Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 38

‫‪،‬فقط عندما نتوقف عن البحث عن السعادة في التجربة الموضوعية"‬

‫ونسمح للعقل بالغوص بشكل أعمق وأعمق في قلب الوعي‬


‫الذي نشأ منه‪ ،‬عندها نبدأ في تذوق السالم الدائم والوفاء‬
‫'‪.‬الذي طالما اشتقنا إليه طوال حياتنا‪ .‬حياة‬
‫روبرت سبيرا ‪-‬‬

‫‪.‬منذ سن مبكرة كان روبرت سبيرا مهتًم ا بشدة بطبيعة الواقع‬


‫في سن السابعة عشرة تعلم التأمل‪ ،‬وبدأ فترة عشرين عاًم ا‬
‫من الدراسة والممارسة في تقليد أدفايتا فيدانتا الكالسيكي تحت‬
‫‪،‬إشراف الدكتور فرانسيس رولز وشانتاناندا ساراسواتي‬
‫‪.‬شانكاراتشاريا في شمال الهند‬
‫‪،‬خالل هذا الوقت انغمس في تعاليم بي دي أوسبنسكي‬
‫‪،‬وكريشنامورتي‪ ،‬والرومي‪ ،‬ورامانا ماهارشي‪ ،‬ونيسارجاداتا‪ ،‬وروبرت آدامز‬
‫حتى التقى بمعلمه‪ ،‬فرانسيس لوسيل‪ ،‬في عام ‪ .1997‬قدم فرانسيس روبرت‬
‫إلى تعاليم المسار المباشر ألتماناندا كريشنا مينون‪ ،‬تقليد التانترا‬
‫للشيفية الكشميرية (الذي تلقاه من معلمه‪ ،‬جان‬
‫كالين)‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬أشار له بشكل مباشر إلى الطبيعة الحقيقية للتجربة‬
‫يعيش روبرت في المملكة المتحدة ويعقد اجتماعات وخلوات منتظمة في ‪.‬‬
‫‪.‬أوروبا والواليات المتحدة األمريكية‬
‫‪،‬منشورات ساهاجا‬
‫‪ OX1 9PR‬ص‪.‬ب‪ ،887 .‬أكسفورد‬
‫‪www.sahajapublications.com‬‬
‫‪ New Harbinger Publications‬منشور مشترك مع‬
‫‪5674 Shattuck Ave.‬‬
‫‪Oakland, CA 94609‬‬
‫‪United States of America‬‬
‫‪ Raincoast Books‬تم توزيعه في كندا بواسطة‬
‫‪ © Rupert Spira 2017‬حقوق الطبع والنشر‬
‫جميع الحقوق محفوظة‬
‫أي جزء يجب إعادة إنتاج هذا الكتاب أو نقله بأي شكل أو بأي وسيلة إلكترونية أو‬
‫ميكانيكية‪ ،‬بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي أو التسجيل أو عن طريق أي نظام السترجاع المعلومات دون‬
‫‪.‬الحصول على إذن كتابي من الناشر‬
‫‪،‬تصميم روب بودين‬
‫طبع في كندا‬
‫‪ ISBN 978–1–62625 –998–0‬رقم‬
‫بيانات الفهرسة في النشر بمكتبة الكونجرس محفوظة في ملف لدى الناشر‬
‫بحثت عن نفسي فلم أجد إال اهلل‬
‫بحثت عن اهلل ولم أجد إال نفسي‬
‫صوفية تقول‬
‫المحتويات‬
‫شكر وتقدير‬
‫مالحظة للقارئ‬
‫مقدمة‬
‫حدس السعادة‬
‫الفصل األول‬
‫المعرفة‪ ،‬الوعي أو الوعي نفسه‬
‫الفصل ‪2‬‬
‫طبيعة الوعي‬
‫الفصل ‪3‬‬
‫التغاضي عن طبيعتنا األساسية‬
‫الفصل ‪4‬‬
‫تفكيك الوعي‬
‫الفصل ‪5‬‬
‫المسار السهل‬
‫الفصل ‪6‬‬
‫المسار المواجه للداخل‬
‫الفصل ‪7‬‬
‫سحب المجد الزائدة‬
‫الفصل ‪8‬‬
‫محيط الوعي‬
‫شكر وتقدير‬
‫أود أن أشكر كل من قام بنسخ التأمالت في هذا‬
‫‪،‬الكتاب‪ ،‬وال سيما إد كيلي‪ ،‬وويل رايت‪ ،‬وتيري بينيت‪ ،‬وميشيل بايك‬
‫وكاثرين سانشيز‪ ،‬وجورج ميركادانتي‪ .‬أود أيًض ا أن أشكر إلين‬
‫إيميت‪ ،‬وليندا أرزوني‪ ،‬وماريان سليد‪ ،‬وجاكلين بويل‪ ،‬وروب بودين‬
‫على الرعاية التي ساهموا بها بطرق مختلفة في إعداد‬
‫‪.‬هذا الكتاب‬
‫‪:‬مالحظة للقارئ‬
‫التأمالت الواردة في هذا الكتاب مأخوذة من تأمالت موجهة قدمتها‬
‫خالل االجتماعات والخلوات على مدى السنوات العديدة الماضية‪ .‬لقد‬
‫تم تسليمها في األصل تلقائًي ا ولكن تم تحريرها لهذه‬
‫المجموعة لتجنب التكرار‪ ،‬ولتكييفها من الكلمة المنطوقة إلى‬
‫‪.‬الكلمة المكتوبة‬
‫‪،‬التأمل يحدث في المسافة بين الكلمات‪ .‬لذلك‬
‫تم التحدث بهذه التأمالت في األصل مع فترات صمت طويلة بين‬
‫كل جملة تقريًب ا‪ ،‬مما أتاح للمستمعين الوقت الستكشاف العبارات في‬
‫تجربتهم الخاصة‪ .‬لقد تم وضع التأمالت في هذا الكتاب مع‬
‫فواصل عديدة بين الجمل واألقسام من أجل دعوة وتسهيل اتباع‬
‫‪.‬نهج تأملي مماثل‬
‫مقدمة‬
‫الحدس‬
‫السعادة‬
‫الجميع يحب السعادة قبل كل شيء‪ .‬حتى لو حرمنا أنفسنا من‬
‫السعادة من أجل شخص آخر أو لسبب غير شخصي‪ ،‬فإننا‬
‫‪.‬نفعل ذلك في النهاية ألنه يجعلنا سعداء‬
‫من أجل تحقيق الرغبة في السعادة‪ ،‬ينخرط معظم الناس في‬
‫بحث ال هوادة فيه في عالم األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية والعالقات‬
‫يأخذ هذا البحث أيًض ا شكل مقاومة أي شخص أو ‪.‬‬
‫أي شيء ُي نظر إليه على أنه يعرض سعادتنا للخطر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن السعي والمقاومة‬
‫هما الدافعان الرئيسيان اللذان يحكمان أفكار ومشاعر‬
‫‪.‬معظم الناس واألنشطة والعالقات الالحقة‬
‫إن أنشطة البحث والمقاومة هي تعبير ال مفر منه عن الشعور‬
‫بالنقص أو المعاناة الذي يكمن وراءها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن معظمنا ال‬
‫يتساءل أبًد ا عن أصل معاناتنا‪ ،‬فنحن مشغولون جًد ا بالهروب من االنزعاج‬
‫الناتج عن ذلك من خالل اكتساب األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية‬
‫والعالقات‪ .‬إذا شككنا في ذلك‪ ،‬فإننا عادًة ما نعزوه إلى غياب‬
‫الموضوع أو التجربة التي نسعى إليها أو وجود الموقف الذي نحاول‬
‫تجنبه‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ال نرجعه بالكامل إلى سببه األصلي‬
‫‪.‬‬
‫إن اعتقادنا بأن السعادة تعتمد على الخبرة الموضوعية ال‬
‫يخلو من األساس تماًم ا‪ ،‬ومن هنا جاذبيته العالمية تقريًب ا لكل شخص‬
‫في الوقت الذي يتم فيه الحصول على الشيء المرغوب فيه أو تجنب موقف غير سار بنجاح‬
‫‪.‬يتم بالفعل تجربة السعادة لفترة وجيزة ‪،‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬على الرغم من أن اكتساب أو تجنب الشيء أو الموقف يضع‬
‫نهاية مؤقتة للمعاناة الكامنة وراءه‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإنه يجلب‬
‫لحظة قصيرة من السعادة‪ ،‬إال أنه ال يقتلعها أو يضعها في‬
‫‪.‬نهاية دائمة‪ .‬إنه ببساطة يخفيه‬
‫ما إن يتضاءل أو يختفي الشيء أو المادة أو النشاط أو الحالة الذهنية أو العالقة‬
‫أو ما إن يتكرر الوضع الذي سعينا إلى تجنبه‪ ،‬حتى ‪،‬‬
‫‪.‬تختفي السعادة وتعود المعاناة الكامنة‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ينطلق معظم الناس مرة أخرى في السعي وراء أو رفض شكل ما من أشكال‬
‫الخبرة الموضوعية على أمل تكرار تجربة السعادة‪ .‬وبهذه‬
‫الطريقة نصبح مدمنين على الدورة التي ال نهاية لها من االفتقار والسعي واإلشباع‬
‫المؤقت التي تميز حياة معظم الناس‪ ،‬والتي‬
‫أشار إليها هنري ديفيد ثورو عندما قال إن معظم الناس "يعيشون حياة‬
‫‪".‬يائسة هادئة‬
‫يقضي الكثير من الناس حياتهم في إدارة هذا اليأس‬
‫بنجاح إلى حد ما‪ ،‬فيعالجونه بالمواد‪ ،‬أو يخدرونه من خالل‬
‫‪،‬اقتناء األشياء‪ ،‬أو يتجنبونه من خالل الحاالت الذهنية الغريبة أو التأملية‬
‫‪.‬أو ببساطة يصرفون أنفسهم عنه باألنشطة والعالقات‬
‫ومع ذلك‪ ،‬في مرحلة ما‪ ،‬إما بشكل عفوي أو‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬نتيجة‬
‫لقراءة كتاب أو إجراء محادثة مع صديق‪ ،‬يبدأ بعض الناس في‬
‫التساؤل عما إذا كانت التجربة الموضوعية يمكن أن تكون حًق ا مصدًر ا‬
‫للسالم الدائم والهدوء‪ .‬السعادة التي يتوقون إليها‪ .‬ويصل آخرون إلى نقطة‬
‫‪.‬اليأس أو اليأس قبل أن يبزغ فجر هذا الحدس‬
‫معظم الناس الذين يقرأون هذه الكلمات يفعلون ذلك على وجه التحديد ألنهم‬
‫فهموا‪ ،‬أو على األقل حدسوا‪ ،‬أن رغبتهم في السالم والسعادة‬
‫ال يمكن العثور عليها أبًد ا في تجربة موضوعية‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬إذا كنت تقرأ‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬فمن المرجح أن يكون ذلك بسبب فشل التجربة الموضوعية في توفير‬
‫السالم والوفاء في كثير من األحيان بما فيه الكفاية بحيث بدأ الدافع الستثمار هويتك‬
‫‪.‬وأمنك وسعادتك فيه يتضاءل‬
‫هذا الفهم أو الحدس هو واحد من أعمق‬
‫االعترافات التي قد تكون لدى المرء وأكثرها إثارة للقلق‪ ،‬وهو يبدأ أزمة يعتبر استكشافها وحلها‬
‫‪.‬موضوع هذا الكتاب‬
‫بمجرد حدوث هذا االعتراف‪ ،‬لن يكون من الممكن أبًد ا استثمار رغبتنا‬
‫في السالم الدائم والسعادة في تجربة موضوعية بنفس‬
‫‪،‬االقتناع تماًم ا مرة أخرى‪ .‬على الرغم من أننا قد ننساه أو نتجاهله‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫نعود مراًر ا وتكراًر ا إلى التجربة الموضوعية سعًي ا إلى اإلشباع‪ ،‬فإن‬
‫‪،‬فهمنا سيؤثر علينا بوتيرة وقوة أكبر‬
‫‪،‬ويؤكد حقيقته التي ال يمكن إنكارها والتي ال مفر منها بوضوح متزايد‬
‫‪.‬ويطالب بأن ُي سمع‪ . .‬إننا نبتعد عن هذا الحدس وهو ما يعرضنا للخطر‬
‫عندما يتم استنفاد التجربة الموضوعية ‪ -‬بما في ذلك أي‬
‫ممارسات دينية أو روحية تقليدية تتضمن توجيه االنتباه نحو‬
‫‪ -‬كائن أكثر أو أقل دقة‪ ،‬مثل إله خارجي أو معلم أو تعويذة أو التنفس‬
‫كوسيلة ممكنة يمكن من خاللها تحقيق السالم والسعادة قد يتم‬
‫الحصول عليها‪ ،‬يبقى احتمال واحد فقط‪ :‬تحويل العقل على نفسه‬
‫‪.‬والتحقق من طبيعته األساسية‬
‫إن تحويل العقل بعيًد ا عن المحتوى الموضوعي للتجربة‬
‫نحو المصدر أو الجوهر الذي نشأ منه هو جوهر‬
‫التأمل أو الصالة‪ .‬إنه "الطريق المواجه للداخل" ‪ -‬الذي ُي شار إليه أحياًن ا‬
‫بتذكر الذات‪ ،‬أو االستفسار عن الذات‪ ،‬أو االلتزام بالذات‪ ،‬أو طريق االستسالم ‪ -‬والذي‬
‫‪.‬يبلغ ذروته في المسار المباشر الذي يتم استكشافه في هذا الكتاب‬
‫إنها العملية الموصوفة في قصة االبن الضال‪ ،‬حيث‬
‫يترك االبن أمن وراحة مملكة أبيه‪ ،‬ويستكشف كل اإلمكانيات‬
‫التي يقدمها العالم‪ ،‬أو التجربة الموضوعية‪ ،‬من حيث‬
‫‪.‬المتعة والرضا‪ ، .‬ويدرك في النهاية عدم جدوى بحثه‬
‫أخيًر ا‪ ،‬يستدير نحو مصدر السعادة ‪ -‬الذي يرمز إليه هنا‬
‫والده ‪ -‬والذي كان في الواقع متاًح ا له دائًم ا ولكن يبدو أنه بعيد‬
‫‪.‬المنال بسبب افتتانه الحصري بدراما التجربة‬
‫في هذا االستسالم أو التحول‪ ،‬نتوقف عن الهوس بمعاناتنا‬
‫ونصبح مهتمين بطبيعة الشخص الذي يعاني‪ .‬نبتعد‬
‫عن موضوعات التجربة ونتحقق من طبيعة الشخص‬
‫‪.‬الذي يختبر‬
‫في هذا البحث‪ ،‬عندما يحول العقل ضوء معرفته بعيًد ا عن‬
‫موضوعات الخبرة نحو جوهره‪ ،‬فإنه‬
‫يتحرر تدريجًي ا‪ ،‬أو أحياًن ا فجأة‪ ،‬من قيوده وينكشف عن السالم والسعادة‬
‫‪.‬اللذين سعى إليهما سابًق ا‪ .‬تجربة موضوعية‬
‫السالم والسعادة ليسا‪ ،‬في حد ذاتهما‪ ،‬خبرتين موضوعيتين يمر بهما العقل‬
‫من وقت آلخر؛ إنها طبيعة العقل نفسه‪ .‬السعادة هي‬
‫طبيعتنا األساسية‪ ،‬التي تبدو محجوبة أو محجوبة في معظم األوقات بسبب‬
‫‪.‬صخب التجربة الموضوعية ولكنها ال تنطفئ تماًم ا بها‬
‫‪،‬ولهذا السبب تشير جميع التقاليد الدينية والروحية العظيمة‬
‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬إلى أن الهدف النهائي للحياة ‪ -‬السالم الدائم والسعادة‬
‫يكمن فينا ومتاح على قدم المساواة لجميع الناس‪ ،‬في جميع ‪-‬‬
‫‪.‬األوقات وفي كل مكان‪ .‬ظروف‬
‫قد يعترض المرء بشكل مشروع على القول بأن السالم والسعادة هما‬
‫الطبيعة األساسية لذواتنا‪ ،‬ويتساءل لماذا‬
‫ال نختبرها دائًم ا‪ ،‬إذا كانت السعادة هي طبيعتنا األساسية‪ .‬ألسنا نختبر السعادة‬
‫بشكل متقطع‪ ،‬كما نفعل في كل التجارب األخرى؟ أليست السعادة والتعاسة‬
‫تجربتان موضوعيتان تنشأان وتتناوبان في الوعي؟‬
‫تخيل السماء كمساحة موحدة من السحابة الرمادية في يوم ملبد بالغيوم‪ .‬في‬
‫مرحلة ما تنفتح رقعة صغيرة من اللون األزرق‪ ،‬وسرعان ما‬
‫تظهر العديد من البقع الصغيرة األخرى‪ ،‬تبدو كل منها منفصلة عن بعضها البعض وتظهر‬
‫‪.‬وتختفي في مساحة السحابة الرمادية‬
‫يمكن أن نغفر للمرء أن يعتقد‪ ،‬للوهلة األولى‪ ،‬أن الحالة الطبيعية‬
‫للسماء هي االمتداد غير المحدود للسحابة الرمادية وأن البقع‬
‫الزرقاء محدودة ومؤقتة الظهور داخلها‪ .‬فقط عندما‬
‫يتم فحص البقع الزرقاء يصبح من الواضح أنها في الواقع نوافذ‬
‫على مساحة السماء الزرقاء الدائمة الظهور حيث‬
‫‪.‬تظهر السحب الرمادية مؤقًت ا وتختفي‬
‫وبالمثل‪ ،‬قد يبدو للوهلة األولى أن لحظات السالم والسعادة‬
‫تتخلل حالتنا الطبيعية لفترة وجيزة‪ ،‬والتي تشتمل بالنسبة لمعظم الناس على درجة من النقص‬
‫أو عدم الرضا التي يهربون منها دائًم ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬إذا قمنا بإجراء‬
‫تحقيق عميق في طبيعة العقل*‪ ،‬أي إذا كان العقل‬
‫يبحث في طبيعته األساسية‪ ،‬ويسافر عبر طبقات من‬
‫الفكر والشعور واإلحساس واإلدراك حتى يصل إلى واقعه األساسي‬
‫‪.‬وغير القابل لالختزال‪ ،‬سوف تجد دائًم ا السالم والوفاء هناك‬
‫السعادة‪ ،‬مثل البقعة الزرقاء‪ ،‬تبدو في البداية‬
‫تجربة مؤقتة تحدث من وقت آلخر‪ ،‬ولكن عندما يتم التحقيق فيها يتبين أنها‬
‫‪.‬حاضرة دائًم ا ومتوفرة دائًم ا في خلفية التجربة‬
‫وعلى هذا النحو‪ ،‬فإن السعادة ليست تجربة مؤقتة تتناوب مع‬
‫التعاسة‪ .‬إنها ليست نقيض التعاسة‪ ،‬كما أن السماء الزرقاء‬
‫‪،‬ليست نقيض الغيوم‪ .‬وكما أن الغيوم هي حجاب السماء الزرقاء‬
‫‪.‬فإن التعاسة هي حجاب السعادة‬
‫السعادة هي طبيعتنا وتكمن في مصدر العقل‪ ،‬أو قلب‬
‫أنفسنا‪ ،‬في جميع الظروف وتحت جميع الظروف‪ .‬ال يمكن الحصول عليها؛ ال يمكن‬
‫‪.‬إال أن يتم الكشف عنها‬
‫ال يمكننا أن نعرف السعادة كتجربة موضوعية؛ ال يمكننا إال أن نكون عليه‪ .‬ال يمكننا‬
‫أن نكون تعساء؛ ال يمكننا أن نعرف التعاسة إال كتجربة موضوعية‬
‫‪.‬‬
‫في محاولة الوصول إلى السالم والسعادة التي تكمن في مصدر أو‬
‫جوهر أنفسنا‪ ،‬توصي معظم طرق التأمل‬
‫‪،‬بالتحكم في العقل أو التركيز عليه أو مراقبته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬في هذا النهج‬
‫ال يتعلق التأمل بتغيير التجربة بأي شكل من األشكال‪ ،‬بل يتعلق برؤية‬
‫‪.‬طبيعتها األساسية بوضوح‬
‫إن المسار المواجه للداخل‪ ،‬أو المسار المباشر‪ ،‬الذي يحول فيه العقل انتباهه‬
‫بعيًد ا عن التجربة الموضوعية نحو جوهره أو واقعه‪ ،‬هو‪ ،‬في تجربتي‬
‫أفضل تفصيل في التقليد الفيدانتي‪ ،‬الذي يفصل ‪،‬‬
‫بدقة كبيرة كًال من الفلسفة والفلسفة‪ .‬ممارسة هذا التحقيق‪ .‬بهذه‬
‫الطريقة يوفر التقليد الفيدانتي وسائل مباشرة للوصول إلى‬
‫الطبيعة األساسية وغير القابلة لالختزال لعقل الفرد ومصدر السالم‬
‫‪.‬والسعادة الدائمين‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فمن المحتم أن يكون النهج الفيدانتي قد تكيف على مر القرون‬
‫مع مستوى الفهم والتكييف الثقافي‬
‫ألولئك الذين وجه إليهم‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أصبح مختلًط ا بعناصر‬
‫‪.‬ليست ضرورية له‬
‫إن النهج المقترح في هذا الكتاب‪ ،‬بقدر ما أستطيع‪ ،‬هو‬
‫الجوهر المقطر للنهج الفيداني‪ ،‬المجرد من التغليف الثقافي للتقاليد‬
‫‪،‬الشرقية التي واجهتها أنا والعديد من اآلخرين ألول مرة‪ .‬وبطبيعة الحال‬
‫يخضع هذا الكتاب أيًض ا للتكييف الثقافي في عصره‪ ،‬ولكن نظًر ا ألن‬
‫معظم القراء سيشاركون في هذا التكييف‪ ،‬فهناك فرصة ضئيلة ألن يحجب‬
‫‪.‬أو يحير الفهم الذي ينقله‬
‫قال لي أستاذي األول‪ ،‬الدكتور فرانسيس رولز‪ ،‬ذات مرة‪" :‬الحقيقة تحتاج إلى‬
‫إعادة صياغة من قبل كل جيل"‪ .‬وأرجو أن يعيد هذا الكتاب صياغة‬
‫الطريق المستقيم ألولئك الذين سافروا إلى الشرق فكرًي ا إن لم يكن‬
‫جسدًي ا‪ ،‬ولكنهم وجدوا صعوبة في انتشال بساطة‬
‫‪،‬الفهم غير المزدوج من غنى المفاهيم الغريبة التي غلفها‬
‫وكذلك لجيل جديد من الباحثين عن الحقيقة الذين ال تثقلهم‬
‫‪.‬التعاليم الدينية والروحية السابقة‬
‫ومع ذلك‪ ،‬من المهم أن ندرك أن المسار المواجه للداخل الذي تم استكشافه في‬
‫هذا الكتاب ال يمثل سوى نصف الرحلة‪ .‬بمجرد التعرف على طبيعة العقل األساسية وغير القابلة لالختزال‬
‫والوصول إلى سالمه المتأصل وفرحه غير المشروط ‪،‬‬
‫فمن الضروري مواجهة "الخارج" مرة أخرى نحو ‪،‬‬
‫تجربة موضوعية‪ ،‬وإعادة تنظيم الطريقة التي نفكر بها ونشعر بها‪ ،‬وبالتالي نتصرف‬
‫‪.‬وندرك ونتواصل‪ ، .‬بفهمنا الجديد‬
‫ذروة المسار المواجه للداخل هي االعتراف بالوجود واألولوية‬
‫وطبيعة الوعي ‪ -‬أو‪ ،‬باللغة الدينية‪ ،‬الروح أو‬
‫‪.‬كائن اهلل الالمتناهي ‪ -‬الذي يتجاوز كل المعرفة والخبرة‬
‫على أية حال‪ ،‬ليس بعد الفهم التجريبي الكامل الذي يتم فيه معرفة الوعي‬
‫نفسه‪ ،‬أو وجود اهلل الالمتناهي‪ ،‬والشعور به ليتخلل ويشبع كل‬
‫المعرفة والخبرة‪ ،‬ويكون بالفعل جوهرها وحقيقتها الوحيدة‪ .‬إنه‬
‫‪.‬االعتراف بالطبيعة المتعالية للوعي ولكن ليس محايثته‬
‫‪،‬إذا لم نقم بإعادة دمج هذا الفهم مع تجربتنا الموضوعية‬
‫فسيستمر التحالف الهش بين طبيعتنا األساسية وغير القابلة لالختزال‬
‫للوعي النقي وجميع األشياء وغيرها‪ .‬يتجلى هذا غالًب ا في شكل إنكار أو‬
‫رفض للحياة المتجسدة في العالم وقد يصبح بسهولة ملجأ ألي‬
‫‪.‬إحساس باٍق بالذات المنفصلة‬
‫‪،‬إن العملية التي تتم من خاللها عملية إعادة الدمج أو التأسيس هذه‬
‫على الرغم من أنها ضمنية في التقليد المواجه للداخل أو التقليد الفيدانتي‪ ،‬إال أنها‪ ،‬في رأيي‬
‫تم تفصيلها بشكل أفضل في تقليد التانترا‪ ،‬وهي استكشاف يقع ‪،‬‬
‫*‪.‬خارج نطاق هذا الكتاب‬
‫المستقبل سوف تستكشف المجلدات في سلسلة جوهر التأمل انهيار‬
‫التمييز الواضح بين الوعي والتجربة الموضوعية‪ ،‬ولكن‬
‫هذا المجلد يركز على اكتشاف الوجود واألولوية وطبيعة‬
‫الوعي نفسه‪ ،‬ويكشف عن صفاته المتأصلة من‬
‫‪.‬السالم الهادئ والفرح غير المشروط‬
‫يستخدم "العقل" في هذا السياق بشكل مترادف مع "التجربة" ويشمل كل التفكير والتخيل *‬
‫‪.‬والشعور واإلحساس واإلدراك‬
‫أحيل أي شخص يرغب في إجراء استكشاف أعمق لعملية إعادة التنظيم هذه إلى مجموعتي *‬
‫من التأمالت‪ ،‬الجسد الشفاف‪ ،‬العالم المضيء – اليوغا التانتراية لإلحساس واإلدراك‬
‫التي نشرتها منشورات ساهاجا‪ .‬للحصول على مناقشة موسعة حول مكانة تقليد التانترا ‪،‬‬
‫في هذا النهج‪ ،‬يرجى االطالع على طبيعة الوعي – مقاالت عن وحدة العقل والمادة‬
‫‪.‬التي نشرتها منشورات ساهاجا ونيو هاربينجر ‪،‬‬
‫الفصل‬
‫األول‬
‫المعرفة أو الوعي أو الوعي بحد ذاته‬
‫‪.‬ستكون التجربة الموضوعية* معروفة‪ .‬نحن على علم بتجربتنا‬
‫لن يكون من الممكن الحصول على تجربة دون معرفة‬
‫‪،‬ذلك أو إدراكه‪ .‬فكرنا الحالي‪ ،‬ذكرى الطفولة‬
‫‪،‬مهما كانت المشاعر أو المشاعر الموجودة‪ ،‬اإلحساس باأللم أو الجوع‬
‫صوت حركة المرور‪ ،‬رؤية هذه الكلمات أو المنظر من نافذتنا‬
‫كلها معروفة أو مجربة‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فإن المعرفة† أو الوعي موجود في كل‬
‫‪.‬التجارب‬
‫‪،‬سواء كنا مكتئبين‪ ،‬وحيدين‪ ،‬حزينين‪ ،‬فرحين‪ ،‬في سالم‪ ،‬في الحب‪ ،‬قلقين‬
‫‪،‬ضجرين‪ ،‬غيورين‪ ،‬متحمسين أو سعداء‪ ،‬فإننا ندرك ذلك‪ .‬سواء كنا نفكر‬
‫أو نأكل‪ ،‬أو نسير‪ ،‬أو نقود السيارة‪ ،‬أو نرقص‪ ،‬أو ندرس‪ ،‬أو نحلم‪ ،‬أو نهلوس‪ ،‬فنحن‬
‫‪.‬واعيون‪ .‬مهما كان ما نفكر فيه‪ ،‬أو نشعر به‪ ،‬أو ندركه‪ ،‬أو نفعله‪ ،‬فإننا ندركه‬
‫نحن ندرك كل ما نعرفه أو نختبره‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫‪.‬محتوى معرفتنا أو خبرتنا‬
‫ومن ثم فإن المعرفة أو الوعي هو العنصر المستمر في كل‬
‫المعرفة والخبرة المتغيرة‪ .‬ويظل حاضرا باستمرار في جميع أنحاء‬
‫الحاالت الثالث من االستيقاظ والحلم والنوم‪ .‬ال يوجد عنصر آخر من‬
‫‪.‬الخبرة مستمر‬
‫‪،‬في الواقع‪ ،‬الوعي ليس مستمًر ا في الزمن؛ إنه موجود دائًم ا‪ .‬ومع ذلك‬
‫كتنازل عن اعتقاد العقل بحقيقة الزمن‪ ،‬دعنا نقول‬
‫‪.‬مؤقًت ا إن الوعي هو العنصر المستمر في كل تجربة‬
‫كل التجارب الموضوعية – األفكار والصور والمشاعر واألحاسيس واإلدراكات‬
‫تظهر وتختفي‪ ،‬لكن تجربة المعرفة أو الوعي –‬
‫ال تظهر أو تختفي أبًد ا‪ .‬فهي تظل حاضرة في جميع‬
‫التجارب المتغيرة‪ ،‬تماًم ا كما تظل الشاشة حاضرة باستمرار في جميع‬
‫‪.‬األفالم‬
‫إن المعرفة أو الوعي يتخلل كل التجارب بشكل وثيق ولكن ال‬
‫‪.‬يتغير أبًد ا من خالل أي تجربة معينة‬
‫لقد تغيرت األفكار والمشاعر واألحاسيس والتصورات‬
‫‪ -‬مرات ال حصر لها طوال حياتنا‪ ،‬لكن المعرفة التي ُت عرف بها‬
‫‪.‬التجربة البسيطة للوعي ‪ -‬ظلت كما هي طوال الوقت‬
‫المعرفة والخبرة تتغير دائًم ا؛ المعرفة أو الوعي‬
‫‪.‬ال يتغير أبًد ا‬
‫‪.‬المعروف يتغير دائًم ا؛ معرفة ال تتغير أبدا‬
‫إن المعرفة أو الوعي لها نفس العالقة مع كل المعرفة والخبرة‬
‫مثل الشاشة الواعية للفيلم‪ .‬على عكس شاشة التلفزيون التقليدية‬
‫التي يشاهدها شخص يجلس على األريكة‪ ،‬فإن‬
‫الشاشة الواعية للمعرفة الخالصة أو الوعي هي مشاهدة فيلم‬
‫‪.‬التجربة الذي يتم عرضه عليها‬
‫إن المعرفة أو الوعي ليس أمرًا بعيد المنال أو مجهوًال أو مدفونًا في داخلنا‪ .‬إنها‬
‫تتألق بوضوح في خلفية كل التجارب‪ ،‬تماًم ا كما يمكن القول‬
‫‪.‬أن الشاشة مرئية بوضوح في خلفية الفيلم‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تماًم ا كما تميل الشاشة إلى التغاضي عنها أثناء الفيلم بسبب انبهارنا‬
‫بالدراما‪ ،‬فإن المعرفة أو الوعي أو الوعي نفسه‬
‫عادًة ما يظل غير ملحوظ بسبب تركيز اهتمامنا الحصري على‬
‫‪.‬األشياء التي نختبرها‬
‫إن المعرفة أو الوعي ال يعتمد على شروط أو‬
‫‪،‬صفات معينة من الخبرة‪ .‬إنه يتألق بنفس القدر من السطوع في كل التجارب‬
‫بغض النظر عما إذا كانت‬
‫‪،‬التجربة ممتعة أو غير سارة‪ ،‬جيدة أو سيئة‪ ،‬صحيحة أو خاطئة‪ ،‬تماًم ا كما تكون الشاشة واضحة بنفس القدر في جميع األفالم‬
‫‪.‬بغض النظر عن محتواها‬
‫إن المعرفة أو الوعي هو عنصر الخبرة األساسي وغير القابل لالختزال‪ .‬إنها‬
‫أساسية للتجربة‪ .‬إنه عنصر الخبرة الذي ال يمكن‬
‫‪.‬إزالته منه‬
‫إن المعرفة أو الوعي ال يتم تعديله أبًد ا بالتجربة‪ .‬ال يتحرك أو‬
‫‪.‬يتقلب أبًد ا‪ .‬فهو العنصر الوحيد الثابت في الخبرة‬
‫المعرفة أو الوعي هو العنصر األساسي في كل المعرفة والخبرة‬
‫إنها الخلفية التي تجري عليها كل المعرفة والخبرة ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫المعرفة أو الوعي هي الوسيلة التي‬
‫‪،‬تظهر عليها أو من خاللها كل التجارب‪ .‬إنه ما ُت عرف به كل التجارب‬
‫‪.‬وهو في النهاية المادة أو الواقع الذي ُت صنع منه كل التجارب‬
‫وهو عنصر المعرفة في كل المعرفة‪ .‬إنها التجربة في كل‬
‫‪.‬التجارب‬
‫وكما أن الشاشة ال تظهر أبًد ا ككائن في الفيلم‪ ،‬على الرغم من أنها‬
‫واضحة تماًم ا في جميع أنحاءها‪ ،‬فإن المعرفة أو الوعي ال يظهر أبًد ا كموضوع‬
‫للمعرفة أو الخبرة ومع ذلك يتألق بوضوح في كل المعرفة أو‬
‫‪.‬الخبرة‬
‫على الرغم من أن المعرفة أو الوعي ليس في حد ذاته تجربة موضوعية‪ ،‬بمعنى‬
‫أن الفكر أو الشعور أو اإلحساس أو اإلدراك هو‬
‫‪،‬تجربة موضوعية‪ ،‬إال أننا ندرك أننا ندرك‪ .‬ولذلك‬
‫فرغم أن المعرفة أو الوعي ليس له صفات موضوعية‪ ،‬إال أنه‬
‫‪.‬معروف في نفس الوقت‬
‫‪.‬وفي هذا السياق أشير إلى "تجربة" المعرفة أو الوعي‬
‫ومع ذلك‪ ،‬من أجل التمييز بين المعرفة أو الوعي وبين كل‬
‫المعرفة والخبرة الموضوعية‪ ،‬يشار إليها بالتجربة غير الموضوعية للمعرفة‬
‫‪.‬أو الوعي‬
‫إن المعرفة أو الوعي ليس في حد ذاته تجربة موضوعية‪ ،‬ولكن بدونه‬
‫‪،‬ال يمكن أن تكون هناك تجربة‪ .‬إنه ما يجعل التجربة ممكنة‬
‫‪.‬ومع ذلك فهي ليست في حد ذاتها تجربة‬
‫إن المعرفة أو الوعي أمر غير موضوعي أو شفاف أو عديم اللون‪ .‬إنه‬
‫‪،‬فارغ من كل األشياء الظاهرة ولكنه مملوء بذاته وحده‪ .‬إنها‪ ،‬على هذا النحو‬
‫‪.‬تجربة فريدة تماًم ا‪ .‬ال يمكن أن يعرف ككائن ومع ذلك فهو ليس مجهوال‬
‫‪.‬إنه العنصر األكثر وضوًح ا في الخبرة‪ ،‬ومع ذلك فهو العنصر األكثر إغفااًل‬
‫‪،‬ومن ثم ُي شار إليه في تقليد كشمير الشيفيت على أنه "السر األعظم‬
‫واألكثر خفاًء من أكثر األشياء خفاًء ‪ ،‬ومع ذلك فهو أكثر وضوًح ا من أوضح‬
‫‪".‬األشياء‬
‫ال توجد شروط مسبقة لالعتراف بالمعرفة أو الوعي‪ .‬إن‬
‫التعرف على تجربة المعرفة أو الوعي ال يتطلب‬
‫‪.‬مؤهًال معيًنا أو مستوى ذكاء معين‬
‫‪،‬ال يتطلب األمر بذل جهد للتعرف على تجربة المعرفة أو الوعي‬
‫‪.‬مثلما ال يتطلب األمر بذل جهد لرؤية الشاشة أثناء الفيلم‬
‫ليس من الضروري التحكم في أفكارنا أو الجلوس في وضع معين أو‬
‫ممارسة شيء يسمى التأمل حتى نكون على دراية بتجربة‬
‫الوعي‪ .‬إن تجربة الوعي غير الموضوعية هي أبسط‬
‫‪.‬حقائق التجربة وأكثرها حميمية ووضوًح ا وبديهية‬
‫‪.‬إن تجربة الوعي مستقلة عن كل ما ندركه‬
‫ال توجد تجربة تؤثر على التجربة غير الموضوعية للوعي‪ ،‬تماًم ا كما‬
‫‪.‬ال يؤثر أي شيء يحدث في الفيلم على الشاشة التي يتم تشغيله عليها‬
‫ليس من الضروري تغيير الخبرة أو التالعب بها بأي شكل من األشكال من أجل‬
‫مالحظة خلفية الوعي ببساطة‪ .‬قد نكون خائفين‪ ،‬أو ضجرين‪ ،‬أو‬
‫مضطربين‪ ،‬أو مكتئبين‪ ،‬أو واقعين في الحب أو في سالم؛ تجربة الوعي‬
‫‪.‬تبقى هي نفسها في جميع الحاالت‬
‫وكما أنه ال يوجد حدث معين في الفيلم لديه القدرة على حجب الشاشة‬
‫ما لم نسمح له بذلك‪ ،‬كذلك ال توجد تجربة لديها القدرة على حجب‬
‫تجربة المعرفة أو الوعي ما لم نسمح لها بذلك‪ ،‬وفي هذه‬
‫‪،‬الحالة تكون يبدو أن تفعل ذلك‪ .‬بمجرد أن نسحب هذا اإلذن‬
‫‪.‬تصبح تجربة المعرفة أو الوعي أمًر ا بديهًي ا‬
‫اسمح لتجربة الوعي أن تأتي في مقدمة‬
‫التجربة‪ ،‬ودع األفكار والصور والمشاعر واألحاسيس والتصورات‬
‫‪.‬تتراجع إلى الخلفية‪ .‬ببساطة الحظ تجربة الوعي‬
‫‪.‬السالم والسعادة التي يعيش من أجلها جميع الناس هناك لفترة طويلة‬
‫‪.‬كن على علم بأن تكون على علم‬
‫في العديد من التقاليد الروحية‪ ،‬يشار إلى تجربة المعرفة أو الوعي‬
‫تعني "حالة "‪ "-ness‬بالوعي أو الوعي‪ .‬الالحقة‬
‫أو وجود"‪ ،‬وبالتالي فإن كلمة "الوعي" تعني حالة أو وجود الوعي‬
‫تكمن خطورة استخدام كلمتي "الوعي" و"الوعي" في ‪.‬‬
‫أنهما أسماء‪ ،‬وبالتالي تميالن إلى تجسيد أو تجسيد‬
‫‪.‬التجربة غير الموضوعية للمعرفة أو الوعي الخالص‬
‫وبذلك يقترحون أن الوعي أو الوعي هو‬
‫نوع خاص ودقيق من الخبرة التي يمكن العثور عليها أو معرفتها بنفس الطريقة التي نعرف بها‬
‫‪،‬التجربة الموضوعية‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يشرع الكثير من الناس في بحث عظيم‬
‫على أمل تحقيق التنوير‪ ،‬الذي ُي نظر إليه على أنه‬
‫‪.‬التجربة النهائية أو الحالة الذهنية‬
‫ويميل هذا البحث إلى تجريد تجربة الوعي من حميمية‬
‫التجربة وفوريتها وإعطاء االنطباع بأنها مجهولة‬
‫وغامضة وغير مألوفة‪ .‬إنه يعني أن معرفة الوعي أو‬
‫‪.‬الوعي هي تجربة غير عادية يمكن العثور عليها في المستقبل‬
‫مثل هذا البحث هو ببساطة تحسين للبحث التقليدي عن السعادة‬
‫‪.‬في عالم األشياء ويؤدي في النهاية إلى نفس اإلحباط‬
‫التنوير أو الصحوة ليست تجربة معينة أو حالة ذهنية‬
‫يمكن تحقيقها من خالل ممارسة ما يكفي من الجهد أو التأمل لفترة كافية‪ .‬إنه‬
‫‪.‬االعتراف بطبيعة العقل ذاتها‬
‫ال يوجد شيء مألوف أو معروف أكثر من تجربة‬
‫الوعي البسيطة‪ .‬إذا سألنا أحدهم هذا السؤال‪" :‬هل أنتم على علم؟" سنجيب‬
‫جميًع ا بيقين مطلق‪" :‬نعم"‪ ،‬وستأتي إجابتنا‬
‫من التجربة المباشرة‪ .‬سوف يأتي من‬
‫‪.‬تجربتنا الواضحة والحميمة المتمثلة في مجرد الوعي‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا سألنا أحدهم‪" :‬هل الوعي موجود؟" أو‬
‫ما هو الوعي؟" قد نتوقف ونتردد بشأن ما تشير"‬
‫إليه هذه الكلمات بالضبط‪ .‬لذا يرجى أن تفهم أنه عندما يتم استخدام كلمتي‬
‫"الوعي" و"الوعي" في هذا الكتاب بدًال من "المعرفة"‬
‫‪.‬أو "الوعي"‪ ،‬فإنها تستخدم فقط حسب ما تمليه اللغة‬
‫ينبغي فهم هذه الكلمات على أنها تشير مباشرة إلى‬
‫الخبرة الواضحة والمألوفة وغير الموضوعية للمعرفة أو الوعي بأن جميع الكائنات لديها‬
‫قواسم مشتركة والتي تتخلل كل المعرفة والخبرة على‬
‫‪.‬قدم المساواة‬
‫بعد أن الحظنا أن تجربة الوعي هي‬
‫تجربتنا األكثر مباشرة وحميمية‪ ،‬قد نتساءل عمن أو ما الذي يعرف أو لديه‬
‫تجربة الوعي‪ .‬ما الذي يعرف تجربة المعرفة؟‬
‫ما هو الذي يدرك أن يكون على علم؟‬
‫االسم الشائع لتجربة الوعي هو "أنا"‪ .‬أنا على علم بفكر‬
‫صديقي‪ .‬أنا على دراية بذاكرة الطفولة‪ .‬أنا على دراية بالشعور‬
‫بالحزن أو الوحدة أو العار‪ .‬أنا على علم بصورة بيتي‬
‫أنا على دراية باإلحساس باأللم أو الجوع‪ .‬أنا على دراية بمنظر ‪.‬‬
‫‪.‬غرفتي أو صوت حركة المرور‬
‫في كل من هذه األمثلة‪" ،‬أنا" هو االسم الذي نطلقه على من يعرف أو يدرك‬
‫كل المعرفة والخبرة‪ .‬على هذا النحو‪" ،‬أنا" هو العنصر العارف أو الواعي‬
‫‪.‬في كل المعرفة والخبرة‪" .‬أنا" هو الوعي نفسه‬
‫"لذلك يمكننا إعادة صياغة السؤال "ما هو الشيء الذي يدرك أنه مدرك؟‬
‫مثل‪" :‬من أو ما الذي يعرف أنني على علم؟" هل أنا الذي واعي‬
‫بالوعي‪ ،‬أم أن تجربة اإلدراك يعرفها شخص أو‬
‫شيء آخر غيري؟‬
‫ومن الواضح أنني الذي أدرك أنني على علم‪ .‬أي أن "أنا‪ ،‬الوعي" هو‬
‫الذي يدرك أن يكون واعًي ا‪ .‬إنه الوعي الذي يعرف أو يدرك أن هناك‬
‫وعي‪ .‬ومن ثم فإن الوعي أو الوعي بحد ذاته هو وعي ذاتي‪ .‬فكما‬
‫‪.‬تضيء الشمس نفسها‪ ،‬كذلك يعرف الوعي نفسه‬
‫فقبل​أن يعرف الوعي أي شيء آخر غير نفسه‪ ،‬كالفكر أو الشعور أو‬
‫اإلحساس أو اإلدراك‪ ،‬يكون الوعي مدرًكا لذاته‪ .‬إن طبيعة الوعي هي أن‬
‫‪.‬يكون واعًي ا بذاته‪ ،‬وبالتالي فإن تجربته األساسية هي أن يكون واعًي ا بذاته‬
‫تجربة "أنا واعي" هي معرفة الوعي لذاته‪ .‬ومن ثم فإن‬
‫‪.‬معرفتنا ألنفسنا هي معرفة الوعي بذاته‬
‫وكما أن الشمس ال تحتاج إلى توجيه نورها إلى أي اتجاه معين حتى‬
‫‪،‬تنير نفسها‪ ،‬كذلك ال يحتاج الوعي إلى توجيه انتباهه‬
‫‪.‬نور معرفته‪ ،‬إلى أي اتجاه معين حتى يعرف نفسه‬
‫وفي الحقيقة فإن أي اتجاه توجه إليه الشمس أشعتها لن‬
‫يضيء إال شيئًا آخر غير نفسها‪ .‬وكذلك أي اتجاه أشرق فيه‬
‫الوعي نور معرفته ال يعطيه إال معرفة بشيء‬
‫‪.‬آخر في ظاهره غير نفسه‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن معرفة الوعي نفسه ال تحتاج إلى القيام بأي‬
‫نشاط خاص أو توجيه ضوء معرفته في أي اتجاه معين‪ .‬ال‬
‫يتطلب األمر أي جهد حتى يعرف الوعي نفسه‪ .‬في الواقع‪ ،‬أي جهد من شأنه أن يأخذها‬
‫‪.‬من نفسها‬
‫‪.‬فالوعي يعرف نفسه ببساطة من خالل كونه نفسه‬
‫تشير "التجربة" في هذا السياق إلى تجربتنا الداخلية لألفكار والصور والذكريات *‬
‫والمشاعر واألحاسيس وتصوراتنا للعالم الخارجي ظاهرًي ا‪ ،‬أي المشاهد واألصوات واألذواق‬
‫‪".‬واألنسجة والروائح‪ .‬ويشار إليها مجتمعة باسم "األشياء" أو "التجربة الموضوعية‬
‫ُت ستخدم كلمة "معرفة" في هذا الكتاب بشكل مرادف للوعي أو الوعي أو †‬
‫‪،‬الوعي‪ .‬إنها ال تعني معرفة مفاهيمية‪ ،‬بل تعني ببساطة تجربة معرفة نفسها‬
‫‪.‬بغض النظر عما هو معروف أو تم اختباره‬
‫الفصل‬
‫الثاني‬
‫طبيعة الوعي‬
‫نحن كشاشة ال تتأثر أبًد ا بالدراما في الفيلم‪ ،‬لذا فإن الوعي‬
‫‪.‬أو الوعي نفسه ال يضطرب أبًد ا بمحتوى التجربة‬
‫قد تكون األفكار مضطربة‪ ،‬والمشاعر مضطربة‪ ،‬والجسد يتألم‪ ،‬والعالم‬
‫مضطرب‪ ،‬لكن المعرفة الخالصة‪ ،‬والوعي أو الوعي نفسه ال‬
‫يضطرب أبًد ا بأي شيء يحدث في التجربة‪ .‬وبالتالي فإن طبيعته هي السالم‬
‫‪.‬نفسه‬
‫هذا ليس سالًم ا هًش ا يعتمد على الهدوء النسبي للعقل أو الجسد‬
‫أو العالم‪ ،‬ولكنه سالم متأصل متاح دائًم ا في خلفية‬
‫‪،‬الخبرة‪ ،‬قبل نشاط العقل أو عدم نشاطه ومستقل عنه‪ .‬إنه‬
‫‪".‬على هذا النحو‪ ،‬السالم الذي "يفوق الفهم‬
‫ال شيء يحدث في التجربة يعزز أو يقلل من تجربة‬
‫الوعي أو الوعي نفسه‪ ،‬تماًم ا كما ال شيء يحدث في الفيلم‬
‫‪.‬يضيف أي شيء إلى الشاشة أو يزيل أي شيء منها‬
‫إن الوعي ال يتم تضخيمه أو التقليل منه أبًد ا من خالل اكتساب‬
‫المعرفة أو حدوث أي تجربة معينة‪ .‬ال يحتاج إلى شيء‬
‫من وال يخشى شيًئ ا في الخبرة‪ .‬ال يمكن كسب أو خسارة‬
‫‪.‬أي شيء من أي تجربة معينة‬
‫الوعي هو بطبيعته كامل وكامل وُم حقق في حد ذاته‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫طبيعتها هي السعادة نفسها ‪ -‬ليست سعادة تعتمد على حالة‬
‫العقل أو الجسد أو العالم‪ ،‬ولكنها فرحة بال سبب سابقة ومستقلة‬
‫‪.‬عن جميع الحاالت والظروف واألحوال‬
‫ولهذا السبب‪ ،‬عندما ُس ئل عما إذا كانت هناك رسالة واحدة يود‬
‫نقلها إلى طالبه‪ ،‬أجاب ج‪ .‬كريشنامورتي‪" :‬ال أمانع‬
‫‪".‬ما يحدث‬
‫وكما أن الشاشة ال تشترك في الصفات أو الخصائص أو القيود الخاصة‬
‫بأي من األشياء أو الشخصيات في الفيلم‪ ،‬على الرغم من أنها حقيقتها الوحيدة‪ ،‬فإن‬
‫المعرفة التي ُت عرف بها كل المعرفة والخبرة ال‬
‫تشترك في الصفات أو الخصائص أو حدود كل ما هو معروف أو‬
‫‪.‬من ذوي الخبرة‪ .‬وبالتالي فهي غير محدودة أو ال نهائية‬
‫‪،‬وكما أن الشاشة ليست مشروطة بأي شيء يحدث في الفيلم‬
‫فإن المعرفة أو الوعي أو الوعي نفسه ال يكون مشروًط ا أبًد ا بأي شيء‬
‫يحدث في التجربة‪ .‬إن المعرفة أو الوعي أو الوعي بحد ذاته هو‬
‫الجوهر األساسي وغير القابل لالختزال للعقل قبل تكييفه في‬
‫‪.‬شكل تجربة موضوعية‪ .‬فهو‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬غير مشروط‬
‫إذا كنا منغمسين في الفيلم‪ ،‬فقد يبدو للوهلة األولى أن الشاشة تقع خلف‬
‫الصورة‪ .‬وبالمثل‪ ،‬إذا كنا مفتونين بالتجربة لدرجة أننا نتجاهل‬
‫التجربة البسيطة المتمثلة في الوعي أو الوعي نفسه‪ ،‬فقد نضعها أوًال‬
‫في خلفية التجربة‪ .‬في هذه الخطوة األولى‪ ،‬يتم التعرف على الوعي أو‬
‫الوعي نفسه باعتباره شاهًد ا شخصًي ا على كل‬
‫‪.‬تجربة موضوعية‬
‫وبالنظر عن كثب نرى أن الشاشة ليست فقط في خلفية‬
‫الصورة ولكنها تتخللها بالكامل‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فإن كل تجربة تتخللها‬
‫المعرفة التي ُت عرف بها‪ .‬إنها مشبعة بتجربة‬
‫الوعي أو الوعي نفسه‪ .‬وال يوجد جزء من فكرة أو شعور أو‬
‫إحساس أو إدراك إال ومشبع بمعرفته‪ .‬هذا‬
‫اإلدراك الثاني ينهار‪ ،‬إلى حد ما على األقل‪ ،‬التمييز بين الوعي‬
‫‪.‬وموضوعاته‬
‫في الخطوة الثالثة‪ ،‬نفهم أنه ليس من المشروع حتى االدعاء بأن‬
‫المعرفة أو الوعي أو الوعي نفسه يتخلل كل التجارب‪ ،‬كما لو‬
‫كانت التجربة شيء والوعي شيء آخر‪ .‬مثلما أن الشاشة هي كل‬
‫ما في الصورة‪ ،‬فإن المعرفة الخالصة أو الوعي أو الوعي بحد ذاته هو كل‬
‫‪.‬ما يمكن تجربته‬
‫‪.‬كل ما في الفكر هو التفكير‪ ،‬وكل ما في التفكير هو المعرفة‬
‫‪.‬كل ما في العاطفة هو الشعور‪ ،‬وكل ما في الشعور هو المعرفة‬
‫‪.‬كل ما في اإلحساس هو االستشعار‪ ،‬وكل ما في االستشعار هو المعرفة‬
‫كل ما في اإلدراك هو اإلدراك‪ ،‬وكل ما في اإلدراك هو‬
‫‪.‬المعرفة‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن كل ما يمكن تجربته هو المعرفة‪ ،‬والمعرفة هي التي تعرف هذه‬
‫المعرفة‪ .‬كونه وحيًد ا تماًم ا‪ ،‬مع عدم وجود أي شيء في ذاته غير نفسه الذي‬
‫يمكن أن يكون محدوًد ا أو منقسًم ا به‪ ،‬فإن المعرفة أو الوعي النقي هو كامل وكامل وكامل‬
‫‪.‬وغير قابل للتجزئة وبال حدود‬
‫إن غياب االزدواجية أو االنفصال أو اآلخر هو تجربة الحب أو الجمال‪ ،‬حيث يذوب‬
‫أي تمييز بين الذات والموضوع أو اآلخر أو العالم ‪ .‬وهكذا فإن الحب والجمال هما طبيعة الوعي‪ .‬في التجربة المألوفة للحب أو‬
‫الجمال‪ ،‬يتذوق الوعي واقعه األبدي الالمحدود‪ .‬وفي هذا السياق قال الرسام بول سيزان إن الفن يمنحنا "طعم خلود الطبيعة"‪ .‬قد‬
‫تسافر إحدى شخصيات الفيلم حول العالم‪ ،‬لكن الشاشة‪ ،‬جوهرها الوحيد وواقعها‪ ،‬ال تذهب إلى أي مكان أبًد ا‪ .‬وبالمثل‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن العقل يتحرك باستمرار ‪ -‬في شكل كل التفكير والتخيل والشعور واإلحساس واإلدراك ‪ -‬فإن المعرفة الخالصة والوعي أو‬
‫الوعي نفسه‪ ،‬جوهره الوحيد وواقعه‪ ،‬ال يذهب أبًد ا إلى أي مكان‪ .‬وفي صورة العقل يتحرك الوعي دون أن يتحرك‪ .‬مثلما تتلون‬
‫الشاشة بالفيلم ولكنها ال تتلوث به أبًد ا‪ ،‬كذلك يتلون الوعي بالتجربة ولكنه ال يتشوه أو يلطخ أبًد ا بأي شيء يحدث داخله‪ .‬إن‬
‫المعرفة الخالصة أو الوعي أو الوعي نفسه دائًم ا في نفس الحالة األصلية‪ .‬ال توجد تجربة تترك أثرًا على كياننا األساسي الواعي‬
‫بذاته‪ .‬تماًم ا كما تكون الشاشة عاجزة تماًم ا عن الدفاع ضد أي شيء يحدث في الفيلم ومع ذلك ال يتم تدميرها أبًد ا بسبب النشاط‬
‫الذي يحدث عليها‪ ،‬كذلك فإن الوعي مفتوح تماًم ا أو عرضة لجميع التجارب ومع ذلك‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬غير قابل لألذى وغير قابل‬
‫للتدمير‪ .‬إن تجربة الوعي هي اآلن في نفس الحالة تماًم ا كما كانت قبل دقيقتين‪ ،‬أو قبل يومين‪ ،‬أو قبل شهرين‪ ،‬أو قبل عامين‪ ،‬أو‬
‫قبل عشرين عاًم ا‪ .‬إن الوعي الذي ُع رفت به تجربتنا كفتيات أو أوالد في سن الخامسة هو بالضبط نفس الوعي الذي ُت عرف به‬
‫تجربتنا الحالية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن طبيعتنا األساسية المتمثلة في المعرفة أو الوعي أو الوعي بحد ذاته ليس لها عمر‪ .‬ولهذا السبب‪،‬‬
‫عندما نتقدم في السن‪ ،‬نشعر أننا ال نتقدم في السن حًق ا‪ .‬كلما تقدمنا​في العمر‪ ،‬كلما شعرنا أننا كنا دائًم ا نفس الشخص‪ .‬التشابه في‬
‫أنفسنا هو تشابه الوعي‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فإن الوعي الذي ُت عرف به أفكارنا األكثر ذكاًء هو نفس الوعي الذي ُت عرف به أفكارنا األكثر ذكاًء ‪.‬‬
‫إن الوعي الذي يعرف به اإلحساس باأللم أو التوتر أو االنفعال هو نفس الوعي الذي يعرف به اإلحساس باللذة أو االسترخاء أو‬
‫الدفء‪ .‬إن الوعي الذي تعرف به تجربة الغضب أو الحزن أو األسى هو نفس الوعي الذي تعرف به تجربة الشكر أو اللطف أو‬
‫االستمتاع‪ .‬يعتقد العقل أن الوعي يكمن داخل الجسد‪ ،‬وبالتالي يشترك في حدوده ومصيره‪ .‬ولذلك يعتقد العقل أنه عندما يولد‬
‫الجسد يولد الوعي؛ وأنه عندما يشيخ الجسد ويمرض‪ ،‬يشيخ الوعي ويمرض؛ وأنه عندما يموت الجسد ويختفي يموت معه الوعي‬
‫ويختفي ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما تولد الشخصية في الفيلم‪ ،‬ال تولد الشاشة؛ عندما تتقدم الشخصية في الفيلم بالعمر‪ ،‬فإن الشاشة ال‬
‫تتقدم في العمر؛ وعندما تموت الشخصية في الفيلم‪ ،‬فإن الشاشة ال تموت أو تختفي‪ .‬وكذلك عندما يظهر الجسد أو يولد‪ ،‬ال يولد‬
‫الوعي؛ عندما يشيخ الجسد ال يشيخ الوعي؛ وعندما يختفي الجسد أو يموت‪ ،‬فإن الوعي ال يموت أو يختفي‪ .‬يبقى في نفس‬
‫الحالة الدائمة طوال الوقت‪ .‬إن الوعي ال يواجه أبًد ا ظهوره أو اختفائه‪ ،‬أو بدايته أو نهايته‪ ،‬أو والدته أو موته‪ .‬ومن أجل المطالبة‬
‫بمثل هذه التجربة‪ ،‬يجب أن يكون الوعي موجوًد ا قبل ظهوره أو بدايته أو والدته‪ ،‬وبعد اختفائه أو نهايته أو موته‪ .‬يتخيل العقل‬
‫المحدود أن الوعي يختفي في النوم العميق‪ ،‬ولكن في تجربة الوعي فإن العقل المحدود هو الذي يختفي في النوم العميق‪ ،‬تارًكا‬
‫الوعي وحده‪ .‬النوم العميق ليس غياب الوعي؛ إنه الوعي بالغياب‪ .‬وهكذا‪ ،‬في تجربته الخاصة بذاته – والوعي هو الوحيد الذي‬
‫يعرف أي شيء عن نفسه – الوعي ال يولد وال يموت‪ .‬بمعنى آخر ‪ ،‬الوعي أبدي‪ .‬مثلما ال يحدث شيء للشاشة عندما تمرض إحدى‬
‫شخصيات الفيلم ‪ ،‬كذلك ال يحدث شيء للوعي عندما يمرض الجسم‪ .‬ولهذا السبب فإن معرفة الطبيعة الحقيقية للوعي النقي هو‬
‫الشفاء النهائي‪ .‬إذا عرف المرء نفسه كوعي خالص‪ ،‬أو بالتجربة البسيطة للوعي‪ ،‬فهو دائًم ا في صحة مثالية‪ .‬ال يحدث شيء على‬
‫اإلطالق للوعي‪ .‬الفصل الثالث التغاضي عن طبيعتنا األساسية من السهل أن تكون مفتوًن ا حصرًي ا بكل ما تعرفه وأن تكون مهتًم ا‬
‫بدًال من ذلك بتجربة الوعي بحد ذاتها‪ .‬كن على علم بأن تكون على علم‪ .‬على الرغم من أن تجربة الوعي ليست شيًئ ا يمكننا أن‬
‫ندركه بشكل موضوعي‪ ،‬إال أن تجربة الوعي غير الموضوعية هي بال شك معروفة أو مجربة‪ .‬إذا طلب منا شخص ما أن ندرج‬
‫محتويات الغرفة التي نجلس فيها حالًي ا‪ ،‬فإن القليل منا‪ ،‬إن وجد‪ ،‬سيذكر المساحة بين قائمة األشياء لدينا‪ ،‬ألنه ال يمكن رؤية‬
‫المساحة بنفس الطريقة التي يمكن بها رؤية طاولة أو كرسي أو طاولة‪ .‬وينظر إلى الكتاب أو الكمبيوتر المحمول‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬ال يمكننا أن ندعي بشكل مشروع أن الفضاء ال يتم اختباره‪ .‬مثل الفضاء الفارغ‪ ،‬نسبًي ا‪ ،‬الوعي أو الوعي بحد ذاته‬
‫ليس له صفات أو سمات موضوعية‪ .‬وبسبب عدم موضوعيتها فإن تجربة الوعي أو الوعي نفسه عادة ما يتم تجاهلها أو التغاضي‬
‫عنها‪ .‬في الواقع‪ ،‬يقضي معظم الناس حياتهم بأكملها دون أن يتساءلوا أبًد ا عمن أو ما الذي يعرف أو يدرك تجربتهم‪ ،‬أو كيف تأتي‬
‫التجربة على اإلطالق‪ .‬في لقاءاتي في أوروبا وأمريكا‪ ،‬سألت اآلالف من األشخاص عما إذا كان آباؤهم أو مدرسوهم أو أساتذتهم‬
‫قد سألوهم من أو ما الذي يعرف أو يعرف تجربتهم‪ ،‬ولم يجب حتى اآلن أي شخص باإليجاب‪ . .‬من الصعب أن نتخيل رسامة‬
‫المناظر الطبيعية تقضي حياتها كلها في الرسم في الطبيعة دون أن تالحظ الضوء الذي ينير المناظر الطبيعية أو يجعلها مرئية‬
‫نسبًي ا‪ .‬ومع ذلك فإن معظم الناس يفشلون في مالحظة أو النظر في الوعي أو الوعي الذي يكشف أو يجعل كل المعرفة والخبرة‬
‫قابلة للمعرفة‪ .‬معظمنا مفتون جًد ا بمحتوى التجربة ‪ -‬األفكار والصور والمشاعر واألحاسيس والتصورات ‪ -‬لدرجة أننا نتجاهل‬
‫المعرفة التي ُت عرف بها كل المعرفة والخبرة‪ .‬نحن نهمل تجربة الوعي البسيطة التي تظل حاضرة دائًم ا وال تتغير في خلفية كل‬
‫التجارب‪ .‬نحن نتجاهل الوعي نفسه‪ .‬نحن نتغاضى عن المعرفة البسيطة لوجودنا الواعي بذاته‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬لقد نسينا من نحن أو‬
‫ما نحن عليه في األساس وأخطأنا في اعتبار أنفسنا مجموعة من األفكار والصور والذكريات والمشاعر واألحاسيس والتصورات‪.‬‬
‫بسبب هذا التجاهل أو التغاضي أو النسيان لطبيعتنا األساسية ‪ -‬تجربة الوعي أو الوعي نفسه ‪ -‬فقد سمحنا لكياننا األساسي‬
‫الواعي بذاته أن يمتزج بصفات‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬حدود التجربة الموضوعية‪ .‬فكما تمتزج الشاشة بصفات األشياء في الفيلم وتبدو‪ ،‬نتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬وكأنها منظر طبيعي أو غابة‪ ،‬كذلك يمتزج الوعي األبدي الالمتناهي بالتجربة الموضوعية ويضيع فيها‪ ،‬ويبدو‪ ،‬نتيجة لذلك‪،‬‬
‫لتصبح وعًي ا مؤقًت ا ومحدوًد ا – العقل المحدود‪ ،‬الذات المنفصلة أو األنا‪ .‬أي أننا ننسى من نحن حًق ا‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬يعتقد العقل أن‬
‫الوعي يتقاسم حدود الجسد‪ ،‬وبالتالي مصيره‪ .‬هذا المزيج الواضح من الوعي بخصائص الجسد وقيوده يؤدي إلى الذات المنفصلة‬
‫أو األنا التي يعتقدها ويشعر بها معظم الناس‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬فإن الذات أو األنا المنفصلة هي نتيجة طبيعية حتمية للنسيان‪ ،‬أو‬
‫التغاضي عن أو تجاهل الذات الحقيقية والوحيدة* ذات الوعي األبدي الالمتناهي‪ ،‬أو‪ ،‬باللغة الدينية‪ ،‬نسيان كائن اهلل الالمتناهي‪.‬‬
‫على الرغم من هذا‪ ،‬فإن طبيعتنا الحقيقية للوعي األبدي الالمحدود ال ُت نسى تماًم ا أو تحجبها التجربة الموضوعية‪ .‬ومهما كانت‬
‫التجربة الموضوعية المضطربة أو المخدرة قد جعلت عقولنا‪ ،‬فإن ذكرى أبديتنا تشرق داخلها كالرغبة في السعادة‪ ،‬أو‪ ،‬باللغة‬
‫الدينية ‪ ،‬الشوق إلى اهلل‪ .‬عندما أقول‪" :‬نحن نهمل تجربة الوعي البسيطة"‪ ،‬ال أقصد أن أشير ضمًنا إلى أننا كيان واحد وتجربة‬
‫الوعي كيان آخر‪ .‬هذه مجرد طريقة للتحدث‪ .‬إن "األنا" الواعية ‪ -‬التي نشير إليها عندما نقول "أنا واعي" ‪ -‬هي نفس "األنا" التي‬
‫تعرف أنني واعي‪" .‬األنا" التي ُت عرف هي "األنا" التي تعرف‪ .‬الشمس التي تنير هي الشمس التي تنير‪ .‬الوعي وحده هو الذي يدرك‬
‫الوعي‪ .‬أن تكون واعًي ا هو فقط أن تكون واعًي ا أن تكون واعًي ا‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن "نحن" التي تتجاهل تجربة الوعي‪ ،‬أو حضور الوعي‪،‬‬
‫هي وعي يتجاهل نفسه أو ينسىه ظاهرًي ا‪ .‬إنها شاشة الوعي الذاتي للوعي‪ ،‬التي تلعب عليها دراما التجربة والتي ُت صنع منها‪،‬‬
‫والتي تصبح منخرطة بشكل وثيق مع المحتوى الموضوعي لتجربتها بحيث تبدو وكأنها تفقد نفسها فيها ‪ ،‬وكشاشة‪ .‬ونتيجة لذلك‪،‬‬
‫يتجاهل أو ينسى وجوده‪ ،‬كما يفقد عقل الحالم نفسه في حلمه في الليل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن المعرفة أو الوعي أو الوعي بحد ذاته ال‬
‫تحجبه التجربة أبًد ا‪ ،‬تماًم ا كما ال يحجب الفيلم الشاشة أبًد ا‪ .‬تماًم ا كما تظل الشاشة مرئية طوال الفيلم‪ ،‬فإن المعرفة أو الوعي أو‬
‫الوعي بحد ذاته يعرف نفسه طوال التجربة بأكملها‪ .‬يعتمد ما إذا كنا نرى منظًر ا طبيعًي ا أو شاشة على الطريقة التي نرى بها‪ ،‬وليس‬
‫على ما نراه‪ .‬أوال نرى المناظر الطبيعية‪ .‬ومن ثم نتعرف على الشاشة؛ ثم نرى الشاشة كمنظر طبيعي‪ .‬أوال‪ ،‬نحن نرى فقط تعدد‬
‫وتنوع األشياء؛ عندها ندرك وجود الوعي؛ ومن ثم نرى الوعي باعتباره مجمل التجربة الموضوعية‪ .‬وهذا ما يعنيه الصوفية عندما‬
‫يقولون ‪" :‬ال يوجد إال وجه اهلل"‪ .‬وهذا ما أشار إليه رامانا ماهارشي عندما قال‪« :‬العالم غير واقعي؛ براهمان فقط هو الحقيقي‪.‬‬
‫براهمان هو العالم‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬لم تعد التجربة تحجب الوعي‪ ،‬بل تشرق معه ‪ .‬المعروف يشرق بالمعرفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كتنازل‬
‫عن التغاضي الواضح عن طبيعتنا الحقيقية‪ ،‬وفقدان السالم واإلنجاز الذي يصاحبها‪ ،‬يمكننا القول إن الوعي يفقد نفسه في‬
‫التجربة الموضوعية‪ ،‬وعلى هذا النحو‪ ،‬يحجب نفسه بنشاطه الخاص ‪ ،‬تماًم ا كما هو الحال مع الوعي‪ .‬يمكن القول أن الشاشة‬
‫محجوبة بالدراما في الفيلم‪ .‬ولهذا السبب قال الصوفي البلياني‪« :‬يحجب نفسه بنفسه »‪ُ .‬ي عرف هذا الحجاب أو التجاهل أو‬
‫االبتعاد عن الوعي باسم "الخطيئة األصلية" في التقليد المسيحي و"الجهل" في فيدانتا‪ .‬إن الكلمة العبرية التي ُت ترجم غالًب ا في‬
‫والتي تعني حرفًي ا "إضاعة العالمة"‪ .‬الخطيئة األصلية‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬هي ‪ "chata'ah"،‬الكتاب المقدس بكلمة "خطيئة" هي‬
‫فقدان أو تجاهل أو تجاهل العنصر األساسي للتجربة ‪ -‬الوعي أو الوعي نفسه‪ ،‬أو كائن اهلل الالمتناهي‪ .‬وهكذا فإن الخطيئة في‬
‫عادًة إلى ‪ avidya‬المصطلح الديني هي االبتعاد عن اهلل‪ .‬وبالمثل‪ ،‬في اللغة السنسكريتية‪ ،‬اللغة األصلية لفيدانتا‪ُ ،‬ت ترجم كلمة‬
‫"الجهل" أو "سوء الفهم" أو " المعرفة غير الصحيحة"‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬ال يعني الجهل الغباء‪ ،‬كما في اللغة الشائعة‪ ،‬بل يعني‬
‫تجاهل الوعي‪ ،‬أي تجاهل الوعي الظاهري لذاته أو إغفاله أو نسيانه‪ .‬مع هذا الحجاب أو التجاهل أو الحد من الوعي وانكماشه‬
‫الالحق في عقل محدود‪ ،‬يبدو أنه ذات أو غرور منفصلتين‪ ،‬فإن السالم والوفاء المتأصلين فيه يحجبان أيًض ا‪ ،‬على الرغم من أنهما‬
‫يترددان داخله كذاكرة يتوق إليها‪ .‬هذا الشوق للسالم والسعادة هو السمة المميزة للذات أو األنا المنفصلة على ما يبدو‪ .‬ومن ثم‬
‫فإن نسيان طبيعتنا الحقيقية هو مصدر كل المعاناة النفسية‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإن تذكر أنفسنا ‪ -‬تذكرها أو التعرف على‬
‫نفسها ‪ -‬هو مصدر السالم والسعادة الذي يتوق إليه كل الناس‪ .‬بمجرد أن تستنفد الذات أو األنا المنفصلة ظاهرًي ا إمكانيات تأمين‬
‫السالم والسعادة في التجربة الموضوعية‪ ،‬فقد تكون مفتوحة أمام‬
‫إمكانية الوصول إليها داخل نفسه‪ .‬هذا الحدس هو بداية‬
‫عودة الذات المنفصلة إلى‬
‫‪.‬جوهرها السلمي المتأصل والمحقق دون قيد أو شرط للوعي النقي‪ ،‬وبالتالي فهو الحل لبحثها‬
‫كل ما تحتاج الذات المنفصلة ظاهرًي ا إلى القيام به للتعرف على طبيعتها األساسية‬
‫وبالتالي الوصول إلى السالم والسعادة المتأصلين فيها هو إدراك أن‬
‫جوهر الوعي النقي الخاص بها ليس مشروًط ا أو محدوًد ا بالتجربة الموضوعية‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬يجب رؤية جوهرها بوضوح‪ .‬أي أن ‪.‬‬
‫الوعي يجب أن يرى نفسه بوضوح‪ ،‬ولكي يرى نفسه بوضوح يجب أن "ينظر" إلى‬
‫‪.‬نفسه‬
‫ومع ذلك‪ ،‬مثلما يمكن توجيه شعاع الضوء من المصباح اليدوي نحو‬
‫جسم ما ولكن ال يمكن توجيهه نحو المصباح الذي ينبعث منه‪ ،‬كذلك‬
‫يمكن للوعي‪ ،‬في شكل انتباه أو عقل‪ ،‬أن يوجه ضوء معرفته‬
‫‪.‬نحو التجربة الموضوعية‪ .‬ولكن ال يستطيع توجيه نفسه نحو نفسه‬
‫ال يمكننا توجيه أذهاننا نحو تجربة الوعي؛ يمكننا‬
‫فقط توجيه أذهاننا بعيدا عنه‪ .‬لذلك‪ ،‬سيكون من األدق أن‬
‫نقول إن الوعي يجب أن يريح تركيز انتباهه‪ ،‬أو أن ينفصل‬
‫عن األشياء التي يختبرها‪ ،‬مما يسمح النتباهه بالعودة إلى نفسه أو‬
‫الراحة فيه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن أعلى أشكال التأمل ليس نشاًط ا‬
‫يقوم به العقل‪ .‬إنه استرخاء أو تراجع أو غرق العقل‬
‫‪.‬في مصدره أو جوهر الوعي النقي الذي نشأ منه‬
‫إن عودة الوعي إلى نفسه‪ ،‬وتذكره لذاته ‪-‬الوعي‬
‫بالوعي‪ -‬هو جوهر التأمل والصالة‪ ،‬والطريق المباشر‬
‫‪.‬إلى السالم والسعادة الدائمين‬
‫إن الذات أو األنا المنفصلة ظاهرًي ا تشبه كرة مطاطية يتم‬
‫‪،‬عصرها‪ .‬كل ما في الكرة المضغوطة هي الكرة األصلية‪ .‬ومع ذلك‬
‫فإن الضغط على الكرة يقلصها ويخلق توتًر ا يسعى دائًم ا إلى‬
‫توسيعها إلى حالتها األصلية المريحة‪ .‬الكرة المضغوطة ال تفعل شيًئ ا؛ إن‬
‫حالة االسترخاء الطبيعي للكرة الموسعة بالكامل هي التي تعيد‬
‫‪.‬الكرة المنقبضة إلى حالتها األصلية‬
‫وبالمثل‪ ،‬فإن الذات المنفصلة هي تقييد واضح أو تقليص‬
‫للوعي الالمحدود‪ .‬كل ما في الذات المنفصلة هو "الذات" الحقيقية والوحيدة ذات‬
‫الوعي النقي‪ ،‬لكن تقلصها إلى كيان محدود يخلق توتًر ا يميل‬
‫دائًم ا إلى العودة إلى حالته األصلية والمريحة والطبيعية‪ .‬هذا‬
‫الجذب تشعر به الذات المنفصلة كالرغبة في السعادة أو الشوق إلى‬
‫‪.‬اهلل‬
‫في الواقع‪ ،‬ليست الذات المنفصلة هي التي تبحث عن السعادة أو تعود إلى حالتها‬
‫الطبيعية المريحة‪ .‬إن الجذب أو الذاكرة لحالتها الطبيعية هي التي‬
‫تعيد الذات المنفصلة إلى حالتها الفطرية من الوعي السلمي الكامل واالسترخاء‬
‫‪.‬‬
‫‪،‬إن حركة الذات المنفصلة نحو جوهر الوعي النقي‪ُ ،‬ت حس‬
‫من منظور الذات المنفصلة‪​،‬على أنها رغبة أو شوق؛ إن جاذبية‬
‫الوعي السلمي والمريح بطبيعته لتقلص الذات المنفصلة‬
‫‪.‬هي جاذبية النعمة‬
‫‪.‬محبتنا هلل هي محبة اهلل لنا‬
‫ال تشير كلمة "الذات" في هذا السياق إلى كيان أو "ذات"‪ .‬أنا آخذ الكلمة الشائعة لما نبدو *‬
‫‪.‬عليه وأطبقها على كائننا األساسي‪ ،‬الذي ال موضوع له‪ ،‬والمدرك لذاته‬
‫الفصل‬
‫‪:‬الرابع‬
‫تفكيك الوعي‬
‫من أجل التعرف على نفسه أو إدراكه كما هو‪ ،‬ال‬
‫يحتاج الوعي إلى القيام بأي شيء خاص‪ .‬الوعي بطبيعته واعي بذاته‪ ،‬كما أن‬
‫‪.‬الشمس بطبيعتها مضيئة بذاتها‬
‫ولذلك‪ ،‬فإن معرفة الوعي بذاته – أي معرفتنا بكياننا‬
‫‪.‬األساسي وغير القابل لالختزال – ليست نوًع ا جديًد ا أو خاًص ا من المعرفة‬
‫إنها المعرفة المتأصلة في الوعي‪ ،‬على الرغم من أنها تبدو‬
‫‪.‬غامضة بسبب تركيز اهتمامنا الحصري على التجربة الموضوعية‬
‫أشار الفيلسوف الروسي بي‪.‬دي‪ .‬أوسبنسكي إلى العملية الواضحة‬
‫" التي يتعرف من خاللها الوعي على طبيعته األبدية والالمتناهية على أنها‬
‫تذكر ذاتي"‪ ،‬وهو ما كان يقصد به ليس ذكرى شيء ما في الماضي‬
‫كان معروًف ا في السابق وتم نسيانه منذ ذلك الحين‪ ،‬بل بل االعتراف‬
‫أو المعرفة مرة أخرى لشيء موجود ومألوف‪ ،‬ولكن يبدو أنه‬
‫‪.‬تم تجاهله أو نسيانه بسبب صخب التجربة‬
‫‪:‬التأمل‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬هو تذكر أنفسنا‬
‫التجربة األصلية والمشرقة والسلمية بطبيعتها والمحققة دون قيد أو شرط إلدراك‬
‫أننا دائًم ا ونفعل بالفعل‪ ،‬والتي تكون حاضرة دائًم ا في جميع‬
‫التجارب‪ ،‬على ما يبدو ولكن ال تحجبها األفكار أبًد ا‪ ،‬المشاعر‬
‫‪.‬واألحاسيس والتصورات‬
‫‪:‬وهو الذكر أو الصالة التي أشار إليها القديس متى بقوله‬
‫وأما أنت فإذا صليت فادخل إلى مخدعك‪ ،‬ومتى أغلقت"‬
‫‪".‬بابك وصلي إلى أبيك الذي في الخفاء‬
‫‪،‬في الواقع‪ ،‬ال يمكن أن نتذكر ذاتنا األساسية وغير القابلة لالختزال‪ ،‬والوعي النقي‬
‫بالطريقة التي نتذكر بها شيًئ ا أو شخًص ا أو حدًث ا‪ ،‬ألنه فقط‬
‫يمكن تذكر شيء له صفات موضوعية‪ .‬وال حاجة إلى تذكر الوعي بهذا المعنى‪ ،‬ألنه فقط ما يجب تذكره هو‬
‫الشيء المفقود أو المفقود ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬إذا ضيعنا محتويات الفيلم‪ ،‬فستبدو الشاشة مفقودة أو غير مرئية‪ .‬بالطبع‪ ،‬الشاشة دائًم ا‬
‫ُت رى‪ ،‬على الرغم من أننا أغفلناها أو نسيناها مؤقًت ا بسبب استغراقنا في الفيلم‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فإن الوعي دائًم ا حاضر وواعي بذاته‪،‬‬
‫ولكن يبدو أنه يتوقف عن معرفة نفسه كما هو حًق ا عندما يفقد نفسه في التجربة الموضوعية‪ .‬وفي مثل هذه الحالة تختلط‬
‫معرفة الوعي بذاته بمعرفته بأشياء أخرى‪ ،‬فيبدو نتيجة لذلك أنه ينقطع عن معرفة نفسه بوضوح‪ .‬تصبح تجربة الوعي مشوهة أو‬
‫محجوبة بسبب صفات التجربة الموضوعية‪ .‬يصبح الوعي مختلًط ا‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬محدوًد ا ظاهرًي ا بصفات التفكير والشعور واإلحساس‬
‫واإلدراك‪ ،‬وبالتالي يبدو أنه يصبح ذاًت ا أو عقاًل مؤقًت ا ومحدوًد ا‪ .‬الوعي باألشياء يفوق الوعي بالوعي‪ .‬وحده الالنهائي يستطيع أن‬
‫يعرف الالنهائي؛ فقط المحدود يمكنه معرفة المحدود‪ .‬من أجل معرفة التجربة الموضوعية‪ ،‬يتخذ الوعي الالمتناهي شكل العقل‬
‫المحدود‪ ،‬لكن من أجل معرفة نفسه ال يحتاج إلى اتخاذ شكل العقل‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬في شكل العقل أو نشاطه‪ ،‬يعرف الوعي األفكار‬
‫والصور والمشاعر واألحاسيس واإلدراكات‪ ،‬لكنه في شكل العقل ال يستطيع معرفة نفسه‪ .‬فالوعي ال يستطيع أن يعرف نفسه على‬
‫شكل عقل ألن العقل قيد ظاهري للوعي‪ ،‬كما أن الشخصية في الحلم ال تستطيع أن تعرف عقل الحالم ألنها قيد لذلك العقل ذاته‪.‬‬
‫كل ما تعرفه الشخصية الحالمة هو انعكاس لمحدودية عقلها‪ ،‬وبالتالي فهي ال تستطيع معرفة العقل "غير المحدود" للحالم ‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن عقلها مصنوع منه‪ .‬إن محدودية عقلها تمنعها من معرفة واقعها الالمحدود‪ .‬لنفس السبب‪ ،‬ال يمكن للعقل المحدود أن‬
‫يعرف أبًد ا الوعي غير المحدود‪ ،‬على الرغم من أنه تعديل له‪ .‬فكما يمكن القول أن الفيلم هو نشاط الشاشة‪ ،‬أو التيار هو نشاط‬
‫المحيط‪ ،‬كذلك العقل هو نشاط الوعي‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬العقل هو الوعي في الحركة؛ الوعي هو العقل في راحة‪ .‬العقل الذي يبحث‬
‫عن الوعي يشبه التيار في المحيط بحًث ا عن الماء‪ .‬مثل هذا العقل مقدر له عدم الرضا الذي ال نهاية له‪ .‬العقل هو نشاط أو إبداع‬
‫الوعي الذي يبدو أن الوعي نفسه متشابك فيه‪ .‬يبدو أن الوعي يفقد نفسه في إبداعه ؛ إنه يحجب نفسه بنشاطه الخاص‪ .‬التأمل‬
‫هو فصل الوعي عن نشاطه الخاص‪ .‬في التأمل‪ ،‬يتم استخالص تجربة الوعي البسيطة من كل ما ندركه‪ .‬عندما نخرج من ضوء‬
‫الشمس الساطع إلى غرفة مظلمة‪ ،‬ال يمكننا أن نفعل أي شيء بالعقل لجعل األشياء تظهر في الظالم‪ .‬نحن فقط نبقى هناك‬
‫ونسترخي‪ ،‬وببطء تظهر األشياء‪ .‬التأمل مشابه‪ .‬ال يوجد شيء يمكن للعقل أن يفعله للعثور على الوعي أو معرفته‪ ،‬ألن العقل هو‬
‫قيد على الوعي نفسه الذي يبحث عنه ‪ .‬أي شيء يفعله العقل هو ببساطة أكثر من مجرد نشاط حجاب خاص به‪ .‬التأمل هو هبوط‬
‫نشاط العقل والكشف الالحق عن جوهر العقل ذاته ‪ -‬المعرفة أو الوعي الخالص ‪ -‬لنفسه ‪ .‬الوعي وحده يعرف الوعي‪ .‬في الالنشاط‬
‫أو عدم الممارسة المعروف بالتأمل‪ ،‬ينحسر نشاط العقل‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ينكشف جوهر الوعي النقي‪ ،‬بعد أن فقد حدوده الظاهرة‪،‬‬
‫لنفسه كما هو‪ .‬إذا لفت شخص ما انتباهنا إلى الورقة البيضاء التي كتبت عليها هذه الكلمات‪ ،‬فسوف ندرك ذلك فجأة‪ .‬في الواقع‪،‬‬
‫كنا دائًم ا على علم بالورقة ولكننا لم ندرك ذلك بسبب تركيز اهتمامنا الحصري على الكلمات‪ .‬الوعي مثل الورقة البيضاء‪ .‬إنه‬
‫الحضور المشرق الواعي الذي عليه أو من خالله تظهر كل التجارب‪ ،‬والمعرفة الشفافة التي ُت عرف بها كل التجارب‪ ،‬وفي النهاية‪،‬‬
‫المادة أو الواقع الذي تصنع منه كل التجارب‪ .‬وقد أشار إليها الشاعر شيلي باسم " اإلشعاع األبيض للخلود"‪ .‬إن االعتراف بالوعي‬
‫– االعتراف بذاته – ليس شيًئ ا جديًد ا ُي رى أو ُي عرف؛ إنها طريقة جديدة لرؤية أو معرفة ما هو موجود دائًم ا وموجود بالفعل‬
‫وعلى مرأى من الجميع‪ .‬التنوير أو الصحوة ليس نوًع ا جديًد ا أو استثنائًي ا من الخبرة‪ .‬إنه الكشف الذاتي عن طبيعة التجربة نفسها‪.‬‬
‫ال يمكن اكتشاف الوعي؛ ال يمكن التعرف عليه إال‪ .‬يمكن أن يتم فك تشابك الوعي عن نشاطه الخاص من خالل طرح سؤال يدعو‬
‫العقل إلى تتبع طريق العودة من التجربة الموضوعية نحو طبيعته األساسية غير القابلة لالختزال‪ .‬أحد هذه األسئلة هو‪" :‬هل أنا‬
‫على علم؟" معظم األسئلة تقود الوعي إلى توجيه نور معرفته أو انتباهه نحو المعرفة الموضوعية أو الخبرة‪ ،‬ولكن سؤال مثل هل‬
‫أنا واعي؟ هو سؤال مقدس يدعو العقل إلى اتجاه ال موضوع له‪ .‬عندما يتقدم العقل في هذا االتجاه غير الموضوعي فإنه يبدأ في‬
‫االسترخاء أو الغرق أو العودة إلى مصدر الوعي الذي نشأ منه‪ .‬يفقد العقل لونه أو نشاطه تدريجًي ا حتى ينكشف جوهر الوعي‬
‫النقي ‪ .‬ألفريد‪ ،‬كان اللورد تينيسون يشير إلى هذا التحقيق المقدس عندما كتب‪" :‬اتبع المعرفة مثل النجم الغارق‪ ،‬بعيًد ا عن أقصى‬
‫حدود الفكر البشري"‪ .‬أي أن نسعى إلى المعرفة المطلقة للكائن األبدي‪ ،‬الالنهائي‪ ،‬الواعي بذاته والذي يشرق في كل من عقولنا‬
‫كتجربة الوعي أو معرفة "أنا موجود"‪ ،‬في مصدر العقل نفسه‪ ،‬قبل كل شيء موضوعي‪ .‬المعرفة والخبرة‪ .‬الجواب على السؤال‬
‫"هل أنا على علم؟" ومن الواضح أن "نعم"‪ .‬السؤال "هل أنا على علم؟" هي فكرة لسنا متأكدين بعد من إجابتها‪ .‬الجواب "نعم" هو‬
‫فكرة ثانية‪ ،‬ونحن على يقين تام من اإلجابة‪ .‬ويحدث بين هاتين الفكرتين شيء يحول الشك المعبر عنه في السؤال إلى اليقين‬
‫المعبر عنه في الجواب‪ .‬وما يحدث بين هذين الفكرين ليس في حد ذاته مظهًر ا أو نشاًط ا للعقل؛ يحدث بين اثنين من هذه‬
‫المظاهر أو األنشطة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن كل ما يحدث في ذلك المكان الذي ال مكان له – ألنه في غياب نشاط العقل ال يختبر أي زمان‬
‫أو مكان – يمنحنا االقتناع الذي يمكننا من خالله اإلجابة بـ "نعم" على السؤال "هل أنا واعي؟" بكل يقين مطلق‪ .‬من أجل اإلجابة‬
‫على السؤال "هل أنا على علم؟" يجب علينا "الذهاب" إلى تجربة الوعي‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬يجب علينا أن نعرف تجربة الوعي‪ .‬يجب‬
‫أن نكون على علم بأن نكون على علم‪ .‬إذا لم نكن على علم بتجربة الوعي‪ ،‬فلن نجيب بـ "نعم" بمثل هذا اليقين على السؤال "هل‬
‫أنا على علم؟" قد يتساءل المرء بعد ذلك‪ ،‬من هو "نحن" أو "األنا" الذي يدرك تجربة الوعي؟ ال يدرك إال الوعي‪ .‬ولذلك‪ ،‬في الوقفة‬
‫بين السؤال "هل أنا على علم؟" والجواب "نعم" يكف الوعي عن توجيه نور معرفته نحو التجربة الموضوعية‪ ،‬ويصبح نتيجة لذلك‬
‫واعيا بذاته ‪ .‬في الواقع‪ ،‬الوعي ال يصبح واعًي ا بذاته‪ .‬الوعي يدرك نفسه دائًم ا‪ ،‬كما أن الشمس تضيء نفسها دائًم ا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما‬
‫يوجه الوعي انتباهه أو نور معرفته نحو موضوع ما‪ ،‬فإن وعيه بذاته يختلط بوعيه بالموضوعات ‪ ،‬وبالتالي يبدو وكأنه يتوقف‬
‫عن إدراك نفسه كما هو حًق ا‪ .‬لذلك‪ ،‬في الفجوة بين اثنين من هذه األشياء أو األفكار‪ ،‬يبدو أنه يدرك نفسه من جديد‪ .‬إن وعي‬
‫الوعي بذاته ليس في الحقيقة تجربة جديدة أو غامضة أو غير عادية أو استثنائية‪ .‬إنها التجربة األكثر حميمية ومألوفة وعادية‬
‫التي يمكن أن تحصل عليها‪ .‬إنها ببساطة معرفة كائننا األساسي الواعي بذاته – معرفته بذاته‪ .‬إنها التجربة البسيطة التي يشير‬
‫إليها كل واحد منا عندما نقول "أنا موجود"‪ .‬إنها معرفة الوجود ببساطة‪ .‬السؤال "هل أنا على علم؟" والجواب "نعم" هي األفكار‪.‬‬
‫إنها أنشطة وعي‪ ،‬وليست أشياء تظهر في الوعي‪ ،‬تماًم ا كما يمكن القول أن الفيلم هو نشاط الشاشة وليس كياًن ا له وجوده‬
‫المستقل الذي يظهر على الشاشة‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فإن الوعي بالوعي – الوعي بالوعي – ينكشف بين نشاطين للعقل‪ ،‬أي بين‬
‫فكرتين أو إدراكين‪ ،‬تماًم ا كما تنكشف الشاشة الفارغة بين إطارين من الفيلم ‪ .‬في االستراحة بين السؤال "هل أنا على علم؟"‬
‫والجواب "نعم"‪ ،‬يتحرر العقل من نشاطه‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬من حدوده‪ ،‬وينكشف كوعي ال نهائي‪ ،‬ينير نفسه أو يعرفها وحده‪ .‬الوعي‬
‫يدرك الوعي‪ .‬بادئ ذي بدء‪ ،‬قد يبدو أن الوعي يجد صعوبة في البقاء مع نفسه‪ ،‬أي البقاء مع التجربة غير الموضوعية المتمثلة في‬
‫مجرد الوعي‪ ،‬الذي اعتاد على اتخاذ شكل العقل‪ ،‬وبالتالي توجيه نفسه نحوه ‪ .‬تجربة موضوعية‪ .‬بمجرد مالحظة ذلك‪ ،‬يمكننا أن‬
‫نسأل مرة أخرى‪" :‬هل أنا واعي؟"‪ ،‬وبهذه الطريقة ندعو العقل بعيًد ا عن موضوعات المعرفة أو التجربة‪ ،‬نحو جوهرها أو مصدرها‪.‬‬
‫ال يمكن للعقل أن يقف على هذا النحو إال من خالل االهتمام بشيء ما‪ ،‬لذلك عندما يسأل العقل نفسه السؤال "هل أنا واعي؟" إنها‬
‫تنطلق في رحلة في اتجاه ال موضوع له – طريق بال مسار – بعيًد ا عن األفكار والصور والمشاعر واألحاسيس والتصورات ونحو‬
‫جوهرها األساسي وغير القابل لالختزال للوعي النقي‪ .‬أشار رامانا ماهارشي إلى هذه العملية غير العملية على أنها "إغراق العقل‬
‫في القلب"‪ .‬خالل هذه الرحلة بال اتجاه‪ ،‬يتراجع العقل أو يسترخي للخلف أو للداخل أو "للذات"‪ .‬وأثناء قيامها بذلك‪ ،‬فإنها‪ ،‬في‬
‫معظم الحاالت‪ ،‬تدريجًي ا‪ ،‬وأحياًن ا فجأة‪ ،‬يتم تجريدها من صفاتها المحدودة والمحدودة‪ ،‬وفي مرحلة ما‪ ،‬تظهر كعقل نقي‪ ،‬أو عقل‬
‫أصلي‪ ،‬أو وعي ال نهائي‪ .‬في الواقع‪ ،‬فإن اإليحاء بأن العقل يبدأ في رحلة إلعادة اكتشاف جوهره أو واقعه قد يكون أمًر ا مضلًال‪.‬‬
‫ما هي المسافة بين الصورة والشاشة؟ إن طريق العقل المحدود إلى جوهره األساسي غير القابل لالختزال ليس رحلة من مكان أو‬
‫كيان إلى آخر‪ ،‬على الرغم من أنه‪ ،‬كتنازل عن إيمان العقل بنفسه ككيان منفصل وموجود بشكل مستقل‪ ،‬غالًب ا ما يتم تصوير هذا‬
‫االكتشاف على أنه رحلة أو طريق أو حج‪ .‬إنه أشبه بتالشي الصورة على الشاشة‪ .‬العقل هو نشاط التلوين الذاتي للوعي‪ .‬التأمل‬
‫هو تالشي أو ذوبان نشاط التلوين الذاتي هذا والكشف الالحق عن جوهر العقل عديم اللون‪ ،‬والوعي النقي نفسه‪ .‬إن الوعي‬
‫بالوعي – الوعي بالوعي – هو تجربة عديمة اللون وغير موضوعية‪ .‬إنها تجربة جوهر العقل بعد تجريده من صفاته المحدودة‪.‬‬
‫إنه‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬العقل النقي – الوعي نفسه – يعرف جوهره الجوهري‪ ،‬غير القابل لالختزال‪ ،‬وغير القابل للتدمير‪ .‬في تقليد‬
‫الزن يشار إليه باسم "وجهنا األصلي"‪ .‬إن تجربة الوعي الشفافة عديمة اللون‪ ،‬أو الوعي نفسه‪ ،‬ال يمكن أن يعرفها أو يتذكرها العقل‪،‬‬
‫ألن العقل – نشاط الوعي – غير موجود‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬غير نشط هناك‪ .‬العقل‪ ،‬في أحسن األحوال‪ ،‬يتجاهل التجربة غير‬
‫الموضوعية للوعي وقد ينكر وجودها ذاته‪ .‬مثل هذا العقل يشبه موجة تنكر وجود الماء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن العقل الذي اعتاد على‬
‫الذوبان المتكرر في مصدره أو جوهره يصبح تدريجًي ا مشبًع ا بالسالم المتأصل فيه‪ .‬وعندما ينهض مثل هذا العقل مرة أخرى من‬
‫محيط الوعي‪ ،‬فإن نشاطه يجعل ذلك السالم متاًح ا للبشرية‪ .‬قد يكون مثل هذا العقل أيًض ا مستوحى من المعرفة التي ليست‬
‫مجرد استمرار للماضي ولكنها تأتي مباشرة من جوهرها غير المشروط‪ .‬يجلب هذا اإللهام اإلبداع واإلمكانيات الجديدة إلى أي‬
‫مجال من مجاالت المعرفة أو النشاط الذي يعمل فيه هذا العقل‪ * .‬في الواقع عقل الحالم محدود‪ ،‬لكن في هذا التشبيه يمثل عقل‬
‫وتعني "إلى" أو "نحو"‪ ،‬وكلمة ‪ a-،‬الحالم وعيًا غير محدود‪ .‬الفصل الخامس المسار السهل كلمة "انتباه" مشتقة من الكلمة الالتينية‬
‫التي تعني "التمدد"‪ ،‬تعني ضمًنا تمديد الوعي أو توجيهه نحو شيء ما من المعرفة أو الخبرة ‪ .‬وكما أن الشمس تسلط "‪" tende‬‬
‫أشعتها على الشيء لتنيره‪ ،‬كذلك يوجه الوعي نور معرفته نحو الفكر أو الشعور أو اإلحساس أو اإلدراك من أجل معرفته‪ .‬ولكن كما‬
‫أن الشمس ال تستطيع أن تسلط نورها على نفسها ألنها واقفة عند نفسها‪ ،‬كذلك ال يستطيع الوعي أن يوجه نور معرفتها نحو نفسها‬
‫ألنه ال مسافة من نفسها إليها‪ .‬ليس ألن الوعي بعيد جًد ا بحيث يبدو مجهوًال أو مفقوًد ا؛ فذلك ألنه قريب جدا‪ .‬فهو أقرب من‬
‫القريب‪ .‬إذا طلب منا شخص ما‪ ،‬نسبًي ا‪ ،‬أن نقف ونخطو خطوة نحو أنفسنا‪ ،‬في أي اتجاه سنتجه؟ ال يمكننا اتخاذ خطوة نحو‬
‫أنفسنا‪ ،‬ألننا نقف بالفعل على أنفسنا‪ .‬وال يمكننا حًق ا أن نبتعد خطوة عن أنفسنا‪ ،‬ألننا نأخذ أنفسنا معنا أينما ذهبنا‪ .‬وكذلك للتوعية‪.‬‬
‫لكي تعرف نفسها‪ ،‬ليس من الضروري أن تفعل أي شيء أو تذهب إلى أي مكان‪ .‬وليس عليه أن يوجه معرفته نحو نفسه‪ ،‬ألنه قائم‬
‫بالفعل على نفسه‪ .‬الوعي قريب جًد ا من نفسه بحيث ال يمكنه معرفة نفسه في العالقة بين الذات والموضوع‪ .‬لكي تكون أي‬
‫معرفة أو تجربة معروفة‪ ،‬يجب أن يكون الذات العارفة منفصًال عن الشيء المعلوم أو اآلخر أو العالم‪ .‬االنتباه هو المسافة بين‬
‫الموضوع والكائن‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬فإن العالقة بين الموضوع والموضوع هي الوسيلة التي يتم من خاللها معرفة كل المعرفة‬
‫والخبرة التقليدية‪ .‬كل شيء عدا الوعي‪ ،‬أي كل موضوعات الفكر واإلدراك ‪ ،‬يعرف بشيء آخر غير نفسه – موضوع منفصل‬
‫للتجربة – لكن الوعي يعرف بذاته وحده‪ .‬ولذلك فإن معرفة الوعي بذاته هي نوع فريد من المعرفة‪ .‬إنه الشكل الوحيد للمعرفة‬
‫الذي ال يتطلب العالقة بين الموضوع والموضوع‪ .‬إنها المعرفة المطلقة‪ .‬أي أنها المعرفة أو الخبرة الوحيدة التي ال تتعلق بالعقل‬
‫المحدود أو تعتمد عليه‪ ،‬وهو موضوع الخبرة المنفصل ظاهرًي ا‪ .‬في الواقع‪ ،‬كل المعرفة والخبرة النسبية مستمدة من هذه المعرفة‬
‫الفردية المطلقة غير المزدوجة‪ ،‬كما أن التعدد والتنوع الظاهري لألشياء واألشخاص في الحلم الليلي هو انكسار لعقل واحد غير‬
‫قابل للتجزئة‪ . .‬لكي يسطع ضوء الشمس على القمر‪ ،‬يجب أن يسافر ضوء الشمس مسافة معينة عبر الفضاء‪ .‬ولكن لكي تضيء‬
‫الشمس نفسها‪ ،‬ال تحتاج إلى الذهاب إلى أي مكان أو القيام بأي شيء‪ .‬طبيعة الشمس هي اإلضاءة‪ .‬فقط من خالل كونها نفسها‬
‫تضيء الشمس نفسها‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬أن تكون الشمس هي نفسها وأن تنير نفسها أمر واحد‪ .‬إن اإلضاءة في حد ذاتها ليست شيًئ ا‬
‫تفعله الشمس؛ انه ما هو عليه‪ .‬إنها مضيئة ذاتًي ا‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فإن الوعي يعرف نفسه ببساطة من خالل كونه نفسه‪ ،‬دون الحاجة إلى‬
‫أي وسيلة أخرى‪ .‬أي أن الوعي يعرف نفسه بذاته‪ ،‬بذاته‪ ،‬بذاته‪ ،‬كنفسه وحده‪ ،‬دون الحاجة إلى النهوض على شكل عقل أو انتباه‪.‬‬
‫وهذا ما عناه البلياني حين قال‪ :‬عرفت ربي بربي ‪ .‬الوعي هو تجربتنا األساسية‪ .‬أي أن الوعي هو تجربة الوعي األساسية‪ .‬قبل أن‬
‫يعرف الوعي التجربة الموضوعية‪ ،‬فإنه يعرف نفسه‪ .‬لكي تعرف شيًئ ا يبدو مختلًف ا عن نفسه‪ ،‬كالفكر أو الشعور أو اإلحساس أو‬
‫اإلدراك‪ ،‬يجب على الوعي أن يوجه انتباهه‪ ،‬نور معرفته‪ ،‬بعيًد ا عن نفسه‪ ،‬نحو ذلك الشيء‪ ،‬ولكن لكي يعرف نفسه ال يفعل ذلك‪.‬‬
‫بحاجة إلى توجيه نور معرفته بعيدا عن نفسه‪ .‬إن طبيعة الوعي هي المعرفة الخالصة‪ .‬إنها تنير نفسها‪ ،‬تعرف نفسها‪ ،‬تدرك نفسها‪.‬‬
‫وال فرق بين وجودنا ومعرفة وجودنا ‪ ،‬كما ال فرق بين الشمس وإشراقها‪ .‬فالوعي يعرف نفسه ببساطة من خالل كونه نفسه‪.‬‬
‫الوعي قريب جًد ا من نفسه بحيث ال توجد مسافة بينه وبين نفسه‪ ،‬وبالتالي ال يوجد مجال للمسار‪ .‬أي مسار سيكون طريًق ا من‬
‫الوعي نحو شيء ما‪ .‬من الوعي إلى الوعي ال يوجد مكان وال مسافة وال وقت‪ ،‬وبالتالي ال توجد إمكانية لمسار أو ممارسة‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن الوعي بالوعي هو عدم ممارسة‪ .‬ولهذا السبب ُي شار إلى المسار المباشر على أنه مسار بال مسار‪ .‬في الطريق المباشر‬
‫نبدأ بالهدف ونبقى هناك‪ .‬أي أن الوعي يبدأ من نفسه ويبقى مع نفسه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن أعلى التأمل هو ببساطة أن يكون‪ .‬ولهذا‬
‫السبب‪ ،‬ال يمكن بذل أي جهد في عدم الممارسة هذه‪ .‬أي جهد قد يتضمن توجيه العقل نحو شيء ما أو محاولة التحكم في تركيز‬
‫االهتمام‪ .‬مثلما يؤدي مد الشريط المطاطي إلى خلق حالة من التوتر تميل دائًم ا إلى العودة إلى حالتها األصلية المريحة‪ ،‬فإن‬
‫االنتباه‪ ،‬أو توجيه الوعي نحو شيء ما‪ ،‬ينشئ توتًر ا خفًي ا يميل دائًم ا إلى العودة إلى حالته األصلية‪ .‬حالته الطبيعية من التوازن‪.‬‬
‫إن الرغبة في السالم أو السعادة هي الرغبة في العودة إلى حالتنا األصلية المريحة بطبيعتها‪ .‬التأمل هو تخفيف التوتر في االنتباه‬
‫ثم عودة الوعي إلى نفسه‪ .‬إنها إذابة العقل في قلب الوعي‪ ،‬وليس توجيه العقل نحو أي نوع من الخبرة الموضوعية‪ .‬في الواقع‪،‬‬
‫القول بأن الوعي "يعود" إلى نفسه هو تنازل لمن يعتقد أنه ذات منفصلة أو عقل محدود‪ ،‬وعلى هذا النحو‪ ،‬يبدو أنه معزول عن‬
‫طبيعته السلمية المتأصلة للوعي النقي‪ .‬لمثل هذا الشخص‪ ،‬يبدو أن هناك عودة‪ .‬للوعي‪ ،‬هناك مجرد االعتراف‪ .‬التأمل ليس شيًئ ا‬
‫نقوم به؛ إنه شيء نتوقف عن القيام به‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يمكن أن يطلق عليه العودة الذاتية أو الراحة الذاتية‪ .‬كل شيء‪ ،‬باستثناء معرفة‬
‫كياننا‪ ،‬يتطلب نوًع ا من النشاط‪ .‬إن التفكير والشعور والتصرف واإلدراك كلها أنشطة ذهنية‪ ،‬على الرغم من أننا في جميع الحاالت‬
‫تقريًب ا اعتدنا على هذا النشاط لدرجة أنه لم يعد مسجًال على هذا النحو‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الوعي بالوعي – وعي الوعي بذاته – هو‬
‫التجربة الوحيدة السهلة حًق ا‪ .‬كل شيء آخر‪ ،‬حتى التنفس أو التفكير‪ ،‬يتطلب طاقة‪ .‬وهذا ما قصده أشتافاكرا عندما قال‪" :‬بالنسبة‬
‫للحكيم‪ ،‬حتى الرمش يمثل مشكلة كبيرة للغاية"‪ .‬العقل هو النشاط الذي من خالله ويعرف الوعي التجربة الموضوعية‪ .‬ولذلك‬
‫ففي الوعي بذاته – أي الوعي بالوعي – ال حاجة وال مجال ألي حركة أو نشاط للعقل ‪ .‬ال يوجد طريق من أنفسنا إلى أنفسنا‪ ،‬من‬
‫الوعي إلى الوعي‪ .‬وبما أنه ال مجال للمسار‪ ،‬وبالتالي ال مجال للممارسة‪ ،‬ال يوجد مجال للممارس أو للذات لالنتقال من الوعي إلى‬
‫الوعي‪ .‬يمكننا فقط أن نمارس الوعي بشيء آخر غير الوعي‪ .‬في الواقع‪ ،‬توجد الذات أو األنا المنفصلة باعتبارها نفس النشاط الذي‬
‫ينشأ بين الوعي وموضوعه‪ .‬الشمس التي تنير هي الشمس التي تنير‪ .‬الوعي الذي يعرف هو الوعي الذي يعرف‪ .‬التأمل هو بين‬
‫الوعي ونفسه‪ .‬إنه ببساطة الوعي بكونه هو نفسه‪ ،‬ويستريح في ذاته‪ ،‬ويعرف نفسه وحده‪ :‬أن يكون واعًي ا بالوعي‪ .‬ولهذا جاء في‬
‫سفر الرؤيا اآلية ‪" :13 :22‬أنا هو األلف والياء ‪ .‬أنا هو األلف والياء"‪ .‬أنا األول واألخير؛ أنا البداية والنهاية»‪ .‬إليوت إلى نفس الفهم‬
‫عندما كتب‪ :‬ما نسميه البداية هو في كثير من األحيان النهاية‪ ،‬وإنهاء النهاية يعني بداية‪ .‬والغاية "‪ "Little Gidding‬في قصيدته‬
‫هي حيث نبدأ‪ .‬في الطريق المباشر‪ ،‬الوعي هو األصل والطريق والهدف في نفس الوقت ‪ .‬إن الوعي هو في نفس الوقت الذات‬
‫التي تعرف‪ ،‬وعملية المعرفة‪ ،‬والموضوع المعروف‪ .‬أن تكون واعًي ا هو أن تكون واعًي ا أن تكون واعًي ا‪ .‬الوعي يدرك الوعي‪ .‬المعرفة‬
‫هي المعرفة فقط‪ .‬إن الوعي بالوعي هو جوهر التأمل‪ .‬إنه الشكل الوحيد للتأمل الذي ال يتطلب توجيه العقل أو تركيزه أو التحكم‬
‫فيه‪ .‬ال يمكننا أن نصبح ما نحن عليه في األساس من خالل أي نوع من الممارسة‪ .‬من خالل الممارسة‪ ،‬ال يمكننا أن نصبح إال شيًئ ا‬
‫غير ضروري بالنسبة لنا‪ .‬يمكننا أن نصبح في الخمسين من عمرنا‪ .‬يمكن أن نصبح متعبين‪ .‬يمكننا أن نصبح متزوجين‪ .‬يمكننا أن‬
‫نصبح وحيدين‪ .‬لكن وجودنا األساسي الواعي بذاته يسبق كل صيرورة‪ ،‬ويظل حاضًر ا بالفعل‪ ،‬وإن كان ذلك عادة دون أن يالحظه‬
‫أحد‪ ،‬طوال كل صيرورة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بمجرد أن يبدو أننا أصبحنا ذاًت ا منفصلة أو عقاًل محدوًد ا‪ ،‬فإن طبيعتنا األساسية للوعي النقي‬
‫تبدو مفقودة أو محجوبة أو ضائعة‪ .‬لذلك‪ ،‬من منظور الذات المنفصلة أو الوعي المؤقت المحدود‪ ،‬يبدو أن هناك ممارسة يجب‬
‫القيام بها أو طريق يجب السير فيه للعثور على ذاتنا األساسية أو معرفتها مرة أخرى‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬للوصول إلى السالم‬
‫‪.‬والهدوء‪ .‬السعادة المتأصلة فيها‬
‫وبالتالي‪ ،‬كتنازل رأفة عن االعتقاد بكونك كياًن ا‬
‫أو ذاًت ا مؤقتة ومحدودة‪ ،‬فإن التعليم غير المزدوج‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬سيشجع‬
‫‪.‬ممارسة التأمل‪ ،‬في شكل استفسار عن الذات أو تسليم الذات‬
‫غالًب ا ما ُي ساء فهم هذه النقطة في التعبيرات المعاصرة عن الالازدواجية‬
‫من أجل استيعاب تجربة المعاناة والحفاظ مع ذلك على ‪.‬‬
‫منظور مستنير ظاهرًي ا‪ ،‬يدعي مثل هذا التعليم أن "كل المعاناة‬
‫‪،‬تظهر في الوعي‪ ،‬ولكن ال يوجد أحد هنا يعاني‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪".‬ال يوجد شيء يمكن القيام به‬
‫في مثل هذا البيان‪ ،‬يتم استخدام التعليم غير المزدوج بنفس الطريقة التي‬
‫تم بها استخدام األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية والعالقات‬
‫سابًق ا‪ ،‬أي إللهاء الذات المنفصلة ظاهرًي ا عن‬
‫معاناتها‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬استولت الذات المنفصلة على‬
‫‪.‬التعليم غير المزدوج وتستخدمه إلدامة وجودها الوهمي‬
‫إذا كنا نعاني فمن األفضل أن نكون صادقين مع أنفسنا ونتحرى‬
‫‪،‬عمن يعاني‪ .‬ففي نهاية المطاف‪ ،‬إذا كنا نعاني فإننا‪ ،‬بحكم التعريف‬
‫نسعى‪ .‬إن عدم القيام بأي شيء ليس خياًر ا لمن يعتبر نفسه ذاًت ا‬
‫‪.‬منفصلة‬
‫لمثل هذا الشخص هناك احتماالن فقط‪ :‬البحث عن راحة مؤقتة في‬
‫األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية والعالقات‪ ،‬أو البحث عن‬
‫‪،‬مصدر المعاناة داخل نفسه من خالل البحث عن الذات أو التحقيق الذاتي‬
‫‪.‬األمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى الذات‪- .‬االلتزام أو االستسالم‬
‫وهكذا‪ ،‬بالنسبة لمعظم الناس‪ ،‬سيبدو التأمل أو االستفسار عن الذات أو الصالة التأملية‬
‫على األقل في البداية‪ ،‬نشاًط ا يمارسونه كشخص مستقل‪ ،‬ولن يكتسبوا ذاتًي ا ‪،‬‬
‫‪ .‬إال تدريجًي ا‪ ،‬مع نضوج فهمهم وصقل ممارستهم‬
‫التحقيق يفسح المجال لضبط النفس أو الراحة الذاتية أو‬
‫‪.‬االستسالم للذات‬
‫وهذا يعني أنه فقط بالتدريج‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬سوف يصبح من الواضح أن التأمل هو‬
‫ما نحن عليه‪ ،‬وليس ما نفعله‪ ،‬وأن الذات المنفصلة أو العقل المحدود هو ما‬
‫‪.‬نفعله‪ ،‬وليس ما نحن عليه‬
‫وإلى أن يتم التعرف على هذا‪ ،‬سيبدو أن التأمل يتطلب جهًد ا‪ ،‬وإذا كان األمر‬
‫‪.‬كذلك‪ ،‬وطالما يبدو األمر كذلك‪ ،‬فيجب علينا بذل الجهد‬
‫بمرور الوقت‪ ،‬سيتضح أننا ال نستطيع أن نبذل جهًد ا لنكون أو نعرف أنفسنا‬
‫يمكننا فقط أن نبذل جهًد ا لنكون أو نعرف شيًئ ا آخر ظاهرًي ا غير ‪-‬‬
‫‪.‬أنفسنا ‪ -‬وعند هذه النقطة ستنتهي جهودنا تلقائًي ا‬
‫من أجل قبض قبضتنا‪ ،‬يلزم بذل جهد‪ ،‬ولكن بعد مرور بعض الوقت من تثبيت‬
‫يدنا في هذا الوضع‪ ،‬ستبدو القبضة المضمومة هي‬
‫الحالة الطبيعية ليدنا ولن نعد ندرك الجهد المطلوب للحفاظ‬
‫عليها ‪ .‬وإذا أردنا أن نفتح أيدينا اآلن‪ ،‬فقد يبدو في البداية أننا‬
‫‪.‬بحاجة إلى بذل جهد للقيام بذلك‬
‫‪،‬فقط ألن القبضة المضمومة تبدو هي الحالة الطبيعية لليد‬
‫يبدو أن األمر يتطلب بذل جهد لفتحها‪ .‬وبمجرد أن ُي فهم أن‬
‫الحالة الطبيعية لليد هي حالة االنفتاح‪ ،‬يصبح من الواضح أن فتح‬
‫اليد لم يتطلب جهًد ا جديًد ا بل باألحرى تخفيف‬
‫‪.‬جهد إغالقها الذي لم يتم اكتشافه سابًق ا‬
‫إن الذات أو األنا المنفصلة تشبه قبضة اليد‪ .‬إنه تقليص‬
‫‪.‬الوعي الالمتناهي إلى عقل محدود ظاهرًي ا‬
‫لقد أصبح معظمنا معتاًد ا جًد ا على التوتر الكامن في‬
‫الذات المنفصلة لدرجة أننا نعتقد ونشعر أنها حالتنا الطبيعية‪ ،‬ولذا من هذا‬
‫المنظور يبدو أنه يتعين علينا بذل جهد للمعرفة والراحة في‬
‫‪.‬الوعي‬
‫ومع ذلك‪ ،‬بمجرد أن أصبحت طبيعتنا الحقيقية للوعي النقي واضحة‪ ،‬فإننا‬
‫ندرك أنه ال يلزم أي جهد للعودة إليها أو البقاء فيها‪ .‬في‬
‫الواقع‪ ،‬نحن نصبح حساسين للجهد الدقيق الذي‬
‫يبذله العقل بشكل مستمر تقريًب ا من أجل الحفاظ على وهم‬
‫‪.‬الذات المنفصلة والموجودة بشكل مستقل‬
‫وكنتيجة طبيعية حتمية لهذا الفهم‪ ،‬فإن البقاء على علم بحضور‬
‫الوعي يصبح بشكل متزايد حالتنا الطبيعية‪ ،‬حتى‬
‫‪.‬ال يعود هناك تمييز بين التأمل والحياة‬
‫‪.‬الوجود السهل هو حالتنا الطبيعية‬
‫الفصل‬
‫السادس‬
‫‪،‬المسار المواجه للداخل ‪:‬‬
‫يشرق الوعي في كل من عقولنا كتجربة الوعي‬
‫أو الشعور بالوجود‪ ،‬أو معرفة "أنا موجود"‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فإن ‪،‬‬
‫‪.‬معرفة "أنا موجود" هي وعي الوعي بذاته‬
‫إن معرفة "أنا" تشرق لفترة وجيزة في تجربتنا في نهاية كل‬
‫فكرة أو شعور أو إحساس أو إدراك‪ ،‬على الرغم من أنها عادة ما تظل‬
‫غير ملحوظة بسبب إيجازها‪ ،‬كما هو الحال عندما يتم الكشف عن الشاشة بين‬
‫‪.‬إطارين من الفيلم‬
‫إن معرفة "أنا موجود" موجودة أيًض ا أثناء كل عمليات التفكير والشعور واإلحساس واإلدراك‬
‫ولكنها تبدو محجوبة بها‪ ،‬تماًم ا كما تظل الشاشة حاضرة‬
‫‪.‬أثناء الفيلم ولكنها تبدو محجوبة بها‬
‫وبالتالي فإن معرفة "أنا موجود"‪ ،‬أو معرفة الوعي بذاته‪ ،‬هي قبل‬
‫وتتجاوز كل المعرفة والخبرة النسبية للعقل المحدود‪ ،‬فضًال‬
‫‪.‬عن كونها واقعه النهائي‪ .‬وعلى هذا النحو فهي المعرفة المطلقة‬
‫ومن الناحية الدينية‪ُ ،‬ت عرف هذه المعرفة المطلقة باسم اهلل‪ .‬وبالتالي فإن‬
‫معرفتنا ألنفسنا هي معرفة اهلل لنفسه‪ .‬ولهذا السبب‬
‫في التقليد المسيحي الصوفي‪ُ ،‬ت عرف راحة العقل في قلب ‪،‬‬
‫الوعي بممارسة حضور اهلل أو استسالم‬
‫‪.‬العقل لكيان اهلل الالمتناهي‬
‫أشار الحكيم الهندي سري نيسارجاداتا مهراج إلى ذلك على أنه يركز على "األنا‬
‫وهو ما يعني به الراحة في تجربة "األنا"‪ ،‬أي ببساطة ‪"،‬‬
‫‪.‬االستراحة في كياننا األساسي وغير المشروط والواعي بذاته‬
‫إن استخدام كلمة "التركيز" في هذا السياق هو تنازل عن النشاط الطبيعي للعقل‬
‫المتمثل في توجيه نفسه نحو‬
‫التجربة الموضوعية أو التركيز عليها‪ .‬بالنسبة لمثل هذا العقل‪ ،‬يقترح التعليم إعادة توجيه االهتمام‬
‫‪،‬نحو معرفة "أنا موجود"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هذا ليس توجيًه ا للعقل‬
‫بل هو راحة للعقل في جوهره الخاص‪ ،‬أي‬
‫‪.‬التجربة البسيطة غير الموضوعية للوعي أو الوعي نفسه‬
‫بالنسبة للعقل الذي اعتاد على توجيه نفسه حصرًي ا نحو‬
‫التجربة الموضوعية‪ ،‬فإن تجربة الوعي أو الشعور بالوجود أو‬
‫معرفة "أنا موجود" هي أثر أو تلميح في العقل فيما يتعلق باالتجاه الذي‬
‫‪.‬يجب البحث فيه عن الذات‪ .‬السالم والسعادة التي يتوق إليها‬
‫المعرفة "أنا" هي بمثابة صورة صغيرة لشاشة تظهر على تلك‬
‫الشاشة‪ .‬من وجهة نظر الصورة‪ ،‬فإن صورة الشاشة هي جزء من‬
‫الصورة؛ من وجهة نظر الشاشة فهي الشاشة‪ .‬من وجهة نظر‬
‫العقل‪ ،‬فإن معرفة "أنا موجود" هي تجربة داخل العقل؛‬
‫‪.‬ومن وجهة نظر الوعي‪ ،‬فهو الوعي نفسه‬
‫وهذا االعتراف هو ما يشير إليه الصوفي في قوله‪" :‬بحثت عن اهلل‬
‫‪.‬فلم أجد إال نفسي"‪ .‬لقد بحثت عن نفسي ولم أجد سوى اهلل‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن معرفة "أنا موجود" هي التجربة التي‬
‫يتقاطع فيها العقل المحدود والوعي الالمحدود‪ .‬إنها منارة تشرق بحضور‬
‫الوعي وسط التجربة‪ .‬وهي البوابة التي‬
‫‪.‬يمر من خاللها العقل في رحلة عودته إلى مصدره‬
‫ولهذا السبب تم نقش عبارة "اعرف نفسك" فوق‬
‫مدخل معبد أبولو في دلفي‪ .‬ولهذا السبب نفسه‬
‫‪».‬قال البلياني‪« :‬من عرف نفسه عرف ربه‬
‫إن الرحلة التي يقوم بها العقل من المحتوى الموضوعي لتجربته‬
‫إلى جوهره الدائم الحضور واألعمق وغير القابل لالختزال ُت عرف في‬
‫التقاليد الشرقية بالتأمل وفي الغرب بالصالة‪ .‬ويشار إليه أحياًن ا‬
‫باسم المسار المواجه للداخل أو طريق التمييز‪ .‬ال يعني ذلك‬
‫الدخول إلى داخل الجسد‪ ،‬بل إلى الداخل‪ ،‬بعيًد ا عن موضوعات‬
‫‪.‬الخبرة‪ ،‬نحو جوهر العقل غير القابل لالختزال‬
‫" والذي غالًب ا ما ُي ترجم إلى ‪ُ atma vichara،‬ي شار إليه في اللغة السنسكريتية باسم‬
‫االستفسار عن الذات" أو "التحقيق الذاتي"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قد يكون هذا مضلًال ألن‬
‫كلمتي "التحقيق" و"التحقيق" في الثقافة الغربية تشيران إلى عملية أو‬
‫نشاط للعقل‪ .‬قد تكون ترجمة "الثبات الذاتي" أو "الراحة الذاتية" أفضل‬
‫‪.‬‬
‫"ومع ذلك‪ ،‬فإن عبارات "االستفسار عن الذات" و"التحقيق الذاتي‬
‫مشروعة ألن هذه العملية‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬تبدأ بسؤال مثل‬
‫ما الذي يعرف أو يدرك تجربتي؟"‪" ،‬من أين" ‪:‬‬
‫تأتي األفكار؟"‪" ،‬ما هي طبيعة المعرفة التي بها‬
‫"ُت عرف كل المعرفة والخبرة؟"‪" ،‬هل أنا واعي؟" أو "من أنا؟‬
‫‪،‬عندما يفكر العقل في هذه األسئلة‪ ،‬فإنه يصبح منقًح ا تدريجًي ا‬
‫ويعود عبر طبقات من الخبرة الموضوعية‪ ،‬وينقي‬
‫‪،‬نفسه تدريجًي ا من كل الصفات الموضوعية المقيدة‪ .‬بهذه الطريقة‬
‫يفقد البحث عن الذات أو البحث عن الذات ديناميكيته تدريجًي ا ويفسح المجال للثبات الذاتي أو‬
‫الراحة الذاتية أو تذكر الذات‪ ،‬حيث‬
‫‪.‬ينكشف جوهره األساسي وغير القابل لالختزال‬
‫والتي تعني ‪ re-،‬من ‪ revelare،‬كلمة "الوحي" تأتي من الكلمة الالتينية‬
‫والتي تعني "الغطاء أو ‪velare،‬العودة إلى األصل"‪ ،‬أو "مرة أخرى" أو "من جديد"‪ ،‬و"‬
‫الحجاب"‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن الوحي ليس تجربة جديدة‪ ،‬بل هو كشف أو‬
‫كشف عن حقيقة أساسية كانت محجوبة أو مشوهة في السابق‪ .‬على‬
‫هذا النحو‪ ،‬فإن التأمل أو الصالة هو كشف النقاب عن العقل والكشف الالحق‬
‫‪.‬عن جوهره األساسي غير القابل لالختزال‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬على الرغم من أن التأمل قد يبدو في البداية بمثابة نشاط‬
‫يقوم به العقل من أجل تحقيق حالة أو تجربة جديدة‪ ،‬إال أنه‬
‫‪ُ.‬ي فهم الحًق ا على أنه طبيعة أو جوهر العقل نفسه‬
‫‪.‬التأمل هو ما نحن عليه‪ ،‬وليس ما نفعله‬
‫تتضمن معظم أشكال التأمل توجيه العقل نحو‬
‫شيء ما‪ ،‬مثل تعويذة أو لهب أو إله أو معلم أو التنفس أو التوقف‬
‫بين األنفاس‪ .‬في حالة الصالة التقليدية‪ ،‬فإن حبنا يتجه بعيًد ا‬
‫عن أنفسنا نحو اهلل‪ ،‬الذي ُي تصور أنه موجود على مسافة ال نهائية‬
‫‪.‬من أنفسنا‬
‫تتطلب كل هذه األشكال من التأمل أو الصالة توجيه العقل نحو‬
‫أشياء أكثر أو أقل دقة‪ ،‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فإنها جميًع ا تحافظ على العالقة بين الموضوع والموضوع‬
‫‪،‬في حين أن هذه هي مقدمات مشروعة تماًم ا‪ ،‬وفي كثير من الحاالت ‪.‬‬
‫ضرورية للتأمل النهائي أو الصالة‪ ،‬إال أنه يجب‬
‫‪.‬التخلي عنها في مرحلة ما‬
‫جميع المسارات لها نقاط القوة والمزالق المحتملة‪ .‬بالنسبة ألولئك الذين يسيرون على طريق‬
‫اإلخالص‪ ،‬فإن التخلي عن موضوع اإلخالص هو االستسالم النهائي‪ .‬بالنسبة‬
‫ألولئك الذين يسيرون على طريق المعرفة‪ ،‬فإن االسترخاء في تركيز االنتباه أو‬
‫‪.‬التحكم في العقل هو االختبار النهائي‬
‫الموضوع والموضوع مثل وجهين لعملة واحدة‪ .‬وال يمكن أن تنشأ أو‬
‫توجد بشكل مستقل عن بعضها البعض‪ .‬لكي‬
‫يختفي العقل‪ ،‬وهو الذات المنفصلة للتجربة‪ ،‬أو‪ ،‬بشكل أكثر دقة‪ ،‬أن يفقد‬
‫‪.‬حدوده الظاهرة‪ ،‬يجب أن يتحلل أيًض ا الموضوع المنفصل للتجربة‬
‫لكي يتم تجربة الحب‪ ،‬يجب أن يختفي المحب والمحبوبة‬
‫‪.‬‬
‫‪"،‬إن الوعي بالوعي ‪ -‬البقاء في النفس وكونها‪ ،‬والراحة في "األنا‬
‫وممارسة حضور اهلل ‪ -‬هو الشكل الوحيد للتأمل أو الصالة الذي ال يتم فيه الحفاظ على‬
‫‪.‬األنا‪ ،‬موضوع التجربة المنفصل ظاهرًي ا‬
‫وهو‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬أعلى شكل من أشكال التأمل أو الصالة‪ .‬إنه ‪.‬‬
‫التأمل أو الصالة التي تعد جميع التأمالت والصلوات األخرى‬
‫‪.‬تحضيرات لها‬
‫إن طبيعتنا األساسية المتمثلة في‬
‫الوعي السلمي المتأصل والمحقق دون قيد أو شرط ‪ -‬والتي تشرق في كل من أذهاننا كتجربة بسيطة‬
‫للوعي أو معرفة "أنا موجود" ‪ -‬حاضرة ومتاحة لجميع‬
‫‪.‬الناس‪ ،‬في جميع الظروف‪ ،‬وفي جميع المواقف واألحوال‪ .‬في كل األوقات‬
‫ليس الوعي هو المحجوب أو المفقود؛ نحن الذين ابتعدنا‬
‫عنه‪ .‬أي أن العقل هو الذي انصرف عن مصدره وجوهره‬
‫‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال أقصد أن أشير إلى أن العقل شيء والوعي‬
‫شيء آخر‪ .‬إن العقل في عالقة بالوعي كعالقة الشخصية في‬
‫الحلم – التي ُي عرف العالم الحلم من وجهة نظرها – بالنسبة إلى‬
‫عقل الحالم‪ .‬كل ما يتعلق بالشخصية في الحلم هو‬
‫‪.‬عقل الحالم‪ ،‬لكن الشخصية التي تحلم بها ال تعرف ذلك‬
‫وطالما أن الشخصية التي تحلم بها تركز بشكل حصري على‬
‫المحتوى الموضوعي لتجربتها‪ ،‬فإنها لن تتعرف أبًد ا على طبيعة عقلها‬
‫أو‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬حقيقة عالمها‪ ،‬ولن تجد أبًد ا السالم والسعادة ‪،‬‬
‫‪.‬التي تتوق إليها‬
‫لكي تعرف طبيعتها الخاصة‪ ،‬يجب عليها أن تحول انتباهها بعيًد ا عن‬
‫األشياء التي يتم تجربتها‪ ،‬نحو ما ُت عرف به‪ .‬ويجب عليها‬
‫أن تعرف طبيعة المعرفة التي بها‬
‫ُت عرف كل المعرفة والخبرة‪ .‬يجب أن تصبح واعية بتجربة الوعي‪ ،‬التي هي‬
‫‪.‬جوهر عقلها‬
‫في الليل‪ ،‬الشمس ال تختفي‪ .‬ويستمر في التألق بنفس‬
‫‪،‬السطوع‪ .‬إنها األرض التي ابتعدت عن الشمس‬
‫‪،‬ووقعت نتيجة لذلك في ظالم جزئي‪ .‬بمجرد أن تدور األرض‪ ،‬إذا جاز التعبير‬
‫‪.‬فإن ذلك الجزء الذي كان في الظالم يضيء‬
‫السقوط في التقليد المسيحي هو ببساطة ابتعاد العقل‬
‫‪.‬عن جوهره‪ .‬إنه ابتعاد النفس عن كائن اهلل الالمتناهي‬
‫إن حضور الوعي يشرق دائًم ا بنفس السطوع‪ ،‬خلف‬
‫كل تجربة وفي وسطها‪ .‬كل التجارب مشبعة بحضورها‬
‫كل ما هو ضروري هو "االستدارة"‪ .‬أشارت ‪.‬‬
‫الال‪ ،‬وهي صوفية وشاعرة من القرن الرابع عشر من‬
‫تقليد كشمير الشيفيت‪ ،‬إلى هذا التحول عندما قالت‪" :‬لقد سافرت‬
‫‪،‬مسافة طويلة بحًث ا عن اهلل‪ ،‬ولكن عندما استسلمت أخيًر ا ورجعت‪ ،‬كان هناك‬
‫‪".‬بداخلي‬
‫لقد بحثنا لفترة طويلة في األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية‬
‫والعالقات من أجل السالم والوفاء‪ .‬على الرغم من أن اكتساب أو‬
‫تجربة أي من هذه األشياء ينهي بحثنا مؤقًت ا‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫يمنحنا لمحة سريعة عن السالم واالكتفاء اللذين نتوق إليهما‪ ،‬إال ‪،‬‬
‫‪.‬أنهما ال يدومان‬
‫هذا فقط عندما "نستسلم ونعود إلى الوراء" – فقط عندما نتوقف عن البحث عن‬
‫السالم واإلنجاز في التجربة الموضوعية ونحول العقل في‬
‫اتجاه بال اتجاه‪ ،‬مما يسمح له بالغوص بشكل أعمق وأعمق في قلب‬
‫الوعي الذي نشأ منه – أن نبدأ في تذوق السالم الدائم‬
‫‪.‬والوفاء الذي طالما اشتاقنا إليه طوال حياتنا‬
‫من وجهة نظر العقل‪ ،‬فإن عدم ممارسة االلتزام أو الراحة في‬
‫تجربة الوعي أو الوعي نفسه يبدو‬
‫حالة فارغة أو مملة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬تظهر صفات الوعي الفطرية المتمثلة في السالم الهادئ‬
‫‪.‬والفرح غير المسبب‪ ،‬تدريجًي ا في معظم الحاالت‬
‫هذا االستسالم والرجوع إلى الوراء‪ ،‬أي تحول العقل‪ ،‬تمت اإلشارة‬
‫‪.‬إليه في الكنيسة األرثوذكسية المبكرة باسم الهدوئية‪ ،‬أي صمت القلب‬
‫إنه الذكرى التي يشير إليها إشعياء في العهد القديم عندما يقول‬
‫‪".‬تحفظه في سالم تام لمن ثبت عليك ذهنه" ‪:‬‬
‫وهو الالنشاط الذي‬
‫يلتقي فيه طريق المعرفة وطريق الحب أو اإلخالص‪ .‬إنها التجربة التي‬
‫‪ُ.‬ي فهم فيها أن التحقيق الذاتي واالستسالم الذاتي هما نفس الشيء‬
‫إن إدراك الوعي لذاته – الوعي بالوعي – ليس نوًع ا‬
‫من المعرفة الجديدة؛ إنها ببساطة الرؤية الواضحة لما كان عليه‬
‫الحال دائًم ا‪ ،‬ولكنه يبدو محجوًبا بسبب نشاط التفكير واإلدراك‬
‫كما أن إدراك الوعي لطبيعته األساسية ليس ‪.‬‬
‫‪.‬تجربة غير عادية تتمتع بعض العقول بإمكانية الوصول إليها بامتياز‬
‫إن الوعي يتألق بشكل متساٍو في جميع التجارب‪ .‬حتى االكتئاب العميق‬
‫ينيره نور الوعي‪ .‬الوعي ليس مدفوًن ا أو محجوًبا أو‬
‫يصعب العثور عليه‪ .‬إنه نور المعرفة الذي به ُت عرف كل التجارب‬
‫‪.‬‬
‫لم يكن لدى رامانا ماهارشي وبوذا وصول خاص إلى طبيعة عقولهم‬
‫وال أي مؤهالت خاصة‪ .‬جلس بوذا ‪،‬‬
‫تحت شجرة وقال لنفسه‪" :‬سأبقى هنا حتى أتعرف على‬
‫طبيعة ذهني"‪ .‬وكانت الطبيعة األساسية لعقله هي نفس‬
‫‪.‬الطبيعة األساسية لكل من عقولنا‬
‫عندما تغلب فجأة على رامانا ماهارشي الخوف من الموت‪ ،‬استلقى‬
‫على األرض وسأل نفسه ببساطة‪" :‬ما هي الطبيعة األساسية‬
‫لنفسي؟" ما الذي ال يمكن إزالته من نفسي؟ ماذا يحدث‬
‫للوعي عندما يموت الجسد؟ بمعنى آخر‪ ،‬انخرط بشكل عفوي في‬
‫‪.‬عملية التحقيق الذاتي‬
‫‪،‬وكتنازل رحيم عن صعوبات الناس واعتراضاتهم‬
‫فقد عددت جميع التقاليد الروحية والدينية العظيمة مختلف التخصصات‬
‫والممارسات لتهذيب العقل وإعداده لهبوطه النهائي في مصدره‬
‫‪.‬أو جوهره‬
‫رامانا ماهارشي تجاوز كل هذه الوسائل التقدمية وانتقل مباشرة‬
‫من تجربته الحالية إلى الطبيعة األساسية لعقله‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪.‬إحياء المسار المباشر لعصرنا‬
‫‪.‬هذا هو عصر الطريق المباشر‬
‫الفصل‬
‫السابع‬
‫سحب المجد المتالحقة‬
‫تخيل ممثاًل ُي دعى جون سميث يلعب دور الملك لير‪ .‬يمثل جون‬
‫سميث الوعي الالنهائي والملك لير العقل المحدود أو‬
‫‪.‬الذات المنفصلة على ما يبدو‬
‫مثلما أن جون سميث والملك لير ليسا ذاتين مختلفتين‪ ،‬بل‬
‫األخير مجرد قيود خيالية يفترضها األول‪ ،‬كذلك فإن‬
‫الوعي الالمتناهي والعقل المحدود ليسا كيانين مختلفين‪ .‬إن العقل المحدود هو‬
‫مجرد قيد خيالي‪ ،‬مفترض ذاتًي ا من خالل الوعي الالمحدود من‬
‫‪.‬أجل إظهار التجربة الموضوعية‬
‫تخيل أن جون سميث لعب دوره بفعالية في إحدى الليالي لدرجة أنه‬
‫نسي من هو حًق ا واعتقد‪ ،‬نتيجة لذلك‪ ،‬أنه كان الملك‬
‫لير بالفعل‪ .‬ما الذي يجب على الملك لير أن يفعله لكي يدرك أنه كان جون‬
‫سميث وبالتالي يريحه من معاناته؟ في الواقع‪ ،‬لم يتمكن الملك لير من فعل‬
‫‪.‬أي شيء‪ ،‬ألنه ال يوجد شخص حقيقي اسمه الملك لير‬
‫إن اإلشارة إلى أن على الملك لير أن يفعل شيًئ ا ما ليصبح جون سميث من شأنه أن‬
‫يؤكد صحة إيمان الملك لير بنفسه كشخص أو‬
‫‪،‬كيان موجود بشكل مستقل‪ ،‬وبالتالي يديم سبب معاناته بمهارة‪ .‬ومع ذلك‬
‫إذا لم يفعل الملك لير أي شيء‪ ،‬فسوف يظل الملك لير ببساطة ‪ -‬أو على األقل‬
‫‪،‬سيبدو أنه يفعل ذلك من وجهة نظره الخيالية ‪ -‬ونتيجة لذلك‬
‫‪.‬سوف تستمر المعاناة‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬سيستمر الملك لير في البحث عن الراحة من معاناته من خالل‬
‫اقتناء األشياء والمواد واألنشطة والحاالت الذهنية والعالقات‬
‫وهو بحث ال ينتهي ولن يؤدي إال إلى تفاقم تعاسته ‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬طالما أن الملك لير يعتقد أنه الملك لير‪ ،‬فهناك‬
‫شيء عليه أن يفعله‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬ال يمكن للملك لير أن يعيش‬
‫‪،‬دون أن يقوم ببعض األنشطة لتخفيف معاناته‪ .‬إذا كنا نعاني‬
‫فنحن بحكم التعريف منخرطون بالفعل في بحث ال هوادة فيه عن السعادة في‬
‫تجربة موضوعية‪ ،‬وبالتالي فإن "عدم القيام بأي شيء" ليس خياًر ا‪ .‬البحث عن‬
‫السعادة في التجربة الموضوعية هو النشاط الذي يحدد‬
‫‪.‬الذات المنفصلة ظاهرًي ا‬
‫وكتنازل رحيم لشخص في مثل هذا المأزق‪ ،‬فإن‬
‫التعليم غير المزدوج سوف يقترح بعض النشاط أو الممارسة التي من خاللها سيتم قيادة الشخص الذي يعاني‬
‫إما بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬إلى مصدر السالم والسعادة ‪،‬‬
‫‪.‬داخل نفسه‬
‫إذا كانت التي تعاني ناضجة بما فيه الكفاية‪ ،‬فإن التعليم سيوجه‬
‫انتباهها مباشرة إلى مصدر أو جوهر عقلها‪ ،‬حيث يكمن‬
‫‪.‬السالم والسعادة التي تتوق إليها‬
‫ومع ذلك‪ ،‬إذا كان عقلها معتاًد ا على البحث عن السعادة في‬
‫التجربة الموضوعية بحيث ال يكون مستقًر ا أو ناضًج ا بعد بما يكفي لالبتعاد عن‬
‫موضوعات التجربة ونحو مصدرها الذاتي‪ ،‬فقد‬
‫يمنحها التعليم بعض الممارسات الوسيطة التي تهدف إلى إعداد عقلها‪ .‬من أجل‬
‫‪.‬عودتها في نهاية المطاف إلى جوهرها وانحاللها‬
‫تتضمن هذه الممارسات التحضيرية تأديب الجسد والعقل بغرض‬
‫‪.‬تحرير االنتباه من تثبيته على أشياء التجربة‬
‫عندما يتم تنقية االهتمام‪ ،‬على األقل إلى حد ما‪ ،‬من عادته في السعي وراء‬
‫السالم والسعادة في تجربة موضوعية‪ ،‬فإن العقل لن يحتاج إال إلى‬
‫تلميح بسيط حول مكان العثور على السالم والسعادة الذي يتوق إليه‪ .‬سؤال‬
‫‪.‬مثل‪ :‬من أنا؟ أو "هل أنا على علم؟" سوف يكون كافيا‬
‫في حين أن كل هذه الممارسات األولية هي حلول مشروعة ومناسبة‬
‫لمختلف ميول وقدرات ودرجات نضج‬
‫الباحثين الروحانيين‪ ،‬إال أنها جميًع ا يجب أن تؤدي عاجًال أم آجًال إلى تجريد العقل من قيوده‬
‫‪.‬‬
‫إن الطريق المباشر‪ ،‬الذي يعود به العقل مباشرة إلى مصدره من خالل‬
‫التعرف على سالمه الفطري ووضوحه وضيائه‪ ،‬هو جوهر وذروة‬
‫كل الممارسات الروحية ويمكن العثور عليه في قلب جميع‬
‫‪.‬التقاليد الروحية والدينية العظيمة‬
‫دعونا نعود إلى الملك لير‪ ،‬ولنفترض أنه على الرغم من انخراطه العميق‬
‫في شؤون مملكته‪ ،‬إال أن عقله ناضج بما يكفي للتفكير‬
‫‪.‬في جوهره‬
‫ما الذي يجب على الملك لير فعله ليدرك أنه جون سميث؟ كل ما عليه فعله هو‬
‫أن يسأل نفسه عن جوهر عقله‪" :‬من أنا حًق ا؟" ما‬
‫الذي يعرف أو يدرك تجربتي؟ هل أنا على علم؟‬
‫كل سؤال من هذه األسئلة سيقود الملك لير بعيًد ا عن المحتوى الموضوعي‬
‫لتجربته – الدراما مع بناته وحاشيته – نحو‬
‫جوهر عقله‪ ،‬تجربة الوعي البسيطة أو الوعي‬
‫نفسه‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬كل سؤال من هذه األسئلة سيقرب الملك لير من‬
‫‪.‬معرفة نفسه كجون سميث‬
‫عندما يسافر الملك لير عبر طبقات من عقله‪ ،‬متجاهًال‬
‫أي شيء ليس ضروريًا بالنسبة له ‪ -‬أفكاره وصوره وذكرياته ومشاعره وأحاسيسه‬
‫وتصوراته ‪ -‬سيبدأ جوهر عقله في الظهور‬
‫من غموضه الواضح‪ .‬في مرحلة ما‪ ،‬عندما‬
‫"يتم التخلص من كل المعرفة والخبرة الزائدة عن الحاجة‪ ،‬يتم الكشف عن المعرفة "أنا جون سميث‬
‫‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ليس الملك لير هو الذي تعرف على جون سميث‪ .‬فقط جون سميث‬
‫‪.‬لديه تجربة كونه جون سميث‬
‫جون سميث هو شخص واحد‪ ،‬وبالتالي فإن المعرفة "أنا جون سميث" هي‬
‫معرفة غير مزدوجة‪ :‬فهي ال تحدث في عالقة الموضوع بالموضوع‪ .‬إن جون‬
‫سميث الذي يعرف هو جون سميث المعروف‪" .‬األنا" التي تعرف هي‬
‫األنا" التي تعرف‪ .‬ال يحتاج جون سميث إلى فعل أي شيء أو الذهاب إلى أي مكان حتى"‬
‫‪.‬يعرف نفسه‪ .‬إنه يعرف نفسه ببساطة من خالل كونه هو نفسه‬
‫وكذلك الوعي وحده هو الذي يدرك الوعي‪ .‬العقل المحدود ليس‬
‫كياًن ا في حد ذاته‪ .‬ليس لها وجود خاص بها‪ .‬وهو النشاط الذي‬
‫‪،‬يقوم به الوعي من أجل معرفة المعرفة والخبرة الموضوعية‬
‫كما يمكن أن نقول إن الملك لير هو النشاط الذي يقوم به جون سميث من‬
‫‪.‬أجل إظهار دراما المسرحية‬
‫‪،‬مثلما لم يتوقف جون سميث أبًد ا عن كونه جون سميث أو يصبح الملك لير‬
‫وبالمثل‪ ،‬ال يتوقف الوعي في أي وقت عن كونه وعًي ا أو يصبح‬
‫عقاًل محدوًد ا‪ .‬وكما أن الملك لير ليس هو من يعرف جون سميث‪ ،‬كذلك‬
‫‪.‬فإنه ليس العقل المحدود أبًد ا هو الذي يصبح أو يعرف الوعي الالمحدود ‪،‬‬
‫ولهذا قال البليني‪ :‬ال يراه أحد إال نفسه‪ ،‬وال‬
‫يصل إليه أحد إال نفسه‪ ،‬وال يعرفه أحد إال نفسه‪ .‬فهو‬
‫‪.‬يعرف نفسه بنفسه‪ ،‬ويرى نفسه بنفسه‬
‫‪.‬ال أحد يراه إال هو‬
‫عندما يقول كل من الملك لير وجون سميث "أنا"‪ ،‬فإنهما يشيران إلى نفس‬
‫األنا" األساسية‪ ،‬على الرغم من أن هذه "األنا" بالنسبة للملك لير ملونة وبالتالي فهي محدودة على ما يبدو باألفكار"‬
‫والمشاعر واألحاسيس والتصورات‪ ،‬بينما بالنسبة لجون سميث فهي‬
‫‪.‬يضيء بوضوح كما هو‬
‫في الواقع‪ ،‬فإن ذات الملك لير هي الذات الحقيقية والوحيدة لجون سميث‪ .‬إن‬
‫األنا" للعقل المحدود أو الذات المنفصلة ظاهرًي ا هي "األنا" الحقيقية والوحيدة ذات"‬
‫‪.‬الوعي الالمحدود‬
‫وهذا ما كان يشير إليه مايستر إيكهارت عندما قال‪" :‬إن العين التي‬
‫‪".‬أرى بها اهلل هي نفس العين التي يراني اهلل بها‬
‫إن الذات المنفصلة ظاهرًي ا أو "األنا" المحدودة التي تدور حولها كل التجارب‬
‫هي "األنا" الحقيقية والوحيدة للوعي األبدي الالمحدود ‪" -‬أنا" كائن اهلل‬
‫الالمتناهي الواعي بذاته والذي يضيء في كل من عقولنا كالمعرفة‪" .‬أنا‬
‫‪،‬تتلون بشكل مؤقت باألفكار والصور والمشاعر واألحاسيس والتصورات ‪" -‬‬
‫ولكنها ال تكون أو تصبح أي شيء آخر غير نفسها‪ .‬لم تظهر إلى الوجود قط‬
‫‪ .‬سوى الوعي األبدي الالمتناهي‪ ،‬أو كائن اهلل الالمتناهي الواعي بذاته‬
‫‪.‬واالعتقاد بذلك هو كفر‬
‫‪،‬ال يوجد سوى وعي ال نهائي‪ ،‬يتولى نشاط العقل المحدود‬
‫وبالتالي يحجب نفسه بنشاطه الخاص ويظهر لنفسه كتعدد‬
‫وتنوع لألشياء واألنفس‪ ،‬ولكنه ال يوجد أبًد ا أو‬
‫‪.‬يصبح أو يعرف أي شيء آخر غير أبديته الخاصة‪ .‬كائن النهائي‬
‫ليس علينا أن نستأصل ذاًت ا منفصلة لكي نكون أبديين عن علم‪ ،‬أو‬
‫وعًي ا النهائًي ا‪ ،‬أو كائن اهلل الالنهائي‪ ،‬المدرك لذاته‪ .‬ليس هناك‬
‫ذات منفصلة ليتم القضاء عليها‪ .‬إن محاولة حل أو إبادة الذات المنفصلة‬
‫تؤدي ببساطة إلى إدامة وجودها الوهمي‪ .‬إن تأديب الذات المنفصلة يعني الحفاظ‬
‫‪.‬على الذات المنفصلة‬
‫الذات المنفصلة هي وهم يبدو أنه موجود فقط من‬
‫وجهة نظره الوهمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن كل األوهام لها حقيقة بالنسبة لها‪ .‬إن حقيقة‬
‫‪.‬الذات المنفصلة أو العقل المحدود ظاهرًي ا هي الوعي الالمحدود‬
‫إن رؤية حقيقة الوعي الالنهائي هي موت أو انحالل الذات‬
‫أو األنا المنفصلة ظاهرًي ا‪ .‬يشار إلى هذا في تقليد الزن باسم‬
‫‪.‬الموت العظيم‪ .‬ويتم تمثيله في التقليد المسيحي بالصلب‬
‫حتى هذه النقطة‪ ،‬تم مساواة الذات أو األنا المنفصلة بالعقل المحدود‬
‫بسبب تماهي الذات مع العقل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يجب علينا اآلن‬
‫أن نميز بين العقل المحدود الذي يؤمن بوجوده المنفصل والمستقل‬
‫أي الذات أو األنا المنفصلة ‪ -‬والعقل الذي تم ‪-‬‬
‫تجريده من كل هذه المعتقدات والمشاعر‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يضيء بمعرفة‬
‫‪.‬حقيقته‬
‫في حالة األخير‪ ،‬سيستمر العقل المحدود في الظهور من مصدره‬
‫أو جوهره للوعي النقي‪ ،‬ولكن تم تحييد إحساسه باالنفصال والمحدودية‬
‫في الضوء الواضح لهذا االعتراف بالذات‪ .‬ورغم أن قدرتها‬
‫على تضليلنا قد تستمر لبعض الوقت من خالل قوة العادة‪ ،‬إال أنها‬
‫‪.‬مسألة وقت فقط قبل أن تتالشى‬
‫ولهذا السبب‪ ،‬عندما ُس ئل الحكيم الهندي أتماناندا كريشنا مينون عن‬
‫كيفية معرفة متى يترسخ المرء في طبيعته الحقيقية‪ ،‬قيل إنه أجاب‬
‫عندما ال تستطيع األفكار والمشاعر واألحاسيس والتصورات أن" ‪:‬‬
‫‪". .‬تأخذك بعيًد ا‬
‫إن اإلشارة إلى موت أو انحالل الذات أو األنا المنفصلة هي في أحسن األحوال تنازل‬
‫عن اعتقاد العقل بوجوده المستقل‪ .‬في كثير من األحيان‬
‫‪.‬يكون سوء فهم‬
‫في الواقع‪ ،‬ال يمكن القول بأن العقل قد اختفى أو تحلل‪ ،‬ألنه‬
‫لم يكن هناك كيان حقيقي أو عقل حاضر حقيقي ومستقل منذ البداية‪ ،‬تماًم ا كما‬
‫ال يمكن القول أن الملك لير قد اختفى ألنه لم يوجد أبًد ا‬
‫‪.‬على هذا النحو‬
‫‪.‬الملك لير مجرد وهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مثل كل األوهام‪ ،‬هناك حقيقة بالنسبة له‬
‫حقيقة الملك لير هي جون سميث‪ .‬عندما تمت‬
‫إزالة كل ما هو وهمي من الملك لير‪ ،‬ظهر جون سميث كما هو‪ .‬بمعنى آخر‬
‫لم تتم إضافة أي معرفة جديدة إلى جون سميث‪ .‬فما هو إال أن ‪،‬‬
‫‪.‬رفع عنه الجهل‬
‫إن االعتراف بكياننا الجوهري الواعي بذاته – معرفته بذاته – هو‬
‫‪.‬معرفة الذات التي تشرق بعد زوال الجهل عنها‬
‫تتم اإلشارة إلى إزالة الجهل وما يترتب على ذلك من بزوغ المعرفة الحقيقية‬
‫في العديد من التقاليد الروحية مثل الصحوة‪ ،‬أو التنوير‪ ،‬أو تحقيق الذات‪ ،‬أو الخالص‬
‫أو التنوير‪ ،‬أو التحرير‪ ،‬أو ساتوري‪ ،‬أو النيرفانا‪ ،‬أو موكشا‪ ،‬أو بودي ‪،‬‬
‫‪.‬أو برجنا‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه المصطلحات تميل إلى إضفاء درجة من الغريب أو غير المألوف‬
‫على معرفتنا المباشرة والحميمة ألنفسنا‪ ،‬في حين أنه في الواقع ال شيء يمكن أن‬
‫‪.‬يكون أقل استثنائية من معرفة كياننا‬
‫بالنسبة للعقل الذي اعتاد على إيالء اهتمامه حصرًي ا للتجربة الموضوعية‬
‫فإن هذا االعتراف غير الموضوعي قد يؤدي إلى موجات من ‪،‬‬
‫االسترخاء العميق في العقل أو الجسم‪ ،‬حيث يتم تحرير العقد والتقلصات التي‬
‫‪.‬تراكمت على مدى الحياة‬
‫قد يؤدي إطالق هذه التوترات إلى حدوث تأثيرات غير عادية في العقل أو‬
‫‪،‬الجسد‪ ،‬ولكن ال ينبغي الخلط بين هذه العالمات الخارجية‪ ،‬كما يحدث غالًب ا‬
‫‪.‬وبين مجرد التعرف على كياننا‬
‫وبدًال من ذلك‪ ،‬قد يحدث هذا اإلدراك بهدوء شديد لدرجة أن العقل قد ال‬
‫‪.‬يالحظ حتى التحول الذي حدث على مدار بعض الوقت‬
‫عندما سئل مدرس الزن شونريو سوزوكي ذات مرة لماذا لم يشير مطلقًا‬
‫‪،‬إلى تجربته التنويرية‬
‫وقفت زوجته‪ ،‬التي كانت تجلس في الجزء الخلفي من القاعة‪ ،‬وقالت‪" :‬ألنه لم يحصل على تجربة التنوير قط!" إن التعرف على‬
‫‪.‬طبيعتنا الحقيقية ليس تجربة غريبة‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنها ليست تجربة على اإلطالق‬
‫‪،‬في هذا االعتراف‪ ،‬يفقد كائننا األساسي‪ ،‬غير القابل لالختزال‪ ،‬والواعي بذاته‬
‫‪،‬حدوده الواضحة‪ ،‬وتتجلى حقيقته‪ :‬منفتح‪ ،‬وشفاف‬
‫‪.‬ومشرق‪ ،‬وغير قابل للتدمير‪ ،‬ولم يولد بعد‪ ،‬وال يموت‬
‫عندما ينهض مثل هذا العقل مرة أخرى من قلب الوعي ويغامر بالخروج‬
‫‪،‬إلى عالم التجربة الموضوعية‪ ،‬فإنه يفعل ذلك‪ ،‬كما قال وردزورث‬
‫‪".‬سحب المجد المتتابعة"‬
‫أي أنه ينشأ من الوعي الذي ال يزال مشبًع ا بالسالم غير المضطرب‬
‫والفرح الذي ال سبب له‪ ،‬وهما الصفات األساسية للوعي‪ ،‬ويجعل‬
‫‪.‬هذه الصفات متاحة لإلنسانية‬
‫الفصل‬
‫الثامن‬
‫محيط الوعي‬
‫لو كان الوعي كالمحيط‪ ،‬لكان األفكار أمواجًا‬
‫تلعب على السطح‪ ،‬واألحاسيس هي التيارات التي تجري فيه‪ .‬وكما أن كل‬
‫ما يتعلق باألمواج والتيارات هو حركة المحيط أو نشاطه‬
‫‪.‬كذلك كل ما يتعلق بالعقل هو حركة أو نشاط الوعي ‪،‬‬
‫فهو دائًم ا ال يزال في أعماق المحيط؛ وكذلك قلب الوعي يكون‬
‫‪.‬دائًم ا صامًت ا مطمئًنا‬
‫لهذا السبب‪ ،‬كل ما على العقل أن يفعله ليجد السالم الذي يتوق إليه هو‬
‫أن يغوص في قلب الوعي‪ .‬وكما قال الرومي‪" :‬تتدفق إلى األسفل وإلى األسفل في‬
‫"‪.‬حلقات الوجود دائمة االتساع‬
‫فعندما تتدفق الموجة أو التيار "إلى األسفل واألسفل" في أعماق المحيط‪ ،‬فإنها‬
‫تفقد هياجها و"تتسع" حتى تصل في مرحلة ما إلى ما هو أبعد من ذلك‪ .‬يأتي للراحة‪ .‬نظًر ا لعدم وجود أي‬
‫‪،‬نشاط أو حركة هناك‪ ،‬فقدت الموجة أو التيار شكلها‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫‪.‬فقدت حدودها‬
‫الموجة والتيار ال تختفي‪ .‬لم تكن موجودة في حد ذاتها‬
‫في البداية‪ .‬الموجة والتيار هما ببساطة حركة‬
‫‪.‬الماء‬
‫وال يظهر الماء عند ظهور األمواج والتيارات‪ ،‬وال‬
‫يختفي عندما تهدأ‪ .‬ال يوجد شيء جديد عندما‬
‫تظهر الموجة والتيار‪ ،‬وال شيء يختفي من الوجود عندما يختفون‬
‫‪.‬‬
‫وبالمثل‪ ،‬عندما يغوص العقل تدريجًي ا في جوهره فإنه يهدأ ويتوسع‬
‫أي أنه يتجرد من كل ما هو محدود أو مشروط أو محدود –‬
‫‪:‬بداخله – وينكشف لنفسه باعتباره جوهره األساسي غير القابل لالختزال‬
‫‪.‬واضح‪ ،‬منير‪ ،‬صامت‪ .‬وعي‬
‫عندما ترتفع موجات العقل على شكل أفكار وصور ومشاعر‬
‫وأحاسيس وتصورات‪ ،‬ال يظهر شيء جديد‪ ،‬وعندما تهدأ‬
‫‪.‬ال يختفي شيء حقيقي‬
‫كما جاء في الفصل ‪ ،2‬اآلية ‪ 20‬من البهاغافاد غيتا‪" ،‬هذا الذي ال‬
‫‪.‬يتوقف أبًد ا عن الوجود؛ ما ليس موجوًد ا ال يوجد أبًد ا‬
‫فكما أن األمواج التي تلعب على سطح المحيط والتيارات التي‬
‫تجري فيه ما هي إال الماء عديم الشكل المتحرك داخل نفسه‪ ،‬كذلك كل‬
‫تفكير وتخيل وإحساس وإحساس وإدراك ما هو إال وعي‬
‫يهتز داخل نفسه‪ ،‬ويظهر لنفسه على هيئة تعدد وتنوع‬
‫التجربة الموضوعية‪ ،‬ولكنها ال تتوقف أبًد ا عن أن تكون أو تعرف أي شيء آخر غير‬
‫‪.‬نفسها‬
‫كل واحد من عقولنا هو قيد واضح للوعي الالمحدود‪ .‬فكما أن‬
‫الموجة أو التيار يمنح المحيط الذي ال شكل له مظهًر ا مؤقًت ا‪ ،‬كذلك‬
‫يمنح كل عقل من عقولنا وعًي ا غير محدود حًد ا مؤقًت ا‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪.‬اسًم ا وشكاًل مؤقتين‬
‫العقل المحدود هو النشاط الذي يمارسه الوعي الالمتناهي بحرية من أجل‬
‫جلب التجلي إلى الوجود الظاهري‪ .‬بافتراض شكل‬
‫العقل المحدود‪ ،‬يبدو أن الوعي الالمتناهي يحد من نفسه‪ ،‬وعلى هذا النحو‪ ،‬يصبح‬
‫موضوًع ا منفصًال للتجربة‪ ،‬والذي من وجهة نظره قادر على معرفة‬
‫‪.‬نفسه كموضوع منفصل أو آخر أو عالم‬
‫التأمل هو عكس هذه العملية‪ .‬عندما يهدأ نشاط العقل المحدود‬
‫ال يحدث شيء للوعي؛ إنه ببساطة يفقد االسم ‪،‬‬
‫‪.‬والشكل المؤقتين‬
‫ولهذا السبب يقال في تقليد التانترا للشيفية الكشميرية‬
‫أن الطريق الذي نسقط به هو الطريق الذي نصعد به‪ .‬إن المسار‬
‫الذي يتخذ من خالله الوعي الالمتناهي شكل العقل المحدود هو نفس‬
‫المسار‪ ،‬الذي يتم اجتيازه في االتجاه المعاكس‪ ،‬والذي من خالله‬
‫‪.‬يفقد العقل المحدود حدوده وينكشف كوعي النهائي‬
‫‪،‬ومن خالل القيام بذلك‪ ،‬يتم تجريدها تدريجًي ا‪ ،‬في معظم الحاالت‪ ،‬ولكن أحياًن ا فجأة‬
‫من القيود التي فرضتها بحرية في المقام األول من أجل إظهار‬
‫‪.‬الخليقة‬
‫الطريق المباشر – المسار الذي ال سبيل له للتحقيق الذاتي أو االلتزام الذاتي أو‬
‫تسليم الذات – هو الوسيلة التي يتم من خاللها تجريد العقل المحدود من‬
‫حدوده المفترضة بحرية حتى يصل إلى طبيعته األساسية وغير القابلة لالختزال وغير القابلة للتجزئة وغير القابلة للتدمير‬
‫‪.‬والثبات للوعي النقي‪ .‬تقف مكشوفة لنفسها كما هي‬
‫في أي وقت من األوقات‪ ،‬سواء في عملية الظهور الخارجية أو المسار الداخلي‬
‫للعودة إلى جوهر الوعي الالمتناهي‪ ،‬ال يأتي العقل المحدود‬
‫‪.‬إلى الوجود في حد ذاته‬
‫ال يوجد كيان مثل العقل المحدود أو الذات المنفصلة‪ .‬العقل المحدود هو‬
‫النشاط المفترض بحرية للوعي الالمحدود‪ ،‬والذي من خالله‬
‫ويعرف الوعي نفسه على أنه العالم‪ .‬وبالتالي فإن العقل المحدود هو وكالة‬
‫‪.‬كائن اهلل الالمحدود‪ ،‬وليس كياًن ا في حد ذاته أبًد ا‬
‫‪،‬هناك حقيقة واحدة فقط ‪ -‬كائن واحد ال نهائي‪ ،‬غير قابل للتجزئة‪ ،‬واعي بذاته‬
‫وال يوجد في ذاته شيء سوى نفسه الذي يمكن أن يقتصر عليه أو‬
‫يمكن فصله عنه ‪ -‬والذي تستمد منه جميع األشياء والذوات‬
‫‪.‬الظاهرة وجودها الظاهري‬
‫الوعي الالمتناهي ال يتوقف أبًد ا عن كونه وعًي ا النهائًي ا لكي يصبح‬
‫عقاًل محدوًد ا‪ .‬إنه يلون نفسه بنشاطه الخاص ويبدو أنه يحد من‬
‫نفسه‪ .‬هناك فقط الوعي ولون الوعي‪ ،‬لكن ليس هناك‬
‫‪.‬غياب الوعي‪ ،‬وال وجود أي عقل أو ذات أخرى‬
‫ال يمكن لموجة أن تجد السالم والوفاء في موجة أخرى‪ .‬الطريقة الوحيدة لكي‬
‫تجد السالم الدائم واإلنجاز هي أن تغوص في أعماق نفسها‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪.‬تفقد هياجها تدريجًي ا‬
‫وبالمثل‪ ،‬فإن المكان الوحيد الذي يمكن للذات المنفصلة أو العقل المحدود‬
‫أن تجد فيه السالم الدائم والوفاء هو في أعماق كيانها‪ .‬إن‬
‫الذات المنفصلة أو العقل المحدود الذي يتوق إلى السالم والوفاء في‬
‫‪.‬التجربة الموضوعية يشبه التيار في المحيط بحًث ا عن الماء‬
‫على الرغم من أن البحث عن السالم والوفاء يتم تخفيفه مؤقًت ا من خالل‬
‫اكتساب شيء أو مادة أو نشاط أو حالة ذهنية أو عالقة‪ ،‬إال أنه‬
‫ال يتم إشباعه بالكامل أبًد ا‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يعود إلى الظهور بمجرد‬
‫‪.‬توقف التجربة الجديدة أو اختفائها‬
‫فقط عندما تغوص الذات المنفصلة ظاهرًي ا أو العقل المحدود في أعماق‬
‫‪.‬نفسها‪ ،‬فإنها تجد الراحة والسالم والوفاء الذي تتوق إليه‬
‫العقل المحدود أو الذات المنفصلة هو وهم يبدو حقيقًي ا فقط من‬
‫منظوره الوهمي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هذا ال يعني أن العقل المحدود‬
‫أو الذات المنفصلة غير موجودة‪ .‬إنه يعني ببساطة أنه ليس كما يبدو‬
‫‪.‬‬
‫كل األوهام لها حقيقة بالنسبة لها‪ ،‬وإذا كنا نختبر وهًم ا‪ ،‬فإننا‬
‫بحكم التعريف‪ ،‬نختبر واقعه‪ .‬ال يمكن مشاهدة فيلم ‪،‬‬
‫‪.‬دون رؤية الشاشة‬
‫إن "أنا" الذات المنفصلة هي "األنا" الحقيقية والوحيدة ذات الوعي الالمحدود‪ ،‬والتي‬
‫تبدو ممزوجة بالصفات الموضوعية‬
‫‪.‬للتجربة‪ ،‬وبالتالي فهي محدودة ظاهرًي ا‬
‫ومع هذا القيد الواضح للوعي‪ ،‬يأتي الحد من السالم‬
‫المتأصل فيه‪ .‬ولهذا السبب فإن الدافع األساسي لكل‬
‫‪.‬ذوات منفصلة ظاهرًي ا هو إيجاد السالم أو اإلشباع‬
‫إن جرح الفراق الذي يعيش في قلوب معظم الناس هو‬
‫دعوة من قلب الوعي‪ ،‬تجذب العقل إلى الداخل إلى السالم‬
‫‪.‬والوفاء الذي يعيش في مصدره وجوهره‬
‫مثلما أن االهتمام أو العقل هو وعي موجه نحو شيء ما‪ ،‬فإن‬
‫شوقنا أو إخالصنا هو حب موجه نحو شخص أو إله‪ .‬وكما أن‬
‫‪،‬السالم والسعادة اللذين يرغب فيهما العقل يعيشان في مصدر االهتمام‬
‫وليس في مصيره أبًد ا‪ ،‬كذلك فإن الحب الذي يشتاق إليه القلب يقيم في أصل‬
‫‪.‬شوقه‪ ،‬وليس في تحقيقه أبًد ا‬
‫على هذا النحو‪ ،‬فإن شوقنا ينبع من المادة‬
‫‪،‬التي يشتاق إليها ويتكون منها‪ .‬وعلى حد تعبير راهب إيطالي من القرن السادس عشر‪" :‬يا رب‬
‫‪".‬أنت الحب الذي أحبك به‬
‫إن عودة االنتباه إلى مصدره هو جوهر التأمل؛ فذوبان‬
‫‪.‬النية أو الشوق في أصله هو قلب الصالة‬
‫العقل الذي يبحث عن السالم والسعادة والقلب الذي يشتاق للحب‬
‫‪.‬يجب أن يهدأ أو يذوب في جوهرهما‬
‫‪.‬يجب أن نموت قبل أن نموت‬
‫في الوعي بالوعي‪ ،‬ال يوجد مجال لذات منفصلة‪ .‬هناك‬
‫‪،‬فقط وعي أبدي النهائي‪ ،‬يستقر في كائنه المسالم بطبيعته‬
‫‪.‬والمحقق دون قيد أو شرط‪ ...‬المعرفة والوجود والحب وحده‬
‫ولهذا السبب قال الرومي‪ :‬في وجود حبك‪ ،‬أصبح‬
‫معدوما‪ .‬هذا العدم المرتبط بك أفضل من أي شيء وجدته‬
‫‪.‬في الوجود‬
‫في إدراك الوعي – معرفة وجودنا األساسي‬
‫وغير القابل لالختزال – يفقد العقل هياجه ويرتاح القلب من شوقه‬
‫‪.‬‬
‫ما تبقى ال يمكن أن ُي عطى اسًم ا‪ ،‬ألن جميع األسماء تشير إلى أشياء‬
‫المعرفة والخبرة‪ ،‬ومع ذلك فهو ما تسعى إليه كل العقول وتشتاق إليه كل‬
‫‪.‬القلوب‬
‫‪.‬ترجمة كولمان باركس *‬
‫جوهر سلسلة التأمل‬
‫تقدم سلسلة جوهر التأمل تأمالت حول‬
‫الفهم األساسي غير المزدوج الذي يكمن في قلب جميع التقاليد الدينية والروحية العظيمة‬
‫والتي تم تجميعها من التأمالت التي قادها روبرت سبيرا في اجتماعاته ‪،‬‬
‫وخلواته‪ .‬هذا النهج التأملي البسيط‪ ،‬الذي يشجع على‬
‫رؤية واضحة لتجربة الفرد بدًال من أي نوع من الجهد أو االنضباط‪ ،‬يقود‬
‫القارئ إلى فهم تجريبي لكيانه األساسي‬
‫‪.‬والسالم والوفاء المتأصل فيه‬
‫الوعي بالوعي‬
‫‪،‬منشورات ساهاجا ومنشورات نيو هاربينجر ‪2017‬‬
‫منشورات روبرت سبيرا‬
‫‪ -‬شفافية األشياء ‪ -‬التأمل في طبيعة التجربة‬
‫الصحافة غير االزدواجية ‪ ،2008‬منشورات ساهاجا ومنشورات نيو هاربينجر ‪2016‬‬
‫الحضور‪ ،‬المجلد األول ‪ -‬فن السالم والسعادة‬
‫صحافة عدم االزدواجية ‪ ،2011‬منشورات ساهاجا ومنشورات نذير جديدة ‪2016‬‬
‫الحضور‪ ،‬المجلد الثاني ‪ -‬العالقة الحميمة لجميع التجارب‬
‫صحافة غير ازدواجية ‪ ،2011‬منشورات ساهاجا ومنشورات نذير جديدة ‪2016‬‬
‫رماد الحب ‪ -‬أقوال عن جوهر عدم االزدواجية‬
‫غير ‪-‬مطبعة االزدواجية ‪ ،2013‬منشورات ساهاجا ‪2016‬‬
‫نور المعرفة الخالصة – ثالثون تأماًل حول جوهر عدم االزدواجية‬
‫منشورات ساهاجا ‪2014‬‬
‫جسد شفاف‪ ،‬عالم مضيء – يوغا التانترا لإلحساس واإلدراك‬
‫منشورات ساهاجا ‪2016‬‬
‫طبيعة الوعي – مقاالت عن وحدة العقل والمادة‬
‫منشورات ساهاجا ومنشورات النذير الجديدة ‪2017‬‬
‫‪www.rupertspira.com‬‬

You might also like