فقه المعاملات 1

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 54

‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫شعبة الدراسات إلاسالمية‬


‫الفصل الخامس‪0202 /‬م ‪ /‬ذة ناجية أقجوج‬
‫محاضرات في مادة فقه املعامالت ‪2‬‬
‫‪-‬باب املناكحات ‪-‬‬

‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا دمحم املصطفى ألامين وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد فهذه محاضرات مختصرة نقدمها لطلبة الفصل الخامس في وحدة فقه املعامالت ‪( 2‬قسم‬
‫املناكحات)‪ ،‬وقد حاولنا تقسيم املادة إلى فصلين اثنين ‪ ،‬حيث خصصنا الفصل ألاول للحديث عن‬
‫الزواج وما يتعلق به‪ ،‬والفصل الثاني للتفصيل في الطالق وما يتصل به‪ .‬وذلك على النحو آلاتي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬في أحكام الزواج‬


‫وقسمناه إلى ثالثة مباحث رئيسية؛ خصصنا املبحث ألاول لتعريف الزواج ومشروعيته وحكمه‪،‬‬
‫والثاني‪ ،‬للخطبة وما يتصل بها‪ ،‬والثالث فصلنا فيه أركان الزواج وشروطه‪ ،‬وأما املبحث الرابع‬
‫فحددنا فيه أنواع الزواج وأحكامه‪ ،‬وذلك على البيان آلاتي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬في تعريف الزواج ومشروعيته وحكمه‪.‬‬


‫وبيانه سيكون من خالل مطالب ثالثة‪ ،‬نخصص ألاول لتعريف الزواج‪ ،‬والثاني ملشروعيته‪ ،‬والثالث‬
‫للحكمة من املشروعية‪ ،‬والرابع لألحكام التي تعتريه‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب األول‪ :‬يف تعريف عقد الزواج‬
‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬الزواج يف اللغة‬
‫الزواج لغة من زوج وهو ‪ :‬الصنف والنوع من كل ش يء‪ ،‬وكل شيئين مقترنين شكلين كانا أو نقيضين‬
‫فهما زوجان‪ ،‬وكل واحد منهما زوج‪ ،‬قال الفيومي‪ ":‬الزوج‪ :‬الشكل يكون له نظير كاألصناف وألالوان‪ ،‬أو‬
‫يكون له نقيض كالرطب واليابس‪ ،‬والذكر وألانثى‪ ،‬والليل والنهار‪ ،‬والحلو واملر"‪ ،1‬وقد ورد الزوج بمعنى‬
‫تعالى‪      :‬‬ ‫النوع أو الصنف في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها؛ قال‬

‫‪ - 1‬املصباح املنير‪ ،‬للفيومي‪ ،‬مادة زوج‪ ،‬ص‪89 :‬‬


‫‪1‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪1‬‬
‫‪ ،            ‬وقوله تعالى‪     :‬‬

‫‪ ، 2        ‬وقال ‪ ،3      :‬وقال في أصناف‬
‫عذاب أهل النار و أنواعه‪ ،4     :‬وقال في خلقه أصناف املوجودات من جماد‬
‫‪.5‬‬ ‫وغيره‪              :‬‬

‫واملعنى الذي يدور عليه لفظ الزواج وما اشتق منه عند العرب في كالمها هو الاقتران والارتباط؛ تقول‬
‫العرب‪ :‬زوج الش يء‪ ،‬وزوجه إليه‪ ،‬قرنه به‪ ،‬وفي التنزيل‪ ، 6      :‬ويطلق‬
‫‪7‬‬
‫على كل من الزوجين إذا ارتبطا بعقد الزواج‪ ،‬قال تعالى‪.          :‬‬

‫وتطلق العرب الزوج أيضا على القرينين من غير إلانسان والحيوان‪ ،‬كالخف والنعل‪ ،‬وكل ما يقترن‬
‫بالخرمماثال له‪ ،‬أو مضادا له"‪.8‬‬
‫ويطلق الزوج في عالم الحيوان على كل واحد من القرينين من الذكر وألانثى قال تعالى‪   :‬‬

‫‪ ، 9  ‬وقال سبحانه وتعالى‪.10     :‬‬
‫وألافصح في لغة العرب أن يطلق الزوج على كل من الذكر وألانثى بصيغة واحدة‪ ،‬وهذه لغة أهل‬
‫الحجاز‪ ،‬فتقول املرأة في لغتهم‪ :‬هذا زوجي‪ ،‬ويقول الرجل‪ :‬هذا زوجي‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪ :‬الزواج يف االصطالح الفقهي‪:‬‬
‫عرف الزواج في اصطالح الفقهاء بتعاريف‪ ،‬نختار منها تعريف ابن عرفة الورغمي التونس ي املالكي‬
‫َ َ َ َ‬ ‫الت َل ُّذذ ب َآدم َّي ٍة َغ ْير ُموجب ق َ‬
‫َ ْ ٌ َ َ ُ َ َّ ُ ْ َ َّ‬
‫يم ُت َها ِب َب ِين ٍة ق ْبل ُه‪ ،‬غ ْي َر َع ِال ٍم‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(ت‪ 328‬ه ) حيث ‪":‬النكاح عقد على مجر ِد متع ِة‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اع َعلى آلاخ ِر"‪.‬‬ ‫اب َع َلى ْاملَ ْش ُهور َأ ْو ْإلا ْج َم ُ‬
‫إن َح َّر َم َها ْالك َت ُ‬
‫َ ُ َ ُ ْ َ ََ ْ‬
‫عا ِقدها حرمتها‪،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫وهذا التعريف وضحه وبينه وحل ألغازه إلامام الرصاع في شرح حدود ابن عرفة قائال‪ :‬ق ْول ُه‪َ ":‬عق ٌد "‬
‫ُُ ٌ ْ‬
‫وم ِلل َعا ِق ِد‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫اب َوق ُبو ٌل ِم ْن َجا ِن َب ْي ِن َوال َعق ُد ِفي ِه لز‬ ‫اح ِف ِيه إيج‬ ‫الش ْي ُخ في ْالج ْنس ُه َنا ب ْال َع ْقد َأل َّن الن َك َ‬
‫َ َّ َ َّ‬
‫عبر‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬

‫‪- 1‬سورة الحج‪ ،‬آلاية ‪5‬‬


‫‪- 2‬سورة الشعراء‪ ،‬آلاية ‪7‬‬
‫‪- 3‬سورة الرحمن‪ ،‬آلاية ‪55‬‬
‫‪- 4‬سورة ص‪ ،‬آلاية ‪59‬‬
‫‪- 5‬سورة يس‪ ،‬آلاية ‪63‬‬
‫‪- 6‬سورة الدخان‪ ،‬آلاية ‪55‬‬
‫‪- 7‬سورة البقرة‪ ،‬آلاية ‪65‬‬
‫‪- 8‬املفردات في غرب القرآن‪ ،‬لألصفهاني‪ ،‬ص‪513 :‬‬
‫‪ - 9‬سورة النجم‪ ،‬آلاية ‪55‬‬
‫‪- 10‬سورة ألانعام‪ ،‬آلاية ‪156‬‬
‫‪2‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ َّ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ً ْ ُُْ َ َ ْ ْ ْ‬
‫الرْبط َو ِمن ُه َعق َد إ َزا َر ُه‪َ ،‬وق ْد ُي ْست َع ُار َو ُي ْست ْع َم ُل ِلل َم َعا ِني‬ ‫ص ُل ال َعق ِد ِفي اللغ ِة‬ ‫ور وأ‬ ‫على نف ِس ِه أمرا ِمن ألام ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َُ َ‬
‫ال ال ُحط ْيئة‪ :‬ق ْو ٌم إذا َعق ُدوا َعق ًدا ِل َجا ِر ِه ْم‪.......‬‬ ‫كما ق‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ ُ ٌ َّ ْ َ َ َ َ َ ْ ٌ َ َّ ُ ُ َ ٌ ْ َ ُ َ ُ َّ َ َ َ‬
‫ال َعلى ُم َج َّر ِد َهذا‬ ‫س ف ِلذا قال عقد ِألنه مو ا ِفق ِللمقول ِة‪ ،‬ثم ق‬ ‫الن ْكاح والبيع وغير ذ ِلك ِفيها لزوم ِللنف ِ‬ ‫و ِ‬
‫ْ َ َّ َ َ ُ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ود َعل ْيه‪ ،‬ق ْول ُه " ُم َج َّر ٌد "‪ُ :‬م َج َّر ٌد ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُه َو املَ ْع ُق ُ‬
‫اس ُم َمف ُعو ٍل ِمن جرد وهو ِصفة قبل ِإلاضاف ِة ِللمتع ِة أي‬ ‫ِ‬
‫َ ََْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫احت َرز ِب ِه ِم ْن ال َعق ِد َعلى املنا ِف ِع‬ ‫املتعة اُمجردة ِبمعنى أنها املقصودة ِمن غي ِر إضاف ِة ش ي ٍء إليها‪ .‬و‬
‫َّ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُّ‬ ‫َّ َ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْْ َ ُ َ ُْ َ ٌ َ ْ ُ َ ٌ َ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ورة‪ ،‬ف ِلذا َع َّرف ُه ِب َها َو ِه َي التلذذ‪َ ،‬والت َمت ُع أ َع ُّم ِم ْن التلذ ِذ؛ ِأل َّن الت َمت َع‬ ‫ات‪ ،‬واملتعة معلومة مشه‬ ‫والذو ِ‬
‫ألا ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َّ َ ُّ ُ َ ُ ُ‬ ‫ألا ْكل َو ْاملُ َقد َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ َ ُّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُّ ُّ ُ‬ ‫َي ُكو ُن َم ْع َنويا َ‬
‫ور‬
‫ِ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫الت‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫وب‬ ‫ك‬ ‫الر‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫اه‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ِ ِ‬ ‫ح‬ ‫و‬
‫ط‪ُ ،‬ث َّم أ ْخ َرجَ‬ ‫َّ َ ُّ ُ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ َ َ ِ ْ َ َ ُ َ َّ ْ ُ ْ ِ َ َ َ َ ْ َ ِ َّ َ ْ َ ْ ِ ْ َ َ ِ َ َ َ َِ َ َ َ‬
‫ال ِح ِسي ِة فأخرج ِبمجر ِد املتع ِة ما ذكرنا ِمما لم يق ِصد ودخل ما قصد ِفي أص ِل ِه التمتع فق‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َّ‬ ‫َّ َ ُّ ُ ُ َّ َ ْ َ َ ْ ْ َّ َّ َ ُّ َ‬ ‫ور ْاملَ ْع َنو َّي َة ب َق ْ‬ ‫ُْ‬
‫اب ِبق ْو ِل ِه ِب َآد ِم َّي ٍة َهذا ال ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫الش َ‬ ‫و‬ ‫ام‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫الط‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫الت‬ ‫ة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫ذ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫الت‬ ‫ه‬ ‫ِ ِ ِِ‬‫ل‬‫و‬ ‫ألا ُم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللَا أ ْعل ُم‪ .‬ث َّم ق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ْاملَشايخ أن ُه أخ َر َج به ال َعق َد َعلى الجن َّية َوفيه عندي ُب ْع ٌد َو َّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َظ َه َر َو َز َع َم َب ْع ُ‬
‫ال‪ " :‬غ ْي ُر‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َ ِْ َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يم َت َها " َهذا القيد أخرج ِب ِه تح ِليل ألام ِة إذا وقع ِبب ِين ٍة ف ِإنه يصدق علي ِه أنه عقد على مج َّر ِد‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُموجب ق َ‬
‫ِ ٍ ِ‬
‫ُ َ َّ َ‬ ‫َّ َ ُّ َ َّ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُّ َ َّ ُ ُ َ َ َّ َ ُّ ُ َ َ ْ َ َّ َ ْ َ ُ‬
‫وجب ذ ِلك التلذذ ِقيمة آلاد ِمي ِة‪ ،‬وال ِقيمة ِفي اُمحلل ِة‬ ‫التلذ ِذ ِبآد ِمي ٍة ِبب ِين ٍة‪ ،‬ل ِكنه عقد على تلذ ٍذ ِبآد ِمي ٍة ي ِ‬
‫اُم ْج ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ َّ َ ُّ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َّ َ ُّ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫وب‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫خ‬ ‫اح ال‬ ‫وجب ُإد ُخال ِن َك ِ‬ ‫ت ِجب ِبالتلذ ِذ و ِقيل ِبال ِغيب ِة على اُمحلل ِة‪ .‬و ِإطالق متع ِة التلذ ِذ ي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َو ُه َو َظاه ٌر‪َ .‬ق ْو ُل ُه‪ " :‬ب َبي َنة " َح ٌ ْ َّ َ ُّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َّ َ َ‬
‫ُّ‬
‫ود ِه أخ َر َج ِب ِه‬ ‫ال ِمن التلذ ِذ معناه ِفي ح ِال كو ِن التلذ ِذ يكون ِبب ِين ٍة قب َل وج ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ضاف إل ْيه َو ُه َو املُ ْت َع ُة َو ُهوَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص ًبا َعلى ال َحال م ْن املُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ور َة الزَنا‪َ .‬ق ْو ُل ُه‪َ " :‬غ ْي َر َعالم " ُي ْح َت َم ُل فيه أ ْن َي ُكو َن َن ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ُْْ َ‬ ‫َّ َ ُّ َ َّ َ َ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ ُ‬
‫ال ك ْو ِن املت َع ِة غ ْي َر َع ِال ٍم َعا ِق ُد َها‬ ‫ال َعق ٌد َعلى املت َع ِة اُم َج َّر َد ِة ِفي التلذ ِذ ِبآد ِمي ٍة ح‬ ‫املعقود علي ِه‪ ،‬فكأنه ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ْ َ َ َّ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫ورة املق َّي َدة ِفي َحال ِة ك ْو ِن ال َعا ِق ِد َعل ْي َها‬ ‫حرمتها‪ ،‬و ِهي حال جرت على غي ِر من ِهي له ِبمعنى أن املتعة املذك‬
‫َ‬
‫الصف ِة َو ُه َو ال ِذي َين ِط ُق ِب ِه ك ِث ٌير ِم ْن‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫ع‬‫الر ْف َع َ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫الضم ُير َو َي ْح َتم ُ‬ ‫ص َل َّ‬ ‫ََل َي ْع َل ُم ُح ْر َم َت َها‪َ ،‬و َملَّا َح َذ َف ْال َج َّار َّات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة ُكل َها‪َ ،‬و ْال َعاق ُد َعال ٌم ب َت ْحريم ْاملُ ْت َعة بت ْلكَ‬ ‫ود املذك َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬‫ور َة ْال َع ْقد َع َلى َآدم َّية بالق ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫الش ُيوخ َو َأ ْخ َر َج ب َذل َك ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س ب ِن َكاح َبلْ‬ ‫ّللَا َت َع َالى َفإ َّن َذ ِل َك َل ْي َ‬ ‫اُم َح َّر َمات في ك َتاب َّ‬ ‫ْ َ َّ ِ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫آلاد ِمي ِة كالعق ِد على ألاخ ِت والعم ِة وغي ِر ذ ِلك ِمن‬
‫َ َ ٍ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُح ْك ُم ُه ُح ْك ُم الزَنا َوالس َفاح؛ َف َال ُي ْل َح ُق فيه َو َل ٌد َوَل ُي ْد َ أ فيه َح ٌّد ل ُق َّوة َّ‬ ‫َ‬
‫الد ِل ِيل َعلى الت ْح ِر ِيم هذا على‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ َ ْ ِ َ َِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ّللَا تعالى‪ ،‬و ِلذا ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْال َق ْول املش ُهور في أ َّن ذل َ‬
‫ال‪ " :‬إن ح َّرم َها‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫امل‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ور‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ٌ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ ٌ ُ َ َّ َ ٌ َ َ َ َّ ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْالك َت ُ‬
‫ور " َو ُج ْملة إن َح َّر َم َها ِف ِيه تق ِييد وقع الحال مو ِقعها فكأنها حال مقدرة كما أن جملة‬ ‫ِ‬ ‫اب على املش ُه‬ ‫ِ‬
‫َُّ‬ ‫َ ْ ٌ َ َّ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َّ ُ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ال ِفي ق ْو ِل ِه‪ :‬إن ت ْست ِغيثوا ِبنا ال َب ْيت َوتق َّد َم ِف ِيه بحث ِألن جملة الح ِال َل تصدر ِباس ِتقب ٍال ‪.‬ثم‬ ‫الش ْر ِط َح ٌ‬
‫يما َوق َع‬
‫ْ َ َ ْ َ َ َ ٌّ َ َ‬
‫اب بل ذ ِلك عام ِف‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫يم‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ص ُر فيه َع َلى َت ْ‬ ‫ّللَا ‪َ -‬إلى ا ْل َق ْول ْآلا َخر في َأ َّن َذل َك ََل ُي ْق َت َ‬ ‫َأ َش َار ‪ َ -‬ح َم ُه َّ ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِِ‬ ‫رِ‬
‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َت ْحر ُيم ُه ب ْالك َت ْ َ ْ َ ُ َ َ ُّ َ ْ َ ُ َّ َ َّ َ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َّ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللَا ت َعالى‪ ،‬ف ِلذا‬ ‫اب ِ‬ ‫اب أو ِبغي ِر ِه وهو أعم وأشمل ِمما حرمه ال ِك َتاب وحده ِمما عد ِفي ِكت ِ‬ ‫ِ َِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ال‪ " :‬أ ْو ْإلا ْج َماع َعلى آلاخر " َوه َو َم ْعطوف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َق َ‬
‫اب أ ْي َما َح َّر َمه ِإلا ْج َماع َعلى الق ْو ِل آلاخ ِر َوه َما‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫الن َكاح َوالزَنا َك َما ُه َو ُم َق َّر ٌر في َم ِح ِل ِه‪َ ،‬و َن ْذ ُك ُر َما َت َمسُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ ِ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِْ َ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ائ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫امل‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ ِ‬ ‫ان‬ ‫ور‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ط ِريق ِان م‬
‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اج ُة َإل ْي ِه في ف ْهم َر ْسم ِه َومث ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْال َح َ‬
‫اح ُمت َع ٍة َع ِاملا ِبت ْح ِر ِيم ذ ِل َك‪،‬‬ ‫ال ذ ِل َك‪ :‬إذا جمع بين املرأ ِة وعم ِتها‪ ،‬أو نكح ِنك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬
‫َ َ ُ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُن ُ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َّ ُ َ ٌ َ ْ ُ ُ‬
‫الزنا‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ه‬‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬
‫ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫اح‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫الن‬
‫فهل يصدق علي ِه أنه ِنكاح يثب ِ ِ ِ ِ‬
‫م‬‫ز‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ َ َّ ُ ْ َ ُ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ ُ ُ ْ ُ َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫الزنا‪ ،‬فاأل َّو ُل َيقو ُل ِب َع َد ِم َح ِد ِه‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫آلا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫اح‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫الن‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ه‬‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫ور‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫امل‬ ‫؛‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫َل‬‫قو‬
‫َّ َ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ََْ‬ ‫َوبإ ْل َ‬
‫الس َّن ِة َل َيكون‬ ‫ّللَا فقط‪ ،‬وما ح ِرم ِب‬ ‫اب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ات‬
‫ِ‬
‫اُم َح َّر َ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫اع‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫األ َّو ُل ُي َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ك‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ا‬‫الث‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ال‬ ‫اق‬ ‫ح‬
‫ِِ ِ‬
‫ّللَا ‪َ -‬كماَ‬ ‫الش ْي ُخ ‪ َ -‬ح َم ُه َّ ُ‬ ‫ُ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َل َّ‬
‫رِ‬ ‫حكمه حكم ذ ِلك‪ .‬والثا ِني ير ِاعي ما يعم ذ ِلك ف ِإذا صح هذا وجب أن يقو‬
‫َّ َ َ ْ ََّ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ ْ َ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُّ َ ْ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َمش ِاي ِخنا ِفي الر ِد علي ِه أن‬ ‫َرأ ْيته ِفي لف ِظ ِه أو ِإلاجماع ِبغي ِر و ٍاو بعد أو وكان يمر ِلبع ِض ِهم‪ ،‬وذكره بع‬
‫َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ ْ َ َّ َ َ‬ ‫ص َو َاب ُه بإ ْث َبات ْال َواو‪َ ،‬و َي ُقو ُل في َب ْ‬
‫ض َم َج ِال ِس ِه إن صو ابه أو و ِإلاجماع ِب ِزياد ِة و ٍاو بعد أو؛ ِألن ألاول َل‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َي ُقو ُل ِبالثا ِني َوالثا ِني َي ُقو ُل ِباأل َّو ِل َو َي ِز ُيد َعل ْي ِه‪َ ،‬وذ ِل َك َّإن َما َيكون َم َع ال َو ِاو َو َعلى َما ق َّر ْرته َي َت َع َّي ُن أ ْن َيكون‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َّ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َّ ْ َ َ ْ َ‬
‫اص‪َ ،‬وآلاخ َر َعلل ُه ِبأ ْم ٍر َع ٍام فال َي ِص ُّح إَل ك َما ذك َر ُه ‪-‬‬ ‫ِبغي ِر و ٍاو‪ ،‬و ِألنا قررنا أن أحدهما َعلل َالتح ِريم ِبأم َ ٍر َ ٍ‬
‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُّ َ ْ َ ُ َ ْ َّ ُ َ ُّ َ َ ُّ ْ َ ً َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َّ ْ ُ ‪1‬‬ ‫َ َ ُ َّ ُ َ َ َ َ َّ ُ َّ‬
‫يل الثا ِني أعم وأشمل‪ ،‬وألاول أخص و أقل أفرادا فيتعين حرف أو فتأمله‪....‬‬ ‫ر ِحمه ّللَا تعالى ‪ -‬فالد ِل‬
‫ويمكن أن نستنبط من تعريف ابن عرفة املستفادات آلاتية‪:‬‬
‫‪ ‬أن النكاح عقد‪ :‬ألنه يفتقر إلى إلايجاب والقبول‪ ،‬ويقتض ي إرادتين‪ ،‬إَل أنه ليس من العقود التي‬
‫يحق فيها للطرفين أن يحددا آلاثار التي تنشأ عنه‪ ،‬بل إن الشارع هو الذي حدد تلك آلاثار‪ ،‬وبين ما‬
‫يترتب على كل واحد من الطرفين من حقوق وواجبات‪ .‬كما أنه يفترق عن الحقوق العادية في أنه يمكن‬
‫ألحد الطرفين وهو الزوج‪ ،‬أن ينهيه بإرادته املنفردة وذلك عن طريق الطالق‪ ،‬وإن كان الشارع حمل‬
‫املطلق مسؤوليات نحو زوجته املطلقة‪.‬‬
‫‪ ‬أن النكاح هو الوسيلة الشرعية لتنظيم املعاشرة‪ ،‬و إباحة متعة التلذذ‪ ،‬وبذلك تخرج العقود التي‬
‫يتوصل بها إلى منافع أخرى كاإلجارة والبيع والشركة وغيرها من عقود املعاوضات‪.‬‬
‫‪ ‬أن هذا العقد يعتبرمن العقود الشكلية التي َل يكفي فيها مجرد التراض ي‪ ،‬بل َلبد فيها من إلاشهاد‪،‬‬
‫وهو املراد بالبينة‪ ،‬وهي تشمل البينة الحقيقية التي هي شهادة عدلين‪ ،‬أو ما يقوم مقامهما‪ ،‬و البينة‬
‫الحكمية‪ ،‬وذلك كما إذا حضر رجل وامرأة أجنبيان عن البلد‪ ،‬وادعيا أنهما زوجان‪ ،‬وأن زواجهما كان‬
‫ص َّدقان في ذلك‪.‬‬
‫ببينة‪ ،‬فإنهما ُي َ‬
‫‪ ‬أنه يشترط في النكاح الشرعي أن يكون الزوج غير عالم بأنه يحرم عليه التزوج بتلك املرأة موضوع‬
‫العقد‪ ،‬وهو ما يفهم منه أنه إذا كان يعلم أن تزوجه بها حرام‪ ،‬ومع ذلك عقد عليها‪ ،‬فإنه َل يعتبر عقد‬
‫نكاح شرعي‪ ،‬و إنما هو من قبيل الزنا‪...‬‬

‫‪- 1‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬للرصاع‪ ،‬طبعة وزارة ألاوقاف والشؤون إلاسالمية املغربية‪ ،‬ط‪ 1515‬هـ‪515 -511 ،1885 /‬‬
‫‪4‬‬
‫م‬0202-0202 ‫املوسم الدراسي‬

.‫ يف مشروعية الزواج‬:‫ املطلب الثاني‬


‫ الزواج؛ وهو ميثاق غليظ يربط بين الزوجين برباط متين من املودة واُمحبة والسكن‬ ‫لقد شرع هللا‬
:‫ وقد دل على مشروعيته القرآن الكريم والسنة النبوية وإلاجماع‬،‫الروحي‬
‫ دليل املشروعية من القرآن الكريم‬:‫ الفرع األول‬
‫ و أنه جعل لهم‬،‫ أن هللا تعالى امتن على عباده بأنه خلق لهم من أنفسهم أزواجا ليسكنوا إليها‬:‫ أوَل‬
          :‫من أزواجهم بنين وحفدة؛ قال تعالى‬
،1                
                  : ‫وقال‬

.2               

      :  ‫ أن هللا سبحانه وتعالى حث على الزواج في قوله‬:‫ثانيا‬ 
3
                
    : ‫أن هللا تبارك وتعالى أخبرنا أن النكاح من سنن املرسلين في قوله‬:‫ثالثا‬ 

...4                      
‫ دليل املشروعية من السنة النبوية‬:‫ الفرع الثاني‬
:‫وهي أدلة كثرية نذكر منها‬
‫ حث الرسول عليه الصالة والسالمالشباب على الزواج في حديث علقمة قال كنت مع عبد‬: ‫ أوَل‬
‫ هل لك يا أبا‬:‫هللا فلقيه عثمان بمنى فقال يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخلوا فقال عثمان‬
‫ فلما رأى عبد هللا أن ليس له حاجة إلى هذا أشار‬،‫عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد‬
‫« يا معشر‬: ‫ لقد قال لنا النبي‬،‫ فانتهيت إليه وهو يقول أما لئن قلت ذلك‬،‫ يا علقمة‬:‫إلي فقال‬
.5»‫الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء‬

75 ‫ آلاية‬،‫سورة النحل‬- 1
1 ‫ آلاية‬،‫سورة النساء‬- 2
6 ‫ جزء من آلاية‬،‫سورة النساء‬- 3
69 ‫ آلاية‬،‫سورة الرعد‬- 4
5635 ‫رقم‬.‫ من استطاع منكم الباءة‬ ‫ قول النبي‬:‫ باب‬،‫ كتاب النكاح‬،‫ أخرجه البخاري في صحيحه‬-5
5
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬أنه ‪ ‬قد أنكر إنكارا شديدا على الذين أرادوا الترفع عن الزواج‪ ،‬واعتزال النساء؛ فعن‬
‫أنس ‪ ‬قال‪ « :‬جاء ثالثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ‪ ‬يسألون عن عبادة النبي ‪ ‬فلما أخبروا كأنهم‬
‫تقالوها فقالوا‪ :‬و أين نحن من النبي ‪ ‬قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪،‬قال أحدهم‪ :‬أما أنا‬
‫فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر وَل أفطر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فال أتزوج أبدا‬
‫‪،‬فجاء رسول هللا ‪ ‬إليهم فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما وهللا إني ألخشاكم هلل و أتقاكم له‪ ،‬لكني‬
‫أصوم و أفطروأصلي وأرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» ‪...1‬‬
‫وغيرذلك من أحاديث الباب‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثالث‪ :‬اإلمجاع‬
‫لقد أجمعت ألامة على مشروعية النكاح؛ قال ابن قدامة في املغني‪":‬مشروعية النكاح الكتاب والسنة‬
‫وإلاجماع ؛ أما الكتاب فقول هللا تعالى‪،            :‬‬
‫وقوله تعالى‪ .          :‬وأما السنة‬
‫فقول النبي‪ «:‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪ ،‬وأحصن‬
‫للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فليصم‪ ،‬فإن الصوم له وجاء»‪ ،‬وأجمع املسلمون على أن النكاح مشروع‪.2 "..‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬يف احلكمة من مشروعية الزواج‬
‫لقد شرع هللا تعالى الزواج لحكم عظمية ومقاصد جليلة نذكرمنها على سبيل املثال َل الحصر‪.‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬تحصين النفس وقضاء حاجتها الجنسية بالطرق املشروعة التي أحلها هللا‪ ،‬بدليل ما جاء في‬
‫حديث علقمة السالف‪ .‬وحديث أبي هريرة ‪ ‬قال رسول هللا ‪ «:‬ثالثة حق على هللا عونهم اُمجاهد في‬
‫سبيل هللا واملكاتب الذي يريد ألاداء والناكح الذي يريد العفاف»‪ .... 3‬وَل شك أن هذا فيه حفظ‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫ألاخالق وألاعراض ووقاية من الشحناء والبغضاء‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫‪ 4 ‬؛ أي أن هللا تعالى أحل لكم من النساء ما عدا هؤَلء‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫اُمحرمات التي بينها‪ ،‬وذلك لتبتغوا بأموالكم ومهوركم حالئل لكم قاصدين تحصين أنفسكم من‬
‫الوقوع في الحرام غير زناة‪...‬‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬تحديد العالقة بين الزوجين وبيان حقوق كل واحد منهما قبل آلاخر وواجباته عليه‪ ،‬وتكوين‬
‫أسرة تحت رعاية الزوجين رعاية مشتركة وهذا بدليل الحديث ‪ :‬عن عبد هللا بن عمر امهنع هللا يضر أنه سمع‬

‫‪- 1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الترغيب في النكاح‪.‬رقم ‪5636‬‬
‫‪- 2‬املغني البن قدامة ‪665 /7 ،‬‬
‫‪- 3‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب فضائل الجهاد عن رسول هللا‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في املجاهد والناكح واملكاتب وعون هللا إياهم‪ ،‬رقم ‪1355‬‬
‫‪- 4‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪55‬‬
‫‪6‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫رسول هللا ‪ ‬يقول‪« :‬كلكم راع ومسئول عن رعيته فاإلمام راع وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬والرجل في أهله‬
‫راع وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬واملرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها‪ ،‬والخادم في مال سيده‬
‫راع وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬قال فسمعت هؤَلء من رسول هللا ‪ ‬وأحسب النبي ‪ ‬قال‪ :‬والرجل في‬
‫مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»‪.1‬‬
‫‪ -‬ثالثا‪ :‬إنشاء أسرة مستقرة‪ ،‬وهذا الاستقرار أساسه أواصر املودة والرحمة والسكن والطمأنينة التي‬
‫تؤسس لها آلاية الكريمة ‪          :‬‬

‫‪. 2          ‬‬
‫‪ ‬املطلب الرابع‪ :‬يف حكم الزواج‪:‬‬
‫الزواج عقد تعتريه ألاحكام الشرعية الخمسة من وجوب وندب و إباحة وكراهة وتحريم؛‬
‫‪ ‬أوَل‪ :‬يكون الزواج مندوبا إليه‪ ،‬وهو ألاصل‪ ،‬ملن كان قادرا على الزواج وعلى تحمل أعبائه ولم‬
‫يخش على نفسه الزنا ان لم يتزوج‪ ،‬لقول الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ‪ «:‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن‬
‫للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»‪ .3‬وذلك ملا فيه من املصالح التي تتجلى في بناء‬
‫ألاسرة واُمحافظة على النوع‪ ،‬وتكثيرسواد ألامة كما سبقت إلاشارة‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬يكون الزواج واجبا في حق من خاف على نفسه الزنا‪ ،‬وكذلك في حق املرأة إذا خافت على‬
‫نفسها الزنا بدون زواج‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪:‬يكون الزواج مباحا بالنسبة ملن كان َل يخاف على نفسه الزنا إن بقي بدون زواج‪ ،‬ومن َل‬
‫يرجو النسل‪ ،‬وَل تميل نفسه إلى النكاح‪ ،‬ويقدرعلى تحمل أعبائه وَل يقطعه عن فعل الخير‪.‬‬
‫‪ ‬رابعا‪:‬يكون الزواج مكروها في حق من َل رغبة له في النساء‪ ،‬ومن غلب على ظنه أنه ليس قادرا على‬
‫تحمل أعبائه مثل إساءة العشرة والعجزعن إلانفاق وغيرذلك‪..‬‬
‫‪ ‬خامسا‪ :‬يكون الزواج حراما في حق من كان َل يرغب في النساء‪ ،‬وكان يخاف أن يضر بزوجته‪ ،‬كأن‬
‫ينفق عليها من حرام أو َل يستطيع النفقة عليها أبدا وَل القيام بشؤونها‪.‬‬
‫قال ابن عاصم في تحفته‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫وباعتبارالناكح والنكاح واجب أو مندوب أو مباح‬

‫‪- 1‬أخرجه البخاري في مواضع كثيرة من صحيحه‪ ،‬منها كتاب الاستقراض و أداء الديون والحجر والتفليس‪ ،‬باب العبد راع في مال سيده وال‬
‫يعمل إال بإذنه‪ .‬رقم‪5559‬‬
‫‪- 2‬سورة الروم‪ ،‬آلاية ‪51‬‬
‫‪- 3‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ‪ :‬من استطاع منكم الباءة‪ .‬رقم ‪5635‬‬
‫‪ - 4‬إحكام ألاحكام على تحفة الحكام‪ ،‬دمحم بن يوسف الكافي‪ ،‬تح‪ :‬مأمون الجنان ‪ ،‬ص‪71 :‬‬
‫‪7‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وقال ابن قدامة‪" :‬واختلف أصحابنا في وجوبه؛ فاملشهور في املذهب أنه ليس بواجب‪ ،‬إَل أن يخاف‬
‫أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه‪ ،‬فيلزمه إعفاف نفسه وهذا قول عامة الفقهاء ‪.‬وقال أبو بكر‬
‫عبد العزيز‪ :‬هو واجب‪ .‬وحكاه عن أحمد‪ .‬وحكى عن داود أنه يجب في العمر مرة واحدة؛ للية والخبر‪.‬‬
‫ولنا‪ ،‬أن هللا تعالى حين أمر به‪ .‬علقه على الاستطابة‪ ،‬بقوله سبحانه‪  :‬فانكحوا ما طاب لكم من‬
‫النساء ‪ ‬والواجب َل يقف على الاستطابة‪ ،‬وقال‪  :‬مثنى وثالث ورباع‪ . ‬وَل يجب ذلك باَلتفاق‪ ،‬فدل‬
‫على أن املراد باألمر الندب‪ ،‬وكذلك الخبر يحمل على الندب‪ ،‬أو على من يخش ى على نفسه الوقوع في‬
‫‪1‬‬
‫اُمحظوربترك النكاح‪ .‬قال القاض ي‪ :‬وعلى هذا يحمل كالم أحمد و أبي بكر‪ ،‬في إيجاب النكاح‪".‬‬
‫بيان‪:‬‬

‫‪- 1‬املغني‪،‬البن قامة‪665 /7 ،‬‬


‫‪8‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫المبحث الثاني‪ :‬في الخطبة وما يتعلق بها‬


‫وسيكون الحديث في هذا املبحث عن املطالب آلاتية‪:‬املطلب ألاول‪ :‬في تعريف الخطبة وحكمها‬
‫ومشروعيتها‪ ،‬واملطلب الثاني‪ :‬في املرأة التي يجوز خطبتها‪،‬واملطلب الثالث‪ :‬في النظر إلى اُمخطوبة‪:‬‬
‫حكمه وقدره‪ ،‬وذلك كالتي‪:‬‬
‫‪ ‬املطلب األول‪ :‬يف تعريف اخلطبة‪ ،‬وحكمها ومشروعيتها‬
‫‪ ‬الفرع األول يف تعريف اخلطبة‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬اخلطبة يف اللغة‪:‬‬
‫الخطبة بكسر الخاء‪ ،‬من خطب‪ ،‬والخطب سبب ألامر‪ ،‬تقول ما خطبك‪ ،‬أي ما أمرك‪ ،‬وتقول هذا‬
‫خطب جليل‪ ،‬وخطب يسير وجمعه خطوب‪ 1.‬وخاطبه مخاطبة وخطابا وهو الكالم بين متكلم وسامع‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫والخط ُب الذي َيخطب املرأة وهي ِخط ُبه التي‬ ‫ومنه اشتقاق الخطبة بضم الخاء‪ ،‬و جاء في لسان العرب‪ِ :‬‬
‫ُ ُ ً‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫القوم فالنا ِإذا َد َع ْوه ِإلى‬ ‫خطاب ‪ ...‬فالن ِخط ُب فالنة ِإذا كان َيخطبها‪ ...‬واختطب‬ ‫ٌ‬ ‫َيخط ُبها والجمع أ‬
‫ً‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الرجل ِإليها َليخط َبها فقد اختطبوا اختطابا‪.2"..‬‬
‫َ‬ ‫هل املرأة‬ ‫َ‬
‫صاحب ِتهم قال أبو زيد ِإذا دعا أ‬ ‫ت ْزو ِيج‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬اخلطبة يف االصطالح‪:‬‬
‫تعددت تعاريف الفقهاء للخطبة نذكرمنها آلاتي‪:‬‬
‫قال الحطاب نقال عن التوضيح أن الخطبة ‪-‬بكسر الخاء‪ -‬عبارة عن استدعاء النكاح وما يجري من‬
‫اُمحاورة‪.3‬‬
‫وقال الباجي عطفا على كالم أبي إسحاق الزجاج‪ ":‬الخطبة هي ما يجري من املراجعة واُمحاولة للنكاح‬
‫ألنه غير مقدر وَل يتعين له أول وَل آخر؛ ألن هذا اللفظ قد يستعمل في كل ما يستدعي به النكاح من‬
‫القول وإن لم يكن مؤلفا على نظام الخطب"‪.4‬‬
‫وقال الرملي من الشافعية‪ ":‬هي التماس النكاح تصريحا وتعريضا"‪،5‬‬
‫وقال الشربيني من الحنابلة‪ ":‬هي التماس الخاطب النكاح من جهة اُمخطوبة"‪.6‬‬
‫فالخطبة إذن هي التماس التزويج واُمحاولة عليه‪ ،‬أو هي طلب الرجل الزواج باملرأة‪ ،‬أو هي إظهار‬
‫الرجل رغبته في الزواج‪ ،‬سواء كان له التماس الزواج بها نفسه أو من ينوب عنه أو من وليها‪ ،‬فإذا‬
‫و افقت اُمخطوبة أو وليها كان ذلك بمثابة اتفاق مبدئي على الزواج‪ ،‬وهذا الاتفاق َل يرقى إلى مرتبة‬
‫إلالزام‪.‬‬

‫‪- 1‬مختار الصحاح‪ ،‬مادة خطب‬


‫‪- 2‬لسان العرب‪ ،‬مادة خطب‬
‫‪ - 3‬مواهب الجليل شرح مختصر خليل‪ ،‬للحطاب‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1513 /1‬ه ‪ 1885‬م ‪ ،‬ج ‪55 /5‬‬
‫‪- 4‬املنتقى شرح املوطأ‪ ،‬للباجي‪،‬تح‪ :‬دمحم عبد القادر أحمد عطا‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪ ،‬ج‪6 /5‬‬
‫‪ - 5‬نهاية املحتاج إلى شرح املنهاج‪ ،‬شمس الدين الرملي‪ ،‬ط دار الفكر‪1565 ،‬هـ‪1895/‬م‪561 /3 ،‬‬
‫‪ - 6‬إلاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع‪ ،‬الخطيب الشربيني‪ ،‬طبعة دار الفكر ‪516 /5‬‬
‫‪9‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬الفرع الثاني‪ :‬يف حكم اخلطبة ومشروعيتها‪:‬‬


‫الخطبة مستحبة شرعا؛ ألنها سبيل إلى التعارف ومعرفة أخالق وطبائع وميول الطرفين‪ ،‬ومنحة‬
‫للتفكيروالتروي والتأكد من رغبة الطرف الثاني في إقامة أسرة على وجه الدوام والاستمرار‪.‬‬
‫والخطبة كما تكون من الرجل تكون من املرأة أو من وليها‪ ،‬وذلك بدليل قول هللا تعالى على لسان‬
‫‪              ‬‬ ‫سيدنا شعيب‪ :‬‬
‫‪،1 ‬‬ ‫‪               ‬‬

‫وكذلك بدليل ما ورد في السنة النبوية من أحاديث و آثارنذكرمنها‪:‬‬


‫أوَل‪ :‬حديث سهل بن سعد أن امرأة عرضت نفسها على النبي ‪ ‬فقال له رجل‪ :‬يا رسول هللا زوجنيها‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما عندك‪ ،‬قال‪ :‬ما عندي ش يء‪ ،‬قال‪ :‬اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد‪ ،‬فذهب ثم رجع فقال‪:‬‬
‫َل وهللا ما وجدت شيئا وَل خاتما من حديد‪ ،‬ولكن هذا إزاري ولها نصفه‪ ،‬قال سهل‪ :‬وما له رداء‪ ،‬فقال‬
‫النبي ‪« : ‬وما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه ش يء وإن لبسته لم يكن عليك منه ش يء‬
‫فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي ‪ ‬فدعاه أو دعي له فقال له ماذا معك من القرآن‬
‫فقال معي سورة كذا وسورة كذا لسوريعددها فقال النبي ‪ ‬أملكناكها بما معك من القرآن»‪. 2‬‬
‫ثانيا‪:‬حديث سالم بن عبد هللا أنه سمع عبد هللا بن عمر امهنع هللا يضر يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمت‬
‫حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول هللا ‪ ‬فتوفي باملدينة فقال‬
‫عمر بن الخطاب‪ :‬أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة‪ ،‬فقال‪ :‬سأنظر في أمري فلبثت ليالي ثم‬
‫لقيني‪ ،‬فقال‪ :‬قد بدا لي أن َل أتزوج يومي هذا‪ ،‬قال عمر‪ :‬فلقيت أبا بكر الصديق‪ ،‬فقلت‪ :‬إن شئت‬
‫زوجتك حفصة بنت عمر‪ ،‬فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا وكنت أوجد عليه مني على عثمان‪،‬‬
‫فلبثت ليالي ثم خطبها رسول هللا ‪ ‬فأنكحتها إياه‪ ،‬فلقيني أبو بكر‪ ،‬فقال‪ :‬لعلك وجدت علي حين‬
‫عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا‪ ،‬قال عمر‪ :‬قلت نعم‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فإنه لم يمنعني أن أرجع‬
‫إليك فيما عرضت علي إَل أني كنت علمت أن رسول هللا ‪ ‬قد ذكرها فلم أكن ألفش ي سررسول هللا ‪‬‬
‫ولو تركها رسول هللا ‪ ‬قبلتها »‪.3‬‬

‫‪- 1‬سورة القصص‪ ،‬آلاية ‪57‬‬


‫‪- 2‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬عرض املرأة نفسها على الرجل‪.‬رقم ‪5151‬‬
‫‪- 3‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬عرض إلانسان ابنته أو أخته على أهل الخير ‪،‬رقم ‪5155‬‬
‫‪11‬‬
‫م‬0202-0202 ‫املوسم الدراسي‬

‫ يف املرأة اليت جيوز خطبتها‬:‫ املطلب الثاني‬


‫ أو في‬، ‫إن املرأة التي يجوز خطبتها هي كل امرأة يباح للخاطب أن يتزوجها بشرط أَل تكون متزوجة‬
:‫ وبذلك َل يجوزخطبة نسوة معينات وهن على البيان آلاتي‬،‫عدة أو مخطوبة لشخص آخر‬
‫ والنساء اُمحرمات‬،‫ املرأة التي يحرم على الرجل أن يتزوجها؛ ألن الخطبة طريق إلى الزواج‬:‫ أوَل‬
    :‫إما تحريما مؤبدا أو تحريما مؤقتا وذكر بعضهن في قول هللا تعالى‬

  


        

            

               

‫ وسيأتي التفصيل‬.1           
      

.‫في النساء اُمحرمات في مبحث موانع الزواج املؤبدة‬


‫ املرأة املوجودة في عصمة زوج آخر؛ ألن ذلك يعد تحريضا لها على أن تفارق زوجها وتهدم‬:‫ ثانيا‬
.‫أسرتها‬
‫ وما دام له‬،‫ املرأة املعتدة من طالق رجعي؛ ألنها تعتبر زوجة ملطلقها ما دامت في عدتها‬:‫ ثالثا‬
‫ فهذه املرأة فال‬.‫ ألن الرجعية كالزوجية‬،‫الحق في مراجعتها أثناء العدة من غير حاجة إلذنها وَل رضاها‬
.2‫يجوزللرجل أن يخطب َل صراحة وَل تعريضا‬
‫ وَل يجوز التصريح لها بالخطبة وذلك‬،‫املرأة املعتدة من طالق بائن أو وفاة أثناء العدة‬:‫ رابعا‬
            :‫بإجماع الفقهاء؛ لقول هللا تعالى‬

‫ ويجوز التعريض للمرأة املعتدة من‬،3            
             : ‫وفاة؛ وذلك لقول هللا تعالى‬

.4               

‫وذهب الحنفية إلى أن املرأة املعتدة من طالق بائن َل يجوز التعريض فيها وَل التصريح شأنها في ذلك‬

56 ‫ آلاية‬،‫ سورة النساء‬- 1


....‫أو تقديم هدية‬... ،‫ أو إنك جميلة‬،‫ إني فيك لراغب‬:‫ مثل قوله‬،‫التعريض هو القول أو الفعل الدال على املقصود بغير صراحة‬- 2
565 ‫ آلاية‬،‫ سورة البقرة‬- 3
565 ‫ آلاية‬،‫ سورة البقرة‬- 4
11
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫شأن املطلقة طالقا رجعيا وذلك دفعا َلتهام الخاطب أنه كان سببا في تصدع العالقة الزوجية التي‬
‫كانت قائمة‪.‬‬
‫‪ ‬خامسا‪ :‬املرأة املستبرأة‪ :‬وهي املرأة التي تنتظر ثالث حيض ُلي ْعلم خلو رحمها من الحمل الذي قد‬
‫ينشأ عن الزنا؛ فهذه املرأة يحرم التصريح بخطبتها أثناء مدة استبرائها ولو من قبل من زنا بها‪ ،‬وأما إن‬
‫تزوجها غير من زنا بها ودخل بها ووطئها أثناء فترة الاستبراء فإنها تحرم عليه ويتأبد تحريمها‪ ،‬وهذا هو‬
‫قول مالك ومطرف‪ ،‬وقال ابن القاسم و ابن املاجشون َل يتأبد تحريمها‪ 1.‬وهما قوَلن في املذهب‪.‬‬
‫وإذا كان الذي تزوجها ووطئها أثناء الاستبراء هو نفس من زنا بها فإنه َل يتأبد تحريمها عليه‪ ،‬ولذلك‬
‫يباح له أن يتزوجها بعد انتهاء الاستبراء‪.‬‬
‫‪ ‬سادسا‪ :‬املرأة اُمخطوبة لشخص آخر‪ ،‬فإنه يحرم خطبتها ما دامت مخطوبة لغيره؛ وقد ورد‬
‫النهي عن ذلك في أحاديث منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬حديث أبي هريرة ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال « َل يخطب أحدكم على خطبة أخيه»‪.2‬‬
‫قال مالك رحمه هللا‪" :‬وتفسير قول رسول هللا ‪ ‬فيما نرى‪ ،‬وهللا أعلم‪َ ،‬ل يخطب أحدكم على خطبة‬
‫أخيه‪ .‬أن يخطب الرجل املرأة‪ .‬فتركن إليه‪ .‬ويتفقان على صداق واحد معلوم‪ ،‬وقد تراضيا‪ .‬فهي‬
‫تشترط عليه لنفسها‪ .‬فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه‪ .‬ولم يعن بذلك‪ ،‬إذا خطب‬
‫الرجل املرأة فلم يو افقها أمره‪ ،‬ولم تركن إليه‪ ،‬أن َل يخطبها أحد‪ .‬فهذا باب فساد يدخل على‬
‫‪3‬‬
‫الناس"‪.‬‬
‫ب‪-‬أن ابن عمرامهنع هللا يضر كان يقول‪ :‬نهى النبي ‪ ‬أن يبيع بعضكم على بيع بعض وَل يخطب الرجل على خطبة‬
‫أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب ‪.4‬‬
‫و اشترط املالكية في هذا التحريم شرطين اثنين وهما‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون الخاطب ألاول كفئا لها‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون غير فاسق‪ ،‬بأن يكون صالحا في دينه أو مجهول الحال‪ .‬وذلك بدليل حديث أبي هريرة‬
‫السالف‪.‬‬
‫وذهب قوم إلى أنه يجوز خطبة رجل فاضل على غيره بدليل ما روي عن فاطمة بنت قيس أن أبا‬
‫عمرو بن حفص طلقها البتة‪ ،‬وهو غائب‪ ،‬فأرسل إليها وكيله بشعير‪ ،‬فسخطته‪ ،‬فقال‪ :‬وهللا ما لك‬
‫علينا من ش يء‪ ،‬فجاءت رسول هللا ‪ ،‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪« :‬ليس لك عليه نفقة»‪ ،‬فأمرها أن تعتد‬
‫في بيت أم شريك‪ ،‬ثم قال‪« :‬تلك امرأة يغشاها أصحابي‪ ،‬اعتدي عند ابن أم مكتوم‪ ،‬فإنه رجل أعمى‬

‫‪- 1‬شرح الزرقاني على مختصر خليل‪،‬طبعة دار الكتب العلمية ‪1555 ،‬هـ‪5665 /‬م ‪585-585 /6 ،‬‬
‫‪ - 2‬رواه مالك في املوطأ‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في الخطبة‪.‬‬
‫‪- 3‬موطأ إلامام مالك‪ ،‬طبعة دار إحياء التراث العربي‪1895 ،‬م ‪556/2،‬‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ال يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع‪ .‬رقم ‪5155‬‬
‫‪12‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫تضعين ثيابك‪ ،‬فإذا حللت فآذنيني»‪ ،‬قالت‪ :‬فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬و أبا جهم‬
‫خطباني‪ ،‬فقال رسول هللا ‪« :‬أما أبو جهم‪ ،‬فال يضع عصاه عن عاتقه‪ ،‬وأما معاوية فصعلوك َل مال‬
‫له‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد» فكرهته‪ ،‬ثم قال‪« :‬انكحي أسامة»‪ ،‬فنكحته‪ ،‬فجعل هللا فيه خيرا‪ ،‬واغتبطت‬
‫‪1‬‬
‫به‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬يف النظر إىل املخطوبة‪ :‬حكمه وقدره‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع األول‪:‬حكم النظر إىل املخطوبة‬
‫النظر إلى املرأة اُمخطوبة أمر مشروع‪ ،‬لكنه مقيد بضوابط شرعية‪،‬ولقد ورد إلاذن بالنظر للمخطوبة‬
‫في أحاديث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -‬عن املغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي ‪ «: ‬انظرإليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»‪.2‬‬
‫وفي رواية َلن ماجه‪ :‬عن املغيرة بن شعبة‪ ،‬قال‪ :‬أتيت النبي ملسو هيلع هللا ىلص فذكرت له امرأة أخطبها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«اذهب فانظر إليها‪ ،‬فإنه أجدر أن يؤدم بينكما» ‪ ،‬فأتيت امرأة من ألانصار‪ ،‬فخطبتها إلى أبويها‪،‬‬
‫وأخبرتهما بقول النبي ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فكأنهما كرها ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فسمعت ذلك املرأة‪ ،‬وهي في خدرها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن كان‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أمرك أن تنظر‪ ،‬فانظر‪ ،‬وإَل فأنشدك‪ ،‬كأنها أعظمت ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فنظرت إليها فتزوجتها‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فذكرمن مو افقتها»‬
‫‪ -‬عن جابر بن عبد هللا ألانصاري قال سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ «:‬إذا خطب أحدكم املرأة فقدر أن‬
‫يرى منها بعض ما يدعوه إليها فليفعل» ‪.4‬‬
‫‪-‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال كنت عند النبي ‪ ‬فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من ألانصار فقال له رسول‬
‫هللا ‪« : ‬أنظرت إليها قال‪َ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فاذهب فانظرإليها فإن في أعين ألانصارشيئا »‪.5‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪:‬يف قدر النظر إىل املخطوبة‬
‫إن النظر إلى اُمخطوبة كما حث حث عليه الرسول عليه الصالة والسالم هو في ألاصل مقيد‬
‫بمجموعة من القيود ومنضبط بجملة من الضوابط‪ ،‬ومحاطة بآداب يجب مراعاتها وينبغي للباء‬
‫وألاولياء اُمحافظة عليها‪ ،‬وقد قيد الشرع النظر بمقدار معين‪ ،‬وذلك حفاظا لحكم ومقاصد شرعية‬
‫عظمى في مقدمتها اُمحافظة على كرامة املرأة وصون حرمتها‪،...‬‬

‫‪- 1‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب‪ :‬املطلقة ثالثا ال نفقة لها‪ ،‬رقم‪1596 :‬‬
‫‪- 2‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما جاء في النظر إلى املخطوبة‪ ،‬رقم ‪1697‬‬
‫‪- 3‬أخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب النظر إلى املرأة إذا أراد أن يتزوجها‪ ،‬رقم ‪.1933‬‬
‫‪- 4‬أخرجه إلامام أحمد في مسنده‪ ،‬مسند املكثرين من الصحابة‪ ،‬باقي مسند املكثرين‪ ،‬مسند جابر بن عبد هللا‪ ،.‬رقم ‪ ،15953‬وهو حديث‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪ - 5‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬باب ندب النظر إلى وجه املرأة وكفيها ملن يريد تزوجها‪ ،‬رقم ‪1555‬‬
‫‪13‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وقد اختلف الفقهاء في القدرالذي يجوزالنظرإليه على أقوال‪:‬‬


‫‪ ‬القول ألاول‪ :‬وعليه أكثر العلماء ومفاده أنه َل يجوز النظر إَل إلى الوجه والكفين؛ ألن هذين‬
‫العضوين هما اللذان يستثنيان من النظر إلى املرأة والذي يستفاد من ألامر بغض البصر في قول هللا‬
‫‪‬‬ ‫تعالى‪        :‬‬
‫‪     ‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪1   ‬؛ واملراد بما ظهر منها الوجه والكفان كما هو مستفاد من الحديث‪ :‬عن عائشة رض ي هللا‬
‫عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول هللا ‪ ‬وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول هللا ‪‬‬
‫وقال‪ «:‬يا أسماء إن املرأة إذا بلغت اُمحيض لم تصلح أن يرى منها إَل هذا وهذا وأشار إلى وجهه‬
‫وكفيه»‪.2‬‬
‫والحديث فيه دَللة على أنه ليس الوجه والكفين من العورة‪ ،‬فيجوز لألجنبي أن ينظر إلى وجه املرأة‬
‫ألاجنبية وكفيها عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه"‪.3‬‬
‫لكن الحديث وإن كان يدل على أنه يجوز للرجل أن ينظر إلى وجه املرأة وكفيها فقط‪ ،‬إَل أن الفقهاء‬
‫قيدوا هذا الجواز بوجود حاجة داعية إلى هذا النظر من قبيل الخطبة أو الشهادة‪ ،‬أما النظر إلى املرأة‬
‫من غيرحاجة وَل ضرورة فال يجوزشرعا‪ ،‬كما اشترطوا أن يكون النظربعلمها‪ ،‬وهو مذهب املالكية‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثاني‪ :‬جوازالنظرإلى الوجه والكفين والقدمين‪ ،‬وهو مذهب الحنفية في رواية‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثالث‪:‬جواز النظر إلى كل ما تظهره املرأة في بيتها في الغالب وهي ستة أعضاء‪ :‬اليد والوجه‬
‫والرقبة والقدم والرأس والساق؛ ودليل هذا القول أن النبي عليه الصالة والسالم أباح النظر إلى كل ما‬
‫يدعو الرجل إلى النكاح من كل ما تظهره املرأة في بيتها غالبا وإن بغير علمها‪.‬وهذا مذهب الحنابلة في‬
‫رواية‪.‬‬
‫‪ ‬القول الرابع‪:‬جواز النظر إلى جميع بدن املرأة ‪ ،‬وهو مذهب داود الظاهري‪ ،‬ودليله‪ :‬قوله الرسول‬
‫عليه الصالة والسالم‪" :‬انظرإليها"‪.‬‬
‫تذييل لالطالع والتأمل‪:‬‬
‫وفي هذا املقام نورد مسألة من البيان والتحصيل من أجل البيان والتحصيل‪:‬‬
‫"مسألة‪ :‬وسئل مالك عن الرجل يريد تزويج املرأة فيريد أن يغتفلها النظر إما من الكوة ونحوها لينظر‬
‫إلى جمالها‪ ،‬قال‪ :‬ليدخل عليها بإذن‪ ،‬قال‪ :‬قلت َل يريد ذلك و إنما يريد أن يغتفلها فقال‪ :‬ما سمعت‬

‫‪- 1‬سورة النور‪ ،‬آلايتان‪61-66 ،‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬اللباس‪ ،‬باب‪ :‬فيما تبدي املرأة من زينتها‪ ،‬رقم ‪.5165‬‬
‫‪- 3‬عون املعبود شرح سنن أبي داود‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪168 /11 ،‬‬
‫‪14‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬
‫ً‬
‫فيه شيئا‪ ،‬فقيل إن قوما يحدثون في ذلك بأحاديث فقال‪ :‬وما ذلك؟ قلت له يقولون إن له ذلك‪ ،‬قال‬
‫وما سمعت و إني ألكره ذلك‪.‬‬
‫قال دمحم بن رشد‪ :‬قد جاءت في اغتفال الرجل النظر إلى املرأة إذا أراد أن يتزوجها آثار من ذلك ما روي‬
‫عن جابر بن عبد هللا قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ " :‬إذا خطب أحدكم املرأة فقدرعلى أن يرى منها ما يعجبه‬
‫فليفعل" قال جابر‪ :‬فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها‬
‫بعض ما يعجبني فخطبتها فتزوجتها‪ ،‬ولم يسمع ذلك مالك وَل صح عنده فكرهه‪ ،‬وأجازذلك ابن وهب‪،‬‬
‫ً‬
‫ولم ير به بأسا للثار املروية فيه‪ .‬وسئل أصبغ عنه وقيل له‪ :‬بلغنا أن ابن وهب روى عن مالك إجازته‬
‫فقال‪ :‬لم يكن ابن وهب يرويه و إنما كان يقول برأيه ورو اية ألاحاديث ‪ ،‬وأما نظر الرجل إلى وجه املرأة‬
‫بإذنها دون أن يغتفلها إذا أراد نكاحها فأجازه مالك كما يجوزله النظرإلى وجهها في الشهادة لها وعليها ‪،‬‬
‫ً‬
‫ومن أهل العلم من لم يجز ذلك له‪ ،‬واحتج بما روى من أن الرسول ‪ ‬قال لعلي‪ " :‬إن لك كنزا في الجنة‬
‫و انك ذو قرنيها‪ ،‬فال تتبع النظرة النظرة فإنما لك ألاولى وليست لك الثانية " قال فلما حرم رسول هللا‬
‫‪ ‬النظرة الثانية لكونها باختيار الناظر بخالف ألاولى التي كانت فجأة بغير اختياره دل أنه َل يجوز ألحد‬
‫أن ينظر إلى وجه امرأة إَل أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما يبيح له ذلك‪ ،‬وقول مالك هو‬
‫الصواب ألنه إنما حرم من النظر إلى وجه املرأة ما كان لغير معنى يبيحه من نكاح أو شهادة‪ ،‬وأما‬
‫استغفاله النظر إليها فإنما كرهه مالك مخافة أن يرى منها بعض عورتها‪ ،‬ومن أجاز ذلك لألحاديث‬
‫‪1‬‬
‫املروية فيه فإنما يجيزه إذا امن ذلك ‪ ،‬وباهلل التوفيق ‪".‬‬

‫‪ - 1‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل املستخرجة ‪ ،‬بأبي الوليد ابن رشد‪ ،‬تحقي أحمد الشرقاوي إقبال‪ ،‬طبعة دار‬
‫الغرب إلاسالمي‪ ،‬ج ‪665-665 /5‬‬
‫‪15‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫المبحث الثالث‪ :‬في أركان الزواج وشروطه‬


‫تنبيه البد منه‪:‬‬
‫ملا كان الركن هو ما كان داخال في املاهية وجزءا منها‪ ،‬وهو ما َل يوجد العقد إَل بتوفره ويترتب على‬
‫تخلفه عدم وجود العقد‪ ،‬بحيث َل يتصور العقد إَل إذا توفرت أركانه‪ .‬وملا كان الشرط هو ما كان خارج‬
‫املاهية‪ ،‬وما يتوقف صحة العقد على وجوده ويترتب على تخلفه بطالن العقد‪ .‬اعتبر الفقهاء أن أركان‬
‫عقد الزواج هي الزوج والزوجة‪ ،‬ألنه َل يتصور وجود ذلك العقد إَل بوجودهما‪ .‬أما الصيغة والولي و‬
‫إلاشهاد والصداق فهي شروط للعقد‪.‬‬
‫ومن الفقهاء من يسمي كل ما ذكر أركانا للعقد وذلك من باب التسامح في التسمية‪ .‬فتكون بناء على‬
‫ذلك أركان عقد الزواج هي الزوجان والصيغة والولي والصداق و إلاشهاد‪ .‬وسنتبع هذا التقسيم في‬
‫البيان والتحليل كالتي‪:‬‬

‫وسنبين هذه ألاركان ضمن مطالب أربعة‪ ،‬أولها في الصيغة‪ ،‬وثانيها في إلاشهاد‪ ،‬وثالثها في العاقدين‪،‬‬
‫ورابعها في الصداق وخامسها في الولي‬
‫‪ ‬املطلب األول‪ :‬يف الصيغة‬
‫الصيغة هي كل ما يدل على إلايجاب والقبول‪ ،‬كلفظ التزويج والتمليك ويجري مجراهما البيع‬
‫‪1‬‬
‫والهبة‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬يف أساليب التعبري‬
‫‪ ‬أ‪ -‬التعبري باللفظ‪:‬‬
‫ألفاظ الصيغة هي ما يدل على الزواج لغة أو عرفا‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء في ألالفاظ التي ينعقد بها‬
‫الزواج على ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪- 1‬القوانين الفقهية البن جزي‪.556 ،‬‬


‫‪16‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫القسم ألاول‪ :‬ألفاظ اتفق الفقهاء على انعقاد الزواج بها وهي‪ :‬النكاح والزواج وما يشتق منهما مثل‪:‬‬
‫أنكحت وزوجت‪ ،‬وذلك لورودهما في القرآن الكريم؛ قال هللا تعالى ‪ ،1  :‬وقال سبحانه‬
‫وتعالى‪.2       :‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ألفاظ اتفق الفقهاء على عدم انعقاد الزواج بها وهي‪ :‬كل لفظ يقتض ي التوقيت دون‬
‫التأبيد‪ ،‬وذلك نحو وهبت أو أعمرت أو آجرت أو أعرت أو رهنت‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ألفاظ اختلف الفقهاء في انعقاد الزواج بها‪ ،‬وهي ألالفاظ التي تقتض ي التأبيد مدى‬
‫الحياة‪ ،‬وليست مشتقة من لفظي النكاح والزواج‪ ،‬مثل وهبت وملكت ومنحت وأعطيت‪ ،‬واملشهورعند‬
‫املالكية أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل على التأبيد مدى الحياة‪ ،‬ويدل على النكاح مثل أنكحت‬
‫وزوجت ووهبت وملكت ومنحت وأعطيت‪ ،‬وفي هذا يقول ابن عاصم ‪308‬ه ‪:‬‬
‫فالصيغة النطق بما كأنكحا‪ ‬من مقتض تأبدا مستوضحا‬
‫أي أن الصيغة ‪ -‬وهي إحدى أركان النكاح عند الناظم‪ -‬هي كل لفظ ينطق به الولي ويدل على التأبيد‪:‬‬
‫كأنكحت‪ ،‬وزوجت ومثلها‪ :‬بعت وحبست وتصدقت إن قصد بكل ذلك النكاح‪ ،‬وإَل فال ينعقد ‪ .3‬وهذا بناء‬
‫على أن العبرة في العقود املعاني َل ألالفاظ واملباني‪ ،‬وذلك بدليل الكتاب والسنة؛ فأما الكتاب فقول هللا‬
‫تعالى‪ .4            :‬وأما السنة فحديث‬
‫َس ْهل ْبن َس ْع ٍد‪َ ،‬أ َّن ْام َرَأ ًة َج َاء ْت َر ُسو َل َّّللَا ‪َ ،‬ف َق َال ْت‪َ :‬يا َر ُسو َل َّّللَا‪ ،‬ج ْئ ُت َأل َه َب َل َك َن ْفس ي‪َ ،‬ف َن َظ َر إ َل ْيهاَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ًْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َّ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫ض ِفيها شيئا جلست‪،‬‬ ‫ّللَا ‪َ ‬فصعد النظر ِإليه َا وصوبه‪ ،‬ثم طأطأ رأسه‪ ،‬فلما رأ ِت املرأة أنه لم يق ِ‬ ‫َرسول ِ‬
‫ْ‬
‫ال‪َ « :‬ه ْل ِعن َد َك ِم ْن‬ ‫اج ٌة َف َزو ْج ِن َيها‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ال‪ :‬أ ْي َر ُسو َل َّّللَا‪ ،‬إ ْن َل ْم َت ُك ْن َل َك ب َها َح َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ََ‬
‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫صَ‬ ‫ام َر ُج ٌل م ْن أ ْ‬ ‫َف َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ً َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ّللَا‪ ،‬قال‪« :‬اذهب ِإلى أه ِلك فانظر هل ت ِجد شيئا» فذهب ثم رجع‪ ،‬فقال‪َ :‬ل‬ ‫ّللَا يا رسول ِ‬ ‫ش ْي ٍء؟» قال‪َ :‬ل و ِ‬
‫ّللَا َيا‬ ‫ال‪ْ « :‬ان ُظ ْر َو َل ْو َخ َات ًما م ْن َحديد»‪َ ،‬ف َذ َه َب ُث َّم َ َج َع‪َ ،‬ف َق َ َ َ َّ‬ ‫ّللَا َما َو َج ْد ُت َش ْي ًئا‪َ ،‬ق َ‬ ‫َو َّ َ ُ َ َّ‬
‫ال‪َ :‬ل و ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّللَا يا َرسول ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُف ُه‪ ،‬ف َق َ ُ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال َس ْه ٌل‪َ :‬ما ل ُه ر َد ٌاء ‪ -‬فل َها ن ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللَا َو ََل َخ َات ًما م ْن َح ِد ٍيد‪َ ،‬ول ِك ْن َه َذا إ َزاري ‪ -‬ق َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ّللَا ‪:‬‬ ‫ال َرسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َرسول ِ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫س َّ‬ ‫ص َن ُع بإ َزار َك؟ إ ْن َلب ْس َت ُه َل ْم َي ُك ْن َع َل ْي َها م ْن ُه َش ْي ٌء‪َ ،‬وإ ْن َلب َس ْت ُه َل ْم َي ُك ْن َع َل ْي َك م ْن ُه َش ْي ٌء» َف َج َل َ‬ ‫« َما َت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫ال‪َ « :‬م َاذا َم َع َك منَ‬ ‫ّللَا ‪ُ ‬م َو ِل ًيا َف َأ َم َر ب ِه َف ُد ِع َي‪َ ،‬ف َل َّما َج َاء َق َ‬ ‫ام‪َ ،‬ف َر ُآه َ ُسو ُل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َّ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫حتى طال مج ِلسه‪ ،‬ثم ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال‪« :‬أ َت ْق َر ُؤ ُه َّن َع ْن ظ ْهر قلب َك؟» ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ور ُة َك َذا ‪َ -‬ع َّد َد َها ‪ -‬ق َ‬ ‫ور ُة َك َذا َو ُس َ‬ ‫ور ُة َك َذا َو ُس َ‬ ‫ال‪َ :‬معي ُس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫الق ْر ِآن؟»‬
‫ُ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ ْ‬
‫‪5‬‬
‫ال‪« :‬اذ َه ْب فق ْد َملكتك َها ِب َما َم َع َك ِم َن الق ْر ِآن»‬ ‫نعم‪ ،‬ق‬

‫‪- 1‬سورة ألاحزاب‪ ،‬آلاية ‪67‬‬


‫‪- 2‬سورة النساء‪ ،‬آلاية ‪6‬‬
‫‪- 3‬إحكام ألاحكام على تحفة الحكام‪ ،‬ص‪75 :‬‬
‫‪- 4‬سورة ألاحزاب‪ ،‬آلاية ‪56‬‬
‫‪- 5‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب‪:‬النكاح‪ ،‬باب النظر إلى املرأة قبل التزويج ‪ ،‬رقم ‪5153‬‬
‫‪17‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬ب‪ :‬التعبري بالكتابة واإلشارة‪:‬‬


‫إن القاعدة العامة كما هو معلوم أنه إذا كان الطرفان في عقد الزواج قادرين على النطق وحاضرين‬
‫في مجلس العقد فال يقبل من أحدهما التعبيرعن إرادته الزواج باإلشارة أو الكتابة؛ ألن التعبير باللفظ‬
‫أولى‪ ،‬وهو ألاصل‪.‬‬
‫أما إذا كان العاقدان أو أحدهما أخرسا َل يصدر منه التعبير باأللفاظ فيمكنه أن يعبر عن إيجابه أو‬
‫قبوله بالكتابة إن كان يعرفها‪ ،‬أو باإلشارة التي تدل على رضاه بالزواج‪.‬‬
‫وكذلك إذا كان أحدهما غائبا فإنه يمكن أن يعبر عن إيجابه أو قبوله بواسطة الكتابة ولو كان‬
‫الكاتب غير أخرس‪ ،‬فلو أرسل شخص رسالة إلى امرأة وذكر فيها صيغة الزواج‪ ،‬فإن ذلك يعتبر إيجابا‪،‬‬
‫فإذا صدر عن ولي املرأة القبول بمحضر الشهود الذين يعرفون خط ذلك الشخص‪ ،‬وشهدوا بأنه‬
‫خطه فإن الزواج يتم‪ ،‬إذا تو افرت أركانه وشروطه و انتفت موانعه؛ ألن املشهور في املذهب املالكي أن‬
‫الشهادة على خط املقر جائزة‪ ،‬ويعمل بمقتضاه‪ ،‬بحيث إذا كتب شخص شيئا وثبت أنه خطه‪ ،‬فإنه‬
‫يعتبرحجة بما فيه‪ ،‬ويعمل بمقتض ى ذلك‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أن يرسل الولي رسالة إلى شخص يقول له فيها إني زوجتك ابنتي‪ ،‬فيجيبه ذلك الشخص‬
‫برسالة أخرى يخبره فيها بقبوله لذلك‪.‬‬
‫وقد استند الفقهاء في ذلك إلى الحديث الثابت عن رسول هللا عليه الصالة والسالم أنه كتب إلى‬
‫النجاش ي ملك الحبشة يخطب إليه أم حبيبة اهنع هللا يضر فزوجها منه‪ ،‬وكان هو وليها ألن السلطان ولي من َل ولي‬
‫له؛ فعن الزهري أن النجاش ي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول هللا ‪‬على صداق أربعة آَلف‬
‫درهم وكتب بذلك إلى رسول هللا ‪ ‬فقبل»‪ ،1‬وهذا فيه دليل على أن الزواج ينعقد بالكتابة من الغائب‪.‬‬
‫وأصل هذا في املذهب املالكي ما جاء في املدونة الكبرى أن ‪ ":‬ابن القاسم سئل‪ :‬أرأيت ألاخرس هل‬
‫يجوز طالقه ونكاحه وشراؤه وبيعه‪ ،‬ونحده إذا قذف ويحد قاذفه‪ ،‬ويقتص له في الجراحات ويقتص‬
‫منه؟ قال‪ :‬نعم هذا جائز فيما سمعت وبلغني عن مالك‪ ،‬إذا كان هذا كله يعرف من ألاخرس باإلشارة أو‬
‫بالكتاب‪ ،‬يستيقن منه‪ ،‬فذلك َلزم لألخرس" ‪.2‬‬
‫وفي سياق الحديث عن ألالفاظ التي تفيد العقد يمكن أن نشيرإلى نوع من ألانكحة وهو نكاح الهازل‪.‬‬
‫‪ ‬تفريع يف نكاح اهلازل‪:‬‬
‫الهازل‪ ،‬هو الشخص الذي َل يكون جادا فيما يعبرعنه من ألالفاظ التي تفيد العقد‪،‬وقد ذهب فقهاء‬
‫املالكية والحنفية والحنابلة إلى أن الهزل إذا ثبت بدليل َل يترتب عليه أثر؛ ألن الرض ى منتف حينئذ‪.‬‬

‫‪- 1‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب في الصداق‪ ،‬رقم ‪5169‬‬
‫‪- 2‬املدونة الكبرى‪55 /3 ،‬‬
‫‪18‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫الج ِد من آثار‪،‬‬ ‫واستثنوا من ذلك بعض العقود التي يكون فيها الهزل ِ‬
‫كالج ِد‪ ،‬يترتب عليه ما يترتب على ِ‬
‫ومن ذلك الزواج بحيث ينعقد متى صدرالتعبيربما يفيده ولو كان صاحبه هازَل فيه‪.1‬‬
‫كالج ِد اتفاقا ‪ ،2‬ومستندهم حديث أبي هريرة‪،‬‬ ‫قال ابن جزي ‪142‬ه في‪ ":‬والهزل فيه ‪-‬أي في الزواج‪ِ -‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا ‪« :‬ثالث جدهن جد‪ ،‬وهزلهن جد‪ :‬النكاح والطالق والرجعة»‪ .3‬ومعنى الحديث‬
‫أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال كنت َلعبا هازَل َل ينفعه قوله هذا‪ ،‬قال الخطابي في معالم السنن‪:‬‬
‫"اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطالق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به‬
‫‪4‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وَل ينفعه أن يقول كنت َلعبا أو هازَل أو لم أنو به طالقا أو ما أشبه ذلك من ألامور‪".‬‬
‫‪ ‬ج‪:‬التعبري بالسكوت‬
‫إن السكوت قد يكون بمنزلة التعبير عن الرضا‪ ،‬وذلك هو حال القبول الصادر من الفتاة البكر‪،‬‬
‫فإن الشأن بالنسبة للفتاة إذا خطبت أن تسكت؛ ألنها تستحيي من التعبير عن رضاها بالقول‪ ،‬ولذلك‬
‫يعتبر سكوتها قبوَل منها للزواج؛ ألنها لو لم ترض ما سكتت‪ ،‬وألفصحت عن عدم قبولها‪ ،‬وينبغي أن‬
‫يعرض عليها الزواج بواسطة من َل تستحيي منه‪ ،‬وأن تخبربأن سكوتها يعتبرقبوَل منها‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪ :‬يف شروط الصيغة‬
‫تشترط في الصيغة (إلايجاب والقبول) جملة من الشروط وهي على حسب البيان آلاتي‪:‬‬
‫أ‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يكون إلايجاب والقبول بالنطق عند الاستطاعة‪ ،‬والكتابة أو إلاشارة عند العجز كما‬
‫سبق‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬اقتران القبول باإليجاب وأن يكونا في مجلس واحد؛ وقد اختلف الفقهاء في هذه املسألة‪،‬‬
‫وهل يجب صدورهما في مجلس واحد وبال فاصل بينهما‪ ،‬أو َل يجب ذلك على آلاتي‪:‬‬
‫ذهب فريق من املالكية إلى أن القبول يجب أن يتم فور صدور إلايجاب‪ ،‬إَل أنه إذا تأخر القبول مدة‬
‫يسيرة‪ ،‬كما إذا وقع إلايجاب فألقيت خطبة‪ ،‬ثم صدر القبول أثناءها أو عند انتهائها فال يضر ذلك‪ .‬ومن‬
‫أصحاب هذا القول من يرى أن اليوم واليومين إذا فصلت بين إلايجاب والقبول فإنها تعتبر مدة يسيرة‬
‫َل تضر‪.‬‬
‫وذهب فريق آخر من املالكية إلى أنه َل يجب الفور‪ ،‬و أنه متى لحق إلايجاب القبول فإن العقد ينبرم‪ ،‬ما‬
‫لم يكون املوجب قد رجع عن إيجابه‪ .‬وهذا هو مذهب الحنفية‪.‬‬

‫‪- 1‬شرح الزرقاني على مختصر خليل‪176/6 ،‬‬


‫‪- 2‬القوانين الفقهية‪ ،‬البن جزي‪،‬ص‪556 :‬‬
‫‪- 3‬رواه أصحاب السنن ‪:‬الترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة‪ .‬وقال ألالباني حديث صحيح إلاسناد ‪ ،‬فيه عبد الرحمن بن‬
‫حبيب وهو ابن مبارك من ثقات املدنيين‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫‪- 4‬معالم السنن‪ ،‬الطبعة ألاولى‪597 /5 ،‬‬
‫‪19‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب أن يصدر القبول عقب إلايجاب فورا من غير فاصل‪ .‬فإن‬
‫تأخر ولو مدة يسيرة ثم قبل لم ينعقد العقد‪ .‬وقد جمع ابن جزي هذا بقوله‪ ":‬ويلزم فيه الفور من‬
‫الطرفين‪ ،‬فإن تراخى فيه القبول عن إلايجاب يسيرا جاز‪ ،‬وقال الشافعي‪َ :‬ل يجوز مطلقا‪ ،‬وأجازه أبو‬
‫‪1‬‬
‫حنيفة مطلقا‪".‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬يشترط في إلايجاب والقبول أن يكون البت نهائيا؛ غير مقيد بأجل أو شرط و اقف أو‬
‫فاسخ‪.‬‬
‫وأما البت في العقد بدون التقييد بشرط و اقف أو فاسخ فألن الغاية من الزواج كما سبق هي الدوام‬
‫والاستمرار‪ ،‬فال يقبل الوقف وَل الفسخ‪ .‬وكل شرط يؤدي إلى ذلك َل يجوز‪ ،‬ويدخل في ذلك نوعان من‬
‫ألانكحة وهي‪ :‬وهي نكاح الخيار والنكاح املوقوف‪.‬‬
‫‪ ‬تفريع يف نكاح اخليار والنكاح املوقوف‬
‫‌أ‪ -‬نكاح اخليار‪:‬‬
‫نكاح الخيار هو ما يثبت ألحد املتعاقدين من الاختيار بين إلامضاء والفسخ‪ ،‬وقد أجازه املالكية إذا‬
‫كان خيار اُمجلس على املعتمد‪ ،‬وذلك مثل أن يشترط أحد الطرفين أن له الخيار ما داما في اُمجلس‬
‫‪2‬‬
‫الذي حصل فيه العقد‪ ،‬فإنه يصح النكاح وَل يفسد ذلك‪.‬‬
‫وذهب الجهمور من غير املالكية إلى أن الخيار في النكاح َل يثبت‪ ،‬سواء في ذلك خيار اُمجلس وخيار‬
‫الشرط‪ ،‬وبه قال ابن عبد البر من املالكية‪3‬؛ ألن الحاجة غير داعية إليه‪ ،‬فإنه َل يقع في الغالب إَل بعد‬
‫ترو وتفكر‪ ،‬وسؤال كل واحد من الزوجين عن صاحبه‪ ،‬واملعرفة بحاله؛ وألن النكاح ليس بمعاوضة‬
‫‪4‬‬
‫محضة‪.‬‬
‫‌ب‪ -‬النكاح املوقوف‪:‬‬
‫ومثاله أن يصدرإلايجاب والقبول من ولي الزوجة من غيرأن يستأذنها ويقبل الزوج‪ ،‬أو يصدرإلايجاب‬
‫من أب الزوج من غير أن يوكله على ذلك‪ ،‬فتقبل الزوجة أو وليها‪ .‬أو يتفق الرجل واملرأة على الزواج من‬
‫غيرعلم ولي الزوجة‪.‬‬
‫و إنما كان الزواج في هذه الحاَلت موقوفا ألنه يتوقف في ألاولى على رضا الزوجة‪ ،‬وفي الثانية على رضا‬
‫الزوج‪ ،‬وفي الثالثة على رضا ولي الزوجة‪.‬‬
‫وفي النكاح املوقوف أقوال ثالثة‪:‬‬

‫‪- 1‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص‪556 :‬‬


‫‪- 2‬الشرح الكبير للدردير‪ ،569 /5 ،‬مواهب الجليل للحطاب‪555/6 ،‬‬
‫‪- 3‬الكافي‪ ،‬البن عبد البر‪566 /1 ،‬‬
‫‪- 4‬املغني‪ ،‬البن قدامة‪91 /7 ،‬‬
‫‪21‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬
‫أ‬
‫‪-‬القول الول‪ :‬أنه يجوز إذا صدر القبول من الطرف الذي يتوقف عليه العقد‪ ،‬سواء صدر ذلك قرب‬
‫إلايجاب‪ ،‬أو بعد مدة منه‪.‬وهذا هو قول الحنفية‪ ،‬وبه قال املالكية في غيراملشهور‪.‬‬
‫‪-‬القول الثاني‪ :‬أنه َل يجوز مطلقا؛ ألن الفصل بين إلايجاب والقبول غير جائز‪ ،‬وهو مذهب الشافعية‪،‬‬
‫وبه قال املالكية في غير املشهور كذلك؛ قال ابن عبد البر‪َ":‬ل يجوز الخيار في النكاح‪ ،‬وَل النكاح املوقوف‬
‫‪1‬‬
‫على إجازة الناكح‪ ،‬كالرجل يزوج الرجل بغيرإذنه"‬
‫‪-‬القول الثالث‪ :‬أنه يجوز إن صدر القبول بقرب إلايجاب‪ .‬فإذا لم يصدر إَل بعد مدة طويلة لم ينعقد‪،‬‬
‫وهذا هو مذهب الحنابلة؛ ألن الفصل اليسير بين إلايجاب والقبول عندهم جائز‪ ،‬وهو املشهور عند‬
‫املالكية‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاني‪ :‬يف اإلشهاد‬
‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬يف حكم اإلشهاد‬
‫إذا كانت القاعدة العامة عند جمهور الفقهاء أن إلاشهاد ليس بواجب و إنما هو مندوب‪ ،‬فإن هذه‬
‫القاعدة قد ترد عليها استثناءات حيث نجد أن فقهاء املالكية قرروا أن إلاشهاد واجب في مسائل منها‬
‫‪2‬‬
‫مسألة إلاشهاد في الدخول في النكاح؛ لقوله عليه الصالة والسالم‪َ« :‬ل نكاح إَل بولي »‬
‫واختلف الفقهاء حول إلاشهاد في الزواج هل هو شرط صحة في الزواج أم َل على أقوال وهي‪:‬‬
‫أ‬
‫‪ ‬القول الول‪ :‬إلاشهاد شرط صحة في الزواج‪ ،‬وهو مذهب الجمهورومنهم علي وعمرو ابن عباس ‪‬‬
‫وقول أبي حنفية والشافعي وأحمد بن حنبل‪ ،‬ودليلهم حديث عن عروة عن عائشة اهنع هللا يضر أن النبي ‪‬‬
‫قال‪َ « :‬ل نكاح إَل بولي وشاهدي عدل»‪.3‬‬
‫‪ ‬القول الثاني‪ :‬أن إلاشهاد َل يشترط في الزواج‪ ،‬وهو قول مروي عن ابن عمرو ابن الزبير‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثاني‪ :‬أن إلاشهاد شرط في الزواج انتهاء َل ابتداء؛بمعنى أنه َلبد من إلاشهاد في الزواج إَل أنه‬
‫يستحب أن يقع عند العقد‪ ،‬فإن لم يقع إلاشهاد حين العقد فإنه يجب عند الدخول‪ ،‬وهو مذهب‬
‫املالكية‪ ،‬وبناء على قولهم هذا فإن وقع الدخول بال إشهاد وجب فسخ العقد لعدم توفر إلاشهاد؛ ألنه‬
‫نكاح مختلف في فساده‪ ،4‬قال إلامام مالك وفي الواضحة‪ ":‬ومن نكح ولم يشهد لم يضره‪ ،‬لكن َل يبني‬

‫‪- 1‬الكافي‪ ،‬البن عبد البر‪. 566 /1 ،‬‬


‫‪ - 2‬رواه أصحاب السنن بهذا اللفظ‪.‬‬
‫‪- 3‬أخرجه ابن حبان في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الهدي‪.‬‬
‫‪- 4‬البهجة شرح التحفة‪ ،‬للتسولي‪533 /1 ،‬‬
‫‪21‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫حتى يشهدا"‪ .1‬وقال ابن جزي في الشهادة على النكاح‪":‬وَل تجب في العقد‪ ،‬وتجب في الدخول‪ .‬وهي‬
‫شرط كمال في العقد‪ ،‬وشرط جوازفي الدخول"‪.2‬‬
‫وقال ابن عاصم في التحفة‪:‬‬
‫وفي الدخول الحتم في إلاشهاد وهو مكم ـ ـ ـ ـل في الانعقاد‪.3‬‬
‫لكن قد يقع إلاشهاد عند العقد‪ ،‬و يؤمر الشهود قبل إلاشهاد أو عنده بكتمان هذا الزواج‪ ،‬وهذا ما‬
‫يسمى‪ :‬نكاح السر‪ .‬وهو ما سنبينه في النقاط آلاتية‪:‬‬
‫‪ ‬تفريع يف نكاح السر‪:‬‬
‫أ أ‬
‫المسالة الولى‪ :‬في تعريف نكاح السر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫قال ابن عرفة في تعريفه‪ ":‬نكاح السر هو ما أسرالشهود حين عقده بكتمه"‪. 4‬‬
‫ويدخل في نكاح السر كذلك ما اتفق الزوجان أو الولي على كتمانه‪ ،‬ولو لم يأمروا الشهود بذلك‪ ،‬وهو‬
‫قول الباجي‪414‬ه ؛ جاء في حاشية الدسوقي‪2802‬ه قوله‪ ":‬والحاصل أن في نكاح السر طريقتين طريقة‬
‫الباجي وهي أن استكتام غير الشهود نكاح سر أيضا كما لو تواص ى الزوجان والولي على كتمه ولم‬
‫يوصوا الشهود بذلك ورجحها البدر القرافي والبناني‪ .‬وطريقة ابن عرفة ورجحها املواق والحطاب‪ ،‬وهي‬
‫أن نكاح السر ما أوص ي الشهود على كتمه أوص ى غيرهم أيضا على كتمه أم َل وَل بد أن يكون املوص ي‬
‫الزوج انضم له أيضا غيره كالزوجة أم َل وكالم املصنف ممكن تمشيته على كل من الطريقتين فيحتمل‬
‫أن املعنى وفسخ موص ى بكتمه هذا إذا كان املتواص ي بكتمه الزوجة أو الولي أو هما معا بل ولو كان‬
‫املتواص ي بكتمه الشهود وهي طريقة الباجي ويحتمل وفسخ موص ى بكتمه‪ ،‬هذا إذا كان املتواص ي‬
‫‪5‬‬
‫بكتمه الزوجة والولي والشهود بل‪ ،‬لو كان املتواص ي بكتمه الشهود فقط وهي طريقة ابن عرفة‪".‬‬
‫أ‬
‫‪ ‬المسالة الثانية ‪ :‬في حكم نكاح السر‪.‬‬
‫لقد اختلف الفقهاء في حكم نكاح السر فقال املالكية إنه زواج فاسد يفسخ قبل الدخول‪ ،‬ويصح‬
‫إذا لم يطلع عليه إَل بعد الدخول بمدة‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي و ابن حزم أن النكاح يجوز في هذه‬
‫الحاَلت وَل يسمى نكاح السر‪ .‬ولكنهم قالوا بكراهته مراعاة لقول املالكية ومعتمدهم في ذلك آلاتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬أنه نكاح مشتمل على الصيغة والولي وشاهدي عدل‪ ،‬ولم يرد عن الشرع أنه نهى عن نكاح‬
‫يشتمل على ذلك‪.‬‬

‫‪- 1‬النوادر والزيادات على ما في املدونة من غيرها من ألامهات‪ ،‬البن أبي زيد القيرواني ‪ ،‬الطبعة ألاولى ‪1888‬م ‪،‬دار الغرب إلاسالمي ‪ ،‬الجزء ‪5‬‬
‫تح‪ :‬دمحم حجي‪ :‬ص‪.533 :‬‬
‫‪- 2‬القوانين الفقهية‪ ،‬البن جزي‪ ،‬ص‪555 :‬‬
‫‪- 3‬إحكام ألاحكام على تحفة الحكام‪ ،‬ص‪71 :‬‬
‫‪ - 4‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬ص‪ 556 :‬طبعة وزارة ألاوقاف والشؤون إلاسالمية‪ .‬هكذا وردت بلفظ َ‬
‫أس َّر‪ ،‬وفي بعض الكتب جاءت بلفظ ِأم َر‪.‬‬
‫‪- 5‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪،‬طبعة دار الفكر‪ – 567 /5 ،‬ينظر كذلك املنتقى للباجي‪ ، 615 /6 ،‬مطبعة السعادة ‪1665‬ه‬
‫‪22‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫ب‪ .‬أن إلاعالن بعد شاهدي عدل ليس بشرط في النكاح‪ ،‬و إنما هو مستحب فقط‪ .‬و إلاشهاد‬
‫يحصل في ضمنه إلاعالن‪ ،‬فكل إشهاد إعالن‪.‬‬
‫ج‪ .‬أنه ليس بنكاح السر؛ ألن عدد من علمه يصل إلى خمسة أشخاص على ألاقل‪ ،‬وهم الزوجان‬
‫والولي والشاهدان‪ ،‬والعادة تدل على أن السرإذا جاوزاثنين شاع‪.‬‬
‫ويذكر أصحاب هذا الرأي أن نكاح السر املنهي عنه هو الذي لم يقع إلاشهاد عليه‪ ،‬وأما ما حضره‬
‫شاهدان فهو نكاح عالنية َل نكاح سر‪ ،‬بدليل ما روى إلامام مالك عن أبي الزبير املكي أن عمر بن‬
‫الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إَل رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر وَل أجيزه ولو كنت تقدمت فيه‬
‫لرجمت "‪.1‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪ :‬شروط الشهادة على الزواج‪:‬‬
‫تشترط في الشهادة على النكاح شروط وهي‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬أوال‪ :‬التثنية‪:‬‬
‫أي أن يشهد اثنان على الزواج‪ ،‬وذلك ألن كل ما ليس من العقود املالية‪َ ،‬ل يثبت إَل بشهادة اثنين‬
‫عمال بقول هللا تعالى‪ ،2     :‬وقد أجمع العلماء على أن الزواج َل يثبت‬
‫بأقل من شهادة اثنين؛ فلو ادعى رجل على امرأة أنها زوجته و أنكرت‪ ،‬أو العكس‪ ،‬ولم ُي ْد ِل بشهادة اثنين‬
‫من العدول‪ ،‬فإن الدعوى تلغى‪ ،‬ولو أحضر املدعي عدَل واحدا يشهد بثبوت الزوجية فإن ذلك َل‬
‫يكفي‪ ،‬وَل يكلف املدعى عليه في الحالتين معا بأن يحلف يمين إلانكار؛ ألن كل دعوى َل تثبت إَل‬
‫بعدلين‪َ ،‬ل تتوجه يمين إلانكارفيها على املدعى عليه‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬ثانيا‪ :‬العدالة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في شاهدي الزواج على قولين‪:‬‬
‫أ‬
‫‪‬القول الول‪ :‬أن يكون الشاهدان على الزواج عدلين؛ وذلك ألن املطلوب في إلاشهاد على املعامالت‬
‫وسائر العقود أن يكونا عدلين‪ ،‬والزواج عقد من العقود التي تنتج عنها آثار كثيرة‪ ،‬لذلك يجب أن‬
‫يستوثق فيه‪ ،‬لئال يتعذر إثباته‪ ،‬وحتى َل يكون محال للنزاع أو للطعن في الشهود‪ .‬وهذا هو قول الجمهور‬
‫من مالكية وشافعية وحنابلة‪.‬‬
‫‪‬القول الثاني‪ :‬أنه َل يشترط في شاهدي الزواج العدالة‪ ،‬و أنه يمكن أن يشهد به شاهدان فاسقان‪،‬‬
‫وهذا هو قول الحنفية وسندهم في ذلك قاعدتهم‪ ":‬أن كل من يصلح أن يكون قابال للعقد بنفسه‬
‫ينعقد النكاح بشهادته‪ ،‬وكل من يصلح أن يكون وليا في نكاح يصلح أن يكون شاهدا في ذلك النكاح‪،‬‬

‫‪ - 1‬موطأ إلامام مالك‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب جامع ما ال يجوز من النكاح‪565/5 ،‬‬
‫‪- 2‬سورة الطالق‪ ،‬جزء من آلاية ‪5‬‬
‫‪23‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وعلى هذا ألاصل قلنا‪ :‬ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين‪ ،‬وَل ينعقد عند الشافعي ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪-‬؛‬
‫‪1‬‬
‫لقوله ‪َ« -‬ل نكاح إَل بولي وشاهدي عدل»‪"....‬‬
‫ولكن هذا الاستدَلل مردود وَل يستقيم؛ ألن ثمة فرقا بين الشهادة والزواج‪ ،‬حيث إن الزواج يعتبر‬
‫حقا لكل شخص‪ ،‬بينما تعتبر الشهادة رتبة َل يصل إليها إَل من كان أهال لها‪ ،‬وهو من كان متصفا‬
‫‪2‬‬
‫بالعدالة ليكون موثوقا به‪ ،‬ولتعتبرشهادته حجة تثبت بها الحقوق‪ ،‬ويصدرالحكم بمقتضاها‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬ثالثا‪:‬الذكورة‪:‬‬
‫يشترط في الشاهدين في الزواج أن يكونا ذكرين‪ ،‬وذلك ألن الجمهور يرى أن كل ما ليس بمال وَل‬
‫يؤول إلى املال َل تقبل فيه شهادة النساء‪ ،‬وسندهم في ذلك قول هللا تعالى عند الكالم على الرجعة ‪:‬‬

‫‪      ‬حيث نص على إشهاد عدلين ذكرين‪ .‬أما النساء فال تقبل شهادتهن‬
‫إَل في ألاموال أو ما يؤول إليها‪ .‬وفي ذلك يقول هللا تعالى‪       :‬‬

‫‪               ‬‬

‫‪ .3‬وروي عن الزهري أنه قال‪ :‬مضت السنة أنه َل تجوز شهادة النساء في الحدود‪ ،‬وَل في‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫النكاح‪ ،‬وَل في الطالق‪ .‬غيرأن الحنفية يرون أنه تقبل شهادة رجل وامرأتين في الزواج‪.‬‬
‫‌د‪ .‬رابعا‪ :‬مساع الشاهدين يف جملس واحد‪:‬‬
‫وهذا هو مذهب الجمهور على أنه َلبد من أن يشهد الشاهدان معا‪ ،‬وفي مجلس واحد على كل من‬
‫الزوجين أو من يقوم مقامهما‪ .‬و أنه إذا شهد كل واحد منهما على حدة فال يثبت ذلك النكاح وَل يصح‪.‬‬
‫ويرى إلامام مالك أنه يجوز أن يشهد أحد الشاهدين بعد أن يشهد آلاخر على الزواج‪ ،‬وَل يجعله ذلك‬
‫زواجا فاسدا‪ .‬فالزوجان إذا لم يشهدا عدلين عند العقد‪ ،‬ثم أشهد كل من الزوج والزوجة والولي اثنين‬
‫من العدول على الزواج فإن ذلك يقبل‪ ،‬سواء كان الشاهدان اللذان شهدا على الزوج هما نفسهما من‬
‫‪4‬‬
‫شهدا على الزوج والولي‪ ،‬أو غيرهما‪ .‬وإذا كان الشاهدان متغايرين سميت الشهادة بشهادة ألابداد‪.‬‬

‫‪- 1‬املبسوط‪ ،‬للسرخس ي‪ ،‬طبعة دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪1515 ،‬هـ‪1886/‬م‪61/5 ،‬‬


‫‪- 2‬أحكام ألاسرة في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬ص‪55 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬جزء من آلاية ‪595‬‬
‫‪-4‬الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬للنفراوي‪ ،‬طبعة دار الفكر(‪1515‬هـ‪1885 ،‬م)‪ – 5/5 ،‬منح الجليل شرح مختصر خليل‪،‬‬
‫ملحمد عليش‪ ،‬طبعة دار الفكر (‪1568‬هـ‪1898 ،‬م)‪556 /6 ،‬‬
‫وألابداد بدالين مهملتين هم املتفرقون واحدهم بد من التبدد لتفرق الشهود‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬املطلب الثالث‪ :‬يف العاقدين وما يشرتط فيهما‬


‫يشترط في كل من الزوج والزوجة أن يكون بالغا‪ ،‬وعاقال‪ ،‬وخاليا من املوانع الشرعية‪ .‬وسنفصل في‬
‫هذه الشروط على البيان آلاتي‪:‬‬
‫‪‬الشرط األول‪ :‬البلوغ‪:‬‬
‫يشترط في الزواج أن يكون الزوجان بالغين‪ ،‬ويمكن أن نفرق في مسألة البلوغ بين حالتين‪:‬‬
‫‪-‬الحالة ألاولى‪ :‬وهي أن يتولى غيرالبالغ عقد الزواج بنفسه‪،‬‬
‫‪-‬الحالة الثانية‪ :‬وهي أن يتولى الولي العقد نيابة عن غيرالبالغ‪.‬‬
‫ففيما يخص الحالة ألاولى‪ :‬يرى كثير من الفقهاء أن غير البالغ َل يعقد زواجه بنفسه‪ .‬و يرى املالكية أن‬
‫الصبي إذا عقد زواجه لنفسه قبل البلوغ فإن العقد صحيح لكنه َل يصبح َلزما إَل إذا و افق عليه ولي‬
‫الصبي‪.‬‬
‫وأما في الحالة الثانية‪ :‬وهي أن يتولى الولي عقد الزواج نيابة عن غير البالغ الذي تحت وَليته‪ ،‬فقد وقع‬
‫إلاجماع على أنه يجوز لألب أن يجبر على الزواج كال من ابنه الصغير‪ ،‬و ابنته الصغيرة البكر‪ ،‬ولم‬
‫يخالف في ذلك إَل ابن شبرمة‪.‬‬
‫ودليلهم الكتاب والسنة؛ فأما الكتاب فقول هللا تعالى‪        :‬‬

‫‪ ،1        ‬فإن هذه آلاية نصت على أن عدة املطلقة التي ما تزال‬
‫لم تبلغ‪ ،‬ثالثة أشهر‪ ،‬وهذا دليل على جواززواجها قبل البلوغ‪.‬‬

‫‪- 1‬سورة الطالق‪ ،‬جزء من آلاية ‪5‬‬


‫‪25‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وأما السنة فحديث عائشة اهنع هللا يضر «أن النبي ‪ ‬تزوجها وهي بنت ست سنين‪ ،‬وأدخلت عليه وهي بنت‬
‫تسع‪ ،‬ومكثت عنده تسعا»‪.1‬‬
‫وقال ابن رشد ‪":‬و اتفقوا على أن ألاب يجبر ابنه الصغيرعلى النكاح‪ ،‬وكذلك ابنته الصغيرة البكر‪ ،‬وَل‬
‫يستأمرها ملا ثبت « أن رسول هللا ‪ ‬تزوج عائشة اهنع هللا يضر بنت ست أو سبع‪ ،‬وبنى بها وهي بنت تسع‪ ،‬بإنكاح‬
‫أبي بكرأبيها ‪ »‬إَل ما روى من الخالف عن ابن شبرمة‪. 2".‬‬
‫وذهب املالكية إلى أن لألب أن يجبر ابنته على الزواج قبل بلوغها بحيث يحق له أن يزوجها بمن شاء‬
‫وبأي صداق أراد‪ ،‬ما لم يكن بالزوج عاهة كالجنون‪ ،‬وإَل فال يحق له جبرها على الزواج من هذا الرجل‪.‬‬
‫والبلوغ إنما يعرف بعالمات وهي‪ :‬نبات شعر العانة لكل من الذكر وألانثى‪ ،‬أو بخروج املني بالنسبة‬
‫للذكر‪ ،‬أو الحيض أو الحمل بالنسبة لألنثى‪ .‬فإن لم تظهر أي من هذه العالمات فيرى املالكية أن الحد‬
‫ألاقص ى لبلوغ الذكر وألانثى هو بلوغ الثامنة عشر من العمر‪ ،‬وخالفهم الحنفية في ألانثى حيث يرون أن‬
‫أقص ى حد لبلوغها هو السابعة عشرة‪.‬‬
‫وقد أجمع الفقهاء على أنه ليس للولي أن يمنع وليته إذا دعت إلى كفء‪ ،‬وبصداق مثلها‪ ،‬وأنها ترفع‬
‫‪3‬‬
‫أمرها إلى السلطان فيزوجها‪ ،‬ما عدا ألاب ففيه خالف‪.‬‬
‫والدليل على ذلك‪ :‬حديث‪ :‬سهل بن سعد قال جاءت امرأة إلى رسول هللا ‪ ‬فقالت‪ :‬إني وهبت من‬
‫نفس ي‪ ،‬فقامت طويال‪ ،‬فقال رجل‪ :‬زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة‪ ،‬قال‪ :‬هل عندك من ش يء‬
‫تصدقها؟ قال‪ :‬ما عندي إَل إزاري‪ ،‬فقال‪ :‬إن أعطيتها إياه جلست َل إزار لك‪ ،‬فالتمس شيئا فقال‪ :‬ما‬
‫أجد شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬التمس ولو خاتما من حديد‪ ،‬فلم يجد‪ ،‬فقال‪ :‬أمعك من القرآن ش يء؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫سورة كذا وسورة كذا لسورسماها‪ ،‬فقال‪ :‬قد زوجناكها بما معك من القرآن»‪.4‬‬
‫‪‬الشرط الثاني‪ :‬العقل‪.‬‬
‫يشترط في عقد الزواج أن يكون الطرفان عاقلين ليكونا على بينة من الالتزامات املترتبة عليهما‪.‬‬
‫إَل أن هذا ألاصل ترد عليه استثناءات‪ ،‬حيث إنه يمكن لألب أو وصيه أن يجبر اُمجنون على الزواج‬
‫إذا خيف عليه الزنا أو الضرر بدونه‪ ،‬وثبت أن الزواج يفيده في رفع هذا الضرر‪ ،‬فإن لم يكن له أب أو‬
‫وص ي فللقاض ي أن يجبره على الزواج حينئذ‪.5‬‬

‫‪- 1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬إنكاح الرجل ولده الصغار‪ ،‬رقم‪5166 :‬‬
‫‪ - 2‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد‪3/5 ،‬‬
‫‪ - 3‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد‪15 /5 ،‬‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬باب السلطان ولي لقول النبي ‪ ‬زوجناكها بما معك من القرآن‪ ،‬رقم ‪5165‬‬
‫‪ - 5‬شرح الزرقاني‪ -187 /6 ،‬الشرح الكبير للدردير‪ – 555 /5 ،‬املغني البن قدامة‪ -69 /7 ،‬مغني املحتاج للشربيني‪139 /6 ،‬‬
‫‪26‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪‬الشرط الثالث‪ :‬اخللو من املوانع الشرعية‪.‬‬


‫لقد حدد الشرع املوانع التي تمنع الرجل من الزواج بنساء معينات‪ ،‬أو في حاَلت محددة‪ ،‬ملا في الزواج‬
‫من أولئك النساء‪ ،‬أو الزواج في تلك الحاَلت من أضرار تتنافى مع ما قصده إلاسالم من الزواج وما‬
‫هدف إلى تحقيقه بواسطته‪.‬‬
‫وموانع الزواج تتلخص في صفات في املرأة تجعلها محرمة على الرجل‪ ،‬بحيث َل يحق لهما الاجتماع‬
‫تحت عقد الزواج‪ ،‬أو صفة في الرجل تحرم عليه الزواج ما دام متصفا بها‪.‬‬
‫وموانع الزواج قسمان‪ :‬موانع مؤبدة وموانع مؤقتة كما هو مبين أسفله‪:‬‬

‫وهي على التفصيل آلاتي‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬الموانع المؤبدة؛‬
‫وهي املوانع التي َل يمكن أن ترتفع في املستقبل‪ ،‬ولهذا َل يجوز للرجل أن يتزوج تلك املرأة أبدا‪ .‬وهذه‬
‫املوانع تنحصر في خمسة وهي‪ :‬القرابة واملصاهرة والرضاع ووطء العاقد في العدة واللعان‪ .‬وهي‬
‫على البيان آلاتي‪:‬‬
‫‪‬القرابة‪:‬‬
‫‪ ‬‬ ‫والنساء اُمحرمات بالقرابة سبع وهن النساء املذكورات في قول هللا تعالى‪:‬‬
‫‪ ،1          ‬ويشمل‬
‫التحريم كل من‪:‬‬
‫‪ ‬ألام‪ :‬ويقصد بها كل امرأة لها على الرجل وَلدة‪ ،‬ويرتفع نسبه إليها بالبنوة‪ ،‬سواء كانت من جهة أبيه‬
‫أو من جهة أمه‪ ،‬وسواء كانت وَلدتها له بنكاح صحيح أو َل‪.‬‬
‫‪‬البنت‪ :‬ويراد بها كل امرأة للرجل عليها وَلدة‪ ،‬وتنسب إليه مباشرة أو بواسطة‪ ،‬كبنت الابن أو بنت‬
‫البنت‪.‬‬
‫‪‬ألاخت‪ :‬ويراد بها كل امرأة شاركت الرجل في أصليه أي في ألاب وألام‪ ،‬أو في أحد ألاصول(في ألاب أو في‬
‫ألام)‪ ،‬وَل يدخل في التحريم أخت ألاخت إذا لم تكن أختا للرجل‪.‬‬
‫‪ ‬العمة‪ :‬وهي كل امرأة شاركت أب الرجل في أصليه وما عال‪ ،‬أو في أحدهما‪ ،‬و تطلق العمة على أخت‬
‫ألاب سواء كانت شقيقة أو من أبيه أو من أمه‪ ،‬وكذلك يدخل في التحريم عمة ألاب وعمة ألام وما عال‪،‬‬
‫وَل يحرم ما تنسل من العمة كبنتها أو بنت بنتها‪.‬‬
‫‪‬الخالة‪ :‬وهي كل امرأة شاركت أم الرجل في أصليه وما عال منها‪ ،‬أو شاركتها في أصليها‪ ،‬ومعناه أنه‬
‫تحرم أخت ألام سواء كانت شقيقة أو ألب أو ألم‪ ،‬وأخت أم ألام‪ ،‬وأخت أم ألاب وهكذا‪ .‬أما ما تنسل من‬
‫الخالة فال يحرم‪.‬‬
‫‪‬بنت ألاخ‪ :‬وهي كل امرأة تنتسب إلى أخ الرجل من جهة البنوة؛ سواء كانت بنته مباشرة أو بنت ابنه‬
‫أو بنت ابنته وما سفل منها‪.‬‬
‫‪‬بنت ألاخت‪ :‬وهي كل امرأة تنسلت من أخت الرجل‪ ،‬سواء كانت ابنتها مباشرة أو بنت ابنها‪ ،‬أو بنت‬
‫ابنتها وما سفل منها‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪56‬‬


‫‪28‬‬
‫م‬0202-0202 ‫املوسم الدراسي‬

‫املصاهرة‬
:‫اُمحرمات من املصاهرة أربع وهن‬
              :‫ بدليل قول هللا تعالى‬:‫ زوجة ألاب‬

.‫ ويدخل في ألاب الجد وما عال‬، 1     
،2        :‫ وذلك بدليل قول هللا تعالى‬:‫ زوجة الابن وما تنسل منها‬

‫ سواء طلقها البن أو مات عنها قبل‬،‫ومعناه أنه يحرم على ألاب أن يتزوج زوجة ابنه الذي من صلبه‬
‫ أما إذا كان متبنى له فال يحرم عليه أن يتزوج من‬.‫ فمجرد العقد كاف في التحريم‬،‫الدخول أو بعده‬
‫ وقد أبطل إلاسالم بهذا ما كان يجري عليه العرف في الجاهلية‬،‫زوجته بعد أن يطلقها أو يموت عنها‬
  :‫والدليل على هذا قول هللا تعالى‬،‫حيث كانوا يعتبرون الابن من التبني مثل الابن من الصلب‬

                

                 
3
             

‫ فإنه يحرم‬،‫ وما تنسل منها؛ ومعناه أنه إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها ثم طلقها أو ماتت‬:‫بنت الزوجة‬
       :‫ وذلك بدليل قول هللا تعالى‬،‫عليه أن يتزوج ابنتها‬
4
          

‫ فإذا تزوج رجل امرأة ثم‬،5     :‫ وذلك بدليل قول هللا تعالى‬،‫ أو أم أمها‬:‫أم الزوجة‬
‫ وهذا هو مذهب‬.‫ أو أم أمها‬،‫ فإنه يحرم عليه أن يتزوج أمها‬،‫طلقها أو ماتت عنه قبل الدخول أو بعده‬
."‫"العقد على البنات يحرم ألامهات‬:‫ يقول الفقهاء‬.‫الجمهورومنهم املالكية‬

55 ‫ آلاية‬،‫ سورة النساء‬- 1


56 ‫ جزء من آلاية‬،‫ سورة النساء‬- 2
.67 ‫ آلاية‬،‫ سورة ألاحزاب‬- 3
56 ‫ جزء من آلاية‬،‫ سورة النساء‬- 4
56 ‫ جزء من آلاية‬،‫ سورة النساء‬- 5
29
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪‬الرضاع‪:‬‬
‫وسنتناول مانع الرضاع بش يء من البيان والتفصيل من خالل آلاتي‪:‬‬
‫‪-‬أ‪ -‬تعريف الرضاع‪:‬‬
‫الرضاع ‪-‬بفتح الراء وكسرها‪ -‬لغة مصدر من رضع الثدي‪ ،‬وهو اسم ملص الثدي‬ ‫َّ‬
‫لغة‪ :‬الرضاع أو ِ‬
‫وشرب لبنه‪ ،‬يقال ‪ :‬امرأة مرضع‪ :‬أي لها ولد ترضعه‪ ،‬أو ذات رضيع أو لبن رضاع‪ 1.‬واصطالحا عرف‬
‫بتعاريف عدة منها تعريف ابن عرفة أن الرضاع هو‪ ":‬وصول لبن آدمي ُمحل مظنة غذاء آخر"‪.2‬‬
‫ب‪-‬أدلة التحريم بالرضاع‪:‬‬
‫ألاصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة وإلاجماع؛‬
‫‪    ‬‬ ‫‪-‬فأما الكتاب فقول هللا تعالى في سورة النساء‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ، 3‬ووجه الدَللة أن هللا سبحانه وتعالى ذكر ألام وألاخت من الرضاع‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وعطفهما على اُمحرمات من النسب فدل هذا على أنه يحرم الزواج بهما‪ ،‬كما دلت آلاية على أن‬
‫الرضاع يحرم ما يحرم من النسب‪.‬‬
‫‪ -‬وأما دليل التحريم من السنة النبوية فأحاديث كثيرة منها ما روته عائشة اهنع هللا يضر أن النبي عليه الصالة‬
‫والسالم قال‪« :‬الرضاعة تحرم ما تحرم الوَلدة»‪ ، 4‬وعن ابن عباس‪ : ‬أن النبي ‪ ‬قال في ابنة عمه‬
‫حمزة‪َ«:‬ل تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة‪ ،‬ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب»‪ ...5‬ووجه‬
‫الدَللة أن هذه ألاحاديث دلت على أن الرضاع يتعلق به التحريم‪ ،‬و أنه ما نع من موانع النكاح‪.‬‬
‫وقد أجمع فقهاء ألامة منذ عهد الرسول عليه الصالة والسالم إلى يومنا هذا على أن الرضاع يحرم‪.‬‬
‫ج‪-‬شروط الرضاع احملرِّم‪:‬‬
‫اُمحرم هو الرضاع الذي تشترط فيه الشروط آلاتية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ليس كل رضاع يحرم النكاح طبعا بل الرضاع‬
‫‪ -2-‬أن يكون اللبن لدمية؛ ويحرم لبن آلادمية ولو ميتة رضعها الطفل مباشرة‪ ،‬أو حلب له منها‪ .‬ودليل‬
‫تحريم لبن امليتة عموم قول هللا تعالى‪    :‬فهو يوجب التسوية بين الحية وامليتة‪.‬‬

‫‪- 1‬لسان العرب‪ ،‬مادة رضع‬


‫‪- 2‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬ص‪667 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪56‬‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الشهادات‪ ،‬باب‪ :‬الشهادة على ألانساب والرضاع‪ ،‬رقم‪6165 :‬‬
‫‪- 5‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب‪ :‬تحريم ابنة ألاخت من الرضاعة‪ ،‬رقم‪1557 :‬‬
‫‪31‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪-8-‬أن يصل اللبن إلى الجوف؛ ولو كان الوصول للجوف شكا‪َ ،‬ل إن وصل للحلق فقط‪ ،‬فال يحرم على‬
‫حرم اللبن الواصل للجوف بسبب الوجور وهو صب اللبن في الفم‪ ،‬والسعوط وهو صب‬ ‫ٌ‬
‫املشهور‪ .‬وي ِ‬
‫اللبن في ألانف‪ ،‬وما وصل عن طريق الحقنة إذا كان مغذيا‪.‬‬
‫‪-4-‬أن يصل اللبن للرضيع إلى الجوف في الحولين‪ ،‬على املشهور في املذهب‪َ ،‬ل إن وصل لجوف كبير؛‬
‫تعالى‪    :‬‬ ‫ودليل اشتراط كون الرضاع في الحولين قول هللا‬
‫‪ ،1        ‬فالية بينت الزمان الذي يقع فيه الرضاع‪ .‬فإن رضع شخص‬
‫محرما‪ .‬وهذا هو رأي املالكية‪.‬‬
‫في امرأة بعد مرورالحولين فال يعتبرذلك الرضاع ِ‬
‫وفي رواية للمالكية عن ابن عبد الحكم أن الرضاع الذي يقع قريبا من الحولين بشهر أو شهرين يكون‬
‫حكمه حكم ما وقع داخل الحولين‪ .‬وهذه ألاقوال متقاربة ويشهد لها كثير من ألاحاديث منها حديث أم‬
‫سلمة اهنع هللا يضر قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪َ« :‬ل يحرم من الرضاعة إَل ما فتق ألامعاء في الثدي وكان قبل‬
‫اُمحرم هو الذي يصل إلى ألامعاء ويجري فيها عندما يكون الطفل في زمن‬ ‫ِ‬ ‫الفطام»‪2‬؛ أي أن الرضاع‬
‫الثدي أي في وقت الرضاع‪.‬‬
‫‪ ‬تفريع‪ :‬يف مسألة لنب الفحل‬
‫املراد ‪":‬بالفحل الرجل تكون له امرأة ولدت منه ولدا ولها لبن؛ فكل من أرضعته من ألاطفال بهذا‬
‫‪3‬‬
‫اللبن فهو محرم على الزوج وإخوته وأوَلده منها‪ ،‬ومن غيرها‪ ،‬ألن اللبن للزوج حيث هو سببه‪".‬‬
‫ومثاله ‪ :‬أن يكون لرجل امرأتان حملتا منه‪ ،‬وأرضعت إحداهما ذكرا‪ ،‬بينما أرضعت ألاخرى أنثى‪،‬‬
‫فهل يحل النكاح بين الذكر وألانثى‪..‬‬
‫إن الذي ذهب إليه الجمهور‪ ،‬ومنهم املالكية أن لبن الفحل يحرم؛ حيث يصبح ذلك الرجل(أي زوج‬
‫املرضعة )أبا للرضيع‪ ،‬فيحرم بينهما ومن قبلهما ما يحرم من ألاباء وألابناء من النسب ‪.‬‬
‫وقد استدل الفقهاء بالتي‪:‬‬
‫‪ -2‬بما روي عن عروة بن الزبير‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أن أفلح‪ ،‬أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها‪ ،‬وهو‬
‫عمها من الرضاعة‪ ،‬بعد أن نزل الحجاب‪ ،‬فأبيت أن آذن له‪ ،‬فلما جاء رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أخبرته بالذي‬
‫صنعت «فأمرني أن آذن له»‪ ، 4‬وفي رواية أن عائشة‪ ،‬أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن‬

‫‪- 1‬سورة البقرة‪ ،‬جزء من آلاية ‪566‬‬


‫‪- 2‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب‪ :‬باب ما جاء أن الرضاعة ال تحرم إال في الصغر دون الحولين‪.‬رقم ‪ . 1155‬وقال حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪- 3‬النهاية في غريب الحديث وألاثر‪ ،‬البن ألاثير‪ ،‬تحقي ‪ :‬طاهر أحمد الزاوى ‪ -‬محمود دمحم الطناحي‪ ،‬املكتبة العلمية ‪ -‬بيروت‪1688 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1878‬م‪577 /5 ،‬م‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬لبن الفحل‪ ،‬رقم ‪5166‬‬
‫‪31‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫عليها بعد ما نزل الحجاب‪ ،‬وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فقلت‪ :‬وهللا‪َ ،‬ل‬
‫آذن ألفلح‪ ،‬حتى أستأذن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني‪ ،‬ولكن أرضعتني امرأته‪،‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فلما دخل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن‬
‫علي‪ ،‬فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك‪ ،‬قالت‪ :‬فقال النبي ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ائذني له»‪ ،‬قال عروة‪ :‬فبذلك كانت‬
‫عائشة تقول‪« :‬حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب»‪.1‬‬
‫‪ -0‬وبما روي عن عبد هللا بن عباس أنه سئل عن رجل كانت له امر أتان فأرضعت إحداهما غالما‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وأرضعت ألاخرى جارية‪ ،‬فقيل له هل يتزوج الغالم الجارية فقال‪َ« :‬ل اللقاح واحد»‬
‫‪ ‬تفريع‪:‬‬
‫قال اللخمي ‪413‬ه في التبصرة‪" :‬اللبن يكون للفحل بوجهين‪:‬أحدهما‪ :‬أن يكون ماؤه سببا لوجود اللبن‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون سببا لكثرته‪ ،‬وإن كان موجودا قبل وطئه‪.‬ويصح وقوع الحرمة بوجه ثالث‪ ،‬وهو مباشرة‬
‫مائه للولد وهو في البطن من غير واسطة؛ ألن ماءه حينئذ ينعشه ويجري فيه‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬أن يتزوج امرأة وَل لبن لها فأصابها فدرت لذلك‪ ،‬أو تحمل فتلد فترضع بذلك اللبن‪ ،‬فإن الزوج‬
‫بذلك أب؛ ألنه سبب وجود ذلك اللبن وعن مائه كان‪ ،‬فإن تزوج امرأة ذات لبن ولم يتقدم لها زوج فأصابها‬
‫و أنزل‪ ،‬كان به أبا؛ ألنه باإلنزال شارك في اللبن؛ ألن ماءه يكثره‪ ،‬فإن كانت ذات لبن من زوج كان قبله‬
‫‪3‬‬
‫فأصابها الثاني‪ ،‬كان املرضع ابنا لهما‪ ،‬فاألول ألنه سبب وجوده‪ ،‬والثاني ألنه سبب كثرته‪"....‬‬
‫د‪-‬النساء احملرمات من الرضاع‪:‬‬
‫قبل التفصيل في النساء اُمحرمات من الرضاع‪َ ،‬لبد من إلاشارة إلى أن هؤَلء النسوة هن املذكورات في‬
‫اُمحرمات من القرابة‪ ،‬والدليل على هذا أحاديث منها‪ :‬حديث‪ :‬قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة‪‬‬
‫يقول‪ :‬نهى النبي ‪ ‬أن تنكح املرأة على عمتها واملرأة وخالتها فنرى خالة أبيها بتلك املنزلة‪ ،‬ألن عروة‬
‫حدثني عن عائشة قالت‪ :‬حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب» ‪ ،4‬وعن علي ‪ ‬قال‪« :‬قال رسول‬
‫هللا ‪ ‬إن هللا حرم من الرضاع ما حرم من النسب»‪ ،5‬وبذلك فإن النساء اُمحرمات من الرضاع هن‪:‬‬
‫‪ ‬ألام من الرضاع‪ ،‬فمن رضع في امرأة فإنها تعتبر أمه‪ ،‬يحرم عليه أن يتزوجها أو يتزوج أمها أو أم أمها‬
‫‪6‬‬
‫أو أم أبيها‪ ،‬والدليل على تحريم ألام من الرضاع قول هللا تعالى‪     :‬‬

‫‪ - 1‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل‪ ،‬رقم ‪1555‬‬
‫‪ - 2‬موطأ مالك‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب رضاعة الصغير‪ ،‬رقم ‪5‬‬

‫‪- 3‬التبصرة‪ ،‬للخمي‪ ،‬تح‪ :‬أحمد عبد الكريم نجيب‪ ،‬طبعة ‪1565‬هـ‪5611،‬م‪5156 /5 ،‬‬
‫‪- 4‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ال تنكح املرأة على عمتها‪ ،‬رقم‪5116 :‬‬
‫‪ - 5‬أخرجه الترمذي في سننه ‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‪ ،‬رقم‪1153:‬‬
‫‪ - 6‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪56‬‬
‫‪32‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬البنت من الرضاع‪ :‬فمن رضعت في زوجة رجل يحرم عليه أن يتزوجها وما تنسل منها ألنها تعتبر‬
‫ابنته من الرضاع ‪ ،‬ومثل البنت من الرضاع بنت الابن من الرضاع‪.‬‬
‫‪ ، 1‬وألاخت من الرضاع‬ ‫‪ ‬ألاخت من الرضاع‪ ،‬ودليله قول هللا تعالى ‪   :‬‬

‫يراد بها أربع نسوة وهن‪:‬‬


‫‪ ‬بنت املرأة التي أرضعته‪،‬‬
‫‪ ‬البنت التي أرضعتها أمه‪،‬‬
‫‪ ‬البنت التي رضعت معه في امرأة أجنبية عنهما‪،‬‬
‫‪ ‬بنت زوج املرأة التي أرضعته‪ ،‬سواء كانت ابنته من صلبه من زوجة أخرى‪ ،‬أو كانت ابنته برضاع‬
‫من الزوجة ألاخرى‪.‬‬
‫‪‬العمة من الرضاع‪ :‬وهي أخت زوج املرضعة‪ ،‬سواء كانت أخته بالوَلدة‪ ،‬أو بالرضاع‬
‫‪‬الخالة من الرضاع‪ :‬وهي أخت املرأة املرضعة‪ ،‬سواء كانت أختها نسبا‪ ،‬أو رضاعا‪.‬‬
‫‪‬بنت ألاخ من الرضاع‪ ،‬وإن سفلت ويراد بها ثالث نسوة وهن‪:‬‬
‫‪ ‬البنت بالنسب من ألاخ بالرضاع‪،‬‬
‫‪ ‬البنت بالرضاع من ألاخ بالنسب‪،‬‬
‫‪ ‬النبت بالرضاع من ألاخ بالرضاع‪.‬‬
‫‪‬بنت ألاخت من الرضاع‪ ،‬وإن سفلت ويراد بها كذلك ثالث نسوة وهن‪:‬‬
‫‪ ‬البنت من النسب من ألاخت من الرضاع‪،‬‬
‫‪ ‬البنت من الرضاع من ألاخت بالنسب‪،‬‬
‫‪ ‬البنت بالرضاع من ألاخت بالرضاع‪.‬‬
‫‪‬وطء العاقد يف العدة‬
‫أي أنه َل يجوز للرجل أن يعقد على امرأة معتدة من طالق أو من وفاة ويطأ في أثناء عدتها‪ ،‬فإن فعل‬
‫ذلك فإنه يتأبد تحريمها عليه معاملة له بنقيض قصده‪ ،‬وكذلك يتأبد التحريم على من وطىء امرأة‬
‫معتدة من طالق بائن أو من وفاة بشبهة نكاح‪ ،‬كمن جامع امرأة ظنها أنها زوجته‪.‬‬
‫وينزل منزلة الوطء في العدة مقدمة النكاح من تقبيل وغيره‪ ،‬إذا وقع ذلك أثناء العدة من العاقد‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪56‬‬


‫‪33‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪‬اللعان‬
‫اللعان لغة معناه الطرد وإلابعاد‪ ،‬يقال لعنه هللا أي أبعده من رحمته‪ ،‬واصطالحا قال ابن عرفة‪":‬‬
‫اللعان حلف الزوج على زنا زوجته أو نفيه حملها الالزم له‪ ،‬وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها‬
‫بحكم قاض"‪ ،1‬أو هو حلف زوج مسلم مكلف على رؤيته زنى زوجته أو على نفي حملها منه‪ ،‬وحلف‬
‫زوجته على تكذيبه أربعة أيمان بصيغة أشهد باهلل لرأيتها تزني ونحوه وبحضور حاكم سواء صح‬
‫النكاح أو فسد"‪.2‬‬
‫و اللعان له سببان وهما‪:‬‬
‫أ‪ -‬إما دعوى رؤية الزنا‪ ،‬ويشترط في ذلك أَل يطأ زوجته بعد الرؤية ‪ ،‬فإن ادعى الزوج الزنا دون الرؤية‬
‫حد للقذف‪ ،‬ولم يجزاللعان على املشهور‪.‬‬
‫ب‪ -‬و إما نفي الحمل‪ :‬ويشترط في هذا‪:‬‬
‫‪ -‬أن يدعي أنه لم يطأها ألمريلحق به‪،‬‬
‫‪-‬أن يدعي الاستبراء بحيضة واحدة‪ ،‬وقال ابن املاجشون بثالث حيض‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أن ينفيه قبل وضعه‪ ،‬فإن سكت حتى وضعته ُح َّد ولم يالعن‪.‬‬
‫ويكون اللعان على الصفة التي ورد بها في القرآن الكريم؛ ولفظه يؤخذ من قول هللا ‪ ‬في آية املالعنة‬
‫من سورة النور‪ ،‬وقال فيه الفقهاء‪ :‬أن يقول أربع مرات في الرؤية ‪ ":‬أشهد باهلل لقد رأيتها تزني ويصف‬
‫الزنا كما يصفه الشهود ‪ . 4‬ويقول في نفي الحمل‪ :‬أشهد باهلل لقد زنت‪ ،‬أو ما هذا الحمل مني‪ ،‬وقال ابن‬
‫املواز ويقول‪ :‬باهلل الذي َل إله إَل هو‪ "...‬ويقول في الخامسة لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبين‪ ،‬وتقول‬
‫هي أربع مرات في الرؤية‪ :‬أشهد باهلل ما رآني أزني‪ ،‬وفي نفي الحمل ما زنيت و إنه منه" وتقول في الخامسة‬
‫غضب هللا عليها إن كان من الصادقين‪.‬‬
‫فإذا وقع اللعان لسبب من ألاسباب السابقة وتم بالطريقة املشار إليها فإنه يفرق بين الزوجين‬
‫ويتأبد تحريمها عليه‪.‬‬
‫‪ ‬الموانع المؤقتة؛‬
‫ويقصد بها املوانع التي يمكن أن ترتفع‪ ،‬ولهذا فإنها تمنع الزواج ما دامت قائمة‪ ،‬فإذا ارتفعت جاز‬
‫للرجل أن يتزوج تلك املرأة‪.‬وهذه املوانع هي‪:‬‬
‫‪‬الجمع بين امرأتين يحرم الجمع بينهما‪ ،‬بحيث يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة تكون بينها وبين‬
‫زوجته قرابة أو مصاهرة أو رضاع‪ ،‬وعلى هذا َل يجوزللرجل أن يجمع بين ‪:‬‬

‫‪ - 1‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬ص ‪ 598‬طبعة وزارة ألاوقاف‪.‬‬


‫‪ - 2‬أسهل املدارك‪176 /5 ،‬‬
‫‪ - 3‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص‪ - 539 :‬إحكام ألاحكام على تحفة الحكام‪ ،‬ص‪88 :‬‬
‫‪ - 4‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص‪539 :‬‬
‫‪34‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪            ‬‬ ‫‪-‬املرأة وأختها‪ ،‬وذلك بدليل قول هللا تعالى‪:‬‬
‫‪  ‬؛ وذلك سواء كانت ألاختان شقيقتين‪ ،‬أو من جهة ألاب فقط‪ ،‬أو من جهة ألام فقط‪ ،‬أو‬
‫كانتا أختين من الرضاع‪.‬‬
‫‪-‬املرأة وعمتها أو املرأة وخالتها‪ ،‬وذلك ألحاديث منها‪ :‬ما رواه أبو هريرة ‪ ‬قال‪ :‬نهى رسول هللا ‪ ‬أن‬
‫تنكح املرأة على عمتها أو خالتها»‪ ،1‬ومثل العمة والخالة عمة ألاب وخالته‪ ،‬ما عال منها‪ ،‬بحيث يحرم‬
‫الجمع بين املرأة وعمة أبيها‪ ،‬واملرأة وخالة أبيها‪ ،‬أو عمة أمها أو خالة أمها‪.‬‬
‫‪‬الزيادة على القدر املسموح به شرعا‪ ،‬فال يجوز للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات‪ ،‬وذلك‬
‫بدليل قول هللا تعالى‪            :‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪              ‬‬

‫‪ 2  ‬أي أنه يباح لكم أن اثنتين أو ثالثا أو أربعا‪ ،‬فالواو للتخيير‪َ ،‬ل للجمع‪ ،‬ويؤيد هذا املعنى ما‬
‫ورد في ألاحاديث النبوية منها‪ :‬عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال‪ :‬أسلم غيالن بن سلمة الثقفي‬
‫وتحته عشرنسوة فقال له النبي ‪ ‬خذ منهن أربعا»‪.3‬‬
‫‪‬املطلقة ثالثا قبل أن تتزوج غيره‪ ،‬فال يجوز للرجل أن يتزوج امرأة طلقها ثالث مرات إَل بعد انقضاء‬
‫تعالى‪  :‬‬ ‫عدتها من زوج آخر يكون قد دخل بها دخوَل يعتد به شرعا‪ ،‬ودليله قول هللا‬
‫‪4‬‬
‫‪ ،‬وقول هللا تعالى‪       :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬

‫‪                ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪.5 ‬‬ ‫‪        ‬‬

‫والنكاح الذي يحل املبتوتة‪-‬أي املطلقة ثالثا‪ -‬لزوجها ألاول َلبد له من شروط وهي‪:‬‬
‫أ‪.‬أن يكون الزواج الثاني غيرمجمع على فساده‪ .‬ومنه زواج اُمحلل وهو َل يجوز‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن يكون َلزما‪ ،‬أما إذا كان غير َلزم كما إذا تزوج غير الرشيد بدون إذن وليه‪ ،‬أو كان بأحد‬
‫الزوجين عيب يوجب الخيار للخر‪ ،‬فإن الوطء فيه َل يكفي إَل إذا حصل بعد إجازة الولي‪ ،‬أو بعد‬
‫اطالع الطرف آلاخرعلى العيب والرض ى به‪.‬‬

‫‪- 1‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ال تنكح املرأة على عمتها‪،‬رقم‪6169 :‬‬
‫‪- 2‬سورة النساء‪ ،‬آلاية ‪6‬‬
‫‪- 3‬أخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة‪ ،‬رقم‪1856 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪ ،‬جزء من آلاية ‪558‬‬
‫‪ - 5‬سورة البقرة‪ ،‬آلاية ‪566‬‬
‫‪35‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫ج‪ .‬أن يطأها الزوج الثاني بعد العقد‪ ،‬ويكفي في الوطء تغييب الحشفة في الفرج‪ ،‬وَل يشترط‬
‫إلانزال خالفا للحسن البصري‪ .‬والدليل على أن املطلقة ثالثا َل تحل لزوجها ألاول إَل بالوطء بعد‬
‫العقد ما روته عائشة اهنع هللا يضر قالت‪ ":‬أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول هللا ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول‬
‫هللا‪ ،‬إن رفاعة طلقني فبت طالقي‪ ،‬و إني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي‪ ،‬و إنما معه مثل‬
‫الهدبة‪ ،‬قال رسول هللا ‪« :‬لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ َل‪ ،‬حتى يذوق عسيلتك وتذوقي‬
‫‪1‬‬
‫عسيلته»‬
‫د‪ .‬أن يثبت وقوع الخلوة بينهما ولو بشهادة امرأتين‪ ،‬وأن يقع الوطء بعلم املرأة‪ .‬أما علم الرجل‬
‫فاملعتمد عند املالكية أنه َل يشترط‪.‬‬
‫ه‪ .‬أن يكون الزوج حين الوطء بالغا ‪ ،‬مسلما‪.‬‬
‫و‪ .‬أن تكون الزوجة حين الوطء خالية من املوانع الشرعية للوطء وهي ‪ :‬الحيض والنفاس‬
‫وإلاحرام والاعتكاف والصوم‪.‬‬
‫ز‪ .‬أَل ينكرأحد الزوجين وقوع الوطء املذكور‪.‬‬
‫‪‬زواج املسلمة بغير املسلم‪ ،‬لقد حرم هللا تعالى على املسلمة أن تتزوج بغير املسلم‪ ،‬وهذا التحريم‬
‫مؤقت يبقى ما بقي الرجل كافرا‪ ،‬فإن أسلم أمكنه أن يتزوج املسلمة حينئذ‪ ،‬وذلك عمال بقول هللا‬
‫تعالى‪        :‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪       ‬‬

‫‪      ‬‬


‫‪           ‬‬
‫‪2‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪‬التزوج بامرأة في عصمة آخر‪ ،‬أو في عدة أو استبراء‪ ،‬وقد سبق الحديث عن هؤَلء النسوة في باب‬
‫الخطبة‪ ،‬فلتراجع هناك‪.‬‬
‫‪‬إلاحرام‪ ،‬وهو نية الدخول في الحج أو العمرة‪ ،‬فال يجوز للمحرم أن يتزوج وَل أن يزوج غيره‪ .‬وقد‬
‫ذهب مالك والشافعي وإلامام أحمد إلى أن اُمحرم إذا عقد الزواج لنفسه أو لغيره فإن ذلك العقد‬
‫يعتبرا فاسدا‪ ،‬واستدلوا على ذلك باألحاديث الواردة في النهي؛ منها‪:‬عن يحيى بن يحيى قال قرأت‬
‫على مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد هللا أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن‬

‫‪- 1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب من أجاز طالق الثالث‪ ،‬رقم‪5536:‬‬
‫‪- 2‬سورة البقرة‪ ،‬آلاية ‪551‬‬
‫‪36‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان يحضر ذلك وهو أمير الحج فقال أبان سمعت عثمان بن عفان‬
‫َ َْ َ ْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ‬
‫يقول‪:‬قال رسول هللا ‪َ «:‬ل َين ِك ُح اُم ْح ِر ُم‪َ ،‬وَل ُينك ُح‪َ ،‬وَل َيخط ُب »‪.1‬‬
‫‪‬املرض‪ ،‬واملقصود باملرض هنا هو املرض اُمخوف الذي يتسبب عنه املوت في الغالب على الراجح‬
‫في املذهب املالكي‪ ،‬وسواء كان ذلك املرض في الرجل أو في املرأة؛ ألن الغالب أن الزواج َل يقصد به‬
‫إَل التضييق على ورثة املريض بإدخال وارث آخر‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الرابع‪ :‬يف الصداق‬
‫وسيكون البيان من خالل آلاتي‪:‬‬
‫‪-‬تعريف الصداق ‪-‬حكم الصداق‪-‬الحكمة من مشروعية الصداق‪-‬شروط الصداق‪-‬مقدار‬
‫الصداق‪-‬أنواع الصداق‪-‬أحوال الصداق‪-‬الاختالف في الصداق‪،‬‬
‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬يف تعريف الصداق‪:‬‬
‫‪ ‬أوال ‪ :‬تعريف الصداق لغة‬
‫ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ص ِدقة‬ ‫والصداق مهر املرأة‪،‬وجمعها في أدنى العدد أ‬ ‫الصداق لغة‪ :‬قال ابن منظور ‪ ":‬الصداق ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫تزو‬ ‫ْ‬
‫البناءان ِإنما هما على الغالب‪ ،‬وقد أصدق املرأة حين جها أي جعل لها‬ ‫َ‬ ‫ص ُد ٌق وهذان‬ ‫والكثير ُ‬
‫ً‬ ‫ص ُدقات َّ‬ ‫َ ً َ‬ ‫داقا‪ ،‬وقيل َأ ْ‬
‫ص َد َقها َّ‬ ‫َ ً‬
‫هن ِن ْحلة"‬ ‫ِ‬
‫النساء َ‬‫َ‬ ‫آتوا‬ ‫و‬ ‫‪":‬‬‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫سحق‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫بو‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫داقا‬ ‫ص‬ ‫لها‬ ‫ى‬‫سم‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ص ْدقات َّ‬ ‫ص ْدقة قال ُ‬ ‫الص ُدقة‪ ،‬ومن قال ُ‬ ‫الص ُدقات‪ :‬جمع َّ‬ ‫َّ‬
‫هن قال وَل يقرأ من هذه اللغات بش يء ِإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ص ُدقة وهو مهر املرأة وفي رواية‬ ‫الص ُدقات" هي جمع َ‬
‫ِ‬
‫غالوا في َّ‬ ‫القراءة سنة وفي حديث عمر‪َ" :‬ل ت‬
‫يان‬ ‫ؤد‬ ‫صدقان َع َّنا َأي ُ‬
‫ي‬ ‫صداق وفي الحديث وليس عند َأ َب َو ْينا ما ُي ْ‬ ‫ص ُدق النساء جمع َ‬ ‫ُ ُ‬
‫غالوا في ُ‬ ‫َل ت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫الصداق‪.2‬‬ ‫ِإلى أزواجنا‬
‫‪ ‬ثانيا ‪ :‬تعريف الصداق اصطالحا‬
‫الصداق في الاصطالح هو املال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح‪ ،‬أو الوطء‪ ،‬وقد سماه هللا تعالى‬
‫كذلك أجرا وفريضة‪ ،‬ويقال له أيضا املهر‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪:‬يف حكم الصداق‪:‬‬
‫الصداق واجب على الزوج نحو زوجته‪ ،‬والدليل على ذلك الكتاب والسنة وإلاجماع‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬الدليل من القرآن الكريم ‪:‬‬
‫‪ -‬قول هللا تعالى‪ 3     :‬؛ ووجه الاستدَلل أن هللا تعالى أمر بإيتاء النساء‬
‫صدقاتهن‪ ،‬وألامر لألزواج كما يدل عليه سياق آلايات وتناسق ضمائرها؛ قال ابن العربي‪ ":‬وقد اختلف‬
‫الناس في ذلك على قولين ‪ :‬أحدهما‪ :‬أن املراد بذلك ألازواج‪ .‬الثاني‪ :‬أن املراد به ألاولياء؛ قاله أبو صالح‪.‬‬
‫‪- 1‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب تحريم نكاح املحرم‪ ،‬وكراهة خطبته‪.‬رقم ‪1568‬‬
‫‪ - 2‬لسان العرب‪،‬البن منظور‪ ،‬مادة صدق‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪5‬‬
‫‪37‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫و اتفق الناس على ألاول؛ وهو الصحيح ؛ ألن الضمائر واحدة ؛ إذ هي معطوفة بعضها على بعض في‬
‫نسق واحد ‪ ،‬وهي فيما تقدم بجملته ألازواج ؛ فهم املراد ها هنا"‪ .1‬وقال القرطبي‪ ":‬هذه آلاية تدل على‬
‫‪2‬‬
‫وجوب الصداق للمرأة‪ ،‬وهو مجمع عليه وَل خالف فيه"‬
‫‪-‬وقوله تعالى‪3      :‬؛ ووجه الاستدَلل أن هللا تعالى أمر بإيتاء الزوجات‬
‫أجورهن‪ ،‬وألاجوراملهور‪ ،‬وألامرللوجوب‪ ،‬ويدل على الوجوب قوله في النص‪ :‬فريضة‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬الدليل من السنة ‪:‬‬
‫‪-‬حديث‪ :‬سهل بن سعد ‪ ‬قال‪ :‬جاءت امرأة إلى رسول هللا ‪ ‬فقالت‪ :‬إني وهبت من نفس ي فقامت‬
‫طويال‪ ،‬فقال رجل‪ :‬زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة‪ ،‬قال‪ :‬هل عندك من ش يء تصدقها‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫عندي إَل إزاري‪ ،‬فقال‪ :‬إن أعطيتها إياه جلست َل إزار لك فالتمس شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬ما أجد شيئا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫التمس ولو خاتما من حديد‪ ،‬فلم يجد‪ ،‬فقال‪ :‬أمعك من القرآن ش يء‪ ،‬قال‪ :‬نعم سورة كذا وسورة‬
‫كذا‪ ،‬لسورسماها‪ ،‬فقال‪ :‬قد زوجناكها بما معك من القرآن»‪.4‬‬
‫‪-‬حديث عائشة اهنع هللا يضر أن رسول هللا ‪ ‬قال‪ «:‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها‬
‫باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فإن دخل بها فلها املهر بما استحل من فرجها‪ ،‬فإن اشتجروا فالسلطان ولي‬
‫‪5‬‬
‫من َل ولي له»‬
‫‪-‬حديث أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي ‪ ‬بينه وبين سعد بن الربيع‬
‫ألانصاري وعند ألانصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله‪ ،‬فقال بارك هللا لك في أهلك‬
‫ومالك دلوني على السوق‪ ،‬فأتى السوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النبي ‪ ‬بعد أيام‬
‫وعليه وضر من صفرة فقال‪ :‬مهيم يا عبد الرحمن‪ ،‬فقال‪ :‬تزوجت أنصارية‪ ،‬قال‪ :‬فما سقت إليها؟‬
‫قال‪ :‬وزن نواة من ذهب‪ ،‬قال" أولم ولو بشاة» ‪ ،6‬فهذا يدل على أن الرسول عليه الصالة والسالم قد‬
‫أقره على ذلك‪.‬‬

‫‪- 1‬أحكام القرآن البن العربي‪636 /1 ،‬‬


‫‪- 2‬أحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪55 /5 ،‬‬
‫‪ -3‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪55‬‬
‫‪ -4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب السلطان ولي لقول النبي ‪ ‬زوجناكها بما معك من القرآن‪ ،‬رقم‪5165 :‬‬
‫‪- 5‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء ال نكاح إال بولي‪ ،‬رقم ‪1165‬‬
‫‪ - 6‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬قول الرجل بأخيه انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها‪ ،‬رقم‪5675 :‬‬
‫‪38‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬ثالثا‪ :‬اإلمجاع‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫لقد اتفق العلماء على أن الصداق من شروط صحة النكاح‪ ،‬وعلى هذا َل يجوزالتواطؤ على تركه‪.‬‬
‫والصداق شرط صحة في الزواج؛ بمعنى أنه َل يصح الزواج إذا وقع الاتفاق على إسقاطه‪ ،‬وليس‬
‫معنى أنه يجب أَل يقع الاتفاق عليه بتحديده بجميع تفاصيله‪ ،‬و إنما يعني أنه َل يجوز أن يقع الاتفاق‬
‫على أن يكون الزواج بدون صداق‪ ،‬ولهذا يصح الزواج ولو لم يتعرض لذكر الصداق؛ ألن املضر هو‬
‫‪2‬‬
‫التصريح بإسقاط الصداق‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثالث‪:‬يف احلكمة من مشروعية الصداق‪.‬‬
‫لقد أوجب الشرع الصداق على الزوج زوجته؛ ملا فيه من إشعار بالرغبة‪ ،‬واستعداد لبذل املال‪ ،‬وملا‬
‫فيه من رمزية كذلك لتحمل جميع املسؤوليات املادية الناتجة عن الزواج‪.‬‬
‫وقد جعل هللا تعالى الصداق للنساء على ألازواج ألسباب عدة منها‪:‬‬
‫‪ -‬أنه أوفق للطبيعة والفطرة إلانسانية‪.‬‬
‫‪-‬أن الشرع قد أوجب على الزوج النفقة التي تترتب عليها القوامة؛ فكان الصداق مرحلة أولى من‬
‫مراحل تحمل املسؤولية‪ ،‬كما كانت النفقة تعويضا للزوجة مقابل القوامة للرجل؛ عمال بقول هللا‬
‫تعالى‪.3                :‬‬
‫‪-‬من أجل بناء ألاسرة على أساس العدل واملساواة‪...‬‬
‫‪ ‬الفرع الرابع‪:‬يف شروط الصداق‪.‬‬
‫يشترط في الصداق جملة من الشروط وهي‪:‬‬
‫أ‬
‫‪-‬الشرط الول‪ :‬أن يكون طاهرا؛ فال يجوز أن يكون الصداق عبارة عن قدر من الخمر مثال؛ ألنه نجس‪،‬‬
‫ولو كانت الزوجة كتابية‪.‬‬
‫‪-‬الشرط الثاني‪ :‬أن يكون منتفعا به؛ فال يجوز أن يكون الصداق شيئا َل يمكن الانتفاع به منفعة‬
‫شرعية‪ ،‬وذلك مثل الخنزير‪.‬‬
‫‪-‬الشرط الثالث‪ :‬أن يكون مقدورا على تسليمه‪ ،‬فكل ما ليس مقدورا على تسليمه‪َ ،‬ل يصح أن يكون‬
‫صداقا‪ ،‬وذلك مثل الجمل الشارد والسيارة املسروقة‪...‬ويقاس عليهما أي ش يء َل يقدر الزوج على‬
‫تسليمه اليوم‪.‬‬
‫‪-‬الشرط الرابع‪ :‬أن يكون معلوما‪ ،‬فال يصح إذا كان الزواج شيئا مجهوَل؛ كأن يتفقا على أن الصداق هو‬
‫ثمرشجرة أو شجرات قبل أن يبدو صالحها‪ ،‬على أن َل تأخذ تلك الثمرة إَل بعد نضجها‪...‬‬

‫‪ - 1‬بداية املجتهد‪19 /5 ،‬‬


‫‪ - 2‬أحكام ألاسرة‪ ،‬ص‪88 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪65‬‬
‫‪39‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫فيالحظ أن الشروط التي تشترط في الصداق هي نفسها الشروط التي تشترط في الثمن في عقد البيع‪،‬‬
‫إَل أنه يغتفر في الصداق ما َل يغتفر في الثمن من الجهل اليسير؛ وذلك كأن يكون الصداق هو أن يلتزم‬
‫الزوج بأن يقوم بتجهيز البيت بما يحتاجه من فراش و أثاث‪ ،‬على أن يصبح ذلك كله ملكا لزوجته‪ ،‬وهذا‬
‫ما يعبر عنه بالشوار‪،‬فيكون الزوج في هذه الحالة ملزما بتجهيز البيت بما جرت به العادة في وسطهما‪.‬‬
‫أو أن يقول الزوج إني أتزوجها على أن أدفع لها صداق أمثالها‪ ،‬وتقبل الزوجة ذلك من غير تحديد‬
‫‪1‬‬
‫لذلك الصداق‪ ،‬ويلزمه حينئذ أن يؤدي لها صداق ما تتزوج به مثيالتها‪.‬‬
‫وإذا لم تتوفر الشروط املذكورة كلها أو بعضها فإن الزواج يكون فاسدا‪ ،‬فإن اطلع عليه قبل‬
‫الدخول فسخ وجوبا‪ ،‬وإن لم يطلع عليه إَل بعد الدخول فإنه َل يفسخ‪ ،‬ويجب لها صداق املثل‪.2‬‬
‫ويجوز في الصداق كل ما صح أن يكون ثمنا‪ ،‬أو كل ما صح الالتزام به‪ ،‬سواء كان قدرا من املال‪ ،‬كألف‬
‫درهم أو عرضا كقطيع من املاشية‪ ،‬أو منزَل أو سيارة أو غيرها‪ ...‬كما يصح أن يكون منفعة معينة؛ كأن‬
‫يتعهد الزوج بأن يقوم لزوجته بعمل معين‪ ،‬كأن يتولى الدفاع عنها في قضية معينة‪ ،‬ومثل أن يقوم‬
‫بتعليمها عددا من سورالقرآن الكريم‪...‬‬
‫وَل يجوز أن يتفق وليان على أن يزوج أحدهما آلاخر وليته على أن تكون إحداهما صداقا لألخرى؛ وهو‬
‫ما يسمى بنكاح الشغار‪ ،‬وهو نكاح محرم بدليل حديث‪ :‬ابن عمر امهنع هللا يضر أن رسول هللا ‪ ‬نهى عن الشغار ‪،‬‬
‫والشغارأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه آلاخرابنته ليس بينهما صداق"‪.3‬‬
‫‪ ‬تفريع عن نكاح الشغار‬
‫ونكاح الشغارعلى ثالثة أنواع‪:‬‬
‫أ‬
‫‪ ‬النوع الول‪ :‬صريح الشغار؛ وهو أن يزوج الرجل وليته على أن يزوجه آلاخر وليته بدون صداق‬
‫بينهما (الزوجتين معا بدون صداق)‪ ،‬مثل أن يقول أزوجك ابنتي بدون صداق على أن تزوجني أختك‬
‫بدون صداق‪ .‬وهو نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده‪ .‬فإذا فسخ قبل الدخول فالش يء للمرأة‪ ،‬وإذا‬
‫فسخ بعد الدخول فلها صداق املثل‪.‬‬
‫‪ ‬النوع الثاني‪ :‬وجه الشغار؛ وهو أن يكون لكل واحد من الزوجتين صداقا؛ مثل أن يقول الرجل‬
‫لخر أزوجك أختي بصداق قدره ثالثة آَلف درهم بشرط أن تزوجني أختك بصداق قدره ألفا درهم‪.‬‬
‫و إنما سمي هذا النوع وجه الشغار ألن فيه شبها بالنكاح الصحيح من حيث تسمية الصداق لكل‬
‫واحدة من الزوجتين‪ ،‬ولكن ملا شرط فيه نكاح واحدة باألخرى كان شغارا‪ .‬وهو نكاح فاسد يفسخ إذا‬
‫اطلع عليه قبل الدخول‪ ،‬وإذا لم يطلع عليه إَل بعد الدخول فال يفسخ‪ ،‬وتستحق كل واحدة من‬

‫‪ -1‬أحكام ألاسرة في الشريعة إلاسالمية‪ ،‬ص‪161 :‬‬


‫‪- 2‬صداق املثل هو ما يرغب به مثله في مثلها‪ ،‬ويعتبر الدين والجمال والحسب واملال والزمان والبالء‪ ،‬قاله ابن الحاجب‪ ،‬جامع ألامهات‪،‬‬
‫تح ‪ :‬ألاخضر ألاخضري‪ ،‬ص‪.591 :‬‬
‫‪-3‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الشغار‪ ،‬رقم‪5115 :‬‬
‫‪41‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫الزوجتين ألاكثر من املسمى وصداق املثل؛ بمعنى أنه إذا كان ما سمى لها من الصداق أكثر من صداق‬
‫أمثالها فيلزم الزوج ذلك‪ ،‬وإن كان من صداق أمثالها وجب عليه أن يؤدي لها صداق أمثالها‪.‬‬
‫‪ ‬النوع الثالث‪ :‬الشغار املركب؛ وهو أن يزوج الرجل وليته بصداق مسمى على أن يزوجه آلاخر وليته‬
‫من غير صداق‪ .‬وحكم هذا النكاح أن التي سمي لها الصداق يفسخ إن اطلع عليها قبل الدخول‪ ،‬أما إن‬
‫لم يطلع عليها إَل بعد الدخول فال يفسخ ويجب على الزوج أن يدفع لها ألاكثرمن املسمى وصداق املثل؛‬
‫أي يكون لها حكم وجه الشغار‪ .‬أما التي لم يسم لها الصداق فيفسخ قبل الدخول وبعده‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫يكون لها حكم صريح الشغار‪.‬‬

‫‪ ‬الفرع اخلامس‪ :‬يف مقدار الصداق‪.‬‬


‫يعد الصداق رمزا َلستعداد الزوج لتحمل مسؤولياته ألاسرية‪ ،‬وهو تعبير عن الرغبة في الزواج‪ ،‬وهو‬
‫ليس ثمنا للمرأة ألن هذا ينافي مقاصد الشارع من جهة‪ ،‬كما أنه يؤدي إلى املغاَلة في املهور من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وقد دلت عدة أحاديث على أن املطلوب هو تقليل املهور وعدم املباهاة بكثرة الصداق‪ ،‬واملغاَلة فيه‪،‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫‪-‬حديث عائشة اهنع هللا يضر‪ :‬أن رسول هللا ‪‬قال‪ «:‬إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة»‪.1‬‬
‫‪-‬حديث عقبة بن عامر ‪ ،‬أن النبي ‪ ‬قال لرجل‪ « :‬أترض ى أن أزوجك فالنة ؟ » قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وقال‬
‫للمرأة ‪ « :‬أترضين أن أزوجك فالنا ؟ » قالت ‪ :‬نعم‪ ،‬فزوج أحدهما صاحبه ‪ ،‬ولم يفرض لها صداقا‪ ،‬ولم‬
‫يعطها شيئا ‪ ،‬وكان ممن شهد الحديبية ‪ ،‬وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر‪ ،‬فلما حضرته الوفاة‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬زوجني فالنة‪ ،‬ولم أفرض لها صداقا‪ ،‬ولم أعطها شيئا‪ ،‬و إني أشهدكم أني‬

‫‪- 1‬أخرجه إلامام أحمد في مسنده‪ ،‬من حديث السيدة عائشة اهنع هللا يضر‪ ،‬رقم‪55558 :‬‬
‫‪41‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫أعطيتها صداقها سهمي بخيبر‪ ،‬فأخذت سهما فباعته بمائة ألف‪ ،‬قال‪ :‬وقال رسول هللا ‪ « :‬خير‬
‫الصداق أيسره »‪.1‬‬
‫‪ -‬حديث أبي العجفاء قال‪ :‬خطبنا عمر رحمه هللا‪ ،‬فقال «أَل َل تغالوا بصدق النساء‪ ،‬فإنها لو كانت‬
‫مكرمة في الدنيا‪ ،‬أو تقوى عند هللا لكان أوَلكم بها النبي ‪ ،‬ما أصدق رسول هللا ‪‬امرأة من نسائه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وَل أصدقت امرأة من بناته أكثرمن ثنتي عشرة أوقية»‬
‫و اتفق الفقهاء على أن الصداق ليس له حد أقص ى َل تجوز الزيادة عليه‪ ،‬وسندهم في ذلك قول هللا‬
‫‪ ، 3    ‬وما ورد عن عمر بن الخطاب ‪‬‬
‫تعالى‪        :‬‬

‫عندما أراد أن يمنع املغاَلة في املهور‪ ،‬وأن يجعل للصداق حدا َل تجوز الزيادة عليه قالت له امرأة‪:‬‬
‫"ليس ذلك لك يا عمر‪ ،‬إن هللا تعالى يقول‪        :‬‬
‫‪،    ‬‬
‫‪4‬‬
‫فتراجع عمرعن ذلك وقال‪ :‬امرأة أصابت ورجل أخطأ‪.‬‬
‫لكنهم اختلفوا حول أقل الصداق على أقوال‪:‬‬
‫أ‬
‫‪ ‬القول الول‪ :‬ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن أقل الصداق عشرة دراهم (بالدرهم الشرعي) أو ما‬
‫يوازيها‪ ،‬بحيث َل يصح الزواج بأقل من ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثاني‪:‬أن أقل الصداق خمسة دراهم‪ ،‬وهو َلبن شبرمة‪.‬‬
‫‪ ‬القول الثالث‪ :‬أقل الصداق هو ما يصح أن يكون ثمنا أو أجرة‪ ،‬وهو قول الشافعية‪.‬‬
‫‪ ‬القول الرابع‪ :‬أقل الصداق ما يساوي ربع دينار ذهبي أو ثالثة دراهم فضية‪ ،‬وهو قول إلامام مالك‬
‫وعليه أكثر املالكية بحيث يرون أن الزواج الذي ينعقد على أقل من ذلك َل يصح على تلك الحال؛‬
‫ويكون حكمه على البيان آلاتي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا اطلع عليه قبل الدخول خير الزوج بين تكميل الصداق إلى القدر املذكور‪ ،‬وبين فسخ الزواج‬
‫بطالق‪ ،‬ويكون للزوجة نصف ما وقع عليه العقد‪.‬‬
‫‪ -‬إذا لم يطلع عليه إَل بعد الدخول فإنه يرغم على إتمام الصداق إلى القدراملذكور‪.‬‬
‫ويرى ابن وهب من املالكية أن الزواج يصح ولو كان الصداق درهما‪ ،‬وبناء على هذا فإن من تزوج بأقل‬
‫من ربع دينارَل يفسخ نكاحه ولو امتنع من إتمامه‪.‬‬

‫‪- 1‬أخرجه الحاكم في املستدرك وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه‪ .‬رقم ‪5755‬‬
‫‪ - 2‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬الصداق‪ ،‬رقم ‪5163‬‬
‫‪- 3‬سورة النساء‪ ،‬جزء من آلاية ‪56‬‬
‫‪- 4‬لإلفادة تنظر كتب التفسير الفقهي لقول هللا تعالى‪       :‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪42‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬الفرع السادس‪:‬يف أنواع الصداق‬


‫ينقسم الصداق إلى قسمين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬باعتبار التعيني والتقدير؛ أي باعتبار كونه معينا ومقدرا أو غير معين وَل مقدر‪ ،‬الصداق‬
‫إما مسمى أو مفوض فيه‪:‬‬
‫‪ -2‬الصداق املسمى‪ :‬وهو الذي اتفق الطرفان على قدره ونوعه ووقت أدائه‪ ،‬ويسمى النكاح الذي‬
‫يتفق فيه على الصداق وقدره بنكاح التسمية‪.‬‬
‫‪ -0‬الصداق املفوض فيه‪ :‬وهو الصداق الذي لم يقع الاتفاق بين الطرفين على تحديد قدره وَل‬
‫نوعه وَل وقت أدائه‪ ،‬ولم يتفقا على إسقاط الصداق‪ ،‬و إنما وقع السكوت عنه‪ .‬ويسمى النكاح الذي‬
‫‪1‬‬
‫يعقد على هذا النحو بنكاح التفويض‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬باعتبار وقت أدائه؛ أي هل اتفق على أدائه قبل الدخول أو بعده‪ ،‬الصداق إما معجل وإما‬
‫مؤجل‪:‬‬
‫‪ .2‬الصداق املعجل‪ :‬هو الصداق الذي اتفق الطرفان على أدائه عند العقد أو عند الدخول‪.‬‬
‫ويسمى كذلك بالنقد‪.‬‬
‫‪ .0‬الصداق املؤجل‪ :‬هو الذي اتفق الطرفان على أدائه بعد الدخول‪ ،‬ويسمى املؤجل كذلك‬
‫بالكالئ‪.‬‬
‫والصداق باعتبار وقت أدائه يمكن أن يكون كله معجال‪ ،‬كما يمكن أن يكون بعضه مؤجال؛ بحيث‬
‫يقع الاتفاق حين العقد على أن َل يدفع الزوج جزءا من الصداق إَل بعدة مدة‪.‬‬
‫إَل أنه يكره أن يكون الصداق كله مؤجال‪ .‬ويستحب أن يكون بعضه مؤجال وبعضه مؤجال‪ ،‬قاله‬
‫ابن جزي في قوانينه‪ 2.‬ويشترط إن كان بعض الصداق مؤجال أن يكون ألاجل معلوما‪ ،‬أما إذا كان‬
‫مجهوَل أو وقع السكوت على تعيين أجله فإن الزواج يكون فاسدا يفسخ قبل الدخول ولو رض ي الزوج‬
‫بتعجيله‪ ،‬أو رضيت الزوجة بإسقاط املؤجل بأجل مجهول‪ .‬أما إذا لم يطلع عليه إَل بعد الدخول فال‬
‫يفسخ وتستحق الزوجة حينها صداق املثل‪ ،‬إَل إذا كان ما سمي لها أكثر من ذلك‪ ،‬فيجب عليه ذلك‬
‫املسمى‪.‬‬

‫‪ - 1‬نكاح التفويض عرفه ابن عرفة بقوله‪ " :‬عقد دون تسمية مهر وال إسقاطه وال صرفه لحكم أحد‪".‬‬
‫‪- 2‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص‪ ،558 :‬طبعة دار الرشاد الحديثة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬الفرع السابع‪:‬يف أحوال الصداق‪.‬‬


‫للصداق أحوال ثالثة بالنظرَلستحقاق الزوجة لها‪ ،‬وهي على البيان آلاتي‪:‬‬
‫‪ -2‬استحقاق كل الصداق‪:‬‬
‫تستحق املرأة الصداق كله في الصورآلاتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا وقع الوطء بعد العقد‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا أقامت الزوجة في بيت الزوجية سنة كاملة‪ ،‬و اتفق الزوجان على أنه لم يقع بينهما وطء أثناء‬
‫تلك املدة‪.‬‬
‫ت‪ -‬إذا مات أحد الزوجين قبل الوطء وقبل أن تمكث الزوجة في بيتها سنة‪.‬وفي هذه الحالة إذا مات‬
‫الزوج وكان لم يؤد لزوجته الصداق بعد فإنه يخرج من تركته‪ ،‬وإن ماتت هي فلها صداقها كامال‬
‫ويحسب في تركتها‪.‬‬
‫‪ -0‬استحقاق نصف الصداق‪:‬‬
‫تستحق الزوجة نصف الصداق في صورة واحدة‪ ،‬وذلك إذا وقع العقد على صداق معلوم القدر‪ ،‬ثم‬
‫طلق الزوج زوجته باختياره قبل أن يقع الوطء‪ ،‬أو ما يقوم مقامه من بقائها سنة كاملة مع زوجها بعد‬
‫الدخول‪ .‬وهذا بدليل قول هللا تعالى‪          :‬‬

‫‪                  ‬‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪         ‬‬

‫‪ -8‬عدم استحقاق شيء من الصداق‪:‬‬


‫َل تستحق الزوجة شيئا من الصداق في الصورآلاتية‪:‬‬
‫‪-‬إذا طلقها الزوج قبل الدخول‪ ،‬وقبل أن يسمي لها صداق‪.‬‬
‫‪-‬إذا طلقها قبل الدخول‪ ،‬وكان الطالق بغير اختياره‪ ،‬بأن كان بسبب اضطراري‪( ،‬كما إذا اطلع أحدهما‬
‫على عيب بالخر)‪.‬‬
‫‪-‬إذا فسخ النكاح قبل الدخول‪( .‬وفسخ العقد بسبب وجود خلل في العقد إما من جهة أركانه أو‬
‫شروطه‪ ،).‬وذلك كما إذا تبين أن أحد الزوجين اتفقا على إسقاط الصداق‪ ،‬أو تبين أن الزوجة أخته‬
‫من الرضاع‪...‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ ،‬آلاية ‪567‬‬


‫‪44‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬الفرع الثامن‪:‬يف االختالف حول الصداق‬


‫قد يحدث أن يختلف الزوجان حول الصداق إما قدرا أو قبضا‪ ،‬وتفصيل ذلك على البيان آلاتي‪:‬‬
‫‪ ‬أ‪ -‬االختالف حول قبض الصداق‪:‬‬
‫إذا وقع الخالف بين الزوجين حول قبض الصداق عند حلول ألاجل‪ ،‬بحيث أدعى الزوج أنه دفع‬
‫الصداق و أنكرت الزوجة‪ ،‬فإن ألامرَل يخلو من أن يقع قبل الدخول أو بعد الدخول‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا وقع الخالف قبل الدخول فإن املرأة تصدق بعد أن تحلف إذا كانت رشيدة أنها ما قبضت‬
‫شيئا‪ ،‬ويحكم على الزوج به‪ .‬أما إذا لم تكن الزوجة رشيدة فإن وليها هو الذي يحلف على عدم القبض‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا وقع الخالف بعد الدخول‪ ،‬فإن قال الزوج أنه دفع الصداق قبل الدخول‪ ،‬و أنكرت الزوجة‪،‬‬
‫حلف الزوج وصدق حينها؛ ألن الدخول يشهد للزوج دفع الصداق‪ .‬أما إذا قال الزوج أنه دفع الصداق‬
‫بعد الدخول‪ ،‬و أنكرت الزوجة ذلك فإنها تصدق بيمينها‪.‬‬
‫‪ ‬ب‪ -‬االختالف حول قدر الصداق‪:‬‬
‫إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق‪ ،‬كما إذا ادعت الزوجة أن الصداق ألف درهم ‪ ،‬وقال الزوج إن‬
‫الصداق خمسمائة فقط ‪ ،‬فالخالف إما أن يقع قبل الدخول أو بعده‪:‬‬
‫‪ -‬إذا وقع قبل الدخول فإن الزوجة تحلف على دعواها إذا كانت رشيدة‪ ،‬ثم يخير الزوج بين أمرين‪:‬‬
‫إما أن يؤدي للزوجة ما حلفت عليه وإما أن يحلف على ما يدعيه‪ ،‬ويفسخ النكاح وَل ش يء عليه من‬
‫الصداق حينئذ‪ .‬وإذا امتنعت الزوجة من اليمين لزمها الزواج على أساس قدر الصداق الذي ادعاه‬
‫الزوج‪.‬‬
‫أما إذا لم تكن الزوجة رشيدة فإن وليها الذي عقد لها هو الذي يحلف‪ ،‬فإذا امتنع الولي من اليمين‬
‫لزمه أن يؤدي للزوجة الفرق بين ما تدعيه هي وما يدعيه الزوج‪.‬‬
‫‪ -‬إذا وقع الخالف بعد الدخول فإن الزوج يحلف على ما يدعيه ويصدق حينئذ‪ ،‬فإن نكل حلفت‬
‫الزوجة وحكم لها بما تدعيه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويطبق هذا الحكم فيما إذا وقع الخالف بعد الطالق أو بعد موت أحد الزوجين أو كليهما‪.‬‬

‫‪- 1‬البهجة شرح التحفة‪576 /1،‬‬


‫‪45‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬املطلب اخلامس‪ :‬يف الولي‬


‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬يف تعريف الولي‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬يف اللغة‬
‫الولي لغة‪ :‬من‪ :‬ولي وَلية‪ ،‬ويقال‪ :‬وليت على الصبي واملرأة فالفاعل وال‪ ،‬والجمع وَلة‪ ،‬والصبي واملرأة‬
‫مولي عليه‪ .‬والوَلية بالفتح والكسر‪ :‬النصرة‪ ،‬واملولى الناصروالحليف‪1 .‬‬
‫‪ ‬ثانيا يف االصطالح‬
‫قال ابن عرفة‪ " :‬من له على املرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسالم"‪.‬‬
‫فالولي في الزواج إذن هو من يتولى العقد نيابة عن الزوجة لكونه أباها‪ ،‬أو وصيا عليها‪ ،‬أو كافال لها‪ ،‬أو‬
‫قريبا عاصبا‪ ،‬أو رجال من عامة املسلمين أو حاكما‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪:‬يف شروط الولي‪:‬‬
‫يشترط في الولي على الزواج مجموعة من الشروط وهي‪:‬‬
‫‪-‬أوَل‪ :‬أن يكون بالغا‪ ،‬فإذا تولى الصبي عقد الزواج َلمرأة؛ كما إذا زوج الابن غيرالبالغ أمه‪ ،‬فإن الزواج‬
‫يفسخ بطلقة بائنة ولو بعد الدخول‪.‬‬
‫‪-‬ثانيا‪ :‬أن يكون عاقال؛ فإن كان الولي معتوها أو مجنونا فإنه َل يصح أن يعقد على وليه‪ ،‬وتنتقل‬
‫الوَلية حينئذ إلى من هو أدنى منه‪.‬‬
‫‪-‬ثالثا‪ :‬أن يكون ذكرا؛ ألن املرأة كما َل يصح لها أن تعقد زواجها بنفسها‪َ ،‬ل يجوز لها أن تعقد الزواج‬
‫لغيرها بدليل حديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪َ«:‬ل تزوج املرأة املرأة‪ ،‬وَل تزوج املرأة نفسها‬
‫فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» ‪.2‬‬
‫‪-‬رابعا‪ :‬أن يكون حرا‪ ،‬بمعنى أن يكون الولي غير رقيق‪ ،‬وهذا لم يبق العمل به آلان‪.‬‬
‫‪-‬خامسا‪ :‬أن يكون مسلما‪ :‬ويشترط إلاسالم في الولي إذا كانت الزوجة مسلمة‪ ،‬أما إذا كانت كتابية‬
‫وتزوجها مسلم فيجوزأن يعقد لها الزواج أبوها أو غيره من ألاولياء‪ ،‬ولو كان كتابيا أيضا‪.‬‬
‫‪-‬سادسا‪ :‬أَل يكون محرما بحج أو عمرة‪ ،‬فإن كان محرما بحج أو عمرة فال يجوز له أن يتولى عقد الزواج‬
‫إَل إذا تم إحالله بالرمي والطواف والسعي في الحج والعمرة‪ ،‬كما أنه َل يجوز له أن يوكل من يعقد‬
‫النكاح نيابة عنه‪ .‬فإن تولى الولي العقد وهو محرم أو وكل من يعقد نيابة عنه فإن الزواج َل يصح‬
‫‪3‬‬
‫ويفسخ قبل الدخول وبعده‪.‬‬

‫‪- 1‬املصباح املنير للفيومي‪ ،‬طبعة املكتبة العلمية‪-‬بيروت‪375 /5 ،‬‬


‫‪- 2‬أخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬ال نكاح إال بولي‪ ،‬رقم‪1995 :‬‬
‫‪ - 3‬البهجة شرح التحفة‪ ،‬للتسولي‪535 /1 ،‬‬
‫‪46‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪-‬سابعا‪ :‬أن يكون عدَل غير فاسق‪ ،‬وراشدا غير سفيه‪ ،‬وهما شرطا كمال‪ ،‬وليس شرطا صحة في الولي‬
‫‪1‬‬
‫على القول الراجح‪.‬‬
‫وقد ذكرابن جزي في قوانينه صفات الولي فقال‪ ":‬وهي إلاسالم‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والذكورية اتفاقا في‬
‫ألاربعة‪ ،‬والحرية خالفا ألبي حنفية‪ .‬واختلف في اشتراط العدالة والرشد‪ ،‬فقيل‪ :‬يعقد السفيه على‬
‫وليته‪ ،‬خالفا ألبي حنيفة‪ .‬وقيل‪ :‬يعقد وليه‪ .‬ويعقد الكافر على الكافر‪ ،‬و إنما يعقد املسلم على الكافرة‬
‫‪2‬‬
‫بالرق خاصة‪".‬‬

‫‪ ‬الفرع الثالث‪ :‬يف حكم اشرتاط الوالية يف الزواج‬


‫وقد اختلف الفقهاء في مسألة الوَلية في الزواج‪ ،‬وعقد املرأة زواجها بنفسها على أقوال خمسة‪:‬‬
‫أ‬
‫القول الول‪ :‬أن املرأة َل تزوج نفسها على كل حال‪ ،‬وأن النكاح َل يكون إَل بولي‪ ،‬وهو شرط صحة مطلقا‬
‫للصغيرة والكبيرة والثيب والبكر‪ ،‬وهذا مذهب الجمهورمن مالكية وشافعية وحنابلة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه َل يشترط الولي أصال‪ ،‬ويجوز أن تزوج املرأة نفسها ولو بغير إذن وليها‪ ،‬وهو قول‬
‫الحنفية‪ ،3‬وبه قال زفروالشعبي والزهري‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن الوَلية سنة َل فرض‪ ،‬ومن شروط التمام َل من شروط الصحة‪ ،‬وإليه ذهب ابن‬
‫القاسم في روايته عن مالك في غيراملشهور‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬التفريق بين البكر والثيب‪ ،‬وأن الولي شرط في تزويج البكر‪ ،‬وليس شرطا في تزويج الثيب‪،‬‬
‫وإليه ذهب داود الظاهري‪.‬‬
‫القول الخامس‪ :‬أنه يشترط إذن الولي فقط دون تزويجه؛ حيث إنه َل يجوز للمرأة أن تتزوج بغير إذن‬
‫الولي فإن فعلت كان موقوفا على إجازته‪ ،‬وهو مذهب ألاوزاعي‪.‬‬

‫‪- 1‬أحكام ألاسرة في الشريعة إلاسالمية‪86-99 ،‬‬


‫‪- 2‬القوانين الفقهية‪ ،‬ص‪559 :‬‬
‫‪- 3‬املبسوط ‪ ،‬للسرخس ي‪16 /5 ،‬‬
‫‪47‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫وقد بين ابن رشد في بداية اُمجتهد سبب اختالف الفقهاء في مسألة اشتراط الوَلية في الزواج‪ ،‬وعرض‬
‫‪1‬‬
‫أدلة كل فريق وحججه‪ ،‬فلتراجع هناك‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الرابع‪ :‬يف ترتيب األولياء يف النكاح‬
‫يمكن أن نلخص ترتيب ألاولياء بما ذكره ابن الجالب املالكي ‪813‬ه في تفريعه باب ألاولياء في النكاح‬
‫ومراتبهم وهو كالم جامع في ترتيب ألاولياء في النكاح في فصل خصصه لذلك‪ ،‬حيث أورد قول مالك في‬
‫ذلك ‪":‬والابن أولى بإنكاح أمه من أبيها‪ ،‬وكذلك ابن الابن أولى به من أبيها‪ .‬وألاخ‪ ،‬و ابن ألاخ‪ ،‬أولى به من‬
‫جدها‪ ،‬ثم الوَلية بعد ذلك مرتبة على ترتيب العصبات في املواريث"‪.2‬‬
‫وقد ذكر ابن رشد اختالف الفقهاء في املسألة فقال‪ ...":‬واختلفوا في ترتيب الوَلية من النسب فعند‬
‫مالك أن الوَلية معتبرة بالتعصيب إَل الابن‪ ،‬فمن كان أقرب عصبة كان أحق بالوَلية‪ ،‬وألابناء عنده‬
‫أولى وإن سفلوا‪ .‬ثم آلاباء‪ ،‬ثم إلاخوة لألب وألام‪ ،‬ثم لألب‪ ،‬ثم بنو إلاخوة لألب وألام‪ ،‬ثم لألب فقط‪ ،‬ثم‬
‫ألاجداد لألب وإن علوا‪.‬‬
‫وقال املغيرة‪ :‬الجد و أبوه أولى من ألاخ‪ ،‬و ابنه ليس من أصل‪ ،‬ثم العمومة على ترتيب إلاخوة وإن‬
‫سفلوا‪ ،‬ثم املولى‪ ،‬ثم السلطان‪ .‬واملولى ألاعلى عنده أحق من ألاسفل‪ ،‬والوص ي عنده أولى من ولي‬
‫النسب‪ ،‬أعني‪ :‬وص ي ألاب‪.‬‬
‫واختلف أصحابه فيمن هو أولى‪ :‬وص ي ألاب؟ أو ولي النسب؟ فقال ابن القاسم‪ :‬الوص ي أولى‪ ،‬مثل قول‬
‫مالك‪ .‬وقال ابن املاجشون‪ ،‬و ابن عبد الحكم‪ :‬الولي أولى‪ .‬وخالف الشافعي مالكا في وَلية البنوة فلم‬
‫يجزها أصال‪ ،‬وفي تقديم إلاخوة على الجد‪ ،‬فقال‪َ :‬ل وَلية لالبن‪ .‬وروي عن مالك أن ألاب أولى من الابن‬
‫وهو أحسن‪ ،‬وقال أيضا‪ :‬الجد أولى من ألاخ‪ ،‬وبه قال املغيرة‪ .‬والشافعي اعتبرالتعصيب‪ ،‬أعني أن الولد‬
‫ليس من عصبتها؛ لحديث عمر " َل تنكح املرأة إَل بإذن وليها‪ ،‬أو ذي الرأي من أهلها‪ ،‬أو السلطان‪. 3." ...‬‬
‫فتأمله‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ ‬تفريعات يف اجتماع األولياء يف النكاح‬
‫‪ ‬التفريع األول‪ :‬يف من زوجها وليان من رجلني‬
‫قال مالك يرحمه هللا‪ :‬وإذا جعلت املرأة أمرها إلى وليين فزوجاها من رجلين‪ ،‬ثم ُع ِل َم بذلك قبل‬
‫الدخول بها‪ ،‬فاألول أحق بها من الثاني‪ .‬فإن دخل بها الثاني قبل علمه باألول لم يفسخ نكاحه منها‪ ،‬وكان‬
‫أحق بها‪.‬‬

‫‪- 1‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد‪ ،‬البن رشد‪ ،‬طبعة دار الحديث‪-‬القاهرة‪5665 ،‬م‪ 53 /6 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪- 2‬التفريع في فقه إلامام مالك‪ ،‬البن الجالب ‪ ،‬تح‪ :‬سيد كسروي حسن‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية‪1559 ،‬هـ ‪5667-‬م‪.636 /1 ،‬‬
‫‪- 3‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد‪56/6 ،‬‬
‫‪- 4‬التفريع البن الجالب‪863-863 /2 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫جميعا‪ ،‬ثم تزوجت من شاءت‬ ‫ً‬ ‫وإن لم ُيعلم أيهما قبل صاحبه وكان ذلك قبل الدخول بها فسخ نكاحهما‬
‫منهما أو غيرهما‪ .‬وإن دخل بها أحدهما فهو أحق بها من آلاخر‪.‬‬
‫‪ ‬التفريع الثاني‪ :‬اختالف األولياء يف تزويج املرأة‬
‫إذا كان للمرأة أولياء من درجة واجدة فأيهم زوجها جاز نكاحها‪ ،‬فإن اختلفوا قبل النكاح فأوَلهم بها‬
‫ً‬
‫أفضلهم حاَل‪ ،‬فإن استووا في الدرجة والفضل واختلفوا في عقد النكاح نظر فيه الحاكم فعقده إن رأى‬
‫سدادا أو رده إلى من يعقده منهم أو من غيرهم‪ .‬وَل وَلية ألحد من ذوي ألارحام في النكاح و إنما الوَلية‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫فيه للعصبات‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬في أنواع الزواج وأحكامه‪.‬‬
‫الزواج بالنظرإلى توفرشروطه وأركانه‪ ،‬أو عدم توفرها إما زواج صحيح وإما زواج فاسد‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب األول‪:‬الزواج الصحيح‬
‫وهو الزواج الذي توفرت فيه أركانه وشروطه‪ ،‬وكان خاليا من املوانع التي سبق ذكرها ‪ ،‬وكان الزوج‬
‫رشيدا أو مأذونا له في الزواج‪ ،‬وكان الزوج كذلك كفؤا‪ ،‬أو رض ي كل من الولي والزوج بالزواج منه بالرغم‬
‫من كونه غيركفء‪...‬‬
‫فإذا تحقق هذا اعتبر الزواج صحيحا وترتبت تبعا لذلك آلاثار الشرعية من قبيل املساكنة الشرعية‬
‫وحسن املعاشرة‪ ،‬وثبوت الحقوق الشرعية من قبيل إلارث ووجوب النفقة الزوجية‪ ،‬وطاعة الزوجة‬
‫لزوجها‪ ،‬وإرضاع الزوجة أوَلدها عند الاستطاعة‪ ،‬ورعاية البيت وتربية ألابناء‪....‬‬
‫وَل يحكم بفساد الزواج إَل إذا ثبت أنه فاقد لركن أوشرط؛ ألن القاعدة أن محمل النكاح على‬
‫‪1‬‬
‫الصحة حتى يتبين الفساد‪.‬‬
‫وإذا تخلف أحد أركان الزواج أو شروطه‪ ،‬أو وجد مانع من موانعه‪ ،‬فإنه يعتبرحينئذ فاسدا‪.‬‬
‫‪ ‬املطلب الثاني‪:‬الزواج الفاسد‬
‫الزواج الفاسد هو كل زواج فقد ركنا من أركانه‪ ،‬أو شرطا من شروطه؛ كالزواج بغير ولي‪ ،‬أو بالزوجة‬
‫الخامسة‪ ،‬وكما إذا تزوج شخص بامرأة محرمة عليه تحريما مؤبدا أو مؤقتا‪...‬‬
‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬يف أنواع الزواج الفاسد‬
‫الزواج الفاسد نوعان‪:‬‬
‫‪ ‬النوع األول‪ :‬الزواج الفاسد لعقده‪،‬‬
‫وهو ما اختل فيه شرط من شروط العقد؛ كالزواج بامرأة من النسوة اُمحرمات حرمة مؤبدة بنسب‬
‫أو رضاع أو مصاهرة‪ ،‬أو الزواج بامرأة خامسة‪ ،‬أو تزوج الشخص وهو محرم بحج أو عمرة‪ ،‬أوالزواج‬
‫أثناء العدة‪ ،‬أو زواج املتعة‪ ،‬أو الزواج الذي يتفق فيه على إسقاط الصداق أو إلاشهاد‪.‬‬

‫‪- 1‬البهجة شرح التحفة‪ ،‬للتسولي‪698/1 ،‬‬


‫‪49‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬النوع الثاني‪ :‬الزواج الفاسد لصداقه‪،‬‬


‫وهو ما فقد شرطا من الشروط التي تشترط في الصداق‪ .‬كما إذا كان الصداق شيئا مجهوَل‪ ،‬أو غير‬
‫طاهر‪ ،‬أو غيرمنتفع به انتفاعا شرعيا‪...‬‬
‫والزواج الفاسد يكون تارة مجتمعا على فساده بحيث َل يوجد من بين العلماء من يقول بصحته؛‬
‫وذلك كالزواج باُمحرمة من النسب أو الصهر أو الرضاع‪ ،‬وكالزواج مع الاتفاق على إسقاط‬
‫الصداق‪...‬وتارة يكون مختلفا في فساده؛ حيث يوجد من يرى أنه زواج صحيح وذلك كزواج اُمحرم‬
‫بحج أو عمرة‪ ،‬ويعتبر النكاح مختلفا فيه‪ ،‬ولو كان صاحب الرأي الذي يرى أنه زواج صحيح يتبع غير‬
‫‪1‬‬
‫املذهب املالكي؛ ما دام هذا الرأي قويا في ذلك املذهب‪.‬‬
‫‪ ‬الفرع الثاني‪:‬يف بيان أحكام الزواج الفاسد‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬من حيث الفسخ‪،‬‬
‫في هذه الحالة َلبد من التمييزبين الزواج الفاسد لعقده‪ ،‬والزواج الفاسد لصداقه‪ .‬فالزواج الفاسد‬
‫لعقده يفسخ متى اطلع عليه سواء قبل الدخول أو بعده‪ .‬أما الزواج الفاسد لصداقه فحكمه أن‬
‫يفسخ قبل الدخول‪ ،‬فإن لم يطلع عليه إَل بعد الدخول َل يفسخ‪ ،‬ويكون للزوجة حينها صداق املثل‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬من حيث اعتبار الفسخ طالقا أم غري طالق‪،‬‬
‫في هذه الحالة يميزالفقهاء بين الزواج اُمجمع على فساده‪ ،‬والزواج اُمختلف في فساده‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للزواج اُمجمع على فساده يفسخ بغير طالق ‪ ،‬ولذلك َل يحسب هذا الفسخ في عدد‬
‫الطلقات‪ .‬وإن كانت الزوجة في هده الحالة تعتد عدة املطلقة‪ ،‬وَل يحتاج إلى الحكم بفسخه؛ألنه‬
‫مفسوخ من قبل الشرع أصال‪.‬‬
‫وما بالنسبة للزواج اُمختلف في فساده فيعتبر الفسخ فيه طالقا؛ ألن الزوج هو الذي يوقعه‪ ،‬ويعتبر‬
‫ذلك الفسخ طلقة‪.‬‬
‫جاء في املدونة الكبرى‪ ":‬قلت‪ :‬أرأيت كل نكاح يكون لواحد من الزوجين أو الولي أن يفرق بينهما وإن‬
‫رض ي ثبت النكاح ففرق بينهما الذي له الفرقة في ذلك‪ ،‬أيكون فسخا أو طالقا في قول مالك؟‬
‫قال‪ :‬هذا يكون طالقا‪ ،‬وكذلك قال مالك‪ :‬إذا كان إلى أحد من الناس أن يقربالنكاح إن أحب فيثبت أو‬
‫يفرق فتقع الفرقة أنه إن فرق كانت طلقة بائنة قلت‪ :‬وكل نكاح َل يقر عليه أهله على حال أيكون‬
‫فسخا بغيرطالق في قول مالك؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال سحنون‪ :‬وهو قول أكثر الرواة أن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه مثل نكاح الشغار‬
‫ونكاح اُمحرم ونكاح املريض‪ ،‬وما كان صداقه فاسدا فأدرك قبل الدخول والذي عقد بغيرصداق فكانا‬
‫مغلوبين على فسخه‪ ،‬فالفسخ في جميع ما وصفنا بغير طالق وهو قول عبد الرحمن غير مرة‪ ،‬ثم رأى‬

‫‪ -1‬أحكام ألاسرة‪ ،‬مجمد ابن معجوز‪ ،‬ص‪155 :‬‬


‫‪51‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫غير ذلك لرواية بلغته والذي كان يقول به عليه أكثر الرواة وما كان فسخه بغير طالق فال ميراث فيه‪،‬‬
‫وأما ما عقدته املرأة على نفسها أو على غيرها وما عقد العبد على غيره فإن هذا يفسخ دخل أو لم‬
‫‪1‬‬
‫يدخل بغيرطالق وَل ميراث فيه‪".‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬من حيث اإلرث‪،‬‬
‫بالنسبة للزواج اُمجمع على فساده‪ ،‬وهو الزواج الذي يفسخ بغير طالق‪َ ،‬ل يكون فيه توارث بين‬
‫الزوجين ولو وقع بعد الدخول‪ ،‬وسواء مات أحدهما قبل الفسخ أو بعده‪ .‬أما الزواج اُمختلف في‬
‫فساده وهو الزواج الذي يفسخ بطالق فيكون فيه التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما سواء وقع‬
‫الدخول أو لم يقع‪ ،‬فإن فسخ قبل املوت فال إرث بينهما‪ ،‬ولو مات أحدهما أثناء فترة العدة؛ ألن هذا‬
‫الطالق يعتبربائنا‪.‬‬
‫ويستثنى من هذا حاَلت يفسخ فيها الزواج بطالق‪ ،‬وَل توارث بين الزوجين ولو مات أحدهما قبل‬
‫الفسخ وهي‪:‬‬
‫‪ -‬زواج املريض؛ َل إرث فيه إذا مات أحدهما سواء مات الصحيح أو مات املريض‪ ،‬مات قبل الدخول‬
‫أو بعده‪ ،‬ألن هذا زواج فاسد بسبب إدخال وارث‪ ،‬ويعاقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ -‬نكاح الخيار وهو زواج فاسد عند املالكية كما سبق ذكره يفسخ إذا اطلع عليه قبل الدخول‪ ،‬فإذا‬
‫مات أحد الزوجين قبل الفسخ َل يرثه آلاخر‪ .‬أما إذا وقع الدخول فإنه يصبح صحيحا‪ ،‬ألن الدخول‬
‫دال على الاختيارمن قبل من كان له الخيار‪.‬‬
‫‪ -‬إذا عقدت املرأة الزواج لنفسها‪ ،‬أو ألنثى غيرها‪ ،‬فإذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ َل يرثه آلاخر‪.‬‬
‫‪ ‬رابعا‪:‬من حيث وجوب الصداق‪،‬‬
‫إذا فسخ الزواج فبل الدخول فإن الزوجة َل تستحق الصداق‪ ،‬أما إذا فسخ بعد الدخول فللزوجة‬
‫املسمى من الصداق إذا سمى لها صداقا‪ ،‬وإَل فلها صداق املثل‪ .‬وقد سبق التفصيل في هذا في أحكام‬
‫الصداق فليراجع هناك‪.‬‬
‫‪ ‬خامسا‪:‬من حيث ثبوت النسب‪،‬‬
‫من حيث ثبوت النسب َلبد ما التمييزبين الزواج الذي يشتمل على شبهة تدرأ الحد وغيره‪:‬‬
‫فإذا كان الزواج الفاسد يشتمل على شبهة تدرأ الحد فإن الولد ينسب للزوج ويلحق به‪ ،‬وذلك كمن‬
‫تزوج امرأة تحرم عليه من جهة القرابة او املصاهرة أو الرضاع‪ ،‬وكان غير عالم بأن هذا املانع يحرم‬
‫عليه الزواج بتلك املرأة‪.‬‬
‫ألن الشبهة في باب النسب تفسرلصالح املولود عمال بكلي حفظ النسل‪ ،‬وحماية لالبن من الضياع‪،‬‬

‫‪- 1‬املدونة الكبرى‪156-118/5 ،‬‬


‫‪51‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫قال ابن عاصم في التحفة‪:‬‬


‫وحيث درء الحد يلحق الولد في كل ما من النكاح قد فسد‬
‫ً‬
‫ومعنى ذلك كما قال التسولي‪":‬أن النكاح الفاسد كان متفقا على فساده كنكاح ذات محرم أو خامسة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أو مختلفا في فساده كاُمحرم‪ ،‬والشغار إن ُدرىء فيه الحد عن الزوج بعد علمه في ألاوليين ومطلقا في‬
‫ألاخيرتين؛ ألن الخالف ولو خارج املذهب يدرأ الحد‪ ،‬فإنه يلحق فيه الولد‪ ،‬ومفهومه أنه إن لم يدرأ فيه‬
‫‪1‬‬
‫الحد َل يلحق الولد به ألنه محض زنا‪".‬‬
‫أما إذا كان هذا الزواج الفاسد َل يشتمل على شبهة تدرأ الحد؛ وذلك كمن تزوج بدون صداق‪ ،‬فإن‬
‫الولد َل يلحق بالزوج؛ألنه ابن زنا‪ ،‬وألن القاعدة في املذهب‪ ،‬كما في قول مالك‪َ ":‬ل يجتمع الحد و إثبات‬
‫‪2‬‬
‫النسب"‬
‫ويستثنى من ذلك حاَلت يحد فيها الزوج ألنه يعتبر زانيا‪ ،‬ولكن الولد الذي ينشأ عن هذا الزواج‬
‫الفاسد ينسب للزوج‪ ،‬وهذه الحاَلت هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا تزوج شخص امرأة كان قد طلقها ثالثا من غيرأن تتزوج غيره‪،‬‬
‫ب‪ -‬إذا تزوج شخص امرأة تحرم عليه حرمة مؤبدة‪،‬‬
‫ت‪ -‬إذا تزوج امرأة خامسة‪،‬‬
‫ففي هذه الحاَلت إذا ولدت تلك الزوجة ولدا و أقر الزوج بأنه كان يعلم بالحرمة‪ ،‬فإن الولد يلحق به‬
‫رغم أنه يحد حد الزنا‪3‬؛ ألنه يتهم بأنه إنما اقر بعلمه بالتحريم لئال ينسب له الولد‪ ،‬فيعاقب بنقيض‬
‫قصده‪ .‬وأما إذا ثبت بغير إقراره أنه كان يعلم بالحرمة قبل الزواج‪ ،‬فإن الولد َل يلحق به كما سبق‬
‫ذكره‪.‬‬
‫إفادة‪:‬‬
‫إن الذي عليه الجمهور ومنهم املالكية ‪ 4‬أن ولد الزنا َل ينسب ألبيه‪ ،‬وَل يلحق به‪ ،‬استنادا ملا ثبت في‬
‫الصحيحين من حديث عائشة اهنع هللا يضر قالت‪ << :‬اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غالم فقال‬
‫سعد هذا يا رسول هللا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه‪ ،‬وقال عبد بن زمعة‬
‫هذا أخي يا رسول هللا ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول هللا ‪ ‬إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هو لك يا عبد بن زمعة‪ ،‬الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة فلم تره‬

‫‪ -1‬البهجة شرح التحفة‪ ،‬للتسولي‪.566 /1 ،‬‬


‫‪ -2‬املدونة الكبرى ‪ ،5798/3‬طبعة دار الفكر ‪ 1898‬م‬
‫‪- 3‬حاشية بناني‪133 /6،‬‬
‫‪ -4‬بداية املجتهد‪ ، 659 /5 -‬الشرح الصغير للدردير ص‪679 :‬‬
‫‪52‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫سودة قط>>‪ ،1‬ووجه الاستدَلل بالحديث كما عند إلامام النووي على شرح صحيح مسلم قال‪":‬‬
‫فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد ملدة إلامكان منه لحقه الولد‬
‫وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الوَلدة‪ ،‬سواء كان مو افقا له في الشبه أم مخالفا ‪.‬‬
‫ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما"‪ ،2‬فكان الفراش علة للحكم بالولد‪ .‬وما تلده‬
‫املرأة من ولد على فراش الزوجية ينسب إلى أبيه؛ ألن وَلدته على فراش الزوجية قرينة كافية لكونه من‬
‫الزوج و أنه خلق من مائه‪.‬‬
‫وقال الباجي في تحديد معنى الفراش‪ ":‬وقوله ‪ ‬الولد للفراش وللعاهرالحجرالفراش عند أصحابنا‬
‫هي ألامة ؛ ألنها تصير فراشا بإقرار السيد بالوطء ومعنى ذلك أن الولد لصاحب الفراش قال القاض ي‬
‫أبو الوليد ‪ :‬ويحتمل عندي أن يكون املراد بالفراش ما يفترش وذلك أن الوطء غالبا إنما يكون على‬
‫ش يء يفترش فيكون معناه وهللا أعلم أن السيد إذا وطئ أمته فقد اتخذ لها فراشا ‪ ،‬وأن الولد منسوب‬
‫‪3‬‬
‫إلى صاحب الفراش وهو سيد ألامة التي جعل لها فراشا وهو أحق به من غيره‪"..‬‬
‫قال ابن رشد‪ ":‬اتفق الجمهور على أن أوَلد الزنا َل يلحقون بآبائهم إَل في الجاهلية على ما روي عن‬
‫عمربن الخطاب على اختالف في ذلك بين الصحابة‪ ،‬وشذ قوم فقالوا يلحق ولد الزنا في إلاسالم"‪.4‬‬
‫وقد استدل الجمهورعلى ذلك بأحاديث منها‪:‬‬
‫‪ -2‬حديث‪ :‬عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬قال‪ « :‬إن النبي ‪ ‬قال كل مستلحق استلحق بعد‬
‫أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته فقض ى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن‬
‫استلحقه وليس له مما قسم قبله من امليراث ش يء وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه وَل يلحق‬
‫إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهربها فإنه َل يلحق به وَل يرث‬
‫وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنا من أهل أمه من كانوا حرة كان أو أمة» ‪.5‬‬
‫‪ -0‬حديث‪ :‬عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول هللا ‪ ‬قال‪ « :‬أيما رجل‬
‫عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا َل يرث وَل يورث »‪ ،‬قال أبو عيس ى وقد روى غير ابن لهيعة هذا‬
‫‪6‬‬
‫الحديث عن عمرو بن شعيب والعمل على هذا عند أهل العلم أن ولد الزنا َل يرث من أبيه‪.‬‬

‫‪ -1‬أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع كثيرة منها كتاب الفرائض‪ ،‬باب‪:‬الولد للفراش‪ ،‬حرة كانت أو أمة‪ ،‬رقم ‪ - 3758 :‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه ‪ ،‬كتاب الرضاع‪ ،‬باب‪ :‬الولد للفراش وتوقي الشبهات‪ ،‬رقم ‪5355‬‬
‫‪ -2‬النووي على شرح مسلم‪ ،‬كتاب الرضاع ‪ ،‬باب‪ :‬الولد للفراش‪.‬‬
‫‪ -3‬املنتقى شرح املوطأ‪ ،‬ط ‪ 1‬دار الكتب العلمية‪1556 ،‬هـ ‪1888‬م‪656-668 /7 ،‬‬
‫‪ -4‬بداية املجتهد‪.581 /5 ،‬‬
‫‪ -5‬أخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب في ادعاء الولد‪ ،‬رقم ‪.5763‬‬
‫‪ -6‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الفرائض عن رسول هللا‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في إبطال ميراث ولد الزنا‬
‫‪53‬‬
‫املوسم الدراسي ‪0202-0202‬م‬

‫‪ ‬سادسا‪ :‬من حيث نشر احلرمة‪،‬‬


‫إذا كان الزواج مجمعا على فساده فإنه َل ينشر الحرمة بمجرد العقد‪ ،‬فإذا عقد رجل على امرأة مثال‬
‫وكانت هي الزوجة الخامسة وفسخ الزواج قبل أن يحصل بينهما وطء أو مقدماته‪ ،‬فإن ذلك َل يترتب‬
‫عليه حرمة املصاهرة؛ حيث إنه يجوز َلبنه أو أبيه أن يتزوجها‪ ،‬كما يجوز له أن يتزوج ابنتها أو أمها‪ .‬أما‬
‫إذا لم يفسخ إَل بعد أن حصل وطء فإن الحرمة تترتب حينها‪.‬‬
‫أما إذا كان الزواج مختلفا في فساده فإنه يترتب ما يترتب على الزواج الصحيح من نشر الحرمة؛ فإذا‬
‫تزوج شخص امرأة وهو محرم بحج أو عمرة‪ ،‬فإذا فسخ هذا الزواج قبل أن يحصل بينهما وطء فإنه َل‬
‫يجوز ألبيه أو ابنه أن يتزوجها‪ ،‬كما َل يجوز أن يتزوج أمها‪ ،‬لكن يجوز له أن يتزوج ابنتها من غيره‪ ،‬وذلك‬
‫‪1‬‬
‫بناء على القاعدة ‪ :‬أن مجرد العقد على ألامهات َل يحرم البنات‪.‬‬
‫‪ ‬سابعا‪ :‬من حيث ترتب العدة أو االسترباء‪،‬‬
‫إذا فسخ الزواج قبل الدخول فال يجب على املرأة أن تعتد‪ ،‬أما إذا فسخ بعد الدخول فتفصيل‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان الزواج مجمعا على فساده فإنما يجب عليها الاستبراء‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا كان الزواج مختلفا في فساده فتجب عليها العدة‪.‬‬

‫‪ -1‬شرح الزرقاني على مختصر خليل‪181/6 ،‬‬


‫‪54‬‬

You might also like