554e 1 PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫نافذة على إصلاح الإدارة العمومية بالمغرب‬

‫* خليل اللواح‬
‫بوابة القصر الكبير‬

‫عرفت الإدارة العمومية مجموعة من المبادرات الإصلاحية المتتالية منذ حصول‬


‫المغرب على استقلاله إلى اليوم‪ ،‬ويعتبر تقرير البنك الدولي لسنة ‪ 1995‬مرحلة‬
‫مفصلية أماطت اللثام عن تشخيص واقعي لحال الإدارة العمومية المغربية‪ ،‬وقد‬
‫عدد هذا التقرير أمراضها في تعقد المساطر وعدم عنايتها بالتواصل والاستقبال‬
‫وضعف مواكبتها لمناهج التدبير الحديث وتعقد هياكلها وتأخرها في مسلسل اتخاذ‬
‫القرار وضعف الإنتاجية‪.‬‬

‫وتوالت بعد هذا التقرير مجموعة من المحطات الأساسية و البرامج الإصلاحية لدعم‬
‫تأهيل الإدارة العمومية انسجاما مع متطلبات العصر ومع روح التغيير‪.‬‬
‫وأبرز هذه المحطات‪ ،‬تتعلق بانبثاق دستور جديد لسنة ‪ 2011‬بنفس إصلاحي‪ ،‬من‬
‫خلال إ عطائه إشارات واضحة لإحداث قطيعة مع كل الممارسات التي كانت تسقم‬
‫جسم الإ دارة المغربية‪ .‬وتعتبر الحكامة الجيدة من أقوى المفاهيم التي ركز عليها‬
‫لتغيير أنماط التدبير الإداري وتبني أساليب جديدة قائمة على تبسيط المساطر‬
‫الإ دارية وجودة الخدمات المقدمة‪.‬‬

‫ووعيا من جلالة الملك بأهمية مرحلة ما بعد دستور فاتح يوليوز ‪ ،2011‬فقد أولى‬
‫مكانة خاصة في خطبه لإصلاح الإ دارة العمومية‪ ،‬وبرز ذلك بشكل جلي في أكثر من‬
‫مناسبة وخطاب‪ ،‬ولعل الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2016‬بمناسبة‬
‫افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان خير دليل على ذلك‪ ،‬إذ اختار جلالته هذه المناسبة‬
‫للحديث عن إصلاح الإ دارة العمومية وتحسين علاقتها بالمواطن‪ ،‬مؤكدا جلالته بهذه‬
‫المناسبة على ضرورة القيام بثورة داخل الإدارة العمومية لكسر تلك الصورة‬
‫التقليدية للعلاقة بين المواطن والإدارة من خلال تغيير السلوكيات والعقليات لأجل‬
‫مرفق عمومي فعال في خدمة المواطن‪.‬‬

‫ويقول جلالته في هذا الصدد "…‪ .‬إن المرافق والإدارات العمومية‪ ،‬تعاني من عدة‬
‫نقائص‪ ،‬تتعلق بالضعف في الأداء‪ ،‬و في جودة الخدمات‪ ،‬التي تقدمها للمواطنين‪.‬‬
‫كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة ‪ ،‬وغياب روح المسؤولية لدى العديد‬
‫من الموظفين‪."...‬‬
‫هذه الإختلالات محط إجماع كل المغاربة‪ ،‬يلامسونها بشكل جلي في كل فرصة‬
‫لطلب الخدمات العمومية‪ ،‬خدمات تتراوح بين التماطل في تلبيتها وبين الزبونية‬
‫في الحصول عليها وبين التعقيد والتعسير في كيفية الوصول اليها‪ ،‬خدمات وراءها‬
‫بنيات ادارية عتيقة مهترئة وعقليات متحجرة بئيسة همها الدفاع عن مصالحها‬
‫الشخصية الضيقة ومقاومة التغيير بنفس الجمود والعدمية‪.‬‬

‫جلالة الملك يعود مرة اخرى بتاريخ ‪ 29‬يوليوز ‪ 2017‬بمناسبة الذكرى ‪ 18‬لتربعه على‬
‫عرش أسلافه المنعمين‪ ،‬ليسلط الضوء في جانب من خطابه لمحدودية أداء الادارة‬
‫العمومية وآثار ذلك على تنمية المغرب‪ .‬ويقول جلالته‪.…"،‬إن من بين المشاكل التي‬
‫تعيق تقدم المغرب‪ ،‬هو ضعف الإدارة العمومية‪ ،‬سواء من حيث الحكامة‪ ،‬أو‬
‫مستوى النجاعة أو جودة الخدمات‪ ،‬التي تقدمها للمواطنين‪."...‬‬

‫وقد استعرض جلالته بشكل مستفيض لأزمة الادارة العمومية التي تعود بالأساس‬
‫إلى مقاومة العقليات لرو ح التغيير‪ ،‬وإلى ضعف التنفيذ والإبداع‪ ،‬وعدم الاهتمام‬
‫بالتواصل واستقبال المواطنين والتفاعل مع ملاحظاتهم وشكاياتهم وتظلماتهم‪،‬‬
‫وعدم التطبيق الص ارم لمقتضيات الفقرة الثانية‪ ،‬من الفصل الأول من الدستور‬
‫التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬

‫ويؤكد جلالته في هذا السياق "…‪ .‬لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ ( ربط‬
‫المسؤولية بالمحاسبة )‪ ،‬فكما يطبق القانون على جميع المغاربة‪ ،‬يجب ان يطبق‬
‫أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز‪ ،‬وبكافة مناطق المملكة‪."...‬‬

‫لقد وضع جلالته بخطابه هذا‪ ،‬خارطة طريق لوضع الادارة العمومية على سكتها‬
‫الصحيحة‪ ،‬لاسيما وأن النموذج المغربي الاقتصادي بلغ مرحلة من النضج تجعله‬
‫مؤهلا للحاق بنادي الدول الصاعدة‪ ،‬في مناخ يتميز بالعولمة الاقتصادية‪.‬‬

‫وفي اعتقادي أن الإدارة العمومية المغربية ستبقى غير قادرة على استيعاب‬
‫ومواجهة المهام والأدوار الطلائعية المنوطة بها‪ ،‬ما لم تتحرر من الروتين والبطء‪،‬‬
‫وما لم تجدد نفسها وتعقلن مساطرها‪ ،‬وتواكب مستجدات الارتقاء الإداري‪.‬‬

‫وفي هذا الإطار‪ ،‬هناك العدي د من المقترحات والتي بدون شك سيكون لها الأثر‬
‫الملموس على النهوض والارتقاء بالمرفق العمومي خدمة لتنمية المغرب على‬
‫جميع الأصعدة‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫* تثمين الرأسمال البشري وتمكينه وتنميته باعتباره جزءا لا يتجزأ من الركائز‬


‫الاساسية للنهوض بالموارد البشرية وتحفيزها وتشجيعها على بذل المزيد من‬
‫العطاء؛‬
‫* ايلاء أهمية خاصة لمحاربة كل أشكال الفساد‪ ،‬وعيا بآثاره السلبية على الاقتصاد‬
‫الوطني‪ ،‬من خلال تقوية أدوار مؤسسات الرقابة وتكريس استقلالها وتفعيل‬
‫توصياتها؛‬
‫* باعتبار الحكامة نهجا ونمطا في التدبير‪ ،‬فإن الارتكاز على هذه المقاربة الناجعة‬
‫في التدبير يؤسس لإدارة الحكامة الجيدة كإدارة مواطنة تتسم بالنجاعة والمردودية‬
‫وتتميز بخصائص التدبير الحديث من تخليق وشفافية وترشيد وعقلنة وانفتاح‬
‫وتواصل وتحفيز‪ ،‬ويؤدي كل العاملين فيها وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون‬
‫والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة؛‬
‫* وضع ميثاق وطني للاتمركز الإداري‪ ،‬يعتمد المقاربة الترابية ويستجيب للأهداف‬
‫المرتبطة بدعم الحكامة المحلية وتطوير الخدمات الإدارية ومواكبة الجهوية‬
‫المتقدمة؛ (صدر المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري في الجريدة‬
‫الرسمية)‪.‬‬
‫* إصدار ميثاق المرافق العمومية طبقا للفصل ‪ 157‬من الدستور‪ ،‬يحدد قواعد‬
‫الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجماعات الترابية والأجهزة‬
‫العمومية‪ ،‬ويهدف إلى تكريس المساواة والاستمرارية والحياد وتيسير الولوج إلى‬
‫الخدمات العمومية؛‬

‫تلك أهم مداخل إصلاح الادارة العمومية للنهوض بجودة الخدمات العمومية‪ ،‬تغييرا‬
‫للصورة النمطية لهذه الادارة في مخيال المجتمع‪ ،‬وكسبا للرهان الذي يفتح آفاقا‬
‫رحبة للمغرب لتحسين موقعه في الخارطة العالمية للتنمية بمختلف أبعادها‬
‫ومستوياتها‪.‬‬

‫* دكتور في الحقوق باحث في الشأن الإداري ‪.‬‬

You might also like