Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 133

‫مذكرات الضابط‬

‫علي بن أمحد مسعي‬


‫‪-‬املنطقة السادسة تبسة‪-‬‬

‫الوالية التارخيية األوىل أوراس النمامشة‬

‫تأليف اجملاهد‬
‫علي بن أمحد مسعي‬

‫حترير وإعداد‬

‫األستاذ منري مسعي‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪2020‬م‬
‫جميع الحقوق محفوظة‬
‫ِّ‬
‫املؤلف‪ :‬علي بن أحمد مسعي‬
‫الكتاب‪ :‬مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫‪-‬املنطقة السادسة تبسة‪-‬‬
‫الوالية التاريخية األولى أوراس النمامشة‬
‫الطبعة األولى‪2020 :‬م‬
‫اإليداع القانوني‪ :‬السداسي الثاني ‪2020‬م‬
‫‪ISBN: 978-9931-741-15-2‬‬

‫الناشر‪:‬‬

‫نوران للنشر والتوزيع‬


‫املقر‪ :‬طريق املطار –تبسة‪-‬الجزائر‬
‫هاتف‪00213558400069 :‬‬
‫البريد االلكتروني‪:‬‬
‫‪nouranepublishing@gmail.com‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫إهداء خاص‬

‫‪3‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫مقدمة‬
‫والصالة ّ‬
‫والسالم على رسول هللا‬ ‫رب العاملين‪ّ ،‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد هلل ّ‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ّ‬
‫الدين‪.‬‬
‫التاريخ قاعدة الحضا ات‪ ،‬وأسس الحاضر واستشراف املستقبل‪ّ ،‬‬
‫وإن الجزائر‬ ‫فإن ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة ّ‬ ‫املعاصرة ُبنيت ّ‬
‫حريرية‪ ،‬تلك الثورة‬ ‫وأسس لها بعد مخاض الجزائر الحديثة‪ ،‬جزائر‬
‫الضيم والجور‪ ،‬وأضرم وطيسها‬ ‫العظيمة التي أوقد نيرانها عزم رجال‪ ،‬دعاهم اإلباء إلى دفع ّ‬
‫ّ ّ َ‬
‫كل ن َفس من أنفاسنا‬ ‫النفس وا ّلنفيس كي نعيش نحن اليوم ونحيا‪ ،‬وإن‬ ‫جهاد أبطال‪ ،‬دفعوا ّ‬
‫ّ َ‬
‫كل ن َفس من أنفاس أولئك األشاوس وهم في رحى املعارك وتحت سيف املوت‪.‬‬ ‫يرجع فضله إلى‬
‫ثم رأينا تاريخا ليس لنا أراده ّ‬ ‫ّ‬
‫املنظرون‪ّ ،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫تلقينا ّ‬
‫املزورون‪،‬‬ ‫التاريخ كما أراد له‬
‫ّ‬ ‫الشعب الجزائر ّي وانتفض‪ ،‬وبرزت معالم ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫حرر من تلك اإلرادة الخبيثة‪ ،‬التي‬ ‫واستفاق‬
‫عبثت بمعالم تاريخنا املجيد‪ ،‬فأرادت ألعالمنا الخفاء‪ ،‬وشاءت لرويبضاتهم العالء‪ ،‬لكنّ‬
‫النواجب واألفاضل‪.‬‬ ‫والصغائر‪ ،‬ويمسك ّ‬‫الزوائد ّ‬‫ا ّلتاريخ ال يفتأ يغربل نفسه فيسقط ّ‬

‫ضد الباطل‪ ،‬ثورة‬ ‫الحق ّ‬ ‫إن ثورتنا املجيدة كانت حدث القرن العشرين‪ ،‬فهي ثورة ّ‬ ‫ّ‬
‫سيدا بهويته وملكا‬ ‫املسلحين‪ ،‬ثورة شعب ُأريد له املسخ‪ ،‬فأبى ّإال أن يكون ّ‬ ‫ّ‬ ‫الع ّزل ّ‬
‫ضد‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫بوجوده‪ ،‬فحفظت الثورة لنا كرامتنا‪ ،‬ووهبت لنا حياتنا من جديد‪ ،‬وتقاسم مجدها من ليس‬
‫ُ‬ ‫كل ناح من نواحي ّ‬‫منها‪ ،‬وتبعثر إلدتها في ّ‬
‫التهميش‪ ،‬فطمست حقائق كثيرة‪ ،‬وأحداث جسيمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الش ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خصية لألبطال الذين صنعوا مالحم‬ ‫ألسباب علمناها ولم نعلمها‪ ،‬لكن تبقى املذكرات‬
‫الحق الذي نرى من خالله ثورتنا‪ ،‬ونأخذ منها حكمتنا ُون ّ‬
‫عد بها تجربتنا‪.‬‬ ‫النور ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة‪ ،‬هي ّ‬ ‫تلك‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كمها‪ ،‬إنما هي بقع ضوء ونور في ثنايا تاريخ‬ ‫وهذه املذكرات التي بين أيدينا رغم قلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحرير‪ ،‬كتبتها أنامل ّ‬ ‫ثورة ّ‬
‫واصفرت‬ ‫وتكسرت‪،‬‬ ‫وتجعدت‪ ،‬ورقت عظامها‬ ‫جفت بشرتها‬
‫الزناد‪ ،‬وطول الجهاد‪ ،‬أنامل‬ ‫السالح وضغط ّ‬ ‫وتشققت‪ ،‬من كثرة ما التحمت بحديد ّ‬ ‫أظافرها ّ‬
‫البطل علي بن أحمد مسعي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫التفاصيل ّالتي ّ‬
‫يتحدث عنها‬ ‫أهمية بالغة‪ ،‬من حيث ّ‬ ‫اريخية ّ‬ ‫وتكتس ي هذه الوقائع ّ‬
‫الت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫املجاهد‪ ،‬واألحداث ّ‬
‫والخفية التي يكشفها لنا‪ ،‬والتي ألقت بظاللها على عقود طويلة‬ ‫املهمة‬
‫التأخر ّ‬
‫والتدهور في بالدنا‪.‬‬ ‫من ّ‬
‫الت ّ‬
‫اريخية أوراس اللمامشة‪ ،‬فهي أساس‬ ‫وألنها مذكرات لبطل من أبطال الوالية األولى ّ‬ ‫ّ‬
‫التحرير املجيدة‪ّ ،‬‬
‫وألن البطل علي مسعي كان من‬ ‫إلعادة صياغة الكثير من أطوار حرب ّ‬
‫أهمية شهادته على ّ‬ ‫فإن ّ‬‫ورية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الث ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫أبرز ّ‬ ‫القادة وكان ّ‬
‫التاريخ‪ ،‬تضرب‬ ‫خصيات‬ ‫مقربا من‬
‫جتماعية ّ‬
‫والس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والث ّ‬ ‫كل جوانب الحياة ّ‬
‫الت ّ‬ ‫بأبعادها في ّ‬
‫ياسية‪.‬‬ ‫قافية واإل‬ ‫اريخية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن الهدف من كتابة هذه املذكرات‪ ،‬كما أخبرني صاحبها بنفسه‪ ،‬ليس تمجيدا للذات‬
‫حق مشروع مباح‪ ،‬بل هو كشف للمستور الذي كان في‬ ‫وال وقوفا على البطوالت وإن كان هذا ّ‬
‫ّ‬
‫شخصيات تراكم على تاريخها‬ ‫عد مسلكا إلى القبور‪ ،‬وهو وقوف على تمجيد ل‬ ‫عهود سابقة ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫التراب قصدا‪ ،‬وغفل عن فضلها عمدا‪ ،‬وعلى أحداث ظلت غامضة ألحقاب طوال‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد تأخرت كتابتها إلى أواخر عمر املجاهد رحمه هللا‪ ،‬بسبب مشاغل الحياة‪ ،‬واملكانة‬
‫جتماعية ّالتي كانت للبطل في مجتمعه وبين أهله‪ ،‬والقمع الفكري واالجتماعي ّ‬
‫والسياس ي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اال‬
‫ّ‬ ‫الحقيقيين بعد االستقالل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي ّ‬
‫ثم إن البطل أوص ى أال‬ ‫ظل يطارد أبطال ثورة التحرير‬
‫الوصية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وإن نشرها اليوم هو تثمين لجهود أبطال‬ ‫تنشر مذكراته في حياته‪ ،‬فكان لزاما اتباع‬
‫ّ‬ ‫كل املؤامرات ّ‬ ‫ّ‬
‫يتصدون إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫الدنيئة التي تحاول‬ ‫نوفمبر‪ ،‬وتثمين لجهود أبطال اليوم الذين‬
‫إسقاط الجزائر‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذه املذكرات هي مخطوطات بيد املجاهد البطل مسعي علي بن أحمد‪ ،‬كتبها في‬
‫ّ‬
‫مفصال‬ ‫األعوام األخيرة من حياته‪ ،‬ومنها قصاصات كان ّ‬
‫يدون فيها نقاطا ّ‬
‫مهمة‪ ،‬ليعود إليها‬
‫بعد ذلك‪ّ ،‬‬
‫لكن األجل لم يترك له الفرصة‪ ،‬وقد ّ‬
‫دون البطل سيرته منذ مرحلة اإلعداد لثورة‬
‫والشاذلي بن جديد‪ ،‬فمنها مراحل متسلسلة متالصقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحرير‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫زمانيا‪،‬‬ ‫حتى عهد بومدين‬
‫خاصة تلك التي كانت وتيرة األحداث فيها متسارعة في أوراس اللمامشة‪ ،‬من سنة ‪1954‬م ّ‬
‫حتى‬ ‫ّ‬
‫والتي لم ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫يفصل فيها البطل كثيرا‪ ،‬ولم تك‬ ‫سنة ‪1957‬م‪ ،‬ومنها ما كانت منفصلة زمانيا‬
‫واضحة املعالم كثيرا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫املذكرات وفق معرفة ُمسبقة بكثير من ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد ّ‬


‫التفاصيل في‬ ‫تم إعداد ومراجعة هذه‬
‫ّ‬
‫خولت لي معرفة ُمعظم ما جاء في املذكرات‬ ‫حياة البطل‪ ،‬فعالقة القربى ّالتي تربطني بالبطل ّ‬
‫ّ‬
‫من أحداث‪ ،‬من األحاديث مع البطل نفسه‪ ،‬أو من أخيه األكبر البطل حامد مسعي‪ ،‬الذي‬
‫التحرير وأخبار أبطالها‪ ،‬ومن قرابتي‬ ‫كنت أالزمه لسنوات عديدة‪ ،‬وأنهل منه تفاصيل ثورة ّ‬
‫الشقيق األصغر للبطل علي بن أحمد‪ ،‬وقد طلب ّ‬ ‫ّ‬
‫مني كثير من‬ ‫للبطل مسعي األسود األخ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دكاترة ّ‬
‫واملهتمين‪ ،‬هذه املذكرات مرارا وتكرارا لقيمتها البالغة‪ ،‬ولم يشأ هللا‬ ‫التاريخ والباحثين‬
‫العم جمال‬ ‫وجل ّإال أن تصلني بعد وفاة البطل بأربعة سنوات‪ ،‬عن طريق أخيه األصغر ّ‬ ‫عز ّ‬‫ّ‬
‫مسعي‪.‬‬
‫املذكرات كما هي‪ ،‬دون تغيير ّ‬‫ّ‬
‫ألي فصل من فصولها‪ ،‬لكن بإعادة صياغة‬ ‫وقد نسخت‬
‫ثم علقت على بعض األحداث في الهوامش‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية ومراعاة مضامينها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مما‬ ‫بعض التراكيب‬
‫الثقات‪ ،‬أو ّ‬‫ّ‬
‫مما رواه البطل ألخيه األكبر‬ ‫قاله البطل علي مسعي مشافهة لي أو لبعض األهل‬
‫املنية‪ّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ّ‬
‫الزيتون‪ ،‬حتى وافته ّ‬‫بحي ّ‬
‫كل أسبوع بمكان إقامته ّ‬ ‫حامد مسعي‪ّ ،‬الذي كان يزوره ّ‬
‫بالصالحين‪ ،‬أو ما شهد عليه‬‫قض ى األخ األكبر نحبه بعده بأربع سنين رحمهما هللا وألحقهما ّ‬
‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫خصيات مالزمة للبطل علي بن أحمد‪.‬‬ ‫البطل األسود مسعي‪ ،‬ألنه كان أكثر‬
‫كل ّ‬
‫األمة‬ ‫هدية من املجاهد البطل علي بن أحمد مسعي‪ ،‬إلى ّ‬ ‫وهذا الجهد هو ّ‬
‫ّ‬ ‫هدية من املُ ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعب الجزائري‪ ،‬وهو ّ‬ ‫اإل ّ‬
‫سالمية‪ ،‬وإلى ّ‬
‫عد لهذه املذكرة إلى تاريخ‬ ‫كل أفراد‬
‫الصخرة‪ ،‬وأسد‬‫الجزائر وأهلها‪ ،‬وتخليدا لذكرى املجاهد البطل علي بن أحمد مسعي بطل ّ‬
‫اللمامشة األبطال‪.‬‬
‫األستاذ‪ :‬منري مسعي‬

‫‪7‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫المجاهد علي بن أحمد مسعي‬


‫التكوكي‪ ،‬بطل من أبطال أوراس اللمامشة‪ ،‬من‬ ‫هو املجاهد علي بن أحمد مسعي ّ‬
‫التحرير‪ ،‬وخالط ّ‬
‫أهم‬ ‫اريخية لثورة ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫أهم األحداث ّ‬ ‫األول للمجاهدين‪ ،‬عايش ّ‬ ‫الرعيل ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية مثل‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫الهواري بومدين‪ ،‬الطاهر زبيري‪ ،‬شيحاني بشير‪ ،‬الشيخ‬ ‫خصيات البارزة‬
‫شريط‪ ،‬الوردي‬ ‫عباس الغرور‪ ،‬لزهر ّ‬ ‫حمه‪ّ ،‬‬
‫عجول‪ ،‬فرحي ساعي بابانا‪ ،‬فرحي ّ‬ ‫مزهودي‪ ،‬عاجل ّ‬
‫الزين‪ ،‬بن عمر جيالني‪ ...‬وغيرهم‪.‬‬ ‫عباد ّ‬ ‫ّ‬
‫البوقص ي‪ّ ،‬‬ ‫قتال‪ ،‬عمر عون‬ ‫ّ‬
‫نسبه‪ :‬هو علي بن أحمد بن علي بن األسود بن علي بن املبارك بن محمد بن مسعي بن‬
‫ّ‬
‫أحمد بن بلقاسم بن سالم التكوكي الجلمودي من العالونة من حلف اللمامشة العظيم‪،‬‬
‫الدبابي من القبيلة العربية بني ُسليم‪.‬‬‫ترجع أصوله األولى إلى بني سالم ّ‬
‫التابعة ّ‬
‫إداريا‬ ‫مولده‪ :‬ولد البطل بالفاتح من جويلية سنة ‪1927‬م‪ ،‬بسفوح تازبنت ّ‬
‫التكاكة‪ ،‬إذ ينتسب إلى‬ ‫دوار ّ‬ ‫واودية‪ ،‬بمنطقة ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫سمى بذراع ّ‬ ‫مقدم‪ ،‬باملكان املُ ّ‬
‫اليوم لبئر ّ‬
‫قبيلة الجالمدة فرع العالونة من عرش اللمامشة األشاوس‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأمه هي جبارة بنت ساعي فرحي‪ ،‬وهي عمة‬‫ّ‬ ‫والده هو املناضل أحمد بن علي مسعي‪ّ ،‬‬
‫الطاهر بن عثمان‪ ،‬فرحي ّ‬ ‫ّ‬
‫حمه بن‬ ‫األبطال‪ :‬فرحي ساعي بابانا‪ ،‬فرحي بشير بن عثمان‪ ،‬فرحي‬
‫عثمان‪ ،‬فرحي محمد بن عثمان‪ ،‬فرحي املقدادي بن علي‪ ،‬فالبطل علي مسعي مولود في بيئة‬
‫ّ‬
‫جهادية عمومة وخؤولة‪.‬‬ ‫ثورّية‬‫ّ‬
‫كبقية البدو الذين يظعنون من تالل اللمامشة إلى صحاريها‪،‬‬ ‫حياته‪ :‬عاش طفولته ّ‬
‫حتى قفصة وسيدي علي بن عون ونفطة‪ ،‬كان مالزما أباه وإخوته في رعي اإلبل واألغنام‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وتلقى تعليم القرآن الكريم بمسقط رأسه منذ نعومة أظافره‪ّ ،‬‬
‫ثم بزوايا نفطة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باملنظمة ّ‬ ‫وملا ّ‬
‫السرية إلعداد الثورة‪ ،‬والتي كانت مكلفة‬ ‫شب كان من أبرز من عملوا‬
‫السياحي‪ ،‬رفقة والده أحمد مسعي‪ ،‬وعمارة عثمان بن رابح‪،‬‬ ‫بجمع املعلومات والقطاع ّ‬
‫تم اإلعالن عن‬ ‫ومالكية خليفة‪ ،‬وما إن ّ‬‫ّ‬ ‫الدين محمد بن رابح‪،‬‬‫ومحمد بن رجب عابر‪ ،‬ونصر ّ‬
‫ّ‬ ‫الثورة املباركة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وانضم إلى أبطال‬ ‫حتى سارع والتحق بها ربيع سنة ‪1955‬م‪ ،‬مقبال غير مدبر‪،‬‬
‫الجزائر في جبال اللمامشة الشامخة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫العدو‬ ‫إنجازاته‪ :‬خاض البطل معارك عديدة‪ ،‬وأبلى فيها البالء الحسن‪ ،‬وشهد له‬
‫حتى ّ‬
‫والذكاء‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قبل ّ‬
‫إن أهل تالة بتونس‪ ،‬أطلقوا عليه لقب‪ :‬علي بن أحمد‬ ‫الصديق بالشجاعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫بطل ّ‬
‫العدو وحيدا‬ ‫الصخرة‪ ،‬بعد معركة فجوج الطين التي أبلى فيها بالء الليوث‪ ،‬إذ حاصره‬
‫حتى تراجعوا‪ ،‬فقال ّ‬
‫الضابط الفرنس ي‬ ‫النار عليهم ّ‬ ‫وظل يطلق ّ‬ ‫عند صخرة‪ ،‬احتمى بها ّ‬
‫جدا‪.‬‬‫املسؤول‪ :‬هذا ّفالق شجاع ّ‬
‫أهم املعارك التي خاضها البطل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫_ معركة جبل القعقاع في ‪ 07‬جوان ‪1955‬م‪.‬‬
‫الزرقاء في ‪ 18‬جويلية ‪1955‬م‪.‬‬ ‫_ معركة جبل ّ‬
‫_ معركة أم الكماكم في ‪ 22‬جويلية ‪1955‬م‪.‬‬
‫_ معركة جبل سمامة في سبتمبر ‪1955‬م‪.‬‬
‫_ معركة الجرف الكبرى في ‪ 22‬سبتمبر ‪1955‬م‪.‬‬
‫_ قائدا ملعركة بودرياس قرب بوشبكة في الفاتح مارس ‪1956‬م‪.‬‬
‫السيف األولى في ‪ 02‬مارس ‪1956‬م‪.‬‬ ‫_ قائدا ملعركة جبل ّ‬
‫قياديا في معركة أرقو الكبرى التي أسقت فيها مروحيتان في ‪ 18‬جوان‬ ‫ّ‬ ‫_ عضوا‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫الدرمون في ‪ 19‬جوان ‪1956‬م‬ ‫_ قائدا ملعركة ّ‬
‫الزردوب بالحدود الجزائرية التونسية في ‪ 08‬أوت ‪1956‬م‪.‬‬ ‫_ قائدا ملعركة ّ‬
‫_ قائدا ملعركة خنقة الزيتون في نوفمبر ‪1956‬م داخل الحدود التونسية‪.‬‬
‫ّّ‬
‫الدكان في ‪ 27‬نوفمبر ‪1956‬م‪.‬‬ ‫_ قائدا ملعركة‬
‫قياديا في معركة أنوال الكبرى في ‪ 29‬نوفمبر ‪1956‬م‪.‬‬ ‫_ عضوا ّ‬
‫الضبط في جبل السيف في ‪ 02‬جانفي ‪1957‬م‪.‬‬ ‫_ معركة ّ‬
‫الرباعي بالحدود التونسية في فيفري ‪1957‬م‪.‬‬ ‫_قائدا ملعركة واد ّ‬
‫_ قائدا ملعركة جبل سنامة في أفريل ‪1957‬م‪.‬‬
‫فوة التي كانت آخر معاركه‪ ،‬حيث أصيب فيها بإصابات بالغة‬ ‫_ قائدا ملعركة جبل ّ‬
‫الخطورة‪ ،‬على مستوى الفخذ‪ ،‬ونقل إلى مدينة الكاف التونسية وخضع للعالج هناك‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الت ّ‬
‫ونسية‪،‬‬ ‫ثم ُع ّين البطل مسؤوال على مراكز املجاهدين في فيرمة املقراني‪ ،‬قرب تالة ّ‬ ‫ّ‬
‫الخاصة بشؤون‬ ‫ّ‬ ‫وفي أواخر ‪1958‬م ّتمت ترقيته إلى مالزم ّأول‪ ،‬وأصبح عضوا باللجنة‬
‫ّ‬
‫الالجئين واألسرى واملجاهدين وشهداء الثورة‪ ،‬رفقة‪ :‬عبد الحميد براهمي‪ ،‬وإبراهيم براهمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الحربية بالقاهرة أوائل‬ ‫عسكرية للكل ّية‬ ‫بعد االستقالل أرسل البطل ضمن بعثة‬
‫ّ‬
‫العسكرية‬ ‫تم توجيهه بعدها إلى املدرسة‬ ‫ثم ّ‬ ‫املدرعات‪ّ ،‬‬ ‫تخصص سالح ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1963‬م‪ّ ،‬‬
‫وتكون في‬
‫السالح نفسه‪.‬‬ ‫تم تدريبه على يد خبراء روس في ّ‬ ‫بباتنة حيث ّ‬
‫وظل بين أهله وذويه‪ ،‬يسوس‬ ‫التقاعد القصري‪ّ ،‬‬ ‫وفي أواخر ‪1971‬م ّتمت إحالته إلى ّ‬
‫النكاح ومجالس صلح وغيرها‪ ،‬وكانت له مكانة‬ ‫التكاكة من خصومات وعقود ّ‬ ‫أمور عرش ّ‬
‫علية في عرش اللمامشة وفي والية تبسة وغيرها‪ ،‬إذ كان رجال صدوقا خلوقا‪ ،‬حازما صارما‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يالزم املساجد وينصح هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ولم يسع إلى ترف الحياة وملذات‬
‫تبسة بين أهلها‪ ،‬وال يذكر صنيعه البطولي وال‬ ‫الدنيا‪ ،‬وقد عاش بسيطا يجوب شوارع مدينة ّ‬
‫ّ‬
‫يمن بأفعاله على أحد‪.‬‬
‫صحية‪ ،‬لم تطل حتى وافته ّ‬
‫املنية يوم ‪05‬‬ ‫وفي أواخر عام ‪2014‬م أصيب بوعكة ّ‬
‫ُ‬ ‫فيفري ‪2015‬م‪ ،‬بمستشفى عالية صالح ّ‬
‫بتبسة‪ ،‬وقد ش ّيع البطل في جنازة مهيبة إلى مقبرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رفانة حيث ووري الثرى‪ ،‬وقد بكته أعين الرجال ورثته قلوبهم‪ ،‬تاركا وراءه أجياال طاملا كان‬
‫ّ‬ ‫يضع روحه على ّ‬
‫كفه كي تعيش هذه األجيال‪ ،‬وخلف وراءه رصيدا بطوليا تقشعر له األبدان‪،‬‬
‫وقد ّأدى ما عليه رحمه هللا وغفر له وألحقه باألبرار‪.‬‬
‫الجزائرية من جملة ّ‬
‫أولوياتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وترك مقولة طاملا رددها‪" :‬أمنيتي أن تجعل الدولة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الجزائرية معجزة القرن العشرين‪،‬‬ ‫خاصة أحداث الثورة‬ ‫مادة التاريخ‪،‬‬ ‫املحافظة على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأن ّ‬
‫تسن قوانين لحمايته من التحريف والتشويه من ِقبل املتطفلين املغرورين‪".‬‬

‫‪10‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪11‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪12‬‬
‫الكتاب‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الثّورة اجلزائرية ومراحل أحداث التاريخ‪ ،‬وإعادة الوعي‬

‫من تلك األحداث؛ الحرب العاملية الثانية‪ ،‬تلك الحرب التي كانت فرنسا قد دخلتها‬
‫بأبناء املغرب العربي وباقي األفارقة‪ ،‬ونخص هنا أبناء الجزائر الذين كان موقعهم في جبهات‬
‫القتال بالصفوف األمامية‪ ،‬حيث ُقتل ُ‬
‫وجرح الكثير منهم‪ ،‬ومنهم املعاقون نتيجة لذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫تقشعر لها األبدان‪ ،‬وترجف لها القلوب ونحن أطفال‪ ،‬نرى‬ ‫ّ‬
‫كنا نرى مشاهد محزنة‬
‫ذلك في النساء النائحات من ّأمهات وزوجات وقريبات هنا وهناك‪ ،‬ذلك ما كان ّ‬
‫يحز في‬
‫جوارحنا وأنفسنا‪.‬‬
‫إن عوامل الحزن واأللم كانت تختزن في ذاكرتنا‪ ،‬وما كان يزيد في أحزاننا أكثر‪ ،‬هو‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫العامة‪،‬‬ ‫املدنيين‪ ،‬نتيجة األمراض واألوبئة‪ ،‬بسبب املجاعات‬‫ّ‬ ‫كثرة الوفيات في صفوف‬
‫ّ‬ ‫وفقدان ّ‬
‫كل املواد الغذائية بكل أنواعها‪ ،‬من حبوب ولحوم وغيرها‪ ...‬وذلك يرجع لتوقف‬
‫وسائل االنتاج في العالم‪ ،‬لطول سنوات الحرب‪ ،‬وما صاحبها من جفاف‪ّ ،‬‬
‫حتى وصل األمر بأن‬
‫ويدعون ّ‬‫الرجال عن زوجاتهم‪ّ ،‬‬ ‫يتخلى بعض ّ‬‫ّ‬
‫أنهن أخواتهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫انحط مستوى األخالق في ّ‬ ‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬وهذا ملا وصل إليه حال الناس في‬ ‫انظر كيف‬
‫ّ‬ ‫الرعاية ّ‬ ‫غياب ّ‬
‫الصحية والتغذية‪ ،‬فقد تخلت فرنسا عن الشعب الجزائري‪ ،‬وتركته للفقر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أصحاء الشباب فتسوقهم إلى مسالخ‬ ‫واألوبئة واألمراض‪ّ ،‬أما من عافاه هللا عز وجل من‬
‫جبهات القتال‪.‬‬
‫منا قبل البصير‪ ،‬والقلوب تمتلئ حتى صار ّ‬
‫الغل على فرنسا‬ ‫كل ذلك كان يراه األعمى ّ‬
‫يفيض من حناجرنا فعال‪.‬‬
‫ّ‬
‫وملا انتهت الحرب في ماي ‪1945‬م‪ ،‬وانطلقت مسيرات الفرح ورجوع األمل بتوقف‬
‫ّ‬
‫سلمية‬ ‫الحرب‪ ،‬إذ كانت تلك الفرحة في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وفي الجزائر كانت مسيرات‬
‫ّ‬
‫بعديد من مدن الشرق الجزائري يوم الثامن من ماي ‪1945‬م‪ ،‬من رجال ونساء وأطفال‪ ،‬منهم‬
‫من حمل العلم الجزائري‪ ،‬ومن يحملون مطالب تحقيق املصير للشعب الجزائري‪ ،‬تحقيقا ملا‬
‫كل قادة الغرب‪ ،‬ولكن ماذا حدث في ذلك‬ ‫صرح به رئيس الواليات األمريكية املتحدة باسم ّ‬
‫ّ‬
‫اليوم األسود الثامن من ماي ‪1945‬م؟‬
‫‪15‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫فبمجرد أن تحركت املسيرات حتى الحقتها فرق الجيش والجندرمة بأنواع ّ‬


‫السالح‪،‬‬
‫فكانت النتيجة مقتل ‪ 45‬ألفا‪ ،‬ولم يتركوا جريحا‪ ،‬فحزن الجزائريون وبكوا شهداءهم ولم‬
‫ّ‬
‫يتحرك قادة الغرب‪ ،‬كأنه لم يحدث ش يء‪ ،‬هكذا أرادت فرنسا‪ُ ،‬يقتل خيرة شبابنا في جبهات‬
‫ّ‬
‫القتال‪ ،‬وتغتصب خيرات الجزائر من حبوب ولحوم لتموين جيشها في الحروب‪.‬‬
‫ّ‬
‫ماجاء في ّرد فعل الوطنيين الجزائريين من ساسة ومثقفين وغيرهم‬
‫الشعب سنة ‪1947‬م‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫كرد‬ ‫نتج عن تلك األحداث تشكيل جناح عسكري داخل حزب‬
‫ّ‬
‫سريا عسكريا يتكلف بعملية ّ‬
‫فعل جاء من سياسيي ومثقفي الوطن‪ ،‬كان جناحا ّ‬
‫التحضير‬
‫ّ‬
‫الوطنيين‪ ،‬لتدريبهم على فنون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للثورة‪ ،‬من جمع لألموال ّ‬
‫األصحاء‬ ‫والسالح وتجنيد الشباب‬
‫وبث الفكر الوطني فيهم‪ ،‬وقد نجح ذلك الجهاز في ّ‬ ‫ّ‬ ‫القتال وحسن استعمال ّ‬
‫عملية‬ ‫السالح‪،‬‬
‫ّ‬ ‫خاصة ّ‬
‫التحضير‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أن الحرب تركت مخلفات كثيرة من أسلحة وألبسة وأحذية‪.‬‬
‫الس ّرية بسبب خالف حدث داخل صفوف لجنة الوحدة‬ ‫لكن سرعان ما انكشفت ّ‬
‫النظام بتبسة الشيخي عبد القادر املدعو‬‫والعمل بقسم القاعدة‪ ،‬إذ أعلن وقتها مسؤول ّ‬
‫ّ‬
‫رحيم استقالته عن طريق الجرائد‪ ،‬مما أثار حفيظة جناح ديدوش مراد‪ ،‬وقد حذره من‬
‫ثم سألوه الرجوع عن هذه اإلستقالة‪ ،‬فلم يل ّب طلبهم ولم يعرهم اهتماما‪ ،‬عندئذ‬‫ذلك‪ّ ،‬‬
‫قرروا أخذه معهم من تبسة بطريقة ّ‬
‫سرية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫فتعاونوا مع أحد أصدقائه وهو مضوي الهادي من أجل استدراجه إلى مكان خاص‪،‬‬
‫بعيد عن أعين أفراد األمن الفرنس ي وغيرهم‪ ،‬فقام الهادي بما أسند إليه‪ ،‬ووصل إليهم برحيم‬
‫عمار‪ ،‬لكن‬ ‫إلى املكان ّالذي ّاتفقوا عليه‪ ،‬وكان الوفد ّالذي جاء ألخذ رحيم بقيادة بن عودة ّ‬
‫ّ ّ‬
‫والتخلي عن‬ ‫الصياح‪ ،‬مما ّأدى إلى ارتباك الوفد‬
‫السيارة‪ ،‬وأكثر من ّ‬‫رحيم قاوم ورفض ركوب ّ‬
‫صرح به بن عودة في مارس ‪1950‬م‪.‬‬ ‫وسبا وشتما‪ ،‬بحسب ما ّ‬ ‫همة‪ ،‬بعدما أوسعوه ضربا ّ‬ ‫امل ّ‬
‫السري‪ ،‬واعتقال الكثير من أعضاء ّ‬
‫التنظيم‬ ‫هذا وقد ّأدى إلى اكتشاف ّ‬
‫النظام ّ‬
‫تبسة‪ ،‬حيث يقول بن عودة‪:‬‬ ‫سكان تبسة‪ ،‬لذلك ُاطلق على الحادثة بحادثة ّ‬ ‫ّ‬
‫وغيرهم من‬
‫ّ‬ ‫ُتوبعنا من تبسة‪ ،‬نعم تبسة العربي التبس ي وفرحي ساعي ولزهر ّ‬
‫ّ‬
‫شريط وغيرهم من الشرفاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والتي يعشقها مالك بن نبي رحمه هللا‪ ،‬ورجال الحركة الوطنية‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫لكن لو أدرك بن عودة ما سيحدث بسبب ضرب وإهانة رجل واحد‪ ،‬فخطأ بن عودة‬
‫تحمله شعب تبسة من اعتقال وأعمال تضييق واستنطاق ومداهمات وتفتيش‪،‬‬ ‫ورجاله ّ‬
‫ومية ّ‬
‫الخيالة‪ ،‬إذ كانوا يعترضونهم وينتزعون منهم‬ ‫الر ّحل من فرق ُ‬
‫الق ّ‬ ‫صة ما عاناه البدو ّ‬ ‫خا ّ‬
‫ّ‬ ‫الحربية أو بنادق ّ‬
‫ّ‬
‫الصيد غير املرخص لها‪ ،‬وقد استمر ذلك إلى حين إعالن‬ ‫أسلحتهم سواء‬
‫ّ‬
‫الثورة‪.‬‬
‫الس ّرية ّ‬
‫النشاطات ّ‬ ‫ّ‬
‫املعبرة عن الوعي الوطني الحقيقي‪ ،‬قد ساهمت في تشكله‬ ‫تلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجمعية املباركة التي تعرضت إلى‬ ‫جهود جمعية العلماء املسلمين بزعامة ابن باديس‪ ،‬تلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية وأعوانها من الجزائريين والطرقيين‬ ‫صعوبات كثيرة ومضايقات من ّ‬
‫السلطات‬
‫واليهود‪.‬‬
‫اليهود أعداء اإلسالم في بالدنا وفي كل بالد‪ ،‬وما حدث عام ‪1303‬ه عندما ّ‬
‫مر أحد‬
‫اليهود بجامع سيدي االخضر‪ ،‬فوجد نشاطا إسالميا‪ ،‬فعظم عليه ذلك‪ ،‬فأخذ يشتم اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫استمرت أسبوعا كامال‪ ،‬قتل‬ ‫وأهله ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ما أدى إلى فتنة كبيرة‬
‫ّ‬
‫الفرنسية على إخمادها‪ ،‬وخشت أن‬ ‫يهوديا‪ ،‬وقد عجزت ا ّ‬
‫لسلطة‬ ‫ّ‬ ‫فيها اثنان وعشرون‬
‫ّ‬
‫يستأصل املسلمون اليهود جميعا من قسنطينة‪ ،‬لذلك فقد سارعت تتوسل عبد الحميد بن‬
‫باديس‪ ،‬ونائب مدينة قسنطينة بن جلول للعمل على إخماد ما حدث‪ ،‬وقد نجحا في إطفاء‬
‫ذلك‪ ،‬مما جعل البن باديس شأنا عظيما بين الجز ّ‬
‫ائريين‪ ،‬حتى صارت اإلدارة الفرنسية تخش ى‬
‫نفوذه‪ ،‬وتتجنب القيام بأي إجراء ّ‬
‫ضده حتى ال يثور الجزائريون‪.‬‬
‫وقد أخذت جمعية العلماء املسلمين تفتح املدارس‪ ،‬وكان ابن باديس ينشر املقاالت‬
‫ّ‬
‫في الشهاب‪ ،‬تلك املقاالت التي آتت أكلها‪ ،‬كما أثمرت املدارس واألندية التي افتتحتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجمعية‪ ،‬وقد عاد الوعي اإلسالمي إلى كثير من أبناء الشعب الذين صار اإلعتماد عليهم‬
‫ممكنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫نعم‪ ..‬ذلك ما قامت به جمعية العلماء املسلمين الجزائريين بأعضائها‪ :‬الشيخ العالمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البشير اإلبراهيمي‪ ،‬الشيخ العربي التبس ي‪ ،‬الشيخ مبارك امليلي‪ ،‬الشيخ بيوض محمد األمين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العمودي‪ ،‬الشيخ آل خليفة وغيرهم‪ ،‬وما دعى إليه الشيخ ابن باديس من خالل مهاجمته‬

‫‪17‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ائرية ّ‬ ‫سالمية الجز ّ‬ ‫الشعب الجزائري املسلم‪ّ ،‬‬
‫والدعوة إلى ّ‬
‫الهوية اإل ّ‬ ‫ّ‬
‫املتميزة‪ ،‬واإلعتزاز‬ ‫لفرنسة‬
‫ّ‬
‫الفرنسيين يطالبون بفصل الدين اإلسالمي عن اإلدارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بها والفخر‪ ،‬وذلك ما جعل الن ّواب‬
‫ّ‬ ‫مؤسساتهم ّ‬ ‫ّ‬
‫وتولي املسلمين ّ‬ ‫ّ‬
‫الدينية بعيدا عن التحكم اإلداري الفرنس ي‪ ،‬وإدخال‬ ‫الفرنسية‪،‬‬
‫نسية أبت ذلك واستنكرته‪،‬‬ ‫السلطة الفر ّ‬ ‫الدراسية‪ّ ،‬‬
‫لكن ّ‬ ‫تعليمية اللغة العربية في املناهج ّ‬
‫ّ‬
‫كل مرة‪.‬‬ ‫وقد حاولت بأزالمها القضاء على الجمعية ّ‬
‫لكنهم يفشلون في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهكذا ّ‬
‫الجمعية قد أنارت بمجهوداتها الطريق بذلك العزم وذلك الجهاد‪ ،‬إذ‬ ‫فإن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكنت العديد من شباب األمة من أن يصبحوا كوادر ّ‬ ‫ّ‬
‫مهمة لصالح الشعب الجزائري‪ ،‬الذي‬
‫طوقته فرنسا بسياج من حديد‪ ،‬لغلق نوافذ الحصول على العلم واملعرفة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن األحزاب التي لعبت أدوارا ّ‬
‫جمعية فرحات عباس‪ ،‬رغم تعثره‬ ‫مهمة‪ ،‬نجد حزب أو‬
‫ّ‬
‫ّأول األمر لثقافته الفرنسية‪ ،‬ودفاعه عن فكرة اإلندماج‪ ،‬التي كان يرفضها معظم الشعب‬
‫خاصة بعد الذي رأوه من فرنسا في حوادث ‪ 08‬ماي ‪1945‬م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجزائري جملة وتفصيال‪،‬‬
‫وفقدان ما تبقى من ثقة في فرنسا‪.‬‬
‫أهم األحداث التي أثارت الغيرة ّ‬
‫والتنافس الكبيرين في نفوس الجزائريين؛‬ ‫إن من ّ‬‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫الثورة الفيتنامية‪ ،‬التي اشتعل وقودها وشارك فيها كثير من شباب الجزائر إلى جانب فرنسا‪،‬‬
‫التي كانت تحكمنا بالحديد ّ‬
‫والنار بشكل استعبادي‪.‬‬
‫النجاة‪ ،‬بما يعايرهم به الفيتناميون‪ ،‬بسبب‬ ‫ويحدثنا أترابنا الذين كتبت لهم ّ‬‫ّ‬
‫مشاركتهم إلى جانب الجيش الفرنس ي ّالذي يحتل أرضهم‪ ،‬فيقولون لهم‪ :‬ارجعوا ّ‬
‫وحرروا‬
‫ّ‬ ‫بلدكم أو انض ّموا إلينا‪ .‬وفعال فقد انض ّم إليهم مقاتلون ّ‬
‫أشداء انتفعت بهم الثورة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫للثورة الجز ّ‬
‫عسكرية في‬ ‫ائرية‪ ،‬نظرا ملا اكتسبوه من خبرة‬ ‫الفيتنامية‪ ،‬ليكونوا فيما بعد قوة‬
‫حروب فرنسا وتدريب ّ‬
‫الرجال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كذلك كان من أبرز ّ‬
‫وأهم األحداث القريبة التي أثرت في مشاعرنا‪ ،‬وأثارت الغيرة في‬
‫كل من املغرب وتونس سنة ‪1953‬م ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة في ّ‬
‫ضد فرنسا‪ ،‬ما بعث في أنفسنا‬ ‫نفوسنا‪ ،‬إعالن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمل في انتظار إعالن الثورة بالجزائر‪ ،‬ليتكلل حلم أبناء الجزائر وشمال إفريقيا كلهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫بالتخلص من احتالل فرنسا‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الت ّ‬
‫ونسية‪ ،‬نظرنا لها‬ ‫الحدودية على االنخراط في ا ّلثورة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ماشجع شباب منطقتنا‬ ‫وهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ائرية‪ ،‬لكن ّثوار تونس كانوا يشترطون على من‬ ‫سكان الحدود مع تونس كأنها ثورة جز ّ‬ ‫نحن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلتحق بهم أن يكون لديه سالح أو ثمن السالح‪ ،‬ولوال هذا الشرط النخرط الكثيرون جدا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سكان منطقتنا فقد ّ‬‫ّ ّ‬
‫قدموا لفرق الث ّوار بتونس ما يحتاجونه من سالح ومال‬ ‫أما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وغذاء وإيواء‪ ،‬بقلب مفتوح‪ ،‬وهو أمر طبيعي جدا ملا يربطنا بالتوانسة‪ ،‬وتداخل الحدود‪،‬‬
‫وعالقتنا بالجوار واملصاهرة ّ‬
‫والتجارة وغير ذلك‪.‬‬
‫ونسيين في ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ق ّ‬
‫الث ّوار ّ‬ ‫ّ‬
‫الناحية الجنوبية من خوض معارك‪،‬‬ ‫لذلك تمكنت فر‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫فكنا نتأثر لذلك ونتمنى أن‬ ‫الحدودية‪،‬‬ ‫واشتباكات وأعمال شغب ومظاهرات باملدن والقرى‬
‫يكون بأرضنا ما يحدث بأرضهم‪ ،‬كان عدد الذين شاركوا بثورة تونس من منطقتنا حوالي ‪30‬‬
‫ّ‬
‫قواسمية علي بن زايد‪،‬‬ ‫مناس‪ ،‬بوزنادة بلقاسم قلبي‪ ،‬لزهر ّ‬
‫شريط‪،‬‬ ‫فردا‪ ،‬منهم‪ :‬ثابت ّ‬
‫بوصفصاف صالح‪ ،‬بوزيان لخضر وأخيه العربي‪ّ ،‬بنور علي بن عبد الحفيظ‪ ،‬عمارة إبراهيم‪،‬‬
‫اهمية محمد العربي‪ ،‬بورقعة عبد هللا‪ ،‬عبد هللا اليعقوبي‪ ،‬عبد القادر‬ ‫عمارة عبد هللا‪ ،‬بر ّ‬
‫ّ ّ‬
‫إن الظالم مستبد‪ ،‬علينا أن نستعد‪.‬‬ ‫الياجوري الذي كان يقول للطلبة‪:‬‬
‫الثورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫ونسية‪ ،‬فإنه لم‬ ‫ّأما فيما يتعلق بساعي فرحي‪ ،‬فيذكر بعضهم أنه شارك في‬
‫السالح ّ‬ ‫ّ‬
‫يفكر في رفع ّ‬
‫ضد فرنسا من داخل الجزائر وليس من‬ ‫يشارك بها‪ ،‬وسبب ذلك أنه كان‬
‫ّ‬
‫شخصيات‬ ‫ّ‬
‫خلية أو ّلية من‬ ‫نفرط في سالحنا‪ ،‬ومن ّثمة جاءته فكرة تشكيل ّ‬ ‫خارجها‪ ،‬وأن ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وطنية وشيوخ العروش الشتراء األسلحة‪ ،‬وإقناع أفراد الشعب باإلحتفاظ بما لديهم من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرق‬‫سالح‪ ،‬لوقف استنزاف سالح منطقتنا‪ ،‬الذي كان ينفد بسببين‪ ،‬فاألول هو مبالغة ِ‬
‫ّ‬ ‫السالح ّ‬
‫ونسية في جمع ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫منا والبحث عنه‪ ،‬والثاني هو مؤامرة حاكم تبسة‪ ،‬ذلك الخطر‬
‫يتعرض ّ‬
‫والذي ال يدفع سالحه لهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫األكبر‪ ،‬إذ أمر الق ّياد بجمع ما يوجد من ّ‬
‫للسجن‬ ‫السالح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫والتغريم املادي‪.‬‬
‫أسس وشكل جمعية‬ ‫لذلك كان يجب القيام بحملة تحسيس وتوعية‪ ،‬فكان ّأول من ّ‬
‫بوزيان في كتاب النمامشة في‬ ‫ثورية بمنطقة تبسة هو فرحي ساعي‪ ،‬بعكس ما قاله لخضر ّ‬ ‫ّ‬
‫السالح‪ ،‬وآخر ما قاله هو‬ ‫تسمى لجنة الـ ‪ 19‬لجمع ّ‬ ‫جمعية منذ ‪1952‬م ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثورة‪ ،‬بتشكيل‬

‫‪19‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫مرات‪ ،‬آخرها ليلة ‪ 31‬أكتوبر ‪1954‬م‪ ،‬علمنا فيها‬ ‫قيامهم باإل ّتصال ببن بوالعيد خمس ّ‬
‫الثورة ليلة ّأول نوفمبر ‪1954‬م‪ ،‬فهل ُيعقل أن ّ‬ ‫ّ‬
‫يحدث بن بوالعيد عن موعد إعالن‬ ‫بإعالن‬
‫ّ‬
‫الثورة للخضر بوزيان‪ ،‬ومن معه من وفد في الوقت الذي ال يعلم ذلك أقرب رفاقه في ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية‬
‫تحدث لخضر بش يء ال يمكن قبوله‪ ،‬إذ ّأنه يذكر ّ‬ ‫للثورة‪1‬؟؟ حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن من رفاقه‬ ‫التحضير‬
‫ّ‬ ‫والشيخ محمد بن رجب‪ ،2‬ولم يذكر أحدهما ّ‬ ‫ّ‬
‫جمعية أساسا‪.‬‬ ‫أن هناك‬ ‫فرحي ساعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحضيرقبيل الثورة‬
‫الجو العام وما يجري على حدودنا من أحداث وحوادث‪ ،‬لقربنا من كثير من املدن‬ ‫ّأما ّ‬
‫الشغب واإلشتباكات‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫كنا نتعاطف معهم‪،‬‬ ‫ونسية التي تحدث بها املظاهرات وأعمال‬
‫وتلتهب مشاعرنا ّ‬
‫تمنيا أن نقوم نحن من داخل الجزائر بثورة ضد فرنسا‪.‬‬
‫السالح‪ ،‬غير ّ‬ ‫ّ‬
‫يتطلع إلى حمل ّ‬
‫أن الخوف من الخروج‬ ‫نعم‪ ..‬كان شباب هذه املنطقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضد فرنسا هو ّ‬ ‫ّ‬
‫سر ما أخرهم‪ ،‬فخافوا أن يسجنوا ويعذبوا‪ ،‬لذلك كانت عمليات التنسيق‬
‫والتوعية تسير ببطء وصعوبة‪ ،‬لكن ما حدث في فيتنام في معركة ديان بيان فو بين مارس‬ ‫ّ‬
‫وماي ‪1954‬م‪ ،‬التي انهزم فيها الجيش الفرنس ي وانتصر فيها ّثوار فيتنام‪ ،‬وإجالء فرنسا منها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نهائيا‪ ،‬أثلج صدورنا نحن أبناء الشمال اإلفريقي‪ ،‬رغم تأخر إعالن الثورة عندنا‪ ،‬وإعالنها في‬
‫كل من املغرب وتونس‪ ،‬فقد زادت رغبتنا في البحث عن املشاركة في مجريات هذه األحداث‪،‬‬ ‫ّ‬
‫السالح ّ‬
‫الظرف مناسبا لحمل ّ‬ ‫ّ‬
‫ضد فرنسا مثلما فعل غيرنا‪.‬‬ ‫مادام‬
‫ّأما بالنسبة للجانب الفرنس ي وتداعيات تلك الهزيمة التي تلقاها في فيتنام‪ ،‬وخروجهم‬
‫ّ‬ ‫مذلة‪ ،‬فقد اتجهت جهودها نحو الحدود ّ‬ ‫ّ‬
‫التونسية الجزائرية‪ ،‬وركزت‬ ‫من هناك بصورة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جليا من تضامن ّ‬ ‫بعديد من ِفرقها لحسم ما يجري من أحداث‪ ،‬وما كان ّ‬
‫الحدوديين‬ ‫السكان‬

‫‪ 1‬هذا تعليق من املجاهد علي مسعي على بعض الحقائق التي ّ‬


‫صرح بها املجاهد لخضر بوزيان‪.‬‬
‫‪ 2‬الشيخ محمد بن رجب عابر الشكراوي‪ ،‬كان صديقا مقربا لوالد املجاهد علي مسعي‪ ،‬وعمال ّ‬
‫سويا في جمع‬
‫املال والسالح‪ ،‬لذلك فاملجاهد علي مسعي كان مقربا منه كثيرا ولم يسمع منه خبر تشكيل جمعية منذ‬
‫‪1952‬م‪ ،‬وكذلك لم يسمعه من فرحي ساعي وهو ابن خاله وقريبه جدا ولم يسمع منه خبر موعد الثورة هذا‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫العسكرية‪ ،‬وتزويد باألسلحة‪ ،‬ومساعدات وإيواء من طرف‬‫ّ‬ ‫ّ‬


‫العمليات‬ ‫من انخراط في‬
‫حتى صارت لهم مراكز ّ‬
‫خلفية‪.‬‬ ‫الجزائريين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الفرنسيين على مشروع إلبادة‬ ‫ونتيجة لهذا الوضع اتفق وزير الداخلية ووزير ّ‬
‫الدفاع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سكان الحدود الجزائرية‪ ،‬ملنع مساعداتهم من الوصول إلى ّثوار تونس‪ّ ،‬‬
‫حتى وإن تطلب األمر‬
‫السالح ّ‬
‫املحرم واملحظور‪.‬‬ ‫استعمال ّ‬
‫ّأما ما كان يختلج وجدان أسرتنا بداية بالوالد مسعي أحمد بن علي ّ‬
‫وحتى أبنائه‪:‬‬
‫الظروف ّ‬‫ّ‬
‫الصعبة‪ ،‬التي تحيط ببالدنا‪،‬‬ ‫حامد‪ ،‬علي واألسود‪ ،‬كيف يمكننا أن ننخرط في هذه‬
‫تحرك من حولنا‪ ،‬ونحن عاجزون‬ ‫فاعلية في مجريات األحداث‪ ،‬والعالم ّكله قد ّ‬
‫ّ‬ ‫وتكون لنا‬
‫ّ‬
‫قاعدون ننتظر سماع األخبار فقط‪ ،‬ألننا ال نملك باليد حيلة‪ ،‬والوضع حينها منغلق‬
‫مضغوط نظرا للقبضة الحديدية التي فرضتها قوات فرنسا‪ ،‬وما يجري بين الفرقاء في اللجنة‬
‫الثورية للوحدة والعمل من تشاجر وعراك‪ ،‬مما ّأدى إلى غياب ّ‬
‫التوجيه ّ‬ ‫ّ‬
‫السياس ي‪.‬‬
‫حتى ّ‬
‫حل‬ ‫أحر من الجمر‪ ،‬ونتساءل ماذا نفعل‪ّ ،‬‬ ‫بينما نحن بتلك الحالة ّ‬
‫التائهة‪ ،‬على ّ‬
‫علينا ذات مساء ضيف عزيز‪ ،‬في يوم من ّأيام أوائل أكتوبر ‪1954‬م‪ ،‬وهو عمارة إبراهيم‬
‫ّ‬
‫شقيق عمارة عثمان‪ ،‬وعثمان كان صديقا لنا من خالل تجارة الحبوب‪ ،‬وبعد الترحيب به‪،‬‬
‫مكلف بجمع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق ّ‬
‫الثورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السالح‬ ‫التونسية‪ ،‬وقائد جماعة‬ ‫قدم نفسه لنا على أنه عضو ِبفر‬
‫وجهه أخوه عثمان ّ‬ ‫املهمة‪ ،‬وقد ّ‬
‫وأنه غير راض على هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة ّ‬
‫ليتصل بنا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التونسية‪،‬‬ ‫لفائدة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كي نتدارس سبال للحد مما يجري من استنزاف لألسلحة في منطقتنا‪.‬‬
‫الذي نحن في ّ‬ ‫ّ‬ ‫كنا نرجوه فعال‪ ،‬كي نحتفظ ّ‬ ‫كان ذلك ما ّ‬
‫أمس الحاجة إليه‪،‬‬ ‫بالسالح‬
‫الرجل‪ ،‬يحتاج إلى تشكيل جماعة من رجال ّ‬
‫وطنيين‪،‬‬ ‫لكن هذا األمر الجلل ّالذي أتى به ّ‬ ‫ّ‬
‫مبدئية‪ ،‬منها من هو حاضر بيننا‪ ،‬ومنهم اثنان‬ ‫ّ‬ ‫وأصحاب ّبر ووفاء‪ ،‬فاتفقنا على أسماء‬
‫غائبان‪ ،‬فالحاضرون هم‪ :‬والدي أحمد‪ ،‬وعمارة إبراهيم قائد الجماعة‪ ،‬وأنا وحامد واألسود‬
‫أخواي‪ّ ،‬أما الغائبان فهما‪ :‬عمارة عثمان‪ ،‬وعمارة عبد هللا‪ ،‬في انتظار من يلتحق فينض ّم إلينا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫خطة عمل ّ‬
‫كالتالي‪ّ :‬أوال‪ :‬يرجع إبراهيم إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدرمون ملتابعة قيادته لجماعة‬ ‫واتفقنا على‬
‫ّ‬ ‫ونسية‪ ،‬حفاظا على ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة ّ‬
‫إمكانية تسليح‬ ‫سرية عملنا إلى غاية الحصول على‬ ‫تونس باسم‬
‫فوج‪ ،‬فيقوم بتسريح أفراد تونس‪.‬‬
‫والش ّ‬‫ّ‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬
‫خصيات‪،‬‬ ‫يتكفل والدي أحمد باإلتصال بمن أمكنه من أعيان العروش‬
‫نفرط فيما ّ‬
‫تبقى لنا من أسلحة وذخيرة‪،‬‬ ‫للقيام بعملية توعية وتحسيس بين األهالي‪ ،‬كي ال ّ‬
‫ّ‬
‫الوطنية والجهاد‪.‬‬ ‫وكذك بعث روح‬
‫ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫إن والدي بعث برسالة إلى الشيخ بن رجب من تروبيا‪ ،1‬رفعها له أخي األسود‪،‬‬
‫السبت الذي يوافق ّ‬ ‫ّ‬
‫بالشريعة يوم ّ‬
‫السوق األسبوعي هناك‪ ،‬وبعدما التقيا‬ ‫يدعوه فيها إلى لقاء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫ّ‬
‫حدثنا والدي أحمد على تفاؤ الشيخ محمد بن رجب وشدة فرحته‪ ،‬كأنه كان ينتظر هذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعهد على العمل بكل ّ‬
‫األمر‪ ،‬وكان يرقص فرحا وطربا له‪ ،‬وقد ّ‬
‫جد وثبات‪ ،‬واتفقنا على اللقاء‬
‫الشريعة‪ ،‬كي نبحث عن ّ‬‫ّ‬
‫السالح وتجنيد األنصار‪.‬‬ ‫كل يوم سبت باملكان نفسه أي‬
‫ّ‬
‫الثاني حسب اإل ّتفاق‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تم العمل على اقتناء سالح من نوع ستاتي طلياني‪ ،‬عن‬ ‫باللقاء‬
‫ّ‬
‫جار‬
‫طريق أرملة شقيق الشيخ محمد‪ ،‬أخرجته من تحت سياج زريبة لألغنام‪ ،‬وكان العمل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على اقتناء املزيد‪ ،‬فأرسلها الشيخ محمد إلى حسين مصلح األسلحة‪ ،‬وأخبرنا أنه سيتصل بنا‬
‫معمري حسين وأخوه ّ‬
‫الصادق‪،‬‬ ‫ثم ُد ّعمت بأعضاء آخرين من بينهم‪ّ :‬‬ ‫عندما تكون جاهزة‪ّ ،‬‬
‫ومبارك بورقعة‪ ،‬وعابر بلقاسم‪ ،‬وعلي ّ‬
‫بلهوام‪ ،‬وجدواني محمد‪.‬‬
‫الشيخ بجاهزية قطعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السالح‪ ،‬صادف أن التقينا عبد هللا بن سالم‬ ‫وملا أعلمنا‬
‫الشيخ عابر محمد‪ ،‬ألخذ قطعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مبعوثا من عمارة إبراهيم‪ ،‬فذهبنا ّ‬
‫السالح‪ ،‬ودخلنا‬ ‫سويا إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دقية‪ ،‬وبشرنا بوجود رشاش‪ ،‬قد أرسله إلى‬‫قدم لنا البن ّ‬ ‫الدار بعد الغروب‪ ،‬وملّا تناولنا العشاء ّ‬‫ّ‬
‫معمري ليصلحه‪ ،‬وعندما يجهز سيوعز لنا الستالمه‪.‬‬ ‫حسين ّ‬
‫الر ّشاش‪ّ ،‬إنه أمر ّ‬
‫قدره هللا تعالى ملوعد حادث‬ ‫حسينا قد أبطأ في تصليح ذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫لكن‬
‫ّ ّ ّ‬
‫ّ‬
‫وجاهزيته‪ ،‬بواسطة‬ ‫الرشاش‬ ‫ليلة ّأول نوفمبر ‪1954‬م‪ ،‬عندما قرر حسين تجربة صالحية‬

‫تروبيا‪ :‬هي بلدية بئر مقدم اليوم وتسمى في ذلك العصر أيضا الساص‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫طلقة رصاص ّ‬
‫حية‪ ،‬كان حينئذ الشاب جدواني محمد جالسا ينتظر دوره لتصليح سالحه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫التجربة نودي على حسين من داخل ّ‬ ‫قبل إطالق عيار ّ‬
‫الرشاش على الطاولة‬ ‫الدار‪ ،‬فوضع‬
‫يقلبه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى انطلقت‬ ‫الرشاش‪ ،‬وصار‬ ‫فاستغل محمد غياب حسين ورفع‬ ‫وذهب إليهم‪،‬‬
‫الرصاصة الحية فسقط شهيدا‪ ،‬كانت تلك صدفة عجيبة أن يسقط لنا شهيد ونحن ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫نعلم ّأنها ليلة تساوي أعمارنا كلها‪.‬‬
‫ّ‬
‫كل من الشيخ محمد بن‬ ‫وكما سقط محمد شهيدا‪ ،‬سقط مشروعنا ّكله باعتقال ّ‬
‫ّ‬
‫ومصداقية‬ ‫محبة ووقار‬ ‫عملية جمع األسلحة ّ‬
‫والتجنيد‪ ،‬ملا كان له من ّ‬ ‫رجب‪ّ ،1‬‬
‫املعول عليه في ّ‬
‫الناس‪ ،‬وكذلك اعتقال حسين وضياع ما وجد عنده من أسلحة كانت ّ‬
‫للتصليح‪.‬‬ ‫في قلوب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعثرنا نحن ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن فرحي ساعي قد نجح وشكل فرقة مسلحة صعد بها الجبال‪،‬‬ ‫لكن فإن‬
‫ّ‬ ‫رغم متابعة فرق الجندرمة‪ ،‬وسأعود إلى ساعي وأين وصل‪ ،‬وهو ّأول من ّ‬
‫جهز فرقة مسلحة‬
‫تبسة‪ّ ،‬أما ما يقال غير ذلك فهو غير صحيح‪ّ ،‬‬
‫والتاريخ أمانة‪.‬‬ ‫ثورية على مستوى منطقة ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّأما بالنسبة لنا فما أوقف مسيرتنا هو استشهاد عمارة إبراهيم ب ـ (الغنجاية‬
‫ّ‬ ‫بالدرمون) يوم ‪ 06‬نوفمبر ‪1954‬م‪ ،‬بعد أن ّ‬ ‫ّ‬
‫سرح أفراد تونس‪ ،‬حسبما اتفقنا عليه آنفا‪ ،‬وكان‬
‫السبيكي‪ ،‬سقط‬ ‫فرنسية‪ ،‬ولم يكن معه ّإال مبارك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية‬ ‫ذلك أثناء اشتباكه مع فرقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرحمة على جماعتنا‪،‬‬ ‫شهيدا في الوقت الذي خرجوا فيه فرادى في مهام‪ ،‬وكانت تلك طلقة‬
‫(جمعية الجبل األبيض)‪ ،‬أنا‬ ‫ّ‬ ‫الجمعية التي ت ّم تغيير حقيقتها وتزييفها‪ ،‬فيما جاء في كتاب‬
‫ّ‬ ‫تلك‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الذي أعطى تفاصيلها ملقرر الجمعية بولحراف‪ ،‬هكذا يسرق التاريخ‪ ،‬حيث لم يذكر فيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسسين الذين شكلوها فعال‪.‬‬

‫‪ 1‬كان البطل محمد بن رجب عابر قد رفض مرارا وتكرارا عرض ضابط فرنس ي بمساعدتهم‪ ،‬ملا ملحمد من‬
‫لكن البطل محمد بن‬‫مكانة بين العروش‪ ،‬فأخبره الضابط مغتاظا بأنه لن يرحمه إذا ألقى عليه القبض‪ّ ،‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫فلما قبض على البطل قتله ذلك الضابط بطريقة‬ ‫وتحداه أمام الجميع‪،‬‬ ‫رجب ّرد عليه ّردا قاسيا جدا‬
‫ّ‬
‫شنيعة ومثل به‪ ،‬وبقي الشهيد محمد بن رجب الشكراوي حيا برجولته ونخوته وأصالته في قلوب اللمامشة‬
‫حقه كشخصية تاريخية‪.‬‬‫الساعة رغم هضم ّ‬ ‫حتى هذه ّ‬
‫‪23‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫جبار عمر‪،‬‬‫جمعية ونزة بقيادة كل من‪ :‬الحاج علي‪ّ ،‬‬


‫ّ‬ ‫وهناك تحركات أخرى أيضا‪ ،‬مثل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطاهر ّ‬
‫الزبيري‪ ،‬هوام إبراهيم وغيرهم‪ ،‬إال أنهم كانوا مرتبطين بباجي مختار‪.‬‬
‫جهزوا أنفسهم لإللتحاق بجبل العنق بطريقة‬ ‫تبسة ّ‬‫كما كانت هناك أفراد بمدينة ّ‬
‫بتبسة وهم‪ :‬سليماني صالح بن امليهوب‪،‬‬‫اعتقلوا وسجنوا ّ‬ ‫سرية‪ ،‬لكن لخطأ أحدهم فقد ُ‬ ‫ّ‬
‫سالمة أحمد بن صالح‪ ،‬ساكتة صالح بن جاب هللا‪ ،‬بوزيد حسين‪ ،‬عالق ّ‬
‫حمه‪ .‬وهذا نظرا‬
‫سر تحركهم هو سبب معرفة نشاطهم‪ ،‬فمن‬ ‫السياس ي واإلعالمي‪ ،‬إذ كان ّ‬ ‫التوجيه ّ‬‫لغياب ّ‬
‫حتى الجار ال ينبغي له ذلك‪ ،‬لقد كان أعمامنا بجوارنا‬ ‫بتحركهم‪ّ ،‬‬
‫املفروض أن ال يعلم أحد ّ‬
‫ولم يعلموا ما نفعل‪.‬‬
‫ّ‬
‫إعالن الثورة وصداها الواسع‬
‫التاريخ الحديث‪ ،‬حيث تجاوزت‬ ‫نعم‪ ..‬ثورة نوفمبر ‪1954‬م من األحداث الكبرى في ّ‬
‫تأثيراتها بلدان املغرب العربي إلى أنحاء العالم‪ّ ،‬‬
‫خاصة بلدان إفريقيا وأمريكا الجنوبية‪ ،‬لقد‬
‫مارية حكمت البالد بالحديد ّ‬
‫والنار‪ ،‬لدرجة ّأنها أعاقة تشكيل‬ ‫ضد سلطة استد ّ‬ ‫كانت ثورة ّ‬
‫والث ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫قافية‪ ،‬فصار إخواننا املشارقة واملغاربة‬ ‫القومية‬ ‫خصية الجزائرية‬ ‫وإعادة بعث‬
‫ميت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫خاصة باملغرب وتونس‪ ،‬يقولون إن الجزائر أصبحت بقلب ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫لكن الثورة أعادت الثقة‬ ‫أعاقتنا عن الحركة وكسرت جناحينا فصرنا ال نطير‪،‬‬
‫للشعب الجزائري بعد انتظار طويل ّ‬ ‫ّ‬
‫جدا‪ ،‬وبعثت روح العروبة واإلسالم واملواطنة من جديد‪.‬‬
‫تحس بزلزال تحت أقدامها‪ّ ،‬‬
‫ألنهم كانوا‬ ‫املعمرين الفرنسيين بالجزائر‪ّ ،‬‬ ‫بينما كانت فئة ّ‬
‫فرد بالجزائر‪ ،‬على غرار ما فعله اإلنجليز في جنوب إفريقيا‪،‬‬ ‫بالسيطرة املطلقة ّ‬
‫والت ّ‬ ‫يحلمون ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فصار حلمهم هذا في حكم املتبخر بعد إعالن الثورة‪.‬‬
‫كان خالي ساعي فرحي قد استطاع أن ينفلت من قبضة الجندرمة ومراقبتهم له‪ ،‬إذ‬
‫دخل جبل أم الكماكم بفرقة مسلحة‪ ،‬حيث التقى بلمين دربال بقرن الكبش‪ ،‬وتجاذبا‬
‫ّ‬
‫الثورة‪ّ ،‬‬
‫لكن ملين قال لساعي‪ :‬نريدك لتذهب معنا لخطبة‬ ‫أطراف الحديث وتناقشا في نشاط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أخي إبراهيم‪ّ .‬‬
‫عروس ألخيك !!؟ لقد تركت‬
‫ٍ‬ ‫فرد عليه ساعي‪ :‬أحدثك في الثورة‪ ،‬فتحدثني في‬

‫‪24‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫فتزوجتموها‪ .‬قال ذلك غاضبا‪ .‬وهذا دليل على ّ‬
‫طلقتها ّ‬‫ّ‬
‫أن‬ ‫خلفي عروسا حامال‪ ،‬فإن رغبتم‬
‫ّ‬ ‫ملين لم يكن يعي ّ‬
‫جد ّية الثورة بعد وأبعادها‪.‬‬
‫ومن ّثمة بقرن الكبش ترك ساعي فرقته إلى جانب بيت ملين‪ ،‬وقصد واد سوف للقاء‬
‫وعملية ّ‬
‫التنسيق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫معارف له هناك ُبغية جلب ّ‬
‫السالح‬
‫ّ‬
‫فرنسية‪ ،‬فاستشهد ليلة ‪ 18‬ديسمبر‬ ‫ّ‬
‫ثم ّتمت مداهمة ملين دربال ليال من طرف كتيبة‬
‫ّ‬
‫جثته إلى ّ‬
‫تبسة ونقلوا عائلته جرحى معه‪.‬‬ ‫‪1954‬م‪ ،‬وأخذت‬
‫ملا رجع ساعي من واد سوف‪ ،‬علم باستشهاد ملين دربال‪ ،‬فانتقل بأولئك األفراد إلى‬
‫ثم التحق به جماعة من واد سوف بقيادة بن عمر جيالني ومحمد األخضر‬ ‫جبل أم الكماكم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫شريط بمن معه من مجموعة مجاهدي تونس‪ ،‬بعد أن سلم ّثوار تونس‬ ‫ثم لزهر ّ‬ ‫عمارة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الت ّ‬‫الثورة ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية‪ ،‬للحصول على‬ ‫ونسية والحكومة‬ ‫السالح‪ ،‬حسب اإلتفاق املبرم بين ممثلي‬
‫ّ‬ ‫استقالل داخلي‪ ،‬رغم معارضة أنصار صالح بن يوسف‪ ،‬إذ كان من الجز ّ‬
‫ائريين من لم يسلم‬
‫الث ّوار بتونس ثالث مجموعات‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫لكنهم وجدوا صعوبة في الحصول على‬ ‫سالحه‪ ،‬فصار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والغذائية‪ ،‬لوال مساندة بعض األقارب والشرفاء ّ‬ ‫املساعدات ّ‬
‫ممن لديهم اإلمكانيات‪،‬‬ ‫املالية‬
‫ّ‬ ‫ذلك ّكله قبل اإل ّتصال ّ‬
‫والتواصل بقيادة الثورة في األوراس‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الر ّديف‬
‫مروربن بو العيد من الجبل األبيض وأم الكماكم إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫قصد بن بوالعيد ليبيا من أجل جلب ّ‬
‫السالح‪ ،‬الذي تأخر موعده من مصر‪ ،1‬وقد‬
‫الر ّديف‪ ،‬لقضاء حاجة‬ ‫ّ‬
‫البوقص ي إلى مدينة ّ‬ ‫تصادف وأن نزلت ّ‬
‫دورية كان من أفرادها عمر‬
‫ظنوهم جواسيسا‪ ،‬فقصدوهم‪ ،‬وهناك‬ ‫لهم‪ ،‬فجاءهم خبر بوجود رجال يحملون محافظ ّ‬
‫واتهمه بالخيانة _حسب‬ ‫ورية إلى بن بوالعيد ّ‬
‫الد ّ‬ ‫حدث بينهم نقاش عالي ّ‬
‫حتى أشار أحد أفراد ّ‬
‫حدثني به أحد الحضور_ ّ‬
‫لكن بن بوالعيد انتفض وقال‪ :‬أنا بن بوالعيد قائد املنطقة األولى‬ ‫ما ّ‬
‫األوراس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في ذلك الوقت رجع أحد رفاقه إليه وهو ّ‬
‫عمار بريك‪ ،‬الذي كان عند أحد أصدقائه‪،‬‬
‫أن‬ ‫ألنهما قريبان وابني عم‪ ،‬عندها فقط ُح ّلت املشكلة‪ ،‬وأخبرهم ّ‬
‫عمار ّ‬ ‫البوقص ي ّ‬
‫ّ‬ ‫فعانق عمر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا ّ‬
‫الرجل الذي يشتبهون به إنما هو مصطفى بن بوالعيد قائد جبال األوراس‪ ،‬وكانوا‬
‫يريدون اعتقاله وأخذه إلى قيادتهم بالجبال‪.‬‬
‫إن البطل بن بوالعيد جلس وأخرج قلما وكتب معلومات وتوجيهات إلى قادة‬ ‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كيفية تلقيهم‬ ‫ثم صار يسألهم عن‬ ‫الفرق‪ ،‬أهمها سرعة اإلتصال بنائبه شيحاني‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للمساعدات من مال وغذاء وألبسة وأحذية‪ ،‬ثم تحدث البطل بمرارة عن تأخر وصول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العسكرية داخل الوطن‬ ‫العمليات‬ ‫السالح الذي وعد به إخواننا بمصر‪ ،‬وكذلك تأخر بعض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫والتي اتفق عليها‪ ،‬ما جعل فرق اللفيف األجنبي تتمكن من محاصرة جبال األوراس‪ ،‬وقال أنه‬
‫يصب الجيش الفرنس ي جام‬ ‫ّ‬ ‫يخش ى أن ال تصل األسلحة إلى أيدي املجاهدين قريبا‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غضبه على الشعب األعزل‪ ،‬وأن تفشل الثورة‪ ،‬كما حدث لثورات سابقة‪.‬‬
‫بأن عمر املنستيري سيأتيهم من‬ ‫إن بن بوالعيد سافر إلى قفصة وترك لهم وعدا ّ‬ ‫ثم ّ‬‫ّ‬
‫قفصة‪ ،‬ليقودهم إلى جبال األوراس من أجل اإلتصال بشيحاني‪ .‬سافر بن بو العيد ليال إلى‬
‫ّ‬
‫البوقص ي‪ ،‬والتحق بعمر املنستيري بقفصة قبل ذلك‪.‬‬ ‫ليبيا برفقة ّ‬
‫عمار بريك‬

‫‪ 1‬روى املجاهد حامد مسعي ّأن دليل بن بوالعيد في تبسة أثناء تواجده فيها كان محمد بريك البوقص ي وهو‬
‫ثم ّإن بن بوالعيد بات ليلته عند بوعون لزهاري بن الفازع في منطقة بوموس ى جنوب‬‫عمار بريك‪ّ ،‬‬
‫ابن عم ّ‬
‫مر به لزهاري بوعون إلى تونس‪ ،‬حيث التقى بعمار بريك الذي كان رفيقه في تونس‪.‬‬‫تبسة‪ ،‬حيث ّ‬
‫‪26‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫تصفحوا إحدى الجرائد فوجدوا خبر اعتقال بن‬ ‫وفي صباح ‪ 12‬فيفري ‪1955‬م‪ّ ،‬‬
‫الفرق علموا عن طريق الجرائد بنبأ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية‪ ،‬حتى قادة ِ‬ ‫بوالعيد من طرف الجندرمة‬
‫ّ ّ ّ‬
‫الل ّ‬
‫يبية‪.‬‬ ‫اعتقاله بالحدود التونسية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عند ذلك ّ‬
‫قرروا اإلتصال بشيحاني في أسرع وقت ممكن‪ ،‬فاتخذوا دربهم إليه‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية بحليق الذيب بواد هالل‪ ،‬غنموا منها قطعتين من‬ ‫طريقهم اشتبكوا مع فرقة‬
‫ّ‬
‫وانضم إليهم مجند جزائر ّي بسالحه‪ ،‬دون أن يصاب ّ‬ ‫ّ‬
‫أي‬ ‫ّ‬ ‫السالح‪ ،‬وجهاز اتصال عسكر ّي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وأول غنيمة لألسلحة‪.‬‬ ‫أحد بجروح‪ ،‬كان ذلك ّأول اشتباك ّ‬

‫كنا ‪ 40‬رجال اتصلنا بشيحاني‪ ،‬بقيادة ساعي فرحي‪ ،‬فقام‬ ‫يقول لخضر بوزيان‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫الثورة والجهاد ّ‬
‫والت ّ‬ ‫ّ‬ ‫مطوال ّ‬ ‫باستضافتنا حيث خطب ّ‬
‫صدي للعدو‪ ،‬بل أكد أيضا‬ ‫وتحدث عن‬
‫جماعية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الثورة ليس لها زعيم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى ال تفشل بموت زعيمها‪ ،‬وهكذا بعد‬ ‫ألنها قيادة‬ ‫بأن هذه‬
‫وتحدثوا كثيرا‪ ،‬وقد أعجب‬ ‫الخطاب‪ ،‬قام بمناقشة كل من‪ :‬ساعي‪ ،‬لزهر‪ ،‬بن عمر جيالني ّ‬
‫ثورية‪ ،‬ذلك ما جعل شيحاني ّكلما أتى إلى ّ‬
‫تبسة يالزم‬ ‫بساعي ملا ملس فيه من عقل راجح وروح ّ‬
‫يتعلق بناحية ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرحي ساعي‪ ،‬ويستشيره في ّ‬
‫تبسة‪.‬‬ ‫كل ما‬
‫ثورية ومنشورات ّ‬
‫وحتى طوابع الختم للقيادات‪،‬‬ ‫في آخر املقابلة ّزودهم بوثائق وقوانين ّ‬
‫ومن بين جملة القوانين‪:‬‬
‫ّ‬
‫العسكرية بالجيش الفرنس ي‪.‬‬ ‫_ رفض الخدمة‬
‫_ مقاطعة حضور املحاكم الفر ّ‬
‫نسية‪.‬‬
‫_ رفض دفع ما ّ‬
‫يسمى بالغرامة‪.‬‬
‫_ منع تناول أنواع ّ‬
‫التدخين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫كل موظف جزائري أن يسلم لهذه القوانين‪.‬‬ ‫_ على‬
‫سلم تسلم‪ ،‬وغير ذلك من القوانين ّ‬
‫والتعليمات‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وتم‬ ‫وهذا ما جاء في منشورات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وفدائيين‬ ‫ومسبلين‬ ‫وضع خطة هيكلة الشعب إلى فئات لخدمة الثورة‪ ،‬من مناضلين‬
‫ومناصرين‪ّ ،‬‬
‫حتى ال يكون هناك تداخل في األعمال واملهام‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫فيتم تشكيل وحدات صغيرة لضمان سرعة‬ ‫بالنسبة إلى الجانب العسكري‪ّ ،‬‬ ‫ّأما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحرك ّ‬ ‫ّ‬
‫العسكرية‪،‬‬ ‫العدو ومراكزه‬ ‫والتنقل‪ ،‬للقيام بمهمات خاطفة على مؤخرة أرتال‬
‫ّ‬ ‫الطرقات والجسور ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل ما يتعلق‬ ‫املسبلين في أعمال تخريب‬ ‫وكذلك اإلشراف على فرق‬
‫بمصالح العدو‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتولى ذلك هو املحافظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتعلق ّ‬ ‫ّ‬
‫السياس ي‬ ‫بالتعامل مع الشعب املدني‪ ،‬فمن‬ ‫وأما ما‬
‫التخزين ّ‬
‫للتموين واأللبسة واألحذية‬ ‫وعمليات ّ‬
‫ّ‬ ‫والتموين‪ّ ،‬‬
‫والتخابر والحراسة‬ ‫لجمع املال ّ‬
‫للتنسيق لخدمة عساكر جز ّ‬ ‫والذخائر وغير ذلك‪ ،‬واإل ّتصال باملدن ّ‬‫ّ‬
‫ائريين وأملان‬ ‫واألدوية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتسهيل خروجهم باألسلحة‪ ،‬أو شراء السالح والذخائر منهم‪.‬‬
‫وضباط فرنسا وغيرهم‪ ،‬وهكذا كانت بداية‬ ‫الفدائيين لقتل الخونة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكذا تجنيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هيكلة وتنظيم وحدات جيش التحرير واملناضلين بناحية ّ‬
‫تبسة‪ ،‬وبسرعة تمكنت فرق جيش‬
‫التحرير من اإلنتشار الواسع‪ ،‬بفرق صغيرة ملحاربة العدو‪ ،‬وبأفراد آخرين يتغلغلون داخل‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الشعب في ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية تنظيم وتحسيس بأهداف الثورة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلتحاقي بالثورة املسلحة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لقد كان لي الشرف باملشاركة‪ ،‬بعد انخراطي في تلك الفترة في صفوف الثورة ربيع‬
‫كنا نعمل بها‪ ،‬بسبب ذلك‬‫ورية ّالتي ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1955‬م‪ ،‬والذي أخر انضمامي لها هو اكتشاف الخلية‬
‫الحادث الذي أسقط لنا شهيدا وهو محمد جدواني ليلة ّأول نوفمبر ‪1954‬م‪ ،‬وما لحق بعد‬
‫شتت جمعنا وفرقتنا ّ‬‫ّ‬
‫وثبطت نشاطنا‪.‬‬ ‫ذلك من اعتقاالت‬
‫لكننا تباطأنا بسبب‬‫شبان لإلتحاق بصفوف املجاهدين‪ّ ،1‬‬ ‫لقد قمت بتحسيس ثالث ّ‬
‫السالح‪ ،‬رغم محاوالتنا القتنائه‪ ،‬فوقفنا نتشاور فيما سنفعله‪ ،‬فاقترح رفاقي أن نعود‬ ‫ّقلة ّ‬
‫لكنني قلت‪ :‬لن أرجع إلى بيتي بعد أن خرجت ّ‬ ‫ّ‬
‫يتوفر لنا سالح‪ّ ،‬‬
‫بنية الجهاد أبدا‪.‬‬ ‫أدراجنا إلى أن‬
‫الساعة العاشرة‬‫عندها انسحبوا وتركوني وحيدا‪ ،‬وبعد تفكير طويل أجهد نفس ي‪ ،‬وبحوالي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املنجمية‪ ،‬كنت متأكدا من وجود سالح‬ ‫ليال‪ ،‬خطر ببالي صديق تونس ي يقطن بأم العرايس‬

‫أولئك الرفقاء هم من بني عمومته وهم الشهداء‪ :‬حمدان علي‪ ،‬حمدان محمد‪ ،‬مسعي الحسين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫سلم ّثوار تونس أسلحتهم‪ ،‬كنت على يقين ّ‬
‫بأن صديقي ذاك لن يفعلها وسيخفي‬ ‫لديه‪ ،‬بعدما‬
‫سالحه‪.‬‬
‫التعب‪ ،‬وداهمني ّ‬
‫النعاس‪ ،‬فألقيت ببدني‬ ‫حتى غلبني ّ‬
‫انطلقت شرقا أركض وأركض ّ‬
‫إلى األرض‪ ،‬وال أعرف كم نمت‪ ،‬ورأيت رؤيا إذ برجل ال أعرفه جلس إلى جانبي وأعطاني رشاشا‬
‫والنصر على يديك‪ .‬استيقظت مباشرة فاستبشرت خيرا‪ ،‬فقمت وواصلت‬ ‫وقال لي‪ :‬خذ هذا ّ‬
‫مسلحا كان ذاهبا إلى حضور اجتماع ّ‬ ‫ّ‬ ‫سيري‪ّ ،‬‬
‫عام‬ ‫حتى بلغت بئر العطوش‪ ،‬فقابلت رجال‬
‫بتازربونت مع قيادة األوراس‪ ،‬فأخذني بصحبته‪ ،‬وفي طريقنا التحق بنا ثالث رجال أتوا من‬
‫ليبيا يسوقون إبال تحمل أسلحة وذخائر‪.‬‬
‫ونحن نسير‪ُ ،‬طرح سؤال حول عمل بن ّبلة وماذا يفعل‪ّ ،‬‬
‫فرد عبد الكريم‪ :1‬يقوم بن‬
‫الناس أنه نشيط ّ‬
‫وخدام‪.‬‬ ‫ّبلة بما يقوم به الجنود‪ ،‬ليقول ّ‬
‫ّ‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬ونحن لم نك نعلم ّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫الرجل يحمل فكر مصالي‬ ‫كان هذا كالما خطيرا‬
‫السعيد من ارتكب جريمة القتل الجماعي‬ ‫وأن قائده عبد الحي ّ‬ ‫الحاج‪ ،‬ذلك ما ملسناه منه‪ّ ،‬‬
‫عباس الغرور‪ ،‬والطالب‬‫كل من ّ‬‫ضد قيادة اللمامشة في سبتمبر ‪1956‬م‪ ،‬بمشاركة ّ‬ ‫بتونس ّ‬
‫والتصفية‪ّ ،‬‬‫املكلف بعملية القتل ّ‬‫ّ‬
‫وحتى‬ ‫العربي‪ ،‬وعديد من األفراد كان أحدهم هو راشد‬
‫ّ‬
‫سوفية‪.‬‬ ‫شخصيات ّ‬
‫مدنية‬
‫وصلنا جبل تازربونت لنجدهم قد فرغوا من االجتماع‪ ،‬وقد كانت فرحتهم كبيرة‬
‫فك تلك الحمولة وتوزيعها‪ ،‬وقد كنت أعلم ّ‬
‫أن‬ ‫تم ّ‬ ‫السالح‪ ،‬وبسرعة ّ‬‫بوصول تلك الحمولة من ّ‬
‫حمه بن عثمان‪2‬‬ ‫السالح‪ ،‬فبينما أنا جالس على جنب منهم‪ ،‬إذ جاءني ّ‬ ‫لي نصيب من ذلك ّ‬
‫ُ‬ ‫تذكرت ّ‬ ‫ّ‬
‫جيدا ما حلمت به البارحة في تلك الرؤيا‪ ،‬ثم‬ ‫بسالح من نوع رباعي فرنس ي‪ ،‬عندها‬
‫انضممت إلى محموعة خالي ساعي الذي عينني في عضوية لجنة تنظيم املدنيين‪ .‬ومن ّثمة كان‬
‫ّ‬
‫املدنيين وهيكلتهم‪ ،‬لتكوين وتشكيل خاليا املناضلين وفرق‬ ‫ّ‬
‫عضوية لجنة تنظيم‬ ‫لي شرف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسبلين والفدائيين‪ ،‬واملناصرين لزرع الثقة في صفوف الشعب بالثورة الجزائرية‪ ،‬وتبليغ‬

‫هو عبد الكريم هالي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫حمه بن عثمان فرحي‪ ،‬وهو ابن خال املجاهد علي مسعي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬‬

‫‪29‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ليلية على منازل ا ّ‬


‫ملدنيين‪ ،‬إلعالمهم‬ ‫نداء ّأول نوفمبر ‪1954‬م‪ ،‬وذلك عن طريق القيام بجوالت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة‪ ،‬للحصول على ّ‬
‫حريتهم واستقاللهم‪ ،‬مثل الذي فعله غيرنا على حدودنا‪،‬‬ ‫بما تهدف له‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دعائية ضد قادة وأفراد الثورة‪.‬‬ ‫تونس واملغرب‪ ،‬ولتوعيتهم مما تبثه فرنسا من وسائل‬
‫نمر بهم‪ ،‬كانوا يقولون لنا‪ :‬اسمحوا لنا بأن‬ ‫ّ‬
‫املدنيين عندما ّ‬ ‫كان يفاجئنا خوف أغلب‬
‫ّ‬
‫السبب‪ ،‬فيجيب أحدهم بأنهم يخشون أن يعلمه أحد‬ ‫نخبر القايد غدا‪ .‬فنسألهم عن ّ‬
‫الليلة نفسها‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫سنمر ب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكننا ّ‬
‫الجيران‪ّ .‬‬
‫حتى ال يقلق‬ ‫كل الجيران في‬ ‫كنا نطمئنهم ونؤكد لهم بأننا‬
‫ّ‬
‫الفرنسية‪.‬‬ ‫القياد ّ‬
‫والسلطات‬ ‫هؤالء وتتوجسهم املخاوف من ّ‬

‫ووطنيتهم‪ ،‬مثل الحاج محمد سعيدي‬‫ّ‬ ‫كذلك وقد اكتشفنا نماذج أبهرتنا شجاعتهم‬
‫ّالذي مررنا عليه ذات ليلة‪ ،‬وكان أغلب من طرقناهم رفضوا مبيتنا عندهم‪ّ ،‬‬
‫لكن ذلك ّ‬
‫الرجل‬
‫صبحنا الجيش‬‫قال‪ :‬ادخلوا يا أوالدي ولو احترق بيتي‪ ،‬وسأذبح لكم شاة لم تلد‪ .‬فلما ّ‬
‫ّ‬
‫فارتدوا على أعقابهم‬ ‫النار عليهم‪،‬‬‫الفرنس ي وبلغ زرائب الغنم‪ ،‬سارع بشير فرحي وأطلق ّ‬
‫مذعورين‪ ،‬ومن ّثمة خرجنا وهم ينظرون إلينا دون أن ّ‬
‫يحركوا ساكنا‪.‬‬
‫وبعد ابتعادنا عن دار الحاج‪ ،‬عادوا إليه وأفسدوا ما وجدوا من زاد ولحم‪ ،‬واعتقلوا‬
‫الشيخ البطل لم يضعف ولم يتزعزع‪ّ ،‬‬ ‫ّ ّ‬
‫فلما خاطبه‬ ‫الحاج وأحد أبنائه وأخيه إبراهيم‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النقيب الفرنس ي قائال‪ :‬الفالقة خرجوا من دارك‪ .‬رد عليه الحاج‪ :‬وأنت تنظر إليهم يا جبان‬
‫ّ‬
‫تتكلم هكذا أثناء ّ‬ ‫فرد ّ‬‫ولم تقاتلهم‪ّ .‬‬
‫التحقيق‪.‬‬ ‫الضابط‪ :‬اصمت وال‬
‫ّ ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة ّ‬ ‫تلك نماذج وحاالت ّ‬
‫لفجائية الثورة‬ ‫حريرية في بدايتها‪ ،‬نظرا‬ ‫وطنية من قاعدة‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للمجتمع الجزائري‪ ،‬ولغياب البعد ّ‬ ‫ّ‬
‫داخلية قبل‬ ‫السياس ي‪ ،‬وماحدث من خالفات‬
‫ّ‬
‫الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورية للوحدة والعمل‪.‬‬ ‫اندالع الثورة بين حزب الشعب واللجنة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تم تكثيف نشاط املجاهدين ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫وعمليا‪ ،‬إلزالة ما يبثه عمالء فرنسا من‬ ‫نظريا‬
‫ّ‬
‫الثورة‪ ،‬إذ يمثلونها بما سبق من ثورات فاشلة‪ّ ،‬‬
‫وحتى وإن كان دون قصد‬ ‫تشكيك في نجاح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مما يصدر من الذين خدموا بالجيش الفرنس ي الذين يشيعون بقوة الجيش الفرنس ي عددا‬
‫ّ‬
‫وعدة‪ ،‬وهم على حسن ّنية يرون األمر بنظرتهم ّ‬
‫املادية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫الفرنسية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العسكرية‬ ‫ولكن ما جاء من نتائج عسكرّية من هجومات على املراكز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والهجمات على مؤخرات األرتال للعدو‪ ،‬ناهيك عن نصب الكمائن التي تحصد الكثير من‬
‫السالح‪ ،‬مثل ما حدث في ‪ 14‬ماي ‪1955‬م‪ ،‬بكمين املورد بالعقلة الذي‬ ‫أفراد العدو‪ ،‬وغنم ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قتل به الحاكم ديبوي موريس وضابط قائد الفرقة املرافقة‪ ،‬كما سلم أفراد تلك الفرقة‬
‫ومسدسات‪ ،‬بينما فقد املجاهدون‬ ‫ّ‬ ‫أنفسهم وأسلحتهم منها رشاشان من عيار ‪ 24-29‬ملم‪،‬‬
‫شهيدا وهو فالح محمد‪ ،‬وجرح عبد هللا اليعقوبي‪.‬‬
‫مهما ّ‬
‫جدا في رفع ّ‬
‫الروح‬ ‫ّ‬
‫البوقص ي‪ ،‬دورا ّ‬ ‫كان لكمين املورد الذي قام به عون عمر‬
‫ّ‬
‫املعنوية في صفوف فرق املجاهدين واملواطنين على حد سواء‪ ،‬من شاهد ذلك ومن سمع به‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تنافسيا بين فرق مجاهدي ناحية ّ‬
‫تبسة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأعطى دافعا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫مروحية من الغد صباحا في مكان‬ ‫ّأما بالنسبة للجانب الفرنس ي فأمر آخر؛ إذ حطت‬
‫الكمين‪ ،‬نزل منها الجنرال سوستيل املقيم العام بالجزائر‪ ،‬وترافقه زوجة الحاكم املقتول‬
‫ّ ّ‬ ‫هدد فيه ّ‬ ‫وأبناؤه‪ ،‬حيث ألقى خطابا ّ‬
‫ثم قلد أبناء الحاكم وسام‬ ‫وتوعد فرق املجاهدين‪،‬‬
‫ّ‬
‫لفرنسيين‪ ،‬ولتجميع العزائم قال ضابط فرنس ي‬ ‫الحرب‪ .‬لقد كان ذلك الحادث صدمة قاتلة ل‬
‫بالعزاء‪ :‬ال تستغربوا أيها الحضور أن يقتل الحاكم في عمق ‪50‬كم‪ ،‬لم يكن فيه فرنس ي واحد‪.‬‬
‫كمين جبل القعقاع ّأول جوان ‪1955‬م‬
‫ّ‬
‫بالطريق ّ‬
‫الرابط بين‬ ‫كان ذلك الكمين بأمر من القيادة‪ ،‬بأن يكون بجبل القعقاع‬
‫ّ‬
‫يمر منه كثير من فرق العدو‪ ،‬باتجاه الجبل‬ ‫ألهمية املكان ّالذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تبسة والشريعة‪ ،‬نظرا‬ ‫ّ‬
‫السالح بقتل العديد من الجنود‬ ‫األبيض والجرف وقنتيس وغيرها‪ ،‬فكانت فرصتنا لغنم ّ‬
‫لكن العدو فاجأنا برتل يصحبه عنصر ّ‬
‫املدرعات‪،‬‬ ‫يمرون من هناك‪ّ ،‬‬ ‫والضباط ّالذين ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سقط لنا فيها خمس شهداء هم‪ :‬فرحي أحمد بن ساعي‪،‬‬ ‫ليتحول الكمين إلى معركة مباشرة‪ ،‬أ ِ‬
‫الطاهر‪ ،‬بوعون بوقطف‪ ،‬بوقطوف محمد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصالح‪ ،‬فارح الوردي‪ ،‬ومن‬ ‫فرحي الشريف بن‬
‫حمه بن عثمان‪ ،‬فرحي ّ‬
‫حمه بن زروال وغيرهما‪...‬‬ ‫الجرحى قائد الكمين فرحي ّ‬

‫ّأما خسائر العدو رغم عدم علمنا بها‪ ،‬لكن تبدو كبيرة من خالل ما رأيناه من‬
‫معين‪ّ ،‬‬ ‫سكان ّ‬‫ّ‬
‫للتعرف على‬ ‫الناحية بمكان ّ‬ ‫تصرفاتهم‪ ،‬ذلك ّأنهم من صباح الغد جمعوا أغلب‬‫ّ‬

‫‪31‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫تبين ّأنهم من قبيلة ّ‬
‫التكاكة‪ ،‬اعتقلوا أفراد‬ ‫الشهداء‪ ،‬والقبائل ّالتي ينتمون إليها‪ّ ،‬‬
‫فلما ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫هوية‬
‫التكاكة ّ‬
‫وسرحوا اآلخرين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫العسكرية‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬
‫العمليات من اشتباكات وهجومات على املراكز‬ ‫هكذا كانت مستويات‬
‫ّ‬
‫املسلح واملدني أيضا‪ ،‬ما أغرى القائد شيحاني على ّ‬
‫التنقل من األوراس إلى‬ ‫تضاعف اإلنخراط‬
‫ّ‬ ‫جبل أم الكماكم‪ ،‬لإلشراف على ّ‬
‫عملية تنظيم وانتشار واسع لتقوية ساعد الثورة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫الفرنسيين وقادتهم بالقيام بحملة‬ ‫الزمان هناك‪ ،‬ما أوعز في نفوس‬‫استقر شيحاني فترة من ّ‬
‫ّ‬
‫تبسة بحجر واحد‪.‬‬ ‫جمع ّالذي فيه القائد شيحاني وفرق ّ‬ ‫عسكرية‪ ،‬لضرب ذلك ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬

‫وبينما كان املجاهدون إلى جانب القيادة يدخلون ويخرجون من الجبل‪ ،‬فيهم من‬
‫الزرق يوم‬ ‫فرنسية واسعة بدأت بواد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية‬ ‫ّ‬
‫يتدرب ومن يقوم بمهام الحراسة‪ ،‬إذ بحملة‬
‫ّ‬ ‫العش انتشرت قوات ّ‬‫ّ‬
‫مترجلة قضت على ‪ 33‬فردا الذين كانوا‬ ‫‪ 22‬جويلية ‪1955‬م‪ ،‬قرب راس‬
‫ّ‬
‫الزيدي‪ ،‬الذي نجا منها رفقة جريحين‪ ،‬ذلك ما ّ‬ ‫بقيادة الحاج صالح ّ‬
‫شجع الجيش الفرنس ي‬
‫ّ‬
‫كل أرجاء املكان‪ ،‬وكذلك التحاق فرق املظل ّيين‬
‫على التقدم بثقة وثبات‪ ،‬بفرقه املنتشرة في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية األخرى ألم‬ ‫الذين دخلوا من جهة بئر العاتر ملفاجأتنا من الغد أثناء وصول القوات‬
‫الكماكم‪.‬‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫ونسية‬ ‫معركة أم الكماكم ومعركة جبل بوقافربالحدود‬
‫ّ‬
‫ملا كان الغد أي يوم ‪ 23‬جويلية ‪1955‬م صباحا‪ ،‬نشبت معركتي أم الكماكم وبوقافر‬
‫الطائرات‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫الرئيسية بحماية ّ‬
‫ّ‬ ‫تقدمت ّ‬ ‫في وقت واحد‪ ،‬فقد ّ‬
‫وتقدمت‬ ‫جوية تحت تحليق‬ ‫القوات‬
‫السابعة صباحا‪ ،‬وكانت بداية املعركة‬ ‫املدفعية‪ ،‬فكانت بداية املواجهة حوالي ّ‬
‫ّ‬ ‫الدبابات وقطع‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫قمة جبل أم الكماكم مع فرق املظل ّيين‪ ،‬وقد هلك أغلبهم نظرا لحسن تمركز فرقنا‬ ‫بأعلى ّ‬
‫ّ‬
‫جيدا‪ ،‬بينما كان املظل ّيون يجهلون مسالك الجبل وجهاته‪ ،‬فتاهوا فيها ما‬ ‫ومعرفتهم األرض ّ‬
‫تفوقهم عددا‬‫جعل منهم أهدافا سهلة لرماتنا‪ ،‬وبذلك خسروا كثيرا أحسن جنودهم‪ ،‬رغم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عمار من قبيلة أوالد عبيد أثناء نزول املظل ّيين‪.‬‬
‫وعدة‪ ،‬بينما استشهد لنا‪ّ :‬‬

‫‪32‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫كما استشهد لنا في هذه املعركة ‪ 20‬شهيدا منهم‪ :‬فرحي املقدادي أخو ساعي‪ ،‬مومن‬
‫حمود بن فرحات ّ‬
‫جداي‪ ،‬ومن الجرحى‪:‬‬ ‫عروم الطاهر‪ّ ،‬‬ ‫مزيان‪ ،‬فارس إبراهيم‪ ،‬أيمن ّ‬
‫السبتي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مباركية محمد ّ‬
‫الرشاش ي‪.‬‬ ‫دعاس لزهر‪ ،‬فارح الط ّيب‪ ،‬نصر‪،‬‬
‫نعم‪ ..‬لقد تواصلت املعركة ودارت ليوم كامل رغم الفارق الكبير بيننا‪ ،‬وحرارة‬
‫ّ‬
‫وقلة املاء وطول ّ‬ ‫ّ‬
‫النهار‪ ،‬وهو يوم عيد األضحى‪ ،‬لقد كنا ننادي بأعلى‬ ‫الطقس وعراء الجبل‪،‬‬
‫للتضحية‬ ‫صوت على بعضنا بعض فنقول‪ :‬لقد جاءتنا كباش العيد‪ّ .‬‬
‫وحقا لقد كان عيدا ّ‬
‫خصيصا للقضاء على مراكز‬ ‫عسكرية أتت ّ‬
‫ّ‬ ‫والفداء‪ ،‬كانت ّأول تجربة لنا في مواجهة حملة‬
‫العسكرية _كما ّيدعون ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويسمونا_‪.‬‬ ‫التمرد التي أرهقت فرقهم‬
‫ممن حضر املعركة حوالي ‪ 280‬رجال‪ ،‬كانت القيادة ّ‬
‫العامة لبشير‬ ‫كانت القيادة وعدد ّ‬
‫شيحاني‪ ،‬وقائدين مساعدين هما فرحي ساعي وورتال بشير بولحية‪ّ ،‬أما قادة الفرق هم‪:‬‬
‫حمه بن عثمان‪ ،‬بن عمر جيالني‪ ،‬فارس ي محمد بن عجرود‪ ،‬فرحي ّ‬
‫حمه‬ ‫دعاس لزهر‪ ،‬فرحي ّ‬ ‫ّ‬
‫بن زروال‪ ،‬عمارة محمد األخضر‪.‬‬
‫تم عقد اجتماع هناك بحضور ّ‬
‫كل‬ ‫بعد املعركة انتقلنا ليال إلى الجبل األبيض‪ ،‬حيث ّ‬
‫ثم ّ‬‫وسلبياتها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرق ّ‬
‫شدد على‬ ‫تبسة‪ ،‬وخاطب شيحاني الحضور‪ ،‬وحلل املعركة بإيجابياتها‬
‫ّ‬
‫العدو أنفاسه‪ ،‬وأمر‬ ‫كل مكان وزمان‪ّ ،‬‬
‫حتى ال يلتقط‬ ‫مواصلة الجهاد ومالحقة العدو‪ ،‬في ّ‬
‫وحرض على إحداث الخسائر فيه‪ ،‬وغنم األسلحة منه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫عين شيحاني فرقة من ‪ 35‬فردا‪ ،‬وبعثهم إلى واد‬ ‫ثم ّ‬


‫دام مقامنا هناك ثالثة ّأيام‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫قواسمية الكامل‪ ،‬وكانت‬ ‫جدي‪،‬‬‫سوف‪ ،‬من أعضائها القائد محمد األخضر عمارة‪ ،‬مقداد ّ‬
‫الثورة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مهمة هذه الفرقة تشكيل خاليا مناضلين لجمع املال ّ‬ ‫ّ‬
‫ووصاهم‬ ‫والسالح لفائدة‬
‫ّ‬ ‫الجبلية‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫بتجنب مواجهة العدو‪ ،‬لعراء املنطقة وابتعادها عن ّ‬
‫ّ‬
‫لكن العدو تفطن‬ ‫التضاريس‬
‫السردوك يوم ‪ 07‬أوت ‪1955‬م‪ ،‬فانتصروا بها وغنموا أسلحة‪،‬‬ ‫إليهم‪ ،‬فخاضوا معركة بهود ّ‬
‫وقتلوا فرقة كاملة منهم ضابطا‪ ،‬وعند الغد بيوم ‪ 08‬أوت ‪1955‬م‪ ،‬خاضوا معركة بهود‬
‫ّ‬
‫شيكة‪ ،‬وقد تكاثر عليهم العدو‪ ،‬وكان من الشهداء عمارة محمد األخضر‪ ،‬وجرح أغلبهم‬
‫ّ‬
‫قواسمية‪.‬‬ ‫جدي والكامل‬‫واعتقل منهم‪ ،‬بينما نجا القالئل منهم مقداد ّ‬

‫‪33‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫للعمليات بالحدود الجز ّ‬


‫ائرية‬ ‫ّ‬ ‫بعد تلك الحوادث‪ّ ،‬‬
‫تم تعيين بن عمر جيالني قائدا‬
‫ّ‬ ‫الت ّ‬‫ونسية‪ ،‬بداية من جبال زريف غيفوف إلى عمق الحدود ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫ونسية وسندس‪ ،‬وإلى الشمال‬
‫ّ‬
‫البوقص ي‪ ،‬دريد‬ ‫ّ‬
‫حتى عين البيضاء وسدراتة ومداوروش وعين غدير‪ّ ،‬‬
‫وتم تعيين القادة‪ :‬عمر‬
‫لزهاري والحاج علي ّ‬
‫شريط‪.‬‬
‫ومن الجبل األبيض إلى واد الجديدة كان يتمركز شيحاني‪ ،‬حيث ّ‬
‫تلقى خبر قيام‬
‫عباس علم بنبأ مرور العدو من هناك‪ ،‬وقد قتل‬ ‫عباس بنصب كمين بتفاسور‪ ،‬ذلك أن ّ‬ ‫ّ‬
‫عباس الكثير من أفراد العدو منهم باباس وهو من اآلباء البيض‪ ،‬وغنم األسلحة‪ّ ،‬‬
‫لكن‬ ‫ّ‬
‫الرجال منهم‪ :‬بوعون العروس ي ّ‬ ‫مما أسفر عن استشهاد عديد من ّ‬ ‫ّ‬
‫تدخل ّ‬
‫التكوكي‬ ‫الطيران‬
‫املدعو حشحوش‪ ،‬والحاج علي كربادو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعد ذلك ألقى شيحاني خطابا وتوصيات ونصائح‪ّ ،‬‬
‫ثم قال‪ :‬سأغيب عنكم‪ ،‬وأتجه إلى‬
‫أن‬‫تبسة ّإال بابانا ساعي فقط‪ .‬رغم ّ‬
‫األوراس لحضور إصدار جريدة‪ ،‬ال يخلفني على ناحية ّ‬
‫قائد ناحية ّ‬
‫تبسة آنذاك هو ورتال بشير‪.‬‬
‫وهكذا فبعد معركة أم الكماكم ونتائجها اإل ّ‬
‫يجابية‪ ،‬تضاعفت أعداد امللتحقين‬
‫ّ‬
‫عملية اإلنتشار في ّ‬ ‫الثورة بناحية ّ‬
‫تبسة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫كل‬ ‫مما أتاح الفرصة للقيادة بتوسيع‬ ‫بصفوف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو وأفقده اتزانه‪ ،‬فأكثروا التصريحات‪ ،‬وتعنجهت‬ ‫الجهات‪ ،‬بفرق وقيادات‪ ،‬ما أربك‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫وتعنترت فرقهم الع ّ‬
‫سكرية في ّ‬
‫كل مكان بين السكان مطلقين التهديدات والوعيد‪.‬‬
‫ناهيك عن كمين نصبه املجاهدون بعقلة قساس يوم ‪ 15‬جويلية ‪1955‬م‪ّ ،‬‬
‫ضد فرقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية يقودها ضابط برتبة رائد‪ّ ،‬‬
‫تم القضاء عليهم وغنم ما لديهم من أسلحة منها رشاش‬
‫بكل تراب املنطقة وعلى الحدود‪ ،‬حيث انتشرت فرقنا‬ ‫عيار ‪ ،24-29‬وكثير من اإلشتباكات ّ‬
‫داخل القطر ّ‬
‫التونس ي‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫أحداث ‪ 20‬أوت ‪1955‬م‬


‫ّ‬ ‫هي تلك الهجومات ّ‬
‫العامة والكبيرة على الشمال القسنطيني‪ ،‬بقيادة البطل زيغود‬
‫مما دفع بأصداء‬ ‫ّ‬
‫املدنيين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية‪ ،‬بقتلها الكثير من‬ ‫السياسة‬‫يوسف‪ ،‬األمر الذي فضح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬
‫وطنية‬ ‫ائرية خارج القطر إلى بلدان العالم‪ ،‬وأعطى في الوقت نفسه شحنة‬
‫ّ‬ ‫وتضامنا ّ‬
‫ثوريا‪ّ ،‬‬
‫وتم تحويل شحنة كبيرة من األسلحة من املنطقة األولى إلى املنطقة الثانية‪ ،‬ما‬
‫التفكير في ّ‬‫ائرية‪ ،‬من هنا بدأ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫للثورة الجز ّ‬ ‫أدخل ّ‬
‫شن حملة‬ ‫الرعب في فرنسا من انتشار حقيقي‬
‫ّ ى ّ ّ‬
‫ضد الث ّوار‪.‬‬ ‫عسكرية كبر‬
‫عالمية املغرضة‪ ،‬لتشويه صورة فصائل وقادة‬ ‫الدعاية اإل ّ‬ ‫بدأت تلك الحملة بنشر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املدنيين في إخوانهم املجاهدين‪ ،‬فركزت تلك الدعاية على تصوير‬ ‫الثورة‪ ،‬لضرب ثقة‬
‫فارين من العدالة بسبب ديون عليهم‬ ‫املجاهدين على ّأنهم مجرد قتلة خارجين على القانون‪ّ ،‬‬
‫سفاحين واستشهدوا على ذلك بإعدام‬ ‫مجرد ّ‬‫أن هؤالء املارقين ّ‬ ‫عجزوا عن تسديدها‪ ،‬وأعلنوا ّ‬
‫عمالئهم الذين يذبحهم ّثوار الجزائر‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّأما قيادة الثورة فقد ّردت بوعي ورجاحة عقل‪ ،‬وذلك من خالل عقد اإلجتماعات‬
‫ّ‬ ‫باملدنيين‪ ،‬كان ّ‬
‫ّ‬
‫أهم اإلجتماعات اجتماع رأس الطرفة بواد هالل يوم ‪ 19‬سبتمبر ‪1955‬م‪،‬‬
‫وكل قادة فرق ناحية ّ‬
‫تبسة وأفرادها‬ ‫بإشراف من قيادة املنطقة على رأسهم شيحاني بشير‪ّ ،‬‬
‫جدا‪ ،‬جاؤووا بهدايا ّ‬
‫متنوعة من‬ ‫ومناضليها ومناضلي خنشلة وغيرهم‪ ،‬وحضره خلق كثير ّ‬
‫حمه‬ ‫وحتى الطلبة حضروا من املعاهد‪ ،‬وكان فرحي ّ‬ ‫مأكوالت وعطور ولحم وسمن وغير ذلك‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫تولى غيره ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مهمة إعداد الطعام للحاضرين‪.‬‬ ‫بن زروال من تولى حراسة اإلجتماع‪ ،‬وأيضا‬
‫الشمس استوى شيحاني على سطح دار املناضل عبد ّ‬ ‫ّ‬
‫الصمد‪ ،‬وخاطب‬ ‫بعد غروب‬
‫الحضور بأسلوب سلس يفهمونه‪ ،‬وضرب لهم األمثلة من املاض ي والحاضر‪ ،‬وما ينتظره مناّ‬
‫وحثهم‬‫وحرضهم على الجهاد ّ‬ ‫الثورة في مهدها‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫املستقبل‪ ،‬وما تسعى إليه فرنسا ُوت ّ‬
‫عده لوأد‬
‫وأنهم حاولوا ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة وتداعيات ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫بشتى‬ ‫على مساندة الثورة‪ ،‬وأوضح لهم أسباب إعالن‬
‫الطرق ووسائل الحوار مع فرنسا‪ ،‬للحصول على ّ‬ ‫ّ‬
‫الحرّية‪ ،‬لكن دون جدوى ففرنسا ال‬
‫حقنا في ّ‬
‫السالح لطرد فرنسا مثلما‬ ‫السالح‪ ،‬ونظر إلينا وقال‪ :‬هؤالء أبناؤكم يحملون ّ‬ ‫تفهم ّإال بلغة ّ‬

‫‪35‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فعل ّثوار فيتنام‪ ،‬وهاهم جيراننا نالوا ّ‬
‫حقهم من فرنسا‪ ،‬وما عليكم إال أن تحتضنوا الثورة‪،‬‬
‫وتحافظوا على سيرورتها‪.‬‬
‫بتقدم الجيش‬‫وكان هذا ّأول ّرد على ما قامت به فرنسا‪ ،‬وأثناء ذلك توالت األخبار ّ‬
‫وتجنب مواجهة‬ ‫إن هنالك من نصح بالخروج إلى تونس‪ّ ،‬‬ ‫حتى ّ‬‫كل الجهات‪ّ ،‬‬ ‫الفرنس ي من ّ‬
‫قررت املواجهة‪ ،‬وعدم الفرار أمام الجيش‬ ‫عدته وعتاده‪ّ ،‬‬
‫لكن القيادة ّ‬ ‫صعبة لجيش بكامل ّ‬
‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫فالبد من املواجهة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم أعطي األمر‬ ‫ورد اإلعتبار‪،‬‬ ‫الذي قتل إخوانهم بالشمال القسنطيني‪،‬‬
‫للمدنيين بالخروج من واد هالل قبل أن يدركهم العدو‪.‬‬
‫ّ‬
‫التحضيرللمعركة‬
‫قوات العدو‪،‬‬‫كل منهم إلى جهة لتشتيت ّ‬ ‫قام شيحاني بشير ببعض ّ‬
‫التعيينات للقادة‪ّ ،‬‬
‫شريط على جبل أم الكماكم وقرن الكبش وما جاورها‪ ،‬وعلي عفيف على جبل‬ ‫ّ‬
‫فعين لزهر ّ‬
‫بوجالل ومهاجمة مركز املاء األبيض إلشغال العدو‪ّ ،‬‬
‫وعين فارس ي محمد بن عجرود بأم خالد‬
‫ّ‬
‫العدو بضواحي خنشلة‪،‬‬ ‫عين عون عمر لنجدة جماعة ّ‬
‫طوقها‬ ‫ملراقبة ّ‬
‫تقدم العدو‪ ،‬كما ّ‬
‫وفرقة لزهر ّ‬
‫شريط تتبعه إلى خنشلة‪.‬‬
‫عباد‪ ،‬إضافة إلى فرقة‬ ‫ّأما باقي الفرق مع قياداتها فثالث فرق تتبع ساعي‪ ،‬وفرقة ّ‬
‫الزين ّ‬
‫وقص ي‪ ،‬وفرقة قريد عبد املالك‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫شوشان الباهي‪ ،‬وفرقة ساهي العيد تتبع عمر الب ّ‬
‫ّ‬ ‫عجول ّ‬ ‫من يرافق القيادة من أعضاء‪ ،‬منهم ّ‬
‫عجول الذي يرافقه ‪ 12‬فردا‪ ،‬وليس كما يقول‬
‫بأن عدد مرافقيه ‪ 100‬رجل فذلك ليس بصحيح‪.‬‬ ‫عبد الوهاب عثماني ّ‬
‫جدا‪ ،‬منه بنادق ّ‬ ‫مسلحا بسالح بسيط ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيد وبنادق‬ ‫كان مجموعنا حوالي ‪ 280‬رجال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صنع إيطالي أغلبه ذخائر غير صالحة لإلستعمال‪ ،‬ومنهم من تسلح بالخناجر والسيوف‬
‫ّ‬
‫اليدوية‪ ،‬ومن ال سالح له‪.‬‬ ‫والقنابل‬
‫لكن املعركة بدأت بأم خالد‪ ،‬فقد داهم العدو فرقة محمد بن عجرود‪ ،‬فرفض‬ ‫ّ‬
‫البطل بن عجرود اإلنسحاب أمام زحف حشود العدو‪ ،‬رغم إلحاح رفاقه عليه‪ ،‬إذ ّرد عليهم‪:‬‬
‫ُك ّلفت من اإلدارة بمراقبة ّ‬
‫تحركات واتجاه فرق العدو‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫وهكذا خاض البطل ورفاقه معركة غير متكافئة إلى أن نفدت ذخيرته‪ ،‬فوقف رافعا‬
‫فلما سأله العدو عن سبب‬‫فلما اقتربوا منه ضرب بسالحه حجرا كبيرا فكسر سالحه‪ّ ،‬‬ ‫يديه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫فعلته أجاب‪ :‬حتى ال يسمع رفاقي املجاهدين أنني سلمت سالحي‪ .‬وهكذا يفعل األبطال‪ ،‬فما‬
‫ّ‬
‫كان منهم إال أن قتلوه‪ ،‬رحم هللا الشهيد فارس ي محمد بن عجرود وكل رفاقه‪ ،‬فلم ينج منهم‬
‫سوى اثنان‪ ،‬ال أعرف كيف نجيا‪ ،‬واستشهد ‪ 28‬شهيدا يوم ‪ 21‬سبتمبر ‪1955‬م‪.‬‬
‫معركة الجرف الكبرى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحولت القيادة من رأس الطرفة إلى قلعة الجرف استعدادا للمواجهة‪ ،‬التي حذر منها‬
‫جمع في رسالتين‬ ‫شنوف القيادة‪ ،‬حيث نصحا القيادة أثناء ّ‬
‫الت ّ‬ ‫كل من الحاج يعلى وبن ّ‬ ‫ّ‬
‫لتجنب املواجهة الصعبة‪ ،‬لكن كما سبق وذكرت فقد رفضت‬ ‫التونس ي‪ّ ،‬‬
‫بالخروج إلى القطر ّ‬
‫بالشمال القسنطيني في ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقررت ّ‬
‫الت ّ‬
‫حق‬ ‫حدي ّردا على ما ارتكبته فرنسا‬ ‫القيادة الهروب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫املدنيين‪.‬‬
‫وكان استشهاد بن عجرود ومن معه رحمهم هللا إنذارا ّأوال للقيادة‪ّ ،‬‬
‫فقررت أن تنتقل‬
‫بالتحليق ّ‬
‫الجوي على قلعة الجرف‪.‬‬ ‫إلى قلعة مسحالة‪ ،‬لتشتيت ذهن العدو‪ ،‬الذي ّركز ّ‬
‫تقدمت فرقة ّ‬
‫الزين ّ‬
‫عباد لكشف الطريق وفيها خيرة‬ ‫مساء يوم ‪ 21‬سبتمبر ‪1955‬م‪ّ ،‬‬
‫فرنسية بإطالق ّ‬
‫النار‪ ،‬فتراجعت فرقة‬ ‫ّ‬ ‫أبناء املنطقة العارفين بمسالكها‪ ،‬ففاجأتهم فرقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزين ّ‬
‫عباد وخرجت من تلك املسالك‪ ،‬وتراجعت القيادة إلى قلعة الجرف‪ ،‬ومن ّثمة اتخذت‬
‫جد وذكاء وحرص على‬ ‫بكل ّ‬
‫فحضرت لها ّ‬‫ّ‬ ‫القيادة موقفا للمواجهة الحاسمة وبوعي كامل‪،‬‬
‫ّ‬
‫اإلنتصار‪ ،‬و ّرد كيد فرنسا خائبا ذليال‪ ،‬وقد استبشرنا بالنصر عند وصول مجموعة من‬
‫ّ‬
‫الذخائر واألسلحة‪ّ ،‬‬ ‫املجاهدين يحملون ّ‬
‫تم توزيعها على فرق املجاهدين‪ ،‬وكذلك‬ ‫كميات من‬
‫التموين‪ ،‬مع ّ‬
‫التوصيات بالحزم والعزم للمواجهة‪.‬‬ ‫مواد ّ‬
‫ّ‬ ‫أخذت فرقنا مواقعها للقتال بعد توزيع األسلحة وأخذ ّ‬
‫التوصيات الالزمة من ضبط‬
‫ووضعيات القتال ّ‬
‫لصد العدو‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مسك باملواقع‬ ‫وربط‪ّ ،‬‬
‫للت ّ‬

‫‪37‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫بداية املعركة‬
‫ّ‬
‫العدو‬ ‫السابعة صباحا من يوم ‪ 22‬سبتمبر ‪1955‬م‪ ،‬ظهرت فرق‬ ‫الساعة ّ‬ ‫عند حوالي ّ‬
‫بكل شوق‬ ‫وتقدمت مفارزهم األولى من الجهات األربعة ببطء‪ ،‬ونحن ننتظر ّ‬ ‫كل الجهات‪ّ ،‬‬ ‫من ّ‬
‫النار عن بعد‪ ،‬بل نتركهم يقتربون إلنزال أكبر‬ ‫قتالهم‪ ،‬حيث صدرت لنا األوامر بعدم إطالق ّ‬
‫األول من‬‫منا بدأ اإلشتباك ّ‬ ‫قدر من الخسائر بهم‪ ،‬وغنم أسلحتهم‪ ،‬وبالفعل؛ عند اقترابهم ّ‬
‫عمت الجهات األربعة‪.‬‬‫حتى ّ‬ ‫أسفل الوادي وأعاله‪ ،‬ومن ّثمة تصاعدت وتيرة القتال ّ‬

‫وأثخناهم وأحدثنا فيهم خسائر ّأولية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النار حسب أوامر القيادة‪،‬‬‫أطلقنا عليهم ّ‬
‫السالح من طائرات ّ‬ ‫كل أنواع ّ‬ ‫واتسعت املعركة شيئا فشيئا‪ ،‬إلى أن استعمل فيها ّ‬ ‫ّ‬
‫ودبابات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املدفعية بسبب‬ ‫واملدفعية ّأوال‪ ،‬بينما تأخر سالح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومدفعية وهاونات‪ ،‬وقد تدخلت الطائرات‬
‫ّ‬
‫العسكرية ليوم غد‪.‬‬ ‫السبيل هندستهم‬ ‫جهزت لهم ّ‬ ‫الت يس‪ّ ،‬‬
‫حتى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية ووعورة ضار‬ ‫املوانع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة فرق اللفيف األجنبي واملظل ّيين التي‬ ‫بكل طوائف جيشه‪،‬‬ ‫العدو ّ‬ ‫كما شارك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو من‬ ‫يشرف عليها جنراالت فرنسا‪ ،‬دام ذلك القتال إلى أن أظلم الليل‪ ،‬دون أن يتمكن‬
‫تكبد خسائر في األرواح من قتلى وجرحى‪ ،‬ولم ُيصب من أفرادنا أحد‬ ‫الوصول إلى نتيجة‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫تدخل ّ‬
‫كل أنواع األسلحة‪.‬‬ ‫رغم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمت املعركة ّ‬ ‫هكذا ّ‬
‫ومدفعية امليدان‬ ‫كل مكان بصورة شاملة‪ ،‬وتبادل سالحا الطيران‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكن ّرد رماتنا كان‬ ‫وبقية الفرق للهجوم‪ّ ،‬‬‫املظل ّيين ّ‬ ‫الدور على قصفنا‪ّ ،‬‬
‫ثم فتح املجال لفرق‬
‫ّ‬
‫وتحصننا‪.‬‬ ‫قاسيا وأسقط منهم القتلى والجرحى‪ ،‬فتراجعوا مذهولين نظرا لحسن تمركزنا‬
‫فلما خرجنا‬ ‫ّ‬
‫استعدت فرقنا للخروج الليلي كعادتنا‪ّ ،‬‬ ‫وبعدما أحلك الليل وعسعس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتمسك باملواقع وتشديد الحراسة‪ ،‬ثم تعالت األناشيد بيننا‬ ‫من مواقعنا جاءنا أمر اإلدارة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فرحا بمناسبة قبول عرض ملف الثورة الجزائرية لدى مجلس األمن‪ ،‬وكم كانت فرحتنا كبيرة‬
‫حتى أنسانا الفرح ما ينتظرنا غدا‪ ،‬لقد كانت ليلة ممطرة ّ‬
‫يلفها الظالم الحالك‪،‬‬ ‫بخبر كهذا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫كنا يقظين‪ ،‬اليد على ّ‬‫وقد ارتفع مستوى جريان الوادي‪ ،‬رغم ذلك ّ‬
‫الزناد خوفا من تسلل‬
‫عنا ّ‬ ‫ّ‬
‫املظل ّيين بيننا‪ ،‬وقد غاب ّ‬
‫النوم وجافانا‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫حتى صباح يوم ‪ 23‬سبتمبر ‪1955‬م الزمنا مواقعنا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ألن تحليل القيادة أفض ى إلى أنه‬
‫فيتم القضاء‬ ‫قوات منتشرة على كامل الجبل األبيض‪ّ ،‬‬ ‫األول فستعترضنا ّ‬ ‫لو خرجنا اليوم ّ‬
‫ّ‬
‫وننسل‬ ‫علينا جماعات وفرادى ببساطة‪ ،‬وعليه فيجب علينا أن نخوض املعركة ليوم ثان‬
‫العدو قد اجتمعت في مكان املعركة وبذلك يخلو الجبل األبيض من فرق‬ ‫ّ‬ ‫أن فرق‬ ‫ليال‪ ،‬لنجد ّ‬
‫ّ‬
‫العدو‪ ،‬ولذلك بقى شيحاني ومن معه في الجرف في نهاية املعركة وما خطط له شيحاني لينقذ‬
‫بقية املجاهدين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صباح اليوم الثاني للمعركة وقبل شروق الشمس حسبما أذكر جيدا‪ ،‬أطلق الجيش‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واشتد القتال‬ ‫ومدفعية امليدان وهاون ورشاشات‪،‬‬ ‫الفرنس ي نيران أسلحتهم من الطائرات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫القتالية من مظل ّيين وفرق اللفيف األجنبي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل التشكيالت‬ ‫بكل ضراوة وعنف‪ ،‬وتدخلت‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫لكن أبطالنا ّردوهم من‬ ‫املظل ّيين ّ‬ ‫قوة‪ ،‬وقد دفع بفرق‬ ‫كل ما لديه من ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو ّ‬ ‫واستخدم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مواقعهم وبثبات‪ ،‬فسقط لهم كثير من القتلى والجرحى‪ ،‬ما أثر في العدو فكانوا يرتدون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدبابات ّالتي ّ‬‫تدخلت ّ‬‫ّ ّ‬
‫لتحصننا‬ ‫مهدت لها الهندسة الطريق‪ ،‬لكن لم تؤثر فينا‪،‬‬ ‫مذعورين‪ .‬ثم‬
‫باملدفعية ويقصف من‬ ‫ّ‬ ‫الصخرية‪ ،‬وراح العدو يقذف‬ ‫بأماكن صلبة في أخاديد الجبال ّ‬
‫فيتم قتلهم ّ‬ ‫ّ‬
‫املظل ّيين ّ‬ ‫الطائرات‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وردهم بواسطة أبطال الجزائر‪ ،‬لكن‬ ‫ثم يعيد الهجوم بفرق‬
‫السالح امل ّ‬ ‫ألننا لم نمتلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدخل سالح ّ‬ ‫ّ‬
‫ضاد لها‪،‬‬ ‫املدرعات اضطررنا إلى تغيير مواقعنا‬ ‫عندما‬
‫ّ‬
‫وبقينا على هذا الحال إلى أن أظلم الليل‪ ،‬فجاء أمر بتعيين أفراد من أبناء املنطقة‪ ،‬لتحديد‬
‫أن شيحاني‬ ‫كل املسالك قد أغلقت ولم يبق منفذ فرجعوا‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫مسالك للخروج‪ ،‬فوجدوا ّ‬
‫مكانية وجود منافذ‬‫أرسل ساعي البريد إلى قائد مجموعتنا‪ ،‬يأمره بالبحث واإلستطالع حول إ ّ‬
‫ّ‬
‫العدو واشتبكوا‬ ‫دورية من مجموعتنا تستطلع‪ ،‬فاكتشفها‬ ‫للخروج من الحصار‪ ،‬فانطلقت ّ‬
‫العدو من قتل بعض من جنودها‪ ،‬وعاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البقية إلى مواقعهم‪.‬‬ ‫فتمكن‬
‫املدفعية‪ ،‬والقصف ّ‬
‫الجوي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو العنان لقذائف‬ ‫في اليوم الثالث للمعركة أطلق‬
‫دوليا‪ ،‬وانتشرت‬ ‫املحرمة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو في ذلك اليوم األسلحة‬ ‫الدبابات‪ ،‬وقد استخدم‬ ‫ودخول ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تغطي املكان‪ّ ،‬‬ ‫الغا ات وأسحبة ّ‬
‫فتقدمت فرق املشاة‪ ،‬إضافة إلى فرق املظل ّيين التي‬ ‫الدخان‬ ‫ز‬
‫ّ‬
‫حاولت اختراق صفوفنا منذ الفجر إلى بعد طلوع النهار‪ ،‬وقد اشتد وطيس القتال‪ ،‬وكان يوما‬
‫ّ‬ ‫تدخلت ّ‬‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫املدرعات ورمتنا الطائرات ببراميل شديدة اإلنفجار‬ ‫الوطنية في نفوسنا‪ ،‬ملا‬ ‫شديد‬
‫‪39‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫واشتد األمر علينا لنفاد ذخائرنا‬ ‫تزلزل األرض من تحت أقدامنا‪ ،‬دام ذلك إلى بعد العصر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّّ‬ ‫ّ‬ ‫الرشاشات نوع ‪ 24-29‬ملم‪ّ ،‬التي ّ‬
‫يعول عليها في رد هجوم املظليين األشداء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫خاصة ذخيرة ّ‬
‫السالح‪ ،‬وعرضوا علينا شرب فناجين من‬ ‫العدو كثيرا وطالبونا بوضع ّ‬‫ّ‬ ‫واقترب ّ‬
‫منا أفراد‬
‫بأن أمرنا قد انتهى‪ ،‬ويصيحون‪ :‬ال تتعبوا أنفسكم‪ ،‬ضعوا‬ ‫تبسة‪ ،‬وأوهمونا ّ‬
‫القهوة في ّ‬
‫سالحكم جانبا‪.‬‬
‫وكنا نتبادل ّ‬ ‫ّ‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬إذ كانوا ينادوننا من قريب‪ّ ،‬‬
‫الس ّب‬ ‫لقد كانت لحظات فارقة‬
‫ثم قام أربعة مناّ‬ ‫ّ‬
‫وأننا قد تركنا مواقعنا بسبب دخول الدبابات بالوادي‪ّ ،‬‬‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫والشتائم‪ ،‬خاصة‬
‫بإنشاد من جبالنا طلع صوت األحرار ينادينا‪ ،‬وبأنغام يملؤها البكاء انبعثت في نفوسنا‬
‫ّ‬
‫للشهادة أو ّ‬
‫النصر‪.‬‬ ‫حماسة كبيرة‪ ،‬واستعدادا‬
‫ّ ّ‬
‫سلل إلى مكان القيادة ّ‬ ‫ّ‬
‫سرا‪ ،‬كان‬ ‫وبسبب تلك الظروف العصيبة‪ ،‬جاء أمر القيادة بالت‬
‫ثم ّإننا وجدنا أغلب الفرق قد ّ‬ ‫ّ‬
‫الشمس‪ّ ،‬‬
‫تجمعت حول القيادة‪ ،‬في انتظار ما‬ ‫ذلك عند غروب‬
‫يجد من أوامر‪ ،‬في الوقت الذي كانت القيادة تتناقش فيه حول تداعيات الوضع الخطير‪،‬‬ ‫ّ‬
‫كل منافذ الخروج‪.‬‬ ‫بسبب غلق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو سيمثل بنا‬ ‫ألن‬‫التاسعة ليال‪ ،‬ملّا أصبح قرار الخروج هو قرار باإلستشهاد‪ّ ،‬‬
‫كانت ّ‬
‫لكن ّ‬
‫نمكنه من هذا أبدا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يوم غد أمام شعب ّ‬
‫النقاش اآلن فيمن سيبقى بالغار‬ ‫تبسة‪ ،‬ولن‬
‫ّ‬
‫عملية‬ ‫ممن لم يحضروا املعركة‪ ،‬ويشرع في‬ ‫ّ‬
‫املتبقية‪ّ ،‬‬ ‫املحصنة‪ ،‬كي يعيد تنظيم ّ‬
‫الرجال‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التجنيد ملواصلة الثورة‪.‬‬
‫التوعية وبعث‬ ‫عملية ّ‬
‫ّ‬ ‫فتم اإلتفاق على بقاء شيحاني وفرقته‪ ،‬فهو قادر على‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫بكل رجولة‪ ،‬وعدم اإلستسالم‪ ،‬واإلحتفاظ‬ ‫الشهادة ّ‬ ‫الحماسة‪ّ ،‬أما نحن فتواصينا على‬
‫ّ ُ‬
‫الكفار ونقتل شهداء‪.‬‬ ‫ارية لنقتل بها أكبر عدد ممكن من‬ ‫بأحسن ال ّطلقات ّ‬
‫الن ّ‬
‫ّ‬
‫وسبب اتخاذ شيحاني قرار اإلنسحاب الجماعي‪ ،‬كان ألمرين اثنين‪:‬‬
‫ّ‬
‫"‪ _1‬نفاد الذخيرة عند كثير من املجاهدين‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫العدو متمركز في الجبل ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحرير ّ‬ ‫تأكد قيادة جيش ّ‬‫ّ‬
‫لعدة ّأيام‪ ،‬في حين كانت‬ ‫بأن‬ ‫‪_2‬‬
‫ّ‬
‫العدو سينسحب بعد يومين على األكثر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في اليوم ّ‬
‫األول من املعركة تعتقد بأن‬
‫ألن انسحاب الوحدات‬ ‫لهذا فقد ّاتخذ شيحاني قرار اإلنسحاب دفعة واحدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للعدو ملحاصرة املجاهدين‪ ،‬إذ ّربما تتمكن الوحدة األولى‬ ‫الواحدة تلو األخرى يعطي الفرصة‬
‫ّ‬
‫العدو‪ ،‬لهذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من اإلنسحاب‪ّ ،‬‬
‫تم‬ ‫لكن الوحدات املتخلفة لن تتمكن من الخروج من تطويق‬
‫تتوقع خسائر كبيرة‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫الهجوم دفعة واحدة مع ما في ذلك من خطر‪ ،‬إذ ّ‬
‫لكن‬ ‫أن القيادة كانت‬
‫اإلنسحاب الجماعي كان أفضل من البقاء في الجبل إلى أن تنفد ذخيرة املجاهدين بكاملها‪،‬‬
‫تبسة‪ ،‬فيقدمون لنا القهوة كما كانوا‬‫فيتم القبض علينا أحياء‪ ،‬فيأخذنا جنود األعداء إلى ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يعايروننا في اليوم الثالث من املعركة‪ ،‬عندما أخذت ذخيرتنا تنقص‪ ،‬وقد كان ذلك‬
‫غالبية املجاهدين من اإلنسحاب‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتبقى حوالي فرقة من‬ ‫التخطيط سليما‪ ،‬بحيث تمكنت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو إلى أن استشهدوا‪ّ ،‬أما‬ ‫الجنود كانوا في املؤخرة‪ ،‬لم يتمكنوا من الخروج‪ ،‬فقاتلوا‬
‫شيحاني و ّ‬
‫ستة مجاهدين فقد بقوا في الغار ولم ينسحبوا مع املجاهدين‪1".‬‬

‫ساعات الحسم والقرارالجريء‬


‫ّ‬
‫نترقب ونتهامس‪ّ ،‬‬
‫حتى ظهر علينا ّ‬
‫كل من ساعي بابانا وبشير ورتال بولحية‪،‬‬ ‫بينما نحن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأشارا إلينا همسا يومئان بالت ّ‬
‫وجه إلى الناحية الجنوبية أسفل الوادي‪ ،‬باتجاه قلعة‬
‫تحركنا حوالي العاشرة ليال إلى أن دخلنا وسط فرق‬ ‫مسحالة وبصمت وحذر صارم‪ّ ،‬‬
‫الحراسة‪ ،‬بين األشجار الكثيفة التي كان بينها أشجار مثمرة على طرفي الوادي‪.‬‬
‫عجول ُع ّين على رأس‬
‫بأن ّ‬‫تاريخية هنا‪ ،‬فليس كما ّيدعون ّ‬
‫ّ‬ ‫وأريد أن ّ‬
‫أصحح معلومة‬
‫أن ّ‬‫وأي سالح ثقيل عندنا؟!! هذا كذب وتزوير‪ ،‬مثلما قالوا ّ‬ ‫ّ‬
‫الثقيل‪ّ ،‬‬ ‫فرقة ّ‬
‫عباس‬ ‫السالح‬
‫السالح الخفيف‪ ،‬يا عجبا !! فأبطال الجبل األبيض الذين يعترف لهم‬ ‫الغرور ُع ّين على دفعة ّ‬
‫بالشجاعة والصبر والبأس‪ ،‬خرجوا ذلك اليوم ّ‬ ‫ّ‬
‫بقوة اإليمان‬ ‫أعظم قادة الجيش الفرنس ي‪،‬‬

‫تصريح للمجاهد علي بن أحمد‪ ،‬ينظر‪ :‬مجلة أول نوفمبر‪ ،‬ع ‪.1988 ،97-96‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪41‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫أن املؤونة قد نفدت‪ ،‬وسألناه الخروج ّ‬ ‫عباس الغرور ّ‬ ‫والشجاعة‪ ،‬فقد ذكر ّ‬ ‫ّ‬
‫لكنه أعطانا‬
‫النهج الصحيح‪1.‬‬‫القرار الختيار ّ‬
‫نتسلل بحذر شديد‪ّ ،‬‬
‫وكنا صفوفا متر ّ‬ ‫ّ‬
‫اصة ألنها عملية‬ ‫أعود إلى املعركة‪ ..‬فبينما نحن‬
‫ّ‬
‫عسكرية‪ ،‬كان أغلبها على مرتفعات الجبل‬ ‫ّ‬
‫ونتقدم إلى حشود‬ ‫ّ‬
‫استشهادية رفضا لإلستسالم‪،‬‬
‫يغنون ويمرحون‪ ،‬فرحا بأسرنا لينالوا األوسمة غدا والحوافز؛ لم يشعروا ّبنا حتى دخلنا بين‬ ‫ّ‬
‫صفوفهم األولى بحول هللا وقدرته‪ ،‬في أضيق مساحة‪ ،‬بين أشجار كثيفة‪ ،‬وكان لي شرف قتل‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫العدو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو إلى‬ ‫النار‪ ،‬فأصبت في ركبتي‪ ،‬وسارع‬ ‫ّأول من تفطن لنا‪ ،‬وكنت ّأول من أطلق عليه‬
‫الليل نهارا‪ ،‬وقذفونا بالهاون ورمونا بنيران ّ‬‫ّ‬ ‫إطالق القنابل ّ‬
‫الض ّ‬
‫الرشاشات من‬ ‫وئية‪ ،‬فصار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خارج الوادي‪ّ ،‬‬
‫حتى صاروا يقتلون بعضهم بعضا‪ ،‬ويصيحون‪ :‬توقفوا إنكم تقتلونا‪ .‬فتوقف‬
‫وتغيرت مجريات املعركة فصارت وجها لوجه‪ ،‬عند ذلك اندفع‬ ‫العدو عن إطالق ّ‬
‫النار‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫أفراد‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مجاهدونا بالصيحات‪ :‬هللا أكبر‪ ،‬الشهادة أو النصر‪ ،‬اقتل‪ِ ..‬اذبح‪..‬‬
‫ألن املساحة التي يجري فيها‬ ‫بكل أدوات القتل عن قرب‪ّ ،‬‬ ‫ومن ّثمة أصبح القتال ّ‬
‫السيوف والخناجر والقنابل‬ ‫واستخدمت ّ‬ ‫ضيقة‪ ،‬ومليئة باألشجار على طرفي الوادي‪ُ ،‬‬ ‫القتال ّ‬
‫حتى صار املاء في بعض املناطق‬ ‫التقابض باأليدي‪ ،‬ما اد في عدد القتلى‪ّ ،‬‬ ‫وحتى ّ‬‫اليدوية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ز‬
‫الدماء‪ ،‬كانت صدمة كبيرة لقادة الجيش الفرنس ي بسبب عنصر املباغتة التي‬ ‫أحمرا من كثرة ّ‬
‫لم تكن في الحسبان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بندقيتي‪ ،‬أشاهد القتلى والجرحى‬ ‫كنت أسير متثاقال أجر قدمي على األرض متوكأ على‬
‫ّ‬
‫تقشعر له األبدان‪،‬‬ ‫مرمية هنا وهناك‪ ،‬لقد كان مشهدا‬‫داخل الوادي وعلى جانبيه جثث ّ‬
‫ّ‬
‫اليدوية‪ ،‬وخرير مياه األمطار‪ ،‬وصوت األذان من‬ ‫الرشاشات وبنادق ّ‬
‫الصيد والقنابل‬ ‫صوت ّ‬
‫عملية قتل قطيع من البغال تحمل ذخائر وعتاد‪ ،‬ومأكوالت ومشروبات‪،‬‬ ‫وحتى ّ‬ ‫املجاهدين‪ّ ،‬‬

‫بأن خروجهم من الحصار لم يكن بسبب امتالكهم السالح الثقيل‪ ،‬وهو ّ‬


‫يفند تماما‬ ‫‪ 1‬يريد املجاهد ليقول ّ‬
‫قصة امتالكهم لألسلحة الثقيلة‪ ،‬كما يفند جملة وتفصيال ما جاء على لسان بعض املؤرخين أو املجاهدين‬‫ّ‬
‫ألن املجاهدين كلهم آنذاك ال يملكون إال بنادق‬‫بكون عباس الغرور كان قائدا لفرق السالح الخفيف‪ّ ،‬‬
‫االدعاء بأنهم كانوا يمتلكون مختلف أنواع األسلحة‪ ،‬وخروجهم من‬‫الصيد والرشاشات والخناجر‪ ،‬فال يجوز ّ‬
‫ذلك الحصار كان بسبب شجاعتهم وبسالتهم ّ‬
‫وقوتهم رغم نفاد السالح واملؤونة‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫فتم قتلها ّ‬
‫حتى ال يستفيد منها‬ ‫ذلك بسبب عدم انصياعها للمجاهدين لحمل الجرحى عليها‪ّ ،‬‬
‫الفرنسيون ّ‬
‫مجددا‪ ،‬وأخذ ما في حموالتها من أكل وذخائر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫خرجت من املعركة ُ‬
‫أج ّر نفس ي منهارا‪ ،‬أسحب ساقي على الشوك‪ ،‬وقد تركت املعركة‬
‫الرجال حوالي العشرة‪ ،‬كانوا جرحى وعلى‬‫حتى وجدت ّثلة من ّ‬ ‫خلفي دائرة على بعد ‪ 500‬متر‪ّ ،‬‬
‫حرك‪ ،‬ويحاول اإلبتعاد بهم عن ساحة املعركة‪ ،‬فرميت‬ ‫يحرضهم على ّ‬
‫الت ّ‬ ‫رأسهم بشير فرحي ّ‬
‫ببدني إلى األرض‪ ،‬وانطرحت إلى جانبهم‪.‬‬
‫عباس الغرور وساعي‪ ،‬قال‪ :‬ماذا تفعلون هنا؟ قال بشير‪ّ :‬إنهم‬ ‫أثناء ذلك ذلك وصل ّ‬
‫جرحى‪ .‬قال‪ :‬ارفعوهم أو اذبحوهم‪.‬‬
‫ملّا سمع الجرحى كالم الغرور نهضوا ّكلهم ّإال أنا كنت عاجزا ّ‬
‫حتى على الكالم‪ ،‬عندئذ‬
‫كل من كحلة‬ ‫عينوا له رجاال ليحملوه إلى أن أجد لكم ّ‬
‫دابة يركبها‪ .‬فبقي لحملي ّ‬ ‫قال ساعي‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫محمد بن عثمان‪ ،‬بوعون مسعود‪ ،‬بوقطوف العيد‪ّ ،‬زمال العيد بن محمد‪ ،‬شعبور محمد‬
‫يدعى األزرق‪ .‬بعدما رفعوني قليال تض ّررت من ذلك‪ ،‬فوضعوني داخل برنوس ّ‬
‫وجروني على‬
‫فتضررت أكثر‪ ،‬عندها طلبت منهم أن يتركوني وأن ينجوا بأنفسهم‪ ،‬ذلك عندما‬ ‫ّ‬ ‫األرض‪،‬‬
‫وعباس الغرور والجيش الفرنس ي‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬
‫سمعنا اشتباكا وقع على مقربة منا‪ ،‬بين فرحي ساعي ّ‬
‫أشفقت عليهم‪ّ ،‬‬
‫ثم تركوني في بطن الوادي‪.‬‬
‫الصباح وجدت نفس ي في مكان عار‪ ،‬فحبوت إلى خارج الوادي أبحث عن مكان‬ ‫وعند ّ‬
‫كأنهما رجالن جالسان‪ ،‬فحفرت بينهما بحجرة إلى أن ّ‬
‫جهزت‬ ‫آمن‪ ،‬فوجدت حجرين متقابلين ّ‬
‫الطول‪ ،‬ولم يكن ّ‬ ‫ّ‬
‫لدي سالح أو أكل‪ ،‬إلى بعد‬ ‫مكانا يخفيني عن األنظار‪ ،‬واستترت فيه على‬
‫ّ‬
‫عسكرية أقامت بالقرب مني ّ‬
‫ثم انتقلت عند‬ ‫دورية ما‪ ،‬لك ّن فرقة‬
‫الغروب‪ ،‬كنت أنتظر رجوع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفجر باتجاه املعركة التي لم تتوقف وال زال رحاها قائما‪.‬‬
‫وهكذا فقد مللت البقاء هناك‪ ،‬وانتظرت إلى غروب يوم آخر‪ ،‬وقد مكثت خمس‬
‫ثم قررت مغادرة املكان قبل أن يكتشفوا أمري‪ ،‬فنزلت الوادي واخترت عصوين‬‫أوجب‪ّ ،‬‬
‫أتوكأ عليهما‪ ،‬وتحركت قاصدا قلعة مسحالة لعلمي ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن بها‬ ‫خشبيين من حطب الطرفة‪،‬‬
‫مركزا ّ‬
‫للتموين‪ ،‬وقد ّ‬
‫تضررت كثيرا من الجوع وآالم اإلصابة‪ ،‬إلى أن أحسست بإعياء كبير‬
‫‪43‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ونوم ثقيل‪ ،‬فاخترت حجرا ضخما بجنب واد‪ ،‬وأسندت ظهري إليه‪ ،‬وال أعرف كم نمت‪ ،‬حتى‬
‫أيقظني نباح ذئب وزمجرته وهو يحفر أسفل قدمي‪ ،‬يريد صنع حفرة ليسقطني فيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاص باملاء‪ ،‬فضربت عليه‬ ‫حديديا‬ ‫ويفترسني‪ ،‬ولم يكن معي ما أدفع به أذى الذئب‪ ،‬إال دلوا‬
‫ّ‬
‫الذئب قليال‪ّ ،‬‬
‫ثم قمت من فوري وانطلقت مسرعا وهو يتبعني ويعوي بأعلى‬ ‫بالحجر فتراجع‬
‫ّ‬
‫صوته‪ ،‬ولم أشعر حتى وصلت إلى مركز لنا بقلعة مسحالة عند طلوع شمس ذلك اليوم‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬
‫أجد باملركز شيئا من أكل أو شرب أو دواء‪ ،‬وأنا في حالة من الجوع واألوجاع لدرجة أنني قد‬
‫لحدة جوعي‪ ،‬كان الجيش‬ ‫حتى احترقت معدتي تخفيفا ّ‬ ‫أكلت ورق شجيرات القطف املالح‪ّ ،1‬‬
‫الفرنس ي قد أخذ ما بذلك املركز‪.‬‬
‫سوء لبعدي عن األهالي‪ ،‬وعن جبل أم الكماكم الذي به مقر لزهر‬ ‫وقد زادت حالتي ً‬
‫ّ‬
‫أتضور جوعا وأشرب من ماء املطر‪،‬‬ ‫إلي من غيره‪ ،‬وواصلت ّ‬
‫السير وأنا‬ ‫شريط فهو األقرب ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد كنت على هذه الحالة ليلتين ويومين‪ ،‬دون طعام وال دواء‪ ،‬حتى وصلت أم الكماكم‬
‫ّ‬ ‫الزاد لكن لم أجد هنالك ً‬ ‫فوجدت القليل من ّ‬
‫دواء‪ ،‬ومن حسن حظي وجدت من يوصلني إلى‬
‫وأول بيت نزلت به كان لس ي‬‫وبالضبط إلى الغنجاية‪ ،‬عند عرش أوالد عبد هللا‪ّ ،2‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدرمون‬
‫الشجاع‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫العروس ي عمرون‪ ،‬ذلك ّ‬
‫وحتى ال يشيع خبر وجودي عنده لضمان‬ ‫الرجل الوطني‬
‫حتى تعافيت من جروحي وإصابتي‪.‬‬ ‫أتنقل من بيت إلى آخر‪ّ ،‬‬‫سالمته‪ ،‬كنت ّ‬
‫الثورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫نعم‪ ..‬لقد دفع ذلك العرش الغالي ّ‬
‫بكل ما لديهم من مال‬ ‫والنفيس الحتضانه‬
‫والتعذيب وحرق البيوت ونهب األرزاق‪،‬‬‫فتعرضوا النتقام الجيش الفرنس ي‪ ،‬بالقتل ّ‬ ‫وأبناء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫خاصة س ي العروس ي وعائلته وجيرانه وأقاربه‪ ،‬جزاهم هللا خير الجزاء‪.‬‬
‫سأعود إلى املعركة وإلى أي مستوى صارت إليه‪ ،‬من املعروف أن املعركة دامت حوالي‬
‫قرر الجيش الفرنس ي بناء مركز عسكر ّي ثابت هناك‪ ،‬ولذلك‬ ‫األسبوع‪ّ ،‬‬
‫ألهمية ذلك املوقع‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫صار األمر صعبا على شيحاني ومن معه‪ ،‬ما ّأدى إلى اكتشافه عن طريق أحد الشباب‪ ،‬قد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫فدلهم على ّ‬ ‫تخلف وال أدري ّ‬‫ّ‬
‫يتحصن فيه شيحاني‪،‬‬ ‫النفق الذي‬ ‫السبب‪ ،‬فعثر عليه العدو‬

‫القطف املالح‪ :‬من حشائش الجبال بمنطقة تبسة وهو ضار‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أوالد عبد هللا‪ :‬من عمائر قبيلة أوالد حميدة اللمامشة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪44‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫جدا‪ ،‬فحاصروه وطلبوا من شيحاني‬ ‫ضيقا ّ‬ ‫ذلك الغار كان له مدخل واحد فقط‪ ،‬وكان ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ثم قالوا‪ُ :‬اخرج يا شيحاني ّ‬ ‫الخروج‪ ،‬فرفض ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن جيشك كله قد قتل‪ .‬فرفض أيضا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدخول‪ ،‬فأطلق عليهم أحد أفراده ّ‬ ‫عند ذلك حاولوا ّ‬
‫النار‪ ،‬فلما أدركوا أن ال سبيل إليهم إال‬
‫النفق نهائيا‪ ،‬وأظلم عليهم ّ‬
‫النفق‬ ‫فانسد ّ‬
‫ّ‬ ‫النفق‪ ،‬قاموا باستخدام ّ‬
‫الديناميت‪،‬‬ ‫تفجير مدخل ّ‬
‫ضرع إلى هللا ّ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫ولم يبق لألخوة ّإال ّ‬
‫الت ّ‬
‫النور وصاح فرحا‪ّ :‬‬
‫الضوء‪..‬‬ ‫حتى أى ّ‬ ‫لكن علي املعافي أخذ يربش أحد جوانب الغار‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫الدبابات والعسكر‪ ،‬فلبثوا في‬ ‫ثم أعانه ا ّلرفاق على توسيع املنفذ‪ ،‬وقد بانت لهم ّ‬ ‫ّ‬
‫الضوء‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫الليل‪ّ ،‬‬ ‫أماكنهم ّ‬
‫ثم خرجوا ليلتحقوا بإخوانهم‪.‬‬ ‫حتى أظلم‬
‫ّ‬
‫عسكريا حوالي ‪ 800‬قتيل‪ ،‬وقد‬ ‫كانت معركة الجرف عظيمة فعال‪ ،‬فقد خسر العدو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جماعيا‪ ،‬ويأخذون الجرحى داخل الشاحنات‪،‬‬ ‫كانوا يحفرون الخنادق لدفن قتالهم بالجملة‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫حدثنا أفراد من الشعب عن دماء العدو التي كانت تنزف‪ ،‬وكيف خرجوا من املعركة‬
‫ّ‬
‫املظل ّيين‪ ،‬وما ّ‬ ‫ّ‬
‫تزودوا به أيضا من‬ ‫خروجا ُم ِذال‪ ،‬رغم ما لديهم من مختلف األسلحة ككتائب‬
‫ّ‬
‫املدنيين‪،‬‬ ‫صبوا جام غضبهم على‬ ‫دوليا‪ ،‬ونتيجة تلك الهزيمة النكراء فقد ّ‬‫محرمة ّ‬‫أسلحة ّ‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫سكان قلعة الجرف وضواحي الجبل األبيض وأم الكماكم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السكان‬ ‫فتم ترحيل كل‬ ‫خاصة‬
‫وكل ذلك هو رأس مالهم‪،‬‬‫بكل مواشيهم وأنعامهم من إبل وعنز ّ‬ ‫موالون‪ ،‬فكانوا يجلونهم ّ‬ ‫وهم ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ومن يأبى ّ‬
‫الرحيل تقتل مواشيه‪ ،‬بداية بسكان قلعة الجرف إلى قلعة مسحالة وضواحيها‪،‬‬
‫وكل املواقع التي ّ‬
‫يتردد عليها املجاهدون‪ ،‬وذلك كي يمنعوا اإلستفادة منها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وقد غنمنا ‪ 75‬قطعة سالح وهاون‪ّ ،‬أما إسقاط الطائرات فهذا لم أسمع به‪ ،‬لعدم‬
‫ّ‬
‫مضادة لها عندنا‪ ،‬ولتحليقها في مجال بعيد عن مرمانا‪.‬‬ ‫وجود أسلحة‬
‫دعاس لزهر بن محمود‪ ،‬بخوش‬ ‫ومن جانبنا استشهد حوالي ‪ 80‬إلى ‪ 90‬شهيدا منهم‪ّ :‬‬
‫محمد ّ‬
‫السدراتي‪ ،‬سليمان قبايلي‪ ،‬عبد الوهاب الوهراني‪ ،‬محمد األصنامي‪ ،‬سامي تلمساني‪،‬‬
‫معمر‪ ،‬ومن الجرحى‪ :‬سالمة ّ‬
‫الصادق بن البخاري‪ ،‬كحلة عبد هللا بن‬ ‫مجور عثمان‪ ،‬كافي ّ‬
‫أحمد‪ ،‬صالح ريماني‪ ،‬بوعبيدة نصر‪ ،‬مسعي األسود‪ ،‬مسعي علي بن أحمد‪ ،‬باهي أحمد بن‬
‫ّ‬
‫الن ّوي‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫عملية نجاحنا بالخروج وغنم أسلحة وذخائر وعتاد أمر مستحيال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كانت‬
‫ّ‬
‫استشهادية‪ ،‬كذلك نجاح خروج شيحاني من نفق‬ ‫فاستنتاجات القيادة ُبنيت على أنها ّ‬
‫عملية‬
‫اإلدارة ّالذي ّ‬
‫دمره العدو _وقد كانت صدمة كبيرة في نفوسنا بسبب ما حدث له بعد ذلك على‬
‫عجول وعباس_‪.‬‬ ‫يد ّ‬
‫لقد قام شيحاني بتعيينات كبرى لبناء استر ّ‬
‫اتيجية واسعة‪ ،‬وكذلك انتشار كبير في ّ‬
‫كل‬
‫اإلتجاهات خارج املنطقة وداخلها منها‪:‬‬
‫‪ -‬سوق أهراس بقيادة الوردي ّ‬
‫قتال بأعضاء وجيش‪.‬‬
‫‪ -‬سدراتة ومداوروش بقيادة عمر عون بأعضاء وجيش‪.‬‬
‫‪ -‬قنتيس والجبل األبيض بقيادة عفيف علي‪.‬‬
‫‪ -‬أم الكماكم وما جاورها بقيادة لزهر ّ‬
‫شريط‪.‬‬
‫‪ -‬بن عمر جيالني بالحدود‪ ،‬إبتداء بجبال الزواريف باتجاه عمق الحدود‪ ،‬قائدا‬
‫للعمليات وحماية فرق حمل السالح من ليبيا‪.‬‬
‫حمه بن عثمان ناحية تبسة بقسمين‪ -1 :‬قسم مرسط بقيادة فرحي ّ‬
‫حمه بن‬ ‫‪ -‬فرحي ّ‬
‫ّ‬
‫شرفية‪ ،‬بينما‬ ‫تبسة هو بشير سيدي ّ‬
‫حني بصفة‬ ‫زروال‪ -2 .‬قسم ّبكارية ومن يشرف على ّ‬
‫عباد ّ‬
‫الزين بالوردي إلى سوق أهراس‪.‬‬ ‫التحق ّ‬
‫إن الحلف األطلس ي عقد اجتماعا طارئا لد اسة مساعدة فرنسا في حربها ّ‬
‫ضد‬ ‫ث ّم ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ائرية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬
‫بالسالح واملال لقهر الثورة‪.‬‬
‫ّ‬
‫القتالية ّ‬ ‫ّ‬ ‫هبية لنجاحاتنا‪ ،‬ملّا ارتفع مستوى‬ ‫ّ‬
‫الذ ّ‬
‫بكل‬ ‫العمليات‬ ‫لقد كانت تلك الفترة‬
‫ائرية ّ‬
‫الت ّ‬
‫ونسية‪ ،‬مثل معركة جبل بورملي‬ ‫خاصة بالحدود الجز ّ‬ ‫تبسة وغيرها‪ّ ،‬‬ ‫نواحي منطقة ّ‬
‫النقب‪ ،‬وغيفوف وسندس ّ‬
‫والسمامة‪ ،‬وبوقافر وبوهالل‬ ‫املطل على مدينة قفصة‪ ،‬وجبل ّ‬ ‫ّ‬
‫وغيرها‪ ،‬هذا من الجانب العسكري‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشعب الجزائري بالغناء ّ‬
‫والرقص‪ ،‬رجاال‬ ‫ّأما من الجانب املدني‪ ،‬فقد كان ّرد فعل‬
‫خاصة عائالت املجاهدين واملناضلين واملناصرين‪ ،‬حيث ألهمت تلك ّ‬
‫النتائج‬ ‫ونساء وأطفاال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والت ّردد في نفوس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الناس‪ ،‬وقد اندفع الشباب‬ ‫واملغنين‪ ،‬كما قضت على الخوف‬ ‫الشعراء‬
‫‪46‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫وزودها ّ‬‫الثورة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالتموين واأللبسة‬ ‫لإلنخراط في الثورة‪ ،‬وقد ساهم الشعب باملال واألغنام في‬
‫وأما من كان فقيرا ال يملك شيئا فقد كان ّ‬ ‫والتسليح وغير ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫يقدم الخدمات‬ ‫واألحذية‪،‬‬
‫ّ‬
‫والتجنيد للقتال‪ ،‬وقد تحولت ساحة الجرف بعد املعركة إلى رمز لألمل بذلك النصر املبين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة وقد‬ ‫ّ‬ ‫عبد الطريق لتقدم جهات أخرى بالوطن بمعنويات عالية‪،‬‬ ‫النصر الذي ّ‬ ‫ذلك ّ‬
‫ائرية لتدرسه األمم ّ‬ ‫الثورة الجز ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحدة‪ ،‬كانت فرحة عارمة‬ ‫صادف نصرنا مناسبة قبول ملف‬
‫ّ‬ ‫الثوري ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنظيمية جديدة ّ‬ ‫ّ‬
‫وعسكريا ملواجهة‬ ‫مدنيا‬ ‫لتتمة العمل‬ ‫لنا‪ ،‬وقد تبع ذلك أعمال‬
‫مشاريع فرنسا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد نشطت الثورة على جبهات املنطقة‪ ،‬ذلك عن طريق توسيع تشكيل خاليا‬
‫الطرقات والجسور ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل منشآت‬ ‫الفدائيين باملدن‪ ،‬لتخريب‬ ‫واملسبلين‪ ،‬وفرق‬ ‫املناضلين‬
‫ّ‬
‫العدو‪ ،‬والعمل على غلق كل منافذ اإلختراقات باملدن وخارجها‪ ،‬بإعدام الخونة وضباط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والذخائر سواء ّ‬ ‫ّ‬ ‫املكلفون بالبحث عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫العدو‪ ،‬وكذلك خدمة فرق ّ‬
‫بالداخل أو‬ ‫السالح‬ ‫التموين‬
‫الخارج‪.‬‬
‫خاصة من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جندتهم فرنسا لقتال األملان‪،‬‬ ‫والبحث عن عناصر اللفيف األجنبي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والذين ّ‬ ‫ّ‬
‫وانضم إلى‬ ‫فروا منها بأسلحتهم‪ ،‬ومن أشهرهم علي األملاني‪ ،‬الذي رفض خدمة العدو‪،‬‬
‫املضادة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للدبابات‪.‬‬ ‫متخصص في وضع األلغام‬ ‫الثورة‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬
‫تاريخ التحاقي بقيادتي لقطاع بكارية أواخرأكتوبر‪1955‬م‬
‫حمه بن عثمان قائد‬ ‫إلي فرحي ّ‬ ‫بعد أن شفيت من جراحي بمعركة الجرف‪ ،‬أوكل ّ‬
‫والتنظيم‪ ،‬عندما التحقت بهم‬ ‫السالح ّ‬ ‫مهمة قيادة ثالث فصائل‪ ،‬وجدتهم ناقص ي ّ‬ ‫الناحية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫عملية استطالع وتح ّر وجدت خلال في‬ ‫السيف‪ ،‬املشرف على قرية الحويجبات‪ ،‬وبعد ّ‬ ‫إلى جبل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باملدنيين‪ ،‬ذلك لقلة خبرة وحنكة قادة الفرق املسلحة‪ ،‬وأيضا بسبب عدم‬ ‫عالقة املجاهدين‬
‫حريةّ‬
‫بكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عنجهية فرق الجيش الفرنس ي‪ ،‬التي تتجول ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعمليات ّ‬ ‫ّ‬
‫قتالية‪ ،‬لرد‬ ‫قيام تلك الفرق‬
‫حتى داخل بيوت األهالي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فقررت عقد اجتماع باملناضلين واألعيان‪ ،‬لتنشيط ّ‬
‫التعامل بجيرانهم‪ ،‬للبحث عن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعمليات باملنطقة‪ ،‬حيث نجحنا في ذلك‬ ‫السالح والذخيرة‪ ،‬ملساعدتنا في تسليح أفرادنا للقيام‬
‫‪47‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫السالح والذخائر‪ ،‬وزيادة على ذلك تجنيد مناصرين‪ّ ،‬‬
‫وحتى‬ ‫بعدها‪ ،‬وحصلنا على قطع من ّ‬
‫بعض ّ‬
‫املجندين الذين خدموا بالجيش الفرنس ي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الناحية ّ‬
‫ومن ّ‬
‫فإن املكلف األمني للجيش يتولى رفقة‬ ‫نظيمية والعالقة باألهالي‪،‬‬ ‫الت‬
‫ّ‬
‫بعمليات‬ ‫العدو عن بيوت األهالي‪ ،‬ومن ّثمة ّ‬
‫قررت القيام‬ ‫ّ‬ ‫املناضلين ذلك‪ ،‬من أجل إبعاد‬
‫ّ‬
‫قتالية‪ ،‬من كمائن وهجومات‪.‬‬
‫أهم مركز أهاجمه بنفس ي هو‬ ‫ّ‬
‫العسكرية‪ ،‬وجدت ّ‬ ‫بعد بحث ّ‬
‫وتحر عن وضع املراكز‬
‫فشجعنا ذلك على مهاجمته ّ‬
‫والدخول إليه‪ ،‬وفي‬ ‫مغربيان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مركز ب ّكارية‪ّ ،‬الذي ّ‬
‫فر منه فردان‬
‫ّ‬
‫املنشقين الخارجين‬ ‫عدة مراكز أخرى‪ ،‬وقبل الهجوم أرسلت أحد‬ ‫الوقت نفسه الهجوم على ّ‬
‫ّ‬ ‫عن الجيش الفرنس ي وهو صالح لندوشين لإلستطالع‪ ،‬فرجع ّ‬
‫متوجسا ومتوترا لخروج فرقهم‬
‫بمخططنا‪ ،‬ونصحني بتأجيل الهجوم‪ ،‬وبعد تفكير طويل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫قررت‬ ‫مسلحة‪ ،‬وكأنهم قد علموا‬
‫تغيير موعد الهجوم‪ ،‬ليكون بعد املغرب بقليل‪ ،‬أثناء تناولهم وجبة العشاء‪ ،‬وقت ال‬
‫يتوقعونه‪ ،‬وفرصة ملباغتتهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املغربيان املسلحان‪ ،‬كان يحمالن مفاتيح‬ ‫أخذت معي ثالث جماعات صغيرة‪ ،‬يصحبنا‬
‫ّ‬ ‫املغربيان ّ‬
‫بالصعود إلى الدبابات لنجاح هجومنا على‬ ‫ّ‬ ‫الدبابات ّ‬
‫بنية احتالل املراكز‪ ،‬ليقوم‬ ‫ّ‬
‫املركز‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إ ّتفقنا على أال يطلق أحد ّ‬
‫النار من باقي املجموعات‪ ،‬قبل أن نتسلل إلى املركز‪،‬‬
‫مالية‪ ،‬وكدنا أن ندخل ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫لكن‬ ‫وأخذت أفراد الجماعة التي سأدخل بها من الجهة الغربية‬
‫خلفتها خارجا أطلق ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحراس‪ ،‬ومن ّثمة ابتدأت‬‫النار على أحد ّ‬ ‫أحد أفراد املجموعات التي‬
‫خاصة ّأنهم داخل الخيام‪ ،‬وقد أحدثنا‬ ‫املعركة داخل املركز وهم منشغلون بتناول وجبتهم‪ّ ،‬‬
‫تحركت ّدباباتهم فانسحبنا دون أن يقع فينا‬ ‫فيهم خسائر كبيرة من قتلى وجرحى‪ ،‬إلى أن ّ‬
‫خسائر‪.‬‬
‫الدم ّ‬
‫املكبد‬ ‫الس ّكان على آثار ّ‬
‫وحدثنا ّ‬ ‫تبسة‪ّ ،‬‬ ‫من فداحة خسائرهم رحلوا غدا إلى ّ‬
‫ّ‬
‫حميميا‪،‬‬ ‫مما خلق ّ‬
‫جوا‬ ‫الس ّكان بذلك‪ّ ،‬‬
‫واعتزوا وافتخروا بنا‪ّ ،‬‬ ‫التراب‪ ،‬وكم أعجب ّ‬‫ن ّ‬
‫املدفو في‬
‫ّ‬
‫كل النواحي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العمليات‪ ،‬نحن وغيرنا في ّ‬ ‫شجعنا على مواصلة‬‫وقد طالبونا باملزيد‪ ،‬ذلك ما ّ‬

‫‪48‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫العمليات من‬ ‫خاصة بعد فرار بن بوالعيد من سجن قسنطينة‪ ،‬فجاءت األوامر بمضاعفة‬ ‫ّ‬
‫الهجومات على املراكز العسكرّية‪ ،‬ومنها ما نجحنا به ومنها ما لم ننجح به‪.‬‬
‫كنا فيها قاب قوسين أو أدنى من أسر حاكم‬ ‫ومن أكبر الفرص ّالتي واتتنا‪ ،‬كانت ّالتي ّ‬
‫لكن أحد أفرادنا واسمه توايتية بشير أخذ معه فردين ّ‬
‫منا‬ ‫تبسة أواخر ديسمبر ‪1955‬م‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الرابط بين ّ‬ ‫ّ‬
‫بالطريق ّ‬
‫تبسة وبوشبكة حوالي الثامنة صباحا‪ ،‬كان يريد القبض على‬ ‫واعترض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعض الخونة‪ ،‬لكن الحاكم جاء مدعوما بعربتين ّ‬
‫ومدرعة متجها إلى املركز العسكري‪ ،‬إذ‬
‫منا أكبر غنيمة‪.‬‬‫قررنا نصب الكمين بعد العصر‪ ،‬فضاعت ّ‬ ‫ّ‬

‫الزواريف‪ ،‬وأم الكماكم‪ ،‬والجبل‬ ‫واختتمت سنة ‪1955‬م بعديد املعارك بجبال ّ‬
‫األبيض‪ ،‬أين استشهد عفيف علي وأخوه الهادي‪ ،‬وجبال الحدود ّ‬
‫الت ّ‬
‫ونسية مثل جبال‬
‫التونس ي‪.‬‬ ‫السيف‪ ،‬وغير ذلك من جبال القطر ّ‬ ‫واملتلوي وجبال ّ‬
‫ّ‬ ‫بورملي‪،‬‬
‫العمليات بأنواعها‪ ،‬من معارك وكمائن‬ ‫ّ‬ ‫بدخول سنة ‪1956‬م تضاعفت وتيرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهجومات ّ‬
‫فدائية وأعمال تنظيم واسعة داخل الشعب لحماية الثورة‪ ،‬مثل‬ ‫ليلية‪ ،‬وأعمال‬
‫ّ‬
‫تقليديين‪ ،‬لكثرة جرحى‬ ‫للتخزين واإلختفاء‪ ،‬وتجنيد أطباء‬‫حاجات الجيش من تموين وتجهيز ّ‬
‫ّ‬
‫العدو واتجاههم‪ ،‬ومتابعة‬ ‫بتحركات فرق‬‫ّ‬ ‫أفراد املجاهدين‪ ،‬وزرع إخبارّيين باملدن إليفائنا‬
‫ائريين‪ ،‬نظرا ملا يأتي منهم من خطورة كبيرة‪ ،‬فهم أولى بالقتل من أفراد‬ ‫أفراد العمالء الجز ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الفدائيين‪.‬‬ ‫الثورة‪ ،‬حيث شكلت فرق‬ ‫العدو‪ ،‬من أجل تحصين سرية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهم نتائج تلك الفترة‪ ،‬ما كان من ّ‬‫ومن ّ‬
‫توحد الشعب واصطفافه مع الثورة بمختلف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شرائحه‪ّ ،‬‬
‫خاصة أرباب املال لتمويل وتموين الثورة بما تحتاجه‪ ،‬كالتسليح واأللبسة واألحذية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫أهمها كمين ّأول مارس ‪1956‬م بفجوج‬ ‫ّ‬
‫العمليات عندنا فإن ّ‬ ‫بالنسبة إلى جانب‬
‫ّ‬
‫التراب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطين‪ّ ،‬‬
‫التونس ي‪ ،‬فقد‬ ‫الرابط بين بوشبكة بالتراب الجزائري ومركز بودرياس داخل‬
‫فقررنا اعتراضها‪ ،‬كان ذلك صباح الفاتح من مارس ‪1956‬م‪،‬‬ ‫بتحرك شاحنات بينهما‪ّ ،‬‬‫علمنا ّ‬
‫وتم حرق شاحنة وقتل أفراد منهم ضابط إداري وغنم أسلحتهم‪ ،‬ومحفظة ّ‬
‫للضابط بها أسرار‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫هامة‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫تطوق بفرق الجيش الفرنس ي‪ ،‬من‬ ‫السيف قد ّ‬ ‫وفي صباح الغد‪ ،‬وجدنا مركز جبل ّ‬
‫تبسة‪ ،‬وقد أدركنا ذلك عندما عادت فرق الحراسة ّ‬ ‫والشمال من ناحية ّ‬ ‫ّ‬
‫بالنبأ‪،‬‬ ‫الجنوب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأرسلت فرقتين لدخول الجبل لكنهم عادوا‪ ،‬فقلت إن الجبال لنا ويجب أن ال تكون لفرنسا‪،‬‬
‫ثم قمنا بهجوم استطعنا من خالله اختراقهم‪ ،‬واشتعلت معركة حامية الوطيس‪ ،‬ما أجبرهم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫السيطرة على مجريات املعركة ّ‬ ‫ّ‬
‫فتمك ّنا من ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة بعدما قتل قائدهم‪ ،‬فتوقفوا‬ ‫على التراجع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تقدم ّ‬ ‫عن القتال‪ ،‬عند ذلك ّ‬
‫املغربيان وقاال‪ :‬يا بابانا اخرج جيشك قبل وصول الطائرات‪.‬‬ ‫إلي‬
‫ثم أخرجنا فرقنا من واد عميق وأشجار كثيفة‪ ،‬ومكثت بأفراد‬ ‫فقبلت نصحهما ورأيهما‪ّ ،‬‬
‫النار هنا وهناك‪ ،‬إلى أن ابتعدت فرقنا‪ّ ،‬‬
‫ثم التحقت بهم‪.1‬‬ ‫قليلين نطلق ّ‬
‫لعباس الغرور‪ ،‬لم أكن أعرفهما وقد ّ‬
‫سجال‬ ‫في ذلك الحين‪ ،‬كان بيننا رجالن مخبران ّ‬
‫بكل منطقة رجل مثل هذا‪،‬‬ ‫لعباس‪ ،‬قاال‪ :‬لو كان لديكم ّ‬ ‫قدماها ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫تلك األحداث ّ‬
‫ّ‬
‫فستستقلون هذه ّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التنافس يزداد بين القادة‪ ،‬وقد راسلني ّ‬ ‫ما جعل ّ‬
‫عباس الغرور بالشكر واإلمتنان‬
‫ّ‬ ‫واإلعجاب بقد اتي في القتال ّ‬
‫والتنظيم‪ ،‬وطلب مني إرسال ش يء من الغنائم من الذخيرة‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسالح‪ ،‬ومن ّثمة صار عباس ينظر إلي بعين اإلحترام والتقدير‪.‬‬
‫ّ‬

‫تبسة ب ـ ـ ‪ 04‬مارس ‪1956‬م‪،‬‬ ‫وهكذا كانت بداية ‪1956‬م‪ ،‬ومنها أحداث حرق سوق ّ‬
‫ُ‬ ‫عملية جبل ّ‬‫تبسة‪ ،‬ومنها أيضا ّ‬ ‫الفدائيين بمدينة ّ‬
‫ّ‬ ‫بسبب كثافة ّ‬
‫الكريطة التي قتل بها‬ ‫عمليات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو وغنمنا أسلحتهم‪ ،‬منها رشاش عيار ‪ 24-29‬ملم‪ ،‬وحرق شاحنتهم‪،‬‬ ‫‪ 08‬أفراد من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجرحنا أثناء ذلك الهجوم فايس‪ ،‬وقد نجا بأعجوبة‪ ،‬تلك العملية املباركة التي قامت بها‬
‫كتيبة ّ‬
‫حمه بن زروال فرحي‪.‬‬

‫‪ 1‬يذكر املجاهد حامد مسعي أخو املجاهد علي بن أحمد مسعي ّأن س ي علي بقي لوحده ّ‬
‫متترسا بصخرة‬
‫ّ‬
‫يواجه الفرنسيين كي تتسنى فرصة خروج إخوانه املجاهدين‪ ،‬ويؤكد أخوهم األصغر املجاهد األسود مسعي‬
‫وسميت تلك الصخرة بحجرة علي بن أحمد‪،‬‬ ‫ّأن الضابط الفرنس ي املسؤول كان يقول‪ :‬فالق ‪ُ ،courageux‬‬
‫وهي في تالة بتونس‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العسكرية بذلك الشهر‪ ،‬فإننا لم ننجح فيما بيننا‪ ،‬وذلك‬ ‫العمليات‬ ‫لكن إن نجحنا في‬
‫وعباس‪ ،‬لقد‬ ‫ّ‬
‫بسبب تصفية بعضنا بعضا‪ ،‬وهو ما حصل لشيحاني بشير بأمر من عجول ّ‬
‫وللثورة الجز ّ‬ ‫ّ‬
‫ائرية‪ ،‬فقد كان‬ ‫كانت وفاة شيحاني ضربة قاسية‪ ،‬وخسارة كبيرة للمنطقة األولى‬
‫ّ‬
‫جدا تشحن النفوس‪ ،‬فلما حسم الغرور‬ ‫ّ‬ ‫حماسية ّ‬‫ّ‬ ‫ثورية ووعي‪ ،‬وخطاباته‬ ‫رجال ذا ثقافة ّ‬
‫وعجول أمرهما بقتل شيحاني‪ ،‬قاما ومن معهما بتقييد فرحي ساعي وعلي املعافي بالحبال‬ ‫ّ‬
‫وعجول من ساعي وعلي‬ ‫بالقوة‪ ،‬وعلي املعافي رجل صنديد وبطل همام‪ ،‬وقد احترز الغرور ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫املعافي لعالقتهما الوطيدة بشيحاني‪ ،‬ومن بعد ذلك ّ‬
‫تجنب بابانا وعلي املعافي توسيع الشرخ‬
‫حدثني خالي ساعي‬ ‫بين صفوف املجاهدين‪ ،‬رغم محاولة اغتيالهما أيضا بعد ذلك‪ 1.‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫بعدها بسنوات‪ ،‬فسألته عن تلك الجريمة فقال‪ :‬كان شيحاني أخا لي‪ ،‬وكان باإلمكان الثورة‬
‫جدا‪ ،‬ولقد رأيت بعينك كيف نتج‬ ‫مغبة ذلك كانت كبيرة ّ‬ ‫لكن ّ‬‫عجول والغرور بسهولة‪ّ ،‬‬ ‫على ّ‬
‫ّ‬ ‫عن انقسام اللمامشة‪ ،‬من كوارث واغتياالت‪ ،‬ولم يكن ّ‬
‫عجول والغرور ليفعال ذلك إال وقد‬
‫اطمأنا لسند قو ّي من قادة في الواليات األخرى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فإما أن نتجاوز مقتل شيحاني إلى وحدة‬
‫أن ّ‬
‫الت ّ‬ ‫رقا كثيرة‪ ،‬وقد أيت ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ف‪ّ ،‬‬ ‫ّ ّ‬
‫مسك بجبهة‬ ‫ر‬ ‫وإما أن نتوقف لنثأر له وننقسم شيعا و ِف‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحرير يضمن وحدة الجزائريين‪ ،‬فدماء الشهداء التي سالت معي وتحت قيادتي‪ ،‬ما كانت‬
‫لكن هللا أراد ّ‬
‫لكل‬ ‫تم املراد نتحاسب بيننا بعدها‪ّ ،‬‬ ‫لتذهب هباء دون استقالل البالد‪ ،‬فإذا ّ‬
‫الدغل يوما‪ ،‬فكان جزاؤه أن‬ ‫واحد منهما حسابه‪ ،‬فصاحبي الغرور رغم غدره بي لم أك ّن له ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫صار محبوسا فينا ال يجد ما يدافع به عن نفسه‪ ،‬وال يجد ما يبرر به سفكه لدماء اخوانه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أظن ّ‬
‫وأما اآلخر فال ّ‬‫ّ‬
‫أن تسليمه نفسه للعدو إال وصمة عار لن تتركه أبدا‪.‬‬
‫التحرير‬ ‫الرابط الوحيد بين قادة اللمامشة‪ ،‬وجبهة ّ‬ ‫ذلك بابانا ساعي الذي كان ّ‬
‫ّ‬
‫الوطني‪ ،‬بعد مقتل شيحاني واتساع رقعة الخالف‪ ،‬والذي ات ِهم باإلنحياز للغرور دون أن‬
‫ّ ّ‬ ‫فعباس رغم تعطشه ّ‬ ‫ويفكروا لم فعل ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للسلطة إال أنه ال يفتر عن‬ ‫يكلفوا أنفسهم‪،‬‬

‫‪ 1‬يقول املجاهد علي مسعي مشافهة‪ :‬حكى لي خالي ساعي رحمه هللا قال‪ :‬جاءني الغرور وقال‪ :‬صاحبك قد‬
‫مات‪ .‬قلت له‪ :‬صاحبتي الثورة‪ .‬ولذلك لم ُيقتل بابانا أيضا ولخوفهم من جيشه الذي يأتمر بأمره خاصة وأن‬
‫اللمامشة من وراءه‪ ،‬وما التهمة التي وصفوها لشيحاني إال إفك وبهتان مبين‪ ،‬فشيحاني رجل عفيف خلوق ال‬
‫ّ‬
‫يفتر عن صالته وهو تقي جدا وخجول أيضا‪ ،‬وال أدري كيف تدنى مستوى البعض حتى يقولوا ما يقولون‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ممن يميلون إلى الجلوس وراء املكاتب‪ ،‬ويسكنون الفنادق ّ‬
‫بالدول‬ ‫القتال والجهاد‪ ،‬وليس ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشقيقة‪ ،‬وساعي رجل بارود وجهاد وما هو برجل سياسات ونفاق‪ ،‬فالذي جمعهما هو‬
‫ّ‬
‫نشاطهما الذي ال يفتر‪ ،‬قال لي العقيد لعموري ذات يوم‪ :‬لوال بابانا ساعي النتهى بأوراس‬
‫اللمامشة املطاف تحت قيادتهم‪.‬‬
‫إضافة إلى الفاجعة الكبرى وهي ما وصل إلينا من خبر مقتل البطل بن بوالعيد‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كالصاعقة‪ ،‬وقد ّادعوا ّ‬
‫نزل علينا الخبر ّ‬
‫أن جهازا ملغما كان سبب مقتله‪ ،‬وما ذاك إال كذب‬
‫مفضوح‪ّ ،‬‬
‫ألنهما يريان في خروجه تهديدا لهما‪ ،‬لقتلهما شيحاني وغيره‪ ،‬وهكذا‪...‬‬
‫ص ّرح به ذات يوم‪ ،‬عندما سأل الحاج لخضر عبيد وهو يتحدث مع عجول‪:‬‬ ‫ذلك ما ُ‬
‫عجول‪ :‬إن أراد ذلك فسيلحق بصاحبه‪.‬‬ ‫ملاذا ال يسأل الرجل عن صاحبه؟ ّ‬
‫فرد ّ‬

‫إن سجون‬ ‫عجول بين بعض الحضور قائال‪ّ :‬‬ ‫فأثناء نجاح فرار بن بوالعيد‪ ،‬خطب ّ‬
‫ّ‬
‫والت ّيقن من نبأ خروج بن بوالعيد‪،‬‬
‫الثقة ّ‬ ‫فرنسا ليست إسطبالت‪ .‬في إشارة منه إلى عدم‬
‫تمهيدا لقتله‪.‬‬
‫جبار عمر في الفترة نفسها‪ ،‬كان مسلسال رهيبا‪ ،‬ذلك بواسطة عبد‬ ‫أن مقتل ّ‬‫كما ّ‬
‫قتال‪ّ ،‬الذي رفض ّ‬
‫جبار أن يكون نائبا له في قيادة الوردي‬ ‫الوهاب عثماني‪ ،‬بحضور الوردي ّ‬
‫على سوق أهراس‪ ،‬ومن ّثمة توالت األحداث‪ ،‬النهيار جدار املنطقة األولى أوراس اللمامشة‪،‬‬
‫وعجول ومن على فلكهم‬ ‫عباس ّ‬ ‫تصرفاتهم‪ ،‬يعني ّ‬‫حولوا عملهم من بناء إلى هدم‪ ،‬نتيجة ّ‬‫إذ ّ‬
‫فاقدي الوعي‪.‬‬
‫ّ‬
‫العسكرية‪ ،‬وفي عالقتنا‬ ‫ّ‬
‫العمليات‬ ‫وأذكر على سبيل املثال ال الحصر‪ ،‬نجاحاتنا في‬
‫ّ‬
‫وبالشعب‪ّ ،‬‬
‫وتقبل الشعب لنا‪ ،‬وقد وصلتني رسالة استدعاء من قائد املنطقة بشير‬ ‫بأنفسنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورتال‪ ،‬للقدوم بكامل جيش ي إلى مقر أرقو‪ ،‬وأثناء تحركي أعطاني الشيخ أحمد شرفي من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عرش أوالد ملول رسالة إلى بشير‪ ،‬الذي علمه الشيخ أحمد القراءة والكتابة باألوراس‪.‬‬
‫استقبلني بشير قائد املنطقة بفتور وغضب‪ ،‬وأثناء استقباله لنا وبعد كلمة قصيرة‬
‫الرسالة‪ ،‬بعد أن قام بتوزيع بعض أفرادي على بعض ّ‬
‫النواحي‪،‬‬ ‫بها غضب وشتم لي‪ ،‬أعطيته ّ‬

‫‪52‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحتى إلى محمود الشريف الذي كلف بفرق الكومندو‪ ،‬حيث انخرط حديثا برغبة من قيادة‬
‫الوالية‪.‬‬
‫الرسالة‪ ،‬حيث جاء فيها‪ :‬إن استبدلتم ّ‬ ‫اطالع بشير سيدي ّ‬
‫حني على فحوى ّ‬ ‫ّ‬
‫عليا‬ ‫بعد‬
‫فلن نتعامل معكم في املستقبل‪ .‬جاءني سيدي ّ‬
‫حني وهو مبتسم وقال‪ :‬األخ علي‪ ،‬اجمع‬
‫أفرادك لتعود إلى مكانك‪ .‬ذلك ما علمته فيما بعد‪.‬‬
‫ولكن بعد رجوعنا إلعادة نشاطنا‪ ،‬جاءنا في شهر جوان ‪1956‬م استدعاء آخر للقدوم‬
‫بتوتر وغضب‪ ،‬وباشر بتوزيع أفراد جيش ي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم‬ ‫مرة أخرى إلى أرقو‪ ،‬وكالعادة استقبلني بشير‬
‫ّ‬
‫بالطريق ال ّرابط بين ّ‬ ‫التفت ّ‬
‫تبسة‬ ‫إلي وقال‪ :‬أنت خذ عشرة أفراد‪ ،‬واذهب بهم إلى واد غزنتة‬
‫النهار‪ .‬قلت‪ :‬هل حسبتم نتائج ذلك؟ قال‪ :‬ال تسأل‪ ،‬هذا أمر‬‫والعاتر‪ ،‬لنصب كمين في وضح ّ‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫عند ذلك جلست إلى جانب صخرة كبيرة‪ ،‬أنتظر ما تأتي به اإلدارة من أوامر‪ ،‬وبينما‬
‫إلي محمد بن عمران وقال‪ :‬ال تقلق وال تخف‪ ..‬لقد جئته‬ ‫أنا على ذلك بعد الغروب‪ ،‬إذ وصل ّ‬
‫عباس في شأنك‪ ،‬وسيأتيك غدا صباحا ليقول لك اجمع أفرادك لترجع إلى مكانك‪.‬‬ ‫برسالة من ّ‬

‫فعال‪ ،‬فقد جاءني وقال‪ :‬األخ علي‪ ،‬اجمع أفرادك لتعود إلى مكانك‪ .‬لكن صباح ذلك‬
‫ّ‬ ‫كل من ّ‬‫حني هو املطرود من طرف ّ‬ ‫اليوم كان بشير سيدي ّ‬
‫قتال الوردي‪ ،‬عمر عون‪ ،‬اللذان‬
‫الرجوع‬ ‫شفهية إلى عجول ّ‬
‫وعباس الغرور‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدما من سوق أهراس‪ ،‬وقد ّ‬
‫حماله رسالة‬
‫املقيت ّالذي كان شؤما على الجميع‪ ،‬سواء على منطقة ّ‬
‫تبسة‪ ،‬أو على الوالية ّ‬
‫ككل‪ ،‬وذلك‬
‫بقطع ّ‬
‫الصلة بيننا‪.‬‬
‫للتبرير‪ ،‬من طرف من رجعوا من سوق أهراس‬ ‫تم عقد اجتماع ّ‬ ‫عند الغروب ّ‬
‫عباد ّ‬
‫الزين‪ ،‬صالح بن‬ ‫كالتالي‪ :‬لزهر‪ ،‬عون عمر‪ّ ،‬‬
‫قتال الوردي‪ّ ،‬‬ ‫وسد اتة‪ ،‬وكان الحاضرون ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫علي‪ ،‬مسعي علي‪ .‬برئاسة لزهر ألنه أكبرنا سنا‪ ،‬ذلك يوم ‪ 17‬جوان ‪1956‬م‪ ،‬كان بعد الغروب‬
‫فإن حشود‬ ‫استعدوا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫النقاش‪ ،‬وصل رجل مدني يصرخ‪ :‬أسرعوا في الخروج أو‬ ‫بمجرد بدأ ّ‬
‫ّ‬
‫الجيش الفرنس ي قادمة إليكم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫لكل قائد بأن ّيتخذ وضعيته ومكانه‬ ‫خرجنا من اجتماعنا‪ ،‬وأعطى لزهر أمر القتال ّ‬
‫القتالي‪ ،‬وتعاهدنا أنه من يترك مكانه ُيعدم‪.‬‬
‫أن لزهر‬‫الصلبة بالحجر وبأظافرنا‪ ،‬ولم ننم‪ ،‬ونحن لم نعلم ّ‬ ‫بتنا ليلتنا ننبش األرض ّ‬
‫ّ‬
‫بعث برسالة إلى قادة الجيش الفرنس ي بالشريعة‪ ،‬يطلب منهم أن يالقونا بأرقو إن أرادوا‬
‫للصحافة قائال‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫فصرح ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسالة إلى العقيد بيجار بسوق أهراس‪،‬‬ ‫املواجهة‪ ،‬فوصلت ّ‬
‫ّ‬
‫الفالقة في جبال اللمامشة يطلبون أن نلقاهم بأرقو بمعاقلهم للمواجهة‪ ،‬لكن هل تعلمون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من اللمامشة؟ ّإنهم هؤالء الذين إذا قضينا عليهم‪ ،‬فإننا سنقض ي على الوالية مهد الثورة‪،‬‬
‫ثم زاد قائال‪ :‬وهل تعرفون طبيعة تلك‬ ‫الثورة ّكلها‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫وإذا قضينا على الوالية األولى سنقض ي على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اض أشبه ما تكون بأرض القمر‪،‬‬ ‫الجبال التي يدعونا اللمامشة للمواجهة فيها؟ إنها جبال وأر ٍ‬
‫ّ‬
‫وإننا ذاهبون إليها على ّ‬
‫كل حال‪.‬‬
‫توجه به بيجار إلى عساكره عندما استلم األمر‬ ‫وهناك مقطع من الخطاب الذي ّ‬
‫تبسة‪ ،‬قال‪ :‬افهموني جيدا‪ّ ،‬إنه هناك في الجنوب اللمامشة‪ ،‬سيكون‬ ‫بتعيينه من عنابة إلى ّ‬
‫نؤدي دور األبطال أمام ّ‬
‫متمرد يرغب كثيرا في مواجهتنا‪.‬‬ ‫الصعب علينا أن ّ‬‫من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمردين‪ ،‬ورهبة الشرق القسنطيني‪ ،‬املتواجدة في‬ ‫واللمامشة املشهورة تعتبر قلب‬
‫ّ‬
‫منطقة ذات جبال مسننة عارية من الغابات‪ ،‬وذات هضاب مرتفعة بصخورها ووهادها‬
‫جهنم)‪ ،‬كما قال عنها الجنرال فانوكسيم‪ :‬جرداء صعبة مقطوعة بوديان عميقة‪،‬‬ ‫(أبواب ّ‬
‫ّ‬
‫باملتمردين املتخندقين في‬ ‫ّ‬
‫يتشجع على االحتكاك‬ ‫ّ‬
‫والصخور‪ ،‬حيث ال أحد‬ ‫مملوءة باملغارات‬
‫كهوف هذه املنطقة الرهيبة‪.‬‬
‫ويستطرد الكاتب فيصف بعض املراحل الحاسمة لهذه املعركة‪ ،‬فيقول‪ :‬كان سرب‬
‫ّ‬
‫من الطائرات ‪ 2T6‬يحلق في األجواء‪ ،‬سرعان ما فوجئت بإحداها تهوي على األرض محترقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تبين ّ‬ ‫لقد أصابتها ّ‬
‫النيران‪ ،‬وعلى الساعة ‪ّ 12:20‬‬
‫أن اقتحام مواقع الفالقة أمر عسير‪ ،‬فهؤالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املحصنة‪ ،‬في هذا الوقت بالذات ركب‬ ‫يطلقون النار ويالزمون بصبر وثبات أماكن دفاعاتهم‬
‫ّ‬
‫عمودية‪ ،‬وأصدر أمرا بالهجوم على مواقع املجاهدين‪ ،‬لنسمع‬ ‫العقيد بيجار على متن طائرة‬
‫إليه يقول‪ :‬أمرت صائحا بالهجوم‪ ،‬ولم أعط أمرا آخر‪ ،‬لقد لفحني صوت كبير في صدري‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الرمال امللتهبة‪ ،‬لقد نفذت الرصاصة فوق القلب‬‫الدم من فمي‪ ،‬سقطت‪ ...‬رأس ي في ّ‬‫خرج ّ‬
‫الظهر‪ ،‬إستنشقت‪ ،‬حاولت الوقوف‪ ،‬أنا واع ّ‬ ‫ّ‬
‫لكنه وعي ثانوي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بسنتيمتر واحد‪ ،‬وخرجت من‬
‫الرشاشات‪ ،‬إلى مطار تبسة ومنه‬ ‫ّ‬
‫السمتية التي أقلعت وسط أصوات ّ‬ ‫وبحذر شديد حملتني‬
‫ثم إلى بعض مستشفيات باريس‪ ،‬لقد أطعموني التراب‪1.‬‬‫إلى قسنطينة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الرجال‪ّ ،‬أما أن نخسر الطائرات فلم يكن ذلك في‬
‫وقال‪ :‬لقد كنت أعلم أننا سنخسر ّ‬
‫الحسبان‪.‬‬
‫صدي‬ ‫وبقوة ّ‬
‫الت ّ‬ ‫لقد دامت معركة أرقو طيلة يوم ‪ 17‬جوان ‪1956‬م‪ ،‬وهكذا دارت ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ضد الطائرات وغيرها من األسلحة‪ ،‬والفضل ما شهد به األعداء ملا‬ ‫والثبات من جانبنا سواء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أفجعهم من خسائر في فرقهم ّ‬
‫النخبة‪ ،‬منهم املظل ّيون الذين يتفاخر بهم العقيد بيجار‪ ،‬من‬
‫نتمكن من الحصول على إحصاء لقتالهم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫لكن القتلى كانوا كثرة‪،‬‬ ‫قتلى وجرحى‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬
‫والطائرات منها ما احترقت وما عطبت‪.‬‬
‫ّ‬
‫خرجنا اتجاههم في ليلة مقمرة وهم يتفرجون دون حراك منهم‪ ،‬كنت في حالة ٍ‬
‫مرض‬
‫أجر أقدامي ّ‬
‫جرا‪.‬‬ ‫شديد‪ ،‬إثر ضربة شمس‪ ،‬أمش ي بخطوات متثاقلة ّ‬

‫لكن ما إن خرجنا من تلك املعركة الكبرى‪ ،‬حتى دخلنا في معارك فيما بيننا‪ ،‬نتيجة‬
‫ُّ‬ ‫ُ ّ‬
‫لجهل القيادة التي شكلت في غياب ساعي بعد املعركة مباشرة بواد مسحالة‪ ،‬كلف لزهر‬
‫حرة منفصلة عن قيادة األوراس‪ ،‬وكانت ّ‬
‫كالتالي‪ :‬لزهر قائدا‪،‬‬ ‫قائدا عاما للمنطقة‪ ،‬كمنطقة ّ‬
‫لكنه رفض‬‫الزين نائبا ثالثا‪ّ ،‬‬
‫عباد ّ‬ ‫األعضاء‪ّ :‬‬
‫قتال الوردي نائبا أوال‪ ،‬عون عمر نائبا ثانيا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسلم ملحمود الشريف‪ ،‬لكن ُيقال تشكلت لجنة من فرحي الطاهر‪ ،‬محمود قنز‪ ،‬صالح بن‬
‫خبط في املواقف‪،‬‬ ‫علي لإلشراف على تسيير القيادة العليا‪ ،‬وذلك دليل على عدم االتفاق ّ‬
‫والت ّ‬
‫الناحية األولى ّ‬
‫تبسة‪،‬‬ ‫يسمى بجيش الطكاكة من ّ‬ ‫ومن القرارات الخاطئة إقصاؤنا نحن ما ّ‬
‫مسلحا ليلتحق بقسم مرسط مكان ّ‬ ‫ّ‬
‫حمه بن‬ ‫حيث منحوا قنز محمود فرقة من ‪ 45‬رجال‬

‫ّ‬
‫بتصرف من املجاهد علي مسعي‪ ،‬يبدو أنه كان يستمتع بقراءتها من كتاب "من أجل قطعة‬ ‫‪ 1‬مقتطفات‬
‫أرض" للسفاح بيجار‪ ،‬والتي يعترف فيها بضعف حيلتهم أمام مجاهدي اللمامشة‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫زروال فرحي‪ ،‬وصالح بن علي مكاني بقسم بكارية‪ ،‬وذلك غيرة منهم ملا وصلنا إليه من نجاحات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأخالقية‪ ،‬واألثر الذي تركناه في نفوس الشعب‪.‬‬ ‫عسكرية‬
‫دواره‪ ،‬وصاروا يتنازعون على‬ ‫كل منهم ذهب إلى ّ‬ ‫والبقية خرجوا بروح ُ‬
‫الف ْرقة والخالف‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫بالسالح‪ ،‬ونزع أسلحة الخصوم‪،‬‬ ‫التهديد ّ‬‫والتقسيمات‪ ،‬بل وصل األمر إلى ّ‬ ‫النواحي ّ‬ ‫حدود ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبذلك كان قرار الذين رجعوا من سوق أهراس وسدراتة ّردة وخيانة للثورة‪ ،‬لم نحصد‬
‫ّ‬
‫بسببه إال الهزائم واإلقصاء فيما بعد‪.‬‬
‫ّ‬
‫تلك هي نتائج قرارات الجهل واإلرتجال‪ ،‬التي ذهبت بالجميع إلى ا ُلفرقة والنزاع‪ ..‬رغم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسيين بشجاعتهم‪ ،‬كان هذا كله في غياب ساعي الذي كان وقتها‬ ‫اعترافات قادة وجنراالت‬
‫عباس الغرور‪ ،‬ولذلك بعد خروجهم من املعركة مباشرة‪ ،‬دخل‬ ‫في معركة الجديدة إلى جانب ّ‬
‫تبسة‪ ،‬ولرجوعهم عن‬ ‫عجول وعباس‪ ،‬ملناقشة قادة منطقة ّ‬ ‫ساعي إلى املنطقة بطلب من ّ‬
‫لكن ساعي وجد نفسه ّمتهما بعمالة مع‬ ‫الصف‪ّ .‬‬ ‫قرارهم اإلنفصالي‪ ،‬وللمحافظة على وحدة ّ‬
‫اسيين‪ ،‬ورغم ذلك صبر وحاول لقاءهم للمناقشة وتحديد األخطاء‪.‬‬ ‫األور ّ‬

‫يسمى بجيش الطكاكة خارج حسابات منطقة‬ ‫رفضوا لقاءه‪ ،‬وبذلك صرنا نحن ما ّ‬
‫كل من‬‫مرتين على يد ّ‬ ‫تعرض ساعي للقتل ّ‬ ‫تبسة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫فتم إقصاؤنا من منطقة ّ‬ ‫تبسة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وعالل فارس‪ ،‬حيث ُع ّين محمود قنز مكان ّ‬ ‫ّ‬
‫حمه بن زروال بمرسط‪ ،‬ودعموه‬ ‫صالح بن علي‬
‫ّ‬
‫مسلحا‪ ،‬وعين صالح بن علي مكاني ببكارية‪ ،‬وبذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تم إقصاؤنا‪ ،‬فعلينا قبول األمر‬ ‫ب ـ ‪45‬‬
‫الرحيل‪ ،‬وذلك ما اخترناه‪ ،‬لذلك قال لي ساعي‪ :‬يا علي لم يبق لنا مقام بهذه‬ ‫الواقع أو ّ‬
‫التونس ي‪ّ ،‬‬
‫تجنبا للوقوع في‬ ‫للدخول إلى القطر ّ‬ ‫املنطقة‪ ،‬علينا أن ننتقل بما لدينا من جيش ّ‬
‫فتنة ال تبقي وال تذر‪.‬‬
‫حمه بن زروال من جبل الحوض بعد أن خرج عليه ّ‬
‫كل‬ ‫وهكذا بعد أن جلبنا كتيبة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وانضموا إلى قنز محمود‪ .‬عند وصولنا قسم بكارية وجدنا صالح بن‬ ‫أفراد عرش أوالد يحيى‪،‬‬
‫علي وأفراده قد وصلوا من الحويجبات‪ ،‬بتنا ليلتنا بجوارهم لنرحل غدا‪.‬‬
‫طوق الجبل‪ ،‬فدارت معركة حامية‪،‬‬ ‫ولكن عند فجر الغد وجدنا الجيش الفرنس ي قد ّ‬
‫خرجنا منها بصعوبة‪ ،‬ودون خسائر تذكر‪ ،‬وفي يوم الغد كان يوم رحيلنا من جبال أحبتنا‬
‫‪56‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫طوقت من‬ ‫ضد بعضنا البعض‪ ،‬لكن وجدنا الجبال قد ّ‬ ‫وأحببناها‪ ،‬فرا ا من الفتنة واالقتتال ّ‬
‫ر‬
‫الصيف وحرارة‬ ‫الجهات األربعة من قبل الجيش الفرنس ي‪ ،‬ورغم املباغتة‪ ،‬وطول يوم ّ‬
‫بأقل الخسائر في صفوف صالح بن علي القادم الجديد مكاني ّ‬ ‫الطقس‪ ،‬خرجنا منها ّ‬ ‫ّ‬
‫بالناحية‪.‬‬
‫الشامخة بقمم الجبال‪ ،‬بقلوب منفطرة وعيون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إنه خروج قهري من جبالنا ومواقعنا‬
‫وبالضبط جبال جنوب مدينة تالة ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫باتجاه القطر ّ‬ ‫ّ‬
‫ونسية بوالية‬ ‫التونس ي‪،‬‬ ‫دامعة‪،‬‬
‫القصرين‪ ،‬إذ سبقتنا إلى هناك جماعة من املناضلين من قبيلتي أوالد ملول والفراشيش‪ ،‬لهم‬
‫ّ‬
‫الشاوية‪ ،‬تلك القبيلة الجز ّ‬ ‫عالقة جوار وتجارة ّ‬
‫ائرية التي‬ ‫بالتوانسة‪ ،‬مثل أوالد سلطان‬
‫الشيخ املقراني‪ ،‬ودليل ذلك وجود أحد أحفاده يملك ما ّ‬ ‫ّ‬
‫تسمى‬ ‫استوطنت هناك منذ ثورة‬
‫فيرمة (مزرعة) مقراني محمد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫استقبلونا باألناشيد والهدايا‪ ،‬والتقاط ّ‬
‫الصور مع املجاهدين‪ ،‬مذاك الحين وهب لنا‬
‫ّ‬
‫الشيخ مقراني مزرعته وما فيها من عتاد إلى يوم االستقالل‪ ،‬وما زاد في دعمنا زيارة علي‬
‫الساعة‪ ،‬حيث‬ ‫املرزوقي‪ 1‬معتمد تالة من حين إلى آخر‪ ،‬لرفع معنوياتنا ومناقشتنا في قضايا ّ‬
‫التونس ي لرفع الجرحى واملرض ى‪ ،‬وجلب املؤونة ّ‬
‫والسالح‪،‬‬ ‫تصرفنا فرقة الحرس ّ‬ ‫وضع تحت ّ‬
‫تجنبا لوقوعه بيد الجيش الفرنس ي‪ ،‬ومن ّثمة صرنا ننتقل من جبل إلى جبل تحاشيا ملواجهة‬ ‫ّ‬
‫حتى ال نحرج إخواننا ّ‬
‫التوانسة‪.‬‬ ‫العدو‪ّ ،‬‬
‫خصوصيات ّ‬
‫ثورية ومزايا‬ ‫ّ‬ ‫ائرية‬ ‫ّ‬
‫ألتحدث عن الحدود‪ ،‬فللحدود الجز ّ‬ ‫وأتوقف هنا قليال‬
‫إستر ّ‬
‫اتيجية كثيرة ّ‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ّ ّ‬
‫التسليح ّ‬
‫والتموين بجميع الحاجيات ّ‬
‫الضرورّية‪.‬‬ ‫_ تفعيل عملية‬
‫ّ‬
‫استعجالية‪.‬‬ ‫_ بناء مراكز ّ‬
‫خلفية ومستشفيات‬

‫‪ 1‬علي املرزوقي معتمد تالة في ذلك الوقت‪ ،‬كانت له عالقة قوية بفرحي ساعي ومسعي علي بن أحمد‪ ،‬منذ‬
‫معركة فجوج الطين‪ ،‬حيث قدم عليهما بعد املعركة مباشرة وحياهما على شجاعتهما وعرض عليهما الدعم‬
‫واملساندة‪ ،‬وبقيت عالقته بهما طيبة بعد االستقالل‪ ،‬وقد دعم الثورة الجزائرية كثيرا‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫_ نقل املعارك من داخل الجزائر إلى خارجها أين ما وجد العدو‪ ،‬بواسطة انتشار فرق‬
‫التحرير‪ ،‬التي ّ‬
‫تتنقل بأسرع ما يمكن داخل أ اض ّ‬
‫الدول املجاورة‪ ،‬لتوسيع رقعة الحرب‬ ‫جيش ّ‬
‫ر‬
‫الداخل‪ ،‬حيث‬ ‫الضغط على ّ‬
‫ضد جيش العدو‪ ،‬إلنزال أكبر الخسائر في صفوفه‪ ،‬ولتخفيف ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى حدود ليبيا‪ ،‬لحماية قوافل ّ‬
‫السالح اآلتية من املشرق‬ ‫التحرير ّ‬
‫تتنقل ّ‬ ‫كانت فرق جيش ّ‬
‫ّ‬
‫خاصة بالجنوب‬ ‫التونس ي من معارك واشتباكات‪،‬‬ ‫القطر ّ‬‫العربي‪ ،‬وذلك ما شهدته جبال ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التونس ي حيث يوجد بتلك الجبال العديد من رفات الشهداء‪.‬‬
‫للتدريب العسكري ّ‬
‫والسياس ي‪.‬‬ ‫_ بناء مراكز ّ‬
‫ّ‬ ‫_ دخول األفواج اآلتية من العديد من ّ‬
‫والعربية من الش ّبان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األوروبية‬ ‫الدول‬
‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬
‫ائرية‪.‬‬ ‫الجزائرّيين‪ ،‬املوجودين بالخارج اآلتية للمشاركة في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬ ‫مهمة ّ‬ ‫وباختصار فالحدود كانت نافذة ّ‬
‫ائرية‪ ،‬تتغذى‬ ‫تتنفس منها‬
‫صب الجيش الفرنس ي جام‬ ‫وحتى عندما ّ‬ ‫وكل الحاجيات‪ّ .‬‬ ‫والرجال واألحذية واأللبسة ّ‬‫بالسالح ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫غضبه على األهالي استطاع العديد منهم اإلفالت عبر الحدود بعائالتهم‪ ،‬وهو ما وفر‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫احتياطيا من الشباب لتعويض ما فقد في صفوف املجاهدين في آخر سنوات الثورة‪ ،‬وذلك‬
‫ّ ّ‬
‫الثورة بطاقات هائلة من ّ‬
‫الرجال‪.‬‬ ‫ما مد‬
‫الصومام ‪ 20‬أوت ‪1956‬م‪ ،‬ذلك‬ ‫ومن األحداث املستجدة في تلك الفترة‪ ،‬عقد مؤتمر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونوعيتها‪ ،‬ومنها غياب ممثلي املنطقة األولى أوراس‬ ‫الحدث الذي له وعليه‪ ،‬لضيق املشاركة‬
‫الثوري‪ ،‬وكذلك تغييب قادة الخارج بشكل ّ‬ ‫ّ‬
‫متعمد‪ ،‬لذلك انفردت به منطقة‬ ‫اللمامشة لوزنها‬
‫ّ‬
‫القبايل‪ ،‬ومنطقة الشمال القسنطيني‪ ،‬نتج عن ذلك غضب أغلب جيش وإطارات املنطقة‬
‫ّ‬ ‫األولى أوراس اللمامشة‪ ،‬وقد وصل األمر إلى ّ‬
‫حد القتل‪ ،‬وكذلك القاعدة الشرقية وغضب‬
‫ّ‬
‫القادة بالخارج‪ :‬بن بلة‪ ،‬آيت أحمد‪ ،‬خيضر‪ ،‬وسيأتي الحديث عن مواقفهم من ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصومام فكانت ّ‬
‫بالنسبة لنتائج مؤتمر ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫كالتالي‪ :‬تشكيل املجلس الوطني للثورة من‬ ‫أما‬
‫ّ ّ‬ ‫مهمة ّ‬‫‪ 17‬عضوا و‪ 17‬مساعدا‪ ،‬وكان لهذا املجلس ّ‬
‫التوجيه العام للثورة‪ ،‬كاآلتي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التنسيق ّ‬‫إنتخاب لجنة ّ‬
‫والتنفيذ لإلشراف على الثورة‪ ،‬وقيادتها من خمس أعضاء‪:‬‬
‫ّ‬
‫عبان رمضان‪ ،‬كريم بلقاسم‪ ،‬عبد هللا بن طوبال‪ ،‬عبد الحميد بوصوف‪ ،‬العربي بن مهيدي‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الصومام معلما من معالم اإلنحراف وتغيير ما جاء في نداء‬ ‫وقد كان اجتماع مؤتمر ّ‬
‫ّ‬
‫الثانية القائد ّ‬ ‫ّأول نوفمبر ‪ ،54‬ذلك ما ّ‬
‫الرمز زيغود يوسف‪ ،‬عند‬ ‫عبر عنه قائد الوالية‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫تستقل الجزائر طال ّ‬ ‫ّ‬
‫لكن الثورة التي‬ ‫الزمان أو قصر‪،‬‬ ‫خروجه من املؤتمر قال ملساعديه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ظللنا نحلم بها سوف لن تتحقق ألن فيروس النحراف وجد طريقه إلى جسمها‪.‬‬
‫ذلك ّأنه وجد نفسه تحت قيادة لسانها وفكرها فرنس ي رغم بعض اإل ّ‬
‫يجابيات‪ ،‬مثل‬
‫الطاقم أمرا ّ‬‫ّ‬ ‫التحرير‪ّ ،‬‬ ‫توحيد قيادة جيش ّ‬
‫ضد العقيدة واللغة بمشاريعهم‬ ‫لكن حمل ذلك‬
‫الصراع على املواقع األولى‪ ،‬ما ّأدى إلى‬
‫غريبية‪ ،‬وكوارث إلى الحدود حيث احتدم ّ‬ ‫الت ّ‬‫ياسية ّ‬
‫الس ّ‬‫ّ‬
‫بداية ّ‬
‫التصفيات بالقتل واإلبعاد‪.‬‬
‫تمرد هنا وهناك على تلك القيادة وقراراتها‪ ،‬وكان الخاسر األكبر من‬ ‫وما حدث من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تلك األحداث هو الوالية األولى أوراس اللمامشة‪ ،‬التي آل أمرها إلى محمود الشريف الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫صفى قادتها ّ‬
‫اريخيين‪ ،‬ما أفسح املجال لقادة الواليتين الثانية والثالثة‪ ،‬للتحكم في مصيرنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعسكريا‪.‬‬ ‫سياسيا‬ ‫وفي الثورة بالكامل‬
‫عباس الغرور إلى ساعي لإللتحاق بمن سبقه من قادة ّ‬ ‫ّ‬
‫الثاني‪ :‬رسالة ّ‬
‫تبسة من‬ ‫الحدث‬
‫ّ‬
‫اللمامشة إلى مدينة تونس‪ ،‬من أجل عقد تصالح مع قادة األوراس‪ ،‬وما قاله الوردي قتال‬
‫بأنهم عند قدومهم إلى تونس وجدوا ساعي ّ‬
‫وعباس أمامهم‪.‬‬ ‫ليس بصحيح؛ ّ‬
‫الت ّ‬
‫اريخية في تصرحياته وأيضا في‬ ‫قتال كثيرا من املغالطات ّ‬ ‫(فقد ذكر الوردي ّ‬
‫تهجما واضحا على شخص بابانا فرحي ساعي‪ ،‬فالوردي مثال في ّ‬ ‫ّ‬
‫مذكراته‪ ،‬ورأيت منه ّ‬
‫الصفحة‬
‫لكنني أتساءل ألم يك‬ ‫‪ 292-291‬يرى بظلم قادة األوراس لهم بإبعادهم إلى سوق أهراس‪ّ ،‬‬
‫ذلك ترقية لهم ورفعا من شأنهم وقد صاروا إطا ات سامية‪ ،‬بينما نحن الذين ّ‬
‫بالناحية ّ‬
‫تم‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫وأخالقية‪ ،‬وماذا فعلوا هم‬ ‫حققناه من نجاحات وبطوالت عسك ّرية‬ ‫إجحافنا وظلمنا رغم ما ّ‬
‫شكلوا قيادة أخرى للمنطقة‪ ،‬وقد انقسموا وتنافروا وصار ّ‬‫ّ‬ ‫ملا رجعوا إلى ّ‬
‫كل منهم‬ ‫تبسة؟ فقد‬
‫ثم ّيتهمون ساعي الذي حافظ على تماسك املنطقة‪ ،‬إلى أن أشعلوا نار‬ ‫قائدا على ّ‬
‫دواره‪ّ .‬‬
‫حتى صرنا أعداء ّ‬‫باتخاذهم قرار اإلنفصال‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫يهدد بعضنا بعضا‪ ،‬ووصل األمر بهم بأن‬ ‫الفتنة‬
‫ّ‬
‫حاصرونا _أي جيش الطكاكة_ ونزعوا منا أنجح ناحية في ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫عباس رفقة ساعي في مذكراته‪،‬‬ ‫فيدعي دخول ّ‬‫هجم على ساعي‪ّ ،‬‬ ‫ويواصل الوردي ّ‬
‫الت ّ‬
‫ّ‬
‫وهذا غير صحيح‪ ،‬فساعي جاءته رسالة ونحن بجبال سبيبة يطلب منه اللحاق إلى تونس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حذرهم من قبل من ّ‬ ‫ّ‬ ‫لعقد اجتماع ّ‬
‫مغبة ما اتخذوه من قرارات‬ ‫للتصالح‪ ،‬وكان ساعي قد‬
‫ّ‬
‫خاطئة‪ ،‬ال تخدم الثورة وال الوحدة ولم يقبلوا نصائحه وحاولوا قتله)‪ .1‬وهذا قد أشرت إليه‬
‫آنفا‪.‬‬
‫الر ّد على جهالة أفراد‬
‫وهكذا فقد ذهب ساعي إلى تونس‪ ،‬بعد أن أوصانا بعدم ّ‬
‫منا‪ ،‬وقد تركنا بجبال سبيبة والقصرين‬‫بتبسة‪ ،‬على ما يمكن أن يرتكبوه ولو قتلوا ّ‬
‫املنطقة ّ‬
‫في انتظار رجوعه إلينا بخبر املصالحة ّ‬
‫والتصالح‪.‬‬
‫الحي ّ‬
‫السعيد‪،‬‬ ‫عباس الغرور وجماعة من ّ‬
‫السوافة بقيادة عبد ّ‬ ‫لكن ما ّ‬
‫أعده فريق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الحي‪ ،‬الذي شكل معسكرا بتونس وقتلة أمثال‬ ‫والطالب العربي وعبد الكريم هالي نائب عبد‬
‫وحتى أعضاء ّ‬
‫مدنيين مالكين بتونس من منطقة واد‬ ‫كل من يخالفه‪ّ ،‬‬ ‫أحمد راشد‪ ،‬لتهديد ّ‬
‫سوف‪ ،‬منهم من كان يستنطق أفرادا ّ‬
‫مدنيين من اللمامشة‪ ،‬حيث حدثت تجاوزات كثيرة‪.‬‬
‫موعد االجتماع‬
‫بعد لقاءات ّأو ّلية هنا وهناك‪ ،‬وذات ليلة ممطرة خرج بهم عبد ّ‬
‫الحي وعبد الكريم‬
‫خارج املدينة إلى معسكره البعيد‪ ،‬الرتكاب جريمة القتل‪ ،‬وعند دخولهم املعسكر وجدوا‬
‫لكنهم ساقوهم بسرعة إلى قاعة اإلجتماع مكان مسرح الجريمة‪ ،‬وأمروهم‬ ‫الجو غير مريح‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫مناعي العيد‪ ،‬آخرهم كان‬‫الزين‪ّ ،‬‬
‫عباد ّ‬‫قتال‪ّ ،‬‬‫شريط لزهر‪ ،‬ساعي‪ّ ،‬‬ ‫بالدخول كالجمال ّ‬
‫كالتالي‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫عباس؛‬ ‫وبمجرد خروج ّ‬
‫ّ‬ ‫عباس من طرف عبد ّ‬
‫الحي بالخروج‪،‬‬ ‫ثم نودي على ّ‬ ‫عباس الغرور‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وعشوائيا إلى أن ّ‬
‫ظنوا ّأنهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جماعيا‬ ‫بالرشاشات‪ ،‬صار قتال‬ ‫وتقدم فردان ّ‬ ‫الضوء ّ‬ ‫ُقطع ّ‬
‫قتلوهم‪ ،‬ومن ّثمة كثر الهرج واملرج داخل املعسكر‪ ،‬وأثناء خروجهم وجدوا عيدودي بشير‬
‫لس ّيارة ّ‬
‫فتم قتله‪.‬‬ ‫عباد ّ‬
‫الزين جالسا داخل ا ّ‬ ‫سائق سيارة ّ‬

‫‪ 1‬كان هذا جزء من ّرد املجاهد علي بن أحمد مسعي على ما جاء في مذكرات املجاهد الوردي قتال‪،‬‬
‫وتصحيحه لبعض الوقائع التاريخية حسب وجهة نظره‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫وفي ذلك الوقت كان هناك رجل تونس ّي يسكن بالقرب من املعسكر‪ ،‬يهاتف الحرس‬
‫بالسالح بمعسكر الجز ّ‬
‫ائريين‪ ،‬فأسرعوا ليجدوهم داخل القاعة‬ ‫ّ‬
‫التونس ي مخبرا بوقوع قتال ّ‬
‫في برك من ّ‬
‫الدماء‪ ،‬فأخذوهم إلى املستشفى‪.‬‬
‫عباد ّ‬
‫الزين‪،‬‬ ‫مناعي‪ّ ،‬‬‫قتال‪ّ ،‬‬
‫كانت النتيجة قتيلين وخمسة جرحى هم‪ :‬لزهر‪ ،‬ساعي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فأسرعوا بهم إلى املستشفى‪ ،‬ومن ّثمة متابعة املجرمين‪ ،‬فاعتقلوا مهدي الطالب العربي الذي‬
‫ّ‬
‫السجن ودخل التراب‬ ‫عباس من ّ‬ ‫واملتلوي‪ ،‬بينما ُأخرج ّ‬
‫ّ‬ ‫الر ّديف‬
‫التحق بجيشه بجبال ّ‬
‫وتم ذلك بوسائط‪.‬‬‫الجزائري (وسأرجع إلى ذلك فيما بعد)‪ّ ،‬‬

‫أحدث ذلك الحادث شرخا وهلعا كبيرين داخل الجزائر وخارجها‪ ،‬وفي طاقم مؤتمر‬
‫وعمار بن عودة‪ّ ،‬‬
‫الشيخ إبراهيم مزهودي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للم شمل الوالية األولى‬ ‫الصومام أرسلوا كال من‬
‫الصومام بانفرادهم بمصير‬ ‫أوراس اللمامشة‪ ،‬وذلك ما استفاد منه أعضاء طاقم مؤتمر ّ‬
‫الصاعقة في الوقت الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫الجزائرية‪ ،‬فنزل علينا الخبر نزول ّ‬ ‫ّ‬
‫كنا ننتظر خبر املصالحة‬ ‫الثورة‬
‫ّ‬
‫والتوافق‪ ،‬وصرنا في حيرة من أمرنا‪ ،‬وضاق الحال بنا‪ ،‬إلى أين ّ‬
‫املفر !!؟‬
‫خاصة ونحن خارج الجزائر‪ ،‬إلى أن يقض ي هللا أمرا كان‬ ‫ّ‬ ‫تجندنا ّ‬
‫بالصبر‪،‬‬ ‫رغم ذلك ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫خاصة ّأننا في خالف شديد مع جيش وقادة منطقة ّ‬ ‫مفعوال‪ّ ،‬‬
‫تبسة‪ ،‬هذا ما زاد الطين بلة‪.‬‬
‫وعمار بن عودة‪ ،‬فهو ّ‬
‫الشيخ إبراهيم مزهودي ّ‬‫ّ‬ ‫ّأما ما ّ‬
‫لم شمل‬ ‫تم من إجراءات على يد‬
‫ّ‬
‫الليبية‬ ‫الوالية األولى داخل تونس‪ ،‬ومن اإلجراءات األولى إرسال الجرحى إلى األراض ي‬
‫وتم ذلك ّ‬
‫كالتالي‪ :‬قائد املنطقة محمود‬ ‫تبسة من جديد‪ّ ،‬‬ ‫للمعالجة‪ ،‬وثانيا تشكيل منطقة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشريف‪ ،‬األعضاء ّ‬
‫الطاهر بن عثمان‪ ،‬الحبيب ّ‬
‫عباد‪.‬‬ ‫الن ّواب‪ :‬إسماعلي صالح بن علي‪ ،‬فرحي‬
‫النواحي داخل املنطقة‪ّ :‬‬
‫الناحية األولى‪ّ :‬‬
‫تبسة‪ :‬مسعي علي بن أحمد‪.‬‬ ‫تشكيل ّ‬
‫ّ‬
‫الثانية‪ :‬بئر العاتر‪ :‬مقداد ّ‬ ‫ّ‬
‫جدي‪.‬‬ ‫الناحية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الناحية الثالثة‪ :‬قنتيس‪ :‬بلحسين محمد بن علي‪.‬‬
‫التنظيم واالستعداد‪ُ ،‬أمرنا ّ‬
‫بالدخول إلى الجزائر‪ّ ،‬‬
‫كل إلى ناحيته‬ ‫بعد إجراءات إعادة ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن الجيش الفرنس ي ّ‬ ‫ّ‬
‫النشاط القتالي‪ّ ،‬‬
‫تغول على الشعب الجزائري‪ ،‬نظرا لغياب‬ ‫إلعادة‬

‫‪61‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الت ّ‬ ‫العسكرية‪ ،‬وخروج أغلب أفراد املنطقة إلى الحدود ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونسية‪ ،‬ولذلك ترك الشعب‬ ‫العمليات‬
‫وحيدا‪.‬‬
‫فسية‪ ،‬خضنا معركة يوم ‪ 03‬نوفمبر ‪1956‬م في خنقة‬ ‫املعنوية ّ‬
‫والن ّ‬ ‫ّ‬ ‫رغم الجراح‬
‫الزيتون داخل القطر ّ‬
‫التونس ي فجرا‪ ،‬في طريقنا إلى ناحيتنا‬ ‫كنا بجبل خنقة ّ‬ ‫الزيتون‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫العدو‪ ،‬صدفة صباح ذلك اليوم‪ ،‬قتلنا عددا كبيرا منهم يفوق الـمئة قتيل‪،‬‬ ‫تصادمنا بفرق‬
‫وكثيرا من الجرحى‪ ،‬وأسرنا أربعة عساكر وأحرقنا طائرة‪ ،‬في الوقت الذي استشهد لنا ‪12‬‬
‫ّ‬ ‫السنوس ي بشير‪ ،‬مسعي عبد املجيد‪ ،‬مسعي ّ‬ ‫شهيدا منهم‪ّ :‬‬
‫التارزي‪ ،‬معلم الحفناوي‪ ،‬حمدان‬
‫علي بن ّ‬
‫العزوزي‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشعب ّ‬
‫التونس ي‪ ،‬ذلك ما وجده‬ ‫حيث كان لتلك املعركة صدى واسعا في أوساط‬
‫عباس الغرور أثناء رجوعه إلى الجزائر‪ ،‬فوجد الحديث عليها وبإعجاب‪ ،‬فأبرق ّ‬
‫إلي برسالة‬ ‫ّ‬
‫بالداخل‪ .‬وطلب‬‫ومما قال‪ :‬لقد رفعت رؤوسنا في الوقت الذي سكنت معاركنا ّ‬ ‫شكر وتقدير ّ‬
‫عباس الغرور‬ ‫حتى جاءتني رسالة اإلدارة بتونس للقبض على ّ‬ ‫مني أن نلتقي‪ ،‬ولم يطل األمر ّ‬ ‫ّ‬
‫عباس‪ ،‬تلك هي مأساتنا‪ ،‬من‬ ‫تحول عملنا إلى البحث عن ّ‬ ‫الفار من العدالة‪ ،‬ومن ّثمة ّ‬ ‫ّ‬
‫نتلقى منهم األوامر ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫بكل احترام وتبجيل‪ ،‬إلى قادة مطاردين‪.‬‬ ‫قيادات كنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علمنا أنه بجبل الشعانبي‪ ،‬وملا وصلنا جبل الشعانبي وجدنا أنه قد نصب كمينا بواد‬
‫بولحية بين تاالبد وبوشبكة‪ ،‬ولخوفنا من أن تباغته نجدة العدو‪ ،‬قمنا بنصب كمين بخنقة‬
‫الرابعة مساء وقع القتال مع رتل طويل جاء من القصرين‪،‬‬ ‫جبل بولحية ملساندته‪ ،‬وحوالي ّ‬
‫الطريق‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫حتى صار سالح أفراد العدو ّ‬ ‫الرتل‪ّ ،‬‬ ‫ُقتل الكثير من ّ‬
‫مقدمة ّ‬
‫لكن‬ ‫مرميا على قارعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤخرة ّ‬ ‫ّ‬
‫الرتل ورشاشاته حرمتهم من الغنائم‪ ،‬فانسحب بعدما خلف شهيدين‬ ‫هاونات‬
‫ّ‬
‫أحدهما غزالي علي املعافي‪ ،‬وبعض الجرحى منهم عباس نفسه‪.‬‬
‫غدا مساء علمنا أنه يبيت عند أحد املشايخ للعشاء‪ ،‬أخذت معي أربعة أفراد وذهبت‬
‫عباس عندما نأتي به ونضعه بينهم‪ ،‬وجدتهم‬ ‫إليه‪ ،‬بعد أن ّرتبت مع قادة الفرق أمر مراقبة ّ‬
‫عباس ما أحوال‬‫حدث جانبا‪ ،‬قلت‪ :‬س ي ّ‬ ‫السالم طلبت منه ّ‬
‫الت ّ‬ ‫قد فرغوا من عشائهم‪ ،‬بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫ساعي؟ قال‪ :‬هو ال باس عليه‪ ،‬وعن قريب يلتحق بنا‪ّ .‬‬
‫ثم استدرك‪ :‬هل اتصلت به؟ قلت‪ :‬ال‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ثم قلت‪ :‬س ي ّ‬ ‫ّ‬
‫عباس أتيت إليك ألسلم لك من معي من جيش‪ .‬قال‪ :‬ملاذا؟ قلت‪ :‬لعجزي عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعب ّ‬
‫التونس ي ما تحتاج‪ .‬قلت‪ :‬الشعب‬ ‫القيام على حاجيات هذا الجيش‪ .‬قال‪ :‬خذ من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التونس ي فقير‪ ،‬وقد طال مقامنا معهم‪ .‬قال‪ :‬خذ منهم حتى بالقوة وامنحهم وصوالت‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الشعب ّ‬ ‫ّ‬ ‫سي ّ‬
‫التونس ي مستقل ولديه حكومة‪ ،‬كفانا مشاكال‪ .‬قال‪ :‬علي ولدي‪ ،‬خذ‬ ‫عباس‪،‬‬
‫ً‬
‫منهم واعطهم بيانات‪ ،‬سأرسل وفدا يأتيهم باملال من ليبيا فاصبر‪ .‬قلت‪ :‬إذا أؤمر أفرادك‬
‫ّ‬
‫باتباعنا‪.‬‬
‫سريا‪ ،‬وعند‬ ‫تحركنا بأفراده إلى أن دخلنا بين فرقنا‪ ،‬ومن ّثمة أصبح مراقبا ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫الصباح‪ ،‬طلب لقائي قال‪ :‬علي ولدي‪ ،‬أنتم قابلتم ساعي؟ قلت‪ :‬أبدا‪ .‬قال‪ :‬أنا أريد القيام‬ ‫ّ‬
‫عباس أنت تعرف‪ ،‬قمنا بمعركة ونفدت أغلب ذخيرتنا‪ ،‬ولدينا‬ ‫ضد العدو‪ .‬قلت‪ :‬س ي ّ‬ ‫بعملية ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫جرحى ومتعبون‪ ،‬وأنت نفسك جريح ولك جرحى أيضا‪ .‬قال‪ :‬علي ولدي أرغب في الشهادة‪.‬‬
‫ّ‬
‫العدو‬ ‫عباس‪ ،‬إن نذهب أنا وأنت فقط فأنا حاضر وجاهز‪ّ ،‬أما أن ندفع برجالي إلى‬ ‫قلت‪ :‬س ي ّ‬
‫ّ‬
‫بسالح فارغ من الذخيرة‪ ،‬فهذا أمر ال نقدر عليه‪ .‬عند ذلك استدار وهو يتمتم ال أفهم ما‬
‫يقول‪.‬‬
‫أسر له برسالة اإلدارة‪ ،‬عندئذ أسرعت‬ ‫الكتاب ّالذين معي هو ّالذي ّ‬
‫أن أحد ّ‬ ‫وأظن ّ‬‫ّ‬
‫ونسق مع معتمد تالة‪ ،‬للقبض على‬ ‫الر ّد أن احتفظ به ّ‬
‫عباس لدينا‪ ،‬وجاء ّ‬ ‫بإخطار اإلدارة ّ‬
‫بأن ّ‬
‫ّ‬ ‫عباس بواسطة الحرس ّ‬ ‫ّ‬
‫التونس ي‪ ،‬نظرا لوجود الجيش الفرنس ي بالطرقات‪.‬‬
‫بجاهزية الحرس غدا صباحا‪ ،‬وفي يوم ممطر جاء‬ ‫ّ‬ ‫لم يطل األمر‪ ،‬أعلمني معتمد تالة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحرس بشاحنتين‪ ،‬توقفوا من بعيد حسب ما اتفقنا عليه مع املعتمد‪ ،‬إلى أن أطلب‬
‫ّ‬ ‫ثم طلبنا ّ‬ ‫تقدمهم‪ ،‬فأعلمت قادة الفرق باإلستعداد لألمر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تقدم الشاحنتين‪ ،‬فذهبت إليه‬
‫فلما رآني قال‪ :‬علي ولدي ما جاء بك؟ قلت‪:‬‬ ‫بأربعة أفراد‪ ،‬إلى أن وقفت أمام عريش ّ‬
‫الصنوبر‪ّ ،‬‬
‫عباس أريدك أنت دون سالح‪ .‬خرج ّ‬
‫إلي من‬ ‫ثم ّ‬
‫مد يده إلى سالحه‪ .‬قلت‪ :‬س ي ّ‬ ‫للت ّ‬
‫حدث إليك‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫العريش‪ ،‬وقتها حدث لغط وهرج في أفراد ّ‬
‫عباس‪ ،‬قلت‪ :‬اعلموا أننا ليس لدينا مشاكل مع‬
‫إن ساعي‬‫عباس‪ّ ،‬‬‫ثم قلت‪ :‬س ي ّ‬
‫عباس ملا حدث بتونس‪ّ .‬‬ ‫عباس‪ ،‬فاإلدارة هي ّالتي طلبت حضور ّ‬ ‫ّ‬
‫عباس‪ ،‬أقول‬ ‫إلي هنا‪ .‬عند ذلك قلت‪ :‬س ي ّ‬
‫بتالة يطلب مقابلتك‪ .‬قال‪ :‬من يريد مقابلتي يأتيني ّ‬
‫الزين قتيل‪ ،‬عيدودي بشير ُقتل داخل ّ‬
‫الس ّيارة‪ ،‬ساعي‬ ‫عباد ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬من يريد مقابلتك هم ّ‬
‫‪63‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫وقتال الوردي جريحين‪ّ ،‬‬
‫مناعي العيد جريح‪ ،‬هم من يريدون مقابلتك‪.‬‬ ‫شريط ّ‬ ‫جريح‪ ،‬لزهر ّ‬
‫ّ‬
‫كرر وقال‪ :‬إني لن أذهب إلى أحد‪ .‬عند ذلك قلت‪ :‬س ي عباس أنت يجب أن تذهب لتواجه ما‬
‫فعلتم‪ .‬عندها قال لي‪ :‬هل ترافقني؟ قلت‪ :‬أرافقك‪1.‬‬

‫أن كيد ّ‬‫ّ‬ ‫الشاحنتان‪ ،‬وصعد رفاقه ّ‬‫ّ‬ ‫ومن ّثمة ّ‬


‫السياسة‬ ‫ثم قال‪ :‬اعلم يا علي‬ ‫تقدمت‬
‫عباس بثكنة‬‫إلي ستصل إليكم‪ .‬عند الفجر دخلنا تونس العاصمة‪ ،‬نزل ّ‬ ‫التي وصلت ّ‬
‫ّ‬
‫عسكرية‪ ،‬وذلك عهدي به‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عباس قد ُسجن هنا‪ّ ،‬أما ّ‬ ‫هذا ّ‬
‫للعدو بداخل الجزائر‪ ،‬تلك‬ ‫عجول فقد سلم نفسه‬
‫ّ‬
‫الوالية األولى بعد مقتل شيحاني وبعده بن بوالعيد‪ ،‬ومن ّثمة غاب حضورها بمراكز اتخاذ‬
‫ّ‬
‫الثورة األولى‪ ،‬منذ غيابها عن مؤتمر ّ‬ ‫القرارات ال ّس ّ‬
‫الصومام‪ ،‬ما‬ ‫يادية‪ ،‬بعد أن كانت قلعة‬
‫ّ‬
‫الثانية بالخروج بما يريدون لصالحهم ّ‬
‫حتى صرنا كاأليتام‪.‬‬ ‫سمح لقادة القبايل واملنطقة‬
‫املظل ّيين‪ّ ،‬الذين ّ‬
‫تغولوا على‬
‫ّ‬ ‫رغم ذلك لم يثننا ما حدث عن خوض املعارك ّ‬
‫ضد فرق‬
‫ّّ‬ ‫ّ‬
‫الدكان يوم ‪ 25‬نوفمبر‪ ،‬أثناء محاولة شاحنتين‬ ‫الشعب داخل الجزائر‪ ،‬ذلك ما حصل بجبل‬
‫ّ‬
‫وسيارة جيب دخول الجبل‪.‬‬
‫خرجوا من قنوات منتشرة‪ ،‬فقتلنا أغلب أفرادهم‪ ،‬منهم ضابط برتبة رائد‪ ،‬وأعطبنا‬
‫ثم مررنا على دار الحاج سلطان بورقعة‪،‬‬‫ثم خرجنا ليال وقد سقط لنا شهيد واحد‪ّ ،‬‬ ‫طائرة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫فخرج إلينا بنفسه‪ ،‬طلبنا منه املاء وإن ُوجد بعض الطعام‪ ،‬فأسرع إلينا قائال‪ :‬هل أنتم من‬
‫ّ‬
‫قام باملعركة؟ لن تذهبوا هذه الليلة لقد رفعتم رؤوسنا‪ ،‬لقد زغردت نساؤنا ملشاهدة قتل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فرق املظل ّيين الذين كانوا يدخلون بيوتنا لرفع ستر نسائنا‪ ،‬وحرق الطائرة التي غطى دخانها‬
‫ّ‬
‫‪ 1‬يضيف املجاهد مسعي األسود بن أحمد شقيق املجاهد علي بن أحمد قائال‪ :‬تكلفت بمراقبة التلمساني‬
‫لعباس الغرور ّ‬
‫والقناص البارع‪ ،‬فهو أخطر الجميع وبإمكانه قنصنا جميعا إذا أفلتناه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فلما‬ ‫الذراع األيمن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حانت لحظة إلقاء القبض على الغرور‪ ،‬وضعت مسدس ي في رأس التلمساني‪ ،‬وكنا جميعا في استعداد تام‬
‫ّ‬
‫لتنفيذ أوامر القيادة‪ ،‬فإن سلم نفسه طوعا كان ذلك ما نرومه‪ ،‬وإال فسنقتله ومن دافع عنه ال محالة‪.‬‬
‫لكن األمر سار كما خطط له س ي علي تماما‪ ،‬وقد قال س ي علي لعباس‪:‬‬ ‫البد من تنفيذها‪ّ ،‬‬‫وتلك أوامر ّ‬
‫فرد عباس الغرور‪ :‬مازلت صغير ولدي‪ .‬فقال س ي‬ ‫نحترمك ّ‬
‫ونقدرك لكن األوامر أوامر البد من القبض عليك‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علي‪ :‬ومنك تعلمنا معان كثير وكنت نعم القائد لكن سأقبض عليك ال محالة‪ .‬فهدأ الغرور وسلم لألمر‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫يهمنا اآلن أن تحترق بيوتنا وتؤخذ أرزاقنا‪ ،‬فقد كانوا قبل هذا ّ‬
‫يتجولون‬ ‫السماء‪ ،‬ولذلك ال ّ‬ ‫ّ‬
‫أحرا ا في منا لنا ولم يطلق أحد عليهم ّ‬
‫النار‪.‬‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫قلت للحاج‪ :‬اسرع لنا فالجبل بعيد‪ ،‬وجيش العدو سيأتي غدا صباحا‪ .‬قال‪ :‬إن‬
‫خفتم‪ ،‬فعندما يأتون أعطوني سالحكم أقاتل أنا ونسائي وناموا أنتم وارتاحوا‪ .‬عند ذلك‬
‫ّ‬ ‫سكتنا‪ ،‬بات الحاج ّ‬
‫يحدثنا ّ‬
‫عما ّ‬
‫مر بهم من إذالل من فرق الجيش الفرنس ي‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫واللحم ّ‬‫ّ‬
‫والدهان‪ ،‬ولم يطلقوا طلقة‬ ‫كان يأتيه ليال جنود صالح بن علي‪ ،‬يأكلون الكسكس ي‬
‫واحدة على العدو‪.‬‬
‫معركة أنوال الكبرى ‪ 27‬نوفمبر‪1956‬م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬
‫رقية املطلة على سهل الغريرة‪ ،‬ونحن ال نعلم أنه قد‬ ‫دخلنا جبل أنوال من الجهة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دخلها أحد العمالء ّ‬
‫وسجل مواقع فرق صالح بن علي‪ ،‬وفرقة السالح التي دخل بها نصر‬
‫ّ‬ ‫سجل ّ‬ ‫الكامل من فريانة‪ ،‬وكان قد ّ‬
‫أن الجهة التي دخلنا منها نحن خالية من املسلحين‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫طبعا قبل وصولنا‪ ،‬ولذلك ملا بدأت املعركة عند فصائل صالح وفرقة الكامل‪ ،‬قد خسروا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعركة قبل أن تبدأ‪ ،‬رغم وصول فرق املظل ّيين وهم ال يعلمون أننا سيطرنا على أخطر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجبهات برجال صناديد‪ ،‬وبذلك أخروا دخولهم من تلك الجبهة إلى حوالي الثامنة صباحا‪،‬‬
‫ّ‬
‫حيث جاءت أرتال الشاحنات حاملة الجنود‪ ،‬ونحن مختفون بين األشجار‪ ،‬فتركناهم‬
‫ّ‬ ‫وكأنهم في ّ‬ ‫ّ‬
‫يتقدمون نحونا‪ّ ،‬‬
‫عملية تدريب إلى أن توقفوا أمامنا صفوفا‪ ،‬إلنزال عساكرهم‪،‬‬
‫جدا‪ ،‬وهم في غفلة‪،‬‬ ‫وبمجرد بدء نزولهم أطلقنا عليهم بكامل أسلحتنا من مسافات قريبة ّ‬ ‫ّ‬
‫قتلنا منهم الكثير وجرحنا الكثير‪ ،‬ومنهم من الذ بالفرار مذهولين يركضون في سهل الغريرة‪،‬‬
‫حتى ّ‬
‫إن‬ ‫عليهن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫املظل ّيين ّالذين كانوا باألمس ّ‬
‫يتغولون‬
‫ّ‬
‫والنساء يزغردن ويشتمن أفراد‬
‫ّ‬
‫بالرصاص ّ‬ ‫ّ‬
‫الطائرات اعترضتهم وترميهم ّ‬
‫لتردهم عن الفرار‪ ،‬وتجبرهم على دخول املعركة‪.‬‬
‫تدخل ال ّطائرات ّ‬
‫بقوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫مما مك ّنا منهم رغم‬
‫ّ‬
‫لقد كانت صدمة كبيرة لهم لفشل خطتهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكتائب ّ‬
‫املدفعية‪ ،‬إذ كان لدينا ثالث قطع رشاش مضادة للطائرات‪ ،‬تولت‬ ‫الدبابات‪ ،‬وقطع‬
‫ّ‬
‫أمر تلك الطائرات‪ ،‬فسببت فيها خسائر فادحة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫حتى ّ‬
‫تبسة بمشاهدتها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫سكان مدينة ّ‬
‫إن‬ ‫نعم‪ ..‬لقد دارت معركة طوال اليوم‪ ،‬استمتع‬
‫ّ ّ‬
‫السكان انقسموا؛ العرب بجهة واليهود والفرنسيون بجهة‪ ،‬فوق أسطح املنازل ويتعايرون‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى حاكم ّ‬ ‫ّ‬
‫تبسة عندما شاهد إحدى الطائرات تحترق‪ ،‬كان يقول‪ :‬فكها يا لكوست يا دين‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يفرون اتجاه املطار‪.‬‬ ‫ربي‪ .‬وفرق املظل ّيين التي يتفاخرون بها‬
‫تلك هي معركة أنوال الكبرى‪ ،‬وهي خاتمة انتصاراتنا لسنة ‪1956‬م‪ ،‬وقد كان لها نتائج‬
‫ممن حضروا إلى جانب‬ ‫تبسة وضواحيها‪ ،‬حيث ّ‬
‫حدثنا ّ‬ ‫معنوية عظيمة‪ ،‬إذ شاهدها شعب ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫القومية الذي كلفوا بجمع الجثث التي تفوق ‪ 500‬قتيل‪ ،‬وعددا هائال‬ ‫الجيش الفرنس ي من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من الجرحى‪ ،‬وعطب وسقوط الطائرات‪ ،‬وقد غنمنا منهم قطع من السالح‪ ،‬منها رشاش عيار‬
‫‪ 24-29‬ملم‪ّ ،‬أما من جانبنا فقد استشهد لنا حوالي ‪ 20‬شهيدا منهم‪ :‬بدري العيد‪ ،‬غريس ي‬
‫عمار‪ ،‬ثابت ّ‬
‫عمار‪.‬‬ ‫ّ‬
‫السبتي‪ ،‬صالحي محمود‪ ،‬مومن صالح‪ ،‬اسماعلي لزهر‪ ،‬رزق هللا ّ‬
‫شريط على قيادة منطقة ّ‬ ‫سنة ‪1957‬م ّ‬
‫وتجدد الخالف بين محمود ولزهر ّ‬ ‫ّ‬
‫تبسة‬
‫ّ‬ ‫بعد رجوع لزهر ّ‬
‫شريط من ليبيا ليطلب من محمود أن يسلمه قيادة املنطقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صب عليها من طرف قيادات ّ‬ ‫رفض محمود ذلك ألنه ُن ّ‬
‫أهمها‪ :‬الشيخ مزهودي وبعض أعضاء‬
‫نؤيدك لجمال‬‫التنصيب‪ :‬اسمع يا محمود‪ ،‬نحن لم ّ‬ ‫حتى ساعي ّالذي قال أثناء ّ‬ ‫الصومام‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الشيخ إبراهيم مزهودي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقبل ساعي ملوقفه‬ ‫عيونك‪ ،‬إنما شيطان نواجه به الشياطين‪ .‬فقام‬
‫ّ‬
‫النزيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ذلك أنه لم ينحز إلى لزهر‪ ،‬بل ّأيد الحقيقة لصالح املنطقة‪ ،‬وذلك لقدرة محمود‬
‫ّ‬
‫فرنسية‪ ،‬إضافة إلى تجربته‬ ‫على مواجهة ومقابلة أعضاء الواليات األخرى‪ ،‬الذين ثقافتهم‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫عضوية املجلس الوطني‬ ‫لكن لزهر رغم ما ق ّدم له من امتيازات‪ ،‬منها منصب‬ ‫العسكرية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ومرتب محترم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسيارة وسائق‪ ،‬مقابل تنازله عن طلب منصب القيادة للمنطقة‪،‬‬ ‫للثورة‪ ،‬وفيال‬
‫يؤيده‪ ،‬رغم ّ‬
‫كل املحاوالت‪ ،‬ذلك ما دفع‬ ‫وقرر الخروج إلى الجبال بمن ّ‬ ‫ّإال أنه رفض ذلك‪ّ ،‬‬
‫بمحمود داخل الجزائر إلى إرسال صاحبه ونائبه صالح بن علي إلى أرقو‪ ،‬للقاء قادة نواحي‬
‫النار من طرف بعض األفراد منهم عثمان‬ ‫التزكية‪ ،‬وهناك ُأطلق عليه ّ‬
‫ّ‬
‫املنطقة‪ ،‬لينال منهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫زعالني يدعى جالل‪ ،‬ومن ثمة عاد محمال ِبغل وضغينة ضد أفراد املنطقة‪ ،‬وسأذكر فيما بعد‬

‫‪66‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما قاله لي محمود‪ ،‬وما ّ‬
‫عقد األمر أكثر هو اتفاق لزهر مع الطالب العربي الخارج عن أمر‬
‫وعباس‪ ،‬وقد كان يطالب بإطالق سراحهم من‬ ‫الحي ورفاقه ّ‬
‫كل من عبد ّ‬ ‫القيادة‪ ،‬منذ اعتقال ّ‬
‫الر ّزاق‪ ،‬ما اقترح على لزهر‪ ،‬فرفض أيضا‪،‬‬
‫السجن‪ ،‬وحيث اقترح عليه العقيد أحمد بن عبد ّ‬ ‫ّ‬
‫حرش بمراكز الحرس ّ‬
‫التونس ي‪ ،‬ومن‬ ‫تعد األمر إلى ّ‬
‫الت ّ‬ ‫يتحرشان بمصالح املنطقة‪ ،‬بل ّ‬‫ثم صارا ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫هناك اتسعت الفجوة‪.‬‬
‫الطاهر‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫أثناء ذلك‪ ،‬طلب ّ‬
‫جدي مقداد‪،‬‬ ‫منا محمود نحن‪ :‬فرحي ساعي‪ ،‬فرحي‬
‫عما يفعل‪ّ ،‬‬ ‫الرجوع ّ‬ ‫لحثه على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكنه رفض مقابلتنا‪ ،‬وبعد‬ ‫مسعي علي‪ ،‬اإلتصال بلزهر‬
‫ّ‬
‫محاوالت أخرى منها محاولة أحد والة تونس‪ ،‬الذي كان صديقا قديما له‪ ،‬فقبل‪ ،‬رغم‬
‫نصيحة ك ّل من دريد لزهاري ومجور بوزيد لخوفهم من غدر محمود‪ ،‬وذلك ما حصل فعال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فبمجرد وصولهم‪ ،‬أعتقل لزهر وكوادره‪ ،‬وفرق جنوده على نواحي املنطقة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّأما الطالب العربي الذي رفض ما ق ّدم له من عروض‪ ،‬كانت عرضت على لزهر من‬
‫التونس ي إلى أن ُقتل ُ‬
‫واعتقل الباقون‪.‬‬ ‫قبله‪ ،‬فقد ّ‬
‫تنقل إلى ليبيا‪ ،‬فالحقه الجيش ّ‬
‫ّ‬ ‫الشريف ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ّثمة ّ‬
‫الصعداء‪ ،‬وتخلص من معارضيه‪ ،‬والتفت إلى‬ ‫تنفس محمود‬
‫يؤرقه هو ونائبه اسماعلي صالح بن‬ ‫مما ّ‬‫ّالذين ال يرتاح لهم‪ ،‬بالقتل أو اإلقصاء‪ ،‬وقد كان ّ‬
‫ّ‬ ‫سمى آنذاك بجيش الطكاكة‪ ،‬فقام بزعزعة ّ‬
‫الناحية األولى ّ‬ ‫علي‪ ،‬ما ُي ّ‬
‫بتبسة‪ ،‬التي كنت‬
‫قائدها‪ ،‬وهي من أنجح ّ‬
‫النواحي‪ ،‬وأذكر دليال على قولي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جدي‬‫الطاهر عضوا باملنطقة‪ ،‬مقداد ّ‬ ‫إنه في أوائل فيفري ‪1957‬م‪ُ ،‬ع ّي ّنا نحن‪ :‬فرحي‬
‫للدخول لناحية العاتر للبحث في شكاوى أتته من‬ ‫قائدا لناحية العاتر‪ ،‬مسعي علي بن أحمد‪ّ ،‬‬
‫حري‪ّ ،‬‬
‫حررنا تقريرا حملته إليه‬ ‫الناحية من طرف مواطنين‪ ،‬وبعد البحث فيما يحدث ّ‬
‫والت ّ‬ ‫ّ‬
‫ونسية‪ ،‬وأنا في طريقي وجدت إحدى كتائبه قد خرجت بالجبل‬ ‫وهو بمدينة الكاف ّ‬
‫الت ّ‬
‫جدا‪ ،‬وفي صباح بارد كنت واقفا أمام مكتب محمود‪ّ ،‬‬
‫فلما علم‬ ‫األكحل‪ ،‬وقد كنت متعبا ّ‬
‫يسلم‪ ،‬وقال‪ :‬ما جاء بك؟ ولم يذكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫بقدومي‪ ،‬خرج إلى ّ‬
‫حتى‬ ‫املمر‪ ،‬ولم يدخلني مكتبه ولم‬
‫التقرير وأضفت خبر خروج‬ ‫مسدسه‪ ،‬أعطيته ّ‬ ‫اسمي‪ ،‬وكانت يده في جيبه‪ ،‬ويده األخرى على ّ‬

‫‪67‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫تلك الكتائب‪ ،‬قال‪ :‬اسمع‪ ،‬لقد ّاتفقت مع قادة منطقة القبايل أن ّ‬


‫تتم ترقيتي إلى رتبة رائد‪،‬‬
‫السادسة فلتشتعل ّ‬
‫بالنار بعدها‪1.‬‬ ‫واملنطقة ّ‬

‫قلت‪ :‬هذا ما تقوله يا س ي محمود؟!! قال‪ :‬هذا ما أقوله‪ .‬عند ذلك استدرت للخلف‬
‫ّ‬
‫بعد خطوات قال‪ :‬اسمع‪ ،‬سأرسل لجنة للبحث في الذين خرجوا ورأيتهم في الجبل األكحل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذلك هو محمود الذي اتفق مع قادة منطقة القبايل‪ ،‬الذين صاروا هم قادة الثورة‬
‫الصومام ‪ 20‬أوت ‪1956‬م‪ ،‬نعم‪ ..‬ذلك ما واجنهي به محمود ّ‬
‫بكل‬ ‫بعد خروجهم من مؤتمر ّ‬
‫لكل قائد لتصفية من‬ ‫صراحة وحقد‪ ،‬ونحن ال نعلم ما كان‪ ،‬حيث ّاتفقوا على منح ّ‬
‫الحرّية ّ‬
‫عبر به البطل زيغود يوسف بعد‬ ‫صرح به عبد هللا بن طوبال وما ّ‬
‫يعترض طريقه‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ّ‬
‫ستستقل طال الزمان أو قصر‪ّ ،‬أما الثورة‬
‫ّ‬ ‫خروجه من املؤتمر‪ ،‬إذ قال ملساعديه‪ :‬الجزائر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ستبقى هنا‪ .‬ملا شاهده البطل من انحرافات في مشاريع الثورة‪ ،‬وقال‪ :‬لم يتحقق ما كنا نحلم‬
‫به‪ ،‬حيث ّ‬
‫تسرب إلينا فيروس‪.‬‬
‫وما يثبت ما قاله البطل زيغود‪ ،‬ما جاؤوا به إلفساد أخالق املجاهدين‪ ،‬والكفر‬
‫الجهادي في عقول املجاهدين‪ ،2‬وأذكر على سبيل املثال ال الحصر‪ّ ،‬أنه ذات مرة أرسلوا ّ‬
‫إلي‬
‫وصحة‪ ،‬قلت ماذا يفعلن‪ ،‬قيل ملعالجة الجرحى واملرض ى وتعليم‬‫ّ‬ ‫ثالث فتيات ذوات جمال‬
‫ّّ‬ ‫املجاهدين‪ ،‬قلت بينما نحن ّ‬
‫نجهز أنفسنا ملقارعة فرق املظليين‪ :‬ومن يحرس الفتيات؟!!‬
‫ّ‬
‫وأعدتهن من حيث جئن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مسؤوليتي‬ ‫ّ‬
‫فتحملت‬
‫الس ّ‬
‫ياسية‬ ‫عملية توحيد القيادة ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية اإلفساد‪ ،‬وهكذا‪ ..‬رغم‬ ‫هذه من دالئل‬
‫ّ‬
‫املتضرر من هذه اإلجراءات‬ ‫فإن قلوبهم مريضة بمرض ّ‬
‫الزعامة‪ ،‬لقد كان‬ ‫والعسكرية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وسياسيا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫عسكريا‬ ‫الوالية األولى‬

‫‪ 1‬أصلها‪ :‬واملنطقة السادسة لها شعلة بالنار (باللهجة التبسية)‪.‬‬


‫‪ 2‬مصطلح الكفر الجهادي قصد به البطل‪ :‬انحراف مفهوم الجهاد في نفوس املجاهدين‪ ،‬ومحاولة إفساد‬
‫معنى الجهاد اإلسالمي الحقيقي‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫لجنة البحث التي وعدني بها محمود‬
‫عندما جاءني صالح بن علي‪ ،‬كانت كتيبة أوالد سعد‪ 1‬قد خرجت عن املجموعات‪،‬‬
‫ّ‬
‫قال‪ :‬جئت للبحث في أمر الذين خرجوا عليك‪ .‬قلت‪ :‬نذهب معا‪ .‬قال‪ :‬يقتلونك‪ .‬قلت‪ :‬ال تخش‬
‫جمع للبحث في أسباب‬ ‫ثم وجدنا كتيبة أوالد ملول بضواحي تالة‪ ،‬وطلب منهم صالح ّ‬
‫الت ّ‬ ‫علي‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫تبين عدم وجود أي سبب‪ ،‬عند ذلك وقف عمارة صالحي نائب‬ ‫انشقاقهم‪ ،‬لكن بعد البحث ّ‬
‫ّ‬ ‫قائد الكتيبة وقال‪ :‬اسمع يا س ي صالح‪ّ ،‬‬
‫إن الذين تكلموا في علي بن أحمد هم كاذبون‪ ،‬فلم نر‬
‫منا‪ ،‬أو نخرج من املنطقة‪ .‬قال صالح‪ :‬لن يكون‬ ‫سوء‪ّ ،‬إنما أردنا أن يكون القائد ّ‬ ‫الرجل ً‬ ‫من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكم قائد ولن تخرجوا‪ .‬وقف عمارة وقال‪ :‬إذا نرجع إلى علي بن أحمد‪ ،‬الذي لم نجد فيه إال‬
‫ثم وقف محبطا وقال‪ :‬اكتبوا تقاريركم‬ ‫مما سمع‪ ،‬فسكت فترة ّ‬ ‫صدم صالح ّ‬ ‫الخير‪ .‬عندئذ ُ‬
‫وابعثوا بها إلى القيادة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومن بعدها ذهبنا إلى كتيبة أوالد سعد في الطريق نفسه‪ ،‬وكم فرح صالح بتفكك‬
‫النواحي‪ ،‬ومن ّثمة إبعادي ودفعي إلى املوت‪ ،‬ث ّم نقلي إلى ناحية كانت‬ ‫الناحية ّالتي هي أنجح ّ‬ ‫ّ‬
‫وقدم لي صالح بن علي بجبل سمامة‬ ‫التنظيم‪ّ ،‬‬ ‫جدي مقداد لها‪ ،‬لسوء ّ‬ ‫النواحي‪ ،‬لقيادة ّ‬ ‫أسوأ ّ‬
‫بكمية من ّ‬ ‫تتخلف لتلحق بنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثالث كتائب‪ ،‬منهم كتيبة ّ‬
‫السالح‪ ،‬ذلك لنقص‬ ‫حمه بن زروال‬
‫تسليحنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫العدو‬ ‫الناحية‪ ،‬وأغلب مساحتها ّ‬
‫صنفها‬ ‫كان ذلك أوائل أفريل ‪1957‬م‪ ،‬دخلنا تلك ّ‬
‫ّ‬
‫محرمة‪ ،‬ومعظم سكانها رحلوا أو ُر ّحلوا من طرف الجيش الفرنس ي‪ ،‬إلى املحتشدات‬ ‫مناطق ّ‬
‫يتم حرماننا من مساعدتهم لنا‪ ،‬كان ذلك من‬ ‫ّ‬
‫العسكرية‪ ،‬كي ّ‬ ‫ّ‬
‫بشرية حول املراكز‬ ‫كدروع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصعوبة بمكان‪ ،‬ومع ذلك تحملنا سوء التنظيم فيها‪ ،‬إذ بقي فيها أفراد قالئل‪ ،‬حيث صرنا‬
‫ّ‬
‫نحصل على وجباتنا بصعوبة‪ ،‬وما زاد األمر صعوبة هو فرق املعارضين ملحمود الشريف‬
‫ّ‬ ‫يسموننا بجيش الجبهة‪ ،‬وهم جيش ّ‬ ‫التابعين للزهر‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬
‫التحرير‪ ،‬كان ذلك كله يعود بثقله‬
‫ّ‬
‫تتغول‪ ،‬نعم‪ّ ،‬إنها ظروف صعبة علينا وعلى‬ ‫املظل ّيين والحركى ّ‬ ‫مما جعل فرق‬ ‫ّ‬
‫املدنيين‪ّ ،‬‬ ‫على‬
‫ّ‬
‫الشعب في الوقت نفسه‪ ،‬الذي اختبأت القيادة وجيوشها داخل القطر التونس ي وتركته‪.‬‬

‫‪ 1‬أوالد سعد‪ :‬قبيلة من العالونة اللمامشة‪ ،‬تنتشر في جنوب والية تبسة‪.‬‬


‫‪69‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫تم تشكيل قيادة الوالية‪ ،‬أثناء دخول محمد لعموري من الجزائر إلى‬ ‫في تلك الفترة ّ‬
‫ّ‬ ‫تشكلت ّ‬ ‫ّ‬
‫كالتالي‪ :‬محمود الشريف قائدا‪ ،‬محمد لعموري نائبا ّأوال‪ ،‬أحمد نواورة‬ ‫تونس‪ ،‬وقد‬
‫نائبا ثانيا‪ ،‬عبد هللا بلهوشات نائبا ثالثا‪ ،‬ساعي مراقبا بالحدود برتبة نقيب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تبسة ّ‬ ‫وتشكيل قيادة منطقة ّ‬
‫كالتالي‪ :‬اسماعلي صالح بن علي قائدا‪ ،‬فرحي الطاهر‬
‫جدي مقداد نائبا ثانيا‪.‬‬‫نائبا أوال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫استبشرنا خيرا وقتها ببعث روح جديدة ّ‬
‫بتجدد القيادة بالوالية‪ ،‬لرفع مستوى الثقة في‬
‫صفوف املجاهدين والقادة‪ّ ،‬‬
‫لكن طموح محمود كان شيئا آخر وسيأتي ذكره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّأما ّالذي زاد في ضعفنا ونحن ّ‬
‫نتجول من جبل إلى جبل تحاشيا ملواجهة املظل ّيين‪ ،‬قبل‬
‫ّ‬ ‫قدوم فرقة ّ‬
‫حمه بن زروال‪ ،‬هو عندما لحق بنا صحراوي صالح بولحية _قبل أن يسلم نفسه‬
‫للعدو_‪ ،‬وأوحى إلى أعضاء كتيبة أوالد خليفة‪ 1‬أن يخرجوا علينا ويدخلوا القطر ّ‬
‫التونس ي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والرجال‪ ،‬رغم ذلك بقينا إلى جانب الشعب نتقاسم معهم وجبات‬ ‫السالح ّ‬‫وتركونا في ّقلة من ّ‬
‫العشاء‪.‬‬
‫بينما نحن على ذلك من ضعف في انتظار أن تلحق بنا كتيبة ّ‬
‫حمه بن زروال‪ ،‬وفي‬
‫التاسعة صباحا من العاتر‪،‬‬‫صباح ‪ 27‬ماي ‪1957‬م‪ ،‬في يوم غائم أتى رتل عسكر ّي حوالي ّ‬
‫ّ‬ ‫السواتر ّ‬
‫فوة العاري من ّ‬ ‫تصحبه ّدبابات بجبل ّ‬
‫والتحصينات‪ ،‬وبمشاركة الطائرات‪ ،‬كانت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النتيجة إصابتي في ّأول املواجهة‪ ،‬وإصابة بوقطوف العيد بعد العصر‪ ،‬ومع ذلك صمد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أبطالنا على قلتهم وضعف تسليحهم‪ ،‬وقد سقط من الشهداء حوالي العشرة‪.‬‬
‫تم إرسالنا إلى تونس وأخذنا الحرس ّ‬
‫التونس ي‬ ‫ثم ّ‬
‫أخرجنا رجالنا على األعناق ليال‪ّ ،‬‬
‫بالحدود إلى مدينة تالة‪ ،‬ولم يستقبلنا أحد من قيادة املنطقة‪ ،‬ولم نجد لباسا نستبدل به‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫املخضب ّ‬
‫ّ‬
‫أن الطبيب جزائري‪ ،‬دخل تونس من‬ ‫بالدماء‪ .‬ولكن من حسن حظنا وجدنا‬ ‫لباسنا‬
‫فرنسا‪ ،‬وتعاقد مع تونس ملعالجة املجاهدين‪ ،‬قام بنا بأحسن ما يكون‪ ،‬وهو من أجرى‬
‫احية على فخذي‪ ،‬حيث عجز ّ‬
‫األطباء بمستشفى الكاف على إجرائها‪.‬‬ ‫العملية الجر ّ‬
‫ّ‬

‫أوالد خليفة‪ :‬قبيلة من البرارشة اللمامشة‪ ،‬تهيمن على املاء األبيض وضواحيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪70‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الخبر خبرين‪ ،‬بينما نحن نحلم بسرعة شفائنا‪ ،‬إذ نزل علينا خبر حوالي ‪ 150‬شهيدا‬
‫ّ‬ ‫من الذين تركناهم وكتيبة ّ‬
‫حمه بن زروال‪ ،‬وبعض الجرحى منهم قائد املعركة فرحي الطاهر‪،‬‬
‫باتجاه الحدود ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذلك ما ّ‬
‫التونسية‪ ،‬قلت‪ :‬ملاذا؟!! قالوا‪:‬‬ ‫تنبأ به أفرادنا أثناء وقبل أن نسافر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سيقتلنا الطاهر بسبب جهله فنون الحرب‪ .‬وقد حدث الذي قالوه‪ ،‬تلك ‪ 15‬جوان ‪1957‬م‪،‬‬
‫حيث داهمهم الجيش الفرنس ي بجبل تازربونت‪ ،‬وهو جبل بسيط‪ ،‬في يوم من أطول أيام‬
‫الطائرات ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫واملدفعية‪ ،‬يوم شديد الحرارة‪،‬‬ ‫والد ّبابات‬ ‫السنة‪ ،‬داهمهم جيش عرمرم تسانده‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الر ّ‬
‫رغم ذلك خاضوها معركة يشيب لها ّ‬
‫ضع‪ ،‬إلى أن سقطوا عن آخرهم‪ ،‬ولم يسلم أحد‬
‫تأسفوا عليهم‪.1‬‬ ‫العدو أنفسهم‪ ،‬وقد ّ‬‫ّ‬ ‫ضباط‬‫نفسه‪ ،‬ذلك ما اعترف به ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عضوية لجنة التنسيق والتنفيذ‬ ‫أوت ‪1957‬م و انتقال محمود الشريف إلى‬
‫بنواب هم‪:‬‬ ‫خلفه على قيادة الوالية األولى أوراس اللمامشة العقيد محمد لعموري‪ّ ،‬‬
‫أحمد نواورة وعبد هللا بلهوشات واسماعلي صالح بن علي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمجرد أن تسلم العقيد لعموري قيادة الوالية‪ ،‬شرع في جوالته وزياراته ملواقع‬ ‫وهكذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حية‪ ،‬ألنه كان في‬ ‫الخلفية‬ ‫املجاهدين‪ ،‬سواء الفرق املسلحة بالحدود‪ ،‬أو املراكز‬
‫ّ‬
‫حسبانه إهمال محمود الشريف ألحوالهم‪.‬‬
‫عد نفس ي ّ‬
‫للنوم حوالي‬ ‫عسكرية بتالة؛ بينما أنا ُأ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمصحة‬ ‫من ذلك ما حصل معي وأنا‬
‫صحي عاملي رافقهم العقيد لعموري‪،‬‬ ‫العاشرة ليال‪ ،‬إذ دخل وفد جاء من الخارج‪ ،‬وهو وفد ّ‬
‫قدمهم لي‬‫كتاب املنطقة‪ ،‬وأنا بغرفة خالية من اإلنارة‪ّ ،‬‬ ‫يقودهم خالدي حسناوي أحد ّ‬
‫للراحة‪ ،‬قال‪ :‬اتركوا أماكنكم‬ ‫تقدم العقيد لعموري معاتبا في كلمته استسالمنا ّ‬‫ثم ّ‬
‫حسناوي‪ّ ،‬‬
‫املطوق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫بالداخل ينتظر‬ ‫إن الشعب‬ ‫إلخوانكم الذين يدخلون من الجزائر جرحى ومرض ى‪،‬‬
‫مني أمامك ما هو‬ ‫فإن ما تراه ّ‬ ‫عودتكم‪ .‬بعد أن انتهى من كلمته قلت‪ :‬إن كنت تقصدني‪ّ ،‬‬

‫‪ 1‬لم ينج من معركة تازربونت قعور الكيفان إال القائد الطاهر فرحي وكان جريحا أخفاه رجال قبيلة‬
‫الزراممة وحاولوا عالجه عندهم‪ ،‬وباهي حسين امللقب بالشهيد الحي الذي ّ‬
‫خربه العدو بأكثر من ‪ 30‬رصاصة‬
‫حتى ظنوا أنه قد قتل والطاهر قطاية الذي أصيب إصابة بالغة وأغمي عليه فأخذه الجيش الفرنس ي معهم‬
‫ثم سجنوه‪ ،‬هذا حسب رواية الطاهر قطاية نفسه وحامد مسعي والعبيدي بن عيس ى وبوقطوف العيد‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫فاهتز العقيد لذلك‬ ‫سوى جسم‪ّ ،‬أما العقل والفكر فهو هناك إلى جانب إخواني بالجبال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الث ّ‬
‫ورية‪ ،‬وقال‪ :‬من هذا املجاهد؟ قال حسناوي‪ :‬إنه جندي من جنود س ي‬ ‫وشكرني لروحي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطاهر‪ّ .‬‬
‫لكن العقيد لم ينطل عليه ذلك ولم يرض فضوله‪ ،‬فصار يسأل عن هويتي‪ ،‬فجاءه‬
‫تبسة‪،‬‬ ‫الص ّحة ّأنه علي بن أحمد قائد ّ‬
‫الناحية األولى ّ‬ ‫الجواب من درباس ي إبراهيم مسؤول ّ‬
‫عباس الغرور‪ ،‬استغرب العقيد من جواب حسناوي‪ ،‬فقام بتوبيخه‬ ‫وهذا ّالذي قبض على ّ‬
‫سجل اسمي لديه‪.‬‬‫ث ّم ّ‬

‫ولذلك عندما أنهى جولته وعاد إلى مقر قيادته بتونس‪ ،‬عقد اجتماعا مع أعضائه‬
‫ّ‬
‫وبحضور محمود الشريف‪ ،‬قرأ عليهم نتائج جولته‪ ،‬وأحوال الوحدات املسلحة واحتياجاتها‬
‫ّ‬ ‫وغير ذلك من املشاكل‪ ،‬وعند الحديث عن تعيين قائد منطقة ّ‬
‫تبسة الشاغر منصبها منذ‬
‫ّ‬
‫عضوية قيادة الوالية‪ ،‬أخرج العقيد لعموري ورقة فيها اسمي وقال‪:‬‬ ‫تعيين صالح بن علي في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لقد تكلمت مع عديد اإلطارات واألفراد‪ ،‬ولم أجد أجدر من هذا املجاهد الذي لم أر وجهه‬
‫لكنه صار عاجزا‪ .‬قال العقيد‬ ‫قبل ذلك‪ .‬قال محمود وصالح‪ :‬صحيح‪ ،‬هو مجاهد وبطل‪ّ ،‬‬
‫جدي‪ .‬نعم‪ ..‬هو رجل بارود ّ‬
‫ولكنه ليس‬ ‫لعموري‪ :‬هذه منطقتكم فمن تقترحون؟ قاال‪ :‬مقداد ّ‬
‫ّ‬
‫برجل للتسيير‪.‬‬
‫كل ّ‬ ‫تدنى مستوى منطقة ّ‬ ‫ّ‬
‫النواحي‪ ،‬فمن الجانب‬ ‫تبسة بشكل رهيب في ّ‬ ‫ومن ّثمة‬
‫حتى صارت جماعات حسب القبيلة‪ّ ،‬‬ ‫النواحي عن بعضها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تفككت ّ‬ ‫القتالي أو ّ‬
‫ثم‬ ‫التنظيمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اللقب‪ ،‬وانفلت األمر‪ ،‬لم تبق هناك طاعة وال ثقة‪ ،‬نتيجة لذلك ّ‬ ‫ّ‬
‫قرر فرحي الطاهر‬ ‫حسب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العضو بقيادة املنطقة‪ ،‬الدخول إلى الجزائر‪ ،‬حتى قبل أن يشفى من جراحه‪ ،‬رغم رفض‬
‫والرجوع إلى القتال قبل‬‫مني إقناعه بعدم املغامرة ّ‬‫السماح له‪ ،‬وقد طلبوا ّ‬ ‫األطباء وعدم ّ‬
‫ُ‬
‫حدثته قال لي‪ :‬اسمع يا علي‪ ،‬أقسم أن ال أبقى في تونس التي ّ‬ ‫فلما ّ‬ ‫شفائه‪ّ ،‬‬
‫تغير فيها‬
‫ّ‬
‫املجاهدون‪ ،‬وصار مالهم يصرف في الفنادق‪ ،‬وأن ال أرجع لها إال إذا كنت محموال كما‬
‫ّ‬
‫دخلتها سابقا من معركة تازربونت‪ ،‬وسأعيش إلى جانب الشعب بالداخل‪.‬‬
‫ودخل البطل رفقة أفراد حوالي ‪ 12‬رجال للجزائر‪ ،‬وكتفه ينزف دما‪ ،‬ألنه سأل‬
‫ّ‬
‫املظل ّيين والحركى من جهة‪ ،‬وما ُي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عين‬ ‫الشعب الذي صار بين نارين‪ ،‬فرق‬ ‫الشهادة‪ ،‬أو مؤازرة‬
‫مؤهلين‪ ،‬من حيث الجانب األخالقي‬ ‫مالية وأفراد جهلة غير ّ‬
‫من قيادة املنطقة من لجان ّ‬
‫‪72‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالرجال‪ ،‬وفسادا في النساء‪ ،‬ما ّأدى إلى هروب‬ ‫والثقافي من جهة أخرى‪ ،‬لقد عاثوا ظلما ّ‬
‫للعدو وصار ّ‬‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫حركيا‪.‬‬ ‫حتى سلم نفسه‬ ‫الناس إلى املدن‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬
‫الشعب واملناضلين كبيرة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫لكن فرق‬ ‫وملا دخل فرحي الطاهر‪ ،‬كم كانت فرحة أفراد‬
‫ص َدقوا‬
‫السالح‪ ،‬ومن رجال َ‬‫التونس ي‪ ،‬لخشيتهم من ّ‬ ‫تترصد من يدخلون من القطر ّ‬
‫العدو ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ملوثين مثلما ّ‬
‫بلدهم‪ ،‬وغير ّ‬
‫فبمجرد دخوله‬ ‫وأما الطاهر فرحي‬ ‫تلوث من انغمسوا في الفساد‪،‬‬
‫تابعه العدو‪ ،‬فاستشهد ومن معه شهر أكتوبر ‪1957‬م‪ ،‬فحزن عليه قائد الجيش الفرنس ي‬
‫الرجل ّ‬ ‫ّ‬
‫بالشريعة ّ‬
‫وتأسف‪ ،‬وعاتب ّ‬
‫ضباطه قائال‪ :‬لو جئتم بهذا ّ‬
‫حيا القتسمت معه رتبتي‪.‬‬
‫قال‪ :‬العرب ّ‬
‫طحانين‪.‬‬
‫ُ‬
‫ّأما العقيد العموري وتحركاته ومحاوالته إلصالح ما أفسد‪ ،‬فقد استشعر محمود‬
‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫وضمه إلى ما ّ‬
‫منه خطرا‪ ،‬فأقاله من قيادة الوالية‪ّ ،‬‬
‫رقية‪،‬‬ ‫يسمى قيادة أركان الحدود‬
‫بقيادة العقيد محمدي ّ‬
‫السعيد‪ ،‬واألعضاء هم‪ :‬العقيد عمارة بوقالز‪ ،‬العقيد العموري‪،‬‬
‫الرائد بن عودة ّ‬
‫عمار‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ورغم إبعاده عن قيادة الوالية وتكليفه بأمور التسلح‪ ،‬واصل العموري اتصاله‬
‫ّ‬
‫بالوحدات املسلحة بالحدود‪ ،‬وإرسال الخطب إليهم وزرع الحماسة في نفوسهم‪ ،‬ذلك ما‬
‫بالصدفة بفريانة‪ ،‬إذ جاء في زيارة تفتيش لقيادة منطقة ّ‬
‫تبسة‪ ،‬عندما‬ ‫حضرته ذات يوم ّ‬
‫نزلت بمركز تاالبد‪ ،‬وجدت أفراد الحراسة من املجاهدين يشتكون ّ‬
‫مما قال لهم العقيد‬
‫مدنيا كثير األلوان‪ ،‬قال لهم‪ :‬أنتم‬ ‫ّ‬ ‫السالح وهم يلبسون لباسا‬ ‫العموري‪ ،‬أثناء تقديم ّ‬
‫مدنيون‪ ،‬وهذا مركز للمجاهدين يأتون جرحى ومرض ى‪ ،‬اذهبوا إلى بيوتكم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫وما أغاضهم أكثر هو عدم ّرد أعضاء قيادة املنطقة‪ ،‬وهكذا بعد جولته بمصالح‬
‫املنطقة جاء للمركز استعدادا للمغادرة من فريانة‪ ،‬جاؤوا باألفراد أنفسهم لتقديم ّ‬
‫السالح‪،‬‬
‫تعثر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصغير ّ‬ ‫ّ‬
‫فتقدم ّ‬
‫فتقدمت دون إذن‪ ،‬وقلت‪ :‬ما‬ ‫التيجاني ليقول كلمة لتوديع العقيد‪ ،‬لكنه‬
‫ّ‬
‫ويتعرفون عليه‪ ،‬وهذه طبيعة األمور‪،‬‬ ‫عرف على مرؤوسيه‬ ‫يخيفك؟ ّإنه عقيد جاء في زيارة ّ‬
‫للت ّ‬
‫وأنتم املجاهدون‪ ،‬لم يأت العموري لتوزيع الكعك والحلوى‪ ،‬وأنتم مجاهدوا ‪ 55‬و‪،56‬‬
‫خضتم املعارك الكبرى‪ ،‬وإن يقبل ننزع لباسنا ليرى ما بأجسادنا من آثار‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫بعد انتهاء كلمتي أدرك العموري أنني كنت أقصده‪ ،‬وبذلك طلب إلقاء كلمة بعدما‬
‫ّ‬ ‫ثم اعتذر ّ‬ ‫شكرني على كلمتي‪ّ ،‬‬
‫مما بدر منه‪ ،‬وأنه لم يقصد سوء‪ ،‬وقال‪ :‬أنا أعرف معارك‬
‫أتمنى أن أحضر إحداها واستشهد فيها‪ .‬أثناء ذلك قال لقادة املنطقة‪:‬‬ ‫السادسة‪ّ ،‬‬ ‫املنطقة ّ‬
‫فوجه لهم توبيخا‪ ،‬وقال‪ :‬اسمع يا أخ علي‪ّ ،‬‬
‫إن‬ ‫بمهمة؟ قالوا‪ :‬ال‪ّ .‬‬ ‫الرجل ّ‬ ‫هل ّكلفتم هذا ّ‬
‫الجماعة قد وضعوك نصب أعينهم‪ ،‬عندما أرسل إليك فالتحق بي في ّ‬
‫الدهماني‪.‬‬
‫علي سالما ّ‬‫سلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولم يطل األمر ّ‬
‫حارا‬ ‫حتى أرسل لي العقيد‪ ،‬ووجدته بمركز التسليح‪،‬‬
‫وقال‪ :‬اصبر حتى أجد لك منصبا يليق بك‪ .‬وكنت ال أعلم أنه على خالف مع قائد هيئة األركان‬
‫السعيد‪ .‬ومن ّثمة غاب إلى نقل املركز إلى ريبة قرب قلعة سنان بمحاذاة الحدود في‬ ‫محمدي ّ‬
‫التيجاني‪،‬‬‫والصغير ّ‬ ‫الناصر ّ‬ ‫جدي مقداد ومشري محمد ّ‬ ‫كل من ّ‬ ‫مارس ‪1958‬م‪ ،‬هناك جاءني ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وطلبوا ّ‬
‫مخصص‬ ‫مني مرافقتهم لتولي قيادة مركز مزرعة مقراني‪ ،‬جنوب بلدة تالة‪ ،‬وهو مركز‬
‫حتى‬‫علي ّ‬
‫ألحوا ّ‬‫ولكنهم ّ‬ ‫والتموين واأللبسة‪ ،‬فرفضت ّ‬ ‫السالح ّ‬ ‫لراحة أفراد املجاهدين وتخزين ّ‬
‫سجل اسمي ضمن‬ ‫أن العقيد قد ّ‬ ‫قبلت شرط أن يكون ذلك لفترة وجيزة فقط‪ ،‬وأنا ال أعلم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية بقيادة عبد هللا بلهوشات‪ ،‬تدخل الجزائر للمراقبة بوالية الشرق‪ ،‬وبذلك‬ ‫لجنة‬
‫قياديا بالجيش‪ ،‬وكان ذلك ما رجوته‬ ‫ّ‬
‫حرموني شرف الدخول إلى الجزائر‪ ،‬حتى ال أنال منصبا ّ‬‫ّ‬
‫وقتها‪.‬‬
‫ضده سنة ‪1958‬م‪ ،‬ولخوفهم من دخول‬ ‫مرد ّ‬ ‫لكن عندما أعلن جنراالت ديغول ّ‬
‫الت ّ‬
‫والرائد صالح بن‬ ‫السعيد ّ‬ ‫كل من العقيد محمدي ّ‬ ‫املتمردين من الجيش الفرنس ي‪ ،‬جاءني ّ‬ ‫ّ‬
‫إلي ّ‬ ‫بتحمل مسؤولية حماية الحدود‪ّ ،‬‬
‫وضما ّ‬ ‫فكلفاني ّ‬ ‫ّ‬
‫كل من علي بن يونس بما لديه من‬ ‫علي‪،‬‬
‫ّ‬
‫السالم املدعو الشيخ‪ ،‬وصرت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحاجي املكي والط ّيب عبد ّ‬ ‫ّ‬
‫أنسق مع املنطقة‬ ‫جيش‪،‬‬
‫مرد‪ ،‬بينما قيادة الحدود وقتها منشغلون بتشكيل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية الت ّ‬ ‫الخامسة‪ ،‬إلى أن فشلت‬
‫املحكمات ملحاكمة األبطال من الوالية األولى أوراس اللمامشة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صرح به عبد هللا بن طوبال ذات ّ‬
‫ذلك ما ّ‬
‫مرة‪ ،‬على ما اتفقوا عليه عندما دخلوا‬
‫أن محمود صار‬‫خاصة ّ‬
‫والتصفية‪ّ ،‬‬ ‫يصفي من يعترضه بالقتل ّ‬‫لكل قائد أن ّ‬ ‫القطر ّ‬
‫التونس ي‪ّ ،‬‬
‫يسمى صاحبه‪ ،‬هذا قول عبد هللا بن طوبال‪ ،‬وهكذا‬ ‫حتى صار ّ‬‫مدعوما من كريم بلقاسم‪ّ ،‬‬
‫ّتمت تصفية أبطال‪ ،‬عجزالجيش الفرنس ي على تصفيتهم‪ ،‬وكانت البداية كاآلتي‪:‬‬
‫‪74‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫بوازدية ّ‬
‫التومي‪ -4 .‬لزهر‬ ‫ّ‬ ‫من منطقة تبسة‪ -1 :‬دريد لزهاري‪ -2 .‬بوزيد مجور‪-3 .‬‬
‫ّ‬
‫شريط‪ -5 .‬بلحسين محمد بن علي‪ -6 .‬شوشان الباهي‪ -7 .‬حوحة بلعيد‪ّ -8 .‬‬
‫عباس الغرور‪-9 .‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عواشرية محمد‪ -12 .‬العقيد العموري قتل ببشاعة‬ ‫مصطفى لكحل‪ -10 .‬أحمد نواورة‪-11 .‬‬
‫بالسيالن‪ 1‬داخل صندوق‪.‬‬‫مقيدا ّ‬‫ّ‬
‫في الوقت ّالذي احتفظ قادة الواليات األخرى بأبطالهم رغم أخطائهم‪ّ ،‬‬
‫حتى صاروا‬
‫بمد الخطوط باألسالك‬ ‫رموزا‪ ،‬وفي الوقت ّالذي يقوم فيه الجيش الفرنس ي على قدم وساق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املدفعيات ونقاط اإلنذار وغيرها‪ ،‬ذلك من أجل غلق‬ ‫الشائكة واملكهربة‪ ،‬واأللغام ونصب‬
‫الحدود على ّ‬
‫الداخل والخارج‪.‬‬
‫ّ‬
‫بينما كان عقداؤنا وغيرهم بالحدود يقيمون حفالت األعراس‪ ،‬ويسكنون الفيالت‬
‫الدخول إلى‬‫ويسيرون قيادتهم باملراسالت عن بعد‪ ،‬لدفع فرق املجاهدين إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫باملدن‪،‬‬
‫أي وقت من صيف أو شتاء دون‬ ‫الجزائر‪ ،‬بحموالت من بنادق وذخائر ومؤن وماء‪ ،‬وفي ّ‬
‫ترتيبات‪.‬‬
‫كنا نبكي مما يجري من انهيار أخالقي وتنظيمي في قيادتنا‪ ،‬ما خفنا أن ّ‬
‫يؤدي‬ ‫نعم‪ ..‬لقد ّ‬
‫عبر عنه علي األملاني ذات مساء ونحن ّ‬ ‫الثورة‪ ،‬ذلك ما ّ‬ ‫ّ‬
‫نتحدث‪ ،‬بعد فترة تدريب‬ ‫إلى فشل‬
‫ّ‬
‫نوعية البازوكا‪ ،‬بعد أن جاءني للمركز بصحبة سعدي سليم‪ ،‬جلسنا نتحدث في‬ ‫للجنود على ّ‬
‫ّ‬ ‫الثورة‪ ،‬من انهيار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتسيب بسبب تقاعس القيادات الذين منهم عبد‬ ‫الوضع الذي وصلت إليه‬
‫الضابط العسكري للوالية األولى‪ ،‬قال‪ :‬نراسله من أجل مواد تصنيع األلغام وال‬ ‫هللا بلهوشات ّ‬
‫ّ‬ ‫حتى ّ‬ ‫نتلق ّ‬
‫الرد‪ .‬وقال‪ :‬اسمع يا مجاهد‪ ،‬إن استقلت الجزائر فبسببكم أنتم البسطاء‪.‬‬
‫فر من ّ‬ ‫اللفيف األجنبي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تبسة سنة ‪1955‬م‪،‬‬ ‫ذلك هو علي األملاني وهو فرد من‬
‫مهما في تفجير العديد من‬ ‫متخصص في صنع األلغام‪ ،‬حيث لعب دورا ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحق باألوراس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الد ّبابات لحماية الحدود من تدخل الدبابات‪ ،‬إلى أن نال الشهادة هناك أثناء زرع لغم سنة‬
‫ّ‬
‫‪1959‬م‪.‬‬

‫السيالن‪ :‬بلهجة تبسة بكسر السين وتشديدها هو حبل حديدي رقيق وقوي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪75‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫للطلب ّ‬
‫للتخلص من‬ ‫مني بالخروج إليهم بالجبال‪،‬‬ ‫ذلك ما يدفع بقادة فرق الحدود‬
‫ّ‬
‫الثوري‪ ،‬ورميه إلى مرؤوسيهم‪ ،‬حتىّ‬ ‫ّ‬
‫قيادتهم‪ ،‬ملحاسبتهم على فسادهم وتخليهم عن واجبهم‬
‫أردهم عن ذلك‪ ،‬وأقنعهم‬ ‫نسوا ما عليهم من واجبات تجاه شعبهم داخل الجزائر‪ّ ،‬‬
‫لكنني كنت ّ‬
‫ّ‬
‫بتجنب الوقوع في الفتنة‪.‬‬
‫يمر ّ‬
‫علي بسالم‪ ،‬ذلك عندما جاءني مقداد إلى املركز طالبا مني‬ ‫لكن ذلك أيضا لم ّ‬ ‫ّ‬
‫ق ّ ّ‬
‫لظنهم أنني قد‬ ‫مرافقته إلى فرق الحدود لزيارتهم‪ ،‬ذهبنا معا‪ ،‬وكم كانت فرحة تلك الفر‬
‫ّ‬ ‫ُسمح لي باإللتحاق بهم‪ ،‬لكن يا لخيبة أملهم عند مغادرتي‪ ،‬وقفوا صفوفا متر ّ‬
‫اصة وشكلوا‬
‫الرجل يأتينا لضرب فرنسا‪ .‬فما‬‫لوحة لن أنساها‪ ،‬ونادوا بأعلى أصواتهم‪ :‬يا مقداد‪ ،‬أطلقوا ّ‬
‫كان من مقداد ّإال أن أسرع ّ‬
‫بالس ّيارة ليبتعد ّ‬
‫عما يسمع‪.‬‬
‫بالتحريض ّ‬
‫ضد القادة‪،‬‬ ‫تمرد بعض الفرق على قادتهم‪ ،‬فاتهمت أنا ّ‬ ‫وبعد فترة وجيزة ّ‬
‫فبلغني استدعاء من صالح بن علي للقدوم إلى مكتبه بتالة‪ ،‬ووجدت ّ‬
‫كل أعضاء املنطقة في‬
‫ضدهم‪ ،‬فماذا‬ ‫إن مجلس قيادة املنطقة ّاتهموك ّ‬
‫بالتحريض ّ‬ ‫انتظاري‪ ،‬قال صالح‪ :‬األخ علي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الرجال ّ‬ ‫تقول؟ قلت‪ :‬س ي صالح‪ ،‬أنت تعرف أنه قد كان لي من ّ‬
‫والسالح‪ ،‬ولم أفكر في ذلك‪،‬‬
‫فكيف أفعل اآلن وأنا مسؤول على مرض ى وجرحى‪ ،‬وبأفراد حراسة‪ ،‬وهذا جوابي ولن أجيب‬
‫أي مسؤول آخر‪ ،‬وإن أردتم قتلي فاقتلوني كما قتلتم الذين من قبلي‪ .‬فسكت صالح‬ ‫على ّ‬
‫وسكت الجميع فترة‪ّ ،‬‬
‫ثم نطق وقال‪ :‬الجلسة مرفوعة إلعادة البحث‪.‬‬
‫ولم يمر وقت طويل حتى استدعاني صالح بن علي إلى مكتبه بتالة‪ ،‬واستقبلني‬
‫بحفاوة‪ّ ،‬‬
‫ثم قال‪ :‬سامحنا لوجه هللا فقد ظلمناك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعد ّ‬
‫مدة من ذلك زارني العقيد العموري بوفد كبير‪ ،‬باملركز وأنا ال أعرف أنه قد عاد‬
‫سرّية‪ ،‬بعد جولة قصيرة باملركز‪،‬‬‫من القاهرة‪ ،‬وقد كان على خالف مع القيادة‪ ،‬وبطريقة ّ‬
‫ّ‬ ‫مني أن ّ‬ ‫طلب ّ‬
‫نتحدث بمكتبي‪ ،‬سألني عن حال املجاهدين وما يفكرون به تجاه قادتهم‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬ ‫يعلمني بما هو مقدم عليه‪ ،‬وكان ذلك خطأ منه‪ّ ،‬‬
‫ثم ألقى كلمة على أفراد املركز‪ ،‬ذكرهم بما‬
‫ّ‬
‫يعانيه الشعب الجزائري داخل الجزائر‪ ،‬وبعد حديث قصير وعدني بالعودة‪ ،‬ولم يطل‬
‫عواشرية والعقيد نواورة أحمد ّ‬
‫والرائد بلهوشات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حتى جاء خبر اعتقاله هو والعقيد‬ ‫الوقت ّ‬

‫‪76‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الشريف مساعدية وصالح ّ‬ ‫ّ‬


‫السوفي‪ ،‬والعيساوي‪ .‬وهكذا أعطى العقيد‬ ‫وأحمد دراية ومحمد‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ذهبية ملحمود الشريف وقادة مؤتمر ّ‬‫العموري ورفاقه فرصة ّ‬
‫الصومام للتخلص من بقايا‬
‫قيادة الوالية‪.‬‬
‫ّ‬
‫مؤتمرالقاهرة للمجلس الوطني للثورة أوت ‪1957‬م‬
‫تقرر فيه زيادة أعضاء املجلس إلى ‪ 54‬عضوا‪ ،‬بحيث يشمل أعضاء املجلس ّ‬
‫األول‬ ‫ّ‬
‫التنسيق ّ‬
‫والتنفيذ من ‪ 5‬إلى ‪ 14‬عضوا على أن تشمل من‬ ‫بزيادة عضوين‪ ،‬وزيادة أعضاء لجنة ّ‬
‫السجن سواء من كانوا بباريس أو الجزائر مثل‪ :‬رابح بيطاط‪ ،‬وقد ّوزعت اللجنة‬ ‫هم في ّ‬
‫املهمات على الحكومة ّ‬
‫كالتالي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫للشؤون اإل ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرحات ّ‬
‫عالمية‪.‬‬ ‫عباس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كريم بلقاسم ّ‬
‫العسكرية‪.‬‬ ‫وعمار بن عمارنة وعبد الحفيظ بوصوف للشؤون‬
‫ّ‬
‫للشؤون ّ‬
‫الس ّ‬
‫ياسية‪.‬‬ ‫محمد األمين ّدباغين‬
‫الد ّ‬ ‫ّ‬
‫للشؤون ّ‬
‫اخلية‪.‬‬ ‫األخضر بن طوبال‬
‫عباس‪ ،‬رمضان‬ ‫تضم إلى جانب ّ‬
‫السجناء‪ :‬فرحات ّ‬ ‫والتنفيذ ّ‬ ‫التنسيق ّ‬ ‫وأصبحت لجنة ّ‬
‫ّ‬
‫عبان‪ ،‬بوصوف‪ ،‬كريم بلقاسم‪ ،‬محمود الشريف‪ ،‬ملين ّدباغين‪ ،‬األخضر بن طوبال‪ ،‬عبد‬ ‫ّ‬
‫الحميد مهري‪ ،‬سعد دحلب‪.‬‬
‫املؤقتة‪ ،‬برئاسة فرحات ّ‬‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫عباس رئيسا‬ ‫وفي ‪ 19‬سبتمبر ‪1958‬م شكلت الحكومة‬
‫اخلية‪ ،‬عبد الحفيظ‬ ‫للدفاع‪ ،‬عبد هللا بن طوبال وزيرا ّ‬
‫للد ّ‬ ‫للوز اء‪ ،‬كريم بلقاسم وزيرا ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جتماعية‪ ،‬ملين ّدباغين وزيرا‬
‫ّ‬ ‫بوصوف وزيرا للمواصالت‪ ،‬يوسف بن خدة وزيرا للشؤون اإل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخارجية‪ ،‬محمود الشريف وزيرا للتسليح‪ ،‬عبد الحميد مهري وزيرا لشؤون شمال‬ ‫للشؤون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إفريقيا‪ ،‬أحمد بن بلة نائبا أوال لرئيس الحكومة‪ ،‬أحمد توفيق املدني وزيرا للثقافة‪ ،‬آيت‬
‫للدولة‪ ،‬أحمد فرنسيس وزيرا لإلقتصاد‪،‬‬ ‫للدولة‪ ،‬ابح بيطاط وزيرا ّ‬ ‫أحمد حسين وزيرا ّ‬
‫ر‬
‫للدولة‪ ،‬محمد يزيد وزيرا لإلستعالمات‪.‬‬ ‫مصطفى ا َالشرف وزيرا ّ‬

‫‪77‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫أوهام سلم الشجعان في مارس ‪1960‬م‬
‫طرحت مجموعة قادة أركان الوالية ّ‬
‫الرابعة‪ ،‬على رأسها العقيد صالح اقتراحا على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واستمرت اإلتصاالت غير‬ ‫الفرنسية‪ ،‬للشروع في مفاوضات لوقف القتال‪،‬‬ ‫السلطات‬
‫تكفل املتآمرون ألنفسهم ومرؤوسيهم وبعض قادة مناطق‬ ‫مدة ثالثة أشهر‪ ،‬وقد ّ‬‫الرسمية ّ‬ ‫ّ‬
‫الشجعان‪ ،‬غير ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثالثة ّ‬
‫أن‬ ‫والسادسة‪ ،‬اإلتفاق على اإلستسالم‪ ،‬بشروط سلم‬ ‫الواليتين‬
‫سرا في قصر اإلليزيه في منتصف ذلك العام‪ ،‬لم يعطه جوابا‬ ‫ديغول ّالذي استقبل صالحا ّ‬
‫ّ‬
‫وحيثياتها أكثر ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬ ‫محددا‪ ،‬يعني ّ‬
‫ّ‬
‫مما يعرفه صالح‪.‬‬ ‫ائرية‬ ‫أن ديغول يعرف عن‬
‫وعلى غرار سنة ‪1960‬م و‪1961‬م أعلنت فرنسا مرارا استسالم مجموعات من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمردين _حسب وصفهم_ في مختلف مناطق الجزائر‪ ،‬بينما في املقابل كثفت قيادة جيش‬
‫تخصصة ملواجهة‬ ‫للتدريب بالحدود‪ ،‬وتكوين اإلطارات امل ّ‬ ‫التحرير جهودها‪ ،‬إلنشاء مراكز ّ‬ ‫ّ‬
‫السياس ي ّ‬
‫والنفس ي‬ ‫العامة لإلعداد ّ‬
‫حددت املبادئ ّ‬ ‫الحرب الحديثة من طرق وأساليب‪ ،‬كما ّ‬
‫التحرير هو‬ ‫لكل مجاهد وقائد في جيش ّ‬ ‫التحرير‪ ،‬والهدف األساس ّ‬ ‫واملعنوي ألفراد جيش ّ‬
‫وإن ّ‬ ‫اطية‪ّ ،‬‬
‫الشعب وخلق دولة ديمقر ّ‬ ‫ّ‬
‫القوة‬ ‫تحرير الوطن من اإلحتالل‪ ،‬وإرساء سيادة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األساسية لجيشنا تكمن في اإلنضباط ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫طوعي‪ ،‬وإلزام كل املجاهدين بتطبيق األوامر بدقة‬
‫متع بحق تقديم اإلقتراحات‪ ،‬وإبداء املالحظات كما يجب عليه أن‬ ‫والت ّ‬
‫ودون قيد أو شرط‪ّ ،‬‬
‫معينة‪ ،‬يمكن أن يناقض هيبة الجيش واملبادئ اإل ّ‬ ‫أن سلوكه في ظروف ّ‬ ‫يتذكر دوما ّ‬‫ّ‬
‫سالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كل فرد أو جماعة قبول ّ‬ ‫وعلى ّ‬
‫كل ما يمكن أن يترتب عليه من تضحيات واإلقدام على بعض‬
‫تردد في سبيل مصلحة ّ‬
‫األمة‪.‬‬ ‫بكل صبر وثبات ودون حدوث خلل أو ّ‬ ‫املخاطر‪ّ ،‬‬
‫عقد مؤتمرليبيا ماي ‪1962‬م ّ‬
‫وتأزم الوضع أكثر‬
‫ّ ّ‬
‫وحتى الذين دخلوا انقسموا داخل‬ ‫حيث انسحب البعض قبل دخول قاعة املؤتمر‪،‬‬
‫ائرية‪ ،‬إذ كان أغلبهم برتب انتهازيةّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة الجز ّ‬ ‫ّ‬
‫سوقية ال تليق بسمعة‬ ‫القاعة‪ ،‬وتبادلوا كلمات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وساسة مهووسين‪ ،‬ومن الذين لم يدخلوا القاعة كريم بلقاسم وزير الدفاع‪ ،‬وبوضياف وآيت‬
‫ّ‬
‫سياسيين وعسكرّيين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أحمد‪ ،‬ومن اتبعهم من‬
‫أسماء من حضروا باالسم أو بالوكالة‪:‬‬
‫‪78‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن مجلس الثورة‪ :‬أحمد بن بلة‪ ،‬خيضر‪ ،‬بيطاط‪ ،‬أحمد منجلي‪.‬‬
‫عباس‪ ،‬أحمد فرنسيس‪.‬‬ ‫عن البيان‪ :‬فرحات ّ‬
‫عن هيئة األركان‪ّ :‬‬
‫هواري بومدين‪ ،‬علي منجلي‪ ،‬قايدي أحمد‪.‬‬
‫الطاهر‪ ،‬محمد ّ‬
‫الصالح يحياوي‪ ،‬محفوظ إسماعيل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫عمار‬ ‫عن الوالية األولى‪ :‬زبيري‬
‫ّ‬
‫مالح‪.‬‬
‫ّ‬
‫عن الوالية الثانية‪ :‬ا ّلر ّواد‪ :‬العربي امليلي‪ ،‬صالح صوت العرب‪ ،‬رابح لوصيف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن الوالية الثالثة‪ :‬سعيد بربوش‪ ،‬آكلي محمد أوالحاج‪ ،‬الط ّيب صديقي‪ ،‬حمدي‬
‫حسن‪.‬‬
‫ّ‬
‫الر ّواد‪ :‬أحمد بن الشريف‪ ،‬يوسف بوخروب‪ ،‬بوساحة بورقعة‪.‬‬
‫عن الوالية الرابعة‪ّ :‬‬

‫عباس‪.‬‬ ‫الرائدين‪ :‬بوبكر عبد ّ‬


‫الوهاب‪ ،‬جنان ّ‬ ‫عن الوالية الخامسة‪ :‬العقيد عثمان‪ّ ،‬‬

‫عمار صخري‪.‬‬ ‫السادسة‪ :‬محمد شعباني‪ ،‬رويبة سليمان‪ ،‬خير ّ‬


‫الدين‪ّ ،‬‬ ‫عن الوالية ّ‬
‫نعم‪ ..‬لقد كشف ذلك املؤتمر عن مدى خسارة الجز ّ‬
‫ائريين‪ ،‬وارتهان مستقبلهم على‬
‫الرتب الكبيرة والعقول ّ‬
‫الصغيرة‪ ،‬لم يكسبوا من رؤية‬ ‫أغلب من حضروا املؤتمر من أصحاب ّ‬
‫نتهازية فقط‪ ،‬نعم‪ ..‬لقد ّ‬
‫فوتوا على‬ ‫الروح اإل ّ‬
‫والنساء‪ ،‬معنى ذلك هو ّ‬‫ّ‬
‫والرتب‬‫املستقبل ّإال املال ّ‬
‫ّ‬ ‫تعوض‪ ،‬بنظرتهم ّ‬ ‫الجزائر فرصة ال ّ‬
‫الضيقة وفكرهم اإلنتهازي‪ ،‬بأن يتولوا فيها مناصب‬
‫الليبي صاحب القاعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫متهورون‪ ،‬وما ّ‬
‫سامية وهم جهلة ّ‬
‫متأسفا‪ ،‬حيث‬ ‫تحدث به مضيفهم‬
‫أن القادة الجز ّ‬
‫ائريين على هذا الحال من الكر ّ‬
‫اهية والعداء‪.‬‬ ‫أتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫قال‪ :‬لم أكن‬
‫الصورة ّ‬
‫السوداء التي خرج بها أعضاء املؤتمر بليبيا‪ ،‬ودخلوا بها الجزائر‪ ،‬رغم‬ ‫تلك ّ‬
‫ّ ّ‬
‫بالقوة الثالثة برئاسة‬ ‫يوفق بيننا‪ ،‬في الوقت ّالذي ُش ّكل ما ّ‬
‫يسمى‬
‫ّ‬
‫وقف القتال مع فرنسا‪ ،‬لم‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرحمن فارس‪ ،‬ذلك ما ّ‬
‫عبد ّ‬
‫نصت عليه إتفاقية إيفيان‪ ،‬حيث شكلت من أناس غيروطنيين‬
‫يتكتلون أغلبهم من أبناء البادية غير ّ‬
‫مسيسين‪،‬‬ ‫التحرير ّالذين ّ‬‫لكن فرق جيش ّ‬ ‫ّ‬
‫وحتى حركى‪ّ ،‬‬

‫‪79‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫همهم حماية الجزائر بخروج االستدمار الفرنس ي‪ ،‬ولم يعطوا ّ‬ ‫ّ‬
‫ألي معارض للخطى الثورية‬
‫اهتمام‪.‬‬
‫حتى صار كل‬‫والعسكريين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الس ّ‬
‫ياسيين‬ ‫لكن نتيجة لتلك الفرقة والعداء بين القادة ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫تمكن الكثير من ّ‬ ‫يجند ّ‬ ‫ّ‬
‫ضباط وجنود خدموا بالجيش‬ ‫حتى الخونة إلى صفوفه‪ ،‬وبذلك‬
‫ّ‬ ‫الفرنس ي من الرتقاء إلى رتب ومهام في مفاصل ّ‬
‫السلطة‪ ،‬لغفلة القادة الثورّيين وجهلهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة عن طريق املصاهرة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫حتى صاروا املتحكمين في مصيرنا‪ ،‬يرقون ويحرمون من يريدون‪،‬‬
‫الض ّباط‪ ،‬رغم ّ‬
‫الض ّباط ونزول رتب ّ‬
‫وصف ّ‬‫ّ‬
‫أن القتال ما زال‬ ‫حيث أخرجوا كثيرا من الجنود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستمرا في بعض الواليات مثل الوالية الثانية والثالثة ّ‬
‫ّ‬
‫والرابعة‪ ،‬وهناك صراع مع املنظمة‬
‫ّ ّ‬
‫الفرنسية التي تعارض استقالل الجزائر‪ ،‬قامت بأعمال تخريب وخطف وقتل‬ ‫الس ّرية‬‫ّ‬
‫مناضلين بارزين‪.‬‬
‫ّأما ما حدث من أعمال قتال بين جيش الحدود‪ ،‬وجيش بعض الواليات‪ ،‬فقد قام‬
‫الشعب بمحاوالتهم إلطفاء نار الفتنة‪ ،‬بوقوفهم بين املقاتلين شعارهم ّ‬‫ّ‬
‫"ستة سنوات‬ ‫عقالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بركات"‪ ،‬خفف ذلك من أحداث اإلشتباكات‪ ،‬وهكذا واجه أفراد املجاهدين بجيش التحرير‬
‫وانتهازية ّ‬
‫الزعماء وجهلهم لعواقب خالفاتهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وجمة‪ ،‬ومتاعب نتيجة لغرور‬ ‫مصاعب كبرى ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن ّ‬
‫يتحمل انحرافاتهم وأخطائهم القاتلة؟ البسطاء من أفراد الجيش والشعب‪.‬‬
‫وما إن اقترب انتهاء الخالف بين الفرقاء‪ ،‬بعد القبض على شعباني محمد وقتله‬
‫السياس ي ّ‬
‫والتاريخي ذلك سنة ‪1964‬م‪ ،‬وما زاد‬ ‫وجه ّ‬ ‫ملعارضته سياسة الحكومة‪ ،‬من حيث ّ‬
‫الت ّ‬
‫التحرير هو محاولة ملك املغرب سنة ‪1963‬م اإلستيالء على مدن‬ ‫في مصاعب أفراد جيش ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫تم اتفاق وقف القتال‪،‬‬ ‫املغربية‪ ،‬حيث دارت معارك وسقط شهداء وجرحى‪ ،‬إلى أن‬ ‫بالحدود‬
‫ّ‬
‫وكان الصلح بين الجزائر واملغرب‪ ،‬حيث بكت نساء وآباء على أبنائهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ماذا كان جزاء أفراد جيش التحريرالذين التفوا حول بومدين‬
‫املؤقتة ّالتي يت ّرأسها يوسف بن ّ‬
‫خدة‪ ،‬وبالتفاف أفراد‬
‫ّ‬
‫أثناء عزله من طرف الحكومة‬
‫كل ذلك وعند استتباب الهدوء‪،‬‬ ‫الصعاب والعوائق‪ ،‬رغم ّ‬ ‫لكل ّ‬ ‫جيش ّ‬
‫التحرير‪ ،‬ومكابدتهم ّ‬
‫الدفاع هواري بومدين‬‫قرر وزير ّ‬ ‫ّ‬
‫والعسكريين مناصبهم ومنافعهم‪ّ ،‬‬ ‫الس ّ‬
‫ياسيين‬ ‫وأخذ القادة ّ‬

‫‪80‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫فجمعوا باآلالف‬ ‫ّالذي عاهد املجاهدين بالحدود على املحافظة عليهم؛ تقليص عددهم‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وسرحوهم من ّ‬ ‫بالحدودين ّ‬
‫ضباط وضباط صف ومن جنود‪ ،‬رغم عنهم وهم يبكون لفراقهم‬
‫وقتلت زوجته‪ ،‬ولم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يتبق له ش يء‪ ،‬فإلى أين‬ ‫العسكريين‪ ،‬ومنهم من ُد ّمر بيته‬ ‫ّ‬ ‫اللباس ورفاقهم‬
‫يجدد به حياته ويبني به أسرة‪ُ ،‬وأدمج بعضهم في ّ‬
‫مهام‬ ‫يلجأ ال بيت وال عائلة‪ ،‬وال يملك ما ّ‬
‫كحراس للغابات‪ ،‬وأغلبهم يعانون األمراض والجراح‪ ،‬حيث عاشوا‬ ‫متعبة‪ ،‬وبمرتبات زهيدة‪ّ ،‬‬
‫الثورة ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اعية بمرتبات زهيدة‪ ،‬ما‬ ‫الزر ّ‬ ‫حياة صعبة وشاقة‪ ،‬ومنهم من ُح ّول إلى تعاونيات‬
‫الرغبة فيها‪ ،‬لكن أين ّ‬
‫املفر؟‬ ‫ضطرهم إلى عدم ّ‬ ‫ا ّ‬

‫ّأما العاجزون عن العمل بسبب األمراض والجراح‪ ،‬فمنهم من تصل نسبة عجزه إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مئة باملئة‪ ،‬فال تعطى له حقوقه وال توثق له تلك النسبة من العطب والعجز‪ ،‬ذلك ما يبيح به‬
‫الروس والبلغار بأمر من بومدين‪ ،‬نعم‪ ..‬لقد عاش أفراد جيش األبطال تلك الفترة‬ ‫األطباء ّ‬
‫بداية من اإلستقالل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومنهم من حالفه الحظ للبقاء في الجيش‪ ،‬وأغلبهم تدنت رتبهم مقابل ما يحملونه من‬
‫خاصة من رمت به األقدار إلى الجنوب‪ ،‬عندما حاول ملك املغرب‬ ‫متاعب داخل وحداتهم‪ّ ،‬‬
‫تحمل أعباءها الذين طردوا‬ ‫الصحراء‪ّ ،‬‬ ‫اإلستيالء على مساحات ومدن بالجنوب بأقص ى ّ‬
‫وضباط فرنسا باملدن‪ ،‬يعيشون في‬ ‫الض ّباط الكبار ّ‬ ‫فرنسا‪ ،‬في الوقت ّالذي قبع فيه ّ‬
‫حق بها‪ ،‬من حيث مستوياتهم‬ ‫تحصلوا عليها‪ ،‬وليس لهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرغد‪ ،‬برتب كبيرة‬ ‫بحبوحة من ّ‬
‫صف فرنسا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضباط ّ‬ ‫اريخية‪ ،‬منهم ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الث ّ‬ ‫ّ‬
‫تخرجوا حديثا من‬ ‫وضباط‬ ‫العلمية أو حتى‬ ‫ورية أو‬
‫ّ‬ ‫الجيش الفرنس ي‪ ،‬صاروا ّ‬
‫يتمتعون بأعلى املرتبات وأيسر املهام‪ ،‬يرعون أبناءهم وزوجاتهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بينما نحن بمرتبات زهيدة رغم ّ‬
‫تنقالتنا هنا وهناك‪ ،‬ما يستهلك كثيرا من مرتباتنا لبعد‬
‫املسافات‪.‬‬
‫الدولة‪ ،‬ولم يرد عليها‬‫منا تقديم شكاو إلى بن جديد رئيس ّ‬ ‫أذكر أنه حاول بعض ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عطايلية محمد‪ ،‬وعندما اطلع على مرتباتنا‪ ،‬من‬ ‫ولعلها لم تبلغه أصال‪ ،‬فعادت الشكاوى إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نقيب ومالزمين وغيرهم‪ ،‬استغرب واعترف ّأنهم ال يعلمون بتدني هذه املرتبات‪ ،‬فذهب إلى‬
‫ّ‬ ‫الشاذلي بن جديد ليعلمه بما حدث لهذه الفئة من ظلم‪ ،‬ما ّ‬ ‫ّ‬
‫نفسيا ألبطال‬ ‫سبب إحباطا‬
‫ف والجنود ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫قدموا للجزائر دماءهم وعرقهم‪ّ ،‬أما مرتبات ّ‬ ‫ّ‬
‫فحدث وال حرج لحالهم‪.‬‬ ‫ضباط الص‬
‫‪81‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫بينما من انخرطوا في الجيش الفرنس ي تكاتفوا‪ ،‬لتمكين بعضهم من أعلى ّ‬


‫الرتب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملرتبات واإلمتيازات‪ ،‬ومناصب ومهام بداخل املدن‪ ،‬في الوقت الذي ُيرمى بأفراد املجاهدين‬
‫الصحراء‪ ،‬ومنهم املعطوبون‪ ،‬وما سبب ذلك؟ ذلك بسبب تمثيل‬ ‫إلى أبعد األماكن بجنوب ّ‬
‫ّ ّ‬
‫بالث ّ‬
‫وريين وكتلة ما ّ‬
‫يسمى ّ‬ ‫ّ‬
‫بضباط فرنسا‪:‬‬ ‫متضادتين؛ كتلة ما يسمى‬ ‫كتلتين‬
‫الشاذلي بن جديد‪ ،‬عبد هللا بلهوشات‪ ،‬عبد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورّيين‪ّ :‬‬
‫الرحمن‬ ‫الزبيري الطاهر‪،‬‬ ‫كتلة‬
‫ّ‬
‫عطايلية‬ ‫السوفي‪ ،‬سليمان روينة‪،‬‬‫عباس‪ ،‬صالح ّ‬ ‫الصالح يحياوي‪ ،‬جنان ّ‬ ‫بن سالم‪ ،‬محمد ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ضباط فرنسا‪ّ :‬‬ ‫كتلة ّ‬
‫شابو عبد القادر‪ ،‬محمد بوتلة‪ ،‬زرقين محمد‪ ،‬عبد املجيد‬
‫عباس غزيل‪ ،‬عبد‬ ‫عالهم‪ ،‬سعدي سليم‪ ،‬العربي بلخير‪ ،‬لطرش عبد املجيد‪ ،‬خالد نزار‪ّ ،‬‬
‫املومن‪ ،‬بوعنان‪ ،‬بشيش عبد املجيد‪ ،‬شلوفي‪ ،‬بوديسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اختل‬ ‫ّإنهما كتلتان غير متوازنتين في املستوى الثقافي والعسكري والفكري‪ ،‬ولذلك‬
‫حكم في مصالح الجيش ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسن قوانينهم‪ ،‬وما كتلة‬ ‫التوازن‪ ،‬ما مكن املنتمون لفرنسا من الت‬
‫شابو عبد القادر رئيس كتلة‬‫وريين ّإال تبع لهم‪ ،‬نظرا لسياسة بومدين ّالذي استولى ّ‬‫الث ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ضباط فرنسا على الجيش وتحكم به في عهده‪.‬‬
‫ّ‬
‫كلمة كبيرة قالها الشهيد بن مهيدي‪ ،‬أثناء وقوعه في األسر‪ ،‬وقبل تنفيذ حكم اإلعدام‬
‫مارية‪ ،‬قال‪ :‬عندما ّ‬
‫نتحررستقع أشياء‬ ‫فيه في مارس ‪1957‬م من طرف جنراالت فرنسا اإلستد ّ‬
‫السلطة‪ ،‬ها نحن في وطيس‬‫فضيعة‪ ،‬سننس ى اآلالم‪ ،‬ونتشاجر من أجل األماكن‪ ،‬من أجل ّ‬
‫الحرب‪ ،‬نعم أريد أن أموت في املعركة قبل ّ‬
‫النهاية‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫مذكرات ّ‬
‫الر ائد عثمان سعدي‪1‬‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫اريخية التي وردت في‬ ‫تصحيح الحقائق‬
‫ّ‬
‫عزها ومجدها‪ ،‬وكلما‬ ‫قوتها‪ ،‬وبناء ّ‬ ‫وخزانها ّالذي تس ّ‬
‫تمد منه ّ‬ ‫الشعوب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التاريخ ذاكرة‬
‫حقيقيا‪ ،‬كان الهيكل قو ّي الجدران شامخ البنيان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واقعيا صادقا‬ ‫كان سرد األحداث‬
‫ّ‬
‫ّأما إن دخله زيغ أو بهتان صار كارثة على األجيال وهدما لألركان‪ ،‬والحقيقة التي ال‬
‫كل لسان حكاية‬ ‫كل شبر من أرضنا ملحمة‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫أن في ّ‬‫تخفى على ذي البصر والبصيرة؛ ّ‬
‫وقصة تضحية‪.‬‬‫بطولة ّ‬
‫تجرؤ ّ‬
‫الرائد‬ ‫املذكرات‪ ،‬هو ّ‬ ‫ّ‬
‫الر ّد على هذه‬ ‫ّ‬
‫مسؤولية ّ‬ ‫الدواعي ّالتي جعلتني ّ‬
‫أتحمل‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫التهم ّ‬ ‫ّ‬
‫والشهداء واإلفتراء عليهم‪ ،‬وتلفيق ّ‬
‫والتلويح إلى بعضهم بما ليس فيهم‪ ،‬فلو‬ ‫على األبطال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كان األمر يتعلق بشخص ّ‬
‫الرائد وافترائه على نفسه‪ ،‬لقلنا كما قال الشاعر‪:‬‬
‫قدام ّ‬
‫قت ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـال‬ ‫فق ُر واإل ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫املشق ُة ساد ّ‬
‫لوال ّ‬
‫الج ـ ـود ي ِ‬ ‫الناس كلهم‬
‫ويدعي ما ليس فيه‪،‬‬‫الرجال ّ‬ ‫ّأما أن يطمس حقائق ويخفي شواهد‪ ،‬وينكر فضل ّ‬
‫ونصحح أخطاء ونصلح فسادا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تحتم علينا أن ّ‬
‫نرد‬ ‫فاملسؤولية ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫جنديا بسيطا‪ ،‬وكنت مسؤوله املباشر‬ ‫فلقد عاش معي فترة من ‪1956‬م إلى ‪1957‬م‬
‫ّ ّ‬ ‫إلى أن انفصل ّ‬
‫عنا بصحبة كتيبة بدري جاب هللا‪ ،‬وإلى القارئ الكريم واملتتبع الشغوف لتاريخ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حقيقي صادق نزيه‪ ،‬أسوق تعليقي وما أردت إال اإلصالح وهللا على ما أقول شهيد‪ ،‬مع أنني‬
‫اعتمدت اإلختصار قد املستطاع‪.‬‬
‫محمد شرشالي ّ‬
‫والر ائد عثمان‪:‬‬
‫الرائد أنه قدمت عليهم مجموعة من مجاهدين بقيادة محمد شرشالي ّ‬
‫ويحدد‬ ‫ّيدعي ّ‬
‫ّ‬
‫تاريخ هذا اليوم ‪1954/12/17‬م‪ ،‬وأنه حمل رسالة إلى والده حاج محمد سعدي من طرف‬

‫مما وجدناه من ّرد املجاهد علي مسعي على ما جاء في مذكرات الرائد سعدي عثمان‪ ،‬وكان املجاهد‬
‫‪ 1‬هذه ّ‬
‫علي مسعي قد انتفض بعد اصدار تلك املذكرات‪ ،‬ونشر ّردا رسميا في جريدة وطنية‪ ،‬وهذه املقتطافات التي‬
‫بين أيدينا سلمها املجاهد األسود مسعي ّ‬
‫ملعد املذكرة يدا بيد‪ ،‬وقد كتبها البطل علي بن أحمد مسعي يوم‪13 :‬‬
‫ماي ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫أن محمد شرشالي كان ضمن جيش اإلحتالل الفرنس ي‪ ،‬وقد‬ ‫شيحاني بشير‪ ،‬والحقيقة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسمى حليق الذيب بواد هالل يوم ‪ 08‬مارس‬ ‫التحق بالثورة أثناء وقوع معركة باملكان‬
‫ّ‬
‫ثالثية القيادة‪ :‬بابانا ساعي _ ّ‬
‫شريط لزهر_ بن عمرجيالني‪.‬‬ ‫‪1955‬م‪ ،‬وهذه املعركة كانت‬
‫ّ‬
‫فالرجل الذي ّادعى أنه أتى برسالة‪ ،‬هو‬
‫إذن كيف يعقل أن ُيقبل مثل هذا الكالم‪ّ ،‬‬
‫الرسالة ّ‬‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤكد ّ‬ ‫كان في ذلك الوقت ّ‬
‫موجهة من شيحاني بشير‬ ‫جنديا بالجيش الفرنس ي‪ ،‬كما‬
‫قائد املنطقة‪ ،‬وقائد املنطقة آنذاك هو مصطفى بن بوالعيد‪ّ ،‬‬
‫والتعليق يبقى للقارئ الكريم‪.‬‬
‫ّ‬
‫الت ّ‬ ‫معركة ّ‬
‫اريخية لألحداث‪:‬‬ ‫الزرقا والحقائق‬
‫ّ‬ ‫ممن عايشوا املعركة‪ ،‬وله دور فيها ويذكر في ّ‬
‫الرائد عثمان أنه ّ‬
‫يقول ّ‬
‫الصفحة ‪ 40‬أننا‬
‫ّ‬
‫العدو الفرنس ي‪،‬‬ ‫بندقية‪ ،‬وهذا لم يحدث في جميع املعارك ّالتي خضناها ّ‬
‫ضد‬ ‫ّ‬ ‫غنمنا ‪150‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويشهد الحاج صالح قائد املعركة أنه لم نحصل على أية بندقية‪ ،‬بل ضاعت منا عدة بنادق‬
‫العدو حيث ّأنها كانت حملة شاملة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظرا للموقع غير املناسب‪ ،‬ونظرا لكثافة‬
‫كما يذكر ّأنه أتتهم نجدة من جبل أم الكماكم‪ ،‬ولم يذكر من هو قائد ّ‬
‫النجدة لحاجة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن قائد هذه ّ‬
‫في نفس يعقوب‪ّ ،‬‬
‫النجدة هو فرحي ساعي الذي ال يذكره إال شاتما‪.‬‬
‫معركة أم الكماكم‪:‬‬
‫أن شيحاني بشير قائد والية أوراس‬ ‫من املهاترات العجيبة ّالتي يذكرها ّ‬
‫الرائد عثمان ّ‬
‫ّ‬
‫اللمامشة وعضو مجلس الثورة‪ ،‬أن ُيرغم ويدخل مغارة ُويغلق عليه بحجر‪ ،‬واملعركة تدور‬
‫رحاها‪ ،‬ويحرسه جندي بسيط مثل عثمان سعدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وكل من ما زال على قيد الحياة ّ‬ ‫ّ‬
‫ممن حضروا املعركة استغربوا وكذبوا‪ ،‬ويبقى‬
‫ّ‬
‫التعليق للقارئ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كما ّيدعي ّ‬
‫أن فرحي املقدادي استشهد بجانبه والحقيقة أنه كان بعيدا عنه بنحو‬
‫‪ 1000‬متر أو أكثر‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫معركة الجديدة‪:‬‬
‫عباس الغرور عندما قدم عليهم ساعي فرحي‬ ‫الرائد عثمان ّأنه كان في حضرة ّ‬
‫ذكر ّ‬
‫ّ‬
‫املدعو بابانا ساعي من الجبل األبيض‪ ،‬ويدلل بذلك على عدم حضور ساعي هذه املعركة‪.‬‬
‫عباس الغرور‪ ،‬وقد ّ‬
‫حدثني‬ ‫أن ساعي حضر املعركة جنبا إلى جنب مع ّ‬‫والحقيقة ّ‬
‫حدثني ساعي عن بطولة‬ ‫عباس الغرور عن بطولة ساعي في هذه املعركة ّ‬
‫بالتحديد‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬
‫الغرور في املعركة نفسها‪.‬‬
‫ثم يذكر تعنيف ّ‬
‫عباس لساعي ووضعه تحت اإلقامة الجبرية قائال بالحرف الواحد‬ ‫ّ‬
‫يسمونه جيش الطكاكة‪.‬‬‫قررت عدم عودتك إلى الجيش ّالذي صاروا ّ‬ ‫على لسان ّ‬
‫عباس‪ - :‬قد ّ‬
‫عباس ال يقول كالما كهذا لساعي‪ ،‬وهما ّ‬
‫بالرتبة نفسها وكالهما عضو‬ ‫والحقيقة‪ّ :‬‬
‫أن ّ‬
‫بالوالية وله قيادة ّ‬
‫خاصة ولم يكن هذا أمام جندي بسيط آنذاك‪.‬‬
‫وإنما ذكر ذلك من نسج خياله ّ‬
‫للتحقير من قيمة ساعي‪ّ ،‬‬
‫ثم يذكر حادثة أغرب ّ‬ ‫ّ‬
‫مما‬
‫ّ‬
‫متخفيا بين الجنود‪ ،‬يدافع عنه جندي ومثلك ( يخاطب‬ ‫أن ساعي كان مطأطأ ّ‬
‫الرأس‬ ‫سبق‪ّ ،‬‬
‫يفرقون بين زئير األسود ونقيق ّ‬
‫الضفادع ولقول أحدهم‪:‬‬ ‫الرائد) ال ينال هذه املكرمة‪ّ .‬‬
‫فالناس ّ‬ ‫ّ‬

‫إذا خاض بعض الكالب فيه‬ ‫ما ّ‬


‫ضر بحر الفراة يوما‬
‫معركة ّ‬
‫الزرداب وا ّدعاءات ّ‬
‫الر ائد عثمان‪:‬‬
‫ّ‬
‫املتكلم اآلمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرائد ّ‬
‫ّيدعي ّ‬
‫الناهي صاحب‬ ‫ويتحدث بصيغة‬ ‫أن له دورا بارزا في املعركة‬
‫ّ‬
‫الصولة والجولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحقيقة‪ّ :‬‬
‫املتحدث (يعني علي مسعي) نيابة عن ساعي الذي‬ ‫أن املعركة كان يقودها‬
‫قد أصيب بوعكة ّ‬
‫صحية قبلها‪.‬‬
‫وأما وصفه البذيء لحالة ساعي‬‫وأعرف حيثياتها وما دار فيها وكلما ّادعاه بهتان وزور‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وإنما كان يقصد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالت ّ‬
‫التحقير من قيمة املجاهد الفذ‪.‬‬ ‫غوط فهذا ال يعتبر عيبا‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫وكل من عرف ساعي ال يقول عنه ّإال أنه شجاع مقدام ال ّ‬
‫يشق له غبار‪ّ ،‬‬
‫ثم يذكر أنه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اجتاز الحدود إلى تونس‪ ،‬بصيغة املتكلم ليفهم من سياق الحديث أنه كان قائدا يقود جيشا‪.‬‬
‫وأي ّ‬
‫كيفية اجتزت الحدود؟ هل كقائد أم‬ ‫بأي صفة ّ‬
‫الرائد هنا) ّ‬‫باهلل عليك ( يخاطب ّ‬
‫ّ‬ ‫كجندي كبقية املجاهدين؟ وتذكر التقاءك ّ‬
‫بحمه بن زروال الذي هو قائد املجموعة‬
‫ثم ما قصد تحركنا بمئة جندي؟ املفروض أن تذكر دورك‪ .‬ونترك ّ‬
‫التعليق‬ ‫للمجاهدين‪ّ ،‬‬
‫للقارئ‪.‬‬
‫معاناة تازبنت‪:‬‬
‫الصفحة ‪ 113 ،112‬من كتاب ّ‬
‫الرائد‪:‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫السكان في حالة يرثى‬ ‫الرائد أنه ترك املجاهدين بالجبل وعاد إلى دشرته ليجد‬ ‫يذكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لها‪ ،‬وغضب من الكبلوتي قائد املجموعة وعنفه واتهمه بالفشل ّ‬
‫وادعى أنه كان يقض ي وقته‬
‫ّ‬
‫العدو‪.‬‬ ‫ويفر من وجه‬ ‫ّ‬
‫متنقال بين الفالحين يأكل املشوي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شخصيا‪.‬‬ ‫ثم يذكر دفاعه عن الفقراء أمام الطاهر بن عثمان‪ ،‬وحواره معي أنا‬
‫ّ‬ ‫والحقيقة واضحة ّ‬
‫جلية نوردها بالتفصيل‪:‬‬
‫ألن معركة ّ‬
‫الزرداب كانت‬ ‫هذه الحادثة مزعومة من أساسها وال أصل لها في الحقيقة‪ّ ،‬‬
‫تحول الجيش إلى الجبال الواقعة بين القطرين ّ‬
‫التونس ي والجزائري‪.‬‬ ‫بداية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في سياقه للحديث يفهم أنه كان قائدا متمكنا‪ ،‬ففي منطق الثورات وفي املنطق‬
‫كل ما ّادعاه غير معقول وقوعه‪ ،‬إذ كيف يمكن أن يقف جندي أمام ضابط‬ ‫العسكري ّ‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬ ‫ويتهمه بالفشل كما ي ّدعي‪ ،‬فيأمر وينهي ويطلب ّ‬ ‫ويطرده ّ‬
‫ويعنفه ّ‬
‫الرحمة بالشعب‪.‬‬
‫الطاهر بن عثمان ّالذي له سيرة عطرة عند ّ‬
‫الناس؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فهل هو أرحم بالشعب من‬
‫الطرق‪ ،‬أنسيت (يخاطب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرائد) جهاده وسبقه في‬ ‫والكبلوتي الذي يصفه بأوصاف قطاع‬
‫ثم ّإنه حضر ّ‬ ‫ّ‬
‫الثورة فهو من مجاهدي ‪1954‬م‪ّ ،‬‬
‫كل املعارك الكبرى مع إخوانه املجاهدين‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬ ‫ّّ ّ‬ ‫ّ‬


‫العدو‪،‬‬ ‫الدكان التي قتلوا بها عددا ال يستهان به من جيش‬ ‫وهم الذين قاموا بمعركة‬
‫ّ‬
‫وجرحوا ضابط مركز املاء األبيض فايص‪ ،‬وغنموا رشاشا عيار ‪ ،24-29‬وكادوا أن يأسروا‬
‫ّ‬
‫فايص لوال تدخل أحد الخونة‪.‬‬
‫وختم حياته في أعظم معركة بتازربونت سنة ‪1957‬م وسقط شهيدا مع زمالئه في ّ‬
‫حر‬
‫ّ‬
‫الصيف‪.‬‬
‫أن علي بن أحمد كان حاضرا أيضا‪ ،‬وصاح في قائال بعد هذا‬ ‫ثم تختم حلمك قائال ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الكالم الذي سمعته منك لن أطلب طعاما من أوالد سعد في املستقبل‪.‬‬
‫ّ‬
‫أوال أنا لم أحضر بتاتا ولم تمثل أنت أوالد سعد سابقا وال الحقا‪ ،‬ففي ذلك الوقت‬
‫فكرة جهاد وحدة ّأمة‪.‬‬
‫وأوالد سعد منهم الحاج عبيد حمدي والحاج الوردي سعدي‪ ،‬هذان ّ‬
‫الرجالن‬
‫ّ‬
‫سخرا ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما يملكان‬ ‫الكريمان اللذان كان يستقبالن املجاهدين بالبشاشة والغبطة‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬
‫للثورة وتموين املجاهدين دون ّ‬
‫من أو أذى‪.‬‬
‫معركة أنوال‪:‬‬
‫الطاهر بن عثمان استدعاه ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ذكر ّ‬
‫ونصبه قائدا لفصيلة بعدما عزل‬ ‫الرائد عثمان أن‬
‫قائدها لعجال‪ّ ،‬‬
‫ثم يقول استشارني في تحديد املواقع وتوجيه األفواج‪.‬‬
‫والحقيقة‪:‬‬
‫الطاهر بن عثمان كان عضوا في مجلس املنطقة‪ّ ،‬أما ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫التعيينات واإلشراف عن‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذه األمور كلها فهي بيد علي بن أحمد مسعي قائد الناحية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن قائد ّ‬
‫ومن املنطق العسكري ّ‬
‫الناحية هو الذي يقوم بتنصيب أو عزل أو تحديد‬
‫الطاهر بن عثمان قام ّ‬‫ّ ّ‬ ‫املواقع وتوجيه األفواج وهو ما وقع بالفعل‪ّ .‬‬
‫بكل‬ ‫ثم لنفترض جدال أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم ملاذا يستشيره وال يستشير قادة‬‫مذكراته؟ ّ‬ ‫ما ّادعاه‪ ،‬ملاذا لم نعلم بذلك إال من خالل‬
‫ّ‬ ‫الفصائل وأبطال املعركة مثل صالح الندوشين‪ّ ،‬‬
‫والسنوس ي سنوس ي‪ ،‬ومعلم خليل‪ ،‬وعيس ى‬
‫الرحمن وغيرهم كثير؟‬ ‫ّ‬
‫وسواملية عبد ّ‬ ‫زارع‪ ،‬وصالحي عمارة‪ ،‬وسالمة أحمد‪،‬‬
‫‪87‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ثم يذكر ّأننا ّ‬
‫ّ‬
‫كنا نجهل وجود وحدات صالح بن علي التي كان يشرف عليها صالح بن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شنينة ّ‬
‫بالنيابة‪ ،‬نظرا لغياب صالح بن علي صحبة محمود الشريف‪ ،‬وهما اللذان بعثا لنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بال ّسالح والذخيرة التي واجهنا بها العدو في هذه املعركة‪.‬‬
‫التنسيق ّالتي جرت بيننا‪ّ ،‬‬
‫فكل ّ‬
‫منا كان‬ ‫والحقيقة ّأنه الوحيد الذي ال يعلم بعملية ّ‬
‫يعرف مكان تواجد صاحبه‪ ،‬أو من كان يجاوره وذلك هو ّ‬
‫سر انتصارنا في تلك املعركة‪.‬‬
‫أن باهي محمد بن عمارة كان حاضرا في‬ ‫ويدعي ّ‬‫كما ّيدعي خروجه مع صالح بن علي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم ّيدعي أنه لم يجد أثرا للطاهر بن عثمان‪ ،‬إشارة إلى‬ ‫هذه املعركة وهو ينفي ذلك ّ‬
‫بشدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو‪،‬‬ ‫فراره من املعركة‪ ،‬واملعروف عن هذا الشهيد أنه صنديد ال يهاب املوت وال يخش ى‬
‫ّ‬
‫وعدته‪ ،‬وهو الذي رفض بقاءه في الحدود ا ّلتونسية مثل ما فعل غيره‪ ،‬وعاد‬
‫مهما كان عدده ّ‬
‫إلى أرض الوطن وجرحه لم يندمل ويقطر دما‪ ،‬رغم إلحاح األطباء على عدم دخوله الجزائر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ولكنه ّ‬
‫قرر أن يموت مع الشعب‪.‬‬
‫العدو وهو في ّقلة من أصحابه‪ّ ،‬‬
‫فلما حمي وطيس املعركة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهل تعلم‪ ..‬عندما حاصره‬
‫ّ‬
‫للعدو فقتلهما قبل أن يصل لهما جنود العدو‪ ،‬وسقط شهيدا‬ ‫رفع رجالن أيديهما استسالما‬
‫بكرامة ّ‬
‫الرجال وشرف األبطال‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫مالك ّ‬
‫وللرجل يا مسكين‪ ،‬وبما تجيب يوم ينفد الهف واللف‪ ،‬وتزعم أنك قتلت مالزما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأخذت رشاشه الذي مازلت أتذكر نوعه أذكرك به فهو رشاش ‪ 24-29‬من صنع فرنس ي‪،‬‬
‫الرشاش هم فصيلة صالح الندوشين وعلى رأسهم صالحي عمارة‬ ‫والحقيقة أن من غنموا هذا ّ‬
‫رحمه هللا‪.‬‬
‫ومن ما ال منهم على قيد الحياة ّ‬
‫يتمنى مناظرتك وإبطال سحرك‪.‬‬ ‫ز‬
‫ردود مختلفة‪:‬‬
‫بابانا ساعي فرحي‪:‬‬
‫والذي كنت ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والخسة وطأطأة ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫ممن‬ ‫الرأس‪،‬‬ ‫الرجل الذي وصفته بأوصاف الجبن‬
‫ّ‬
‫العدو ّ‬
‫والصديق‪ ،‬املرأة‬ ‫تحدثت عن بطل يعرفه‬ ‫يتحاشون ّ‬
‫حتى نظرات عينه‪ ،‬والغريب أنك ّ‬

‫‪88‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬
‫تغنى به الشعراء‬ ‫الشهيرة ّالتي صال فيها وجال‪ّ ،‬‬
‫حتى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وخاصة بعد معركة الجرف‬ ‫ّ‬
‫والرجل‪،‬‬
‫منهم ّ‬
‫شابو كمال‪ 1‬عندما قال‪:‬‬
‫هللا ينصر حزب ّ‬
‫الثوار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما باش يطيع‬ ‫ساع ـ ــي الشجيع وأسـر‬
‫طبرن ـ ـ ــت الق ـ ـ ـ ــار‬ ‫كفره مضابيع حسبوها‬
‫هللا ينصر حزب ّ‬
‫الثوار‬
‫طلق زوجته ّالتي لم يمض على زواجه بها ّ‬
‫السنة‪،‬‬
‫ّ‬
‫تبسة حيث‬‫وهو ّأول من ثار بناحية ّ‬
‫السالح‪ ،‬كان ّ‬
‫ييهئ‬ ‫يحرض على عدم بيع ّ‬ ‫وعمل ّاتصاالت بقرية مسكيانة وواد سوف‪ ،‬وكان ّ‬
‫ونسية‪ ،‬وكان ذلك شهر سبتمبر ‪1954‬م‪ ،‬وهو ّأول‬ ‫للخروج على فرنسا اقتداء باملقاومة ّ‬
‫الت ّ‬
‫حق أقصد بها وجه‬‫وأتحدى من يثبت عكس ذلك‪ .‬كما ّأنني أشهد شهادة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجاهد ّ‬
‫بالناحية‬
‫الرجال وإخالصا لتاريخ هذه ّ‬
‫األمة‪.‬‬ ‫هللا‪ ،‬واعترافا بفضل ّ‬

‫عباس الغرور رحمه هللا‪ ،‬عن‬‫ّإنه ذات مرة تجاذبت أطراف الحديث مع البطل ّ‬
‫ّ‬ ‫بطوالت ّ‬
‫الرجال فقال بالحرف الواحد‪ :‬إثنان عندما يكونان بجانبي في املعركة‪ ،‬أتمثل‬
‫فرد قائال‪ :‬فرحي ساعي وشوشان الباهي‪ّ .‬‬
‫وإنها لشهادة‬ ‫الواحد منهما بفيلق‪ .‬فسألته من هما ّ‬
‫بطل واعتراف صنديد بشجاعة أبطال‪.‬‬
‫تسمية جيش الطكاكة‪:‬‬
‫أن الطكاكة صار لهم جيش عشائري _ عروش ي _‪ ،‬والحقيقة‬ ‫الرائد عثمان ّ‬
‫لقد ذكر ّ‬
‫لألفضلية‪ ،‬ولكن ذهب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الناس في هذه‬ ‫ّ‬ ‫التي يعرفها وينكرها أنه ُس ّمي بجيش الطكاكة ليس‬
‫ّ‬
‫الثورة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التسمية ّ‬
‫فكل من كان قادرا‬ ‫للسبق الثوري‪ ،‬واإلنضمام الكلي ألفراد هذه القبيلة في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫على حمل ّ‬
‫السالح التحق بالثورة وانضوى تحت لوائها‪ ،‬عكس القبائل األخرى التي لها وعليها‪.‬‬

‫‪ 1‬شابو كمال‪ :‬من قبيلة أوالد بوقصة الجالمدة العالونة اللمامشة‪ ،‬كان شاعرا موهوبا ومجاهدا باليد‬
‫واللسان والقلم‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫يضم في صفوفه مجاهدين‬ ‫الرائد عثمان بالعشائري‪ ،‬كان ّ‬ ‫فهذا الجيش ّالذي يصفه ّ‬
‫تونسيين ومغاربة وبعضا من الجنوب وكذلك من الغرب الجزائري‪ ،‬زيادة على وجود بعض‬ ‫ّ‬
‫أبناء العروش األخرى مثل عرش أوالد سيدي يحيى‪ ،‬منهم على سبيل املثال‪ :‬عبد الواحد‬
‫ممن لم أستحضر‬ ‫ّ‬
‫حاليمية وكثير ّ‬ ‫ّ‬
‫عوايطية‪ ،‬صالح‬ ‫عاشوري‪ ،‬أحمد بن حمزة‪ ،‬موال‬
‫أسماءهم‪ ،‬وكذلك الكثير من عرش أوالد ملول‪.‬‬
‫اللهم ّإال في خيالك املريض‪ .‬كما ّ‬
‫أن أفرادا‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫فكيف يكون جيشا بهذه التركيبة عشائريا؟‬
‫من هذه القبيلة في جهات أخرى‪ ،‬وتحت قيادات أخرى منهم على سبيل املثال ال الحصر‪:‬‬
‫عباس الغرور‪ ،‬مسعي صالح بن يوسف‬ ‫بوعون العروس ي املدعو حشحوش استشهد مع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫استشهد باألوراس األشم‪ ،‬بوقطوف رمضان كان في فصيلة الط ّيب الندوشين‪ ،‬صيد لزهاري‬
‫ّ‬
‫املكي استشهد ّ‬
‫ببريش دائرة عين البيضاء‪ ،‬صيد بلقاسم استشهد فدائيا بفرنسا‪ ،‬وهذا‬ ‫بن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لإلستدالل وليس للتباهي‪ ،‬ولتكذيب مزاعم الرائد‪ ،‬والحق ما شهد به األعداء‪:‬‬
‫وحثهم على اإلتصال بأبنائهم‬‫دوار تازبنت يوما‪ّ ،‬‬
‫فلقد جمع ضابط فرنس ي أهالي ّ‬
‫ّ‬
‫قوية والثورة ضعفت‪ ،‬فقال له أحدهم‪ّ :‬إنهم أبناء الطكاكة يا‬ ‫لتسليم أنفسهم‪ ،‬ففرنسا ّ‬
‫فرد عليه بكالم قبيح‪ ... :‬يا ّ‬
‫طحان‪ ،‬أبناء الطكاكة قتلناهم في تازربونت‪،‬‬ ‫سيدي ّ‬
‫الضابط‪ّ .‬‬
‫وماتوا أبطاال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحظ في حمل ّ‬ ‫ّ‬
‫السالح‪ ،‬أعدمتهم فرنسا منهم على سبيل الذكر‪:‬‬ ‫وأما من لم يسعفه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الربيعي بن محمد‪ ،‬فرحي الهادي‪ ،‬مسعي الط ّيب بن‬ ‫بوقطوف الحاج بوزيد‪ ،‬بوقطوف ّ‬
‫بلقاسم‪ ،‬باهي بوعالق بن عمر‪ ،‬فرحي سليمان‪ ،‬فرحي الوردي‪ ،‬فرحي الكامل‪ ،‬باهي محمد بن‬
‫الباهي‪ ،‬وليسوا وحدهم من استشهد من أجل الجزائر فشهداؤنا مليون ونصف املليون‪ ،‬ولي‬
‫ذكرك بمن يؤمن بالعشائرية ويدعو لها‪ :‬أال تذكر أيها ّ‬‫ُ ّ‬
‫الرائد في سنة ‪1957‬م‪ ،‬يوم كنتم‬ ‫أن أ‬
‫علي رغبة في تعيين أحدكم قائدا عليكم‪ ،‬وحضر صالح بن علي عضو‬ ‫تحت قيادتي وخرجتم ّ‬
‫املنطقة آنذاك ليبحث سبب خروجكم على القيادة‪ ،‬قلتم نريد مسؤوال علينا من بيننا !!!‬
‫واقترح عليكم أن تسمحوا له باختيار مسؤول منكم على الكتيبة‪ ،‬واقترحك أنت فرفضوك‬

‫‪90‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ثم اقترح أخاك بشير‪ ،‬ورفضوه بدوره ّ‬
‫باإلجماع ّ‬
‫ثم اقترح جاب هللا بدري فقبلوا باإلجماع‪ ،‬ألنه‬
‫ّ‬
‫عروشية أم ماذا؟‬ ‫كان محبوبا من الجميع‪ ،‬هل هؤالء الطكاكة أم هم أهلك؟ وهل هذه‬
‫عباس الغرورولزهر ّ‬
‫شريط‪:‬‬ ‫القبض على ّ‬

‫إن هذه املسألة تتجاوزك وليس لك املستوى الكافي للخوض فيها‪ ،‬أو فهم أسرارها‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وحيثياتها وخباياها‪ ،‬ومن العبث أن يخوض اإلنسان فيما ال يفهم وال يعي‪ ،‬والحادثة لم تتم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قيادية ال يرقى لها مستوى‬ ‫وإنما أقحمت نفسك في أمور‬ ‫والصيغة التي أوردتها‪.‬‬ ‫بالسهولة‬
‫الجندي وال يسعني في هذا املقام تفسير خباياها‪ ،‬ولم يحن بعد وقته‪ ،‬فلو كان كالمك عن‬
‫عباس الغرور ومعرفتك له ومحبته لك كما ّتدعي‪ ،‬فلماذا لم تقترب منه ولم يقترب منك؟‬ ‫ّ‬
‫ولم تسأل عنه ولم يسأل عنك حينما بقي معنا أكثر من عشرين يوما؟ وهذا دليل على‬
‫هلوستك وافترائك املفضوح من قربك للبطل‪.‬‬
‫قيادة الوالية‪:‬‬
‫الشريف ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصفحتين ‪ 128‬و ‪ّ 129‬‬‫الرائد في مذكرته في ّ‬
‫ذكر ّ‬
‫عين صالح بن‬ ‫أن محمود‬
‫أن محمد لعموري هو الذي ُع ّين على رأس‬ ‫علي على أس الوالية خليفة له‪ ،‬والحقيقة ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوالية‪ّ ،‬‬
‫ثم تاله أحمد نواورة ثم جاء دور صالح بن علي ليخلف أحمد نواورة‪ ،‬والخلط الذي‬
‫ّ‬
‫وقت به نتيجة لجهلك ملا كان يدور في مراكز القيادة آنذاك‪ ،‬وال لوم عليك ألنك كنت جنديا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جليا حينما تذكر ّ‬‫بسيطا‪ ،‬ويظهر تناقضك ّ‬
‫إيجابية في‬ ‫أن محمود الشريف سار خطوات‬
‫توقفت وخال ّ‬ ‫ّ‬ ‫العسكرية‪ ،‬مع ّأنك تذكر ّ‬
‫ّ‬
‫الجو‬ ‫أن املعارك‬ ‫إعادة بناء هياكل الوالية األولى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إيجابيا؟!!‬ ‫للمحتل لبناء خط موريس امللغم واملكهرب‪ُ ،‬أيعقل أن يكون ذلك عمال‬
‫ّ‬

‫الدكتور‬ ‫ّأما اآلن فأنت تعيش أحالم اليقظة‪ ،‬وهو مرض نفس ي ولست أدري أ أغريت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتسرعه وعدم تحقيقه فيما أمليته عليه أم أنه‬ ‫الذي فقد مصداقيته على األقل محليا‪،‬‬
‫أغراك ليكتب في تاريخ األبطال دون رؤية أو دراية‪ .‬وكالكما شاهد ما شافش حاجة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫مقتطفات‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذبح ّ‬
‫الصفحة ‪ ،22‬يذكر ال ّرائد أنه كلف من قائد املجموعة‬ ‫بعنوان عصياني ألمر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عفيف علي بذبح ّ‬
‫عباس الشعشوعي‪ ،‬ما القصد من ذلك يا ترى؟ يبدو أنه الشوق إلى إثارة‬
‫تذمر أهل املقتول‪ ،‬وعفيف‬ ‫بأذني ّ‬
‫الفتنة بين عائالت املقتول وعائالت القاتلين‪ ،‬ولقد سمعت ّ‬
‫بالراعي‪ ،‬أعرفه جيدا‪ ،‬وال يمكن بأ ّي حال من األحوال أن يعص ي له‬ ‫علي ّالذي يصفه ّ‬
‫الرائد ّ‬
‫الرجل ّ‬
‫الشدة والحزم‪.‬‬ ‫جندي ّ‬
‫مجند حديثا أمرا أو يناقشه‪ ،‬فقد عرف عن ّ‬
‫ّ‬
‫والدليل أيضا على غرور االنسان وقلة فهمه للعلوم العسكرية‪ ،‬أن ّيدعي أنه غنم‬
‫ّ‬
‫أن قادة الجيوش ال يحملون معهم‬ ‫خريطة عسكرية في معركة دون تحديد أو إثبات‪ ،‬علما ّ‬
‫خرائط في ساحات الوغى بل تبقى في مكاتبهم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫خامتة الكتاب‬
‫لم يضع املجاهد علي بن أحمد مسعي رحمه هللا خاتمة ملذكراته‪ ،‬يبدو ّ‬
‫أن األحداث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلنفة التي ّ‬
‫تمتعنا بسردها‪ ،‬وعشنا لحظاتها كما هي‪ ،‬كأننا بتقنية األبعاد الثالث‪ ،‬تأبى أن‬
‫تكون لها خاتمة‪.‬‬
‫والتجارب ما يكون عبرة ملا نستقبله من ّ‬
‫الزمان‪،‬‬ ‫لكننا نستنتج من تلك الوقائع ّ‬
‫ّ‬
‫بكل صدق وأمانة ووفاء‬‫فإن البطل علي بن أحمد مسعي كان شاهدا ُيدلي بشهادته ّ‬ ‫وأيضا ّ‬
‫ّ‬
‫للوطن‪ ،‬فكما ذكر لنا أسباب نجاحات الثورة في أوراس اللمامشة ومشاهدها‪ّ ،‬بين لنا أيضا‬
‫ّ‬
‫أسباب ومظاهر اضطرابها في املنطقة‪ ،‬كما أشار البطل إلى آثار ذلك على الجزائر املستقلة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة بعد اسقاط نظام‬ ‫األلفية الثالثة‪،‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬وهذا الذي عاشه جيلي ومن شهد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العصابة الذي كان من مخلفات جنراالت وعمالء فرنسا‪ ،‬وإن كنت أرى وهذا رأيي الشخص ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن عمل الجيش الوطني الشعبي في سنة ‪2019‬م‪ ،‬أي ما قام به الفريق أحمد قايد صالح‬
‫ّ‬
‫رحمه هللا من زعزعة ألركان البيت الفرنس ي العنكبوتي في الجزائر؛ هو ذلك الذي أمل به‬
‫ّ‬
‫البطل علي بن أحمد مسعي وأمثاله من الشرفاء األبطال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومن جهة أخرى ّ‬
‫فإن البطل علي بن أحمد‪ ،‬كان يصف األحداث ويحللها ُويعطي‬
‫متفرج على حياد‪ ،‬بل كان له موقف ومبادئ ثابتة‪ ،‬فنجده حين‬ ‫مجرد ّ‬‫األحكام‪ ،‬إذ لم يكن ّ‬
‫وتسرع‪ ،‬كان دقيقا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جدا حيث‬ ‫وصف ما قام به قادة اللمامشة من ترسيخ للفرقة‪ ،‬بأنه جهل‬
‫الشجاعة والبطولة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن البطل لم ينف عنهم ّ‬ ‫ّ‬
‫لكنه‬ ‫الصدق والوفاء للوطن‪ ،‬ولم ينف عنهم‬
‫بالنسبة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنكر عليهم شغفهم ّ‬
‫لعباس الغرور رحمه هللا‪.‬‬ ‫للسلطة‪ ،‬وهو الحال نفسه‬
‫ّ‬ ‫فالبطل علي مسعي يشهد ّ‬
‫لعباس الغرور بالبطولة وبأنه رمز من رموز الجزائر‪ ،‬رغم‬
‫تعرضوا ّ‬
‫للتصفية‬ ‫لكل قادة اللمامشة ّالذين ّ‬‫أخطائه فالبشر غير معصومين أبدا‪ ،‬كما يشهد ّ‬
‫الناس إليه بالجهل‪ ،‬وذلك ما ملسناه عندما‬‫أو اإلقصاء‪ ،‬بل ّإننا نجده في مواضع يصف أقرب ّ‬
‫ّ‬
‫ذكر معركة تازربونت‪ ،‬إذ نجده يلوم البطل فرحي الطاهر رحمه هللا على جهله لفنون الحرب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والت ّ‬
‫سبب في استشهاد جميع املجاهدين تقريبا الذين كانوا معه‪ ،‬وأغلبهم من بني عمومته‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطاهر ّ‬ ‫موضوعيا ّ‬
‫ّ‬
‫بالرغم من أنه ابن‬ ‫جدا حين وصف فرحي‬ ‫فالبطل علي مسعي هنا كان‬
‫خاله وأقرب ّ‬
‫الناس إليه‪.‬‬
‫متعنا املجاهد علي بن أحمد مسعي بمذكرات رائعة‪ ،‬تنساب ّ‬
‫الروح في أحداثها‪،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫شرف الجز ّ‬
‫ائريين أبد‬ ‫الزمان البطولي‪ّ ،‬الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫كأنه في ذلك ّ‬ ‫ليعيش املرء الوقائع ويشعر بها‬
‫ّ‬
‫الدهر‪.‬‬
‫يؤكد ّ‬‫ّ‬
‫بأن ّنيته‬ ‫ولم يذكر البطل حياته بعد اإلستقالل ّ‬
‫مفصلة‪ ،‬ولم ّ‬
‫يتطرق إليها‪ ،‬ما‬
‫ظلت حبيسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضوء على حقائق ّ‬ ‫وقصده كان تسليط ّ‬
‫النفس لعقود‪ ،‬وآن لها أن‬ ‫ثورية‪،‬‬
‫تتحرر وتنجلي ّ‬
‫لألمة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ولن أنس ى أبدا ما كان ّ‬
‫يردده البطل س ي علي‪ ،‬إذ كان يقول‪ :‬إن للثورة أبناء‪ ،‬فمنهم‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البار ومنهم العاق‪ ،‬ومنهم اللصيق غير الشرعي‪ ،‬وإن التاريخ أمانة ثقيلة‪ ،‬وليس من عايش‬
‫وأما العاق‬‫البار فأجره على هللا عز وجل وقد باع دنياه واشترى اآلخرة‪ّ ،‬‬
‫فأما ّ‬ ‫كمن سمع‪ّ ،‬‬
‫ّ ّ‬ ‫فعس ى أن يرحمه ّربه وهو ابنها في ّ‬
‫وأما اللصيق فقد استحوذ عليها وباع آخرته‬ ‫كل حال‪،‬‬
‫ّ‬
‫بدنياه‪ ،‬وما هو من الثورة في ش يء‪.‬‬
‫رحم هللا البطل املجاهد علي بن أحمد مسعي وألحقه باألبرار في الفردوس األعلى‪،‬‬
‫ورحم هللا شهداء اإلسالم والجزائر‪ ،‬ورحم هللا مجاهدينا وغفر لهم وجعلهم من أهل الجنان‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫العلى‪ ،‬ونصر هللا الجزائر واملسلمين في ّ‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬والحمد هلل الذي جعلنا خلفا لهؤالء‬
‫ّ‬
‫السلف العظيم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫صور لبعض خمطوط املذكّرات‬

‫‪95‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪96‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪97‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪98‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪99‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪100‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫صور ألبطال‬

‫البطل مسعي علي بن أحمد‬

‫‪101‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل مسعي علي بن أحمد‬

‫‪102‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫صورة للبطل علي بن أحمد الطكوكي رفقة قادة ثوريين كبار‬


‫والبطل هو الثالث يسارا‬

‫‪103‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل فرحي ساعي بن علي‬


‫املدعو بابانا‬

‫‪104‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل بابانا ساعي فرحي‬

‫‪105‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫َ‬
‫األسود بن أحمد‬ ‫البطل مسعي‬

‫‪106‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل مسعي حامد بن أحمد‬

‫‪107‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل حامد مسعي املشارإليه بين إخوانه‬

‫‪108‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل فرحي بشيربن عثمان‬

‫‪109‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل ّ‬
‫حمه بن عثمان فرحي‬

‫‪110‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل فرحي ّ‬
‫حمه بن زروال‬

‫‪111‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫البطل بوقطوف العيد‬
‫املدعو رأس الغول‬

‫‪112‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫البطل فرحي الطاهربن عثمان‬

‫‪113‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل كحلة عبد هللا بن أحمد‬

‫‪114‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫البوقص ي‬ ‫البطل ّ‬
‫عماربريك‬

‫‪115‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل كحلة محمد بن عثمان‬

‫‪116‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬
‫البوقص ي‬ ‫البطل عون عمر‬

‫‪117‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل لزهر ّ‬
‫شريط‬

‫‪118‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫أبطال أوراس اللمامشة‬

‫‪119‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫أبطال الوالية التاريخية األولى‬


‫ّ‬ ‫شريط لزهر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫البوقص ي‪ّ ،‬‬
‫عماربريك‪ ،‬الوردي قتال‬ ‫بابانا‪ ،‬عمر‬

‫‪120‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطالن العيد راس الغول على اليمين واألسود مسعي على اليسار‬

‫‪121‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل محمود الشريف‬

‫‪122‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل محمد العموري‬

‫‪123‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل بن عمرجيالني‬

‫‪124‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل أحمد نواورة‬

‫‪125‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل شيحاني بشير‬

‫‪126‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل شيحاني بشيربن رمضان‬

‫‪127‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل سماعلي صالح بن علي‬

‫‪128‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل عباس الغرور‬

‫‪129‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫البطل قائد األوراس وأسد الجزائر‬


‫مصطفى بن بوالعيد‬

‫‪130‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫ّ‬ ‫البطالن بن بوالعيد يمين ّ‬


‫الصورة وبشيرورتال سيدي حني يسارها‬

‫‪131‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪3‬‬ ‫إهداء‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪8‬‬ ‫املجاهد علي بن أحمد مسعي‬
‫‪8‬‬ ‫نسبه‬
‫‪8‬‬ ‫مولده‬
‫‪8‬‬ ‫حياته‬
‫‪9‬‬ ‫إنجازاته‬
‫‪9‬‬ ‫أهم املعارك التي خاضها البطل‬ ‫ّ‬
‫الكتاب‬
‫ّ‬
‫‪15‬‬ ‫الثورة الجزائرية ومراحل أحداث التاريخ‪ ،‬وإعادة الوعي‬
‫‪16‬‬ ‫ماجاء في ّرد فعل الوطنيين الجزائريين من ساسة ّ‬
‫ومثقفين‬
‫وغيرهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪20‬‬ ‫التحضير قبيل الثورة‬
‫ّ‬
‫‪24‬‬ ‫إعالن الثورة وصداها الواسع‬
‫‪26‬‬ ‫الر ّديف‬
‫مرور بن بو العيد من الجبل األبيض وأم الكماكم إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪28‬‬ ‫إلتحاقي بالثورة املسلحة‬
‫‪31‬‬ ‫كمين جبل القعقاع ّأول جوان ‪1955‬م‬
‫‪32‬‬ ‫الت ّ‬
‫ونسية‬ ‫معركة أم الكماكم ومعركة جبل بوقافر بالحدود ّ‬
‫‪35‬‬ ‫أحداث ‪ 20‬أوت ‪1955‬م‬
‫‪36‬‬ ‫التحضير للمعركة‬ ‫ّ‬
‫‪37‬‬ ‫معركة الجرف الكبرى‬
‫‪38‬‬ ‫بداية املعركة‬
‫‪132‬‬
‫مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي‬

‫‪41‬‬ ‫ساعات الحسم والقرار الجريء‬


‫ّ‬
‫‪47‬‬ ‫تاريخ التحاقي بقيادتي لقطاع بكارية أواخر أكتوبر ‪1955‬م‬
‫‪60‬‬ ‫موعد االجتماع‬
‫‪65‬‬ ‫معركة أنوال الكبرى ‪ 27‬نوفمبر ‪1956‬م‬
‫سنة ‪1957‬م ّ‬
‫وتجدد الخالف بين محمود ولزهر ّ‬ ‫ّ‬
‫‪66‬‬ ‫شريط على قيادة منطقة‬
‫ّ‬
‫تبسة‬
‫ّ‬
‫‪69‬‬ ‫لجنة البحث التي وعدني بها محمود‬
‫عضوية لجنة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪71‬‬ ‫التنسيق‬ ‫أوت ‪1957‬م وانتقال محمود الشريف إلى‬
‫ّ‬
‫والتنفيذ‬
‫ّ‬
‫‪77‬‬ ‫مؤتمر القاهرة للمجلس الوطني للثورة أوت ‪1957‬م‬
‫ّ‬
‫‪78‬‬ ‫أوهام سلم الشجعان في مارس ‪1960‬م‬
‫‪78‬‬ ‫عقد مؤتمر ليبيا ماي ‪1962‬م ّ‬
‫وتأزم الوضع أكثر‬
‫‪80‬‬ ‫التفوا حول بومدين‬‫التحرير الذين ّ‬ ‫ماذا كان جزاء أفراد جيش ّ‬
‫مذكرات ّ‬ ‫ّ‬ ‫تصحيح الحقائق ّ‬
‫الت ّ‬
‫‪83‬‬ ‫الرائد عثمان‬ ‫اريخية التي وردت في‬
‫سعدي‬
‫‪93‬‬ ‫خاتمة الكتاب‬
‫ّ‬
‫‪95‬‬ ‫صور لبعض صفحات مخطوط املذكرات‬
‫‪101‬‬ ‫صور ألبطال‬
‫‪132‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪133‬‬

You might also like