Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
Document
القضائية
ساهم اتساع نشاط اإلدارة المعاصرة وما استتبعه من استخدامها للكثير من اآلالت المتطورة
واألجهزة ذات الطبيعة الخطرة إلى تكاثر األضرار التي يمكن أن تطال األفراد جراء
نشاطات وأعمال اإلدارة ،وحيث على الرغم من كون نشاط اإلدارة ال يتحقق بأي خطأ فإنه
مع ذلك قد يترتب عنه بعض األضرار ،مما يفرض استنادا لقواعد العدالة واإلنصاف عدم
حرمان من تضرر من عمل المرافق اإلدارية من الحصول على تعويض جراء ذلك حتى
ولو لم يثبت وجود خطأ. 1
وبذلك يكون مجلس الدولة الفرنسي قد أحدث إلى جانب المسؤولية القائمة على الخطأ نوعا
آخر من المسؤولية ،ال عالقة له مطلقا بنظرية الخطأ ،حيث كرس مبدأ التعويض عن بعض
األضرار التي قد تطال األفراد وتكون ناتجة عن عمل اإلدارة ،وعلى الرغم من مشروعية
هذا العمل ،بناء على نظرية المخاطر أو تحمل التبعة أي أنه أقام المسؤولية اإلدارية على
ركني الضرر وعالقة السببية بينه وبين نشاط اإلدارة .وقد نظم المشرع المغربي هذا النوع
من المسؤولية بموجب الفصل 79من ظهير االلتزامات والعقود حيث ينص هذا الفصل
على أن" :الدولة والبلديات مسؤولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها" ،فهذا
المقتضى التشريعي يقضي بإقرار مسؤولية الدولة رغم انتفاء أي خطأ منسوب إلى مرافقها
ومصالحها.
وأساس هذا النوع من المسؤولية هو فكرة الغنم بالغرم ،أو مساواة األفراد أمام التكاليف
العامة إذ يتعين على الجماعة أن تتحمل المخاطر الناجمة عن نشاط اإلدارة إذا ما أصاب
بعض أفراد هذه الجماعة بعض األضرار ،ذلك أن األعمال التي تقوم بها اإلدارة تستهدف
خدمة مصالحهم مما يعني أال يتحمل غرمه أفراد قالئل من بينهم وإنما يتوجب توزيع أعبائه
على الجميع ،وهذا األساس يستبعد فكرة الخطأ بشكل نهائي ويكتفي بعنصري الضرر
2
وعالقة السببية بين نشاط اإلدارة وهذا الضرر
إذا كانت نظرية المخاطر قد تم إرساء قواعدها قضاء من طرف مجلس الدولة الفرنسي،
وتشريعا من طرف المشرع المغربي ،وتم اعتبارها أساسا لمسؤولية الدولة عن األضرار
التي تطال األفراد بفعل تصرفات وأعمال مرافقها اإلدارية حتى ولو كانت هذه األعمال
مشروعة ،فإن مسألة االعتداد بنظرية المخاطر كأساس المسؤولية الدولة عن األعمال
القضائية يبقى محل جدل فقهي وقضائي وتشريعي .غير أن هذا الجدل الفقهي والقضائي
المقارن الذي صاحب نظرية المخاطر من حيث اعتبارها أساسا للمسؤولية اإلدارية ،لم
1أنظر بهذا الخصوص ،جورجي شفيق ساري " مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها ،قضاء التعويض ،دراسة مقارنة " د.د.ط ،د.د.مط ،ص
274-273
2محمد سليمان الطماوي "،القضاء اإلداري قضاء التعويض وطرق الطعن في االحكام" ،د.د.ط ،د.د.مط ،ص .206
يمنع التشريعات من االتجاه نحو إعمال هذه النظرية كأساس لمسؤولية الدولة عن األعمال
القضائية ،وإن كانت قد عملت على خصرها في حالتي االعتقال االحتياطي والمراجعة
على غرار ما تم فعله بالنسبة للخطأ المرفقي الذي تسأل عنه الدولة في إطار أعمال قضاتها
حيث تم حصره بدروه في حالتي الخطأ الجسيم وإنكار العدالة .3
والفائدة من تحمل الدولة التعويض عوض القضاة تتجلى في تحقيق الحصانة للقضاة وعدم
وقوع مشاحنة بين القضاة و المتقاضين وهو ما يتضح من خالل الفصل 81من ق.م.م ،
كما أن الخطأ القضائي ال يكن مانجا عن خطأ القاضي وإنما هناك مسطرة طويلة يتم
اتباعها قبل مثول الجانب أمام المحكمة ،وكل هذه األسباب جعلت المشرع المغربي يؤكد
على مسؤولية الدولة وهذا ما نستشفه من الدستور و ق.م.م.
3
انظر بالخصوص ،فاتح فكري " ،مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية " ،م.س ص . 232-231
ثانيا :شروط التعويض
يشترط لمنح التعويض عن الخطأ القضائي أن يكون هناك ارتباط بين نشاط المرفق
والضرر الحاصل فالعالقة السببية ضرورية لجبر الضرر ،ولعل هذا ما أقره القضاء
اإلداري المغربي في أحد قراراته الصادرة عن المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء حيث جاء
في حيثياته "وحيث يستفاد مما ذكر بأن مسائلة الدولة بالتعويض تتحقق كل ما ثبت وقوع
خطأ تسبب في ضرر المحكوم عليه ،وهو ما عرفه الفقه *إدانة شخص بريء* ويبرئه
شخص جاني" ، 4وهو نفس االتجاه الذي ذهب إليه القضاء اإلداري الفرنسي في قراراته
من بينها القرار الصادر في قضية Jean Marie Devauxالذي أدين سنة 1963
بالسجن لمدة 20سنة التهامه بقتل ابنة مشغله وقد برئ منها سنة 1969لطهور الجاني
الحقيقي وتم تعويضه عن المدة التي قضاها بالسجن قدرها 12500000فرنك . 5
ثالثا :تقدير التعويض
تقدير التعويض من طرف القضاء يكون على أساس جسامة الضرر وليس جسامة الخطأ
ويقدر وقت صدور الحكم وقد يكون كليا أو جزئيا ،فالتعويض الكلي يراعي فيه جميع ما
لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب ،في حين أن التعويض الجزئي يشمل فقط
الخسائر التي لحقته جراء ذلك الخطأ ،والمشرع المغربي من خالل المادة 573من قانون
المسطرة الجنائية أعطى للمتضرر من الخطأ القضائي الحق في المطالبة بالتعويض على
جميع أشكال الضرر الذي لحقت به من جراء هذا الخطأ ،كما منح الحق لزوجة وأصول
وفروع المتضرر المتوفي في رفع طلب التعويض وال يمكن أن يؤول هذا الحق ألقارب
أخرين أبعد صلة ،إال إذا أدلى بما يبرر أن ضررا ماديا لحقهم من العقوبة المحكوم بها .6
والتعويض عن الخطأ القضائي يتخذ صورة تعويض نقدي باإلضافة إلى إعادة االعتبار عن
طريق نشر قرار أو حكم البراءة على نفقة الخزينة العامة ،وهو ما أكدته الفقرة الرابعة
والخامسة من المادة 574من قانون المسطرة الجنائية .7
الفقرة الثانية :الجهة المختصة للبث في طلب التعويض
لقد شكلت القضايا التي طرحت على القضاء اإلداري بعد صدور الدستور الجديد فرصة
لتلتمس بوادر اجتهاد قضائي ينسجم مع روح الدستور من خالل بعض القرارات واألحكام
التي صدرت بمناسبة بث المحاكم اإلدارية في موضوع االختصاص النوعي للنظر في
قضايا المسؤولية عن الخطأ القضائي ،وقد أصبح القضاء المغربي في ظل إقرار هذا المبدأ
4قرار مشار إليه في كتاب حكيمة لغريم "،مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي" ،رسالة لنيل شهادة الماستر كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس ،ص .35
8سعيد صحصاح" ،إشكالية االختصاص النوعي عن الخطأ القضائي" ،مقال منشور بالموقع اإللكتروني ، www.marocdroit.comأطلع عليه
بتاريخ 2023/12/06على الساعة .15.04
9سعيد صحصاح ،مرجع سابق .
لفائدته ،هو اختصاص مانع ال يزاحمه فيه القضاء اإلداري بل إن صدور هذا القرار ال
يمنع المتضرر من تقديم طلب التعويض أمام المحكمة اإلدارية استنادا للمادة 8من قانون
. 41 90
ويستنتج من ذلك أنه للمتضرر من هذا الخطأ الخيار بين تقديم طلب التعويض أمام القضاء
الجنائي في إطار مسطرة المراجعة الجارية أمام المجلس األعلى أو أمام المحكمة اإلدارية
بعد صدور قرار المراجعة لفائدته . 10
غير أن المشرع المغربي لو أراد أن يسند االختصاص للقضاء الجنائي لصرح بذلك
صراحة لكون أن االختصاص النوعي من النظام العام ،وكما هو معلوم فكل شيء يدخل
في نطاق النظام العام ال يجوز االجتهاد فيه ،باإلضافة إلى أن السكوت في القانون الشكلي
يفسر بالمنع ،مما يستنتج منه أن اختصاص النظر في الدعاوى المتعلقة بالخطأ القضائي
يؤول إلى القضاء اإلداري ،ولعل هذا ما كرسه الحكم القضائي الصادر عن المحكمة
اإلدارية بتاريخ 31/01/2013في ملف عدد .11 70/12/2012