Professional Documents
Culture Documents
الإمتحان الجهوي في اللغة العربية 2019 جهة الشرق الدورة العادية
الإمتحان الجهوي في اللغة العربية 2019 جهة الشرق الدورة العادية
ْران قد َولَّى ،وأن اإلنسانية مقبلة على عهد االنفتاح والتواصل .إال أن
جدار برلين ،اعتقد الجمي ُع أن عهد ال ُجد ِِ بسقوط
ِ
ً
العشرين سنة األخيرة َ عرفت إقامة أزيد من عشرين جدارا مختلفة األحجام واألطوال واألدوار.
تنطوي إقامة الجدران على مفارقة كبيرة .فبقدر ما تسعى ألن تظهر عظمة الدولة التي أقامتها وقوتها و"صالبتها"،
بقدر ما تشهد على إخفاق تلك الدولة في ضبط حدودها ونشر سيادتها ،أو فرضها فرضا .يكفي دليال على ذلك عجز
أكبر الدول العظمى على وقف الهجرة المكسيكية عن طريق إقامة الجدار.
لعل هذا هو ما حدا ببعض الدول "الذكية" إلى إقامة جدران من طينة أخرى ،جدران أقل "صالبة" ،وأخف حضورا،
لكنها ،ربما ،أكثر فعالية .هذه الجدران ليست تلك التي تقام بالحديد واإلسمنت ،والتي تتبدى عالية نحو السماء ،وإنما تلك
التي تتخفى وراء قوانين تشريعية ،أو مؤسسات إدارية ،أو وزارات تحمل أسماء مراوغة ،كوزارة الهجرة ،أو وزارة
الهوية الوطنية ،أو حتى وزارة "االندماج" والتكافل.
ليست مهمة هذه المؤسسات بطبيعة الحال "السهر على الحدود" ،وإنما "بناء" جدران "غير مرئية" وغرسها في
وجداننا وعقولنا .أخطر الجدران وأشدها صالبة ليست ،بطبيعة الحال ،هي المكونة من إسمنت وحديد ،وإنما هاته التي
تقطن أدمغتنا وتسكن عقولنا .هنا ال يُقتصر على الحدود ،وإنما يستعان بالجدران لتفصل البشر وفق ألوان بشرتهم،
وأنواع قيمهم وأشكال ثقافاتهم.
الحدود ليست هي الجدران .الحدود وليدة اتفاق ،أو تفاوض على األقل .نعلم أنها مرتبطة بميالد الدولة الحديثة كما
نشأت في أوربا خالل القرنين الثالث والرابع عشر .الحدود منذ نشأتها اعتراف متبادل ،أما الجدران فتبنى ضد اآلخر
ورغم أنفه .الحدود ال تفصل وال تفرق ،وإنما تميز األطراف لتربط في ما بينها .فبينما تدل إقامة الجدران على عجز
الثقافة عن االعتراف باآلخر والتساكن إلى جنبه ،فإن الحدود على العكس من ذلك هي ما يسمح بلقاء اآلخر.
الحدود تعج بالحركة رغم ثباتها ،إنها تفتح وتغلق ،أما الجدران فهي صامدة صامتة صماء .إنها تقف ضد كل تواصل.
الجدران تسد األبواب والنوافذ وكل الفتحات في وجه اآلخر ،بينما الحدود هي حدود ،ألنها بالضبط تعترف باآلخر.
الستضافة اآلخر ينبغي أن يكون لي بيت .حينما تفصلني عن اآلخر حدود فهو يعرف أن بإمكاني أن أستضيفه وأفتح له
أن ليس من حقي أن أعلن أنني في بيتي حين أعبر الحدود متنقال نحو "الضفة" األخرى، أبواب "بيتي" ،لكنني أعرف ْ
وإال لغد وت معمرا في تلك الحال .ذلك أن االستعمار لم يكن إال خلطا بين الحدود أو إلغاء لها على األصح .إنه إقرار
المستعمر أنه في بيته أنَّى كان البيتُ ،إنه إلغاء اآلخر ذاتا ومكانا.
على هذا النحو ،فإن إقامة الجدران هي إلغاء للحدود وعدم اعتراف بأهميتها و "فضائلها" .ربما يصعب علينا اليوم
أن نقبل أن تكون للحدود فضائل .ففي عالم غدا قرية صغيرة ال بد أن ينظر إلى الحدود على أنها حد للتكافل والتواصل
واالندماج ،وبالتالي على أنها حواجز وعوائق وشرور.
عبد السالم بن عبد العالي" ،الفلسفة فنا للعيش" ،دار توبقال،
البيضاء ،2012 ،ط ،1ص 19-18
الصفحة االمتحان الجهوي الموحد لنيل شهادة البكالوريا -الدورة العادية 2019
2 ∑ARB1 المــــــادة :اللغة العربية
2
المستوى :األولى بكالوريا -الشعبة :جميع الشعب والمسالك العلمية والتقنية