Les Anormaux (1974-1975)

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫ماستر األمن الغذائي‪ ،‬البيئة والمجتمع‪:‬‬

‫قراءة في كتاب‪:‬‬

‫‪Les anormaux‬‬
‫)‪(1974-1975‬‬

‫من إعداد الطالبة‪:‬‬


‫ليلى بلمعطي‬
‫تأطير األستاذ‪:‬‬
‫د‪ .‬زكرياء اإلبراهيمي‬

‫السنة الجامعية‪2024/2023 :‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫نسعى من خالل هذه الورقة‪ ،‬تقديم قراءة في كتاب ‪ les anormaux‬للكاتب مشيل فوكو‪ ،‬وهذا‬

‫الكتاب عبارة عن سلسلة من المحاضرات التي ألقاها مشيل فوكو في كوليج دوفرانس بين‬

‫عامي ‪ ،1975-1974‬بتحليل ودراسة شكل جديد من أشكال السلطة والضبط االجتماعي ظهر‬

‫في القرن التا سع عشر‪ ،‬وهو السلطة التي تمارسها المؤسسات على األفراد الذين يعتبرون‬

‫"شواذ" أو "مختلفين" عن المعايير المجتمعية السائدة‪ ،‬وركز في هذه المحاضرات على األفراد‬

‫الغير طبيعيون وكيف يعرفهم المجتمع‪ ،‬فضال عن حديثه عن عالقة الجنون بالجريمة‪ .‬رسم‬

‫فوكو تالث نماذج لغير الطبيعيين‪ ،‬أولهم الوحش البشري‪ ،‬ثانيهم الفرد الذي ال يمكن إصالحه‪،‬‬

‫وثالتهم الطفل الذي يستمني‪ ،‬ومن خالل هذه الدراسة يظهر فوكو أن مفهوم الشذوذ ليس حقيقة‬

‫طبيعية ثابتة‪ ،‬بل هو نتاج لعمليات اجتماعية وثقافية معقدة تتشكل في سياق محدد‪ ،‬كما يسلط‬

‫الضوء على دور المعرفة والخطاب في تأسيس أنظمة السلطة والسيطرة على األفراد‪.‬‬

‫يعتبر هذا الكتاب من أهم أعمال فوكو في تحليل تاريخ المؤسسات والسلطات التي تمارس‬

‫الضبط االجتماعي‪ ،‬وكيف تنتج وتصنف األفراد الذين ال ينسجمون مع المعايير المجتمعية‬

‫السائدة‪.‬‬

‫ولتحليل هذه المحاضرات يتعين علينا طرح األسئلة التالية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ما هي أهم أفكار الكتاب ؟ما عالقة الجنون بالجريمة؟ ماهي صورة الغير الطبعيين في تفكير‬

‫فوكو؟ كيف يقدم المجتمع الغير الطبعيين؟‬

‫‪3‬‬
‫‪ .1‬أهم أفكار الكتاب‪:‬‬

‫يتضح من خالل هذا الكتاب أن مشيل فوكو سلط الضوء على ظهور األشخاص الغير‬

‫العاديين‪ ،‬وتطور هذا المفهوم ضمن المؤسسات الطبية والقانونية في القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫ويشرح فوكو كيف بدأت هذه المؤسسات في تصنيف وتعريف بعض األفراد على أنهم‬

‫شاذون أو "غير طبيعيون" مقارنة بما يعتبر السلوك االجتماعي المقبول‪ .‬ويبحث فوكو في‬

‫اآلليات والممارسات التي استخدمتها هذه المؤسسات للتعرف على هؤالء األشخاص‬

‫وعزلهم عن المجتمع‪ .‬وهذا يشمل تطوير أساليب الفحص والتشخيص الطبي والنفسي‪ ،‬إلى‬

‫جانب التدابير القانونية والعقابية التي طبقت عليهم‪ .‬يبين فوكو كيف أن هذه الممارسات‬

‫ساهمت في تعريف فئات اجتماعية جديدة مثل "المجرم" "الشاذ جنسيا" وغيرهم والذين تم‬

‫اعتبارهم منحرفين عن المعايير السائدة‪ .‬وبالتالي فإن مفهوم "األشخاص غير الطبيعيين"‬

‫نشأ ضمن سياق إنشاء هذه التصنيفات وتطبيق الرقابة والتحكم على هؤالء األفراد من قبل‬

‫المؤسسات الطبية والقانونية‪.‬‬

‫قام فوكو بتحليل مفصل لكيفية تطور مختلف التصنيفات والتشخيصات الطبية والقانونية‬

‫لألفراد الذين اعتبروا "شاذين" أو "غير طبيعيين"‪ .‬ويبحث في األنظمة المعرفية‬

‫والمنطلقات النظرية التي استخدمتها المؤسسات المختلفة لتحديد وتصنيف أشكال السلوك‬

‫"المنحرف"‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يظهر كيف طورت علوم الطب النفسي والطب الشرعي‬

‫مفاهيم وتصنيفات جديدة للسلوك "غير الطبيعي"‪ ،‬مثل الجنون واالنحراف الجنسي‪ .‬كما‬

‫يبحث في الطرق التي استخدمتها المؤسسات القانونية لتعريف وتصنيف أنماط "السلوك‬

‫اإلجرامي" أو "المرضي"‪ .‬ويوضح كيف ارتبطت هذه التصنيفات الطبية القانونية بآليات‬

‫‪4‬‬
‫الضبط والسيطرة االجتماعية على هؤالء األفراد المصنفين ك "شاذيين"‪ .‬فالخطاب العلمي‬

‫والقانوني لعب دورا هاما في إنشاء فئات اجتماعية جديدة تم النظر إليها على أنها "غير‬

‫طبيعية"‪.‬‬

‫ركز فوكو بعمق على كيفية استخدام السلطة والرقابة من قبل المؤسسات المختلفة لتحديد‬

‫وإنشاء فئات اجتماعية "منحرفة" أو "شاذة"‪ .‬ويناقش بالتفصيل كيف تم توظيف المعرفة‬

‫الطبية والقانونية لتبرير وممارسة السيطرة على هؤالء األفراد المصنفين على أنهم غير‬

‫طبعيين‪ .‬ويشرح فوكو كيف ارتبطت أشكال الرقابة والعقاب المؤسسية بالخطابات العلمية‬

‫والقانونية المتعلقة بالسلوك "المنحرف"‪ .‬فالمؤسسات الطبية والقضائية لعبت دورا محوريا‬

‫في إنشاء وتعزيز هذه الفئات االجتماعية "الشاذة" من خالل ممارسات مثل العزل‪ ،‬العالج‬

‫اإلجباري والعقوبات‪ .‬وهذا أدى إلى تهميش واستبعاد هؤالء األفراد المصنفين خارج نطاق‬

‫المعيار االجتماعي المقبول‪.‬‬

‫بحث فوكو عن العالقة بين المعرفة والسلطة‪ ،‬حيث استكشف الروابط الوثيقة بين األنظمة‬

‫المعرفية والممارسات االجتماعية والمؤسسية‪ .‬وبحث عن كيف تؤثر المعرفة المتولدة في‬

‫المؤسسات الطبية والقانونية على الطرق التي يتم التعامل بها مع األفراد وتصنيفهم ك‬

‫"طبعيين" أو "شاذين"‪ ،‬فالخطاب العلمي والقانوني لعب دورا محوريا في تشكيل‬

‫الممارسات المؤسسية تجاه هؤالء األفراد‪ .‬ويوضح فوكو كيف أن هذه المعارف‬

‫والتصنيفات الرسمية ساهمت في إنشاء فئات اجتماعية جديدة تم التعامل معها بطرق محددة‬

‫من خالل أساليب الفحص والتشخيص والعالج والعقاب‪ .‬وبالتالي فإن العالقة بين المعرفة‬

‫‪5‬‬
‫والممارسة كانت ذات أهمية بالغة في عملية تعريف وإنشاء "األشخاص غير الطبيعيين"‬

‫كفئة اجتماعية مميزة‪.‬‬

‫‪ .2‬في عالقة الجنون بالجريمة‪:‬‬

‫يقول فوكو‪" :‬الجنون يمحو الجريمة‪ ،‬وال يمكن أن يكون الجنون مكانا للجريمة‪ ،‬وعلى العكس‬

‫من ذلك ال يمكن للجريمة أن تكون في حد ذاتها فعال متأصال في الجنون" ( ‪Les anormaux‬‬

‫)‪1974-1975, p21‬‬

‫في هذا اإلطار يناقش فوكو مسألة دخول المرض إلى مكان الحادث‪ ،‬حيث يجب أن يختفي‬

‫اإلجرام بموجب أحكام القانون‪ ،‬ويجب أن تحل المؤسسة الطبية في حالة الجنون محل المؤسسة‬

‫القضائية‪ ،‬إن المجتمع حسب فوكو يستجيب للجريمة المرضية بطريقتين‪ ،‬أو باألحرى يقدم‬

‫استجابة متجانسة ذات قطبين‪ :‬أحدهما تكفيري‪ :‬واآلخر عالجي‪ :‬لكن هذين القطبين هما قطبا‬

‫شبكة متواصلة من المؤسسات‪ ،‬وظيفتها ليس المرض‪.‬‬

‫في عالقة الجنون بالجريمة‪ ،‬سيحفر فوكو عن المفاهيم ليحدثنا عن ما سماه "الفرد الخطير"‬

‫بمعنى فرد ليس مريضا وال مجرما‪ ،‬بالمعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬ومفهوم الفرد الخطير يجعل من‬

‫الممكن تبرير سلسلة متواصلة من المؤسسات الطبية القضائية‪ ،‬وتشكل فكرة الخطر واالنحراف‬

‫الجوهر األساسي في الخبرة الطبية‪ ،‬لذلك يؤكد فوكو على أن الحبرة الطبية تخالف القانون‪،‬‬

‫والخبرة النفسية في األمور الجنائية تسخر من المعرفة الطبية والنفسية‪ .‬مما يبين لنا أن فوكو‬

‫نظر إلى عالقة الجنون بالجريمة بطريقة مختلفة عن النظرة التقليدية‪ ،‬فهو يرى أن الجنون‬

‫والجريمة مظهران للسلطة والضبط االجتماعي‪ ،‬وليس مجرد حاالت طبيعية أو انحرافات عن‬

‫المعايير‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وفقا لفوكو‪ ،‬فإن تاريخ الطب النفسي والعقاب القضائي يكشف عن عملية تاريخية لتعريف‬

‫وإنشاء مفاهيم "الجنون" و "الجريمة" كأشكال للسلطة والسيطرة على األفراد والمجتمع‪.‬‬

‫فالمؤسسات الطبية والقانونية لعبت دورا محوريا في تحديد ما هو طبيعي و شاذ‪ ،‬وتوظيف هذه‬

‫المعايير للهيمنة على األفراد‪.‬‬

‫بالنسبة لفوكو‪ ،‬فإن الربط بين الجنون والجريمة هو جزء من آليات الضبط واالنضباط التي‬

‫تفرضها المؤسسات على األفراد‪ .‬وهذا يظهر كيف أن المعرفة والسلطة مترابطتان بشكل وثيق‬

‫في تشكيل هذه المفاهيم والممارسات االجتماعية‪ .‬لذلك رأى فوكو أنه من الضروري التحقيق‬

‫في تاريخ هذه المفاهيم وكيفية تشكلها للكشف عن العالقات المعقدة بين السلطة والمعرفة‪.‬‬

‫‪ .3‬صورة الغير طبيعيين في تفكير فوكو‪:‬‬

‫قدم فوكو في جانب من محاضرات هذا الكتاب صورة لغير الطبعيين‪ ،‬إذ رسم ثالث شخصيات‬

‫تشكل مجال الشذوذ‪ :‬الشخصية األولى سماها‪ :‬الوحش البشري‪ :‬ويشير فوكو أن فكرة الوحش‬

‫هي في األساس فكرة قانونية‪ ،‬وشخصية الوحش سيطرت على السنوات األولى للطب النفسي‬

‫أو علم النفس الجنائي ويظهر المجرم المجنون كوحش أي كفرد غير طبيعي‪ ،‬ولكي يكون‬

‫الطب النفسي قادرا على الوجود كمؤسسة للمعرفة كان من الضروري تصنيف الجنون‬

‫كمرض‪ ،‬وكان من الضروري تشخيص االضطرابات واألخطاء وأوهام الجنون‪ ،‬فضال عن‬

‫تصنيف الجنون كخطر والطب النفسي سعى دائما إلى العثور على سر الجرائم التي قد تسكن‬

‫الجنون‪ .‬الشخصية الثانية‪ :‬تتعلق بالفرد المراد إصالحه‪ ،‬وهو ظاهرة شائعة وما يحدد الفرد‬

‫الذي يجب إصالحه هو أنه غير قابل لإلصالح‪ ،‬ما يتطلب تدخالت فيما يتعلق بالتقنيات‪،‬‬

‫وتدخل العائلة للتدريب والتصحيح وتقنيات جديدة للتعافي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الشخصية الثالثة‪ :‬الطفل الذي يستمني‪ ،‬ومجال ظهوره هو األسرة‪ ،‬ويقدم نفسه كفرد غير‬

‫استثنائي على اإلطالق حيث يظهر كفرد عالمي تقريبا‪.‬‬

‫انتهى مشيل فوكو بفكرة أن الصور التي قدمها لغير الطبعيين‪ ،‬ال تخرج من دائرة "الشذوذ"‬

‫الذي شكل الشخصيات الثالث ( الوحش‪ ،‬غير القابل لالصالح‪ ،‬الطفل الذي يستمني‪ ).‬لألفراد‬

‫في القرن التاسع عشر‪ .‬ما يسعفنا في القول أن التحليل الذي قدمه فوكو لغير طبيعيين يتجاوز‬

‫المعطى الطبي ليصب في المعطى االجتماعي والسياسي ( الزواوي بغوره‪ ،2021 ،‬ص ‪.)19‬‬

‫ووفقا لتحليل فوكو‪ ،‬فإن صورة "الغير الطبعيين" أو "المنحرفين" في المجتمع قد تشكلت من‬

‫خالل آليات السلطة والمعرفة التي تسعى إلى تعريف وتصنيف األفراد‪:‬‬

‫‪ ‬الجنون والعقل‪ :‬يرى فوكو أن التمييز بين العقالء والمجانين هو نتاج تاريخي‬

‫لممارسات طبية ومؤسسات إغالق وسيطرة‪ ،‬فالمجانين أصبحوا مجموعة منعزلة‬

‫ومحصورة في المؤسسات النفسية والعقابية‪.‬‬

‫‪ ‬الجريمة والعقاب‪ :‬مفهوم الجريمة والعقاب هما أيضا نتاج لتاريخ السلطة والمعرفة‪.‬‬

‫فالمؤسسات القانونية والقضائية لعبت دورا في تحديد ما هو إجرامي وفرض أشكال‬

‫السيطرة واالنضباط على المجرمين‪.‬‬

‫‪ ‬الجنس والشذوذ‪ :‬مفاهيم الطبيعي والشاذ جنسيا هي نتاج لممارسات السلطة والخطابات‬

‫الطبية واألخالقية التي تسعى لتنظيم وضبط السلوك الجنسي‪.‬‬

‫في هذا السياق يمكننا القول أن صورة "الغير طبيعيين" تتشكل من خالل آليات السلطة‬

‫والمعرفة المؤسسية التي تقوم بتصنيف وتهميش بعض الفئات واألفراد‪ .‬وبالتالي فإن فوكو‬

‫يدعو إلى نقد هذه اآلليات للكشف عن الطرق التي تشكل بها المعرفة والسلطة هذه الصور‬

‫‪8‬‬
‫المهيمنة‪ ،‬على سبيل المثال آلية نقد الخطاب‪ :‬فوكو حلل الخطابات ( الطبية‪ ،‬القانونية‪،‬‬

‫األخالقية) التي تنتج وتعزز تصنيفات "الطبيعي" و"الشاذ"‪ ،‬وهدف إلى فضح كيف أن هذه‬

‫الخطابات تنطوي على عالقات للسلطة والسيطرة‪ ،‬إضافة إلى تحليل المؤسسات‪ :‬فقد ركز‬

‫فوكو على دراسة المؤسسات االجتماعية التي تمارس القوة والضبط على األفراد مثل‬

‫المستشفيات النفسية‪ ،‬السجون‪ ،‬وكشف عن الطرق التي تشكل بها هذه المؤسسات معرفة‬

‫وهويات محددة‪.‬‬

‫‪ .4‬المجتمع والغير الطبعيين‪:‬‬

‫من خالل ما ذكرناه سابقا حول عالقة الجريمة بالجنون‪ ،‬والصور الغير الطبعيين‪ ،‬يتبين أن‬

‫الغير طبيعيين في المجتمع يخضعون لجملة من المعارف وأشكال من السلطة بغرض‬

‫تشخيصهم وإعادة تكوينهم‪ ،‬إن المجتمع يقدم الغير الطبيعي بكونه مختلفا عن الشخص الطبيعي‬

‫في تفكيره ومشاعره وعالقاته مع اآلخرين‪ ،‬ويكون غير متوافق ذاتيا وانفعاليا واجتماعيا بشكل‬

‫تسيطر عليه نزعاته النفسية وغرائزه‪ ،‬ويقدم لنا فوكو نموذج "إقصاء الجذام" إذ شكلت‬

‫الممارسات التي صاحبت هذا اإلقصاء – ممارسات رفض‪ -‬ممارسات إقصاء‪ -‬ممارسات‬

‫تهميش‪ ،‬وكان نموذج "إقصاء البرص" بمثابة نموذج الفرد الذي يطرد لتطهير المجتمع‪ ،‬ذلك‬

‫باعتباره فردا ال طبيعيا يختلف عن باقي األفراد الغير مصابين بهذا المرض‪ .‬لذلك فالممارسات‬

‫المتعلقة بالمصابين بالجذام‪ ،‬ووجود سلسلة من االختالفات الدقيقة والمالحظة باستمرار بين‬

‫األفراد المرضى وأولئك الذين ليسوا مرضى‪ ،‬أدت بالضرورة إلى استبعاد المرضى ودخولهم‬

‫في دائرة اإلقصاء اال جتماعي‪ ،‬ذلك بكون رد الفعل على الجذام هو رد فعل سلبي‪ ،‬إنه رد فعل‬

‫للرفض واإلقصاء‪ .‬في المقابل يمكن أن يكون المرض مصدرا لالندماج‪ ،‬ويوضح فوكو ذلك‬

‫‪9‬‬
‫من خالل نموذج "الطاعون" الذي يتوافق بشكل أساسي مع عملية تاريخية سماها فوكو‬

‫"اختراع تقنيات القوة اإليجابية"‪ ،‬إن رد الفعل على الطاعون هو رد فعل إيجابي إنه رد فعل‬

‫لالندماج والمالحظة‪ ،‬وتكوين المعرفة‪.‬‬

‫إن هذين النموذجين الذين قدمهما فوكو ال تنحصر دائما في رؤية المجتمع للمرض بشكل‬

‫سلبي‪ ،‬إنما يمكن أن يصبح المرض ذو صدى إيجابي حسب نوعية المرض‪ ،‬وبذلك يمكننا‬

‫القول أن المجتمع غير ثابت فيما يخص مسألة تصنيف الغير الطبيعيين عن غيرهم من األفراد‪،‬‬

‫ألن هذا التصنيف يخضع لجملة من المحددات أولها محدد الثقافة‪ ،‬فما يبدو سلوكا غير طبيعيا‬

‫في مجتمع‪ ،‬قد يبدو سلوكا طبيعيا في مجتمع آخر‪.‬‬

‫أخيرا ووفقا لتحليالت فوكو‪ ،‬فالمجتمع ينظر لغير الطبيعيين من خالل آليات السلطة والمعرفة‬

‫ويمكن تلخيص وجهة نظره في النقاط التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تصنيف وتمييز األفراد‪:‬‬

‫المجتمع يقوم بتصنيف األفراد إلى فئات "طبيعية" و "شاذة" عبر الخطابات والتصنيفات‬

‫المؤسسية ( الطبية‪ ،‬القانونية‪.)..‬‬

‫ثانيا‪ :‬إنتاج هويات محددة‪:‬‬

‫هذه التصنيفات والخطابات تنتج وتشكل هويات محددة لألفراد ك "مجانين" "مجرمين"‬

‫ثالثا‪ :‬إقصاء واستبعاد اآلخر‪:‬‬

‫يتم استبعاد وإقصاء هؤالء "غير طبيعيين" من المجتمع الطبيعي والمنتج‪ ،‬وحصرهم في‬

‫مؤسسات منفصلة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬إنتاج معرفة عنهم‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫ينتج المجتمع معارف علمية ( طبية‪ ،‬نفسية‪ ،‬اجتماعية‪ )..‬حول هؤالء "الشاذين" لفهمهم‬

‫والسيطرة عليهم‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في ختام هذا العمل الرائد‪ ،‬يؤكد فوكو على أهمية فهم كيفية تشكل مفهوم "الشذوذ" وارتباطه‬

‫بممارسات السلطة والضبط االجتماعي‪ .‬فبدال من اعتبار الشذوذ حقيقة طبيعية ثابتة‪ ،‬علينا أن‬

‫نفهم كيف تنتج هذه المفاهيم عبر التاريخ من خالل آليات المعرفة والخطاب‪.‬‬

‫في النهاية يدعو فوكو إلى إعادة النظر في طرق تعاملنا مع "الشواذ" والمختلفين وتجاوز‬

‫اإلطار التقليدي للسلطة والضبط االجتماعي‪.‬‬

‫‪11‬‬
12

You might also like