Professional Documents
Culture Documents
مذكرات القائد المجاهد مسعي علي بن أحمد
مذكرات القائد المجاهد مسعي علي بن أحمد
تأليف اجملاهد
علي بن أمحد مسعي
حترير وإعداد
الطبعة األوىل
2020م
جميع الحقوق محفوظة
ِّ
املؤلف :علي بن أحمد مسعي
الكتاب :مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
-املنطقة السادسة تبسة-
الوالية التاريخية األولى أوراس النمامشة
الطبعة األولى2020 :م
اإليداع القانوني :السداسي الثاني 2020م
ISBN: 978-9931-741-15-2
الناشر:
إهداء خاص
3
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
مقدمة
والصالة ّ
والسالم على رسول هللا رب العاملينّ ،
بسم هللا الرحمن الرحيم ،والحمد هلل ّ
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ّ
الدين.
التاريخ قاعدة الحضا ات ،وأسس الحاضر واستشراف املستقبلّ ،
وإن الجزائر فإن ّ
ّ
ر
ّ الت ّ ّ
الثورة ّ املعاصرة ُبنيت ّ
حريرية ،تلك الثورة وأسس لها بعد مخاض الجزائر الحديثة ،جزائر
الضيم والجور ،وأضرم وطيسها العظيمة التي أوقد نيرانها عزم رجال ،دعاهم اإلباء إلى دفع ّ
ّ ّ َ
كل ن َفس من أنفاسنا النفس وا ّلنفيس كي نعيش نحن اليوم ونحيا ،وإن جهاد أبطال ،دفعوا ّ
ّ َ
كل ن َفس من أنفاس أولئك األشاوس وهم في رحى املعارك وتحت سيف املوت. يرجع فضله إلى
ثم رأينا تاريخا ليس لنا أراده ّ ّ
املنظرونّ ، لقد ّ
تلقينا ّ
املزورون، التاريخ كما أراد له
ّ الشعب الجزائر ّي وانتفض ،وبرزت معالم ّ
الت ّ ّ
حرر من تلك اإلرادة الخبيثة ،التي واستفاق
عبثت بمعالم تاريخنا املجيد ،فأرادت ألعالمنا الخفاء ،وشاءت لرويبضاتهم العالء ،لكنّ
النواجب واألفاضل. والصغائر ،ويمسك ّالزوائد ّا ّلتاريخ ال يفتأ يغربل نفسه فيسقط ّ
ضد الباطل ،ثورة الحق ّ إن ثورتنا املجيدة كانت حدث القرن العشرين ،فهي ثورة ّ ّ
سيدا بهويته وملكا املسلحين ،ثورة شعب ُأريد له املسخ ،فأبى ّإال أن يكون ّ ّ الع ّزل ّ
ضد ُ
ّ
بوجوده ،فحفظت الثورة لنا كرامتنا ،ووهبت لنا حياتنا من جديد ،وتقاسم مجدها من ليس
ُ كل ناح من نواحي ّمنها ،وتبعثر إلدتها في ّ
التهميش ،فطمست حقائق كثيرة ،وأحداث جسيمة،
ّ الش ّّ ّ
خصية لألبطال الذين صنعوا مالحم ألسباب علمناها ولم نعلمها ،لكن تبقى املذكرات
الحق الذي نرى من خالله ثورتنا ،ونأخذ منها حكمتنا ُون ّ
عد بها تجربتنا. النور ّ ّ
الثورة ،هي ّ تلك
ّ ّ ّ ّ ّ
كمها ،إنما هي بقع ضوء ونور في ثنايا تاريخ وهذه املذكرات التي بين أيدينا رغم قلة
ّ ّ ّ ّ التحرير ،كتبتها أنامل ّ ثورة ّ
واصفرت وتكسرت، وتجعدت ،ورقت عظامها جفت بشرتها
الزناد ،وطول الجهاد ،أنامل السالح وضغط ّ وتشققت ،من كثرة ما التحمت بحديد ّ أظافرها ّ
البطل علي بن أحمد مسعي.
5
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
التفاصيل ّالتي ّ
يتحدث عنها أهمية بالغة ،من حيث ّ اريخية ّ وتكتس ي هذه الوقائع ّ
الت ّ
ّ ّ ّ املجاهد ،واألحداث ّ
والخفية التي يكشفها لنا ،والتي ألقت بظاللها على عقود طويلة املهمة
التأخر ّ
والتدهور في بالدنا. من ّ
الت ّ
اريخية أوراس اللمامشة ،فهي أساس وألنها مذكرات لبطل من أبطال الوالية األولى ّ ّ
التحرير املجيدةّ ،
وألن البطل علي مسعي كان من إلعادة صياغة الكثير من أطوار حرب ّ
أهمية شهادته على ّ فإن ّوريةّ ، ّ
الث ّ الش ّ أبرز ّ القادة وكان ّ
التاريخ ،تضرب خصيات مقربا من
جتماعية ّ
والس ّ ّ ّ
والث ّ كل جوانب الحياة ّ
الت ّ بأبعادها في ّ
ياسية. قافية واإل اريخية
ّ ّ ّ
إن الهدف من كتابة هذه املذكرات ،كما أخبرني صاحبها بنفسه ،ليس تمجيدا للذات
حق مشروع مباح ،بل هو كشف للمستور الذي كان في وال وقوفا على البطوالت وإن كان هذا ّ
ّ
شخصيات تراكم على تاريخها عد مسلكا إلى القبور ،وهو وقوف على تمجيد ل عهود سابقة ُي ّ
ّ ُ ّ
التراب قصدا ،وغفل عن فضلها عمدا ،وعلى أحداث ظلت غامضة ألحقاب طوال.
ّ
وقد تأخرت كتابتها إلى أواخر عمر املجاهد رحمه هللا ،بسبب مشاغل الحياة ،واملكانة
جتماعية ّالتي كانت للبطل في مجتمعه وبين أهله ،والقمع الفكري واالجتماعي ّ
والسياس ي، ّ اال
ّ الحقيقيين بعد االستقاللّ ،
ّ ّ ّ
الذي ّ
ثم إن البطل أوص ى أال ظل يطارد أبطال ثورة التحرير
الوصيةّ ،
ّ ّ ّ ُ
وإن نشرها اليوم هو تثمين لجهود أبطال تنشر مذكراته في حياته ،فكان لزاما اتباع
ّ كل املؤامرات ّ ّ
يتصدون إلى ّ ّ
الدنيئة التي تحاول نوفمبر ،وتثمين لجهود أبطال اليوم الذين
إسقاط الجزائر.
ّ
هذه املذكرات هي مخطوطات بيد املجاهد البطل مسعي علي بن أحمد ،كتبها في
ّ
مفصال األعوام األخيرة من حياته ،ومنها قصاصات كان ّ
يدون فيها نقاطا ّ
مهمة ،ليعود إليها
بعد ذلكّ ،
لكن األجل لم يترك له الفرصة ،وقد ّ
دون البطل سيرته منذ مرحلة اإلعداد لثورة
والشاذلي بن جديد ،فمنها مراحل متسلسلة متالصقة ّ ّ التحريرّ ،ّ
زمانيا، حتى عهد بومدين
خاصة تلك التي كانت وتيرة األحداث فيها متسارعة في أوراس اللمامشة ،من سنة 1954م ّ
حتى ّ
والتي لم ّ ّ ّ
يفصل فيها البطل كثيرا ،ولم تك سنة 1957م ،ومنها ما كانت منفصلة زمانيا
واضحة املعالم كثيرا.
6
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
7
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
8
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
العدو إنجازاته :خاض البطل معارك عديدة ،وأبلى فيها البالء الحسن ،وشهد له
حتى ّ
والذكاءّ ،ّ ّ قبل ّ
إن أهل تالة بتونس ،أطلقوا عليه لقب :علي بن أحمد الصديق بالشجاعة
ّ ّ ّ ّ بطل ّ
العدو وحيدا الصخرة ،بعد معركة فجوج الطين التي أبلى فيها بالء الليوث ،إذ حاصره
حتى تراجعوا ،فقال ّ
الضابط الفرنس ي النار عليهم ّ وظل يطلق ّ عند صخرة ،احتمى بها ّ
جدا.املسؤول :هذا ّفالق شجاع ّ
أهم املعارك التي خاضها البطل: ّ
_ معركة جبل القعقاع في 07جوان 1955م.
الزرقاء في 18جويلية 1955م. _ معركة جبل ّ
_ معركة أم الكماكم في 22جويلية 1955م.
_ معركة جبل سمامة في سبتمبر 1955م.
_ معركة الجرف الكبرى في 22سبتمبر 1955م.
_ قائدا ملعركة بودرياس قرب بوشبكة في الفاتح مارس 1956م.
السيف األولى في 02مارس 1956م. _ قائدا ملعركة جبل ّ
قياديا في معركة أرقو الكبرى التي أسقت فيها مروحيتان في 18جوان ّ _ عضوا
1956م.
الدرمون في 19جوان 1956م _ قائدا ملعركة ّ
الزردوب بالحدود الجزائرية التونسية في 08أوت 1956م. _ قائدا ملعركة ّ
_ قائدا ملعركة خنقة الزيتون في نوفمبر 1956م داخل الحدود التونسية.
ّّ
الدكان في 27نوفمبر 1956م. _ قائدا ملعركة
قياديا في معركة أنوال الكبرى في 29نوفمبر 1956م. _ عضوا ّ
الضبط في جبل السيف في 02جانفي 1957م. _ معركة ّ
الرباعي بالحدود التونسية في فيفري 1957م. _قائدا ملعركة واد ّ
_ قائدا ملعركة جبل سنامة في أفريل 1957م.
فوة التي كانت آخر معاركه ،حيث أصيب فيها بإصابات بالغة _ قائدا ملعركة جبل ّ
الخطورة ،على مستوى الفخذ ،ونقل إلى مدينة الكاف التونسية وخضع للعالج هناك.
9
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الت ّ
ونسية، ثم ُع ّين البطل مسؤوال على مراكز املجاهدين في فيرمة املقراني ،قرب تالة ّ ّ
الخاصة بشؤون ّ وفي أواخر 1958م ّتمت ترقيته إلى مالزم ّأول ،وأصبح عضوا باللجنة
ّ
الالجئين واألسرى واملجاهدين وشهداء الثورة ،رفقة :عبد الحميد براهمي ،وإبراهيم براهمية.
ّ ّ ّ ُ
الحربية بالقاهرة أوائل عسكرية للكل ّية بعد االستقالل أرسل البطل ضمن بعثة
ّ
العسكرية تم توجيهه بعدها إلى املدرسة ثم ّ املدرعاتّ ، تخصص سالح ّ ّ 1963مّ ،
وتكون في
السالح نفسه. تم تدريبه على يد خبراء روس في ّ بباتنة حيث ّ
وظل بين أهله وذويه ،يسوس التقاعد القصريّ ، وفي أواخر 1971م ّتمت إحالته إلى ّ
النكاح ومجالس صلح وغيرها ،وكانت له مكانة التكاكة من خصومات وعقود ّ أمور عرش ّ
علية في عرش اللمامشة وفي والية تبسة وغيرها ،إذ كان رجال صدوقا خلوقا ،حازما صارما، ّ
ّ
يالزم املساجد وينصح هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم ،ولم يسع إلى ترف الحياة وملذات
تبسة بين أهلها ،وال يذكر صنيعه البطولي وال الدنيا ،وقد عاش بسيطا يجوب شوارع مدينة ّ
ّ
يمن بأفعاله على أحد.
صحية ،لم تطل حتى وافته ّ
املنية يوم 05 وفي أواخر عام 2014م أصيب بوعكة ّ
ُ فيفري 2015م ،بمستشفى عالية صالح ّ
بتبسة ،وقد ش ّيع البطل في جنازة مهيبة إلى مقبرة
ّ ّ
رفانة حيث ووري الثرى ،وقد بكته أعين الرجال ورثته قلوبهم ،تاركا وراءه أجياال طاملا كان
ّ يضع روحه على ّ
كفه كي تعيش هذه األجيال ،وخلف وراءه رصيدا بطوليا تقشعر له األبدان،
وقد ّأدى ما عليه رحمه هللا وغفر له وألحقه باألبرار.
الجزائرية من جملة ّ
أولوياتها، ّ وترك مقولة طاملا رددها" :أمنيتي أن تجعل الدولة
ّ ّ ّ ّ ّ
الجزائرية معجزة القرن العشرين، خاصة أحداث الثورة مادة التاريخ، املحافظة على
ّ ّ ّ وأن ّ
تسن قوانين لحمايته من التحريف والتشويه من ِقبل املتطفلين املغرورين".
10
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
11
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
12
الكتاب
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
من تلك األحداث؛ الحرب العاملية الثانية ،تلك الحرب التي كانت فرنسا قد دخلتها
بأبناء املغرب العربي وباقي األفارقة ،ونخص هنا أبناء الجزائر الذين كان موقعهم في جبهات
القتال بالصفوف األمامية ،حيث ُقتل ُ
وجرح الكثير منهم ،ومنهم املعاقون نتيجة لذلك.
ّ
تقشعر لها األبدان ،وترجف لها القلوب ونحن أطفال ،نرى ّ
كنا نرى مشاهد محزنة
ذلك في النساء النائحات من ّأمهات وزوجات وقريبات هنا وهناك ،ذلك ما كان ّ
يحز في
جوارحنا وأنفسنا.
إن عوامل الحزن واأللم كانت تختزن في ذاكرتنا ،وما كان يزيد في أحزاننا أكثر ،هو ّ
ّ
العامة، املدنيين ،نتيجة األمراض واألوبئة ،بسبب املجاعاتّ كثرة الوفيات في صفوف
ّ وفقدان ّ
كل املواد الغذائية بكل أنواعها ،من حبوب ولحوم وغيرها ...وذلك يرجع لتوقف
وسائل االنتاج في العالم ،لطول سنوات الحرب ،وما صاحبها من جفافّ ،
حتى وصل األمر بأن
ويدعون ّالرجال عن زوجاتهمّ ، يتخلى بعض ّّ
أنهن أخواتهم.
ّ
انحط مستوى األخالق في ّ ُ
الرجال ،وهذا ملا وصل إليه حال الناس في انظر كيف
ّ الرعاية ّ غياب ّ
الصحية والتغذية ،فقد تخلت فرنسا عن الشعب الجزائري ،وتركته للفقر
ّ ّ
أصحاء الشباب فتسوقهم إلى مسالخ واألوبئة واألمراضّ ،أما من عافاه هللا عز وجل من
جبهات القتال.
منا قبل البصير ،والقلوب تمتلئ حتى صار ّ
الغل على فرنسا كل ذلك كان يراه األعمى ّ
يفيض من حناجرنا فعال.
ّ
وملا انتهت الحرب في ماي 1945م ،وانطلقت مسيرات الفرح ورجوع األمل بتوقف
ّ
سلمية الحرب ،إذ كانت تلك الفرحة في جميع أنحاء العالم ،وفي الجزائر كانت مسيرات
ّ
بعديد من مدن الشرق الجزائري يوم الثامن من ماي 1945م ،من رجال ونساء وأطفال ،منهم
من حمل العلم الجزائري ،ومن يحملون مطالب تحقيق املصير للشعب الجزائري ،تحقيقا ملا
كل قادة الغرب ،ولكن ماذا حدث في ذلك صرح به رئيس الواليات األمريكية املتحدة باسم ّ
ّ
اليوم األسود الثامن من ماي 1945م؟
15
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
فتعاونوا مع أحد أصدقائه وهو مضوي الهادي من أجل استدراجه إلى مكان خاص،
بعيد عن أعين أفراد األمن الفرنس ي وغيرهم ،فقام الهادي بما أسند إليه ،ووصل إليهم برحيم
عمار ،لكن إلى املكان ّالذي ّاتفقوا عليه ،وكان الوفد ّالذي جاء ألخذ رحيم بقيادة بن عودة ّ
ّ ّ
والتخلي عن الصياح ،مما ّأدى إلى ارتباك الوفد
السيارة ،وأكثر من ّرحيم قاوم ورفض ركوب ّ
صرح به بن عودة في مارس 1950م. وسبا وشتما ،بحسب ما ّ همة ،بعدما أوسعوه ضربا ّ امل ّ
السري ،واعتقال الكثير من أعضاء ّ
التنظيم هذا وقد ّأدى إلى اكتشاف ّ
النظام ّ
تبسة ،حيث يقول بن عودة: سكان تبسة ،لذلك ُاطلق على الحادثة بحادثة ّ ّ
وغيرهم من
ّ ُتوبعنا من تبسة ،نعم تبسة العربي التبس ي وفرحي ساعي ولزهر ّ
ّ
شريط وغيرهم من الشرفاء، ِ
والتي يعشقها مالك بن نبي رحمه هللا ،ورجال الحركة الوطنية.
16
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
لكن لو أدرك بن عودة ما سيحدث بسبب ضرب وإهانة رجل واحد ،فخطأ بن عودة
تحمله شعب تبسة من اعتقال وأعمال تضييق واستنطاق ومداهمات وتفتيش، ورجاله ّ
ومية ّ
الخيالة ،إذ كانوا يعترضونهم وينتزعون منهم الر ّحل من فرق ُ
الق ّ صة ما عاناه البدو ّ خا ّ
ّ الحربية أو بنادق ّ
ّ
الصيد غير املرخص لها ،وقد استمر ذلك إلى حين إعالن أسلحتهم سواء
ّ
الثورة.
الس ّرية ّ
النشاطات ّ ّ
املعبرة عن الوعي الوطني الحقيقي ،قد ساهمت في تشكله تلك
ّ ّ
الجمعية املباركة التي تعرضت إلى جهود جمعية العلماء املسلمين بزعامة ابن باديس ،تلك
ّ ّ
الفرنسية وأعوانها من الجزائريين والطرقيين صعوبات كثيرة ومضايقات من ّ
السلطات
واليهود.
اليهود أعداء اإلسالم في بالدنا وفي كل بالد ،وما حدث عام 1303ه عندما ّ
مر أحد
اليهود بجامع سيدي االخضر ،فوجد نشاطا إسالميا ،فعظم عليه ذلك ،فأخذ يشتم اإلسالم
ُ ّ
استمرت أسبوعا كامال ،قتل وأهله ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ما أدى إلى فتنة كبيرة
ّ
الفرنسية على إخمادها ،وخشت أن يهوديا ،وقد عجزت ا ّ
لسلطة ّ فيها اثنان وعشرون
ّ
يستأصل املسلمون اليهود جميعا من قسنطينة ،لذلك فقد سارعت تتوسل عبد الحميد بن
باديس ،ونائب مدينة قسنطينة بن جلول للعمل على إخماد ما حدث ،وقد نجحا في إطفاء
ذلك ،مما جعل البن باديس شأنا عظيما بين الجز ّ
ائريين ،حتى صارت اإلدارة الفرنسية تخش ى
نفوذه ،وتتجنب القيام بأي إجراء ّ
ضده حتى ال يثور الجزائريون.
وقد أخذت جمعية العلماء املسلمين تفتح املدارس ،وكان ابن باديس ينشر املقاالت
ّ
في الشهاب ،تلك املقاالت التي آتت أكلها ،كما أثمرت املدارس واألندية التي افتتحتها
ّ ّ
الجمعية ،وقد عاد الوعي اإلسالمي إلى كثير من أبناء الشعب الذين صار اإلعتماد عليهم
ممكنا.
ّ
نعم ..ذلك ما قامت به جمعية العلماء املسلمين الجزائريين بأعضائها :الشيخ العالمة
ّ ّ ّ
البشير اإلبراهيمي ،الشيخ العربي التبس ي ،الشيخ مبارك امليلي ،الشيخ بيوض محمد األمين
ّ ّ
العمودي ،الشيخ آل خليفة وغيرهم ،وما دعى إليه الشيخ ابن باديس من خالل مهاجمته
17
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ائرية ّ سالمية الجز ّ الشعب الجزائري املسلمّ ،
والدعوة إلى ّ
الهوية اإل ّ ّ
املتميزة ،واإلعتزاز لفرنسة
ّ
الفرنسيين يطالبون بفصل الدين اإلسالمي عن اإلدارة ّ ّ
بها والفخر ،وذلك ما جعل الن ّواب
ّ مؤسساتهم ّ ّ
وتولي املسلمين ّ ّ
الدينية بعيدا عن التحكم اإلداري الفرنس ي ،وإدخال الفرنسية،
نسية أبت ذلك واستنكرته، السلطة الفر ّ الدراسيةّ ،
لكن ّ تعليمية اللغة العربية في املناهج ّ
ّ
كل مرة. وقد حاولت بأزالمها القضاء على الجمعية ّ
لكنهم يفشلون في ّ
ّ ّ وهكذا ّ
الجمعية قد أنارت بمجهوداتها الطريق بذلك العزم وذلك الجهاد ،إذ فإن
ّ ّ مكنت العديد من شباب األمة من أن يصبحوا كوادر ّ ّ
مهمة لصالح الشعب الجزائري ،الذي
طوقته فرنسا بسياج من حديد ،لغلق نوافذ الحصول على العلم واملعرفة. ّ
ّ ّ ومن األحزاب التي لعبت أدوارا ّ
جمعية فرحات عباس ،رغم تعثره مهمة ،نجد حزب أو
ّ
ّأول األمر لثقافته الفرنسية ،ودفاعه عن فكرة اإلندماج ،التي كان يرفضها معظم الشعب
خاصة بعد الذي رأوه من فرنسا في حوادث 08ماي 1945م، ّ الجزائري جملة وتفصيال،
وفقدان ما تبقى من ثقة في فرنسا.
أهم األحداث التي أثارت الغيرة ّ
والتنافس الكبيرين في نفوس الجزائريين؛ إن من ّثم ّّ
ّ
الثورة الفيتنامية ،التي اشتعل وقودها وشارك فيها كثير من شباب الجزائر إلى جانب فرنسا،
التي كانت تحكمنا بالحديد ّ
والنار بشكل استعبادي.
النجاة ،بما يعايرهم به الفيتناميون ،بسبب ويحدثنا أترابنا الذين كتبت لهم ّّ
مشاركتهم إلى جانب الجيش الفرنس ي ّالذي يحتل أرضهم ،فيقولون لهم :ارجعوا ّ
وحرروا
ّ بلدكم أو انض ّموا إلينا .وفعال فقد انض ّم إليهم مقاتلون ّ
أشداء انتفعت بهم الثورة
ّ ّ ّ
للثورة الجز ّ
عسكرية في ائرية ،نظرا ملا اكتسبوه من خبرة الفيتنامية ،ليكونوا فيما بعد قوة
حروب فرنسا وتدريب ّ
الرجال.
ّ كذلك كان من أبرز ّ
وأهم األحداث القريبة التي أثرت في مشاعرنا ،وأثارت الغيرة في
كل من املغرب وتونس سنة 1953م ّ ّ
الثورة في ّ
ضد فرنسا ،ما بعث في أنفسنا نفوسنا ،إعالن
ّ ّ ّ
األمل في انتظار إعالن الثورة بالجزائر ،ليتكلل حلم أبناء الجزائر وشمال إفريقيا كلهم،
ّ
بالتخلص من احتالل فرنسا.
18
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الت ّ
ونسية ،نظرنا لها الحدودية على االنخراط في ا ّلثورة ّ
ّ ّ
ماشجع شباب منطقتنا وهذا
ّ ّ ّ
ائرية ،لكن ّثوار تونس كانوا يشترطون على من سكان الحدود مع تونس كأنها ثورة جز ّ نحن
ّ ّ
يلتحق بهم أن يكون لديه سالح أو ثمن السالح ،ولوال هذا الشرط النخرط الكثيرون جدا.
ّ سكان منطقتنا فقد ّّ ّ
قدموا لفرق الث ّوار بتونس ما يحتاجونه من سالح ومال أما
ّ ّ
وغذاء وإيواء ،بقلب مفتوح ،وهو أمر طبيعي جدا ملا يربطنا بالتوانسة ،وتداخل الحدود،
وعالقتنا بالجوار واملصاهرة ّ
والتجارة وغير ذلك.
ونسيين في ّ
الت ّ ق ّ
الث ّوار ّ ّ
الناحية الجنوبية من خوض معارك، لذلك تمكنت فر
ّ ّ ّ
فكنا نتأثر لذلك ونتمنى أن الحدودية، واشتباكات وأعمال شغب ومظاهرات باملدن والقرى
يكون بأرضنا ما يحدث بأرضهم ،كان عدد الذين شاركوا بثورة تونس من منطقتنا حوالي 30
ّ
قواسمية علي بن زايد، مناس ،بوزنادة بلقاسم قلبي ،لزهر ّ
شريط، فردا ،منهم :ثابت ّ
بوصفصاف صالح ،بوزيان لخضر وأخيه العربيّ ،بنور علي بن عبد الحفيظ ،عمارة إبراهيم،
اهمية محمد العربي ،بورقعة عبد هللا ،عبد هللا اليعقوبي ،عبد القادر عمارة عبد هللا ،بر ّ
ّ ّ
إن الظالم مستبد ،علينا أن نستعد. الياجوري الذي كان يقول للطلبة:
الثورة ّ ّ ّ ّ
الت ّ
ونسية ،فإنه لم ّأما فيما يتعلق بساعي فرحي ،فيذكر بعضهم أنه شارك في
السالح ّ ّ
يفكر في رفع ّ
ضد فرنسا من داخل الجزائر وليس من يشارك بها ،وسبب ذلك أنه كان
ّ
شخصيات ّ
خلية أو ّلية من نفرط في سالحنا ،ومن ّثمة جاءته فكرة تشكيل ّ خارجها ،وأن ال ّ
ّ ّ
وطنية وشيوخ العروش الشتراء األسلحة ،وإقناع أفراد الشعب باإلحتفاظ بما لديهم من
ّ ّ
الفرقسالح ،لوقف استنزاف سالح منطقتنا ،الذي كان ينفد بسببين ،فاألول هو مبالغة ِ
ّ السالح ّ
ونسية في جمع ّ الت ّ ّ
منا والبحث عنه ،والثاني هو مؤامرة حاكم تبسة ،ذلك الخطر
يتعرض ّ
والذي ال يدفع سالحه لهم ّ ّ األكبر ،إذ أمر الق ّياد بجمع ما يوجد من ّ
للسجن السالح، ِ
ّ
والتغريم املادي.
أسس وشكل جمعية لذلك كان يجب القيام بحملة تحسيس وتوعية ،فكان ّأول من ّ
بوزيان في كتاب النمامشة في ثورية بمنطقة تبسة هو فرحي ساعي ،بعكس ما قاله لخضر ّ ّ
السالح ،وآخر ما قاله هو تسمى لجنة الـ 19لجمع ّ جمعية منذ 1952م ّ ّ الثورة ،بتشكيل
19
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
مرات ،آخرها ليلة 31أكتوبر 1954م ،علمنا فيها قيامهم باإل ّتصال ببن بوالعيد خمس ّ
الثورة ليلة ّأول نوفمبر 1954م ،فهل ُيعقل أن ّ ّ
يحدث بن بوالعيد عن موعد إعالن بإعالن
ّ
الثورة للخضر بوزيان ،ومن معه من وفد في الوقت الذي ال يعلم ذلك أقرب رفاقه في ّ ّ
عملية
تحدث لخضر بش يء ال يمكن قبوله ،إذ ّأنه يذكر ّ للثورة1؟؟ حيث ّ ّ ّ
أن من رفاقه التحضير
ّ والشيخ محمد بن رجب ،2ولم يذكر أحدهما ّ ّ
جمعية أساسا. أن هناك فرحي ساعي
ّ ّ
التحضيرقبيل الثورة
الجو العام وما يجري على حدودنا من أحداث وحوادث ،لقربنا من كثير من املدن ّأما ّ
الشغب واإلشتباكات ،فقد ّ ّ الت ّ ّ
كنا نتعاطف معهم، ونسية التي تحدث بها املظاهرات وأعمال
وتلتهب مشاعرنا ّ
تمنيا أن نقوم نحن من داخل الجزائر بثورة ضد فرنسا.
السالح ،غير ّ ّ
يتطلع إلى حمل ّ
أن الخوف من الخروج نعم ..كان شباب هذه املنطقة
ّ ّ ّ ضد فرنسا هو ّ ّ
سر ما أخرهم ،فخافوا أن يسجنوا ويعذبوا ،لذلك كانت عمليات التنسيق
والتوعية تسير ببطء وصعوبة ،لكن ما حدث في فيتنام في معركة ديان بيان فو بين مارس ّ
وماي 1954م ،التي انهزم فيها الجيش الفرنس ي وانتصر فيها ّثوار فيتنام ،وإجالء فرنسا منها
ّ ّ ّ
نهائيا ،أثلج صدورنا نحن أبناء الشمال اإلفريقي ،رغم تأخر إعالن الثورة عندنا ،وإعالنها في
كل من املغرب وتونس ،فقد زادت رغبتنا في البحث عن املشاركة في مجريات هذه األحداث، ّ
السالح ّ
الظرف مناسبا لحمل ّ ّ
ضد فرنسا مثلما فعل غيرنا. مادام
ّأما بالنسبة للجانب الفرنس ي وتداعيات تلك الهزيمة التي تلقاها في فيتنام ،وخروجهم
ّ مذلة ،فقد اتجهت جهودها نحو الحدود ّ ّ
التونسية الجزائرية ،وركزت من هناك بصورة
ّ ّ جليا من تضامن ّ بعديد من ِفرقها لحسم ما يجري من أحداث ،وما كان ّ
الحدوديين السكان
21
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
خطة عمل ّ
كالتاليّ :أوال :يرجع إبراهيم إلى ّ ّ ّ
الدرمون ملتابعة قيادته لجماعة واتفقنا على
ّ ونسية ،حفاظا على ّ الت ّ ّ
الثورة ّ
إمكانية تسليح سرية عملنا إلى غاية الحصول على تونس باسم
فوج ،فيقوم بتسريح أفراد تونس.
والش ّّ ثانياّ :
خصيات، يتكفل والدي أحمد باإلتصال بمن أمكنه من أعيان العروش
نفرط فيما ّ
تبقى لنا من أسلحة وذخيرة، للقيام بعملية توعية وتحسيس بين األهالي ،كي ال ّ
ّ
الوطنية والجهاد. وكذك بعث روح
ّ ثم ّ ّ
إن والدي بعث برسالة إلى الشيخ بن رجب من تروبيا ،1رفعها له أخي األسود،
السبت الذي يوافق ّ ّ
بالشريعة يوم ّ
السوق األسبوعي هناك ،وبعدما التقيا يدعوه فيها إلى لقاء
ّ ّ ل ّ ّ
حدثنا والدي أحمد على تفاؤ الشيخ محمد بن رجب وشدة فرحته ،كأنه كان ينتظر هذا
ّ ّ تعهد على العمل بكل ّ
األمر ،وكان يرقص فرحا وطربا له ،وقد ّ
جد وثبات ،واتفقنا على اللقاء
الشريعة ،كي نبحث عن ّّ
السالح وتجنيد األنصار. كل يوم سبت باملكان نفسه أي
ّ
الثاني حسب اإل ّتفاقّ ، ّ
تم العمل على اقتناء سالح من نوع ستاتي طلياني ،عن باللقاء
ّ
جار
طريق أرملة شقيق الشيخ محمد ،أخرجته من تحت سياج زريبة لألغنام ،وكان العمل ٍ
ّ ّ
على اقتناء املزيد ،فأرسلها الشيخ محمد إلى حسين مصلح األسلحة ،وأخبرنا أنه سيتصل بنا
معمري حسين وأخوه ّ
الصادق، ثم ُد ّعمت بأعضاء آخرين من بينهمّ : عندما تكون جاهزةّ ،
ومبارك بورقعة ،وعابر بلقاسم ،وعلي ّ
بلهوام ،وجدواني محمد.
الشيخ بجاهزية قطعة ّ ّ ّ
السالح ،صادف أن التقينا عبد هللا بن سالم وملا أعلمنا
الشيخ عابر محمد ،ألخذ قطعة ّ ّ مبعوثا من عمارة إبراهيم ،فذهبنا ّ
السالح ،ودخلنا سويا إلى
ّ ّ
دقية ،وبشرنا بوجود رشاش ،قد أرسله إلىقدم لنا البن ّ الدار بعد الغروب ،وملّا تناولنا العشاء ّّ
معمري ليصلحه ،وعندما يجهز سيوعز لنا الستالمه. حسين ّ
الر ّشاشّ ،إنه أمر ّ
قدره هللا تعالى ملوعد حادث حسينا قد أبطأ في تصليح ذلك ّ ً ّ
لكن
ّ ّ ّ
ّ
وجاهزيته ،بواسطة الرشاش ليلة ّأول نوفمبر 1954م ،عندما قرر حسين تجربة صالحية
تروبيا :هي بلدية بئر مقدم اليوم وتسمى في ذلك العصر أيضا الساص. 1
22
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ طلقة رصاص ّ
حية ،كان حينئذ الشاب جدواني محمد جالسا ينتظر دوره لتصليح سالحه،
ّ ّ ّ التجربة نودي على حسين من داخل ّ قبل إطالق عيار ّ
الرشاش على الطاولة الدار ،فوضع
يقلبه ّ ّ ّ ّ ّ
حتى انطلقت الرشاش ،وصار فاستغل محمد غياب حسين ورفع وذهب إليهم،
الرصاصة الحية فسقط شهيدا ،كانت تلك صدفة عجيبة أن يسقط لنا شهيد ونحن ال ّ ّ
ّ
نعلم ّأنها ليلة تساوي أعمارنا كلها.
ّ
كل من الشيخ محمد بن وكما سقط محمد شهيدا ،سقط مشروعنا ّكله باعتقال ّ
ّ
ومصداقية محبة ووقار عملية جمع األسلحة ّ
والتجنيد ،ملا كان له من ّ رجبّ ،1
املعول عليه في ّ
الناس ،وكذلك اعتقال حسين وضياع ما وجد عنده من أسلحة كانت ّ
للتصليح. في قلوب ّ
ّ ّ تعثرنا نحن ّ ّ
فإن فرحي ساعي قد نجح وشكل فرقة مسلحة صعد بها الجبال، لكن فإن
ّ رغم متابعة فرق الجندرمة ،وسأعود إلى ساعي وأين وصل ،وهو ّأول من ّ
جهز فرقة مسلحة
تبسةّ ،أما ما يقال غير ذلك فهو غير صحيحّ ،
والتاريخ أمانة. ثورية على مستوى منطقة ّ ّ
ّ
ّأما بالنسبة لنا فما أوقف مسيرتنا هو استشهاد عمارة إبراهيم ب ـ (الغنجاية
ّ بالدرمون) يوم 06نوفمبر 1954م ،بعد أن ّ ّ
سرح أفراد تونس ،حسبما اتفقنا عليه آنفا ،وكان
السبيكي ،سقط فرنسية ،ولم يكن معه ّإال مبارك ّ ّ ّ
عسكرية ذلك أثناء اشتباكه مع فرقة
ّ ّ
الرحمة على جماعتنا، شهيدا في الوقت الذي خرجوا فيه فرادى في مهام ،وكانت تلك طلقة
(جمعية الجبل األبيض) ،أنا ّ الجمعية التي ت ّم تغيير حقيقتها وتزييفها ،فيما جاء في كتاب
ّ تلك
ّ ُ ّ ُ ّ
الذي أعطى تفاصيلها ملقرر الجمعية بولحراف ،هكذا يسرق التاريخ ،حيث لم يذكر فيها
ّ ّ
املؤسسين الذين شكلوها فعال.
1كان البطل محمد بن رجب عابر قد رفض مرارا وتكرارا عرض ضابط فرنس ي بمساعدتهم ،ملا ملحمد من
لكن البطل محمد بنمكانة بين العروش ،فأخبره الضابط مغتاظا بأنه لن يرحمه إذا ألقى عليه القبضّ ،
ّ ُ ّ
فلما قبض على البطل قتله ذلك الضابط بطريقة وتحداه أمام الجميع، رجب ّرد عليه ّردا قاسيا جدا
ّ
شنيعة ومثل به ،وبقي الشهيد محمد بن رجب الشكراوي حيا برجولته ونخوته وأصالته في قلوب اللمامشة
حقه كشخصية تاريخية.الساعة رغم هضم ّ حتى هذه ّ
23
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
24
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
فتزوجتموها .قال ذلك غاضبا .وهذا دليل على ّ
طلقتها ّّ
أن خلفي عروسا حامال ،فإن رغبتم
ّ ملين لم يكن يعي ّ
جد ّية الثورة بعد وأبعادها.
ومن ّثمة بقرن الكبش ترك ساعي فرقته إلى جانب بيت ملين ،وقصد واد سوف للقاء
وعملية ّ
التنسيق. ّ معارف له هناك ُبغية جلب ّ
السالح
ّ
فرنسية ،فاستشهد ليلة 18ديسمبر ّ
ثم ّتمت مداهمة ملين دربال ليال من طرف كتيبة
ّ
جثته إلى ّ
تبسة ونقلوا عائلته جرحى معه. 1954م ،وأخذت
ملا رجع ساعي من واد سوف ،علم باستشهاد ملين دربال ،فانتقل بأولئك األفراد إلى
ثم التحق به جماعة من واد سوف بقيادة بن عمر جيالني ومحمد األخضر جبل أم الكماكمّ ،
ّ
شريط بمن معه من مجموعة مجاهدي تونس ،بعد أن سلم ّثوار تونس ثم لزهر ّ عمارةّ ،
ّ الت ّالثورة ّّ ّ
الفرنسية ،للحصول على ونسية والحكومة السالح ،حسب اإلتفاق املبرم بين ممثلي
ّ استقالل داخلي ،رغم معارضة أنصار صالح بن يوسف ،إذ كان من الجز ّ
ائريين من لم يسلم
الث ّوار بتونس ثالث مجموعاتّ ، ّ
لكنهم وجدوا صعوبة في الحصول على سالحه ،فصار
ّ ّ
والغذائية ،لوال مساندة بعض األقارب والشرفاء ّ املساعدات ّ
ممن لديهم اإلمكانيات، املالية
ّ ذلك ّكله قبل اإل ّتصال ّ
والتواصل بقيادة الثورة في األوراس.
25
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الر ّديف
مروربن بو العيد من الجبل األبيض وأم الكماكم إلى ّ
ّ قصد بن بوالعيد ليبيا من أجل جلب ّ
السالح ،الذي تأخر موعده من مصر ،1وقد
الر ّديف ،لقضاء حاجة ّ
البوقص ي إلى مدينة ّ تصادف وأن نزلت ّ
دورية كان من أفرادها عمر
ظنوهم جواسيسا ،فقصدوهم ،وهناك لهم ،فجاءهم خبر بوجود رجال يحملون محافظ ّ
واتهمه بالخيانة _حسب ورية إلى بن بوالعيد ّ
الد ّ حدث بينهم نقاش عالي ّ
حتى أشار أحد أفراد ّ
حدثني به أحد الحضور_ ّ
لكن بن بوالعيد انتفض وقال :أنا بن بوالعيد قائد املنطقة األولى ما ّ
األوراس.
ّ في ذلك الوقت رجع أحد رفاقه إليه وهو ّ
عمار بريك ،الذي كان عند أحد أصدقائه،
أن ألنهما قريبان وابني عم ،عندها فقط ُح ّلت املشكلة ،وأخبرهم ّ
عمار ّ البوقص ي ّ
ّ فعانق عمر
ّ ّ هذا ّ
الرجل الذي يشتبهون به إنما هو مصطفى بن بوالعيد قائد جبال األوراس ،وكانوا
يريدون اعتقاله وأخذه إلى قيادتهم بالجبال.
إن البطل بن بوالعيد جلس وأخرج قلما وكتب معلومات وتوجيهات إلى قادة ثم ّ
ّ
ّ
كيفية تلقيهم ثم صار يسألهم عن الفرق ،أهمها سرعة اإلتصال بنائبه شيحانيّ ، ِ
ّ ّ ّ
للمساعدات من مال وغذاء وألبسة وأحذية ،ثم تحدث البطل بمرارة عن تأخر وصول
ّ ّ ّ ّ ّ
العسكرية داخل الوطن العمليات السالح الذي وعد به إخواننا بمصر ،وكذلك تأخر بعض
ّ ّ ّ ّ ّ
والتي اتفق عليها ،ما جعل فرق اللفيف األجنبي تتمكن من محاصرة جبال األوراس ،وقال أنه
يصب الجيش الفرنس ي جام ّ يخش ى أن ال تصل األسلحة إلى أيدي املجاهدين قريبا ،وأن
ّ ّ
غضبه على الشعب األعزل ،وأن تفشل الثورة ،كما حدث لثورات سابقة.
بأن عمر املنستيري سيأتيهم من إن بن بوالعيد سافر إلى قفصة وترك لهم وعدا ّ ثم ّّ
قفصة ،ليقودهم إلى جبال األوراس من أجل اإلتصال بشيحاني .سافر بن بو العيد ليال إلى
ّ
البوقص ي ،والتحق بعمر املنستيري بقفصة قبل ذلك. ليبيا برفقة ّ
عمار بريك
1روى املجاهد حامد مسعي ّأن دليل بن بوالعيد في تبسة أثناء تواجده فيها كان محمد بريك البوقص ي وهو
ثم ّإن بن بوالعيد بات ليلته عند بوعون لزهاري بن الفازع في منطقة بوموس ى جنوبعمار بريكّ ،
ابن عم ّ
مر به لزهاري بوعون إلى تونس ،حيث التقى بعمار بريك الذي كان رفيقه في تونس.تبسة ،حيث ّ
26
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
تصفحوا إحدى الجرائد فوجدوا خبر اعتقال بن وفي صباح 12فيفري 1955مّ ،
الفرق علموا عن طريق الجرائد بنبأ ّ ّ
الفرنسية ،حتى قادة ِ بوالعيد من طرف الجندرمة
ّ ّ ّ
الل ّ
يبية. اعتقاله بالحدود التونسية
ّ ّ عند ذلك ّ
قرروا اإلتصال بشيحاني في أسرع وقت ممكن ،فاتخذوا دربهم إليه ،وفي
ّ ّ
عسكرية بحليق الذيب بواد هالل ،غنموا منها قطعتين من طريقهم اشتبكوا مع فرقة
ّ
وانضم إليهم مجند جزائر ّي بسالحه ،دون أن يصاب ّ ّ
أي ّ السالح ،وجهاز اتصال عسكر ّي، ّ
وأول غنيمة لألسلحة. أحد بجروح ،كان ذلك ّأول اشتباك ّ
كنا 40رجال اتصلنا بشيحاني ،بقيادة ساعي فرحي ،فقام يقول لخضر بوزيانّ :
ّ الثورة والجهاد ّ
والت ّ ّ مطوال ّ باستضافتنا حيث خطب ّ
صدي للعدو ،بل أكد أيضا وتحدث عن
جماعيةّ ،
ّ الثورة ليس لها زعيم ّ ّ ّ
حتى ال تفشل بموت زعيمها ،وهكذا بعد ألنها قيادة بأن هذه
وتحدثوا كثيرا ،وقد أعجب الخطاب ،قام بمناقشة كل من :ساعي ،لزهر ،بن عمر جيالني ّ
ثورية ،ذلك ما جعل شيحاني ّكلما أتى إلى ّ
تبسة يالزم بساعي ملا ملس فيه من عقل راجح وروح ّ
يتعلق بناحية ّ ّ فرحي ساعي ،ويستشيره في ّ
تبسة. كل ما
ثورية ومنشورات ّ
وحتى طوابع الختم للقيادات، في آخر املقابلة ّزودهم بوثائق وقوانين ّ
ومن بين جملة القوانين:
ّ
العسكرية بالجيش الفرنس ي. _ رفض الخدمة
_ مقاطعة حضور املحاكم الفر ّ
نسية.
_ رفض دفع ما ّ
يسمى بالغرامة.
_ منع تناول أنواع ّ
التدخين.
ّ ّ ّ
كل موظف جزائري أن يسلم لهذه القوانين. _ على
سلم تسلم ،وغير ذلك من القوانين ّ
والتعليماتّ ، ّ
وتم وهذا ما جاء في منشورات
ّ ّ ّ ّ ّ
وفدائيين ومسبلين وضع خطة هيكلة الشعب إلى فئات لخدمة الثورة ،من مناضلين
ومناصرينّ ،
حتى ال يكون هناك تداخل في األعمال واملهام.
27
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
فيتم تشكيل وحدات صغيرة لضمان سرعة بالنسبة إلى الجانب العسكريّ ، ّأما
ّ ّ ّ التحرك ّ ّ
العسكرية، العدو ومراكزه والتنقل ،للقيام بمهمات خاطفة على مؤخرة أرتال
ّ الطرقات والجسور ّ ّ ّ
وكل ما يتعلق املسبلين في أعمال تخريب وكذلك اإلشراف على فرق
بمصالح العدو.
ّ
يتولى ذلك هو املحافظ ّ ّ ّ
يتعلق ّ ّ
السياس ي بالتعامل مع الشعب املدني ،فمن وأما ما
التخزين ّ
للتموين واأللبسة واألحذية وعمليات ّ
ّ والتموينّ ،
والتخابر والحراسة لجمع املال ّ
للتنسيق لخدمة عساكر جز ّ والذخائر وغير ذلك ،واإل ّتصال باملدن ّّ
ائريين وأملان واألدوية،
ّ ّ
لتسهيل خروجهم باألسلحة ،أو شراء السالح والذخائر منهم.
وضباط فرنسا وغيرهم ،وهكذا كانت بداية الفدائيين لقتل الخونة ّ ّ وكذا تجنيد
ّ ّ
هيكلة وتنظيم وحدات جيش التحرير واملناضلين بناحية ّ
تبسة ،وبسرعة تمكنت فرق جيش
التحرير من اإلنتشار الواسع ،بفرق صغيرة ملحاربة العدو ،وبأفراد آخرين يتغلغلون داخل ّ
ّ الشعب في ّ ّ
عملية تنظيم وتحسيس بأهداف الثورة.
ّ ّ
إلتحاقي بالثورة املسلحة
ّ ّ
لقد كان لي الشرف باملشاركة ،بعد انخراطي في تلك الفترة في صفوف الثورة ربيع
كنا نعمل بها ،بسبب ذلكورية ّالتي ّ ّ ّ
الث ّ ّ ّ
1955م ،والذي أخر انضمامي لها هو اكتشاف الخلية
الحادث الذي أسقط لنا شهيدا وهو محمد جدواني ليلة ّأول نوفمبر 1954م ،وما لحق بعد
شتت جمعنا وفرقتنا ّّ
وثبطت نشاطنا. ذلك من اعتقاالت
لكننا تباطأنا بسببشبان لإلتحاق بصفوف املجاهدينّ ،1 لقد قمت بتحسيس ثالث ّ
السالح ،رغم محاوالتنا القتنائه ،فوقفنا نتشاور فيما سنفعله ،فاقترح رفاقي أن نعود ّقلة ّ
لكنني قلت :لن أرجع إلى بيتي بعد أن خرجت ّ ّ
يتوفر لنا سالحّ ،
بنية الجهاد أبدا. أدراجنا إلى أن
الساعة العاشرةعندها انسحبوا وتركوني وحيدا ،وبعد تفكير طويل أجهد نفس ي ،وبحوالي ّ
ّ ّ
املنجمية ،كنت متأكدا من وجود سالح ليال ،خطر ببالي صديق تونس ي يقطن بأم العرايس
أولئك الرفقاء هم من بني عمومته وهم الشهداء :حمدان علي ،حمدان محمد ،مسعي الحسين. 1
28
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
سلم ّثوار تونس أسلحتهم ،كنت على يقين ّ
بأن صديقي ذاك لن يفعلها وسيخفي لديه ،بعدما
سالحه.
التعب ،وداهمني ّ
النعاس ،فألقيت ببدني حتى غلبني ّ
انطلقت شرقا أركض وأركض ّ
إلى األرض ،وال أعرف كم نمت ،ورأيت رؤيا إذ برجل ال أعرفه جلس إلى جانبي وأعطاني رشاشا
والنصر على يديك .استيقظت مباشرة فاستبشرت خيرا ،فقمت وواصلت وقال لي :خذ هذا ّ
مسلحا كان ذاهبا إلى حضور اجتماع ّ ّ سيريّ ،
عام حتى بلغت بئر العطوش ،فقابلت رجال
بتازربونت مع قيادة األوراس ،فأخذني بصحبته ،وفي طريقنا التحق بنا ثالث رجال أتوا من
ليبيا يسوقون إبال تحمل أسلحة وذخائر.
ونحن نسيرُ ،طرح سؤال حول عمل بن ّبلة وماذا يفعلّ ،
فرد عبد الكريم :1يقوم بن
الناس أنه نشيط ّ
وخدام. ّبلة بما يقوم به الجنود ،ليقول ّ
ّ
بالنسبة لي ،ونحن لم نك نعلم ّ
أن هذا ّ
الرجل يحمل فكر مصالي كان هذا كالما خطيرا
السعيد من ارتكب جريمة القتل الجماعي وأن قائده عبد الحي ّ الحاج ،ذلك ما ملسناه منهّ ،
عباس الغرور ،والطالبكل من ّضد قيادة اللمامشة في سبتمبر 1956م ،بمشاركة ّ بتونس ّ
والتصفيةّ ،املكلف بعملية القتل ّّ
وحتى العربي ،وعديد من األفراد كان أحدهم هو راشد
ّ
سوفية. شخصيات ّ
مدنية
وصلنا جبل تازربونت لنجدهم قد فرغوا من االجتماع ،وقد كانت فرحتهم كبيرة
فك تلك الحمولة وتوزيعها ،وقد كنت أعلم ّ
أن تم ّ السالح ،وبسرعة ّبوصول تلك الحمولة من ّ
حمه بن عثمان2 السالح ،فبينما أنا جالس على جنب منهم ،إذ جاءني ّ لي نصيب من ذلك ّ
ُ تذكرت ّ ّ
جيدا ما حلمت به البارحة في تلك الرؤيا ،ثم بسالح من نوع رباعي فرنس ي ،عندها
انضممت إلى محموعة خالي ساعي الذي عينني في عضوية لجنة تنظيم املدنيين .ومن ّثمة كان
ّ
املدنيين وهيكلتهم ،لتكوين وتشكيل خاليا املناضلين وفرق ّ
عضوية لجنة تنظيم لي شرف
ّ ّ ّ ّ ّ ّ
املسبلين والفدائيين ،واملناصرين لزرع الثقة في صفوف الشعب بالثورة الجزائرية ،وتبليغ
حمه بن عثمان فرحي ،وهو ابن خال املجاهد علي مسعي. ّ 2
29
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ووطنيتهم ،مثل الحاج محمد سعيديّ كذلك وقد اكتشفنا نماذج أبهرتنا شجاعتهم
ّالذي مررنا عليه ذات ليلة ،وكان أغلب من طرقناهم رفضوا مبيتنا عندهمّ ،
لكن ذلك ّ
الرجل
صبحنا الجيشقال :ادخلوا يا أوالدي ولو احترق بيتي ،وسأذبح لكم شاة لم تلد .فلما ّ
ّ
فارتدوا على أعقابهم النار عليهم،الفرنس ي وبلغ زرائب الغنم ،سارع بشير فرحي وأطلق ّ
مذعورين ،ومن ّثمة خرجنا وهم ينظرون إلينا دون أن ّ
يحركوا ساكنا.
وبعد ابتعادنا عن دار الحاج ،عادوا إليه وأفسدوا ما وجدوا من زاد ولحم ،واعتقلوا
الشيخ البطل لم يضعف ولم يتزعزعّ ، ّ ّ
فلما خاطبه الحاج وأحد أبنائه وأخيه إبراهيم ،لكن
ّ ّ ّ
النقيب الفرنس ي قائال :الفالقة خرجوا من دارك .رد عليه الحاج :وأنت تنظر إليهم يا جبان
ّ
تتكلم هكذا أثناء ّ فرد ّولم تقاتلهمّ .
التحقيق. الضابط :اصمت وال
ّ ّ الت ّ ّ
الثورة ّ تلك نماذج وحاالت ّ
لفجائية الثورة حريرية في بدايتها ،نظرا وطنية من قاعدة
ّ بالنسبة للمجتمع الجزائري ،ولغياب البعد ّ ّ
داخلية قبل السياس ي ،وماحدث من خالفات
ّ
الث ّ ّ ّ ّ
ورية للوحدة والعمل. اندالع الثورة بين حزب الشعب واللجنة
ّ ّ تم تكثيف نشاط املجاهدين ّ ثم ّ
وعمليا ،إلزالة ما يبثه عمالء فرنسا من نظريا
ّ
الثورة ،إذ يمثلونها بما سبق من ثورات فاشلةّ ،
وحتى وإن كان دون قصد تشكيك في نجاح
ّ ّ ّ
مما يصدر من الذين خدموا بالجيش الفرنس ي الذين يشيعون بقوة الجيش الفرنس ي عددا
ّ
وعدة ،وهم على حسن ّنية يرون األمر بنظرتهم ّ
املادية.
30
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
الفرنسية، ّ
العسكرية ولكن ما جاء من نتائج عسكرّية من هجومات على املراكز
ّ ّ
والهجمات على مؤخرات األرتال للعدو ،ناهيك عن نصب الكمائن التي تحصد الكثير من
السالح ،مثل ما حدث في 14ماي 1955م ،بكمين املورد بالعقلة الذي أفراد العدو ،وغنم ّ
ّ ُ
قتل به الحاكم ديبوي موريس وضابط قائد الفرقة املرافقة ،كما سلم أفراد تلك الفرقة
ومسدسات ،بينما فقد املجاهدون ّ أنفسهم وأسلحتهم منها رشاشان من عيار 24-29ملم،
شهيدا وهو فالح محمد ،وجرح عبد هللا اليعقوبي.
مهما ّ
جدا في رفع ّ
الروح ّ
البوقص ي ،دورا ّ كان لكمين املورد الذي قام به عون عمر
ّ
املعنوية في صفوف فرق املجاهدين واملواطنين على حد سواء ،من شاهد ذلك ومن سمع به، ّ
تنافسيا بين فرق مجاهدي ناحية ّ
تبسة. ّ وأعطى دافعا
ّ ّ
ّ
مروحية من الغد صباحا في مكان ّأما بالنسبة للجانب الفرنس ي فأمر آخر؛ إذ حطت
الكمين ،نزل منها الجنرال سوستيل املقيم العام بالجزائر ،وترافقه زوجة الحاكم املقتول
ّ ّ هدد فيه ّ وأبناؤه ،حيث ألقى خطابا ّ
ثم قلد أبناء الحاكم وسام وتوعد فرق املجاهدين،
ّ
لفرنسيين ،ولتجميع العزائم قال ضابط فرنس ي الحرب .لقد كان ذلك الحادث صدمة قاتلة ل
بالعزاء :ال تستغربوا أيها الحضور أن يقتل الحاكم في عمق 50كم ،لم يكن فيه فرنس ي واحد.
كمين جبل القعقاع ّأول جوان 1955م
ّ
بالطريق ّ
الرابط بين كان ذلك الكمين بأمر من القيادة ،بأن يكون بجبل القعقاع
ّ
يمر منه كثير من فرق العدو ،باتجاه الجبل ألهمية املكان ّالذي ّ
ّ ّ
تبسة والشريعة ،نظرا ّ
السالح بقتل العديد من الجنود األبيض والجرف وقنتيس وغيرها ،فكانت فرصتنا لغنم ّ
لكن العدو فاجأنا برتل يصحبه عنصر ّ
املدرعات، يمرون من هناكّ ، والضباط ّالذين ّ
ّ
ُ ّ
سقط لنا فيها خمس شهداء هم :فرحي أحمد بن ساعي، ليتحول الكمين إلى معركة مباشرة ،أ ِ
الطاهر ،بوعون بوقطف ،بوقطوف محمد ّ ّ ّ
الصالح ،فارح الوردي ،ومن فرحي الشريف بن
حمه بن عثمان ،فرحي ّ
حمه بن زروال وغيرهما... الجرحى قائد الكمين فرحي ّ
ّأما خسائر العدو رغم عدم علمنا بها ،لكن تبدو كبيرة من خالل ما رأيناه من
معينّ ، سكان ّّ
للتعرف على الناحية بمكان ّ تصرفاتهم ،ذلك ّأنهم من صباح الغد جمعوا أغلبّ
31
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
تبين ّأنهم من قبيلة ّ
التكاكة ،اعتقلوا أفراد الشهداء ،والقبائل ّالتي ينتمون إليهاّ ،
فلما ّ ّ ّ
هوية
التكاكة ّ
وسرحوا اآلخرين. ّ
ّ
العسكرية ،وقد ّ
العمليات من اشتباكات وهجومات على املراكز هكذا كانت مستويات
ّ
املسلح واملدني أيضا ،ما أغرى القائد شيحاني على ّ
التنقل من األوراس إلى تضاعف اإلنخراط
ّ جبل أم الكماكم ،لإلشراف على ّ
عملية تنظيم وانتشار واسع لتقوية ساعد الثورة ،وقد
ّ
الفرنسيين وقادتهم بالقيام بحملة الزمان هناك ،ما أوعز في نفوساستقر شيحاني فترة من ّ
ّ
تبسة بحجر واحد. جمع ّالذي فيه القائد شيحاني وفرق ّ عسكرية ،لضرب ذلك ّ
الت ّ ّ
وبينما كان املجاهدون إلى جانب القيادة يدخلون ويخرجون من الجبل ،فيهم من
الزرق يوم فرنسية واسعة بدأت بواد ّ
ّ ّ
عسكرية ّ
يتدرب ومن يقوم بمهام الحراسة ،إذ بحملة
ّ العش انتشرت قوات ّّ
مترجلة قضت على 33فردا الذين كانوا 22جويلية 1955م ،قرب راس
ّ
الزيدي ،الذي نجا منها رفقة جريحين ،ذلك ما ّ بقيادة الحاج صالح ّ
شجع الجيش الفرنس ي
ّ
كل أرجاء املكان ،وكذلك التحاق فرق املظل ّيين
على التقدم بثقة وثبات ،بفرقه املنتشرة في ّ
ّ ّ
الفرنسية األخرى ألم الذين دخلوا من جهة بئر العاتر ملفاجأتنا من الغد أثناء وصول القوات
الكماكم.
الت ّ ّ
ونسية معركة أم الكماكم ومعركة جبل بوقافربالحدود
ّ
ملا كان الغد أي يوم 23جويلية 1955م صباحا ،نشبت معركتي أم الكماكم وبوقافر
الطائراتّ ،ّ الرئيسية بحماية ّ
ّ تقدمت ّ في وقت واحد ،فقد ّ
وتقدمت جوية تحت تحليق القوات
السابعة صباحا ،وكانت بداية املعركة املدفعية ،فكانت بداية املواجهة حوالي ّ
ّ الدبابات وقطع ّ
ّ
قمة جبل أم الكماكم مع فرق املظل ّيين ،وقد هلك أغلبهم نظرا لحسن تمركز فرقنا بأعلى ّ
ّ
جيدا ،بينما كان املظل ّيون يجهلون مسالك الجبل وجهاته ،فتاهوا فيها ما ومعرفتهم األرض ّ
تفوقهم عدداجعل منهم أهدافا سهلة لرماتنا ،وبذلك خسروا كثيرا أحسن جنودهم ،رغم ّ
ّ ّ
عمار من قبيلة أوالد عبيد أثناء نزول املظل ّيين.
وعدة ،بينما استشهد لناّ :
32
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
كما استشهد لنا في هذه املعركة 20شهيدا منهم :فرحي املقدادي أخو ساعي ،مومن
حمود بن فرحات ّ
جداي ،ومن الجرحى: عروم الطاهرّ ، مزيان ،فارس إبراهيم ،أيمن ّ
السبتيّ ،
ّ ّ ّ
مباركية محمد ّ
الرشاش ي. دعاس لزهر ،فارح الط ّيب ،نصر،
نعم ..لقد تواصلت املعركة ودارت ليوم كامل رغم الفارق الكبير بيننا ،وحرارة
ّ
وقلة املاء وطول ّ ّ
النهار ،وهو يوم عيد األضحى ،لقد كنا ننادي بأعلى الطقس وعراء الجبل،
للتضحية صوت على بعضنا بعض فنقول :لقد جاءتنا كباش العيدّ .
وحقا لقد كان عيدا ّ
خصيصا للقضاء على مراكز عسكرية أتت ّ
ّ والفداء ،كانت ّأول تجربة لنا في مواجهة حملة
العسكرية _كما ّيدعون ّ
ّ ّ ّ
ويسمونا_. التمرد التي أرهقت فرقهم
ممن حضر املعركة حوالي 280رجال ،كانت القيادة ّ
العامة لبشير كانت القيادة وعدد ّ
شيحاني ،وقائدين مساعدين هما فرحي ساعي وورتال بشير بولحيةّ ،أما قادة الفرق هم:
حمه بن عثمان ،بن عمر جيالني ،فارس ي محمد بن عجرود ،فرحي ّ
حمه دعاس لزهر ،فرحي ّ ّ
بن زروال ،عمارة محمد األخضر.
تم عقد اجتماع هناك بحضور ّ
كل بعد املعركة انتقلنا ليال إلى الجبل األبيض ،حيث ّ
ثم ّوسلبياتهاّ ،
ّ ّ فرق ّ
شدد على تبسة ،وخاطب شيحاني الحضور ،وحلل املعركة بإيجابياتها
ّ
العدو أنفاسه ،وأمر كل مكان وزمانّ ،
حتى ال يلتقط مواصلة الجهاد ومالحقة العدو ،في ّ
وحرض على إحداث الخسائر فيه ،وغنم األسلحة منه. ّ
33
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
34
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
35
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ فعل ّثوار فيتنام ،وهاهم جيراننا نالوا ّ
حقهم من فرنسا ،وما عليكم إال أن تحتضنوا الثورة،
وتحافظوا على سيرورتها.
بتقدم الجيشوكان هذا ّأول ّرد على ما قامت به فرنسا ،وأثناء ذلك توالت األخبار ّ
وتجنب مواجهة إن هنالك من نصح بالخروج إلى تونسّ ، حتى ّكل الجهاتّ ، الفرنس ي من ّ
قررت املواجهة ،وعدم الفرار أمام الجيش عدته وعتادهّ ،
لكن القيادة ّ صعبة لجيش بكامل ّ
ّ ُ ّ
فالبد من املواجهة ّ ّ ّ
ثم أعطي األمر ورد اإلعتبار، الذي قتل إخوانهم بالشمال القسنطيني،
للمدنيين بالخروج من واد هالل قبل أن يدركهم العدو.
ّ
التحضيرللمعركة
قوات العدو،كل منهم إلى جهة لتشتيت ّ قام شيحاني بشير ببعض ّ
التعيينات للقادةّ ،
شريط على جبل أم الكماكم وقرن الكبش وما جاورها ،وعلي عفيف على جبل ّ
فعين لزهر ّ
بوجالل ومهاجمة مركز املاء األبيض إلشغال العدوّ ،
وعين فارس ي محمد بن عجرود بأم خالد
ّ
العدو بضواحي خنشلة، عين عون عمر لنجدة جماعة ّ
طوقها ملراقبة ّ
تقدم العدو ،كما ّ
وفرقة لزهر ّ
شريط تتبعه إلى خنشلة.
عباد ،إضافة إلى فرقة ّأما باقي الفرق مع قياداتها فثالث فرق تتبع ساعي ،وفرقة ّ
الزين ّ
وقص ي ،وفرقة قريد عبد املالك ،إضافة إلى شوشان الباهي ،وفرقة ساهي العيد تتبع عمر الب ّ
ّ عجول ّ من يرافق القيادة من أعضاء ،منهم ّ
عجول الذي يرافقه 12فردا ،وليس كما يقول
بأن عدد مرافقيه 100رجل فذلك ليس بصحيح. عبد الوهاب عثماني ّ
جدا ،منه بنادق ّ مسلحا بسالح بسيط ّ ّ
الصيد وبنادق كان مجموعنا حوالي 280رجال
ّ ّ
صنع إيطالي أغلبه ذخائر غير صالحة لإلستعمال ،ومنهم من تسلح بالخناجر والسيوف
ّ
اليدوية ،ومن ال سالح له. والقنابل
لكن املعركة بدأت بأم خالد ،فقد داهم العدو فرقة محمد بن عجرود ،فرفض ّ
البطل بن عجرود اإلنسحاب أمام زحف حشود العدو ،رغم إلحاح رفاقه عليه ،إذ ّرد عليهم:
ُك ّلفت من اإلدارة بمراقبة ّ
تحركات واتجاه فرق العدو.
36
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
وهكذا خاض البطل ورفاقه معركة غير متكافئة إلى أن نفدت ذخيرته ،فوقف رافعا
فلما سأله العدو عن سببفلما اقتربوا منه ضرب بسالحه حجرا كبيرا فكسر سالحهّ ، يديهّ ،
ّ
فعلته أجاب :حتى ال يسمع رفاقي املجاهدين أنني سلمت سالحي .وهكذا يفعل األبطال ،فما
ّ
كان منهم إال أن قتلوه ،رحم هللا الشهيد فارس ي محمد بن عجرود وكل رفاقه ،فلم ينج منهم
سوى اثنان ،ال أعرف كيف نجيا ،واستشهد 28شهيدا يوم 21سبتمبر 1955م.
معركة الجرف الكبرى
ّ ّ
تحولت القيادة من رأس الطرفة إلى قلعة الجرف استعدادا للمواجهة ،التي حذر منها
جمع في رسالتين شنوف القيادة ،حيث نصحا القيادة أثناء ّ
الت ّ كل من الحاج يعلى وبن ّ ّ
لتجنب املواجهة الصعبة ،لكن كما سبق وذكرت فقد رفضت التونس يّ ،
بالخروج إلى القطر ّ
بالشمال القسنطيني في ّ ّ وقررت ّ
الت ّ
حق حدي ّردا على ما ارتكبته فرنسا القيادة الهروبّ ،
ّ
املدنيين.
وكان استشهاد بن عجرود ومن معه رحمهم هللا إنذارا ّأوال للقيادةّ ،
فقررت أن تنتقل
بالتحليق ّ
الجوي على قلعة الجرف. إلى قلعة مسحالة ،لتشتيت ذهن العدو ،الذي ّركز ّ
تقدمت فرقة ّ
الزين ّ
عباد لكشف الطريق وفيها خيرة مساء يوم 21سبتمبر 1955مّ ،
فرنسية بإطالق ّ
النار ،فتراجعت فرقة ّ أبناء املنطقة العارفين بمسالكها ،ففاجأتهم فرقة
ّ ّ
الزين ّ
عباد وخرجت من تلك املسالك ،وتراجعت القيادة إلى قلعة الجرف ،ومن ّثمة اتخذت
جد وذكاء وحرص على بكل ّ
فحضرت لها ّّ القيادة موقفا للمواجهة الحاسمة وبوعي كامل،
ّ
اإلنتصار ،و ّرد كيد فرنسا خائبا ذليال ،وقد استبشرنا بالنصر عند وصول مجموعة من
ّ
الذخائر واألسلحةّ ، املجاهدين يحملون ّ
تم توزيعها على فرق املجاهدين ،وكذلك كميات من
التموين ،مع ّ
التوصيات بالحزم والعزم للمواجهة. مواد ّ
ّ أخذت فرقنا مواقعها للقتال بعد توزيع األسلحة وأخذ ّ
التوصيات الالزمة من ضبط
ووضعيات القتال ّ
لصد العدو. ّ مسك باملواقع وربطّ ،
للت ّ
37
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
بداية املعركة
ّ
العدو السابعة صباحا من يوم 22سبتمبر 1955م ،ظهرت فرق الساعة ّ عند حوالي ّ
بكل شوق وتقدمت مفارزهم األولى من الجهات األربعة ببطء ،ونحن ننتظر ّ كل الجهاتّ ، من ّ
النار عن بعد ،بل نتركهم يقتربون إلنزال أكبر قتالهم ،حيث صدرت لنا األوامر بعدم إطالق ّ
األول منمنا بدأ اإلشتباك ّ قدر من الخسائر بهم ،وغنم أسلحتهم ،وبالفعل؛ عند اقترابهم ّ
عمت الجهات األربعة.حتى ّ أسفل الوادي وأعاله ،ومن ّثمة تصاعدت وتيرة القتال ّ
وأثخناهم وأحدثنا فيهم خسائر ّأولية، ّ النار حسب أوامر القيادة،أطلقنا عليهم ّ
السالح من طائرات ّ كل أنواع ّ واتسعت املعركة شيئا فشيئا ،إلى أن استعمل فيها ّ ّ
ودبابات
ّ ّ ّ
ّ
املدفعية بسبب واملدفعية ّأوال ،بينما تأخر سالح
ّ ّ
ومدفعية وهاونات ،وقد تدخلت الطائرات
ّ
العسكرية ليوم غد. السبيل هندستهم جهزت لهم ّ الت يسّ ،
حتى ّ ّ ّ
الطبيعية ووعورة ضار املوانع
ّ ّ ّ ّ ّ
خاصة فرق اللفيف األجنبي واملظل ّيين التي بكل طوائف جيشه، العدو ّ كما شارك
ّ ّ ّ
العدو من يشرف عليها جنراالت فرنسا ،دام ذلك القتال إلى أن أظلم الليل ،دون أن يتمكن
تكبد خسائر في األرواح من قتلى وجرحى ،ولم ُيصب من أفرادنا أحد الوصول إلى نتيجة ،بل ّ
ّ
تدخل ّ
كل أنواع األسلحة. رغم
ّ ّ عمت املعركة ّ هكذا ّ
ومدفعية امليدان كل مكان بصورة شاملة ،وتبادل سالحا الطيران
ّ ّ
لكن ّرد رماتنا كان وبقية الفرق للهجومّ ،املظل ّيين ّ الدور على قصفناّ ،
ثم فتح املجال لفرق
ّ
وتحصننا. قاسيا وأسقط منهم القتلى والجرحى ،فتراجعوا مذهولين نظرا لحسن تمركزنا
فلما خرجنا ّ
استعدت فرقنا للخروج الليلي كعادتناّ ، وبعدما أحلك الليل وعسعس،
ّ ّ
بالتمسك باملواقع وتشديد الحراسة ،ثم تعالت األناشيد بيننا من مواقعنا جاءنا أمر اإلدارة
ّ ّ
فرحا بمناسبة قبول عرض ملف الثورة الجزائرية لدى مجلس األمن ،وكم كانت فرحتنا كبيرة
حتى أنسانا الفرح ما ينتظرنا غدا ،لقد كانت ليلة ممطرة ّ
يلفها الظالم الحالك، بخبر كهذاّ ،
ّ كنا يقظين ،اليد على ّوقد ارتفع مستوى جريان الوادي ،رغم ذلك ّ
الزناد خوفا من تسلل
عنا ّ ّ
املظل ّيين بيننا ،وقد غاب ّ
النوم وجافانا.
38
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ حتى صباح يوم 23سبتمبر 1955م الزمنا مواقعناّ ، ّ
ألن تحليل القيادة أفض ى إلى أنه
فيتم القضاء قوات منتشرة على كامل الجبل األبيضّ ، األول فستعترضنا ّ لو خرجنا اليوم ّ
ّ
وننسل علينا جماعات وفرادى ببساطة ،وعليه فيجب علينا أن نخوض املعركة ليوم ثان
العدو قد اجتمعت في مكان املعركة وبذلك يخلو الجبل األبيض من فرق ّ أن فرق ليال ،لنجد ّ
ّ
العدو ،ولذلك بقى شيحاني ومن معه في الجرف في نهاية املعركة وما خطط له شيحاني لينقذ
بقية املجاهدين. ّ
ّ ّ
صباح اليوم الثاني للمعركة وقبل شروق الشمس حسبما أذكر جيدا ،أطلق الجيش
ّ ّ ّ
واشتد القتال ومدفعية امليدان وهاون ورشاشات، الفرنس ي نيران أسلحتهم من الطائرات،
ّ ّ ّ ّ ّ
القتالية من مظل ّيين وفرق اللفيف األجنبي، ّ كل التشكيالت بكل ضراوة وعنف ،وتدخلت ّ
ّ
لكن أبطالنا ّردوهم من املظل ّيين ّ قوة ،وقد دفع بفرق كل ما لديه من ّ ّ
العدو ّ واستخدم
ّ ّ
مواقعهم وبثبات ،فسقط لهم كثير من القتلى والجرحى ،ما أثر في العدو فكانوا يرتدون
ّ ّ ّ الدبابات ّالتي ّتدخلت ّّ ّ
لتحصننا مهدت لها الهندسة الطريق ،لكن لم تؤثر فينا، مذعورين .ثم
باملدفعية ويقصف من ّ الصخرية ،وراح العدو يقذف بأماكن صلبة في أخاديد الجبال ّ
فيتم قتلهم ّ ّ
املظل ّيين ّ الطائراتّ ، ّ
وردهم بواسطة أبطال الجزائر ،لكن ثم يعيد الهجوم بفرق
السالح امل ّ ألننا لم نمتلك ّ ّ تدخل سالح ّ ّ
ضاد لها، املدرعات اضطررنا إلى تغيير مواقعنا عندما
ّ
وبقينا على هذا الحال إلى أن أظلم الليل ،فجاء أمر بتعيين أفراد من أبناء املنطقة ،لتحديد
أن شيحاني كل املسالك قد أغلقت ولم يبق منفذ فرجعوا ،ذلك ّ مسالك للخروج ،فوجدوا ّ
مكانية وجود منافذأرسل ساعي البريد إلى قائد مجموعتنا ،يأمره بالبحث واإلستطالع حول إ ّ
ّ
العدو واشتبكوا دورية من مجموعتنا تستطلع ،فاكتشفها للخروج من الحصار ،فانطلقت ّ
العدو من قتل بعض من جنودها ،وعاد ّ ّ ّ
البقية إلى مواقعهم. فتمكن
املدفعية ،والقصف ّ
الجوي ّ ّ ّ
العدو العنان لقذائف في اليوم الثالث للمعركة أطلق
دوليا ،وانتشرت املحرمة ّ
ّ ّ
العدو في ذلك اليوم األسلحة الدبابات ،وقد استخدم ودخول ّ
ّ ّ ّ
تغطي املكانّ ، الغا ات وأسحبة ّ
فتقدمت فرق املشاة ،إضافة إلى فرق املظل ّيين التي الدخان ز
ّ
حاولت اختراق صفوفنا منذ الفجر إلى بعد طلوع النهار ،وقد اشتد وطيس القتال ،وكان يوما
ّ تدخلت ّّ ّ ّ
املدرعات ورمتنا الطائرات ببراميل شديدة اإلنفجار الوطنية في نفوسنا ،ملا شديد
39
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
واشتد األمر علينا لنفاد ذخائرنا تزلزل األرض من تحت أقدامنا ،دام ذلك إلى بعد العصر،
ّ ّّ ّ الرشاشات نوع 24-29ملمّ ،التي ّ
يعول عليها في رد هجوم املظليين األشداء، ّ
خاصة ذخيرة ّ
السالح ،وعرضوا علينا شرب فناجين من العدو كثيرا وطالبونا بوضع ّّ واقترب ّ
منا أفراد
بأن أمرنا قد انتهى ،ويصيحون :ال تتعبوا أنفسكم ،ضعوا تبسة ،وأوهمونا ّ
القهوة في ّ
سالحكم جانبا.
وكنا نتبادل ّ ّ
بالنسبة لنا ،إذ كانوا ينادوننا من قريبّ ،
الس ّب لقد كانت لحظات فارقة
ثم قام أربعة مناّ ّ
وأننا قد تركنا مواقعنا بسبب دخول الدبابات بالواديّ ،ّ ّ ّ
والشتائم ،خاصة
بإنشاد من جبالنا طلع صوت األحرار ينادينا ،وبأنغام يملؤها البكاء انبعثت في نفوسنا
ّ
للشهادة أو ّ
النصر. حماسة كبيرة ،واستعدادا
ّ ّ
سلل إلى مكان القيادة ّ ّ
سرا ،كان وبسبب تلك الظروف العصيبة ،جاء أمر القيادة بالت
ثم ّإننا وجدنا أغلب الفرق قد ّ ّ
الشمسّ ،
تجمعت حول القيادة ،في انتظار ما ذلك عند غروب
يجد من أوامر ،في الوقت الذي كانت القيادة تتناقش فيه حول تداعيات الوضع الخطير، ّ
كل منافذ الخروج. بسبب غلق ّ
ّ ّ
العدو سيمثل بنا ألنالتاسعة ليال ،ملّا أصبح قرار الخروج هو قرار باإلستشهادّ ،
كانت ّ
لكن ّ
نمكنه من هذا أبداّ ، ّ يوم غد أمام شعب ّ
النقاش اآلن فيمن سيبقى بالغار تبسة ،ولن
ّ
عملية ممن لم يحضروا املعركة ،ويشرع في ّ
املتبقيةّ ، املحصنة ،كي يعيد تنظيم ّ
الرجال ّ
ّ ّ
التجنيد ملواصلة الثورة.
التوعية وبعث عملية ّ
ّ فتم اإلتفاق على بقاء شيحاني وفرقته ،فهو قادر على ّ
ّ
بكل رجولة ،وعدم اإلستسالم ،واإلحتفاظ الشهادة ّ الحماسةّ ،أما نحن فتواصينا على
ّ ُ
الكفار ونقتل شهداء. ارية لنقتل بها أكبر عدد ممكن من بأحسن ال ّطلقات ّ
الن ّ
ّ
وسبب اتخاذ شيحاني قرار اإلنسحاب الجماعي ،كان ألمرين اثنين:
ّ
" _1نفاد الذخيرة عند كثير من املجاهدين.
40
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
العدو متمركز في الجبل ّ ّ التحرير ّ تأكد قيادة جيش ّّ
لعدة ّأيام ،في حين كانت بأن _2
ّ
العدو سينسحب بعد يومين على األكثر. ّ في اليوم ّ
األول من املعركة تعتقد بأن
ألن انسحاب الوحدات لهذا فقد ّاتخذ شيحاني قرار اإلنسحاب دفعة واحدةّ ،
ّ ّ
للعدو ملحاصرة املجاهدين ،إذ ّربما تتمكن الوحدة األولى الواحدة تلو األخرى يعطي الفرصة
ّ
العدو ،لهذا ّ ّ ّ من اإلنسحابّ ،
تم لكن الوحدات املتخلفة لن تتمكن من الخروج من تطويق
تتوقع خسائر كبيرةّ ،ّ الهجوم دفعة واحدة مع ما في ذلك من خطر ،إذ ّ
لكن أن القيادة كانت
اإلنسحاب الجماعي كان أفضل من البقاء في الجبل إلى أن تنفد ذخيرة املجاهدين بكاملها،
تبسة ،فيقدمون لنا القهوة كما كانوافيتم القبض علينا أحياء ،فيأخذنا جنود األعداء إلى ّ
ّ
ّ
يعايروننا في اليوم الثالث من املعركة ،عندما أخذت ذخيرتنا تنقص ،وقد كان ذلك
غالبية املجاهدين من اإلنسحابّ ، ّ ّ ّ
وتبقى حوالي فرقة من التخطيط سليما ،بحيث تمكنت
ّ ّ ّ
العدو إلى أن استشهدواّ ،أما الجنود كانوا في املؤخرة ،لم يتمكنوا من الخروج ،فقاتلوا
شيحاني و ّ
ستة مجاهدين فقد بقوا في الغار ولم ينسحبوا مع املجاهدين1".
تصريح للمجاهد علي بن أحمد ،ينظر :مجلة أول نوفمبر ،ع .1988 ،97-96 1
41
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
أن املؤونة قد نفدت ،وسألناه الخروج ّ عباس الغرور ّ والشجاعة ،فقد ذكر ّ ّ
لكنه أعطانا
النهج الصحيح1.القرار الختيار ّ
نتسلل بحذر شديدّ ،
وكنا صفوفا متر ّ ّ
اصة ألنها عملية أعود إلى املعركة ..فبينما نحن
ّ
عسكرية ،كان أغلبها على مرتفعات الجبل ّ
ونتقدم إلى حشود ّ
استشهادية رفضا لإلستسالم،
يغنون ويمرحون ،فرحا بأسرنا لينالوا األوسمة غدا والحوافز؛ لم يشعروا ّبنا حتى دخلنا بين ّ
صفوفهم األولى بحول هللا وقدرته ،في أضيق مساحة ،بين أشجار كثيفة ،وكان لي شرف قتل
ّ ُ العدو ّ
ّ ّ
العدو إلى النار ،فأصبت في ركبتي ،وسارع ّأول من تفطن لنا ،وكنت ّأول من أطلق عليه
الليل نهارا ،وقذفونا بالهاون ورمونا بنيران ّّ إطالق القنابل ّ
الض ّ
الرشاشات من وئية ،فصار
ّ ّ خارج الواديّ ،
حتى صاروا يقتلون بعضهم بعضا ،ويصيحون :توقفوا إنكم تقتلونا .فتوقف
وتغيرت مجريات املعركة فصارت وجها لوجه ،عند ذلك اندفع العدو عن إطالق ّ
النارّ ، ّ أفراد
ُ ّ ّ ّ
مجاهدونا بالصيحات :هللا أكبر ،الشهادة أو النصر ،اقتلِ ..اذبح..
ألن املساحة التي يجري فيها بكل أدوات القتل عن قربّ ، ومن ّثمة أصبح القتال ّ
السيوف والخناجر والقنابل واستخدمت ّ ضيقة ،ومليئة باألشجار على طرفي الواديُ ، القتال ّ
حتى صار املاء في بعض املناطق التقابض باأليدي ،ما اد في عدد القتلىّ ، وحتى ّاليدويةّ ،
ّ
ز
الدماء ،كانت صدمة كبيرة لقادة الجيش الفرنس ي بسبب عنصر املباغتة التي أحمرا من كثرة ّ
لم تكن في الحسبان.
ّ ّ
بندقيتي ،أشاهد القتلى والجرحى كنت أسير متثاقال أجر قدمي على األرض متوكأ على
ّ
تقشعر له األبدان، مرمية هنا وهناك ،لقد كان مشهداداخل الوادي وعلى جانبيه جثث ّ
ّ
اليدوية ،وخرير مياه األمطار ،وصوت األذان من الرشاشات وبنادق ّ
الصيد والقنابل صوت ّ
عملية قتل قطيع من البغال تحمل ذخائر وعتاد ،ومأكوالت ومشروبات، وحتى ّ املجاهدينّ ،
ونوم ثقيل ،فاخترت حجرا ضخما بجنب واد ،وأسندت ظهري إليه ،وال أعرف كم نمت ،حتى
أيقظني نباح ذئب وزمجرته وهو يحفر أسفل قدمي ،يريد صنع حفرة ليسقطني فيها
ّ ّ ّ ّ
خاص باملاء ،فضربت عليه حديديا ويفترسني ،ولم يكن معي ما أدفع به أذى الذئب ،إال دلوا
ّ
الذئب قليالّ ،
ثم قمت من فوري وانطلقت مسرعا وهو يتبعني ويعوي بأعلى بالحجر فتراجع
ّ
صوته ،ولم أشعر حتى وصلت إلى مركز لنا بقلعة مسحالة عند طلوع شمس ذلك اليوم ،ولم
ّ
أجد باملركز شيئا من أكل أو شرب أو دواء ،وأنا في حالة من الجوع واألوجاع لدرجة أنني قد
لحدة جوعي ،كان الجيش حتى احترقت معدتي تخفيفا ّ أكلت ورق شجيرات القطف املالحّ ،1
الفرنس ي قد أخذ ما بذلك املركز.
سوء لبعدي عن األهالي ،وعن جبل أم الكماكم الذي به مقر لزهر وقد زادت حالتي ً
ّ
أتضور جوعا وأشرب من ماء املطر، إلي من غيره ،وواصلت ّ
السير وأنا شريط فهو األقرب ّ ّ
وقد كنت على هذه الحالة ليلتين ويومين ،دون طعام وال دواء ،حتى وصلت أم الكماكم
ّ الزاد لكن لم أجد هنالك ً فوجدت القليل من ّ
دواء ،ومن حسن حظي وجدت من يوصلني إلى
وأول بيت نزلت به كان لس يوبالضبط إلى الغنجاية ،عند عرش أوالد عبد هللاّ ،2 ّ ّ
الدرمون
الشجاعّ ،ّ العروس ي عمرون ،ذلك ّ
وحتى ال يشيع خبر وجودي عنده لضمان الرجل الوطني
حتى تعافيت من جروحي وإصابتي. أتنقل من بيت إلى آخرّ ،سالمته ،كنت ّ
الثورة ّ ّ نعم ..لقد دفع ذلك العرش الغالي ّ
بكل ما لديهم من مال والنفيس الحتضانه
والتعذيب وحرق البيوت ونهب األرزاق،فتعرضوا النتقام الجيش الفرنس ي ،بالقتل ّ وأبناءّ ،
ّ
خاصة س ي العروس ي وعائلته وجيرانه وأقاربه ،جزاهم هللا خير الجزاء.
سأعود إلى املعركة وإلى أي مستوى صارت إليه ،من املعروف أن املعركة دامت حوالي
قرر الجيش الفرنس ي بناء مركز عسكر ّي ثابت هناك ،ولذلك األسبوعّ ،
ألهمية ذلك املوقعّ ،
ّ
صار األمر صعبا على شيحاني ومن معه ،ما ّأدى إلى اكتشافه عن طريق أحد الشباب ،قد
ّ ّ ّ ّ
فدلهم على ّ تخلف وال أدري ّّ
يتحصن فيه شيحاني، النفق الذي السبب ،فعثر عليه العدو
القطف املالح :من حشائش الجبال بمنطقة تبسة وهو ضار. 1
أوالد عبد هللا :من عمائر قبيلة أوالد حميدة اللمامشة. 2
44
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
جدا ،فحاصروه وطلبوا من شيحاني ضيقا ّ ذلك الغار كان له مدخل واحد فقط ،وكان ّ
ُ ّ ثم قالواُ :اخرج يا شيحاني ّ الخروج ،فرفض ذلكّ ،
فإن جيشك كله قد قتل .فرفض أيضا،
ّ الدخول ،فأطلق عليهم أحد أفراده ّ عند ذلك حاولوا ّ
النار ،فلما أدركوا أن ال سبيل إليهم إال
النفق نهائيا ،وأظلم عليهم ّ
النفق فانسد ّ
ّ النفق ،قاموا باستخدام ّ
الديناميت، تفجير مدخل ّ
ضرع إلى هللا ّ
عز ّ
وجل. ولم يبق لألخوة ّإال ّ
الت ّ
النور وصاح فرحاّ :
الضوء.. حتى أى ّ لكن علي املعافي أخذ يربش أحد جوانب الغارّ ، ّ
ر
الدبابات والعسكر ،فلبثوا في ثم أعانه ا ّلرفاق على توسيع املنفذ ،وقد بانت لهم ّ ّ
الضوءّ .
ّ
الليلّ ، أماكنهم ّ
ثم خرجوا ليلتحقوا بإخوانهم. حتى أظلم
ّ
عسكريا حوالي 800قتيل ،وقد كانت معركة الجرف عظيمة فعال ،فقد خسر العدو
ّ ّ
جماعيا ،ويأخذون الجرحى داخل الشاحنات، كانوا يحفرون الخنادق لدفن قتالهم بالجملة
ّ ّ ّ وقد ّ
حدثنا أفراد من الشعب عن دماء العدو التي كانت تنزف ،وكيف خرجوا من املعركة
ّ
املظل ّيين ،وما ّ ّ
تزودوا به أيضا من خروجا ُم ِذال ،رغم ما لديهم من مختلف األسلحة ككتائب
ّ
املدنيين، صبوا جام غضبهم على دوليا ،ونتيجة تلك الهزيمة النكراء فقد ّمحرمة ّأسلحة ّ
ّ ّ ّ سكان قلعة الجرف وضواحي الجبل األبيض وأم الكماكمّ ، ّ ّ
السكان فتم ترحيل كل خاصة
وكل ذلك هو رأس مالهم،بكل مواشيهم وأنعامهم من إبل وعنز ّ موالون ،فكانوا يجلونهم ّ وهم ّ
ّ ُ ومن يأبى ّ
الرحيل تقتل مواشيه ،بداية بسكان قلعة الجرف إلى قلعة مسحالة وضواحيها،
وكل املواقع التي ّ
يتردد عليها املجاهدون ،وذلك كي يمنعوا اإلستفادة منها. ّ
ّ
وقد غنمنا 75قطعة سالح وهاونّ ،أما إسقاط الطائرات فهذا لم أسمع به ،لعدم
ّ
مضادة لها عندنا ،ولتحليقها في مجال بعيد عن مرمانا. وجود أسلحة
دعاس لزهر بن محمود ،بخوش ومن جانبنا استشهد حوالي 80إلى 90شهيدا منهمّ :
محمد ّ
السدراتي ،سليمان قبايلي ،عبد الوهاب الوهراني ،محمد األصنامي ،سامي تلمساني،
معمر ،ومن الجرحى :سالمة ّ
الصادق بن البخاري ،كحلة عبد هللا بن مجور عثمان ،كافي ّ
أحمد ،صالح ريماني ،بوعبيدة نصر ،مسعي األسود ،مسعي علي بن أحمد ،باهي أحمد بن
ّ
الن ّوي.
45
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
عملية نجاحنا بالخروج وغنم أسلحة وذخائر وعتاد أمر مستحيال، ّ كانت
ّ
استشهادية ،كذلك نجاح خروج شيحاني من نفق فاستنتاجات القيادة ُبنيت على أنها ّ
عملية
اإلدارة ّالذي ّ
دمره العدو _وقد كانت صدمة كبيرة في نفوسنا بسبب ما حدث له بعد ذلك على
عجول وعباس_. يد ّ
لقد قام شيحاني بتعيينات كبرى لبناء استر ّ
اتيجية واسعة ،وكذلك انتشار كبير في ّ
كل
اإلتجاهات خارج املنطقة وداخلها منها:
-سوق أهراس بقيادة الوردي ّ
قتال بأعضاء وجيش.
-سدراتة ومداوروش بقيادة عمر عون بأعضاء وجيش.
-قنتيس والجبل األبيض بقيادة عفيف علي.
-أم الكماكم وما جاورها بقيادة لزهر ّ
شريط.
-بن عمر جيالني بالحدود ،إبتداء بجبال الزواريف باتجاه عمق الحدود ،قائدا
للعمليات وحماية فرق حمل السالح من ليبيا.
حمه بن عثمان ناحية تبسة بقسمين -1 :قسم مرسط بقيادة فرحي ّ
حمه بن -فرحي ّ
ّ
شرفية ،بينما تبسة هو بشير سيدي ّ
حني بصفة زروال -2 .قسم ّبكارية ومن يشرف على ّ
عباد ّ
الزين بالوردي إلى سوق أهراس. التحق ّ
إن الحلف األطلس ي عقد اجتماعا طارئا لد اسة مساعدة فرنسا في حربها ّ
ضد ث ّم ّ
ر
ّ ائريةّ ، ّ
الثورة الجز ّ
بالسالح واملال لقهر الثورة.
ّ
القتالية ّ ّ هبية لنجاحاتنا ،ملّا ارتفع مستوى ّ
الذ ّ
بكل العمليات لقد كانت تلك الفترة
ائرية ّ
الت ّ
ونسية ،مثل معركة جبل بورملي خاصة بالحدود الجز ّ تبسة وغيرهاّ ، نواحي منطقة ّ
النقب ،وغيفوف وسندس ّ
والسمامة ،وبوقافر وبوهالل املطل على مدينة قفصة ،وجبل ّ ّ
وغيرها ،هذا من الجانب العسكري.
ّ
الشعب الجزائري بالغناء ّ
والرقص ،رجاال ّأما من الجانب املدني ،فقد كان ّرد فعل
خاصة عائالت املجاهدين واملناضلين واملناصرين ،حيث ألهمت تلك ّ
النتائج ونساء وأطفاالّ ،
ّ ّ
والت ّردد في نفوس ّ ّ ّ
الناس ،وقد اندفع الشباب واملغنين ،كما قضت على الخوف الشعراء
46
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
وزودها ّالثورةّ ، ّ ّ ّ
بالتموين واأللبسة لإلنخراط في الثورة ،وقد ساهم الشعب باملال واألغنام في
وأما من كان فقيرا ال يملك شيئا فقد كان ّ والتسليح وغير ذلكّ ، ّ
يقدم الخدمات واألحذية،
ّ
والتجنيد للقتال ،وقد تحولت ساحة الجرف بعد املعركة إلى رمز لألمل بذلك النصر املبين، ّ ّ
خاصة وقد ّ عبد الطريق لتقدم جهات أخرى بالوطن بمعنويات عالية، النصر الذي ّ ذلك ّ
ائرية لتدرسه األمم ّ الثورة الجز ّ ّ
املتحدة ،كانت فرحة عارمة صادف نصرنا مناسبة قبول ملف
ّ الثوري ّ ّ تنظيمية جديدة ّ ّ
وعسكريا ملواجهة مدنيا لتتمة العمل لنا ،وقد تبع ذلك أعمال
مشاريع فرنسا.
ّ
وقد نشطت الثورة على جبهات املنطقة ،ذلك عن طريق توسيع تشكيل خاليا
الطرقات والجسور ّ ّ ّ ّ
وكل منشآت الفدائيين باملدن ،لتخريب واملسبلين ،وفرق املناضلين
ّ
العدو ،والعمل على غلق كل منافذ اإلختراقات باملدن وخارجها ،بإعدام الخونة وضباط ّ ّ
والذخائر سواء ّ ّ املكلفون بالبحث عن ّ ّ العدو ،وكذلك خدمة فرق ّ
بالداخل أو السالح التموين
الخارج.
خاصة من ّ ّ ّ
جندتهم فرنسا لقتال األملان، والبحث عن عناصر اللفيف األجنبي،
ّ ّ والذين ّ ّ
وانضم إلى فروا منها بأسلحتهم ،ومن أشهرهم علي األملاني ،الذي رفض خدمة العدو،
املضادة ّ
ّ ّ ّ
للدبابات. متخصص في وضع األلغام الثورة ،وهو
ّ
تاريخ التحاقي بقيادتي لقطاع بكارية أواخرأكتوبر1955م
حمه بن عثمان قائد إلي فرحي ّ بعد أن شفيت من جراحي بمعركة الجرف ،أوكل ّ
والتنظيم ،عندما التحقت بهم السالح ّ مهمة قيادة ثالث فصائل ،وجدتهم ناقص ي ّ الناحيةّ ، ّ
عملية استطالع وتح ّر وجدت خلال في السيف ،املشرف على قرية الحويجبات ،وبعد ّ إلى جبل ّ
ّ ّ ّ
باملدنيين ،ذلك لقلة خبرة وحنكة قادة الفرق املسلحة ،وأيضا بسبب عدم عالقة املجاهدين
حريةّ
بكل ّ ّ ّ
عنجهية فرق الجيش الفرنس ي ،التي تتجول ّ ّ ّ بعمليات ّ ّ
قتالية ،لرد قيام تلك الفرق
حتى داخل بيوت األهالي. ّ
فقررت عقد اجتماع باملناضلين واألعيان ،لتنشيط ّ
التعامل بجيرانهم ،للبحث عن ّ
ّ ّ ّ
بعمليات باملنطقة ،حيث نجحنا في ذلك السالح والذخيرة ،ملساعدتنا في تسليح أفرادنا للقيام
47
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
السالح والذخائر ،وزيادة على ذلك تجنيد مناصرينّ ،
وحتى بعدها ،وحصلنا على قطع من ّ
بعض ّ
املجندين الذين خدموا بالجيش الفرنس ي.
ّ ّ ّ ّ الناحية ّ
ومن ّ
فإن املكلف األمني للجيش يتولى رفقة نظيمية والعالقة باألهالي، الت
ّ
بعمليات العدو عن بيوت األهالي ،ومن ّثمة ّ
قررت القيام ّ املناضلين ذلك ،من أجل إبعاد
ّ
قتالية ،من كمائن وهجومات.
أهم مركز أهاجمه بنفس ي هو ّ
العسكرية ،وجدت ّ بعد بحث ّ
وتحر عن وضع املراكز
فشجعنا ذلك على مهاجمته ّ
والدخول إليه ،وفي مغربيانّ ،
ّ مركز ب ّكاريةّ ،الذي ّ
فر منه فردان
ّ
املنشقين الخارجين عدة مراكز أخرى ،وقبل الهجوم أرسلت أحد الوقت نفسه الهجوم على ّ
ّ عن الجيش الفرنس ي وهو صالح لندوشين لإلستطالع ،فرجع ّ
متوجسا ومتوترا لخروج فرقهم
بمخططنا ،ونصحني بتأجيل الهجوم ،وبعد تفكير طويلّ ، ّ
قررت مسلحة ،وكأنهم قد علموا
تغيير موعد الهجوم ،ليكون بعد املغرب بقليل ،أثناء تناولهم وجبة العشاء ،وقت ال
يتوقعونه ،وفرصة ملباغتتهم.
ّ ّ
املغربيان املسلحان ،كان يحمالن مفاتيح أخذت معي ثالث جماعات صغيرة ،يصحبنا
ّ املغربيان ّ
بالصعود إلى الدبابات لنجاح هجومنا على ّ الدبابات ّ
بنية احتالل املراكز ،ليقوم ّ
املركز.
ّ إ ّتفقنا على أال يطلق أحد ّ
النار من باقي املجموعات ،قبل أن نتسلل إلى املركز،
مالية ،وكدنا أن ندخل ّ الش ّ ّ ّ ّ
لكن وأخذت أفراد الجماعة التي سأدخل بها من الجهة الغربية
خلفتها خارجا أطلق ّّ ّ
الحراس ،ومن ّثمة ابتدأتالنار على أحد ّ أحد أفراد املجموعات التي
خاصة ّأنهم داخل الخيام ،وقد أحدثنا املعركة داخل املركز وهم منشغلون بتناول وجبتهمّ ،
تحركت ّدباباتهم فانسحبنا دون أن يقع فينا فيهم خسائر كبيرة من قتلى وجرحى ،إلى أن ّ
خسائر.
الدم ّ
املكبد الس ّكان على آثار ّ
وحدثنا ّ تبسةّ ، من فداحة خسائرهم رحلوا غدا إلى ّ
ّ
حميميا، مما خلق ّ
جوا الس ّكان بذلكّ ،
واعتزوا وافتخروا بناّ ، التراب ،وكم أعجب ّن ّ
املدفو في
ّ
كل النواحي، ّ
العمليات ،نحن وغيرنا في ّ شجعنا على مواصلةوقد طالبونا باملزيد ،ذلك ما ّ
48
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
العمليات من خاصة بعد فرار بن بوالعيد من سجن قسنطينة ،فجاءت األوامر بمضاعفة ّ
الهجومات على املراكز العسكرّية ،ومنها ما نجحنا به ومنها ما لم ننجح به.
كنا فيها قاب قوسين أو أدنى من أسر حاكم ومن أكبر الفرص ّالتي واتتنا ،كانت ّالتي ّ
لكن أحد أفرادنا واسمه توايتية بشير أخذ معه فردين ّ
منا تبسة أواخر ديسمبر 1955مّ ، ّ
ّ الرابط بين ّ ّ
بالطريق ّ
تبسة وبوشبكة حوالي الثامنة صباحا ،كان يريد القبض على واعترض
ّ ّ
بعض الخونة ،لكن الحاكم جاء مدعوما بعربتين ّ
ومدرعة متجها إلى املركز العسكري ،إذ
منا أكبر غنيمة.قررنا نصب الكمين بعد العصر ،فضاعت ّ ّ
الزواريف ،وأم الكماكم ،والجبل واختتمت سنة 1955م بعديد املعارك بجبال ّ
األبيض ،أين استشهد عفيف علي وأخوه الهادي ،وجبال الحدود ّ
الت ّ
ونسية مثل جبال
التونس ي. السيف ،وغير ذلك من جبال القطر ّ واملتلوي وجبال ّ
ّ بورملي،
العمليات بأنواعها ،من معارك وكمائن ّ بدخول سنة 1956م تضاعفت وتيرة
ّ ّ ّ وهجومات ّ
فدائية وأعمال تنظيم واسعة داخل الشعب لحماية الثورة ،مثل ليلية ،وأعمال
ّ
تقليديين ،لكثرة جرحى للتخزين واإلختفاء ،وتجنيد أطباءحاجات الجيش من تموين وتجهيز ّ
ّ
العدو واتجاههم ،ومتابعة بتحركات فرقّ أفراد املجاهدين ،وزرع إخبارّيين باملدن إليفائنا
ائريين ،نظرا ملا يأتي منهم من خطورة كبيرة ،فهم أولى بالقتل من أفراد أفراد العمالء الجز ّ
ّ ّ ّ ّ
الفدائيين. الثورة ،حيث شكلت فرق العدو ،من أجل تحصين سرية
ّ ّ أهم نتائج تلك الفترة ،ما كان من ّومن ّ
توحد الشعب واصطفافه مع الثورة بمختلف
ّ ّ شرائحهّ ،
خاصة أرباب املال لتمويل وتموين الثورة بما تحتاجه ،كالتسليح واأللبسة واألحذية
وغيرها.
ّ
أهمها كمين ّأول مارس 1956م بفجوج ّ
العمليات عندنا فإن ّ بالنسبة إلى جانب
ّ
التراب ّ ّ ّ
الطينّ ،
التونس ي ،فقد الرابط بين بوشبكة بالتراب الجزائري ومركز بودرياس داخل
فقررنا اعتراضها ،كان ذلك صباح الفاتح من مارس 1956م، بتحرك شاحنات بينهماّ ،علمنا ّ
وتم حرق شاحنة وقتل أفراد منهم ضابط إداري وغنم أسلحتهم ،ومحفظة ّ
للضابط بها أسرار ّ
ّ
هامة.
49
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
تطوق بفرق الجيش الفرنس ي ،من السيف قد ّ وفي صباح الغد ،وجدنا مركز جبل ّ
تبسة ،وقد أدركنا ذلك عندما عادت فرق الحراسة ّ والشمال من ناحية ّ ّ
بالنبأ، الجنوب
ّ ّ
فأرسلت فرقتين لدخول الجبل لكنهم عادوا ،فقلت إن الجبال لنا ويجب أن ال تكون لفرنسا،
ثم قمنا بهجوم استطعنا من خالله اختراقهم ،واشتعلت معركة حامية الوطيس ،ما أجبرهم ّ
ّ ُ السيطرة على مجريات املعركة ّ ّ
فتمك ّنا من ّ ّ
خاصة بعدما قتل قائدهم ،فتوقفوا على التراجع،
ّ َ ّ تقدم ّ عن القتال ،عند ذلك ّ
املغربيان وقاال :يا بابانا اخرج جيشك قبل وصول الطائرات. إلي
ثم أخرجنا فرقنا من واد عميق وأشجار كثيفة ،ومكثت بأفراد فقبلت نصحهما ورأيهماّ ،
النار هنا وهناك ،إلى أن ابتعدت فرقناّ ،
ثم التحقت بهم.1 قليلين نطلق ّ
لعباس الغرور ،لم أكن أعرفهما وقد ّ
سجال في ذلك الحين ،كان بيننا رجالن مخبران ّ
بكل منطقة رجل مثل هذا، لعباس ،قاال :لو كان لديكم ّ قدماها ّ ثم ّ تلك األحداث ّ
ّ
فستستقلون هذه ّ
السنة.
ّ التنافس يزداد بين القادة ،وقد راسلني ّ ما جعل ّ
عباس الغرور بالشكر واإلمتنان
ّ واإلعجاب بقد اتي في القتال ّ
والتنظيم ،وطلب مني إرسال ش يء من الغنائم من الذخيرة ر
ّ ّ ّ
والسالح ،ومن ّثمة صار عباس ينظر إلي بعين اإلحترام والتقدير.
ّ
تبسة ب ـ ـ 04مارس 1956م، وهكذا كانت بداية 1956م ،ومنها أحداث حرق سوق ّ
ُ عملية جبل ّتبسة ،ومنها أيضا ّ الفدائيين بمدينة ّ
ّ بسبب كثافة ّ
الكريطة التي قتل بها عمليات
ّ ّ
العدو وغنمنا أسلحتهم ،منها رشاش عيار 24-29ملم ،وحرق شاحنتهم، 08أفراد من
ّ ّ
وجرحنا أثناء ذلك الهجوم فايس ،وقد نجا بأعجوبة ،تلك العملية املباركة التي قامت بها
كتيبة ّ
حمه بن زروال فرحي.
1يذكر املجاهد حامد مسعي أخو املجاهد علي بن أحمد مسعي ّأن س ي علي بقي لوحده ّ
متترسا بصخرة
ّ
يواجه الفرنسيين كي تتسنى فرصة خروج إخوانه املجاهدين ،ويؤكد أخوهم األصغر املجاهد األسود مسعي
وسميت تلك الصخرة بحجرة علي بن أحمد، ّأن الضابط الفرنس ي املسؤول كان يقول :فالق ُ ،courageux
وهي في تالة بتونس.
50
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ ّ ّ
العسكرية بذلك الشهر ،فإننا لم ننجح فيما بيننا ،وذلك العمليات لكن إن نجحنا في
وعباس ،لقد ّ
بسبب تصفية بعضنا بعضا ،وهو ما حصل لشيحاني بشير بأمر من عجول ّ
وللثورة الجز ّ ّ
ائرية ،فقد كان كانت وفاة شيحاني ضربة قاسية ،وخسارة كبيرة للمنطقة األولى
ّ
جدا تشحن النفوس ،فلما حسم الغرور ّ حماسية ّّ ثورية ووعي ،وخطاباته رجال ذا ثقافة ّ
وعجول أمرهما بقتل شيحاني ،قاما ومن معهما بتقييد فرحي ساعي وعلي املعافي بالحبال ّ
وعجول من ساعي وعلي بالقوة ،وعلي املعافي رجل صنديد وبطل همام ،وقد احترز الغرور ّ ّ
ّ املعافي لعالقتهما الوطيدة بشيحاني ،ومن بعد ذلك ّ
تجنب بابانا وعلي املعافي توسيع الشرخ
حدثني خالي ساعي بين صفوف املجاهدين ،رغم محاولة اغتيالهما أيضا بعد ذلك 1.وقد ّ
ّ
بعدها بسنوات ،فسألته عن تلك الجريمة فقال :كان شيحاني أخا لي ،وكان باإلمكان الثورة
جدا ،ولقد رأيت بعينك كيف نتج مغبة ذلك كانت كبيرة ّ لكن ّعجول والغرور بسهولةّ ، على ّ
ّ عن انقسام اللمامشة ،من كوارث واغتياالت ،ولم يكن ّ
عجول والغرور ليفعال ذلك إال وقد
اطمأنا لسند قو ّي من قادة في الواليات األخرىّ ، ّ
فإما أن نتجاوز مقتل شيحاني إلى وحدة
أن ّ
الت ّ رقا كثيرة ،وقد أيت ّ ً ّ فّ ، ّ ّ
مسك بجبهة ر وإما أن نتوقف لنثأر له وننقسم شيعا و ِف الص
ّ ّ ّ
التحرير يضمن وحدة الجزائريين ،فدماء الشهداء التي سالت معي وتحت قيادتي ،ما كانت
لكن هللا أراد ّ
لكل تم املراد نتحاسب بيننا بعدهاّ ، لتذهب هباء دون استقالل البالد ،فإذا ّ
الدغل يوما ،فكان جزاؤه أن واحد منهما حسابه ،فصاحبي الغرور رغم غدره بي لم أك ّن له ّ
ِ
ّ
صار محبوسا فينا ال يجد ما يدافع به عن نفسه ،وال يجد ما يبرر به سفكه لدماء اخوانه،
ّ أظن ّ
وأما اآلخر فال ّّ
أن تسليمه نفسه للعدو إال وصمة عار لن تتركه أبدا.
التحرير الرابط الوحيد بين قادة اللمامشة ،وجبهة ّ ذلك بابانا ساعي الذي كان ّ
ّ
الوطني ،بعد مقتل شيحاني واتساع رقعة الخالف ،والذي ات ِهم باإلنحياز للغرور دون أن
ّ ّ فعباس رغم تعطشه ّ ويفكروا لم فعل ذلكّ ، ّ ّ
للسلطة إال أنه ال يفتر عن يكلفوا أنفسهم،
1يقول املجاهد علي مسعي مشافهة :حكى لي خالي ساعي رحمه هللا قال :جاءني الغرور وقال :صاحبك قد
مات .قلت له :صاحبتي الثورة .ولذلك لم ُيقتل بابانا أيضا ولخوفهم من جيشه الذي يأتمر بأمره خاصة وأن
اللمامشة من وراءه ،وما التهمة التي وصفوها لشيحاني إال إفك وبهتان مبين ،فشيحاني رجل عفيف خلوق ال
ّ
يفتر عن صالته وهو تقي جدا وخجول أيضا ،وال أدري كيف تدنى مستوى البعض حتى يقولوا ما يقولون.
51
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ممن يميلون إلى الجلوس وراء املكاتب ،ويسكنون الفنادق ّ
بالدول القتال والجهاد ،وليس ّ
ّ ّ
الشقيقة ،وساعي رجل بارود وجهاد وما هو برجل سياسات ونفاق ،فالذي جمعهما هو
ّ
نشاطهما الذي ال يفتر ،قال لي العقيد لعموري ذات يوم :لوال بابانا ساعي النتهى بأوراس
اللمامشة املطاف تحت قيادتهم.
إضافة إلى الفاجعة الكبرى وهي ما وصل إلينا من خبر مقتل البطل بن بوالعيد ،وقد
ّ ّ كالصاعقة ،وقد ّادعوا ّ
نزل علينا الخبر ّ
أن جهازا ملغما كان سبب مقتله ،وما ذاك إال كذب
مفضوحّ ،
ألنهما يريان في خروجه تهديدا لهما ،لقتلهما شيحاني وغيره ،وهكذا...
ص ّرح به ذات يوم ،عندما سأل الحاج لخضر عبيد وهو يتحدث مع عجول: ذلك ما ُ
عجول :إن أراد ذلك فسيلحق بصاحبه. ملاذا ال يسأل الرجل عن صاحبه؟ ّ
فرد ّ
إن سجون عجول بين بعض الحضور قائالّ : فأثناء نجاح فرار بن بوالعيد ،خطب ّ
ّ
والت ّيقن من نبأ خروج بن بوالعيد،
الثقة ّ فرنسا ليست إسطبالت .في إشارة منه إلى عدم
تمهيدا لقتله.
جبار عمر في الفترة نفسها ،كان مسلسال رهيبا ،ذلك بواسطة عبد أن مقتل ّكما ّ
قتالّ ،الذي رفض ّ
جبار أن يكون نائبا له في قيادة الوردي الوهاب عثماني ،بحضور الوردي ّ
على سوق أهراس ،ومن ّثمة توالت األحداث ،النهيار جدار املنطقة األولى أوراس اللمامشة،
وعجول ومن على فلكهم عباس ّ تصرفاتهم ،يعني ّحولوا عملهم من بناء إلى هدم ،نتيجة ّإذ ّ
فاقدي الوعي.
ّ
العسكرية ،وفي عالقتنا ّ
العمليات وأذكر على سبيل املثال ال الحصر ،نجاحاتنا في
ّ
وبالشعبّ ،
وتقبل الشعب لنا ،وقد وصلتني رسالة استدعاء من قائد املنطقة بشير بأنفسنا
ّ ّ
ورتال ،للقدوم بكامل جيش ي إلى مقر أرقو ،وأثناء تحركي أعطاني الشيخ أحمد شرفي من
ّ ّ
عرش أوالد ملول رسالة إلى بشير ،الذي علمه الشيخ أحمد القراءة والكتابة باألوراس.
استقبلني بشير قائد املنطقة بفتور وغضب ،وأثناء استقباله لنا وبعد كلمة قصيرة
الرسالة ،بعد أن قام بتوزيع بعض أفرادي على بعض ّ
النواحي، بها غضب وشتم لي ،أعطيته ّ
52
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ُّ ّ ّ
وحتى إلى محمود الشريف الذي كلف بفرق الكومندو ،حيث انخرط حديثا برغبة من قيادة
الوالية.
الرسالة ،حيث جاء فيها :إن استبدلتم ّ اطالع بشير سيدي ّ
حني على فحوى ّ ّ
عليا بعد
فلن نتعامل معكم في املستقبل .جاءني سيدي ّ
حني وهو مبتسم وقال :األخ علي ،اجمع
أفرادك لتعود إلى مكانك .ذلك ما علمته فيما بعد.
ولكن بعد رجوعنا إلعادة نشاطنا ،جاءنا في شهر جوان 1956م استدعاء آخر للقدوم
بتوتر وغضب ،وباشر بتوزيع أفراد جيش يّ ، ّ ّ
ثم مرة أخرى إلى أرقو ،وكالعادة استقبلني بشير
ّ
بالطريق ال ّرابط بين ّ التفت ّ
تبسة إلي وقال :أنت خذ عشرة أفراد ،واذهب بهم إلى واد غزنتة
النهار .قلت :هل حسبتم نتائج ذلك؟ قال :ال تسأل ،هذا أمروالعاتر ،لنصب كمين في وضح ّ
اإلدارة.
عند ذلك جلست إلى جانب صخرة كبيرة ،أنتظر ما تأتي به اإلدارة من أوامر ،وبينما
إلي محمد بن عمران وقال :ال تقلق وال تخف ..لقد جئته أنا على ذلك بعد الغروب ،إذ وصل ّ
عباس في شأنك ،وسيأتيك غدا صباحا ليقول لك اجمع أفرادك لترجع إلى مكانك. برسالة من ّ
فعال ،فقد جاءني وقال :األخ علي ،اجمع أفرادك لتعود إلى مكانك .لكن صباح ذلك
ّ كل من ّحني هو املطرود من طرف ّ اليوم كان بشير سيدي ّ
قتال الوردي ،عمر عون ،اللذان
الرجوع شفهية إلى عجول ّ
وعباس الغرور ،ذلك ّ ّ قدما من سوق أهراس ،وقد ّ
حماله رسالة
املقيت ّالذي كان شؤما على الجميع ،سواء على منطقة ّ
تبسة ،أو على الوالية ّ
ككل ،وذلك
بقطع ّ
الصلة بيننا.
للتبرير ،من طرف من رجعوا من سوق أهراس تم عقد اجتماع ّ عند الغروب ّ
عباد ّ
الزين ،صالح بن كالتالي :لزهر ،عون عمرّ ،
قتال الورديّ ، وسد اتة ،وكان الحاضرون ّ
ر
ّ
علي ،مسعي علي .برئاسة لزهر ألنه أكبرنا سنا ،ذلك يوم 17جوان 1956م ،كان بعد الغروب
فإن حشود استعدواّ ،
ّ النقاش ،وصل رجل مدني يصرخ :أسرعوا في الخروج أو بمجرد بدأ ّ
ّ
الجيش الفرنس ي قادمة إليكم.
53
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
لكل قائد بأن ّيتخذ وضعيته ومكانه خرجنا من اجتماعنا ،وأعطى لزهر أمر القتال ّ
القتالي ،وتعاهدنا أنه من يترك مكانه ُيعدم.
أن لزهرالصلبة بالحجر وبأظافرنا ،ولم ننم ،ونحن لم نعلم ّ بتنا ليلتنا ننبش األرض ّ
ّ
بعث برسالة إلى قادة الجيش الفرنس ي بالشريعة ،يطلب منهم أن يالقونا بأرقو إن أرادوا
للصحافة قائالّ :
إن فصرح ّ ّ الرسالة إلى العقيد بيجار بسوق أهراس، املواجهة ،فوصلت ّ
ّ
الفالقة في جبال اللمامشة يطلبون أن نلقاهم بأرقو بمعاقلهم للمواجهة ،لكن هل تعلمون
ّ ّ ّ
من اللمامشة؟ ّإنهم هؤالء الذين إذا قضينا عليهم ،فإننا سنقض ي على الوالية مهد الثورة،
ثم زاد قائال :وهل تعرفون طبيعة تلك الثورة ّكلهاّ .
ّ
وإذا قضينا على الوالية األولى سنقض ي على
ّ ّ
اض أشبه ما تكون بأرض القمر، الجبال التي يدعونا اللمامشة للمواجهة فيها؟ إنها جبال وأر ٍ
ّ
وإننا ذاهبون إليها على ّ
كل حال.
توجه به بيجار إلى عساكره عندما استلم األمر وهناك مقطع من الخطاب الذي ّ
تبسة ،قال :افهموني جيداّ ،إنه هناك في الجنوب اللمامشة ،سيكون بتعيينه من عنابة إلى ّ
نؤدي دور األبطال أمام ّ
متمرد يرغب كثيرا في مواجهتنا. الصعب علينا أن ّمن ّ
ّ ّ
املتمردين ،ورهبة الشرق القسنطيني ،املتواجدة في واللمامشة املشهورة تعتبر قلب
ّ
منطقة ذات جبال مسننة عارية من الغابات ،وذات هضاب مرتفعة بصخورها ووهادها
جهنم) ،كما قال عنها الجنرال فانوكسيم :جرداء صعبة مقطوعة بوديان عميقة، (أبواب ّ
ّ
باملتمردين املتخندقين في ّ
يتشجع على االحتكاك ّ
والصخور ،حيث ال أحد مملوءة باملغارات
كهوف هذه املنطقة الرهيبة.
ويستطرد الكاتب فيصف بعض املراحل الحاسمة لهذه املعركة ،فيقول :كان سرب
ّ
من الطائرات 2T6يحلق في األجواء ،سرعان ما فوجئت بإحداها تهوي على األرض محترقة،
ّ تبين ّ لقد أصابتها ّ
النيران ،وعلى الساعة ّ 12:20
أن اقتحام مواقع الفالقة أمر عسير ،فهؤالء
ّ ّ
املحصنة ،في هذا الوقت بالذات ركب يطلقون النار ويالزمون بصبر وثبات أماكن دفاعاتهم
ّ
عمودية ،وأصدر أمرا بالهجوم على مواقع املجاهدين ،لنسمع العقيد بيجار على متن طائرة
إليه يقول :أمرت صائحا بالهجوم ،ولم أعط أمرا آخر ،لقد لفحني صوت كبير في صدري،
54
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الرمال امللتهبة ،لقد نفذت الرصاصة فوق القلبالدم من فمي ،سقطت ...رأس ي في ّخرج ّ
الظهر ،إستنشقت ،حاولت الوقوف ،أنا واع ّ ّ
لكنه وعي ثانوي، ٍ بسنتيمتر واحد ،وخرجت من
الرشاشات ،إلى مطار تبسة ومنه ّ
السمتية التي أقلعت وسط أصوات ّ وبحذر شديد حملتني
ثم إلى بعض مستشفيات باريس ،لقد أطعموني التراب1.إلى قسنطينةّ ،
ّ
الرجالّ ،أما أن نخسر الطائرات فلم يكن ذلك في
وقال :لقد كنت أعلم أننا سنخسر ّ
الحسبان.
صدي وبقوة ّ
الت ّ لقد دامت معركة أرقو طيلة يوم 17جوان 1956م ،وهكذا دارت ّ
ّ ّ ّ
ضد الطائرات وغيرها من األسلحة ،والفضل ما شهد به األعداء ملا والثبات من جانبنا سواء
ّ ّ أفجعهم من خسائر في فرقهم ّ
النخبة ،منهم املظل ّيون الذين يتفاخر بهم العقيد بيجار ،من
نتمكن من الحصول على إحصاء لقتالهمّ ، ّ
لكن القتلى كانوا كثرة، قتلى وجرحى ،ولم
ّ
والطائرات منها ما احترقت وما عطبت.
ّ
خرجنا اتجاههم في ليلة مقمرة وهم يتفرجون دون حراك منهم ،كنت في حالة ٍ
مرض
أجر أقدامي ّ
جرا. شديد ،إثر ضربة شمس ،أمش ي بخطوات متثاقلة ّ
لكن ما إن خرجنا من تلك املعركة الكبرى ،حتى دخلنا في معارك فيما بيننا ،نتيجة
ُّ ُ ّ
لجهل القيادة التي شكلت في غياب ساعي بعد املعركة مباشرة بواد مسحالة ،كلف لزهر
حرة منفصلة عن قيادة األوراس ،وكانت ّ
كالتالي :لزهر قائدا، قائدا عاما للمنطقة ،كمنطقة ّ
لكنه رفضالزين نائبا ثالثاّ ،
عباد ّ األعضاءّ :
قتال الوردي نائبا أوال ،عون عمر نائبا ثانياّ ،
ّ ّ ّ
وسلم ملحمود الشريف ،لكن ُيقال تشكلت لجنة من فرحي الطاهر ،محمود قنز ،صالح بن
خبط في املواقف، علي لإلشراف على تسيير القيادة العليا ،وذلك دليل على عدم االتفاق ّ
والت ّ
الناحية األولى ّ
تبسة، يسمى بجيش الطكاكة من ّ ومن القرارات الخاطئة إقصاؤنا نحن ما ّ
مسلحا ليلتحق بقسم مرسط مكان ّ ّ
حمه بن حيث منحوا قنز محمود فرقة من 45رجال
ّ
بتصرف من املجاهد علي مسعي ،يبدو أنه كان يستمتع بقراءتها من كتاب "من أجل قطعة 1مقتطفات
أرض" للسفاح بيجار ،والتي يعترف فيها بضعف حيلتهم أمام مجاهدي اللمامشة.
55
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
زروال فرحي ،وصالح بن علي مكاني بقسم بكارية ،وذلك غيرة منهم ملا وصلنا إليه من نجاحات
ّ ّ ّ
وأخالقية ،واألثر الذي تركناه في نفوس الشعب. عسكرية
دواره ،وصاروا يتنازعون على كل منهم ذهب إلى ّ والبقية خرجوا بروح ُ
الف ْرقة والخالفّ ، ّ
بالسالح ،ونزع أسلحة الخصوم، التهديد ّوالتقسيمات ،بل وصل األمر إلى ّ النواحي ّ حدود ّ
ّ ّ
وبذلك كان قرار الذين رجعوا من سوق أهراس وسدراتة ّردة وخيانة للثورة ،لم نحصد
ّ
بسببه إال الهزائم واإلقصاء فيما بعد.
ّ
تلك هي نتائج قرارات الجهل واإلرتجال ،التي ذهبت بالجميع إلى ا ُلفرقة والنزاع ..رغم
ّ ّ ّ
الفرنسيين بشجاعتهم ،كان هذا كله في غياب ساعي الذي كان وقتها اعترافات قادة وجنراالت
عباس الغرور ،ولذلك بعد خروجهم من املعركة مباشرة ،دخل في معركة الجديدة إلى جانب ّ
تبسة ،ولرجوعهم عن عجول وعباس ،ملناقشة قادة منطقة ّ ساعي إلى املنطقة بطلب من ّ
لكن ساعي وجد نفسه ّمتهما بعمالة مع الصفّ . قرارهم اإلنفصالي ،وللمحافظة على وحدة ّ
اسيين ،ورغم ذلك صبر وحاول لقاءهم للمناقشة وتحديد األخطاء. األور ّ
يسمى بجيش الطكاكة خارج حسابات منطقة رفضوا لقاءه ،وبذلك صرنا نحن ما ّ
كل منمرتين على يد ّ تعرض ساعي للقتل ّ تبسة ،وقد ّ فتم إقصاؤنا من منطقة ّ تبسةّ ، ّ
وعالل فارس ،حيث ُع ّين محمود قنز مكان ّ ّ
حمه بن زروال بمرسط ،ودعموه صالح بن علي
ّ
مسلحا ،وعين صالح بن علي مكاني ببكارية ،وبذلك ّ ّ ُ ّ
تم إقصاؤنا ،فعلينا قبول األمر ب ـ 45
الرحيل ،وذلك ما اخترناه ،لذلك قال لي ساعي :يا علي لم يبق لنا مقام بهذه الواقع أو ّ
التونس يّ ،
تجنبا للوقوع في للدخول إلى القطر ّ املنطقة ،علينا أن ننتقل بما لدينا من جيش ّ
فتنة ال تبقي وال تذر.
حمه بن زروال من جبل الحوض بعد أن خرج عليه ّ
كل وهكذا بعد أن جلبنا كتيبة ّ
ّ ّ
وانضموا إلى قنز محمود .عند وصولنا قسم بكارية وجدنا صالح بن أفراد عرش أوالد يحيى،
علي وأفراده قد وصلوا من الحويجبات ،بتنا ليلتنا بجوارهم لنرحل غدا.
طوق الجبل ،فدارت معركة حامية، ولكن عند فجر الغد وجدنا الجيش الفرنس ي قد ّ
خرجنا منها بصعوبة ،ودون خسائر تذكر ،وفي يوم الغد كان يوم رحيلنا من جبال أحبتنا
56
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
طوقت من ضد بعضنا البعض ،لكن وجدنا الجبال قد ّ وأحببناها ،فرا ا من الفتنة واالقتتال ّ
ر
الصيف وحرارة الجهات األربعة من قبل الجيش الفرنس ي ،ورغم املباغتة ،وطول يوم ّ
بأقل الخسائر في صفوف صالح بن علي القادم الجديد مكاني ّ الطقس ،خرجنا منها ّ ّ
بالناحية.
الشامخة بقمم الجبال ،بقلوب منفطرة وعيون ّ ّ
إنه خروج قهري من جبالنا ومواقعنا
وبالضبط جبال جنوب مدينة تالة ّ
الت ّ ّ باتجاه القطر ّ ّ
ونسية بوالية التونس ي، دامعة،
القصرين ،إذ سبقتنا إلى هناك جماعة من املناضلين من قبيلتي أوالد ملول والفراشيش ،لهم
ّ
الشاوية ،تلك القبيلة الجز ّ عالقة جوار وتجارة ّ
ائرية التي بالتوانسة ،مثل أوالد سلطان
الشيخ املقراني ،ودليل ذلك وجود أحد أحفاده يملك ما ّ ّ
تسمى استوطنت هناك منذ ثورة
فيرمة (مزرعة) مقراني محمد.
ّ استقبلونا باألناشيد والهدايا ،والتقاط ّ
الصور مع املجاهدين ،مذاك الحين وهب لنا
ّ
الشيخ مقراني مزرعته وما فيها من عتاد إلى يوم االستقالل ،وما زاد في دعمنا زيارة علي
الساعة ،حيث املرزوقي 1معتمد تالة من حين إلى آخر ،لرفع معنوياتنا ومناقشتنا في قضايا ّ
التونس ي لرفع الجرحى واملرض ى ،وجلب املؤونة ّ
والسالح، تصرفنا فرقة الحرس ّ وضع تحت ّ
تجنبا لوقوعه بيد الجيش الفرنس ي ،ومن ّثمة صرنا ننتقل من جبل إلى جبل تحاشيا ملواجهة ّ
حتى ال نحرج إخواننا ّ
التوانسة. العدوّ ،
خصوصيات ّ
ثورية ومزايا ّ ائرية ّ
ألتحدث عن الحدود ،فللحدود الجز ّ وأتوقف هنا قليال
إستر ّ
اتيجية كثيرة ّ
أهمها:
ّ ّ
التسليح ّ
والتموين بجميع الحاجيات ّ
الضرورّية. _ تفعيل عملية
ّ
استعجالية. _ بناء مراكز ّ
خلفية ومستشفيات
1علي املرزوقي معتمد تالة في ذلك الوقت ،كانت له عالقة قوية بفرحي ساعي ومسعي علي بن أحمد ،منذ
معركة فجوج الطين ،حيث قدم عليهما بعد املعركة مباشرة وحياهما على شجاعتهما وعرض عليهما الدعم
واملساندة ،وبقيت عالقته بهما طيبة بعد االستقالل ،وقد دعم الثورة الجزائرية كثيرا.
57
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
_ نقل املعارك من داخل الجزائر إلى خارجها أين ما وجد العدو ،بواسطة انتشار فرق
التحرير ،التي ّ
تتنقل بأسرع ما يمكن داخل أ اض ّ
الدول املجاورة ،لتوسيع رقعة الحرب جيش ّ
ر
الداخل ،حيث الضغط على ّ
ضد جيش العدو ،إلنزال أكبر الخسائر في صفوفه ،ولتخفيف ّ ّ
حتى حدود ليبيا ،لحماية قوافل ّ
السالح اآلتية من املشرق التحرير ّ
تتنقل ّ كانت فرق جيش ّ
ّ
خاصة بالجنوب التونس ي من معارك واشتباكات، القطر ّالعربي ،وذلك ما شهدته جبال ُ
ّ ّ
التونس ي حيث يوجد بتلك الجبال العديد من رفات الشهداء.
للتدريب العسكري ّ
والسياس ي. _ بناء مراكز ّ
ّ _ دخول األفواج اآلتية من العديد من ّ
والعربية من الش ّبان
ّ ّ
األوروبية الدول
ّ
الثورة الجز ّ
ائرية. الجزائرّيين ،املوجودين بالخارج اآلتية للمشاركة في
ّ ّ
الثورة الجز ّ مهمة ّ وباختصار فالحدود كانت نافذة ّ
ائرية ،تتغذى تتنفس منها
صب الجيش الفرنس ي جام وحتى عندما ّ وكل الحاجياتّ . والرجال واألحذية واأللبسة ّبالسالح ّ ّ
ّ
غضبه على األهالي استطاع العديد منهم اإلفالت عبر الحدود بعائالتهم ،وهو ما وفر
ّ ُ ّ
احتياطيا من الشباب لتعويض ما فقد في صفوف املجاهدين في آخر سنوات الثورة ،وذلك
ّ ّ
الثورة بطاقات هائلة من ّ
الرجال. ما مد
الصومام 20أوت 1956م ،ذلك ومن األحداث املستجدة في تلك الفترة ،عقد مؤتمر ّ
ّ ّ ّ
ونوعيتها ،ومنها غياب ممثلي املنطقة األولى أوراس الحدث الذي له وعليه ،لضيق املشاركة
الثوري ،وكذلك تغييب قادة الخارج بشكل ّ ّ
متعمد ،لذلك انفردت به منطقة اللمامشة لوزنها
ّ
القبايل ،ومنطقة الشمال القسنطيني ،نتج عن ذلك غضب أغلب جيش وإطارات املنطقة
ّ األولى أوراس اللمامشة ،وقد وصل األمر إلى ّ
حد القتل ،وكذلك القاعدة الشرقية وغضب
ّ
القادة بالخارج :بن بلة ،آيت أحمد ،خيضر ،وسيأتي الحديث عن مواقفهم من ذلك.
ّ الصومام فكانت ّ
بالنسبة لنتائج مؤتمر ّ ّ ّ
كالتالي :تشكيل املجلس الوطني للثورة من أما
ّ ّ مهمة ّ 17عضوا و 17مساعدا ،وكان لهذا املجلس ّ
التوجيه العام للثورة ،كاآلتي:
ّ التنسيق ّإنتخاب لجنة ّ
والتنفيذ لإلشراف على الثورة ،وقيادتها من خمس أعضاء:
ّ
عبان رمضان ،كريم بلقاسم ،عبد هللا بن طوبال ،عبد الحميد بوصوف ،العربي بن مهيدي.
58
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الصومام معلما من معالم اإلنحراف وتغيير ما جاء في نداء وقد كان اجتماع مؤتمر ّ
ّ
الثانية القائد ّ ّأول نوفمبر ،54ذلك ما ّ
الرمز زيغود يوسف ،عند عبر عنه قائد الوالية
ّ ّ ّ تستقل الجزائر طال ّ ّ
لكن الثورة التي الزمان أو قصر، خروجه من املؤتمر قال ملساعديه:
ّ ّ
ظللنا نحلم بها سوف لن تتحقق ألن فيروس النحراف وجد طريقه إلى جسمها.
ذلك ّأنه وجد نفسه تحت قيادة لسانها وفكرها فرنس ي رغم بعض اإل ّ
يجابيات ،مثل
الطاقم أمرا ّّ التحريرّ ، توحيد قيادة جيش ّ
ضد العقيدة واللغة بمشاريعهم لكن حمل ذلك
الصراع على املواقع األولى ،ما ّأدى إلى
غريبية ،وكوارث إلى الحدود حيث احتدم ّ الت ّياسية ّ
الس ّّ
بداية ّ
التصفيات بالقتل واإلبعاد.
تمرد هنا وهناك على تلك القيادة وقراراتها ،وكان الخاسر األكبر من وما حدث من ّ
ّ ّ ّ
تلك األحداث هو الوالية األولى أوراس اللمامشة ،التي آل أمرها إلى محمود الشريف الذي
ّ ّ ّ الت ّ ّ
صفى قادتها ّ
اريخيين ،ما أفسح املجال لقادة الواليتين الثانية والثالثة ،للتحكم في مصيرنا
ّ ّ ّ
وعسكريا. سياسيا وفي الثورة بالكامل
عباس الغرور إلى ساعي لإللتحاق بمن سبقه من قادة ّ ّ
الثاني :رسالة ّ
تبسة من الحدث
ّ
اللمامشة إلى مدينة تونس ،من أجل عقد تصالح مع قادة األوراس ،وما قاله الوردي قتال
بأنهم عند قدومهم إلى تونس وجدوا ساعي ّ
وعباس أمامهم. ليس بصحيح؛ ّ
الت ّ
اريخية في تصرحياته وأيضا في قتال كثيرا من املغالطات ّ (فقد ذكر الوردي ّ
تهجما واضحا على شخص بابانا فرحي ساعي ،فالوردي مثال في ّ ّ
مذكراته ،ورأيت منه ّ
الصفحة
لكنني أتساءل ألم يك 292-291يرى بظلم قادة األوراس لهم بإبعادهم إلى سوق أهراسّ ،
ذلك ترقية لهم ورفعا من شأنهم وقد صاروا إطا ات سامية ،بينما نحن الذين ّ
بالناحية ّ
تم ر
ّ
وأخالقية ،وماذا فعلوا هم حققناه من نجاحات وبطوالت عسك ّرية إجحافنا وظلمنا رغم ما ّ
شكلوا قيادة أخرى للمنطقة ،وقد انقسموا وتنافروا وصار ّّ ملا رجعوا إلى ّ
كل منهم تبسة؟ فقد
ثم ّيتهمون ساعي الذي حافظ على تماسك املنطقة ،إلى أن أشعلوا نار قائدا على ّ
دوارهّ .
حتى صرنا أعداء ّباتخاذهم قرار اإلنفصالّ ، ّ
يهدد بعضنا بعضا ،ووصل األمر بهم بأن الفتنة
ّ
حاصرونا _أي جيش الطكاكة_ ونزعوا منا أنجح ناحية في ذلك الوقت.
59
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
عباس رفقة ساعي في مذكراته، فيدعي دخول ّهجم على ساعيّ ، ويواصل الوردي ّ
الت ّ
ّ
وهذا غير صحيح ،فساعي جاءته رسالة ونحن بجبال سبيبة يطلب منه اللحاق إلى تونس،
ّ حذرهم من قبل من ّ ّ لعقد اجتماع ّ
مغبة ما اتخذوه من قرارات للتصالح ،وكان ساعي قد
ّ
خاطئة ،ال تخدم الثورة وال الوحدة ولم يقبلوا نصائحه وحاولوا قتله) .1وهذا قد أشرت إليه
آنفا.
الر ّد على جهالة أفراد
وهكذا فقد ذهب ساعي إلى تونس ،بعد أن أوصانا بعدم ّ
منا ،وقد تركنا بجبال سبيبة والقصرينبتبسة ،على ما يمكن أن يرتكبوه ولو قتلوا ّ
املنطقة ّ
في انتظار رجوعه إلينا بخبر املصالحة ّ
والتصالح.
الحي ّ
السعيد، عباس الغرور وجماعة من ّ
السوافة بقيادة عبد ّ لكن ما ّ
أعده فريق ّ
ّ ّ ّ ّ
الحي ،الذي شكل معسكرا بتونس وقتلة أمثال والطالب العربي وعبد الكريم هالي نائب عبد
وحتى أعضاء ّ
مدنيين مالكين بتونس من منطقة واد كل من يخالفهّ ، أحمد راشد ،لتهديد ّ
سوف ،منهم من كان يستنطق أفرادا ّ
مدنيين من اللمامشة ،حيث حدثت تجاوزات كثيرة.
موعد االجتماع
بعد لقاءات ّأو ّلية هنا وهناك ،وذات ليلة ممطرة خرج بهم عبد ّ
الحي وعبد الكريم
خارج املدينة إلى معسكره البعيد ،الرتكاب جريمة القتل ،وعند دخولهم املعسكر وجدوا
لكنهم ساقوهم بسرعة إلى قاعة اإلجتماع مكان مسرح الجريمة ،وأمروهم الجو غير مريحّ ،
ّ
مناعي العيد ،آخرهم كانالزينّ ،
عباد ّقتالّ ،شريط لزهر ،ساعيّ ، بالدخول كالجمال ّ
كالتاليّ : ّ
عباس؛ وبمجرد خروج ّ
ّ عباس من طرف عبد ّ
الحي بالخروج، ثم نودي على ّ عباس الغرورّ ، ّ
وعشوائيا إلى أن ّ
ظنوا ّأنهم ّ ّ
جماعيا بالرشاشات ،صار قتال وتقدم فردان ّ الضوء ّ ُقطع ّ
قتلوهم ،ومن ّثمة كثر الهرج واملرج داخل املعسكر ،وأثناء خروجهم وجدوا عيدودي بشير
لس ّيارة ّ
فتم قتله. عباد ّ
الزين جالسا داخل ا ّ سائق سيارة ّ
1كان هذا جزء من ّرد املجاهد علي بن أحمد مسعي على ما جاء في مذكرات املجاهد الوردي قتال،
وتصحيحه لبعض الوقائع التاريخية حسب وجهة نظره.
60
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
وفي ذلك الوقت كان هناك رجل تونس ّي يسكن بالقرب من املعسكر ،يهاتف الحرس
بالسالح بمعسكر الجز ّ
ائريين ،فأسرعوا ليجدوهم داخل القاعة ّ
التونس ي مخبرا بوقوع قتال ّ
في برك من ّ
الدماء ،فأخذوهم إلى املستشفى.
عباد ّ
الزين، مناعيّ ،قتالّ ،
كانت النتيجة قتيلين وخمسة جرحى هم :لزهر ،ساعيّ ،
ّ ّ
فأسرعوا بهم إلى املستشفى ،ومن ّثمة متابعة املجرمين ،فاعتقلوا مهدي الطالب العربي الذي
ّ
السجن ودخل التراب عباس من ّ واملتلوي ،بينما ُأخرج ّ
ّ الر ّديف
التحق بجيشه بجبال ّ
وتم ذلك بوسائط.الجزائري (وسأرجع إلى ذلك فيما بعد)ّ ،
أحدث ذلك الحادث شرخا وهلعا كبيرين داخل الجزائر وخارجها ،وفي طاقم مؤتمر
وعمار بن عودةّ ،
الشيخ إبراهيم مزهودي ّ ّ ّ ّ
للم شمل الوالية األولى الصومام أرسلوا كال من
الصومام بانفرادهم بمصير أوراس اللمامشة ،وذلك ما استفاد منه أعضاء طاقم مؤتمر ّ
الصاعقة في الوقت الذي ّ ّ
الجزائرية ،فنزل علينا الخبر نزول ّ ّ
كنا ننتظر خبر املصالحة الثورة
ّ
والتوافق ،وصرنا في حيرة من أمرنا ،وضاق الحال بنا ،إلى أين ّ
املفر !!؟
خاصة ونحن خارج الجزائر ،إلى أن يقض ي هللا أمرا كان ّ تجندنا ّ
بالصبر، رغم ذلك ّ
ّ ّ خاصة ّأننا في خالف شديد مع جيش وقادة منطقة ّ مفعوالّ ،
تبسة ،هذا ما زاد الطين بلة.
وعمار بن عودة ،فهو ّ
الشيخ إبراهيم مزهودي ّّ ّأما ما ّ
لم شمل تم من إجراءات على يد
ّ
الليبية الوالية األولى داخل تونس ،ومن اإلجراءات األولى إرسال الجرحى إلى األراض ي
وتم ذلك ّ
كالتالي :قائد املنطقة محمود تبسة من جديدّ ، للمعالجة ،وثانيا تشكيل منطقة ّ
ّ ّ
الشريف ،األعضاء ّ
الطاهر بن عثمان ،الحبيب ّ
عباد. الن ّواب :إسماعلي صالح بن علي ،فرحي
النواحي داخل املنطقةّ :
الناحية األولىّ :
تبسة :مسعي علي بن أحمد. تشكيل ّ
ّ
الثانية :بئر العاتر :مقداد ّ ّ
جدي. الناحية
ّ ّ
الناحية الثالثة :قنتيس :بلحسين محمد بن علي.
التنظيم واالستعدادُ ،أمرنا ّ
بالدخول إلى الجزائرّ ،
كل إلى ناحيته بعد إجراءات إعادة ّ
ّ ألن الجيش الفرنس ي ّ ّ
النشاط القتاليّ ،
تغول على الشعب الجزائري ،نظرا لغياب إلعادة
61
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ُ الت ّ العسكرية ،وخروج أغلب أفراد املنطقة إلى الحدود ّ
ّ ّ
ونسية ،ولذلك ترك الشعب العمليات
وحيدا.
فسية ،خضنا معركة يوم 03نوفمبر 1956م في خنقة املعنوية ّ
والن ّ ّ رغم الجراح
الزيتون داخل القطر ّ
التونس ي فجرا ،في طريقنا إلى ناحيتنا كنا بجبل خنقة ّ الزيتونّ ،
ّ
ّ
العدو ،صدفة صباح ذلك اليوم ،قتلنا عددا كبيرا منهم يفوق الـمئة قتيل، تصادمنا بفرق
وكثيرا من الجرحى ،وأسرنا أربعة عساكر وأحرقنا طائرة ،في الوقت الذي استشهد لنا 12
ّ السنوس ي بشير ،مسعي عبد املجيد ،مسعي ّ شهيدا منهمّ :
التارزي ،معلم الحفناوي ،حمدان
علي بن ّ
العزوزي.
ّ
الشعب ّ
التونس ي ،ذلك ما وجده حيث كان لتلك املعركة صدى واسعا في أوساط
عباس الغرور أثناء رجوعه إلى الجزائر ،فوجد الحديث عليها وبإعجاب ،فأبرق ّ
إلي برسالة ّ
بالداخل .وطلبومما قال :لقد رفعت رؤوسنا في الوقت الذي سكنت معاركنا ّ شكر وتقدير ّ
عباس الغرور حتى جاءتني رسالة اإلدارة بتونس للقبض على ّ مني أن نلتقي ،ولم يطل األمر ّ ّ
عباس ،تلك هي مأساتنا ،من تحول عملنا إلى البحث عن ّ الفار من العدالة ،ومن ّثمة ّ ّ
نتلقى منهم األوامر ّ ّ ّ
بكل احترام وتبجيل ،إلى قادة مطاردين. قيادات كنا
ّ ّ ّ ّ ّ
علمنا أنه بجبل الشعانبي ،وملا وصلنا جبل الشعانبي وجدنا أنه قد نصب كمينا بواد
بولحية بين تاالبد وبوشبكة ،ولخوفنا من أن تباغته نجدة العدو ،قمنا بنصب كمين بخنقة
الرابعة مساء وقع القتال مع رتل طويل جاء من القصرين، جبل بولحية ملساندته ،وحوالي ّ
الطريقّ ،ّ حتى صار سالح أفراد العدو ّ الرتلّ ، ُقتل الكثير من ّ
مقدمة ّ
لكن مرميا على قارعة
ّ ّ مؤخرة ّ ّ
الرتل ورشاشاته حرمتهم من الغنائم ،فانسحب بعدما خلف شهيدين هاونات
ّ
أحدهما غزالي علي املعافي ،وبعض الجرحى منهم عباس نفسه.
غدا مساء علمنا أنه يبيت عند أحد املشايخ للعشاء ،أخذت معي أربعة أفراد وذهبت
عباس عندما نأتي به ونضعه بينهم ،وجدتهم إليه ،بعد أن ّرتبت مع قادة الفرق أمر مراقبة ّ
عباس ما أحوالحدث جانبا ،قلت :س ي ّ السالم طلبت منه ّ
الت ّ قد فرغوا من عشائهم ،بعد ّ
ّ ساعي؟ قال :هو ال باس عليه ،وعن قريب يلتحق بناّ .
ثم استدرك :هل اتصلت به؟ قلت :ال.
62
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ثم قلت :س ي ّ ّ
عباس أتيت إليك ألسلم لك من معي من جيش .قال :ملاذا؟ قلت :لعجزي عن
ّ ّ
الشعب ّ
التونس ي ما تحتاج .قلت :الشعب القيام على حاجيات هذا الجيش .قال :خذ من
ّ ّ
التونس ي فقير ،وقد طال مقامنا معهم .قال :خذ منهم حتى بالقوة وامنحهم وصوالت .قلت: ّ
الشعب ّ ّ سي ّ
التونس ي مستقل ولديه حكومة ،كفانا مشاكال .قال :علي ولدي ،خذ عباس،
ً
منهم واعطهم بيانات ،سأرسل وفدا يأتيهم باملال من ليبيا فاصبر .قلت :إذا أؤمر أفرادك
ّ
باتباعنا.
سريا ،وعند تحركنا بأفراده إلى أن دخلنا بين فرقنا ،ومن ّثمة أصبح مراقبا ّ ثم ّ ّ
الصباح ،طلب لقائي قال :علي ولدي ،أنتم قابلتم ساعي؟ قلت :أبدا .قال :أنا أريد القيام ّ
عباس أنت تعرف ،قمنا بمعركة ونفدت أغلب ذخيرتنا ،ولدينا ضد العدو .قلت :س ي ّ بعملية ّ
ّ
ّ
جرحى ومتعبون ،وأنت نفسك جريح ولك جرحى أيضا .قال :علي ولدي أرغب في الشهادة.
ّ
العدو عباس ،إن نذهب أنا وأنت فقط فأنا حاضر وجاهزّ ،أما أن ندفع برجالي إلى قلت :س ي ّ
ّ
بسالح فارغ من الذخيرة ،فهذا أمر ال نقدر عليه .عند ذلك استدار وهو يتمتم ال أفهم ما
يقول.
أسر له برسالة اإلدارة ،عندئذ أسرعت الكتاب ّالذين معي هو ّالذي ّ
أن أحد ّ وأظن ّّ
ونسق مع معتمد تالة ،للقبض على الر ّد أن احتفظ به ّ
عباس لدينا ،وجاء ّ بإخطار اإلدارة ّ
بأن ّ
ّ عباس بواسطة الحرس ّ ّ
التونس ي ،نظرا لوجود الجيش الفرنس ي بالطرقات.
بجاهزية الحرس غدا صباحا ،وفي يوم ممطر جاء ّ لم يطل األمر ،أعلمني معتمد تالة
ّ ّ
الحرس بشاحنتين ،توقفوا من بعيد حسب ما اتفقنا عليه مع املعتمد ،إلى أن أطلب
ّ ثم طلبنا ّ تقدمهم ،فأعلمت قادة الفرق باإلستعداد لألمرّ ، ّ
تقدم الشاحنتين ،فذهبت إليه
فلما رآني قال :علي ولدي ما جاء بك؟ قلت: بأربعة أفراد ،إلى أن وقفت أمام عريش ّ
الصنوبرّ ،
عباس أريدك أنت دون سالح .خرج ّ
إلي من ثم ّ
مد يده إلى سالحه .قلت :س ي ّ للت ّ
حدث إليكّ . ّ
ّ العريش ،وقتها حدث لغط وهرج في أفراد ّ
عباس ،قلت :اعلموا أننا ليس لدينا مشاكل مع
إن ساعيعباسّ ،ثم قلت :س ي ّ
عباس ملا حدث بتونسّ . عباس ،فاإلدارة هي ّالتي طلبت حضور ّ ّ
عباس ،أقول إلي هنا .عند ذلك قلت :س ي ّ
بتالة يطلب مقابلتك .قال :من يريد مقابلتي يأتيني ّ
الزين قتيل ،عيدودي بشير ُقتل داخل ّ
الس ّيارة ،ساعي عباد ّ ّ
الحق ،من يريد مقابلتك هم ّ
63
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
وقتال الوردي جريحينّ ،
مناعي العيد جريح ،هم من يريدون مقابلتك. شريط ّ جريح ،لزهر ّ
ّ
كرر وقال :إني لن أذهب إلى أحد .عند ذلك قلت :س ي عباس أنت يجب أن تذهب لتواجه ما
فعلتم .عندها قال لي :هل ترافقني؟ قلت :أرافقك1.
يهمنا اآلن أن تحترق بيوتنا وتؤخذ أرزاقنا ،فقد كانوا قبل هذا ّ
يتجولون السماء ،ولذلك ال ّ ّ
أحرا ا في منا لنا ولم يطلق أحد عليهم ّ
النار. ز ر
قلت للحاج :اسرع لنا فالجبل بعيد ،وجيش العدو سيأتي غدا صباحا .قال :إن
خفتم ،فعندما يأتون أعطوني سالحكم أقاتل أنا ونسائي وناموا أنتم وارتاحوا .عند ذلك
ّ سكتنا ،بات الحاج ّ
يحدثنا ّ
عما ّ
مر بهم من إذالل من فرق الجيش الفرنس ي ،في الوقت الذي
واللحم ّّ
والدهان ،ولم يطلقوا طلقة كان يأتيه ليال جنود صالح بن علي ،يأكلون الكسكس ي
واحدة على العدو.
معركة أنوال الكبرى 27نوفمبر1956م
ّ ّ ّ
الش ّ
رقية املطلة على سهل الغريرة ،ونحن ال نعلم أنه قد دخلنا جبل أنوال من الجهة
ّ ّ دخلها أحد العمالء ّ
وسجل مواقع فرق صالح بن علي ،وفرقة السالح التي دخل بها نصر
ّ سجل ّ الكامل من فريانة ،وكان قد ّ
أن الجهة التي دخلنا منها نحن خالية من املسلحين ،وهذا
ّ
طبعا قبل وصولنا ،ولذلك ملا بدأت املعركة عند فصائل صالح وفرقة الكامل ،قد خسروا
ّ ّ
املعركة قبل أن تبدأ ،رغم وصول فرق املظل ّيين وهم ال يعلمون أننا سيطرنا على أخطر
ّ ّ
الجبهات برجال صناديد ،وبذلك أخروا دخولهم من تلك الجبهة إلى حوالي الثامنة صباحا،
ّ
حيث جاءت أرتال الشاحنات حاملة الجنود ،ونحن مختفون بين األشجار ،فتركناهم
ّ وكأنهم في ّ ّ
يتقدمون نحوناّ ،
عملية تدريب إلى أن توقفوا أمامنا صفوفا ،إلنزال عساكرهم،
جدا ،وهم في غفلة، وبمجرد بدء نزولهم أطلقنا عليهم بكامل أسلحتنا من مسافات قريبة ّ ّ
قتلنا منهم الكثير وجرحنا الكثير ،ومنهم من الذ بالفرار مذهولين يركضون في سهل الغريرة،
حتى ّ
إن عليهنّ ،
ّ املظل ّيين ّالذين كانوا باألمس ّ
يتغولون
ّ
والنساء يزغردن ويشتمن أفراد
ّ
بالرصاص ّ ّ
الطائرات اعترضتهم وترميهم ّ
لتردهم عن الفرار ،وتجبرهم على دخول املعركة.
تدخل ال ّطائرات ّ
بقوة،
ّ ّ ّ
مما مك ّنا منهم رغم
ّ
لقد كانت صدمة كبيرة لهم لفشل خطتهم،
ّ ّ ّ ّ وكتائب ّ
املدفعية ،إذ كان لدينا ثالث قطع رشاش مضادة للطائرات ،تولت الدبابات ،وقطع
ّ
أمر تلك الطائرات ،فسببت فيها خسائر فادحة.
65
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
حتى ّ
تبسة بمشاهدتهاّ ، ّ
سكان مدينة ّ
إن نعم ..لقد دارت معركة طوال اليوم ،استمتع
ّ ّ
السكان انقسموا؛ العرب بجهة واليهود والفرنسيون بجهة ،فوق أسطح املنازل ويتعايرون،
ّ ّ حتى حاكم ّ ّ
تبسة عندما شاهد إحدى الطائرات تحترق ،كان يقول :فكها يا لكوست يا دين
ّ ّ ّ ّ
يفرون اتجاه املطار. ربي .وفرق املظل ّيين التي يتفاخرون بها
تلك هي معركة أنوال الكبرى ،وهي خاتمة انتصاراتنا لسنة 1956م ،وقد كان لها نتائج
ممن حضروا إلى جانب تبسة وضواحيها ،حيث ّ
حدثنا ّ معنوية عظيمة ،إذ شاهدها شعب ّ ّ
ّ ُّ ّ
القومية الذي كلفوا بجمع الجثث التي تفوق 500قتيل ،وعددا هائال الجيش الفرنس ي من
ّ ّ ّ
من الجرحى ،وعطب وسقوط الطائرات ،وقد غنمنا منهم قطع من السالح ،منها رشاش عيار
24-29ملمّ ،أما من جانبنا فقد استشهد لنا حوالي 20شهيدا منهم :بدري العيد ،غريس ي
عمار ،ثابت ّ
عمار. ّ
السبتي ،صالحي محمود ،مومن صالح ،اسماعلي لزهر ،رزق هللا ّ
شريط على قيادة منطقة ّ سنة 1957م ّ
وتجدد الخالف بين محمود ولزهر ّ ّ
تبسة
ّ بعد رجوع لزهر ّ
شريط من ليبيا ليطلب من محمود أن يسلمه قيادة املنطقة،
ّ صب عليها من طرف قيادات ّ رفض محمود ذلك ألنه ُن ّ
أهمها :الشيخ مزهودي وبعض أعضاء
نؤيدك لجمالالتنصيب :اسمع يا محمود ،نحن لم ّ حتى ساعي ّالذي قال أثناء ّ الصومامّ ، ّ
الشيخ إبراهيم مزهودي ّ ّ ّ ّ
وقبل ساعي ملوقفه عيونك ،إنما شيطان نواجه به الشياطين .فقام
ّ
النزيه.
ّ
ذلك أنه لم ينحز إلى لزهر ،بل ّأيد الحقيقة لصالح املنطقة ،وذلك لقدرة محمود
ّ
فرنسية ،إضافة إلى تجربته على مواجهة ومقابلة أعضاء الواليات األخرى ،الذين ثقافتهم
ُ
ّ
عضوية املجلس الوطني لكن لزهر رغم ما ق ّدم له من امتيازات ،منها منصب العسكريةّ ،
ّ
ومرتب محترم ّ ّ ّ ّ
وسيارة وسائق ،مقابل تنازله عن طلب منصب القيادة للمنطقة، للثورة ،وفيال
يؤيده ،رغم ّ
كل املحاوالت ،ذلك ما دفع وقرر الخروج إلى الجبال بمن ّ ّإال أنه رفض ذلكّ ،
بمحمود داخل الجزائر إلى إرسال صاحبه ونائبه صالح بن علي إلى أرقو ،للقاء قادة نواحي
النار من طرف بعض األفراد منهم عثمان التزكية ،وهناك ُأطلق عليه ّ
ّ
املنطقة ،لينال منهم
ّ ّ ّ ّ
زعالني يدعى جالل ،ومن ثمة عاد محمال ِبغل وضغينة ضد أفراد املنطقة ،وسأذكر فيما بعد
66
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ ما قاله لي محمود ،وما ّ
عقد األمر أكثر هو اتفاق لزهر مع الطالب العربي الخارج عن أمر
وعباس ،وقد كان يطالب بإطالق سراحهم من الحي ورفاقه ّ
كل من عبد ّ القيادة ،منذ اعتقال ّ
الر ّزاق ،ما اقترح على لزهر ،فرفض أيضا،
السجن ،وحيث اقترح عليه العقيد أحمد بن عبد ّ ّ
حرش بمراكز الحرس ّ
التونس ي ،ومن تعد األمر إلى ّ
الت ّ يتحرشان بمصالح املنطقة ،بل ّثم صارا ّّ
ّ
هناك اتسعت الفجوة.
الطاهرّ ،ّ أثناء ذلك ،طلب ّ
جدي مقداد، منا محمود نحن :فرحي ساعي ،فرحي
عما يفعلّ ، الرجوع ّ لحثه على ّ ّ ّ
لكنه رفض مقابلتنا ،وبعد مسعي علي ،اإلتصال بلزهر
ّ
محاوالت أخرى منها محاولة أحد والة تونس ،الذي كان صديقا قديما له ،فقبل ،رغم
نصيحة ك ّل من دريد لزهاري ومجور بوزيد لخوفهم من غدر محمود ،وذلك ما حصل فعال،
ُ ّ
فبمجرد وصولهم ،أعتقل لزهر وكوادره ،وفرق جنوده على نواحي املنطقة.
ُ ّ ّ
ّأما الطالب العربي الذي رفض ما ق ّدم له من عروض ،كانت عرضت على لزهر من
التونس ي إلى أن ُقتل ُ
واعتقل الباقون. قبله ،فقد ّ
تنقل إلى ليبيا ،فالحقه الجيش ّ
ّ الشريف ّ ّ من ّثمة ّ
الصعداء ،وتخلص من معارضيه ،والتفت إلى تنفس محمود
يؤرقه هو ونائبه اسماعلي صالح بن مما ّّالذين ال يرتاح لهم ،بالقتل أو اإلقصاء ،وقد كان ّ
ّ سمى آنذاك بجيش الطكاكة ،فقام بزعزعة ّ
الناحية األولى ّ علي ،ما ُي ّ
بتبسة ،التي كنت
قائدها ،وهي من أنجح ّ
النواحي ،وأذكر دليال على قولي:
ّ ّ
جديالطاهر عضوا باملنطقة ،مقداد ّ إنه في أوائل فيفري 1957مُ ،ع ّي ّنا نحن :فرحي
للدخول لناحية العاتر للبحث في شكاوى أتته من قائدا لناحية العاتر ،مسعي علي بن أحمدّ ،
حريّ ،
حررنا تقريرا حملته إليه الناحية من طرف مواطنين ،وبعد البحث فيما يحدث ّ
والت ّ ّ
ونسية ،وأنا في طريقي وجدت إحدى كتائبه قد خرجت بالجبل وهو بمدينة الكاف ّ
الت ّ
جدا ،وفي صباح بارد كنت واقفا أمام مكتب محمودّ ،
فلما علم األكحل ،وقد كنت متعبا ّ
يسلم ،وقال :ما جاء بك؟ ولم يذكر ّ ّ بقدومي ،خرج إلى ّ
حتى املمر ،ولم يدخلني مكتبه ولم
التقرير وأضفت خبر خروج مسدسه ،أعطيته ّ اسمي ،وكانت يده في جيبه ،ويده األخرى على ّ
67
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
قلت :هذا ما تقوله يا س ي محمود؟!! قال :هذا ما أقوله .عند ذلك استدرت للخلف
ّ
بعد خطوات قال :اسمع ،سأرسل لجنة للبحث في الذين خرجوا ورأيتهم في الجبل األكحل.
ّ ّ ّ ّ
ذلك هو محمود الذي اتفق مع قادة منطقة القبايل ،الذين صاروا هم قادة الثورة
الصومام 20أوت 1956م ،نعم ..ذلك ما واجنهي به محمود ّ
بكل بعد خروجهم من مؤتمر ّ
لكل قائد لتصفية من صراحة وحقد ،ونحن ال نعلم ما كان ،حيث ّاتفقوا على منح ّ
الحرّية ّ
عبر به البطل زيغود يوسف بعد صرح به عبد هللا بن طوبال وما ّ
يعترض طريقه ،وهذا ما ّ
ّ
ستستقل طال الزمان أو قصرّ ،أما الثورة
ّ خروجه من املؤتمر ،إذ قال ملساعديه :الجزائر
ّ ّ ّ
ستبقى هنا .ملا شاهده البطل من انحرافات في مشاريع الثورة ،وقال :لم يتحقق ما كنا نحلم
به ،حيث ّ
تسرب إلينا فيروس.
وما يثبت ما قاله البطل زيغود ،ما جاؤوا به إلفساد أخالق املجاهدين ،والكفر
الجهادي في عقول املجاهدين ،2وأذكر على سبيل املثال ال الحصرّ ،أنه ذات مرة أرسلوا ّ
إلي
وصحة ،قلت ماذا يفعلن ،قيل ملعالجة الجرحى واملرض ى وتعليمّ ثالث فتيات ذوات جمال
ّّ املجاهدين ،قلت بينما نحن ّ
نجهز أنفسنا ملقارعة فرق املظليين :ومن يحرس الفتيات؟!!
ّ
وأعدتهن من حيث جئن. ّ
مسؤوليتي ّ
فتحملت
الس ّ
ياسية عملية توحيد القيادة ّّ ّ
عملية اإلفساد ،وهكذا ..رغم هذه من دالئل
ّ
املتضرر من هذه اإلجراءات فإن قلوبهم مريضة بمرض ّ
الزعامة ،لقد كان والعسكريةّ ،
ّ
ّ
وسياسيا. ّ
عسكريا الوالية األولى
تم تشكيل قيادة الوالية ،أثناء دخول محمد لعموري من الجزائر إلى في تلك الفترة ّ
ّ تشكلت ّ ّ
كالتالي :محمود الشريف قائدا ،محمد لعموري نائبا ّأوال ،أحمد نواورة تونس ،وقد
نائبا ثانيا ،عبد هللا بلهوشات نائبا ثالثا ،ساعي مراقبا بالحدود برتبة نقيب.
ّ تبسة ّ وتشكيل قيادة منطقة ّ
كالتالي :اسماعلي صالح بن علي قائدا ،فرحي الطاهر
جدي مقداد نائبا ثانيا.نائبا أوالّ ،
ّ استبشرنا خيرا وقتها ببعث روح جديدة ّ
بتجدد القيادة بالوالية ،لرفع مستوى الثقة في
صفوف املجاهدين والقادةّ ،
لكن طموح محمود كان شيئا آخر وسيأتي ذكره.
ّ ّأما ّالذي زاد في ضعفنا ونحن ّ
نتجول من جبل إلى جبل تحاشيا ملواجهة املظل ّيين ،قبل
ّ قدوم فرقة ّ
حمه بن زروال ،هو عندما لحق بنا صحراوي صالح بولحية _قبل أن يسلم نفسه
للعدو_ ،وأوحى إلى أعضاء كتيبة أوالد خليفة 1أن يخرجوا علينا ويدخلوا القطر ّ
التونس ي، ّ
ّ
والرجال ،رغم ذلك بقينا إلى جانب الشعب نتقاسم معهم وجبات السالح ّوتركونا في ّقلة من ّ
العشاء.
بينما نحن على ذلك من ضعف في انتظار أن تلحق بنا كتيبة ّ
حمه بن زروال ،وفي
التاسعة صباحا من العاتر،صباح 27ماي 1957م ،في يوم غائم أتى رتل عسكر ّي حوالي ّ
ّ السواتر ّ
فوة العاري من ّ تصحبه ّدبابات بجبل ّ
والتحصينات ،وبمشاركة الطائرات ،كانت
ّ ّ
النتيجة إصابتي في ّأول املواجهة ،وإصابة بوقطوف العيد بعد العصر ،ومع ذلك صمد
ّ ّ
أبطالنا على قلتهم وضعف تسليحهم ،وقد سقط من الشهداء حوالي العشرة.
تم إرسالنا إلى تونس وأخذنا الحرس ّ
التونس ي ثم ّ
أخرجنا رجالنا على األعناق ليالّ ،
بالحدود إلى مدينة تالة ،ولم يستقبلنا أحد من قيادة املنطقة ،ولم نجد لباسا نستبدل به
ّ ّ ّ املخضب ّ
ّ
أن الطبيب جزائري ،دخل تونس من بالدماء .ولكن من حسن حظنا وجدنا لباسنا
فرنسا ،وتعاقد مع تونس ملعالجة املجاهدين ،قام بنا بأحسن ما يكون ،وهو من أجرى
احية على فخذي ،حيث عجز ّ
األطباء بمستشفى الكاف على إجرائها. العملية الجر ّ
ّ
أوالد خليفة :قبيلة من البرارشة اللمامشة ،تهيمن على املاء األبيض وضواحيه. 1
70
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الخبر خبرين ،بينما نحن نحلم بسرعة شفائنا ،إذ نزل علينا خبر حوالي 150شهيدا
ّ من الذين تركناهم وكتيبة ّ
حمه بن زروال ،وبعض الجرحى منهم قائد املعركة فرحي الطاهر،
باتجاه الحدود ّ ّ ذلك ما ّ
التونسية ،قلت :ملاذا؟!! قالوا: تنبأ به أفرادنا أثناء وقبل أن نسافر
ّ ّ
سيقتلنا الطاهر بسبب جهله فنون الحرب .وقد حدث الذي قالوه ،تلك 15جوان 1957م،
حيث داهمهم الجيش الفرنس ي بجبل تازربونت ،وهو جبل بسيط ،في يوم من أطول أيام
الطائرات ّ ّ
ّ
واملدفعية ،يوم شديد الحرارة، والد ّبابات السنة ،داهمهم جيش عرمرم تسانده ّ
ّ الر ّ
رغم ذلك خاضوها معركة يشيب لها ّ
ضع ،إلى أن سقطوا عن آخرهم ،ولم يسلم أحد
تأسفوا عليهم.1 العدو أنفسهم ،وقد ّّ ضباطنفسه ،ذلك ما اعترف به ّ
ّ ّ ّ ّ
عضوية لجنة التنسيق والتنفيذ أوت 1957م و انتقال محمود الشريف إلى
بنواب هم: خلفه على قيادة الوالية األولى أوراس اللمامشة العقيد محمد لعموريّ ،
أحمد نواورة وعبد هللا بلهوشات واسماعلي صالح بن علي.
ّ ّ
بمجرد أن تسلم العقيد لعموري قيادة الوالية ،شرع في جوالته وزياراته ملواقع وهكذا
ّ ّ
والص ّ ّ ّ
حية ،ألنه كان في الخلفية املجاهدين ،سواء الفرق املسلحة بالحدود ،أو املراكز
ّ
حسبانه إهمال محمود الشريف ألحوالهم.
عد نفس ي ّ
للنوم حوالي عسكرية بتالة؛ بينما أنا ُأ ّ
ّ ّ
بمصحة من ذلك ما حصل معي وأنا
صحي عاملي رافقهم العقيد لعموري، العاشرة ليال ،إذ دخل وفد جاء من الخارج ،وهو وفد ّ
قدمهم ليكتاب املنطقة ،وأنا بغرفة خالية من اإلنارةّ ، يقودهم خالدي حسناوي أحد ّ
للراحة ،قال :اتركوا أماكنكم تقدم العقيد لعموري معاتبا في كلمته استسالمنا ّثم ّ
حسناويّ ،
املطوق ّ
ّ ّ ّ ّ
بالداخل ينتظر إن الشعب إلخوانكم الذين يدخلون من الجزائر جرحى ومرض ى،
مني أمامك ما هو فإن ما تراه ّ عودتكم .بعد أن انتهى من كلمته قلت :إن كنت تقصدنيّ ،
1لم ينج من معركة تازربونت قعور الكيفان إال القائد الطاهر فرحي وكان جريحا أخفاه رجال قبيلة
الزراممة وحاولوا عالجه عندهم ،وباهي حسين امللقب بالشهيد الحي الذي ّ
خربه العدو بأكثر من 30رصاصة
حتى ظنوا أنه قد قتل والطاهر قطاية الذي أصيب إصابة بالغة وأغمي عليه فأخذه الجيش الفرنس ي معهم
ثم سجنوه ،هذا حسب رواية الطاهر قطاية نفسه وحامد مسعي والعبيدي بن عيس ى وبوقطوف العيد.
71
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
فاهتز العقيد لذلك سوى جسمّ ،أما العقل والفكر فهو هناك إلى جانب إخواني بالجبال.
ّ ّ
الث ّ
ورية ،وقال :من هذا املجاهد؟ قال حسناوي :إنه جندي من جنود س ي وشكرني لروحي
ّ ّ
الطاهرّ .
لكن العقيد لم ينطل عليه ذلك ولم يرض فضوله ،فصار يسأل عن هويتي ،فجاءه
تبسة، الص ّحة ّأنه علي بن أحمد قائد ّ
الناحية األولى ّ الجواب من درباس ي إبراهيم مسؤول ّ
عباس الغرور ،استغرب العقيد من جواب حسناوي ،فقام بتوبيخه وهذا ّالذي قبض على ّ
سجل اسمي لديه.ث ّم ّ
ولذلك عندما أنهى جولته وعاد إلى مقر قيادته بتونس ،عقد اجتماعا مع أعضائه
ّ
وبحضور محمود الشريف ،قرأ عليهم نتائج جولته ،وأحوال الوحدات املسلحة واحتياجاتها
ّ وغير ذلك من املشاكل ،وعند الحديث عن تعيين قائد منطقة ّ
تبسة الشاغر منصبها منذ
ّ
عضوية قيادة الوالية ،أخرج العقيد لعموري ورقة فيها اسمي وقال: تعيين صالح بن علي في
ّ ّ
لقد تكلمت مع عديد اإلطارات واألفراد ،ولم أجد أجدر من هذا املجاهد الذي لم أر وجهه
لكنه صار عاجزا .قال العقيد قبل ذلك .قال محمود وصالح :صحيح ،هو مجاهد وبطلّ ،
جدي .نعم ..هو رجل بارود ّ
ولكنه ليس لعموري :هذه منطقتكم فمن تقترحون؟ قاال :مقداد ّ
ّ
برجل للتسيير.
كل ّ تدنى مستوى منطقة ّ ّ
النواحي ،فمن الجانب تبسة بشكل رهيب في ّ ومن ّثمة
حتى صارت جماعات حسب القبيلةّ ، النواحي عن بعضهاّ ، ّ
تفككت ّ القتالي أو ّ
ثم التنظيمي،
ّ اللقب ،وانفلت األمر ،لم تبق هناك طاعة وال ثقة ،نتيجة لذلك ّ ّ
قرر فرحي الطاهر حسب
ّ ّ
العضو بقيادة املنطقة ،الدخول إلى الجزائر ،حتى قبل أن يشفى من جراحه ،رغم رفض
والرجوع إلى القتال قبلمني إقناعه بعدم املغامرة ّالسماح له ،وقد طلبوا ّ األطباء وعدم ّ
ُ
حدثته قال لي :اسمع يا علي ،أقسم أن ال أبقى في تونس التي ّ فلما ّ شفائهّ ،
تغير فيها
ّ
املجاهدون ،وصار مالهم يصرف في الفنادق ،وأن ال أرجع لها إال إذا كنت محموال كما
ّ
دخلتها سابقا من معركة تازربونت ،وسأعيش إلى جانب الشعب بالداخل.
ودخل البطل رفقة أفراد حوالي 12رجال للجزائر ،وكتفه ينزف دما ،ألنه سأل
ّ
املظل ّيين والحركى من جهة ،وما ُي ّ ّ ّ
عين الشعب الذي صار بين نارين ،فرق الشهادة ،أو مؤازرة
مؤهلين ،من حيث الجانب األخالقي مالية وأفراد جهلة غير ّ
من قيادة املنطقة من لجان ّ
72
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ
بالرجال ،وفسادا في النساء ،ما ّأدى إلى هروب والثقافي من جهة أخرى ،لقد عاثوا ظلما ّ
للعدو وصار ّّ ّ ّ ّ
حركيا. حتى سلم نفسه الناس إلى املدن ،ومن
ّ
الشعب واملناضلين كبيرةّ ، ّ
لكن فرق وملا دخل فرحي الطاهر ،كم كانت فرحة أفراد
ص َدقوا
السالح ،ومن رجال َالتونس ي ،لخشيتهم من ّ تترصد من يدخلون من القطر ّ
العدو ّّ
ّ ّ ّ ملوثين مثلما ّ
بلدهم ،وغير ّ
فبمجرد دخوله وأما الطاهر فرحي تلوث من انغمسوا في الفساد،
تابعه العدو ،فاستشهد ومن معه شهر أكتوبر 1957م ،فحزن عليه قائد الجيش الفرنس ي
الرجل ّ ّ
بالشريعة ّ
وتأسف ،وعاتب ّ
ضباطه قائال :لو جئتم بهذا ّ
حيا القتسمت معه رتبتي.
قال :العرب ّ
طحانين.
ُ
ّأما العقيد العموري وتحركاته ومحاوالته إلصالح ما أفسد ،فقد استشعر محمود
ّ
الش ّ وضمه إلى ما ّ
منه خطرا ،فأقاله من قيادة الواليةّ ،
رقية، يسمى قيادة أركان الحدود
بقيادة العقيد محمدي ّ
السعيد ،واألعضاء هم :العقيد عمارة بوقالز ،العقيد العموري،
الرائد بن عودة ّ
عمار. ّ
ّ ّ ّ
ورغم إبعاده عن قيادة الوالية وتكليفه بأمور التسلح ،واصل العموري اتصاله
ّ
بالوحدات املسلحة بالحدود ،وإرسال الخطب إليهم وزرع الحماسة في نفوسهم ،ذلك ما
بالصدفة بفريانة ،إذ جاء في زيارة تفتيش لقيادة منطقة ّ
تبسة ،عندما حضرته ذات يوم ّ
نزلت بمركز تاالبد ،وجدت أفراد الحراسة من املجاهدين يشتكون ّ
مما قال لهم العقيد
مدنيا كثير األلوان ،قال لهم :أنتم ّ السالح وهم يلبسون لباسا العموري ،أثناء تقديم ّ
مدنيون ،وهذا مركز للمجاهدين يأتون جرحى ومرض ى ،اذهبوا إلى بيوتكم. ّ
وما أغاضهم أكثر هو عدم ّرد أعضاء قيادة املنطقة ،وهكذا بعد جولته بمصالح
املنطقة جاء للمركز استعدادا للمغادرة من فريانة ،جاؤوا باألفراد أنفسهم لتقديم ّ
السالح،
تعثر ّ ّ الصغير ّ ّ
فتقدم ّ
فتقدمت دون إذن ،وقلت :ما التيجاني ليقول كلمة لتوديع العقيد ،لكنه
ّ
ويتعرفون عليه ،وهذه طبيعة األمور، عرف على مرؤوسيه يخيفك؟ ّإنه عقيد جاء في زيارة ّ
للت ّ
وأنتم املجاهدون ،لم يأت العموري لتوزيع الكعك والحلوى ،وأنتم مجاهدوا 55و،56
خضتم املعارك الكبرى ،وإن يقبل ننزع لباسنا ليرى ما بأجسادنا من آثار.
73
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
بعد انتهاء كلمتي أدرك العموري أنني كنت أقصده ،وبذلك طلب إلقاء كلمة بعدما
ّ ثم اعتذر ّ شكرني على كلمتيّ ،
مما بدر منه ،وأنه لم يقصد سوء ،وقال :أنا أعرف معارك
أتمنى أن أحضر إحداها واستشهد فيها .أثناء ذلك قال لقادة املنطقة: السادسةّ ، املنطقة ّ
فوجه لهم توبيخا ،وقال :اسمع يا أخ عليّ ،
إن بمهمة؟ قالوا :الّ . الرجل ّ هل ّكلفتم هذا ّ
الجماعة قد وضعوك نصب أعينهم ،عندما أرسل إليك فالتحق بي في ّ
الدهماني.
علي سالما ّسلم ّ ّ ّ ولم يطل األمر ّ
حارا حتى أرسل لي العقيد ،ووجدته بمركز التسليح،
وقال :اصبر حتى أجد لك منصبا يليق بك .وكنت ال أعلم أنه على خالف مع قائد هيئة األركان
السعيد .ومن ّثمة غاب إلى نقل املركز إلى ريبة قرب قلعة سنان بمحاذاة الحدود في محمدي ّ
التيجاني،والصغير ّ الناصر ّ جدي مقداد ومشري محمد ّ كل من ّ مارس 1958م ،هناك جاءني ّ
ّ ّ وطلبوا ّ
مخصص مني مرافقتهم لتولي قيادة مركز مزرعة مقراني ،جنوب بلدة تالة ،وهو مركز
حتىعلي ّ
ألحوا ّولكنهم ّ والتموين واأللبسة ،فرفضت ّ السالح ّ لراحة أفراد املجاهدين وتخزين ّ
سجل اسمي ضمن أن العقيد قد ّ قبلت شرط أن يكون ذلك لفترة وجيزة فقط ،وأنا ال أعلم ّ
ّ ّ
عسكرية بقيادة عبد هللا بلهوشات ،تدخل الجزائر للمراقبة بوالية الشرق ،وبذلك لجنة
قياديا بالجيش ،وكان ذلك ما رجوته ّ
حرموني شرف الدخول إلى الجزائر ،حتى ال أنال منصبا ّّ
وقتها.
ضده سنة 1958م ،ولخوفهم من دخول مرد ّ لكن عندما أعلن جنراالت ديغول ّ
الت ّ
والرائد صالح بن السعيد ّ كل من العقيد محمدي ّ املتمردين من الجيش الفرنس ي ،جاءني ّ ّ
إلي ّ بتحمل مسؤولية حماية الحدودّ ،
وضما ّ فكلفاني ّ ّ
كل من علي بن يونس بما لديه من علي،
ّ
السالم املدعو الشيخ ،وصرت ّ ّ ّ
وحاجي املكي والط ّيب عبد ّ ّ
أنسق مع املنطقة جيش،
مرد ،بينما قيادة الحدود وقتها منشغلون بتشكيل ّ ّ
عملية الت ّ الخامسة ،إلى أن فشلت
املحكمات ملحاكمة األبطال من الوالية األولى أوراس اللمامشة.
ّ صرح به عبد هللا بن طوبال ذات ّ
ذلك ما ّ
مرة ،على ما اتفقوا عليه عندما دخلوا
أن محمود صارخاصة ّ
والتصفيةّ ، يصفي من يعترضه بالقتل ّلكل قائد أن ّ القطر ّ
التونس يّ ،
يسمى صاحبه ،هذا قول عبد هللا بن طوبال ،وهكذا حتى صار ّمدعوما من كريم بلقاسمّ ،
ّتمت تصفية أبطال ،عجزالجيش الفرنس ي على تصفيتهم ،وكانت البداية كاآلتي:
74
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
بوازدية ّ
التومي -4 .لزهر ّ من منطقة تبسة -1 :دريد لزهاري -2 .بوزيد مجور-3 .
ّ
شريط -5 .بلحسين محمد بن علي -6 .شوشان الباهي -7 .حوحة بلعيدّ -8 .
عباس الغرور-9 .
ُ ّ
عواشرية محمد -12 .العقيد العموري قتل ببشاعة مصطفى لكحل -10 .أحمد نواورة-11 .
بالسيالن 1داخل صندوق.مقيدا ّّ
في الوقت ّالذي احتفظ قادة الواليات األخرى بأبطالهم رغم أخطائهمّ ،
حتى صاروا
بمد الخطوط باألسالك رموزا ،وفي الوقت ّالذي يقوم فيه الجيش الفرنس ي على قدم وساق ّ
ّ ّ
املدفعيات ونقاط اإلنذار وغيرها ،ذلك من أجل غلق الشائكة واملكهربة ،واأللغام ونصب
الحدود على ّ
الداخل والخارج.
ّ
بينما كان عقداؤنا وغيرهم بالحدود يقيمون حفالت األعراس ،ويسكنون الفيالت
الدخول إلىويسيرون قيادتهم باملراسالت عن بعد ،لدفع فرق املجاهدين إلى ّ ّ باملدن،
أي وقت من صيف أو شتاء دون الجزائر ،بحموالت من بنادق وذخائر ومؤن وماء ،وفي ّ
ترتيبات.
كنا نبكي مما يجري من انهيار أخالقي وتنظيمي في قيادتنا ،ما خفنا أن ّ
يؤدي نعم ..لقد ّ
عبر عنه علي األملاني ذات مساء ونحن ّ الثورة ،ذلك ما ّ ّ
نتحدث ،بعد فترة تدريب إلى فشل
ّ
نوعية البازوكا ،بعد أن جاءني للمركز بصحبة سعدي سليم ،جلسنا نتحدث في للجنود على ّ
ّ الثورة ،من انهيار ّ ّ ّ
وتسيب بسبب تقاعس القيادات الذين منهم عبد الوضع الذي وصلت إليه
الضابط العسكري للوالية األولى ،قال :نراسله من أجل مواد تصنيع األلغام وال هللا بلهوشات ّ
ّ حتى ّ نتلق ّ
الرد .وقال :اسمع يا مجاهد ،إن استقلت الجزائر فبسببكم أنتم البسطاء.
فر من ّ اللفيف األجنبيّ ، ّ
تبسة سنة 1955م، ذلك هو علي األملاني وهو فرد من
مهما في تفجير العديد من متخصص في صنع األلغام ،حيث لعب دورا ّ ّ والتحق باألوراس،
ّ ّ ّ
الد ّبابات لحماية الحدود من تدخل الدبابات ،إلى أن نال الشهادة هناك أثناء زرع لغم سنة
ّ
1959م.
السيالن :بلهجة تبسة بكسر السين وتشديدها هو حبل حديدي رقيق وقوي. 1
75
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ ّ
للطلب ّ
للتخلص من مني بالخروج إليهم بالجبال، ذلك ما يدفع بقادة فرق الحدود
ّ
الثوري ،ورميه إلى مرؤوسيهم ،حتىّ ّ
قيادتهم ،ملحاسبتهم على فسادهم وتخليهم عن واجبهم
أردهم عن ذلك ،وأقنعهم نسوا ما عليهم من واجبات تجاه شعبهم داخل الجزائرّ ،
لكنني كنت ّ
ّ
بتجنب الوقوع في الفتنة.
يمر ّ
علي بسالم ،ذلك عندما جاءني مقداد إلى املركز طالبا مني لكن ذلك أيضا لم ّ ّ
ق ّ ّ
لظنهم أنني قد مرافقته إلى فرق الحدود لزيارتهم ،ذهبنا معا ،وكم كانت فرحة تلك الفر
ّ ُسمح لي باإللتحاق بهم ،لكن يا لخيبة أملهم عند مغادرتي ،وقفوا صفوفا متر ّ
اصة وشكلوا
الرجل يأتينا لضرب فرنسا .فمالوحة لن أنساها ،ونادوا بأعلى أصواتهم :يا مقداد ،أطلقوا ّ
كان من مقداد ّإال أن أسرع ّ
بالس ّيارة ليبتعد ّ
عما يسمع.
بالتحريض ّ
ضد القادة، تمرد بعض الفرق على قادتهم ،فاتهمت أنا ّ وبعد فترة وجيزة ّ
فبلغني استدعاء من صالح بن علي للقدوم إلى مكتبه بتالة ،ووجدت ّ
كل أعضاء املنطقة في
ضدهم ،فماذا إن مجلس قيادة املنطقة ّاتهموك ّ
بالتحريض ّ انتظاري ،قال صالح :األخ عليّ ،
ّ الرجال ّ تقول؟ قلت :س ي صالح ،أنت تعرف أنه قد كان لي من ّ
والسالح ،ولم أفكر في ذلك،
فكيف أفعل اآلن وأنا مسؤول على مرض ى وجرحى ،وبأفراد حراسة ،وهذا جوابي ولن أجيب
أي مسؤول آخر ،وإن أردتم قتلي فاقتلوني كما قتلتم الذين من قبلي .فسكت صالح على ّ
وسكت الجميع فترةّ ،
ثم نطق وقال :الجلسة مرفوعة إلعادة البحث.
ولم يمر وقت طويل حتى استدعاني صالح بن علي إلى مكتبه بتالة ،واستقبلني
بحفاوةّ ،
ثم قال :سامحنا لوجه هللا فقد ظلمناك.
ّ بعد ّ
مدة من ذلك زارني العقيد العموري بوفد كبير ،باملركز وأنا ال أعرف أنه قد عاد
سرّية ،بعد جولة قصيرة باملركز،من القاهرة ،وقد كان على خالف مع القيادة ،وبطريقة ّ
ّ مني أن ّ طلب ّ
نتحدث بمكتبي ،سألني عن حال املجاهدين وما يفكرون به تجاه قادتهم ،ولم
ّ يعلمني بما هو مقدم عليه ،وكان ذلك خطأ منهّ ،
ثم ألقى كلمة على أفراد املركز ،ذكرهم بما
ّ
يعانيه الشعب الجزائري داخل الجزائر ،وبعد حديث قصير وعدني بالعودة ،ولم يطل
عواشرية والعقيد نواورة أحمد ّ
والرائد بلهوشات، ّ حتى جاء خبر اعتقاله هو والعقيد الوقت ّ
76
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
77
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
أوهام سلم الشجعان في مارس 1960م
طرحت مجموعة قادة أركان الوالية ّ
الرابعة ،على رأسها العقيد صالح اقتراحا على
ّ ّ ّ ّ ّ
واستمرت اإلتصاالت غير الفرنسية ،للشروع في مفاوضات لوقف القتال، السلطات
تكفل املتآمرون ألنفسهم ومرؤوسيهم وبعض قادة مناطق مدة ثالثة أشهر ،وقد ّالرسمية ّ ّ
الشجعان ،غير ّّ ّ ّ
الثالثة ّ
أن والسادسة ،اإلتفاق على اإلستسالم ،بشروط سلم الواليتين
سرا في قصر اإلليزيه في منتصف ذلك العام ،لم يعطه جوابا ديغول ّالذي استقبل صالحا ّ
ّ
وحيثياتها أكثر ّ ّ
الثورة الجز ّ محددا ،يعني ّ
ّ
مما يعرفه صالح. ائرية أن ديغول يعرف عن
وعلى غرار سنة 1960م و1961م أعلنت فرنسا مرارا استسالم مجموعات من
ّ ّ
املتمردين _حسب وصفهم_ في مختلف مناطق الجزائر ،بينما في املقابل كثفت قيادة جيش
تخصصة ملواجهة للتدريب بالحدود ،وتكوين اإلطارات امل ّ التحرير جهودها ،إلنشاء مراكز ّ ّ
السياس ي ّ
والنفس ي العامة لإلعداد ّ
حددت املبادئ ّ الحرب الحديثة من طرق وأساليب ،كما ّ
التحرير هو لكل مجاهد وقائد في جيش ّ التحرير ،والهدف األساس ّ واملعنوي ألفراد جيش ّ
وإن ّ اطيةّ ،
الشعب وخلق دولة ديمقر ّ ّ
القوة تحرير الوطن من اإلحتالل ،وإرساء سيادة
ّ ّ األساسية لجيشنا تكمن في اإلنضباط ّ
الت ّ ّ
طوعي ،وإلزام كل املجاهدين بتطبيق األوامر بدقة
متع بحق تقديم اإلقتراحات ،وإبداء املالحظات كما يجب عليه أن والت ّ
ودون قيد أو شرطّ ،
معينة ،يمكن أن يناقض هيبة الجيش واملبادئ اإل ّ أن سلوكه في ظروف ّ يتذكر دوما ّّ
سالمية،
ّ كل فرد أو جماعة قبول ّ وعلى ّ
كل ما يمكن أن يترتب عليه من تضحيات واإلقدام على بعض
تردد في سبيل مصلحة ّ
األمة. بكل صبر وثبات ودون حدوث خلل أو ّ املخاطرّ ،
عقد مؤتمرليبيا ماي 1962م ّ
وتأزم الوضع أكثر
ّ ّ
وحتى الذين دخلوا انقسموا داخل حيث انسحب البعض قبل دخول قاعة املؤتمر،
ائرية ،إذ كان أغلبهم برتب انتهازيةّ ّ
الثورة الجز ّ ّ
سوقية ال تليق بسمعة القاعة ،وتبادلوا كلمات
ّ ّ
وساسة مهووسين ،ومن الذين لم يدخلوا القاعة كريم بلقاسم وزير الدفاع ،وبوضياف وآيت
ّ
سياسيين وعسكرّيين.
ّ أحمد ،ومن اتبعهم من
أسماء من حضروا باالسم أو بالوكالة:
78
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ
عن مجلس الثورة :أحمد بن بلة ،خيضر ،بيطاط ،أحمد منجلي.
عباس ،أحمد فرنسيس. عن البيان :فرحات ّ
عن هيئة األركانّ :
هواري بومدين ،علي منجلي ،قايدي أحمد.
الطاهر ،محمد ّ
الصالح يحياوي ،محفوظ إسماعيلّ ، ّ
عمار عن الوالية األولى :زبيري
ّ
مالح.
ّ
عن الوالية الثانية :ا ّلر ّواد :العربي امليلي ،صالح صوت العرب ،رابح لوصيف.
ّ ّ
عن الوالية الثالثة :سعيد بربوش ،آكلي محمد أوالحاج ،الط ّيب صديقي ،حمدي
حسن.
ّ
الر ّواد :أحمد بن الشريف ،يوسف بوخروب ،بوساحة بورقعة.
عن الوالية الرابعةّ :
79
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ همهم حماية الجزائر بخروج االستدمار الفرنس ي ،ولم يعطوا ّ ّ
ألي معارض للخطى الثورية
اهتمام.
حتى صار كلوالعسكريينّ ،
ّ الس ّ
ياسيين لكن نتيجة لتلك الفرقة والعداء بين القادة ّّ
ّ
تمكن الكثير من ّ يجند ّ ّ
ضباط وجنود خدموا بالجيش حتى الخونة إلى صفوفه ،وبذلك
ّ الفرنس ي من الرتقاء إلى رتب ومهام في مفاصل ّ
السلطة ،لغفلة القادة الثورّيين وجهلهم،
ّ ّ خاصة عن طريق املصاهرةّ ، ّ
حتى صاروا املتحكمين في مصيرنا ،يرقون ويحرمون من يريدون،
الض ّباط ،رغم ّ
الض ّباط ونزول رتب ّ
وصف ّّ
أن القتال ما زال حيث أخرجوا كثيرا من الجنود
ّ ّ
مستمرا في بعض الواليات مثل الوالية الثانية والثالثة ّ
ّ
والرابعة ،وهناك صراع مع املنظمة
ّ ّ
الفرنسية التي تعارض استقالل الجزائر ،قامت بأعمال تخريب وخطف وقتل الس ّريةّ
مناضلين بارزين.
ّأما ما حدث من أعمال قتال بين جيش الحدود ،وجيش بعض الواليات ،فقد قام
الشعب بمحاوالتهم إلطفاء نار الفتنة ،بوقوفهم بين املقاتلين شعارهم ّّ
"ستة سنوات عقالء
ّ ّ
بركات" ،خفف ذلك من أحداث اإلشتباكات ،وهكذا واجه أفراد املجاهدين بجيش التحرير
وانتهازية ّ
الزعماء وجهلهم لعواقب خالفاتهم، ّ وجمة ،ومتاعب نتيجة لغرور مصاعب كبرى ّ
ّ ومن ّ
يتحمل انحرافاتهم وأخطائهم القاتلة؟ البسطاء من أفراد الجيش والشعب.
وما إن اقترب انتهاء الخالف بين الفرقاء ،بعد القبض على شعباني محمد وقتله
السياس ي ّ
والتاريخي ذلك سنة 1964م ،وما زاد وجه ّ ملعارضته سياسة الحكومة ،من حيث ّ
الت ّ
التحرير هو محاولة ملك املغرب سنة 1963م اإلستيالء على مدن في مصاعب أفراد جيش ّ
ّ ّ ّ
تم اتفاق وقف القتال، املغربية ،حيث دارت معارك وسقط شهداء وجرحى ،إلى أن بالحدود
ّ
وكان الصلح بين الجزائر واملغرب ،حيث بكت نساء وآباء على أبنائهم.
ّ ّ
ماذا كان جزاء أفراد جيش التحريرالذين التفوا حول بومدين
املؤقتة ّالتي يت ّرأسها يوسف بن ّ
خدة ،وبالتفاف أفراد
ّ
أثناء عزله من طرف الحكومة
كل ذلك وعند استتباب الهدوء، الصعاب والعوائق ،رغم ّ لكل ّ جيش ّ
التحرير ،ومكابدتهم ّ
الدفاع هواري بومدينقرر وزير ّ ّ
والعسكريين مناصبهم ومنافعهمّ ، الس ّ
ياسيين وأخذ القادة ّ
80
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
فجمعوا باآلالف ّالذي عاهد املجاهدين بالحدود على املحافظة عليهم؛ تقليص عددهمُ ،
ّ وسرحوهم من ّ بالحدودين ّ
ضباط وضباط صف ومن جنود ،رغم عنهم وهم يبكون لفراقهم
وقتلت زوجته ،ولم ّ ُ ّ
يتبق له ش يء ،فإلى أين العسكريين ،ومنهم من ُد ّمر بيته ّ اللباس ورفاقهم
يجدد به حياته ويبني به أسرةُ ،وأدمج بعضهم في ّ
مهام يلجأ ال بيت وال عائلة ،وال يملك ما ّ
كحراس للغابات ،وأغلبهم يعانون األمراض والجراح ،حيث عاشوا متعبة ،وبمرتبات زهيدةّ ،
الثورة ّّ ّ
اعية بمرتبات زهيدة ،ما الزر ّ حياة صعبة وشاقة ،ومنهم من ُح ّول إلى تعاونيات
الرغبة فيها ،لكن أين ّ
املفر؟ ضطرهم إلى عدم ّ ا ّ
ّأما العاجزون عن العمل بسبب األمراض والجراح ،فمنهم من تصل نسبة عجزه إلى
ّ ّ ُ
مئة باملئة ،فال تعطى له حقوقه وال توثق له تلك النسبة من العطب والعجز ،ذلك ما يبيح به
الروس والبلغار بأمر من بومدين ،نعم ..لقد عاش أفراد جيش األبطال تلك الفترة األطباء ّ
بداية من اإلستقالل.
ّ ّ
ومنهم من حالفه الحظ للبقاء في الجيش ،وأغلبهم تدنت رتبهم مقابل ما يحملونه من
خاصة من رمت به األقدار إلى الجنوب ،عندما حاول ملك املغرب متاعب داخل وحداتهمّ ،
تحمل أعباءها الذين طردوا الصحراءّ ، اإلستيالء على مساحات ومدن بالجنوب بأقص ى ّ
وضباط فرنسا باملدن ،يعيشون في الض ّباط الكبار ّ فرنسا ،في الوقت ّالذي قبع فيه ّ
حق بها ،من حيث مستوياتهم تحصلوا عليها ،وليس لهم ّ ّ الرغد ،برتب كبيرة بحبوحة من ّ
صف فرنسا ّ ّ ضباط ّ اريخية ،منهم ّ الت ّ ّ ّ ّ الث ّ ّ
تخرجوا حديثا من وضباط العلمية أو حتى ورية أو
ّ الجيش الفرنس ي ،صاروا ّ
يتمتعون بأعلى املرتبات وأيسر املهام ،يرعون أبناءهم وزوجاتهم،
ّ بينما نحن بمرتبات زهيدة رغم ّ
تنقالتنا هنا وهناك ،ما يستهلك كثيرا من مرتباتنا لبعد
املسافات.
الدولة ،ولم يرد عليهامنا تقديم شكاو إلى بن جديد رئيس ّ أذكر أنه حاول بعض ّ
ٍ
ّ ّ ّ ّ ّ
عطايلية محمد ،وعندما اطلع على مرتباتنا ،من ولعلها لم تبلغه أصال ،فعادت الشكاوى إلى
ّ ّ
نقيب ومالزمين وغيرهم ،استغرب واعترف ّأنهم ال يعلمون بتدني هذه املرتبات ،فذهب إلى
ّ الشاذلي بن جديد ليعلمه بما حدث لهذه الفئة من ظلم ،ما ّ ّ
نفسيا ألبطال سبب إحباطا
ف والجنود ّ ّ ّ قدموا للجزائر دماءهم وعرقهمّ ،أما مرتبات ّ ّ
فحدث وال حرج لحالهم. ضباط الص
81
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
82
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
مذكرات ّ
الر ائد عثمان سعدي1 الت ّ ّ
اريخية التي وردت في تصحيح الحقائق
ّ
عزها ومجدها ،وكلما قوتها ،وبناء ّ وخزانها ّالذي تس ّ
تمد منه ّ الشعوب ّ ّ ّ
التاريخ ذاكرة
حقيقيا ،كان الهيكل قو ّي الجدران شامخ البنيان.
ّ ّ
واقعيا صادقا كان سرد األحداث
ّ
ّأما إن دخله زيغ أو بهتان صار كارثة على األجيال وهدما لألركان ،والحقيقة التي ال
كل لسان حكاية كل شبر من أرضنا ملحمة ،وعلى ّ أن في ّتخفى على ذي البصر والبصيرة؛ ّ
وقصة تضحية.بطولة ّ
تجرؤ ّ
الرائد املذكرات ،هو ّ ّ
الر ّد على هذه ّ
مسؤولية ّ الدواعي ّالتي جعلتني ّ
أتحمل إن ّ ّ
التهم ّ ّ
والشهداء واإلفتراء عليهم ،وتلفيق ّ
والتلويح إلى بعضهم بما ليس فيهم ،فلو على األبطال
ّ ّ
كان األمر يتعلق بشخص ّ
الرائد وافترائه على نفسه ،لقلنا كما قال الشاعر:
قدام ّ
قت ـ ـ ـ ـ ُ
ـال فق ُر واإل ُ ُ ُ َّ املشق ُة ساد ّ
لوال ّ
الج ـ ـود ي ِ الناس كلهم
ويدعي ما ليس فيه،الرجال ّ ّأما أن يطمس حقائق ويخفي شواهد ،وينكر فضل ّ
ونصحح أخطاء ونصلح فسادا. ّ تحتم علينا أن ّ
نرد فاملسؤولية ّ
ّ
ّ
جنديا بسيطا ،وكنت مسؤوله املباشر فلقد عاش معي فترة من 1956م إلى 1957م
ّ ّ إلى أن انفصل ّ
عنا بصحبة كتيبة بدري جاب هللا ،وإلى القارئ الكريم واملتتبع الشغوف لتاريخ
ّ ّ ّ
حقيقي صادق نزيه ،أسوق تعليقي وما أردت إال اإلصالح وهللا على ما أقول شهيد ،مع أنني
اعتمدت اإلختصار قد املستطاع.
محمد شرشالي ّ
والر ائد عثمان:
الرائد أنه قدمت عليهم مجموعة من مجاهدين بقيادة محمد شرشالي ّ
ويحدد ّيدعي ّ
ّ
تاريخ هذا اليوم 1954/12/17م ،وأنه حمل رسالة إلى والده حاج محمد سعدي من طرف
مما وجدناه من ّرد املجاهد علي مسعي على ما جاء في مذكرات الرائد سعدي عثمان ،وكان املجاهد
1هذه ّ
علي مسعي قد انتفض بعد اصدار تلك املذكرات ،ونشر ّردا رسميا في جريدة وطنية ،وهذه املقتطافات التي
بين أيدينا سلمها املجاهد األسود مسعي ّ
ملعد املذكرة يدا بيد ،وقد كتبها البطل علي بن أحمد مسعي يوم13 :
ماي 2000م.
83
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
أن محمد شرشالي كان ضمن جيش اإلحتالل الفرنس ي ،وقد شيحاني بشير ،والحقيقة ّ
ّ ّ ّ
املسمى حليق الذيب بواد هالل يوم 08مارس التحق بالثورة أثناء وقوع معركة باملكان
ّ
ثالثية القيادة :بابانا ساعي _ ّ
شريط لزهر_ بن عمرجيالني. 1955م ،وهذه املعركة كانت
ّ
فالرجل الذي ّادعى أنه أتى برسالة ،هو
إذن كيف يعقل أن ُيقبل مثل هذا الكالمّ ،
الرسالة ّأن ّ ّ
يؤكد ّ كان في ذلك الوقت ّ
موجهة من شيحاني بشير جنديا بالجيش الفرنس ي ،كما
قائد املنطقة ،وقائد املنطقة آنذاك هو مصطفى بن بوالعيدّ ،
والتعليق يبقى للقارئ الكريم.
ّ
الت ّ معركة ّ
اريخية لألحداث: الزرقا والحقائق
ّ ممن عايشوا املعركة ،وله دور فيها ويذكر في ّ
الرائد عثمان أنه ّ
يقول ّ
الصفحة 40أننا
ّ
العدو الفرنس ي، بندقية ،وهذا لم يحدث في جميع املعارك ّالتي خضناها ّ
ضد ّ غنمنا 150
ّ ّ ّ ّ ّ
ويشهد الحاج صالح قائد املعركة أنه لم نحصل على أية بندقية ،بل ضاعت منا عدة بنادق
العدو حيث ّأنها كانت حملة شاملة.
ّ نظرا للموقع غير املناسب ،ونظرا لكثافة
كما يذكر ّأنه أتتهم نجدة من جبل أم الكماكم ،ولم يذكر من هو قائد ّ
النجدة لحاجة
ّ ّ ألن قائد هذه ّ
في نفس يعقوبّ ،
النجدة هو فرحي ساعي الذي ال يذكره إال شاتما.
معركة أم الكماكم:
أن شيحاني بشير قائد والية أوراس من املهاترات العجيبة ّالتي يذكرها ّ
الرائد عثمان ّ
ّ
اللمامشة وعضو مجلس الثورة ،أن ُيرغم ويدخل مغارة ُويغلق عليه بحجر ،واملعركة تدور
رحاها ،ويحرسه جندي بسيط مثل عثمان سعدي.
ّ وكل من ما زال على قيد الحياة ّ ّ
ممن حضروا املعركة استغربوا وكذبوا ،ويبقى
ّ
التعليق للقارئ.
ّ كما ّيدعي ّ
أن فرحي املقدادي استشهد بجانبه والحقيقة أنه كان بعيدا عنه بنحو
1000متر أو أكثر.
84
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
معركة الجديدة:
عباس الغرور عندما قدم عليهم ساعي فرحي الرائد عثمان ّأنه كان في حضرة ّ
ذكر ّ
ّ
املدعو بابانا ساعي من الجبل األبيض ،ويدلل بذلك على عدم حضور ساعي هذه املعركة.
عباس الغرور ،وقد ّ
حدثني أن ساعي حضر املعركة جنبا إلى جنب مع ّوالحقيقة ّ
حدثني ساعي عن بطولة عباس الغرور عن بطولة ساعي في هذه املعركة ّ
بالتحديد ،كما ّ ّ
الغرور في املعركة نفسها.
ثم يذكر تعنيف ّ
عباس لساعي ووضعه تحت اإلقامة الجبرية قائال بالحرف الواحد ّ
يسمونه جيش الطكاكة.قررت عدم عودتك إلى الجيش ّالذي صاروا ّ على لسان ّ
عباس - :قد ّ
عباس ال يقول كالما كهذا لساعي ،وهما ّ
بالرتبة نفسها وكالهما عضو والحقيقةّ :
أن ّ
بالوالية وله قيادة ّ
خاصة ولم يكن هذا أمام جندي بسيط آنذاك.
وإنما ذكر ذلك من نسج خياله ّ
للتحقير من قيمة ساعيّ ،
ثم يذكر حادثة أغرب ّ ّ
مما
ّ
متخفيا بين الجنود ،يدافع عنه جندي ومثلك ( يخاطب أن ساعي كان مطأطأ ّ
الرأس سبقّ ،
يفرقون بين زئير األسود ونقيق ّ
الضفادع ولقول أحدهم: الرائد) ال ينال هذه املكرمةّ .
فالناس ّ ّ
85
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ وكل من عرف ساعي ال يقول عنه ّإال أنه شجاع مقدام ال ّ
يشق له غبارّ ،
ثم يذكر أنه ّ
ّ ّ
اجتاز الحدود إلى تونس ،بصيغة املتكلم ليفهم من سياق الحديث أنه كان قائدا يقود جيشا.
وأي ّ
كيفية اجتزت الحدود؟ هل كقائد أم بأي صفة ّ
الرائد هنا) ّباهلل عليك ( يخاطب ّ
ّ كجندي كبقية املجاهدين؟ وتذكر التقاءك ّ
بحمه بن زروال الذي هو قائد املجموعة
ثم ما قصد تحركنا بمئة جندي؟ املفروض أن تذكر دورك .ونترك ّ
التعليق للمجاهدينّ ،
للقارئ.
معاناة تازبنت:
الصفحة 113 ،112من كتاب ّ
الرائد:
ّ ّ ّ ّ
السكان في حالة يرثى الرائد أنه ترك املجاهدين بالجبل وعاد إلى دشرته ليجد يذكر
ّ ّ
لها ،وغضب من الكبلوتي قائد املجموعة وعنفه واتهمه بالفشل ّ
وادعى أنه كان يقض ي وقته
ّ
العدو. ويفر من وجه ّ
متنقال بين الفالحين يأكل املشوي ّ
ّ ّ ّ
شخصيا. ثم يذكر دفاعه عن الفقراء أمام الطاهر بن عثمان ،وحواره معي أنا
ّ والحقيقة واضحة ّ
جلية نوردها بالتفصيل:
ألن معركة ّ
الزرداب كانت هذه الحادثة مزعومة من أساسها وال أصل لها في الحقيقةّ ،
تحول الجيش إلى الجبال الواقعة بين القطرين ّ
التونس ي والجزائري. بداية ّ
ّ ّ
في سياقه للحديث يفهم أنه كان قائدا متمكنا ،ففي منطق الثورات وفي املنطق
كل ما ّادعاه غير معقول وقوعه ،إذ كيف يمكن أن يقف جندي أمام ضابط العسكري ّ
أن ّ
ّ ويتهمه بالفشل كما ي ّدعي ،فيأمر وينهي ويطلب ّ ويطرده ّ
ويعنفه ّ
الرحمة بالشعب.
الطاهر بن عثمان ّالذي له سيرة عطرة عند ّ
الناس؟
ّ ّ
فهل هو أرحم بالشعب من
الطرق ،أنسيت (يخاطب ّ ّ ّ ّ
الرائد) جهاده وسبقه في والكبلوتي الذي يصفه بأوصاف قطاع
ثم ّإنه حضر ّ ّ
الثورة فهو من مجاهدي 1954مّ ،
كل املعارك الكبرى مع إخوانه املجاهدين.
86
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
88
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
تغنى به الشعراء الشهيرة ّالتي صال فيها وجالّ ،
حتى ّ ّ ّ
وخاصة بعد معركة الجرف ّ
والرجل،
منهم ّ
شابو كمال 1عندما قال:
هللا ينصر حزب ّ
الثوار
ّ ّ
كل ما باش يطيع ساع ـ ــي الشجيع وأسـر
طبرن ـ ـ ــت الق ـ ـ ـ ــار كفره مضابيع حسبوها
هللا ينصر حزب ّ
الثوار
طلق زوجته ّالتي لم يمض على زواجه بها ّ
السنة،
ّ
تبسة حيثوهو ّأول من ثار بناحية ّ
السالح ،كان ّ
ييهئ يحرض على عدم بيع ّ وعمل ّاتصاالت بقرية مسكيانة وواد سوف ،وكان ّ
ونسية ،وكان ذلك شهر سبتمبر 1954م ،وهو ّأول للخروج على فرنسا اقتداء باملقاومة ّ
الت ّ
حق أقصد بها وجهوأتحدى من يثبت عكس ذلك .كما ّأنني أشهد شهادة ّ ّ مجاهد ّ
بالناحية
الرجال وإخالصا لتاريخ هذه ّ
األمة. هللا ،واعترافا بفضل ّ
عباس الغرور رحمه هللا ،عنّإنه ذات مرة تجاذبت أطراف الحديث مع البطل ّ
ّ بطوالت ّ
الرجال فقال بالحرف الواحد :إثنان عندما يكونان بجانبي في املعركة ،أتمثل
فرد قائال :فرحي ساعي وشوشان الباهيّ .
وإنها لشهادة الواحد منهما بفيلق .فسألته من هما ّ
بطل واعتراف صنديد بشجاعة أبطال.
تسمية جيش الطكاكة:
أن الطكاكة صار لهم جيش عشائري _ عروش ي _ ،والحقيقة الرائد عثمان ّ
لقد ذكر ّ
لألفضلية ،ولكن ذهب ّ ّ ّ
الناس في هذه ّ التي يعرفها وينكرها أنه ُس ّمي بجيش الطكاكة ليس
ّ
الثورةّ ، ّ ّ ّ
التسمية ّ
فكل من كان قادرا للسبق الثوري ،واإلنضمام الكلي ألفراد هذه القبيلة في
ّ ّ على حمل ّ
السالح التحق بالثورة وانضوى تحت لوائها ،عكس القبائل األخرى التي لها وعليها.
1شابو كمال :من قبيلة أوالد بوقصة الجالمدة العالونة اللمامشة ،كان شاعرا موهوبا ومجاهدا باليد
واللسان والقلم.
89
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
يضم في صفوفه مجاهدين الرائد عثمان بالعشائري ،كان ّ فهذا الجيش ّالذي يصفه ّ
تونسيين ومغاربة وبعضا من الجنوب وكذلك من الغرب الجزائري ،زيادة على وجود بعض ّ
أبناء العروش األخرى مثل عرش أوالد سيدي يحيى ،منهم على سبيل املثال :عبد الواحد
ممن لم أستحضر ّ
حاليمية وكثير ّ ّ
عوايطية ،صالح عاشوري ،أحمد بن حمزة ،موال
أسماءهم ،وكذلك الكثير من عرش أوالد ملول.
اللهم ّإال في خيالك املريض .كما ّ
أن أفرادا
ّ ّ ّ
فكيف يكون جيشا بهذه التركيبة عشائريا؟
من هذه القبيلة في جهات أخرى ،وتحت قيادات أخرى منهم على سبيل املثال ال الحصر:
عباس الغرور ،مسعي صالح بن يوسف بوعون العروس ي املدعو حشحوش استشهد مع ّ
ّ ّ
استشهد باألوراس األشم ،بوقطوف رمضان كان في فصيلة الط ّيب الندوشين ،صيد لزهاري
ّ
املكي استشهد ّ
ببريش دائرة عين البيضاء ،صيد بلقاسم استشهد فدائيا بفرنسا ،وهذا بن
ّ ّ
لإلستدالل وليس للتباهي ،ولتكذيب مزاعم الرائد ،والحق ما شهد به األعداء:
وحثهم على اإلتصال بأبنائهمدوار تازبنت يوماّ ،
فلقد جمع ضابط فرنس ي أهالي ّ
ّ
قوية والثورة ضعفت ،فقال له أحدهمّ :إنهم أبناء الطكاكة يا لتسليم أنفسهم ،ففرنسا ّ
فرد عليه بكالم قبيح ... :يا ّ
طحان ،أبناء الطكاكة قتلناهم في تازربونت، سيدي ّ
الضابطّ .
وماتوا أبطاال.
ّ ّ
الحظ في حمل ّ ّ
السالح ،أعدمتهم فرنسا منهم على سبيل الذكر: وأما من لم يسعفه
ّ ّ
الربيعي بن محمد ،فرحي الهادي ،مسعي الط ّيب بن بوقطوف الحاج بوزيد ،بوقطوف ّ
بلقاسم ،باهي بوعالق بن عمر ،فرحي سليمان ،فرحي الوردي ،فرحي الكامل ،باهي محمد بن
الباهي ،وليسوا وحدهم من استشهد من أجل الجزائر فشهداؤنا مليون ونصف املليون ،ولي
ذكرك بمن يؤمن بالعشائرية ويدعو لها :أال تذكر أيها ُّ ّ
الرائد في سنة 1957م ،يوم كنتم أن أ
علي رغبة في تعيين أحدكم قائدا عليكم ،وحضر صالح بن علي عضو تحت قيادتي وخرجتم ّ
املنطقة آنذاك ليبحث سبب خروجكم على القيادة ،قلتم نريد مسؤوال علينا من بيننا !!!
واقترح عليكم أن تسمحوا له باختيار مسؤول منكم على الكتيبة ،واقترحك أنت فرفضوك
90
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ثم اقترح أخاك بشير ،ورفضوه بدوره ّ
باإلجماع ّ
ثم اقترح جاب هللا بدري فقبلوا باإلجماع ،ألنه
ّ
عروشية أم ماذا؟ كان محبوبا من الجميع ،هل هؤالء الطكاكة أم هم أهلك؟ وهل هذه
عباس الغرورولزهر ّ
شريط: القبض على ّ
إن هذه املسألة تتجاوزك وليس لك املستوى الكافي للخوض فيها ،أو فهم أسرارها ّ
ّ
وحيثياتها وخباياها ،ومن العبث أن يخوض اإلنسان فيما ال يفهم وال يعي ،والحادثة لم تتم
ّ ّ ّ ّ ّ
قيادية ال يرقى لها مستوى وإنما أقحمت نفسك في أمور والصيغة التي أوردتها. بالسهولة
الجندي وال يسعني في هذا املقام تفسير خباياها ،ولم يحن بعد وقته ،فلو كان كالمك عن
عباس الغرور ومعرفتك له ومحبته لك كما ّتدعي ،فلماذا لم تقترب منه ولم يقترب منك؟ ّ
ولم تسأل عنه ولم يسأل عنك حينما بقي معنا أكثر من عشرين يوما؟ وهذا دليل على
هلوستك وافترائك املفضوح من قربك للبطل.
قيادة الوالية:
الشريف ّ ّ الصفحتين 128و ّ 129الرائد في مذكرته في ّ
ذكر ّ
عين صالح بن أن محمود
أن محمد لعموري هو الذي ُع ّين على رأس علي على أس الوالية خليفة له ،والحقيقة ّ
ر
ّ ّ الواليةّ ،
ثم تاله أحمد نواورة ثم جاء دور صالح بن علي ليخلف أحمد نواورة ،والخلط الذي
ّ
وقت به نتيجة لجهلك ملا كان يدور في مراكز القيادة آنذاك ،وال لوم عليك ألنك كنت جنديا
ّ ّ جليا حينما تذكر ّبسيطا ،ويظهر تناقضك ّ
إيجابية في أن محمود الشريف سار خطوات
توقفت وخال ّ ّ العسكرية ،مع ّأنك تذكر ّ
ّ
الجو أن املعارك إعادة بناء هياكل الوالية األولى
ّ
ّ
إيجابيا؟!! للمحتل لبناء خط موريس امللغم واملكهربُ ،أيعقل أن يكون ذلك عمال
ّ
الدكتور ّأما اآلن فأنت تعيش أحالم اليقظة ،وهو مرض نفس ي ولست أدري أ أغريت ّ
ّ ّ ّ
لتسرعه وعدم تحقيقه فيما أمليته عليه أم أنه الذي فقد مصداقيته على األقل محليا،
أغراك ليكتب في تاريخ األبطال دون رؤية أو دراية .وكالكما شاهد ما شافش حاجة.
91
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
مقتطفات:
ّ ّ
الذبح ّ
الصفحة ،22يذكر ال ّرائد أنه كلف من قائد املجموعة بعنوان عصياني ألمر
ّ ّ ّ عفيف علي بذبح ّ
عباس الشعشوعي ،ما القصد من ذلك يا ترى؟ يبدو أنه الشوق إلى إثارة
تذمر أهل املقتول ،وعفيف بأذني ّ
الفتنة بين عائالت املقتول وعائالت القاتلين ،ولقد سمعت ّ
بالراعي ،أعرفه جيدا ،وال يمكن بأ ّي حال من األحوال أن يعص ي له علي ّالذي يصفه ّ
الرائد ّ
الرجل ّ
الشدة والحزم. جندي ّ
مجند حديثا أمرا أو يناقشه ،فقد عرف عن ّ
ّ
والدليل أيضا على غرور االنسان وقلة فهمه للعلوم العسكرية ،أن ّيدعي أنه غنم
ّ
أن قادة الجيوش ال يحملون معهم خريطة عسكرية في معركة دون تحديد أو إثبات ،علما ّ
خرائط في ساحات الوغى بل تبقى في مكاتبهم.
92
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
خامتة الكتاب
لم يضع املجاهد علي بن أحمد مسعي رحمه هللا خاتمة ملذكراته ،يبدو ّ
أن األحداث
ّ ّ اآلنفة التي ّ
تمتعنا بسردها ،وعشنا لحظاتها كما هي ،كأننا بتقنية األبعاد الثالث ،تأبى أن
تكون لها خاتمة.
والتجارب ما يكون عبرة ملا نستقبله من ّ
الزمان، لكننا نستنتج من تلك الوقائع ّ
ّ
بكل صدق وأمانة ووفاءفإن البطل علي بن أحمد مسعي كان شاهدا ُيدلي بشهادته ّ وأيضا ّ
ّ
للوطن ،فكما ذكر لنا أسباب نجاحات الثورة في أوراس اللمامشة ومشاهدهاّ ،بين لنا أيضا
ّ
أسباب ومظاهر اضطرابها في املنطقة ،كما أشار البطل إلى آثار ذلك على الجزائر املستقلة
ّ ّ ّ ّ
خاصة بعد اسقاط نظام األلفية الثالثة، بعد ذلك ،وهذا الذي عاشه جيلي ومن شهد
ّ ّ ّ
العصابة الذي كان من مخلفات جنراالت وعمالء فرنسا ،وإن كنت أرى وهذا رأيي الشخص ي
ّ ّ
بأن عمل الجيش الوطني الشعبي في سنة 2019م ،أي ما قام به الفريق أحمد قايد صالح
ّ
رحمه هللا من زعزعة ألركان البيت الفرنس ي العنكبوتي في الجزائر؛ هو ذلك الذي أمل به
ّ
البطل علي بن أحمد مسعي وأمثاله من الشرفاء األبطال.
ّ ومن جهة أخرى ّ
فإن البطل علي بن أحمد ،كان يصف األحداث ويحللها ُويعطي
متفرج على حياد ،بل كان له موقف ومبادئ ثابتة ،فنجده حين مجرد ّاألحكام ،إذ لم يكن ّ
وتسرع ،كان دقيقا ّ
ّ ّ
جدا حيث وصف ما قام به قادة اللمامشة من ترسيخ للفرقة ،بأنه جهل
الشجاعة والبطولةّ ، ّ أن البطل لم ينف عنهم ّ ّ
لكنه الصدق والوفاء للوطن ،ولم ينف عنهم
بالنسبة ّ ّ أنكر عليهم شغفهم ّ
لعباس الغرور رحمه هللا. للسلطة ،وهو الحال نفسه
ّ فالبطل علي مسعي يشهد ّ
لعباس الغرور بالبطولة وبأنه رمز من رموز الجزائر ،رغم
تعرضوا ّ
للتصفية لكل قادة اللمامشة ّالذين ّأخطائه فالبشر غير معصومين أبدا ،كما يشهد ّ
الناس إليه بالجهل ،وذلك ما ملسناه عندماأو اإلقصاء ،بل ّإننا نجده في مواضع يصف أقرب ّ
ّ
ذكر معركة تازربونت ،إذ نجده يلوم البطل فرحي الطاهر رحمه هللا على جهله لفنون الحرب،
ّ ّ
والت ّ
سبب في استشهاد جميع املجاهدين تقريبا الذين كانوا معه ،وأغلبهم من بني عمومته،
93
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ ّ
الطاهر ّ موضوعيا ّ
ّ
بالرغم من أنه ابن جدا حين وصف فرحي فالبطل علي مسعي هنا كان
خاله وأقرب ّ
الناس إليه.
متعنا املجاهد علي بن أحمد مسعي بمذكرات رائعة ،تنساب ّ
الروح في أحداثها، لقد ّ
شرف الجز ّ
ائريين أبد الزمان البطوليّ ،الذي ّ ّ
كأنه في ذلك ّ ليعيش املرء الوقائع ويشعر بها
ّ
الدهر.
يؤكد ّّ
بأن ّنيته ولم يذكر البطل حياته بعد اإلستقالل ّ
مفصلة ،ولم ّ
يتطرق إليها ،ما
ظلت حبيسة ّ ّ الضوء على حقائق ّ وقصده كان تسليط ّ
النفس لعقود ،وآن لها أن ثورية،
تتحرر وتنجلي ّ
لألمة. ّ
ّ ولن أنس ى أبدا ما كان ّ
يردده البطل س ي علي ،إذ كان يقول :إن للثورة أبناء ،فمنهم
ّ ّ ّ ّ
البار ومنهم العاق ،ومنهم اللصيق غير الشرعي ،وإن التاريخ أمانة ثقيلة ،وليس من عايش
وأما العاقالبار فأجره على هللا عز وجل وقد باع دنياه واشترى اآلخرةّ ،
فأما ّ كمن سمعّ ،
ّ ّ فعس ى أن يرحمه ّربه وهو ابنها في ّ
وأما اللصيق فقد استحوذ عليها وباع آخرته كل حال،
ّ
بدنياه ،وما هو من الثورة في ش يء.
رحم هللا البطل املجاهد علي بن أحمد مسعي وألحقه باألبرار في الفردوس األعلى،
ورحم هللا شهداء اإلسالم والجزائر ،ورحم هللا مجاهدينا وغفر لهم وجعلهم من أهل الجنان
ّ ُ
العلى ،ونصر هللا الجزائر واملسلمين في ّ
كل زمان ومكان ،والحمد هلل الذي جعلنا خلفا لهؤالء
ّ
السلف العظيم.
94
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
95
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
96
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
97
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
98
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
99
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
100
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
صور ألبطال
101
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
102
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
103
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
104
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
105
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
َ
األسود بن أحمد البطل مسعي
106
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
107
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
108
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
109
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
البطل ّ
حمه بن عثمان فرحي
110
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
البطل فرحي ّ
حمه بن زروال
111
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
البطل بوقطوف العيد
املدعو رأس الغول
112
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
البطل فرحي الطاهربن عثمان
113
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
114
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
البوقص ي البطل ّ
عماربريك
115
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
116
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
ّ
البوقص ي البطل عون عمر
117
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
البطل لزهر ّ
شريط
118
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
119
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
120
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
البطالن العيد راس الغول على اليمين واألسود مسعي على اليسار
121
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
122
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
123
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
البطل بن عمرجيالني
124
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
125
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
126
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
127
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
128
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
129
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
130
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
131
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
الفهرس
الصفحة املوضوع
3 إهداء
5 مقدمة
8 املجاهد علي بن أحمد مسعي
8 نسبه
8 مولده
8 حياته
9 إنجازاته
9 أهم املعارك التي خاضها البطل ّ
الكتاب
ّ
15 الثورة الجزائرية ومراحل أحداث التاريخ ،وإعادة الوعي
16 ماجاء في ّرد فعل الوطنيين الجزائريين من ساسة ّ
ومثقفين
وغيرهم
ّ ّ
20 التحضير قبيل الثورة
ّ
24 إعالن الثورة وصداها الواسع
26 الر ّديف
مرور بن بو العيد من الجبل األبيض وأم الكماكم إلى ّ
ّ ّ
28 إلتحاقي بالثورة املسلحة
31 كمين جبل القعقاع ّأول جوان 1955م
32 الت ّ
ونسية معركة أم الكماكم ومعركة جبل بوقافر بالحدود ّ
35 أحداث 20أوت 1955م
36 التحضير للمعركة ّ
37 معركة الجرف الكبرى
38 بداية املعركة
132
مذكرات الضابط علي بن أحمد مسعي
133