Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 28

‫عالم البحر في معتقدات سكان المغرب‬

‫الػبحػر والسلػطاف والػزمػاف‬ ‫ثػبلثػة لػيػس ‪٥‬بػا أمػاف‬


‫ىكذا كانت العامة يف ا‪٤‬بغرب تتصور البحر‪ ،‬حسب اليوسي‪ 1‬يف القرف ‪ .XVII‬فالبحر ال أماف لو‪ ،‬وىو‬
‫«خلق عظيم‪ ،‬يركبو خلق صغّب‪ ،‬دود على عود»‪2‬؛ وركوبو يعِب ركوب األىواؿ‪ ...3‬وزعم بعضهم‪ ،‬حسب ا‪١‬باحظ‪ ،4‬أف‬
‫"دواـ النظر إذل البحر" يعترب من األشياء الٍب « ‪ٚ‬بلق العقل وتفسد الذىن»‪.‬‬
‫وىذا "ا‪٣‬بلق العظيم" كاف لو إلو يسيطر عليو يف اعتقاد الفينيقيْب واإلغريق والروماف وا‪٤‬بغاربة القدامى الذين‬
‫عبدوا آ‪٥‬بة البحر أو تقربوا إليها بأشكاؿ ‪٨‬بتلفة‪ ،‬هبدؼ اتقاء شر البحر الذي تصوره القدامى كائنا جبارا مث خصوه‬
‫بالعبادة‪ .‬ويتجلى ىذا "ا‪١‬بربوت" من خبلؿ بعض ا‪٤‬بصطلحات والتعابّب الٍب استعملها ا‪٤‬بغاربة يف بعض ا‪٤‬بناطق الساحلية‬
‫إذل غاية القرف العشرين‪ ،‬وبعضهم ما زاؿ يستعملها إذل اليوـ ؛ ومن خبلؿ ‪ٛ‬بثيل القدامى للبحر يف بعض أعما‪٥‬بم الفنية‬
‫الٍب عكست عتو ىذا "السلطاف" وشدتو وشراستو‪ ...‬كما يظهر ذلك جليا يف "ساترة القرميد" الٍب عثر عليها يف ميداف‬
‫ليكسوس‪ ،‬أو يف الفسيفساء الٍب ‪ٛ‬بثل اإللو احمليط يف ا‪٤‬بدينة نفسها‪.‬‬
‫وكاف ا‪٤‬بزعوـ سكوالكس وحنوف قد أشارا يف رحلتيهما إذل ا‪٤‬بعبد الذي أقامو القدامى فوؽ رأس صولوييس‬
‫وكرسوه لپوصيدوف يف منطقة "جد مقدسة" حسب سكوالكس ؛ وىو تقديس مازالت بعض آثاره ظاىرة يف قباب‬
‫ومزارات "رجاؿ السواحل" يف ىذه ا‪٤‬بنطقة‪.‬‬
‫ومعلوـ أف الصيادين يف شواطئ ا‪٤‬بغرب األطلنطكية كانوا إذل غاية القرف ‪ XX‬يضعوف أنفسهم ‪ٙ‬بت ‪ٞ‬باية‬
‫أولياء الساحل ويتقربوف إليهم باألضاحي أو ٔبزء من صيدىم‪ ،‬بغية إرضائهم‪ .‬أدل يفكر الزيا‪،‬ي‪٤ ،‬با ىاج البحر وأشرؼ‬
‫مؤرخنا على ا‪٥‬ببلؾ‪ ،‬يف «ذبح الباشدور العثما‪،‬ي تقربا للبحر»!؟ و٘بلت بعض مظاىر تقديس البحر وإرضاء آ‪٥‬بتو أو‬
‫رجالو "أىل اإلغاثة" يف ا‪٤‬بغرب‪ ،‬يف بعض ا‪٤‬بواسم الوثنية األصل كالعنصرة الٍب تعترب من التقاليد القددية جدا يف مشاؿ‬
‫افريقيا حيث كانت تقاـ يف األصل‪ ،‬على األرجح‪ ،‬على شرؼ إلو البحر نپتوف‪.‬‬
‫وتأثّب البحر وعادل آ‪٥‬بتو بارز يف ‪٦‬بموعة من ا‪٤‬بدف ا‪٤‬بغربية القددية حيث مثل نپتوف وآ‪٥‬بة ا‪٤‬بوج وحوريات البحر‬
‫واإللو احمليط و‪٨‬بلوقات البحر العجيبة األخرى الٍب احتفظت ذاكرة ا‪٤‬بغاربة ا‪١‬بماعية ببعض أساطّبىا كاألخطبوط‬

‫‪ -1‬اٌ‪ ،ٌٟٛ١‬انًحاضشاخ‪ ،‬ض ‪.210 –209 .ْ ْ ،1‬‬


‫‪ -2‬اتٓ لر‪١‬ثح‪ ،‬عُىٌ األخثاس‪ ،‬ض ‪.178 .ْ ،3‬‬
‫‪ -3‬اٌ‪ ،ٌٟٛ١‬انًحاضشاخ‪ ،‬ض ‪ِٕ" : 640 .ْ ،2‬اؼثح األِهان نو‪ٛ‬ب اٌثؽه"؛ ‪ٚ‬أظه كهُهح وديُح ‪١ٔ ،‬كا‪ ،‬اٌّىرثح اٌؼٕه‪٠‬ح‪)...(" 13 .ْ ، 2005 ،‬‬
‫‪ٌٚ‬مك وٕد أٌّغ أْ ف‪ٍٍٛ١‬فا ورة إٌ‪ ٝ‬ذٍّ‪١‬مٖ ‪٠‬م‪ٛ‬ي ‪ :‬إْ ِعا‪ٚ‬نج نظاي اٌٍ‪ٛ‬ء‪ٚ ،‬إٌّاؼثح ٌ‪ ُٙ‬وهاوة اٌثؽه‪ ،‬إْ ٘‪ ِٓ ٌٍُ ٛ‬اٌغهق ٌُ ‪ ِٓ ٍٍُ٠‬اٌّفا‪ٚ‬ف‪ ".‬؛‬
‫ْ‪ٚ ": 65.‬لك ل‪ :ً١‬إْ ـٕاال شالشا ٌٓ ‪ٍ٠‬رط‪١‬ؼ‪ٙ‬ا أؼك إال تّؼ‪ٔٛ‬ح ِٓ ػٍ‪ّ٘ ٛ‬ح ‪ٚ‬ػظ‪ ُ١‬ـطه‪ِٕٙ ،‬ا ‪ٔ :‬ؽثح اٌٍٍطاْ‪ٚ ،‬ذعانج اٌثؽه‪ِٕٚ ،‬اظىج اٌؼك‪."ٚ‬‬
‫‪ -4‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪.572 .ْ ، 5‬‬

‫‪1‬‬
‫العمبلؽ‪ ،‬والقرع بن منري‪ ،‬والسمك الصغّب الذي نزؿ من السماء‪ ،‬والثعباف الطائر بذنب ‪٠‬بك‪ ...‬وتوارثت أجياؿ من‬
‫ا‪٤‬بغاربة يف بعض ا‪٤‬بناطق الساحلية خرافات تتعلق بالتكهن با‪٤‬بستقبل بواسطة أصداؼ البحر‪ ،‬بل منهم من زعم أنو يكلم‬
‫احملار تكليما‪ ،‬ومنهم من قدس بعض األ‪٠‬باؾ وأطعمها وقرطها وحرس مزاراهتا إذل اليوـ‪ .‬وزعم القزويِب (ىّبودوت القروف‬
‫الوسطى) أف الناس كانوا يتربكوف يف نواحي سبتة بنسل ‪٠‬بكة موسى الٍب عادت إذل البحر بعد شيها !‬
‫ودل يقتصر األمر يف ىذه األساطّب ا‪٤‬برتبطة بالبحر فقط على األ‪٠‬باؾ‪ ،‬بل تعداىا ليشمل حيوانات أخرى كتلك‬
‫ا‪١‬بياد األسطورية الٍب ‪ٚ‬برج من احمليط ليبل‪ ،‬حسب زعم بعضهم‪ ،‬يف شواطئ ا‪٤‬بغرب األطلنطكية‪ ،‬لتنزو على ا‪٢‬بجور الٍب‬
‫تلد بعد ذلك عتاؽ خيل فريدة من نوعها‪ .‬فهل لذلك عبلقة بتصور اإلغريق إل‪٥‬بهم پوصيدوف الذي مثلوه وىو ديخر‬
‫عباب البحر ‪٩‬بتطيا عربة ٘برىا خيوؿ ميثية ؟‬
‫فلقد كاف البحر ومازاؿ يف اعتقاد بعض ا‪٤‬بغاربة ‪٦‬باال مقدسا طاىرا ال جيوز تنجيسو‪ .‬وخصت آ‪٥‬بتو بالعبادة‬
‫دائما يف شواطئ مشاؿ افريقيا حسب ىّبودوت‪ ،‬وذلك قبل أف يتعرؼ اإلغريق على پوصيدوف الذي كانت لو القدرة‬
‫ا‪٤‬بطلقة على البحر‪.‬‬

‫‪ - 1‬آثار عبادة آلهة البحر في المغرب القديم ‪:‬‬


‫بالرغم من شح ا‪٤‬بعلومات ا‪٤‬بتعلقة بالبحر وا‪٤‬ببلحة يف الشواطئ ا‪٤‬بغربية يف ا‪٤‬براجع األجنبية وا‪٤‬بصادر العربية‪،1‬‬
‫فإف ما وصلنا من أوصاؼ ومبلحظات‪ ،‬على ندرهتا‪ ،‬تثبت عبادة اآل‪٥‬بة البحرية الفينيقية ‪ -‬البونية األصل يف ا‪٤‬بغرب‬
‫القدمي‪ .2‬وسلوؾ ا‪٤‬بغريب وتصوره للبحر‪ ،‬إذل غاية العصر ا‪٢‬بديث‪ ،‬ال خيتلف يف جوىره عن سلوؾ وتصور اإلغريقي القدمي‬
‫لعادل البحر وكائناتو‪ ،‬وذلك يف ‪٦‬باالت شٌب نذكر من بينها على سبيل ا‪٤‬بثاؿ ‪ :‬أدب ركوب البحر والتقرب إذل آ‪٥‬بتو‪،‬‬
‫و‪٨‬بلوقات البحر العجيبة وإغاثة السفن والعبادات (العنصرة منوذجا)‪...‬‬
‫وتعود عبادة آ‪٥‬بة البحر واألضاحي الٍب كانت تقدـ ‪٥‬با‪ ،‬قبل اإلٕبار وبعده‪ ،‬إذل عصور موغلة يف القدـ‪ .‬ولقد‬
‫أشار ا‪٤‬بؤرخ پوليبيوس ‪ )Polybe(3‬إذل ذلك يف حديثو عن بند من بنود ا‪٤‬بعاىدة الٍب وقعت سنة ‪ 843‬ؽ‪.‬ـ‪ .‬بْب روما‬
‫وقرطاجة‪ ،‬وىو بند يهم البحارة الروماف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, Paris, 1920, p. II.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-TARRADELL (M.), Marruecos púnico, Tetuàn 1960, p.112, fig.31 ; FANTAR (M.), Le dieu de la mer chez les‬‬
‫‪Phéniciens et les Puniques, Rome 1977 ; Id. La religion phénicienne et punique de Lixus : témoignages de‬‬
‫‪l’archéologie et de l’épigraphie, in : LIXUS, Actes du colloque organisé par l’Institut des sciences de l’archéologie et du‬‬
‫‪patrimoine de Rabat avec le concours de l’Ecole française de Rome, Larache, 8-11 novembre 1989, Paris-Rome 1992,‬‬
‫‪pp. 115-121.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-POLYBE , III, 22 : « Les Romains et leurs alliés ne navigueront pas au-delà du cap Beau, à moins d'y être‬‬
‫‪poussés par la tempête ou chassés par leurs ennemis ; s'ils le dépassent en cas de force majeure, il ne leur sera permis‬‬
‫; » ‪d'acheter ou de prendre que ce qui leur sera nécessaire pour radouber leur vaisseau ou pour faire un sacrifice.‬‬
‫‪SAINT DENIS (E. de), Le rôle de la mer dans la poésie latine, Lyon 1935, pp. 27-28 :‬‬
‫تؽس ؼ‪ٛ‬ي اٌفرهج اٌر‪ ٟ‬تكأ اٌه‪ِٚ‬اْ ‪٠‬ثٕ‪ ْٛ‬ـالٌ‪ٙ‬ا اٌّؼاتك اٌّفٕٕح ٌٕ‪١‬ثر‪ٚ ْٛ‬ت‪ٛ‬نذ‪ٛٔٛ‬ي ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وكاف البحارة اإلغريق القدامى يقدسوف بوصيدوف‪ )Poséidon( 1‬ويستعطفونو ‪٢‬بماية سفنهم والسماح ‪٥‬بم‬
‫بالذىاب والعودة بسبلـ‪ .‬كما كانت اإل‪٥‬بة إزيس ‪ )Isis(2‬تعترب أيضا‪ ،‬حامية السفن وا‪٤‬ببلحْب‪.‬‬
‫وتعترب ظاىرة التقدمات الٍب كاف البحارة القدامى يتقربوف هبا إذل آ‪٥‬بة البحر بعد ‪٪‬باهتم من الغرؽ موغلة يف‬
‫القدـ‪ .‬ولقد حدثنا فرجيل‪ )Virgile( 3‬عن شجرة زيتوف مقدسة يف شاطئ ‪ Laurente‬كاف البحارة اإليطاليوف‬
‫يعلقوف على أغصاهنا نذرىم شكرا لآل‪٥‬بة الٍب ‪٪‬بتهم من ا‪٤‬بوت يف البحر‪ .‬كما كاف ا‪٤‬ببلحوف الناجوف من ا‪٤‬بوت يعلقوف‬
‫ا‪٤‬ببلبس الٍب كانوا يرتدوهنا يف البحر على جدراف ا‪٤‬بعابد‪ ،‬بعد أخذىم العهد على أنفسهم بإىدائها لئللو ا‪٢‬بامي‪.4‬‬
‫ولقد أشار فوفيل ‪ )J. -J. Fauvel(5‬إذل قبة "سيدي عبد الر‪ٞ‬بن" ا‪٤‬بوجودة على بعد ‪ 11‬كلم جنوب الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬فوؽ حشفة ديكن الوصوؿ إليها مشيا على األقداـ خبلؿ ا‪١‬بزر ؛ وىي حشفة تعتقد العامة أهنا مقدسة‪ ،‬وتعقد‬
‫فوؽ قمتها خرقا وخصل الشعر كنذر‪.‬‬
‫وكاف دوطي (‪ 6)Ed. Doutté‬قد ذكر أف ا‪٤‬بعلومات الٍب وصلتنا عن معتقدات األىارل القددية يف ا‪٤‬بغرب‬
‫وآ‪٥‬بتهم األولية تعترب نادرة وال ‪ٛ‬بكننا بالتارل من تكوين فكرة صحيحة عن ىذه ا‪٤‬بعتقدات وتلك اآل‪٥‬بة‪ ،‬كما ال ‪ٛ‬بكننا‬
‫ىذه ا‪٤‬بعلومات من فهم وتفسّب بعض ا‪٤‬بمارسات الٍب ال ‪ٛ‬بت يف جوىرىا إذل اإلسبلـ بصلة‪ .‬وبالرغم من قوؿ دوطي‬
‫ىذا فإف برونو (‪ 7)L. Brunot‬يرى أف البحر كاف خي ص بالعبادة يف ا‪٤‬بغرب‪ ،‬واعتربه بعض ا‪٤‬بغاربة قدديا إ‪٥‬با يعبد‬
‫بسبب ا‪٣‬بوؼ الشديد الذي ولده البحر يف أنفسهم كمصدر للعجائب ا‪٣‬بارقة وألخطار ال ‪ٙ‬بصى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-SCHMIDT (J.), Dictionnaire de la mythologie grecque et romaine, Paris 1985, pp. 258-260 ; GRANT (M.) et‬‬
‫‪HAZEL (J.), Dictionnaire de la mythologie, Coll. Marabout université, 1975, pp. 299-303 ; BABELON (E.), Catalogue‬‬
‫‪des monnaies grecques de la Bibliothèque Nationale, Paris 1893, p. CLX :‬‬
‫" (‪ )...‬وأد ػثاقج إٌٗ اٌثؽه ناٌفح ف‪ِ ٟ‬كْ ِا‪ٚ‬ئ ف‪ٕ١‬م‪١‬ا‪ٚ .‬ذّصً ٔم‪ٛ‬ق ت‪١‬ه‪ٚ‬خ ت‪١ٔٛ‬ك‪ِّ ْٚ‬رط‪١‬ا ػهتح ذعه٘ا أفهاي تؽه‪٠‬ح ؛ ‪ٚ‬ـالي اٌؼٕه اٌه‪ِٚ‬أ‪ٟ‬‬
‫‪٠‬ظ‪ٙ‬ه ت‪١ٔٛ‬ك‪ ْٚ‬ػٍ‪ ٝ‬تؼٗ إٌم‪ٛ‬ق األن‪ٚ‬اق‪٠‬ح (‪")...‬؛ ‪ٚ‬أظه أ‪ٙ٠‬ا ْ‪.187 ،180 ،179 ، 178 ،176 ،174 ، 170 ، 166 ، 165 .‬‬
‫‪2‬‬
‫; ‪-PETRONE, Le Satiricon, Gallimard 1969, p. 244, n.168‬‬
‫‪ٚ‬أظه‪ :‬يعجى انحضاسج انًصشَح انقذًَح‪ ،‬اٌطثؼح اٌصأ‪١‬ح‪ )...(": 77-76 .ْ ْ ، 1996 ،‬اِركخ ػثاقج إ‪٠‬ى‪ ً٠‬ف‪ ٟ‬ػ‪ٙ‬ك اٌثطاٌّح ‪ٚ‬اٌه‪ِٚ‬اْ‪ ،‬إٌ‪ِ ٝ‬ا تؼك‬
‫ؼك‪ٚ‬ق ِٕه‪ٚ ،‬واْ ٌ‪ٙ‬ا ِؼاتك٘ا ‪ٚ‬و‪ٕٙ‬ر‪ٙ‬ا‪ٚ ،‬أػ‪١‬اق٘ا ‪ٚ‬أٌهان٘ا اٌك‪١ٕ٠‬ح ف‪ ٟ‬وافح ظ‪ٙ‬اخ اٌؼاٌُ اٌه‪ِٚ‬أ‪ ٟ‬ؼ‪١‬س ٔانخ ذّصً اٌهتح اٌؼاِح ٌٍى‪ ْٛ‬وٍٗ‪" .‬أٔا أَ‬
‫اٌطث‪١‬ؼح وٍ‪ٙ‬ا‪١ٌٚ ،‬كج ظّ‪١‬غ اٌؼٕأه‪ِّٕٚ ،‬أ اٌىِٓ ‪ٚ‬أٍٔٗ‪ٚ ،‬اٌهتح اٌؼٍ‪١‬ا‪ٍِٚ ،‬ىح األِثاغ‪ٚ ،‬أ‪ٌ ٌٝٚ‬ىاْ اٌٍّاء‪ٚ ،‬إٌّ‪ٛ‬لض اٌؼاَ ٌعّ‪١‬غ ا‪ٌٙ٢‬ح ‪ٚ‬اٌهتاخ‪ .‬أؼىُ‬
‫لناخ اٌٍّاء ‪ٍّٔٚ‬اخ اٌثؽه اٌف‪١‬هج‪ٌٚ ،‬ى‪ ْٛ‬اٌعؽ‪ ُ١‬اٌّمفه؛ ‪ٚ‬أٌ‪١‬هُ٘ و‪١‬فّا أِاء"‪ٚ .‬نتّا ػثكخ ٘مٖ اإلٌ‪ٙ‬ح إٌّه‪٠‬ح ف‪ ٟ‬ذّ‪ٛ‬قج‪ ،‬فٍمك ٔمُ اٌّ‪ٙ‬ا ػٍ‪ ٝ‬ػكق‬
‫وث‪١‬ه ِٓ اٌمطغ إٌمك‪٠‬ح ؼ‪١‬س ِصٍد أ‪ٙ٠‬ا نِ‪ٛ‬و ٘مٖ اإلٌ‪ٙ‬ح ‪ :‬اٌّى٘ه‪ٚ ،‬اًٌّّ ت‪ ٓ١‬لهٔ‪ ٟ‬تمهج‪ٔٚ ،‬عّح ٌكاٌ‪١‬ح ِغ ٘الي‪ ،‬اٌّ‪ٟ‬ء اٌم‪ ٞ‬لك ‪٠‬صثد أْ ػثاقج إو‪ً٠‬‬
‫وأد ِٕرّهج ت‪ٌ ٓ١‬ىاْ ٘مٖ اٌّك‪ٕ٠‬ح‪ٚ .‬نتّا اورٍد ػثاقج ٘مٖ اإلٌ‪ٙ‬ح ف‪ ٟ‬اٌّغهب أّ٘‪١‬ح أوصه ِغ لك‪ َٚ‬وٍ‪ٛ١‬تاذهٖ ٌ‪ ،ٟٕ١ٍ١‬و‪ٚ‬ظح ‪ٛ٠‬تا اٌصأ‪ٚ ،ٟ‬تٕد اٌٍّىح‬
‫إٌّه‪٠‬ح وٍ‪ٛ١‬تاذهٖ ‪ِٚ‬انن أٔط‪ٛ‬اْ ؛ أظه تؽصٕا ‪ :‬تًىدج‪. 73 .ْ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-VIRGILE, L’Enéide, trad., inrtod. et notes par M. Rat, Paris 1965, p. 273 :‬‬
‫"(‪ِ )...‬اءخ إٌكفح أْ ذٕثد ف‪ ٟ‬لٌه اٌّىاْ ِعهج و‪٠‬ر‪ ْٛ‬ته‪ ٞ‬تأ‪ٚ‬نال‪ٙ‬ا اٌّهج‪ٚ ،‬وأد ِىهٌح ٌف‪ٛٔٛ‬ي‪ٚ .‬واْ اٌثؽانج ‪٠‬ىهِ‪٘ ْٛ‬مٖ اٌّعهج ِٕم ػ‪ٙ‬ك لك‪ ُ٠‬؛‬
‫فىٍّا ٔع‪ٛ‬ا ِٓ اٌغهق وأ‪ٛ‬ا ‪٠‬ؼٍم‪ ْٛ‬ػٍ‪ٙ١‬ا لهات‪ٌ ُٕٙ١‬إلٌٗ اٌّمو‪ٛ‬ن (‪.")...‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-HORACE, Odes et Epodes, Texte établi et traduit par F. Villeneuve, Paris 1981, I, 5,14 :‬‬
‫"(‪ )...‬أِا أٔا‪ ،‬فٍمك ‪٘ٚ‬ؼد ػٍ‪ ٝ‬اٌٍ‪ٛ‬ن اٌّمكي ٌ‪ٛ‬ؼح ٔمن‪٠‬ح ذّ‪ٙ‬ك تأٔ‪ٔ ٟ‬منخ ِالتٍ‪ ٟ‬اٌّثٍٍح إلٌٗ اٌثؽه األػظُ"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-MAROC, par J.-J. FAUVEL ; Coll. Guides bleus, Paris 1973, p. 232.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- DOUTTE (Ed.), Magie et religion dans l’Afrique du Nord, Alger, 1909, p. 14 : « Qu’est-il resté d’intact dans la‬‬
‫‪religion actuelle des indigènes de l’Afrique du Nord, de leurs croyances antérieures, de leurs divinités primitives ? Bien‬‬
‫‪peu de choses… ».‬‬
‫‪7‬‬
‫; ‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, pp. 1- 6‬‬
‫‪ٚ‬أظه ْ‪ ِٓ 4 .‬اٌّهظغ ٔفٍٗ ‪ " :‬ذعٍ‪ ٝ‬األ‪ٚ‬ل‪١‬أ‪ٛ‬ي ٌإلٍٔاْ وىائٓ ؼ‪ ٟ‬أػٍ‪ ،ٝ‬فؼثك ذٍه اٌم‪ٛ‬ج اٌ‪ٙ‬ائٍح ‪ٚ‬اٌفف‪١‬ح"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ ص قدديا بالعبادة‪ ،‬فإف ا‪٣‬بشية أجربت اإلنساف دوما على االحَباـ‬ ‫ومن الطبيعي أف يكوف البحر قد خ َّ‬
‫والتقديس‪ .‬فلقد جسد البحر احمليط قوة ىائلة جهل اإلنساف البدائي مصدرىا وأصلها‪ ،‬فاعتقد أف ىذه القوة ما ىي إال‬
‫قوة كائن أعلى جبار‪ ،‬مث عبدىا‪ .‬وىكذا ربطت جل الشعوب القددية العبلقة بْب البحر واآل‪٥‬بة‪.‬‬
‫والحظ برونو‪ 1‬يف شاطئ الرباط وسبل أدلة تشهد على تأليو األىارل للمحيط وعلى العبادة الٍب خصوه هبا والٍب‬
‫ما زالت بعض آثارىا موجودة‪ ،‬وإف دل تبق كما كانت يف األصل‪ .‬فالبحر حسب ىذه ا‪٤‬بعتقدات كائن حي ال يقبل‬
‫بعض األمور ؛ فهو يهيج عند وفاة رجل صاحل‪ ،‬ويضطرب عندما يسّب فيو فلك حيمل رجبل خانو زوجو أو موادا ‪٧‬برمة‬
‫كا‪٣‬بمر و‪٢‬بم ا‪٣‬بنزير (تأثّب اإلسبلـ)‪ ،‬أو جثة‪ ،‬وىو ال يطيق الطلبة عندما يتلوف صلواهتم‪ ،‬كما ال يطيق السلطاف ‪٤‬با‬
‫يركبو‪.‬‬
‫ففي اعتقاد األىارل كاف البحر كائنا حيا مقدسا‪ ،‬لذلك ‪٠‬بوه بالسلطاف ؛ ولقد ‪٠‬بوه كذلك ‪ -‬يف رأي برونو‪-‬‬
‫ألهنم مسلموف‪ ،‬لكنهم يعطوف ‪٥‬بذا االسم ا‪٤‬بفهوـ الذي يعطيو ا‪٤‬بسيحيوف لكلمة عفريت‪ .‬ولقد جاءت تسمية "سلطاف"‬
‫ىاتو نتيجة معتقدات خاصة مفادىا أف البحر مقدس‪ .‬وزعم سكاف غرب ا‪٤‬بغرب‪ٗ ،‬با فيهم سكاف ا‪٤‬بناطق الداخلية أف‬
‫البحر‪-‬السلطاف ال حيتمل السلطاف‪-‬ا‪٤‬بلك‪ ،‬فالقوتاف ال ديكنهما أف تتعايشا يف نفس ا‪٤‬بكاف‪ .‬كما اعتقد أنو لو ركب‬
‫السلطاف البحر فإف مركبو سيغرؽ حتما‪ ،‬وأنو ‪٤‬با يركب يف زورقو ا‪٤‬بلكي لعبور النهر والتوجو إذل سبل‪ ،‬فإف البحر يهيج‪.‬‬
‫وبالرغم من كونو يوجد يف النهر‪ ،‬فإف زورقو يَبجح أكثر من العادة‪ .‬وتساءؿ برونو عما إذا كانت ىذه الظاىرة ىي الٍب‬
‫تفسر الطريقة الٍب اتبعها سبلطْب ا‪٤‬بغرب القدامى يف أسفارىم من فاس إذل الرباط‪ٕ ،‬بيث ‪٪‬بدىم ال جيتازوف مع ‪٧‬ببلهتم‬
‫هنر أيب رقراؽ إال عند ‪٨‬باضة توجد عند عالية النهر ؟‬
‫ومن األدلة الٍب تثبت‪ ،‬حسب برونو‪ ،‬أف البحر كاف مؤ‪٥‬با‪ ،‬الصيغة الٍب كاف يستعملها بعض ا‪٤‬بغاربة للقسم‪،‬‬
‫كقو‪٥‬بم «فليبتلعِب البحر إف كنت قد فعلت كذا ؛ أو إذا وقع كذا‪ .»...‬كما اعتقد بعضهم أف البحر عند ركوبو ال‬
‫حيتمل أف يعبد غّبه‪ ،‬أيا كاف‪ ،‬وحجتهم على ذلك أنو لو تبل راكب من ركاب السفينة صبلة ما فإف البحر يهيج ال‬
‫‪٧‬بالة‪ .‬وىو اعتقاد كاف سائدا يف العهد الذي دل تكن جذور اإلسبلـ قد ترسخت بعد يف سواحل ا‪٤‬بغرب‪ .‬ونفس‬
‫االعتقاد ساد يف الشواطئ الشمالية من حوض ا‪٤‬بتوسط بالنسبة للمسيحيْب‪ٕ ،‬بيث كاف الرىباف والراىبات ديتنعوف عن‬
‫تبلوة صلواهتم عند ركوهبم البحر‪.‬‬
‫ولقد مكن التنقيب األثري يف ميداف (‪ )forum‬ليكسوس من العثور على ساترة قرميد (‪( ،)antéfixe‬حلية‬
‫معمارية يف حافة السطح إلخفاء فجوات القرميد) برونزية ترجع إذل القرف ‪I‬ؽ‪.‬ـ‪ .‬وتوجد حاليا يف متحف الرباط األثري‪.‬‬
‫و‪ٛ‬بثل ىذه الساترة شخصا وصفو ماريوف (‪ )J. Marion‬كالتارل ‪:‬‬
‫«ديثل ىذا األثر شخصا يف عنفواف الشباب‪ ،‬شعره كثيف حييط ٗبعظم دائرة وجهو ويتدذل ليختلط بلحية كثة‪.‬‬
‫ولقد مثل الشعر واللحية على شكل خصائل مقصبة تظهر وسطها رؤوس ثبلثة أ‪٠‬باؾ ومقدـ أجسادىا (يف اللحية)‪،‬‬
‫وكذا دلفيناف (على مستوى األذنْب)‪ ،‬وزبانيا قشريات (على ا‪١‬ببْب)‪ .‬وشكل ا‪٢‬باجباف وعظما الوجنتْب من أجزاء قشور‬
‫‪1‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer… op. cit., pp. 1- 6.‬‬

‫‪4‬‬
‫حيوانات سرطانية‪ ،‬الشيء الذي يضفي على مبلمح ىذا الشخ ص مظهرا كلو خشونة وشراسة‪ .‬والشفة السفلى غليظة‪،‬‬
‫والفم مفتوح بعض الشيء ويعلوه شارب كث يتدذل على جانيب الفم وخيتلط طرفاه باللحية حيث خيتفياف يف ا‪١‬بزء الذي‬
‫تربز فيو ‪٠‬بكتاف‪ ،‬على اليمْب وعلى الشماؿ»‪.1‬‬
‫ويعتقد شارؿ بيكار‪ )Charles - Picard( 2‬أف ىذا التمثاؿ ديثل إ‪٥‬با ٕبريا من أصل فينيقي ‪ -‬بو‪،‬ي‪.‬‬
‫ويبدو أف ىذه الفرضية ترتكز على ما ورد يف بعض النصوص القددية‪ ،‬وخاصة ن ص رحلة حنوف الذي ‪ٙ‬بدث عن ىيكل‬
‫بِب فوؽ رأس صولوييس على شرؼ اإللو بوصيدوف‪.‬‬
‫وكاف شطبلف‪ )L. Chatelain( 3‬قد وصف بدقة متناىية ‪ٛ‬بثيل رأس اإللو احمليط ىذا الذي مشلت سيطرتو‬
‫‪٦‬باؿ البحار البل‪٧‬بدود‪ ،‬والذي خلف لنا القدامى عددا كبّبا من صوره‪ ،‬معظمها مثل بواسطة الفسيفساء‪ ،‬وصف‬
‫شطبلف بعضها يف فرنسا وتونس وا‪١‬بزائر‪ .‬واعترب ىذا العادل األثري اكتشاؼ ىذه ا‪٢‬بلية ا‪٤‬بعمارية الٍب ‪ٛ‬بثل اإللو احمليط‬
‫أىم اكتشاؼ أثري ٖبصوص األدوات ا‪٤‬بعدنية ا‪٤‬بنقوشة الٍب عثر عليها يف مشاؿ ا‪٤‬بغرب‪.‬‬
‫ومعلوـ أف الفنانْب القدامى غالبا ما مثلوا ىذا اإللو ملتحيا ورافعا ‪٤‬بذراة ثبلثية وماسكا بسمكة‪4‬؛ وكانت ا‪٤‬بذراة‬
‫الثبلثية ىي سبلح صيادي الًب القدامى بشكل خاص‪ .‬كما مثل ذات اإللو ‪٧‬بموال على عربة ٘برىا حيوانات مسوخ‪،‬‬
‫نصفها فرس والنصف اآلخر ثعباف‪ ،‬و‪ٙ‬بيط بالعربة أ‪٠‬باؾ ودالفْب وكائنات ٕبرية ‪٨‬بتلفة األشكاؿ‪ ،‬وكذا حوريات ٕبرية‬
‫وجاف‪ ،‬اخل‪.5‬‬
‫و‪٩‬با يثبت عبادة اآل‪٥‬بة البحرية الفينيقية ‪ -‬البونية األصل يف ا‪٤‬بغرب القدمي‪ ،‬الفارس البحري الذي عثر عليو‬
‫طراديل يف موضع ‪ٛ‬بودة‪ .6‬ويتعلق األمر بقبلدة (‪ )un médaillon‬من الطْب ا‪٤‬بشوي‪ ،‬وقد مثل عليها شخ ص ديتطي‬
‫مارد ٕبر يركض‪ .‬ويبدو الفارس مسلحا برمح أو ٗبذراة ثبلثية ومتأىبا للهجوـ‪ .‬ويقطع ىذا الفارس ٕبرا مليئا بالدالفْب‪،‬‬
‫ثبلثة منها تسبح ‪ٙ‬بت مارد البحر يف ا٘باه اليمْب‪ .‬وحسب فنطار‪ 7‬فإف "ا‪٤‬بوضوع البحري" ‪٥‬بذه القطعة من تأثّب فينيقي‪،‬‬
‫ويذكرنا بشكل خاص ٗبواضيع القطع النقدية الفينيقية‪ .‬فمارد ٕبر ‪ٛ‬بودة يركض شأنو شأف مطية ملقارت كما مثل على‬
‫نقود صور‪ .‬وتعود ىذه القطعة األثرية حسب فنطار إذل القرف ‪ IV‬ؽ‪.‬ـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫; ‪- FANTAR (M.), La religion phénicienne et punique de Lixus , p. 117‬‬
‫‪ٌٚ‬مك نأ‪ٕ٠‬ا ِعّ‪ٛ‬ػح ِٓ ٔ‪ٛ‬ن اٌمطغ إٌمك‪٠‬ح اٌف‪١ٕ١‬م‪١‬ح اٌر‪ٌ ٟ‬ىد ِا ت‪ 351 ٚ 400 ٓ١‬ق‪ٚ .َ.‬لك ِصٍد ػٍ‪ ٝ‬تؼ‪ٙٙ‬ا آٌ‪ٙ‬ح تؽه‪٠‬ح ٍِرؽ‪١‬ح‪ ،‬أ‪ ٚ‬أفهاي اٌثؽه‪،‬‬
‫تٕفر‪ٙ‬ا آٌ‪ٙ‬ح تؽه‪٠‬ح‪ ،‬أ‪ٍِ ٚ‬مانخ ٍِرؽ‪١‬ا ‪ّ٠‬رط‪ ٟ‬فهٌا تؽه‪٠‬ا‪ ...‬ناظغ ذفأ‪٘ ً١‬مٖ إٌم‪ٛ‬ق ‪ٚ‬ذؼاٌ‪١‬ك ٔاؼة اٌّؤٌف ‪:‬‬
‫‪BABELON (E.), Catalogue des monnaies grecques de la Bibliothèque Nationale…Chypre et Phénicie, Paris 1893, pp.‬‬
‫‪123-192.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-CHARLES-PICARD (G.), Musées et sites archéologiques du Maroc, CRAI, 1946, pp. 668-669.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-CHATELAIN (L.), Le Maroc des Romains. Etude sur les centres antiques de la Maurétanie occidentale, Paris 1944,‬‬
‫; ‪pp. 60-66 ; TARRADELL (M.), Lixus, Tetuàn 1959, p. 72, Lam. 19‬‬
‫‪ٚ‬أظه ‪ٔٚ‬ف ت‪ٛ‬ب ت‪١‬ى‪ٌ ٛ‬مٕاع اإلٌٗ اٌّؽ‪٘ ٛ١‬ما ف‪ ٟ‬وراب ‪:‬‬
‫‪DE L’EMPIRE ROMAIN AUX VILLES IMPERIALES. 6000 ans d’art au Maroc, Paris 1990, p. 156 ; PONSICH (M.),‬‬
‫‪Une mosaïque du dieu Océan à Lixus, B.A.M., VI, 1966, pp. 323-328.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- GRANT (M.) et HAZEL (J.), Dictionnaire de la mythologie, p. 299.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- GRIMAL (P.), Dictionnaire de la Mythologie grecque et romaine, 7è éd. Paris 1982 : Poséidon.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- TARRADELL (M.), Marruecos púnico, p. 112, fig. 31.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- FANTAR (M.), Le dieu de la mer chez les Phéniciens et les Puniques, pp. 62-79.‬‬

‫‪5‬‬
‫ويف منطقة رأس كانطاف‪ ،‬الحظ مونطا‪،‬ي‪ )R. Montagne( 1‬آثار وبقايا بعض العبادات البحرية القددية‬
‫متمثلة يف أ‪٠‬باء بعض القديسْب والقديسات كبلال تساوت (‪ )Tessaout‬عند سفح رأس كانطاف‪ ،‬حيث أشار‬
‫سكوالكس [وليس ابلْب] إذل وجود موضع معبد بوصيدوف القدمي‪ ،‬وسيدي شيشكاؿ (‪ )Chechkal‬الذي بنيت‬
‫قبتو فوؽ صخر يطل على البحر‪ ،‬وسيدي ‪٦‬بموع الصا‪٢‬بْب‪ ...‬والحظ الباحث الفرنسي أف تقديس األولياء يف منطقة‬
‫رأس كانطاف يفوؽ تقديس باقي األولياء يف ا‪١‬بهات األخرى‪ ،‬كما الحظ أف األ‪٠‬باؾ الٍب تصاد يف بداية موسم الصيد‬
‫خبلؿ فصل الربيع‪ ،‬هتدى إذل ىؤالء األولياء‪ .‬وجنوب ىذه ا‪٤‬بنطقة‪ ،‬أشار مونطا‪،‬ي إذل حجرة سيدنا يونس بالقرب من‬
‫زاوية سيدي واسي (‪( )Ouassei‬ناحية ماسة) ؛ ويعترب مونطا‪،‬ي ىذه ا‪٢‬بجرة من بْب بقايا العبادات البحرية القددية يف‬
‫ا‪٤‬بنطقة‪.2‬‬
‫وكاف سكوالكس قد ذكر يف رحتلو أف منطقة رأس صولوييس «جد مشهورة وجد مقدسة»‪ ،‬وأشار إذل ا‪٤‬بعبد‬
‫الذي أقيم فوؽ ىذا الرأس والذي كاف مكرسا لپوصيدوف‪ .3‬وعثر لوكي‪ )A. Luquet( 4‬يف أسفل ا‪١‬برؼ الواقع على‬
‫على بعد ‪11‬كلم جنوب آسفي (جرؼ اليهودي) على قدـ ‪ٛ‬بثاؿ يعتقد لوكي أف القدامى كرسوه لبوصيدوف‪ ،‬كما دأبوا‬
‫على ذلك كلما حطت سفنهم يف شاطئ جديد‪ ،‬بغية كسب ود اآل‪٥‬بة احمللية‪.‬‬
‫ولقد شبو اإلغريق أحد اآل‪٥‬بة الفينيقية الرئيسية بإ‪٥‬بهم پوصيدوف‪ ،‬إلو البحر والفرس‪ ،‬وكاف ىذا اإللو الفينيقي‬
‫حيظى بتقديس خاص يف قرطاجة كما يتجلى ذلك من خبلؿ بعض النصػوص القددية‪ .‬ففي سنػة ‪ 431‬ؽ‪.‬ـ‪ .‬فاجأ‬
‫خيالة جيلػوف (‪ )Gélon‬ىاملكػار ا‪٤‬بػاغونػي (‪ )le Magonide Hamilcar‬وقتلوه خبلؿ إقامتو الذبائح‬
‫لپوصيدوف يف ىيمّبا‪ .5‬ويف سنة ‪ 414‬ؽ‪.‬ـ‪ .‬ضحى البونيوف بطفل لكرونوس وبعدد كبّب من ا‪٢‬بيوانات لپوصيدوف‪،‬‬
‫معلنْب بذلك بداية حصارىم ألغريغينطي‪ .)Agrigente( 6‬وبعد مرور حوارل قرنْب على ذلك‪ ،‬يف سنة ‪ 511‬ؽ‪.‬ـ‪.‬‬
‫‪٤‬با ‪ٙ‬بالف ىانيباؿ مع فليب ‪ V‬ا‪٤‬بقدو‪،‬ي وأدى القسم أثناء ىذا التحالف‪ ،‬فإنو اختار پوصيدوف مع سبعة آ‪٥‬بة أخرى‬
‫كشاىد على قسمو وضامن للتحالف‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- MONTAGNE (R.), Les marins indigènes de la zone française du Maroc, Hespéris, III, 1923, p. 202.‬‬
‫‪ٔ -2‬فٍٗ‪ 196 .ْ :‬؛ ‪ٚ‬أظه ‪ :‬اٌؽٍٓ تٓ ِؽّك اٌ‪ٛ‬واْ‪ ،‬وصف إفشَقُا‪ ،‬ض ‪ٛ٠ٚ )...( ": 114 .ْ ، 1‬ظك ف‪ ٟ‬ـانض ِاٌح ػٍ‪ِ ٝ‬ا‪ٚ‬ئ اٌثؽه ٍِعك ‪٠‬مكٌٗ‬
‫إٌاي وص‪١‬ها (‪٠ٚ )...‬ماي ا‪ٙ٠‬ا أْ إٌث‪( ًٔٛ٠ ٟ‬ػٍ‪ ٗ١‬اٌٍالَ) ٌّا اٌرمّٗ اٌؽ‪ٛ‬خ ٔثم تاٌؼهاء ف‪ٌ ٟ‬اؼً ِاٌح‪ٚ ،‬ظّ‪١‬غ اٌؼ‪ٛ‬انٖ اٌر‪ ٟ‬ذؽًّ ٌمف ٘ما اٌٍّعك ِٓ‬
‫ػظاَ ٌّه اٌثٍ‪ٚ .)...( ،ٓ١‬ذؽى‪ ٟ‬اٌؼاِح أٗ ِا ِهخ ٌّىح ِٓ ٘ما إٌ‪ٛ‬ع تمهب اٌٍّعك إال ِاذد تٍثة اٌثهوح اٌر‪ِٕ ٟ‬ؽ‪ٙ‬ا هللا ٌ‪ٙ‬ما اٌٍّعك (‪.")...‬‬
‫‪ -3‬ناظغ سحهح سكىالكس‪:112 ،‬‬
‫‪DESANGES (J.), Recherches sur l’activité des Méditerranéens aux confins de l’Afrique (VI è S. av. J.-C. – IV è S.‬‬
‫‪ap. J.-C.), Paris 1978, pp. 412- 414.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-LUQUET (A.), Contribution à l’Atlas archéologique du Maroc : Le Maroc punique, B.A.M., IX, 1973-1975, p. 290.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-DIODORE, XI, 21 : « Amilcar se trouvait alors dans le camp de l'armée navale, et se disposait à offrir un pompeux‬‬
‫‪sacrifice à Neptune, lorsqu'un détachement de cavaliers amena à Gélon un messager porteur de lettres de la part des‬‬
‫‪Sélinontins. Il y était écrit que les Sélinontins enverraient à Amilcar la cavalerie qu'il leur avait demandée, et qu'elle‬‬
‫‪arriverait au jour qu'il avait lui-même indiqué : or, ce jour était précisément celui où Amilcar allait offrir le sacrifice...».‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-DIODORE, XIII, 86 : « Il [Imilcar] offrit ensuite des sacrifices aux dieux selon la coutume de son pays ; c'est-à-dire‬‬
‫» ‪en immolant un enfant à Saturne et en jetant un grand nombre de victimes dans la mer en l'honneur de Neptune.‬‬
‫‪7 -POLYBE, VII, 2, 2 : « (2) nous concluons cette alliance en présence de Jupiter, de Junon, d'Apollon, ainsi que du‬‬
‫‪dieu suprême des Carthaginois, d'Hercule, et d'Iolaûs; en présence de Mars, de Triton, de Neptune ; … ».‬‬

‫‪6‬‬
‫وبالرغم من ا‪٤‬بكانة الرفيعة الٍب حظي هبا ىذا اإللو يف أوساط البونيْب ودوامها على مر العصور كما رأينا‪ ،‬فإننا‬
‫‪٪‬بهل الػكػثػيػر عنو فيما يػتعػلق بالكػيػفػيػة الٍب تصوره هبا القرطاجػيػوف وفيما خيػ ص اس ػم ػو األصػلي بال ػسػامػيػة وك ػذا أص ػلػو‬
‫ا‪٢‬بقيقي‪ .‬وحسب فيلوف البيبلوسي‪ )Philon de Byblos( 1‬فإف ىذا اإللو كاف كبّب آ‪٥‬بة بّبوت‪.)Berytos( 2‬‬
‫وكاف الصيدونيوف (‪ )Sidoniens‬قبل الصوريْب (‪ )Tyriens‬قد عبدوا إ‪٥‬با كاف يعترب كبّب آ‪٥‬بة البحر‪ ،‬وىو‬
‫يشبو إذل حد بعيد إلو القرطاجيْب ىذا (پوصيدوف)‪ .3‬وبانتقالو من صور إذل مشاؿ افريقيا حيث سعى پوصيدوف لتحويل‬
‫عبادة البونيْب لصا‪٢‬بو بسرعة‪ ،‬عمل ىذا اإللو على خ ص نفسو ٗبجموعة من ا‪٣‬باصيات الٍب كاف يتميز هبا أحد اآل‪٥‬بة‬
‫احمللية الذي كاف يشاهبو أكثر من غّبه‪ ،‬إذل درجة أف ىّبودوت اعتقد أف پوصيدوف إ‪٥‬با بو‪،‬ي األصل‪ .4‬وكاف غزيل قد‬
‫دحض قوؿ ىّبدوت ىذا‪.5‬‬
‫وحسب كركبينو‪ ،)J. Carcopino(6‬ليست ىذه ىي ا‪٤‬برة األوذل الٍب تتجلى فيها مرونة البونيْب يف ا‪٤‬بيداف‬
‫الديِب حيث أظهر ىؤالء يف مشاؿ إفريقيا قابلية للتأثر ال يستهاف هبا‪ .‬فسواء بالنسبة إل‪٠‬بيهما أو خاصياهتما فإف كبّبي‬
‫آ‪٥‬بة ‪٦‬بمع اآل‪٥‬بة القرطاجي تانيت‪-‬پيِب‪-‬بعل (‪ )Tanit -Pené-Baal‬وبعل ‪ٞ‬بوف قد ألفا ‪-‬دوف شك‪ -‬بْب‬
‫عناصر تنتمي إذل ا‪٤‬بعتقدات الليبية وأخرى ترتبط بالديانة الفينيقية‪.‬‬
‫فليس غريبا أف يكوف حنوف قد وجد يف غرب ا‪٤‬بغرب ذلك الپوصيدوف احمللي الذي كاف السّبينيوف‬
‫(‪ )Cyrénéens‬قد أطلعوا ىّبودوت على وجوده يف شواطئ سّبت (‪ ،)Syrtes‬ىذا اإللو الذي قد يكوف ‪ٛ‬بكن‬
‫فيما بعد من فرض عبادتو على ليبيا بأسرىا والذي حاوؿ حنوف‪ٛ ،‬بشيا مع سياسة قرطاجة التقليدية يف ىذا ا‪٤‬بيداف‪ ،‬أف‬
‫يكسب وده وود عابديو بتكريسو ذلك ا‪٥‬بيكل الذي حدثنا عنو يف الرحلة‪.‬‬
‫وسواء كاف رسو حنوف ونزولو يف رأس كنطاف من أجل إظهار تقواه جهارا‪ ،‬وإعبلف خضوعو لپوصيدوف اللييب‬
‫الذي كاف يعبد يف ىذه األصقاع منذ العهود الغابرة‪ ،‬وىو خضوع وتقوى من شأهنا طمأنة األىارل وإفراحهم‪ ،‬أو كاف‬
‫نزولو قصد نشر ديانة أجداده البونية وعبادة اإللو سيد البحر‪ ،‬فإف ىذا العمل ما كاف حنوف لينجزه لو دل يهيئ الفينيقيوف‬
‫ا‪٤‬بيداف من قبلو‪ ،‬وىم السابقوف إذل ىذه األراضي ومكتشفوىا األوائل‪ .‬ففي ا‪٢‬بالة األوذل سيكوف ا‪٤‬بعمروف الفينيقيوف‪،‬‬
‫وىم بنو عم حنوف ا‪٤‬بتكلموف لغتو وا‪٤‬بتدينوف بديانتو‪ ،‬ىم الذين أطلعوا قائد الرحلة على خاصيات پوصيدوف وقدراتو‬
‫وكذا التقوى الٍب كانت ‪ٚ‬بصو هبا القبائل يف ىذه الناحية‪ ،‬كما قد يكوف ىؤالء ا‪٤‬بعمروف ىم الذين أجروا االتصاالت‬
‫األولية الضرورية مع األىارل قبل قياـ حنوف بتكريسو ا‪٥‬بيكل ا‪٤‬بذكور‪ .‬ويف ا‪٢‬بالة الثانية سيكوف الفينيقيوف أيضا‪ٕ ،‬بكم‬
‫النفوذ الذي مارسوه على األىارل‪ ،‬ىم الذين ساعدوا حنوف خبلؿ تشييده للهيكل وحافظوا على بنائو فيما بعد‪ .‬مث إنو‬

‫‪ِ -1‬ؤنؾ ػاَ ف‪ ٟ‬اٌمهْ اٌصأ‪ّٔٚ ٟ‬ه تاإلغه‪٠‬م‪١‬ح وراب "انتاسَخ انفُُُقٍ" اٌم‪ ٞ‬وػُ أٔٗ ذهظّح ٌّؤٌف اٌّؤنؾ اٌف‪١ٕ١‬م‪ٌ ٟ‬أى‪١ٔٛ‬ا‪ٌٚ .ْٛٚ‬مك ظّغ ِ‪ٌٛ‬ه ِا‬
‫ذثم‪ ِٓ ٝ‬فمهاخ ٘ما اٌىراب ف‪ ٟ‬اٌعىء اٌصاٌس ِٓ ِؤٌفٗ ‪:‬‬
‫‪Fragm. Histor. Græc., Paris, t. III, 1849.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-PHILON DE BYBLOS, II, 25 ; in : GSELL (St.), H.A.A.N., IV, p. 337.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-HESYCHIUS, in : GSELL (St.), H.A.A.N., IV, p. 337.‬‬
‫‪١٘ -4‬ه‪ٚ‬ق‪ٚ‬خ‪ )...(": 50 ، II ،‬اٌٍ‪١‬ث‪ ُ٘ ْٛ١‬اٌم‪ ٓ٠‬ػهف‪ٛ‬ا اإلغه‪٠‬ك تث‪١ٔٛ‬ك‪ٚ ،ْٚ‬اٌٍ‪١‬ث‪ٚ ْٛ١‬ؼكُ٘ أ‪ٍٚ‬م‪ٛ‬ا اٌُ ت‪١ٔٛ‬ك‪ٚ ْٚ‬ػثك‪ٚ‬ا ٘ما اإلٌٗ قائّا (‪.")...‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- GSELL (St.), Hérodote, Alger 1915, p. 159 ; 188.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-CARCOPINO (J.), Le Maroc antique, Paris 1943, pp. 92-95.‬‬

‫‪7‬‬
‫فيما عدا الفينيقيْب‪ ،‬دل يكن األىارل قادرين على تزويد حنوف ٗبا احتاجتو ىذه العملية من مواد بناء ومهندس و‪٫‬باتْب‬
‫زوقوا ا‪٤‬بعبد حسب ا‪٤‬بزعوـ سكوالكس بصور اآلدميْب واألسود والدنافيل‪ .‬وىؤالء ا‪٤‬بعمروف الفينيقيوف ىم الذين قد‬
‫يكونوا ‪ٛ‬بكنوا من فرض احَباـ ىيكل پوصيدوف الذي أصبح األىارل يقدسونو وحيجوف إليو زرافات لتقدمي الذبائح‪ ،‬وصار‬
‫موضعو بعد مرور مائة عاـ مكانا مقدسا ذاع صيتو يف الببلد‪.‬‬
‫فتأسيس حنوف ىيكبل لپوصيدوف فوؽ شناخ صولوييس يعترب من بْب الدالئل الٍب تشّب إذل ا‪٤‬بساعدة الٍب‬
‫أسداىا الفينيقيوف إذل قائد الرحلة خبلؿ تنفيذ خطتو يف ا‪٤‬بغرب ؛ كما يشّب تأسيس ىذا ا‪٥‬بيكل إذل وجود قدمي ‪٤‬بواطِب‬
‫حنوف يف ىذه األصقاع‪.‬‬
‫ويرى كركبينو‪ 1‬أنو إذا كانت آثار معبد بوصيدوف قد زالت ‪ٛ‬باما‪ ،‬فإف بعض آثار الطقوس الٍب رٗبا كاف األىارل‬
‫يقوموف هبا يف ذلك العصر تقربا من اإللو الذي طوع الفرس والبحر دل تنمح كليا‪ ،‬كما افَبض ذلك مارسي‬
‫‪ .)Marcy(2‬فلقد أشار ىذا األخّب إذل ما كاف يقوـ بو سكاف ىذه الناحية من بعض األمازيغ الذين اعتنقوا اإلسبلـ‪،‬‬
‫والذين استمروا يف ‪٩‬بارسة بعض العادات الضاربة جذورىا يف التاريخ‪ ،‬والٍب كانت تقضي بقيادة أحجار خيلهم العقائم‬
‫خبلؿ بعض ليارل السنة إذل رأس كنطاف‪ ،‬آملْب أف ‪ٚ‬بصبها فحوؿ كردية وعجيبة تطلع بغتة من أعماؽ البحر‪ .‬وخيل ص‬
‫كركبينو إذل القوؿ بأف عمل حنوف ىذا ال ديكن تصور إ‪٪‬بازه و‪٪‬باحو إال إذا افَبضنا أف عملية البناء كانت مسبوقة دوف‬
‫أدىن شك ٗبرحلة ‪ٙ‬بضّب ىيأ خبل‪٥‬با ا‪٤‬بعمروف الفينيقيوف يف أ‪٫‬باء صولوييس الظروؼ ا‪٤‬بناسبة لضماف ‪٪‬باح مشروع حنوف‬
‫ٖبصوص ا‪٤‬بعبد ا‪٤‬بكرس لپوصيدوف‪.‬‬
‫فإذا ما ‪٧‬بصنا ن ص الرحلة فهمنا أف الفينيقيْب كانوا قد سبقوا حنوف إذل اكتشاؼ ساحل ا‪٤‬بغرب األطلنطكي‬
‫حيث أسسوا مستعمرات أقدـ من تلك الٍب حيدثنا عنها حنوف‪ .‬وىكذا فإذا تطرؽ الن ص ‪٤‬بستعمرات حنوف ثبلث مرات‪،‬‬
‫يف الفقرات الثانية وا‪٣‬بامسة والثامنة‪ ،‬فإنو ال يستعمل نفس الفعل للداللة على تأسيسها‪ .‬فبالنسبة لتيمياطّبيا يف الفقرة‬
‫الثانية استعمل صاحب الن ص ا‪٤‬باضي ‪« εχτίσμεν‬أسسنا» الذي يعكس فكرة التأسيس انطبلقا من ال شيء ؛‬
‫بينما ‪٪‬بده يف الفقرتْب ا‪٣‬بامسة حيث يعد مستعمرات كركوف طيكوس (‪ )Karikon Teichos‬وغويت(‪)Guttè‬‬
‫وأكرا (‪ )Akra‬ومليطا (‪ )Melitta‬وأرمبيس (‪ )Arambys‬؛ والثامنة حيث حيدثنا عن كّب‪،‬ي يستعمل ا‪٤‬باضي‬
‫‪ٗ χατψχισμεν‬بعُب «تركنا وراءنا معمرين جدد»‪ ،‬الشيء الذي يعِب أف األمر يتعلق بإنزاؿ معمرين قدموا مباشرة من‬
‫قرطاجة لتعزيز ا‪١‬باليات القددية الٍب عمرت ا‪٤‬بستعمرات ا‪٤‬بذكورة‪ .‬أما فيما خي ص تيمياطّبيا (‪ )Thymiatèria‬الٍب‬
‫تطابق ا‪٤‬بهدية‪ ،3‬على مصب هنر سبو‪ ،‬والٍب قدـ إليها حنوف مباشرة من عمودي ىرقل بعد يومْب من اإلٕبار‪ ،‬فإف‬
‫القائد القرطاجي أسس فوؽ موضعها مستعمرة جديدة وأنزؿ فيها معمرين ألوؿ مرة ‪ .εχτίσμεν‬وحسب‬
‫مارسي(‪ ،4)G. Marcy‬فإف حنوف أطلق على ىذه ا‪٤‬بستعمرة االسم الذي كاف األىارل يف ىذه األصقاع ينعتوف بو‬

‫‪ٔ -1‬فٍٗ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-MARCY (G.), Notes linguistiques autour du périple d’Hannon, Hespéris, XX, 1953, p. 40.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- CARCOPINO (J.), Le Maroc antique, p. 95.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- MARCY (G.), Notes linguistiques autour du périple d’Hannon, p. 35.‬‬

‫‪8‬‬
‫ا‪٤‬بوضع الذي أسست فوقو تيمياطّبيا والذي يعِب بالليبية منفذ مصب (‪ )tumia‬الوادي (‪ .)tarya‬وكاف اإلغريق قد‬
‫ر‪٠‬بوا ىذا االسم ٕبروؼ لغتهم‪ ،‬فحصل بالصدفة جناس تاـ بْب اال‪٠‬بْب‪ ،‬وأضحى اسم ىذه ا‪٤‬بستعمرة يعِب يف اللغة‬
‫اإلغريقية «ا‪٤‬بباخر»‪ ،‬أي (‪ .)Thymiatèria‬ولقد الحظ كركبينو‪ 1‬أف رحلة حنوف تذكر تيمياطّبيوف وليس‬
‫تيمياطّبيا‪ ،‬إال أف ىذا االسم يف صيغتو الثانية قد ورد عند ا‪٤‬بنتحل اسم سكوالكس (الفقرة ‪ )115‬لتسمية ا‪٤‬بستعمرة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫‪ -5‬أولياء الشواطئ المغربية تحل محل آلهة البحر ‪:‬‬


‫يرى برونو‪ )L. Brunot( 2‬أف آ‪٥‬بة الشاطئ قد اختفت شيئا فشيئا يف معتقدات العامة الٍب عوضتها بقباب‬
‫األولياء‪ .‬واستشهد برونو ٗبا كتبو دوطي (‪ )M. Doutté‬يف مؤلفو "اإلسالم الجزائري"‪ ...«: 3‬من ا‪٤‬بعلوـ أف‬
‫الشعوب ال تغّب ديانتها بشكل مفاجئ‪ ...‬ولكنها تعمل على التوفيق بْب معتقداهتا القددية وديانتها ا‪١‬بديدة‪ »...‬؛ وىذا‬
‫ما ينطبق‪ ،‬حسب برونو‪ ،‬على أولياء الشواطئ ا‪٤‬بغربية الذين تسميهم العامة «رجاؿ السواحل»‪ ،‬والذين يستنجد هبم‬
‫كلما استدعى األمر ذلك‪.‬‬
‫وديثل الرگراگة منوذج األولياء األكثر تقديسا يف ببلد الشياظمة‪ ،‬وىم يف اعتقاد العامة نسل األنصار الذين‬
‫كلفهم الرسوؿ بنشر اإلسبلـ يف منطقة الشياظمة‪ ،‬و‪ٞ‬باة الصيادين يف الساحل ا‪٤‬بمتد من ا‪١‬بديدة إذل إفِب‪ .‬ولقد الحظ‬
‫ريكار‪ )P. Ricard( 4‬أف قباب أضرحتهم ضخمة وأف تقديس العامة ‪٥‬بم يف ىذه الشواطئ األطلنطكية‪ ،‬أقدـ بكثّب‬
‫من أسطورة رگراكة نفسها‪.‬‬
‫ويبدو أف تقديس العامة ألوليائها و‪٤‬بدافنهم يف بعض ا‪٤‬بناطق الساحلية األطلنطكية ال يضاىيو إال تقديس العابد‬
‫‪٤‬بعبوده‪ ،‬وأف ىذا الغلو يعكس على األرجح العبلقة الٍب كانت تربط سكاف ا‪٤‬بنطقة بالبحر واآل‪٥‬بة الٍب ٘بسده‪.‬‬
‫ولقد أورد عبد القادر مانا يف كتابو حوؿ "رگراكة" (بالفرنسية) ا‪٢‬بوار الذي دار بينو وبْب ا‪١‬بماؿ ‪:‬‬
‫«‪ -‬أنوي مصاحبتكم [يف طوافكم] ىذه السنة‪.‬‬
‫‪ -‬بارؾ اهلل فيك‪ .‬لقد تعرفت على رجل كاف ينوي ا‪٢‬بج إذل مكة‪ .‬ورأى يف منامو ولياً يأمره بأف يصاحب رگراگة يف‬
‫طوافهم‪ ،‬فهذا الطواؼ ىو «حج ا‪٤‬بسكْب»‪ .‬وجبل ا‪٢‬بديد‪ ،‬حيث يوجد سلطاف رگراگة‪ ،‬يضاىي جبل عرفات‪.»...‬‬
‫فزيارة األولياء السبعة الذين تتخلل قباهبم طواؼ رگراگة السنوي قبل ا‪٢‬بج إذل مكة‪ ،‬تلخ ص ا‪٤‬بثل السائر ‪« :‬إف‬
‫‪1‬‬
‫‪- CARCOPINO (J.), Le Maroc antique, p. 95, n. 2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 13.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- DOUTTE (Ed.), L’islam algérien en l’an 1900, Alger, 1900, p. 39 : « C’est un fait bien commun que les peuples ne‬‬
‫‪changent pas brusquement de religion ; lorsqu’un réformateur se lève, qui leur apporte un nouveau crédo, ils adaptent‬‬
‫‪seulement de leur mieux leurs anciens cultes à cette nouvelle croyance… ».‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Maroc, par P. RICARD ; Coll. « Les Guides bleus », Paris, Hachette, 1950, p. 192 ; MANA (A.), Les Regraga ; La‬‬
‫‪fiancée de l’eau et les gens de la caverne, Casablanca 1988, p. 84 :‬‬
‫"(‪ٌ )...‬مٌه ذرُ و‪٠‬انج لثح "ِ‪ ٌٝٛ‬ق‪ٚ‬ن‪ِ "ٓ٠‬هذ‪ ،ٓ١‬ل٘اتا إٌ‪ ٝ‬إٌ‪٠ٛ‬هج ‪ٚ‬نظ‪ٛ‬ػا ِٕ‪ٙ‬ا‪ٚ...‬تؼك ِ‪ٛ‬خ ٘ما اٌ‪ّٔ ٌٟٛ‬ة ـالف ت‪ ٓ١‬اٌمثائً اٌؼهت‪١‬ح ‪ٚ‬اٌثهته‪٠‬ح ؼ‪ٛ‬ي‬
‫ِٓ ‪٠‬هز لـائهٖ‪ .‬ففًٕ اٌ‪ ٌٟٛ‬ف‪ ٟ‬إٌّاَ ت‪ ٓ١‬اٌفه‪٠‬م‪ ٓ١‬تئ٘كاء لـائهٖ ٌٍثهته ‪ٚ‬ظصرٗ ٌٍؼهب اٌم‪١ِ ٓ٠‬ك‪ٚ‬ا ٌٗ لثح ِم٘ثح تع‪ٛ‬ان اٌّؽ‪ ٛ١‬؛ ف‪ ٌٟٚ ٛٙ‬اٌثؽانج ألٔٗ‬
‫‪٠‬عؼً اٌثؽه وص‪١‬ه اٌٍّه (‪ ")...‬؛ ‪ٚ‬ناظغ ‪ :‬انتشىف إنً سجال انتصىف‪ ،‬ذؽم‪١‬ك أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬اٌكان اٌث‪ٙ١‬اء ‪ ، 86 .ْ ،1984‬اٌ‪ٙ‬اُِ ‪ 13‬؛ ْ‪.‬‬
‫‪ 127‬؛ ‪ 243‬؛ ‪ 267‬؛ ‪ 350‬؛ ‪ 356‬؛ ‪.419‬‬

‫‪9‬‬
‫الرب ينمحي أماـ أوليائو»‪.1‬‬
‫وكاف عادل االجتماع األ‪٤‬با‪،‬ي ويرب (‪ )M. Weber‬قد ذكر يف أشهر كتاب لو صدر بعد موتو سنة ‪1251‬‬
‫"االقتصاد والمجتمع"‪ ،‬أنو «‪٤‬با تقوـ قوة كهنوتية بالقضاء على عبادة ما‪ ،‬فإف اآل‪٥‬بة القدامى تستمر يف الوجود‬
‫كشياطْب‪2»...‬؛ أو أولياء !‬
‫والحظ الوسط‪ )E. Laoust( 3‬يف بداية العشرينيات من القرف ا‪٤‬باضي أف الصيادين يف نواحي أگادير ‪-‬‬
‫كما ىو الشأف يف باقي شواطئ احمليط األطلنطكي ‪ -‬كانوا يضعوف أنفسهم ‪ٙ‬بت ‪ٞ‬باية أولياء الشاطئ الذين ديكنوهنم‪،‬‬
‫حسب اعتقاد األىارل‪ ،‬من الصيد بوفرة‪ ،‬ويقوهنم من األخطار يف البحر‪ .‬وكاف صيادو أگادير يتقربوف إذل سيدي عبد‬
‫اهلل أو‪٢‬باج الذي تشرؼ قبتو على البحر‪ ،‬وخيصصوف جزءا من صيدىم لصيانة ضريح الورل ا‪٤‬بذكور حيث يذٕبوف‬
‫األضاحي يف شهر ماي من كل سنة‪.‬‬
‫وكاف سكاف سبل أيضا يقدموف األضاحي للبحر قصد إرضائو وخاصة عند ىيجانو‪ .‬فلقد ذكر برونو‪ 4‬أنو ‪٤‬با‬
‫يهيج البحر ‪٤‬بدة طويلة وحيوؿ دوف عمل البحارة‪ ،‬فإف ىؤالء حياولوف هتدئتو ويشَبوف ‪٥‬بذا الغرض تيسا أسودا يقوـ‬
‫"رايس ا‪٤‬برسى" بنحره على شاطئ البحر مرددا عبارة «العار عليكم آ رجاؿ السواحل» ؛ وما يقصد برجاؿ السواحل إال‬
‫عفاريت البحر حسب برونو‪ .‬مث ترمى األضحية يف البحر‪ ،‬ويستأنف الرايس عملية التبخّب على طوؿ الساحل‪.‬‬
‫ويعترب دوطي (‪ )Doutté5‬أف الذبيحة ما ىي إال وسيلة يهدؼ هبا ا‪٤‬بضحي االتصاؿ بالكائن ا‪٤‬بقدس‪ ،‬وأف‬
‫األىارل يعتقدوف يف قرارة أنفسهم أف األضحية تقاـ إللو ‪٦‬بسد يف البحر‪ ،‬وأف ىذا األخّب يقبلها ويأكلها‪.‬‬
‫والذبيحة حسب (‪ ،)S. Reinach‬كما ذكر برونو‪ 6‬ذلك‪ ،‬ىي مركز كل العبادات والرابطة األساسية بْب‬
‫اإلنساف واإللو‪ .‬أدل يقل ىزيود أف ا‪٥‬بدايا واألضاحي ترضي اآل‪٥‬بة وا‪٤‬بلوؾ‪! 7‬‬
‫ولقد ا‪٧‬بى تأثّب اآل‪٥‬بة القددية الٍب خصت بالعبادة يف ا‪٤‬بناطق الساحلية ا‪٤‬بغربية تدرجييا‪ ،‬وحل ‪٧‬بلها األولياء‬
‫ومزاراهتم يف معتقدات العامة‪ .‬ويطلق سكاف شواطئ الرباط وسبل على ىؤالء األولياء ا‪٤‬بدفونْب على شاطئ البحر "رجاؿ‬
‫السواحل"‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬ويستغيثوف هبم أو يتوسلوف إليهم ‪ٝ‬باعة‪ ،‬فهم الذين يقوهنم من البحر‪ .‬وتوجد قباب ىؤالء‬
‫األولياء عادة يف أماكن مرتفعة‪ ،‬إما فوؽ جرؼ كما ىو ا‪٢‬باؿ بالنسبة لقرب سيدي ا‪ٞ‬بد بن عاشر يف شاطئ سبل‪ ،‬أو‬
‫تشرؼ على وادي أيب رقراؽ بالنسبة لسيدي ‪٨‬بلوؼ مثبل‪ ...‬فهم كنظرائهم يف ا‪٤‬بناطق الداخلية من الببلد‪ ،‬يشرفوف من‬
‫قبورىم النائفة على ا‪٤‬بناطق الٍب حيموهنا‪ .‬ولقد كانت ىذه ا‪٤‬بمارسة سائدة يف ا‪٢‬بضارات القددية حيث كاف البحارة‬

‫‪1‬‬
‫‪- MANA (A ,), Les Regraga , p. 38.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-WEBER (M.), Economie et société, Ed. Plon, p. 449.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-LAOUST (E.), Pêcheurs berbères du Sous, Hespéris, III, 1923, p. 247.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 6-15.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- DOUTTE (Ed.), Magie et religion dans l’Afrique du Nord, op. cit. p. 453 : « … Nous venons de définir le sacrifice :‬‬
‫‪c’est le moyen d’entrer en communication avec le divin par l’intermédiaire d’un être vivant qui est détruit au cours de‬‬
‫‪la cérémonie ».‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 6-15.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- HESIODE, Fragment LXXXVIII : « Les présents persuadent les dieux, les présents persuadent les rois vénérables.‬‬
‫‪(Suidas in Dôra.) ».‬‬

‫‪10‬‬
‫األولوف يتوسلوف إذل آ‪٥‬بة البحر ويقيموف ‪٥‬با ا‪٥‬بياكل فوؽ أماكن مرتفعة تنيف على البحر‪ ،‬وخاصة يف ا‪٤‬بناطق ا‪٤‬بعروفة‬
‫ٖبطورهتا وصعوبة ا‪٤‬ببلحة فيها‪ .‬ويرى دوطي يف كتابو "اإلسالم الجزائري"‪ ،‬أف قباب ىؤالء األولياء قد بنيت عامة فوؽ‬
‫ا‪٤‬بواضع الٍب أقاـ فيها األقدموف ىياكلهم الوثنية‪.1‬‬
‫وحسب برونو‪ ،2‬فإف مزارات األولياء يف شاطئ سبل توجد فوؽ مواضع اعتربت مقدسة منذ غابر األزمنة‪ ،‬وإف‬
‫قدسوف إال لكوف قبورىم‬ ‫الشعوب تتعبد دائما يف نفس األماكن‪ .‬وىؤالء األولياء ليسوا ببحارة وال بقراصنة قدامى‪ ،‬وال ي َّ‬
‫توجد على الشاطئ‪ .‬وجيهل األىارل تارخيهم ا‪٢‬بقيقي‪ ،‬كما جيهلوف معظم أساطّبىم‪ ،‬لكن ذلك دل دينعهم من االستمرار‬
‫يف تقديسهم‪.‬‬
‫ويروي برونو‪ٖ 3‬بصوص سيدي ا‪٢‬باج عبد اهلل اليابوري أف البحارة ‪٤‬با ديروف بفلكهم يف البحر أماـ قربه‬
‫يصيحوف‪" :‬وسع اهلل "‪ ،‬شأهنم شأف ٕبارة العصر القدمي الذين كانوا كلما مروا أماـ معبد من معابد اآل‪٥‬بة القددية إال‬
‫وصاحوا بأ‪٠‬بائها‪ .‬ويرى ىذا الباحث أف اإلسبلـ صبغ ىذه العادة الوثنية بصبغة أخرى‪ ،‬وأف البحار السبلوي ‪٤‬با يصيح‬
‫صيحتو ا‪٤‬بذكورة يسمي اهلل ولكنو يقصد يف قرارة نفسو الورل اليابوري‪ .‬كما يتوسل إذل ىذا الورل أيضا وبصفة خاصة‬
‫ليسكن البحر عند ىيجانو‪.‬‬
‫وذكر جورل‪ )Joly( 4‬يف ٕبثو حوؿ "الصناعة يف تطواف" دور ا‪٤‬بزارات الساحلية يف توفّب ا‪٢‬بماية للمبلحْب‬
‫كلما توقفوا خبلؿ أسفارىم البحرية‪ٕ ،‬بيث يعترب ا‪٤‬بزار مكانا آمنا لقضاء الليل يف شاطئ يتمتع ٕبماية الورل‪ .‬وكل‬
‫شاطئ كاف لو ورل حيميو‪.‬‬
‫والواقع أف ظاىرة االعتقاد يف األولياء "أىل اإلغاثة"‪ ،‬والتقرب إذل البحر كمصدر للعجائب واألخطار كانت من‬
‫الظواىر الراسخة يف عقلية ا‪٤‬بغاربة ا‪١‬بماعية‪ ،‬سواء يف ا‪٤‬بناطق الساحلية أو يف داخل الببلد‪ ،‬كفاس مثبل‪.‬‬
‫ومن أغرب ما قرأت يف "الترجمانة الكبرى" أليب القاسم الزيا‪،‬ي‪ ،‬وصفو لرحلتو البحرية سنة ‪ 1511‬ىػ من‬
‫الصويرة إذل اصطنبوؿ‪ ،‬وكيف ىاج البحر وأوشك الزيا‪،‬ي ومن معو على ا‪٥‬ببلؾ ؛ كما وصف لنا موقف "الباشدور"‬
‫العثما‪،‬ي إ‪٠‬باعيل أفندي العدائي من ا‪٤‬بغرب وسلطانو‪ ،‬وهتديد الزيا‪،‬ي للسفّب الَبكي بذٕبو تقربا للبحر !‬
‫«(‪ )...‬و‪٤‬با دخلنا جزر بر الَبؾ استأنس ىذا الباشدور‪ ،‬وسرح لسانو بالشتم يف دولة ا‪٤‬بغرب وأىلو وىو‬
‫يسمعِب ذلك‪ ،‬فواعظتو ا‪٤‬برة بعد ا‪٤‬برة وهنيتو فلم يرجع عن فعلو واستمر على ذلك إذل أف أ‪١‬بأنا البحر وأىوالو إذل مرسى‬
‫الشيشمة وأشرفنا على ا‪٤‬بهالك وايسنا من ا‪٢‬بياة وا‪٤‬بركب مشرؼ على التلف بكلنا‪ ،‬وىو يسب أمّب ا‪٤‬بؤمنْب ويدعو عليو‪،‬‬
‫فقمت إليو وأخذت بلحيتو وقبضو خدامي وىو يصيح‪ ،‬فقلت واهلل يا ملعوف ألتقرب بذٕبك قبل ا‪٤‬بوت‪ ،‬وجاء الرئيس‬

‫‪1‬‬
‫‪- DOUTTE (Ed.), L’islam algérien, op. cit., p. 103 : « Les peuples, …, ont presque toujours prié aux mêmes lieux et‬‬
‫‪cela se vérifie aussi bien dans l’Islam algérien que dans toute autre religion. Les sanctuaires musulmans occupent pour‬‬
‫‪la plupart des places que d’autres sanctuaires avaient occupés avant eux : actuellement ces sanctuaires sont tous en‬‬
‫‪principe des tombes des marabouts, où l’on vient solliciter l’intercession du saint …».‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 6-15.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Idem, Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- JOLY (A.), L’Industrie à Tétouan (suite) ; L- Métiers et industries de la mer, Archives Marocaines, XVIII, 1912, p.‬‬
‫‪234.‬‬

‫‪11‬‬
‫وأعوانو فرغبو‪،‬ي فيو وسرحوه من يدي‪ ،‬وخلصنا من تلك الورطة ودخلنا ا‪٤‬برسة وأرسينا هبا(‪.1»)...‬‬
‫وإذا كاف الزيا‪،‬ي قد أوشك أف يتقرب للبحر بذبح آدمي ! ويعكس ذلك ما يعكسو من تصور ا‪٤‬بغريب وموقفو‬
‫٘باه البحر‪ ،‬فإف بعض ا‪٤‬بؤلفات ا‪٤‬بغربية تؤكد ما رأيناه ٖبصوص تقديس العامة لؤلولياء أىل اإلغاثة‪ .‬فلقد وردت يف ىذه‬
‫الكتب أ‪٠‬باء بعضهم‪ ،‬ووصفت تصرفاهتم وأعما‪٥‬بم يف حاالت معينة تطلبت تدخلهم للنصح أو اإلنقاذ أو ا‪٤‬بساعدة‪.‬‬
‫فهذا العادل والفقيو واألديب اليوسي يروي لنا يف ا‪١‬بزء األوؿ من "المحاضرات" خروجو من فاس «لزيارة‬
‫صلحاء الساحل» سنة ‪1102‬ىػ‪.‬‬
‫«‪ ...‬فلما انتهينا إذل مقاـ الشيخ أيب سلهاـ جلسنا على شاطئ البحر ‪:‬‬
‫مػن نعيم الفردوس نفػحة لطف‬ ‫فػي عػش ػي ك ػأن ػمػا اخػتػل ػسػت ػو‬
‫ػس وعلم أشهى اجتذاب وقطف‬ ‫قد قػطػفنا بو جػُب ج ػنػ ػتػي أن ػ ػ‬
‫بعػد ىجػر من ذي وداد وعطف‬ ‫وارتضعنا ألذ من ك ػأس وصػ ػل‬
‫ػد فػكاف منو لػذلك مطف»‪.2‬‬ ‫ولقد كاف يف ا‪٢‬بشا جذوة الوجػ‬

‫ومازاؿ موسم موالي بوسلهاـ يقاـ كل سنة يف فصل الصيف (يوليوز ‪ -‬غشت)‪ ،‬ويعترب من أىم ا‪٤‬بواسم الٍب‬
‫حيتفى هبا يف ىذه ا‪٤‬بنطقة الساحلية بْب العرائش والقنيطرة‪ .‬ويدخل بعض العامة خبلؿ ىذا ا‪٤‬بوسم إذل مغارة (مقدسة)‬
‫ٔبوار قرب موالي بوسلهاـ يعتقدوف أهنا ‪ٙ‬بتضن رفات يوسف ابن أرسطو ؟ وذي القرنْب‪ ،‬وديصوف حليمة عليا تقطر ماء‬
‫‪3‬‬
‫ما‪٢‬با‪...‬‬
‫كما وردت يف "المحاضرات" أخبار بعض أصحاب الكرامات يف الساحل األطلنطكي‪ ،‬وبالضبط يف سبل‬
‫الٍب حدثنا اليوسي عن وليها سيدي عبد اهلل بن حسوف وعن بعض كراماتو ا‪٤‬برتبطة با‪٤‬ببلحة والبحر ‪:‬‬
‫«وعن صلحاء سبل أف رجبل من رؤساء البحر جاء إذل سيدي علي أيب الشكاوي فشاوره على السفر يف البحر‬
‫فقاؿ لو ‪ :‬ال تفعل‪ ،‬وإف فعلت فبل تربح مالك وال نفسك‪ ،‬وخرج من عنده فأتى سيدي عبد اهلل بن حسوف فشاوره‬
‫فقاؿ لو ‪ :‬سافر تسلم وتغنم‪ .‬فسافر‪ ،‬فاتفق عند دخو‪٥‬بم البحر أف أسرىم الروـ فذىبوا هبم إذل أف لقوا بعض سفن‬
‫ا‪٤‬بسلمْب فوقع بينهم قتاؿ فظهر ا‪٤‬بسلموف‪ ،‬فاستمكن ىؤالء من سفينتهم الٍب أسرهتم فقبضوا عليها وغنموىا ورجعوا‬
‫سا‪٤‬بْب غامنْب‪ ،‬ومثل ىذا من أحوا‪٥‬بم كثّب»‪.4‬‬
‫ويذكرنا ىذا الن ص بوحي دلفي (‪ )l’oracle de Delphes‬حيث كاف اإلغريق القدامى يأتوف الستشارة‬
‫عرافتو (‪ )la Pythie‬الٍب توافق أو تعارض أو تبوح بكبلـ غّب مفهوـ ال ديكن تأويلو !‬
‫وأعطى القادري يف "نشر المثاني" بعض أ‪٠‬باء الصلحاء الذين اعتقد الناس يف كراماهتم ا‪٤‬برتبطة بالبحر‬

‫‪ - 1‬اٌى‪٠‬أ‪ ،ٟ‬انتشجًاَح انكثشي فٍ أخثاس انًعًىس تشا وتحشا‪ .‬ؼممٗ ‪ٚ‬ػٍك ػٍ‪ ٗ١‬ػثك اٌىه‪ ُ٠‬اٌف‪١‬الٌ‪ ،ٟ‬اٌهتا‪. 97 - 96 .ْ ْ ،1991 ٚ‬‬
‫‪ -2‬اٌ‪ ،ٌٟٛ١‬انًحاضشاخ فٍ األدب وانهغح‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ‪ِٚ‬هغ ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌّهلا‪ ٞٚ‬إلثاي‪ ،‬ض‪ ، 1‬ت‪١‬ه‪ٚ‬خ ‪. 214 . ْ ، 1982‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- SALMON (G.), Quelques légendes relatives à Mouley Bou Salham, Archives Marocaines, IV, n° 2-3, 1905, pp.‬‬
‫‪412-421 ; MAROC , par J. FAUVEL, coll. « les Guides bleus », Paris 1973, p. 120.‬‬
‫‪ -4‬اٌ‪ ،ٌٟٛ١‬إٌّكن اٌّمو‪ٛ‬ن‪.292 .ْ ،‬‬

‫‪12‬‬
‫وا‪٤‬ببلحة‪ ،‬كإبراىيم الصياد القصري الذي كاف «‪ ...‬من أىل اإلغاثة يف الرب والبحر‪ ،‬واألحواؿ العجيبة‪ ،‬واألسرار الغريبة‪،‬‬
‫وا‪١‬بذب القائم‪ ،‬والقلب ا‪٥‬بائم‪.1»...‬‬
‫«(‪ )...‬ومنهم الورل ا‪١‬بليل أبو ‪٧‬بمد سيدي عبد العزيز ا‪٤‬بدعو عزوز داهلل‪ )...( ،‬وكاف من أىل اإلغاثة‬
‫وا‪٢‬بظوة‪ ،‬ولو مكاشفات وكرامات‪ .)...( ،‬قاؿ عم والدنا حسبما رأيت ٖبطو ‪ :‬حدثِب بعض الفضبلء من أصحاب‬
‫الشيخ سيدي ‪٧‬بمد بن عبد اهلل معن أنو ذىب مرة إذل ببلد تطاوف بقصد التجارة‪ ،‬فنزؿ هبا دارا مع أناس هبا‪ ،‬فلما‬
‫حضر وقت األكل قدـ إليهم بعض الفاسيْب كاف ىناؾ مسافرا صحنا من الكسكس‪ ،‬وجعل يتحدث معهم وقاؿ ‪٥‬بم ‪:‬‬
‫أق ص عليكم خرب ىذا الدقيق الذي صنع منو ىذا الكسكس‪ ،‬إنو من ببلد العناب‪ .‬فقالوا لو وكيف ذلك ‪ :‬فقاؿ قدمنا‬
‫من مدينة ا‪١‬بزائر يف سفينة يف البحر إذل سبتة‪ ،‬فلما أشرفنا عليها ىبت علينا ريح صاعقة أزالتنا من مكاننا وردتنا إذل‬
‫ا‪٤‬بوضع الذي منو أتينا‪ ،‬وارتج البحر علينا باألمواج حٌب أشرفنا على الغرؽ‪ ...‬فجعل من يف السفينة ينادوف بصا‪٢‬بي‬
‫بلدىم‪ ،‬وجعلت أنا أقوؿ يا سيدي عزوز‪ ،‬أكررىا‪ )...( ،‬وكاف إذ ذاؾ حيا‪ .‬قاؿ ‪ :‬وإذا بو قد أتى على ا‪٥‬بيئة الٍب أعرفو‬
‫عليها (‪ )...‬حٌب وصل إذل السفينة وردىا بيده فسكنت إذ ذاؾ وزاؿ ما بنا‪ ،‬ومررنا بببلد العناب حيث ألقانا البحر‪،‬‬
‫فاشَبينا منو ىذا الدقيق الذي صنع منو ىذا الكسكس(‪.»2)...‬‬
‫«(‪ )...‬فمنهم البهلوؿ سيدي عنَب ا‪٣‬بلطي‪ .‬ظهرت لو كرامات‪ ،‬وتواترت عنو أخبار ٗبغيبات‪ ،‬و‪٥‬بج بو عامة‬
‫فاس كثّبا‪ .‬ومن احملكى عنو أنو ريئ [=رئي] يطأ أتانا‪ ،‬فقاؿ لو بعض ا‪٢‬باضرين ‪ :‬ما ىذا يا سيدي ؟ فقاؿ لو ‪ :‬إ‪،‬ي‬
‫أصلح السفينة‪ ،‬فلبث قليبل فجاء قوـ كانوا ركبوا سفينة يف البحر فعرض ‪٥‬بم فيها فساد أيقنوا منو بالغرؽ‪ ،‬فجعلوا‬
‫يستغيثوف بسيدي عنَب ألهنم كانوا يعرفونو‪ ،‬فسهل ‪٥‬بم إصبلحها‪ .‬ورٗبا ذكر البعض منهم أنو شاىده يصلحها‪ ،‬فنجاىم‬
‫اهلل تعاذل بربكتو‪ ،‬فكاف ظاىر فعلو خراب‪ ،‬وباطنو صواب»‪.3‬‬
‫«(‪ )...‬و‪٤‬با أمر السلطاف سيدي ‪٧‬بمد بن عبد اهلل ا‪٢‬بسِب الرئيس حسن أف يصنع مركبا فصنع ا‪٤‬براكب الكربى‬
‫الٍب ليس يف ا‪٤‬بغرب مثلها‪ ،‬فلما كملت تعذر عليو عومها يف البحر‪ ،‬فقصد موالي ابراىيم [بن عبد السبلـ الوزا‪،‬ي] ىذا‬
‫وطلب منو أف يطلب اهلل أف يهوف عليو تعوديها‪ ،‬ففاض وجده وأدركتو العناية من اهلل وقاؿ لو ‪ :‬اذىب اآلف فعومها‪،‬‬
‫فسار حسن فورا وأخذ يف تعوديها فسهل اهلل عليو تعوديها وعامت يف البحر يف ا‪٢‬بْب‪ ،‬وصدؽ اهلل مقالو (‪.4»)...‬‬
‫وجاء يف "تحفة األلباب"‪ ،‬أف شخصا يدعى ‪٧‬بمد ا‪٤‬بعلم كاف من أشهر أىل اإلغاثة يف البحر يف ببلد ا‪٤‬بغرب‪:‬‬
‫«‪ ...‬ويف ا‪٤‬بغرب األعلى قريب من القّبواف قرب رجل صاحل يقاؿ لو ‪٧‬بمد ا‪٤‬بعلم‪ ،‬وكاف من الزىاد مستجاب الدعوة‪ ،‬وكل‬
‫من مر على قربه يأخذ من ترابو شيئا‪ ،‬فإذا ركبوا على البحر وىاج البحر وعصفت الرياح وكثر ا‪٤‬بوج أخرجوا من تراب قربه‬
‫شيئا وألقوه يف البحر ودعوا اهلل تعاذل‪ ،‬سكن البحر وزالت الرياح وسهل [اهلل] عليهم السفر‪ ،‬وىذا معلوـ يف أرض‬
‫ا‪٤‬بغرب‪.5»...‬‬

‫‪ -1‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض‪ ،1‬اٌهتا‪.73 . ْ ، 1978 ٚ‬‬
‫‪ٔ - 2‬فٍٗ‪. 241- 240 .ْ ْ ،‬‬
‫‪ - 3‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض ‪ ، 2‬اٌكان اٌث‪ٙ١‬اء ‪. 303 .ْ ، 1982‬‬
‫‪ - 4‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض ‪ ، 4‬اٌكان اٌث‪ٙ١‬اء ‪.257 .ْ ،1986‬‬
‫‪ - 5‬أت‪ ٛ‬ؼاِك األٔكٌٍ‪ ٟ‬اٌغهٔا‪ ،ٟٚ‬تحفح األنثاب وَخثح األعجاب‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -8‬الطقوس المرتبطة بالبحر ‪ :‬العنصرة نموذجا ‪:‬‬
‫مارس القدامى طقوس الشعوذة ا‪٤‬برتبطة با‪٤‬باء كالرش واالستحماـ الٍب كانت تستهدؼ تساقط ا‪٤‬بياه السماوية‪.‬‬
‫وحيدثنا القديس أغوسطينوس عن بعض ىذه الطقوس الٍب كانت سائدة يف عهده‪ ،‬حيث كاف العواـ يستحموف يف البحر‬
‫يوـ القديس حيٓب (‪ ،)Saint-Jean‬أي يوـ االنقبلب الصيفي‪ .1‬ويعرؼ ىذا اليوـ يف ا‪٤‬بغرب باسم "العنصرة" ؛ فلقد‬
‫أشار سلموف (‪ 2)G. Salmon‬إذل حفلة العنصرة يف سبل والرباط‪ ،‬والحظ موافقة العنصرة ‪٢‬بفلة (‪la Saint-‬‬
‫‪ )Jean‬يف فرنسا‪ .‬كمػا أشػار ا‪٢‬بسن بن ‪٧‬بمد الوزاف الػفػاسي ولػوطػورنػو (‪ )Le Tourneau‬إذل العنصرة يف فاس‪.3‬‬
‫وتعترب العنصرة أو عيد االنقبلب الصيفي من التقاليد ا‪٤‬بوغلة يف القدـ يف مشاؿ افريقيا‪ .‬وال يعرؼ أصل ىذه‬
‫الكلمة‪ ،‬غّب أف ا‪٤‬بستشرؽ دوزي (‪ )Dozy‬يرجع أصلها إذل العربية‪ ،‬ومعناىا «اجتماع الشعب إلحياء أعياد دينية»‪.4‬‬
‫ولقد وردت ىذه الكلمة يف التلمود حيث أطلقت على عيد ا‪٣‬بمسْب (‪ .)Pentecôte‬وتطلق العنصرة أيضا‬
‫على عيد ا‪٣‬بمسْب بالنسبة لؤلقباط‪ ،‬وعيد القديس حيٓب (‪ )la Saint Jean‬يف إسبانيا حيث كاف حيتفل هبا ا‪٤‬بسلموف‬
‫وا‪٤‬بسيحيوف على السواء خبلؿ العصر الوسيط‪ .‬ولقد استنكرىا ا‪٤‬بؤلفوف العرب واعتربوىا من األعياد القددية ا‪٤‬بسيحية أو‬
‫الفارسية‪ .‬وذكر ا‪٤‬بقريزي يف خططو أف اليهود حيتلفوف هبا‪.‬‬
‫وحيتفل هبذا العيد يف مشاؿ إفريقيا يوـ ‪ 54‬يونيو حسب التقومي اليوليوسي‪ ،‬أي يوـ ‪ 1‬أو ‪ 4‬يوليوز حسب‬
‫التقومي الغريغوري‪.5‬‬
‫ولقد الحظ سفّب فرنسا يف ا‪٤‬بغرب دو شينيي (‪ 6)De Chénier‬يف القرف ‪ XVIII‬احتفاؿ أىل سبل‬
‫بالعنصرة يوـ ‪ 1‬يوليوز‪.‬‬
‫والحظ بيل (‪ 7)Bel‬أف أىل أزمور وأىل الريف يف نواحي تطواف يستحموف يف البحر يوـ االنقبلب الصيفي‬
‫خبلؿ احتفا‪٥‬بم بالعنصرة‪ .‬ووصفها كوال ألربيك (‪ )J. Cola Alberich‬كالتارل ‪:‬‬
‫«ومن بقايا األفضلية الٍب تسدى للمياه ىذا العيد الذي يسمى "عيد العنصرة" أو "عيد ا‪٤‬باء" الذي ال زاؿ‬

‫‪FERRAND (G.), J.A., CCVII, juillet- septembre 1925, pp. 138-139.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪-CHARLES-PICARD (G.), Les religions de l’Afrique antique, Paris 1954, p. 10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- SALMON (G.), Notes sur Salé, Archives Marocaines, III, 1905, p. 323.‬‬
‫‪ -3‬اٌؽٍٓ تٓ ِؽّك اٌ‪ٛ‬واْ اٌفاٌ‪ ،ٟ‬وصف إفشَقُا‪،‬ض‪ٚ" :258 .ْ ،1‬ف‪ َٛ٠ ٟ‬اٌمك‪ٛ٠ ً٠‬ؼٕا ذ‪ٛ‬لك ٔ‪١‬هاْ وص‪١‬هج ِٓ اٌرثٓ ف‪ ٟ‬ظّ‪١‬غ األؼ‪١‬اء‪"...‬؛‬
‫‪LE TOURNEAU (R.), Fès avant le Protectorat. Pub. De l’Institut des Etudes marocaines, t. XLV, Casablanca 1949, p.‬‬
‫‪614.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- DOZY, Supplément aux Dictionnaires arabes, II, 181 (b) ; MARCAIS (w.), Textes arabes de Tanger, Paris 1911, p.‬‬
‫‪392 :‬‬
‫« اٌرؼٍّد وٍّح "اٌؼٕٕهج" ف‪ِٕ ٟ‬ه ـالي اٌؼٕه اٌ‪( ٛ١ٌٛ‬ؼٍة اٌّمه‪٠‬ى‪ٚ ،)ٞ‬ف‪ِٕ ٟ‬طمح ‪٘ٚ‬هاْ ف‪ ٟ‬اٌعىائه‪ ،‬وّا اٌرؼٍّد‪ِ ،‬غ تؼٗ اٌرؽه‪٠‬ف‬
‫(اٌؼٍٕٕح) ف‪ِٕ ٟ‬طمر‪ ٟ‬اٌعىائه اٌؼأّح ‪ٚ‬لٍٕط‪ٕ١‬ح‪ٚ .‬قـٍد ٘مٖ اٌىٍّح إٌ‪ ٝ‬اٌّؼعُ اإلٌثأ‪ ٟ‬ػٍ‪ِ ٝ‬ىً »‪ِٕ « alhansra‬م ‪ ، 1886‬ف‪ ٟ‬لاِ‪ٛ‬ي ‪:‬‬
‫‪« Glosario etimologico de las palabras españolas de origen oriental, Granada 1886.‬‬
‫‪ٚ‬ناظغ ٔٓ "اٌؼٕٕهج ف‪ ٟ‬ظثً اٌىث‪١‬ه" تٍ‪ٙ‬عح أ٘اٌ‪ٕٚ ٟ‬عح ف‪ ٟ‬وراب ِانٌ‪ ٟ‬اٌّمو‪ٛ‬ن‪ٚ . 76 - 40 .ْ ْ ،‬ف‪ ٟ‬انًُجذ‪ ":‬ػ‪١‬ك اٌؼٕٕهج ‪ ٛ٘ :‬ػ‪١‬ك ذموان‬
‫ؼٍ‪ٛ‬ي اٌه‪ٚ‬غ اٌمكي ػٍ‪ ٝ‬اٌرالِ‪١‬م ‪٠‬مغ تؼك ػ‪١‬ك اٌفٕػ تفٍّ‪ِٛ٠ ٓ١‬ا ؛ ‪ٚ‬ػٕك اٌ‪ٛٙ١‬ق ‪ ٛ٘ :‬ػ‪١‬ك ذموان ٔى‪ٚ‬ي اٌّه‪٠‬ؼح ف‪ٛٚ ٟ‬ن ٌ‪ٕ١‬اء‪ٚ .‬اٌٍفظح ػثهأ‪١‬ح ِؼٕا٘ا‬
‫اظرّاع أ‪ِ ٚ‬ؽفً"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- JOLY (A.), Un calendrier agricole marocain, Archives marocaines, III, 1905, pp. 301-302 ; 311.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- DE CHENIER, Recherches historiques sur les Maures et histoire de l’empire du Maroc, t. III, Paris 1787, p. 225.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- BEL (A.), La Ansra : Feux et rites du solstice d’été en Berbérie, in : Mélanges Gaudefroy-Demombynes, Le Caire‬‬
‫; ‪1935-1945, pp. 49-72‬‬
‫‪ٚ‬اٌ‪١‬إٌ‪ٛ‬ذ‪( ٟ‬ػثك اٌ‪ٛ‬انز)‪ ،‬يُظىيح فٍ رو يحذثاخ غًاسج‪ِ ( ،‬فط‪ِ ٚٛ‬ؽّك اؼٕأا‪ ،‬ذط‪ٛ‬اْ)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مرعيا يف ا‪٤‬بغرب رغم إسبلميتو‪ .‬ففي ىذا العيد يقصد ألوؼ الزوار الشواطئ حيث يتجمهروف‪ .‬وأما سكاف ا‪١‬بباؿ‬
‫فيحملوف الشبابات والطبوؿ ويقصدوف السواحل على األقداـ أو يف الزوارؽ وىم يعزفوف على آالهتم مقابل سكوت‬
‫النساء التاـ»‪.1‬‬
‫وىذا ما شاىدتو يف صباي يف شاطئ مرتيل حيث كانت تقاـ احتفاالت كربى تشارؾ فيها بعض قبائل جبالة‪،‬‬
‫وتشمل بصفة خاصة مسابقات ا‪٤‬براكب (من نوع الشباؾ) يف البحر‪ ،‬وأىازيج‪ ...‬ولقد أشارت بعض "الدالئل‬
‫السياحية" الفرنسية الشهّبة الصادرة يف سلسلة (‪ )les Guides bleus‬إذل ىذه االحتفاالت الٍب كانت تقاـ يف‬
‫شاطئ مرتيل يف أوائل يوليوز‪ ،‬ووصفها ريكار (‪ )P. Ricard‬كالتارل ‪« :‬حفبلت العنصرة الٍب تقاـ فوؽ ا‪٤‬باء خبلؿ‬
‫موسم ىاـ وغريب جدا يف بداية يوليوز»‪.2‬‬
‫وكاف بوطوكي (‪ )J. Potocki‬قد ‪ٙ‬بدث يف رحلتو إذل ا‪٤‬بغرب عن العنصرة خبلؿ مقامو يف تطواف‪ ،‬وصادؼ‬
‫ذلك يوـ ‪ 1‬يوليوز‪ ،‬و‪٠‬باىا بالعنصرة أو حفلة الغبلؿ » ‪.« La Ansra ou fête des moissons…3‬‬
‫» ‪moissons…3‬فهل يتعلق األمر باستمرار للحفلة الرومانية الٍب كانت تسمى ‪( ،Cerialia‬حفلة‬
‫الغبلؿ)‪ ،‬أو ‪( ،Parilia‬حفلة قطعاف ا‪٤‬باشية) ؟ وىي حفبلت درسها ا‪٤‬بؤرخ دوميزيل (‪ )G. Dumézil‬بدقة يف‬
‫كتابو الشهّب‪" :‬حفالت الصيف والخريف الرومانية"‪ ...‬كما درس يف نفس الكتاب حفلة (‪)les Neptunalia‬‬
‫الٍب كانت تقاـ يوـ ‪ 58‬يوليوز‪ .4‬وكانت ىذه ا‪٢‬بفبلت تقاـ يف العادل الروما‪،‬ي على شرؼ نپتوف (‪ )Neptune‬إلو‬
‫البحر‪ .‬ويف التقوديات القددية‪ ،‬كاف يوـ ‪ 58‬يوليوز يسمى ‪Neptuni ludi et feriae, ou Neptuni :‬‬
‫‪ ludi‬؛ الشيء الذي يعِب أف ألعابا ‪٨‬بتلفة كانت تقاـ خبل‪٥‬با‪ .‬ويرجح صاحب مقاؿ ‪ Neptunalia5‬يف قاموس‬
‫(‪ )Larousse‬أف ىذه األلعاب كانت يف األصل عبارة عن مسابقات قوارب‪ ،‬ألهنا كانت حفلة نوتية هنر التيرب بشكل‬
‫خاص‪ .‬وكاف الشعب يصنع أكواخا من أغصاف األشجار وأوراقها إلقامة مأدبات وللتسلية ‪ٙ‬بت ظبل‪٥‬با‪ .‬ولقد خلد‬
‫الشاعر البلتيِب اجمليد ىوراس )‪ (Horace‬ىذه ا‪٢‬بفبلت يف أبيات نقلناىا إذل العربية كالتارل ‪:‬‬
‫«(‪ )...‬ما ىو أحسن شيء ديكنِب أف أفعلو‪ ،‬يوـ االحتفاء بنيپتوف ؟‬
‫انتشلي الكيكوب (‪ )le cécube‬من اعتكافو برشاقة يا ليدي (‪،)Lydé‬‬
‫واىجمى على ا‪٢‬بكمة يف معاقلها‪ )...( .‬وبتناوب معك ؛‬
‫سأعظم نيپتوف وخصبلت النّبييد (‪ )les Néreides‬ا‪٣‬بضراء ؛‬

‫‪ - 1‬و‪ٛ‬ال أٌثه‪٠‬ه (ـ‪ ،)ٛ١ٌٛ‬دساسح سالالخ شًال إفشَقُا‪ِ ،‬ؽا٘هج أٌم‪١‬د ‪ِ 31 َٛ٠‬اني ‪ 1947‬ف‪ ٟ‬لاػح اٌّؽا٘هاخ تٕ‪١‬اتح اٌرهت‪١‬ح ‪ٚ‬اٌصمافح ترط‪ٛ‬اْ‪،‬‬
‫ذط‪ٛ‬اْ‪ِ ،‬ؼ‪ٙ‬ك ِ‪ٛ‬ال‪ ٞ‬اٌؽٍٓ‪. 39.ْ ،1948 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫; ‪- MAROC par P. RICARD, Coll. « Les Guides bleus », Paris 1950, p. 491‬‬
‫‪ٚ‬ف‪ٚ ٟ‬ثؼح ‪ ، 1973‬أِان ف‪ٛ‬ف‪ ً١‬إٌ‪ِٛ ٝ‬اٌُ أـه‪ ٜ‬ذّثٗ اٌؼٕٕهج‪ٚ ،‬وأد ذماَ ف‪ ٟ‬اٌفٕ‪١‬كق (ِ‪ٌ ٌُٛ‬ثؼح نظاي ‪ 7 َٛ٠‬غّد)‪ٚ ،‬اٌّ‪١ٙ‬ك ‪،ٛ١ٔٛ٠ 7 َٛ٠ :‬‬
‫‪ٚ‬ذانغٗ ‪ٛ١ٌٛ٠ 15 َٛ٠‬و ؛ ناظغ ‪:‬‬
‫‪MAROC , par J. FAUVEL, p. 128 ; 132 ; JOLY (A.), Un calendrier agricole marocain, Archives marocaines, III, 1905,‬‬
‫‪pp. 172-173.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- POTOCKI (J.), Voyages en Turquie et en Egypte, en Hollande, au Maroc, Paris 1980, p. 38 - 39.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- DUMEZIL (G.), Fêtes romaines d’été et d’automne, suivi de Dix questions romaines, Paris 1975, p. 22.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- GRAND DICTIONNAIRE UNIVERSEL du XIXe S., t. XI, Paris 1865, p. 928.‬‬

‫‪15‬‬
‫يف حْب ستمدحْب بكنارتك الطوف (‪ )Laton‬وسهاـ السانتية (‪ )la Cyntienne‬السريعة (‪.1»)...‬‬

‫وأفاض القدامى يف وصف نپتوف (‪ )Neptune‬الذي نظمت ىذه ا‪٢‬بفبلت على شرفو ؛ وطابق الروماف بينو‬
‫وبْب پوصيدوف إلو البحر اإلغريقي الذي كاف يعد بْب آ‪٥‬بة اإلغريق االثِب عشر (‪ .)les Olympiens‬ومثلو اإلغريق‬
‫مسلحا بشوكة ثبلثية‪ ،‬وىو سبلح صيادي الًب‪ ،‬و‪٩‬بتطيا عربة ٘برىا حيوانات مسوخ‪ ،‬نصفها خيوؿ ونصفها اآلخر‬
‫ثعابْب‪ .‬وكانت ‪ٙ‬بيط هبذه العربة أ‪٠‬باؾ ودالفْب وكائنات ٕبرية ‪٨‬بتلفة األشكاؿ وجاف‪ ،‬اخل‪.2‬‬
‫واعتقد القدامى أف ‪٥‬بذا اإللو القدرة على إغراؽ ا‪٤‬بسافرين أو إ‪٪‬بادىم يف البحر‪ ،‬وعلى تركو البحر رىوا‪ ...‬ونورد‬
‫فيما يلي تر‪ٝ‬بتنا لفقرات من "حوارات اآللهة البحرية" ؛ الٍب تصورىا لوسياف )‪ (Lucien de Samosate‬والٍب‬
‫تعكس نظرة القدامى ‪٥‬بذا اإللو ‪:‬‬
‫« ‪ -‬السيكلوپ ‪ )...( :‬ىكذا خدعِب اآلمث [أوليس] بذلك االسم [ال أحد]؛ ولكن الذي يؤ‪٤‬بِب أكثر ىو أنو‬
‫عّب‪،‬ي بففٍب قائبل ‪ :‬أبوؾ نيپتوف بنفسو‪ ،‬لن يقدر على إبرائك‪.‬‬
‫‪ -‬نيپتوف ‪ :‬دـ ناعم الباؿ يا بِب‪ ،‬سأنتقم لك منو‪ ،‬وسيعلم أ‪،‬ي إف كنت عاجزا عن إبراء العمياف‪ ،‬فإ‪،‬ي قادر‬
‫على إنقاذ من يسافروف يف البحر أو ىبلكهم (‪.3)...‬‬

‫« ‪ -‬پانوپ (‪ : )Panope‬ىل رأيت يا غالْب (‪ )Galène‬ماذا فعلت (‪ )la Discorde‬يف طيساليا‬


‫باألمس خبلؿ تناوؿ وجبة الطعاـ (‪ )...‬؟‬
‫‪ -‬غالْب ‪ :‬دل أكن من بْب ا‪٤‬بدعوين يا پانوپ‪ ،‬فلقد أمر‪،‬ي نيپتوف أف أبقي البحر ىادئا وساكنا(‪.4»)...‬‬

‫عرفوا اإلغريق بپوصيدوف‪ .‬ففي األصل كاف الليبيوف وحدىم يعرفوف‬‫وحسب ىّبدوت‪ ،‬فإف الليبيْب ىم الذين َّ‬
‫اسم پوصيدوف‪ ،‬اإللو الذي خصوه بالعبادة دائما‪.5‬‬
‫ويف العصر الروما‪،‬ي عبد أىارل مشاؿ إفريقيا نيپتوف‪ ،‬ليس يف ا‪٤‬بناطق الساحلية فحسب‪ ،‬حيث عبدوه كإلو‬
‫البحر‪ ،‬بل حٌب داخل الببلد‪ ،‬وبصفة خاصة يف العيوف الٍب اعترب نيپتوف سيدىا‪.6‬‬
‫ولقد عثر يف وليلي على ‪ٛ‬بثاؿ إلو هنري مت اكتشافو يف الدار احملتوية علي فسيفساء فينوس‪ .‬كما عثر يف نفس‬
‫ا‪٤‬بدينة على ‪ٛ‬بثاؿ ديثل نيپتوف‪ ،‬وىو نسخة من ‪ٛ‬بثاؿ پوصيدوف إيسطميوس (‪ ،)Poséidon Isthmios‬وكبلمها‬

‫‪1‬‬
‫‪- HORACE, Odes et Epodes, III, 28.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- GRIMAL (P.), Dictionnaire de la Mythologie grecque et romaine, 7è éd. Paris 1982 : Neptune et Poséidon.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- LUCIEN DE SAMOSATE, Dialogues des Dieux marins, Dialogue II.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Idem, Dialogues V ; VI ; VIII.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- HERODOTE, II, 50 :‬‬
‫"(‪ٚ )...‬ا‪ٌٙ٢‬ح اٌر‪٠ ٟ‬م‪ٛ‬ي إٌّه‪ ْٛ٠‬أٔ‪٠ ُٙ‬ع‪ ٍْٛٙ‬أٌّاء٘ا ‪ٍٔٚ‬رٕا‪ ،‬ف‪ّ١‬ا أػرمك‪ ،‬ػٓ ‪ٚ‬ه‪٠‬ك اٌث‪١‬الظ‪ ،ٓ١١‬تاٌرصٕاء ت‪١ٔٛ‬ك‪ ْٚ‬اٌم‪ ٞ‬ذؼهف ػٍ‪ ٗ١‬اإلغه‪٠‬ك ػٓ‬
‫‪ٚ‬ه‪٠‬ك اٌٍ‪١‬ث‪ ُ٘ٚ .ٓ١١‬اٌّؼة اٌ‪ٛ‬ؼ‪١‬ك اٌم‪ٔ ٞ‬عك ف‪ِٕ ٗ١‬م اٌثكا‪٠‬ح إٌ‪ٙ‬ا ‪٠‬ؽًّ ٘ما االٌُ‪ ،‬ف‪ٙ‬ال ػٓ أٔ‪ِ ُٙ‬ا واٌ‪ٛ‬ا ‪٠‬ؼثك‪.")...( ٗٔٚ‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- GSELL (St.), H.A.A.N., VI, p. 152.‬‬

‫‪16‬‬
‫موجود يف متحف الرباط األثري‪ .1‬و‪ٛ‬بثل ‪٦‬بموعة من ا‪٢‬بمامات العمومية واألحواض الٍب عثر عليها يف بعض ا‪٤‬بواضع‬
‫األثرية يف ا‪٤‬بغرب عادل البحر‪ ،‬كرسوـ لؤل‪٠‬باؾ والَبيتوف (‪( )tritons‬آ‪٥‬بة ا‪٤‬بوج)‪ ،‬كما ىو الشأف بالنسبة لفسيفساء‬
‫تريتوف يف بناصا‪ ،‬أو حوريات ‪ٛ‬بتطي وحوشا ٕبرية أو ‪ٙ‬بيط ٔبسد اإللو احمليط‪ ...‬أو صياد رافع ‪٤‬بذراة ثبلثية وسط‬
‫‪2‬‬
‫طحالب وأ‪٠‬باؾ وطيور ٕبرية‪...‬‬

‫‪ -4‬مخلوقات البحر العجيبة وظاهرة تقديس األسماك ‪:‬‬


‫حديثنا عن آ‪٥‬بة البحر وعبادة پوصيدوف و‪ٛ‬بثل القدامى لنپتوف جيرنا إذل تصور ا‪٤‬بغاربة ‪٤‬بخلوقات البحر العجيبة‬
‫وتقديسهم لبعض األ‪٠‬باؾ‪ .‬فلقد وردت يف كتاب برونو (‪ 3)L. Brunot‬األسطورة الٍب كاف حيكيها أىل الرباط عن‬
‫أخطبوط عمبلؽ كاف قد قبض بأحد أرجلو على شخ ص كاف جالسا على ظهر سفينة‪ ،‬وغاص بو إذل أعماؽ البحر‪.‬‬
‫وخرب األخطبوط العمبلؽ ىذا ورد يف كتاب "التاريخ الطبيعي" لپلينيوس‪ 4‬قبل أف يذكره أيضا أبو حامد األندلسي‬
‫الغرناطي يف "تحفة األلباب" ‪:‬‬
‫«ولقد رأيت يوما يف البحر وأنا على صخرة وا‪٤‬باء ‪ٙ‬بت رجلي قد خرج ذنب حية صفراء منقطة بسواد [طو‪٥‬با]‬
‫مقدار باع تطلب أف تقبض على رجلي (‪ )...‬وخرجت من ‪ٙ‬بت ا‪٢‬بجر وإذا هبا ‪ٟ‬بس حيات ورأس واحد [فعجبت من‬
‫ذلك] فسألت من كاف ىنالك عن اسم ىذه ا‪٢‬بية فقالوا ىذه تعرؼ بأـ ا‪٢‬بيات وذكروا أهنا تقبض على اآلدمي يف ا‪٤‬باء‬
‫فتمسكو حٌب ديوت وتأكلو وأهنا تقبض على السمك يف البحر وتأكلو حٌب تعظم‪ ،‬تكوف كل حية أكثر من عشرين‬
‫ذراعا وأهنا تقلب ا‪٤‬براكب وتأكل من قدرت عليو [من أصحاهبا](‪.5)...‬‬
‫وباإلضافة إذل االخطبوط العمبلؽ‪ ،‬أورد برونو (‪ 6)L. Brunot‬ما ‪٠‬بعو من سكاف منطقة الرباط ‪ -‬سبل عن‬
‫عن ‪٨‬بلوؽ عجيب يسمى القرع بن منري ( ‪ ،) l’homo marinus‬وىو حيواف أسطوري نصفو آدمي والنصف‬
‫اآلخر نصف السمكة األسفل ؛ حيكى أنو خيرج إذل شاطئ البحر‪ ،‬وينادي على الناس بأ‪٠‬بائهم‪ ،‬ويطلب منهم االقَباب‬
‫منو ؛ وكلما لىب نداءه أحد ما إال وقبض عليو وغاص بو إذل قاع البحر‪...‬‬
‫واستفسرت ذات مرة أحد رؤساء البحر يف قرية صغّبة تطل على البحر ا‪٤‬بتوسط‪ ،‬وتسمى "تامرنوت"‪ ،‬وىي تقع‬
‫بْب شاطئ أزال وواد الو‪ ،‬ويعيش أىلها من الفبلحة والصيد‪ ،‬عن ىذا الكائن‪ ،‬فأجابِب بأف بعض شيوخ القرية رآه يف‬
‫أعارل البحر غّب ما مرة‪ ،‬وأف من رآه ال يكذب ! و‪٠‬بعت من غّبه خرافات من ىذا القبيل حكتها ا‪٤‬بصادر القددية يف‬
‫‪1‬‬
‫‪- CHATELAIN (L.), Le Maroc des Romains, pp. 270-271 ; De l’Empire romain, p. 356 ; 359.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- CHATELAIN (L.), Le Maroc des Romains, pp. 282-283 ; De l’Empire romain, p. 39 ; CHARLES-PICARD (G.),‬‬
‫‪Musées et sites archéologiques du Maroc, CRAI , 1946, pp. 664-665 :‬‬
‫« ‪ٛ‬بثل الفسيفساء الشاسعة يف غرفة الطعاـ (‪ )triclinium‬الكائنة يف" دار التماثيل النصفية" موكبا ألفروديت‪ .‬وتظهر سفينة فينوس )‪( Navigium Veneris‬يف الوسط‪ ،‬وتقودىا‬
‫كائنات ٘بسد ا‪٢‬بب )‪ ، (les Amours‬وىي تلعب يف األشرعة والدوقل (عارضة الصاري)‪ ،‬وكذا الشاريطيات )‪ (les Charites‬وقد ‪ٙ‬بولت إذل جدافات‪ .‬ويرافق السفينة وسط األمواج‬
‫موكب رمزي مكوف من عرائس البحر )‪ (les Néréides‬وآ‪٥‬بة ا‪٤‬بوج )‪ ،(les Tritons‬يوحي بالرحيل إذل ا‪١‬بزر السعيدة (‪.»)...‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 184.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- PLINE, H.N., IX, 92-93.‬‬
‫‪ -5‬أبو حامد األندلسي الغرناطي‪ ،‬تحفح األنثاب‪. 96 .ْ ،‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 24.‬‬

‫‪17‬‬
‫روايات ‪٨‬بتلفة‪.1‬‬
‫وتذكرنا أسطورة القرع بن منري بعرائس البحر يف ا‪٤‬بيثولوجيا اإلغريقية‪ ،‬تلك العرائس الٍب كانت ٘بذب بأنغامها‬
‫الٍب ال تقاوـ البحارة إذل ا‪٢‬بشاؼ الشاطئية الٍب تتحطم عليها سفنهم‪ .2‬واعتقد القدامى أف أوليس (‪ )Ulysse‬وأوريف‬
‫(‪ )Orphée‬مها البطبلف الوحيداف اللذاف ‪٪‬بيا من إغراء عرائس البحر القاتل‪.‬‬
‫وبعيدا عن ببلد اإلغريق وأساطّبىم‪ ،‬أورد القادري يف "نشر المثانـي" «حوادث» وقعت يف فاس تتعلق بعادل‬
‫البحر‪ ،‬وىي أقرب إذل األسطورة منها إذل األحداث التارخيية‪ .‬وىذه «ا‪٢‬بوادث» كثّبة‪ ،‬أذكر من بينها على سبيل ا‪٤‬بثاؿ‪:‬‬
‫«ومن حوادث ىذا العاـ [‪1101‬ىػ]‪ ،‬ففي ليلة األربعاء خامس ربيع الثا‪،‬ي نزؿ ثلج ونزؿ معو حوت صغار‬
‫‪3‬‬
‫طو‪٥‬با قدر ثلثي ا‪٣‬بنصر من اليد‪ ،‬ودل ينزؿ ا‪٤‬بطر بعد أكثر من شهرين‪. »)...( ،‬‬

‫«وأخربوا أيضا أهنم رأوا يف ا‪١‬بو [سنة ‪1153‬ىػ] ‪٨‬بلوقا عظيما ‪٧‬بموال يف ا‪٥‬بواء‪ ،‬رأسو رأس ثعباف‪ ،‬وذنبو ذنب‬
‫‪٠‬بك‪ ،‬ويف ظهره شيء كالصومعة‪ ،‬ويده كيد اإلنساف‪ ،‬ويف إحدى يديو سيف‪ ،‬وعرضو ‪٫‬بو ستْب ميبل‪ ،‬وأما طولو فبل‬
‫يعلم ألنو بقي جيوز ‪٫‬بو ثبلثة أياـ(‪.»4)...‬‬
‫فالبحر حاضر يف متخيل ا‪٤‬بغاربة عن طريق ىذه الكائنات البحرية األسطورية الٍب ‪ٙ‬بدثت عنها العامة والفقهاء‪،‬‬
‫سواء يف ا‪٤‬بناطق الساحلية أو القارية ؛ وىو حاضر أيضا يف حياة بعضهم الروحية من خبلؿ الكهانة وتقديس بعض‬
‫األ‪٠‬باؾ‪ .‬فلقد أطلعنا پلينيوس على استعماؿ القدامى يف بعض ببلد حوض البحر ا‪٤‬بتوسط لؤل‪٠‬باؾ ا‪٤‬بقدسة يف عمليات‬
‫التكهن وتأويل حركاهتا‪.5‬‬
‫ويف ا‪٤‬بغرب‪ ،‬الحظ الباحث الفرنسي دوطي (‪ )Doutté‬يف بداية القرف ا‪٤‬باضي عرافات يف نواحي الصويرة‬
‫تتكهن با‪٤‬بستقبل ٗبحار ا‪٤‬بريق (‪ )murex‬؛ وىي ظاىرة الحظها أيضا الربتغارل ‪ Diego de Torrès‬سنة‬
‫‪ ،1118‬وىو ما قد يعِب أف األجياؿ توارثتها يف ىذه ا‪٤‬بنطقة الساحلية منذ العصور القددية‪ .‬وزعمت النساء األمازيغيات‬
‫أهنن تكلمن احملار الذي تربينو يف العلب‪!6‬‬
‫ولقد الحظ الوسط (‪ 7)Laoust‬يف الرباط وسبل بشكل خاص‪ ،‬انتشار احملار بكثرة يف ا‪٤‬بقابر الٍب ‪ٙ‬بد يف‬
‫معظمها بالبحر‪ ،‬حيث تغطى القبور ا‪٢‬بديثة العهد بكسار احملار‪ .‬واستفسر الباحث الفرنسي األىارل حوؿ ىذا العرؼ‪،‬‬

‫‪ -1‬ناظغ‪ :‬اٌعاؼع‪ ،‬انثُاٌ وانتثٍُُ‪ ،‬ض ‪ٚ «: 113-112 .ْ ْ ،2‬لوه تؼٗ اٌؽىّاء أػاظ‪١‬ة اٌثؽه ‪ٚ‬ذى‪٠‬ك اٌثؽه‪ ٓ١٠‬فماي‪ :‬اٌثؽه وص‪١‬ه اٌؼعائة‪ٚ ،‬أٍ٘ٗ‬
‫أٔؽاب و‪ٚ‬ائك‪ ،‬فأفٍك‪ٚ‬ا تمٍ‪ ً١‬اٌىمب وص‪١‬ه إٌكق‪ٚ ،‬أقـٍ‪ٛ‬ا ِا ال ‪٠‬ى‪ ْٛ‬ف‪ ٟ‬تاب ِا لك ‪٠‬ىاق ‪٠‬ى‪ ،ْٛ‬فعؼٍ‪ٛ‬ا ذٕك‪٠‬ك إٌاي ٌ‪ ُٙ‬ف‪ ٟ‬غهائة األؼاق‪٠‬س ٌٍّا إٌ‪ٝ‬‬
‫اقػاء اٌّؽاي‪.‬‬
‫‪ٚ‬لاي تؼٗ اٌؼهب‪ «:‬ؼكز ػٓ اٌثؽه ‪ٚ‬ال ؼهض‪» )...( ،‬؛ ‪ٚ‬أظه ف‪٘ ٟ‬ما اٌّ‪ٛ٘ٛ‬ع أ‪ٙ٠‬ا‪ :‬ض ‪ 515 .ْ ، 3‬؛ ‪ ٚ‬ض ‪ٚ .19 .ْ ،6‬ػٓ "ؼّك ‪ٚ‬غثا‪ٚ‬ج ‪ٚ‬ظٍُ‬
‫اٌٍّاو‪ ،"ٓ١‬ناظغ انحُىاٌ‪ ،‬ض‪. 105 .ْ 2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- GRANT (M.) et HAZEL (J.), Dictionnaire de la mythologie, p. 327-328.‬‬
‫‪ٚ‬ػٓ ِفٍ‪ٛ‬لاخ اٌثؽه اٌؼع‪١‬ثح ف‪ ٟ‬اٌثؽه اٌّر‪ٚ ٌٛٛ‬اٌثؽان اٌثؼ‪١‬كج ف‪ِ ٟ‬ؤٌفاخ اٌؼٕه اٌعّ‪ٛٙ‬ن‪ٚ ٞ‬اٌؼٕه اإلِثها‪ٛٚ‬ن‪ ٞ‬اٌه‪ِٚ‬أ‪ ،ٟ‬ناظغ ‪:‬‬
‫‪SAINT DENIS (E. de), Le rôle de la mer dans la poésie latine, Lyon 1935, pp. 411- 413.‬‬
‫‪ -3‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض ‪ 119 .ْ ، 2‬؛ ‪ٚ‬أظه‪ :‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪،‬ض‪.ْ ،5‬‬
‫‪ٌٚ )...(«: 527‬مٌه ‪ّٚ‬غ تؼٗ اٌىمات‪ٔ ِّٓ ٓ١‬ىهٖ اٌّٗ‪ ،‬فموه أْ أً٘ أ‪٠‬مض ِطه‪ٚ‬ا [ِهج] أوثه ِثات‪ ٛ١‬ف‪ ٟ‬األنٖ‪ٚ ،‬إٌّٔ‪ٙ‬ا [‪ٚ‬أػمت‪ٙ‬ا] ‪ٚ‬أػظّ‪ٙ‬ا‪ٚ[ ،‬أٔ‪ُٙ‬‬
‫اِر‪ٚٛ‬ا‪ٍِٚ ،‬ؽ‪ٛ‬ا‪ٚ ،‬لهٌ‪ٛ‬ا‪ٚ ،‬ذى‪ٚ‬ق ِٕ‪ٙ‬ا ٍِافهُ٘]‪.»)...(.‬‬
‫‪ -4‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض ‪. 233 .ْ ، 3‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- PLINE, H.N., XXXII, 17 (8).‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- MANA (A,), Les Regraga, p. 107.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- LAOUST (E.), Pêcheurs berbères du Sous, p. 240.‬‬

‫‪18‬‬
‫وتضاربت أجوبتهم يف ‪٧‬باولة تفسّبه‪ .‬فمنهم من ‪ٙ‬بدث عن الربكة‪ ،‬ومنهم من زعم أف القصد من ذلك ىو ٘بميل القرب‬
‫أو ‪٧‬باربة النباتات الٍب تغطيو مع مرور الزمن‪...‬‬
‫ويعتقد الوسط أف ىناؾ عبلقة بْب ىذا العرؼ وما دأب عليو بعض سكاف قرطاجة من وضع احملار يف قبور‬
‫ذويهم‪ ،‬مع باقي األثاث ا‪٤‬بأ‪ٛ‬بي‪ .‬وأشار پونسيك (‪ 1)M. Ponsich‬إذل استعماؿ القدامى لبعض أنواع احملار قصد‬
‫التزيْب‪ ،‬بعضها عثر عليو يف ‪٦‬بموعة من القبور الفينيقية يف طنجة ونواحيها‪ .‬وعثر باسي (‪ ،)H. Basset‬حسب‬
‫الووسط (‪ ،2)E. Laoust‬أيضا يف مقربة شالة القددية على احملار‪ .‬فهل كانت ‪٥‬بذا احملار قيمة سحرية كبعض أنواع‬
‫السمك‪ ،‬كما اعتقد الروماف ذلك ؟ وىو رٗبا اعتقاد فينيقي األصل‪ .‬فلقد مارس القدامى عبادة السمك‪ ،‬ومازالت آثار‬
‫طقوس ىذه العبادة منتشرة يف تونس حيث يعترب العواـ السمكة واقية من العْب الشريرة‪.3‬‬
‫وكانت ظاىرة األ‪٠‬باؾ ا‪٤‬بقدسة منتشرة يف أوساط القدامى وحدثتنا عنها بعض ا‪٤‬بصادر القددية‪ .‬فلقد وصف‬
‫الشاعر مارسياؿ (‪ 4)Martial‬يف إحدى إٔبراماتو (‪ )épigramme‬األ‪٠‬باؾ ا‪٤‬بقدسة الٍب تسبح يف مياه يب‬
‫(‪ )Baies‬وتعرؼ سيدىا وتبلمس يده مبلمسة لطيفة‪...‬‬
‫وحسب پلينيوس‪ ،‬توجد يف عدة فيبلت امرباطورية أ‪٠‬باؾ تطعم باليد ؛ «‪ ...‬ولقد ‪ٙ‬بدث عن ذلك القدامى‬
‫ألهنم شاىدوه بإعجاب يف الربؾ الطبيعية وليس يف ا‪٤‬بسمكات (‪ : )les viviers‬يف حصن ‪ Elore5‬يف صقلية‪ ،‬غّب‬
‫غّب بعيد عن ‪ Syracuse‬؛ وكذلك يف عْب ‪ Jupiter Labraynde6‬بالنسبة أل‪٠‬باؾ األنقليس ا‪٤‬بزينة با‪٢‬بلقات ؛‬
‫؛ وكذلك الشأف بالنسبة أل‪٠‬باؾ ‪ Chios‬بالقرب من ىيكل الشيوخ (‪ )temple des Vieillards‬؛ ويف ببلد‬
‫الرافدين (ميزوپوطاميا) بالنسبة أل‪٠‬باؾ عْب ‪.7»Chabura‬‬
‫وأورد برونو (‪ 8)L. Brunot‬خرب ‪٠‬بكة أنقليس ضخمة كانت تعيش يف عْب شالة حوارل ‪،1215-1211‬‬
‫‪ ،1215‬يبلغ طو‪٥‬با باعا ونصف باع‪ ،9‬وكاف غطاء خياشيمها مزينا ٕبلقتْب‪ .‬وكاف الناس يطعموهنا فتات ا‪٣‬ببز وقطعا‬

‫‪1‬‬
‫‪- PONSICH (M.), Recherches archéologiques à Tanger et dans sa région, Paris 1970, pp. 144-147.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- LAOUST (E.), Pêcheurs berbères du Sous, p. 240.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪--CHARLES-PICARD (G.), Les religions de l’Afrique antique, p. 12.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- MARTIAL, Ep., IV, 30 : « [4,30] XXX. - UN PÊCHEUR. Crois-moi, pêcheur, fuis bien loin du lac de Baïes, si tu‬‬
‫‪ne veux pas en revenir criminel. Le poisson qui nage dans ces eaux est sacré ; il connaît le maître du monde, et vient‬‬
‫‪lécher cette main, la plus puissante de l'univers. Ajouterai-je que chacun de ces poissons à son nom, et qu'il accourt‬‬
‫‪rapidement à la voix du maître qui l'appelle ? Un Libyen impie jeta un jour dans cette eau profonde sa ligne tremblante,‬‬
‫‪mais, au moment de tirer sa proie, frappé tout à coup de cécité, il perdit l'usage de ses yeux et ne put voir le poisson‬‬
‫‪qu'il avait pris : aujourd'hui, maudissant ses hameçons sacrilèges, il se tient en mendiant sur le rivage de Baïes. Toi,‬‬
‫‪pécheur, tandis que tu le peux encore, retire-toi innocent ; jette dans ces eaux des aliments salutaires, et respecte des‬‬
‫» ‪poissons consacrés.‬‬

‫‪ِّ -5‬اي ِٕاؾ ‪ Pachynum‬ظٕ‪ٛ‬ب ِهق ٔمٍ‪١‬ح‪.‬‬


‫‪ -6‬واْ ‪ٛ٠‬ظك ف‪ ٟ‬التهأكا (‪ ، )Labranda‬ف‪ ٟ‬وان‪٠‬ا اٌ‪ٛ‬الؼح ف‪ ٟ‬آٌ‪١‬ا إٌغه‪ِ ٜ‬ؼثكا ِىهٌا ٌى‪ٛ٠‬ي ٌرهاذ‪ٛ١‬ي ‪:‬‬
‫‪CHARLES-PICARD (G.), Le sanctuaire de Labraunda, Rev. Arch., oct.- déc. 1964, p. 169 sq.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- PLINE, H.N., XXXII, 16 (7).‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 182 ; BOUBE (J.), Les‬‬
‫‪nécropoles de Sala, p. 16 :‬‬
‫ذُ ذمك‪ ً٠‬ػ‪ِ ٓ١‬اٌح‪ ،‬ؼٍة ت‪ٛ‬ب ‪ِٕ ،‬م ػكج له‪ ْٚ‬ـٍد‪.‬‬
‫‪ « brasse »-9‬ل‪١‬اي تؽه‪٠ ٞ‬فرٍف ‪ ٌٗٛٚ‬تاـرالف اٌثٍكاْ‪ٌٚ ،‬ىٕٗ ‪٠‬رها‪ٚ‬غ ت‪ِ ٓ١‬ره ‪ٕٔٚ‬ف ‪ِٚ‬ره‪.ٓ٠‬‬

‫‪19‬‬
‫من اللحم‪ ،‬ودل يصطدىا أحد قط إذل أف اختفت يف يوـ ما‪.‬‬
‫ومازالت أ‪٠‬باؾ األنقليس تعيش يف العْب ا‪٤‬بذكورة يف شالة إذل يومنا ىذا ؛ وقد عوض البيض ا‪٤‬بسلوؽ والقطع‬
‫النقدية الٍب يرميها الزوار يف الصهريج فتات ا‪٣‬ببز وقطع اللحم الٍب ‪ٙ‬بدث عنها برونو‪ .‬وجلي أف أ‪٠‬باؾ األنقليس الٍب‬
‫شاىدهتا يف آخر زيارة رل ‪٥‬بذا ‪٤‬بوضع األثري سنة ‪ ،5114‬دل تعد مزينة با‪٢‬بلقات !‬
‫ومعلوـ أف شالة حسب اليوسي‪ ،‬من ا‪٤‬بواضع الٍب اشتهرت يف ببلد ا‪٤‬بغرب «ٗبفثر الصا‪٢‬بْب ووقع التغارل فيها‪،‬‬
‫منها شالة يف رباط سبل‪ ،‬فبل يعرؼ هبا إال أهنا مزارة يزورىا الناس ويتربكوف هبا‪ ،‬ودل يظهر من التربؾ بالصا‪٢‬بْب فيها ‪٥‬بذا‬
‫العهد إال حيٓب بن يونس‪ ،‬وىو معروؼ هبا‪ ،‬وال تعرؼ لو تر‪ٝ‬بة‪.»1...‬‬
‫وشاىدت يف تطاوف أ‪٠‬باؾ أنقليس ضخمة يف مزار مشهور يف أوساط العامة يسمى "العوينة"‪ ،‬حيظى بتقديس‬
‫الزوار الذين تؤطرىم "مقدمة" تشرؼ على تنظيم طقوس عملية الزيارة من إيقاد الشموع وإطعاـ االنقليس والشرب من‬
‫ماء العْب الٍب يعيش فيها السمك "ا‪٤‬بقدس"‪ ...‬وإطعاـ القطط الٍب ٘بسد ا‪١‬بن خارج العْب‪ ،‬بطواجن ‪٠‬بك تطهى‬
‫خصيصا للمناسبة ! وا‪٤‬بوضع ا‪٤‬بذكور يوجد أماـ قبة سيدي علي التبْب‪ ،‬اجملاىد األندلسي ا‪٤‬بعروؼ‪.2‬‬
‫وأشار القزويِب خبلؿ حديثو عن سبتة يف "كتاب آثار البالد" إذل «الصخرة الٍب وصل إليها موسى وفتاه يوشع‬
‫فنسيا ا‪٢‬بوت ا‪٤‬بشوي وكانا قد أكبل نصفو فأحٓب اهلل تعاذل النصف اآلخر فا‪ٚ‬بذ سبيلو يف البحر عجبا‪ ،‬ولو نسل إذل‬
‫اآلف يف ذلك ا‪٤‬بوضع‪ )...( ،‬والناس يتربكوف هبا ويهدوهنا إذل احملتشمْب‪ ،‬واليهود يقددوهنا وحيملوهنا إذل الببلد البعيدة‬
‫للهدايا»‪.3‬‬
‫ودل تقتصر ظاىرة تقديس األ‪٠‬باؾ على ا‪٤‬بناطق الساحلية (شالة وتطاوف)‪ ،‬وىي مناطق عرفت تأثّبات فينيقية‬
‫ورومانية فيما بعد‪ ،‬كما ىو الشأف يف باقي بلداف حوض البحر ا‪٤‬بتوسط‪ ،‬بل ‪٪‬بد ىذه الظاىرة منتشرة يف داخل الببلد‪.‬‬
‫فلقد أشار برونو (‪ 4)L. Brunot‬إذل وجود أ‪٠‬باؾ مقدسة يف سيدي فريج بفاس ويف حوض تيساوت‪ .‬وال يعرؼ ىل‬
‫ىل ىذه الظاىرة دخيلة على ا‪٤‬بغرب أـ ال ؟‬
‫وتزين بعض األوا‪،‬ي النحاسية بنقوش ‪ٛ‬بثل أ‪٠‬باكا‪ ،‬وىي تعترب فأؿ خّب يف اعتقاد العامة‪ .‬وقد يدؿ ذلك على‬
‫بقايا طقوس تقديس السمك قدديا‪.‬‬
‫ووردت يف بعض ا‪٤‬بصادر العربية أخبار تتعلق باألنقليس وتقديسو يف أماكن أخرى شرؽ ا‪٤‬بتوسط‪ ،‬كما ىو‬
‫الشأف بالنسبة ‪٤‬بشهد النيب دانياؿ (‪ )la chapelle de Daniel‬ا‪٤‬بقدس وأ‪٠‬باكو األنقليس التابو (‪: )tabous‬‬
‫«(‪ )...‬وفيها [سوس ٖبراساف] ‪٠‬بكة كبّبة كالغنمة الكبّبة يف أذهنا حلقة ذىب‪ ،‬فسألت عنها دل جعلوا يف‬

‫‪ -1‬اٌماقن‪َ ،ٞ‬شش انًثاٍَ ألهم انقشٌ انحادٌ عشش وانثاٍَ‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِؽّك ؼع‪ٚ ٟ‬أؼّك اٌر‪ٛ‬ف‪١‬ك‪ ،‬ض ‪. 63 .ْ ، 3‬‬
‫‪2‬‬
‫; ‪- VALDERRAMA (F.), El culto a las fuentes en Tetuan, I C.A.M.E., Tetuan 1954, pp. 491-500‬‬
‫‪ٚ‬ظؼفه اتٓ اٌؽاض اٌٍٍّ‪" ،ٟ‬أٌط‪ٛ‬نج ذط‪ٛ‬اْ أ‪ ٚ‬ذط‪ٛ‬اْ األٌط‪ٛ‬نج"‪ ،‬تطىاٌ خالل انقشٍَُ ‪ 61‬و ‪ 61‬؛ أػّاي ٔك‪ٚ‬ج ذط‪ٛ‬اْ ـالي اٌمهٔ‪11- 9: 17ٚ 16 ٓ١‬‬
‫ِاني ‪ ،1995‬وٍ‪١‬ح ا‪٢‬قاب ‪ٚ‬اٌؼٍ‪ َٛ‬اإلٍٔأ‪١‬ح ترط‪ٛ‬اْ‪ ،‬ذط‪ٛ‬اْ ‪. 176 - 165. ْ ْ ، 1996‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Journal Asiatique, oct.-déc. 1925, pp. 325-326.‬‬
‫‪ٚ‬أظه اٌثىه‪ ،ٞ‬انًسانك وانًًانك‪ ،‬ض‪٠ٚ )...(": 783 .ْ، 2‬موه أْ ت‪ٙ‬ما اٌّ‪٘ٛ‬غ [ِاء اٌؽ‪١‬اج] ٍٔ‪ ٟ‬فر‪ ٌِٝٛ ٝ‬اٌؽ‪ٛ‬خ‪ٛ٠ٚ ،‬ظك ف‪ ٟ‬لٌه اٌّ‪٘ٛ‬غ ـأح‬
‫ق‪ ْٚ‬غ‪١‬هٖ ؼ‪ٛ‬خ ‪ٍٕ٠‬ة إٌ‪ ،ٌِٝٛ ٝ‬ػه٘ٗ ِمكان شٍص‪ِ ٟ‬ثه ‪ ٌٗٛٚٚ‬أوصه ِٓ ِثه‪.")...(،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 176 ; Archives Marocaines,‬‬
‫‪VI, p. 367.‬‬

‫‪20‬‬
‫أذهنا حلقة ذىب‪ ...‬وذلك السمك ال يفر من الناس وقد أنس هبم يزوروف مشهد دانياؿ من ‪ٝ‬بيع ا‪٤‬بواضع‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫ا‪٤‬بشهد أوقاؼ كثّبة وخادـ خيدـ الزائرين والغرباء اجملاورين(‪.1»)...‬‬
‫وحسب ا‪٤‬بسعودي‪ ،‬كانت تعيش يف قصر األمْب ‪٠‬بكة مقرطة ٕبلقٍب ذىب كاف ا‪٣‬بليفة العباسي جيد هبا وجدا‬
‫شديدا إذل أف ضاعت منو‪...‬‬
‫«وذكر ابراىيم ابن ا‪٤‬بهدي قاؿ‪ :‬استأذنت على األمْب يوما وقد اشتد ا‪٢‬بصار عليو من كل وجو ؛ فأبوا أف‬
‫يأذنوا رل بالدخوؿ عليو إذل أف كابرت ودخلت ؛ فإذا ىو قد تطلع إذل دجلة بالشباؾ ؛ وكاف يف وسط القصر بركة‬
‫عظيمة ‪٥‬با ‪٨‬بَبؽ للماء إذل دجلة‪ ،‬ويف ا‪٤‬بخَبؽ شباؾ حديد ؛ فسلمت عليو وىو مقبل على ا‪٤‬باء وا‪٣‬بدـ والغلماف قد‬
‫انتشروا إذل تفتيش ا‪٤‬باء يف الربكة‪ ،‬وىو كالوالو ؛ فقاؿ رل وقد ثنيت بالسبلـ عليو وكررت ‪« :‬ال تدري يا عم‪ ،‬فمقرطٌب‬
‫قد ذىبت من الربكة إذل دجلة» ؛ وا‪٤‬بقرطة ‪٠‬بكة كانت قد اصطيدت لو وىي صغّبة‪ ،‬فقرطها ٕبلقٍب ذىب فيهما حبتا‬
‫در وقيل ‪ :‬ياقوت ؛ قاؿ ‪ :‬فخرجت وأنا آيس من فبلحو وقلت لو ارتدع عن الرعونة من وقت لكاف ىذا الوقت»‪.2‬‬
‫وإذا كاد األمْب أف يفقد صوابو بسبب ضياع مقرطتو‪ ،‬فإف أخاه ا‪٤‬بأموف فقد حياتو فجأة بسبب ‪٠‬بكة أورد‬
‫خربىا ا‪٤‬بسعودي مفصبل يف ا‪١‬بزء الرابع من "مروج الذهب" ‪:‬‬
‫«(‪ )...‬فرحل [ا‪٤‬بأموف] فلم ينثن عن غزاتو حٌب فتح أربعة عشر حصنا‪ ،‬وانصرؼ من غزاتو فنزؿ على عْب‬
‫البدندوف ا‪٤‬بعروفة بالعشّبة (‪ )...‬وجلس ‪ٙ‬بت الكنيسة الٍب عقدت لو وا‪٤‬باء ‪ٙ‬بتو(‪ )...‬فينما ىو كذلك إذا الحت ‪٠‬بكة‬
‫‪٫‬بو الذراع كأهنا سبيكة فضة‪ ،‬فجعل ‪٤‬بن خيرجها سبقا‪ ،‬فبدر بعض الفراشْب فنزؿ وأخذىا وصعد ؛ فلما صار على‬
‫حرؼ العْب أو على ا‪٣‬بشب الذي عليو ا‪٤‬بأموف اضطربت وامنلست من يد الفراش فوقعت يف ا‪٤‬باء كا‪٢‬بجر فنضحت من‬
‫ا‪٤‬باء على صدر ا‪٤‬بأموف و‪٫‬بره وتػرقوتو فبلت ثوبو ؛ مث ا‪٫‬بدر الفراش ثانية فأخذىا ووضعها بْب يدي ا‪٤‬بأموف يف منديل‬
‫تضطرب ؛ فقاؿ ا‪٤‬بأموف‪« :‬تقلى الساعة»‪.‬‬
‫مث أخذتو الرعدة من ساعتو ودل يقدر يتحرؾ من مكانو فغطي باللحف والدواويج وىو يرتعد كالسعفة ويصيح‪:‬‬
‫«الربد الربد !»‪ ،‬مث حوؿ إذل ا‪٤‬بضرب ودثر وأوقدت النّباف حولو وىو يصيح «الربد الربد !» مث أيت بالسمكة وقد فرغ من‬
‫قليها‪ ،‬فلم يقدر على الذواؽ منها‪ ،‬وقد شغلو ما ىو فيو عن تناوؿ شيء منها ؛ و‪٤‬با اشتد األمر با‪٤‬بأموف سأؿ ا‪٤‬بعتصم‬
‫ٖبتيشوع وابن ماسويو يف ذلك الوقت عن ا‪٤‬بأموف وىو يف سكرات ا‪٤‬بوت‪.»3...‬‬
‫ويوحي ىذا ا‪٤‬بوت ا‪٣‬باطف أف ‪٠‬بكة عْب البدندوف كانت مقدسة أو ‪٥‬با قيمة سحرية جهل ا‪٣‬بليفة وباؿ أمرىا‬
‫!؟‬

‫‪ -1‬أبو حامد األندلسي الغرناطي‪ ،‬تحفح األنثاب‪ٚ . 138 .ْ ،‬‬


‫‪Daniel, in : l’ENCYCLOPEDIE DE L’ISLAM.‬‬
‫‪ -2‬اٌٍّؼ‪ٛ‬ق‪ ،ٞ‬يشوج انزهة‪ ،‬ذؽم‪١‬ك ِاني تال‪ ،‬اٌعىء‪.268 .ْ ، 4‬‬
‫‪ٔ -3‬فٍٗ‪. 342 - 340.ْ ْ ،‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -1‬تخصيب الخيول األسطورية للحجور ‪:‬‬
‫وإذا كانت بعض األ‪٠‬باؾ قد قدست يف ا‪٤‬باضي يف مناطق من ا‪٤‬بغرب وحوض البحر ا‪٤‬بتوسط‪ ،‬كما ىو الشأف‬
‫بالنسبة لبعض ‪ٜ‬بار البحر الٍب استعملت يف ميداف الكهانة وا‪٤‬بعتقدات أو العبلج ‪ :‬الودع (ج ودعة وودعة) مثبل ؛ فإف‬
‫بعض سكاف ا‪٤‬بناطق الساحلية األطلنطكية ا‪٤‬بغربية عرفوا يف ا‪٤‬باضي‪ ،‬شأهنم شأف اإلغريق القدامى‪ ،‬أسطورة ا‪٢‬بجور الٍب‬
‫‪ٚ‬بصبها خيوؿ أسطورية‪ .‬وإذل عهد قريب نسبيا كاف بعضهم يربط أفراسو طوؿ الليل يف مواضع معلومة من الشاطئ‬
‫األطلنطكي معتقدا أف فحوال ‪ٚ‬برج من احمليط لتنزو عليها‪.‬‬
‫وزعم أىارل الرباط ونواحيها أف ىناؾ خيوال ٕبرية ‪ٚ‬برج من البحر ليبل لتسفد ا‪٢‬بجور‪ ،‬وأحدىا لو رأساف‪ ،‬وأف‬
‫األمهار الٍب تولد بعد ذلك تكوف من أ‪ٝ‬بل ا‪١‬بياد وأجودىا‪ ،‬وتعرؼ بػ«خيل الريح»‪ .‬ويروي سكاف شواطئ دكالة‬
‫أسطورة أوردىا دوطي (‪ )E. Doutté‬يف كتابو "مراكش"‪ ،1‬مفادىا أف جوادا ٕبريا (العود البحري) خيرج من البحر‬
‫ليلة واحدة يف السنة ليسفد حجور قبيلة البخايت‪ ،‬وىو ما يفسر حسب ىؤالء وجود أفراس عتاؽ يف قبيلتهم ال نظّب ‪٥‬با‪.‬‬
‫ويسمي القزويِب ىذه األمهار يف عجائب المخلوقات «أفراس ا‪٤‬باء»‪.‬‬
‫يقوؿ القزويِب ‪:‬‬
‫«فرس ا‪٤‬باء ‪ :‬قالوا إنو كفرس الرب إال أنو أكرب عرفا وذنبا وأحسن لونا وحافره مشقوؽ كحافر بقر الوحش وجثتو‬
‫دوف فرس الرب وفوؽ ا‪٢‬بمار بقليل‪ ،‬ورٗبا خيرج ىذا الفرس من ا‪٤‬باء وينزو على فرس الرب فيتولد منهما ولد يف غاية ا‪٢‬بسن‪.‬‬
‫وحكي أف الشيخ أبا القاسم ويعرؼ بكركاف ر‪ٞ‬بو اهلل وىو من مشايخ خراساف نزؿ على ماء وكاف معو حجرة‪ ،‬فخرج‬
‫من ا‪٤‬باء فرس أدىم عليو نقط بيض كالدراىم ونزا على ا‪٢‬بجرة فولدت مهرا شبيها بالذكر عجيب الصورة‪ ،‬فلما كاف‬
‫ذلك الوقت عاد إذل ذلك ا‪٤‬بكاف وا‪٢‬بجرة وا‪٤‬بهر معو طمعا يف مهر آخر‪ ،‬فخرج الفحل وشم مهره مث وثب يف ا‪٤‬باء ووثب‬
‫ا‪٤‬بهر بعده فكاف الشيخ يعاود ذلك ا‪٤‬بوضع مع ا‪٢‬بجرة فسمي أبا القاسم كركاف»‪.2‬‬
‫ويف كتاب "تاريخ الحيوانات" روى أرسطو‪ 3‬أف ا‪٢‬بجور تعد من بْب ذوات ا‪٢‬بوافر الٍب تدؽ (ودؽ أي طلب‬
‫الفحل) أكثر من غّبىا وقت السفاد‪ ،‬وأهنا على أية حاؿ مثاؿ األنثى ا‪٤‬بسعورة ؛ ولذلك يطلق ىذا النعت ا‪٤‬بهْب ‪-‬‬
‫ا‪٢‬بجر‪ -‬على ا‪٤‬برأة الشبقة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- DOUTTE (E.), Marrâkech, Paris 1905, p. 237 : « Il existe une fraction des Ἁbda, les Bkhâti qui est enclavée dans les‬‬
‫‪Doukkâla, … Ils ont des bêtes magnifiques, surtout certains chevaux noirs. Une légende très enracinée veut que tous les‬‬
‫‪ans, une nuit, « le cheval marin », … sorte de la mer et vienne saillir les juments des Bkhâti. Ainsi explique-t-on la‬‬
‫‪beauté des produits qui errent dans les pâturages de cette tribu…».‬‬
‫‪ -2‬اٌمى‪ ،ٟٕ٠ٚ‬عجائة انًخهىقاخ وغشائة انًىجىداخ‪ ،‬لكَ ٌٗ ‪ٚ‬ؼممٗ فان‪ٚ‬ق ٌؼك‪ ،‬ت‪١‬ه‪ٚ‬خ ‪. 193 - 192 .ْ ْ ،1973‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- ARISTOTE, Histoire des Animaux, VI, 17, 6 ; Texte établi et traduit par P. Louis, Paris 1968 : « Parmi les femelles,‬‬
‫‪ce sont les juments, avant toutes les autres, et après elles, les vaches, qui se montrent les plus ardentes à l'accouplement.‬‬
‫‪Les femelles des chevaux en deviennent folles, ou comme on dit, hippomanes ; de là vient que, quand on veut flétrir les‬‬
‫‪gens beaucoup trop livrés aux plaisirs de l'amour, on leur inflige ce surnom d'hippo-mânes, qu'on tire uniquement de la‬‬
‫» ‪jument, parmi toutes les autres femelles.‬‬
‫‪ٚ‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪ «: .55ْ ، 4‬لاي [ٔاؼة إٌّطك]‪ٚ :‬وػُ تؼٗ إٌاي أْ إٔاز اٌف‪ ً١‬ذّرٍئ ن‪٠‬ؽا ف‪ ٟ‬وِاْ ٘‪١‬ع‪ٙ‬ا‪ ،‬فال ‪٠‬ثاػك‪ ْٚ‬اٌمو‪ٛ‬نج ػٕ‪ٙ‬ا‪.‬‬
‫‪ٚ‬إلا اػرها٘ا لٌه نو‪ٙ‬د نو‪ٙ‬ا ِك‪٠‬كا‪ ،‬شُ ال ذأـم غهتا ‪ٚ‬ال ِهلا‪ ،‬تً ذأـم ف‪ ٟ‬اٌّّاي ‪ٚ‬اٌعٕ‪ٛ‬ب» ؛ ‪ٚ‬اٌمى‪( ٟٕ٠ٚ‬ػٍ‪ ٟ‬تٓ ػّه تٓ ػٍ‪ ٟ‬اٌىاذث‪ ،)ٟ‬جىايع‬
‫انهزج‪ ،‬اٌّا‪٠‬ح (ٌ‪١‬ث‪١‬ا)‪ ، 222.ْ ، 2002،‬ؼ‪١‬س ‪ٚ‬نق والَ ِث‪ ٗ١‬تّا ن‪ٚ‬اٖ اٌعاؼع‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ وأهنا حْب تدؽ تعدو وتبتعد عن باقي‬،‫بصب بالريح وقت السفاد‬ٚ ‫بجور‬٢‫ أف ا‬،1‫ حسب أرسطو‬،‫ويروى كذلك‬
‫ فيسيل آنذاؾ من عضوىا‬،‫ وال تَبؾ أيا كاف يقَبب منها حٌب تنهك أو تبلغ البحر‬،‫بنوب‬١‫بو الشماؿ أو ا‬٫ ‫بيل إما‬٣‫ا‬
...‫ ولكنو أفتح منو لونا‬،‫بِب‬٤‫التناسلي سائل يشبو ا‬
‫بصب‬ٚ ‫بجور ديكن أف‬٢‫ولقد وردت يف عدة مصادر إغريقية والتينية نصوص تثبت اعتقاد القدامى يف أف ا‬
‫) ٕبب حجور إريكطونيوس‬Borée( ‫ وحيكي ىومّبس يف اإللياذة كيف علق بوري‬.‫بواسطة الريح‬
: )Erichthonios(
‫ وىي تتباىى‬،‫) ترعى يف مروج ندية‬Erichtonios( ‫) كانت ثبلثة آالؼ حجرا يف ملك إريكطونيوس‬...(«
،‫ وسافد بعضها‬،‫بذ شكل حصاف ذي عرؼ شديد الزرقة‬ٚ‫) الذي ا‬Borée( ‫ وأثناء رعيها علق هبا بوري‬.‫ٗبهراهتا الوثابة‬
‫ كانت تقفز على أطراؼ سفا السنابل دوف‬،‫بهرات تركض يف حقوؿ القمح‬٤‫با كانت ىذه ا‬٤‫ و‬.‫فولدت اثنتا عشرة مهرة‬
.2»)...( ‫بصطخبة‬٤‫ كانت تعدو على قمم أمواجو ا‬،‫با كانت تقفز على سطح البحر الشاسع‬٤‫ و‬...‫ثنيها‬
،‫ ويف رواية أخرى‬.‫ وكاف ديثل على شكلها‬،‫بيل‬٣‫) إلو ريح الشماؿ العنيفة عبلقة وطيدة با‬Borée( ‫وكاف لبوري‬
.3‫) الٍب ولدت لو اثنا عشر مهرا‬Danaos( ‫بلك داناووس‬٤‫نزا بوري على إحدى حجور ا‬
،)Zéphyr( ‫) إذل زفّب‬Achille( ‫ نسب ىومّبس خيوؿ البطل اإلغريقي آخيل‬،‫ويف النشيد السادس عشر‬
: ‫) الٍب ٘بسد العنف‬Borée( ‫ وىي ريح لطيفة يرحب هبا كلما ىبت عكس ريح الشماؿ‬،‫إلو ريح الغرب‬
‫) وباليوس‬Xanthos( ‫ گزانطوس‬: ‫) بفرسْب سريعْب ذلولْب‬Automédon( ‫) أتاه أوطوميدوف‬...(«
‫) الٍب نزا عليها‬la Harpye Podargé( ‫ وقد ولدهتما ىارپي پودارجي‬،‫) اللذين كانا يطّباف كالرياح‬Balios(
.»4)...( ‫برى األوقيانوس‬٦ ‫) العنيف بينما كانت ترعى يف مرج على ضفاؼ‬Zéphyre( ‫زيفّب‬
.5)Apollon( ‫ويف رواية أخرى ذكر گزانطوس وباليوس كحصانْب خالدين لئللو أپولوف‬
‫) وصفا‬Les Géorgiques( ‫) يف ديوانو‬Virgile( ‫ فّبجيل‬،‫وخلف لنا أكرب شعراء روما على اإلطبلؽ‬
: ‫ لقد أنشد فرجيل قائبل‬.‫بذه الظاىرة الٍب كاف ىومّبس سباقا لوصفها‬٥ ‫شاعريا يف منتهى الروعة‬
‫ يف العهد الذي‬،‫بنوف‬١‫ وكانت فينوس بنفسها قد زرعت فيها ىذه ا‬،‫بجور شيء فريد‬٢‫) ولكن ىياج ا‬...(«

1
- ARISTOTE, Histoire des Animaux, VI, 17, 7 : « On dit aussi qu'à ces époques, elles sont affolées par le vent. C'est
ce qui fait que dans l'île de Crète, on n'empêche en rien la saillie des cavales. Une fois couvertes, elles se mettent à fuir
loin des autres chevaux ; leur mal est celui que, pour les femelles des sangliers, on appelle avoir la fureur du sanglier.
D'ailleurs, elles ne courent jamais ni vers l’est, ni vers l'ouest ; mais toujours au nord ou au sud. Quand elles sont
atteintes de cette furie, elles ne souffrent pas que personne s'approche d'elles, jusqu'à ce qu'elles tombent épuisées de
fatigue, ou qu'elles se plongent dans la mer. 8 Elles laissent alors couler un corps pareil à celui qu'on appelle aussi du
nom d'hippomane dans le poulain qui vient de naître. Ce corps ressemble à l'ovaire de la truie; et c'est une substance
très recherchée pour la fabrication des remèdes. Aux époques de l'accouplement, les juments se penchent les unes sur
les autres plus qu'elles ne le font d'ordinaire ; elles agitent à tout instant leur queue ; et la voix qu'elles ont alors est très
différente de celle qu'elles ont à tout autre moment. Alors aussi, il s'écoule de leurs parties génitales un liquide qui se
rapproche de la semence des mâles, mais qui est beaucoup plus léger. »
2
- HOMERE, L’Iliade, XX, 223.
3
- GRANT (M.) et HAZEL (J.), Dictionnaire de la mythologie, pp. 69-70.
4
- HOMERE, L’Iliade, XVI, 150 ; MANILIUS, Astronomiques, IV, 584-595.
5
- GRANT (M.) et HAZEL (J.), Dictionnaire de la mythologie, p. 378.

23
‫مزقت فيو فكوؾ الپوطنياد (‪ )les Potniades‬أعضاء غلوكوس (‪ .)Glaucus‬ىذا ا‪٢‬بجور يدفعها حبها ا‪١‬بنو‪،‬ي‬
‫فيما وراء الغارغار (‪ ،)Gargare‬وفيما وراء األسكا‪،‬ي (‪ )l’Ascagne‬ا‪٤‬بصوت‪ ،‬وتقطع ا‪١‬بباؿ واألهنار ؛ وٗبجرد ما‬
‫تودؽ‪ ،‬تصعد إذل قمم الصخور وفمها موجو ‪٫‬بو زيفّب (‪ ،)Zéphyr‬وتتشرب نسامو الرقيقة‪ ،‬وغالبا ما يتم إخصاهبا‬
‫دوف سفاد‪ ،‬بواسطة الريح ؛ فيا للعجب ! (‪.»1)...‬‬
‫وروى فاروف (‪ )Varron‬يف مؤلفو "االقتصاد الريفي" يف القرف ‪ I‬ؽ‪.‬ـ‪ٚ .‬بصيب الريح للحجور على شواطئ‬
‫الربتغاؿ األطلنطكية‪ ،‬يف ا‪٤‬بنطقة الٍب تقع فيها مدينة أوليسيپو (‪ ،)Olisipo‬وىو االسم القدمي ‪٤‬بدينة لشبونة ‪:‬‬
‫«وٖبصوص التسافد‪ ،‬يقع يف إسپانيا شيء غريب ولكنو حقيقي ‪ :‬ففي لوزيطانيا‪ ،‬بالقرب من األوقيانوس‪،‬‬
‫(‪ )...‬توجد فوؽ جبل طاغروس (‪ )Tagrus‬حجور يتم إخصاهبا يف بعض األحياف بواسطة الريح‪ .)...( ،‬لكن ا‪٤‬بهور‬
‫الٍب تلدىا ىذه ا‪٢‬بجور ال تعيش أكثر من ثبلث سنوات‪.»2‬‬
‫ويف مؤلفو الضخم‪ ،De Re rustica ،‬أورد العادل الزراعي الروما‪،‬ي كولوميل (‪ 3)Columelle‬يف القرف‬
‫‪I‬ـ نفس األسطورة مستشهدا بأبيات فرجيل الذي كاف ‪٧‬بل إعجابو‪.‬‬
‫والحظ (‪ 4)S. Reinach‬أف أسطورة ا‪١‬بياد العتاؽ الٍب تنسب إذل الرحيْب زفّب (‪ )Zéphyre‬وبوري‬
‫(‪ )Borée‬استمرت يف أوربا إذل غاية القروف الوسطى‪ ،‬بل إذل ما بعد العصر الوسيط‪ ،‬ورجح أف يكوف اإلغريق قد‬
‫تصوروا الرياح على شكل خيل‪ ،‬كما ىو األمر بالنسبة للميثولوجيا ا‪١‬برمانية‪.‬‬
‫واعتقد بعض العرب‪ ،‬حسب ا‪١‬باحظ‪ ،‬أف للرياح خصائ ص‪ ،‬فالشماؿ « ييبس ويقصف‪ ،‬وا‪١‬بنوب يرطب‬
‫ويلدف‪ »5‬؛ «‪ ...‬وأكثر ما يكوف فساد البيض يف ا‪١‬بنائب‪ ،‬ولذلك كاف ابن ا‪١‬بهم ال يطلب من نسائو الولد إال والريح‬
‫مشاؿ»‪.6‬‬
‫« وروى أبو الفرج بن ا‪١‬بوزي بإسناده أف الريح‪ 7‬تنقسم إذل قسمْب ‪ :‬ر‪ٞ‬بة وعذاب ؛ وينقسم كل قسم إذل‬
‫الرخاء‪ .‬وأ‪٠‬باء أقساـ قسم‬ ‫أربعة أقساـ‪ .‬ولكل قسم اسم‪ .‬فأ‪٠‬باء أقساـ قسم الر‪ٞ‬بة ‪ :‬ا‪٤‬ببشرات‪ ،‬والنُّشر‪ ،‬وا‪٤‬برسبلت‪ ،‬و ُّ‬

‫‪1‬‬
‫‪- VIRGILE, Les Géorgiques, III, 274.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- VARRON, Economie rurale, II, 1, 19.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- COLUMELLE, De Re rustica, VI, 27.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- REINACH (S.), Cultes, Mythes et Religions, t. V, Paris 1923, p. 42.‬‬
‫‪ -5‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪ٚ": 407.ْ ، 4‬أّٔكٔ‪٠ ٟ‬ؽ‪ ٝ١‬األغه‪ :‬و‪ٙ‬هب اٌم‪ٌ ْٛ١‬ث‪١‬ه اٌؽك‪٠‬ـــــــــــــــــــك ‪ َٛ٠‬اٌعٕائة ٘هتا ‪ٚ‬و‪١‬كا‬
‫فٍُ أػهفٗ ؛ فٍأٌد تؼٗ إٌ‪١‬الٍح فماي ‪ٔ :‬ؼُ‪٘ ،‬ما ت‪ِ ٓ١‬ؼه‪ٚ‬ف‪ .‬إلا أـهظٕا اٌؽك‪٠‬كج ِٓ اٌى‪١‬ه ف‪ِّ َٛ٠ ٟ‬اي‪ٚ ،‬اؼراظد ف‪ ٟ‬اٌمطغ إٌ‪ِ ٝ‬ائح ٘هتح‪ ،‬اؼراظد‬
‫ف‪ ٟ‬لطؼ‪ٙ‬ا ‪ َٛ٠‬اٌعٕ‪ٛ‬ب إٌ‪ ٝ‬أوصه ِٓ لٌه‪ٚ ،‬إٌ‪ ٝ‬أِك ِٓ لٌه اٌ‪ٙ‬هب‪." ...‬‬
‫‪ -6‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪ 173 – 172 . ْ ْ ،3‬؛ ‪ٌٚ‬مك ٌثمٗ اإلغه‪٠‬م‪ ٟ‬إتُّمها‪ ٚ‬إٌ‪٘ ٝ‬ما اٌىالَ ؼ‪١‬س لاي ‪ «:‬إْ اٌعٕ‪ٛ‬ب إلا ٘ثّد‪ ،‬ألاتد اٌ‪ٛٙ‬اء ‪ٚ‬تهّقذٗ‪،‬‬
‫‪ٌٚ‬فٕد اٌثؽان ‪ٚ‬األٔ‪ٙ‬ان‪ .‬فىً ِ‪ٟ‬ء ف‪ ٟ‬ن‪ٛٚ‬تح ذغ‪ّ١‬ه ٌ‪ٚ ٗٔٛ‬ؼاالذٗ‪ ٟ٘ٚ .‬ذهـ‪ ٟ‬األتكاْ ‪ٚ‬اٌؼٕة‪ٚ ،‬ذ‪ٛ‬نز اٌىًٍ‪ٚ ،‬ذؽكز شِمال ف‪ ٟ‬األٌّاع‪ٚ ،‬غّا‪ٚ‬ج ف‪ٟ‬‬
‫األتٕان‪ٚ .‬أِا اٌّّاي فئٔ‪ٙ‬ا ذٍٕة األتكاْ‪ٚ ،‬ذٕؽػ األقِغح‪ٚ ،‬ذؽٍٓ اٌٍ‪ٚ ،ْٛ‬ذٕف‪ ٟ‬اٌؽ‪ٛ‬اي‪ٚ ،‬ذم‪ ٞٛ‬اٌّ‪ٛٙ‬ج ‪ٚ‬اٌؽهوح‪ ،‬غ‪١‬ه أٔ‪ٙ‬ا ذ‪١ٙ‬ط اٌٍؼاي‪ٚٚ ،‬ظغ‬
‫إٌكن» ؛ أظه ‪ :‬إٌ‪٠ٛ‬ه‪َ ،ٞ‬هاَح األسب فٍ فُىٌ األدب‪ ،‬اٌٍّفه األ‪ٚ‬ي‪ ،‬اٌما٘هج‪ ،‬تك‪ ْٚ‬ذان‪٠‬ؿ‪.96 .ْ ،‬‬
‫‪ِ ٟ٘ٚ« -7‬ؤٔصح‪٠ ،‬ماي ٘ثّد اٌه‪٠‬ػ ذ‪ٙ‬ة ٘ث‪ٛ‬تا‪ٚ ،‬ذعّغ ػٍ‪ ٝ‬ن‪٠‬اغ‪ٚ ،‬لك قي االٌرمهاء ػٍ‪ ٝ‬أٔ‪ٙ‬ا ؼ‪١‬س ‪ٚ‬نقخ ف‪ ٟ‬اٌمهآْ اٌىه‪ ُ٠‬ف‪ِ ٟ‬ؼهٖ اٌؼماب‪ ،‬وأد تٍفع‬
‫اإلفهاق‪ٚ ،‬ؼ‪١‬س ‪ٚ‬نقخ ف‪ِ ٟ‬ؼهٖ اٌهؼّح وأد تٍفع اٌعّغ‪ .‬لاي ذؼاٌ‪ ٝ‬ف‪ ٟ‬ظأة اٌؼماب ‪ٚ ﴿ :‬فِ‪ ٟ‬ػا ٍق إِ ْل أنْ ٌ ٍْٕا ػٍ ْ‪ ُُ ِٙ ١‬اٌهِّ‪٠‬ػ ْاٌؼمِ‪[ ﴾ُ١‬اٌمان‪٠‬اخ ‪ ،‬ا‪٠٢‬ح ‪ ]41‬؛‬
‫ً ٍُِْر ِّه ﴾ [اٌمّه‪ ،‬ا‪٠٢‬ح ‪ٚ .]19‬ف‪ ٟ‬ظأة اٌهؼّح ‪ ُٛ٘ٚ﴿ :‬اٌَّ ِم‪ ٞ‬أنْ ًٌ اٌهِّ ‪٠‬اغ تُ ّْهًا ت ْ‪٠ ٓ١‬ك‪ ْٞ‬نؼْ ّرِ ِٗ‬ ‫‪ٚ‬لاي ‪ ﴿ :‬إَِّٔا أنْ ٌ ٍْٕا ػٍ ْ‪ِ ُْ ِٙ ١‬ن‪٠‬ؽًا ٔهْ ٔهًا فِ‪ٔ َِ ْٛ٠ ٟ‬ؽْ ٍ‬
‫‪ٚ‬أ ْٔى ٌْٕا ِِٓ اٌٍَّّا ِء ِا ًء ‪ُٛٙٚ‬نًا﴾ [اٌفهلاْ‪ ،‬ا‪٠٢‬ح ‪ ]48‬؛ ‪ٚ‬لاي ‪َّ ﴿ :‬‬
‫هللاُ اٌَّ ِم‪ُ٠ ٞ‬هْ ٌِ ًُ اٌهِّ ‪٠‬اغ فرُصِ‪ُ ١‬ه ٌؽاتًا ف‪ْ ١‬ث ٍُطُُٗ فِ‪ ٟ‬اٌٍَّّا ِء و‪ْ١‬ف ‪ّ٠‬ا ُء﴾ [اٌه‪ ،َٚ‬ا‪٠٢‬ح ‪ ،]48‬إٌ‪ٝ‬‬
‫ّ‬
‫غ‪١‬ه لٌه ِٓ ا‪٠٢‬اخ ؛ أظه ‪ :‬صثح األعشً ٌٍمٍمّٕك‪ِ ،ٞ‬هؼٗ ‪ٚ‬ػٍك ػٍ‪ٚ ٗ١‬لاتً ٕٔ‪ِ ٗٔٛ‬ؽّك ؼٍ‪ ًِّ ٓ١‬اٌك‪ ،ٓ٠‬ض ‪ ،1 ٚ ،2‬ت‪١‬ه‪ٚ‬خ ‪.ْ ْ ،1987‬‬
‫‪ 185-184‬؛ ‪ٚ‬وراب فقه انهغح ٌٍصؼاٌث‪ ،ٟ‬ت‪١‬ه‪ٚ‬خ‪279 -277 .ْ ،1885 ،‬؛ ‪.355-354‬‬

‫‪24‬‬
‫العذاب ‪ :‬العاصف‪ ،‬والقاصف (ومها يف البحر)‪ ،‬والعقيم‪ ،‬والصرصر (ومها يف الرب) ‪.1»...‬‬
‫والرياح‪ ،‬حسب ابن قتيبة‪ «،2‬أربع "الشماؿ‪ ،)...( "3‬وىي إذا كانت يف الصيف حارة "بار ٌح" و‪ٝ‬بعها بوارح ؛‬
‫و"ا‪١‬بنوب" تقابلها ؛ و"الصبا‪ "4‬تأيت من مطلع الشمس‪ ،‬وىي "القبوؿ" و"الدَّبور‪ "5‬تقابلها‪ .‬وكل ريح جاءت بْب مهيب‬
‫مهيب رحيْب فهي "نكباء"‪٠ ،‬بيت بذلك ألهنا نكبت‪ ،‬أي ‪ :‬عدلت عن مهاب ىذه األربع»‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الصبا‪ ،‬أو الشماؿ والدبور‪ ،‬أو‬
‫وعرؼ ا‪٤‬بربد النكباء‪ ،‬ب ػ « الريح الٍب تأيت من بْب رحيْب فتكوف بْب الشماؿ و َّ‬
‫الصبا ؛ فإذا كانت النكباء تناوح الشماؿ فهي آية الشتاء‪ .‬ومعُب "تناوح"‪ :‬تقابل (‪.»)...‬‬ ‫ا‪١‬بنوب والدبور‪ ،‬أو ا‪١‬بنوب و َّ‬

‫‪ -4‬البحر كمجال مقدس عند اإلغريق القدامى وبعض المغاربة ‪:‬‬


‫رأينا سابقا أف ‪٦‬بموعة من الظواىر ا‪٤‬برتبطة بالبحر يف ببلد اإلغريق كاف ‪٥‬با صدى يف ا‪٤‬بغرب بشكل أو بفخر يف‬
‫ميداف األسطورة ؛ وديكن إبداء نفس ا‪٤‬ببلحظة يف ميداف السلوؾ ا‪١‬بماعي الذي ميز تصرفات بعض سكاف ا‪٤‬بغرب ٘باه‬
‫البحر‪ ،‬حيث نرى أيضا صدى لبعض نصائح ىيزيود أو أخبار پلينيوس‪.‬‬
‫لقد هنى أقدـ شعراء اإلغريق ىيزيود يف ديوانو "األعمال واأليام" عن التبوؿ يف ‪٦‬باري األهنار‪ ،‬ال لشيء إال‬
‫ألهنا تصب يف البحار‪ .7‬وروى ىّبودوت يف استقصائو كيف كاف الفرس ديتنعوف عن التبوؿ والبصق يف األهنار‪ ،‬بل وال‬
‫ينظفوف فيها أيديهم‪ ،‬ودينعوف الناس عن فعل ذلك ‪:‬‬
‫«ال يتبولوف [الفرس] يف النهر وال يبصقوف فيو‪ ،‬كما ال يغسلوف أيديهم فيو‪ ،‬ودينعوف أيا كاف عن القياـ بذلك ؛‬
‫ويكنوف احَباما جليبل لكل اجملاري ا‪٤‬بائية(‪.»8)...‬‬
‫وحيكي پلينيوس قدوـ اجملوسي تّبيداط (‪ )Tiridate‬إذل روما للقاء نّبوف (‪ ،)Néron‬ورفضو ركوب البحر‬
‫يف سفره‪ ،‬ألف اجملوس‪ ،‬حسب پلينيوس‪ ،‬يعتقدوف أف البصق يف البحر أو تنجيسو جيلب الشؤـ لصاحبو ‪:‬‬

‫‪ -1‬إٌ‪٠ٛ‬ه‪َ ،ٞ‬هاَح األسب فٍ فُىٌ األدب‪ ،‬اٌٍّفه األ‪ٚ‬ي‪ ،‬اٌما٘هج‪ ،‬تك‪ ْٚ‬ذان‪٠‬ؿ‪.95 .ْ ،‬‬
‫‪ -2‬اتٓ لر‪١‬ثح‪ ،‬أدب انكاتة‪ ،‬اٌطثؼح اٌهاتؼح‪ ،‬اٌما٘هج ‪.72 .ْ، 1964‬‬
‫‪« -3‬اٌصاٌصح "اٌّّاي"‪٠ٚ :‬ماي ف‪ٙ١‬ا ِّاي ‪ّْ ِٚ‬أي ‪ِٚ‬اًِ ‪ِٚ‬أًِْ ِ‪ّٛٙ‬وا ‪ٚ‬غ‪١‬ه ِ‪ّٛٙ‬و ؛ ‪ِٙٚ‬ثّ‪ٙ‬ا ِٓ ؼ ّك اٌمطة اٌّّاٌ‪ ٟ‬إٌ‪ِ ٝ‬غهب اًٌّّ‪١ٌّٚ ،‬د ِّاال‬
‫ألٔ‪ٙ‬ا ػٍ‪ِّ ٝ‬اي ِٓ اٌرمثً اٌّّهق» ؛ أظه ‪ :‬صثح األعشً ٌٍمٍمّٕك‪ ،ٞ‬ض ‪.185 .ْ ،2‬‬
‫‪ « -4‬ل‪١ٌّ ً١‬د ن‪٠‬ػ إٌَّثا‪ ،‬ألْ إٌف‪ٛ‬ي ذٕث‪ ٛ‬إٌ‪ٙ١‬ا ٌِط‪١‬ة ٍٔ‪ّٙ١‬ا ‪ٚ‬ن‪ ْٚ‬ؼ‪ٙ‬ا‪ٚ .‬إٌَّث‪ٛ‬ج اٌّ‪ٚ .ً١‬ظاء ف‪ ٟ‬تؼٗ ا‪٢‬شان ‪ِ :‬ا تُؼس ٔث‪ ٟ‬إال ‪ٚ‬إٌثا ِؼٗ‪ٟ٘ٚ ،‬‬
‫اٌه‪٠‬ػ اٌر‪ٌُ ٟ‬فهخ ٌٍٍ‪ّ١‬اْ‪ٚ ...‬ػٓ نٌ‪ٛ‬ي هللا ‪ ...‬أٔٗ لاي "ُٕٔهخ تإٌّثا‪ٚ ،‬أٍُ٘ىد ػاق تاٌ ّكت‪ٛ‬ن »‪ .‬أظه ‪ :‬إٌ‪٠ٛ‬ه‪َ ،ٞ‬هاَح األسب فٍ فُىٌ األدب‪ ،‬اٌٍّفه‬
‫األ‪ٚ‬ي‪ ،‬اٌما٘هج‪ ،‬تك‪ ْٚ‬ذان‪٠‬ؿ‪ 99 -97 .ْ ْ ،‬؛ ‪ ٚ‬صثح األعشً ٌٍمٍمّٕك‪ ،ٞ‬ض ‪ٚ «: 185 .ْ ،2‬أٔ‪ٛ‬ي اٌه‪٠‬اغ أنتؼح ‪ :‬األ‪" ٌٝٚ‬إٌَّثا"‪ ٟ٘ٚ :‬اٌر‪ ٟ‬ذأذ‪ٟ‬‬
‫ِٓ اٌّّهق‪ٚ ،‬ذٍّ‪ ٝ‬اٌمث‪ٛ‬ي أ‪ٙ٠‬ا‪ ،‬ألٔ‪ٙ‬ا ف‪ِ ٟ‬ماتٍح ٍِرمثًِ اٌّّهق‪ .‬لاي ف‪ٕٔ ٟ‬اػح اٌ ُىرّاب [ألت‪ ٟ‬ظؼفه إٌؽاي] ‪ٚ :‬أً٘ ِٕه ‪ٍّٙٔٛ٠‬ا اٌّهل‪١‬ح‪ ،‬ألٔ‪ٙ‬ا ذأذ‪ٟ‬‬
‫ِٓ ِّهق اًٌّّ‪ ٟ٘ٚ ،‬اٌر‪ُٕٔ ٟ‬ه ت‪ٙ‬ا إٌث‪ َٛ٠ ٟ‬األؼىاب وّا أـثه تم‪ُٕٔ" ٌٗٛ‬هخ تإٌّثا" »‪.‬‬
‫‪ -5‬أظه ‪ :‬صثح األعشً ٌٍمٍمّٕك‪ ،ٞ‬ض ‪ «: 185 .ْ ،2‬اٌصأ‪١‬ح "اٌ ّكت‪ٛ‬ن" ‪ِٙٚ :‬ثُّ‪ٙ‬ا ِٓ ِغهب اًٌّّ إٌ‪ ٝ‬ؼك اٌمطة اٌعٕ‪ٛ‬ت‪١ٌُّٚ ،ٟ‬د اٌكت‪ٛ‬ن ألْ ٍِرمثً‬
‫اٌّّهق ‪ٍ٠‬ركته٘ا‪ٚ ،‬ذٍّ‪ ٝ‬اٌغهت‪١‬ح ٌ‪ٙ‬ث‪ٛ‬ت‪ٙ‬ا ِٓ ظ‪ٙ‬ح اٌّغهب‪ٚ ،‬ت‪ٙ‬ا ٍ٘ىد ػاق وّا أـثه ػٍ‪ ٗ١‬اٌٍالَ تم‪ٚ": ٌٗٛ‬أٍ٘ىد ػاق تاٌ ّكت‪ٛ‬ن"‪.‬‬
‫‪ -6‬اٌّثهق‪ ،‬انكايم‪ ،‬اٌّعٍك ‪ ،2‬قان اٌفىه اٌؼهت‪ ،ٟ‬تك‪ ْٚ‬ذان‪٠‬ؿ‪.54 .ْ ،‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- HESIODE, Les travaux et les Jours, Vers 755-759 ; Traduction : Anne BIGNAN, Paris, 1847 :« Si tu arrives au‬‬
‫‪milieu d'un sacrifice déjà commencé, ne te moque point des mystères ; la divinité s'en irriterait. Ne va point uriner dans‬‬
‫‪le courant des fleuves qui coulent vers la mer, ni dans l'eau des fontaines ; garde toi de les profaner ainsi. N'y satisfais‬‬
‫»‪pas également d'autres besoins ; une telle action ne serait pas plus louable.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- HERODOTE, I, 138.‬‬

‫‪25‬‬
‫«دل يرد تّبيدات (‪ )Tiridate‬فعبل أف يأيت عن طريق البحر ألف اجملوس يروف أف البصق يف البحر أو تنجيسو‬
‫بإحدى ‪٪‬باسات اإلنساف وخيم العواقب (‪.»1)...‬‬
‫وأشار ا‪١‬باحظ إذل أف « اجملوسي ال يتغوط يف اآلبار والببلليع ألنو بزعمو يكرـ بطن األرض عن ذلك‪ ،‬ويزعم‬
‫أف األرض أحد األركاف الٍب بنيت العوادل ا‪٣‬بمسة عليها بزعمهم (‪.2»)...‬‬
‫وإذا كاف أقدـ شعراء اإلغريق‪ ،‬ىيزيود قد هنى يف ديوانو "األعمال واأليام"‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬عن التبوؿ يف ‪٦‬باري‬
‫األهنار الٍب تصب يف البحر ؛ فإف سكاف شواطئ الرباط كانوا ديتنعوف بدورىم عن البصق والتبوؿ ورمي القاذورات يف‬
‫البحر‪ ،‬شأهنم شأف اإلغريق القدامى‪ ،‬ألف البحر ‪٦‬باؿ طاىر ال ينبغي تنجيسو‪ ،‬وراكبو جيب أف يكوف متطهرا‪ ،‬ومن ال‬
‫يتقيد هبذا النهي فإنو سيصاب يف زعمهم بالصرع حتما‪.‬‬
‫ولقد ورد يف ا‪٢‬بديث‪ٟ« :‬بس يورثن النسياف ‪ :‬أكل التفاح‪ ،‬وسؤر الفأرة‪ ،‬وا‪٢‬بجامة يف النقرة‪ ،‬ونبذ القملة‪،‬‬
‫والبوؿ يف ا‪٤‬باء الراكد‪.»3‬‬
‫وجاء يف مسرحية ‪: Le Satiricon‬‬
‫«الكل يعلم فعبل أنو ‪٧‬برـ على كل إنساف ديتطي سفينة أف حيلق شعره أو يقلم أظفاره‪ ،‬إال حينما تعصف الرياح‬
‫ويهيج البحر‪ .‬وكاف ىذا اإلمث يعترب نذير شر كاف على رب السفينة أف يطهر سفينتو منو‪.»4‬‬
‫والحظ برونو (‪ 5)L. Brunot‬أيضا انتشار ىذا االعتقاد يف داخل الببلد حيث ديتنع األىارل عن التبوؿ‬
‫والبصق ورمي القاذورات يف األهنار خشية من عقاب عفريت من العفاريت الساكنة فيها‪ ،‬الشيء الذي دفع برونو إذل‬
‫االعتقاد بأف ىناؾ تداخبل بْب عبادة البحر وعبادة ا‪٤‬باء العذب ؛ كما الحظ ىذا الباحث تدخل عفاريت ا‪٤‬باء يف ىذه‬
‫ا‪٤‬بعتقدات‪.‬‬
‫ويبدو‪ ،‬حسب دوسو (‪ 6)R. Dussaud‬أف ا‪٤‬بعرفة الٍب كانت للكنعانيْب ٖبصوص العيوف البحرية جعلتهم‬
‫يعتقدوف أف البحر وا‪٤‬بياه ا‪١‬بوفية خاضعة لنفس اإللو ‪:‬‬
‫«قبل ا‪ٚ‬باذىم بعل (حداد) إ‪٥‬با‪ ،‬كاف الكنعانيوف يعبدوف إ‪٥‬با يسهر على جرياف العيوف ومياه اآلبار‪ ...‬وىو اإللو‬
‫ألياف (‪.)Aliyan‬‬
‫ووسع ألياف بعل ‪٦‬باؿ سيطرتو على البحر ألف الشاطئ الفينيقي يتميز حسب القدامى ٖباصية تكمن يف أف العيوف‬
‫تتفجر يف البحر»‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫; ‪- PLINE, H.N., XXX, 17‬‬
‫‪ٍِٚ‬فً (٘هِاْ )‪ ،‬يىتٍ دَك‪ ،‬ذهظّح ق‪ .‬إؼٍاْ ػثاي‪ ،‬ت‪١‬ه‪ٚ‬خ ‪.32 .ْ ،1965‬‬
‫‪ -2‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪.370. ْ ، 3‬‬
‫‪ -3‬اٌعاؼع‪ ،‬انحُىاٌ‪ ،‬ض ‪.269. ْ ، 5‬‬
‫‪4‬‬
‫; ‪- PETRONE, Le Satiricon, Gallimard 1969, p.150‬‬
‫‪ٚ‬أظه ف‪ ٟ‬اٌٍّهؼ‪١‬ح ٔفٍ‪ٙ‬ا ‪ٔٚ‬ف اٌؼأفح ‪ٚ‬ذؽط‪ ُ١‬اٌٍف‪ٕ١‬ح ‪. 170- 168.ْ ْ :‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 4.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-DUSSAUD (R.), Les religions des Hittites et des Hourrites, des Phéniciens et des Syriens, in : Les anciennes‬‬
‫‪Religions orientales, II, Paris 1945, p. 356.‬‬

‫‪26‬‬
‫ومن بْب األدلة الٍب تثبت‪ ،‬حسب برونو (‪ ،1)L. Brunot‬قدسية البحر يف اعتقاد ٕبارة الرباط وسبل‪،‬‬
‫زعمهم بأف التوضؤ ٗباء البحر لو قدرة على التطهّب ومزايا تفوؽ بكثّب مزايا التوضؤ با‪٤‬باء العذب‪ ،‬وىو ما اعتربه برونو‬
‫تأثّبا للشعائر الوثنية يف بعض شعائر اإلسبلـ‪ .‬أدل يكن اإلغريق يعتقدوف أف التطهر ٗباء البحر أكثر فعالية ونفعا من‬
‫التطهر با‪٤‬باء العذب‪ 2‬؟‬
‫وجرت العادة يف ببلد اإلسبلـ أف ال يركب ا‪٤‬برء البحر إال متطهرا‪ ،‬وأف يتلو بعض اآليات القرآنية لتجعلو يف‬
‫مأمن من ‪٨‬باطر البحر‪ ،‬وما أكثرىا قدديا‪ .‬ويقوؿ الزيا‪،‬ي‪ 3‬يف ىذا األمر ‪:‬‬
‫«‪ ...‬و‪٩‬با شافهنا بو [أبو الربكات سيدي مبارؾ ابن الفقيو العبلمة سيدي عمر الصائغي بقسنطينة يف ا‪١‬بزائر]‬
‫بعد السبلـ عليو وا‪١‬بلوس معو وسؤالو‪ ،‬أف قاؿ لنا إف أردمت ركوب البحر فعندما تضعوف أرجلكم يف زورؽ ا‪٤‬بركب فاذكروا‬
‫التعوذ باهلل والبسملة والفا‪ٙ‬بة‪ ،‬واذكروا الفا‪ٙ‬بة خصوصا سبعا‪ ،‬فإهنا أماف من الغرؽ وا‪٢‬برؽ واألسر‪.»)...( ،‬‬
‫ويروي پلينيوس أنو لتهدئة الريح‪ ،‬كاف القدامى يلجؤوف إذل إظهار امرأة عارية‪ .‬وكاف سكاف الرباط‪ ،‬حسب‬
‫برونو (‪ ،4)L. Brunot‬كلما أرادوا أف تكف السماء عن اإلمطار‪١ ،‬بأوا‪ ،‬شأهنم شأف قدامى پلينيوس‪ ،‬إذل فتاة عذراء‬
‫عذراء واألكرب سنا يف عائلتها‪ ،‬لتتوجو إذل السماء بقو‪٥‬با ‪« :‬صحاي وال ندري» (اصحي وإال كشفت عن عوريت)‪ .‬وإذا‬
‫ما استمرت السماء يف اإلمطار مشرت تنورهتا ووجهت مؤخرهتا ‪٫‬بو السماء !‬

‫٘بلت عبادة آ‪٥‬بة البحر والتقرب إليها يف ا‪٤‬بغرب القدمي يف مظاىر شٌب ؛ واستمرت بعض ىذه ا‪٤‬بظاىر حٌب‬
‫عصرنا‪.‬‬
‫ولقد حاولت تقصي آثار عبادة اآل‪٥‬بة البحرية الفينيقية‪-‬البونية األصل يف ا‪٤‬بغرب القدمي واستعراض بعض األدلة‬
‫وا‪٤‬بمارسات الٍب تؤكد تقديس أىارل الشواطئ ا‪٤‬بغربية للبحر خبلؿ العصر القدمي‪ ،‬وىي ‪٩‬بارسات تذكرنا بنصائح ا‪٤‬بؤلفْب‬
‫القدامى ىيزيود وپلينيوس وغّبىم‪ ...‬وذكرت ما رواه ىّبودوت ٖبصوص الليبيْب القدامى الذين خصوا پوصيدوف بالعبادة‬
‫دائما وعرفوا اإلغريق بو ؛ وتوقفت عند وصف سكوالكس للهيكل الذي كرس لنفس اإللو فوؽ شناخ صولييس (رأس‬
‫كنطاف)‪ ،‬يف موضع «‪ٙ‬بذره ا‪٤‬براكب» على حد تعبّب أيب الفداء الذي قد يؤكد صحة رحلة حنوف ؟ ورأينا يف عجالة أف‬
‫أىارل مشاؿ إفريقيا عبدوا نيپتوف قدديا‪ ،‬ليس يف ا‪٤‬بناطق الساحلية فحسب حيث عبدوه كإلو البحر‪ ،‬بل حٌب داخل‬
‫الببلد‪ ،‬وبصفة خاصة يف العيوف الٍب اعترب ىذا اإللو سيدىا أيضا‪ ...‬وىو اإللو الذي عثر على بعض ‪ٛ‬باثيلو يف وليلي‪،‬‬
‫كما ىو الشأف بالنسبة لقناع إلو البحر احمليط أو الفسيفساء الٍب ‪ٛ‬بثل ذات اإللو يف ليكسوس‪ .‬ولعل أسطورة سيدي‬
‫مغدوؿ يف الصويرة وما تتضمنو من بقايا تتعلق بنيپتوف وخصائصو‪ ،‬أو "خيل الريح" يف شواطئ الرباط ودكالة وما تتضمنو‬

‫‪1‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 20.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- REINACH (S.), Orpheus. Histoire générale des religions, Paris 1930, p. 139 :‬‬
‫«(‪ٌٕٚ )...‬الؼع أٔٗ ف‪ ٟ‬اٌ‪ٔٛ١‬اْ أ‪ٙ٠‬ا‪ ،‬واْ ِاء اٌثؽه ‪٠‬ؼرثه أوصه ٔفؼا ف‪ ٟ‬ػٍّ‪١‬اخ اٌرط‪١ٙ‬ه»‪.‬‬
‫‪ - 3‬اٌى‪٠‬أ‪ ،ٟ‬انتشجًاَح انكثشي ‪.153.ْ ،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- BRUNOT (L.), La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé, p. 40.‬‬

‫‪27‬‬
‫من آثار خصائ ص پوصيدوف (العربة الٍب ٘برىا خيوؿ وثابة وطحلبية اللوف‪ ،)...‬من بْب اآلثار الواضحة على عبادة‬
‫األىارل القدامى يف ا‪٤‬بغرب آل‪٥‬بة البحر‪ .‬واستوقفتِب أيضا ظاىرة تقديس األ‪٠‬باؾ يف بعض ا‪٤‬بواضع ا‪٤‬بغربية (شالة‪،‬‬
‫وتطواف‪ ،‬وفاس‪ ،)...‬وىي ظاىرة كانت جد مألوفة يف ببلد اإلغريق والروماف‪ .‬ولعل تزيْب بعض األوا‪،‬ي النحاسية يف‬
‫ا‪٤‬بغرب بنقوش ‪ٛ‬بثل أ‪٠‬باكا تعتربىا العامة فأؿ خّب‪ ،‬من بقايا طقوس تقديس السمك يف ا‪٤‬بغرب القدمي ؟‬
‫فتقديس القدامى للبحر وبعض أ‪٠‬باكو أو عبادة آ‪٥‬بتو وتعظيم كائناتو ظواىر متوسطية راسخة يف معتقدات‬
‫شعوب حوض البحر ا‪٤‬بتوسط وعقلياهتم ا‪١‬بماعية‪.‬‬
‫فهل يتعلق األمر بتوارد أفكار بْب سكاف ضفاؼ ا‪٤‬بتوسط‪ٕ ،‬بيث قد تكوف ىذه الظواىر عرفت انتشارا بْب‬
‫سكاف ا‪٤‬بغرب القدمي من غّب نقل أو ‪٠‬باع ؛ أـ أهنا وصلت إذل ا‪٤‬بغرب عن طريق الفينيقيْب والبونيْب أو الروماف من‬
‫بعدىم ؟‬

‫مصطفى غطيس‬

‫‪mghottes@hotmail.com‬‬

‫‪28‬‬

You might also like