ،‬وهــذه النســبة ‪ -‬عــى‬ ‫فهــو (أي الســلطان) الــذي ســمح لآلخريــن بالتمتــع بحقــوق‬ ‫بــالد احلرمــن‪ ،‬أو حمافظــة يف مــر‪ ،‬أو عالــة يف املغــرب)‪18.‬‬

‫ارتفاعهــا ‪ -‬كانــت أرحــم بالفــالح مــن نظــام اإللتــزام الــذي‬ ‫ال عــى ِ‬
‫التــار متتعــوا بنصيــب‬ ‫معينــة يف األرض؛ فاحلاصلــون مثـ ً‬ ‫التــار يســكنون‬ ‫فــكان اجلنــد الذيــن يعيشــون مــن دخــل ِ‬
‫قانون سنة ‪1858‬م‬ ‫طبــق يف العــر العثــاين‪ ،‬ألهنــا كانــت متكــن الفــالح مــن‬ ‫مــن دخــل األرض مقابــل خدماهتــم»‪20.‬‬ ‫يف القــرى أو املــدن التابعــة للســنجك‪ .‬أي أن األرايض التــي‬
‫إن هــذه الراكــات مــن إرهــاق العاملــن يف األرض‬ ‫تقديــر مــا ســيبقى لــه مســبقاً‪ ،‬وتعطيــه الفرصــة لزيــادة ربحــه‬ ‫عمــل هبــا الفالحــون كانــت حتــت إرشاف هــؤالء الفرســان‬
‫والظاهــر هــو أن اخلالفــة العثانيــة أعــادت النظــر يف‬
‫التــي أدت إىل فقدهــم االهتــام بــاألرض وبالتــايل انخفــاض‬ ‫إذا زاد إنتاجــه‪ ... ،‬إن النظــام اململــويك يف جبايــة الرائــب مــن‬ ‫نظــام ِ‬ ‫الذيــن خيضعــون بدورهــم للـــ «ســنجك بــك»‪ ،‬وهــو الشــخص‬
‫التــار وذلــك لتفــي الرقــات والرشــاوي بــن تلــك‬
‫دخــل الدولــة لنقصــان األرايض الزراعيــة وكــرة الرقــات مــن‬ ‫الفــالح كان يتطلــب مقــدرة إداريــة عاليــة وخــربة‪ ،‬بعكــس‬ ‫اإلداري املســؤول عــن الســنجك وقائدهــا العســكري‪ .‬وكانــت‬
‫الطبقــات مــن األفــراد التــي كانــت تفصــل بــن العاملــن يف‬
‫امللتزمــن جعلــت اخلالفــة العثانيــة تعيــد التفكــر يف سياســتها‪،‬‬ ‫نظــام االلتــزام الــذي مل خيتلــف عــن عمليــات النهــب والســلب‬ ‫الـــ «بجلربجلــك» وحــدة أكــرب مــن الســنجك‪ ،‬وتتكــون مــن‬
‫األرض والســلطان‪ ،‬وأحلّــت نظــام «التلزيــم» مكانــه حلاجتهــا‬
‫فكانــت أفضــل وســيلة يف نظــر اخلالفــة العثانيــة ملكافحــة‬ ‫التــي يقــوم هبــا احلــكام والوســطاء املحاســيب‪ ،‬والتــي أدت إىل‬ ‫ســناجك كثــرة يــرشف عليهــا قائــد حيمــل لقــب «بجلربــك»‬
‫املاســة للــال لدعــم نفقاهتــا املتزايــدة‪ .‬والتلزيــم ببســاطة هــو‬
‫الرشــوة لزيــادة دخلهــا هــي تقليــل عــدد الوســطاء بــن الفــالح‬ ‫تدهــور الزراعــة يف العــر العثــاين‪ ،‬وتقلــص نســبة األرايض‬ ‫ال كانــت تعتــرب بجلربجلــك‬ ‫أو الــوايل‪ .‬فمنطقــة األناضــول مثـ ً‬
‫هنــب امللتزمــون ألمــالك الدولــة (أو باألصــح ألمــالك الرعيــة)‬ ‫ِ‬
‫والســلطان‪ ،‬دون ختــي الدولــة عــن ملكيــة األرض‪ ،‬فقــررت أن‬ ‫املزروعــة ‪ .»...‬لقــد انتــرشت مثــل هــذه األقــوال بــن الباحثــن‬ ‫واحــدة‪ .‬أي أن الفرســان الذيــن يعيشــون مــن التــار خيضعــون‬
‫إذ يتقــدم بعــض األفــراد (ويســمون بامللتزمــن) ويلتزمــون‬
‫تأخــذ الرائــب مبــارشة مــن الفالحــن‪ .‬لذلــك أصــدرت عــدة‬ ‫يف ظــل جــو مفعــم بالكراهــة بــن العــرب والــرك مــن صنــع‬ ‫للســنجك بــك‪ ،‬وجمموعــة مــن هــؤالء الســنجك بــك خيضعــون‬
‫باســتيفاء حصــة احلكومــة مــن إنتــاج املزارعــن يف كل قريــة‪.‬‬
‫قوانــن متتاليــة‪ 23‬أمههــا قانــون األرايض العثــاين الصــادر عــام‬ ‫ال منتقــداً وضــع األتراك‬ ‫املســتعمر‪ ،‬فيقــول حامــد مصطفــى مثـ ً‬ ‫لبجلربــك والــذي بــدوره خيضــع للســلطان‪ .‬أي أن التنظيــم‬
‫فــإذا كانــت حصــة احلكومــة يف قريــة مــا تقــدر بألــف لــرة‬ ‫العســكري واإلداري كانــا مرتبطــن بنظــام ِ‬
‫‪1858( 1274‬م) والــذي اشــتمل عــى مــواد هتــدف إىل تقويــة‬ ‫يف العــراق‪« :‬وملــا حكــم األتــراك ‪ -‬وهــم أهــل حــرب وبــداوة‬ ‫التــار‪ ،‬وهبــذا‬
‫ال‪ ،‬ويقــرح ملتــزم مــا اســتيفاء ألــف ومخســن‪،‬‬ ‫أو دينــار مثــ ً‬
‫العالقــة بــن مســتخدم األرض الــذي يســيطر‪ ،‬وهــو الفــالح‪،‬‬ ‫مل يألفــوا فالحــة األرض‪ ،‬ومل يتعلمــوا االنتفــاع بامليــاه‪ ،‬زاد‬ ‫حلــت اخلالفــة العثانيــة مشــكلة دفــع املصاريــف اهلائلــة‬
‫ويزيــد ملتــزم آخــر املبلــغ إىل ألــف وتســعن‪ ،‬وهكــذا‪ ،‬فــإن‬
‫ومالــك األرض‪ ،‬أو الدولــة‪ .‬وهــذه التقويــة اعتمــدت عــى‬ ‫الطــن بلــة مبــا كانــوا يســألون النــاس الغــذاء للجنــود والعلــف‬ ‫هلــؤالء اجلنــد‪ ،‬باإلضافــة اىل قيــام اجلنــد باملهــام اإلداريــة عــى‬
‫إلغــاء نظــام ِ‬ ‫احلكومــة تــوكل األمــر ألعــى ملتــزم ومتنحــه حــق الوكالــة‬
‫التــار‪ ،‬وإلغــاء دور كل مــن املحصــل وامللتــزم‬ ‫للــدواب‪ ،‬واملــال إلنفاقــه يف حاجــة الدولــة وجرايــات املوظفن‬ ‫املســتوى املحــي‪19.‬‬
‫جلمــع احلصــة‪ .‬والــذي حــدث هــو إرهــاق كاهــل املــزارع‬
‫(أســاء حمصــي الرائــب)‪ .‬لذلــك كان عــى العامــل يف األرض‬ ‫واجلنــود‪ .‬وطــال عهــد األتــراك أربعــة قــرون كانــت كافيــة‬
‫بالرائــب‪ .‬فــكان امللتزمــون يفرضــون رضائــب مرتفعــة‬ ‫وقــد كانــت العالقــة بــن الســلطان واجلنــد مبنيــة عــى مــا‬
‫األمريــة أن يســجل أرضــه وحيصــل عــى وثيقــة رســمية مــن‬ ‫لتحويــل جنــة عــدن إىل خــراب ومصــدر رش وبــالء‪ .‬وحــن‬
‫جــداً‪ .‬فــإذا رفــض املــزارع الدفــع كان امللتزمــون يطلبــون مــن‬ ‫يســمى بـــ «التحريــر»‪ .‬وهــو عبــارة عــن مســح شــامل لألمــالك‬
‫الدولــة اســمها طابــو (وهــي مبثابــة صــك) مقابــل دفــع رســوم‬ ‫أدركــوا اجلنايــة التــي ارتكبوهــا وأيقنــوا أن ال حيــاة لدولتهــم‬
‫احلكومــة تعيــن خــرباء لتقديــر الغلــة‪ ،‬بدعــوى أن املــزارع قــد‬ ‫يف الســنجك قريــة قريــة‪ ،‬بحيــث يشــمل هــذا املســح أنــواع‬
‫مقدمــاً إلثبــات حقــه يف التــرف يف األرض عــى أن تؤخــذ‬ ‫يف العــراق إال بإعــاره واســتغالله بالزراعــة‪ ،‬وبــذل اجلهــود‬
‫أخفــى إنتاجــه ببيــع جــزء منــه خلســة‪ .‬فيــأيت هــؤالء اخلــرباء‬ ‫الثــار التــي تنتجهــا األرايض‪ ،‬ودخــل هــذه األرايض مــن كل‬
‫الريبــة بنســبة معينــة مــن قيمــة األرض املقــدرة كأن تكــون‬ ‫يف اســتصالح األرض والســيطرة عــى امليــاه‪ ،‬كان الوقــت قــد‬
‫بتقديــر مرتفــع جــد ًا ألهنــم كانــوا قــد اتفقــوا مــع امللتزمــن‬ ‫مثــر‪ ،‬وعــدد األفــراد الســاكنن هبــا‪ ،‬وعــدد العــال العاملــن‬
‫‪ 4‬يف األلــف أو ‪ 10‬يف األلــف‪ .‬إال أن هــذه اخلطــوة مل تنجــح‬ ‫فــات‪ ،‬فدامهتهــم احلــرب العامليــة األوىل عندمــا كانــوا قــد بدأوا‬
‫عــى يشء مســبقاً‪ .‬وهبــذا يكــون عــى املــزارع بيــع بعــض‬ ‫هبــا‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وكل هــذا حتــى يتســى للدولــة حتديــد الرائــب‬
‫وذلــك ألن الفالحــن ظنــوا أن تســجيل األرض هيــدف إىل‬ ‫ينشــئون أول ســد عــى الفــرات‪ ،‬ويرشعــون القانــون الــذي‬
‫أو كل مــا لديــه لتغطيــة الريبــة‪ ،‬وقــد يلجــأ إىل بيــع أرضــه‬ ‫الواجــب حتصيلهــا‪ .‬ومــن هــذه الدواويــن حتــددت مســؤوليات‬
‫ال‪ .‬وبالتــايل قــام‬
‫جتنيدهــم أو زيــادة الرائــب عليهــم مســتقب ً‬ ‫جيــرون عــى قواعــده للســيطرة عــى األرض ‪ 22»...‬بالطبــع فــإن‬ ‫كل فــارس‪ ،‬وحتــدد أيضـاً دخلــه مــن ِ‬
‫ٍ‬ ‫للنفقــة عــى أهلــه‪ ،‬هــذا إذا مل يســجن‪ .‬وحتــى ال يقــع املــزارع‬ ‫التــار ومــا جيــب عليــه أن‬
‫أفــراد‬ ‫بعــض الفالحــن بتســجيل تلــك األرايض حتــت أســاء‬ ‫يف الســابق كــا هــو واضــح الكثــر مــن املغــاالة‪ ،‬فــال حيــق لنــا‬
‫يف هــذا املــأزق يقبــل مبــا يفرضــه عليــه امللتــزم مــن رضائــب‪.‬‬ ‫يدفعــه للدولــة عــن طريــق الســنجك بــك‪.‬‬
‫آخريــن كرؤســاء القبائــل أو قريــب غــر مؤهــل للخدمــة‬ ‫هنــا القبــول بــأن األتــراك أهــل بــداوة بدليــل حضارهتــم‪ ،‬لكــن‬
‫أي أن جــزءاً مــن دخــل الدولــة قــد أخــذه امللتزمــون وهــم‬
‫العســكرية‪ 24.‬وحتــى عــام ‪1918‬م‪ ،‬وبرغــم أن نظــام الطابــو‬ ‫مــا هيمنــا هنــا هــو حركيــات اختــاذ القــرار‪ .‬ولعــل مــن املفيــد‬ ‫أي أن الدولــة هــي التــي متلــك األرض (وتســمى هــذه‬
‫الطبقــة غــر املنتجــة‪ .‬وهبــذا قــل دخــل الدولــة‪21.‬‬
‫كان حتــت التنفيــذ ألكــر مــن نصــف قــرن‪ ،‬إال أن غالبيــة‬ ‫هنــا أن أذكــر قصــة تشــر إىل الوضــع‪ :‬لقــد قيــل أن هنــاك‬ ‫األرايض بــاألرايض األمريــة)‪ ،‬وللعاملــن يف األرض‪ ،‬وهــم‬
‫األرايض األمريــة مل تكــن قــد ســجلت بعــد‪ 25.‬أي أن النظــام‬ ‫شــجرة بالطريــق بجانــب أرض زراعيــة‪ ،‬فــأىت جــايب الدولــة‬ ‫أي أن وجــود األرايض الزراعيــة يف اإلذعــاين احليــازي‬ ‫الفالحــون‪ ،‬حــق التصـــرف (االســتخدام والســيطرة)‪ .‬وبــن‬
‫التقليــدي يف حتصيــل الرائــب قــد اســتبدل بنظــام حكومــي‪.‬‬ ‫وطالــب املــزارع بخــراج الشــجرة‪ .‬فقــال لــه املــزارع أهنــا‬ ‫أثّــر عــى اهتــام األفــراد بــاألرض ســلبياً ألهنــم ال ميلكوهنــا‬ ‫الســلطان والعامــل يف األرض عــدة طبقــات مــن األفــراد‪،‬‬
‫ويدفعــون عنهــا الرائــب‪ .‬فالرائــب مــع مــا يصاحبهــا مــن‬ ‫بالتــار‪ ،‬والســنجك بــك‪ ،‬والــوايل أو‬ ‫وهــم الفــارس املتمتــع ِ‬
‫أي أن اخلالفــة العثانيــة بــدأت عهــداً جديــداً مــن البروقراطية‬ ‫شــجرة يف الطريــق وال يأخــذ املــزارع غلتهــا‪ .‬فلــم يقتنــع اجلــايب‬
‫الورقيــة‪.‬‬ ‫وأرص وحصــل عــى مــا أراد‪ .‬فــا كان مــن املــزارع إال أن قطــع‬ ‫رشــاوي أهنكــت الفــالح الــذي بــدأ هيمــل يف زراعــة األرض‪.‬‬ ‫ال عــى‬
‫البجلربــك‪ .‬وهــذه الطبقــات بالطبــع غــر منتجــة فض ـ ً‬
‫الشــجرة بعــد ذهــاب اجلــايب خوفــاً مــن أن يدفــع رضيبتهــا‬ ‫ال‪ :‬إن طبيعــة احليــاة الفالحيــة هي االعتــاد عى‬ ‫وهنــا أثــر ســؤا ً‬ ‫أهنــا تــرف وتبــذُخ مــن رضيبــة مــن يعملــون يف األرض‪،‬‬
‫لقــد كان باســتطاعة األفــراد حتــى تاريــخ صــدور قانــون‬
‫الســنة القادمــة‪ .‬وهكــذا فقــدت الدولــة والفــرد شــجرة مثمــرة‪،‬‬ ‫النفــس يف أكــر مقومــات احليــاة‪ .‬فــإذا حصــل الفــالح عــى مــا‬ ‫وهبــذا ضاعــت ملكيــة األرض بينهــم‪ ،‬فكانــت أكــر أرايض‬
‫األرايض العثــاين (‪1858‬م) حتويــل األرايض املــوات أو األرايض‬
‫وهــذا ينطبــق عــى كثــر مــن األعيــان وبطــرق خمتلفــة‪.‬‬ ‫يكفيــه وأرستــه‪ ،‬وعلــم أن الفائــض مــن إنتاجــه ســيذهب لغــره‬ ‫اإلمرباطوريــة يف اإلذعــاين احليــازي‪ .‬يقــول املســترشق نورمــان‬
‫غــر اململوكــة إىل أمــالك خاصــة هبــم وذلــك عــن طريــق‬ ‫إتز ِ‬
‫كرائــب‪ ،‬ملــاذا يعمــل باجتهــاد؟ يقــول أكــرم العلبــي مقارن ـاً‬ ‫كوو ْتــز مســتنتجاً‪« :‬باســتثناء األوقــاف الدينيــة والقليــل مــن‬
‫اإلحيــاء‪ .‬وكانــت الدولــة تأخــذ ملكيــة بعــض هــذه األرايض‬
‫حــال الفــالح يف عــر املاليــك بحالــه يف اخلالفــة العثانيــة‪:‬‬ ‫األمــالك التــي ُســ ِمح هلــا بــأن تكــون ذات ملكيــة خاصــة‪،‬‬
‫بدعــوى أهنــا إحيــاء ألمــالك الدولــة وكانــت تعتربهــا أراض‬
‫«وممــا ســبق نســتطيع أن نقــدر أن الفــالح كان يدفــع مــا بــن ‪20‬‬ ‫ميكــن القــول أن مجيــع األرايض نظريـاً تعتــرب ملــكاً للســلطان‪.‬‬

‫‪121‬‬ ‫‪120‬‬
‫واإللتــزام‪ .‬ومتــى فشــلت هــذه القوانــن يف زيــادة الدخــل‬ ‫أصــدرت قوانــن أباحــت فيهــا الدولــة للمتــرف أن يبــي‬ ‫ِ‬ ‫لقــد كانــت كل مــن األرايض األمريــة واألرايض‬ ‫أمريــة إذ أن رضائــب امللكيــات اخلاصــة (العرشيــة) تقــل‬
‫بحثــت الدولــة عــن قوانــن أخــرى وطبقتهــا‪ ،‬وبالتــايل فــإن‬ ‫عــى األرض وأن يغــرس مــا يشــاء وأن يســتخدم تربتهــا لصنــع‬ ‫املروكــة مــن التقســيم الســابق يف اإلذعــاين احليــازي (وســرنكز‬ ‫بكثــر عــن رضائــب األرايض األمريــة (اخلراجيــة)‪ ،‬والتــي‬
‫العالقــة مل تكــن ثابتــة ومســتقرة‪ ،‬ممــا يعــي عــدم اســتقرار‬ ‫اآلجــر‪ 30.‬يقــول مصطفــى الزرقــاء يف أحــد هــذه القوانــن إنــه‬ ‫هنــا عــى األرايض األمريــة ونؤجــل األرايض املروكــة إىل‬ ‫اعتربهتــا الدولــة أراض مؤجــرة للفالحــن بقــدر اخلــراج‪ .‬وحتى‬
‫املســؤولية عــى حــال‪ ،‬واالســتقرار رضورة لالزدهــار‪ .‬يقــول‬ ‫«جــاء بتوســيع حقــوق املترفــن بــاألرايض األمرية‪ ،‬وســوغهم‬ ‫الفصــل التاســع)‪ .‬فقــد ُعرفــت األرايض األمريــة بأهنــا األرض‬ ‫يضمــن هــؤالء األفــراد منافــع األرض ألنفســهم ولورثتهــم‪،‬‬
‫حامــد مصطفــى منتقــداً الترشيعــات وتذبذهبــا يف اخلالفــة‬ ‫كثــراً ممــا كان ممنوعـاً عليهــم‪ ،‬وجعــل إجــراء مجيــع املعامــالت‬ ‫التــي تكــون رقبتهــا (ملكيتهــا) لبيــت املــال‪ ،‬ولكــن حــق‬ ‫وخوفــاً مــن اســتيالء الدولــة عليهــا جلــأوا إىل وقفهــا‪ .‬فــكان‬
‫العثانيــة‪« :‬إن مهمــة هــذه الترشيعــات تنظيــم الطريقــة‬ ‫املتعلقــة بالتــرف فيهــا منحــر ًا بدائــرة اخلاقــاين الــذي هــو‬ ‫االنتفــاع عائــد للمترفــن فيهــا؛ أي أن للفريــق املســتخدم‬ ‫أحــد األهــداف الرئيســية لقانــون األرايض العثــاين هــو احلــد‬
‫التــي تأخــذ هبــا الدولــة الــزراع والفالحــن ليعمــروا األرض‬ ‫الســجل العقــاري العــام ‪ .»...‬وأصبــح اإلذن الســلطاين املرشوط‬ ‫حــق الســيطرة‪ .‬وكان هــذا بعــد أن حــث الفقهــاء الدولــة‬ ‫مــن هــذه الظاهــرة؛ أي احلــد مــن حتويــل األرض املــوات إىل‬
‫ويزرعوهــا وحيســنوا اســتغالهلا وزراعتهــا‪ .‬ومل يكــن وضــع‬ ‫ال مبجــرد إجــراء‬
‫لصحــة اإلفــراغ حلــق التــرف يعتــرب حاص ـ ً‬ ‫إعطــاء هــذه األرايض للنــاس يك يعمروهــا ويســتثمروها حتــى‬ ‫أرض ذات ملكيــة خاصــة‪26.‬‬

‫هــذه الطريقــة باألمــر اليســر‪ ،‬ومل يكــن النظــام القانــوين يومــا‬ ‫املعاملــة لــدى مأمــور الســجل العقــاري دون إذن خــاص مــن‬ ‫ال تتعطــل‪ ،‬وهبــذا عملت اخلالفــة العثانيــة‪ 28.‬فجميــع األرايض‬
‫التــي كانــت حتــت نظــام ِ‬ ‫وقــد قســم قانــون األرايض العثــاين الصــادر عــام ‪1858‬م‬
‫مســعفاً أو صاحلــاً بذاتــه للعمــل إال يف احلــاالت التــي تتــآزر‬ ‫الســلطان كــا كان مــن قبــل‪ .‬وفــوق هــذا‪ ،‬ليــس للأممــور‬ ‫التــار أعطيــت للفالحــن‪ .‬غــر أن‬
‫األرايض إىل مخســة أقســام هــي‪ )1 :‬األرايض اململوكــة‪ :‬وهــي‬
‫فيهــا النصــوص مــع أســاليب العمــل‪ .‬وعــى النقيــض مــن ذلــك‪،‬‬ ‫املوظــف أن ميتنــع عــن إجــراء التســجيل‪ 31.‬أي أن القوانــن‬ ‫هــذا ال يعــي أن للفــالح حريــة مطلقــة‪ ،‬فلــه الســيطرة يف‬
‫األرايض التــي ميتلكهــا أصحاهبــا رقبــة ومنفعــة وألصحاهبــا‬
‫كانــت األرض وامليــاه عــى أســوأ احلــاالت عندمــا يتعــارض‬ ‫بــدأت يف التســاهل مــع الفــالح بإعطائــه حريــة أكــرب بتوســيع‬ ‫حــدود قوانــن الدولــة‪.‬‬
‫التمتــع بــكل مزايــا امللكيــة مثــل هبــة األرض ووقفهــا‪)2 .‬‬
‫الترشيــع مــع أســاليب العمــل واالعــراف باحلقــوق املكتســبة‬ ‫حــق الســيطرة‪ .‬نعــم‪ ،‬بــدأت األحــوال تتحســن كثــرا يف ظــل‬
‫ومبتابعــة هــذه القوانــن‪ ،‬نالحــظ تذبــذب هــذه القوانــن‬ ‫األرايض األمريــة أو أرايض اململكــة‪ )3 .‬األرايض املوقوفــة‪)4 .‬‬
‫ألســباب قــد تعتمدهــا احلكومــات ويف مقدمتهــا نزعــة القــوة‬ ‫اخلالفــة العثانيــة لتقــرب مــن الرشيعــة وبتذبــذب‪ .‬كيــف؟‬
‫مــن الشــدة إىل اللــن بــن الفريقــن املشــركن يف العــن‬ ‫األرايض املروكــة‪ :‬وهــي األرايض التــي تــرك حــق االنتفــاع هبــا‬
‫وشــهوة احلكــم واالســتهانة بحقــوق أصحــاب األرايض وإنــكار‬
‫لقــد حاولــت اخلالفــة العثانيــة‪ ،‬وكأي فريــق حيــاول‬ ‫(الفريــق املالــك وهــو الدولــة‪ ،‬والفريــق املســيطر املســتخدم‬ ‫لعامــة النــاس كالطــرق واملراعــي‪ )5 .‬األرايض املــوات‪27.‬‬
‫األتعــاب واجلهــود التــي بذلوهــا يف إعــار األرايض واســتغالهلا‪،‬‬
‫النمــو‪ ،‬أن تزيــد مــن كميــة األرض التــي متتلكهــا ليــزداد دخلها‪.‬‬ ‫أو املتــرف أو مــن لــه حــق التــرف وهــو الفــالح)‪ .‬وهــذه‬
‫ولقــد كان»‪ 33.‬أي أن مالــك األرض أو العامــل هبــا فقــد االهتــام‬
‫ـاء عــى قانــون األرايض العثــاين الصــادر عــام ‪1858‬م‪ ،‬كل‬ ‫فبنـ ً‬ ‫الذبذبــة تعتــرب مــن أهــم خــواص اإلذعــاين احليــازي وهــي‬
‫هبــا وبذلــك قــل اإلنتــاج وقــل الدخــل‪.‬‬
‫أرض مــات عنهــا مالكوهــا دون وارث تعتــرب ملــكاً للدولــة‪،‬‬ ‫ناجتــة مــن أن الدولــة حتــاول زيــادة دخلهــا‪ ،‬فتجدهــا تبحــث‬
‫اإلذعاين احليازي‬
‫وحيــث إن الفريــق املالــك هــو الدولــة يف اإلذعــاين‬ ‫وكل أرض نــزح عنهــا أصحاهبــا األصليــون حــن الفتــح وجــيء‬ ‫عــن القوانــن التــي تشــجع الفــالح للعمــل واإلنتــاج دون أن‬ ‫لعــل الفــرق بــدأ يتضــح لــك اآلن أختــي القارئــة وأخــي‬
‫احليــازي‪ ،‬فالنتيجــة يف هــذه احلالــة هــي املركزيــة‪ .‬أي أن‬ ‫بغرهــم مــن املســلمن وأســكنوا فيهــا تعتــرب ملــكاً للدولــة‪،‬‬ ‫تتــرر األرض الزراعيــة كالبنــاء عليهــا لــي ال يقــل دخلهــا‪،‬‬ ‫القــارئ بــن اخلالفــة العثانيــة والبيئــة التقليديــة‪ .‬فربغــم ســوء‬
‫املركزيــة ذبذبــت العالقــة بــن الفريقــن وأضاعت املســؤولية‪.‬‬ ‫وكل أرض ال ُيعــرف مالكهــا األصــي وال يوجــد مالــك هلــا يف‬ ‫ودون أن تفقــد الدولــة ملكيــة األرض‪ .‬وهــذا البحــث عــن‬ ‫احلــال يف اخلالفــة العثانيــة إال أنــه كان أفضــل بكثــر مــن‬
‫فاملســؤولية ليســت مركــزة يف فــرد واحــد ولكنهــا موزعــة بــن‬ ‫احلــال تعتــرب ملــكاً للدولــة‪ .‬وهــذا أدى إىل زيــادة املســاحة‬ ‫أفضــل الوســائل لبلــوغ هــذه األهــداف أدى إىل تغــر القوانــن‬ ‫الــدول العربيــة املعــارصة كــا ســيأيت إن شــاء الله‪ .‬لكــن مقارنة‬
‫العامــل يف األرض والدولــة‪ .‬والدولــة أفــراد كثــرون‪ ،‬هلــذا‬ ‫التــي متتلكهــا الدولــة‪ .‬وهــذا معنــاه أن هــذه األرايض الزائــدة‪،‬‬ ‫ـاء عــى القوانــن التــي‬
‫كل فــرة وأخــرى‪ .‬فعــى ســبيل املثــال‪ :‬بنـ ً‬ ‫بالرشيعــة‪ ،‬فهنالــك فــرق‪ .‬ففــي اخلالفــة العثانيــة كانــت معظم‬
‫نقــول أن مســؤولية العقــار قــد ضاعــت‪ .‬كــا أن عقــارات‬ ‫والتــي كانــت يف اإلذعــاين املتحــد ســابقاً‪ ،‬وميكــن أن تكــون‬ ‫صــدرت عــام ‪1858‬م ال جيــوز للمترفــن يف األرايض األمريــة‬ ‫األرايض أمريــة‪ ،‬أي أن الدولــة ملكتهــا‪ ،‬فكانــت رضائــب هذه‬
‫الفريــق املركــزي (الدولــة) قــد ارتفعــت نســبياً يف البيئــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫ال‪ ،‬قــد وضعــت يف اإلذعــاين احليــازي‪ .‬باإلضافــة‬ ‫كذلــك مســتقب ً‬ ‫حفــر األرض‪ ،‬أو صنــع اللِــن واآلجــر ونحومهــا مــن تربتهــا‪،‬‬ ‫األرايض أكــر مــن زكاة األرايض اململوكــة لألفــراد لكنهــا أقــل‬
‫معنــاه نقصــان نســبة األرايض التــي يســيطر عليهــا املســتخدمون‬ ‫إىل ذلــك‪ ،‬فللســلطان أو مــن ينيبــه أن يؤجــر هــذه األرض ملــن‬ ‫أو زرع أشــجار فيهــا‪ ،‬أو بنــاء مبــى عليهــا‪ ،‬أو اســتخدام أي‬ ‫مــن رضائــب الــدول العربيــة املعــارصة‪.‬‬
‫مــن العامــة‪ .‬وســنعلق عــى هــذه النتيجــة فيــا بعــد‪.‬‬ ‫يرغــب العمــل هبــا‪ ،‬وال يصــح ملــن يعمــل يف هــذه األرايض أن‬ ‫جــزء مــن األرض كمقــربة‪ ،‬أو رهــن أو إفــراغ حــق التــرف‬
‫ومبــرور الزمــن يف اخلالفــة العثانيــة أخــذت الغلــة‬
‫ال‪ ،‬دون إذن الســلطان‪.‬‬ ‫يؤجرهــا لغــره ألي ســبب كمرضــه مث ـ ً‬ ‫لآلخريــن إال بــإذن الســلطان‪ .‬كــا ال جيــوز لورثــة املتــرف‬
‫بالنقصــان لقلــة األرايض الزراعيــة وقلــة إنتاجهــا‪ ،‬وهــذا الوضع‬
‫أرأيتــم كيــف منــت أرايض الدولــة ليفقــد النــاس املثابــرة والعمل‬ ‫أن يرثــوا األرض األمريــة‪ ،‬بــل تعــود األرض بوفــاة املتــرف‬
‫اإلذعاين املتحد‬ ‫ويقــل دخــل األمــة؟ فرمبــا يكــون دخــل الدولــة قــد زاد أحيانـاً‬ ‫إىل الدولــة‪29.‬‬
‫ليــس كالبيئــة التقليديــة حيــث أن الــكل كان يعمــل هلــدف‬
‫امتــالك األرض وزراعتهــا ليحســن حالــه‪ .‬فالنصيــب القليــل من‬
‫األرايض اململوكــة هــي القســم الوحيــد مــن بــن األقســام‬ ‫ولكــن كان هــذا عــى حســاب دخــل األمــة جمتمعــة‪32.‬‬
‫وعندمــا فشــلت هــذه القوانــن يف زيــادة الدخــل ُعدلــت‬ ‫هــذه األرايض يف البيئــة التقليديــة (الــزكاة) تراكــم وكان خــراً‬
‫اخلمســة التــي ميزهــا قانــون عــام ‪1858‬م وكانــت يف اإلذعــاين‬ ‫وممــا ســبق نخلــص إىل أن اخلالفــة العثانيــة حاولــت‬ ‫لصالــح الفــالح‪ .‬ففــي عــام ‪1867‬م صــدر قانــون يســمح بانتقال‬ ‫كثــر ًا لكــرة العاملــن واجتهادهــم‪ .‬فسياســة الرشيعــة هــي‬
‫املتحــد‪ 34.‬فالعرصــات (والعرصــة هــي كل بقعــة واســعة بــن‬ ‫ختفيــف عــدد الوســطاء بينهــا وبــن الفــالح للتقليــل مــن تلــك‬ ‫هــذه األرايض لورثــة املترفــن‪ ،‬أي انتقــال حــق الطابــو‪.‬‬ ‫حــث القليــل لينتــرش ويكــر دخــل النــاس ومــن ثــم الدولــة‪،‬‬
‫الــدور ليــس هبــا بنــاء‪ ،‬الصورتــان ‪ 1.3‬و ‪ )2.3‬داخــل القــرى‬ ‫الرشــاوي التــي كان يأخذهــا الوســطاء‪ ،‬ممــا زاد دخــل الدولــة‬ ‫ويســتنتج الدكتــور العبــادي فيقــول‪« :‬وتتابعــت القوانــن‬ ‫وليــس إرهــاق النــاس ليزيــد دخــل الدولــة مؤقتـاً ومــن ثــم يقــل‬
‫والقصبــات التــي ال تتجــاوز نصــف الدونــم وتعتــرب متممــة‬ ‫مؤقتــاً مــع احتفاظهــا مبلكيــة األرايض األمريــة‪ ،‬وهــذا أدى‬ ‫العثانيــة‪ ،‬بعــد ذلــك‪ ،‬توســع مــن دائــرة انتقــال األرايض لورثــة‬ ‫اهتــام النــاس وينقــص الدخــل عــى األمــد الطويــل كــا‬
‫للســكى اعتــربت مملوكــة ألهــل تلــك القــرى‪ ،‬ومــا زاد عــن‬ ‫إىل تقنــن العالقــة بــن الدولــة والفريــق املســتخدم املســيطر‬ ‫املترفــن‪ ،‬حتــى انتهــى األمــر إىل أن أقــر ذلــك عــى نظــام‬ ‫فعلــت معظــم الــدول‪ .‬فكيــف ذلــك؟‬
‫ذلــك فهــو للدولــة‪ .‬وكذلــك األرايض العرشيــة واخلراجيــة‬ ‫والتــي ختتلــف عــن تلــك التــي كانــت مبنيــة عــى نظــام ِ‬
‫التــار‬ ‫خيتلــف عــن نظــام اإلرث الرشعــي ‪ .»..‬وبعــد عــام ‪1911‬م‬

‫‪123‬‬ ‫‪122‬‬
‫مــن نســبة الفــرق املســيطرة يف البيئــة‪ ،‬وهــذه الزيــادة يف أرايض‬ ‫خــالل تبويــب موادهــا أدت إىل تقليــل احلــوار بــن اجلاريــن‬ ‫إحياؤهــا‪ 37.‬ليــس هــذا فحســب‪ ،‬ولكــن ال يكــون اإلحيــاء‬ ‫‪1.3‬‬
‫الدولــة أدت إىل جمتمــع فقــر اقتصادي ـاً ومعنوي ـاً‪ ،‬فــكل درهــم‬ ‫بإلغــاء إمكانيــة بيــع حــق االرتفــاق لفريــق ثالــث‪ .‬وهبــذا فقــد‬ ‫إال بــإذن الســلطان‪ ،‬وللســلطان أن يشــرط أن اإلحيــاء ســيؤدي‬
‫خيــرج مــن يــد املــزارع ليذهــب إىل مســؤويل الســلطات‪ .‬وإذا‬ ‫منعــت إمكانيــة اســتحداث حــق االرتفــاق والــذي قــد حتتــاج‬ ‫إىل احلصــول عــى حــق التــرف وليــس ملكيــة األرض‪38.‬‬

‫ســألت أي اقتصــادي ســيقول لــك إن اهلــدف مــن االقتصــاد هــو‬ ‫إليــه البيئــة ألهنــا دامئــة التغــر‪ .‬وهــذا املنــع ســيؤثر أيض ـاً يف‬ ‫وكــا رأينــا فــإن اإلحيــاء أوصــل األرض إىل اإلذعــاين املتحــد‬
‫دفــع النــاس للعمــل وذلــك بــأن تــدور النقــود مــن يــد ألخــرى‪،‬‬ ‫الركيــب اخلطــي للبيئــة مــن حيــث التداخــالت بــن العقــارات‪.‬‬ ‫يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬أمــا هنــا يف اخلالفــة العثانيــة‪ ،‬فقــد أدى‬
‫فيبــدأ النــاس بالــرف لقضــاء حوائجهــم‪ ،‬وهــذا معنــاه زيــادة‬ ‫فــال ميكــن لعقــارات جديــدة أن تقــع خلــف أو ضمــن عقــارات‬ ‫هبــا أحيانــا إىل اإلذعــاين احليــازي إذا اشــرط الســلطان ذلــك‪.‬‬
‫االســتهالك وبالتــايل التصنيــع‪ ،‬وهكــذا يأخــذ املجتمــع طريــق‬ ‫أخــرى‪ .‬وهــذا ســيؤدي إىل زيــادة نســبة املناطــق العامــة يف‬ ‫ـاء‪ ،‬وتلــك‬
‫عرفــت املجلــة أيضـاً األفعــال التــي تكــون إحيـ ً‬‫كــا ّ‬
‫اإلنتــاج‪ .‬إال أن هــذا تأثــر أيــام اخلالفــة العثانيــة‪ ،‬فضعــف‬ ‫املدينــة وذلــك ألن كل عقــار مســتحدث البــد وأن يكــون لــه‬ ‫التــي تكــون احتجــاراً‪ ،‬وهــذا قلــل احلــوار بــن الفــرق؛ وهــذه‬
‫االقتصــاد‪ .‬فــال غرابــة إذاً يف ضعفهــا االقتصــادي‪ ،‬فقــد كانــت‬ ‫مدخــل مبــارش مــن الطريــق العــام‪ ،‬وهــذه الزيــادة يف املناطــق‬ ‫التعريفــات كانــت قــد تركــت يف البيئــة التقليديــة ألعــراف‬
‫دولــة بغــر قاعــدة إنتاجيــة عريضــة ألن الركيبــة أدت إىل‬ ‫العامــة ستســتنزف مــوارد األمــة يف صيانتهــا‪.‬‬ ‫أهــل املناطــق‪39.‬‬ ‫‪2.3‬‬
‫انتشــار التســ ّيب بــن مســؤوليها‪ .‬هــذا الــذي حــدث كان‬
‫أمــا بالنســبة لإلجــارة‪ ،‬فــإن اخلالفــة العثانيــة مل تتدخــل‬ ‫أمــا قانــون األرايض لعــام ‪1858‬م فقــد ذهــب إىل أبعــد مــن‬
‫ذريعــة ملــن أىت مــن بعدهــم‪ .‬فقــد أتــت احلكومــات العربيــة‬
‫بــن الفريقــن املالــك واملســتخدم (املســتأجر)‪ ،‬واســتمرت‬ ‫هــذا‪ .‬فقــد نــص بــأن األرايض تعتــرب مواتــاً إذا كانــت بعيــدة‬
‫ورفضــت كل مــا هــو متعلــق بالرشيعــة ألهنــا اعتقــدت أن‬
‫العالقــة بينهــا كــا كانــت عليــه يف البيئــة التقليديــة‪ 43.‬وهــذا‬ ‫ال ونصــف امليــل مــن أقــىص العمــران؛ وأن األرض املــوات‬ ‫مي ـ ً‬
‫اخلالفــة العثانيــة حكمــت بالرشيعــة‪ ،‬فتــم رفــض كل مبــدأ‬
‫منطقــي ألن الدولــة لــن تســتفيد مــن هــذا التدخــل‪ ،‬وألن‬ ‫جيــب أن تكــون خاليــة‪ ،‬وليســت بتــرف أحــد‪ ،‬وأن ال تكــون‬
‫منبثــق مــن الرشيعــة كإحيــاء األرض‪ .‬فلجــأت هــذه الــدول‬
‫اإلجــارة مــا هــي إال مرحلــة ثانيــة لإلذعــاين املتحــد‪ .‬فالعــن‬ ‫مــن األرايض املروكــة‪ .‬كــا نــص قانــون األرايض بــأن املــوات‬
‫إىل نظــم أجنبيــة مســتوردة فســاء احلــال أكــر وأكــر‪ .‬أي أن‬
‫ال تؤجــر يف األكــر إال إذا ملــك الفريــق املالــك حــق املنفعــة‪،‬‬ ‫ال حييــى إال بــإذن مأمــور الدفــر اخلاقــاين‪ ،‬وأن هــذا اإلحيــاء‬
‫الكارثــة حلــت باألمــة بــزوال اخلالفــة العثانيــة والتــي برغــم‬
‫أي أن العــن تؤجــر إذا كانــت يف اإلذعــاين املتحــد متحولــة‬ ‫يعطــي املحيــي حــق التــرف وليــس امللكيــة‪ .‬فاملــادة ‪ 103‬متنــع‬
‫أخطائهــا كانــت تطبــق الرشيعــة إال يف اســتثناءات وال تقــارن‬
‫بعــد ذلــك إىل اإلذعــاين الرخيــي‪ .‬إال أن هــذا املنطــق الســليم‬ ‫اإلحيــاء بقصــد التملــك‪ ،‬فالدولــة هــي املالكــة لــألرض‪ .‬وبعــد‬
‫بالتــايل بالــدول العربيــة التــي مل تعــرف مــن اإلســالم إال اســمه‪.‬‬
‫معــرض أيض ـاً لالهتــزاز كــا حــدث يف بعــض الــدول العربيــة‬ ‫هــذا القانــون آلــت ملكيــة مجيــع األرايض املحيــاة إىل الدولــة‪،‬‬ ‫صـورتـان مـن بالد ميــزاب جنـويب اجلـزائر وتـوضحـان‬
‫عـرصة بن املباين‪ .‬فـالصورة ‪ 1.3‬من بي يـسقن‪ ،‬والصورة ‪2.3‬‬
‫مــع األســف يف هــذا القــرن‪.‬‬ ‫وبالتــايل عوملــت معاملــة األرايض األمريــة‪ 40.‬وهبــذا كــرت‬
‫من غرداية‪.‬‬
‫العامل العريب‬ ‫وللتلخيــص أقــول أن الفــرق واضــح بــن البيئــة التقليديــة‬
‫األرايض األمريــة وازداد عــدد املهملــن مــن الفالحــن وقــل‬
‫الدخــل‪.‬‬ ‫اعتــربت مملوكــة ألصحاهبــا‪ .‬إال أن األرايض اخلراجيــة إذا عجــز‬
‫رغــم أن احلكــم كان خمتلفــاً يف مــر عنــه يف الــدول‬ ‫والوضــع خــالل احلكــم العثــاين‪ ،‬فكــا رأينــا يف البيئــة‬
‫أصحاهبــا عــن زراعتهــا وأداء رضيبتهــا (وتســمى األرايض‬
‫العربيــة األخــرى التــي كانــت حتــت احلكــم العثــاين يف أوائــل‬ ‫التقليديــة فــإن تدخــل الســلطة مل حيبــذه الفقهــاء إال يف احلجــر‬
‫احلــوز) تبقــى ملــكاً ألصحاهبــا‪ ،‬ولكــن للســلطان أن يســتغلها‬
‫القــرن التاســع عــرش‪ ،‬إال أن التغيــرات التــي حدثــت يف منــاذج‬ ‫ومقاعــد األســواق‪ .‬بــل إن التدخــل يف هاتــن احلالتــن كان‬ ‫اإلذعاين الرخيي‬ ‫مقابــل خراجهــا أو إعطائهــا ملــن يــرى صالحــه يف اســتغالهلا‪.‬‬
‫املســؤولية متشــاهبة إىل حــد مــا بن مــر وتلــك الــدول العربية‬ ‫حمــل خــالف بــن الفقهــاء‪ .‬أمــا خــالل احلكــم العثــاين‪ ،‬فــإن‬
‫ســأجلأ هنــا إىل نفــس التقســيم الــذي اســتخدمته يف‬ ‫أي أن هــذه األرايض حتولــت مــن اإلذعــاين املتحــد إىل احليــازي‬
‫عــدا تغيريــن مؤثريــن حدثــا يف عهــد حممــد عــي باشــا (‪-1805‬‬ ‫تأثــر تدخــل الســلطة مــن خــالل القوانــن والتنظيــات التــي‬
‫البيئــة التقليديــة يف رشح هــذا النمــوذج‪ :‬ومهــا حقــا االرتفــاق‬ ‫وذلــك ألن حــق الســيطرة واالســتخدام انتقــل إىل الدولــة أو مــن‬
‫‪1848‬م)‪ .‬األول هــو ســيطرة حممــد عــي عــى األوقــاف وحماولــة‬ ‫وضعتهــا الدولــة اختلــف مــن منــوذج إذعــاين آلخــر‪ .‬ففــي‬
‫واإلجــارة‪.‬‬ ‫تــراه الدولــة مناســباً مــن األفــراد‪ 35.‬وهــذا خمالــف للوضــع يف‬
‫إلغائهــا‪ 44.‬والثــاين واألهــم هــو امتالكــه لكثــر مــن األرايض‬ ‫قــل احلــوار بــن الفــرق املتجــاورة مبنــع‬
‫اإلذعــاين الرخيــي ّ‬
‫البيئــة التقليديــة‪ ،‬إذ أن هــذه األرايض التــي كانــت يف اإلذعــاين‬
‫ال إياهــا مــن اإلذعــاين املتحــد إىل احليــازي‪ .‬فبعــد‬
‫الزراعيــة حمــو ً‬ ‫إحــداث حــق ارتفــاق جديــد‪ .‬ويف اإلذعــاين احليــازي تغــرت‬ ‫بالنســبة حلــق االرتفــاق فقــد قامــت املجلــة بحايــة‬
‫ِ‬ ‫املتحــد إمــا أهنــا تركــت فــرة ودفعــت لإلذعــاين احليــازي‬
‫هزميــة املاليــك هنائيــاً عــام ‪1811( 1226‬م)‪ ،‬اســتوىل حممــد‬ ‫ـرق‪ ،‬وهــذا التغيــر أدى إىل تغيــر العالقــة بــن‬ ‫شــخصيات الفـ َ‬ ‫الفريــق املســتخدم مــن هيمنــة الفريــق املالــك املســيطر‪ .‬أي‬
‫ولكــن بفريــق مســيطر مــن األفــراد وليــس الدولــة‪ ،‬وإمــا أهنــا‬
‫عــي عــى أمواهلــم اخلاصــة‪ ،‬وهبــذا أصبــح املالــك لكثــر مــن‬ ‫هــذه الفــرق‪ :‬فلقــد ازدادت القوانــن عــى األرايض األمريــة‬ ‫أن اهليمنــة املحتملــة بــن الفريقــن اخلــادم واملخــدوم قــد‬
‫وضعــت مــرة أخــرى يف اإلذعــاين املتحــد بإحيائهــا عــن طريــق‬
‫األرايض الزراعيــة يف مــر‪ 45.‬وبعــد ذلــك أعطــى كل فــالح‬ ‫ثــم خففــت‪ ،‬فلــم يكــن هنــاك اســتقرار‪ ،‬واالســتقرار رضورة‬ ‫ألغيــت‪ 41.‬وهــذا امتــداد ملبــادئ الرشيعــة‪ .‬إال أن املجلة خففت‬ ‫شــخص آخــر‪36.‬‬
‫مــن مخســة إىل مثانيــة هكتــارات مــن األرايض الزراعيــة عــى أن‬ ‫لالزدهــار‪ .‬وأصبــح إحيــاء األرض نظامـاً تســيطر عليــه الدولــة‪.‬‬ ‫مــن إمكانيــة اســتحداث بعــض حقــوق االرتفــاق بــن اجلــران‬
‫يكــون هلــم ولورثتهــم حــق التــرف وتبقــى للدولــة ملكيتهــا‬ ‫وفــوق هــذا وذاك‪ ،‬وضعــت األرض املحيــاة يف اإلذعــاين احليــازي‬ ‫وذلــك ألن املذهــب احلنفــي‪ ،‬كــا رأينــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬مل‬ ‫أمــا بالنســبة لإلحيــاء‪ ،‬وهــو مصــدر ومنبــع اإلذعــاين‬
‫وحــق اســرجاعها متــى أرادت دون أي تعويــض‪ ،‬أي أن عهــد‬ ‫وليــس املتحــد‪ ،‬قاتلــة بذلــك مهــم األفــراد‪ .‬فقــد يــردد األفــراد‬ ‫ال ألنــه ال ميكــن حيازتــه‪ ،‬ولذلــك ال‬‫يعتــرب حــق املــرور مــا ً‬ ‫املتحــد‪ ،‬فقــد عرفــت «املجلــة» املــوات بأنــه األرض البعيــدة‬
‫التســلط وبالتــايل انتشــار الرقــات ومــن ثــم الــذل قــد بــدأ‪46.‬‬ ‫أراض إذا هــم علمــوا أهنــم ســيفقدون األرض يومـاً ما‪.‬‬ ‫يف أحيــاء ٍ‬ ‫ال عــن العقــار‪ ،‬ولكــن يبقــى تبع ـاً لــه‪ .‬أي‬
‫‪42‬‬ ‫جيــوز بيعــه مســتق ً‬ ‫عــن أقــىص العامــر بحيــث ال يســمع فيهــا منــه صيحــة الرجــل‬
‫أي أن العقــارات التــي متتلكهــا الدولــة ازدادت‪ ،‬وهــذا بالتايل قلل‬ ‫أن املجلــة‪ ،‬ورغــم انبثاقهــا مــن املذهــب احلنفــي‪ ،‬إال أهنــا مــن‬ ‫اجلهــوري؛ أي أن األرايض القريبــة مــن العامــر ال ميكــن‬

‫‪125‬‬ ‫‪124‬‬
‫وقــد كانــت حماولــة املحافظــة عــى نصــاب األرسة دون‬ ‫مــع عائلتــه هــو ثالمثائــة فــدان‪ .‬إال أن بعــض املــالك عمــدوا إىل‬ ‫يكونــون فريقــاً مســيطراً أو فريقــاً مالــكاً حتــى ال تتــرر‬
‫ِّ‬ ‫لقــد تتابعــت القوانــن عــى األرايض الزراعيــة حماولــة‬
‫تغيــر هــي إحــدى املشــاكل الرئيســية التــي واجهــت قانــون‬ ‫رشاء أراض زراعيــة تزيــد عــن القــدر اجلائــز متلكــه بأســاء‬ ‫العــن؟ نعــم‪ ،‬والرشيعــة أبدعــت يف هــذا وســنرشح ذلــك‬ ‫بذلــك زيــادة دخــل الدولــة‪ ،‬ومــع الزمــن تذبذبــت القوانــن‬
‫اإلصــالح الزراعــي‪ .‬فعنــد وفــاة املالــك ســيقل نصيــب األرسة‬ ‫ـر‪ .‬لذلــك‪ ،‬رسعــان مــا ُعــدل القانــون‬‫أزواجهــم وأوالدهــم ال ُقـ ّ‬ ‫فيــا بعــد‪ .‬ولكــن يكفــي هنــا أن نوضــح أن عــدم اللجــوء إىل‬ ‫وبــدأت بالنقصــان ويف صالــح الفــالح حتــى يــزداد دخــل الدولة‬
‫عــن النصــاب بالتجزئــة‪ ،‬أو قــد حيــدث العكــس بعــد أن يضاف‬ ‫يف عــام ‪1958‬م ونــص عــى أن ال يزيــد مجلــة مــا ميتلكــه‬ ‫الرشيعــة يف هــذه املســألة أدى إىل التخبــط‪ .‬وهــذا مــا حــدث‬ ‫وذلــك ألن الدولــة الحظــت أن إطــالق يــد الفــالح ســيزيد مــن‬
‫للفــرد نصيبــه مــن تركــة قريــب لــه‪ .‬وهنــا ظهــرت مــواد‬ ‫الشــخص وزوجتــه وأوالده القــر عــن الثالمثائــة فــدان‪ .‬ثــم‬ ‫يف بعــض الــدول العربيــة‪ ،‬ومــن بينهــا مــر‪ ،‬فكيــف تــم هــذا؟‬ ‫إنتاجــه وبالتــايل مــن دخلهــا‪ 47.‬ومــن هــذه القوانــن القانــون‬
‫قانونيــة للســيطرة عــى هــذه الظاهــرة‪ 56.‬وحتــى ُت َســهل الدولــة‬ ‫يف عــام ‪1961‬م اســتبدل ذلــك القانــون بقانــون آخــر (القانــون‬ ‫الصــادر عــام ‪1871‬م والــذي يعطــي الفــالح ملكيــة األرض مــع‬
‫قبــل رشح مــا حــدث يف مــر ســأذكر هنــا مــا حــدث‬
‫املســألة عــى نفســها طلبــت مــن كل مالــك أن يقــدم إقــراراً‬ ‫‪ُ )127‬حــددت فيــه ملكيــة األرايض مبائــة فــدان للعائلــة مبــا‬
‫يف بنجــالدش مــن تدخــل للســلطة عــام ‪1757‬م حتــى يتمكــن‬
‫ختفيــض الريبــة إىل النصــف إذا مــا قــام بدفــع رضيبــة ســت‬
‫إىل اهليئــة العامــة لإلصــالح الزراعــي عنــد حــدوث أي ســبب‬ ‫فيهــا األرايض البــور والصحراويــة؛ وقــد كانــت األرايض البــور‬ ‫ســنن مقدمــاً‪ .‬وتدرجييــاً حتــى آلــت األرايض اخلراجيــة إىل‬
‫القــارئ مــن املقارنــة والوصــول لالســتنتاجات بنفســه وذلــك‬
‫(مثــل الــزواج والطــالق) يــؤدي إىل زيــادة ملكيــة الفــرد عــن‬ ‫الصحراويــة مســتثناة مــن النصــاب يف القوانــن الســابقة‪ 51.‬ويف‬ ‫ملكيــات خاصــة‪ ،‬أي إىل اإلذعــاين املتحــد مــرة أخــرى وعندهــا‬
‫ألن بنجــالدش دولــة إســالمية شــعبها مــن أفقــر الشــعوب يف‬
‫اخلمســن فدان ـاً‪ .‬وكانــت املعلومــات املطلوبــة كثــرة ومنهكــة‬ ‫عــام ‪1969‬م صــدر قانــون آخــر ينــص عــى عــدم جــواز امتالك‬ ‫بــدأ حــال مــر يف التحســن اقتصادي ـاً‪48.‬‬
‫العــامل اآلن‪ .‬ففــي بنجــالدش أنشــأت الدولــة جهــازاً يقــوم‬
‫للالــك‪ .‬وإذا مــا تــم ذلــك رفعــت تلــك املعلومــات مــن جهــة‬ ‫أي فــرد ألكــر مــن مخســن فدانــاً مــن األرايض الزراعيــة أو‬
‫مبســح األرايض الزراعيــة كل عــرش ســنوات وتعليــم حــدود‬ ‫إال أن التغيــرات اجلذريــة حدثــت يف مــر بعــد ثــورة‬
‫حكوميــة إىل أخــرى حتــى تصــل القاهــرة‪ 57.‬أي أن املركزيــة‬ ‫الصحراويــة‪ 52.‬أي أن هنــاك تناقصاً مســتمراً يف مســاحة األرض‬
‫األرض ومــا إىل ذلــك مــن معلومــات‪ .‬وكان اهلــدف مــن إنشــاء‬ ‫عــام ‪1952‬م‪ ،‬وعندهــا بــدأت القوانــن يف الشــدة مــرة أخــرى‪.‬‬
‫بــدأت يف الظهــور بحجــة تنظيــم األمــور‪.‬‬ ‫التــي حيــق للفريــق أن ميتلكهــا مــع تثبيــت حجــم الفريــق‬
‫هــذا اجلهــاز هــو تــاليف املشــاكل التــي قــد تنشــأ بــن مــالك‬ ‫ففــي هــذه الســنة صــدر قانــون اإلصــالح الزراعــي (القانــون‬
‫املالــك‪ .‬فأيــن ســتذهب األرايض الزائــدة عــن النصــاب إذ ًا ؟‬
‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬فعنــد اختيــار املــالك لنصيبهــم‬ ‫األرايض‪ .‬إال أن الدراســات أثبتــت أن أكــر مــن ‪ 80‬يف املائــة‬ ‫رقــم ‪ 178‬املشــبع بالقيــم االشــراكية)‪ .‬فلقــد كان كبــار املــالك‬
‫واســتيالء الدولــة عــى الفائــض كان البــد أن تتداخــل احلــدود‬ ‫وبالطبــع‪ ،‬عنــد تطبيــق هــذه القوانــن يف جمتمــع اعتمــد‬ ‫مــن املنازعــات يف املحاكــم هــي بســبب هــذا اجلهــاز‪ ،‬وذلــك‬ ‫قبــل هــذا القانــون ميثلــون ‪ 6‬يف العــرشة آالف مــن مــالك‬
‫ال‪ ،‬س ـ ُت ْح َبس بعــض األرايض‬‫مــن حيــث الــري والــرف‪ .‬فمث ـ ً‬ ‫عــى األعــراف يف تســير أمــوره البــد وأن تظهــر مشــاكل ال‬ ‫ألن معظــم الفالحــن هــم مــن األميــن‪ ،‬وهــذا فتــح بابــاً‬ ‫األرايض وميلكــون ‪ 20‬يف املائــة مــن األرايض الزراعيــة‪ ،‬بينــا‬
‫وتعتمــد يف رهيــا عــى الــرع املــارة يف أرايض الغــر‪ ،‬لذلــك‬ ‫حــر هلــا‪ ،‬ومــن بــن هــذه املشــاكل األرايض الزائــدة عــن‬ ‫للرشــاوي والعــداوات‪ .‬فقــد يقــوم املوظــف بتغيــر حــدود‬ ‫صغــار الــزراع ميثلــون ‪ 95‬يف املائــة مــن املــالك وميلكــون ‪35‬‬
‫كانــت حقــوق االرتفــاق مــن املشــاكل غــر املتوقعــة هلــذه‬ ‫النصــاب‪ ،‬فــا مصرها؟فهــذا الفائــض املفاجــئ يف األرايض‬ ‫شــخص يف األوراق الرســمية ألن جــاره كان قــد رشــاه؛‬ ‫ٍ‬ ‫أرض‬ ‫يف املائــة مــن األرض‪ 49.‬أي أن هنــاك طبقــة إقطاعيــة بيدهــا‬
‫التحديــدات للملكيــات‪ .‬وهنــا أصــدرت احلكومــة قوانــن‬ ‫الزراعيــة أدى إىل تــدين أســعار بيــع األرض وذلــك لزيــادة‬ ‫ويقــوم ذلــك الشــخص بالتوقيــع عــى صحــة البيانــات التــي‬ ‫زمــام األمــور يف املجتمــع‪ .‬فــأراد قانــون عــام ‪1952‬م أن حيســن‬
‫لتنظيــم العمليــة‪ ،‬وعنــد ظهــور مشــاكل يف التطبيــق عدلــت‬ ‫العــرض‪ 53.‬علــاً أن الزبائــن املتوقعــن هلــذه األرض هــم‬ ‫رفعهــا املســاح أو املهنــدس ألميتــه وجهلــه مبــا فيهــا‪ ،‬ثــم يقــوم‬ ‫الوضــع إال أنــه أخطــأ الطريــق‪.‬‬
‫هــذه القوانــن بقوانــن أخــرى‪ ،‬وهكــذا‪ .‬أي أنــه مل يكــن‬ ‫الفالحــون الفقــراء ألنــه فــرض عــى األثريــاء منهــم بيــع‬ ‫الــرايش برفــع دعــوى لضــم الزيــادة مــن أرض جــاره األمــي إىل‬
‫وهنــا البــد مــن إجيــاز مســألة ســتوضح بتفصيــل أكــر‬
‫هنــاك اســتقرار يف األنظمــة‪ .‬علـاً بــأن مســائل الــري والــرف‬ ‫الزائــد عــن نصاهبــم‪ ،‬وهبــذا تكدســت األرايض املعروضــة‬ ‫أرضــه‪ ،‬ويقــع النــزاع‪ ،‬فأحدمهــا لديــه شــهود واآلخــر لديــه‬
‫يف الفصلــن الرابــع والثامــن‪ ،‬وهــي عالقــة حجــم العــن بعــدد‬
‫كانــت مروكــة يف البيئــة التقليديــة لألعــراف التــي أبدعــت يف‬ ‫للبيــع؛ فتكونــت اجلمعيــات التعاونيــة لإلصــالح الزراعــي‬ ‫وثائــق ورمبــا شــهود زور‪ .‬حتــى أن هنــاك حــاالت متكــن بعــض‬
‫أفــراد الفريــق (أو حجــم الفريــق)‪ ،‬وتأثــر ذلــك عــى حالــة‬
‫هــذا اخلصــوص‪ .‬واألعــراف ناتــج مــن نواتــج الرشيعــة كــا‬ ‫الســتغالهلا‪ 54.‬أمــا إذا مل يتمكــن املالــك مــن بيــع مــا زاد عــا‬ ‫الذيــن رشــوا املوظفــن فيهــا مــن امتــالك أرايض غرهــم وإقنــاع‬
‫العــن‪ .‬فقــد ميلــك ويســيطر شــخص واحــد عــى مئــات األفدنة‬
‫ســيتضح يف الفصــول القادمــة‪ 58.‬ولــن نخــوض هنــا يف هــذا حتى‬ ‫هــو مســموح لــه فعندئــذ ستســتويل الدولــة عليــه اســتناد ًا‬ ‫الســلطات أن أصحــاب األرض احلقيقيــن إمنــا هــم عــال لدهيــم‬
‫مــن األرايض ويثابــر عــى زراعتهــا وإدارهتــا بكفــاءة وينجــح‬
‫ال نخــرج عــن املوضــوع‪ ،‬والســؤال هــو‪ :‬أال هيمــل املــالك تلــك‬ ‫إىل قانــون عــام ‪1952‬م‪ 55.‬وعندمــا تســتويل الدولــة عــى تلــك‬ ‫منــذ أجيــال‪ 50.‬وهنــاك روايــات عجيبــة أخــرى كلهــا تتصــل‬
‫يف ذلــك‪ ،‬أو قــد يرهــق العاملــن ويظلمهــم حقوقهــم وبالتــايل‬
‫األرايض التــي ستســتويل عليهــا الدولــة وحياولــوا تغيــر حقــوق‬ ‫األرايض أو تــؤول األرايض إىل اجلمعيــات التعاونيــة‪ ،‬فهــذا‬ ‫باألميــة والرشــاوي‪ ،‬فــال عجــب أن شــعب بنجــالدش مــن أفقــر‬
‫قــد يقــل اإلنتــاج؛ فهــذه عالقــة بــن فريــق صغــر وعقــار‬
‫املجــرى منهــا إىل أراضيهــم وهــذا ســيؤدي إىل بوارهــا؟ فعنــد‬ ‫معنــاه أهنــا خرجــت مــن اإلذعــاين املتحــد‪ .‬فالفريــق املالــك‬ ‫شــعوب العــامل‪ ،‬فتنتــرش فيهــا املجاعــة برغــم وفــرة األرايض‬
‫كبــر‪ .‬وعــى العكــس‪ ،‬فقــد يشــرك عــرشات األشــخاص يف‬
‫إصــدار القوانــن يف نفــس ســنة الثــورة مل يكــن لــدى الدولــة‬ ‫غــر الفريقــن املســتخدم واملســيطر‪ ،‬لذلــك لــن تكــون عنــد‬ ‫الزراعيــة‪ .‬وســرى أخــي القــارئ مــا حــدث يف مــر‪.‬‬
‫الســيطرة عــى حمــل صغــر وخيتلفــون فيــا بينهــم؛ وهــذه‬
‫اجلهــاز الفالحــي الــكايف ملتابعــة مــا ستســتويل عليــه‪ ،‬ولذلــك‬ ‫املالــك اهلمــة كــا لــو أنــه كان الفريــق املســتخدم‪ ،‬ولــن‬
‫لقــد نــص قانــون اإلصــالح الزراعــي لعــام ‪1952‬م يف‬ ‫عالقــة بــن فريــق كبــر وعقــار صغــر‪ .‬ويف كلتــا احلالتــن فإن‬
‫جلــأت إىل القوانــن‪.‬‬ ‫يعمــل املســتخدم أو الفــالح باجتهــاد كــا يعمــل إذا مــا ملــك‬
‫مــر بتحديــد ملكيــة األرايض الزراعيــة مبائتــي فــدان لــكل‬ ‫حالــة العــن ســتتأثر إجيابـاً أو ســلباً بســبب عــدد أفــراد الفريق‬
‫األرض (وهــذه الظاهــرة ســميتها باملبــادرة وســتوضح يف الفصــل‬
‫إن تطبيــق فكــرة القضــاء عــى اإلقطــاع أدى إىل تتابــع‬ ‫فــالح عــى أن يــري هــذا القانــون عــى كل مــن امللكيــات‬ ‫(حجــم الفريــق) املســيطر أو املالــك مقارنــة بحجــم العــن‪.‬‬
‫القــادم بإذنــه تعــاىل)‪ ،‬وهكــذا ضاعــت املســؤولية‪ .‬ومــن جهــة‬
‫صــدور القوانــن؛ وكل قانــون أدخلــت عليــه تعديــالت‬ ‫القامئــة والتــي ستســتجد آنــذاك‪ .‬كــا أن ألولئــك الذيــن ميلكون‬ ‫فكلــا كــرب الفريــق وصغــرت العــن تبعــرت املســؤولية بــن‬
‫ثانيــة‪ ،‬فــإن العمــل يف األرض الزراعيــة وإدارهتــا تتطلــب‬
‫كثــرة بقوانــن الحقــة ومذكــرات توضيحيــة ولوائــح تنفيذيــة‬ ‫أكــر مــن النصــاب (مائتــا فــدان) عنــد صــدور القانــون أن‬ ‫أفــراده وأدى ذلــك إىل عــدم اكراثهــم‪ .‬وكلــا قــل عــدد أفــراد‬
‫خــربات ومهــارات معينــة‪ ،‬فعندمــا انتقلــت ملكيــات األرايض‬
‫ملواجهــة نواحــي النقــص التــي أظهرهــا التطبيــق العمــي‪.‬‬ ‫ينقلــوا ملكيــة الزيــادة إىل أبنائهــم بحيــث أال يزيــد نصيــب‬ ‫الفريــق وكــربت العــن أدى ذلــك إىل تســلط الفريــق املســيطر‬
‫إىل آخريــن ال يتمتعــون باخلــربة وبالــذات اإلداريــة منهــا قــل‬
‫وبراكــم القوانــن واللوائــح التنفيذيــة واملذكــرات التوضيحيــة‬ ‫كل ابــن عــن مخســن فدانــاً وأن ال يكــون نصيــب جممــوع‬ ‫عــى أفــراد الفريــق املســتخدم وإرهاقهــم‪ .‬فهــل هنــاك عالقــة‬
‫اإلنتــاج‪.‬‬
‫ومــا إىل ذلــك مــن مراســيم واعتادهــا عــى بعضهــا تعقــدت‬ ‫األبنــاء أكــر مــن مائــة فــدان‪ .‬أي أن أقــىص مــا ميلكــه الفــرد‬ ‫أمثــل مــن غرهــا بــن حجــم العــن وعــدد األفــراد الذيــن‬

‫‪127‬‬ ‫‪126‬‬
‫بــن أفــراد املجتمــع‪ .‬فمتــى كان هنــاك نظــام يقــرر فيــه بعــض‬ ‫ومــاذا عــن املــالك‪ ،‬هــل أخــذوا حقهــم بعــد اســتيالء‬ ‫أال يقــوم بعــض الفالحــن بنقــل كل مــا يســتطيعون محلــه‬ ‫األمــور إىل حــد ال ميكــن أن يســتوعبه القضــاة واملســؤولون‪،‬‬
‫البــرش مصــر اآلخريــن ظهــرت العــداوة والرشــاوي‪ .‬وكلــا‬ ‫الدولــة عــى أراضيهــم؟ لقــد كان قانــون عــام ‪1952‬م يعطــي‬ ‫إىل املائــة فــدان التــي قــرروا أن ميتلكوهــا وهيملــوا الباقــي‬ ‫فــا بالــك بأولئــك الذيــن يشــكلون البيئــة مــن مســتخدمن‬
‫كــر األفــراد الذيــن يشــاركون يف إختــاذ القــرارات مــن خــالل‬ ‫مــن اســتولت احلكومــة عــى أرضــه تعويضــاً يعــادل عــرشة‬ ‫لعلمهــم أن احلكومــة ستســتويل عليهــا؟ وباإلضافــة إىل ذلــك‬ ‫ومــالك‪ ،‬عل ـاً بــأن غالبيتهــم مــن الفالحــن األميــن (وأرجــوا‬
‫اللجــان والشــهادات والتصديقــات واملرافعــات كــرت قنــوات‬ ‫أمثــال القيمــة اإلجياريــة لــألرض باإلضافــة إىل قيمــة املنشــآت‬ ‫طالبــت القوانــن بــأن ترفــق املعلومــات الســابقة الذكــر عــن‬ ‫أن ال ننــى هنــا ماحــدث يف بنجــالدش)‪ .‬وهنــا أقــدم مثالــن‬
‫الرشــاوي‪.‬‬ ‫واألشــجار‪ ،‬عــى أن تقــدر القيمــة اإلجياريــة بســبعن مثــل‬ ‫األرايض مــع خرائــط مســاحية مبقيــاس رســم مناســب وتبــن‬ ‫لتوضيــح كيفيــة تراكــم القوانــن وارتباطهــا ببعضهــا البعــض‪.‬‬
‫الريبــة العقاريــة األصليــة‪ .‬وهــذه التعويضــات كانــت ُتدفــع‬ ‫عليهــا األرايض املحتفــظ هبــا ملونــة مــن الدائــر (مــن اخلــارج)‬ ‫تأمــل املثالــن أخــي القــارئ‪ :‬املثــال األول هــو أنــه عنــد إصدار‬
‫وحتــى تتمكــن الدولــة مــن تطبيــق قوانينهــا أصــدرت‬
‫عــن طريــق ســندات اســمية عــى احلكومــة بفائــدة قدرهــا ‪5،1‬‬ ‫باللــون األمحــر‪ ،‬واألرايض الزائــدة باللــون األصفــر‪ .‬وإذا تعــذر‬ ‫القانــون رقــم ‪ 100‬لعــام ‪1964‬م يف مــر‪ ،‬كان البــد هلــذا‬
‫مراســيم بتكويــن جلــان ذات ختصصــات شــتى منهــا‪ ،‬عى ســبيل‬
‫املثــال‪ ،‬جلــان لفــرز نصيــب الدولــة يف األرايض املشــاعة‪67،‬‬ ‫يف املائــة تســتهلك خــالل األربعــن الســنة القادمــة‪ .‬وحتــى‬ ‫ذلــك تقــدم رســومات كروكيــة موضحــاً هبــا مجيــع البيانــات‬ ‫القانــون مــن اإلطــالع والرجــوع إىل ‪ 46‬قــراراً وقانون ـاً ســبقوا‬
‫ذلــك الوقــت كان بإمــكان املــالك أن يترفــوا فيــا زاد عــن‬ ‫املطلوبــة وموقعــة مــن مهنــدس نقــايب مــع ذكــر اســم ورقــم‬ ‫هــذا القانــون‪ .‬واملثــال الثــاين هــو التفســر الرشعــي بخصــوص‬
‫وجلــان فنيــة لتقديــر قيمــة ملحقــات األرايض املســتوىل عليهــا‬
‫النصــاب مــن أرضهــم‪ .‬ثــم يف عــام ‪1961‬م نصــت املــادة ‪ 6‬عــى‬ ‫قيــد ذلــك املهنــدس لــدى نقابــة املهندســن‪ .‬كــا طالبــت‬ ‫رسيــان قانــون اإلصــالح الزراعــي عــى أرايض البنــاء والــذي‬
‫مــن منشــآت وآالت ثابتــة وغــر ثابتــة وأشــجار‪ .‬وبالطبــع‪ ،‬فقد‬
‫أن تتــوىل اهليئــة العامــة لإلصــالح الزراعــي االســتيالء عــى مــا‬ ‫القوانــن أن تقــدم هــذه البيانــات يف عــدة نســخ أصليــة حســب‬ ‫صــدر «مبقتــى اهليئــة العامــة لإلصــالح الزراعــي رقــم ‪1‬‬
‫يتظلــم بعــض املــالك مــن قــرارات هــذه اللجــان‪ ،‬لذلك أنشــئت‬
‫جيــاوز احلــد األقــىص (وهــو مائــة فــدان)‪ .‬أي أن الفــرد املالــك‬ ‫احلاجــة‪ .‬ولكــن مــن ســيقوم بذلــك لــآلالف مــن املــالك؟ وكــم‬ ‫لســنة ‪ 1963‬بتعديــل املــادة ‪ 3‬مــن التفســر الترشيعــي رقــم ‪1‬‬
‫جلــان للنظــر يف تظلــات هــؤالء املــالك‪ 68.‬كــا تكونــت جلــان‬
‫قــد ظُلــم‪ ،‬فهــذه املــادة مل جتــز للالــك أن يتــرف يف أمالكــه‬ ‫ستســتغرق هــذه العمليــات مــن وقــت وورق إذا مــا تــم القيــام‬ ‫لســنة ‪ 1953‬املعــدل باملــادة ‪ 3‬مــن التفســر الترشيعــي رقــم ‪4‬‬
‫قضائيــة لإلصــالح الزراعــي للفصــل يف املنازعــات الناشــئة عــن‬
‫الزائــدة عــى املائــة فــدان إىل أوالده أو غرهــم ولكــن للدولــة‪.‬‬ ‫هبــا عــى الوجــه األكمــل؟ ‪61‬‬ ‫لســنة ‪ 59.»1953‬أخــي القــارئ‪ :‬تصــور أنــك يف وضــع حتــاول‬
‫تطبيــق القوانــن‪ .‬حتــى يف اللجــان القضائيــة ظهــرت املركزيــة‪.‬‬
‫ويكــون تعويــض الدولــة مــن خــالل ســندات اســمية عــى‬ ‫فيــه ربــط هــذه القوانــن‪ ،‬فــا بالــك باألميــن؟ وازداد الوضــع‬
‫ال‪ ،‬ال يكــون الطعــن يف قــرارات اللجــان القضائيــة إال‬ ‫فمثــ ً‬ ‫ليــس هــذا فقــط‪ ،‬ولكــن البروقراطيــة كانــت عــى نطاق‬
‫الدولــة ملــدة مخســة عــرش ســنة وبفائــدة قدرهــا ‪ 4‬يف املائــة‬ ‫ســوءاً لدرجــة احلاجــة إلنشــاء مركــز يســتخدم احلاســب اآليل‬
‫أمــام إحــدى دوائــر املحكمــة اإلداريــة العليــا مبجلــس الدولــة‬ ‫ســنوياً‪ 64.‬وهنــا ِ‬ ‫أوســع‪ :‬فقــد أرســلت اإلقــرارات إىل اهليئــة العامــة لإلصــالح‬
‫ــل الربــا وحمــق اللــه الربكــة‪ .‬فتحولــت‬‫أدخ َ‬ ‫ليســاعد القضــاة واملســؤولن لفهــم نصــوص القوانــن وترابطهــا‬
‫وخــالل ســتن يومــاً‪ 69.‬كيــف ســيصل املظلــوم إىل تلــك‬ ‫الزراعــي مصحوبــة بنســخة كاملــة مــن اخلرائــط املســاحية أو‬
‫األرايض الزائــدة عــن نصــاب الفــرد مــن اإلذعــاين املتحــد إىل‬ ‫وتضارهبــا مــع بعضهــا حتــى يتمكنــوا مــن البــت يف األمــور‬
‫الدوائــر العليــا ؟ ومــن الــذي ســيفهم مهــام هــذه اللجــان ؟‬ ‫الرســومات الكروكيــة إىل كل تفتيــش مــن تفاتيــش املســاحة‬
‫احليــازي‪ ،‬فراكمــت املشــاكل مؤديــة بذلــك إىل فقــدان مــر‬ ‫القضائيــة‪60.‬‬
‫ومتــى ســتجتمع هــذه اللجــان؟ البــد وأن يكــون هــذا فصــل‬ ‫املختصــة‪ ،‬وبعــد ذلــك يتــم االتفــاق بــن اهليئــة العامــة‬
‫ألربعــة عــرش ألــف فــدان مــن أجــود األرايض الزراعيــة عــى‬
‫آخــر مــؤمل مــن فصــول مرحيــة البروقـراطيـــة الورقيـــة‪.‬‬ ‫لإلصــالح الزراعــي ومصلحــة املســاحة عــى كيفيــة تنظيــم‬ ‫وهنــا يتبلــور ســؤال‪ :‬مــن ســيقوم بتطبيــق هــذه القوانــن‬
‫أقــل تقديــر بــن عامــي ‪1979-1975‬م يف وقــت يــزداد فيــه عــدد‬
‫العمليــات للقيــام بتحديــد األرايض بعالمــات حديديــة عــى‬ ‫؟ ومــا هــو حجــم اجلهــاز اإلداري للقيــام بذلــك ؟ ومــن‬
‫إن هــذا املثــال مــن مــر يــدل عــى أن تدخــل الدولــة‬ ‫الســكان ! ‪65‬‬
‫الطبيعــة ومــا إىل ذلــك مــن أعــال‪ 62.‬أي أن البروقراطيــة‬ ‫ســيرف عليهــم ويضمــن تنفيذهــم للقوانــن كــا أريــد هلــا‬
‫لتنظيــم امللكيــة ليــس باألمــر الســهل‪ .‬فقــد أدى إىل إربــاك‬
‫وبعــد تراكــم األرايض الزراعيــة لــدى الدولــة يــأيت‬ ‫بــدأت حتــل حمــل األعــراف‪ .‬وهــذه نقطــة حتــول مهمــة يف‬ ‫؟ لقــد بــدأت مــر رحلــة جديــدة‪ ،‬ولنســمها «البروقراطيــة‬
‫أمــور كثــرة منهــا االجتاعيــة‪ :‬فقــد أوجــد يف بعــض األحيــان‬
‫ســؤال‪ :‬كيــف ســيتم توزيــع األرايض الزراعيــة وملــن؟ مــرة‬ ‫اإلدارة واملــوارد املريــة‪ .‬لقــد بــدأت املســؤولية يف التشــتت‬ ‫الورقيــة»‪ .‬هــذه البروقراطيــة اســتنزفت مــوارد مــر البرشيــة‬
‫ال‪ :‬قــررت القوانــن أنــه‬‫احلــزازات داخــل األرسة نفســها‪ .‬فمث ـ ً‬
‫أخــرى البــد مــن إصــدار قوانــن لتنظيــم األمــور‪ .‬فقــد تقــرر‬ ‫والتبعــر بــن أفــراد أكــر بعيديــن عــن األرض لكــرة األوراق‬ ‫واملاديــة‪ .‬فقــد أنشــئت جلنــة باســم «اللجنــة العليــا لإلصــالح‬
‫جيــوز لــألرسة أن توفــق أوضاعهــا يف نطــاق ملكيــة املائــة‬
‫أن تتــوىل هــذه العمليــة اهليئــة العامــة لإلصــالح الزراعــي‬ ‫والتوقيعــات واألختــام والســجالت‪.‬‬ ‫الزراعــي» يك تتــوىل تنفيــذ قانــون عــام ‪1952‬م‪ .‬ثــم يف عــام‬
‫فــدان بالطريقــة التــي يرتضيهــا أفــراد األرسة يف حتديــد نصــاب‬
‫وصــدرت قوانــن ثــم عدلــت كالعــادة‪ .‬مــن هــذه القوانــن‬ ‫‪1957‬م اســتبدلت هــذه اللجنــة باســم «اهليئــة العليــا لإلصــالح‬
‫كل واحــد منهــم‪ .‬ويف حالــة اختــالف أفــراد األرسة يف ذلــك‬ ‫ثــم أخــذت العالقــة بالشــد بــن الدولــة واملــالك‪ .‬وهــذا‬
‫هــو أن تــوزع األرض املســتوىل عليهــا يف كل قريــة عــى‬ ‫الزراعــي» وأعطيــت الكثــر مــن الصالحيــات‪ .‬وحتــى تتمكــن‬
‫فستســتويل احلكومــة عــى الفائــض عــن نصيــب كل واحــد‬ ‫ال‪ ،‬إذا‬
‫واضــح مــن القوانــن التــي حتــوي مــواد تأديبيــة‪ .‬فمثــ ً‬
‫صغــار الفالحــن بحيــث يكــون لــكل منهــم ملكيــة صغــرة ال‬ ‫هــذه اهليئــات مــن عملهــا البــد وأن تتخــذ خطــوات صارمــة‬
‫منهــم‪ .‬كــا بــدأت األنظمــة يف التدخــل يف تعريــف األرسة‬ ‫مل يقــم صاحــب األرض بتقديــم اإلقــرار فســيعاقب باحلبــس‬
‫تقــل عــن فدانــن وال تزيــد عــن مخســة فداديــن تبع ـاً جلــودة‬ ‫ضــد املــالك الذيــن ســيحاولون الفــرار مــن هــذه القوانــن‪.‬‬
‫كوحــدة مــن خــالل القوانــن حتــى ال يتالعــب الفالحــون‬ ‫والغرامــة مبقــدار مخســائة جنيــه‪ ،‬وقــد يرتــب عــى احلكــم‬
‫األرض‪ .‬وهنــاك رشوط ملــن تــوزع عليــه األرض؛ ومتــى توفــرت‬ ‫وبالتــايل فــإن حماولــة تنفيــذ هــذه القوانــن أدت إىل بروقراطيــة‬
‫واملــالك يف تقســيم أرسهــم إىل عــدد أكــرب للحصــول عــى‬ ‫بالعقوبــة اجلنائيــة مصــادرة مثــن األرايض الواجــب االســتيالء‬
‫ال‪،‬‬
‫الــرشوط تكــون األولويــة بعدهــا ملــن كان يــزرع األرض فع ً‬ ‫ورقيــة ال تصــدق‪ .‬ولــرب بعــض األمثلــة‪ :‬طالبــت القوانــن‬
‫ال تنــص إحــدى املــواد يف الالئحــة التنفيذية‬
‫نصيــب أكــر‪ .‬فمثـ ً‬ ‫عليهــا وإهــدار حــق األرسة يف اختيــار األرض التــي تــود‬
‫كاملســتأجر أو املــزارع‪ ،‬ثــم ملــن هــو أكــر عائلــة مــن أهــل‬ ‫أصحــاب األرايض أن يقدمــوا إقــرار ًا خــالل فــرة حمــددة عــن‬
‫لعــام ‪ 1969‬بــأن األوالد القــر مــن أب متــوىف إذا كانــت أمهــم‬ ‫االحتفــاظ هبــا‪ ،‬أو حتــى هــدر حــق األرسة يف االحتفــاظ باملائــة‬
‫ال منهــم‪ ،‬وهكــذا مــن قوانــن‬ ‫القريــة‪ ،‬ثــم ملــن هــو أقــل مــا ً‬ ‫ملكياهتــم وملكيــات أرسهــم متضمنــة بيانــات كثــرة‪ ،‬مثــل‬
‫يف يــوم ‪1969/7/23‬م متزوجــة زوجـاً آخــر تعترب أرسة مســتقلة‬ ‫فــدان‪ .‬وكذلــك يعاقــب كل مــن حــاول أن يفســد ملحقــات‬
‫يصعــب التحكــم فيهــا مؤديــة بذلــك إىل تفضيــل بعــض األفــراد‬ ‫حتديــد موقــع املائــة فــدان الــذي ترغــب األرسة يف االحتفــاظ‬
‫!‪ 70‬يــا للعجــب‪ .‬أخــي القــارئ‪ :‬إذا ســألت أي عــامل اجتــاع‬ ‫األرض التــي ستســتويل عليهــا الدولــة‪ ،‬أو حــاول أن يضعــف‬
‫عــى اآلخريــن‪ 66.‬أي أن قوانــن التوزيــع هــذه ومجيــع القوانــن‬ ‫بــه ومــا عليــه مــن منشــآت وآالت ثابتــة وغــر ثابتــة وحتديــد‬
‫ســيجيبك أن حماولــة حتديــد األرسة كوحــدة يف عاملنــا املســلم‬ ‫تربتهــا بقصــد تفويــت متــام االنتفــاع هبــا وقــت االســتيالء‬
‫الســابقة فتحــت األبــواب عــى مصاريعهــا للرشــاوي والعــداوة‬ ‫املســاحات الزائــدة اخلاضعــة لالســتيالء‪ .‬وهنــا يظهــر ســؤال‪:‬‬
‫هــو مــن املســتحيالت‪ ،‬إال أن القوانــن فعلــت ذلــك وببســاطة‪.‬‬ ‫عليهــا‪63.‬‬

‫‪129‬‬ ‫‪128‬‬
‫ـرشع بشــأن امللكيــات‬ ‫كــا أن هــذه القوانــن أصبحــت هــي املـ ّ‬ ‫التــي أريــد هبــا أن تكــون الشــكل الــذي تنتهــي عنــده طريقــة‬ ‫وظهــور امللكيــة اجلاعيــة واقتبــاس جتــارب الصــن الشــيوعية‬ ‫ومجيــع هــذه التدخــالت انتهــت إىل املركزيــة‪ .‬فأنشــئ‬
‫وتعريــف حدودهــا ومــا إىل ذلــك مــن مســائل تتعلــق بالبيئــة‪.‬‬ ‫التســجيل العقــاري وأن يظــل العمــل يف دوائــر (التــاء) قامئــاً‬ ‫واالحتــاد الســوفيتي‪ 74‬كمثــال حيتــذى بــه‪ ،‬ممــا أدى إىل نتائــج‬ ‫صنــدوق خــاص يســمى «صنــدوق األرايض الزراعيــة» ومركــزه‬
‫فالقانــون املــدين املــري وضعــه الدكتــور عبــد الــرزاق‬ ‫منــذ ســنة ‪ 1932‬حتــى اآلن‪ ،‬واىل مــا شــاء اللــه‪ .‬وبذلــك فقــد‬ ‫ســيئة مشــاهبة ملــا حــدث يف مــر (وســنتعرض ملــا حــدث يف‬ ‫يف مدينــة القاهــرة ويتــوىل هــذا الصنــدوق متويــل املشــاريع‬
‫الســنهوري وســاعده يف ذلــك الســيد المــربت مــن فرنســا‪ ،‬وهناك‬ ‫حتقــق قــول اخلبــر (يعــي داوســن) املعــروف (وخيــى أن‬ ‫مــر يف اإلذعــاين احليــازي مــن هــذا الفصــل)‪.‬‬ ‫الزراعيــة عــى أن يكــون دخــل هــذا الصنــدوق مــن حصيلــة‬
‫تشــابه كبــر بــن القانــون املــدين املــري والفرنــي‪ .‬ويقــال‬ ‫تســود يف العــرش أو العرشيــن أو مئــة الســنن املقبــالت نفــس‬ ‫إجيــار وبيــع األرايض املســتوىل عليهــا‪ 71.‬أي أن األرض قــد‬
‫أمــا يف العــراق فقــد اســتمر تطبيــق قانــون األرايض‬
‫بــأن عبــد الــرزاق الســنهوري ســاعد يف وضــع القانــون املــدين‬ ‫املســاوئ إذا مل تعالــج هــذه القضيــة بطريقــة عمليــة ناجعــة‬ ‫خرجــت مــن اإلذعــاين املتحــد إىل احليــازي أو الرخيــي‪.‬‬
‫العثــاين وأصبــح نافــذ املفعــول مبوجــب الدســتور العراقــي‪.‬‬
‫الســوري والليبــي والعراقــي‪ ،‬والــذي اقتبســت األردن منهــم يف‬ ‫ال) وقــد كان ذلــك‪،‬‬ ‫ختتلــف عــن الطــرق التــي اتبعــت قبــ ً‬ ‫واألهــم مــن هــذا هــو أن الفريــق املالــك أصبــح بعيــداً عــن‬
‫ثــم أُصــدرت مجلــة قوانــن تتعلــق بــاألرايض أيــام االنتــداب‬
‫وضــع قانوهنــا املــدين‪ 78.‬أي أن هنــاك تشــاهباً كبــراً يف القوانــن‬ ‫فــإن أعــال التســوية مل تتــم حتــى اآلن وبالرغــم مــن أن مــا‬ ‫العقــار‪ ،‬فهــو يف القاهــرة‪ .‬ولبعــد الفريــق املالــك أو املســيطر‬
‫اإلنجليــزي‪ ،‬منهــا قانــون متليــك وحتديــد األرايض األمريــة يف‬
‫بــن تلــك الــدول‪ ،‬لذلــك فــإن الركيــز عــى بعضهــا هنــا ســيغي‬ ‫طبــق فيــه قانــون التســوية قــد بلــغ يف ســنة ‪)9407431( 1964‬‬ ‫ِ‬ ‫عــن العنــر آثــار ســلبية حلــال العقــار قــد تدمــره‪ ،‬وســنتطرق‬
‫ـي‬
‫املــدن والقــرى والقصبــات ســنة ‪1926‬م‪ .‬وبعــد االحتــالل ألغـ َ‬
‫عــن ذكــر معظمهــا‪.‬‬ ‫دومنــاً مــن (‪ )106783600‬دونــم التــي ينبغــي أن تتــم فيهــا‬ ‫هلــا يف الفصــل القــادم‪ .‬أمــا بالنســبة للقوانــن التــي تســيطر عــى‬
‫هــذا القانــون بقانــون اللزمــة واملعــدل ســنة ‪1938‬م‪ ،‬وقانــون‬
‫التســوية عــدا البــوادي والصحــاري‪ ،‬فــإن األعــال القضائيــة‬ ‫املزارعــن فــال تنتهــي‪ .‬فهنــاك قيــود قانونيــة وقيــود إداريــة‬
‫يقــول مصطفــى الزرقــاء يف صــدور القانــون املــدين‬ ‫تســوية حقــوق األرايض لســنة ‪1932‬م والــذي اســتبدل أيضــاً‬
‫والتســجيل وإصــدار الســندات تتطلــب وقتــاً آخــر ليــس‬ ‫وقيــود بشــأن حقــوق االرتفــاق والــري والــرف وتدخــالت‬
‫الســوري‪ ...« :‬وكان صــدور هــذا القانــون مبســاعي الســيد‬ ‫بقانــون التســوية لعــام ‪1938‬م واملعــدل ســنة ‪1939‬م وســنة‬
‫بالوســع تقديــره»‪ .‬أي أن حماولــة الســلطة إلحــالل الســندات‬ ‫بشــأن حقــوق اجلــوار ومــا إىل ذلــك مــن مســائل كانــت مروكة‬
‫أســعد الكــوراين الــذي واله زعيــم االنقــالب وزارة العــدل‬ ‫‪1941‬م وســنة ‪1942‬م‪ 75.‬إال أن التعديــالت اجلذريــة حصلــت‬
‫حمــل األعــراف قــد فشــلت‪ .‬فعنــد تطبيــق قانــون التســوية‬ ‫لألعــراف‪.‬‬
‫الســورية‪ .‬فقــد اهتبــل الســيد الكــوراين فرصــة ذلــك العهــد‬ ‫بعــد عــام الثــورة (‪ )1958‬والتــي أخــذت الطابــع االشــرايك‬
‫كان نحــو أربعــة أمخــاس األرض املزروعــة تعتــرب خارجــة عــن‬
‫االنقــاليب واحلكــم اإلرهــايب‪ ،‬وأقنــع زعيــم االنقــالب الــذي‬ ‫ال مــن العــراق وســورية ال حيســدان مــن‬ ‫مثــل مــر‪ .‬أي أن ك ً‬ ‫أخــي القــارئ‪ ،‬إن مــا ذكرتــه هنــا عــن مــر مــا هــو إال‬
‫أحــكام القانــون وال تــري فيهــا ســلطة املحاكــم‪ ،‬أمــا الباقــي‬
‫تــوىل الســلطتن الترشيعيــة والتنفيذيــة بــأن إقامــة قانــون‬ ‫حيــث التذبــذب‪ ،‬فهــا يف نفــس املركبــة مــع مــر‪.‬‬ ‫جــزء يســر ملــا ينبغــي أن يكتــب يف ضيــاع املســؤولية‪ .‬فقــد‬
‫فيقــول فيــه حامــد مصطفــى منتقــداً‪« :‬أمــا اخلمــس الباقــي فقــد‬
‫ال مــن الترشيــع اإلســالمي وفقهــه يف هــذه‬ ‫مــدين أجنبــي بــد ً‬ ‫أُلفــت أطنــان مــن الكتــب التــي حتــوي القوانــن واللوائــح‬
‫كان القانــون يطبــق فيــه تطبيق ـاً ســيئاً ال يــكاد يعالــج مســائل‬ ‫ومــا يثــر االنتبــاه يف العــراق هــو قانــون التســوية لعــام‬
‫البــالد هــو خــر وســيلة خللــود الذكــر وعظيــم املكانــة يف نظــر‬ ‫التنظيميــة والتعديــالت والــرشوح حتــى يتمكــن الفــرد‬
‫التــرف وحقــوق املترفــن عالجـاً واضحـاً مفهومـاً»‪ 76.‬ومــا‬ ‫‪1932‬م‪ .‬ففــي ســنة ‪1929‬م عرضــت احلكومــة العراقيــة حالــة‬
‫األجانــب‪ ،‬وأومهــه أن هــذا العمــل جيعلــه كنابليــون الــذي‬ ‫املســكن أو حتــى القــايض مــن فهــم القانــون والتعامــل معــه‪.‬‬
‫هــذه املشــكالت إال ألن أول مــا تفكــر فيــه الســلطات عنــد‬ ‫األرايض العراقيــة خلبــر إنجليــزي اســمه داوســن‪ ،‬وكان‬
‫كان القانــون املــدين الفرنــي أكــر ختليــداً لــه مــن فتوحاتــه‪.‬‬ ‫كــا يصعــب عــي أن أرشح بالتفصيــل مــا حــدث يف كل دولــة‬
‫حماولتهــا حــل املشــاكل هــو التدخــل واملركزيــة‪ .‬ومل تفكــر أي‬ ‫يعمــل يف مــر خبــر ًا يف شــؤون األرايض والزراعــة‪ .‬وأدت‬
‫وقــد وجــدوا أن القانــون املــدين املــري اجلديــد حيقــق هــذا‬ ‫ال‪ ،‬وألنــه ســيخرجنا عــن‬
‫عربيــة ألن ذلــك لــن يضيــف كثــر ًا أو ً‬
‫دولــة عربيــة يف احلــل الالمركــزي كــا فعلــت الرشيعــة‪.‬‬ ‫توصيــات داوســن إىل قانــون اللزمــة وقانــون تســوية حقــوق‬
‫الغــرض ألنــه أجنبــي أورويب املصــادر‪ ،‬فأصــدروه بــن عشــية‬ ‫موضوعنــا ثانيـاً‪ .‬لذلــك فســأكتفي باإلشــارة ملــا حــدث يف بعــض‬
‫األرايض لســنة ‪1932‬م‪ .‬ولتطبيــق هــذه التوصيــات كونــت‬
‫وضحاهــا بجــرة قلــم هدمــوا هبــا أعظــم رصح فقهــي يف العــامل‪،‬‬ ‫أمــا يف األردن فقــد اســتمرت معظــم القوانــن العثانيــة‬ ‫الــدول العربيــة ثــم نذهــب للنــاذج اإلذعانيــة‪.‬‬
‫احلكومــة جهازيــن أحدمهــا إداري واآلخــر قضــايئ‪ .‬فأمــا‬
‫وأقامــوا هبــا قانون ـاً ال مرجــع فيــه لقــاض أو حمــام أو دارس إال‬ ‫ســارية املفعــول وحتــى عــام ‪1953‬م حــن صــدر قانــون‬
‫اجلهــاز اإلداري فيبــدأ بإعــالن وزيــر العــدل ملنطقــة حمــددة من‬ ‫لقــد ظلــت القوانــن العثانيــة يف أحــكام األرايض هــي‬
‫أصولــه واصطالحاتــه األجنبيــة ‪ ...‬ونحــن ال نــأىب االقتبــاس‪،‬‬ ‫بتحويــل األرايض األمريــة إىل ملــك‪ ،‬ووضعــت القواعــد التــي‬
‫األرض للتســوية؛ فعندئــذ جتمــد حــال تلــك األرض قانونيـاً‪ ،‬ثــم‬ ‫املــرشع حتى احلــرب العامليــة األوىل يف كل من ســورية واألردن‬
‫فــإن احلكمــة ضالــة املؤمــن‪ ،‬ولكننــا أثريــاء يف املــادة‪ ،‬وإمنــا‬ ‫تكفــل ذلــك التحــول‪ 77.‬أي أن األرايض حتولــت مــن اإلذعــاين‬
‫تقســم األرض إىل مقاطعــات واملقاطعــات إىل قطــع‪ ،‬ثــم متســح‬ ‫ولبنــان والعــراق‪ .‬وبرغــم أن الوضــع يف اخلالفــة العثانيــة كان‬
‫نحــن بحاجــة إىل اقتبــاس األســاليب احلديثــة يف البحــث الفقهي‬ ‫احليــازي إىل املتحــد‪ .‬لــذا فأنــا أميــل إىل أن هــذا هــو أحــد‬
‫كل قطعــة وتوضــع هلــا اخلرائــط‪ .‬وهبــذا ينتهــي دور اجلهــاز‬ ‫مركزيـاً مقارنــة بالرشيعــة اإلســالمية‪ ،‬إال أن األنظمــة يف هــذه‬
‫وترتيبــه‪ ... ،‬أمــا إمهــال ذلــك الفقــه ‪ ...‬فهــو إعــالن إفــالس‪،‬‬ ‫األســباب يف أن أوضــاع املواطنــن االقتصاديــة يف األردن كانــت‬
‫اإلداري ليبــدأ دور اجلهــاز القضــايئ والــذي يتكــون مــن حماكــم‬ ‫الــدول العربيــة اســتبدلت بأخــرى متأثــرة بالنظــم الغربيــة‬
‫وليــس باقتبــاس‪ ،‬وهــو عجــز ال إبــداع‪ ،‬فــال يليــق هــذا بأمــة هلا‬ ‫أفضــل منهــا يف مــر‪ ،‬إال أنــي قــد ال أمتكــن مــن إثبــات ذلــك‬
‫خاصــة منحــت ســلطة القضــاء يف املنازعــات وتثبيــت احلــدود‬ ‫وأصبــح الوضــع أكــر مركزيــة‪ .‬ففــي ســورية ولبنــان أصــدر‬
‫ثــروة فقهيــة كروتنــا‪ ،‬ومــاض ترشيعــي جليــل كاضينــا»‪79.‬‬ ‫اآلن‪ .‬وحتــى األردن حــادت عــن الطريــق مــن خــالل قوانينهــا‬
‫واحلقــوق يف األرايض (كاالرتفــاق) التــي أُعلــن تطبيــق القانــون‬ ‫املفــوض الفرنــي عــام ‪1926‬م نظاماً ملســح األرايض وتســجيلها‪.‬‬
‫رحــم اللــه الشــيخ الزرقــاء‪.‬‬ ‫الوضعيــة‪ .‬وهنــا نــأيت لفصــل جديــد مــن مأســاة املســلمن اســمه‬ ‫أص ِ‬
‫فيهــا‪ .‬ثــم بعــد ذلــك ُت ْصــدر ســندات لتكــون كوثائــق لــألرايض‬ ‫ــدر قانــون األرايض اجلديــد واملســمى‬ ‫ويف عــام ‪1930‬م ْ‬
‫القوانــن املدنيــة‪.‬‬
‫ال‪ .‬وكان‬ ‫إلثبــات احلقــوق وإجــراء العقــود واملعامــالت مســتقب ً‬ ‫بـــ «نظــام امللكيــة العقاريــة» ليحــل حمــل النظــم العثانيــة‪،‬‬
‫ومــن املــآيس أن معظــم الــدول العربيــة تأثــرت بالقوانــن‬ ‫مــن املتوقــع أن ينتهــي العمــل بنظــام التســوية هــذا يف حــدود‬ ‫ونظّــم أحــكام مجيــع أنــواع امللكيــة العقاريــة‪ ،‬وليــس األرايض‬
‫الغربيــة يف معظــم املجــاالت عنــد وضــع قوانينهــا املدنيــة دون‬ ‫مخــس عــرشة ســنة‪ ،‬إال أن ذلــك مل حيــدث‪ .‬يقــول حامــد‬ ‫فقــط‪ 72.‬ويف عــام ‪1949‬م صــدر القانــون املــدين الســوري‬
‫أي حماولــة الختبــار تلــك القوانــن‪ ،‬وأىت هــذا التأثــر بغــض‬ ‫مصطفــى منتقــداً‪« :‬ولكــن تلــك التوصيــات (أي توصيــات‬ ‫والــذي أدجمــت فيــه نصــوص قانــون امللكيــة العقاريــة‪ 73.‬أمــا‬
‫النظــر عــن االختالفــات الشاســعة بــن مصــادر تلــك القوانــن‬ ‫داوســن) انتهــت إىل جهــاز يوصــم بالراخــي والكســل والبــطء‬ ‫بــي املذهــب االشــرايك‬ ‫بالنســبة لــألرايض الزراعيــة‪ ،‬فقــد ُت ّ‬
‫وبــن الــدول العربيــة اإلســالمية‪ ،‬وبشــكل يدعــو للعجــب‪.‬‬ ‫وأن يشــار إليــه بدائــرة (التــاء)‪ ،‬وأن هتمــل طريقــة التســجيل‬ ‫وتــم تطبيقــه بعــد عــام ‪1963‬م بتحديــد ســقوف امللكيــة‬

‫‪131‬‬ ‫‪130‬‬
‫وبـــ «الشــهر العقــاري» يف مــر وبـــ «الســجل العقــاري» يف‬ ‫الترشيعــات بإلغــاء اإلحيــاء ووضــع رشوط لــه‪ ،‬مشــاهبة ملــا‬ ‫يف األريــاف وخــارج املــدن والقــرى التــي عرفــت عــى أهنــا‬ ‫اإلذعاين املتحد‬
‫بــالد احلرمــن وســورية ولبنــان وبـــ «التحفيــظ العقــاري» يف‬ ‫حــدث يف كثــر مــن الــدول العربيــة‪ ،‬كاألردن وبــالد احلرمــن‪،‬‬ ‫أماكــن مبنيــة تعتــرب أراض أمريــة»‪ 81.‬ياللعجــب! إن قانونــاً‬
‫ال ميكــن ألي فــرد ختيــل مــا ميكــن أن حيــدث ملجتمــع‬
‫املغــرب‪ .‬وكانــت هــذه املؤسســات مســتقلة بذاهتــا أو حتــت‬ ‫وبنفــس النتائــج‪91.‬‬ ‫واحــداً مــن الدولــة حــول األرايض اململوكــة والعرشيــة مــن‬
‫مــن إربــاك وختلــف بتدخــل الســلطات يف أمــوره كــا فعلــت‬
‫مظلــة البلديــات‪ 94.‬وبالتأكيــد مل تكــن متواجــدة يف املوقــع‬ ‫ملكيــة األفــراد إىل ملكيــة الدولــة‪ ،‬أي مــن اإلذعــاين املتحــد إىل‬
‫ومــن هــذا نخلــص بــأن وضــع األرايض املــوات كان‬ ‫األنظمــة الوضعيــة‪ .‬وســأرضب أربعــة أمثلــة لتوضيــح كيفيــة‬
‫كــا هــو احلــال يف األعــراف‪ ،‬ولكــن كانــت بعيــدة عنــه‪.‬‬ ‫احليــازي بعــد حتويــل امللكيــة‪.‬‬
‫أفضــل يف اخلالفــة العثانيــة منــه يف العــامل العــريب‪ ،‬وذلــك ألن‬ ‫تأثــر هــذه التدخــالت يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬املثــال األول‪ :‬مل‬
‫وهيــدف الشــهر العقــاري إلشــهار وتوضيــح الوضــع‬ ‫املــوات مل تلغــه القوانــن العثانيــة ولكــن اعرفــت بــه عــى‬ ‫واملثــال الثالــث هــو إلغــاء اإلحيــاء‪ :‬فقــد اعتــرب القانــون‬ ‫ـرف معظــم القوانــن املدنيــة امللكيــة تعريفـاً واضحـاً بحجة‬ ‫ُتعـ ّ‬
‫القانــوين للعقــار مــن حيــث مــن هــو املالــك‪ ،‬ومــا هــي مســاحة‬ ‫األقــل‪ ،‬ووضعــت لــه رشوط ـاً أدت إىل تقييــده؛ أمــا يف العــامل‬ ‫املــدين الســوري الصــادر عــام ‪1949‬م املــوات‪ ،‬أو العقــارات‬ ‫أن القوانــن ال ُتعــى عــادة بالتعريــف ولكــن بتحديــد األطــر‬
‫وحــدود العقــار ومــا هــي مرافقــه وعالقتــه مــع العقــارات‬ ‫العــريب‪ ،‬فــإن مبــدأ امتــالك األرض باإلحيــاء قــد قتــل‪ ،‬وإن مل‬ ‫اخلاليــة املباحــة‪ ،‬أراض أمريــة ولكــن مل يثبــت عليهــا حــق‬ ‫التــي جيــوز للالــك التــرف يف حدودهــا‪ .‬ومجيــع القوانــن‬
‫املجــاورة‪ .‬واهلــدف مــن إنشــاء هــذه املؤسســات نبيــل وقــد‬ ‫يقتــل فــإن رشوطــه يف بعــض الــدول العربيــة كانــت مثبطــة‬ ‫تــرف بعــد؛ وعندمــا يقــع عليهــا حــق التــرف تصبــح مــن‬ ‫املدنيــة تعطــي املالــك حريــة التــرف ولكــن تشــرط أن‬
‫حتتاجــه املجتمعــات‪ .‬فهــو هيــدف أساســاً إىل اســتقرار‬ ‫للعزميــة‪ .‬فعــى مــن أراد اإلحيــاء احلصــول عــى رخصــة مــن‬ ‫العقــارات األمريــة‪ ،‬أي أهنــا ملــك للدولــة‪ 82.‬وهــذا نفــس مــا‬ ‫يكــون ذلــك يف حــدود القانــون‪ .‬فاملــادة ‪ 802‬مــن القانــون‬
‫املعامــالت العقاريــة وإشــاعة الثقــة واالطمئنــان بــن األفــراد‪.‬‬ ‫الدولــة‪ ،‬وللحصــول عــى هــذه الرخصــة عليــه أن يقــدم الكثــر‬ ‫حــدث يف العــراق عــام ‪1938‬م‪ 83.‬أمــا يف مــر فــإن إلغــاء‬ ‫املــدين املــري واملســتمد مــن املــادة ‪ 544‬مــن القانــون املــدين‬
‫ولكــن كيــف ميكــن إحصــاء مجيــع امللكيــات وحرهــا يف‬ ‫مــن الطلبــات التــي تنهــك كاهلــه‪ ،‬وعليــه تعبئــة ومتابعــة‬ ‫نظــام اإلحيــاء كان تدرجيي ـاً‪ .‬فقــد بــدأ بالقوانــن املدنيــة التــي‬ ‫الفرنــي تنــص عــى أنــه «ملالــك الــيء وحــده‪ ،‬يف حــدود‬
‫دولــة مــا وحتديــد حقوقهــا؟ هــذا باإلضافــة إىل النفقــات الطائلة‬ ‫املعامــالت الورقيــة مــن مكتــب إىل آخــر بتوقيعــات وأختــام‬ ‫اعتــربت األرايض غــر املزروعــة وال مالــك هلــا ملــكاً للدولــة‪،‬‬ ‫القانــون حــق اســتعاله والتــرف فيــه»‪ 80.‬وهــذا معنــاه أن‬
‫لتنفيــذ هــذا احلــر؟ علــاً أن هــذه املعلومــات دامئــة التغــر‬ ‫مؤديــة إىل التعقيــد والرشــوة يف مجيــع املســتويات‪ .‬وبعــد‬ ‫وأنــه ال جيــوز متلــك هــذه األرايض أو وضــع اليــد عليهــا إال‬ ‫للالــك أن يفعــل مــا يشــاء طاملــا أنــه أتبــع قوانــن الدولــة‪ ،‬أي‬
‫لتفتــت امللكيــات وانتقاهلــا مــن يــد إىل أخــرى‪ ،‬باإلضافــة إىل‬ ‫كل هــذا فــإن اإلحيــاء قــد ال يــؤدي إىل حــق امللكيــة ولكــن‬ ‫برخيــص مــن الدولــة وفق ـاً للوائــح‪ 84.‬ومبقتــى هــذه امللكيــة‬ ‫أن الفريــق املســيطر خاضع لســلطان الدولــة يف املســائل البيئية‪،‬‬
‫تشــابك احلقــوق بــن العقــارات عنــد انتقــال امللكيــات‪ .‬فمــن‬ ‫اىل حــق التــرف يف بعــض الــدول العربيـــة؛ أي أن الفريــق‬ ‫جيــوز للدولــة أن متُ لّــك هــذه األرايض ملــن تــراه مناســباً؛ وهــذا‬ ‫أي أن هنــاك مركزيــة؛ وهــذا معاكــس ملبادئ الرشيعــة‪ :‬فلالك‬
‫الصعــب عــى معظــم الــدول‪ ،‬وبالــذات الفقــرة منهــا‪ ،‬الوقــوف‬ ‫املســتخدم لــن ميلــك باإلحيـــاء ولكــن يســيطر ويســتخدم‪92.‬‬ ‫فتــح يف مــر‪ ،‬ككل الــدول العربيــة األخــرى‪ ،‬بابــاً جديــد ًا‬ ‫العقــار يف ظــل الرشيعــة حريــة التــرف طاملــا أنــه مل يــر‬
‫عــى كل عقــار وحتديــد حــدوده وحقوقه عــن طريــق موظفيها‪.‬‬ ‫ليــس هــذا فحســب‪ ،‬ولكــن بعــض الــدول ق ّننــت بــأن كل مــن‬ ‫للرشــاوي والعــداوات‪ ،‬إذ أن هــذا النظــام‪ ،‬واألنظمــة املشــاهبة‬ ‫بأحــد مــن جرانــه (وســيرشح هــذا يف الفصــل الســادس)‪ .‬أي‬
‫فكانــت أفضــل وســيلة يف نظــر الســلطات لتحقيــق هــذا اهلدف‬ ‫حــاول التعــدي عــى أرض مــوات فهــو إمنــا يتعــدى عــى أرض‬ ‫لــه يف الــدول األخــرى‪ ،‬وضعــت ملكيــة األرض يف يــد الدولــة‪،‬‬ ‫أن العالقــة يف الرشيعــة تركــز عــى الفــرد مــع جــاره وليــس‬
‫هــي إلقــاء العــبء عــى املــالك مــن خــالل القوانــن‪ .‬ومتــى مل‬ ‫ال عــن ذلــك التعــدي‪ .‬والعجيــب هــو‪:‬‬ ‫الدولــة ويعتــرب مســؤو ً‬ ‫والدولــة مــا هــي إال أفــراد‪ ،‬واألفــراد هلــم مصالــح‪ ،‬وبذلــك‬ ‫مــع الدولــة كالوضــع باتبــاع القوانــن املدنيــة‪ .‬أي أن حــق‬
‫ـدرت قوانـيـــن أخــرى‪،‬‬ ‫يتجــاوب املــالك مــع هــذه القوانــن أصـ ِ‬ ‫كيــف ومــن هــذا الــذي ســيتعدى عــى أرض مــوات إال إذا كان‬ ‫فقــد يرخصــون أو ُي ْق ِطعــون مــن يشــاؤون مــن معــارف ومــا إىل‬ ‫الســيطرة للفريــق أصبــح حمكوم ـاً بقوانــن الســلطة املركزيــة‬
‫وهكــذا تراكمــت قوانـيـــن الشــهر العقــاري وتعقــدت‪.‬‬ ‫شــخصاً أراد اســتغالهلا واالنتفــاع هبــا؟ ‪93‬‬ ‫ذلــك مــن حمســوبيات‪85.‬‬
‫وليــس مبوافقــة اجلــران‪ .‬وهلــذا التحــول مــن اجلــران للســلطة‬
‫والشــهر العقــاري مثــل جيــد عــى أن حماولــة تدخــل‬ ‫وإذا مــا قارنــا هــذه األنظمــة مبــا كان يف البيئــة التقليديــة‬ ‫كــا نــص القانــون املــدين املــري أنــه إذا أحيــا شــخص‬ ‫أبعــاد اجتاعيــة وخطيــة ‪ territorial‬كبــرة يف تركيــب البيئــة‬
‫الســلطات يف خصوصيــات اإلذعــاين املتحــد ستفشــل ال حمالــة‪،‬‬ ‫نالحــظ الفــارق الكبــر‪ .‬فــكل خطــوة يقــوم هبــا كل مــن أراد‬ ‫أرضــاً بــدون ترخيــص فســيصبح مالــكاً لذلــك اجلــزء مــن‬ ‫وســأرشحها يف حينهــا‪.‬‬
‫مســتنهكةً بذلــك جمهــودات كل مــن الدولــة واملــالك عــى‬ ‫اإلحيــاء البــد وأن ُتســتأذن فيهــا الســلطات وتوافــق عليهــا‪ .‬وقــد‬ ‫األرض‪ ،‬ولكــن تســقط ملكيتــه لــألرض بعــدم اســتعال األرض‬ ‫املثــال الثــاين هــو مــا حــدث بعــد أن قســم القانــون‬
‫الســواء دون مقابــل‪ .‬فقــد اختلــف الوضــع ســوءاً مــن دولــة‬ ‫ال تنتهــي هــذه املجهــودات بــاألرض يف النهايــة إىل اإلذعــاين‬ ‫مــدة مخــس ســنوات خــالل اخلمــس عــرشة ســنة التاليــة‬ ‫املــدين الســوري الصــادر عــام ‪1949‬م العقــارات إىل مخســة‬
‫إىل أخــرى؛ فكلــا تدخلــت الدولــة كلــا زاد الوضــع ســوءاً‬ ‫املتحــد‪ ،‬ولكــن إىل احليــازي‪ .‬أي أن تقييــد وإلغــاء اإلحيــاء‬ ‫للتملــك‪ 86.‬ويف عــام ‪1958‬م تــم قــر اإلحيــاء عــى مناطــق‬ ‫أقســام‪ ،‬أحدهــا العقــارات اململوكــة والتــي عرفهــا بأهنــا‪:‬‬
‫لتشــتت املســؤولية‪ .‬ففــي مــر كان اهلــدف مــن إنشــاء الشــهر‬ ‫أدى إىل تقليــل نســبة األرايض يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وهبــذا قــل‬ ‫حمــددة مــن الصحــراء‪ .‬ثــم بعــد ذلــك بثــالث ســنن ( ‪1961‬م)‬ ‫«األرايض الواقعــة داخــل مناطــق األماكــن املبنيــة بحســب‬
‫العقــاري هــو تثبيــت امللكيــات وحتصيــل الرســوم لزيــادة دخل‬ ‫عــدد الفــرق التــي تســيطر يف البيئــة‪ .‬وهــذه كــربى مســاوئ‬ ‫تــم حتديــد اإلحيــاء مبائــة فــدان مــن األرايض الزراعيــة‪87.‬‬
‫التحديــد اإلداري لتلــك املناطــق»‪ .‬وهــذا التعريــف يفــرض‬
‫الدولــة‪ ،‬ولكــن الــذي حــدث هــو العكــس‪ .‬فهنــاك أكــر مــن‬ ‫املركزيــة‪.‬‬ ‫وبحلــول عــام ‪1964‬م أصبحــت مجيــع األرايض الصحراويــة‬ ‫أن األرايض التــي هــي خــارج األماكــن املبنيــة ال تعتــرب مــن‬
‫مالــك للعقــار الواحــد أحيانـاً‪ ،‬وقــد ُت َغـ ّـر حــدود العقــار أحيانـاً‬ ‫واألرايض غــر املزروعــة ملــكاً للدولــة وأل ُغــي نظــام اإلحيــاء‬ ‫األرايض اململوكــة ولكــن عقــارات أمريــة ورقبتهــا (ملكيتهــا)‬
‫املثــال الرابــع هــو الشــهر العقــاري‪ :‬كــا رأينــا يف البيئــة‬
‫أخــرى‪ .‬وفــوق هــذا‪ ،‬فــإن الدولــة تنفــق عــى الشــهر العقــاري‬ ‫متامـاً‪ 88،‬وهبــذا حيــق للدولــة بيــع األرايض البــور والصحراويــة‬ ‫للدولــة‪ .‬يقــول زيــادة معلقـاً عــى هــذا القانــون‪« :‬وبالتــايل فــإن‬
‫التقليديــة فــإن حتديــد امللكيــات اعتمــد عــى األعــراف بــن من‬
‫بــدل أن تأخــذ منــه‪ .‬كيــف حــدث هــذا؟‬ ‫ملــن أراد اســتصالحها وذلــك بعــد حتديــد املناطــق التــي جيــوز‬ ‫أي مزرعــة واقعــة داخــل هــذه املنطقــة (أي منطقــة األماكــن‬
‫هــم يف املوقــع مــن اجلــران‪ .‬أمــا يف البيئــة املعــارصة فقــد تغــر‬
‫أن تبــاع فيهــا األرايض بقــرار مــن وزيــر اإلصــالح الزراعــي‪89.‬‬
‫هنــاك غابــة مــن القوانــن يف مــر تصــل إىل ســتن قانونـاً‬ ‫احلــال مــع ظهــور املركزيــة‪ ،‬فــكان عــى كل مالــك أن يســجل‬ ‫املبنيــة) تعتــرب ملــكاً‪ .‬وبالعكــس‪ ،‬فالعقــارات الواقعــة خــارج‬
‫إلشــهار عقــار مــا وتتعلــق بإجــراءات التســجيل والبيانــات‬ ‫أنشـــئت مؤسســات حكوميــة‬ ‫عقــاره لــدى الســلطات؛ لذلــك ِ‬ ‫ــورت رشوط ملــن يشــري األرض أو يســتأجرها‬ ‫ومــن ثــم طُ ّ‬ ‫وبنــاء عــى هــذا القانــون‪ ،‬تعتــرب‬
‫ً‬ ‫هــذه املناطــق يف ســورية‪،‬‬
‫الســتصالحها‪ ،‬وهكــذا مــن تعقيــدات أدت إىل تقييــد يــد‬ ‫أمريــة‪ .‬إذ ًا‪ ،‬األرايض اململوكــة ســابقاً واألرايض العرشية ســابقاً‬
‫املطلوبــة لــه‪ ،‬وأعــال ورقيــة تتطلــب مســتندات وأختــام‬ ‫هلــذا الغــرض عرفــت بـــ «التســجيل العقــاري» يف معظــم الدول‬
‫املجتمــع‪ ،‬وجلــان أدت إىل الرشــاوي وتثبيــط اهلمــم‪ 90.‬وهــذه‬

‫‪133‬‬ ‫‪132‬‬
‫تغيــرات‪ ،‬وكميــة األعــال الورقيــة املطلوبــة للحصــول عــى‬ ‫العربيــة األخــرى‪ ،‬ولكنــه يعطينــا فكــرة عــن إحــالل املركزيــة‬ ‫املطلوبــة‪ ،‬وهنــاك يطالبونــه بشــهادات أخــرى مكملــة هلــا‪.‬‬ ‫وتوقيعــات ال حــر هلــا‪ 95.‬ولقــد أجــرت جملــة مريــة حتقيقـاً‬
‫اإلذن يف تــرف مــا‪ ،‬تشــر إىل مــدى تضــاد هــذه البروقراطيــة‬ ‫مــكان األعــراف‪ .‬فاملركزيــة أدت إىل ظهــور أجهــزة تســتنزف‬ ‫ويتأخــر وصــول املواطــن‪ ،‬ويظــن مســئول الشــهر أنــه قــد‬ ‫صحفيــاً يلخــص مشــاكل هــذا اجلهــاز احلكومــي‪ .‬يقــول‬
‫املركزيــة مــع احلريــة الكبــرة املعطــاة للمتــرف يف ظــل‬ ‫مــوارد األمــة ووقــت أفرادهــا وتنتــج طبقــات بروقراطيــة مــن‬ ‫هتــرب مــن دفــع الرســوم فيطلقــون وراءه جلــان التحريــات ‪...‬‬ ‫التحقيــق‪« :‬الشــهر العقــاري هــو مشــكلة تــؤرق كل مــن‬
‫أعط َيــت وزارة اإلصــالح‬ ‫الرشيعــة اإلســالمية‪ .‬ففــي مــر ِ‬ ‫األفــراد ال هــم هلــم إال االســتمرار يف مناصبهــم وعــى حســاب‬ ‫وقــد يكتفــي املواطــن باملوافقــة ويــرك للشــهر العقــاري حرية‬ ‫ميلــك قطعــة أرض أو عقــاراً وأيــة ممتلــكات يرغــب تســجيلها‬
‫الزراعــي واســتصالح األرايض صالحيــة بيــع األرايض البــور‬ ‫املجتمــع دون أي مــردود فعــي‪ .‬فــإذا ســألت أخــي القــارئ أي‬ ‫التأكــد مــن صحــة البيانــات ليقــوم الشــهر بإرســاهلا بــدوره‬ ‫وإثبــات ملكيتــه هلــا ‪ ..‬جلــان للتحريــات‪ ،‬وتقديــرات جزافيــة‬
‫والصحراويــة وتأجرهــا ملــن رغــب يف اســتصالحها‪ 98.‬فط ُّورت‬ ‫فــرد ُملــم بالوضــع العقــاري يف مــر ســيقول لــك إن األرض يف‬ ‫للمحافظــات أو اإلدارات املختصــة للتأكــد‪ .‬ويتأخــر اإلرســال‬ ‫وشــكاوي باجلملــة مــن املتعاملــن‪ .‬ومشــاكل املواطــن مــع‬
‫الكثــر مــن القوانــن واللجــان حتــى تتــم هــذه العمليــة‪.‬‬ ‫مــر قــد يكــون هلــا أكــر مــن مالــك واحــد‪ ،‬وحدودهــا غــر‬ ‫ويتأخــر بالتــايل الــرد‪ .‬وتــدور مســاجالت ومكاملــات ورســائل‬ ‫الشــهر العقــاري كثــرة منهــا‪ :‬طــول اإلجــراءات وارتفــاع‬
‫فهنــاك جلــان لتحديــد القيمــة اإلجياريــة لــألرايض وذلــك بعــد‬ ‫واضحــة ! فــاذا كان يفعــل هــذا اجلهــاز احلكومــي وأمثالــه‬ ‫حكوميــة عليهــا طوابــع ودمغــات مــن أجــل كشــف يطلقــون‬ ‫الرســوم التــي تضاعفــت إىل أكــر مــن عــرش مــرات يف‬
‫قيــام جلــان احلــر واملســاحة يف كل حمافظــة بحــر األرايض‬ ‫طيلــة هــذه الســنن يــا تــرى ؟‬ ‫عليــه «كشــف التحديــد» يســتخرج بعــد أن تقــوم جلنــة مــن‬ ‫الســنوات القليلــة املاضيــة‪ .. ،‬وكــرة التوقيعــات‪ ،‬وإذا مل‬
‫الزراعيــة التــي متلكهــا الدولــة ‪ ..‬الــخ‪ .‬وكل جلنــة تصــدر‬ ‫اجلهــة املســئولة باملعاينــة‪ ،‬ويتأخــر التوثيــق ويقلــق املواطــن‬ ‫يســدد املواطــن مــا تطالبــه بــه مصلحــة الشــهر العقــاري فهــو‬
‫قــرارات ويتــم تنفيذهــا بلجــان ثانيــة‪ ،‬وتقومهــا جلــان ثالثــة‪،‬‬ ‫وتبــارش جلــان التحريــات أعاهلــا يف اهتــام املواطــن بالتحايــل‬ ‫أمــام أمريــن‪ :‬احلبــس أو احلجــز عــى أمالكــه وبيــع أمالكــه‪.‬‬
‫وتــرشف عليهــا جلــان رابعــة؛ باإلضافــة إىل شــمول هــذه اللجــان‬
‫اإلذعاين احليازي‬ ‫رغــم عــدم مســئوليته عــن ذلــك ! ‪ ...‬والشــهر العقــاري بذلــك‬ ‫والنتيجــة أن الكثــر مــن املواطنــن ال تعــرف أمالكهــم طريــق‬
‫ألعضــاء مــن جهــات حكوميــة خمتلفة كرؤســاء جمالــس إدارات‬ ‫كــا رأينــا ســابقاً فإن الســلطات وضعــت العراقيــل إلحياء‬ ‫مثــل مفتــش الرائــب متامــا‪ ،‬أو هــو مثــل «حــالق القريــة» ال‬ ‫التســجيل عــن طريــق الشــهر العقــاري»‪ .‬فبعــد أن يقــوم املالك‬
‫اجلمعيــات التعاونيــة وعمــد القــرى واملهندســن الزراعيــن‬ ‫األرض‪ ،‬وكــا الحظنــا أيضـاً فــإن اإلحيــاء ال يوصــل العقــار إىل‬ ‫هــم لــه إال حتصيــل األمــوال»‪ .‬فالرســوم املرتفعــة والتــي تبــدأ‬ ‫بتســجيل عقــاره ودفــع الرســوم وهــي مائتــا جنيــه باإلضافــة إىل‬
‫للمناطــق الواقعــة فيهــا األرض ومندوبــن مســاحين وأعضــاء‬ ‫اإلذعــاين املتحــد ولكــن إىل احليــازي‪ .‬ولكــن مــا هــي عالقــة‬ ‫مــن ‪ 5‬إىل ‪ 12‬يف املائــة مــن قيمــة العقــار املحــددة بالقانــون ‪70‬‬ ‫رســوم الدمغــات والطوابــع (‪ 15‬جنيــه) ويعتقــد أنــه انتهــى‬
‫مــن االحتــاد االشــرايك‪ .‬وإذا تغ ّيــب عــدد معــن مــن أعضــاء‬ ‫حميــي األرض بالدولــة بعــد إحيائــه لــألرض وحصولــه عــى حــق‬ ‫لعــام ‪ 1964‬ترغــم املــالك عــى عــدم الدفــع واللجــوء للقضــاء‬ ‫مــن اإلجــراءات‪ ،‬يفاجــأ بعــد أســبوع أو شــهر أو حتــى‬
‫اللجنــة‪ ،‬فلــن تتمكــن اللجنــة مــن االجتــاع ‪ ،...‬وهكــذا مــن‬ ‫التــرف؟ لقــد كانــت للمتــرف حريــة قصــوى يف الســيطرة‬ ‫بدعــوى تســمى «صحــة ونفــاذ» يشــكو فيهــا املالــك الشــهر‬ ‫ســنة بخطــاب ينــذره بأنــه حــدث خطــأ يف تقديــر الرســوم‬
‫أعــال ورقيــة ال تنتهــي وتتطلــب تواقيــع وأختــام‪ ،‬مؤكــدة‬ ‫يف معظــم الــدول العربيــة ولكــن بعــد اســتئذان الدولــة‪ 97.‬هــذا‬ ‫العقــاري للمحاكــم‪« .‬وتســتمر القضايــا ســنوات وســنوات‬ ‫املقــررة‪ .‬ويذهــب املواطــن إىل نفــس املكتــب ويقولــون لــه‪:‬‬
‫بذلــك البروقراطيــة املركزيــة؛ أي تشــتت وضيــاع املســؤولية‪.‬‬ ‫الســلوك مــن الــدول قــد يبــدو غريبــاً‪ ،‬فالــدول العربيــة ال‬ ‫وقــد تتــوه بــن أروقــة املحاكــم»‪ .‬فهنــاك أكــر مــن مائــة‬ ‫ال إىل املأموريــة التابــع هلــا‪.‬‬
‫يف البدايــة عليــك أن تذهــب أو ً‬
‫وفــوق هــذا فــإن هــذه القوانــن كانــت دامئــة التعديــل بقوانــن‬ ‫حتــث األفــراد عــى اإلحيــاء بــل ومتنعهــم مــن ذلــك‪ ،‬إال أهنــا يف‬ ‫ألــف قضيــة مرفوعــة ضــد الشــهر العقــاري وتبلــغ قيمتهــا ‪159‬‬ ‫فيذهــب ويعطونــه ورقــة ليعــود هبــا للمكتــب‪ ،‬وهنــاك توجــه‬
‫الحقــة‪ ،‬معقــد ًة بذلــك احلــال أكــر فأكــر‪99.‬‬ ‫الوقــت ذاتــه ال تضــع قيــوداً ملــن يســيطر عــى األرض األمريــة‬ ‫مليــون جنيــه وهــي قيمــة الرســوم التــي حددهــا املواطنــون‬ ‫لــه أســئلة‪ .‬فيســأل املالــك‪ :‬أمل أســدد الرســوم؟ وجييبــون‪ :‬نعــم‬
‫(املحيــاة)‪ .‬ولكــن هــذه الغرابــة تــزول إذا مــا علمنــا أن هــذه‬ ‫ذاهتــم يف البدايــة وليــس الشــهر العقــاري‪ .‬والغريــب هــو أن‬ ‫ولكــن تقديــرك مل يكــن حقيقي ـاً‪ .‬ويســأل‪ :‬وكيــف عرفتــم ؟!‬
‫ولكــن مــا هــي نتائــج كل هــذه التدخــالت والقوانــن؟‬
‫الــدول اكتشــفت أن مصلحتهــا تكمــن يف إعطــاء الفريــق‬ ‫مصلحــة الشــهر العقــاري تدعــي أهنــا تقــوم بتحصيــل الرســوم‬ ‫ويقولــون‪ :‬عــن طريــق جلــان التحريــات‪ ،‬لقــد حتــرت عنــك‬
‫لقــد كانــت مجيــع نتائجهــا ســلبية‪ .‬وإذا مــا حاولــت ذكرهــا‬
‫املســيطر حريــة أكــرب ألن ذلــك ســيزيد مــن دخــل الفريــق‬ ‫كاملــة ومببالــغ كبــرة تضــاف إىل خزينــة الدولــة‪ ،‬يقــول أحــد‬ ‫وقــدرت الرســوم املقــررة احلقيقيــة‪ .‬ويســأل عــن تلــك الرســوم‪،‬‬
‫ال واحــداً وهــو تدخــل‬ ‫فلــن أنتهــي‪ .‬لذلــك ســأعطي مثــا ً‬
‫املســيطر‪ ،‬وبالتــايل مــن دخــل الدولــة‪.‬‬ ‫املستشــارين‪« :‬هــذا غــر صحيــح‪ ،‬فاحلقيقــة ان احلكومــة ال‬ ‫فيقولــون لــه‪ :‬فقــط ألــف جنيــه ومخســة عــرش مليــاً عــدا‬
‫الســلطة يف أمــور الزراعــة واملزارعــن‪ ،‬وهــو مــن األمثلــة‬
‫تأخــذ شــيئاً مــن املواطنــن وزيــادة عــى ذلــك هنــاك رســوم‬ ‫الدمغــات والطوابــع ‪ ...‬ويســقط يف يــده‪.‬‬
‫اجليــدة عــى رد الفعــل العكــي للمــالك واملســتخدمن ضــد‬ ‫ورغــم هــذه احلريــة يف التــرف‪ ،‬إال أن العالقــة بــن‬
‫إضافيــة تقــوم بســدادها»‪ .‬فالشــهر العقــاري يكلــف الدولــة‬
‫هــذه القوانــن يف مجيــع النــاذج اإلذعانيــة‪ .‬فهنــاك مئــات‬ ‫الفريــق املالــك والفريــق املســيطر املســتخدم كانــت تشــبه‬ ‫وتكمــل املجلــة التحقيــق وتقــول‪« :‬ويبــدأ نفــس املواطــن‬
‫أكــر ممــا يعطــي‪ ،‬فهنــاك رواتــب القضــاة املشــغولن هبــذه‬
‫ـواء‬
‫القوانــن الزراعيــة التــي قيــدت تــرف الفــالح يف مر‪ ،‬سـ ً‬ ‫لعبــة شــد احلبــل‪ .‬فاحلبــل مشــدود مــن طرفــن‪ .‬كذلــك العقــار‬ ‫يف مشــوار العــذاب مــع الشــهر العقــاري مــن جديــد ويفاجــأ‬
‫القضايــا ورواتــب املوظفــن ومصلحــة اخلــرباء التــي تقــوم‬
‫كانــت األرض الزراعيــة مســتأجرة مــن املالــك أو مــن الدولــة‬ ‫مشــدود بــن الدولــة والفريــق املســيطر املســتخدم‪ .‬والشــد‬ ‫بعــدة قوانــن متداخلــة ال متــت للشــهر العقــاري بصلــة حيــار‬
‫بتقديــر الثمــن النهــايئ‪ .‬باإلضافــة إىل الرشــاوي واالختالســات‪.‬‬
‫(إذعــاين ترخيــي أو حيــازي)‪ ،‬أو كان يعمــل هبــا املالــك نفســه‬ ‫هنــا عبــارة عــن نــوع جديــد مــن القوانــن ميكــن تســميتها‬ ‫فيهــا موظفــو الشــهر العقــاري ذاهتــم‪ ،‬فــا بالــك باملواطــن‬
‫فلقــد تــم القبــض مؤخــراً عــى ثالثــة موظفــن (موثــق ورصاف‬
‫(إذعــاين متحــد)‪ 100.‬فقــد تراكمــت القوانــن الزراعيــة ألمــور‬ ‫بـــ «البروقراطيــة املركزيــة» مؤديــة بذلــك إىل عقــارات يف‬ ‫العــادي الــذي ال يعــرف عــن القانــون إال شــعاره !»‪ .‬فالشــهر‬
‫وموظفــة) ألهنــم قامــوا باستـــغالل وظائفهــم واحلصـــول عــى‬
‫عــدة منهــا‪ :‬حماولــة تنظيــم اإلنتــاج الزراعــي عــى مســتوى‬ ‫اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬ولكنهــا أكــر تقنينـاً مــن تلــك التــي كانــت‬ ‫العقــاري مــن خــالل قوانينــه وتوقيعاتــه وأختامــه أصبــح‬
‫مليونــن و ‪ 195‬ألــف جنيــه وذلــك بالتالعــب يف عمليــات رســوم‬
‫الدولــة‪ .‬فقــد نظمــت دورات زراعيــة يف كل قريــة (الــدورة‬ ‫يف اخلالفــة العثانيــة‪ .‬فاخلالفــة العثانيــة أصــدرت القوانن التي‬ ‫مكدســاً باملســتندات‪ .‬تقــول إحــدى املوظفــات‪ :‬يف البدايــة‬
‫ال باملبلــغ احلقيقــي‬
‫التســجيل‪ .‬فبعــد تســليم املواطــن إيصــا ً‬
‫الزراعيــة هــي أن جيــرب الفــالح عــى زراعــة حمصــول معــن‬ ‫كان عــى العامــل (الفريــق املســيطر) التــرف بــكل حريــة‬ ‫ُيطالــب املواطــن مبســتندات ال دخــل لنــا هبــا‪ .‬وتــرب لذلــك‬
‫كانــوا ميزقــون صــور اإليصــاالت ويكتبــون صــوراً أخــرى‬
‫ال يف فصــل الشــتاء وحمصــول أخــر كالسمســم يف‬ ‫كالكتــان مث ـ ً‬ ‫ضمــن إطارهــا‪ .‬أمــا يف معظــم الــدول العربيــة‪ ،‬ورغــم نــدرة‬ ‫ال بشــهادات التحســن اخلاصــة باحلكــم املحــي‪ ،‬وهــي‬ ‫مثــ ً‬
‫مببالــغ ضئيلــة وحيصلــون عــى الفــرق‪ 96.‬ومــا هــذا إال مثــل‬
‫فصــل الصيــف)‪ 101.‬وكانــت مواعيــد هــذه الــدورات وأصنــاف‬ ‫القوانــن‪ ،‬إال أنــه مبراجعــة اللوائــح التــي طورهتــا تلــك الــدول‬ ‫رســوم يدفعهــا صاحــب العقــار مقابــل اإلنشــاءات التــي تقــوم‬
‫بســيط‪ ،‬وقــد يكــون أســوأ يف مــر عــن غــره مــن الــدول‬
‫املحاصيــل تتغــر بقــرارات الحقــة‪ .‬وكانــت تتــم مجيــع هــذه‬ ‫جلمــع الرائــب‪ ،‬وملراقبــة املترفــن فيــا يقومــون بــه مــن‬ ‫هبــا احلكومــة‪« .‬ويذهــب املواطــن لبلدتــه ليســتخرج الشــهادة‬

‫‪135‬‬ ‫‪134‬‬
‫الوضــع‪ .‬وكان هــذا التدخــل مــن خــالل نوعــن مــن القوانــن‬ ‫وممــا ســاعد عــى اكتظــاظ املدينــة بالســكان أيضــاً‬ ‫فســيعاقب‪ .‬ومــرة أخــرى تتــم أغلــب هــذه املســائل عــن طريق‬ ‫العمليــات مــن خــالل جلــان متخصصــة‪ 102.‬وكان يعاقــب‬
‫مهــا‪ :‬القوانــن املدنيــة التــي ركــزت عــى مبــادئ اإلجــارة‪،‬‬ ‫تــواين املســتثمرين عــن البنــاء لإلجيــار أو تالعبهــم ألن الدولــة‬ ‫جلــان فاحتــة بذلــك أبــواب الرشــاوي عــى مصاريعهــا‪107.‬‬ ‫باحلبــس أو بالغرامــة كل مــن زرع صنفــاً خمالفــاً لتلــك التــي‬
‫وهــي القوانــن الدامئــة‪ .‬وقوانــن اإلجيــارات التــي اســتهدفت‬ ‫تدخـــلت يف اإلجيـــارات وثبطت مــن مهمهم وقلبت املوازيـــن‪،‬‬ ‫حددهتــا القــرارات املنظمــة للــدورة‪ 103.‬أي أن املــزارع ال‬
‫إذاً ال عجــب أن الرقعــة الزراعيــة يف تناقــص مســتمر‪.‬‬
‫حتديــد أســعار اإلجيــارات إىل أن تنتهــي األزمــة الســكنية‬ ‫وهــو موضوعـنـــا القــادم‪.‬‬ ‫ـرر لــه‪ ،‬فقــد نزعــت الثقــة منــه‪.‬‬
‫يقــرر ولكــن ُيقـ ّ‬
‫فهــذه القيــود عــى العاملــن يف األرض ومعاقبتهــم لقــاء عملهم أو‬
‫وهــي القوانــن املؤقتــة‪ .‬إال أن األزمــة مل تنتهــي بســبب هــذه‬
‫عــدم متكنهــم مــن ســداد مــا عليهــم للدولــة أدى إىل هجراهنــم‬ ‫وممــا ســاعد عــى تراكــم القوانــن أيض ـاً تدخــل الدولــة‬
‫التدخــالت واســتمرت القوانــن يف الصــدور‪ 109.‬والــذي حــدث‬
‫اإلذعاين الرخيي‬ ‫لــألرض‪ .‬فهنــاك فالحــون مل يتمكنــوا مــن تســديد مــا عليهــم‬ ‫يف حتديــد نوعيــات البــذور واألســمدة؛ فهنــاك قوانــن حتكــم‬
‫هــو أن القوانــن التــي حاولــت حتديــد األجــرة يف منطقــة معينــة‬
‫للدولــة مــن حماصيــل‪ ،‬فكانــوا يشــرون املحاصيــل مــن الســوق‬ ‫البــذور (التقــاوي) التــي سيســتخدمها الفــالح‪ ،‬ومــا هــي‬
‫تســببت يف ارتفــاع األجــرة يف منطقــة أخــرى غــر مقننــة‪.‬‬ ‫إن أغلــب األعيــان واألماكــن العمرانيــة وضعــت يف‬
‫لدفعهــا للدولــة لتغطيــة مــا عليهــم مــن إجيــار األرض وتكلفــة‬ ‫نوعياهتــا وكيــف يتــم تكاثرهــا‪ ،‬ومــا هــي الــرشوط الواجــب‬
‫ال‪ ،‬صــدر قانــون حيــدد إجيــار األماكــن‬ ‫ففــي عــام ‪1947‬م مثــ ً‬ ‫اإلذعــاين الرخيــي واملشــتت يف أيامنــا هــذه؛ ومــن أهــم هــذه‬
‫املخصبــات ومــا شــابه ! أال يكــف الفــالح عــن العمــل حتــت‬ ‫توفرهــا فيمــن رغــب يف املتاجــرة هبــا؟ واحلكــم عــى هــذه‬
‫املبنيــة قبــل شــهر ينايــر مــن عــام ‪1944‬م‪ ،‬أمــا التــي بنيــت‬ ‫األعيــان واألماكــن مرافــق املــدن كالطــرق العامة والســاحات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫هــذه الظــروف؟ وملــاذا يعمــل إذا علــم مقدمــاً أنــه ســيخرج‬ ‫للجــان ورشوط حمــددة‪ .‬هــذا باإلضافــة إىل‬ ‫املســائل خضــع‬
‫بعــد ذلــك التاريــخ فلــم حتــدد إجياراهتــا حتــى ال ُيث ّبــط هــذا‬ ‫وكانــت مجيــع هــذه األعيــان واألماكــن يف اإلذعــاين املتحــد يف‬
‫مــن ســنته الزراعيــة خــارساً ؟‬ ‫جلــان خاصــة للمخصبــات الزراعيــة أو األســمدة الكياويــة‬
‫القانــون املســتثمرين مــن البنــاء‪ 110.‬غــر أن هــذا التدخــل أدى‬ ‫البيئــة التقليديــة‪ ،‬ولكنهــا ســحبت إىل اإلذعــاين الرخيــي أو‬
‫والعضويــة‪ .‬ومــا إىل ذلــك مــن تدخــالت أدت إىل تراكــم‬
‫إىل ارتفــاع اإلجيــارات يف املبــاين اجلديــدة ألن املــالك توقعــوا‬ ‫املشــتت بتدخــل الســلطات‪ .‬وســأترك توضيــح هــذا التحــول‬ ‫وهكــذا حتــى كان مــن األصلــح لبعــض الفالحــن أن‬
‫القوانــن‪104.‬‬
‫ال‪ .‬وثبتــت توقعاهتــم‪:‬‬ ‫صــدور قوانــن ســتحدد إجياراهتــم مســتقب ً‬ ‫للفصــل التاســع‪ .‬أمــا اآلن فســأوضح تأثــر تدخــل الســلطة عــى‬ ‫يكفــوا عــن العمــل بالزراعــة وهياجــروا إىل املدينــة ممــا‬
‫ففــي عــام ‪1952‬م صــدر قانــون خفــض إجيــارات املبــاين املبنيــة‬ ‫حالــة العــن إذا كانــت يف اإلذعــاين الرخيــي‪.‬‬ ‫يســبب مشــاكل اقتصاديــة واجتاعيــة أخــرى‪ .‬أي هياجــروا‬ ‫والعجيــب هــو أن القــرارات كانــت تســمي كل عمــل‬
‫بــن شــهري ينايــر ‪1944‬م وســبتمرب ‪1952‬م‪ ،‬أمــا مــا ُبــي‬ ‫مــن العمــل واإلنتــاج إىل التســكع والتســول إذا مل جيــدوا مــا‬ ‫ال يتفــق مــع قوانينهــا جرميــة ! فهنــاك جرميــة إقامــة منشــآت‬
‫كــا رأينــا يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬فــإن العالقــة بــن الفريــق‬
‫بعــد ذلــك فلــم تتدخــل الدولــة يف حتديــده حتــى ال يتوقــف‬ ‫يقومــون بــه يف املدينــة مــن عمــل‪ ،‬وهــو الغالب‪ .‬وبــارت األرض‬ ‫عــى األرض الزراعيـــة‪ ،‬وجرميــة إهـمـــال األرض الزراعـيـــة‪،‬‬
‫املالــك املســيطر والفريــق املســتخدم كانــت مبنيــة عــى‬
‫نشــاط املســتثمرين يف البنــاء‪ 111.‬ثــم نشــطت القوانــن بعــد‬ ‫الزراعيــة‪ ،‬وبــدأت املدينــة يف االكتظــاظ بالســكان يف وقــت‬ ‫وجـــرمية خمالفــة الــدورة الزراعيــة‪ ،‬وجرميــة زراعــة الفاكهــة‬
‫االتفــاق بــن الطرفــن يف اإلجــارة‪ .‬أمــا يف أيامنــا هــذه‪ ،‬فــإن‬
‫الثــورة (أي بعــد ســنة ‪1952‬م)‪ ،‬فكانــت الدولــة تصــدر يف كل‬ ‫منــع فيــه إحيــاء األرض وارتفعــت تكلفــة البنــاء‪ .‬فــكان لســعر‬ ‫(تصــور أخــي القــارئ أن هنــاك جرميــة اســمها جرميــة زراعــة‬
‫تدخــل الســلطة أدى إىل تفضيــل أحــد الفريقــن عــى اآلخــر‪،‬‬
‫ســنة تقريبــاً قوانــن جديــدة لتحديــد أو ختفيــض إجيــارات‬ ‫الطــوب املســتخدم يف البنــاء مــردود مــادي أعــى مــن زراعــة‬ ‫الفاكهــة !) وكــرت العقوبــات هلــذه اجلرائــم حتــى أن هنــاك‬
‫وبذلــك تبــددت حريــة واســتقاللية أحدمهــا وانعــدم االتــزان‬
‫املســاكن املؤجــرة‪ .‬إال أن هــذا التــرف دفــع املــالك لرفــع‬ ‫األرض‪ .‬فقــام املســتأجرون لــألرض‪ ،‬والذيــن ال ميلكوهنــا‬ ‫جــداول أعــدت خصيصـاً ليتمكــن املوظفــون مــن معرفــة نــوع‬
‫بينهــا ممــا أثــر عــى حالــة العــن ســلبياً‪.‬‬
‫ال قوانــن‬ ‫إجياراهتــم ليقينهــم مــن أن الدولــة ســتصدر مســتقب ً‬ ‫وال يكرثــون هبــا‪ ،‬بتجريفهــا (التجريــف هــو إزالــة الطبقــة‬ ‫العقوبــة لــكل جرميــة يقرفهــا الفــالح البائــس‪ 105.‬وكانــت‬
‫إن معظــم الســلطات يف الــدول العربيــة مل تتدخــل يف‬ ‫الســطحية لــألرض الزراعيــة وبيعهــا الســتخدامها يف صناعــة‬ ‫القوانــن تؤكــد عــى البروقراطيــة الورقيــة بذكــر رضورة‬
‫ختفــض إجيــارات أمالكهــم‪ 112.‬كــا اشــرط بعــض املــالك عــى‬
‫اإلجــارة ألن العالقــة بــن املالــك واملســتأجر اعتــربت مســألة‬ ‫الطــوب‪ ،‬وهــذا يــؤدي إىل ظهــور الطبقــة التحتيــة‪ ،‬وهــي أقــل‬ ‫تواجــد األختــام والتواقيــع عــى املعامــالت الورقيــة مشــككة‬
‫املســتأجرين أن يوقعــوا عقــوداً مببالــغ أعــى ممــا ســيدفعونه‬
‫داخليــة ختــص الفريقــن فقــط‪ ،‬ولكــن كان هنــاك نــوع مــن‬ ‫خصوبــة‪ ،‬وبالتــايل تدهــور إنتاجيــة تلــك األرض الزراعيــة)‪.‬‬ ‫بذلــك يف أمانــة الفالحــن‪106.‬‬
‫ليقينهــم مــن أن إجياراهتــم ســتخ ّفض بقوانــن الحقــة‪ 113.‬وحتــى‬
‫التدخــل يف الــدول التــي تب ّنــت املذهــب االشــرايك‪ .‬لذلــك فــإن‬ ‫وهكــذا إىل أن بلغــت املســاحة املجرفــة يف كل عــام حــوايل‬
‫تتمكــن الســلطة مــن التغلــب عــى هــذه املســألة ابتكــرت‬ ‫وتــم تطبيــق هــذه القوانــن عــن طريــق بطاقــات تســمى‬
‫تدخــل الدولــة يف اإلجــارة خيتلــف مــن دولــة عربيــة إىل أخــرى‪:‬‬ ‫عرشيــن ألــف فــدان‪ ،‬واملســاحة املبــورة اثنــن وعرشيــن ألــف‬
‫طريقــة لتحديــد اإلجيــار‪ .‬ففــي عــام ‪1962‬م صــدر قانــون‬ ‫ــدو ُن عــن طريقهــا‬
‫بـــ «بطاقــة احليــازة الزراعيــة»‪ ،‬والتــي ُت ّ‬
‫فهنــاك تدخــل شــديد كــا يف مــر‪ ،‬أو حريــة مطلقــة كــا يف‬ ‫فــدان‪ ،‬واملســاحة املتعــدى عليهــا بالبنــاء عــرشون ألــف فــدان‬
‫يقــدر األجــرة بـــ ‪ 5‬يف املائــة مــن قيمــة األرض باإلضافــة إىل ‪ 8‬يف‬ ‫الرائــب واإلجيــارات املطلوبــة مــن املــزارع للدولــة‪ ،‬وكل‬
‫دول اخلليــج‪ .‬أي أن وضــع األعيــان املؤجــرة خيتلــف بــن الــدول‬ ‫نظــر ًا ملنــع اإلحيــاء‪ .‬أي مــا جمموعــه اثنــان وســتون ألــف فــدان‪.‬‬
‫املائــة مــن تكلفــة البنــاء؛ وفتــح هــذا بالتــايل بابـاً للجــدل بــن‬ ‫مــا أخــذه املــزارع مــن مــواد كياويــة وبــذور ومــا شــابه‪.‬‬
‫عــى نقيــض مجيــع األعيــان األخــرى التــي تشــاهبت فيهــا‬ ‫ويقــول تقريــر قــدم ملجلس الشــعب املــري ســنة ‪1985‬م‪ ،‬أن‬
‫املــالك والســلطة الختالفهــم يف حتديــد قيمــة األرض وتكلفــة‬ ‫فالفــالح كــا قلنــا أخــي القــارئ ال يقــرر مــا يــزرع يف أرضه يف‬
‫البنــاء‪114.‬‬ ‫أحــوال األعيــان يف العــامل العــريب‪ .‬ولتوضيــح تأثــر املركزيــة‬ ‫مــا ســتفقده مجهوريــة مــر ســيصل إىل مليــون فــدان خــالل‬
‫ـرر لــه‪ ،‬لذلــك فهــو يعطــى البــذور‬
‫حــدود إمكاناتــه‪ ،‬ولكــن ُيقـ ّ‬
‫عــى حالــة العــن ســرنكز عــى الوضــع يف مــر ألنــه مركــزي‬ ‫عــرش ســنوات يف وقــت مل تتمكــن فيــه احلكومــة خــالل ثــالث‬
‫أدى هــذا التحديــد يف اإلجيــار إىل توتــر العالقــة بــن املالك‬ ‫واملــواد الكياويــة التــي كانــت تســجل عليــه‪ ،‬هــذا باإلضافــة‬
‫أكــر مــن غــره‪.‬‬ ‫ال‬
‫ســنوات مــن اســتصالح اثنــن وأربعــن ألــف فــدان؛ فضــ ً‬
‫واملســتأجر‪ ،‬فقــد يرفــض املالــك القيــام باإلصالحــات الالزمــة‬ ‫إىل الرائــب وإجيــار األرض يف بعــض األحيــان‪ .‬أي أن الديــون‬
‫لقــد شــهدت مــر أزمــة ســكنية بســبب انخفــاض‬ ‫عــن أن كل فــدان ختــره مــر مــن األرايض الطينيــة يعــادل‬
‫للمبــى‪ ،‬بينــا يتمســك املســتأجر بالشــقة لرخصهــا‪ .‬لذلــك فقــد‬ ‫بــدأت تراكــم عــى الفــالح‪ ،‬وكان عليــه أن يقــوم بتســديدها‬
‫حركــة البنيــان بــن احلربــن العامليتــن‪ ،‬ممــا أدى إىل ارتفــاع‬ ‫عرشيــن فدانـاً مــن األرايض الرمليــة املســتصلحة‪ 108.‬وكل هــذا‬
‫كانــت ترفــع آالف الشــكاوي يوميــاً للمحاكــم‪ 115.‬إال أن‬ ‫إىل بنــك االئتــان الزراعــي والتعــاوين يف شــكل حماصيــل تقــوم‬
‫أســعار اإلجيــارات ومــن ثــم إىل إصــدار قوانــن للتحكــم‬ ‫بســبب املركزيــة وتدخــل الســلطة التــي شــ ّتتت مســؤولية‬
‫هــذه العالقــة املتوتــرة بــن املالــك واملســتأجر ازدادت توتــراً‬ ‫الدولــة يف الغالــب بتســويقها وذلــك بعــد رشائهــا مــن الفــالح‬
‫يف هــذا االرتفــاع‪ .‬أي أن الســلطة تدخلــت للســيطرة عــى‬ ‫األرض الزراعيــة ونقلتهــا مــن أيــدي الفــرق العاملــة يف املوقــع‬
‫عندمــا تــم ختفيــض إجيــارات املبــاين التــي كان قــد تــم تقديــر‬ ‫بأزهــد األمثــان‪ .‬وإذا مل يتمكــن املــزارع مــن ســداد مــا عليــه‬
‫إىل فــرق خارجيــة ختطــط عــى أوراق دون إدراك ملــا تفعــل‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫‪136‬‬
‫‪4.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫وكأي دولــة اشــراكية‪ ،‬فــإن اإلجــارة التــي حددهتــا اللجان‬ ‫إجياراهتــا وحتديدهــا ســابقاً بقوانــن الحقــة‪ .‬فعــى ســبيل املثال‪:‬‬
‫يف مــر كانــت متيل لصالــح املســتأجر‪ .‬إال أن املســتأجر اضطر‬ ‫نــص القانــون الصــادر عــام ‪1965‬م عــى أن العقــود التــي متــت‬
‫ملخالفــة هــذا التحديــد الــذي وضعتــه اللجنــة يف صاحلــه ! فعنــد‬ ‫حتــت القانــون ‪ 199‬لعــام ‪1952‬م‪ ،‬والقانــون ‪ 55‬لعــام ‪1958‬م‪،‬‬
‫االنتهــاء مــن املبــى‪ ،‬كان هنــاك الكثــر مــن املســتأجرين نظــراً‬ ‫والقانــون ‪ 168‬لعــام ‪1961‬م‪ ،‬ســتخفض ‪ 20‬يف املائــة اعتبــاراً‬
‫الزديــاد الطلــب عــى الســكن لندرتــه‪ ،‬وللالــك يف هــذه احلالــة‬ ‫مــن شــهر مــارس ‪1965‬م‪ .‬وهكــذا تراكمــت القوانــن دون أدىن‬
‫احلريــة يف اختيــار املســتأجر‪ .‬فقــام املــالك بتأجــر عقاراهتــم‬ ‫تفكــر يف تطبيقاهتــا وعواقبهــا‪ .‬ويف الواقــع‪ ،‬فــإن كــرة هــذه‬
‫ملــن دفــع أكــر مــن غــره (خلــو رجــل أو نقــل قــدم)‪ .‬أي أن‬ ‫القوانــن وتعقيداهتــا أدت إىل ظهــور الكثــر مــن الكتــب التــي‬
‫املالــك واملســتأجر اتفقــا وخالفــا مــا وضعتــه اللجنــة‪ .‬ويف هــذه‬ ‫هتــدف ملســاعدة النــاس لفهــم القوانــن‪ .‬فنشــط املحامــون‬
‫احلالــة‪ ،‬دفــع املســتأجر أكــر ممــا هــو يف العقــد‪ ،‬وهــذا نقيــض‬ ‫وأســاتذة القانــون وألفــت أطنــان مــن الكتــب‪ .‬فمــن هــذه‬
‫مــا حــدث يف اخلمســينيات وأوائــل الســتينيات عندمــا دفــع‬ ‫األســئلة يف هــذه الكتــب التــي وضعــت ملســاعدة املســتأجرين‬
‫‪5.3‬‬ ‫املســتأجر أقــل ممــا يف العقــد‪ .‬أمــا إذا مل يكــن هنــاك اتفــاق بــن‬ ‫ال‪ :‬ســؤال‪ :‬هــل ســيتم ختفيــض مســكن مؤجــر بعــد‬ ‫واملــالك مثـ ً‬
‫املالــك واملســتخدم‪ ،‬حتــى مبخالفــة القانــون‪ ،‬فــال مفــر مــن‬ ‫ـداء‬
‫عــام ‪1958‬م مرتــن؟ واإلجابــة‪ :‬نعــم‪ .‬مــرة ‪ 20‬يف املائــة ابتـ ً‬
‫اخلالفــات‪ .‬فقــد يطعــن املالــك يف تقديــر اللجنــة‪ ،‬أو قــد يقــوم‬ ‫ـداء مــن شــهر ينايــر بنفــس‬
‫مــن شــهر ســبتمرب ومــرة ثانيــة ابتـ ً‬
‫‪6.3‬‬ ‫املســتأجر بالطعــن يف مقــدار اإلجــارة بعــد الســكن‪120.‬‬ ‫النســبة ‪ 116...‬ياللعجــب ! كل مــا أريــده منــك أخــي القــارئ‬
‫هــو أن تلقــي نظــرة عــى أحــد تلــك الكتــب‪ ،‬وتراجــع ولــو‬
‫هــذا التحديــد يف اإلجيــارات‪ ،‬باإلضافــة إىل التضخــم‬
‫بنظــرة رسيعــة مئــات املــواد واللوائــح والقوانــن وتعديالهتــا‬
‫املــايل‪ ،‬جعــل املســاكن ســلعة مثينة لــكل مــن املالك واملســتأجر‬
‫ومــا إىل ذلــك مــن تعقيــدات تدعــو للعجــب لتــدرك مــدى‬
‫عــى الســواء‪ .‬فــكان املالــك يــرك عقــاره خاليــاً فــرة أطــول‬
‫ســوء تأثــر املركزيــة عــى املجتمــع‪ .‬والغريــب هــو أن بعــض‬
‫للحصــول عــى مبلــغ أفضــل مــن مســتأجر أقــدر‪ ،‬وهكــذا‬
‫القوانــن تصادمــت مــع بعضهــا فحــار القضــاة أي قانــون‬
‫تراكمــت الشــقق اخلاليــة‪ .‬ويقــال أن عــدد الشــقق اخلاليــة قــد‬
‫يتبعــون‪117.‬‬
‫يصــل إىل مثــاين عــرشة مليــون يف مــر كلهــا كــا قــال وزيــر‬
‫‪7.3‬‬
‫اإلســكان ! فهــل يصــدق هــذا؟ ومل ال‪ ،‬فقــد يكــون الرقــم‬ ‫وميكــن تلخيــص الوضــع والقــول أن قوانــن اإلجيــارات‬
‫مبالغــاً فيــه ولكنــه مــؤرش ملــا حــدث‪ .‬وكــرد فعــل لتــرف‬ ‫ـرق والدولــة‪ ،‬متامـاً كــا يلعــب األطفال‬ ‫ِ‬
‫أدت إىل اللعــب بــن الفـ َ‬
‫‪8.3‬‬ ‫هــؤالء املــالك‪ ،‬أصــدرت الدولــة القوانــن لتحديــد فــرة بقــاء‬ ‫لعبــة االختبــاء واهلــروب والبحــث عــن بعضهــم البعــض‬
‫املبــاين املعــدة لإلجيــار خاليــة‪ .‬إال أن املــالك حتايلــوا عــى هــذا‬ ‫ــرة أو ِط ِ‬
‫ــري أو غ ُّميمــة كــا يقولوهنــا يف‬ ‫ــت أو طُ َّ‬
‫الرش َع ْ‬
‫(او َ ْ‬
‫النظــام بعــدم تبليــغ الســلطات مبوعــد انتهــاء املبــى أو إخالئــه‪.‬‬ ‫العاميــة)‪ .‬فالدولــة تصــدر القوانــن ومــن ثــم يتمكــن املــالك‬
‫فضمنــت الدولــة قوانينهــا مــواداً تنــص عــى أن يقــوم املــالك‬ ‫ّ‬ ‫مــن التحايــل عــى هــذه القوانــن بفتــح أبــواب جديــدة‪ ،‬ثــم‬
‫بتبليــغ الســلطات بتلــك املواعيــد‪ .‬كــا أرغمــت القوانــن‬ ‫تغلــق الســلطات هــذه األبــواب بقوانــن أخــرى ليجــد املــالك‬
‫املــالك عــى أن عليهــم تأجــر املســاكن اخلاليــة إذا تقــدم هلــا‬ ‫نوافــذ جديــدة للهــروب مــن القوانــن مــرة أخــرى‪ ،‬وهكــذا‪...‬‬
‫مســتأجر بالقيمــة املقــدرة‪121.‬‬ ‫فكيــف تــم هــذا؟‬
‫ومجيــع هــذه التحديــدات يف إجيــارات املســاكن اخلاليــة‬ ‫كان تقديــر وحتديــد األجــرة يتــم عــن طريــق جلــان تتبــع‬
‫شــجعت املســتثمرين عــى اســتئجار املســاكن اخلاليــة ومــن‬ ‫أنظمــة حســابية متليهــا القوانــن كقيمــة األرض التــي عليهــا‬
‫ثــم تأجرهــا لغرهــم بســعر أعــى (اإلجيــار مــن الباطــن) بعــد‬ ‫املبــى وارتفــاع املبــى ومــا شــابه‪ 118.‬وهــذا بالتــايل فتــح باب ـاً‬
‫تأثيثهــا‪ ،‬ألن الشــقق املفروشــة مل تكــن خاضعــة لقوانــن‬ ‫للرشــاوي‪ ،‬فبإمــكان املالــك أن يــريش أحــد أفــراد اللجنــة‪ ،‬أو‬
‫إن صور هذه الصفحة هي مـبان يف اإلذعاين املشتـت‪ .‬فالـصورة ‪ 3.3‬تـريك هبـواً داخل عارة سكنـية‪ ،‬الحـظ اإلمهــال يف االسـتفــادة‬
‫اإلجيــارات بعــد؛ ونتــج هــذا أيضــاً ألن القوانــن أعطــت‬ ‫قــد يقــوم أحــد أفــراد اللجنــة بتخفيــض قيمــة اإلجيــار إذا مل يقم‬
‫املـوجرة ألهنـا دفعت لإلذعـاين املشـتت‪ .‬الحظ حـال احلوائـط حول‬ ‫مـن املكـــان ويف صيــانـته‪ .‬والصـورة ‪ 4.3‬مثـال لتـداعي املـباين ٔ‬
‫األنـابيب‪ .‬والـصورتـان ‪ 6.3‬و ‪ 7.3‬تـرينـا إمهال املالك واملستخدمن لصيانـة ٔاو حتى تنظيف املبى‪ .‬الحظ انتشـار الفضالت وسـوء حال‬ ‫املســتأجر يف حــاالت معينــة‪ ،‬كســفره لفــرة طويلــة‪ ،‬حــق‬ ‫املالــك برشــوته‪ 119.‬وكــا رأينــا‪ ،‬فــإن هــذه األبــواب كانــت‬
‫احلـوائط النعـدام الصيـانة‪ .‬ومجيع هـذه الصور من القـاهرة‪ .‬أما الـصورتان الـسفليتان املتـقابلـتان (‪ 5.3‬و ‪ )8.3‬فـها ملبنـى يف مرشوع‬ ‫تأجــر املســكن لغــره‪ 122.‬فاســتغلت هــذه الثغــرات ودفعــت‬ ‫موصــدة يف البيئــة التقليديــة التــي اســتندت عــى االتفــاق بــن‬
‫إسكـان من ملكـا مباليزيا‪ ،‬وهـو يف اإلذعاين املشتـت حيث إن السكان يـستخـدمـون فقـط‪ .‬الحظ سـوء حـال احلـوائط من أثـر الرطوبة‪.‬‬ ‫بعــض النــاس حلجــز أكــر مــن منــزل أو شــقة ممــا أضــاف‬ ‫املالــك واملســتأجر دون تدخــل خارجــي‪.‬‬

‫‪139‬‬ ‫‪138‬‬
‫فاإلذعــاين املتحــد ال يشــكل غالبيــة البيئــة املعــارصة‪ ،‬لذلــك‬ ‫وهــذا الــذي حــدث يف املبــاين الســكنية تكــرر يف األرايض‬ ‫مــن خــالل جلــان‪ .‬ومــرة أخــرى فتحــت أبــواب جديــدة‬ ‫إىل األزمــة الســكنية‪ .‬وكــرد فعــل هلــذا التــرف‪ ،‬أضيفــت إىل‬
‫ضاعــت املســؤولية‪.‬‬ ‫الزراعيــة بعــد تدخــل الدولــة بــن مالــك األرض واملــزارع‪،‬‬ ‫للرشــاوي‪ 127.‬وكــرت املرافعــات هلــدم املبــاين‪ ،‬وأمهلــت املباين‬ ‫قوانــن اإلجيــارات مــواد ًا ال جتيــز للشــخص أن حيتجــز يف البلــد‬
‫رافعــاً بذلــك نســبة األرايض البــور يف مــر‪ .‬فمــن هــذه‬ ‫عمــداً حتــى يــزداد حاهلــا ســوءاً لتهــدم‪ .‬ملــاذا ؟!‬ ‫الواحــد أكــر مــن ســكن دومنــا مقتــى‪ ،‬كأن يكــون متزوجـاً‬
‫ولكــن هــل ضيــاع املســؤولية يؤثــر عــى األمــم؟ لقــد‬
‫ال‪ :‬ال جيــوز تأجــر األرض الزراعيــة ملــدة تقــل‬‫التدخــالت مث ـ ً‬ ‫ال‪ 123.‬أمــا بالنســبة للشــقق املفروشــة فقــد‬‫مــن زوجتــن مثــ ً‬
‫كان تركيزنــا إىل اآلن عــى األعيــان منفــردة؛ وحتــى نجيــب‬ ‫إن تدخــل الســلطة بــن املالــك واملســتأجر وترجيــح‬
‫عــن ثــالث ســنوات‪ ،‬وجيــب أن ال تزيــد أجــرة األرض عــن‬ ‫حدثــت أالعيــب مشــاهبة بــن الدولــة واملــالك برغــم اختــالف‬
‫عــى هــذا الســؤال البــد لنــا مــن فهــم العالقــة بــن املســؤولية‬ ‫كفــة املســتأجر وإجبــار املالــك عــى التأجــر أدى إىل ضيــاع‬
‫ســبعة أمثــال الريبــة؛ هــذا باإلضافــة إىل إجبــار املالــك عــى‬ ‫القوانــن‪124.‬‬
‫واألعيــان جمتمعــة أيضــاً‪ .‬وهــو موضــوع الفصــل القــادم‪.‬‬ ‫ـواء قــام املالــك بصيانــة عقــاره أو مل‬
‫الســيطرة مــن املالــك‪ .‬فسـ ً‬
‫تأجــر أرضــه‪ ،‬وهكــذا إىل أن تناقصــت األرايض الزراعيــة يف‬
‫يقــم بذلــك فإنــه لــن يتأثــر ألن دخلــه لــن يرتفــع‪ .‬فالتباطــؤ‬ ‫كــا رأينــا يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬كان للمســتأجر احلــق يف‬
‫إنتاجهــا ! ‪129‬‬
‫يف صيانــة املبــى ســيؤدي إىل تدهــوره‪ ،‬وبالتــايل قــد خيــرج‬ ‫تغيــر وظيفــة العقــار املؤجــر دون اإلرضار بــه؛ وهــذا بالتــايل‬
‫أختــي القارئــة أخــي القــارئ‪ ،‬لقــد ســألي البعــض‪:‬‬ ‫املســتأجر مــن تلقــاء نفســه‪ .‬أو قــد مينــع املالــك املســتأجر مــن‬ ‫يزيــد مــن عطــاء البيئــة ألنــه قــد يدفــع بعــض املســتأجرين‬
‫ملــاذا ركــزت عــى مــر أكــر مــن غرهــا عل ـاً أن األوضــاع‬ ‫ال بــأن هــذا التضييــق‬
‫إجــراء أي تغيــر أو حتســن يف املبــى مؤمـ ً‬ ‫لصيانــة املبــاين املؤجــرة بعــد تغيــر وظيفتهــا لالســتفادة منهــا‪.‬‬
‫ختتلــف مــن دولــة إىل أخــرى؟ فقلــت‪ :‬وكأنكــم تســألوني ملــاذا‬ ‫ســيجرب املســتأجر عــى اخلــروج‪ .‬ويف الوقــت نفســه قــد ال‬ ‫أمــا يف ظــل القوانــن املدنيــة فــال حيــق للمســتأجر ذلــك إال‬
‫عممــت مــرض زيــد عــى عمــرو مــع اختالفهــا كشــخصن‪،‬‬ ‫يقــوم املســتخدم بصيانــة املبــى إال إذا كان رضوريـاً لــه‪ ،‬ألنــه‬ ‫مبوافقــة املالــك‪ 125.‬ورغــم أن هــذا القانــون يف صالــح املالــك‪،‬‬
‫فأحدمهــا أســمر واآلخــر أبيــض‪ ،‬أو أحدمهــا غــي واآلخــر‬ ‫ال ميلــك املبــى‪ .‬أي أن مســؤولية املبــى ضاعــت بــن الفريــق‬ ‫إال أنــه قــد يــيء حلــال املبــى وذلــك لرفــض كل مــن املالــك‬
‫ـواء أصــاب زيــداً أو عمــراً‪.‬‬
‫فقــر‪ ،‬إن الرطــان هــو نفســه سـ ً‬ ‫املالــك‪ ،‬والفريــق املســتخدم (املســتأجر)‪ ،‬والفريــق املســيطر‬ ‫واملســتأجر القيــام بأيــة صيانــة ألن العالقــة بينهــا متوتــرة‪.‬‬
‫ســواء أصابــت مــر أو غرهــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واملركزيــة هــي نفســها‬ ‫والــذي يتكــون مــن املالــك والســلطة مشــركن مع ـاً كفريــق‬ ‫فجميــع هــذه القوانــن زادت اخلــالف بــن املالــك واملســتأجر‪.‬‬
‫وكذلــك البروقراطيــة الورقيــة وتشــتت املســؤولية وتبعرهــا‬ ‫واحــد‪ .‬أي أن العــن دفعــت إىل اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬ومتــى‬ ‫وأفضــل مثــل عــى هــذا هــو إرصار القوانــن عــى أن املالــك ال‬
‫وحتــول األعيــان مــن منــوذج إذعــاين آلخــر وتغــر شــخصيات‬ ‫تباعــدت مصالــح هــذه الفــرق وتشاكســت تدهــور حــال‬ ‫ميلــك فســخ عقــد اإلجــارة عنــد انتهائــه‪ ،‬فالعقــد يســتمر للورثــة‬
‫الفــرق‪ .‬ولكنــي اخــرت مــر لثالثــة أســباب‪ :‬األول هــو‬ ‫العقــار‪ .‬وهــذه هــي نفــس النتيجــة التــي اســتنتجناها ســابقاً يف‬ ‫حتــى بعــد وفــاة املســتأجر‪ .‬فاملالــك لــه فســخ العقــد عندمــا‬
‫توفــر املصــادر عنهــا إذ أن علاءهــا أثاهبــم اللــه أثرونــا بالكثــر‬ ‫األوقــاف‪ .‬لقــد ســاء حــال الكثــر مــن املبــاين املؤجــرة لدرجــة‬ ‫يقــع املســتأجر يف خطــأ قانــوين‪ ،‬واملســتأجر يتــالىف ذلك بشــتى‬
‫عنهــا‪ ،‬الثــاين هــو أن نظامهــا الســيايس جييــز االنتقــاد فليــس‬ ‫أن الدولــة تدخلــت وكونــت جلان ـاً للكشــف عــى هــذه املبــاين‬ ‫الوســائل النخفــاض اإلجيــار‪ .‬فقــد تدنّــت بعــض اإلجيــارات‬
‫هنــاك حــرج عــى الــكل مــن احلديــث عنهــا‪ ،‬وهــذه ميــزة‬ ‫املنهــارة وتقديــر مــا يلــزم فعلــه إلصالحهــا وإرغــام املالــك‬ ‫إىل بضــع جنيهــات فقــط بســبب التضخــم املــايل مــع الزمــن‪.‬‬
‫تغبــط مــر عليهــا يف أيامنــا هــذه‪ ،‬والثالــث هــو معرفــة أكــر‬ ‫عــى ذلــك‪ .‬ومــرة أخــرى جلــان تفتــح األبــواب للرشــاوي‬ ‫هلــذا حــاول املــالك مجيــع الوســائل املمكنــة لفســخ العقــد‬
‫ـواء كانــوا باملغــرب أو بالشــارقة‪.‬‬‫قــراء العــامل العــريب بحاهلــا سـ ً‬ ‫(فكــا قلنــا ســابقاً‪ :‬عندمــا يضــع النظــام مصالــح أفــراد يف أيدي‬ ‫ولكنهــم مل يتمكنــوا‪ ،‬منتهيــاً هبــم احلــال إىل منــاورة جديــدة‬
‫أفــراد آخريــن تظهــر الرشــاوي)‪ .‬ورفــض بعــض املالك اســتالم‬ ‫ال‪،‬‬
‫هتــدف إىل إزهــاق املســتأجر الــذي متســك باملســكن‪ .‬فمثــ ً‬
‫إن مــا ذكرتــه يف هــذا الفصــل مــن حتــول للمســؤولية مــا‬
‫قــرارات هــذه اللجــان والتغيــب عمــد ًا كالســفر‪ ،‬وذلــك فــرار ًا‬ ‫إذا تأخــر املســتأجر يف دفــع مــا عليــه مــن أجــرة لفــرة تزيــد‬
‫هــو إال يســر مــن كثــر حــدث يف العــامل العــريب كــا ســرنى‪.‬‬
‫مــن القيــام باإلصالحــات املطلوبــة‪ .‬فــكان احلــل هــو أن ُتلصــق‬ ‫عــن املــدة التــي حددهــا القانــون كان للالــك احلــق يف فســخ‬
‫ومــن ذلــك عــى ســبيل الذكــر أقــول‪ :‬لقــد حولــت املركزيــة‬
‫مــا توصلــت إليــه اللجــان عــى املبــى املنهــار وعنــد أقــرب‬ ‫العقــد‪ .‬فقــام بعــض املــالك باملاطلــة يف اســتالم اإلجــارة حتــى‬
‫عالقــة فريــق اإلذعــاين املتحــد مــن اجلــار إىل الســلطة املركزية‬
‫مركــز للرشطــة‪ 128.‬ومــرة أخــرى يــزداد الشــد بإرغــام املالــك‬ ‫ال يتمكــن املســتأجر مــن إبــراز وصــل االســتالم عندمــا يقاضيه‬
‫منهيــة بذلــك احلــوار مــع اجلــران‪ 130.‬كــا حتولــت معظــم‬
‫عــى اإلصــالح‪ .‬فيقــوم بذلــك بأقــل التكاليــف‪ .‬وهــذا التدهــور‬ ‫املالــك يف املحكمــة لفســخ العقــد‪ .‬والتفتــت الدولــة هلــذه اللعبة‬
‫األرايض يف املناطــق النائيــة مــن اإلذعــاين املتحــد إىل احليــازي‪.‬‬
‫يف حــال املبــاين يالحظــه كل مــن زارهــا‪ ،‬وبالــذات املناطــق‬ ‫وأصــدرت القوانــن التــي جتيــز للمســتأجر أن يدفــع اإلجيــار‬
‫أمــا بالنســبة ملنبــع اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬أي اإلحيــاء‪ ،‬فقــد قُتــل‬
‫املشــركة منهــا كاملداخــل واملصاعــد واملنــاور (الصــور ‪3.3‬‬ ‫ألقــرب ممثــل حكومــي يف احلــي إذا رفــض املالــك اســتالمها‪126.‬‬
‫متامــاً‪ .‬ويف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬أدت البروقراطيــة الورقيــة‬
‫إىل ‪ .)8.3‬فاملســاكن مــن الداخــل مقبولــة ألن املســتخدم يقــوم‬
‫واملركزيــة إىل تقييــدات أشــد مــن تلــك التــي كانــت يف اخلالفــة‬ ‫ومــن األمثلــة املؤملــة هلــذا التحايــل هــو أن للالــك احلــق‬
‫مبــا هــو رضوري مــن إصالحــات لنفســه‪ ،‬أمــا مــا يشــرك فيــه‬
‫العثانيــة قاتلــة بذلــك مهــم األفــراد‪ .‬ويف اإلذعــاين الرخيــي‬ ‫يف إهنــاء العقــد إذا ســاء حــال املبــى لدرجــة هتــدد بســقوطه‪.‬‬
‫املســتأجر مــع اآلخريــن‪ ،‬كالــدرج ومدخــل العــارة‪ ،‬فهــي‬
‫اهتــز االتــزان املبــي عــى االتفــاق بــن الفريقــن يف البيئــة‬ ‫ومل يتــواىن بعــض املــالك عــن اســتغالل هــذه الثغــرة وبالــذات‬
‫خــر دليــل عــى تدهــور هــذه املبــاين‪ .‬أي أن املركزيــة دفعــت‬
‫التقليديــة‪ ،‬و ُدفــع العقــار املؤجــر إىل اإلذعــاين املشــتت وتدهور‬ ‫يف املبــاين القدميــة‪ .‬فأضافــت الدولــة إىل قوانــن اإلجــارة مــواداً‬
‫العقــار مــن اإلذعــاين الرخيــي إىل املشــتت‪ ،‬وتغــرت شــخصية‬ ‫متنــع هــدم هــذه املبــاين دون ٍ‬
‫حالــه‪ .‬ولكــن األهــم مــن كل هــذا هــو أن املركزيــة أدت إىل‬ ‫إذن مســبق مــن الدولــة‪ .‬وميكــن‬
‫ِ‬ ‫الفريــق املســيطر‪.‬‬
‫ــرق املســيطرة يف البيئــة مقارنــة بالبيئــة التقليديــة‪.‬‬
‫نقصــان الف َ‬ ‫للالــك احلصــول عــى هــذا اإلذن بعــد الكشــف عــى املبــى‬

‫‪141‬‬ ‫‪140‬‬
142
‫الفصل الرابع‬

‫يف عــارة ســكنية وميلــك شــقته التــي هــو فيهــا‪ ،‬باإلضافــة إىل‬ ‫يعــد هــذا الفصــل مبثابــة مقدمــة ملــا بقــي مــن هــذا‬
‫الشــقة املجــاورة واملؤجــرة لصديــق لــه‪ .‬وبذلــك يكــون احلائط‬ ‫الكتــاب واســتكال نظــري للفصــل األول‪ ،‬وســنوضح فيــه‬
‫املشــرك الفاصــل بــن الشــقتن يف اإلذعــاين الرخيــي‪ ،‬ألن‬ ‫تأثــر النــاذج اإلذعانيــة عــى البيئــة (املســؤولية)‪ .‬لذلــك فــإن‬
‫الفريــق املســتخدم مكــون مــن فرديــن‪ ،‬مهــا املالــك للحائــط‬ ‫الركيــز عــى اســتيعاب هــذا الفصــل مهــم ملتابعــة مــا بقــي لنــا‪.‬‬
‫والصديــق املســتأجر للشــقة املجــاورة معــاً كفريــق واحــد‪.‬‬
‫لقــد كان الركيــز يف الفصلــن الســابقن عــى العالقــة بــن‬
‫وقــد ميلــك زيــد مــع جــاره الــذي هــو أســفل منــه أرضيــة‬ ‫ِ‬
‫ـرق املشــركة يف مســؤولية العــن منفــردة‪ .‬أمــا اآلن فسنوســع‬ ‫الفـ َ‬
‫شــقته والتــي هــي يف الوقــت ذاتــه ســقف جلــاره الســفي‪ .‬فهــذه‬
‫دائــرة البحــث بالركيــز عــى األعيــان جمتمعــة يف البيئــة‪.‬‬
‫األرضيــة يف اإلذعــاين املتحــد ألن اجلاريــن العلــوي والســفي‬
‫فالعــن ال توجــد منفــردة يف البيئــة‪ ،‬ولكنهــا تتـــواجد مع أعيـــان‬
‫ميلكاهنــا مع ـاً رشاكــة‪ ،‬ويســيطران عليهــا مع ـاً‪ ،‬ويســتخدماهنا‬
‫أخــرى قــد تكــون بداخلـــها أو بجانبهــا أو فوقهــا أو حتتهــا أو‬
‫معـاً كل مــن جانبــه‪ .‬أمــا مصاعــد العــارة التــي يســكنها زيــد‬
‫هــي بداخلهــا‪ .‬وهــذا التواجــد يفــرض نوع ـاً مــن العالقــة بــن‬
‫فقــد تكــون يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬وذلــك ألن العــارة كانــت‬ ‫ِ‬
‫ــر ْق‪ .‬فبتداخــل األعيــان ينتــج تواجــد معيـــن مــن حيــث‬ ‫الف َ‬
‫يف األســاس ملــكاً للدولــة قبــل أن يشــرهيا زيــد وجــاره‬
‫املســـؤولية‪ ،‬وهــو مــا ســأحاول توضيحــه يف هــذا الفصـــل بإذنه‬
‫الســفي‪ ،‬وال زالــت تلــك املصاعــد عــى حاهلــا‪ ،‬بينــا الســكان‬
‫تعــاىل‪.‬‬
‫يســتخدموهنا ويســيطرون عليهــا فقــط‪ .‬وقــد يوجــد يف منــزل‬
‫زيــد كتــب اســتعارها مــن مكتبــة فهــو ال ميلكهــا وال يســيطر‬ ‫مــن املالحــظ أن النــاذج اإلذعانيــة تتداخــل بشــكل‬
‫عليهــا (ترخيــي)‪ .‬بينــا شــوارع احلــي الــذي يســكن فيــه‬ ‫معقــد يف البيئــة العمرانيــة بحيــث يصعــب رؤيــة اخلطــوط‬
‫زيــد متلكهــا الدولــة‪ ،‬وقــد تســيطر عليهــا جهــة متثــل الدولــة‬ ‫الفاصلــة بينهــا‪ ،‬وذلــك لتداخــل األعيــان يف البيئــة‪ ،‬إذ أن‬
‫(مشــتت)‪ ،‬وهكــذا‪ .‬أي أن هــذا التعقيــد يف عالقــات املســؤولية‬ ‫كل عــن قــد ختضــع لنمــوذج إذعــاين خمتلــف‪ .‬فالشــخص يف‬
‫بســبب تواجــد األعيــان يدعونــا إىل الــروي يف حماولــة فهــم‬ ‫الشــقة املســتأجرة ميلــك أثاثــه‪ ،‬أمــا احلوائــط فيملكهــا مالــك‬
‫تواجــد األعيــان‪.‬‬ ‫الشــقة‪ ،‬وجهــاز اهلاتــف يف تلــك الشــقة قــد متلكــه الدولــة‪.‬‬
‫فاألعيــان املحيطــة هبــذا املســتأجر ختضــع لنــاذج إذعانيــة‬
‫ال معقــداً بعــض الــيء‪ :‬قــد يســكن زيــد‬‫خمتلفــة‪ .‬ولنأخــذ مثــا ً‬

‫‪143‬‬
‫ال‪ ،‬فإهنــا س ـ ُت ْم َن ُع بالتــايل داخــل املنــازل‪ .‬مثــال آخــر‪ :‬نجــد‬
‫مث ـ ً‬ ‫الشكل‬ ‫الشكل‬ ‫قــد تتواجــد األعيــان بطريقــة معقــدة كــا يف املثــال‬
‫أن املســيطرين عــى شــبكة امليــاه خــارج املنــازل هييمنــون عى‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫الســابق‪ ،‬إال أن هــذا نــادر مقارنــة بالوضــع الســائد وهــو أن‬
‫ـرق التــي تســيطر عــى شــبكات امليــاه داخــل املنــازل‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬
‫الفـ َ‬ ‫العــن تتبــع النمــوذج اإلذعــاين للمــكان التــي هــي فيــه‪ .‬فــإذا‬
‫ألن تغيــر موضــع الشــبكة اخلارجيــة قــد يؤثــر عــى مواضــع‬ ‫كانــت أرض مــا يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬فمــن األرجــح أن تكــون‬
‫األنابيــب املغذيــة للشــبكات داخــل املنــازل‪ ،‬والعكــس غــر‬ ‫األعيــان عليهــا كاحلوائــط واألثــاث يف اإلذعــاين املتحــد أيضـاً‪،‬‬
‫صحيــح‪ .‬لذلــك فــإن املؤسســات احلكوميــة التــي تســيطر عــى‬ ‫أجــرت‪ .‬وإذا كان الطريــق يف اإلذعــاين‬ ‫أو الرخيــي إذا ّ‬
‫هــذه الشــبكات هتيمــن عــى الســكان‪ .‬ومثــل هــذه اهليمنــات‬ ‫املشــتت فــإن معظــم األعيــان عليــه كأعمــدة الكهربــاء‬
‫هــي التــي تغــر تواجــد النــاذج اإلذعانيــة مــن التبعــي إىل‬ ‫والرصيــف ســتكون يف اإلذعاين املشــتت أيضـاً‪ ،‬وهكــذا‪ .‬أي أن‬
‫ــتوجد التدخــالت اخلارجيــة‪،‬‬‫ِ‬ ‫املســتقل أو العكــس ألهنــا َس‬ ‫النــاذج اإلذعانيــة لألعيــان تتبــع منــاذج العقــارات التــي هــي‬
‫فكــا قلنــا فــإن الســيطرة اخلارجيــة هــي العامــل املميــز بــن‬ ‫فيهــا‪ ،‬كالنــاذج اإلذعانيــة للعقــارات اخلاصــة أو احلكوميــة‬
‫التواجديــن‪ .‬لنوضــح ذلــك بالشــكلن التاليــن‪:‬‬ ‫التواجـد املستقل‪ :‬يـرمز هـذا الشكل إىل عـدة منازل تـسـكنهـا‬ ‫التواجد التبعي‪ :‬ال يتكون يف هذا التواجد أي من الفريقن ش أو‬ ‫أو األماكــن كالشــوارع والطــرق غــر النافــذة والســاحات‬
‫ــرق متجــاورة (هي‪ :‬أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ‪ ،‬و) تشرك يف طـريق غر‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬ ‫ط من الـسكان (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ‪ ،‬و)‪ .‬واخلط الواحد الفـاصل بن‬ ‫والرحــاب‪ .‬هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬وكــا‬
‫الشــكل ‪ 1.4‬هــو رســم توضيحــي لســتة منــازل متلكهــا‬ ‫ويــودي الطـريق‬
‫ٔ‬ ‫نـافذ يـسيطـر عليهـا وميلـكها الفـريق ط‪.‬‬ ‫العقـارين يـدل عى ٔان هـذه العقـارات ليـست مسـتقلة ولكنـها‬
‫ِ‬ ‫غـر النـافـذ إىل شـارع يسـيطـر عليه ويـملكه الفريق ش‪ .‬وما‬
‫رأينــا يف الفصــل الثالــث‪ ،‬فــإن التدخــل اخلارجــي كان املســبب‬
‫ــرق هــي‪ :‬أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـــ‪ ،‬و‪ .‬وتطــل هــذه‬ ‫وتســيطر عليهــا ف َ‬ ‫تابعـة للفريق املهـيمن ش أو ط أو كليها ألهنا قد يكـونان فريقاً‬
‫مييـز هذا التواجد هو أن الفريق ط مكون من ِ‬
‫الف َرق الساكنة (أ‪،‬‬ ‫واحداً بـرغم أن احلوائط الفاصلة بن العقارات قد تكون مزدوجة‪.‬‬ ‫الرئيــي لتحــول العــن مــن منــوذج إذعــاين آلخــر‪ .‬كــا الحظنا‬
‫املنــازل عــى طريــق غــر نافــذ ميلكــه ويســيطر عليــه الفريــق‬
‫ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـ‪ ،‬و)‪ ،‬والفــريق ش مكــون من فـرق مثل الفـريق‬ ‫أيضــاً أن الســيطرة هــي احلــق الــذي يســهل التحكــم فيــه‪:‬‬
‫ط‪ ،‬ويــؤدي هــذا الطريــق إىل شــارع يســيطر عليــه وميلكــه‬ ‫ط‪ .‬ووجود اخلـطن بن العقـارات يدل عـى ٔان كل عقار مستـقل‬
‫ال انتــزاع ملكيــات اآلخريــن‪ ،‬كــا‬ ‫فيصعــب عــى الدولــة مث ـ ً‬
‫فريــق ش‪ .‬ففــي هــذه احلالــة نجــد أن الفريــق املســيطر عــى‬ ‫بذاته‪ .‬فقد يـوجد يف الواقع حائط واحد مـشرك بن اجلارين‬ ‫التبعــي‪ ،‬فقــد تزيــد نســبة املــالك املســيطرين عــن ‪ 90‬يف‬
‫ِ‬ ‫يصعــب عليهــا منــع اآلخريــن مــن حــق االســتخدام‪ ،‬ولكــن‬
‫ـرق‬‫الشــارع والطريــق غــر النافــذ يفــرض القوانــن عــى الفـ َ‬ ‫وكالمها يسيطران معاً عليه أو أحدمها يسيـطر عليه واآلخر‬
‫املائــة مــن املســتخدمن يف التواجــد املســتقل‪ ،‬بينــا تقــل يف‬
‫تـوثر يف الشكل املـرسوم ألن الشكل‬‫يستخدمه‪ .‬فهـذه مسائل ال ٔ‬ ‫يســهل عــى الدولــة الســيطرة بإصــدار القوانــن‪ .‬فالســيطرة هــي‬
‫الســاكنة يف املنــازل‪ ،‬كأن مينــع الســكان مــن بنــاء دكــة يف‬ ‫التواجــد التبعــي إىل أقــل مــن ‪ 20‬يف املائــة كــا يف بعــض الــدول‬
‫هو رسم جمرد هيدف إىل توضيح العالقات بن فرق العقارات‪.‬‬ ‫خــل‬‫أكــر احلقــوق الثالثــة تأثّــراً ومــن ثــم تأثــراً يف البيئــة؛ فتد ّ‬
‫ال‪ ،‬أو جيربهــم عــى تــرك مســافات غــر مبنيــة‬ ‫الشــارع مثــ ً‬ ‫ال‪.‬‬
‫االشــراكية مثــ ً‬ ‫ال أدى إىل ســوء حــال تلــك األعيــان‪.‬‬ ‫الدولــة يف اإلجــارة مثــ ً‬
‫(االرتــداد) داخــل أراضيهــم ألســباب صحيــة كــا تفعــل‬
‫أعــى مــن األثــاث‪ ،‬وذلــك ألن تغيــر موقــع األثــاث بنقلــه مــن‬ ‫ومــا هــذه األرقــام (‪ 90‬و ‪ 20‬يف املائــة) إال إلعطائــك‬ ‫لذلــك فــإن الركيــز عــى الســيطرة هــو مــن أفضــل املداخــل‬
‫الســلطات يف أيامنــا هــذه‪ ،‬فهــي يف الغالــب متثــل كل مــن‬
‫مــكان آلخــر داخــل الغرفــة لــن يؤثــر عــى حوائــط الغرفــة‪ ،‬أما‬ ‫فكــرة عــا أعــي أخــي القــارئ‪ ،‬فالبيئــات تتفــاوت‪ ،‬وغالبـاً مــا‬ ‫لفهــم تواجــد النــاذج اإلذعانيــة‪ ،‬وهــذا مــا ســنفعله اآلن‪.‬‬
‫الفريــق ط والفريــق ش‪ .‬ولكــن إذا كان الطريــق غــر النافــذ‬
‫يف اإلذعــاين املتحــد (كــا يف الشــكل ‪ ،)2.4‬فالبــد وأن يتكــون‬ ‫تغيــر موقــع أي حائــط فالبــد وأن يؤثــر عــى توزيــع األثــاث‪.‬‬ ‫تتكــون مــن خليــط مــن التواجديــن (التبعــي واملســتقل)‪ ،‬إال أن‬ ‫إن تواجــد النــاذج اإلذعانيــة مــن وجهــة نظــر الفريــق‬
‫الفريــق املســيطر مــن الســكان أنفســهم‪ ،‬أي أن الفريــق ط‬ ‫وإنــه إذا مــا ســيطر عــى كل مــن احلوائــط واألثــاث فريقــان‬ ‫مالحظــة شــيوع أحدمهــا عــى اآلخــر أمــر ســهل التمييــز‪ .‬فقــد‬ ‫املالــك مــن حيــث الســيطرة البــد وأن تأخــذ إحــدى الصورتــن‬
‫ـرق أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬هـــ‪ ،‬و‪ ،‬كأفــراد ألهنم‬ ‫ِ‬ ‫خمتلفــان‪ ،‬فــإن الفريــق املســيطر عــى احلوائــط البــد وأن‬ ‫يقــوم املــالك بتأجــر عقاراهتــم يف التواجــد املســتقل‪ ،‬وهبــذا لن‬ ‫ِ‬
‫البــد وأن يتكــون مــن الفـ َ‬ ‫ـر ْق املالكــة‬
‫املتضادتــن التاليتــن‪ :‬األوىل هــي عندمــا تتمتــع الفـ َ‬
‫ـر َض‬‫هــم املســتخدمون‪ .‬ومــن الطبيعــي يف هــذه احلالــة أن ال َي ْفـ ِ‬ ‫هييمــن عــى الفريــق املســيطر عــى األثــاث‪ ،‬وهــذه العالقــة‬ ‫يتمتــع مســتخدمو هــذه العقــارات بالســيطرة‪ ،‬ولــن يؤثــر هــذا‬ ‫املســتخدمة لألعيــان بكامــل الســيطرة عــى أعياهنــا دون أي‬
‫تبلــورت ألن احلوائــط حتــوي أو حتيــط باألثــاث؛ وقــد ســميناها‬ ‫ـرق املســتأجرة‬ ‫ِ‬
‫الســكان القوانــن عــى أنفســهم‪ ،‬ولكــن يتعاونــون فيــا بينهــم‬ ‫الوضــع جذريـاً عــى حــال تلــك األعيــان ألن الفـ َ‬ ‫تأثــر أو تدخــل خارجــي‪ .‬فجميــع أعيــان البيئــة يف اإلذعــاين‬
‫حلــل خالفاهتــم‪ :‬فــال توجــد قوانــن ملنــع بنــاء دكــة يف الطريــق‬ ‫باالحتوائيــة‪ .‬وباإلضافــة إىل خاصيــة االحتوائيــة حتدثــت عــن‬ ‫تســتخدم األعيــان مؤقتــاً‪ .‬أمــا إذا تدخلــت الدولــة وســيطرت‬ ‫ــرق املالكــة‬ ‫ِ‬
‫املتحــد‪ ،‬واملســؤولية ملقــاة بالكامــل عــى الف َ‬
‫غــر النافــذ؛ ولكــن إذا أراد شــخص مــا بنــاء دكــة فــإن الســكان‬ ‫اجلاذبيــة واالنســيابية كخاصيتــن أخرتــن مســببتن للهيمنــة‬ ‫عــى تلــك املســاكن املؤجــرة‪ ،‬فــإن حالــة األعيــان ستســوء‪.‬‬ ‫املســتخدمة‪ ،‬أي أن كل عقــار ذايت احلكــم وال ّت ْســير واإلدارة‪.‬‬
‫ـر ْق‪ .‬وب ّينــت أن هــذه اخلــواص الثــالث البــد وأن تــؤدي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ســيقررون ذلــك‪ .‬وهــذا ينطبــق عــى الشــارع أيضــاً‪ :‬فحتــى‬ ‫بــن الفـ َ‬ ‫ــرق املســيطرة الزال‬ ‫والفــرق بــن احلالتــن هــو أن عــدد الف َ‬ ‫وســنطلق عــى هــذا التواجــد «التواجــد املســتقل»‪ .‬ويف الصورة‬
‫يكــون الشــارع يف اإلذعــاين املتحــد البــد وأن يكــون الفريــق‬ ‫إىل هيمنــة فريــق عــى اآلخــر إذا مــا اتصلــت أعياهنــم‪ .‬وقلنــا‬ ‫مرتفعــاً يف البيئــة يف احلالــة األوىل (املســتقل) مقارنــة باحلالــة‬ ‫ــرق املســتخدمة‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫الثانيــة‪ ،‬وهــي نقيضــة األوىل‪ ،‬نجــد أن الف َ‬
‫املســيطر واملالــك مكــون مــن فــرق مماثلــة للفريــق املســيطر‬ ‫ــرق األعيــان واألماكــن املتداخلــة‬ ‫إن مجيــع العالقــات بــن ف َ‬ ‫الثانيــة (التبعــي)‪ .‬أي أن الســيطرة اخلارجيــة أو املركزيــة هــي‬ ‫ال تســيطر عــى أي عــن يف البيئــة التــي هــي فيهــا وقــد ال‬
‫عــى الطريــق غر النافــذ؛ أي أن املــالك الســاكنن (أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪،‬‬ ‫واملتجــاورة يف البيئــة تنبثــق مــن خــالل إحــدى هــذه اخلــواص‬ ‫العامــل املميــز بــن التواجديــن‪.‬‬ ‫متلكهــا أيضــاً؛ فجميــع األعيــان يف تلــك البيئــة يف اإلذعــاين‬
‫هـــ‪ ،‬و) ومــن مثلهــم مــن ســكان الطــرق غــر النافــذة األخــرى‪،‬‬ ‫الثــالث‪ .‬فالفريــق املســيطر عــى احلــي اجلامعــي‪ ،‬كاملســؤولن‬ ‫الرخيــي أو احليــازي أو املشــتت أو املؤقــت‪ .‬ولنســمي هــذا‬
‫ســبق وأن حتدثــت يف الفصــل الثــاين (يف اإلذعــاين‬
‫باإلضافــة إىل املــالك الذيــن ُي ِطلّــون عــى ذلــك الشــارع هــم‬ ‫يف اجلامعــة‪ ،‬هييمنــون عــى أولئــك املســيطرين عــى املنــازل‬ ‫التواجــد بـــ «التواجــد التبعــي»‪ .‬واملقصــود بالتبعيــة هنــا فقدان‬
‫الرخيــي) عــن خاصيــة املســتويات يف البيئــة العمرانيــة عنــد‬
‫الذيــن يســيطرون عــى الشــارع؛ أي أن الفريــق ش يتكــون‬ ‫داخــل احلــي ألهنــم إذا منعــوا دخــول أي يشء إىل املناطــق‬ ‫ــرق املالكــة‬ ‫ِ‬
‫التغــر لتمييــز‬
‫ّ‬ ‫احلديــث عــن حركيــة البيئــة وأمهيــة ظاهــرة‬ ‫الفريــق حلريــة تقريــر املصــر‪ .‬أي أن نســبة الف َ‬
‫ـرق مثــل ط كأفــراد‪ .‬ومــن الطبيعــي هنــا أيض ـاً أن‬ ‫ِ‬ ‫العامــة داخــل احلــي اجلامعــي‪ ،‬كمنــع دخــول األلعــاب الناريــة‬
‫مــن عــدة فـ َ‬ ‫املســتويات املختلفــة‪ .‬فقلــت أن احلائــط كعــن يف مســتوى‬ ‫املســيطرة يف التواجــد املســتقل أكــر بكثــر منهــا يف التواجــد‬

‫‪145‬‬ ‫‪144‬‬
‫رشكــة مكونــة مــن عــدة أفــراد وليــس شــخصاً واحــداً وتتبعــر‬ ‫يولــد التواجــد التبعــي‪ .‬أي كلــا كــر عــدد أفــراد الفريــق‪،‬‬ ‫فالبــد للبيئــة التــي تغيــب عنهــا القوانــن واألنظمــة أن ُ َ‬
‫حتــل‬ ‫ال يفــرض الســكان القوانــن عــى أنفســهم‪ ،‬فــال توجــد قوانــن‬
‫املســؤولية بينهــم‪ .‬أو قــد حيــدث العكــس‪ ،‬فيقوم شــخص برشاء‬ ‫كلــا تبعــرت املســؤولية بينهــم‪ ،‬وكلــا قلّــت مســؤولية الفــرد‬ ‫خالفاهتــا داخليـاً مــن خــالل االتفاقــات‪ ،‬وإال عمــت الفــوىض‪.‬‬ ‫ملنــع بنــاء مظلــة للســيارة يف الشــارع‪ .‬وإذا مــا أراد شــخص‬
‫حمــل متلكــه رشكــة فتركــز املســؤولية فيــه‪ .‬لذلــك سأســتخدم‬ ‫منهــم التكاهلــم عــى بعــض‪ .‬أي كلــا ازداد عــدد أفــراد الفريق‬ ‫فاالتفاقــات حتــل حمــل القوانــن يف التواجــد املســتقل‪ .‬وهــذا مــا‬ ‫عمــل ذلــك فــإن اجلــران هــم الذيــن سيســمحون لــه بذلــك أو‬
‫عبــاريت «فريــق صغــر» و «فريــق كبــر» للتعبــر عــن حجــم‬ ‫ـون جهــة متثــل مصاحلهــم‪ ،‬مثــل البلديــة‬ ‫كلــا ازداد احتــال تكـ ّ‬ ‫حــدث يف البيئــة التقليديــة كــا ســرنى يف الفصــل الســادس‪.‬‬ ‫يوقفونــه‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وهــذا معنــاه أنــه برغــم أن املنــازل حماطــة‬
‫الفريــق‪ .‬وسأســتخدم عبــاريت تبعــر املســؤولية عنــد زيــادة‬ ‫للقيــام مبهامهــم‪ .‬وهــذا مــا حــدث يف الــدول العربيــة‪ ،‬وهبــذا‬ ‫أمــا يف التواجــد التبعــي فــإن حــل أي نــزاع بــن اجلاريــن (ج‬ ‫بالشــوارع‪ ،‬إال أن ال ّتدخــالت اخلارجيــة واهليمنــة املتوقعــة‬
‫عــدد أفــراد الفريــق‪ ،‬وتركــز املســؤولية عنــد نقصــان عــدد‬ ‫فــإن هــذا الفريــق اجلديــد (البلديــة) املمثــل هلــؤالء األفــراد‬ ‫‪ ،‬د يف الشــكل ‪ )1.4‬يعتــرب مــن مســؤوليات الفريــق املســيطر‬ ‫ـرق‬ ‫ِ‬
‫مــن تواجــد املنــازل داخــل الشــوارع قــد أزيلــت ألن الفـ َ‬
‫أفــراد الفريــق‪.‬‬ ‫ســيكون بعيــداً عــن املوقــع‪ .‬فالبــد لنــا إذاً مــن توضيــح تأثــر‬ ‫عــى الفــراغ اخلارجــي (أي الفريــق ش أو ط)‪ .‬أي أن الفريــق‬ ‫املكونــة هلــذه الشــوارع هــم الســكان أنفســهم‪ .‬وباختصــار‪،‬‬
‫بعــد الفريــق عــن العــن وحجمــه عــى حالــة العــن‪.‬‬ ‫اخلارجــي املهيمــن هــو الــذي حيــل للســكان نزاعاهتــم‪ ،‬ولذلــك‬ ‫ـرق التــي تســيطر عــى الفراغــات املشــركة مثــل‬ ‫ِ‬
‫مالحظــة أخــرى هــي أنــي اســتخدمت عبــاريت «تبعــر»‬ ‫فطاملــا أن الفـ َ‬
‫ابتــداء‪ .‬فــال حاجــة‬ ‫نجــده يصــدر القوانــن لتــاليف النــزاع‬ ‫ــرق الســاكنة‪ ،‬وطاملــا‬ ‫ِ‬
‫املســؤولية و «تشــتت» أو ضيــاع املســؤولية‪ ،‬فــا الفــرق‬ ‫ً‬ ‫الشــوارع والســاحات تتكــون مــن الف َ‬
‫لالتفــاق وال مــكان لــه يف التواجــد التبعــي‪ .‬فالفريــق اخلارجــي‬ ‫ـرق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـرق خارجيــة عــى الفـ َ‬ ‫أنــه ال توجــد قوانــن مفروضــة مــن فـ َ‬
‫بينهــا؟ تبعــر املســؤولية تعــي اشــراك عــدة أفــراد يف التمتــع‬ ‫حجم الفريق و ُب ْعده‬ ‫املهيمــن يقــوم بــكل مــا هــو رضوري يف نظــره لتنظيــم البيئــة‪،‬‬ ‫الســاكنة‪ ،‬فــإن التواجــد هــو تواجــد مســتقل‪ .‬وهــذا مــا فعلتــه‬
‫بأحــد احلقــوق الثالثــة كفريــق واحــد‪ ،‬كــا وضحــت يف‬
‫«تغر شــخصية‬ ‫لقــد اســتخدمت يف الفصــل الثالــث عبــارة ّ‬ ‫وهــذا هــو حــال بيئتنــا اليــوم‪.‬‬ ‫الرشيعــة يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬وهــو مــا ســنوضحه يف الفصــل‬
‫ال نقــول‬
‫األمثلــة الســابقة‪ :‬فعندمــا ميلــك تســعة أشــخاص منــز ً‬
‫الفريــق»‪ .‬ولكــن مــاذا تعــي هــذه العبــارة؟إن تغـ ّـر شــخصية‬ ‫الســابع‪ .‬وعــى النقيــض مــن هــذا الوضــع‪ ،‬فــإن التواجــد يكــون‬
‫أن مســؤولية امللكيــة متبعــرة بينهــم‪ ،‬فتبعــر املســؤولية إذ ًا‬ ‫إن هذيــن التواجديــن (املســتقل والتبعــي) يعــربان عــن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفريــق تــأيت مــن ســببن‪ :‬األول هــو ابتعــاد الفريــق أو قربــه‬ ‫ـرق املســيطرة‬ ‫ـرق الســاكنة هليمنــة الفـ َ‬ ‫تبعيـاً طاملــا خضعــت الفـ َ‬
‫تعبــر عــن العالقــة بــن احلــق وعــدد أفــراد الفريــق‪ .‬أمــا‬ ‫مذهبــن متناقضــن يف إدارة البيئــة والتعامــل معهــا‪ .‬فاملســتقل‬
‫مــن العــن‪ .‬فالطريــق املشــرك بــن عــدة منــازل والــذي ملكــه‬ ‫عــى املناطــق اخلارجيــة‪ ،‬حتــى وإن كانــت غالبيــة املنــازل يف‬
‫تشــتت املســؤولية فتعــي اشــراك فريقــن أو ثــالث يف العــن‬ ‫هــو تواجــد يقــاوم التدخــل اخلارجــي إال مبقــدار مــا يكــون‬
‫الســاكنون مــن حولــه‪ ،‬يبعــد فريقــه ويصبــح خارجي ـاً عندمــا‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وهــو حــال بيئتنــا اليــوم‪.‬‬
‫إذ أن كل فريــق يتمتــع بحــق أو حقــن مــن احلقــوق الثالثــة‪،‬‬ ‫ال‪ .‬فاملذهــب‬ ‫ذلــك التدخــل رضوريــاً لصيانــة األمــن مثــ ً‬
‫لــذا فهــي عالقــة بــن الفــرق والعــن‪ .‬وشــتان بــن اإلثنــن‪.‬‬ ‫تصــدر الدولــة قانونــاً متتلــك مبقتضــاه هــذا الطريــق‪ .‬وكــا‬ ‫ــل عــى أنــه فريــق ناضــج يعــي‬ ‫هنــا هــو أن كل فريــق ُيعا َم ُ‬ ‫أي أن األســاس يف فكــرة التواجــد املســتقل هــو عــدم‬
‫فتوحيــد املســؤولية هــو عكــس تشــتت املســؤولية‪ ،‬بينــا تركز‬ ‫رأينــا يف ســواد العــراق فــإن الفريــق املالــك بــدل أن يتكــون‬ ‫مصلحتــه ومصلحــة بيئتــه‪ .‬فعــدم التدخــل هــو السياســة‬ ‫ــرق خارجيــة‪ .‬وهــذا ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق الســاكنة هليمنــة ف َ‬ ‫خضــوع الف َ‬
‫املســؤولية هــي عكــس تبعــر املســؤولية‪.‬‬ ‫مــن األفــراد الغامنــن صــار بيــت مــال املســلمن‪ ،‬وبذلــك ابتعــد‬ ‫املتبعــة يف إدارة تلــك البيئــة‪ .‬وعــى النقيــض مــن هــذا‪ ،‬فــإن‬ ‫حيــدث إال بوضــع األعيــان واألماكــن املشــركة اخلارجيــة يف‬
‫الفريــق املالــك وأصبــح خارجي ـاً‪ .‬وينطبــق هــذا الوضــع عــى‬ ‫مذهــب التواجــد التبعــي يرتكــز عــى انعــدام الثقــة يف مقــدرة‬ ‫ـاء عليــه فــإن‬
‫اإلذعــاين املتحــد ودون تدخــالت خارجيــة‪ .‬وبنـ ً‬
‫ومــن املالحــظ أن هنــاك عالقــة قويــة بــن حجــم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حــق الســيطرة أيضــاً‪ .‬فاملبــاين التــي تبنيهــا الدولــة متميــزة‬ ‫ـرق الســاكنة‪ ،‬متام ـاً كاألب الــذي ال يثــق بابنــه ويرعــاه يف‬
‫الفـ َ‬ ‫ـرق حريــة مطلقــة داخــل حدودهــا يف التواجــد املســتقل‪.‬‬ ‫للفـ َ‬
‫الفريــق املالــك أو املســيطر وبعــده عــن العــن‪ :‬فكلــا كــرب‬
‫ببعــد الفريــق املســيطر‪ ،‬فصالحيــة صيانــة هــذه املبــاين تعطــى‬ ‫كل صغــرة وكبــرة حتــى عنــد رشــده‪ .‬فاملذهــب يف التواجــد‬ ‫وهبــذا تكــون احلــدود اخلارجيــة للمــكان هــي العــبء الوحيــد‬
‫ــد ذلــك الفريــق‬
‫حجــم الفريــق املالــك أو املســيطر كلــا َب ُع َ‬
‫ملؤسســات ال تســكن املوقــع‪ .‬وكــا رأينــا أيضــاً يف األرايض‬ ‫التبعــي أبــوي يف معاملتــه للســكان ‪،paternalistic attitude‬‬ ‫عــى أي فريــق ســاكن‪ ،‬وهــي املناطــق التــي يتــاس فيهــا‬
‫عــن العــن‪ .‬فــإذا كان حجــم الفريــق املالــك ملنــزل صغــر‬
‫الزراعيــة يف مــر‪ :‬إذ أن الفريــق املســيطر أصبــح الدولــة‬ ‫لذلــك تكــر التدخــالت اخلارجيــة يف هــذا التواجــد‪.‬‬ ‫الفريــق مــع جرانــه‪ ،‬كالنافــذة التــي يطــل منهــا عــى اجلــران‪،‬‬
‫ال) فلــن يتمكنــوا مــن الســكن‬ ‫كبــر ًا يف العــدد (كرشكــة مثــ ً‬
‫وليــس املزارعــن وهــو فريــق بعيــد وخارجــي‪ .‬ومــن املعلــوم‬ ‫ِ‬ ‫واألنبوبــة التــي تــأيت لــه باملــاء‪ ،‬والســلك الــذي يغذيــه‬
‫فيــه‪ .‬وهــذه العالقــة النســبية بــن حجــم الفريــق وبعــده ال‬ ‫ــرق‬
‫والبــد مــن التنويــه هنــا إىل أن اخلالفــات بــن الف َ‬
‫أن بعــد الفريــق املالــك واملســيطر ســيؤثر عــى حــال العــن أو‬ ‫بالكهربــاء‪ ،‬واحلائــط املشــرك‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وبالتــايل فــإن أي‬
‫تنطبــق عــى االســتخدام‪ ،‬ألن االســتخدام يعــي االســتيطان يف‬ ‫املشــركة يف العــن ســتؤدي إىل ســوء حاهلــا يف التواجــد‬
‫املــكان ســلبياً‪ .‬وهــذا بالطبــع ال ينطبــق عــى الفريق املســتخدم‬ ‫ال يف الشــكل‬ ‫خــالف بــن فريقــن (الفريــق أ والفريــق ب مث ـ ً‬
‫املوقــع أو استـــخدام العيـــن‪ .‬فزيــادة أفــراد الفريــق املســتخدم‬ ‫التبعــي‪ ،‬أمــا يف التواجــد املســتقل فــال توجــد خالفــات بــن‬
‫ألن االســتخدام يعــي تواجــد املســتخدمن‪ ،‬أي قــرب الفريــق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ )2.4‬يعتــرب مســؤولية هذيــن الفريقــن معـاً‪ .‬لذلك فمــن املتوقع‬
‫ال تعــي بعدهــم عــن املوقــع‪.‬‬ ‫ـرق‬‫ـرق املشــركة يف العــن‪ ،‬ولكــن اخلالفــات هــي بــن الفـ َ‬
‫الفـ َ‬
‫املســتخدم مــن املوقــع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أن يكــر احلــوار بــن اجلــران حلــل خالفاهتــم والوصــول إىل‬
‫ــرق األعيــان املختلفــة وليــس بــن فــرق‬
‫املتجــاورة‪ ،‬أي بــن ف َ‬
‫وهنــاك عالقــة تناســبية أخــرى بــن حجــم العــن مــن‬ ‫اتفــاق يف التواجــد املســتقل‪ ،‬وإال فــإن الفــوىض ســتعم البيئــة‪،‬‬
‫أمــا الســبب الثــاين لتغــر شــخصية الفريــق فهــو تغــر‬ ‫العــن الواحــدة‪ ،‬ومتــى حدثــت هــذه اخلالفــات فإهنــا ســتؤدي‬
‫جهــة‪ ،‬وحجــم وبعــد الفريــق مــن جهــة أخــرى‪ .‬فعــادة مــا‬ ‫وهــذه نقطــة مهمــة جــداً‪ .‬فالكثــر يعتقــد أن البيئــة لــن تســتمر‬
‫يف حجمــه‪ :‬ولنســتخدم أخــي القــارئ عبــارة «حجــم الفريــق»‬ ‫إىل االتفــاق وبالتــايل إىل بلــورة األعــراف كــا ســرنى‪.‬‬
‫يكــون مالــك العقــار الكبــر يف أيامنــا هــذه فريــق كبــر‬ ‫إال باألنظمــة والقوانــن؛ وهــذا صحيــح إىل حــد مــا‪ ،‬ألن البيئــة‬
‫للداللــة عــى عــدد األفــراد املكونــن للفريــق‪ ،‬فعــدد األفــراد‬
‫وبعيــد كاحلديقــة العامــة التــي متلكهــا الدولــة‪ .‬ومــن البدهــي‬ ‫وألن مســؤولية األماكــن العامــة كالشــوارع ملقــاة عــى‬ ‫ــرق الســاكنة فقــد يــر‬ ‫ِ‬
‫املشــاركن يف الفريــق قابــل للزيــادة والنقصــان‪ .‬فاملنــزل قــد‬ ‫إذا تســلط عليهــا فريــق مــن الف َ‬
‫وجــود شــواذ هلــذه القاعــدة‪ :‬فقــد ميلــك الطفــل قــراً كبــراً؛‬ ‫الفريــق املكــون مــن الســكان يف التواجــد املســتقل‪ ،‬وألن حجم‬ ‫ـرق‬ ‫ِ‬
‫يرثــه عــدة أبنــاء ويصبحــون رشكاء فيــه كفريــق واحــد‪،‬‬ ‫باآلخريــن بتعســفه وظلمــه‪ .‬ولكــن إذا تســاوت مجيــع الفـ َ‬
‫أو عــى العكــس‪ ،‬فقــد يشــرك عــدة أشــخاص يف ملكيــة دكان‬ ‫هــذا الفريــق كبــر مــن حيــث العــدد‪ ،‬فــإن املســؤولية تتبعــر‬ ‫يف احلقــوق (كــا هــو احلــال يف الرشيعــة)‪ ،‬فــإن عــدم وجــود‬
‫وهنــا يزيــد عــدد أفــراد الفريــق املالــك وتتبعــر املســؤولية‬
‫صغــر والســيطرة عليــه (وســيوضح الفصــل الثامــن تعامــل‬ ‫بينهــم وال تركــز فيهــم وبالتــايل قــد ال يكرثــون‪ ،‬لذلــك فــإن‬ ‫القوانــن ســيؤدي إىل احلــوار واالتفــاق بــن األطــراف املتنازعة‪،‬‬
‫بينهــم‪ .‬والشــقة التــي ميلكهــا ويســيطر عليهــا شــخص واحــد‬
‫الرشيعــة مــع العالقــة بــن حجــم الفريــق وحجــم العــن)‪.‬‬ ‫أول مــا تتدخــل فيــه الســلطات هــي األماكــن العامــة‪ .‬وهكــذا‬ ‫وبالتــايل إىل بيئــة تعتمــد عــى االتفــاق وليــس القوانــن‪.‬‬
‫قــد تشــرهيا رشكــة مــا‪ ،‬ويصبــح املالــك يف هــذه احلالــة‬

‫‪147‬‬ ‫‪146‬‬
‫واحــد إذا كان األمــر هيمهــم‪ .‬فاملرافــق املشــركة يف عــارة‬ ‫والنــوع الثــاين مــن القــرارات هــو قــرار يتخــذه الفريــق داخــل‬ ‫ولكــن هــل هنــاك حجــم مناســب للفريــق لــكل عــن مــن‬
‫ِ‬
‫ال قــد يســيطر عليهــا شــخص يســكن يف الــدور‬ ‫ســكنية مثــ ً‬ ‫ُم َبا َد َر ُة الفريق‬ ‫ـرق املجــاورة‪ ،‬كحفــر‬ ‫عقــاره ويؤثــر بطريقــة مبــارشة عــى الفـ َ‬ ‫األعيــان؟ اإلجابــة هــي‪ :‬نعــم‪ ،‬وسنســمي هــذا الفريــق بـــ‬
‫الســفي‪ ،‬وقــد ال يكــرث هــذا الشــخص ملــا قــد حيــدث ملمــرات‬ ‫خــزان مــاء بجانــب جــدار اجلــار ممــا يــر باجلــدار‪ .‬والنــوع‬ ‫«الفريــق املســتوطن»‪.‬‬
‫األدوار العليــا إذا مل يــره ذلــك‪ .‬فهــذا الشــخص (كفريــق‬ ‫املقصــود باملبــادرة هنــا هــي املبــادرة إىل التحــرك والترف‬ ‫ـرق املجــاورة ولكــن بطريقــة‬ ‫ِ‬
‫الثالــث هــو قــرار يؤثــر عــى الفـ َ‬
‫صغــر) أقــل مبــادرة مــن الفريــق املســتوطن واملكــون مــن‬ ‫يف كل مــا هــو مطلــوب ملصلحــة العــن واالهتــام هبــا‪ .‬لنقــل أن‬ ‫غــر مبــارشة‪ ،‬كفتــح نافــذة يكشــف منهــا الفريــق دار جــاره‪.‬‬
‫مجيــع الســكان كفريــق واحــد‪ .‬ومــن املمكــن أن يكــون هــذا‬ ‫هنــاك مزرعــة حكوميــة وتعطلــت مضخــة املــاء هبــا‪ ،‬فســيقوم‬ ‫ففــي احلالتــن الثانيــة والثالثــة البــد مــن إيقــاف القــرار املــر‬
‫الفريق املستوطن‬
‫ال جلميــع الســكان؛ ويف هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن الســكان‬ ‫عامــل املزرعــة باالتصــال باملســؤولن باملكتــب الزراعــي يف‬
‫الفــرد ممث ـ ً‬ ‫ال وليكــون الفريــق املتــرر‬ ‫باجلــار ليكــون التواجــد مســتق ً‬ ‫ملــاذا هــذه التســمية (الفريــق املســتوطن) ومــا املقصــود‬
‫هــم الفريــق املســتوطن إذا كان للســكان تأثــر عــى قــرار‬ ‫ال‪،‬‬
‫أقــرب قريــة لتــدارك الوضــع‪ .‬فــإذا كان الوقــت متأخــراً مثـ ً‬ ‫فريق ـاً مســتوطناً؛ فــإذا اســتمر القــرار فــإن الفريــق املتــرر‬ ‫ال مــا قــرر إنشــاء مصنــع ملــواد‬
‫ال أن مســؤو ً‬ ‫منهــا؟ لنقــل مثــ ً‬
‫هــذا الفــرد‪ .‬أمــا إذا مل يكــن هلــم احلــق يف تغيــر قــراره فــال‬ ‫كأن يكــون آخــر يــوم مــن أيــام األســبوع‪ ،‬أو عنــد انتهــاء‬ ‫فريــق غــر مســتوطن‪ .‬أي أن فريقــاً تعســف يف اســتخدام‬ ‫كياويــة‪ ،‬وهــذا املصنــع ســيطلق فضــالت غازيــة تؤثــر عــى‬
‫وجــود للفريــق املســتوطن؛ وقــد يتــرف هــذا الفــرد حســب‬ ‫الــدوام الرســمي‪ ،‬أو كان املهنــدس يف مهمــة أخــرى‪ ،‬أو مــا‬ ‫حقــه أو متــادى يف حريتــه عــى حســاب جــاره‪ .‬أمــا النــوع‬ ‫ســكان حــي يبعــدون بضعــة كيلومــرات عــن املصنــع؛ فهــل‬
‫مصاحلــه‪ ،‬والتــي قــد ال تتفــق مــع مصالــح جممــوع الســكان‪.‬‬ ‫شــابه ذلــك مــن أســباب‪ ،‬فــإن الــرد ســيكون باالنتظــار للغــد‬ ‫ـرق البعيــدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرابــع فهــو قــرار يتخــذه الفريــق ويؤثــر عــى الفـ َ‬ ‫لســكان هــذا احلــي املتــرر احلــق يف االعــراض عــى هــذا‬
‫أي أن الفريــق الصغــر قــد ال جيتهــد ملصلحــة العــن؛ وباملثــل‪،‬‬ ‫أو اليــوم األول مــن أيــام األســبوع القــادم؛ وقــد هيلــك الــزرع‪.‬‬ ‫كقــرار حتويــل منــزل إىل مدبغــة‪ ،‬أو إنشــاء مصنــع كــا‬ ‫القــرار وإيقافــه؟ إذا كان هلــم ذلــك رغــم بعدهــم عنــه نقــول‬
‫فالفريــق الكبــر قــد ال يســتخدم العقــار لبعــده عنــه‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫أمــا إذا كان هــذا العامــل مالــكاً للمزرعــة‪ ،‬فلــن هيــدأ لــه بــال‬ ‫ِ‬
‫ــرق البعيــدة تتأثــر هبــذا القــرار‪ .‬فالبــد إذاً‬ ‫أســلفت‪ ،‬إذ أن الف َ‬ ‫أهنــم فريــق مســتوطن‪ ،‬وأن التواجــد للنــاذج اإلذعانيــة تواجد‬
‫هــو قليــل املبــادرة لتبعــر املســؤولية بــن أفــراده الكثريــن‪،‬‬ ‫حتــى يصلــح املضخــة‪ ،‬لســبب واضــح هــو أنــه إذا مل يفعــل‬ ‫أن يكــون للفــرق البعيــدة احلــق يف إيقــاف هــذا القــرار لتكــون‬ ‫مســتقل؛ وإال فهــم فريــق غــر مســتوطن برغــم أهنــم جمموعــة‬
‫فهــو أيضـاً ســلبي املبــادرة‪ .‬أي أن الفريــق الكبــر البعيــد يــيء‬ ‫ذلــك فقــد يفقــد جمهــود فصــل زراعــي بأكملــه‪ .‬فهــذا الفريــق‬ ‫فريقـاً مســتوطناً ألن هــذا مــن قواعــد التواجــد املســتقل‪ .‬وعــى‬ ‫ِ‬
‫ــرق التــي متلــك وتســتخدم عقاراهتــا وتســيطر عليهــا‬ ‫مــن الف َ‬
‫حلــال العــن؛ وبالعكــس‪ ،‬فالفريــق الكبــر الســاكن أو الفريــق‬ ‫املســتوطن يبــادر لعمــل مــا هــو مطلــوب منــه وبــكل إتقــان‬ ‫ذلــك فالفريــق املســتوطن تســمية لفريــق يشــمل املترريــن‬ ‫(إذعــاين متحــد)‪ .‬نفــس املثــل ينطبــق عــى بنــاء مطــار يف موقــع‬
‫املســتوطن أرسع للمبــادرة‪.‬‬ ‫وبأقــل التكاليــف ألن املســألة ختصــه‪ .‬وإذا مل يقــم بذلــك فهــو‬ ‫باإلضافــة إىل الــرشكاء يف العقــار برغــم عــدم تررهــم مــن‬ ‫مــا‪ ،‬فقــد يعــرض الســكان الذيــن يتــررون مــن أصــوات‬
‫ال وأخــراً‪ .‬لذلــك نقــول أنــه فريــق مســتوطن ألنــه‬ ‫املتــرر أو ً‬ ‫ال‪ ،‬يســيطر عليــه مجيــع‬ ‫القــرار‪ .‬ففــي ممــر عــارة ســكنية مث ـ ً‬ ‫الطائــرات عــى قــرار بنــاء املطــار برغــم بعدهــم عــن موقــع‬
‫يبــادر إىل التــرف والتحــرك لوجــود الباعــث أو الدافــع الــذي‬ ‫الســكان كفريــق واحــد‪ ،‬البــد وأن يكــون لســكان األدوار‬ ‫املطــار‪ .‬فــإذا كان للســكان املترريــن حــق االعــراض عــى‬
‫أمهية الناذج اإلذعانية‬ ‫حيــرك إرادتــه‪ ،‬وهــذه مســألة مهمــة للبيئــة‪.‬‬ ‫الســفى احلــق يف االعــراض عــى ســكان األدوار العليــا إذا وضع‬ ‫هــذا القــرار وإيقــاف بنــاء املطــار رغــم بعدهــم عــن املوقــع‬
‫مــا هــي أمهيــة النــاذج اإلذعانيــة لنــا كباحثــن يف جمــال‬ ‫ــرق التــي تؤثــر يف حــاالت األعيــان‬ ‫ِ‬ ‫أحدهــم فضالتــه يف املمــر برغــم عــدم تررهــم مــن ذلــك‪ .‬فـــ‬
‫أي أن مبــادرات الف َ‬ ‫فإهنــم فريــق مســتوطن‪.‬‬
‫العمــران؟ فالنــاذج اإلذعانيــة ال جتيــب عــى األســئلة البيئيــة‬ ‫ــرق املســتوطنة هــي‬ ‫ِ‬ ‫«الفريــق املســتوطن» كتســمية تفــي بجميــع هــذه املتطلبــات‪.‬‬
‫مرتبطــة ارتباطــاً وثيقــاً باســتيطاهنا‪ .‬فالف َ‬ ‫ولكــن ملــاذا اســتخدمت عبــارة «الفريــق املســتوطن» ومل‬
‫التــي يتعطــش إليهــا املهنيــون‪ :‬فدراســة النــاذج اإلذعانيــة‬ ‫التــي تبــادر الختــاذ القــرارات لصالــح أعياهنــا‪ ،‬وال تنتظــر أمــر‬ ‫فهــو دائــم الوجــود‪ .‬لذلــك فهــو يعــي الفريــق الســاكن يف‬
‫ِ‬ ‫ال؟ اجلــواب هــو أن الفريــق‬ ‫اســتخدم «الفريــق املتأثــر» مثــ ً‬
‫ال ال تنبئنــا عــن العــن هــل هــي مبــى أم ال‪ ،‬هــل هــي كبــرة‬
‫مثـ ً‬ ‫ـرق البعيــدة فقــد‬ ‫أحــد أو اســتئذان أحــد لفعــل ذلــك‪ .‬أمــا الفـ َ‬ ‫حالــة املنــزل‪ ،‬ويعــي مــالك املنــازل يف الطريــق غــر النافــذ إذا‬
‫املســتوطن قــد ال يكــون متأثــراً‪ ،‬ولكــن رشيــكاً يف العقــار‪،‬‬
‫أم صغــرة؛ كــا أهنــا ال تنبئنــا عــن وظيفــة العــن‪ ،‬هــل هــي‬ ‫ال تعــرف صالــح العــن‪ ،‬ومتــى عرفتــه فقــد ال تتحــرك‪ ،‬ومتــى‬ ‫حــاول أحــد الســكان فعــل مــا قــد يؤثــر عــى الطريــق‪ ،‬ويعــي‬
‫كالــرشكاء يف العــارة الســكنية‪ .‬فــإذا قــام أحــد الســكان ببنــاء‬
‫ســكنية أو جتاريــة أو صناعيــة‪ ،‬وال تنبئنــا أيضـاً عــن خصوصيــة‬ ‫حتركــت فقــد ال تتــرف بحــرص‪ .‬فالــك املنــزل الــذي يســكن‬ ‫ســكان احلــي بالكامــل إذا قــام شــخص بتغيــر وظيفــة منزلــه‬
‫خــزان مــاء يف الســطح‪ ،‬فللــرشكاء يف العــارة حــق االعــراض‬
‫العــن‪ :‬هــل هــي خاصــة كاملســكن أو عامــة كاحلديقــة؛ أي‬ ‫فيــه أكــر حرصــاً عــى املنــزل مــن املالــك غــر الســاكن؛‬ ‫ال‪ ،‬ويعــي ســكان املدينــة بأرسهــا إذا حاولــت‬ ‫إىل مدبغــة مثــ ً‬ ‫رغــم عــدم إرضار البنــاء هبــم‪ ،‬وإذا مل يكــن هلــم ذلــك فهــم‬
‫أي منــوذج إذعــاين‪ :‬فــا هــي إذاً أمهيــة‬
‫أي عــن قــد تقــع يف ّ‬
‫أن ّ‬ ‫وهــذا املالــك غــر الســاكن أكــر اهتامـاً باملنــزل مــن موظــف‬ ‫جهــة معينــة فعــل يشء يؤثــر عــى املدينــة كبنــاء مصنــع يرمــي‬
‫فريــق غــر مســتوطن‪ .‬وميكــن أن نــدرك معــى الفريــق‬
‫النــاذج اإلذعانيــة لفهــم البيئــة‪ ،‬إىل جانــب متكيننــا كمجتمــع‬ ‫الرشكــة إذا كان املنــزل ملــكاً للرشكــة‪ ،‬وهكــذا‪ .‬والبيئــة مليئــة‬ ‫بالفضــالت الغازيــة عــى جمموعــة مــن الســكان أو بنــاء مطــار‬
‫املســتوطن مــن خــالل تصنيــف القــرارات التــي تتخذهــا الفرق‬
‫مــن االســتفادة القصــوى مــن أعياننــا؟‬ ‫باألمثلــة التــي تشــر إىل مبــادرة الفــرق للتــرف متــى كانــت‬ ‫ســيغر أســعار أرايض البعــض ممــا قــد يؤثــر عليهــم‪ .‬فالتســمية‬
‫يف البيئــة إىل أربعــة أنــواع‪ :‬األول هــو قــرار يتخذه فريــق ما وال‬
‫يضطــر الباحثــون يف العــادة إىل فصــل العوامــل التــي‬ ‫هــي املتــررة إن مل تفعــل ذلــك‪ ،‬وصــور هاتــن الصفحتــن‬ ‫تشــمل الســاكنن والــرشكاء واملترريــن مــن قــرار اآلخريــن‬ ‫ِ‬
‫ليكونــا غرفــة‬
‫ـرق املجــاورة‪ ،‬كضــم غرفتــن معـاً ِّ‬ ‫يؤثــر عــى الفـ َ‬
‫ســيبحثوهنا بعضهــا عــن بعــض‪ ،‬كالعوامــل االجتاعيــة أو‬ ‫والتــي تليهــا أمثلــة للمبــادرة (الصــور ‪ 1.4‬إىل ‪.)14.4‬‬ ‫والذيــن ســيقفون كفريــق واحــد ضــد مــن حيــاول اختــاذ قــرار‬
‫واحــدة‪ .‬فــإذا ُمنــع أي فريــق مــن ضــم غرفتــن أو مــا شــابه مــن‬
‫اجلغرافيــة أو االقتصاديــة‪ ،‬وذلــك الســتحالة دراســة البيئة ككل‬ ‫يؤثــر عليهــم أو عــى أعياهنــم وأماكنهــم‪ ،‬هــذا باإلضافــة إىل‬
‫لقــد ســألي البعــض‪ :‬هــل ســتكون العــن إذ ًا يف أفضــل‬ ‫خلــت يف‬ ‫أعــال‪ ،‬فهــذا مــؤرش عــى أن اجلهــة املانعــة قــد تد ّ‬
‫لتعقــد األمــور البيئيــة‪ .‬وقــد يتعمقــون يف العوامــل ويقســموهنا‬ ‫حقهــم يف التــرف الكامــل فيــا ميلكونــه ويســيطرون عليــه‪.‬‬
‫وضــع إذا مــا تــم توزيــع املســؤولية بحيــث يقــل عــدد األفــراد‬ ‫شــؤون هــذا الفريــق الســاكن (وليــس الفريــق املســتوطن)؛‬
‫إىل متغــرات أدق كترفــات ذوي الدخــل املحــدود‪ ،‬أو قوانــن‬ ‫ويــا ســبحان اللــه‪ ،‬إن مجيــع مبــادئ الرشيعــة توصــل يف النهايــة‬
‫املشــاركن يف الفريــق‪ .‬فأجبــت‪ :‬ال‪ ،‬وهلــذا نحتــاج فكــرة‬ ‫وهــذا منــاف لقواعــد التواجــد املســتقل‪ .‬أي أن الســاكن فريــق‬
‫األرايض أو نوعيــة الربــة ونحوهــا‪ .‬ولدهيــم مــن الوســائل‬ ‫إىل الفريــق املســتوطن‪ ،‬وهــو موضــوع الفصلــن الســادس‬
‫الفريــق املســتوطن‪ .‬فالفريــق املســتوطن يعــي أكــرب عــدد‬ ‫غــر مســتوطن‪ ،‬ولــي يكــون مســتوطناً فالبــد لــه مــن مطلــق‬
‫العلميــة مــا ميكنهــم مــن القيــام بذلــك بــكل مهــارة‪ .‬لذلــك‪،‬‬ ‫والســابع‪.‬‬
‫ممكــن مــن األفــراد الســاكنن أو املســتخدمن جمتمعــن كفريق‬ ‫احلريــة يف كل قــرار يتخــذه إذا مل يؤثــر ذلــك القــرار عــى غره‪.‬‬

‫‪149‬‬ ‫‪148‬‬
‫فباســتثناء األبحــاث التقنيــة‪ ،‬نجــد أن معظــم األبحــاث تــدرس‬ ‫‪8.4‬‬
‫فهـو كــالبـالـوعــة من قـذارتـه‪ .‬والصــورة ‪ 8.4‬يف الصفحة املقابلة‬ ‫إن مبـادرات الفرق متـصلة بـاستيـطاهنـا‪ .‬فرنى يف الـصورة ‪ 1.4‬من‬
‫تأثــر وعالقــة العوامــل واملتغــرات عــى البيئــة وعــى بعضهــا‬ ‫ملمـر يف قـريـة بـبنجالدش‪ :‬فــرغم فقـر الـسكــان إال أن نظـافــة‬ ‫جـزيـرة تـاروت ببالد احلرمن طـريقــاً ضيقـاً بن منـزلن‪ ،‬فبعـدما‬
‫البعــض‪ .‬وغالبــاً مــا تظهــر هــذه العوامــل يف األســئلة التــي‬ ‫املنـاطق املـشركـة بن منـازهلـم تثر الـدهشـة ألهنـا حتت سـيطـرة‬ ‫صـدمت سيـارة سور املـنزل األيـر قام املالك ببنـاء أنابيب معـدنية‬
‫حتــاول هــذه األبحــاث أن جتيــب عليهــا‪ .‬ومــن أمثلــة هــذه‬ ‫الفـريق املـستـوطن الـذي سيمـنع كل من يلـوث الطـريق‪ .‬قـارن هذه‬ ‫حلايـة حائطه مـا حدى بجاره املقـابل فعل الـيء ذاته خـوفـاً عى‬
‫الصورة بالـصورة ‪ 4.9‬من دكا ببنجالدش حيث تـرى شخصـاً يتـبول يف‬ ‫حـائط منـزله كا يف الــشكل ‪ 3.4‬ونـرى يف الـصـورة ‪ 2.4‬طــريقــاً‬
‫ال‪ :‬مــا هــو تأثــر املواصــالت عــى التســوق؟ مــا هي‬ ‫األســئلة مثـ ً‬ ‫طـرف الشـارع الذي تـسيطـر عليه البلديـة كا هو واضح بـالشكل‬ ‫ضيقـاً من الطائف قام فيه ساكن الـدار اليمنـى التي بـآخر الـطريق‬
‫عالقــة توزيــع شــبكة الطــرق بإنتاجيــة املدينــة صناعي ـاً؟ مــا‬ ‫‪ 4.4‬فـالبلديـة فريق غر مسـتوطـن‪ ،‬فأيـن هي من هـذا الرجـل؟ ونرى‬ ‫بـإعادة بـناء داره ‪ ،‬فألقى بعض فضالت الـدار املهـدمة يف الطـريق‬
‫هــو تأثــر األوضــاع االقتصاديــة أو املناخيــة يف الــدول الناميــة‬ ‫يف الـصورة ‪10.4‬جممـوعة مـن الشـباب يف اخلـرب ببالد احلرمن قامـوا‬ ‫لتـسويـته مع الطـريق العـام مما دفـع اجلار يف أول الطـريق لـبنـاء‬
‫مبجـهود ذايت لـتسويـة أرض وتسويـرها بـالكفرات لتـكون ملعبـاً‬ ‫درجـة واحـده حتـى ال تتـبعثـر الـفضالت لطـريقه الذي كـان قد‬
‫عــى البيئــة ؟ هــل تؤثــر البيئــة املبنيــة يف العــادات االجتاعيــة‪،‬‬
‫لكرة القـدم‪ .‬فمعظـم الشـباب يف هـذا السـن يعزفـون عن العمل املرهق‬ ‫رصفه‪ .‬ونـرى يف الصـورة ‪ 3.4‬من سفرنبولو بركيا جمموعة من األشجار‬
‫أو العكــس واىل أي مــدى؟ مــا هــي عالقــة املناطــق الصناعيــة‬ ‫‪9.4‬‬ ‫وبالـذات يف فصل الصيف ويف دولة نفطية‪ .‬وألهنم هم املـستفيدون منه‬ ‫التي تشر بوضوح أن املالك هو من يقوم بكل ما حتتـاجه نباتاته ألنه‬
‫يف املدينــة باالقتصــاد وتأثــر ذلــك عــى تشــكيل املدينــة أو‬ ‫فقد بادروا للعمل‪ .‬والصورتان ‪ 11.4‬و ‪ 12.4‬هي ألحد أغطـية املجـاري‬ ‫ال يـبنـون رصيفـاً يف الشارع‬ ‫فريق قريب‪ .‬ونــرى يف الصـورة ‪ 4.4‬عا ً‬
‫أي اســراتيجية ختطيطيــة أفضــل مــن غرهــا هلــذه‬ ‫الدولــة؟ ُّ‬ ‫باخلـرب‪ .‬فالفـريق البـعيد الـذي قام بـدهان الغطـاء اختـار فـرشــاة كبرة‬ ‫ال‪ :‬فقد حـاول املالك بناء الـرصيف حلايـة‬
‫ٕ‬
‫يف جدة يف بالد احلرمن لي ً‬
‫ٕ‬
‫ودهـن الغطــاء عى عجل ثم غادر املوقع‪ ،‬فأىت األطفال ولعبـوا بالدهان‬ ‫ال يف‬
‫سوره اال أن الـبلديـة منعـته من ذلك‪ ،‬فا كان مـنه اال أن فعل ذلك لي ً‬
‫املدينــة؟ أي أن معظــم الدراســات ال تثــر مســألة املســؤولية‬
‫ثم أتت الرياح بالفضالت التي لصـقت بالدهان كا هو واضح يف الصورة‬ ‫عطلة هنايـة االسبوع خوفاً منه عى جداره‪ .‬والصـورة ‪ 5.4‬ترينـا الرصيف‬
‫كفكــرة أساســية يف البحــث‪ ،‬ولكــن كعامــل مــن العوامــل؛‬ ‫‪ .12.4‬الحـظ إمهــال الفــريـق البـعيــد لــدهــان الغـطــاء‪ .‬والـصورة‬ ‫بعـد البناء‪ .‬أمـا الصـورتان ‪ 6.4‬و ‪ 7.4‬فـها من بنجالدش ومـتناقـضتان‬
‫ــر ْت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هــذا إن ذُك َ‬ ‫‪ 13.4‬من سفرنبولو بركيا ملمر‪ ،‬الحظ اهتام السكان بالطريق غر النافذ‬ ‫متـامــاً‪ .‬فنــرى يف الصـورة ‪ 6.4‬قـاربـاً يف اإلذعــاين املتحـد خصـص‬
‫ومجاله‪ .‬والصـورة األخرة ‪ 14.4‬من اسطنبول ترينا مالك سيارة مل يكرث‬ ‫لنقل الـركـاب‪ ،‬إال أن اهـتام مــالكه به وجـودة حـاله يـذهل املشـاهد‬
‫وهــذه العوامــل أو املتغــرات أو املعطيــات التــي يركــز‬ ‫حلال العمود البالستيي الذي ال ميلكه‪ ،‬فا كان منه إال أن دهسه ليقرب‬ ‫إذا مـا قارنـه باألعـيان املـحيطـة به‪ ،‬وبـالـذات بـالنهـر الظـاهـر يف‬
‫عليهــا الباحثــون لــن تتضــح لنــا إال بأخــذ النــاذج اإلذعانيــة‬ ‫عربته من الرصيف‪ .‬فـاهتـام الفريق املستوطن بأعيانه غريزة عند كل‬ ‫الصـورة ‪ 7.4‬والـذي تـدعي الدولة أهنا تسيطر عليه‪ ،‬فالنهر يف أسوأ ما‬
‫بعــن االعتبــار‪ .‬وهــذه املســألة مهمــة جــد ًا‪ ،‬وأرجــو منــك‬ ‫البرش أينا كانوا‪.‬‬ ‫ميكن أن يكون علـيه من حـال‪ ،‬ألن الفـريـق املسـيطـر كبـر وبعيـد‪،‬‬

‫أخــي القــارئ أن تركــز عليهــا فقــد أدت إىل ســوء الفهــم لــدى‬ ‫الشكل‬ ‫‪3.4‬‬ ‫‪1.4‬‬
‫الكثريــن‪ .‬فــال ميكــن عــزل العوامــل التــي تؤثــر عــى البيئــة‬ ‫‪4.4‬‬
‫ودراســتها معزولــة عــن الــكل‪ ،‬وبالــذات معزولــة عــن منــاذج‬ ‫الشكل‬
‫‪3.4‬‬
‫املســؤولية؛ فالعوامــل تــذوب يف النــاذج اإلذعانيــة‪ .‬لذلــك‬
‫يصعــب مقارنــة عــن بأخــرى‪ .‬وهــذه معضلتــي مــع الكثــر‪:‬‬
‫فهــم يقارنــون عينــن أو مكانــن أو عقاريــن خمتلفــن يف نفــس‬

‫‪11.4‬‬ ‫‪10.4‬‬ ‫‪5.4‬‬ ‫‪2.4‬‬

‫‪13.4‬‬ ‫‪4.4‬‬

‫‪14.4‬‬ ‫‪7.4‬‬
‫‪12.4‬‬

‫‪6.4‬‬

‫‪151‬‬ ‫‪150‬‬
‫أن الســبب البــد وأن يكــون اقتصاديـاً أو اجتاعيـاً إذ أن املبــاين‬ ‫شــؤوهنم اليوميــة التــي ال تنتهــي كالبحــث عــن لقمــة العيــش‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين‪ .‬ولتوضيــح ذلــك أقــول‪ :‬مــن اخلطــأ مقارنــة‬
‫مصممــة واألحيــاء خمططــة (الصــورة ‪ .)15.4‬وعــى النقيــض‬ ‫وســقف ينامــون حتتــه‪ .‬وهــذا بالتــايل ســهل ملــن أراد الســيطرة‬ ‫أي عقاريــن باســتخدام النــاذج اإلذعانيــة‪ ،‬وذلــك ألن ترفات‬
‫مــن هــذا‪ ،‬فدراســة مبــاين الفقــراء غــر القانونيــة (أو املغتصبــة‬ ‫عــى هــذه الشــعوب أن يتــادى ويفعــل مــا يريــد‪ .‬وســأتطرق‬ ‫األفــراد وإحساســهم باملســؤولية ال ميكــن أن يتســاويا‪ .‬فلنقــل‬
‫‪ squatter settlement‬وغــر الصحيــة والتــي تســمى بالعشــوائية‬ ‫هلــذا يف الفصــل التاســع باختصــار؛ فهــذا الكتــاب عــن العمــران‬ ‫بــأن هنــاك غرفتــن متشــاهبتن متامــاً (الشــكل ‪ )5.4‬يف عــارة‬
‫ألن طرقهــا غــر منظمــة) قــد تشــر إىل أن ســبب ســوء حاهلــا‬ ‫وليــس السياســة أو االقتصــاد‪ .‬واآلن وبعــد هــذا التوضيــح‬ ‫واحــدة‪ ،‬وســكن يف أحدمهــا (أ‪ )1‬رجــل أعــال ينــزل فيهــا بــن‬
‫هــو فقــر الســكان إضافــة الفتقارهــا الهتــام الدولــة (معظــم‬ ‫نذهــب إىل أمهيــة النــاذج اإلذعانيــة مــن الناحيــة البحثيــة‪.‬‬ ‫كل فــرة وأخــرى إال أنــه ال ميلــك الغرفــة وال يســيطر عليهــا‬
‫الــدول تســتخدم عبــارات مثــل االغتصــاب أو االســتيالء أو‬ ‫وهــذه املســألة قــد ال هتــم غــر الباحثــن وبإمكاهنــم تــرك مــا‬ ‫(املشــتت)‪ ،‬وســكن يف الغرفــة األخــرى (ب‪ )1‬عــرشة عــال‬
‫ـاء‪ ،‬الصــورة ‪.)16.4‬ولكــن‬ ‫الشكل‬
‫وضــع اليــد حتــى وإن كانــت إحيـ ً‬ ‫بقــي مــن هــذا الفصــل والذهــاب إىل الفصــل التــايل‪.‬‬
‫‪5.4‬‬
‫ميلكــون الغرفــة ويســيطرون عليهــا (املتحــد)‪ :‬فــأي الغرفتــن‬
‫الواقــع هــو أن عــدم اهتــام الســكان بأحــوال مبانيهــم راجــع‬ ‫يف وضــع أفضــل؟ قــد يقــول قائــل أنــه اســتناداً إىل النــاذج‬
‫يف أي بحــث ذي عالقــة بالبيئــة العمرانيــة البــد مــن‬
‫إىل عــدم ملكيتهــم لــألرايض وبالتــايل تســوء حالتهــا كمشــاريع‬ ‫اإلذعانيــة فــإن الغرفــة التــي يف اإلذعــاين املتحــد (ب‪ )1‬البد وأن‬
‫االســتناد إىل احلــاالت الدراســية‪ .‬واملقصــود باحلــاالت الدراســية‬
‫إســكان الدولــة ســابقة الذكــر‪ .‬ثــم تــأيت الدولــة بالباحثــن‬ ‫تكــون يف وضــع أفضــل (مــن أ‪ .)1‬ولكــن هــذا غــر معقــول‪،‬‬
‫‪ studies†case‬هنــا املــواد األساســية التــي يعتمــد عليهــا‬
‫ملعرفــة الســبب يف احلالتــن‪ .‬فهــذان املوضوعــان (إســكان‬ ‫فالغرفــة التــي يســكن فيهــا عــرشة عــال (ب‪ )1‬مــن األرجــح‬
‫الباحثــون مــن إحصــاء النفــوس أو حركــة املــرور أو املــوارد‬
‫الدولــة واملســاكن غــر القانونيــة) قــد بحثــا مــن زوايــا كثــرة‪.‬‬ ‫أن تكــون يف وضــع أســوأ مــن الغرفــة التــي يســكنها رجــل‬
‫املاليــة وماشــابه ذلــك‪ ،‬أو مالحظــات اجتاعيــة كســلوكيات‬
‫فاالقتصاديــون يوعــزون ســوء احلــال إىل الفقــر‪ ،‬وعلــاء‬ ‫األعــال (أ‪ )1‬رغــم أهنــا يف اإلذعــاين املشــتت‪ .‬فأيــن اخلطــأ؟‬
‫األفــراد وعاداهتــم‪ ،‬وهكــذا‪ .‬فالباحثــون يلجــأون إىل هــذه‬
‫أقــول‪ :‬إن مــن اخلطــأ اإلجابــة عــى هــذا الســؤال أو حماولــة‬
‫الصـورة ‪ 15.4‬ملـرشوع إسكـان بـالقـرب من مـدينـة فـاس باملغرب‪.‬‬
‫احلــاالت الدراســية للوصــول إىل نتائجهــم ‪ conclusions‬أو‬
‫ابتــداء‪ ،‬وذلــك ألســباب كثــرة منهــا‪:‬‬‫ً‬ ‫املقارنــة بــن الغرفتــن‬
‫والصورة ‪16.4‬من ضواحي مدينة فاس‪.‬‬ ‫لقيــاس فرضياهتــم النظريــة ‪ hypotheses‬عليهــا‪ .‬وهنــا تكمــن‬
‫اختــالف فريقــي الغرفتــن مــن حيــث املســتوى التعليمــي‬
‫املشــكلة‪ ،‬فــأي حالــة دراســية البــد وأن تشــتمل عــى أعيــان‪،‬‬ ‫تصــح املقارنــة‪ .‬ولــي نقــارن بــن األعيــان باســتخدام النــاذج‬
‫‪15.4‬‬ ‫والدخــل والعــادات ومــا إىل ذلــك‪ ،‬ناهيــك عــن احتــال وجــود‬
‫كاملبــاين واألثــاث وشــبكات الطــرق وشــبكات الــري والرف‬ ‫اإلذعانيــة علينــا أن نثبــت مجيــع املعطيــات مثــل املنــاخ ومــواد‬ ‫اختــالف بــن الغرفتــن‪ .‬فأنــا مل أقــم هبــذه املقارنــة يف أي فصــل‬
‫الصحــي؛ والبــد أن تشــتمل أيضــاً عــى أفــراد أو مجاعــات‬ ‫ـرق ومســتويات تعليمهــم ومــا‬ ‫ِ‬
‫البنــاء وموقــع العــن وعــادات الفـ َ‬ ‫مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬وقــد خييــل للقــارئ أني فعلــت ذلــك‪ .‬ولكن‬
‫وســلوكياهتم أو رغباهتــم أو ميوهلــم أو إمكاناهتــم االقتصاديــة‬ ‫إىل ذلــك مــن عوامــل ومتغــرات‪ ،‬وهــذا مســتحيل‪ .‬وهــذه هــي‬ ‫مــا كنــت أقولــه هــو أن أي عــن ســتكون يف حالــة أفضــل متــى‬
‫ومــا إىل ذلــك‪ .‬أي البــد مــن توفــر العــن والعنــر البــرشي‬ ‫قــوة النــاذج اإلذعانيــة‪ .‬فهــي تتــالىف مقارنــة األعيــان املختلفة‪،‬‬ ‫توحــدت مســؤوليتها يف فريــق واحــد‪ ،‬أي متــى دفعــت العــن‬
‫يف أيــة حالــة دراســية‪ .‬وأي فــرد يف املجتمــع هــو بالتأكيــد‬ ‫وتقــارن العــن بنفســها فقــط‪ .‬وعلينــا أن نعــي هــذه النقطــة‬ ‫إىل اإلذعــاين املتحــد‪ .‬فسيتحســن حــال الغرفــة إذا كان رجــل‬
‫مســتخدم إذا مل يكــن مالــكاً أو مســيطراً‪ ،‬أو ســيصبح يومــا مــا‬ ‫ألمهيتهــا‪ .‬فالنــاذج اإلذعانيــة تتقبــل مجيــع املعطيــات وتنبئنــا‬ ‫األعــال هــو املالــك واملســيطر عليهــا؛ أي متــى دفعــت الغرفــة‬
‫مالــكاً أو مســيطراً لعــن مــا‪ ،‬أو هــو فــرد يف فريــق يســيطر أو‬ ‫مبــا ســيحدث للعــن إذا تغــر النمــوذج اإلذعــاين‪ .‬فعــى ســبيل‬ ‫مــن الوضــع أ‪ 1‬إىل أ‪ .2‬وكذلــك الغرفــة التــي يســكن هبــا العــال‬
‫ميلــك‪ .‬وبالتأكيــد‪ ،‬فــإن ترفــات هــؤالء األفــراد وعالقاهتــم‬ ‫املثــال‪ :‬النــاذج اإلذعانيــة تنبئنــا أن حــال العــن ســتتدهور إذا‬ ‫تعتــرب يف أفضــل حــال بالنســبة ملعطياهتــا التــي هــي فيهــا؛‬
‫مــع اآلخريــن وإمكاناهتــم مــا هــي إال انعــكاس ملوقعهــم يف‬ ‫مــا تشــتتت املســؤولية يف الغرفــة ب مــن الوضــع ب‪ 1‬إىل الوضــع‬ ‫ولكــن عندمــا تــؤول ملكيــة تلــك الغرفــة أو الســيطرة عليها إىل‬
‫البيئــة مــن احلقــوق الثالثــة (امللكيــة والســيطرة واالســتخدام)‪.‬‬ ‫ب‪ .2‬وهــذا هــو الســبب يف أن للنــاذج اإلذعانيــة املقــدرة عــى‬ ‫فريــق خارجــي (الوضــع ب‪ )2‬فــإن وضعهــا ســيزداد ســوءاً ممــا‬
‫‪16.4‬‬ ‫وهنــا قــد يســاء الفهــم ويســتنتج الباحــث نتائــج واهيــة‪ .‬وهــذا‬ ‫ال‪.‬‬
‫التنبــؤ بحــاالت األعيــان مســتقب ً‬ ‫ال (ال‪ ،‬ال) يف‬‫هــي عليــه اآلن‪ .‬وهلــذا وضعــت خطـاً رأســياً فاصـ ً‬
‫ينطبــق أيضـاً عــى األعيــان‪ :‬فالعــن يف احلــاالت الدراســية البــد‬
‫كــا أن هنــاك فائــدة مهمــة لنــا كمســلمن مــن النــاذج‬ ‫وســط الشــكل حتــى أبــن للقــارئ أنــه ال جتــوز املقارنــة بــن‬
‫وأن تكــون يف أحــد النــاذج اإلذعانيــة‪ ،‬ولذلــك فــإن حــاالت‬
‫اإلذعانيــة‪ :‬فالكثــر يعتقــد أن مشــكلة املســلمن ناجتــة عــن قلة‬ ‫الغرفتــن «أ» و «ب»‪ .‬أي جيــب تــاليف املقارنــة األفقيــة متام ـاً‪.‬‬
‫بنــاء عــى منــوذج املســؤولية التــي تقــع فيهــا‬
‫ً‬ ‫األعيــان تتغــر‬
‫مواردهــم أو تعســف حكامهــم أو جهــل شــعوهبم وما شــابه من‬ ‫ولكــن املقارنــة تكــون رأســياً كــا هــو يف الشــكل‪ ،‬فنقــارن‬
‫العــن‪ .‬وهنــا أيض ـاً قــد يســاء الفهــم‪.‬‬
‫عوامــل‪ .‬وهــذه املســائل مــا هــي إال مثــرات نقطفهــا لالنــزالق‬ ‫الوضــع أ‪ 1‬بالوضــع أ‪ ،2‬والوضــع ب‪ 1‬بالوضــع ب‪.2‬‬
‫ســأرضب بعــض األمثلــة لســوء الفهــم‪ :‬مــن أشــهر هــذه‬ ‫التارخيــي والتدرجيــي البطــيء لنــاذج املســؤولية عند املســلمن‬ ‫أي أن النــاذج اإلذعانيــة تنبئنــا عــن حالــة العــن يف‬
‫األمثلــة دراســة مشــاريع إســكان الدولــة التــي ال يســيطر فيهــا‬ ‫دون شــعورنا بذلــك‪ .‬فهــذا االنــزالق ســلب الفــرد حريتــه‬ ‫إطــار معطيــات حمــددة‪ .‬حتــى وإن كانــت الغرفتــان متشــاهبتن‬
‫الســكان عــى شــققهم وال ميلكوهنــا يف الكثــر مــن دول العــامل‪،‬‬ ‫وإرادتــه وبالتــايل اهتامــه بأحــداث أمتــه ومشــاركته يف بنائهــا‬ ‫ِ‬
‫ـرق متشــاهبة يف احلجــم والبعــد عــن العــن‪،‬‬
‫متام ـاً‪ ،‬وكانــت الفـ َ‬
‫فهــي يف اإلذعــاين املشــتت‪ .‬فعندمــا يــزداد حــال املبــاين ســوء ًا‬ ‫والتفكــر يف مســارها‪ .‬والنتيجــة هــي شــعوب غــرق أفرادهــا يف‬ ‫فالبــد مــن وجــود اختــالف بــن ســلوك األفــراد؛ لذلــك ال‬
‫تــأيت الســلطات بالباحثــن للبحــث عــن الســبب اعتقــاداً منهــم‬

‫‪153‬‬ ‫‪152‬‬
‫إلنشــاء املســاكن لعامــة الشــعب‪ .‬وهــذا بالفعــل مــا حــدث يف‬ ‫كإنشــاء مركــز اجتاعــي أو توصيــل الكهربــاء أو بنــاء جــر‬ ‫مرافــق املبــى كفريــق واحــد (‪ condominiums‬كاملمــرات‬ ‫االجتــاع ينســبون فشــل مشــاريع اإلســكان للتصاميــم التــي‬
‫معظــم الــدول‪ .‬وال أدل عــى ذلــك مــن املؤسســات احلكوميــة‬ ‫أو طريــق هلــم‪ .‬فهــذه املناطــق الســكنية الباليــة يف اإلذعــاين‬ ‫واملصاعــد‪ ،‬إذعــاين متحــد) ســيختلف عــن الرابــط االجتاعــي‬ ‫مل يتقنهــا املعاريــون‪ ،‬والبلديــة مضطربــة ألن مظهــر هــذه‬
‫التــي أنشــئت هلــذا الغــرض كــوزارات اإلســكان‪ .‬أي أن العامــل‬ ‫املتحــد‪ ،‬وبالتــايل فهــي أفضــل مــا تكــون عليــه إذا مــا أخذنــا يف‬ ‫بــن أولئــك الذيــن يســكنون يف عائــر مؤجــرة (ترخيــي)‪.‬‬ ‫األحيــاء يــؤذي ناظــري كبــار املســؤولن والــزوار وتريــد‬
‫املــادي قــد أعمــى الباحثــن واملســؤولن عــن احلقيقــة‪.‬‬ ‫االعتبــار فقــر الســكان (الصــور ‪ 17.4‬إىل ‪ .)26.4‬وكــا ســرنى‬ ‫ففــي املمــر الــذي ميلكــه ويســيطر عليــه اجلــران‪ ،‬عى الســكان‬ ‫ال‪ ،‬بينــا يــر البنــك الــدويل عــى أن نقــص البنيــة‬‫ال عاج ـ ً‬
‫حـ ً‬
‫يف الفصــل التاســع‪ ،‬فــإن أفضــل وســيلة لتحســن الوضــع هــي‬ ‫أن يتعاونــوا عــى صيانــة مرافــق املبــى‪ ،‬لذلــك فهــم كثــرو‬ ‫األساســية كشــبكات امليــاه والــرف الصحــي هــو ســبب‬
‫وقــد حيــدث عكــس ذلــك‪ .‬فقــد يقــوم باحــث مهتــم‬
‫مســاعدة اإلنســان الســاكن وليــس حتســن البيئــة املبنيــة كــا‬ ‫االجتــاع والنقــاش لتحديــد التكلفــة وانتــداب أحدهــم للقيــام‬ ‫املشــكلة يف احلالــة الثانيــة‪.‬‬
‫ال ‪ preservation‬مبقارنــة‬ ‫باملحافظــة عــى املناطــق التقليديــة مثـ ً‬
‫يفعــل املســؤولون ألن حتســن البيئــة املبنيــة ال يــؤدي بالــرورة‬ ‫بذلــك‪ ،‬وهكــذا يــزداد الرابــط االجتاعــي بينهــم‪ .‬أمــا يف‬
‫مســاكن تقليديــة متلكهــا وتســكن هبــا طبقــة مقتــدرة ماليــاً‬ ‫وهكــذا جتــرى األبحــاث وتقــرح احللــول‪ .‬وألن أســاس‬
‫إىل حتســن حــال الفــرد‪ .‬وعــى النقيــض‪ ،‬فــإن مــرشوع ســكن‬ ‫الشــقق املؤجــرة‪ ،‬فهــذه األمــور مروكــة للالــك‪ ،‬لذلــك فقــد ال‬
‫(اإلذعــاين املتحــد) مبســاكن أخــرى تقليديــة تســكنها طبقــة‬ ‫املشــكلة مل يعــرف‪ ،‬وهــو عــدم اهتــام الســكان بأعياهنــم ألهنا‬
‫ال‪ ،‬يعتــرب يف نظــر معظم‬ ‫موظفــي قطــاع حكومــي‪ ،‬كاجليــش مثـ ً‬ ‫يتقابــل الســكان أبــداً ممــا يــؤدي إىل ضعــف الرابــط االجتاعي‬ ‫يف اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬فاملســألة لــن حتــل‪ .‬فبعــد دراسـ ٍ‬
‫اجتاعيــة حمــدودة الدخــل ولكــن ال متلكهــا وال تســيطر عليهــا‬ ‫ـة لتخفيف‬
‫ال‪ ،‬هــذا إذا مل يكــن ناجح ـاً‪ ،‬برغــم أن‬ ‫الباحثــن إنجــاز ًا مقبــو ً‬ ‫بينهــم‪ .‬وألن هــذه االختالفــات يف العالقــات االجتاعيــة نتجــت‬
‫(ترخيــي أو مشــتت)‪ .‬وألن املقتدريــن ماليــاً ســيهتمون مبــا‬ ‫ِ‬ ‫حــدة اإلجــرام يف منطقــة ســكنية مــا قــد يكــون اجلــواب‬
‫تلــك املســاكن يف اإلذعــاين املشــتت‪ .‬لكــن مــا يظهرهــا هبــذا‬ ‫ـرق مســؤولة‪ ،‬فــإن النتائــج‬
‫الختــالف الســكان يف مواقعهــم كفـ َ‬
‫ميلكــون أكــر مــن غرهــم‪ ،‬فــإن الباحــث سيســتنتج أن هنــاك‬ ‫أن املمــرات املظلمــة هــي الســبب الــذي ســاعد املجرمــن‬
‫املظهــر اجليــد هــي املاليــن التــي تنفــق عليهــا‪ .‬أي أن الوضــع‬ ‫التــي تؤخــذ مــن هــذه املســاكن كحــاالت دراســية ســتوهم‬
‫عالقــة قويــة بــن مقــدرة الســكان املاليــة وحمافظــة الســكان‬ ‫عــى القيــام بجرامئهــم‪ ،‬ثــم يــأيت االقــراح بإضــاءة املمــرات‪.‬‬
‫الــيء لألعيــان يف هــذه احلالــة قــد دفــن باملــال‪ ،‬أمــا يف املناطــق‬ ‫الباحــث‪.‬‬
‫عــى تلــك املبــاين‪ .‬فالباحــث هبــذا قد أكــد هــذه العالقــة ولكنه‬ ‫وعنــد إضــاءة املمــرات يف مشــاريع اإلســكان لتخفيــف حــدة‬
‫الفقــرة التــي هــي يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬فــإن الفقــر أعمــى أنظار‬
‫بالــغ فيهــا وذلــك ألنــه قــارن مســاكن املقتدريــن يف اإلذعــاين‬ ‫ومــن األمثلــة الشــائعة اخلاطئــة لنتائــج األبحــاث دراســة‬ ‫االعتــداءات عــى الســكان‪ ،‬ووضــع حــرس يف مناطــق معينــة‪،‬‬
‫الباحثــن عــن احلقيقــة وتبلــورت املســاوئ أمامهــم‪ .‬وهلــذا فقــد‬
‫املتحــد مبســاكن املحدوديــن مالي ـاً يف اإلذعــاين املشــتت‪.‬‬ ‫تأثــر الفقــر يف البيئــة‪ .‬فمتخــذوا القــرارات واملهنيــون مــن‬ ‫نجــد أن املعتديــن تأقلمــوا مــع املعطيــات اجلديــدة ومل حتــل‬
‫يســتنتج الباحثــون مــن دراســة كلتــا املنطقتــن أن مــا قامــت‬
‫‪19.4‬‬ ‫معاريــن وخمططــن مقتنعــون أن مناطــق الفقــراء الســكنية‬ ‫املشــكلة بعــد‪ ،‬ذلــك ألن الســلطة مل تفكــر يف متليــك هــذه‬
‫بــه الدولــة مــن مشــاريع ســكنية حــل مقبــول ألن حاهلــا أفضــل‬
‫عــار عــى املدينــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬نجدهــم يركــزون عــى حتســن‬ ‫املمــرات للســكان وفــرض ســيطرهتم عليهــا األمــر الــذي يدفــع‬
‫مقارنــة مبســاكن هــؤالء الفقــراء‪ ،‬وســيوصون بتدخــل الدولــة‬
‫تلــك البيئــة عــن طريــق تقديــم مســاعدات بنائيــة هلــم‪،‬‬ ‫ال مــن بقائــه يف اإلذعــاين املشــتت‬
‫املمــر إىل اإلذعــاين املتحــد بــد ً‬
‫كــا يف االقراحــات الســابقة حيــث حيــار الباحثــون وتظــل‬
‫املشــكلة قامئــة‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬
‫اصور الصفحة احلالية واآلتية من أهم صـور الكتاب وهي من حمـلة‬ ‫ال يف حالة معقولة رغم ضعف‬ ‫الصورة ‪ 17.4‬من ماليزيا‪ ،‬ترينا منز ً‬
‫تـسمـى «مكـسيـك» خارج مـدينـة ٔاصيلـة باملـغرب‪ .‬والظـاهر‬ ‫إمكانيات صاحبه‪ ،‬فهـي ٔافضل ما تكون عليه إذا ما ٔاخـذنا يف‬ ‫مثــال آخــر وهــو دراســة تأثــر اخللفيــة العرقيــة يف‬
‫أهنـا سميت هبـذا االسم تشـبيهاً هلـا باملـناطق غر املنظمة يف البنـاء‬ ‫االعتبار حـال الساكن‪ .‬وهذا يـنطبق أيضاً عى الصـورة ‪ 18.4‬من‬ ‫الرابــط االجتاعــي بــن اجلــران‪ .‬فقــد خيتــار الباحــث عينــات‬
‫والتخطيط كا هـو واضح من الصورتن ‪ 19.4‬و ‪ 20.4‬إال أن التضاد‬ ‫قريـة ترمنـقل شايل الباكـستان‪ :‬الحظ أن كل شرب من املنشـأ‬ ‫خمتلفــة يف بحثــه بالركيــز عــى نوعيــة واحــدة مــن املســاكن‬
‫بن ما يراه اإلنسان من اخلارج مقارنة بداخل املنـازل يــدل عى‬ ‫مستغل بطـريقة أو بأخـرى رغم قلة إمكانيات املستخدمن‬
‫للوصــول إىل النتائــج‪ .‬ولنقــل أنــه اختــار عائــر ســكنية يف‬
‫ٔامــور كثـرة منهــا مبـادرة الفـريق املـستـوطن ومنـو الـبيئـة‬ ‫وضعف حاهلم‪.‬‬
‫أحيــاء خمتلفــة ومــن أعــراق خمتلفــة‪ .‬فالرابــط االجتاعــي بــن‬
‫ســكان العــارة التــي يشــرك فيهــا مجيــع الســكان يف ملكيــة‬
‫‪20.4‬‬ ‫‪18.4‬‬
‫‪21.4‬‬ ‫‪17.4‬‬

‫‪155‬‬ ‫‪154‬‬
‫‪24.4‬‬ ‫واستـثار النـاس ألفضل األعيـان يف عقاراهتم‪ ،‬واألهم هـو ٔان هذه البيـئة هي‬
‫أفضل وضـع ميـكن الــوصــول إلـيه ألهنــا يف اإلذعــاين املـتحــد‪ .‬فـالـسكـان‬
‫هم املـالكـون واملـسـيطـرون واملـستخـدمـون ملنـازهلم‪ .‬فالحظ يف الـصورة‬
‫‪ 21.4‬التضـاد بن خارج أحـد املنازل وداخله مـن حيث االهتام‪ .‬فخارج املنزل ال‬
‫ميلكه الفريق الساكن بعد‪ ،‬فال فـريق مـستــوطن لـلطــريق‪ ،‬فحــاله ال يقـارن‬
‫بـالـداخل‪ .‬والصـورة ‪ 22.4‬يف هــذه الصفحـة تـرينـا نفـس املنـزل من داخـل‬
‫بوابـة املنـزل‪ .‬الحظ أن املـالك قـام بتبـليط األرض بقطع مـن البالط مجعها من‬
‫أمـاكن خمتلفة وأنه أتـى بالباب من مكـان مـا‪ .‬الحظ طـريقـة طالء احلائط‬
‫املصنـوع من الصفائح املعدنيـة‪ٔ .‬اما الصورتان ‪ 24.4‬و ‪ 25.4‬فها لساحة املنـزل‬
‫حــول بر املـاء‪ .‬فـإذا مــا علمـتم عن فقـر السكان فستتعجبون حلال هذه البيئة‪.‬‬
‫فهي بيئة يف مـنتهـى اجلـودة مقـارنــة بضعف الـسكـان أمـام القـانـون وفقرهم‬
‫مادياً‪ ،‬وذلك ألن فرقها املستوطنة تبادر للترف إذ أن أعيان املنازل يف اإلذعـاين‬
‫املتحد‪ .‬الحظ نظافة املنزل واحلوائط يف الصـورتن ‪ 23.4‬و‪ 26.4‬فـالصـورة األوىل‬
‫منها للمجلس والثانية لغرفة املعيشة‪.‬‬

‫‪25.4‬‬ ‫‪22.4‬‬

‫‪26.4‬‬ ‫‪23.4‬‬

‫‪156‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫إن اتســاع رقعــة املــدن أمــر البــد منــه يف املناطــق العامرة‪.‬‬ ‫ســركز هــذا الفصــل عــى حركيــة البيئــة‪ ،‬أو طــرق‬
‫وهــذا االتســاع يف مــدن العــامل اإلســالمي مل ينتــج عــن ختطيط‬ ‫ـون املــدن يف العــامل‬
‫اختــاذ القــرارات التــي أثــرت يف منــو وتكـ ّ‬
‫مســبق باملعــى املســتخدم اليــوم لكلمــة ختطيــط؛ كــا مل‬ ‫اإلســالمي‪ ،‬وذلــك بدراســة املبــادئ التــي وجهــت اتســاع‬
‫تــرشف عــى هــذا االتســاع ســلطة مركزيــة؛ ولكــن الــذي‬ ‫ـون املــدن األوىل مثــل الكوفــة‬‫ال‪ ،‬وتوضيــح تكـ ّ‬‫رقعــة املــدن أو ً‬
‫حــدث هــو تراكــم لترفــات الفــرق الســاكنة مؤديــة بذلــك‬ ‫والفســطاط وبغــداد ثانيــاً‪ ،‬وتأثــر كل منهــا يف أحــوال‬
‫إىل اتســاع رقعــة املناطــق العامــرة‪ .‬أي أن منــو املــدن وشــكل‬ ‫األعيــان‪.‬‬
‫البيئــة العمرانيــة التقليديــة نتــج عــن تراكــم القــرارات التــي‬
‫اختذهــا الســكان‪ ،‬وهــذه القــرارات يف العــادة قــرارات ذات‬
‫مســتوى صغــر كبنــاء مبــى يف مزرعــة خاصــة‪ ،‬أو إحيــاء أرض‬
‫منُ ُّو املدن‬
‫ٍ‬
‫عــال‬ ‫جمــاورة وهكــذا؛ فهــي ليســت قــرارات ذات مســتوى‬ ‫كــا قلنــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬فقــد كان اإلحيــاء أهــم‬
‫كتحديــد منطقــة لتكــون خمصصــة للتصنيــع وأخــرى للســكى‬ ‫وســيلة إلعــار املناطــق املحيطــة باملــدن والقــرى‪ .‬فالدراســات‬
‫كــا هــو احلــال اليــوم يف التخطيــط‪ .‬وأرجــو أن ال يعتقــد‬ ‫تؤكــد أن الكثــر مــن القــرى واملــدن كانــت حماطــة مبــزارع‬
‫القــارئ أن انعــدام التخطيــط يف تلــك املــدن انتهــى إىل تراكــم‬ ‫حتولــت تدرجييــاً إىل مســاحات بنائيــة‪ 1.‬وقــد كانــت هــذه‬
‫فوضــوي للقــرارات ومنــواً عشــوائياً للمدينــة‪ ،‬بــل كان مبنيــاً‬ ‫املــزارع يومـاً مــا مواتـاً وتــم إحياؤهــا (الصــور ‪ 1.5‬إىل ‪.)12.5‬‬
‫عــى مبــادئ معينــة‪.‬‬ ‫ال‪« :‬إعلــم أن‬‫فيقــول املقريــزي (ت ‪ )845‬يف الفســطاط مثــ ً‬
‫إن اهتــام عمــوم النــاس‪ ،‬بأعياهنــم أكــر مــن أعيــان‬ ‫موضــع الفســطاط الــذي يقــال لــه اليــوم مدينــة مــر كان‬
‫غرهــم أمــر طبيعــي؛ فقــد ال يــرددون يف إلقــاء العلــب الفارغــة‬ ‫فضــاء ومــزارع فيــا بــن النيــل واجلبــل الرشقــي ‪ 2.»...‬فــإذا‬
‫ال خــارج منازهلــم مقارنــة بداخلهــا‪ .‬فرغــم أن اإلســالم‬ ‫كان اإلحيــاء هــو أهــم وســيلة لبنــاء العامــر‪ ،‬فالســؤال املنطقــي‬
‫مثــ ً‬
‫حيــث عــى عــدم اإلرضار بأعيــان الغــر‪ ،‬وبالــذات األماكــن‬ ‫هــو‪ :‬هــل الشــوارع املتعرجــة التــي نراهــا اليــوم يف املــدن‬
‫املشــركة كالطــرق والســاحات‪ ،‬إال أن البعــض يقــوم بذلــك‪.‬‬ ‫التقليديــة هــي الرقــع املتبقيــة مــن األرايض املبنيــة املحيــاة؟‬
‫فاملســألة نســبية بــن النــاس‪ .‬فالنفــس البرشيــة هتتــم عمومـاً مبــا‬ ‫ال ألمهيتــه يف منــو املدينــة‪.‬‬
‫لنوضــح هــذا الســؤال أو ً‬
‫متلــك أكــر ممــا ميلــك اآلخــرون‪ .‬لذلــك فركيــز معظــم األفــراد‬

‫‪157‬‬
‫‪6.5‬‬

‫‪1.5‬‬

‫ترينا الصـورتـان ‪ 1.5‬من تـازة و ‪ 2.5‬من فـاس بـاملغـرب إحـاطة املزارع‬


‫بـاملناطـق املبنية‪ .‬والصورة ‪ 3.5‬من األغـواط باجلزائر والصورة ‪ 4.5‬من‬
‫وزان باملغرب توضح نفس الفكرة‪.‬‬

‫‪2.5‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪7.5‬‬

‫‪4.5‬‬

‫‪5.5‬‬

‫تريـنا الـصورة اجلـوية ‪ 6.5‬مـن املديـنة املـنورة‪ ،‬والصـورة اجلوية ‪ 7.5‬من دلتا‬
‫النيل مبر (وكلتامها من‪ )Google Earth :‬زحف املبـاين عى املـزارع‪ .‬الحـظ‬
‫تداخل املـزارع والبنـاء يف الصورة األوىل‪ ،‬فهنـاك حتول تـدرجيي من مزارع إىل‬
‫مساحات بنـائية‪ .‬والصورة ‪( 5.5‬مين هذه الصفحة) من شال أفريقـية تريـنا مبان‬
‫عى أرايض زراعية‪ .‬لقد اصبحت األرض سلعة بسبب إلغاء إحياء األرض ما أدى‬
‫ملثل هذه الظواهر‪.‬‬

‫‪159‬‬ ‫‪158‬‬
‫‪8.5‬‬
‫الشكل‬
‫‪1.5‬‬ ‫الـشكل ‪ 1.5‬مسقط أفقي لوسط مدينـة سفرنبولو بركيا‪( :‬املصدر‪ :‬دراسة‬
‫ميدانية لألستـاذ دوجان كـوبان‪1976 ،‬م‪ ،‬لـرسوم صفـاقس انـظر الفـصل‬
‫الثـامـن صـ ‪ .)321‬الحظ أن مبـاين سفـرنبـولـو غر متالصقـة كا هو‬
‫واضح يف الصورة ‪ 13.5‬وقارهنا بالشكل ‪ 2.5‬وهـو مـسقـط ٔافقي جلـزء من‬
‫صـور هـذه الصفحـة تـرينـا أرايض زراعيـة قـام الـسكـان بـالبناء عى‬
‫مـدينـة تـونـس بتــونس (املصـدر‪ :‬مـركـز احلفـاظ عى املـدينـة مبـدينـة‬
‫أجـزاء منها لتتحـول بالتدريـج إىل أراض بنائية‪ .‬فالصورتان ‪ 8.5‬و ‪11.5‬من‬
‫تــونس‪1968 ،‬م)‪ .‬الحظ الـتصاق املبـاين ذات األفنية الـداخلية كا هـو‬
‫بسكرة باجلزائر‪ ،‬والصور ‪ 9.5‬و ‪ 10.5‬و ‪ 12.5‬من مواقع أخرى بشال‬
‫واضـح يف الصــورتن ‪ 14.5‬ملـراكـش و ‪ 15.5‬ملــدينـة اجلديدة باملغرب‪.‬‬
‫ٔا فر يقية‪.‬‬

‫الشكل‬ ‫‪11.5‬‬
‫‪2.5‬‬

‫‪9.5‬‬

‫‪14.5‬‬ ‫‪12.5‬‬

‫‪10.5‬‬

‫‪15.5‬‬

‫‪13.5‬‬

‫‪161‬‬ ‫‪160‬‬
‫النــاس إلحيــاء املتصــل بالعامــر مــن املــوات‪ ،‬وإال ملــا التصقــت‬ ‫أن هنــاك تشــاهباً مــن حيــث اخلصائــص كالطــرق املتعرجــة‬ ‫الفصــل الثــاين (االحتجــار واإلمهــال واســتثار املجهــودات‬ ‫يف اختــاذ القــرارات عنــد إحيائهــم للمــوات ينصــب عــى مــا‬
‫املبــاين كــا هــو احلــال يف معظــم املــدن اإلســالمية‪ ،‬ولبقيــت‬ ‫والســاحات وكــرة الــدروب غــر النافــذة (الصــور ‪ 16.5‬إىل‬ ‫وإذن اإلمــام) باإلضافــة إىل ظاهــرة تفضيــل النــاس ملــا‬ ‫ال‪ ،‬ثــم تــأيت مصلحــة اجلاعــة‪ .‬فــإذا كانــت‬ ‫هــو يف صاحلهــم أو ً‬
‫رقــع كبــرة داخــل املــدن مــن غــر إحيــاء ألهنــا كانــت يوم ـاً‬ ‫‪ ! )21.5‬أي أنــه علينــا أن نركــز عــى دراســة عالقــة العقــارات‬ ‫ميلكــون عــى مــا ال ميلكــون‪ ،‬فمــن املنطــق أن تكــون الطــرق‬ ‫ال يف منطقــة جبليــة‪ ،‬فقــد يقوم شــخص‬ ‫هنــاك أرض منبســطة مثـ ً‬
‫مــا مالصقــة للعامــر و ُمنــع إحياؤهــا‪ .‬وهــذا الواقــع يوافــق‬ ‫اخلاصــة بامللكيــات العامــة كالطــرق‪ ،‬ونتــالىف دراســة عالقــة‬ ‫والســاحات والرحــاب والــدروب غــر النافــذة يف املــدن‬ ‫بإحيــاء جــزء منهــا لنفســه ثــم يــأيت الثــاين والثالــث وهكــذا قــد‬
‫رأي اجلمهــور مــن الفقهــاء‪ 4.‬وهنــاك نــوازل مــن تواريــخ‬ ‫ـي يف هــذه املرحلــة‪ .‬وهبــذا يتبلــور ســؤالنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـي بغــر املبنــ ّ‬
‫املبنــ ّ‬ ‫التقليديــة هــي مــا بقــي مــن إحيــاء األفــراد كأماكــن عامــة‬ ‫حييــون مجيع ـاً األرض املنبســطة بــدل تركهــا شــاغرة ملــن يــأيت‬
‫متأخــرة أيض ـاً تؤكــد هــذا الفعــل‪ ،‬مثــل النازلــة التــي ذكرهــا‬ ‫املطــروح ســابقاً ليكــون‪ :‬هــل ملكيــات األفــراد اخلاصــة‪،‬‬ ‫تســتخدم مــن قبــل غالبيــة النــاس‪ ،‬بغــض النظــر عــن املعــامل‬ ‫ال‪.‬‬
‫بعدهــم أو لبنائهــا كمدرســة مســتقب ً‬
‫ال أحيــا أرضـاً بالقــرب مــن‬
‫الونرشيــي (ت ‪ )914‬حيــث إن رجـ ً‬ ‫بغــض النظــر عــا حتويــه مــن مبـ ٍ‬
‫ـان‪ُ ،‬تشـكِّل امللكيــات العامــة‬ ‫ال‬
‫املعاريــة املختلفــة للمــدن اإلســالمية‪ .‬إلثبــات ذلك قــارن ك ً‬ ‫إن املنطــق القائــل أن مصلحــة اجلاعــة أهــم مــن مصلحــة‬
‫العامــر‪ ،‬ثــم باعهــا وحــدث خــالف بــن ورثــة املشــري وتــم‬ ‫كالطــرق؟‬ ‫ال أو ســفرنبولو بركيــا مبدينــة‬
‫مــن مدينــة صفاقــس بتونــس مث ـ ً‬ ‫الفــرد منطــق نبيــل وينــادي بــه الكثــر‪ .‬أي أن املصلحتــن‬
‫تدويــن النازلــة‪ .‬ويقــول املقريــزي (ت ‪ )845‬يف وصــف منطقــة‬ ‫تونــس أو القاهــرة أو مراكــش‪ .‬فاملجموعــة األوىل مــن املــدن‬
‫كــا ب ّينــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬فــإن قاعــديت احلاجــة‬ ‫جيــب أال تتعارضــا‪ .‬وإن تعارضتــا فيجــب تقديــم مصلحــة‬
‫تعــرف باملعاريــج وتؤكــد إحيــاء القريــب مــن العامــر‪...« :‬‬ ‫(صفاقــس وســفرنبولو) متتــاز بكثافــة بنائيــة منخفضــة ومببــاين‬
‫والســيطرة يف حتديــد مــا ميكــن امتالكــه من األعيــان أدتــا إىل أن‬ ‫اجلاعــة عــى مصلحــة الفــرد‪ .‬فــال جيــوز للفــرد أن يتــرف‬
‫فانحــر بعــد الفتــح (أي فتــح مــر) بأعــوام مــاء النيــل عــن‬ ‫غــر متالصقــة وحدائــق خارجيــة تفصــل املبــاين بعضهــا عــن‬
‫غــر العامــر مــن األرايض يعتــرب مواتـاً‪ ،‬وأن هــذا املــوات ميلــك‬ ‫مبــا هــو مــر باجلاعــة لصاحلــه هــو‪ .‬إىل هنــا فاألمــر معقــول‬
‫أرض جتــاه احلصــن واجلامــع العتيــق‪ ،‬فصــار املســلمون يوقفــون‬ ‫بعــض (شــكل ‪ ،1.5‬الصــورة ‪)13.5‬؛ وعــى العكــس مــن ذلــك‬
‫باإلحيــاء‪ .‬وكان هنــاك خــالف فقهــي فيــا قــرب مــن العامــر‪،‬‬ ‫(وســنتعرض هلــذا يف الفصلــن الســادس والتاســع)‪ .‬ولكــن‬
‫هنــاك دواهبــم‪ ،‬ثــم اختطــوا فيــه املســاكن شــيئاً بعــد يشء‪،‬‬ ‫فاملجموعــة الثانيــة مــن املــدن (تونــس والقاهــرة ومراكــش)‬
‫هــل هــو مــوات أم ال؟ وبالتــايل هــل جيــوز إحيــاؤه أم ال؟ ولكن‬ ‫ـد ْد هــذه املصلحــة؟ ومــن الــذي يقــوم بذلــك؟ فقــد‬ ‫كيــف ُ َ‬
‫حتـ ّ‬
‫وصــار ســاحل البلــد حيــث املوضــع الــذي يقــال لــه اليــوم يف‬ ‫متتــاز بكثافــة بنائيــة مرتفعــة ومببــاين متالصقــة ذات أفنيــة‬
‫مــاذا عــن الواقــع املطبــق بغــض النظــر عــن اخلــالف الفقهــي؟‬ ‫تكــون املصلحــة ظاهريـاً يف ختطيــط منطقــة مــا ومنــع النــاس‬
‫مــر املعاريــج ‪ 5.»...‬ليــس هــذا فحســب‪ ،‬بــل جيــوز إحيــاء‬ ‫داخليــة (الشــكل ‪ ،2.5‬الصورتــان ‪ 14.5‬و ‪ .)15.5‬أي برغــم‬ ‫ٍ‬
‫منــاف حلديــث‬ ‫مــن اإلحيــاء فيهــا دون إذن اإلمــام (وهــذا‬
‫األرض غــر العامــرة حتــى وإن كانــت داخــل العامــر؛ فقــد‬ ‫يقــول املــاوردي منتقــداً الــرأي القائــل بــأن مــن رشوط‬ ‫تضــاد املجموعتــن مــن حيــث الكثافــة البنائيــة ونوعيتهــا إال‬
‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم عــن اإلحيــاء)‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫قــال أمحــد بــن حنبــل «يف روايــة أيب الصقــر‪ ،‬وقــد ســئل عــن‬ ‫املــوات البعــد عــن العامــر‪ ...« :‬وهــذان القــوالن (يعــي قــول‬
‫لقد تـشاهبت خصـائص األماكن العامة كالـطرق يف املدن التقليـدية‪،‬‬ ‫حيــدث يف التخطيــط اليــوم‪ .‬ولكــن عــى املــدى البعيــد قــد‬
‫رجــل أحيــى أرضـاً ميتــة‪ ،‬وأحيــى آخــر إىل جنــب أرضــه قطعــة‬ ‫أبــو حنيفــة وأبــو يوســف) خيرجــان عــن املعهــود يف اتصــال‬ ‫فشـوارعها ضـيقة ومـنحنيـة مع خروج املبـاين عليهـا وهبا سـاباطـات ملا‬ ‫يكــون العكــس‪ :‬أي أن اإلحيــاء دون إذن اإلمــام قــد يكــون لــه‬
‫أرض‪ ،‬وبقيــت بــن القطعتــن رقعــة‪ ،‬فجــاء رجــل فدخــل بينهــا‬ ‫العــارات‪ ،‬ويســتوي يف إحيــاء املــوات جرانــه واألباعــد‬ ‫بقي من إحيـاء النـاس لألرض‪ .‬وهـذا ال يعي أهنـا مل تكن مالئـمة للسكان‪،‬‬
‫إجيابيــات تفــوق عقــول املخططــن ألنــه مــن رشع اللــه‪.‬‬
‫عــى الرقعــة‪ ،‬هــل هلــا أن مينعــاه؟ فقــال «ليــس هلــا أن مينعــاه‪،‬‬ ‫‪ 3.»...‬فعبــارة «خيرجــان عــن املعهــود يف اتصــال العــارات»‬ ‫فهي ضيقة لنا اآلن لتغـر متطلباتنا‪ ،‬بينا كـانت ٔافضل حل هلم كا سـيتضح‬
‫مــن قــول املــاوردي (كــا قلنــا يف الفصــل الثــاين) يــدل عــى‬ ‫يف الفصـل السابع إن شاء الله‪ .‬ومواقع الصـور هي‪ 16.5 :‬من تطـوان و ‪17.5‬‬ ‫إذا كان اإلحيــاء هــو أهــم وســيلة يف العمــران والتملــك‪،‬‬
‫إال أن يكونــا أحيوهــا»»‪ 6.‬أي أن‪ ،‬األدلــة كثــرة عــى أن اإلحيــاء‬ ‫من مكناس و ‪ 18.5‬من قسنطينـة و ‪ 19.5‬من اجلزائر العاصمة و ‪ 20.5‬من‬
‫عموم ـاً‪ ،‬قــرب مــن العامــر أو بعــد‪ ،‬كان عرف ـاً متبع ـاً ومطبق ـاً‬ ‫أن الواقــع املعمــول بــه حتــى وفاتــه (ت ‪ )450‬هــو ممارســة‬ ‫تونس و ‪ 21.5‬من املغرب‪.‬‬
‫وإذا أخذنــا يف االعتبــار قواعــد اإلحيــاء التــي عرضناهــا يف‬

‫‪21.5‬‬ ‫‪19.5‬‬ ‫‪18.5‬‬ ‫‪16.5‬‬

‫‪20.5‬‬ ‫‪17.5‬‬

‫‪163‬‬ ‫‪162‬‬
‫وجتمــع املذاهــب عــى عــدم جــواز إحيــاء حريــم األرض‬ ‫قصبــة الــدار‪ ،‬واحلريــم فنــاء املســجد‪ .‬وحــي عــن ابــن واصــل‬ ‫‪23.5‬‬ ‫‪22.5‬‬
‫تبــع لــألرض املحيــاة‪ .‬ففــي‬
‫أو تعــدي اآلخريــن عليــه‪ .‬فهــو ٌ‬ ‫ـق عليــه باهبــا‬
‫الــكاليب‪ :‬حريــم الــدار مــا دخــل فيهــا ممــا ُي ْغلـ ُ‬
‫املجمــوع‪« :‬ومــا حيتــاج إليــه ملصلحــة العامــر مــن املرافــق‬ ‫ومــا خــرج منهــا فهــو الفنــاء ‪ ...‬وحريــم الــدار‪ :‬مــا أضيــف‬
‫كحريــم البــر وفنــاء الــدار والطريــق ومســيل املــاء ال جيــوز‬ ‫إليهــا وكان مــن حقوقهــا ومرافقهــا‪ .‬وحريــم البــر ُملقــى‬
‫إحيــاؤه ألنــه تابــع للعامــر‪ ،‬فــال ميلــك باإلحيــاء؛ وألنــا لــو‬ ‫ال َّنبي َثــة واملمــى عــى جانبيهــا ونحــو ذلــك؛ ‪ ...‬وحريــم النهــر‪:‬‬
‫جوزنــا إحياءهــا أبطلنــا امللــك يف العامــر عــى أهلــه ‪11.»...‬‬ ‫ُملقــى طينــه واملمــى عــى حافتيــه ونحــو ذلــك ‪ ...‬وســمي‬
‫حمــر ٌم عــى غــره‬
‫ــر ُم منــع صاحبــه منــه‪ ،‬أو ألنــه ّ‬ ‫حي ُ‬
‫بــه ألنــه َ ْ‬
‫أي أن املرافــق التــي ال غــى عنهــا ملحيــي املــوات‬
‫التــرف فيــه»‪ 7.‬ورغــم اتفــاق الفقهــاء عــى رضورة احلريــم‬
‫كطرقهــم وأفنيــة دورهــم (فنــاء الــدار هــي املنطقــة املالصقــة‬
‫لإلحيــاء‪ ،‬إال أهنــم خيتلفــون يف ماهيتــه‪ ،‬وبالتــايل يف حــدود‬
‫للــدار يف الطريــق؛ الصــور ‪ 22.5‬إىل ‪ )24.5‬ومــا شــابه‪ ،‬ال جيــوز‬
‫األرض املحيــاة‪ .‬وحريــم البــر مــن أشــهر املســائل التــي تعــرض‬
‫لآلخريــن إحياؤهــا إال مبوافقــة أولئــك املتمتعــن باحلريــم‪ .‬وهنا‬
‫هلــا الفقهــاء واختلفــوا يف حتديدهــا وذلــك الختالفهــم يف نوعيــة‬ ‫‪24.5‬‬ ‫ترينـا صور هـذه الصفـحة أمثلـة خمتلفـة للفنـاء‪ :‬فالـصورة‬
‫ال بــد مــن نشــوء حــوار بــن الســكان املوجوديــن يف املوقــع‬
‫البــر ومــا حوهلــا مــن أعيــان حتتاجهــا البــر؛ فمنهــم مــن قــال‬ ‫‪ 22.5‬مـن سيــدي عقبـة بـشال أفــريقيــة‪ .‬الحظ جلـوس‬
‫ومــن ســيأيت مــن بعدهــم ممــن أرادوا اإلحيــاء لتحديــد نوعيــة‬ ‫الـرجـال يف فنـاء املـحالت املطلـة عى الطـريق‪ .‬والصـورة‬
‫بأهنــا أربعــون ذراع ـاً‪ ،‬ومنهــم مــن قــال بأهنــا مخســون ذراع ـاً‪،‬‬
‫هــذه املرافــق (احلريــم) ومواقعهــا ومســاحاهتا وخصائصهــا‬ ‫‪ 23.5‬من الدغيمية ببالد احلرمن‪ :‬الحظ حتديد الفناء باألوتاد‬
‫وآخــرون قالــوا إهنــا ثالمثائــة ذراع‪ .‬وألن البــر عنــر حمــدد‬ ‫اخلـشبيـة‪ .‬والصـورة ‪ 24.5‬ألفنيـة بطنـجة فـرنى شـخصن‬
‫ال‪ ،‬ومــا هــو‬‫(الصــور ‪ 25.5‬إىل ‪ .)34.5‬أيــن هــو الطريــق مثــ ً‬
‫ومعــروف مقارنــة بالعنــارص األخــرى‪ ،‬فقــد أبــدى الفقهــاء‬ ‫جالسن يف الفناء كا هـو موضح بالشكل ‪3.5‬‬
‫اجتاهــه‪ ،‬ومــا هــي حــدوده مــن اجلانبــن؟ ومــن الــذي حيــق لــه‬
‫أرقام ـاً حمــددة الســتنادهم ألحاديــث الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫املــرور فيــه وحيــق لــه منــع اآلخريــن مــن البنــاء عليــه ألهنــا‬
‫وســلم يف هــذه املســألة‪8.‬‬
‫حريــم ألرضه؟وهــذا واضــح مــن الكثــر مــن النــوازل حــول‬ ‫بغــض النظــر عــن اختــالف الفقهــاء فيــه؛ وأن هــذا العــرف‬
‫هــذه املســألة‪ .‬فقــد غــرس رجــل يف أرض (األرض أ يف الشــكل‬ ‫أمــا بالنســبة لألعيــان األخــرى فاألمــر أقــل حتديــد ًا‪.‬‬ ‫بــدأ يف االنحســار يف عصــور متأخــرة كــا وضحنــا يف الفصــل‬
‫‪ )4.5‬وادعــى أنــه ميلكهــا‪ ،‬وكان لقــوم منــزل خلــف هــذه‬ ‫فيقــول أبــو يعــى يف حريــم املســاكن واملــزارع‪« :‬فأمــا حريــم‬ ‫ـداء‬
‫الثالــث‪ .‬وحيــث إن األرايض املحيــاة يف اإلذعــاين املتحــد ابتـ ً‬
‫األرض‪ ،‬وكانــوا يســلكون فيهــا طريق ـاً (ب)‪ ،‬فنهاهــم الغــارس‬ ‫مــا أحيــاه (أي املحيــي) مــن املــوات لســكى أو زرع فهــو معترب‬ ‫(ألن الفريــق املالــك ال ميلــك إال بعــد اإلحيــاء وهــو االســتخدام‬
‫عــن الســلوك فيهــا‪ .‬فقامــوا عليــه وقالــوا ال تقطــع طريقنــا‪.‬‬ ‫مبــا ال تســتغي عنــه تلــك األرض مــن طريقهــا وفنائهــا وجمــرى‬ ‫ـرق املالكــة املســيطرة‬ ‫ِ‬
‫والســيطرة)‪ ،‬فالبــد مــن ارتفــاع نســبة الفـ َ‬
‫فأنكــر أن تكــون هلــم يف األرض املغروســة طريــق‪ .‬فتنازعــوا‬ ‫مائهــا رشبــاً ومغيضــاً»‪ .‬فعبــارة «ال تســتغي» مــن كالم أبــو‬ ‫يف البيئــة‪.‬‬
‫إىل احلاكــم‪ .‬فــأىت أهــل املنــزل بشــهود بأهنــا طريــق يســلكها‬ ‫يعــى عبــارة غــر حمــددة وليســت ذات ك ـ ٍم معلــوم كاألربعــن‬
‫النــاس منــذ عرشيــن ســنة؛ وأىت الــذي الطريــق يف أرضــه‬ ‫ذراعـاً‪ ،‬وقــد تــؤدي إىل اخلــالف بــن الفــرق الســاكنة‪ .‬ويضيــف‬ ‫وألن اإلحيــاء عمليــة عمرانيــة تعكــس تطــور احلــارض‬
‫الشكل‬ ‫وال تأخــذ التخطيــط املســتقبي يف احلســبان فهــو بالتــايل العــدو‬
‫ببينــة تشــهد أهنــا طريــق حمدثــة‪ .‬فســئل ســحنون (ت ‪ )240‬أي‬ ‫املــاوردي منتقــد ًا رأي كل مــن أيب حنيفــة وأيب يوســف القائــل‬ ‫‪3.5‬‬
‫ال َب ّينتــن أحــق بالقبــول؟ فأجــاب ســحنون‪« :‬هــذا كثــر بــن‬ ‫ـد منهــا ومل يبلغــه ماؤهــا‪ ،‬ومــا‬
‫أن حريــم أرض الــزرع مــا َب ُعـ َ‬ ‫اللــدود للمخططــن‪ .‬فالتخطيــط كعلــم هــو وضــع اخلطــط‬
‫ـى‬ ‫املســتقبلية للبيئــة بعــد دراســات مســتفيضة‪ ،‬وبالتــايل احلــد مــن‬
‫املنــازل وخيتصــم النــاس يف األرض‪ ،‬ورمبــا قطعهــا احلــرث حتـ ّ‬ ‫انتهــى إليــه صــوت املنــادي مــن حدودهــا‪« :‬ولــو كان هلذيــن‬
‫رمبــا كانــت القريــة مــن غــر طريــق‪ .‬وإمنــا تســاهل النــاس‬ ‫القولــن وجــه ملــا اتصلــت عارتــان وال تالصقــت داران»‪ 9.‬إال‬ ‫ترفــات بعــض أفــراد املجتمــع‪ .‬بينــا اإلحيــاء هــو العكــس‬
‫يف أرضهــم لبعدهــم عــن ذلــك‪ .‬فــإذا ثبــت أن هــذا الطريــق‬ ‫أن أكــر التعاريــف تــؤدي‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬إىل أن حريــم األرض‬ ‫متامـاً‪ ،‬فهــو إطــالق أليــدي كل أفــراد املجتمــع‪ ،‬خاصــة إذا كان‬
‫ملــك لصاحــب األرض وأهنــا حمدثــة فليســت بالزمــة لصاحــب‬ ‫هــو مــا ال تســتغي عنــه تلــك األرض مــن مرافــق للوظيفــة‬ ‫اإلحيــاء مــن غــر إذن اإلمــام‪ .‬وهلــذا فــإن أول مــا خيطــر ببــال‬
‫األرض‪ ،‬إال أن تكــون طريــق الباديــة التــي يف أرضــه مــن غــر‬ ‫ـاء‬ ‫الفــرد‪ ،‬وعــى األخــص إذا كان خمططــاً هــو‪ :‬إذا قــام كل فــرد‬
‫املحيــاة مــن أجلهــا األرض وقــت اإلحيــاء لتــام املنفعــة بنـ ً‬
‫وجــه‪ ،‬ويطــول ذلــك ويقطــع حرمــة الــزرع يف ابتدائهــا وطول‬ ‫عــى العــرف‪ .‬فيقــول الســيوطي يف هــذه املســألة‪« :‬والبــر‬ ‫بإحيــاء مــا أراد‪ ،‬فــإن الفــوىض ســتعم البيئــة؛ فقــد يقــوم البعــض‬
‫زماهنــا اخلمســن والســتن ســنة؛ فــإن كان كذلــك فــال ُحجــة‬ ‫املحفــورة يف املــوات حرميهــا املوضــع الــذي يقــف فيــه النــازح‬ ‫باإلحيــاء وإغــالق طــرق اآلخريــن‪ ،‬وهبــذا فــإن البيئــة ســتؤول‬
‫لصاحــب األرض‪ .‬وامــا طريــق احلــارضة فليســت بحجــة عــى‬ ‫وموضــع الــدوالب ومــردد البهيمــة ومصــب املــاء واملوضــع‬ ‫إىل مناطــق عامــرة مــن غــر منافــذ‪ ،‬وحيبــس العامــر بعضــه‬
‫صاحــب األرض إذا ثبــت ذلــك كــا وصفــت لــك»‪ 12.‬وهيمنــا‬ ‫الــذي جيتمــع فيــه لســقي املاشــية والــزرع مــن حــوض ونحــوه‪.‬‬ ‫بعض ـاً ! ولكــن هــذا مل حيــدث يف املــدن اإلســالمية‪ .‬ملــاذا؟‬
‫يف هــذه النازلــة حركيــة البيئــة التــي أدت إىل احلــل‪ :‬فاالختــالف‬ ‫واملوضــع الــذي يطــرح فيــه مــا خيــرج منــه‪ ،‬وكل ذلــك غــر‬ ‫إن كلمــة حريــم تــالزم اإلحيــاء باســتمرار‪ .‬ومــن األمثلــة‬
‫بــن الفريقــن ثــم اتفاقهــا أو فــرض الطريــق عليهــا وقبوهلــا‬ ‫حمــدود وإمنــا هو بحســب احلاجــة‪ ،‬كــذا قالــه الشــافعي ‪10.»...‬‬
‫البيئيــة للحريــم مــا ذكــره ابــن منظــور بــأن قــال‪« :‬واحلريــم‬

‫‪165‬‬ ‫‪164‬‬
‫‪30.5‬‬ ‫‪26.5‬‬

‫‪25.5‬‬
‫‪31.5‬‬

‫‪32.5‬‬ ‫‪28.5‬‬

‫‪33.5‬‬ ‫‪27.5‬‬

‫‪34.5‬‬ ‫‪29.5‬‬

‫إن من ٔاهم املـرافق الـتي ال غنـى عنهـا ألي عقـار طـريقه‪ ،‬فالطرق‬
‫حياوها إال مبـوافقة‬ ‫ٕ‬
‫كـانت تعترب حرمياً لألرايض املحـياة التي ال جيوز ا ٔ‬
‫ترينا هذه الصور أحد أهم مراحل االستيطان األوىل‪ .‬فهذه العـملية‬
‫الساكنن الذين سبقوا‪ .‬فرنى يف الصور أمثلة للـطريق كحريم‪ .‬فالصورة‬ ‫تتطـلب الكثر من املشـاورة واحلوار واالتفاق بن املـستـوطنن مـن‬
‫‪ 30.5‬من الربـاط ترينـا طريقـاً مسلـوكاً‪ ،‬وبـذلك ال جيوز إحياؤه ألنـه‬ ‫ال يف الـتخييم من‬
‫اختيـار املوقـع وحتديـد احلدود كـا هو موضح مث ً‬
‫حريـم لكل املـارين فـيه‪ .‬والصـورتان ‪ 31.5‬مـن الكـــاف بتــونــس‬ ‫شال ٔافـريقيا (الـصور الكبرة الـثالث‪ 26.5 :‬و ‪ 28.5‬و ‪.) 29.5‬‬
‫و ‪ 32.5‬من خــارج مـكنــاس بـاملغـرب تــرينــا الفكـرة نفـسهـا‪.‬‬ ‫والـصــورتــان ‪ 25.5‬مـن غردايـة ببالد ميـزاب باجلـزائر و ‪ 27.5‬من‬
‫الحـظ أن الطـريق يف الـصـورة ‪ 33.5‬مـن فيـقيـق جنـوب رشقـي‬ ‫الـدار البيـضاء باملغرب ترينا ساحتن استوطنت فيها الراحالت‪ .‬وهذه‬
‫املغـرب حمـدد بـاحلجارة من اجلـانبن وبانسيات ألنه ُوضع احرامـاً‬ ‫العـمليـة تــراكميـة يف اختـاذ قـراراهتـا‪ .‬فعى الـذين يـأتـون مـتأخريـن‬
‫لطريق املارة ويف الـوقت ذاته ليلـبي حاجـات السكـان‪ .‬فالـطريق يلف‬ ‫احرام حدود األمكنـة التي حازهـا من سبقهم‪ ،‬وهـذا يـشـبه اإلحيـاء‬
‫موقت وال يدوم كاإلحياء‪.‬‬ ‫ٕ‬
‫حـول النخلـة التي عى يـسار الـصورة ‪ .‬ويف الـصورة األخرة (‪ ) 34.5‬من‬ ‫من حـيث تــراكم القـرارات اال أنه ٔ‬
‫القنـطرة باجلزائر نرى طـريقاً مل حييى بعد من اجلـانب األميـن‪ .‬فإذا أراد‬
‫شخص مـا إحياء األرض املجـاورة فـعليه أن حيـرم الطـريـق‪.‬‬

‫‪167‬‬ ‫‪166‬‬
‫وهــي األقــل‪ ،‬لوصوهلــا للقضــاء وطلــب احلكــم والفتــوى فيهــا‪.‬‬
‫الشكل‬ ‫الشكل‬ ‫الشكل‬
‫فالذيــن حــددوا حــق املــرور واحلريــم هــم الســاكنون‪ ،‬أي‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪5.5‬‬ ‫‪4.5‬‬
‫ــرق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق املســتخدمة واملســيطرة واملالكــة للموقــع‪ ،‬أي الف َ‬
‫الف َ‬
‫املســتوطنة؛ وهــو أســاس التواجــد املســتقل‪.‬‬
‫والــذي يدعــم النتيجــة الســابقة حديــث يف الصحيحــن‬
‫رواه أبــو هريــرة أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا‬
‫اختلفتــم يف الطريــق فاجعلــوه ســبعة أذرع»‪ 18.‬وقــد ُر ِو َي‬
‫هــذا احلديــث بألفــاظ كثــرة مشــرة إىل تقريــر الســكان‬ ‫وهنــاك احتــال ثالــث يشــبه االرتفــاق‪ ،‬وال أعتقــد أنــه‬ ‫يكــون عــى الفريــق املســتخدم أن حيصــل عــى حــق االرتفــاق‬ ‫بــه أدى إىل احلــل العمــراين‪ ،‬وهــذا احلــل ليــس ختطيط ـاً مســبقاً‬
‫بأنفســهم ملوقــع الطريــق وعرضــه لوجــود لفــظ «إذا» أو «إن»‬ ‫ارتفــاق‪ ،‬إمنــا هــو تداخــل بــن أمــالك الفــرق املتجــاورة‪،‬‬ ‫مــن الفريــق املالــك املســيطر إمــا باإلهــداء أو بإحــدى طــرق‬ ‫مــن ســلطة مركزيــة‪ ،‬ولكنــه حــل نتــج عــن خــالف بــن الفــرق‬
‫يف الروايــات‪ .‬فمــن هــذه الروايــات مثــال‪« :‬إن اختصمتــم يف‬ ‫ال‬
‫وحيــدث عندمــا حييــي فريــق أرضــاً بالقــرب مــن هنــر مثــ ً‬ ‫املعاوضــات‪ .‬فقــد حييــي عــدة أفــراد أرايض متجــاورة وتبقــى‬ ‫املســتوطنة بعــد ترفهــا‪.‬‬
‫ســكة فاجعلوهــا ســبعة أذرع ثــم ابنــوا»‪« 19.‬إذا تــدارأ القــوم‬ ‫(األرض أ يف الشــكل ‪ )7.5‬وحيفــر جمــرى مــن النهــر إىل أرضــه‬ ‫رقعــة أرض متوســطة دون إحيــاء (الرقعــة أ يف الشــكل ‪،)5.5‬‬
‫وهــذه النظــرة الالمركزيــة تتأكــد مــن اســتخدام الفقهــاء‬
‫يف طريــق فلتجعــل ســبعة أذرع»‪ 20.‬وقــد كانــت الســبعة أذرع‬ ‫التــي تبعــد عــن النهــر‪ ،‬ثــم يــأيت آخــر وحييــي األرض التــي‬ ‫ثــم يــأيت رجــل وحييــي هــذه الرقعــة‪ ،‬وهبــذا يضطــر لطلــب‬
‫لعبــارات مثــل «نقــل» أو «رفــع» أو «حتويــل» الطريــق يف‬
‫تســمى امل ِ ْيتــاء «وهــي الرحبــة تكــون بــن الطريــق ثــم يريــد‬ ‫ميــر هبــا املجــرى (ب) دون املســاس باملجــرى ألن الفريــق‬ ‫حــق االرتفــاق مــن جرانــه؛ وهــذا هــو الغالــب يف البيئــة‪14.‬‬
‫وصــف النــوازل داللــة عــى أن موضــع الطريــق ومواصفاتــه‬
‫أهلهــا البنيــان فــرك منهــا للطريــق ســبعة أذرع»‪ ،‬فهــي مــا‬ ‫األول هــو املالــك لــه‪ ،‬أي دون املســاس بحريــم األرض‬ ‫أمــا إذا حــدث العكــس‪ ،‬وهــو أن الفريــق املســتخدم للمنطقــة‬
‫حددهتــا احلركيــة بــن الفــرق املســتوطنة‪ .‬ففــي نازلــة ســأل‬
‫بقــي مــن اإلحيــاء وال يصــح إحياؤهــا؛ ففــي صحيــح البخــاري‬ ‫األوىل املحيــاة‪ .‬وهبــذا يكــون املجــرى يف اإلذعــاين املتحــد‬ ‫املشــركة كان أســبق لإلحيــاء‪ ،‬فــإن املنطقــة املشــركة توضــع‬
‫أشــهب اإلمــام مالــك عــن أرضــن متالصقتــن ولقــوم بينهــا‬
‫أن أبــا هريــرة قــال‪« :‬قــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إذا‬ ‫ألن الفريــق األول هــو الــذي ميلــك ويســيطر ويســتخدم‬ ‫يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬وهــذا نــادر ًا مــا حيــدث‪ .‬فــإذا أحيــا رجــل‬
‫طريــق‪ .‬وقــد غرســت يف إحــدى الطريقــن غــروس‪ ،‬ومرورهم‬
‫تشــاجروا يف الطريــق امليتــاء بســبعة أذرع»‪21 .‬‬ ‫ذلــك املجــرى؛ والــذي حــدث هــو مــرور املجــرى خــالل‬ ‫أرض ـاً (األرض أ يف الشــكل ‪ ،)6.5‬ولــألرض طريــق إىل القريــة‪،‬‬
‫يــر هبــا‪ .‬فأريــد حتويــل الطريــق إىل أرض أخــرى وليــس عــى‬
‫األرض الثانيــة‪ 16.‬ولكــن مــع الزمــن‪ ،‬وألن الفريــق الثــاين قــد‬ ‫ـان وأحيــا األرض التــي هبــا الطريــق (ب)‪ ،‬أي‬ ‫ثــم أىت فريــق ثـ ٍ‬
‫وتعريفــات «امليتــاء» تــدل عــى أهنــا الطريــق العامــر‬ ‫أهــل الطريــق رضر‪« .‬فقــال (مالــك)‪ :‬ال أرى ذلــك إال بإذهنــم‪.‬‬
‫يغــدو مهيمنــاً بحكــم موقعــه اخلارجــي عــى األول (خاصيــة‬ ‫أن الفريــق الثــاين أحيــا حريــم األرض األوىل‪ ،‬فالبــد للفريــق‬
‫الكثــرة الســلوك والتــي تــؤىت مــن كل مــكان‪ .‬ففــي نيــل‬ ‫فقيــل لــه‪ :‬إن رفعهــا مقــدار الــذراع؟ فقــال‪ :‬إن كان قــدر عظــم‬
‫االحتوائيــة)‪ ،‬فقــد يــؤول املجــرى إىل اإلذعــاين احليــازي ثــم‬ ‫الثــاين مــن أخــذ موافقــة الفريــق األول‪ .‬وهبــذا يكــون الفريــق‬
‫األوطــار‪« :‬وامليتــاء أعظــم الطــرق وهــي التــي يكــر مــرور‬ ‫الــذراع وال مــرة عليهــم يف ذلــك فــال بــأس‪ ،‬وإن كان غــر‬
‫الرخيــي يف األجيــال املتأخــرة‪ .‬أي أن االحتــاالت الثالثــة‬ ‫املســتخدم هــو املســيطر‪ ،‬وتوضــع املنطقــة املشــركة يف اإلذعاين‬
‫النــاس فيهــا»‪ .‬ويف اللســان‪« :‬وامليتــاء الطريــق العامــر وجمتمــع‬ ‫ذلــك فــال ‪ 13.»...‬أي أن الفــرق املســتوطنة حــددت الطريــق‬
‫قــد تنتهــي لإلذعــاين الرخيــي‪ .‬وهنــا تظهــر حكمــة الرشيعــة‬ ‫احليــازي‪ .‬إال أن هــذه ليســت قاعــدة‪ .‬فقــد يقــوم الفريــق الثــاين‬
‫الطــرق أيض ـاً ميتــاء وميــداء‪ ...‬وطريــق مئتــاء عامــر‪ ،‬هكــذا‬ ‫ومــا شــاهبه مــن مرافــق ال غــى عنهــا ألي أرض حميــاة‪.‬‬
‫بدفــع هــذه األعيــان (املنطقــة املشــركة يف املســؤولية بــن‬ ‫بــرشاء تلــك املنطقــة املشــركة ويصبــح هــو الفريــق املالــك‬
‫رواه ثعلــب هبمــز اليــاء مــن مئتــاء وهــو مفعــال مــن أتيــت أي‬ ‫واآلن قــد تتضــح الصــورة أكــر‪ .‬فإضافــة تعريــف‬
‫العقاريــن اخلــادم واملخــدوم) إىل اإلذعــاين الرخيــي املتميــز‬ ‫املســيطر ويشــاركه الفريــق األول يف االســتخدام‪ ،‬وهبــذا تعــود‬
‫يأتيــه النــاس»‪ 22.‬فــإذا حــدد الســكان عــرض الطريــق الكثــرة‬ ‫احلريــم إىل القواعــد املرشوحــة ســابقاً لإلحيــاء (وهــي‬
‫باالتفــاق بــن الطرفــن وإزالــة اهليمنــة‪ ،‬وهــذا يف صالــح العــن‬ ‫املنطقــة املشــركة يف املســؤولية إىل اإلذعــاين الرخيــي‪15.‬‬
‫الســلوك (امليتــاء)‪ ،‬فــا بالــك بالطريــق التــي هــي يف الضواحــي‬ ‫االحتجــار واإلمهــال واســتثار املجهــودات وإذن اإلمــام‬
‫كــا ذكرنــا‪17.‬‬
‫مــن املــدن والقــرى القليلــة الســلوك؛ فهــذا بالتأكيــد مــن‬ ‫وتقديــم الفــرد ملصلحتــه عــى اآلخريــن)‪ ،‬توضــح احلاجــة‬
‫حتديــد ســاكنيه‪ .‬أمــا بالنســبة ملوضــع الطريــق فهــو أيضــا مــن‬ ‫قــد خيطــر للقــارئ أن الصالحيــة املعطــاة للفــرق‬
‫الشكل‬ ‫إىل حقــوق االرتفــاق يف البيئــة العمرانيــة‪ .‬فــال غرابــة إذاً مــن‬
‫حتديــد ســاكنيه‪ .‬فيقــول أبــو يعــى احلنبــي‪« :‬إذا كان الطريــق‬ ‫املســتوطنة الســتحداث حقــوق االرتفــاق وحتديــد مواقــع‬
‫‪6.5‬‬ ‫اهتــام الرشيعــة بحقــوق االرتفــاق‪ .‬فقــد كان الســكان هيــدون‬
‫قــد ســلكه النــاس وصــر طريق ـاً فليــس ألحــد أن يأخــذ منــه‬ ‫الطــرق أدت إىل التشــاح بينهــم ! وهــذا غــر صحيــح‪ ،‬فهــذا مل‬
‫ويبيعــون ويســتأجرون حــق املــرور واملجــرى واملســيل‬
‫ال وال كثــراً»‪ 23.‬أي أن مــرور النــاس مــع الزمــن حــدد‬ ‫قليــ ً‬ ‫حيــدث‪ .‬فالذيــن قــرروا مواقــع الطــرق مــن الســكان البــد وأن‬
‫ومــا شــابه مــن حقــوق ألهنــم هــم الذيــن قــرروا مواضــع‬
‫موضــع الطريــق (احلريــم) ثــم ظهــر عرضــه بالبنــاء‪.‬‬ ‫يكونــوا أقربــاء أو أفــراد قبيلــة أو حتــى جــران عــى األقــل‪.‬‬
‫تلــك احلقــوق ومســاحاهتا‪ .‬وهبــذا ُد ِفعــت املنطقــة املشــركة‬
‫ومتــى أدخلنــا حــث الرشيعــة يف معاملــة القريــب واجلــار‬
‫مــن هــذا نخلــص إىل أن ملكيــات األفــراد اخلاصــة مثــل‬ ‫يف املســؤولية (بــن العقاريــن اخلــادم واملخــدوم) إىل النــاذج‬
‫ومــا إىل ذلــك مــن عوامــل اجتاعيــة إىل املعادلــة‪ ،‬نســتنتج أن‬
‫املنــازل صاغــت امللكيــات العامــة كالطــرق‪ .‬وهــذا االســتنتاج‬ ‫ِ‬ ‫ـاء عــى األســبقية يف اإلحيــاء بــن الفــرق‬‫اإلذعانيــة املختلفــة بنـ ً‬
‫ــرق‬
‫حقــوق االرتفــاق وحريــم األرض نتجــت مــن اتفــاق الف َ‬
‫واضــح مــن تعامــل الفقهــاء مــع احلكــم عــى جــواز إخــراج‬ ‫املتجــاورة‪ .‬فكــا وضحنــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬يوضــع املمــر‬
‫الســاكنة وليــس بالــرورة مــن اختالفهــا‪ .‬والــذي حــدث‪،‬‬
‫الرواشــن واألجنحــة عــى الطريــق‪ .‬فهنــاك قاعــدة فقهيــة‬ ‫أو املجــرى أو املســيل يف اإلذعــاين الرخيــي عندمــا يســبق‬
‫واللــه أعلــم‪ ،‬هــو أن هــذه االتفاقــات‪ ،‬وهــي األكــر‪ ،‬مل تــدون‬
‫وهــي جــواز إخــراج الرواشــن واألجنحــة عــى الطريــق‪ ،‬ألن‬ ‫الفريــق املالــك املســيطر الفريــق املســتخدم يف اإلحيــاء؛ وهبذا‬
‫ألهنــا مل تصــل إىل القضــاء؛ بعكــس االختالفــات التــي دونــت‪،‬‬

‫‪169‬‬ ‫‪168‬‬
‫الصورة ‪ 36.5‬من تازه باملغرب ترينا آثار سر السكان عى سفح اجلـبل‪.‬‬ ‫‪36.5‬‬ ‫الفريــق املحيــي ُجيــرب للخضــوع والتعامــل مــع القــرارات التــي‬ ‫ال‬
‫األفنيــة التــي يف الطريــق هــي «بقيــة املــوات الــذي كان قابـ ً‬
‫حياوها إال بإذن املارين‬ ‫ٕ‬
‫فهــذه املـســالـك هي احلــريم الـتي ال جيــوز ا ٔ‬ ‫ِ‬
‫ـرق املحييــة الســابقة لــه كقيــود‪ .‬وهــذا معنــاه أن‬ ‫اختذهتــا الفـ َ‬ ‫لإلحيــاء»‪ ،‬ف ُمنــع اإلحيــاء يف الطريــق لــرورة الســلوك‪ ،‬ومل‬
‫فيها‪ .‬فصـور هذه الصفحة أمثلـة لتحديـد معامل الطـريق‪ .‬فنـرى يف الصـورة‬
‫ستـوثــر يف‬ ‫اإلحيــاء يــؤدي إىل تراكــم القــرارات‪ .‬فــكل قــرار يتخــذه حميــي‬ ‫مينــع يف اهلــواء‪ ،‬فيبقــى اهلــواء عــى حالــه مباحــاً (كــا هــو‬
‫‪ 37.5‬من فـاس ٓاثار الـسر عى األرض ( ٔانظـر الشكل‪ )9.5‬التـي ٔ‬
‫ٕ‬ ‫ـرق املحييــة‬ ‫ِ‬
‫ال‪ .‬ويف الـصورة ‪ 38.5‬مـن‬ ‫اإلحيـاء‪ .‬فـيتعــذر احيـاء هـذه املـسـالك مـستقب ً‬ ‫األرض بحريــة عنــد إحيائــه يعتــرب قيــداً عــى الفـ َ‬ ‫موضــح بالصــورة ‪ 35.5‬والرســمة أو الشــكل ‪ 8.5‬مــن مدينــة‬
‫تونـس نرى ظهـور بعض اخليام ولكن باحرام طريق املارة كا هو موضح‬ ‫القادمــة‪ .‬ولعــل املثــل القــادم يف الشــكل ‪ 11.5‬يوضــح املقصــود‬ ‫اجلزائــر)‪24.‬‬
‫بالشكل ‪ .10.5‬ويف الصـورة ‪ 39.5‬من اجلديـدة باملغـرب نرى إحياء الـمنـازل‬
‫بالقيــود وتراكــم القــرارات‪ ،‬ويلخــص جــزء ًا مــن حركيــة‬
‫املودي إىل بـوابة‬
‫والـدكـاكـن املالصقـة لـسـور املــدينـة والـطريـق ٔ‬ ‫‪35.5‬‬
‫ٕ‬
‫املـدينـة‪ .‬فيحق للـارة يف هذا الطـريق االعراض عى من حيـاول احياء‬ ‫النمــو العمــراين يف البيئــة التقليديــة‪.‬‬
‫جـزء منه‪ .‬وهبذه احلوارات واالتفـاقات بن الفـرق الساكـنة يظهـر الطريق‬
‫ال أن هنــاك مصــدراً للــاء (م) وبعــض اجلبــال‬ ‫لنفــرض مثـ ً‬ ‫الشكل‬
‫تدرجييـاً‪ .‬والصـورة ‪ 40.5‬من قصبـة تادله بـاملغرب تـرينا ظهور بعض املباين‬
‫املحيطــة كقيــود يف طريــق مــن أراد اإلحيــاء‪ .‬ففــي املرحلــة‬ ‫‪8.5‬‬
‫خارج السور‪.‬‬
‫‪37.5‬‬ ‫األوىل مــن عمــر البيئــة ســتبى عــدة منــازل (واملشــار إليهــا‬
‫مبربعــات يف الشــكل ‪ 11.5‬يف الصفحــة ‪ )173‬بتــاليف ســفوح‬
‫الشكل‬
‫‪9.5‬‬
‫اجلبــال لصعوبــة البنــاء عليهــا‪ ،‬وبحيــث يكــون لــكل منــزل‬
‫حريــم كالطريــق (واملشــار إليهــا بنقــط يف الشــكل) إىل مصدر‬
‫املــاء‪ .‬واألرقــام يف الشــكل عــى املنــازل تــدل عــى األســبقية يف‬
‫ـرق املنــازل املرقمــة بـــ «‪ »1‬ســبقت فــرق املنــازل‬ ‫ِ‬
‫اإلحيــاء‪ .‬ففـ َ‬
‫املرقمــة بـــ «‪ »2‬يف اإلحيــاء‪ ،‬وفرق املنــازل املرقمة بـ «‪ »2‬ســبقت‬
‫فــرق املنــازل املرقمــة بـــ «‪ »3‬يف اإلحيــاء‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وهبــذا فــإن‬
‫مواقــع املنــازل والطــرق يف املرحلــة األوىل مــن عمــر البيئــة‬ ‫واخلالصــة هــي أن املســالك التــي اســتخدمها الســكان‬
‫ال يف املرحلــة الثانيــة‪،‬‬
‫ســتكون قيــداً ملــن أراد اإلحيــاء مســتقب ً‬ ‫ذهابــاً وإيابــاً لقضــاء حاجاهتــم‪ ،‬كالذهــاب إىل الســوق أو‬
‫‪38.5‬‬
‫الشكل‬ ‫وهكــذا يف املرحلــة الثالثــة‪ .‬فعــى ســبيل املثــال‪ :‬عــى الفريــق‬ ‫املســجد ومــا شــابه‪ ،‬ونقــاط التقائهــم كالســاحات‪ ،‬ومناطــق‬
‫‪10.5‬‬
‫«‪ 5‬أ» يف املرحلــة الثانيــة أن يأخــذ موافقــة الفريقــن «‪ 3‬و ‪»4‬‬ ‫لعــب أطفاهلــم كالرحــاب‪ ،‬كل هــذا أثــر يف حتديــد املعــامل‬
‫ألنــه سيســد طريقهــا بإحيائــه؛ فعليــه أن يعوضهــا‪ .‬وهنــاك‬ ‫األساســية للمناطــق العامــة كمواقعهــا واجتاهاهتــا (الصــور‬
‫احتــال آخــر وهــو أال يعــرض الفريقــان «‪ 3‬و ‪ »4‬عــى إحيــاء‬ ‫‪ 36.5‬إىل ‪ .)42.5‬أي أن الطريــق هــو مــا زاد مــن إعــار النــاس‬
‫ــرق املســتوطنة شــكلت‬ ‫ِ‬
‫الفريــق «‪ 5‬أ» لصلــة الرحــم بينهــم أو حســن اجلــوار‪ .‬فقــد‬ ‫لــألرض‪ .‬وهبــذا فــإن مــا قررتــه الف َ‬
‫ابتــداء‪ .‬وعــى الفريــق «‪ 8‬ب» يف املرحلــة‬‫ً‬ ‫ال تقــع اخلالفــات‬ ‫شــبكات الطــرق باملدينــة التقليديــة‪ .‬ومــن البدهــي‪ ،‬فــإن‬
‫الثالثــة أن حيصــل عــى حــق املــرور خــالل منــزل الفريــق «‪»3‬‬ ‫كل قــرار يتخــذه الفريــق املســتوطن هــو اســتجابة لعوامــل‬
‫لتقصــر مســافة ســره إىل مصــدر املــاء‪ .‬أي عليــه أن يتعامــل‬ ‫ومعطيــات ومتطلبــات كثــرة ومتداخلــة ال يعلمهــا إال الفريــق‬
‫‪40.5‬‬ ‫‪39.5‬‬ ‫مــع مــا قــرره الفريــق «‪ »3‬كقيــد‪ .‬وهــذا ينطبــق أيضــاً عــى‬ ‫املســتوطن نفســه‪ ،‬كجغرافيــة املوقــع والعالقــات االجتاعيــة‬
‫ــرق املجــاورة ومصــادر امليــاه وتوفــر مــواد البنــاء‬ ‫ِ‬
‫الفريــق «‪ 7‬ج»‪ .‬أمــا الفريــق «‪ 8‬أ» يف املرحلــة الثالثــة فعليــه‬ ‫مــع الف َ‬
‫أن يعطــي حــق املــرور للفريــق «‪ »2‬رغ ـاً عنــه ألن الفريــق‬ ‫واجتــاه الريــاح ومــا شــابه‪ .‬ومــن أهــم هــذه العوامــل القيــود‬
‫«‪ »2‬ســبقه يف اإلحيــاء‪ ،‬فعليــه التعامــل مــع هــذا القيــد‪ .‬وهبــذا‬ ‫‪ constraints‬التــي تواجــه الفريــق املحيــي (واملقصــود بالقيــود‬
‫فالقــرارات الصغــرة التــي اختذهــا األفــراد تراكمــت عــرب‬ ‫يف هــذا الكتــاب األمــور التــي تق ّيــد الفريــق الفاعــل ويضطــر‬
‫الزمــن وصاغــت البيئــة‪ .‬يف هــذا املثــال املبســط‪ ،‬مل نركــز إال‬ ‫للتعامــل معهــا واحرامهــا رغـاً عنــه)‪ .‬فــإذا ُوجــد هنــر بجانــب‬
‫عــى مصــدر املــاء واجلبــال املحيطــة كقيــود؛ ولكــن الواقــع‬ ‫ال‪ ،‬فعــى الفريــق املحيــي التعامــل مــع النهــر رغ ـاً‬
‫املوقــع مث ـ ً‬
‫أعقــد مــن هــذا بكثــر‪ :‬فنقــاط اجلــذب كمصــادر املــاء كثــرة‬ ‫عنــه ألن وجــود النهــر يق ّيــد ترفــات الفريــق‪ .‬ومــن أهــم‬
‫جــداً‪ ،‬والقيــود أيضـاً كثــرة جــداً كاحلصــول عــى مــواد البنــاء‬ ‫القيــود التــي يواجههــا حميــي األرض احــرام حقــوق وحريــم‬
‫واملــوارد االقتصاديــة والعالقــات مــع اجلــران ومتطلبــات‬ ‫مــن ســبقه يف اإلحيــاء كطريقهــم ومســيل مائهــم‪ .‬أي أن‬

‫‪171‬‬ ‫‪170‬‬
‫‪41.5‬‬
‫الشكل‬ ‫املنــاخ وطبيعــة األرض البنائيــة‪ .‬وعــى املحيــي أن يتعامــل مــع‬
‫‪11.5‬‬ ‫هــذه القيــود واملعطيــات ويتخــذ قراراتــه بعــد وزهنــا ومــن‬
‫خــالل االتفاقــات مــع اجلــران وحتــت مظلــة األعــراف‪.‬‬
‫فقــد جيتمــع اجلــران يف املوقــع ملناقشــة الســاح لغريــب أو‬
‫قريــب بالبنــاء يف ســاحة حيهــم (الصورتــان ‪ 43.5‬و ‪.)44.5‬‬
‫وللوصــول هلــذا القــرار البــد وأن يفكــروا يف أمــور كثــرة‬
‫منهــا‪ :‬أيــن ســيلعب األطفــال إذا مــا تــم البنــاء عــى جــزء مــن‬
‫الســاحة؟ مــاذا ســيحدث للتيــار اهلــوايئ البــارد إذا أقفــل ممــره؟‬
‫هــل ســيزداد ازدحــام الطريــق مبــروره؟ إىل أيــن سيســيل مــاء‬
‫‪42.5‬‬ ‫الــدار املحدثــة؟ ومــا إىل ذلــك مــن أســئلة متــس مصاحلهــم‪ ،‬أي‬
‫مصالــح الفــرق املســتوطنة التــي شــكلت البيئــة مــن خــالل‬
‫االتفاقــات‪ .‬وهكــذا تتطــور األعــراف وتصــاغ البيئــة‪ .‬أي أن‬
‫الرشيعــة وثقــت بالفريــق املســتوطن وألقــت عليــه مســؤولية‬
‫اختــاذ القــرار املناســب لنفســه دون تدخــل خارجــي‪ .‬باختصــار‬
‫نقــول أن مبــادئ منــو رقعــة العامــر أدت إىل بيئــة تراكــم فيهــا‬
‫القــرارات‪ ،‬وتراكــم القــرارات يعــي أن الفريــق املســتوطن هــو‬
‫املقــرر‪ ،‬وهــذا هــو التواجــد املســتقل‪.‬‬

‫‪43.5‬‬

‫نــرى يف اجلهــة اليمــى يف الصــورة ‪ 43.5‬مســجداً من بنــزرت بتونس‪ ،‬ونرى يف الصـــورة‬


‫‪ 44.5‬تربـــة البـــيه يف مديـــنة تــونس‪ ،‬وكال املـــبنين يبــدوان وكأهنــا أضيفا للســاحة‬
‫بعــد املبــاين املجــاورة‪ .‬أما الصورتان اجلويتان العلويتان يف هـذه الصفحـة فها من‬
‫مكـة املكـرمـة ومن البيئة املعـارصة ولكـن دون اتباع أنظمة البلـدية‪ ،‬بل عن طـريق‬
‫اإلحياء‪ ،‬والصـورتـان مـن منـاطق جـبليـة‪ .‬فــالطـريق يف الصورة ‪ 41.5‬بن جبلن‬
‫وتتـفرع منه بعض الطرق‪ .‬وأكر الطرق يف الصورة ‪ 42.5‬تتفـرع من مدخل املنطقة يف‬ ‫‪44.5‬‬
‫اجلهة الـيمنـى‪ .‬أي أن القـرارات الصغـرة التي اختـذهـا الـسكـان تـراكـمت وأدت إىل‬
‫القـرار األكرب وهـو تـشكـيل الطـرق (الصورتان مـن وزارة البرول والروة املعدنية‬
‫ببالد احلرمن عن طـريق مـركـز الوثائق بـكليــة العارة والـتخطـيط بجامعة امللك‬
‫فيصل سابقا)‪ .‬واملالحظ من مجيع هذه احلركيات إن تراكمت أهنا تؤدي إلجياد عمران‬
‫قد ال نتفق معه يف تنظيمه‪ ،‬لكنه أوجد أفرادا أعزاء ومجيعهم ساكنون ومكتفون‪،‬‬
‫ناهيكم عن أن القرارات العمرانية أتت من السكان ما يؤدي لتجذر املشورة يف املجتمع‬
‫وبالتايل وبرغم عدم انتظام العمران بالنسبة لنا كمهنين اآلن إال أن البيئة يقطنها أفراد‬
‫أعزاء ملكوا زمام أمورهم ما يؤدي الضمحالل الفقر وبالتايل اجلهل واملرض‪ .‬ولكن هل‬
‫باإلمكان احلصول عى عمران منظم ويف الوقت ذاته يتمتع فيه السكان باحلقوق املؤدية‬
‫لعزهتم؟ هذا ما سيأيت يف باقي الفصول بإذن الله‪.‬‬

‫‪173‬‬ ‫‪172‬‬
‫أي أن قــرارات تشــكيل وبنــاء املدينــة اإلســالمية نبعــت بعــد‬ ‫وســكنتها بأهنــا ذات حضــارة أدىن مــن حضــارة أولئــك الذيــن‬ ‫تكــون املــدن اإلســالمية مــؤرش جيــد لســوء الفهــم‬ ‫ّ‬ ‫إن‬
‫ـر وتنفيـ ٍ‬
‫ـذ مــن الســلطة املركزيــة ومــن ميثلهــا‪ ،‬وليــس مــن‬ ‫تفكـ ٍ‬ ‫ـت بالدهــم‪« :‬فمــن املســتبعد‪ ،‬ويف هــذا التاريــخ املبكــر‬ ‫ف ُِت َحـ ْ‬ ‫لــدى الكثــر مــن الدارســن املســلمن واملســترشقن للبيئــة‬ ‫َت َ‬
‫ك ُّون املدن‬
‫ـرق املســتوطنة‪ ،‬وذلــك القتنــاع هــؤالء‬ ‫ِ‬
‫الســكان أنفســهم أو الفـ َ‬ ‫بالــذات‪ ،‬أن يكــون لــدى العــرب الذيــن أوجــدوا الفســطاط‬ ‫العمرانيــة اإلســالمية وذلــك إلمهاهلــم موضــوع املســؤولية‪.‬‬
‫الغيوريــن أن البيئــة الناجتــة مــن تراكــم قــرارات الســكان‬ ‫أي فكــرة واضحــة عــن ختطيــط املــدن أو حتــى االســتيعاب‬ ‫فلقــد توصــل الكثــر مــن املســترشقن إىل نتائــج ضحلــة‪ .‬فالفهم‬ ‫حتدثنــا عــن منــو العامــر‪ ،‬ولكــن مــاذا عــن النــواة نفســها‪،‬‬
‫دون تدخــالت خارجيــة ســتكون بيئــة عشــوائية ال حمالــة‪.‬‬ ‫التصــوري والعمــي لــه كــا كان لــدى الرومــان»‪ .‬وبعــد‬ ‫ال عــى أنــه َر َســم أو‬ ‫خـ ّ‬
‫ـط» مثـ ً‬ ‫اخلاطــئ للمعــى الدقيــق للفعــل « َ‬ ‫أي املدينــة‪ ،‬فكيــف بــدأت؟ لقــد مــرت املــدن اإلســالمية‬
‫ـرف لنــا معايــر املدينــة الناجحــة مــن‬ ‫ـون مــن حيــث حركيــة البيئــة‪ .‬فمنهــا‬ ‫بظــروف خمتلفــة يف التكـ ّ‬
‫أي أن الفكــر الغــريب عـ ّ‬ ‫إعطــاء أســباب خمتلفــة يقــول‪« :‬ولــكل هــذه األســباب‪ ،‬وليــس‬ ‫َعلّــم «‪ »simply marked out‬جعلــت املســترشق كريســويل‬
‫منظــاره هــو‪ ،‬ثــم أتينــا نحــن املســلمون لنثبــت هلــم أن بيئتنــا‬ ‫فقــط ألنــه (أي التخطيــط) كان غريب ـاً عــى حضــارة العــرب‪،‬‬ ‫‪ Creswell‬املعــروف يف دراســة املــدن والعــارة اإلســالمية‬ ‫مــا هــو مركــزي للغايــة كــا حــدث يف بغــداد‪ ،‬إذ أن الدولــة‬
‫اإلســالمية ناجحــة‪ .‬يالــه مــن جحــر ضــب ! وهبــذا ذهــب‬ ‫ال ميكــن تصــور إمكانيــة إنشــاء مدينــة عربيــة عســكرية عــى‬ ‫يســتنتج أن البــرة والكوفــة والفســطاط مــا هــي إال مــدن‬ ‫ســيطرت عــى ختطيطهــا وبنائهــا؛ ومنهــا ما هــو المركــزي متاماً‪،‬‬
‫جهــد الغيوريــن مــن العلــاء املســلمن إىل جتميــع كل صغــرة‬ ‫خطــوط منظمــة كاملــدن الرومانيــة التقليديــة أو العســكرية‬ ‫متميــزة «بأزقــة فوضويــة ُم ِتي َهــة وجمــازات صــاء (متداخلــة)‬ ‫إذ أن املدينــة منــت وتكونــت مــن ترفــات األفــراد‪ .‬ويقــرح‬
‫وكبــرة مــن أدلــة إلثبــات أن املــدن اإلســالمية خمططــة وذلــك‬ ‫بشــوارع مســتقيمة ذات منــط مشــابه لرقعــة الشــطرنج‪ ،‬متطلبــة‬ ‫مــع خيــام وأكــواخ بينهــا أراض ضائعــة‪ .‬ففــي الكوفــة حيتــاج‬ ‫املســترشق جرونوبــوم ‪ von Grunebaum‬تقســيم املــدن‬
‫بــي أعنــاق النصــوص وحتميلهــا معــاين أبعــد مــن مضموهنــا‪.‬‬ ‫بذلــك التنظيــم والطاعــة (مــن الســكان)»‪ 28.‬وباختصــار‪،‬‬ ‫الزائــر إىل مرشــد عندمــا يــزور احلــي اآلخــر (حتــى ال يضيــع)‬ ‫التكــون إىل جمموعتــن مهــا‪ :‬جمموعــة‬‫ّ‬ ‫اإلســالمية مــن حيــث‬
‫ّ‬
‫وســيتمكن أي قــارئ مــن مالحظــة اخلطــأ الــذي وقــع فيــه‬ ‫فقــد اعتــرب املســترشقون البيئــات التــي خططتهــا الســلطات‬ ‫‪26.»...‬‬ ‫املــدن التلقائيــة أو العفويــة أو العشــوائية ‪،spontaneous‬‬
‫أولئــك الباحثــون مبراجعــة أدلتهــم‪ .‬وال حاجــة إىل التجريــح‬ ‫املركزيــة بيئــات ناجحــة‪ ،‬وذلــك الســتقامة وتعامــد شــوارعها‬ ‫وجمموعــة املــدن الـــ ُم ْب َد َعة ‪ created‬أو املخططــة‪ .‬فمجموعــة‬
‫ومــا هــذه االنتقــادات إال انعــكاس مبــارش ملقارنــة هــؤالء‬
‫هنــا؛ فالكتــب كثــرة يف هــذا املجــال؛ ولقــد ســمعنا الكثــر‬ ‫ومبانيهــا‪ .‬وســأطلق عــى هــذا النــوع مــن البيئــات اســم البيئــة‬ ‫املــدن التلقائيــة هــي النمــط الســائد يف العــامل اإلســالمي‪ ،‬وقــد‬
‫الباحثــن للمــدن اإلســالمية باملــدن اإلغريقيــة والرومانيــة‪.‬‬
‫عــن حنكــة وفطنــة املســلمن األوائــل يف ختطيــط املــدن !‬ ‫«املنظمــة»؛ وبالطبــع‪ ،‬فهــذا ال يعــي أهنــا بيئــة ناجحــة؛ فقــد‬ ‫منــت هــذه املــدن مــن غــر ختطيــط الدولــة أو تدخلهــا ولكــن‬
‫وذلــك ألن الســلطات املركزيــة هــي التــي خططــت املــدن‬
‫ولكــن البــد مــن ذكــر بحــث واحــد عــى األقــل لتوضيــح‬ ‫تكــون البيئــة منظمــة ولكــن أعياهنــا يف اإلذعــاين املشــتت‪.‬‬ ‫مــن تلقــاء نفســها؛ ومــن هنــا أتــت التســمية «التلقائيــة»‪ .‬أمــا‬
‫اإلغريقيــة والرومانيــة (الشــكل ‪ ،)12.5‬فقــد اعتــربت هــذه‬
‫املســألة‪ ،‬مــع اعتــذاري الشــديد للباحــث وملجهــوده اجليــد‪.‬‬ ‫قســمت إىل عــدة أنــواع‪ :‬النــوع األول هو‬ ‫املــدن املخططــة فقــد ّ‬
‫إن هــذا االنتقــاد الشــديد مــن املســترشقن بعشــوائية املدن‬ ‫املــدن مدنــاً مثاليــة أو منظمــة أو مرتبــة الســتقامة شــوارعها‬
‫فلــو كنــت مكانــه زمنيـاً لقمــت بنفــس بحثــه ولرمبــا توصلــت‬ ‫العواصــم املســتحدثة‪ ،‬كبغــداد عاصمــة العباســين‪ ،‬ومدينــة‬
‫اإلســالمية دفــع الباحثــن الغيوريــن مــن املســلمن إىل حماولــة‬ ‫وحتــاذي مبانيهــا وتوفــر العنــارص احلضاريــة يف قلبهــا كســاحة‬
‫لنفــس نتائجــه‪ .‬ولكــن فقــط ألنــي أتيــت مــن بعــده متكنــت‬ ‫فــاس عاصمــة األدارســة‪ .‬أمــا النــوع الثــاين فهــو مــدن األمــراء‪:‬‬
‫إثبــات النقيــض‪ :‬وهــو أن املــدن اإلســالمية مــدن منظمــة‬ ‫للمناقشــات وحلبــة ومحــام وهكــذا‪ .‬فينتقــد املســترشق‬
‫مــن قــويل هــذا‪ ،‬وذلــك ألنــي وقفــت عــى مــا توصــل إليــه هــو‬ ‫وهــي املــدن التــي نشــأت عندمــا يقــرر حاكــم مــا الرحيــل مــن‬
‫وخمططــة وبالتــايل فهــي بيئــات ناجحــة‪ .‬ولكــن لألســف‪،‬‬ ‫جرونوبــوم املــدن اإلســالمية الفتقارهــا إىل املســارح واملالعــب‬
‫وغــره مــن الباحثــن‪ ،‬وســيأيت بإذنــه تعــاىل مــن بعــدي مــن‬ ‫عاصمتــه إىل عاصمــة جديــدة‪ ،‬كــا حــدث يف مدينــة رس مــن‬
‫وكزمالئهــم املســترشقن‪ ،‬كانــت البيئــة التــي ختططهــا الســلطة‬ ‫كتلــك املوجــودة يف املــدن الرومانيــة‪ .‬بينــا يقــول املســترشق‬
‫يصحــح يل؛ وهكــذا تتطــور العلــوم‪ .‬لقــد حــاول الدكتــور‬ ‫رآى أو ســامراء يف العــراق بعــد أن قــرر اخلليفة املعتصــم (‪-218‬‬
‫املركزيــة أو مــن ينــوب عنهــا يف نظرهــم هــي البيئــة الناجحــة؛‬ ‫المينــس ‪ Lammens‬منتقــداً املــدن اإلســالمية األوىل‪« :‬إن‬
‫ال شــايل‬‫‪ )227‬الرحيــل إليهــا‪ ،‬وتــم بناؤهــا عــى بعــد ســبعن ميـ ً‬
‫العبــارات املختلفــة التــي اســتخدمها املؤرخــون العــرب‬
‫الشكل‬ ‫مدينــة بغــداد‪ .‬ومدينــة رقــادة التــي بناهــا األغالبــة عــى بعــد‬
‫‪12.5‬‬ ‫كاحلــرة والفســطاط والقــروان تقــرح صــورة غــر منظمــة‬
‫ســتة أميــال مــن مدينــة القــروان بتونــس‪ .‬والنــوع الثالــث هــو‬
‫ملدينــة ناميــة»‪ 27.‬فهــذه اآلراء مــؤرش القتنــاع الباحثــون مــن‬
‫األربطــة عــى الثغــور اإلســالمية كمدينــة الربــاط باملغــرب‪.‬‬
‫أن املدينــة لــن تكــون ناجحــة إال إذا خططتهــا ســلطة مركزية‪،‬‬
‫والنــوع الرابــع واألخــر هــو األمصــار‪ ،‬وميكــن تســمية‬
‫وبذلــك يكــون هبــا نــوع مــن التنظيــم‪ .‬وهــذا االقتنــاع أو‬
‫هــذا النــوع باملــدن العســكرية‪ ،‬وهــي املــدن التــي أنشــأها‬
‫هــذا اهليــكل الفكــري ‪ paradigm‬متأصــل يف أذهــان الكثــر‬
‫املســلمون األوائــل بعــد فتوحاهتــم مبــارشة كالكوفــة والبــرة‬
‫مــن الباحثــن‪ ،‬فهــو مســلم بــه‪ ،‬ولذلــك فهــو مصــدر تقوميهــم‬
‫يـوضح الشكل مسـقطاً أفقيـاً لوسط مـدينة‬ ‫يف العــراق والفســطاط مبــر والقــروان بتونــس‪ 25.‬أمــا املــدن‬
‫رومـا ‪ Forum Romanum‬أيـام الـدولـة‬ ‫ال اعتــربت مدينــة ناجحــة ألهنــا‬
‫للمســائل البيئيــة‪ .‬فبغــداد مث ـ ً‬ ‫ال قبــل اإلســالم والتــي فتحهــا املســلمون كدمشــق‪،‬‬ ‫املنشــأة أصـ ً‬
‫الـرومـانيـة كمثال لتخطيط الـسلطة املركـزية‪.‬‬ ‫خططــت وألن اخلليفــة العبــايس املنصــور أرشف عــى ختطيطها‪،‬‬
‫الحظ التنظيم اهلنديس رغم أن املوقع غر‬ ‫فتعتــرب تلقائيــة برغــم التخطيــط املســبق ملــن بنوهــا مــن غــر‬
‫فهــي دائريــة الشــكل‪ .‬فيقــول الســرن ‪ Lassner‬مقارنـاً ختطيــط‬
‫مـنتظم هنـدسياً إلحـاطة الـتالل به (املصدر‪:‬‬ ‫املســلمن‪ ،‬وذلــك ألن املســلمن غـ ّـروا املدينــة املخططــة لتشــبه‬
‫بغــداد باألمصــار‪« :‬إن منــاذج النمــو (العمــراين) واملتميــزة يف‬
‫‪Fletcher, B., A History of‬‬ ‫املــدن العشــوائية أو التلقائيــة كــا ســرنى‪ .‬ومل أحــاول هنــا‬
‫‪Architecture,1975 ,University of London‬‬ ‫املــدن العســكرية كالبــرة والكوفــة متــت برعــة ودون‬
‫تغيــر كلمــة «تلقائيــة» أو «عشــوائية» ‪ spontaneous‬برغــم‬
‫صـ ‪.)273‬‬ ‫أي إدراك حقيقــي للعنــارص األساســية لتخطيــط املــدن»‪.‬‬
‫كراهيتــي هلــا‪ .‬فهــي تشــر إىل الغوغائيــة وعــدم االنضبــاط‬
‫أمــا املســترشق كوبيــاك ‪ kubiak‬فيقــول بعــد وصفــه للقبائــل‬
‫مــن قبــل الســاكنن‪ .‬وأرجــو منــك أن تقبــل هــذه الرمجــة مؤقتـاً‬
‫العربيــة التــي خرجــت مــن اجلزيــرة وفتحــت موقــع الفســطاط‬
‫حتــى تتضــح الصــورة أكــر يف الفصــول القادمــة‪.‬‬

‫‪175‬‬ ‫‪174‬‬
‫هــو الفريــق الــذي سيشــغل املوقــع‪ ،‬وبالتأكيــد هــو الفريــق‬ ‫للوصــول للمعــى الصحيــح ســأمر عــى االســتخدامات‬ ‫غرهــا؛ فــإذا كان تواجــد األعيــان يف املــدن املخططــة تواجــداً‬ ‫اجلنــايب يف بحثــه القيــم عــن ختطيــط مدينــة الكوفــة أن يثبــت‬
‫الــذي يعــود إليــه الضمــر يف الفعــل املشــتق مــن خطــط‪.‬‬ ‫ال بذلــك أن‬ ‫املختلفــة للمؤرخــن ملشــتقات الكلمــة مؤمــ ً‬ ‫ال‪ ،‬فمــن املنطقــي أن يكــون تواجــد األعيــان يف املــدن‬ ‫مســتق ً‬ ‫أن الكوفــة قــد خططــت‪ .‬فالنتيجــة النهائيــة‪ ،‬وكــا هــو ظاهــر‬
‫ـي كل اســتخدام الضــوء بزاويــة خمتلفــة لتوضيــح املعــى‪:‬‬ ‫ُيلقـ َ‬
‫ال أيضــا‪ .‬وهبــذا نختــر الطريــق‪30.‬‬ ‫التلقائيــة تواجــداً مســتق ً‬ ‫بالشــكل ‪ ،13.5‬تبــن أن املناهــج والطــرق مســتقيمة ومتعامــدة‪،‬‬
‫والفائــدة األهــم مــن تعريــف ابــن منظــور لكلمــة خطــة‬
‫إن كلمــة خطــط هــي األصــل ملجموعتــن مــن املشــتقات‬ ‫فعوضــاً عــن دراســة كل مدينــة إســالمية خمططــة بالتفصيــل‪،‬‬ ‫وأن القطائــع التــي أقطعــت للقبائــل متقاربــة يف املســاحات مــع‬
‫هــي أن عمليــة البنــاء تتبــع القــرارات املتعلقــة بفعــل االختطاط‬
‫ِ‬ ‫ــط ومشــتقاته‬ ‫خ ّ‬ ‫التــي تتعلــق بالبيئــة‪ :‬مهــا الفعــل املــايض َ‬ ‫ال عــى حركيــة البيئــة عمومــاً مثــل دراســة‬ ‫أقــرح الركيــز أو ً‬ ‫وجــود مركــز للمدينــة حيــوي الوظائــف املدنيــة كاملســجد ودار‬
‫«واخلطّــة بكــر اخلــاء هــي األرض‬ ‫مبــارشة‪ .‬فيقــول اجلوهــري‪:‬‬
‫كاختطــوا وخطــوا وخطــا وهــو القيــام بعمــل مــا‪ ،‬واالســم‬ ‫املصطلحــات املســتخدمة يف بنــاء املــدن؛ ثــم بعــد ذلــك نركــز‬ ‫اإلمــارة ومــا إىل ذلــك مــن تفصيــالت توحــي بتخطيــط مســبق‬
‫التــي ُيعلّــم عليهــا الرجــل عالمــة بخــط يــدل عــى اختيــار‬ ‫كخطّتهــم ِ‬ ‫ِخطّــة ومشــتقاهتا ِ‬
‫املعلِّــم (أي الفريــق الفاعــل) بنــاء املوضــع املعلَّــم واحتيــازه»‪35.‬‬ ‫وخطّتــه‪ ،‬وهــو املوقــع الــذي وقــع‬ ‫عــى مدينتــي الكوفــة وبغــداد‪ ،‬لتمثيلهــا ملدينتــن قيــل أهنــا‬ ‫للمدينــة‪ .‬وســرنى بــأن هــذا ليــس هــو احلــال‪ ،‬فليس بالــرورة‬
‫عليــه العمــل أو الفعــل‪ .‬ففــي لســان العــرب البــن منظــور‪:‬‬ ‫خمططتــن ولكــن بدرجتــن خمتلفتــن مــن املركزيــة؛ فبغــداد‬ ‫أن تكــون البيئــة خمططــة لتكــون بيئــة ناجحــة‪29.‬‬
‫فأغلــب النصــوص التــي مــررت عليهــا ككتابــات البــالذري (ت‬
‫ـط‪ :‬الطريقــة املســتطيلة يف الــيء ‪ ...‬واخلــط الطريــق ‪...‬‬ ‫«اخلَـ ُّ‬ ‫أكــر مركزيــة يف التخطيــط والبنــاء مــن الكوفــة‪.‬‬
‫‪ )279‬والطــربي (ت ‪ )310‬وأبــو يوســف (ت ‪ )182‬والســمهودي‬
‫ـط يف األرض إذا كان‬ ‫خيـ ُّ‬
‫والتخطيــط التســطر ‪...‬ويقــال‪ :‬فــالن ُ‬
‫(ت ‪ )911‬واليعقــويب (ت بعــد ‪ )292‬واملقريــزي (‪ )845‬تشــر‬
‫يفكــر يف أمــره ويدبــره ‪ .»...‬قــد نســتنتج مــن هــذه التعريفــات‬ ‫الشكل‬
‫أو تــدل مبــارشة عــى تتابــع هذيــن الفعلــن‪ ،‬أي التعليــم عــى‬
‫ـط خطوطـاً قــد تكــون مســتقيمة‪ ،‬أو أنه يرســم‬ ‫خيـ ّ‬
‫أن فريقـاً مــا ُ‬
‫املصطلحات‬ ‫‪13.5‬‬
‫األرض ثــم البنــاء عليهــا‪ 36.‬فيذكــر الســمهودي قــول العبــاس‬
‫أشــياء مســتطيلة ولكــن بنــوع مــن التفكــر والتدبــر لنفســه‪.‬‬ ‫ـر َق‬
‫رسعــان مــا يتضــح لباحــث املدينــة اإلســالمية أن ال َفـ ْ‬
‫يف حادثــة خــالف العبــاس مــع أمــر املؤمنــن عمــر ريض اللــه‬
‫ولكــن املهــم هــو الســيطرة املتمثلــة يف اســتخدام ابــن منظــور‬ ‫ــط وأقطــع واحتجــر وأحيــا هــي‬ ‫خ َت ّ‬‫بــن معــى كل مــن ا ْ‬
‫عنــه فيقــول‪« :‬فتكلــم العبــاس فقــال‪ :‬هــذه ِخطّــة خطهــا يل‬
‫لــكل مــن «احتــاز» و «جــدار» و «حظــر» يف تعريفــه التــايل‬ ‫ـون املــدن‪ .‬وكــا هــو معــروف‬ ‫املفتــاح حلركيــة البيئــة يف تكـ ّ‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وابتني ُتهــا وبناهــا رســول‬ ‫ـط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واخلطّــة‪ :‬األرض تنــزل مــن غــر أن‬ ‫«واخلـ ُّ‬ ‫للخطّــة إذ يقــول‪:‬‬ ‫للناطقــن بالعربيــة‪ ،‬فهنــاك الكثــر مــن الكلــات املشــتقة‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم معــي ‪ 37.»...‬ويقــول البــالذري‬
‫خط ـاً واختطّهــا‪:‬‬ ‫خطّهــا لنفســه َ‬
‫ينزهلــا نــازل قبــل ذلــك‪ .‬وقــد َ‬ ‫التــي ختتلــف يف معانيهــا عــن الكلمــة األصليــة الـ ـ ُم ْش َت ّق منهــا‬
‫يف وصــف متصــر البــرة‪ ...« :‬ثــم ان النــاس اختطــوا وبنــوا‬
‫احتازهــا‬ ‫وهــو أن ُي َعلِّــم عليهــا عالمــة باخلـ ّ‬
‫ـط ل ُيعلــم أنــه قــد ْ‬ ‫االســم أو الفعــل‪ .‬ورغــم تشــابه األلفــاظ‪ ،‬إال أن املعــى الدقيــق‬
‫املنــازل ‪ 38.»...‬أمــا أبــو يوســف فيقــول يف االســتيطان يف‬
‫ــط فــالن‬‫خ َت ّ‬ ‫ليبنيهــا داراً‪ ،‬ومنــه ِخط ُ‬
‫َــط الكوفــة والبــرة‪ .‬وا ْ‬ ‫للكلمــة املشــتقة يتضــح مــن ســياق اجلملــة‪ .‬ولوضــوح املعــى‬
‫الكوفــة‪« :‬فاختــط النــاس الكوفــة ونزلوهــا»‪ 39.‬ومــن البدهــي‬ ‫ِ‬
‫حتجــر موضعــاً وخــط عليــه بجــدار‪ ،‬ومجعهــا‬ ‫خطّــة إذا ّ‬ ‫يف أذهــان أولئــك املســتخدمن هلــا يف املــايض مل يكرثــوا إىل‬
‫أن التعليــم عــى األرض مــا هــو إال جمموعــة مــن القــرارات‬ ‫َــط‪ .‬وكل مــا حظرتــه‪ ،‬فقــد خططــت عليــه‪ِ .‬‬ ‫ِ‬
‫واخلطّــة‪،‬‬ ‫اخلط ْ‬ ‫تدويــن اختالفهــا الدقيــق يف املعــى عــن الكلــات األخــرى‬
‫والتــي ستشــتمل بالتأكيــد عــى احلــدود اخلارجيــة للموقــع‪.‬‬
‫خي َتطّهــا الرجــل يف أرض غــر مملوكــة‬ ‫بالكــر‪ :‬األرض‪ .‬والــدار ْ‬ ‫املشــاهبة‪ .‬ومــع الزمــن تغــر املقصــود بالكلمــة املشــتقة لتغــر‬
‫إضافــة إىل رضورة تعاقــب الفعلــن (التعليــم والبنــاء)‬ ‫ليتحجرهــا ويبــي فيهــا‪ ،‬وذلــك إذا ِأذن الســلطان جلاعــة مــن‬ ‫ّ‬ ‫أحــوال االســتخدام‪ .‬وللوقــوف عــى املعــى الصحيــح للكلمــة‬
‫يف اســتخدام الفعــل خــط ومشــتقاته‪ ،‬فمــن تركيــب اجلمــل‬ ‫خي َتطّــوا الــدور يف موضــع بعينــه ويتخــذوا فيــه‬ ‫املســلمن أن ْ‬ ‫املشــتقة رجــع العلــاء املتأخــرون إىل أصــل الكلمــة‪ .‬وهنــا‬
‫الســابقة نالحــظ أن الفعــل‪ ،‬أو عمليــة االختطــاط والبنــاء‪،‬‬ ‫مســاكن هلــم كــا فعلــوا بالكوفــة والبــرة وبغــداد»‪ 32.‬مــن‬ ‫حــدث اخلطــأ‪ ،‬كالــذي حــدث يف الكلــات املشــتقة مــن‬ ‫هـذا الــرسم هــو خمطـط افرايض خمـيل ملنــاهج الكـوفـة وقـطائعها‬
‫هــي مــن عمــل الفريــق الــذي سيشــغل املوقــع أو اخلطــة‬ ‫ـط واالســم ِخطَّــة‪ .‬ولــرب مثــل واحــد‪:‬‬
‫مـن وضع الدكتور كـاظم اجلنايب‪ .‬الحـظ تعامد الطـرق وتـربيعـة‬
‫الواضــح مــن هــذا التعريــف‪ ،‬وبالــذات مــن اســتخدام لفــظ‬ ‫خـ ّ‬ ‫«خطــط» كالفعــل َ‬ ‫السـاحـات الـتي تتـوسـط القطـائع ذات املـسـاحـات املتـشـاهبـة‬
‫ال‪ ،‬أو مــن عمــل املســؤول عنهــا مبــارشة‪ ،‬أي الفريــق‬ ‫مســتقب ً‬ ‫«حظرتــه»‪ ،‬أنــه يعــي الســيطرة‪ .‬فحظــر مبعــى احلجــر يف‬ ‫يقــول املســترشق ِغســت أو ِجســت ‪« :Guest‬الظاهــر هــو أن‬ ‫مـوحيـة بـذلك بـوجـود نـوع من التخطيط قامت هبا جهة خارجية عن‬
‫ال‪« :‬ويف‬‫املســتوطن وليــس فريق ـاً خارجي ـاً‪ .‬ففــي اليعقــويب مث ـ ً‬ ‫اللغــة‪ ،‬وهــو خــالف اإلباحــة‪ ،‬واملحظــور هــو املحــرم؛ «وكل‬ ‫ِخطّــة تعــي فكــرة ال ّتعليــم (أي وضــع عالمــات أو رســم عــى‬ ‫الفرق املستوطنة‪.‬‬
‫هــذه الســنة نــزل املســلمون الكوفــة‪ ،‬واختطّــوا هبــا اخلطــط‪،‬‬ ‫مــا حــال بينــك وبــن يشء‪ ،‬فقــد حظــره عليــك ‪ .»...‬ومــن هنــا‬ ‫األرض ‪ )marking out‬بخطــوط‪ .‬ومعناهــا العــام هــي األرض‬
‫وبنــوا املنــازل»؛ ويف موضــع آخــر يقــول‪ ...« :‬ورجــع ســعد إىل‬ ‫إن دراســة مجيــع املــدن اإلســالمية أمــر مضــن ومســتهلك‬
‫تــأيت كلمــة حظــرة‪ :‬وهــي املــكان الــذي توضــع فيــه األنعــام‬ ‫تج ْز‪ .‬لذلــك‬ ‫املســكونة للمــرة األوىل أو املعســكر أو الـــ ُم ْح َ‬
‫الكوفــة‪ ،‬فاختــط مســجدها‪ ،‬وقــر إمارهتــا ‪ ...‬واختــط يزيــد‬ ‫ـاء عــى التقســيم‬
‫لوقــت موضوعنــا احلــايل؛ كــا أن دراســتها بنـ ً‬
‫حتــت تــرف الفريــق املســتخدم للمــكان‪ 33.‬فهــذه التعريفات‬ ‫فهــي (تعــي) موقــع مــن أي نــوع»‪ 31.‬مــن الواضــح بــأن هــذا‬
‫الســابق الــذي اقرحــه املســترشق جرونوبــوم أمــر ممكــن‪،‬‬
‫التعريــف خيلــط االســم ِخطّــة وهــو املوقــع‪ ،‬بالفعــل املــايض‬
‫بــن عبــد اللــه ناحيــة الربيــة‪ ،‬واختطــت بجلــة حولــه»‪40.‬‬
‫الســابقة البــن منظــور تقــرح أفــكاراً متعــددة مــن أمههــا أن‬
‫وســتتأكد هــذه الفكــرة أخــي القــارئ أكــر يف احلديــث عــن‬ ‫ال بالنســبة ملوضــوع املســؤولية‪ .‬فكيــف‬ ‫ولكــن قــد يكــون مم ـ ً‬
‫الفريــق الفاعــل أو املتــرف أو البــاين هــو الفريــق املتمتــع‬ ‫ــط‪ .‬فــا الفــرق بينهــا؟ إن ضيــاع املســترشقن يف هــذه‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫الفســطاط‪ .‬أمــا إذا مل يتعاقــب الفعــالن‪ ،‬أي التعليــم عى األرض‬ ‫العمــل؟ البــد مــن وســيلة الختصــار الطريــق‪ .‬فلقــد انتهــت‬
‫بحــق الســيطرة‪ .‬فقــد حــى «ابــن بــري عــن ابــن دريــد أنــه‬ ‫املســألة ليــس أمــر ًا مســتغرباً؛ فــال توجــد كلمــة يف اإلنجليزيــة‬
‫الالمركزيــة إىل بيئــة ذات أعيــان يف اإلذعــاين املتحــد كــا رأينــا‬
‫والبنــاء عليهــا‪ ،‬فــكان املؤرخــون يســتخدمون كلمــة «احتجر»‬ ‫خي َتطّــه لنفســه»‪ 34.‬كــا تشــر هــذه‬ ‫ـط للمــكان الــذي ْ‬ ‫يقــال ِخـ ُّ‬ ‫ـط»‪ ،‬وأقــرب‬ ‫خـ ّ‬ ‫تقابــل يف املعــى االســم ِ‬
‫«خطّــة» وال الفعــل « َ‬
‫يف الفصــل الثــاين‪ .‬وإذا تقبلنــا هــذه النتيجــة‪ ،‬فمــن املنطــق أن‬
‫ومشــتقاهتا‪ .‬ومتــى كان التعليــم عــى األرض مــن فعــل الســـلطة‬ ‫ـط‪ ،‬فقــد‬ ‫خـ ٍ‬
‫التعاريــف إىل أن التعليــم عــى األرض ليــس جمــرد َ‬ ‫كلمــة إنجليزيــة لالســم ِخطّــة هــي كلمــة ‪ territory‬مــع‬
‫اســتخدم املؤرخــون كلمــة إقطـــاع ومشــتقاهتا‪.‬‬ ‫هنتــم بدراســة املــدن املخططــة أكــر مــن اهتامنــا باملــدن‬
‫يكــون التعليــم باحلائــط‪ ،‬والــذي يقــوم هبــذا التعليــم يف الغالــب‬ ‫اختــالف يف احلركيــة‪.‬‬
‫التلقائيــة‪ ،‬وذلــك ألن املــدن املخططــة أكــر مركزيــة مــن‬

‫‪177‬‬ ‫‪176‬‬
‫فسأســتعن مبعلومــات مــن كل مــن البــرة والفســطاط لرســم‬ ‫ومــا شــابه لتعليــم احلــدود اخلارجيــة للموقــع وذلــك يف منطقــة‬ ‫ومــن اســتخدامات املؤرخــن لالختطــاط نســتنتج خاصية‬ ‫وهنــا ملحوظــة‪ :‬وهــي أن اســتخدامات تعابــر االختطــاط‬
‫هــذه الصــورة‪.‬‬ ‫معلومــة بــإذن الســلطان‪ .‬وفعــل االختطــاط هــو اخلطــوة األوىل‬ ‫أخــرى هــي أن االختطــاط يعــي تعليــم احلــدود اخلارجيــة‬ ‫ال تعــي اســتغناء الفريــق الســاكن عــن مســاعدة الفــرق‬
‫نحــو إعــار املوقــع‪ ،‬وال يعــي هــذا بالــرورة تعليــم التفاصيــل‬ ‫للموقــع وليــس بالــرورة تفاصيلهــا الداخليــة‪ .‬ففــي الراتيــب‬ ‫اخلارجيــة‪ 41.‬ففــي مجيــع االســتخدامات للفعــل خــط‪،‬‬
‫لقــد ُو ِجــدت الكوفــة يف الســنة الرابعــة (عــام ‪ )17‬مــن‬
‫الداخليــة املت ّممــة لإلعــار‪ .‬واالختطــاط كفعــل يوحــي لنــا‬ ‫اإلداريــة عــن جابــر بــن أســامة أنــه قــال‪« :‬لقيــت رســول اللــه‬ ‫وباســتثناء القليــل‪ ،‬نلحــظ أن الفريــق الســاكن هــو الــذي قــام‬
‫خالفــة عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪ .‬فبعــد أن كتــب‬
‫عمــر إىل ســعد بــن أيب وقــاص أن يتخــذ للمســلمن دار هجــرة‬ ‫بوجــود فريــق نشــط عامــل؛ وقــد يكــون هــذا الفريــق فــرداً‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم بالســوق يف أصحابــه فســألتهم أيــن‬ ‫بعمليــة التعليــم عــى األرض بنفســه ثــم البنــاء عليهــا‪ ،‬أي أنــه‬
‫أو عائلــة أو قبيلــة أو أيــة جمموعــة مــن النــاس تتــرف كفريق‬ ‫يريــد‪ ،‬قالــوا اختــذ لقومــك مســجدا؛ فرجعــت فــإذا قومــي‬ ‫املقــرر‪ 42.‬ويف كل األحــوال‪ ،‬ومــن تركيــب اجلملــة نســتنتج مــن‬
‫وقروانــاً نــزل املســلمون باألنبــار ثــم حتولــوا إىل املدائــن‪،‬‬
‫واحــد كأن يكونــوا أفــراداً ذوي مهنــة واحــدة كالنجاريــن أو‬ ‫فقالــوا خــط لنــا مســجداً وغــرز يف القبلــة خشــبة»‪ 46.‬مثــال‬ ‫هــو الفاعــل يف الفعــل خـ ّ‬
‫ـط‪ ،‬وبالتــايل نتمكــن مــن حتديد مــا إذا‬
‫وعندمــا كــر عليهــم البعــوض كتــب ســعد إىل عمــر أن النــاس‬
‫احلداديــن‪ .‬أمــا اخلطــة فهــي املوقــع املختــط والتــي قــد حتــوي‬ ‫آخــر هــو مــا ذكــره اليعقــويب‪« :‬ووىل أبــو العبــاس أبــا جعفــر‬ ‫كان الفريــق املســتوطن هــو متخــذ القــرار أم ال‪ .‬فعــى ســبيل‬
‫قــد تــأذوا‪ .‬ففــي روايــة الطــربي (ت ‪ )310‬أن عمــراً كتــب‬
‫خططــاً أصغــر منهــا تســيطر عليهــا فــرق مســتوطنة أصغــر‪.‬‬ ‫أخــاه اجلزيــرة‪ ،‬واملوصــل‪ ،‬والثغــور‪ ،‬وأرمينيــة‪ ،‬وأذربيجــان‪،‬‬ ‫املثــال يقــول البــالذري يف وصــف مســجد البــرة‪« :‬فيقــال‬
‫إليــه‪« :‬إن العــرب ال يوافقهــا إال مــا وافــق إبلهــا مــن البلــدان‪،‬‬
‫والفــرق بــن االختطــاط واإلحيــاء هــو يف إذن احلاكــم‪ :‬فاإلحياء‬ ‫فخــرج حتــى صــار إىل الرقــة‪ ،‬واختــط الرافقــة عــى شــط‬ ‫أنــه (واهلــاء هنــا ضمــر عائــد عــى الفاعــل) تــوىل اختطــاط‬
‫فلرتــادا‬
‫فابعــث ســلان رائــداً وحذيفــة ‪ -‬وكانــا رائــدا اجليــش ‪ْ -‬‬
‫ال يكــون بــإذن احلاكــم كاالختطــاط‪ ،‬بينــا الفــرق األســايس‬ ‫الفــرات‪ ،‬وهندســها لــه أدهــم بــن حمــرز ‪ ،»...‬فهــذا االســتخدام‬ ‫املســجد بيــده ‪43.»...‬‬
‫منــزال بريـاً بحريـاً‪ ،‬ليــس بيــي وبينكــم فيــه بحــر وال جــر‪،‬‬
‫بــن االختطــاط واإلقطــاع هــو يف تعيــن احلــدود‪ .‬فاالختطــاط‬ ‫لعبــارة «وهندســها لــه» تــدل عــى أن االختطــاط ال يعــي أن‬
‫‪ ...‬فبعــث ســعد حذيفــة وســلان‪ ،‬فخــرج ســلان حتــى يــأيت‬ ‫وبعــد هــذا العــرض يأيت الســؤال‪ :‬مــا الفــرق بــن اإلقطاع‬
‫يعــي أن الفريــق املذكــور يف اجلملــة هــو الــذي علــم احلــدود‪،‬‬ ‫الــذي اختــط املوقــع‪ ،‬وهــو أخــو املنصــور‪ ،‬اختــذ القــرارات‬
‫غــريب الفــرات ال يــرىض شــيئاً‪ ،‬حتــى أيت‬‫ّ‬ ‫األنبــار‪ ،‬فســار يف‬ ‫واالختطــاط؟ اإلقطــاع هــو إعطــاء موقــع معــن ذي حــدود‬
‫أمــا يف اإلقطــاع فــإن الفريــق الســاكن ُي ْعطَــى رقعــة مــن األرض‬ ‫داخــل اخلطــة‪ ،‬ولكــن الــذي قــام بذلــك هــو شــخص آخــر‬
‫رشقــي الفــرات ال يــرىض شــيئاً‬
‫ّ‬ ‫الكوفــة‪ .‬وخــرج حذيفــة يف‬ ‫خارجيــة حمــددة لفريــق مــا إلحيــاء ذلــك املوقــع‪ ،‬والـ ـ ُم ْق ِطع‬
‫معلمــة بحــدود وضعهــا فريــق خارجــي غــر ســاكن‪ .‬أي أن‬ ‫وهــو أدهــم بــن حمــرز‪47.‬‬
‫حتــى أىت الكوفــة‪ ... ،‬فأعجبتهــا البقعــة»‪ .‬ويف البــالذري‪« :‬إن‬ ‫كــا رأينــا يف الفصــل الثــاين هــو احلاكــم أو الســلطة املركزيــة؛‬
‫العالقــة الوحيــدة بــن الســلطة والفريــق املختــط هــي إذن‬
‫عبــد املســيح بــن بقيلــة أىت ســعداً وقــال لــه أدلــك عــى أرض‬ ‫ومــن الســهولة أيضــاً التعــرف عــى حجــم الفريــق‬ ‫بينــا االختطــاط هــو قيــام الفريــق املســتوطن بتعليــم األرض‬
‫الســلطة للفريــق الســاكن باالختطــاط‪ .‬أمــا االحتجــار فهــو‬
‫انحــدرت عــن الفــالة وارتفعــت عــن املبــاق فدلــه عــى موضــع‬ ‫املســتوطن مــن مشــتقات الفعــل يف اجلملة التــي ذكرهــا املؤرخ‪.‬‬ ‫بنفســه ويف حــدود منطقــة معينــة ومبوافقــة احلاكــم‪ .‬فالفريــق‬
‫تعليــم أرض مــن املــوات‪ ،‬ودون إذن الســلطان‪ ،‬ويف غــر موضــع‬
‫الكوفــة اليــوم»‪ 51.‬ووىل ســعد االختطــاط أليب اهليــاج عــى أن‬ ‫فخــط أو اختــط تــدل عــى أن الفريــق الفاعــل شــخص مذكــر‬ ‫املســتوطن يف االختطــاط هــو الــذي يقــرر احلــدود اخلارجيــة‬
‫حددتــه الســلطة كــا يف االختطــاط واالحتجــار وهــو اخلطــوة‬
‫يتبــع مــا جــاء يف كتــاب اخلليفــة عمــر يف الطــرق‪ ،‬حيــث «أنــه‬ ‫ال‪ ،‬وخطــت أو اختطــت تــدل عــى أهنــا أنثــى‬ ‫ـر ِّب منــزل مثـ ً‬
‫كـ َ‬ ‫وليــس احلاكــم كــا يف اإلقطــاع‪ .‬والفــرق الثــاين بــن اإلقطــاع‬
‫األوىل لإلحيــاء‪ .‬وباســتطاعة فريــق آخــر إحيــاء الرقعــة مــن‬
‫أمــر باملناهــج أربعــن ذراع ـاً‪ ،‬ومــا يليهــا ثالثــن ذراع ـاً‪ ،‬ومــا‬ ‫واحــدة‪ ،‬وخطــوا أو اختطــوا تــدل عــى مجاعــة واحــدة كقبيلــة‬ ‫واالختطــاط هــو أن الــ ُم ْقطَع لــه األرض غــر مطالــب بإحيــاء‬
‫املــوات التــي حتجــر عليهــا فريــق مــا؛ أمــا يف االختطــاط فهــذا‬
‫بــن ذلــك عرشيــن‪ ،‬وباألزقــة ســبع أذرع‪ ،‬ليــس دون ذلك يشء‪،‬‬ ‫أو جمموعــة أقــارب كفريــق واحــد‪ .‬ونفــس الفكــرة تنطبــق‬ ‫األرض مبــارشة بعــد اإلقطــاع‪ ،‬ولكــن خــالل مــدة حمــددة‬
‫ال يكــون ألن الفريــق املختــط ســيعمرها مبــارشة‪ .‬وبذلــك‬
‫ويف القطائــع ســتن ذراع ـاً إال الــذي لبــي ضبــة‪ .‬فاجتمــع أهــل‬ ‫ال‬
‫عــى حجــم املوقــع‪ .‬ففــي ســياق احلديــث عــن قبيلــة مثــ ً‬ ‫كثــالث ســنوات؛ أمــا الفريــق املختــط فعليــه إحيــاء األرض‬
‫تكــون اخلطــة عقــاراً يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬واالختطــاط هــو‬
‫الــرأي للتقديــر؛ حتــى إذا أقامــوا عــى يشء قســم أبــو اهليــاج‬ ‫سيشــر االســم «خطتهــم» إىل حــي أو حــارة‪ ،‬وعنــد احلديــث‬ ‫بعــد تعليمهــا مبــارشة‪ .‬وبذلــك فــإن االختطــاط ينتهــي بالعقــار‬
‫فعــل سـ ُي ِ‬
‫وج ُد عقــاراً يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬وهــذه االســتنتاجات‬ ‫عــن فــرد باســتخدام اللفــظ ِ‬
‫ـط بالكوفــة و ُبــي حــن عزمــوا عــى البناء‬ ‫خـ ّ‬
‫عليــه؛ فــأول يشء ُ‬ ‫«خطّتــه» سيســتنتج القــارئ أن‬ ‫إىل اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬أمــا اإلقطــاع فيــؤدي إليــه ولكــن ليــس‬
‫ـون الكوفــة‪ .‬هــل رأيــت أخــي‬ ‫ســتتأكد أكــر يف دراســة تكـ ّ‬
‫املســجد»‪« 52.‬فلــا انتهــى (أي ســعد) إىل موضــع مســجدها‬ ‫ال أو ربعـاً‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ومــن هــذا‬ ‫اخلطــة قــد تكــون دارا أو منــز ً‬ ‫يف احلــال‪ .‬هــذان الفرقــان بــن اإلقطــاع واالختطــاط يتجليــان‬
‫القــارئ ســمو اللغــة العربيــة يف عــارة األرض؟‬
‫ال فعــآل بســهم قبــل مهــب القبلــة فأعلــم عــى موقعــه‪،‬‬ ‫أمــر رجـ ً‬ ‫نســتنتج أيض ـاً أن اخلطــة قــد تكــون جــزءاً مــن خطــة أخــرى‬ ‫بوضــوح يف اســتخدام املؤرخــن هلــا يف وصــف املــدن‬
‫ثــم عــآل بســهم آخــر قبــل مهــب الشــال وأعلــم عــى موقعــه‪،‬‬ ‫أكــرب منهــا‪ .‬فالقبيلــة هلــا خطــة‪ ،‬وهــذه اخلطــة حتــوي خطط ـاً‬ ‫خــط ومشــتقاهتا يف‬ ‫ّ‬ ‫اإلســالمية‪ .‬فلقــد اســتخدم املؤرخــون‬
‫ثــم عــآل بســهم قبــل مهــب اجلنــوب وأعلــم عــى موقعــه‪ ،‬ثــم‬ ‫الكوفة‬ ‫أخــرى جلاعــات داخــل القبيلــة كاألحيــاء‪ ،‬وتلــك اخلطــط أو‬ ‫وصــف القــروان والكوفــة والبــرة والفســطاط؛ أمــا أقطــع‬
‫عــآل بســهم قبــل مهــب الصبــا (الــرشق) فأعلــم عــى موقعــه‪،‬‬ ‫األحيــاء بدورهــا حتــوي خططــاً أصغــر ألفــراد كاملنــازل‪48.‬‬ ‫ومشــتقاهتا فقــد اســتخدمت يف وصــف املــدن األكــر مركزيــة‬
‫ثــم وضــع مســجدها ودار أمارهتــا يف مقــام العــايل ومــا حولــه»‪.‬‬ ‫لقــد وصــف كثــر مــن املؤرخــن اســتيطان املســلمن‬ ‫وهبــذا يكــون فريــق كل خطــة هــو أكــرب فريــق ســاكن‪،‬‬ ‫كبغــداد ورس مــن رآى‪ 44.‬وهبــذا يكــون الفــرق بــن اإلقطــاع‬
‫‪ 53‬وهبــذا شــكلت الرقعــة بــن مواقــع ســقوط األســهم صحن ـاً‬ ‫بالكوفــة منهــم الطــربي والبــالذري وابــن األثــر واليعقــويب‪.‬‬ ‫أي الفريــق املســتوطن‪ .‬ففــي خطــة القبيلــة نجــد أن الفريــق‬ ‫َــرر الفريــق بنفســه‬ ‫واالختطــاط يف حركيــة البيئــة‪ :‬فــإذا ق ّ‬
‫قــد يكــون مربع ـاً يف وســطه املســجد‪ .‬ثــم أمــر ســعد مــن أراد‬ ‫وباإلضافــة إىل هــؤالء وغرهــم‪ ،‬فقــد ك ُِتبــت أبحــاث معــارصة‬ ‫املســيطر هــو القبيلــة بأرسهــا‪ ،‬ويف حالــة املنــزل نجــد أنــه رب‬ ‫لنفســه فهــو اختطــاط‪ ،‬ســواء كان الفريــق فــرداً أو حاك ـاً؛‬
‫عــن ختطيــط الكوفــة بالرجــوع إىل أولئــك املؤرخــن‪50.‬‬
‫البنــاء أن يبــي خلــف هــذا الصحــن‪« .‬وأعلمــوا عــى الصحــن‬ ‫املنــزل أو العائلــة بأرسهــا‪ ،‬وهكــذا (الشــكل ‪ 14،5‬صـــ ‪.)189‬‬ ‫ـر َر لــه فهــو إقطــاع‪ .‬وهــذا الفــرق واضــح مــن وصــف‬ ‫أمــا إذا ُقـ ِّ‬
‫بخنــدق لئــال يقتحمــه أحــد ببنيــان ‪ ...‬وهنــج يف الودعــة مــن‬ ‫واملعلومــات التــي وصلتنــا عــن ختطيــط الكوفــة كافيــة لرســم‬ ‫أي أن االختطــاط هــو أساس ـاً حيــازة مــكان مــا‪49.‬‬ ‫اليعقــويب لبنــاء املعتصــم ســنة ‪ 220‬للقاطــول حيــث يقــول‪:‬‬
‫الصحــن مخســة مناهــج‪ ،‬ويف قبلتــه أربعــة مناهــج‪ ،‬ويف رشق ّيــه‬ ‫صــورة مقبولــة عــن حجــم املدينــة ومواقــع عنارصهــا األساســية‬ ‫«فاختــط موضــع املدينــة التــي بناهــا‪ ،‬وأقطــع النــاس املقاطــع‪،‬‬
‫كاملســجد والســوق ومــا شــابه‪ ،‬إال أهنــا ال تكفــي لرســم صــورة‬ ‫وللتلخيــص أقــول‪ :‬االختطــاط يف املــدن اإلســالمية األوىل‬
‫ثالثــة مناهــج‪ ،‬ويف غربيــه ثالثــة مناهــج وعلّمهــا»‪54.‬‬ ‫وجــد يف البنــاء حتــى بــى النــاس القصــور والــدور‪ ،‬وقامــت‬
‫ّ‬ ‫كان يعــي حيــازة أكــرب فريــق ســاكن أو الفريــق املســتوطن‬
‫أوضــح عــن النــاذج اإلذعانيــة يف ذلــك الوقــت‪ .‬لذلــك‬ ‫األســواق‪ ،‬ثــم ارحتــل مــن القاطــول إىل رس مــن رأى»‪45.‬‬
‫ملوقــع مــا‪ ،‬وذلــك بالتعليــم بخطــوط أو حوائــط أو أشــواك‬

‫‪179‬‬ ‫‪178‬‬
‫القبائــل حــازت مواضعهــا بنفســها‪ .‬فــإذا كانــت اخلطــط قــد‬ ‫خطــة لقبيلــة أو بطــن؛ وتبعــد هــذه اخلطــة عــن اخلطــط‬ ‫أي بعــد ســت ســنوات مــن وفاتــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬ ‫بالنســبة حلركيــة البيئــة‪ ،‬ومــن الــرشح الســابق‪ ،‬نســتنتج‬
‫خطّطــت فــا كان عــى هــؤالء األربعــة إال إشــعار رؤســاء‬ ‫ُ‬ ‫املجــاورة مبســافات كبــرة‪ .‬أي كأن مســاكن اخلطــط جــزر‬ ‫كانــوا كثريــن يف العــدد‪ .‬أمــا اجلملــة األخــرة فتشــر إىل أن‬ ‫أن أول قــرار اختــذه ســعد هــو اختيــار موقــع الكوفــة وذلــك‬
‫اجلاعــات أو القبائــل مبواضــع خططهــم‪ ،‬وبذلــك تنعــدم‬ ‫متباعــدة مفصولــة بــأراض غــر مأهولــة‪ .‬وهبــذا فــإن األرايض‬ ‫تعليــم اخلطــط وقــرارات تشــكيل املدينــة كانــت مــن نصيــب‬ ‫باتبــاع أمــر اخلليفــة بــأن ال يكــون بينهــا بحــر أو هنــر‪ .‬ورغــم‬
‫املنافســة بــن القبائــل‪ .‬ولتوضيــح الصــورة أكــر لرنكــز اآلن‬ ‫الفضــاء تفــوق األرايض املبنيــة كثــراً‪ 62.‬ومــا ســأوضحه اآلن‬ ‫الســكان‪ ،‬هــذا إذا مل يؤثّــروا عــى تلــك القــرارات كــا هــو‬ ‫أن ســعداً كانــت لديــه املقــدرة عــى اختــاذ القــرار بنفســه‪ ،‬إال‬
‫عــى اخلطــط نفســها‪.‬‬ ‫قــد يتعــارض مــع بعــض االســتنتاجات الثالثــة الســابقة‪ ،‬ألنــه‬ ‫واضــح مــن عبــارة «اتفقــوا عليــه»‪ 57.‬ومــن هــذه النصــوص‬ ‫أنــه اســتعان بغــره واستشــارهم‪ .‬أمــا املجموعــة الثانيــة مــن‬
‫يركــز عــى حركيــة البيئــة‪.‬‬ ‫نســتنتج أن الذيــن علّمــوا اخلطــط هــم الســكان‪ .‬فــإذا مل يكــن‬ ‫القــرارات‪ ،‬كموقــع املســجد ودار ســعد والســوق وتربيعــة‬
‫لقــد حــر املســترشق ِجســت عدد اخلطــط يف الفســطاط‬
‫الوضــع كذلــك لوضــح هــذا مــن النــص كــا يف املثــال التــايل‪:‬‬ ‫الصحــن‪ ،‬فقــد اختــذه ســعد مــع أبــو اهليــاج وعمــرو بــن مالــك‬
‫وقــت متصرهــا بتســع وأربعــن خطــة؛ وتنســب مجيعهــا إىل‬ ‫ـل‬‫الظاهــر هــو أن مبــدأ األســبقية املطبــق يف اإلحيــاء ُع ِمـ َ‬
‫يقــول البــالذري يف قــوم أســلموا وأتــوا إىل البــرة وســكنوا‬ ‫وغرهــم مــن أهــل الــرأي‪ .‬مــن هــذا يتضــح أن ســكان الكوفــة‬
‫القبائــل التــي تســكنها أو إىل رئيــس القبيلــة أو اجلاعــة إال‬ ‫بــه يف االختطــاط‪ ،‬فالســابق إىل موضــع كان أحــق بــه مــن غره‪.‬‬
‫خطّــت هلــم خططهــم فنزلــوا وحفــروا هنرهــم‪ ،‬وهــو‬ ‫هبــا‪« :‬ثــم ُ‬ ‫مل يتدخلــوا يف هــذه القــرارات بعــد‪.‬‬
‫أربــع خطــط‪ .‬وقــد وصــف املقريــزي منهــا مواقــع وســكان‬ ‫وهــذا واضــح مــن اختطــاط قيســبة بــن كلثــوم ملوضــع اختــر‬
‫خطّــت» هنــا تــدل عــى‬ ‫‪58‬‬
‫يعــرف بنهــر األســاورة»‪ .‬وكلمــة « ُ‬
‫إحــدى وعرشيــن خطــة‪ 65.‬وباســتثناء اخلطــط األربــع‪ ،‬فــإن‬ ‫فيــا بعــد ليكــون موضــع اجلامــع العتيــق أو جامــع عمــرو بــن‬ ‫كانــت القبائــل قبــل ظهــور اإلســالم هــي العمــود الفقري‬
‫أن فريقــاً خارجيــاً خــط لألســاورة خطتهــم‪.‬‬
‫وصــف املقريــزي يؤكــد أن الســكان هــم الذيــن قــرروا‬ ‫العــاص‪ .‬فيقــول املقريــزي (ت ‪ )845‬واصفــاً‪ :‬اختيــار موقــع‬ ‫للبنيــة االجتاعيــة عنــد العــرب‪ .‬فقــد كانــت القبيلــة وحــدة‬
‫مواضــع وحــدود خططهــم‪ ،‬وأن اخلطــط مل تســتخدم كوحــدة‬ ‫املســجد اجلامــع‪« :‬فلــا أمجــع املســلمون وعمــرو بــن العــاص‬ ‫أمــا بالنســبة للفســطاط‪ ،‬والتــي أنشــأها عمــرو بــن‬ ‫سياســية واقتصاديــة واجتاعيــة‪ .‬والظاهــر أن هــذه الفكــرة‬
‫ختطيطيــة‪ ،‬فالقبيلــة مل تك ّيــف نفســها بالتقلــص والتمــدد يف‬ ‫عــى حصــار احلصــن‪ ،‬نظــر قيســبة بــن كلثــوم فــرآى جنانــاً‬ ‫العــاص ســنة ‪ 20‬أو ‪ 21‬فهنــاك ثالثــة اســتنتاجات خمتلفــة‬ ‫حظيــت بنــوع مــن االســتمرارية بعــد ظهــور اإلســالم‪ .‬لذلــك‬
‫العــدد لتالئــم مســاحة اخلطــة املقــررة ‪ standard size‬املعطــاة‬ ‫فعــرج إليهــا يف أهلــه وعبيــده فنــزل‬ ‫ّ‬ ‫تقــرب مــن احلصــن‪،‬‬ ‫بشــأن اخلطــة ودورهــا يف متصــر الفســطاط‪ 59.‬االســتنتاج األول‬ ‫كان هلــذه الوحــدة دور مؤثــر يف االســتيطان يف الكوفــة‪.‬‬
‫هلــا؛ ولكــن الــذي حدث هــو أن اخلطــط اختلفت يف املســاحات‬ ‫ورضب فيهــا فســطاطه وأقــام فيهــا طــول حصارهــم احلصــن‬ ‫للدكتــور صالــح اهلذلــول الــذي يقــول إن اخلطــة اســتخدمت‬ ‫فكانــت كل قبيلــة تعــرف بخطتهــا‪ .‬وبالتــايل يــأيت الســؤال‪ :‬هل‬
‫لتناســب األحجــام املختلفــة للقبائــل‪ .‬كــا أن تركيــب اجلُمــل‬ ‫حتــى فتحــه اللــه عليهــم‪ .‬ثــم خــرج قيســبة مــع عمــرو إىل‬ ‫كوحــدة ختطيطيــة؛ أي أن الســلطات علّمــت خططـاً متســاوية‬ ‫قامــت القبائــل‪ ،‬كل عــى حــده‪ ،‬باختيــار موقــع خطتهــا وتعليــم‬
‫مــن نصــوص املؤرخــن تؤكــد اختــاذ القبائــل لقــرارات اختيــار‬ ‫اإلســكندرية وخلــف أهلــه فيهــا‪ ،‬ثــم فتــح اللــه عليهــم‬ ‫ووزعتهــا عــى القبائــل‪ .‬وبذلــك كان عــى القبيلــة أن تك ّيــف‬ ‫يــت مواقــع حمــددة‬ ‫حدودهــا اخلارجيــة؛ أم أن القبائــل أُ ْع ِط ْ‬
‫املوقــع وتعليــم احلــدود‪ .‬فعــى ســبيل املثــال يقــول املقريــزي‬ ‫اإلســكندرية وعــاد قيســبة إىل منزلــه هــذا فنزلــه‪ .‬واختــط‬ ‫نفســها مــع مســاحة اخلطــة املعطــاة هلــا وذلــك لالختــالف‬ ‫ــد ْت حــدود اخلطــة باالتفــاق مــع القبائــل املجــاورة؟‬ ‫ثــم ُو ِج َ‬
‫واصفـاً خطــة خلــم‪« :‬فابتــدأت خلــم بخطتهــا مــن الــذي انتهــت‬ ‫عمــرو بــن العــاص داره مقابــل تلــك اجلنــان التــي نزهلــا قيســبة‪.‬‬ ‫األكيــد يف عــدد األفــراد بــن القبائــل املختلفــة‪ .‬أي أن القبائــل‬ ‫تكون‬
‫ال مــن ّ‬ ‫لإلجابــة عــى هــذا الســؤال البــد مــن االســتفادة أو ً‬
‫إليــه خطــة الرايــة وأصعــدت ذات الشــال»؛ ويقــول يف خطــة‬ ‫وتشــاور املســلمون أيــن يكــون املســجد اجلامــع؟ فــرأوا أن‬ ‫مل ختــر موقــع اخلطــة ومل تعلــم حدودهــا اخلارجيــة‪ ،‬وهبــذا‬ ‫كل مــن البــرة والفســطاط وذلــك لوجــود تشــابه كبــر بينهــا‬
‫الفارســين وهــم مجاعــة أســلموا بالشــام ورغبــوا يف اجلهــاد‬ ‫يكــون منــزل قيســبة‪ .‬فســأله عمــرو فيــه‪ ،‬وقــال أنــا أختــط‬ ‫فهنــاك نــوع مــن التنظيــم واملركزيــة‪ 60.‬واالســتنتاج الثــاين‬ ‫وبــن الكوفــة‪ ،‬ثــم نعــود إىل الكوفــة‪55.‬‬

‫ونفــروا مــع عمــرو إىل مــر‪« :‬فاختطــوا هبــا وأخــذوا يف ســفح‬ ‫لــك يــا أبــا عبــد الرمحــن حيــث أحببــت‪ .‬فقــال قيســبة‪ :‬لقــد‬ ‫ينــص عــى أن القبائــل هــي التــي قامــت بــكل يشء‪ ،‬وبالتــايل‬
‫وجــدت البــرة عــى يــد عتبــة بــن غــزوان يف الســنة‬
‫اجلبــل الــذي يقــال لــه جبــل بــاب البــون»‪ 66.‬وهــذه النصــوص‬ ‫علمتــم يــا معــارش املســلمن أين حــزت هــذا املنــزل وملكتــه‬ ‫عمــت الفــوىض الفســطاط‪ 61.‬وأمــا الثالــث فهــو بــن االثنــن‪.‬‬
‫الســابعة عــرش بعــد اهلجــرة‪ .‬وال يوجــد دليــل ممــا كتبــه‬
‫تشــر إىل أن بعــض القبائــل متتعــت مبواضــع أفضــل مــن غرهــا‬ ‫ـدق بــه عــى املســلمن‪ .‬وارحتــل فنــزل مــع قومــه بــي‬ ‫وإين أتصـ ّ‬ ‫وذلــك ألنــه يســتند إىل أن موقــع الفســطاط كان حصنـاً حــارصه‬
‫املؤرخــون عــى تدخــل الســلطة يف عمليــة االختطــاط‪ .‬فيقــول‬
‫ألهنــا األســبق يف االســتيطان‪ .‬فســبب نــزول بــي وائــل والقبــض‬ ‫ســوم واختــط فيهــم ‪ .»...‬فهــذا دليــل عــى أن حتــى القائــد‬
‫‪63‬‬ ‫املســلمون ثــم اســتوطنوا فيــه‪ .‬فيســتنتج املســترشق كوبيــاك أن‬
‫ال‪« :‬ثــم إن النــاس اختطــوا وبنــوا املنــازل»‪ .‬فهنــا‬
‫البــالذري مثـ ً‬
‫وريــة وراشــدة يف خططهــم كــا يقــول املقريــزي هــو‪« :‬أهنــم‬ ‫ال يســتطيع أخــذ مــا اختطتــه القبيلــة أو شــيخها‪ .‬ومــن ناحيــة‬ ‫النــزالء مــن املجاهديــن يف املوقــع عنــد حصارهــم اســتوطنوا‬
‫إشــارة مــن العبــارة‪ ،‬ومــن تعريــف اخلطــة‪ ،‬أن الســكان هــم‬
‫كانــوا مــن طوالــع عمــرو بــن العــاص فنزلــوا يف مقدمــة النــاس‬ ‫أخــرى يقــول القضاعــي واصفــاً االســتيطان بالفســطاط‪:‬‬ ‫بطريقــة تعكــس مكانتهــم العســكرية‪ ،‬متام ـاً كــا تســتوطن‬
‫املقــررون خلططهــم‪ .‬ويقــول املــاوردي موضحـاً‪« :‬وقــد مرت‬
‫وحــازوا هــذه املواضــع قبــل الفتــح»‪ 67.‬ومــن الطريــف أن‬ ‫«وملــا رجــع عمــرو مــن اإلســكندرية ونــزل موضــع فســطاطه‬ ‫القبيلــة حــول خيمــة شــيخها‪ ،‬كأن يســكن بطــن أو فخــذ معــن‬
‫الصحابــة ريض اللــه عنهــم البــرة عــى عهــد عمــر ريض اللــه‬
‫نذكــر متتــع قبيلــة بخطتــن يف موضعــن منفصلــن يف وقــت‬ ‫انضمــت القبائــل بعضهــا إىل بعــض وتنافســوا يف املواضــع‪ ،‬فــوىل‬ ‫مــن القبيلــة أمــام خيمــة الشــيخ‪ ،‬وفخــذ آخر عــن ميينــه‪ ،‬وثالث‬
‫عنــه وجعلوهــا خططـاً لقبائــل أهلهــا‪ ،‬فجعلــوا عــرض شــارعها‬
‫واحــد‪ ،‬إحدامهــا لســكناهم واألخــرى ملربــط خيلهــم‪ .‬فقبيلــة‬ ‫عمــرو عــى اخلطــط معاويــة بــن خديــج التجيبــي ‪( ...‬وثالثــة‬ ‫بنــاء عــى الرتيــب القبــي الناتــج مــن‬ ‫عــن شــاله‪ ،‬وهكــذا‬
‫ً‬ ‫األعظــم وهــو ِمر َبدهــا (ســوق اإلبــل) ســتن ذراع ـاً‪ ،‬وجعلــوا‬
‫مهــرة اختطــت بجانــب أهــل الرايــة‪ ،‬ثــم اختطــت خطــة‬ ‫آخريــن) ‪ ...‬وكانــوا هــم الذيــن أنزلــوا النــاس وفصلــوا بــن‬ ‫العوامــل االجتاعيــة التــي كونــت القبيلــة‪ .‬أي أن هنــاك أعرافـاً‬
‫عــرض مــا ســواه مــن الشــوارع عرشيــن ذراعــاً‪ ،‬وجعلــوا‬
‫أخــرى عــى ســفح جبــل يشــكر‪ .‬فيقــول املقريــزي‪« :‬ويقــال‬ ‫القبائــل ‪ 64.»...‬فهــذا النــص حيتمــل تفســرين‪ :‬األول هــو أن‬ ‫َق َبل ّيــة أثــرت وســرت طريقــة االســتيطان يف الفســطاط‪ .‬ولكنــه‬
‫عــرض كل زقــاق ســبعة أذرع‪ ،‬وجعلــوا وســط كل خطــة‬
‫ـي الرايــة كانــت حــوز ًا هلــم يربطــون‬ ‫أن اخلطــة التــي هلــم قبـ ّ‬ ‫اخلطــط كانــت قــد ُعلّمــت ثــم تنافســت القبائــل يف اختيــار‬ ‫يســتنتج أن عــدد ســكان اخلطــط كان متقاربــاً جــد ًا‪ .‬ومــن‬
‫رحبــة فســيحة ملرابــط خيلهــم وقبــور موتاهــم‪ ،‬وتالصقــوا يف‬
‫فيهــا خيلهــم إذا رجعــوا إىل اجلمعــة‪ ،‬ثــم انقطعــوا إليهــا وتركــوا‬ ‫املوقــع؛ والثــاين هــو أن القبائــل تنافســت يف حيــازة املواقــع‪،‬‬ ‫حســاب عــدد القبائــل األوىل املســتوطنة ومســاحة الفســطاط‬
‫املنــازل؛ ومل يفعلــوا ذلــك إال عــن رأي اتفقــوا عليــه»‪ 56.‬ولعــل‬
‫منازهلــم بيشــكر»‪ .‬وهــذا معنــاه أن مبــدأ احليــازة التــي اتبعتهــا‬ ‫وكان عــى هــؤالء األربعــة الذيــن والهــم عمــرو أن حيلّــوا‬ ‫اســتنتج كوبيــاك أن هنــاك أرايض فضــاء بــن مســتوطنات‬
‫ذكــر الصحابــة يف اجلملــة األوىل دون ذكــر الــوايل يــدل عــى‬
‫القبائــل يف االســتيطان صاغــت الفســطاط‪ ،‬وإال ملــا متتعــت‬ ‫اخلالفــات النامجــة عــن املنافســة‪ .‬ولكــن التعبــر «انضمــت‬ ‫القبائــل وذلــك لتجمــع الســكان يف خطــط متباعــدة‪ .‬فكانــت‬
‫أن الذيــن اختــذوا القــرارات هــم الســكان أو مــن ميثلهــم مــن‬
‫قبيلــة واحــدة بخطتــن يف آن واحــد‪ ،‬وبالــذات إذا كانــت‬ ‫القبائــل بعضهــا إىل بعــض وتنافســوا» يف النــص يشــر إىل أن‬ ‫جمموعــة صغــرة مــن اخليــام واألكــواخ املتقاربــة تشــكل‬
‫أعياهنــم كالصحابــة‪ .‬فالبــد وأن الصحابــة يف ذلــك الوقــت‪،‬‬

‫‪181‬‬ ‫‪180‬‬
‫ببنيــان»‪ .‬فهنــا إشــارة إىل أن الســلطة جتــد صعوبــة يف محايــة‬ ‫ملحوظــة أخــرى هــي أن وصــف الطــربي ال يــدل عــى‬ ‫ـدوا األفــق مثلكــم‪ ،‬وإنكــم‬ ‫وقــال تاللــه مــا رأيــت قومـاً قــد سـ ّ‬ ‫إحدامهــا يف وســط الفســطاط ومســتخدمة كمربــط للخيــل‬
‫ُ‬
‫كــمْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ‬ ‫وهنــاك مجاعــات ال تــزال تبحــث عــن أماكــن لالختطــاط‪68.‬‬
‫قلــب املدينــة إال بخنــدق‪ ،‬فــا بالــك بالطــرق ! وأرجــو أن ال‬ ‫أن القبائــل تشــاركت يف اخلطــط‪ ،‬كــا فرهــا بعــض الباحثــن‪،‬‬ ‫ـإذا جــاء وعــد ال ِخــر ِة ِجئنــا بِ‬ ‫َكــا قــال اللــه تعــاىل‪ :‬فـ ِ‬
‫ً‬
‫يفهــم مــن هــذا أن الســكان املســلمن كانــوا كثــري االعتــداء‬ ‫ولكنهــا تشــاركت يف املناهــج والطــرق؛ فنزلــت القبائــل بــن‬ ‫ل ِفيفــا (اإلرساء ‪ .)104‬وبذلــك ســموا مــن يومئــذ اللفيــف‪.‬‬ ‫أي أن الســلطة مل تســتخدم اخلطــة كوحــدة ختطيطيــة‪ .‬ولكــن‬
‫عــى األمــالك العامــة‪ .‬وســتتضح أرسار ترفاهتــم هــذه يف‬ ‫املناهــج التــي وضعهــا أهــل الــرأي‪ .‬أي أن املناهــج كانــت‬ ‫وســألوا عمــرو بــن العــاص أن يفــرد هلــم دعــوة‪ ،‬فامتنعــت‬ ‫الــذي حــدث هــو أن كل قبيلــة اختــارت موضعــاً واختطتــه‪،‬‬
‫الفصــل الســابع‪ .‬كــا أن األزقــة والطــرق التــي تــي الطــرق‬ ‫الفاصــل بــن خطــط القبائــل‪ .‬كــا تشــاركت أكــر مــن قبيلــة‪،‬‬ ‫عشــائرهم مــن ذلــك‪ ،‬فقالــوا لعمــرو‪ :‬فإنــا نجتمــع يف املنــزل‬ ‫وهــي بالتــايل الفريــق املســتخدم واملســيطر واملالــك‪ .‬فلــم تكن‬
‫الرئيســية القــت ومل تقطــع املناهــج أو الطــرق الرئيســية كــا‬ ‫يف بعــض األحيــان‪ ،‬يف الرقعــة بــن هنجــن‪ ،‬وبالتــايل أتــت‬ ‫حيــث كنــا‪ .‬فأجاهبــم إىل ذلــك فكانــوا جمتمعــن يف املنــزل‬ ‫هنــاك مركزيــة قــط يف متصــر الفســطاط وال حتــى يف اخلطــط‬
‫هــو واضــح مــن اســتخدام الطــربي لعبــارة «تالقيهــا»‪ .‬فمالقــاة‬ ‫الطــرق بــن املناهــج لتفصــل بــن اخلطــط‪ .‬وشــتان بــن إنــزال‬ ‫متفرقــن يف الديــوان‪ ،‬إذا دعــي كل بطــن منهــم انضــم إىل بطــن‬ ‫األربــع (وهــي خطــط اللفيــف والريــة وأهــل الرايــة وأهــل‬
‫طريــق آلخــر ختتلــف عــن تقاطــع طريــق مــع آخــر‪ .‬فــاألول‬ ‫النــاس يف خطــط وإنزاهلــم عــى طريــق أو خلفــه‪ .‬فإنزاهلــم‬ ‫أبيــه ‪ ...‬فهــم جمتمعــون يف املنــزل متفرقــون يف الديــوان»‪ 70.‬أي‬ ‫الظاهــر) التــي اســتخدمها الباحثــون للوصــول إىل نتائجهــم‬
‫يعطــي شــكل حــرف يت «‪ »T‬باإلنجليزيــة وتنتــج عنــه زاويتان‬ ‫عــى طريــق أو بــن طريقــن يــدل عــى أن القبائــل املتجــاورة‬ ‫أن جمموعــة مــن البطــون احتــدت مبحــض إرادهتــا وســكنت يف‬ ‫التــي توحــي أن هنــاك نــوع مــن املركزيــة‪ .‬ولنناقــش خطــط‬
‫ال مشــاهباً لعالمــة اجلمــع «‪»+‬‬‫أو أكــر‪ ،‬واآلخــر يعطــي شــك ً‬ ‫هــي التــي َعلّمــت حدودهــا‪ .‬فيقــول الطــربي‪« :‬فأنــزل يف‬ ‫خطــط (وليــس خطــة واحــدة) متقاربــة تبعــد عــن قبائلهــا‪،‬‬ ‫ال‪.‬‬
‫اللفيــف أو ً‬
‫ـي‬
‫وتنتــج عنــه أربــع زوايــا أو أكــر‪ .‬وحيتــاج األول إىل فريقـ ْ‬ ‫ودعــة الصحــن ســلياً وثقيف ـاً ممــا يــي الصحــن عــى طريقــن‪،‬‬ ‫إال أن كل بطــن منهــم كان يف ديــوان قبيلتــه لرفــض عشــائرهم‬
‫ديــوان اجليــش هــو الدفــر الــذي يكتــب فيــه أســاء‬
‫اخلطتــن حــول الطريــق الفرعــي لالتفــاق‪ ،‬بينــا حيتــاج اآلخــر‬ ‫ومهــدان عــى طريــق‪ ،‬وبجيلــة عــى طريــق آخــر ‪ .»...‬كــا‬ ‫االنفصــال عنهــم‪ .‬أمــا الــرد عــى اخلطــط األخــرى وهــي خطــة‬
‫اجليــش وأهــل العطــاء ومقــداره‪ .‬وهنــاك روايــات خمتلفــة عــن‬
‫إىل فــرق اخلطــط األربــع حــول التقاطــع لالتفــاق أو تدخــل‬ ‫أن مواقــع اخلطــط مل حتددهــا ســلطة مركزيــة ولكــن القبائــل‬ ‫أهــل الظاهــر وأهــل الرايــة فقــد وضعتهــا يف احلــوايش حتــى ال‬
‫ـاء‬
‫مقــدار مــا يعطــى للمســلم مــن مــال‪ ،‬وهــل التفضيــل بينهــم بنـ ً‬
‫فريــق خارجــي‪ .‬فالثــاين أقــرب للمركزيــة مــن األول‪ .‬واألول‬ ‫اســتهمتها (أي بالقرعــة)؛ فيقــول الطــربي بأهنــا «اق ُت ِســمت‬ ‫نطيــل‪71.‬‬
‫عــى النســب أو الســابقة يف الديــن أو البــالء يف اجلهــاد ومــا إىل‬
‫أقــرب إىل أن ســكان اخلطــط هــم الذيــن حــددوا الطــرق‪.‬‬ ‫الس ـ ْهان»‪ 72.‬وهبــذا فلــم تكــن اخلطــط يف الكوفــة ذات‬ ‫عــى ُّ‬ ‫ـون كل مــن البــرة والفســطاط‬ ‫وبعــد االســتفادة مــن تكـ ّ‬ ‫ذلــك مــن تفاصيــل لــن تؤثــر عــى موضوعنا احلــايل‪ 69.‬ويســتنتج‬
‫مســاحة معينــة ومل تســتخدم كوحــدة ختطيطيــة الختــالف‬
‫ولنفــرض أخــي القــارئ أن مــا قلتــه مشــكوك فيــه وغــر‬ ‫واالســتنتاج بــأن القبائــل أو اجلاعــات قامــت باختيــار مواقــع‬ ‫املســترشق ِجســت أن هنــاك عالقــة أكيــدة بــن اخلطــط‬
‫مقنــع‪ ،‬وأن القبائــل مل يكــن هلــا دور يف اختيــار مواقــع اخلطــط‬
‫ـت حجــم‬ ‫عــدد األفــراد يف القبائــل‪ .‬ولكــن مســاحة اخلطــة َت ِب َعـ ْ‬ ‫خططهــا بنفســها وتعليــم حدودهــا اخلارجيــة نعــود للكوفــة التي‬ ‫ودواويــن اجلنــد‪ .‬ويــأيت اســتنتاجه هــذا مــن أن إحــدى القبائــل‬
‫القبيلــة‪ .‬فكانــت نــزار مثانيــة آالف وخططهــم غــريب الصحــن‪،‬‬
‫وال يف تعليــم حدودهــا‪ ،‬وأن الكوفــة خططــت بالتقســيم إىل‬ ‫اختلفــت عــن الفســطاط يف رسعــة االســتيطان‪ .‬فالفســطاط‬ ‫انقســمت واســتوطنت يف خطــط خمتلفــة؛ وبالنقيــض‪ ،‬فهنــاك‬
‫وأهــل اليمــن اثــي عــرش ألف ـاً وخططهــم رشقــي الصحــن‪73.‬‬
‫خطــط‪ ،‬فالبــد لــك أخــي القــارئ مــن أن توافقــي أن الطــرق‬ ‫اســتوطنت يف فــرة أطــول‪ ،‬وهــي فــرة حصــار املســلمن‬ ‫ِ‬ ‫مجاعــات أخــرى صغــرة ال تكفــي الواحــدة منهــا لتكويــن‬
‫ِ‬
‫واألزقــة والســاحات داخــل اخلطــط هــي مــن فعــل ســكان‬ ‫وباإلضافــة إىل اخلطــط فقــد أُقْطـ َ‬
‫ـع بعــض األفــراد قطائــع‬ ‫للحصــن‪ ،‬أمــا الكوفــة فــكان اســتيطاهنا مبــارشة بعــد اختيــار‬ ‫ســجل منفصــل يف الديــوان وبالتــايل وضعــت يف خطــة واحــدة‬
‫اخلطــة نفســها دون تدخــل خارجــي‪ .‬فقــد وصــل عــدد ســكان‬ ‫مــن ســتن ذراعـاً‪ ،‬أي قطعـاً متســاوية يف املســاحة‪ .‬ولقــد خلــط‬ ‫املوقــع‪ .‬وهلــذا‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬كلّفــت مجاعــة مــن أهــل الــرأي‬ ‫كخطــة أهــل الرايــة واللفيــف‪ .‬إال أن املصــدر الــذي اســتخدمه‬
‫الكوفــة إىل أكــر مــن مائــة ألــف جماهــد‪ .‬ومــن العــدد القليــل‬ ‫بعــض الباحثــن بــن اخلطــط والقطائــع‪ .‬فاســتدلوا مــن أمــر‬ ‫لتقديــر اجتاهــات املناهــج وعروضهــا‪ .‬فكــا ذكرنــا ســابقاً فــإن‬ ‫جســت‪ ،‬وهــو املقريــزي‪ ،‬ال يدعــم اســتنتاجه‪ ،‬وذلــك ألنــه‪،‬‬
‫للقبائــل نســتنتج أن ســكان كل خطــة البــد وأن يزيــد عــى‬ ‫اخلليفــة عمــر ريض اللــه عنــه بجعــل القطائــع ســتن ذراعـاً عــى‬ ‫أبــا اهليــاج ومجاعــة مــن أهــل الــرأي ولّــوا أمــر املناهــج (الطرق‬ ‫واللــه أعلــم‪ ،‬مل يالحــظ الفــرق يف اســتخدام املقريــزي لــكل‬
‫اآلالف لدرجــة أن كل قبيلــة كانــت هلــا مقربهتــا ومســجدها‬ ‫أهنــا اخلطــط‪74.‬‬ ‫الرئيســية) واألزقــة اخلارجــة مــن الصحــن باتبــاع أوامــر اخلليفة‬ ‫َــط (مجــع) والتــي حــرص‬ ‫وخط ْ‬ ‫مــن كلمتــي ِخطّــة (مفــرد) ِ‬
‫اخلــاص هبــا داخــل خطتهــا‪ 76.‬لذلــك فــإن كل خطة تشــبه قرية‬ ‫عمــر ريض اللــه عنــه‪ .‬ومل أمتكــن مــن الوقــوف عــى أســاء‬ ‫املقريــزي عليهــا‪ .‬وكــا ســرنى‪ ،‬فــال توجــد عالقــة بــن ديــوان‬
‫نســتدل مــن الســابق أن اتفاقـاً مــا جــرى بــن أهــل الــرأي‬
‫صغــرة يف حجمهــا‪ .‬فــإذا كان هنــاك شــك يف تدخــل الدولــة يف‬ ‫هــؤالء األفــراد مــن أهــل الــرأي وملــن ينتمــون‪ .‬لذلــك‪ ،‬ومــن‬ ‫اجلنــد واخلطــط‪ ،‬ولكــن هنــاك عالقــة بــن اخلطــة ومجاعــة مــا‬
‫وبــن رؤســاء اجلاعــات بعــد االســتهام واختيــار املواقــع ثــم‬
‫تعليــم اخلطــط‪ ،‬باإلضافــة لعــدم وجــود نصــوص تارخييــة تشــر‬ ‫بــاب العــدل يف اإلســالم‪ ،‬فســأفرض أهنــم مــن قبائــل خمتلفــة‬ ‫كالقبيلــة أو البطــن‪ .‬فبالنســبة خلطــط اللفيــف‪ ،‬فــإن املقريــزي‬
‫حــددت بعــد ذلــك مواقــع املناهــج‪ .‬أمــا الطــرق املوصلــة‬
‫إىل تدخــل الســلطة داخــل اخلطــة‪ ،‬فهــذا دليــل لالســتقاللية‬ ‫وليســوا مــن قبيلــة واحــدة‪ ،‬وعليــه فهــم ميثلــون مصالــح مجيــع‬ ‫يســتخدم كلمــة خطــط (مجــع) وذلــك ألهنــا كانــت عــدة‬
‫بــن املناهــج ومــا يليهــا ومــا بــن ذلــك مــن أزقــة فــإن وصــف‬
‫التامــة املعطــاة ملــن هــم داخــل اخلطــط‪ .‬فكلــا كــربت اخلطــة‬ ‫القبائــل‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فقــول الطــربي الــذي ذكرتــه‬ ‫بطــون (مثانيــة عــى األغلــب) تســكن يف خططهــا‪ ،‬ال يف خطــط‬
‫الطــربي هلــا دقيــق للغايــة‪ .‬فهــو يقــول بعــد وصــف املناهــج‪:‬‬
‫وقــل التدخــل خــارج حــدود اخلطــة كلــا ازدادت صالحيــات‬ ‫قســم أبــو اهلياج‬ ‫ســابقاً (صـــ ‪« :)183‬حتــى إذا أقامــوا عــى يشء ّ‬ ‫عشــائرها‪ .‬فيقــول املقريــزي‪(« :‬خطــط اللفيــف) إمنــا ســموا‬
‫«فهــذه مناهجهــا العظمــى‪ .‬وبنــوا مناهــج دوهنــا حتــاذي هــذه‬
‫فــرض‬
‫الســاكنن داخــل اخلطــة‪ ،‬فهــذا أمــر منطقــي إذا مل ُت َ‬ ‫ثــم تالقيهــا‪ ،‬وأخــر تتبعهــا‪ ،‬وهــي دوهنــا يف الــذرع ‪75.»...‬‬ ‫عليــه» يــدل عــى أن أبــا اهليــاج مل يكــن مقــرراً يف هــذه‬ ‫بذلــك اللتفــاف بعضهــم ببعــض‪ .‬وســبب ذلــك أن عمــرو بــن‬
‫القوانــن عــى الســكان (الشــكل ‪ ،18.5‬صـــ ‪ .)187‬وال أعلــم‬ ‫اجلاعــة بــل كان منفــذاً ملــا اتفــق عليــه أهــل الــرأي‪ .‬لذلــك‬ ‫خــرب أن مراكــب الــروم قــد‬ ‫العــاص ملــا فتــح اإلســكندرية اُ ِ‬
‫فكلمــة «بنــوا» ال تعــي وضــع حــدود الشــارع ولكــن تعــي أنــه‬
‫قانونــاً فُــرض عــى الســكان غــر اســتئذاهنم للحاكــم بالبنــاء‬ ‫فــإن مواضــع املناهــج تأثــرت بأحجــام القبائــل املختلفــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫توجهــت إىل اإلســكندرية لقتــال املســلمن‪ ،‬فبعــث عمــرو‬
‫ـي‪ ،‬أي حتــدد بالظهــور التدرجيــي للمبــاين عــى جانبيــه وذلــك‬‫ُبـ َ‬
‫بالقصــب ثــم الطــن‪ ،‬وغــر أمــر اخلليفــة عمــر للنــاس بــأن ال‬ ‫واضــح مــن األعــداد املختلفــة للمناهــج اخلارجــة مــن الصحــن‬ ‫احلجــري ليأتيــه باخلــرب فمــى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األزدي‬
‫ّ‬ ‫بعمــرو بــن مجالــة‬
‫ألنــه تــرك أساس ـاً ليكــون طريق ـاً بــن خطــط القبائــل أو بــن‬
‫يزيــدوا عــن ثالثــة طوابــق يف البنيــان‪ .‬وحتــى هــذان األمــران‬ ‫التــي كانــت مــا بــن ثالثــة ومخســة مناهــج مؤكــدة بذلــك عــى‬ ‫وأرسعــت هــذه القبائــل التــي تدعــى اللفيــف وتعاقــدوا عــى‬
‫خطــط اجلاعــات داخــل خطــة القبيلــة‪ ،‬ثــم ظهــرت مالحمــه‬
‫قــال فيهــا الفقهــاء أهنــا مل يكونــا ســوى نصيحــة مــن اخلليفة‪،‬‬ ‫اختــالف املســاحات بــن هــذه املناهــج‪.‬‬ ‫اللحــاق بــه واســتأذنوا عمــرو بــن العــاص يف ذلــك فــأذن هلــم‪،‬‬
‫مبــرور الزمــن‪ .‬ويعــزز هــذا املنطــق قــول الطــربي الــذي ذكــر‬
‫وليــس ألحــد‪ ،‬مبــن فيهــم اخلليفــة‪ ،‬أن مينــع مــن أراد التعــي يف‬ ‫وهــم مجــع كثــر‪ ،‬فلــا رآهــم عمــرو بــن مجالــة اســتكرهم‬
‫ســابقاً‪« :‬وأعلمــوا عــى الصحــن بخنــدق لئــال يقتحمــه أحــد‬

‫‪183‬‬ ‫‪182‬‬
‫مدينــة بغــداد املــدورة‪ ،‬أمل ختططهــا الســلطة؟ قلــت‪ :‬نعــم‪.‬‬ ‫إذا كان مــا ذكرتــه ســابقاً صحيح ـاً فمــن املنطقــي إذاً أن‬ ‫البنيــان إذا مل يــر بغــره‪ ،‬وأن يســتخدم مــن مــواد البنــاء مــا‬
‫الشكل‬ ‫ورشحــت لــه التــايل عــن املدينــة التــي قراراهتــا مــن األعــى‬ ‫توجــد مناطــق غــر مبنيــة داخل اخلطــة وحتــت ســيطرة الفريق‬ ‫ـأفصل مســألة الــرر يف الفصــل‬
‫‪15.5‬‬
‫شــاء إذا مل يــر بغــره‪( 77‬وسـ ّ‬
‫لألســفل‪.‬‬ ‫املســتوطن‪ ،‬فــال يدخلهــا أحــد إال بإذنــه‪ .‬وهــذا الــذي حــدث‬ ‫القــادم)‪.‬‬
‫يف الكوفــة‪ .‬فالــروادف هــم األقــارب مــن القبيلــة الذيــن أتــوا‬
‫يعــرف ابــن منظــور القبيلــة مــن النــاس بأهنــم بنــو أب‬
‫بعــد اســتيطان مجاعاهتــم‪ .‬ووصــف نــزول الــروادف يف الكوفــة‬
‫بغداد (مدينة السالم)‬ ‫يشــر إىل ســيطرة الفريــق املســتوطن يف اخلطــة يف املســتويات‬
‫واحــد‪ ،‬والبطــن أصغــر مــن القبيلــة‪ ،‬والفخــذ أصغــر مــن‬
‫البطــن‪ .‬ومــن خــواص اخلطــة كــا قلنــا أهنــا تســتوعب خططـاً‬
‫رغــم أن الســلطة مل تتدخــل يف القــرارات التــي ختــص‬ ‫املختلفــة‪ .‬فيقــول الطــربي واصفــاً وصــول الــروادف‪« :‬فلــا‬
‫أصغــر منهــا بداخلهــا‪ ،‬وكل خطــة مــن هــذه اخلطــط الداخليــة‬
‫التكــون كبغــداد‬‫ّ‬ ‫األفــراد يف منازهلــم يف املــدن املركزيــة‬ ‫ردفتهــم الــروادف؛ البــدء وال ّثنــاء‪ ،‬وكــروا عليهــم‪ ،‬ضيــق‬
‫قــد تســتوعب خططــاً أخــرى أصغــر وهكــذا‪ .‬فاخلطــط يف‬
‫وســامراء‪ ،‬إال أهنــا ســيطرت عــى أغلــب القــرارات املشــكّلة‬ ‫املحــال‪ ،‬فمــن كانــت رادفتــه كثــرة شــخص إليهــم‬ ‫ّ‬ ‫النــاس‬
‫مســتويات خمتلفــة وكل خطــة هلــا فريــق واحــد مســتخدم‬
‫للمدينــة كســورها وســوقها وطرقهــا ومســجدها‪ .‬وقــد لعــب‬ ‫وتــرك حملتــه‪ ،‬ومــن كانــت رادفتــه قليلــة أنزلوهــم منــازل مــن‬
‫مســيطر مالــك‪ .‬ولتوضيــح ذلــك لننظــر للركيــب اخلطــي‬
‫تكــون هــذه املــدن عــى حســاب‬ ‫ّ‬ ‫اإلقطــاع دوراً أساســياً يف‬ ‫وســعوا عــى‬
‫شــخص إىل رادفتــه لقلّتــه إذا كانــوا جراهنــم‪ ،‬وإال ّ‬ ‫‪ territorial structure‬يف الشــكل ‪ 14.5‬الــذي تشــر فيه احلروف‬
‫املدينــة التــي يف نفســه وجعلهــا مــدورة‪ 80.‬واســتنتج بعــض‬ ‫اإلحيــاء واالختطــاط‪ .‬فأقطــع منشــؤوا هــذه املــدن مــن احلكام‬ ‫روادفهــم وضيقــوا عــى أنفســهم»‪ 78.‬فهنــا إشــارة إىل أن أفــراد‬
‫عــى األماكــن‪ ،‬واحلــروف املرقمــة إىل الفــرق‪ .‬فقد تكــون هناك‬
‫املســترشقن ككريســويل وليســرانج وهرتســفيلد شــكل‬ ‫القطائــع ملــن أرادوا مــن أقارهبــم ورجاهلــم يف الدولــة مــن‬ ‫القبيلــة أو البطــن أو الفخــذ‪ ،‬كل يف مســتواه‪ ،‬كفريــق واحــد‬
‫فــرق كاألرس مثــل «ج» هــي «ج‪ ،1‬ج‪ ،2‬ج‪ ،»3‬وكل فريــق أو‬
‫املدينــة مــن أوصــاف املؤرخــن‪ ،‬واســتنتاجاهتم متشــاهبة إىل‬ ‫حــرس وجنــد ورؤســاء عشــائر‪ .‬كــا ظهــر اســتخدام عبــارات‬ ‫اســتضافوا روادفهــم ليســكنوا معهــم يف املناطــق غــر املبنيــة‬
‫أرسة مــن هــؤالء يســيطر عــى خطتــه والتــي هــي داره؛ وهــذه‬
‫حــد كبــر‪ ،‬وتــدور عموم ـاً حــول فكــرة أن املدينــة حصنــت‬ ‫مثــل «هندســها» يف وصــف املدينــة‪ .‬وبرغــم هــذا‪ ،‬فــإن أعيــان‬ ‫ال عــى ســيطرهتم عــى اخلطــط‪.‬‬ ‫مــن خططهــم دلي ـ ً‬ ‫الفــرق جمتمعــة كفريــق واحــد‪ ،‬هــو الفريــق «ب‪ »2‬أو الفخــذ‬
‫بثالثــة أســوار حماطــة بخنــدق مــيء باملــاء (الشــكل ‪.)15.5‬‬ ‫هــذه املــدن يف التواجــد املســتقل ! فكيــف تــم هــذا؟ لإلجابــة‬ ‫وللتلخيــص نقــول أن الفــرق املســتوطنة يف هــذه األمصــار‬ ‫مــن البطــن يف القبيلــة‪ ،‬يســيطر عــى احلــدود اخلارجيــة خلطتهــم‬
‫وبــن الســورين اخلارجــي واألوســط فصيــل خارجــي عرضــه‬ ‫عــى هــذا الســؤال ســندرس مدينــة بغــداد أو مدينــة الســالم‬ ‫اختــذت قراراهتــا بنفســها‪ .‬فاخلطــط واألعيــان التــي بداخلهــا‬ ‫وعــى املنطقــة املشــركة بــن خططهــم كالطريــق غــر النافــذ‬
‫مائــة ذراع خاليـاً مــن األبنيــة وذلــك للرقابــة والدفــاع‪ .‬وعــرض‬ ‫كــا عرفــت آنــذاك ألهنــا أكــر املــدن اإلســالمية مركزيــة يف‬ ‫مــن شــوارع وســاحات ورحــاب وطــرق غــر نافــذة يف اإلذعاين‬ ‫«ط»‪ .‬والفــرق «ب‪ ،1‬ب‪ ،2‬ب‪ »3‬جمتمعــة تكــون الفريــق‬
‫أســاس الســور األوســط‪ ،‬وســمي بالســور األعظــم‪ ،‬تســعون‬ ‫التخطيــط والبنــاء‪ ،‬وأكرهــا بحثــاً ومتحيصــاً وبالتــايل إثباتــاً‬ ‫املتحــد‪ ،‬وبالتــايل ميتلكهــا ويســيطر عليهــا مســتخدموها‪ .‬وهــذا‬ ‫«أ‪ »2‬أو البطــن مــن القبيلــة‪ ،‬وتســيطر عــى كل مــن احلــدود‬
‫ذراعــاً ثــم يقــل ليصــر يف أعــاله مخســة وعرشيــن ذراعــاً‬ ‫ال مــن الباحثــن أن التخطيــط مبفهومــه الغــريب (وهــو مــا‬ ‫وتطبيـ ً‬ ‫هــو التواجــد املســتقل‪ .‬أي أن األمصــار تشــكلت براكــم‬ ‫اخلارجيــة للخطــة واملنطقــة املشــركة هبــا كالســاحة «س»‪.‬‬
‫وارتفاعــه ســتون ذراع ـاً‪ .‬وبــن الســورين األعظــم والداخــي‬ ‫ســميته جحــر ضــب ســابقاً) اســتخدم يف املــدن اإلســالمية‪79.‬‬
‫قــرارات األفــراد الصغــرة‪ .‬ولنطلــق عليهــا قــرارات من األســفل‬ ‫ـون‬‫وجممــوع الفــرق املشــاهبة للفريــق أ مثــل «أ‪ ،1‬أ‪ ،2‬أ‪ »3‬تكـ ّ‬
‫فصيــل داخــي للســكى عرضــه ثــالث مائــة ذراع‪ .‬ويفصــل‬
‫لقــد اعتمــد الدارســون مــن مســترشقن ومســلمن عــى‬ ‫ـون القــرار الكبــر‪،‬‬ ‫لألعــى ألن تراكــم القــرارات الصغــرة يكـ ّ‬ ‫خطــة القبيلــة التــي تســيطر جمتمعــة عــى الرحبــة «ر»‪ ،‬والتــي‬
‫الســور الثالــث (الداخــي) بــن الفصيــل الداخــي والرحبــة‬
‫العظمــى التــي يتوســطها قــر املنصــور واملســجد اجلامــع‪81.‬‬ ‫كتــب املؤرخــن‪ ،‬كالبغــدادي والطــربي واليعقــويب‪ ،‬يف وضــع‬ ‫ـون القــرار األكــرب منهــا‪،‬‬‫وتراكــم هــذه القــرارات الكبــرة يكـ ّ‬ ‫قــد حتــوي املســجد والســوق‪ ،‬وهكــذا‪ .‬فــكل فريــق يف هــذا‬
‫تصــور ملخطــط املدينــة وقــت بنائهــا وذلــك لعــدم قيــام‬ ‫وهكــذا؛ وهــذه هــي الالمركزيــة‪ .‬فاختطــاط النــاس ملنازهلــم‬ ‫املثــال فريــق مســتوطن ويســيطر عــى خطتــه‪ .‬وهــذا وضــع‬
‫وتشــق هــذه األســوار والفصيلــن أربــع طــرق رئيســية متشــاهبة‬ ‫ِ‬
‫الدارســن بحفــر أثــري يف املوقــع املعتقــد‪ .‬وهنــاك تشــابه كبــر‬ ‫كــون الطريــق غــر النافــذ‪ ،‬وجمموعــة مــن هــذه الطــرق‬ ‫ّ‬ ‫ـرق‪ ،‬فــال يعــي هــذا أن‬ ‫تصــوري ذو ثالثــة مســتويات مــن الفـ َ‬
‫كل منهــا ذات طاقــات (الطاقــة هنــا مــكان مربــع أو مســتطيل‬
‫بــن أوصــاف املؤرخــن برغــم اختــالف رواياهتــم املتعلقــة‬ ‫كونــت خطــط القبائــل والتــي بنــت املناهــج وهكذا‪.‬‬ ‫واملنــازل ّ‬ ‫مجيــع اخلطــط ذات ثالثــة مســتويات كهــذا املثــل‪ ،‬فقــد تقــل‬
‫واجهتــه ذو حنيــة مقوســة تفتــح عــى الطريــق) هبــا املحــالت‬
‫مبقاســات املدينــة‪ .‬إال أن هــذه االختالفــات لــن تؤثــر عــى‬ ‫وبعــد رشح مــا ســبق ألحــد الزمــالء‪ ،‬قــال يل‪ :‬ولكــن مــاذا عــن‬ ‫إىل الواحــد وقــد تزيــد إىل األربعــة أو حتــى اخلمســة‪.‬‬
‫مــن اجلانبــن ومتجهــة مــن البوابــات اخلارجيــة األربــع إىل‬
‫موضوعنــا ألن اهتامنــا منصــب عــى حــال األعيــان (النــاذج‬
‫مقســمة بذلــك املدينــة املــدورة إىل أربــع‬
‫مركــز دائــرة املدينــة ِّ‬ ‫اإلذعانيــة)‪ .‬ولنفــس الســبب فلــن أدخــل يف تفاصيــل معاريــة‬
‫ُر ْبع ّيــات‪ quadrants .82‬وقــد أثــر هــذا االســتنتاج يف الكثــر‬
‫مــن الكتــاب العــرب‪83.‬‬ ‫ولكنــي ســأعلق عــى وضــع املدينــة بعــد رشح رسيــع هلــا‪.‬‬ ‫الشكل‬
‫‪14.5‬‬
‫عندمــا اختــار اخلليفــة املنصــور موقــع مدينــة الســالم‬
‫ثــم أىت بعد هــؤالء املســترشقن املســترشق الســرن ‪Lassner‬‬
‫ســنة ‪ 145‬وجــه يف طلــب الصنــاع والفعلــة مــن دولتــه كالشــام‬
‫بتصــور خمتلــف عــن تصــورات أولئــك املســترشقن وقــال إن‬
‫واملوصــل وواســط والبــرة‪ .‬يقــول الطــربي‪« :‬وأمــر باختيــار‬
‫بغــداد قســمت إىل ثــالث مناطــق دائريــة متداخلــة ذات مركــز‬
‫قــوم مــن ذوي الفضــل والعدالــة والفقــه واألمانــة واملعرفــة‬
‫واحــد (الشــكل ‪ .)16.5‬فاملنطقــة الدائريــة الداخليــة وهــي‬
‫باهلندســة‪ .‬فــكان ممــن أحــر لذلــك احلجــاج بــن أرضــاة وأبــو‬
‫الرحبــة هبــا قــر املنصــور واملســجد اجلامــع ودار للحــرس‬
‫حنيفــة النعــان بــن ثابــت»‪ .‬ويقــول البغــدادي أن هــؤالء‬
‫وســقيفة لصاحــب الرشطــة وصاحــب احلــرس‪ .‬أمــا املنطقــة‬
‫الصنــاع كانــوا ألوفــاً كثــرة‪ ،‬وأن املنصــور م ّثــل هلــم صفــة‬

‫‪185‬‬ ‫‪184‬‬
‫أمــا بالنســبة لألربــاض خــارج ســور املدينــة املــدورة‬ ‫االفــراض كتــاب اخلــراج الــذي كتبــه القــايض أبــو يوســف‪،‬‬ ‫وبذلــك يكــون الفــرق بــن التصوريــن هــو نـــص األوىل عــى‬ ‫الدائريــة الوســطى فكانــت لســكن أوالد املنصــور األصاغــر‬
‫فــإن وصــف اليعقــويب ال يــدع جمــاال للشــك بــأن كل ربــع‬ ‫ـاء عــى طلــب اخلليفــة هــارون‬ ‫صاحــب اإلمــام أيب حنيفــة‪ ،‬بنـ ً‬ ‫وجــــود منطقــة سكنـــية دائـــرية واحـــدة‪ ،‬والثانية عــى وجود‬ ‫وللمقربــن مــن اخلــدم والعبيــد وبيــت املــال وخزانــة الســالح‬
‫مــن املدينــة حــوى قطائــع وأرباضــاً كبــرة جــداً‪ .‬فبحســاب‬ ‫الرشــيد (‪ )193-170‬والــذي حيــوي أحكام ـاً فقهيــة عمرانيــة يف‬ ‫منطقتــن‪.‬‬ ‫والدواويــن كديــوان اخلــراج والرســائل واجلنــد‪ .‬واملنطقــة‬
‫األربــاض بــن بــايب الكوفــة والبــرة والتــي حتــوي اثنــن‬ ‫اإلقطــاع واالحتجــار وعمــل بــه يف أرجــاء اخلالفــة كــا رأينــا‬ ‫الدائريــة اخلارجيــة كانــت لســكى قــادة املنصــور ومواليــه‪84.‬‬
‫كال التصوريــن الســابقن يتشــاهبان عمومــاً يف وصــف‬
‫يف الفصــل الثــاين‪ .‬وألن الكتــاب كتــب بعــد بنــاء بغــداد‪ ،‬فمــن‬
‫املنطقــة الســكنية‪ .‬وهــي كــا يصفهــا اليعقــويب تشــر إىل أن‬
‫الشكل‬ ‫املنطقــي التســليم بــأن أحــكام الرشيعــة هــي التــي طبقــت يف‬ ‫الشكل‬
‫‪18.5‬‬
‫كل منطقــة دائريــة ســكنية (ربعيــة ‪ quadrant‬الشــكل ‪)17.5‬‬ ‫‪16.5‬‬
‫األحيــاء الســكنية‪ ،‬وإال ملــا جتاهلــه املؤرخــون دون تدويــن‬
‫مقســمة إىل مــا بــن مثــان واثنتــي عــرشة جمموعــة مــن الــدور‬
‫ّ‬
‫إذا اختلــف‪ .‬وكــا رأينــا يف الفصــل الثــاين‪ ،‬وســرنى يف الفصلــن‬
‫تفتــح عــى ســكك هلــا أبــواب وثيقــة مــن الطرفــن‪ .‬وتفتــح‬
‫القادمــن‪ ،‬بــأن الالمركزيــة هــي املنهــج املتبــع يف العمــران‪،‬‬
‫أبــواب الســكك عــى طريقــن دائريــن أحدمهــا داخــي‬
‫وبذلــك فلــم تتدخــل الســلطة يف بنــاء األربــاض غــر الــذي‬
‫واآلخــر خارجــي وال تفتــح عــى الرحبــة‪ .‬وهــذان الطريقــان‬
‫ذكــرت مــن االلتــزام بعــروض الشــوارع ورضورة اشــتال كل‬
‫يفتحــان عــى طريقــن مــن الطــرق األربــع الرئيســية ذات‬
‫ربــض عــى الوظائــف الروريــة كاملســجد اجلامــع والســوق‬
‫ِ‬ ‫الطاقــات واملوصلــة بــن بوابــات املدينــة والرحبــة‪ 85.‬وألفــت‬
‫ــر أن‬
‫واحلــام‪ .‬ويعــزز هــذا أيضــاً قــول الطــربي‪« :‬وذُك َ‬ ‫نظــرك هنــا أخــي القــارئ إىل بوابــات الســكك‪ ،‬فكــا ســرنى‬
‫املنصــور ملــا عــزم عــى بنائهــا (أي املدينــة املــدورة) أحــب أن‬
‫بإذنــه تعــاىل يف الفصــل التاســع فــإن البوابــات يف املدينــة‬
‫ـط بالرمــاد‪ ،‬ثــم أقبــل يدخــل‬ ‫ينظــر إليهــا عيان ـاً‪ ،‬فأمــر أن خيـ ّ‬
‫اإلســالمية عالمــة مــن عالمــات التواجــد املســتقل ألن البوابــة‬
‫مــن كل بــاب‪ ،‬وميــر يف فصالهنــا وطاقاهتــا ورحاهبــا‪ ،‬وهــي‬
‫عــى فــم الســكة تعــي أن مســؤولية املنطقــة الداخلــة مــن‬
‫ـط مــن‬‫خمطوطــة بالرمــاد‪ ،‬ودار عليهــم ينظــر إليهــم وإىل مــا خـ ّ‬
‫البوابــة ملقــاة عــى الفريــق املســتوطن وهــو الــذي ميلكهــا‪.‬‬
‫خنادقهــا؛ فلــا فعــل ذلــك أمــر أن جيعــل عــى تلــك اخلطــوط‬
‫وهــذا واضــح مــن أســاء الســكك فهــي قــد نســبت إىل‬
‫حــب القطــن‪ ،‬وينصــب عليــه ال ّن ْفــط‪ ،‬فنظــر إليهــا والنــار‬
‫ال يف ســياق حديثــه عــن‬ ‫الســاكنن؛ فيقــول اليعقــويب مثــ ً‬
‫تشــتعل‪ ،‬ففهمهــا وعــرف رســمها‪ ،‬وأمــر أن حيفــر أســاس ذلــك‬ ‫يـشر الـرقم ‪ 1‬يف هـذا التصـور إىل الـرحبـة‪ ،‬والـرقم ‪ 2‬إىل املنطقـة‬
‫الســكك‪ ...« :‬وســكة تعــرف يف هــذا الوقــت بالقواريــري قــد‬ ‫السكنيـة الوسطى‪ ،‬والـرقم ‪ 3‬إىل املنطقة الـسكنية اخلارجية‪.‬‬
‫فطلــب اخلليفــة لرؤيــة‬
‫ُ‬ ‫عــى الرســم‪ ،‬ثــم ابتــدئ يف عملهــا»‪.‬‬ ‫ذهــب عــي اســم صاحبهــا ‪86.»...‬‬
‫خطــوط املدينــة والنــار تشــتعل فيهــا يــدل منطقي ـاً عــى قلــة‬
‫هــذه اخلطــوط وأهنــا اخلطــوط الرئيســية للمدينــة املــدورة‬ ‫واحلقيقــة املهمــة التــي مل هيتــم هلــا الباحثــون يف دراســة‬
‫وليســت بالــرورة التفاصيــل الداخليــة لألحيــاء الســكنية أو‬ ‫بغــداد هــي إقطــاع القطائــع للنــاس خــارج ســور املدينــة‪.‬‬
‫الشكل‬
‫اخلطــوط املتعلقــة باألربــاض خــارج املدينــة املدورة الســتحالة‬ ‫وكانــت هــذه القطائــع كبــرة يف املســاحة لدرجــة أن كل واحدة‬ ‫‪17.5‬‬
‫النظــر والتفريــق بــن اخلطــوط املشــتعلة مــن ارتفــاع منخفــض‬ ‫منهــا احتــوت عــى ســكك وطــرق غــر نافــذة كثــرة نســبت‬
‫لكرهتــا‪89.‬‬ ‫قســمت هــذه القطائــع واألربــاض‪ 87‬إىل‬ ‫للم ْقطَــع هلــم‪ .‬وقــد ّ‬‫ُ‬
‫ـد للقيــام بــكل ُربــع رجــل من املهندســن‪،‬‬‫أربــع جمموعــات‪ ،‬و ُقلّـ َ‬
‫مالحظــة أخــرى هــي أن مســاحة القطعــة املطلــة عــى‬ ‫ِ‬
‫ال للبنــاء‪ .‬وأمــر اخلليفــة أن‬
‫ـي أصحــاب كل ربــض مــا ً‬ ‫وأعطــ َ‬
‫الســكة الواحــدة داخــل املدينــة املدورة قــدرت بحــوايل أربعن‬
‫يكــون عــرض الشــوارع يف األربــاض مخســن ذراعـاً والــدروب‬
‫ألف ـاً مــن األمتــار املربعــة‪ 90.‬وقــد قســم رئيــس كل جمموعــة‪،‬‬
‫ســتة عــرش ذراعـاً‪ ،‬وأن يكــون لــكل ربــض مســجدها اجلامــع‬
‫كالقائــد أو الســاكنون‪ ،‬هــذه القطعــة إىل قطــع أصغــر‪ .‬وبرغــم‬ ‫وســوقها ومحامهــا ومــا شــابه مــن متطلبــات‪88.‬‬
‫أن الســلطة هــي التــي قــررت احلــدود اخلارجيــة للقطعــة‬
‫ال افراضـياً لـتوزيع الـسلطـة لثـاين قطع من‬ ‫يـوضح الشـكل مث ً‬ ‫الكــربى فــإن ِ‬
‫كـ َـرب مســاحة كل قطعــة وتــويل ســكاهنا تقســيمها‬ ‫بالنســبة حلركيــة البيئــة ال نعلــم الكثــر عــن بغــداد يف‬
‫األرايض الصغـرة يف املساحـة لثانيـة أفراد كا يف الـوضع (أ)‪ .‬فعدد‬ ‫رشحــت ســابقاً‪ .‬فــإذا كان الوضع‬
‫القـرارات املتخـذة هنا أكـر من القـرارات التـي ستتخـذها الـسلطـة‬ ‫يشــر إىل قلــة تدخــل الســلطة يف تنظيمهــا‪ ،‬وذلــك ألنــه كلــا‬ ‫املناطــق الســكنية غــر الــذي َ َ‬
‫يف حال تـوزيع قطـعة كـبرة واحـدة لثـانيـة أفـراد كا يف الـوضع‬ ‫صغــرت مســاحة القطعــة التــي تســيطر عليهــا الســلطة كلــا‬ ‫غــر الــذي كان عليــه العــرف الســائد لذكــره املؤرخــون‪ .‬لذلك‬
‫فمــن املنطــق أن نفــرض أن مــا ُع ِم َ‬
‫يوجـد عى طـريف كل سكـة من سكـك هذه الـربعيـة من احلي‬
‫(ب)‪ .‬أي أن حريـة السـكان أكرب يف الـوضع (ب)‪ ،‬فلهم اخلـيار‬ ‫ال أكــرب‪ ،‬والعكــس صحيــح (الشــكل ‪.)18.5‬‬ ‫عــى هــذا تدخ ـ ً‬ ‫ــل بــه يف املــدن األخــرى‬ ‫الـسكي بـاملديـنة املـدورة بوابـة تفـتح عى الطـريق الدائري‬
‫بتقـسيم املوقع إىل الوضع (ج) أو إىل الوضع (د)‪ ،‬أو ما شابه حسب‬ ‫هــو مــا طبــق يف املناطــق الســكنية ببغــداد‪ .‬وممــا يعــزز هــذا‬ ‫الداخي أو اخلارجي‬
‫رغباهتم‪.‬‬

‫‪187‬‬ ‫‪186‬‬
‫ـي‬ ‫ِ‬
‫اإلســالم ال حيــث عــى اإلرساف يف البنــاء حتى وإن كان املبنــ ّ‬ ‫املتحــد‪ .‬فبغــداد خليــط مــن االثنــن إذاً‪ .‬ولكــن ماهــي مدينــة‬ ‫التــي ذكرنــا والقطائــع التــي وصفنــا منــازل النــاس مــن العــرب‬ ‫وعرشيــن قطيعــة وربضـاً‪ ،‬ومــن عــدد الطــرق والســكك التــي‬
‫مســجد ًا‪ .‬فقــد قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا‬ ‫بغــداد؟ هــل هــي املدينــة املــدورة أم أهنــا املدينــة املــدورة‬ ‫واجلنــد والدهاقــن والتجــار وغــر ذلــك مــن أخــالط النــاس‬ ‫بلغــت ســت آالف ميكننــا تصــور كــرب مســاحة كل قطيعــة‪.‬‬
‫أُمــرت بتشــييد املســاجد (أي برفــع البنــاء وتطويلــه)‪ ،‬قــال ابــن‬ ‫باإلضافــة ملــا حوهلــا مــن العامــر؟‬ ‫ينتســب إليهــم الــدروب والســكك‪ ،‬فهــذا ربــع مــن أربــاع‬ ‫فقــد كانــت مســاحاهتا كبــرة جــداً لدرجــة أن بعضهــا اشــتمل‬
‫عبــاس‪ :‬لتزخرفنهــا كــا زخرفــت اليهــود والنصــارى»‪ .‬ويف‬ ‫بغــداد‪ 92.»... ،‬واســتخدام لفــظ «ينتســب» هنــا قــد يشــر إىل‬ ‫ال كان بــه قــره وأكــر‬ ‫وضــاح مث ـ ً‬
‫أســواقاً وقصــوراً‪ .‬فربــض ّ‬
‫مــن مقارنــة مســاحة املدينــة املــدورة باملدينــة ككل‪،‬‬
‫صحيــح البخــاري‪« :‬كان ســقف املســجد مــن جريــد النخــل‬ ‫ســيطرة الســكان عــى مــا يســكنون مــن دروب‪ ،‬خاصــة وأن‬ ‫مــن مائــة حانــوت للوراقــن‪ .‬وقطيعــة الربيــع هبــا حمــالت جتــار‬
‫ِ‬ ‫يســتنتج كل ذي عقــل بــأن املدينــة املــدورة مــا هــي إال قــر‬
‫ــن النــاس وإيــاك أن‬‫وأمــر عمــر ببنــاء املســجد‪ ،‬وقــال‪ :‬أك ُّ‬ ‫معظــم ســكاهنا متجانســون كأن يكونــوا مــن نفــس البلــدة أو‬ ‫مــن بينهــم البزازيــن (اخلياطــن)‪91.‬‬
‫كبــر أو جممــع حكومــي داخــل املدينــة‪ ،‬ولكــن لدائريتهــا‬
‫حتمــر أو تصفــر فتفــن النــاس»‪ 98.‬إال أن كلفــة بنــاء مدينــة‬ ‫ال‪...« :‬‬
‫القبيلــة أو الصنعــة أو املذهــب‪ ،‬فيقــول اليعقــويب مثــ ً‬
‫اســتهوت الباحثــون وجذبــت اهتامهــم عــى حســاب املدينــة‬ ‫والبــد يل هنــا أخــي القــارئ مــن إدخــال تعريفــن‬
‫املنصــور بلغــت مثانيــة عــرش مليــون درمهـاً‪ ،‬يف وقــت كان يباع‬ ‫ومتتــد يف شــارع عظيــم فيــه الــدروب الطــوال كل درب ينســب‬
‫الكــربى‪ ،‬واعتقــد النــاس أن بغــداد مدينــة مــدورة‪ .‬ويف الواقــع‬ ‫جديديــن قبــل اســتكال هــذا الفصــل مهــا «التطابــق» و‬
‫ال‬
‫ال بدرهــم‪ ،‬والتمــر الســتن رط ـ ً‬ ‫فيــه حلــم الغنــم الســتن رط ـ ً‬ ‫إىل أهــل بلــد مــن البلــدان ينزلونــه يف جنبتيــه مجيعــاً ‪93.»...‬‬
‫مــا هــذا املــدور إال قــر كبــر‪ .‬فــكان عــى كل بــاب ممــا يــي‬ ‫«التشــابه»‪ .‬فعندمــا نــرى مبــاين متطابقــة يف مجيــع املواصفــات‬
‫ال بدرهــم‪ .‬فــاإلرساف‬
‫‪99‬‬ ‫بدرهــم‪ ،‬والزيــت الســتة عــرش رطــ ً‬ ‫الرحبــة قائــد يف ألــف مــن احلــرس واحلجــاب‪ .‬فــال يدخلــه‬ ‫واالســتنتاج الــذي نصــل إليــه هــو أن األربــاض والقطائــع‬ ‫مــن خمططــات وواجهــات كــا يتــم عــادة يف مشــاريع‬
‫واضــح مــن وصــف املؤرخــون لقــر املنصــور ومــا إىل ذلــك‬
‫ال باســتثناء كل مــن ابــن املنصــور حممــد املهــدي‬ ‫أحــد إال راجـ ً‬ ‫خــارج املدينــة املــدورة واملناطــق الســكنية داخــل املدينــة‬ ‫اإلســكان‪ ،‬نســتنتج أن الــذي اختــذ القــرارات البــد وأن يكــون‬
‫مــن أبــواب مذهبــة وقبــاب‪ .‬فقــد بلــغ ارتفــاع قبتــه اخلــراء‬
‫وعمــه داود بــن عــي‪ 94.‬فهــل يعقــل أن تكــون مدينــة مينــع‬ ‫املــدورة بســككها وضعــت يف اإلذعــاين املتحــد (بدليــل وجــود‬ ‫جهــة واحــدة‪ .‬يف هــذه احلالــة أقــول إن املبــاين متطابقــة ألن‬
‫مثانــون ذراع ـاً وعــى رأســها متثــال فــرس عليهــا فــارس ! ‪100‬‬
‫فيهــا الركــوب إال إذا كانــت قــر ًا‪ .‬أمــا بالنســبة للمســاحة‪،‬‬ ‫البوابــات)‪ ،‬أمــا الرحبــة ومــا هبــا مــن مبــان والطــرق الدائريــة‬ ‫نفــس القــرارات اســتخدمت مــرار ًا وتكــرار ًا‪ .‬أمــا إذا اختــذ‬
‫ولعــل هــذا اإلرساف يفــر الروايــة التــي تشــر إىل‬ ‫فالدراســات تشــر إىل أن نصــف قطــر املدينــة املــدورة كان‬ ‫والطــرق املؤديــة مــن البوابــات األربــع إىل الرحبــة والطاقــات‬ ‫النــاس القــرارات بأنفســهم وكان هنــاك تشــابه يف الناتــج‬
‫حتــرج اإلمــام أيب حنيفــة النعــان يف االشــراك يف بنــاء بغــداد‪.‬‬ ‫حــوايل كيلــو مــراً واحــداً‪ 95.‬بينــا اجلانــب الغــريب مــن بغــداد‬ ‫داخــل املدينــة املــدورة فكانــت حتــت ســيطرة الســلطة وجتلــت‬ ‫كــا هــو احلــال يف البيئــة التقليديــة نقــول إن هنــاك تشــاهباً‬
‫فيقــول الطــربي‪« :‬أن املنصــور عــرض عــى أيب حنيفــة القضــاء‬ ‫وحــده احتــوى ثالثــن ألــف مســجداً وعــرشة آالف محام ـاً يف‬ ‫فيهــا املركزيــة بتطابقهــا‪ ،‬فهــي بذلــك ليســت يف اإلذعــاين‬ ‫يف املبــاين وليــس تطابق ـاً؛ كورقتــي الشــجرة‪ ،‬فهــا متشــاهبتان‬
‫واملظــامل فامتنــع‪ ،‬فحلــف أال ُيقلــع عنــه حتــى يعمــل‪ ،‬فأخــرب‬ ‫عصورهــا األوىل‪ .‬ويف إحــدى روايــات البغــدادي‪ ،‬أن بغــداد هبــا‬ ‫ولكــن ال تتطابقــان (الصورتــان ‪ 45.5‬و ‪ .)46.5‬فهنــاك فــرق بن‬
‫ـد اللــن عــى رجــل قــد‬‫بذلــك أبــو حنيفــة‪ ،‬فدعــا بقصبــة‪ ،‬فعـ ّ‬ ‫ثالمثائــة ألــف مســجداً (وقــد يقصــد هبــا املســاجد الصغــرة)‪96.‬‬
‫الصـورة‪ 45.5‬من جدة القدميـة وترينا التـشابه بن املباين‪ ،‬فقرارات‬ ‫التطابــق والتشــابه مــن حيــث حركيــة البيئــة‪ :‬فالتطابــق يعــي‬
‫ـد اللــن بالقصــب؛ فأخــرج‬ ‫ل ّبنــه‪ ،‬وكان أبــو حنيفــة أول مــن عـ ّ‬ ‫فتصــور أخــي القــارئ النســبة يف املســاحة بــن االثنــن‪.‬‬ ‫كل منزل ختتلف عن اآلخر برغم تشاهبهم‪ ،‬بينا الصـورة ‪46.5‬‬ ‫أن الفريــق املســيطر هــو فريــق واحــد؛ بينــا التشــابه يعــي‬
‫أبــا جعفــر عــن ميينــه ‪101.»...‬‬ ‫فاملدينــة املــدورة بذلــك مــا هــي إال جممع ـاً حكومي ـاً أو قــراً‬ ‫يف الصفحة املقابلة هـي أيضـاً من جـدة ولكـن ملرشوع سـكي‬ ‫قيــام كل فريــق باختــاذ قــراره لنفســه باتبــاع عــرف مــا‪ .‬ونعــود‬
‫حكومي‪ .‬الحـظ تطابق املبـاين يف مرشوع اإلسكان وذلك ألن‬
‫كبــر ًا حمصنـاً داخــل املدينــة‪ ،‬وهــذا واضــح مــن عمــق خندقهــا‬ ‫اآلن ملوضوعنــا‪.‬‬
‫وهجــرت‪ .‬فقــد قــام‬‫وبالتدريــج خربــت املدينــة املــدورة ُ‬ ‫فـريقـاً واحد ًا قـام بإعـادة استخـدام القـرارات مرات ومرات‬
‫وارتفــاع أســوارها وكــرة حرســها عــى بواباهتــا‪ 97.‬فبغــداد‬
‫املنصــور ســنة ‪ 156‬ببنــاء قــر اخللــد خــارج املدينــة املــدورة‬ ‫لكل شقة سكنية ولكل عارة سكنية‪.‬‬ ‫إن وصــف اليعقــويب لألربــاض يؤكــد عــى تنــوع الوظائف‬
‫باســتثناء املدينــة املــدورة إذاً يف التواجــد املســتقل‪.‬‬
‫وأخــرج األســواق إىل خــارج الســور‪ .‬وبعــد بنــاء القبــة‬ ‫ال بذلــك عــى أن هــذه‬ ‫وتعــدد العنــارص العمرانيــة هبــا دا ً‬
‫‪45.5‬‬
‫اخلــراء مبائــة ونيــف ومثانــن عامـاً ســقط رأس القبــة اخلراء‬ ‫وألســباب متعــددة مل تســتمر هــذه املدينــة املركزيــة يف‬ ‫األربــاض مل تتبــع تنظي ـاً موحــد ًا ُع ّمــم عــى الســكان‪ ،‬ولكــن‬
‫عــام ‪ .329‬ويف ســنة نيــف وثالثــن وثالمثائــة دخــل املــاء‬ ‫ال‪ ،‬بــل اختفــت‪ .‬فمــن املعــروف أن‬ ‫التخطيــط والبنــاء طويــ ً‬ ‫إمــا أن تكــون هنــاك أنظمــة متعــددة بتعــدد املواقــع‪ ،‬وهــذا‬
‫مســتحيل؛ وإمــا أن الســكان قامــوا ببنــاء مــا أرادوا منتهيـاً ذلــك‬
‫بالبيئــة إىل التنــوع يف الوظائــف والعنــارص العمرانيــة وهــذا‬
‫‪46.5‬‬ ‫كنت أحتدث مع زميل يعمل يف وزارة اإلسكان‪ ،‬وكان مكلفا‬
‫باستالم مفاتيح املرشوع السكي الذي يف الصورة‪ ،‬أي مفاتيح‬
‫الــذي حــدث كــا ســرنى‪ .‬فهــذه التنوعــات تشــر إىل ســيطرة‬
‫حوايل ألفي شقة‪ .‬ويف كل شقة عدد من الغرف وعدة محامات‪،‬‬ ‫الســكان عــى بيئاهتــم‪.‬‬
‫وقد نسيت العدد حتديدا‪ .‬لكن لنقل بأن لكل شقة عرش أبواب‬
‫عى أقل تقدير‪ ،‬فعى هذا املهندس أن يستلم مفاتيح عرشين ألف‬
‫ولنقــل فرضــاً إن هــذه األربــاض والقطائــع كانــت‬
‫باب‪ .‬فاخربين عن كيفية استالمها وتسليمها‪ .‬يا له من هم وغم‪.‬‬ ‫حتــت ســيطرة الســلطة‪ ،‬فمــن وصــف اليعقــويب نســتنتج أنــه‬
‫ولكم اآلن أن تتخيلوا الوجه اآلخر‪ ،‬أي أن كل ساكن هو الذي‬ ‫برغــم كــرب مســاحة كل واحــدة منهــا‪ ،‬إال أهنــا مبجموعهــا مل‬
‫قام ببناء مسكنه وأنه هو من يتابع استالم املفاتيح‪ ،‬أال تتوقعون‬
‫تغطــي املســاحة الشــاغرة خــارج املدينــة الدائريــة؛ فكانــت‬
‫أن حيتفل باستالم املفاتيح أميا احتفال‪ .‬واليء ذاته ينطبق عى كل‬
‫مراحل البناء‪ ،‬ففي كل مرحلة كرشاء أدوات دورات املياه مثال‬ ‫هنــاك أراض بيضــاء بــن القطائــع أىت النــاس فيــا بعــد وقامــوا‬
‫ستتحول العملية من هم إىل متابعة ممتعة للالك ألنه يرى تفاصيل‬ ‫بالبنــاء عليهــا وبالطبــع باتبــاع مبــادئ الرشيعــة كــا ســرنى يف‬
‫املكان الذي سيعيش فيه‪ .‬هذا فارق مهم بن التفكرين‪ ،‬التسلطي‬ ‫الفصلــن القادمــن‪ .‬فيقــول اليعقــويب‪« :‬وبــن هــذه األربــاض‬
‫املركزي‪ ،‬وما تؤدي إليه الرشيعة‪.‬‬

‫‪189‬‬ ‫‪188‬‬
‫البيئــة‪ ،‬باإلضافــة ملبــادئ أخــرى مهمــة‪ ،‬ولكــن اآلن لرنكــز‬ ‫وهــدم طاقــات بــاب الكوفــة ثــم دخــل املدينــة وهــدم بعــض‬
‫عــى مبــدأ الــرر‪ ،‬وهــو األهــم‪ ،‬وهــو موضــوع الفصلــن‬ ‫الــدور‪ 102.‬ويل ّخــص املســترشق يل ســرانج املراحــل التــي أدت‬
‫القادمــن إن شــاء اللــه‪.‬‬ ‫إىل اختفــاء مدينــة املنصــور فيقــول‪ :‬إن التاريــخ ال يذكــر لنــا‬
‫مــا حــدث بالضبــط‪ .‬ولكــن مــن الواضــح أن الســور الداخــي‬
‫وقبــل الذهــاب إىل الفصــل القــادم البــد مــن التذكــر مــرة‬
‫ِ‬ ‫املحيــط بالرحبــة اختفــى يف وقــت مبكــر وذلــك لتعــدى‬
‫ـرق املســتوطنة ســرت اتســاع‬ ‫أخــرى بــأن تراكــم قــرارات الفـ َ‬
‫املنــازل املجــاورة عليــه باألخــذ منــه‪ .‬فباســتثناء وصــف البنــاء‬
‫رقعــة العامــر‪ .‬أي أن الفــرق املســتوطنة هــي املقــررة لنفســها‪.‬‬
‫األول للمدينــة املــدورة فــإن الطــربي ومــن بعــده مــن املؤرخــن‬
‫فلــم تتدخــل الســلطة‪ .‬وقــد جلــأت هــذه الفــرق لالتفــاق‬
‫مل يذكــروا هــذا الســور قــط‪ .‬وحتــى اخلنــدق املحيــط بالســور‬
‫ـون ومنو‬ ‫واألعــراف لتــاليف اخلــالف‪ .‬فاملبــادئ التــي ســرت تكـ ّ‬
‫ال بعــد املنصــور‪ ،‬فــال ذكــر لــه يف مــا‬
‫اخلارجــي مل يســتمر طويـ ً‬
‫ـور لوائــح ومراســيم ونظــم لل ُت ّتبــع‪،‬‬ ‫املــدن مل تكــن مق ّننــة يف ُصـ َ‬
‫كتبــه املؤرخــون عــن حصــار بغــداد وقــت األمــن‪ .‬وباســتثناء‬
‫ولكنهــا كانــت قابلــة للنقــاش بــن األطــراف مؤديــة لالتفــاق‬
‫مــا ذكــر‪ ،‬فالظاهــر هــو أن املدينــة بقيــت كــا بناهــا املنصــور‬
‫الــذي صــاغ البيئــة‪ ،‬وحريــم العامــر أفضــل مثــل عــى هــذا‪.‬‬
‫حتــى وفــاة هــارون الرشــيد ســنة ‪ .193‬لذلــك فــأول خــراب‬
‫فالشــكل غــر املنتظــم هندســياً للطــرق يف املــدن اإلســالمية‬
‫حلــق بالســور اخلارجــي البــد وأن يكــون بفعــل اجلنــود خــالل‬
‫هــو مــرآة تعكــس تراكــم القــرارات الصغــرة الكثــرة التــي‬
‫اهلجــوم الــذي أهنــى احلصــار األول ســنة ‪ .198‬ويقــول اخلطيب‬
‫اختذهــا الســاكنون املالكــون املســيطرون ســواء كان ذلــك‬
‫يف ثــورة عــام ‪ 307‬بــأن العامــة يف بغــداد كــرت احلبــوس‬
‫تكوهنــا‪ .‬أي أن الالمركزيــة أدت إىل‬ ‫يف منــو املــدن أو أثنــاء ّ‬
‫فغلّــق أصحــاب الرشطــة األبــواب احلديديــة للمدينــة وتتبعــوا‬
‫احلــوار بــن الفــرق املســتوطنة وبالتــايل إىل التواجــد املســتقل‬
‫املســاجن ومل يفلــت أحــد منهــم‪ ،‬أي أن احلوائــط الدائريــة‬
‫ذي األعيــان يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬إال أن هــذا ال يعــي أن البيئــة‬
‫البــد وأن تكــون ســليمة آنــذاك‪ .‬ويف مجــادى الثانيــة لســنة ‪329‬‬
‫كانــت فــوىض كــا ســرون إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫خــرب قــر بــاب الذهــب‪ 103.‬ويف عــام ‪ 350‬نقلــت أبــواب‬
‫األســوار احلديديــة مــن بغــداد‪ .‬ويذكــر املقديــي أن املدينــة‬
‫املــدورة خربــت وهجرهــا أهلهــا بعــد عــام ‪ .375‬وهبــذا فقــدت‬
‫مدينــة املنصــور (املدينــة املــدورة) شــخصيتها يف هنايــة القــرن‬
‫الرابــع اهلجــري وأصبحــت رحبتهــا أرض ـاً فضــاء والتحــم مــا‬
‫بقــي مــن مبانيهــا يف املدينــة ليصبــح جــزءاً مــن مدينــة بغــداد‪.‬‬
‫أي أن املدينــة ذات الســلطة املركزيــة رفضهــا جمتمــع ذلــك‬
‫اليــوم‪ ،‬ومل تتمكــن مــن االحتفــاظ بشــكلها عــرب الزمــن‪104.‬‬

‫ويف النهايــة أقــول أن املدينــة املــدورة كأي مدينــة أخــرى‬


‫تغــرت بفعــل تراكــم قــرارات الفــرق املســتوطنة‪ .‬فهــذا اجلســم‬
‫الغريــب عــى بغــداد ذاب وأصبــح جــزء ًا منهــا‪ .‬ملــاذا أقــول‬
‫أن املدينــة املــدورة كانــت جس ـاً غريب ـاً ورفضهــا املجتمــع؟‬
‫وملــاذا متكــن الســكان مــن التعــدي والبنــاء عــى الرحبــة‬
‫واخــراق أســوارها؟ وملــاذا التشــابه بــن املــدن اإلســالمية‬
‫املبدعــة والتلقائيــة؟ أي ملــاذا التشــابه بــن كل مــن املــدن‬
‫املركزيــة والالمركزيــة يف التخطيــط‪ ،‬واملــدن التــي وجــدت‬
‫قبــل اإلســالم وفتحهــا املســلمون كدمشــق‪ ،‬واملــدن التــي منــت‬
‫تدرجييـاً لتصبــح مدينــة بعــد أن كانــت قريــة؟‪ 105‬اإلجابــة عى‬
‫هــذه األســئلة تكمــن يف تأثــر مبــدأ الــرر يف تســير أمــور‬

‫‪190‬‬

You might also like