بر الوالدين فريضة ودين

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫‪ 1‬من ‪13‬‬

‫بر الوالدين فريضة ودين‬ ‫عنوان اخلطبة‬


‫‪/1‬حث اإلسالم على بر الوالدين ‪/2‬أمهية بر الوالدين‬ ‫عناصر اخلطبة‬
‫ومثاره ‪/3‬آثار عقوق الوالدين يف الدنيا واآلخرة‬
‫‪/4‬وصايا لألبناء‪.‬‬
‫عبداهلل الربح ‪ -‬عضو الفريق العلمي‬ ‫الشيخ‬
‫عدد الصفحات ‪13‬‬
‫اخلطبة األوىل‪:‬‬

‫احلمد هلل‪ ،‬حنمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أَّن حممًد ا‬
‫عبده ورسوله‪َ( ،‬يا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوْا اَّتُقوْا الّلَه َح َّق ُتَق اِتِه َو َال ُمَتوُتَّن ِإَّال‬
‫َو َأنُتم ُّم ْس ِلُم وَن )[آل عمران‪َ( ،]102 :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس اَّتُقوْا َر َّبُك ُم اَّلِذي‬
‫َخ َلَق ُك م ِّم ن َّنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َلَق ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ِم ْنُه َم ا ِر َج اًال َك ِثًريا‬
‫َو ِنَس اء َو اَّتُقوْا الّلَه اَّلِذ ي َتَس اءُلوَن ِبِه َو اَألْر َح اَم ِإَّن الّلَه َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيًبا)‬
‫‪ 2‬من ‪13‬‬

‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِذ‬


‫[النساء‪َ( ،]1 :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َو ُقوُلوا َقْو اًل َس يًد ا * ُيْص ْح‬
‫َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغِف ْر َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو َم ن ُيِط ْع الَّلَه َو َرُس وَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا‬
‫َعِظ يًم ا)[األحزاب‪ ،]71-70 :‬أما بعد‪:‬‬

‫أيها املسلمون‪ :‬طاعة أوجب اهلل اإلتيان هبا وقضى ربنا أن نقوم هبا؛ بل‬
‫إنه ‪-‬سبحانه‪ -‬قرن األمر هبا باألمر بعبادته؛ وما ذلك إال لعظمها وشرف‬
‫القيام هبا‪ ،‬وخطورة التفريط فيها؛ فهل عرفتم هذه الطاعة اجلليلة وهل‬
‫خطر على بال أحدكم هذه املهمة الرفيعة؟‬

‫واجلواب‪ :‬إهنا طاعة املرء لوالديه وبره هبما وإحسانه إليهما؛ فاستمع ‪-‬‬
‫أيها املوفق‪ -‬إىل باريك وهو حيثك على اإلحسان لوالديك فقال ‪-‬جل‬
‫يف عليائه‪َ( :-‬و َقَض ى َر ُّبَك َأاَّل َتْع ُبُد وا ِإاَّل ِإَّياُه َو ِباْلَو اِلَد ْيِن ِإْح َس اًنا)‬
‫[اإلسراء‪]23:‬؛ وال شك أن هذا االقرتان يزيدها قدرًا وينال من قام هبا‬
‫شرفا وفضال؛ فما أعظمها من طاعة وأكرمها من مهمة‪.‬‬
‫‪ 3‬من ‪13‬‬

‫ومل يأت هذا االقرتان يف موضع واحد يف القرآن فحسب بل جاء يف‬
‫مواضع كثرية؛ كما يف قوله ‪-‬عز وجل‪ ( :-‬اْع ُد وا الَّل اَل ُتْش ِر ُك وا ِبِه‬
‫َه َو‬ ‫َو ُب‬
‫ِل‬
‫َش ْيًئا َو ِباْلَو ا َد ْيِن ِإْح َس اًنا)[النساء‪ ،]36:‬وقوله‪ُ( :‬قْل َتَعاَلْو ا َأْتُل َم ا َح َّر َم‬
‫َر ُّبُك ْم َعَلْيُك ْم َأاَّل ُتْش ِر ُك وا ِبِه َش ْيًئا َو ِباْلَو اِلَد ْيِن ِإْح َس اًنا)[األنعام‪،]151:‬‬
‫وورد يف مواضع كثرية ال يتسع املقام لذكرها‪ ..‬وما هذا إال لندرك‬
‫مكانة بر الوالدين وعظيم منزلتهما‪.‬‬

‫وقد أدرك ذلك حرب األمة عبداهلل ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪-‬؛ فقال‪:‬‬
‫"ثالث آيات نزلت مقرونة بثالث‪ ،‬مل تقبل منها واحدة بغري قرينتها؛‬
‫إحداها‪ :‬قوله ‪-‬تعاىل‪َ( :-‬أِط يُعوا الَّلَه َو َأِط يُعوا الَّر ُس وَل )[النساء‪]59:‬؛ فإن‬
‫من أطاع اهلل ومل يطع رسوله مل يقبل منه‪ ،‬والثانية‪ :‬قوله ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫(َو َأِقيُم وا الَّصاَل َة َو آُتوا الَّز َك اَة)[البقرة‪ ،]43:‬فمن أقام الصالة ومل يزك مل‬
‫يقبل منه‪ ،‬أما الثالثة‪ :‬ففي قوله‪َ( :‬أِن اْش ُك ْر يِل َو ِلَو اِلَد ْيَك )[لقمان‪]14:‬؛‬
‫فمن شكر اهلل ومل يشكر والديه مل يقبل منه"‪.‬‬
‫‪ 4‬من ‪13‬‬

‫وحني أتى النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬رجل يسأله عن أوىل الناس‬
‫بصحبته‪ ،‬فقال‪ :‬من أحق الناس حبسن صحابيت؟ أجابه‪" :‬أمك"‪ ،‬قال‪ :‬مث‬
‫من؟ قال‪" :‬مث أمك" قال‪ :‬مث من؟ قال‪" :‬مث أمك" قال‪ :‬مث من؟ قال‪" :‬مث‬
‫أبوك"(رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬وملا كان لرب الوالدين تلك األمهية البالغة واملنزلة السامقة جعل‬
‫اهلل لذلك الثمار الكرمية والعطايا الوفرية يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأعظمها‪:‬‬
‫حصول البار بوالديه على مرضاة ربه ومواله؛ كما يف احلديث الذي قال‬
‫فيه رسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬رضا اهلل يف رضا الوالدين‪ ،‬وسخط‬
‫اهلل يف سخط الوالدين"(رواه البخاري)‪.‬‬

‫ومن مثار بر املرء لوالديه‪ :‬قبول عمل البار بوالديه؛ ويف ذلك يقول ‪-‬‬
‫تعاىل‪َ( :-‬و َو َّصْيَنا اِإْل ْنَس اَن ِبَو اِلَد ْيِه ِإْح َس اًنا َمَحَلْتُه ُأُّم ُه ُك ْر ًه ا َو َو َض َعْتُه ُك ْر ًه ا‬
‫َو ْمَحُلُه َو ِفَص اُلُه َثاَل ُثوَن َش ْه ًر ا َح ىَّت ِإَذا َبَلَغ َأُش َّد ُه َو َبَلَغ َأْر َبِعَني َس َنًة َقاَل َر ِّب‬
‫ِل‬ ‫َّل‬ ‫ِن‬ ‫ِز‬
‫َأْو ْع يِن َأْن َأْش ُك َر ْع َم َتَك ا يِت َأْنَعْم َت َعَلَّي َو َعَلى َو ا َد َّي َو َأْن َأْع َم َل‬
‫َص اًحِلا َتْر َض اُه َو َأْص ِلْح يِل يِف ُذِّر َّييِت ِإيِّن ُتْبُت ِإَلْيَك َو ِإيِّن ِم َن اْلُمْس ِلِم َني *‬
‫‪ 5‬من ‪13‬‬

‫ُأوَلِئَك اَّلِذي َنَتَق َّب َعْنُه ْم َأْح َم ا َعِم ُلوا َو َنَتَج اَو ُز َعْن َس ِّيَئاِهِتْم يِف‬
‫َسَن‬ ‫َن ُل‬
‫َأْص َح اِب اَجْلَّنِة َو ْعَد الِّص ْد ِق اَّلِذي َك اُنوا ُيوَعُد وَن )[األحقاف‪،]16-15:‬‬
‫ويف هذه اآلية الكرمي بيان أن قبول طاعة العبد ومغفرة زالته مرهونة بربه‬
‫لوالديه‪.‬‬

‫كما أن من مثار بر الوالدين واإلحسان إليهما‪ :‬تفريج الكروب؛ فمن بر‬


‫والديه فرج اهلل عنه كربه ويسر أمره؛ كما يف حديث عبد اهلل بن عمر ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنهما‪ -‬أن النيب الكرمي ‪-‬عليه أطيب الصالة وأزكى التسليم‪-‬‬
‫قال‪" :‬خرج ثالثة نفر ميشون فأصاهبم املطر‪ ،‬فدخلوا يف غار يف جبل‪،‬‬
‫فاحنطت عليهم صخرة‪ ،‬قال‪ :‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬ادعوا اهلل بأفضل‬
‫عمل عملتموه‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬اللهم إين كان يل أبوان شيخان كبريان‪،‬‬
‫فكنت أخرج فأرعى‪ ،‬مث أجيء فأحلب فأجيء باحلالب‪ ،‬فآيت به أبوي‬
‫فيشربان‪ ،‬مث أسقي الصبية وأهلي وامرأيت‪ ،‬فاحتبست ليلة‪ ،‬فجئت فإذا‬
‫مها نائمان‪ ،‬قال‪ :‬فكرهت أن أوقظهما‪ ،‬والصبية يتضاغون عند رجلي‪،‬‬
‫فلم يزل ذلك دأيب ودأهبما‪ ،‬حىت طلع الفجر‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أين‬
‫‪ 6‬من ‪13‬‬

‫فعلت ذلك ابتغاء وجهك‪ ،‬فافرج عنا فرجة نرى منها السماء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ففرج عنهم‪("...‬رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬

‫وبر العبد بأبويه‪ :‬يثمر زيادة العمر وحصول الربكة فيه؛ فعن ثوبان قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬ال يزيد يف العمر إال‬
‫الرب"(الرتمذي)‪ ،‬ويقول كعب األحبار‪..." :‬وإن اهلل ليزيد يف عمر العبد‬
‫إذا كان باًر ا بوالديه ليزيده بًر ا وخًريا"‪.‬‬

‫ومن مثار طاعة الوالدين‪ :‬مغفرة الذنوب والسيئات وحمو الزالت؛ فعن‬
‫رجلا أتى النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫ابن عمر أن ً‬
‫عظيما فهل يل توبة؟ قال‪" :‬هل لك من أم؟" قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫إين أصبت ذنبًا ً‬
‫قال‪" :‬هل لك من خالة؟" قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬فربها"(رواه أمحد)‪.‬‬

‫وختام مثار بر الوالدين‪ :‬دخول اجلنة؛ فما أعظمها من مثرة؛ وقد روت لنا‬
‫أم املؤمنني عائشة بنت الصديق ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬منت فرأيتين يف اجلنة‪ ،‬فسمعت صوت قراءة تقرأ‪،‬‬
‫‪ 7‬من ‪13‬‬

‫فقلت‪ :‬قراءة من هذا؟" فقيل‪ :‬قراءة حارثة بن النعمان‪ ،‬قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬كذاك الرب‪ ،‬كذاك الرب‪ ،‬كذاك الرب"‪ ،‬وكان من‬
‫أبر الناس بأمه‪( .‬رواه النسائي)‪.‬‬
‫وجاء يف حديث أبي الدرداء ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أنه مسع رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬الوالد أوسط أبواب اجلنة‪ ،‬فإن شئت فأضع‬
‫ذلك الباب أو احفظه"(رواه الرتمذي)‪ ،‬واملراد بالوالد هنا اجلنس؛ أي‬
‫األب أو األم‪ ،‬وعن جامهة السلمي أنه جاء إىل النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أردت أن أغزو‪ ،‬وقد جئت أستشريك‪،‬‬
‫فقال‪" :‬هل لك من أم؟" قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬فالزمها‪ ،‬فإن اجلنة حتت‬
‫رجليها"(رواه أمحد)‪.‬‬

‫أيها املؤمنون‪ :‬تلكم مثار بر الوالدين وثواب صاحبه يف احلياتني؛‬


‫فاجتهدوا يف بر والديكم جتنوا ما أعد اهلل للبار من الثمار‪ ،‬واحذروا من‬
‫التقصري يف حقوقهما‪ ،‬واعلموا أن اهلل توعد العاق بالعقوبات الكبرية‬
‫والعواقب الوخيمة يف الدنيا واآلخرة؛ فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ 8‬من ‪13‬‬

‫تعجيل العذاب للعاق لوالديه؛ إال أن يتوب من ذلك العقوق‪ :‬يقول‬


‫كعب األحبار‪" :‬إن اهلل ليعجل هالك العبد إذا كان عاقًا لوالديه ليعجل‬
‫له العذاب"‪ ،‬ويروى أن رجًال من بىن إسرائيل بلغ به العقوق حد قتل‬
‫والده‪ ،‬فلما أن ذهب به ليقتله قال له أبوه‪ :‬اقتلين يا بىن عند تلك‬
‫الصخرة‪ ،‬قال االبن‪َ :‬وِلَم؟ قال‪ :‬ألين قتلت أيب عندها منذ أربعني سنة؟!‪،‬‬
‫واجلزاء من جنس العمل‪ ،‬قال وهب‪" :‬أوحى اهلل إىل موسى‪ :‬وَِّقر‬
‫والديك؛ فإنه من وقر والديه مددت له يف عمره‪ ،‬ووهبت له ولدًا يربه‪،‬‬
‫ومن عقهما قصرت عمره‪ ،‬ووهبت له ولدًا يعقه"‪.‬‬

‫ومن العقوبات والعواقب لعقوق الوالدين‪ :‬رد عمل العاق لوالديه‪ ،‬كما‬
‫جاء عن الصادق املصدوق يف الصحيح املنطوق ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫أنه قال‪" :‬ثالثة ال يقبل اهلل هلم صرًفا وال عداًل ‪ :‬عاق‪ ،‬ومنان‪ ،‬ومكذب‬
‫بالقدر"‪.‬‬

‫ومن عواقب معصية الوالدين‪ :‬أن اهلل طرد العاق لوالديه من رمحته ولعنه؛‬
‫روى احلاكم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن رسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬ولعن اهلل‬
‫‪ 9‬من ‪13‬‬

‫العاق لوالديه"‪ ،‬وعند اإلمام مسلم‪" :‬ولعن اهلل من لعن والديه"‪ ،‬واللعن‬
‫هو الطرد من الرمحة ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫والعاق ‪-‬يا عباد اخلالق‪ -‬حرم اهلل عليه النظر إليه وحرم عليه جنته؛ كما‬
‫يف حديث ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬ثالثة ال ينظر اهلل عز وجل إليهم يوم القيامة‪ :‬العاق‬
‫لوالديه‪ ،‬واملرأة املرتجلة‪ ،‬والديوث‪ ،‬وثالثة ال يدخلون اجلنة‪ :‬العاق‬
‫لوالديه‪ ،‬واملدمن على اخلمر‪ ،‬واملنان مبا أعطى"(رواه النسائي)‪.‬‬

‫فاتقوا اهلل ‪-‬معشر األبناء والبنات‪ -‬يف طاعة أبويكم وبروا هبما وأحسنوا‬
‫إليهما؛ كما أمركم اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬تنالوا رضاه والفوز يوم لقاه‪.‬‬
‫‪ 10‬من ‪13‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫عبداهلل‪ :‬تلك وصية اإلسالم بوالديك فأطع شرع موالك واستجب ملا إليه‬
‫دعاك‪ ،‬واعلم أن طاعتك لوالديك ِدين تثاب على فعله وحتاسب على‬
‫التقصري فيه‪ ،‬وهي َدين ستجازى به من أبنائك؛ فإن أحسنت لوالديك؛‬
‫فأبشر بإحسان ذريتك إليك‪ ،‬وإن كانت الثانية وقصرت يف حقوقهما‬
‫وقابلت إحساهنما إليك باجلحود والعقوق؛ فأبشر بعقوق أبنائك لك؛‬
‫إضافة إىل العقاب يوم املرجع واملآب‪.‬‬

‫فيا أيها ‪-‬االبن املبارك‪ -‬راجع نفسك وفتش عن حالك مع والديك‬


‫وحاسبها على كل تقصري يف حقهما‪ ،‬واستمع إىل نصيحة من شاعر‬
‫صدقك يف املعاين واملشاعر‪:‬‬
‫ِب‬ ‫ِط‬
‫َأ ِع اإلَلَه َك َم ا َأَمْر *** َو اْم ْأل ُفؤاَدَك اَحلَذ ْر‬
‫ِد‬ ‫ِإ‬ ‫ِط‬
‫َو َأ ْع َأَباَك َف َّنُه *** َر َّباَك يِف َعْه الِّص َغْر‬
‫‪ 11‬من ‪13‬‬

‫ِإ‬ ‫ِض‬
‫َو اْخَض ْع ُألِّم َك َو اْر َه ا *** َفُعُقوُقَه ا ْح َد ى الُك َبْر‬

‫أيها املسلمون‪ :‬قبل اخلتام هناك وصايا إىل كل مريد للرب لوالديه؛‬
‫فدونكم ‪-‬أيها األبناء‪ -‬هذه الوصية؛ فاجتهدوا يف القيام هبا وأبشروا‬
‫باخلري يف العاجلة واآلجلة؛ ويف مقدمة هذه الوصايا‪ :‬ليعرتف كل واحد‬
‫منا بفضل أبويه عليه وليتأمل يف قول ربنا وهو يذكرنا مبا قاما به ألجلنا‬
‫ِف‬ ‫ِل ِه‬
‫حيث قال‪َ( :‬و َو َّصْيَنا اِإْل ْنَس اَن ِبَو ا َد ْي َمَحَلْتُه ُأُّم ُه َو ْه ًنا َعَلى َو ْه ٍن َو َص اُلُه‬
‫يِف َعاَم ِنْي َأِن اْش ُك ْر يِل َو ِلَو اِلَد ْيَك ِإَّيَل اْلَم ِص ُري)[لقمان‪.]14:‬‬

‫ومن الوصايا لألبناء حنو والديهم‪ :‬تلطفوا يف الكالم معهما؛ فذلك من‬
‫متام األدب؛ (ِإَّم ا َيْبُلَغَّن ِعْنَد َك اْلِكَبَر َأَح ُد َمُها َأْو ِكاَل َمُها َفاَل َتُقْل ُهَلَم ا ُأٍّف‬
‫َو اَل َتْنَه ْر َمُها َو ُقْل ُهَلَم ا َقْو اًل َك ِر ًميا)[اإلسراء‪.]23:‬‬

‫ومن الوصايا‪ :‬اخفضوا لوالديكم جناح الرمحة والشفقة امتثاال ألمر‬


‫ا َنا الُّذِّل ِم‬ ‫ِف‬
‫َن‬ ‫الرمحن الرحيم‪ ،‬كما يف كتابه الكرمي؛ (َو اْخ ْض ُهَلَم َج َح‬
‫‪ 12‬من ‪13‬‬

‫الَّر َمْحِة)[اإلسراء‪ ،]24:‬ويف قوله ‪-‬تعاىل‪َ( :-‬و ُقْل َر ِّب اْر ْمَحُه َم ا َك َم ا‬
‫َر َّبَيايِن َص ِغًريا)[اإلسراء‪.]24:‬‬
‫يقول أهل التفسري‪" :‬أي ال تكتف برمحتك عليهما اليت ال بقاء هلا‪ ،‬وادع‬
‫اهلل بأن يرمحهما رمحته الباقية‪ ،‬واجعل ذلك جزاءً لرمحتهما عليك يف‬
‫صغرك وتربيتهما لك"‪.‬‬

‫فاحذروا ‪-‬معشر األبناء‪ -‬نسيان فضل والديكم عليكم‪ ،‬وردوا هلم‬


‫اجلميل وكافئوهم بالثواب اجلزيل وتعهدوهم بالعطاء واحملبة والتبجيل‪،‬‬
‫واشكروهم على اجلهد الفضيل وعاملوهم باخللق النبيل تنالوا بذلك‬
‫مرضاة ربكم اجلليل‪.‬‬

‫اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا خري اجلزاء وأعنا على برهم واإلحسان‬
‫إليهم‪.‬‬

‫اللهم من كان منهم على قيد احلياة؛ فأطل عمره على طاعتك وأنعم عليه‬
‫بالصحة والعافية‪.‬‬
‫‪ 13‬من ‪13‬‬

‫ربنا هب لنا من أزواِج نا وذرياتنا قرة أعني واجعلنا للمتقني إماًم ا‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم وانصر املسلمني‪.‬‬

‫اللهم ألف بني قلوب املسلمني‪ ،‬وامجع كلمتهم على احلق والدين‪.‬‬

‫وصلوا وسلموا على البشري النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم اخلبري؛‬
‫فقال‪ِ( :‬إَّن الَّل اَل ِئَك َت ُّلوَن َلى الَّن ا َأُّي ا اَّلِذي آ ُنوا ُّلوا َل ِه‬
‫َه َو َم ُه ُيَص َع ِّيِب َي َه َن َم َص َع ْي‬
‫َو َس ِّلُم وا َتْس ِليًم ا)[اَأْلْحَز اِب ‪.]56 :‬‬

You might also like