Professional Documents
Culture Documents
الموظف العمومي والمنازعات الإدارية
الموظف العمومي والمنازعات الإدارية
مقدمة
ما العمل في حالة �صدور قرار �إداري يم�س بالو�ضعية القانونية للموظفين العموميين �أو يخرق �إحدى
حقوقهم الممنوحة والمحمية با�سم القانون؟ وما هي الإجراءات والم�ساطر الإدارية والقانونية الممكن
اتباعها لف�ض المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية التي ت�صدرها ال�سلطة الإدارية في مواجهة الموظف
العمومي؟
ف�ضال عن �س�ؤالي االنطالق �أعاله ،تجدر الإ�شارة �إلى �أن هذه الدرا�سة القانونية ،تنطلق من الم�شاكل
والعقبات التي تعتر�ض ال�سريان العادي لمهام و�أدوار الموظف العمومي داخل الإدارة المغربية ،ح�سب
دخلما تن�ص عليه العديد من الن�صو�ص القانونية �أو القرارات الإدارية ذات العالقة؛ الأمر الذي قد ُي ِ
الموظف في دوامة من الإجراءات الإدارية والم�ساطر الق�ضائية ،وال�سيما في الحالة التي قد ُيثار فيها نزاع
�إداري مع ال�سلطة التي قد تعتر�ض �أو توقف م�سيرة الموظف الذي ال ي�ؤدي كما ينبغي – ح�سب ر�أيها –
وظيفته �أو مهامه المخولة له قانونا.
�إن اعترا�ض الإدارة �أو ال�سلطة العمومية المعنية ال�ستمرار الموظف في �أداء المهام المنوطة به ،ي�ستلزم
�إ�صدار قرار �إداري يو�ضح �أ�سباب ومكامن الخلل في ممار�سة الموظف لمهامه من جهة ،كما يبرز
مالب�سات النزاع القائم بين الإدارة والموظف من جهة �أخرى.
يبدو ب�أن التطرق �إلى طبيعة العالقة التي تجمع بين الإدارة والموظف عموما ،غالبا ما تُثار على م�ستوى
الحقوق التي يتمتع بها كل طرف على حدة �أو الواجبات المفرو�ضة على كال الطرفين ،وبخا�صة في
عبد الرحيم خال�ص 16
حاالت خرقهما �أو عدم احترامهما لتلك الحقوق والواجبات .غير �أن وقوع اختالف فيما بين الإدارة
والموظف العمومي بخ�صو�ص طرق �أداء المهام والأدوار ،قد ُيثير �إ�شكالية تتمحور حول مدى �إمكانية رد
الحقوق لأ�صحابها و�إجبار الطرف المحكوم عليه بتنفيذ الحكم ال�صادر ق�ضائيا �ضده.
تجدر الإ�شارة �إلى �أن الأمر ،يتعلق ،هنا ،بالإجراءات والم�ساطر التي يمكن اتباعها لف�ض �أي نزاع
قد يقوم بين الإدارة والموظف العمومي ،وال�سيما في حالة �صدور قرار �إداري ال يتقبله الموظف المعني
بالأمر .فمن جهة ،يتوجب على الإدارة �إقناع الموظف ب�أنه قد ارتكب خط�أ ي�ستوجب قرارها الإداري
ال�صادر في حقه؛ ومن جهة �أخرى ،يتوجب على الإدارة تعليل ذلك القرار وذكر الأ�سباب التي �أدت �إلى
اتخاذه .وفي حالة عدم تعليل القرار الذي اتخذته الإدارة في حق الموظف العمومي ،فيحق لهذا الأخير
اللجوء �إلى الق�ضاء الإداري ،وطلب فح�ص �شرعية القرارات الإدارية غير المعللة �أو المطالبة ب�إلغائها ب�صفة
نهائية.
ن�صف الق�ضاء الإداري المغربي، من هذا المنطلق ،نت�ساءل في �إطار �إ�شكالية رئي�سية� :إلى �أي حد ُي ِ
الموظف العمومي الذي ت�صدر في حقه قرارات �إدارية غير معللة وم�شوبة بعدم ال�شرعية �أو تخرق �إحدى
حقوقه الإدارية والقانونية؟
يمكننا اعتماد الفر�ضية الآتية كمنطلق للإجابة عن ال�س�ؤال الإ�شكالي �أعاله ،وهي فر�ضية ب�شقين:
يتعلق ال�شق الأول بمرحلة ما قبل اللجوء �إلى المحاكم الإدارية ،حيث يتوقف النزاع ما بين الموظف
وال�سلطة الإدارية المعنية على م�ستوى حاالت وطبيعة القرارات الإدارية الملزم تعليلها قانونيا وواقعيا؛
بينما ،يتعلق ال�شق الثاني بمرحلة اللجوء �إلى المحاكم الإدارية ،حيث يتوقف الف�صل في النزاع ما بين
الموظف وال�سلطة الإدارية المعنية على �أ�سا�سين� :أوال ،فح�ص مدى �شرعية القرار الإداري غير المعلل؛
وثانيا� ،إلغاء كل قرار �إداري يثبت عدم �شرعيته و�إعادة الحالة �إلى ما كانت عليه لفائدة الموظف ،ما لم ُيرفق
هذا الأخير طلب الإلغاء بطلب التعوي�ض.
قبل البدء في تحليل ومناق�شة محوري الدرا�سة� ،سوف نتطرق �أوال �إلى تعريف «الموظف العمومي»،
قبل �أن نتطرق ثانيا �إلى تعريف «القرار الإداري» ،باعتبارهما مفتاحين رئي�سيين �ضمن الإ�شكالية �أعاله.
تجدر الإ�شارة بداية �إلى �أن الف�صل الثاني من النظام الأ�سا�سي العام للوظيفة العمومية ((( ،ين�ص ب�أنه:
« ُيعد موظفا كل �شخ�ص يعين في وظيفة قارة وير�سم في �إحدى رتب ال�سلم الخا�ص ب�أ�سالك الإدارة التابعة
للدولة»؛ بالإ�ضافة �إلى كل من يوجد «في حالة قانونية ونظامية �إزاء الإدارة» ((( ،ويطبق عليه قانون
الوظيفة العمومية من العاملين بالإدارات المركزية للدولة �أو بالم�صالح الخارجية الملحقة بها.
((( الف�صل الثاني من الظهير ال�شريف رقم 1.58.008ال�صادر بتاريخ 24فبراير 1958بمثابة النظام الأ�سا�سي العام للوظيفة
العمومية ،الجريدة الر�سمية عدد 2372بتاريخ � 11أبريل .1958
((( الف�صل الثالث من الظهير ال�شريف رقم 1.58.008ال�صادر بتاريخ 24فبراير ،1958نف�س المرجع �أعاله.
وعليه ،ف�إن لكل مواطن الحق في ولوج �أ�سالك الوظيفة العمومية والتعيين فيها «على وجه
الم�ساواة» ((( ،ولكن ب�شرط �أن يكون من جن�سية مغربية ومتمتعا بالحقوق الوطنية وله القدرة البدنية
على ممار�سة الوظيفة المر�شح �إليها ،الخ ((( .وذلك بالرغم من ا�ستبعاد النظام الأ�سا�سي العام للوظيفة
العمومية بع�ض المواطنات والمواطنين ب�شكل ا�ستثنائي ،مع تمتيعهم ب�صفات �أخرى غير �صفة الموظف
العمومي (((.
�أما فيما يخ�ص تعريف القرار الإداري ،فيمكن بداية القول ب�أنه كل ما تقوم به �أو ت�صدره الإدارة �أو
ال�سلطة الإدارية من ت�صرفات وفق �سلطتها المنفردة ((( ،وفي مواجهة الأغيار� ،أيا كانت طبيعتهم� ،سواء
عامة �أو خا�صة .وفي درا�ستنا ،هذه� ،سنتحدث عن القرار الإداري باعتباره كل عمل �أو فعل تقوم به الإدارة
�أو ت�صدره وفق �أ�س�س قانونية �أو �إدارية تجاه موظفيها ،والمرفو�ض االن�صياع لمقت�ضياته من طرف ه�ؤالء
(الموظفين).
ويمكن ،تبعا لذلك ،تعريف القرار الإداري باعتباره كل «عمل قانوني ي�صدر عن الإدارة المنفردة
للإدارة ،وال يتوقف نفاذه على موافقة من ينطبق عليهم» (((؛ وهو ما يعني �ضرورة توفر عدة �شروط
العتبار ت�صرف ما� ،صادر عن �سلطة �إدارية ،قرارا �إداريا ((( .فكيف ذلك؟
تبعا لكل ما �سبق ،يمكننا اتباع الخطة الآتية بغية الإجابة عن الإ�شكالية المطروحة �سابقا:
المحور الأول :الموظف العمومي و�إلزامية تعليل القرارات الإدارية خارج نطاق اخت�صا�صات
المحاكم الإدارية؛
المحور الثاني :الموظف العمومي و�إلزامية فح�ص وتعليل القرارات الإدارية داخل نطاقات اخت�صا�ص
المحاكم الإدارية.
((( الفقرة الأولى من الف�صل الأول من الظهير ال�شريف رقم 1.58.008ال�صادر بتاريخ 24فبراير ،1958نف�س المرجع �أعاله.
((( �أنظر مختلف ال�شروط المطلوبة لولوج �أ�سالك الوظيفة العمومية كما هي واردة في الف�صل الواحد والع�شرين من الظهير
ال�شريف رقم 1.58.008ال�صادر بتاريخ 24فبراير ،1958نف�س المرجع �أعاله.
((( �أنظر فيما يخ�ص بع�ض الفئات التي ال يطبق عليها النظام الأ�سا�سي العام للوظيفة العمومية بالمغرب ،كتاب :محمد
الأعرج ،الن�شاط الإداري ،الرباط ،مطبعة المعارف الجديدة ،ط� ،2014 ،1 .ص.355-353 .
((( محمد الأعرج ،الن�شاط الإداري ،مرجع �سابق� ،ص.36-34 .
((( نف�س المرجع �أعاله� ،ص.36 .
((( مثل تلك ال�شروط نجد� :أن يكون القرار الإداري ال�صادر عمال قانونيا� ،أن ي�صدر عن �سلطة �إدارية وطنية ولي�ست �أجنبية،
و�أن يكون له �أثر قانوني� .أنظر :محمد الأعرج ،الن�شاط الإداري ،مرجع �سابق� ،ص.42-37 .
المحور الأول
الموظف العمومي و�إلزامية تعليل القرارات الإدارية
خارج نطاق اخت�صا�صات المحاكم الإدارية
�سنتطرق ،في �إطار من التحليل والنقا�ش – �ضمن هذا المحور – �إلى الحالة التي ال يزال فيها النزاع
مح�صورا فقط بين الإدارة والموظف العمومي ،قبل الولوج �إلى المحاكم بغية ال�شروع في م�سطرة رفع
الدعوى الق�ضائية .و�سنو�ضح ذلك ،من خالل النقط الآتية:
– القرار الإداري في مواجهة الموظف العمومي :حاالت عدم ال�شرعية؛
– ال�سلطة الإدارية وطبيعة القرارات الواجب تعليلها في مواجهة الموظف العمومي؛
– اال�ستثناءات الواردة على القرارات الإدارية الواجب تعليلها (بما فيها القرارات ال�ضمنية ال�سلبية).
((( �أنظر المادة الأولى من الظهير ال�شريف رقم 1.02.202ال�صادر بتاريخ 23يوليوز 2002بتنفيذ القانون رقم 03.01ب�ش�أن �إلزام
الإدارات العمومية والجماعات المحلية والم�ؤ�س�سات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية ،الجريدة الر�سمية عدد 5029بتاريخ
12غ�شت .2002
.4حينما يكون القرار في غير م�صلحة المعني بالأمر� ،أي �أن ال�سلطة الإدارية التي �أ�صدرته ال ت�ستهدف
من ورائه �أي فائدة ل�صالح الموظف العمومي المعني بالقرار ،و�إنما يخدم طرفا �آخر؛
.5حينما يكون القرار مكتوبا� ،أي �أن الإدارة المعنية ت�صدر قرارها في �صيغة مكتوبة ،مما يعني �أن
القرارات التي تعتبر �شفوية ال تدخل في هذه الحاالت؛
.6حينما يكون القرار غير مت�ضمن لالعتبارات الداعية �إلى اتخاذه من طرف الإدارة ،وال�سيما الأ�سباب
القانونية؛
.7حينما يكون القرار ذو طابع غير مت�ضمن �أي�ضا لالعتبارات الواقعية المعتمدة ك�أ�سباب مقنعة من
طرف الإدارة.
يالحظ مما �سبق ،وجود �سبع حاالت ،يمكن للموظف العمومي �أن يثبت فيها ومن خاللها وجود م�س
ب�إحدى حقوقه الإدارية والقانونية التي يحتويها القرار الإداري ال�صادر �ضده .وعليه ،فكل حالة من تلك
الحاالت ،ت�ؤدي مبا�شرة �إلى و�صف القرار الإداري بعدم ال�شرعية؛ الأمر الذي يحق للموظف المطالبة
بتعليل ذلك من طرف الإدارة التي اتخذته.
ولكن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه هو :هل كل ما ي�صدر من قرارات عن ال�سلطة الإدارية معنية بالتعليل
القانوني والواقعي �أم �أن الأمر يتعلق فقط ببع�ض القرارات الإدارية؟
ثانيا :ال�سلطة الإدارية وطبيعة القرارات الواجب تعليلها في مواجهة الموظف العمومي
يعد تحت طائلة عدم ال�شرعية ،كل «قرار �إداري فردي» (� ((1سلبي �صادر لغير فائدة المعني بالأمر،
وغير المف�صح عنه كتابة ،ودون �أن يت�ضمن في طلبه كل الأ�سباب القانونية والواقعية الداعية التخاذه في
حق الموظف العمومي المعني بالأمر .ويدخل �ضمن خانة هذه القرارات ،ما يلي:
.1القرارات المرتبطة بمجال ممار�سة الحريات العامة �أو التي تكت�سي طابع �إجراء �ضبطي؛
.2القرارات الإدارية القا�ضية ب�إنزال عقوبة �إدارية �أو ت�أديبية؛
.3القرارات الإدارية التي تقيد ت�سليم رخ�صة �أو �شهادة �أو �أي وثيقة �إدارية �أخرى ب�شروط �أو تفر�ض
�أعباء غير من�صو�ص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛
.4القرارات القا�ضية ب�سحب �أو �إلغاء قرار من�شئ لحقوق؛
( ((1يق�صد بالقرار الإداري الفردي« ،كل قرار �صادر بكيفية �أحادية الجانب عن ال�سلطة الإدارية المعنية يهم �شخ�صا بعينه
�أو مجموعة �أ�شخا�ص محددة �أ�سما�ؤهم �سواء كانوا �أ�شخا�صا ذاتيين �أو معنويين ،عموميين �أو خوا�صا»� .أنظر الفقرة الثانية
والأخيرة من المادة الخام�سة من المر�سوم رقم 2.05.1369ال�صادر بتاريخ 2دجنبر 2005ب�ش�أن تحديد قواعد تنظيم القطاعات
الوزارية والالتمركز الإداري ،الجريدة الر�سمية عدد 2260ال�صادرة بتاريخ 12يناير [ ،2006والذي تم ن�سخ بع�ض مقت�ضياته
المخالفة – ح�سب الفقرة الثانية والأخيرة من المادة – 47لمقت�ضيات المر�سوم رقم 2.17.618ال�صادر بتاريخ 26دجنبر 2018
بمثابة ميثاق وطني لالتمركز الإداري ،الجريدة الر�سمية عدد 6738ال�صادرة بتاريخ 27دجنبر .2018
.5القرارات الإدارية التي ت�ستند على تقادم �أو فوات �أجل �أو �سقوط حق؛
.6القرارات التي ترف�ض منح امتياز يعتبر حقا للأ�شخا�ص الذين تتوافر فيهم ال�شروط القانونية (((1؛
.7القرارات الإدارية الفردية التي تتخذها الإدارة في حالة ال�ضرورة �أو الظروف اال�ستثنائية ب�شرط
تقديم المعني بالأمر لطلب اطالعه على �أ�سباب اتخاذ الإدارة للقرار في �أجل 30يوما من تاريخ
التبليغ ،ودون �أن يتعلق بالقرارات الآتية:
– القرارات الإدارية القا�ضية ب�إنزال عقوبة �إدارية �أو ت�أديبية؛
– القرارات الإدارية التي ت�ستند على تقادم �أو فوات �أجل �أو �سقوط حق (.((1
توجد ،خارج القرارات الواردة �أعاله ،عدة ا�ستثناءات ،يمكن للإدارة ا�ست�صدار قرارات بخ�صو�صها
دون �أن تعد في �صميم القرارات الم�شوبة بعدم ال�شرعية .فما هي هذه القرارات اال�ستثنائية؟
( ((1القرارات المقدمة في النقط ال�ستة الأولى ،هي مجموع القرارات التي �أوجب الم�شرع المغربي على الإدارات تعليلها
كما جاء في المادة الثانية من القانون رقم 03.01ب�ش�أن �إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والم�ؤ�س�سات العمومية
بتعليل قراراتها الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((1المادة الرابعة من القانون رقم ،03.01نف�س المرجع �أعاله.
( ((1المادة الثالثة من القانون رقم ،03.01نف�س المرجع �أعاله.
( ((1المادة الرابعة من القانون رقم ،03.01نف�س المرجع �أعاله.
ويمكن بخ�صو�ص التمديد في الآجال المن�صو�ص عليه في المادتين الرابعة والخام�سة �أعاله ،والمتعلق
بطلب المعني بالأمر ،وجواب ال�سلطة الإدارية� ،أن يمدد في �أجل الطعن المن�صو�ص عليه في الفقرة
الخام�سة من الف�صل 360من قانون الم�سطرة المدنية ( ((1والمادة 23من القانون رقم 41.90المحدثة
بموجبه محاكم �إدارية (.((1
�إذا كان كل ما �سبق ،يدخل في خانة الإجراءات والم�ساطر والآليات �أو الطرق والحاالت التي تعد فيها
القرارات الإدارية ال�صادرة عن �سلطة �إدارية م�شوبة بعدم ال�شرعية ،ف�إن تجاوز تلك الم�ساطر والحاالت
متى لم ت�ستجب لها الإدارة ،يجعل الموظف العمومي المت�ضرر منها يلج �إلى المحاكم الإدارية بق�صد
المطالبة بحقوقه القانونية في مواجهة ال�سلطة الإدارية المعنية.
فمتى يمكن للموظف العمومي اللجوء �إلى الق�ضاء الإداري في مواجهة الإدارة ال�صادرة للقرار الإداري
الم�شوب بعيب الم�شروعية؟
وما هي الدعاوى التي يمكن للموظف المت�ضرر من قرار الإدارة رفعها �ضد ال�سلطة الإدارية المعنية؟
المحور الثاني
الموظف العمومي و�إلزامية فح�ص وتعليل القرارات الإدارية
داخل نطاقات اخت�صا�ص المحاكم الإدارية
كلما تم الطعن من طرف الموظف العمومي في قرار �إداري م�شوب بعدم ال�شرعية �أمام المحكمة
المتعلق 41.90 من الباب الثاني من القانون رقم 44 الإدارية ،يتم مبا�شرة اال�ستناد �إلى منطوق المادة
بالمحاكم الإدارية �أو يتم الرجوع �إلى المواد من � 20إلى 25من الباب الثالث المتعلق برفع دعوى الإلغاء
�أمام المحاكم الإدارية ،في حالة ال�شطط في ا�ستعمال ال�سلطة ،بالإ�ضافة �إلى عدم تعليل القرار الإداري.
وهو ما �سنتطرق �إليه ب�شكل مف�صل في النقطتين الآتيتين:
فح�ص �شرعية القرارات الإدارية غير المعللة �أمام المحاكم الإدارية؛ –
طلبات �إلغاء القرارات الإدارية غير ال�شرعية ب�سبب تجاوز ال�سلطة. –
( ((1ظهير �شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447ال�صادر بتاريخ � 28شتنبر 1974بالم�صادقة على ن�ص قانون الم�سطرة المدنية،
الجريدة الر�سمية عدد 3230مكرر ،بتاريخ � 30شتنبر .1974
( ((1الظهير ال�شريف رقم 1.91.225ال�صادر بتاريخ � 10شتنبر ،1993قانون رقم 41.90المحدث بموجبه محاكم �إدارية،
الجريدة الر�سمية عدد 4227بتاريخ .1993/11/03
�أوال :في فح�ص �شرعية القرارات الإدارية غير المعللة �أمام المحاكم الإدارية
يمكن �أن يعهد من طرف المت�ضرر �إلى محكمة عادية غير زجرية �أو �إلى محكمة زجرية كاملة الوالية
لفح�ص �شرعية القرارات الإدارية غير المعللة.
في الحالة الأولى� ،إذا رفع المت�ضرر دعوى ق�ضائية لفح�ص مدى �شرعية القرار الإداري المطعون فيه �أمام
محكمة عادية غير زجرية ،ف�إن هذه الأخيرة ال تقوم بتقدير مدى �شرعية القرار الإداري و�إنما ت�ؤجل الحكم
في الق�ضية وتحيل �أمر تقدير �شرعية القرار الإداري محل النزاع �إما �إلى المحكمة الإدارية �أو �إلى محكمة
النق�ض ح�سب اخت�صا�ص كل من هاتين الجهتين الق�ضائيتين؛ وذلك ،ح�سب ما هو م�سموح للمحكمة
الإدارية النظر فيه ابتدائيا ( ،)1وما هو م�سموح به لمحكمة النق�ض النظر فيه ابتدائيا وانتهائيا (.)2
.1بالن�سبة للمحكمة الإدارية
يحق للمحكمة الإدارية النظر ،ابتدائيا ،في:
– طلبات �إلغاء قرارات ال�سلطات الإدارية ب�سبب تجاوز ال�سلطة؛
– النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية؛
– دعاوى التعوي�ض عن الأ�ضرار التي ت�سببها �أعمال ون�شاطات �أ�شخا�ص القانون العام؛
– النزاعات المتعلقة بالمعا�شات ومنح الوفاة؛
– تطبيق الن�صو�ص المتعلقة باالنتخابات وال�ضرائب ونزع الملكية لأجل الم�صلحة العامة؛
– الدعاوي المتعلقة بتح�صيل الديون الم�ستحقة للخزينة العامة؛
– النزاعات المتعلقة بالو�ضعية الفردية للموظفين...؛
– فح�ص �شرعية القرارات الإدارية (.((1
.2بالن�سبة لمحكمة النق�ض
يحق لمحكمة النق�ض ،ابتدائيا وانتهائيا ،النظر في طلبات الإلغاء ب�سبب تجاوز ال�سلطة المتعلقة بـ:
– المقررات التنظيمية والفردية ال�صادرة عن رئي�س الحكومة؛
– قرارات ال�سلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة االخت�صا�ص المحلي لمحكمة
�إدارية (.((1
�أما في الحالة الثانية� ،أي حينما ترفع الق�ضية �أمام محاكم زجرية كاملة الوالية ،ف�إن �أمر تقدير مدى �شرعية
القرار الإداري المتنازع بخ�صو�صه ،تبقى قائمة ومقبولة ،ولكن ب�شرط �أن يتم التم�سك �أمامها بطلب
( ((1المادة الثامنة من القانون رقم 41.90المتعلق بالمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((1المادة التا�سعة من القانون رقم 40.90المتعلق بالمحاكم الإدارية ،نف�س المرجع �أعاله.
فح�ص �شرعية القرار الإداري المطعون فيه� ،سواء باعتباره �أ�سا�سا للمتابعة �أو باعتباره و�سيلة من و�سائل
الدفاع.
يت�ضح مما �سبق ب�أن عمليات فح�ص �شرعية القرارات الإدارية غير المعللة ،ال ت�صح �إال �إذا رفعت �أمام
المحاكم المخت�صة؛ وهنا ،نق�صد المحكمة الإدارية �أو محكمة النق�ض .في حين ،يمكن �أي�ضا للمحاكم
الزجرية متى تم التم�سك �أمامها بالدعوى الق�ضائية لفح�ص �شرعية القرار الإداري� ،أن تنظر في الق�ضية
بنف�سها.
ثانيا :في طلبات �إلغاء القرارات الإدارية غير ال�شرعية ب�سبب تجاوز ال�سلطة
يحق لكل موظف عمومي مت�ضرر من قرار �إداري �صادر عن جهة �إدارية وال يت�ضمن التعليل المن�صو�ص
عليه في القانون رقم � ،((1( 03.01أن يطعن في هذا القرار عن طريق رفع دعوى ق�ضائية ب�إلغاء ذلك القرار
�أمام الجهة الق�ضائية الإدارية المخت�صة ،بحيث �أن «كل قرار �إداري �صدر من جهة غير مخت�صة �أو لعيب في
�شكله �أو النحراف في ال�سلطة �أو النعدام التعليل �أو لمخالفة القانون ،ي�شكل تجاوزا في ا�ستعمال ال�سلطة،
يحق للمت�ضرر الطعن فيه �أمام الجهة الق�ضائية الإدارية المخت�صة» (.((2
المتعلق ب�إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والم�ؤ�س�سات العمومية بتعليل قراراتها ( ((1القانون رقم
03.01
الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((2المادة 20من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
تجدر الإ�شارة ،في حالة توفر ال�شروط �أعاله� ،إلى �أن كل طلب �إلغاء ب�سبب تجاوز ال�سلطة وال�سيما في
حالة غياب التعليل بخ�صو�ص القرار الإداري ال�صادر �ضد الموظف العمومي ،تجدر الإ�شارة �إلى �أن كل
طلب في هذا ال�ش�أن ،يعفى من «�أداء الر�سم الق�ضائي».
( ((2الفقرة الثانية من المادة 23من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((2وبالتالي ال يبتدئ تاريخ �إمكانية رفع دعوى الإلغاء �إال بعد م�ضي وانق�ضاء مدة 60يوما من تاريخ �سكوت الإدارة عن
�إ�صدار جواب بخ�صو�ص التظلم.
( ((2الفقرة الرابعة من المادة 23من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((2الفقرة الخام�سة من المادة 23من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
( ((2المادة 24من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
تجدر الإ�شارة �إلى �أن �أجل قبول طلب �إلغاء القرار الإداري ب�سبب تجاوز ال�سلطة ،ينتهي بمجرد
رفع الدعوى �إلى الجهة الق�ضائية غير المخت�صة ولو كانت محكمة النق�ض؛ غير �أنه يبتدئ �سريان الأجل
مجددا ،ابتداء من تبليغ المدعى للحكم ال�صادر نهائيا بتعيين الجهة الق�ضائية المخت�صة (.((2
خاتمة
يمكن القول ،ختاما ،ب�أن الم�شرع المغربي قد عمل على تقديم عدة حلول وبدائل قانونية لتجاوز
النزاعات القائمة �أو الممكن قيامها بين الموظف العمومي وال�سلطة الإدارية� ،صاحبة القرار الإداري
الم�ؤثر في المركز القانوني للموظف.
ويتجلى اهتمام الم�شرع ،في مطالبة الإدارة ب�ضرورة تعليل القرارات التي ت�صدرها ،ح�سب مقت�ضيات
القانون رقم 03.01من جهة� ،أو ب�ضرورة ال�سماح للموظف الذي �صدر في حقه القرار ،الطعن فيه �أمام
الق�ضاء الإداري من جهة �أخرى؛ و�سواء ،كان ذلك ،من خالل طلب فح�ص مدى �شرعية القرار الإداري
ال�صادر في حق الموظف �أو برفع دعوى الإلغاء ،ح�سب ال�شروط والظروف التي ن�ص عليها قانون
المحاكم الإدارية رقم .41.90
على العموم ،تظل �إ�شكالية المنازعات التي تثار بين ال�سلطة الإدارية والموظف العمومي ،من بين
الإ�شكاليات الكبرى ،الواجب البحث في مختلف �صورها و�أنواعها ب�شكل معمق .وما محاولتنا ،هذه،
�سوى نقطة في واد ،بم�سعى فهم جزء ال يتجز�أ من موقع ومكانة الموظف الإداري في ظل ال�سلطة الإدارية
التي تتمتع بموقع قوة ،قانونيا «و�سلطويا» ،حيث يظل الموظف تابعا لها �أو ال يت�صرف – على الأقل – �إال
وفق �شروطها ،وهو مح�صور بذلك بين �سلطتها الإدارية المنفردة والتي قد تتخذ �صور قرارات �إدارية قد
ت�شوبها عدم ال�شرعية �أو تكون غير مبررة وبين ما تتطلبه القوانين الجاري بها العمل من ان�صياع تام للإدارة
و�سلطاتها ،في المركز والالمركز.
�إن محاولتنا هذه ،ال ت�سعى �إلى تقديم الحلول والبدائل ،و�إن كانت تحاول لفت االنتباه �إلى م�شكل
يتكرر في دواليب الإدارة المغربية ب�شكل متوا�صل وكبير .فنحن ،ل�سنا بمخت�صين ح�صريين بالمادة
الإدارية وما يدور في فلكها من منازعات وعقود وق�ضاء �إداري ،الخ .ولكن ،لنا تجربة في المجال
الإداري� ،سواء على م�ستوى الأعمال والت�صرفات الإدارية ،وما تثيره من منازعات �إدارية وقانونية
وق�ضائية� ،أو على م�ستوى التدري�س النظري المرفق بجانب تطبيقي على م�ستوى تحليل ومناق�شة بع�ض
القرارات الإدارية �أو الأحكام الق�ضائية والتعليق عليها؛ والتي �سبق التطرق �إليها درا�سة وبحثا في القانون
الإداري والمرافق العمومية.
( ((2المادة 25من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم الإدارية ،مرجع �سابق.
�إن ما يتعلق بعدم تعليل القرارات التي ت�صدرها الإدارة بمح�ض �إرادتها المنفردة ،ف�ضال عن ال�شطط في
ا�ستعمال ال�سلطة المخولة لها بحكم القانون «الظاهر»! لأ�شبه – في نظرنا – بالإرادة المنفردة للحاكم ،في
القرن ال�ساد�س ع�شر ب�أوروبا ،حينما كان يمتلك كافة ال�سلط بين يديه ،فتجده ي�صدر القوانين كما يفر�ض
ال�ضرائب �أو يعلن الحروب �أو ي�صدر الأحكام �ضد كل من ال يواليه في �أمر ال�سمع والطاعة.
ولذلك ،نالحظ ب�أن بع�ض الإدارات بالمغرب وال�سيما ر�ؤ�سائها �أو مديريها �أو مدبريها على العموم،
ال تعمل �إال في �إطار تكري�س الثقافة والعقلية وال�سلوك المف�ضي �إلى عدم احترام الموظف �أو المرتفق
باعتبارهما �أ�صل وجودها في الأ�سا�س؛ �إذ ،ال يمكننا الحديث عن الإدارة بدون وجود الموظف �أوال
ووجود المرتفق ثانيا .وعليه ،يجب على الإدارة عدم تكري�س فكرة �صاحبة الحق دائما و�أنها ال تخطئ
�أبدا .ف�أمام �إيمانها بكونها ال�سلطة العامة ،الواجب احترامها �إداريا وقانونيا ،و�أنها �صاحبة القوة والإرادة
العامة التي تدبر الم�صالح العامة ،فيجب عليها تكري�س القيادة الحكيمة والمعقلنة لمواردها الب�شرية وعلى
ر�أ�سها الموظف القائم على �أداء مهامها و�أن�شطتها و�أدوارها على �أح�سن وجه ،دون �أن نن�سى الوجه الآخر
الذي يمثله المواطن المرتفق ،الذي يتوجب على الإدارة ا�ستح�ضاره بطرف �أ�سا�سي في معادلة الوظيفة
القائمة والم�ستمرة للإدارة.
�إن غياب الموظف ،معناه غياب الإدارة؛ لكن ،غياب المواطن المرتفق ،معناه غياب الموظف
والإدارة معا .ولذلك ،فكلما ظهر للإدارة �أو تبين لها وجود ن�شاز عن الخط الذي ر�سمته �أو اعتمدته ،وفق
القوانين والقرارات والم�ساطر التي �سطرتها بنف�سها ،فيتوجب عليها �إعادة النظر في عالقتها بالموظف
وحقوقه من جهة وبالمرتفق وحقوقه من جهة �أخرى .بل ،يجب �إ�شراك الموظف في قراراتها قبل �إعالنها،
وا�ستقراء �آراء المواطنين �أو المرتفقين قبل ن�شر قوانينها.
تبعا لكل ما �سبق ،نتمنى من الم�شرع المغربي �إعادة النظر في طبيعة تلك العالقة ،بين الموظف الإداري
وال�سلطة الإدارية ذات القرار المنفرد ،بهدف تجاوز �أي خالف قد يتطور لي�صبح نزاعا ق�ضائيا ،بما له من
تداعيات ذاتية ومو�ضوعية وزمنية وقانونية .وقد يكون �إعادة النظر في القانون الأ�سا�سي للوظيفة العمومية،
فيما يتعلق بالموظف العمومي ،مدخال رئي�سيا لإ�صالح �إداري معا�صر ،بمنطق القرن الواحد والع�شرين،
الذي ي�شهد على مدى قرابة ثالثون عاما من الق�ضاء الإداري المنا�صر للموظف العمومي ب�صفة عامة.
�أما المواطن والمرتفق ،فيجب على الإدارة – في عالقتها معه – �إعادة تحديد �أولوياتها لمعرفة �أهدافها
الحقيقية ،الواجب بلوغها بكل �شفافية ونزاهة؛ مع �ضرورة ا�ستح�ضار العالقة ال�سببية بين الإدارة ،ممثلة في
الموظف ،والمواطن ممثال في المرتفق ،حيث يرتبط وجود الأولى بوجود الثاني .وهذا مو�ضوع درا�سة
�أخرى �سيكون لنا موعد معه في الم�ستقبل القريب.