Professional Documents
Culture Documents
اصلاح فرض الثالث
اصلاح فرض الثالث
اصلاح فرض الثالث
السنة الدراسية2024/2023 : إصالح البكالوريا التجريبية معهد ابن رشيق بالسند
معهد القوسة بالسند
تنتم ي مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم إلى ما يعرف بمسرح األفكار أو املسرح الذهني الذي يقوم على التمهيد املقدمة
الرمز ،ويهتم بطرح قضايا الفكر واإلنسان .وقد تنامت الحركة الدرامية فيها بتنامي شخصية البطل
شهريار مركز الخطاب ومداره .إذ بعد أن خاض البطل فعل الرحيل تتزامن عودته إلى الخان مع خيانة
شهرزاد مع العبد ،فتتسارع األحداث وينحدر الفعل املسرحي نحو النهاية أو الفاجعة التي مهد لها بعودة
شهريار وقمر إلى القصر في الليلة التي يوجد فيها العبد في خدر امللكة.
وهو ما انعقد عليه هذا النص املسرحي الوارد باملنظر السابع ،ما بين الصفحتين :املائة والثانية بعد التقديم
املائة ،ويعرض تباين مواقف شخصيتي العبد وشهرزاد من الخيانة والنتائج املترتبة عنها ناقال عودة امللك املادي
واملعنوي:
إلى القصر وفشله عن طريق الرحيل في الظفر باملعرفة العقلية.
فما وجوه املؤالفة بين الحوار واإلشارات الركحية املعبرة عن مواقف الشخصيات في النص؟ وما القرائن طرح
الدالة على فشل البطل في تجاوز سلطة املكان ومحدوديته؟ وما األبعاد الذهنية لهذه النهاية؟ وإلى أي اإلشكالية
الحركة الدرامية عن طريق الحركة الخارجية ،حركة طرق الباب .وقد ورد الحوار ثنائيا يحركه ملفوظ
العبد ،نما وفق ثنائيتي :اإلخبار واإلنكار والسؤال والجواب .وانعقد حول املوقف من الخيانة .إذ يراها
شهريار سبيل حتفه ووضع حد لحياته وإعالنا موته ،وهو ما أكده تواتر معجم دال على املوت والقتل:
"املأساة ،قتل العبد ،ضحية ،األموات "....ب وح بالنهاية املأساوية ،فكأنه عالمة من عالماتها ،ونذير من
نذرها فخطاب العبد وإن يعكس خوفه وفزعه وصراعه بين الرغبة والرهبة:
الرغبة في اشتهاء جسد شهرزاد ،والرغبة الناتجة عن الخوف من املوت فإنه يسترجع املاض ي األسطوري.
ماض ي الدم والقتل انتقاما للخيانة " قتل العبد في خدر زوج شهريار" فالعبد يرمز إلى ماض ي البطل أو
هو جسده الذي حاول التخلص والتحرر منه ولئن تمثل الخيانة قادح األحداث في األسطورة ،فعنها نشأت
ونشأ القص الحكائي في ألف ليلة وليلة فإنها في املسرحية تمثل انحدار الفعل املسرحي فيها نحو النهاية
املأساوية .وهي وإن تبدو في نظر العبد سبيال إلى املوت فهي في نظر شهرزاد وسيلة اختبار مدى تغير
شهريار "أريد أن أرى إلى أي حد تغير شهريار" ووسيلة أيضا السترجاعه ،وشده إلى األرض واملوجود بإثارة
غيرته .ولم تقتصر وظيفة الخطاب املسرحي على كشف مواقف الشخصيات من الخيانة بل كشف أيضا
عن تصعيد الحركة الدرامية ،واإلعالن عن بداية النهاية .فتكثفت اإلشارات الركحية التي حددت
الحركات الحسية .وهي حركات خضعت إلى نسق تصاعدي ضمن عنصر التشويق وإثارة الفضول ،من
إرهاف السمع "ترهف األذن" إلى اختباء العبد وراء الستار .فطرق الباب ينشأ عنه نهوض العبد وفزعه
1
المستوى :الرابعة آداب معهد الثانوي بالسند
السنة الدراسية2024/2023 : إصالح البكالوريا التجريبية معهد ابن رشيق بالسند
معهد القوسة بالسند
"(ينهض سريعا)"(" ،ينظر إلى الستار ويجفل)"(" ،يختبأ خلف الستار ")...فالحركات الحسية " ترهف...
ينهض ....تشير ...ينظر ...يجفل ...يختيأ ...تذهب "...تكثف عناصر الفرجة .وقد حددت اإلشارات
الركحية أيضا الديكور "ستار أسود باملكان" .فلون الستار /السواد عالمة على التشاؤم وقرينة دالة على
املأساة موحية بالنهاية التراجيدية وبالفاجعة ،وهذا ما أكده خطاب العبد "إني أتشاءم من لونه ....ش يء
يهتف بي أن الليلة يطاح رأس "....وكأن العبد يتحسس هذه النهابة ،ويوحي إليها.
الحوار واإلشارات الركحية في هذه الوحدة متعاضدان في اإليحاء ببداية النهاية وهما يتوفران على قرائن
تدل على بداية املأساة واالنحدار السريع نحو الفاجعة ،ونحو نهاية مغامرة رحلة البحث التي تأكدت
بعودة البطل ووزيره إلى القصر في الليلة ذاتها التي يوجد فيها العبد في خدر شهرزاد .فما األبعاد الذهنية
والدالالت الفكرية التي تبوح بها هذه العودة؟
هيمن الحوار فيها على الخطاب املسرحي هيمنة تكاد تكون مطلقة إذ لم ترد فيها إال ثالث إشارات :اتصلت الوحدة
اثنتان بشهريار واحدة منهما عبرت عن اضطرابه وتوتره "(في صوت مرتجف)" ،واألخرى "(يجيل نظره في الثانية
املكان)" عبرت عن تأمله الفضاء وكأنه مشغول عن شهرزاد باملكان أو لكأن املكان ال زال يضيق عليه
فيضيق به .أو لم يخرج عنه فيتخلص من سلطته فإذا به يعود إليه إيحاء بعجزه وفشله في تجاوز حدود
املكان ومقدوره ومستطاعه .وأما اإلشارة الركحية الثالثة فمرتبطة بشهرزاد "(تقوده إلى الوسائد)"
وتعكس تحول البطل من الحركة إلى السكون إيحاء بتوقف رحلة البحث وبداية دخوله في دائرة العجز
والفشل.
وقد ورد الحوار ثنائيا طرفاه امللك وامللكة انعقد حول فشل الرحيل ،ونما وفق ثنائية السؤال والجواب
وتدرج من االستخبار إلى املحاججة ،يحركه ملفوظ شهرزاد "من هذا؟" وقد غلبت على خطابها أساليب
اإلنشاء وخاصة االستفهام الذي تدرج من االستفسار عن أحوال البطل "ما بك؟" " /ما لك ترتجف؟" إلى
املحاججة " أرأيت؟" والسخرية واالستهزاء من رحيل البطل "مهما سافرت وجبت األقطار؟" .فخطاب
شهرزاد يعكس انعدام الجدوى من الرحيل وعدم قدرة البطل عن طريق الرحيل على التخلص من قيود
الجسد والقلب واملكان .وأما ملفوظ شهريار فتكثفت األساليب الخبرية في بدايته واإلنشائية في نهايته
فورد خطابه معبرا عن موقف تقويمي للرحيل مستخدما في ذلك النفي "لم أسافر ولم أتحرك" .فشهريار
صورت له نفسه ذات لحظة أنه يسير إلى األمام غير أنه دار وسار إلى نهاية دوره .فشبه نفسه بثور
الطاحون ألنه أدرك أنه في حلقة مفرغة وأنه في دائرة السؤال دون جواب .وقد تكثف في خطابه املنحى
الشعري املتحقق في الترديد " يدور ...ثم يدور ...ثم يدور" .وفي تواتر فراغات الصمت والتنقيط عموما،
بل إن تكثف االستفهام والتعجب في ملفوظه يعمق حيرته .فهو قد انطلق سائال حائرا وانتهى حائرا ،يبدأ
رحلته بالسؤال لينهيها بالسؤال ،ويرحل عن القصر املكان أمال في التخلص من قيود املكان فيعود إلى
املكان من جديد .حركة دائرية توحي بالفراغ والسكون وبحقيقة الحياة والوجود وبمسيرة اإلنسان فيهما.
إذ من العدم إلى العدم يسير.
تنوعت مظاهر التقابل في هذه الوحدة إذ هو تقابل بين اإلنشاء والخبر وبين اإلثبات والنفي ،وبين الظاهر
والباطن ،فالشخصيتان في الظاهر متواصلتان غير أنهما في الباطن تعيشان االنفصال في االتصال وهو
ما يعمق الصراع بينهما .فأساليب االستفهام في خطاب شهريار تعكس عجزه عن إدراك حقيقة شهرزاد
السر الغامض واللغز املحير .فهو قد انطلق سائال عنها " أريد أن أعرف من هي " ".من أنت؟ " ،وانتهى
2
المستوى :الرابعة آداب معهد الثانوي بالسند
السنة الدراسية2024/2023 : إصالح البكالوريا التجريبية معهد ابن رشيق بالسند
معهد القوسة بالسند
مصطدما بالنهاية التي آل إليها " إالم انتهيت؟" في موقف تقويمي يغلب عليه االعتراف بالعجز والتسليم
بالفشل إيحاء بعجز اإلنسان عن تجاوز منزلته املعطاة وحدود مستطاعه.
إن هيمنة الحوار على الخطاب املسرحي في النص قد فسحت املجال أمام هيمنة األفكار على األفعال. التقويم
وهيمنة األقوال واملواقف على الحركات الحسية .ولئن يفسر هذا باالستجابة ملقتضيات الكتابة الذهنية
ومسرح األفكار فإنه أيضا إضعاف للفرجة الضامنة شد الجمهور املتفرج رغم أن الكاتب آلف في النص
بين املنحيين :الفني والفكري .والشعري والذهني مؤالفة يتعاضد فيها ومن خاللها القصص الحكائي في
ألف ليلة وليلة ،والوافد العربي الحديث في تكثيف الرمز ،وفي الكشف عن أبعاد الشخصيات الرمزية،
وفي تصعيد الحركة الدرامية باإلعالن عن بداية النهاية ،فقيمة هذا النص تكمن من ناحية أولى في كونه
يأتي في بداية الفاجعة أو هو يمهد لها ،ومن ناحية في استيفائه أغلب خصائص الكتابة املسرحية في
شهرزاد وخاصة في غلبه الحوار اإلشارات الركحية وتكثيفه الرمز وميل لغة الخطاب نحو الشعرية.
يأتي هذا النص في بداية النهاية أو هو يمهد لها .وفيه تتضح مظاهر فشل البطل وعجزه عن بلوغ املطلق التأليف
وعن تجاوز مرتبته البشري ة فعناصر الكتابة املسرحية فيه مرتبطة دالالتها الرمزية بالبطل .وهي ليست
سوى رموز تتحرك في فلك املعاني واألفكار املجردة .وهذا ما جعل النص مسرحا تتحاور فيه األفكار
واملواقف املجردة .فتكثفت النزعة الذهنية فيه وقويت وتجذرت وهيمنت .وهو ما جعله متركزا حول
مخاطبة العقل ال الوجدان ،يستثير ذهن املتقبل ال انفعاالته.
الخطاب املسرحي في هذا النص مستأثر به الحوار .يخبر عن سير الفعل املسرحي نحو اإلعالن عن نهاية الخاتمة
شهريار ،وفشله في تجاوز سلطة الجسد وأسر القلب والقيود التي يفرضها املكان تعبيرا عن محدودية
االنسان .فتحولت فيها مختلف العناصر املسرحية رموزا معبقة بأبعاد ذهنية .ومحبلة بأفكار فلسفية
مندسة داخل نسيج خطاب ،العبارة فيه نازعة نحو الشعرية واإليحاء .وكأن الفن املسرحي فيه وعاء
يرشح دالالت فلسفية ومواقف فكرية مجردة رغم أن الرمزية فيه تكاد تكون مكشوفة مفضوحة .فهل
يعني ذلك ضعفا في األداء الفني وغلبة الفكرة الفرجة أم أن الكاتب تقصد مخاطبة العقول ال إثارة
االنفعاالت؟
3