2188 003 013 011

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫ﺍﻟﻤﺴﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﻭﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔالعبادي‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ عدنان‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫باحث بسلك الدكتوراه‬
‫ﺯﻛﺮﻳﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﻱ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫جامعة محمد الخامس الرباط‬
‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ‪ ،‬ﻋﺪﻧﺎﻥ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻣﺞ‪ ,3‬ﻉ‪13‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫تعتبر الجريمة انتهاك لحقوق المجتمع المحددة في خطاب القانون الجنائي‪ ،‬الذي يحدد‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫�أفعال الإن�سان التي تعتبر جرائم والجزاء لمرتكبها من عقوبات �أ�صلية �أو عقوبات �إ�ضافية �أو‬
‫‪2021‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫تدابير وقائية‪ ،‬فوقوع الجريمة يفر�ض على �أجهزة العدالة الجنائية البحث والتثبت من مرتكبيها‬
‫ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫م�ساهما �أو م�شارك‪ ،‬وفق �إجراءات محددة م�سبقا من قبل الم�شرع‬ ‫كان فاعال �أ�صليا �أو‬ ‫�سواء‬
‫‪221 - 232‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫في �إطار التوازن بين حقوق الم�شتبه فيهم والمتهمين والحفاظ على النظام العام والأمن داخل‬
‫‪1242311‬محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات القانونية‪.‬‬ ‫‪�:MD‬إلى �أن تتم �إدانتهم وفق‬ ‫ﺭﻗﻢ‬
‫المجتمع‪،‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫ب�ضرورة �ضمان حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم خالل جميع‬ ‫اليوم االعتقاد را�سخا‬ ‫و�أ�صبح‬
‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪ :‬المحاكمة الزجرية‪ ،‬خا�صة احترام مبد�أ الم�ساواة وقرينة البراءة وحقوق الدفاع وقيام‬
‫‪Arabic‬‬
‫�أطوار‬
‫‪EcoLink,‬‬ ‫‪IslamicInfo‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫المتابعة على �أدلة قوية ال لب�س فيها‪ ،‬و�أن تعر�ض وتناق�ش في جل�سة علنية‪ ،...‬فاحترام هذه المبادئ‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ‬

‫ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ‪،‬والقانون‪.‬‬
‫ﺍﻟﻤﺴﻄﺮﺓدولة الحق‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪،‬ودليال على‬
‫ﺍﻟﻀﻤﺎﻧﺎﺕ الق�ضائي‬
‫�صحة الج�سم‬‫ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ‪،‬‬ ‫�ضمانات المحاكمة ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‬
‫العادلة‪ ،‬وتمثل‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ت�شكل‬
‫ﺍﻟﻀﺎﺑﻄﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬
‫والحقيقة‪� ،‬أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان‪ ،‬بل هي ت�شكل‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1242311‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها‪ ،‬ونتيجة للتطبيق ال�سليم‬
‫للقانون‪ ،‬كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل ‪ 14‬من العهد‬
‫الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل ‪ 10‬من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان‪ ،‬ونظرا لكون‬
‫المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي‪ ،‬عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما‬
‫تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها‪ ،‬وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات‬
‫الفقرة الرابعة من الف�صل ‪ 23‬من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬الف�صل ‪ 120‬منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»‪،‬‬ ‫© ‪ 2024‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ‬
‫مقت�ضيات‬ ‫م�ضمونان»‪ ،‬كما جاء في‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬
‫د�ستورية ال يجوز انتهاكها‪.‬‬ ‫فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ‬
‫عدنان العبادي‬ ‫ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬
‫باحث بسلك الدكتوراه‬ ‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫الرباط‬ ‫الخامس‬ ‫محمد‬ ‫جامعة‬
‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ‪ ،‬ﻋﺪﻧﺎﻥ‪ .(2021) .‬ﺍﻟﻤﺴﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﻭﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺞ‪ ,3‬ﻉ‪ .232 - 221 ،13‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1242311‬‬
‫الجريمة انتهاك لحقوق المجتمع المحددة في خطاب القانون الجنائي‪ ،‬الذي يحدد‬ ‫‪MLA‬‬‫تعتبر‬
‫ﺇﺳﻠﻮﺏ‬
‫ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ‬ ‫ﻣﺠﻠﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ‪".‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ‬ ‫ﻭﺿﻤﺎﻧﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ‬ ‫"ﺍﻟﻤﺴﺎﻃﺮ‬ ‫ﻋﺪﻧﺎﻥ‪.‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ‪،‬‬
‫�أفعال الإن�سان التي تعتبر جرائم والجزاء لمرتكبها من عقوبات �أ�صلية �أو عقوبات �إ�ضافية �أو‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔﻣﺞ‪ ,3‬ﻉ‪ .232 - 221 :(2021) 13‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫الجنائية البحث والتثبت من مرتكبيها‬ ‫تدابير وقائية‪ ،‬فوقوع الجريمة يفر�ض على �أجهزة العدالة‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1242311‬‬
‫�سواء كان فاعال �أ�صليا �أو م�ساهما �أو م�شارك‪ ،‬وفق �إجراءات محددة م�سبقا من قبل الم�شرع‬
‫في �إطار التوازن بين حقوق الم�شتبه فيهم والمتهمين والحفاظ على النظام العام والأمن داخل‬
‫المجتمع‪� ،‬إلى �أن تتم �إدانتهم وفق محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات القانونية‪.‬‬
‫و�أ�صبح اليوم االعتقاد را�سخا ب�ضرورة �ضمان حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم خالل جميع‬
‫�أطوار المحاكمة الزجرية‪ ،‬خا�صة احترام مبد�أ الم�ساواة وقرينة البراءة وحقوق الدفاع وقيام‬
‫المتابعة على �أدلة قوية ال لب�س فيها‪ ،‬و�أن تعر�ض وتناق�ش في جل�سة علنية‪ ،...‬فاحترام هذه المبادئ‬
‫ت�شكل �ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬وتمثل �صحة الج�سم الق�ضائي ودليال على دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫والحقيقة‪� ،‬أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان‪ ،‬بل هي ت�شكل‬
‫قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها‪ ،‬ونتيجة للتطبيق ال�سليم‬
‫للقانون‪ ،‬كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل ‪ 14‬من العهد‬
‫الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل ‪ 10‬من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان‪ ،‬ونظرا لكون‬
‫المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي‪ ،‬عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما‬
‫تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها‪ ،‬وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات‬
‫الفقرة الرابعة من الف�صل ‪ 23‬من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬الف�صل ‪ 120‬منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»‪،‬‬ ‫مقت�ضيات‬‫© ‪ 2024‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ‬
‫م�ضمونان»‪ ،‬كما جاء في‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ‬
‫د�ستورية ال يجوز انتهاكها‪.‬‬ ‫فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة‬
‫ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫عدنان العبادي‬
‫باحث بسلك الدكتوراه‬
‫جامعة محمد الخامس الرباط‬

‫تعتبر الجريمة انتهاك لحقوق المجتمع المحددة في خطاب القانون الجنائي‪ ،‬الذي يحدد‬
‫�أفعال الإن�سان التي تعتبر جرائم والجزاء لمرتكبها من عقوبات �أ�صلية �أو عقوبات �إ�ضافية �أو‬
‫تدابير وقائية‪ ،‬فوقوع الجريمة يفر�ض على �أجهزة العدالة الجنائية البحث والتثبت من مرتكبيها‬
‫�سواء كان فاعال �أ�صليا �أو م�ساهما �أو م�شارك‪ ،‬وفق �إجراءات محددة م�سبقا من قبل الم�شرع‬
‫في �إطار التوازن بين حقوق الم�شتبه فيهم والمتهمين والحفاظ على النظام العام والأمن داخل‬
‫المجتمع‪� ،‬إلى �أن تتم �إدانتهم وفق محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات القانونية‪.‬‬
‫و�أ�صبح اليوم االعتقاد را�سخا ب�ضرورة �ضمان حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم خالل جميع‬
‫�أطوار المحاكمة الزجرية‪ ،‬خا�صة احترام مبد�أ الم�ساواة وقرينة البراءة وحقوق الدفاع وقيام‬
‫المتابعة على �أدلة قوية ال لب�س فيها‪ ،‬و�أن تعر�ض وتناق�ش في جل�سة علنية‪ ،...‬فاحترام هذه المبادئ‬
‫ت�شكل �ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬وتمثل �صحة الج�سم الق�ضائي ودليال على دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫والحقيقة‪� ،‬أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان‪ ،‬بل هي ت�شكل‬
‫قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها‪ ،‬ونتيجة للتطبيق ال�سليم‬
‫للقانون‪ ،‬كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل ‪ 14‬من العهد‬
‫الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل ‪ 10‬من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان‪ ،‬ونظرا لكون‬
‫المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي‪ ،‬عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما‬
‫تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها‪ ،‬وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات‬
‫الفقرة الرابعة من الف�صل ‪ 23‬من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة‬
‫م�ضمونان»‪ ،‬كما جاء في مقت�ضيات الف�صل ‪ 120‬منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»‪،‬‬
‫فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة د�ستورية ال يجوز انتهاكها‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫في هذا ال�صدد‪ ،‬ف�إن المحاكمة العادلة كمفهوم وكقاعدة تتطلب التطبيق ال�سليم للقانون‬
‫الإجرائي الذي ينظم عمل �أجهزة العدالة الجنائية خالل البحث عن الحقيقة‪ ،‬ونظرا لكون‬
‫الحقيقة م�س�ألة واقع‪ ،‬والو�صول �إليها يكون �إال نتيجة مجهود وعمل �شاق من الجهة المكلفة بذلك‪،‬‬
‫حيث ت�ستعمل جميع الو�سائل الم�شروعة والمحددة �سلفا من قبل الم�شرع‪ ،‬وال يجوز �أبدا �أن يتم‬
‫الك�شف عن وقائع معينة على ح�ساب حقوق الأفراد وحرياتهم‪.‬‬
‫ورغم كل هذا التطور الذي �أحرزته العدالة الجنائية بالمغرب‪� ،‬إال �أن الواقع قد �أفرز بع�ض‬
‫الإجراءات التي من �ش�أنها ت�سهيل البحث والتحري في جرائم خا�صة‪ ،‬وي�صطلح على هذا الإجراء‬
‫بالم�ساطر المرجعية وهي تلك الت�صريحات التي يدلي بها بع�ض الم�شتبه فيهم بارتكاب جريمة‪،‬‬
‫�أثناء اال�ستماع �إليهم من طرف ال�شرطة الق�ضائية خالل البحث التمهيدي‪ ،‬ويدعون وجود‬
‫�أ�شخا�ص م�ساهمين �أو م�شاركين معهم في الجريمة المرتكبة التي �ضبطوا من �أجلها‪ ،‬فمجرد هذه‬
‫الت�صريحات كافية لمتابعة الأ�شخا�ص المذكورة ا�سمهم‪ ،‬وفق ما درجت عليه الممار�سة وعمل‬
‫ال�ضابطة الق�ضائية والعمل الق�ضائي ‪ ،‬هذا الو�ضع جعل تحقيق توازن بين الحفاظ على النظام‬
‫‪1‬‬

‫العام ومكافحة الجريمة من جهة وبين حماية حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم من جهة �أخرى‪،‬‬
‫يبقى بعيد المنال في ظل غياب تنظيم قانوني العتماد الم�ساطر المرجعية وتحديد �شروطها‬
‫و�ضوابطها‪ ،‬وهو ما جعله نقطة انتقاد العديد من الحقوقيين‪.‬‬
‫ت�أ�سي�سا على ما �سبق‪ ،‬يمكن �أن نت�ساءل عن مدى ت�أثير الم�ساطر المرجعية على �ضمانات‬
‫المحاكمة العادلة؟ وكيف يمكن عقلنة الم�ساطر المرجعية كمدخل لتعزيز �ضمانات المحاكمة‬
‫العادلة وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية؟‬
‫يمكن معالجة هذين الت�سا�ؤلين من خالل نقطتين �أ�سا�سيتين‪:‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬بع�ض مظاهر ت�أثير الم�ساطر المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة‬ ‫■‬

‫المطلب الثاني‪:‬تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية مدخل لحماية الحقوق والحريات‬ ‫■‬

‫وتعزيز �ضمانات المحاكمة العادلة‬


‫المطلب الأول‪ :‬بع�ض مظاهر ت�أثير الم�ساطر المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫يت�ضمن قانون الم�سطرة الجنائية مجموعة من ال�ضمانات لفائدة الم�شتبه فيه �أو المتهم خالل‬
‫مرحلة البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي‪ ،‬والمحاكمة �إلى حين �صدور حكم نهائي مكت�سب‬
‫لقوة ال�شئ المق�ضي به‪ ،‬فتحقيق محاكمة عادلة رهين باحترام هذه ال�ضمانات في جميع �أطوار‬

‫‪� - 1‬أنا�س اليمنى وعلي توفيق‪ ،‬الم�ساطر المرجعية في الق�ضايا الزجرية بين الن�ص والتطبيق‪ ،‬بحث نهاية تكوين الملحقين‬
‫الق�ضائيين‪ ،‬الفوج التا�سع والثالثون‪ ،‬فترة التكوين ‪� ،2015/2013‬ص‪.3‬‬

‫‪222‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫الدعوى العمومية‪ ،‬لهذا فاعتماد الم�ساطر المرجعية من �ش�أنه �أن ي�ؤثر على هذه ال�ضمانات قبل‬
‫المحاكمة (الفقرة الأولى) و�أثناء المحاكمة الجنائية (الفقرة الثانية)‬
‫الفقرة الأولى‪:‬مظاهر ت�أثير الم�سطرة المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة قبل‬
‫المحاكمة الجنائية‬
‫تعد مرحلة ما قبل المحاكمة من المراحل الح�سا�سة في عمر الدعوى العمومية حيث ت�شمل‬
‫�إجراءات البحث التمهيدي (�أوال) والتحقيق الإعدادي(ثانيا)‪ ،‬نظرا للإجراءات المهمة والما�سة‬
‫بحرية الأفراد‪ ،‬ومن خاللها يتم جمع الأدلة لإثبات التهم الموجهة للمتهم �أمام المحكمة‪.‬‬
‫�أوال‪ :‬خالل مرحلة البحث‬
‫�إن قراءة مختلف ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية والقانون الجنائي �أو حتى بع�ض القوانين‬
‫‪2‬‬

‫الخا�صة كظهير ‪ 21‬ماي ‪ 1974‬المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ال�سامة ووقاية المدمنين‬
‫على هذه المخدرات ‪ ،‬كون الم�ساطر المرجعية غالبا ما يتم اعتمادها في ق�ضايا المخدرات‪ ،‬لم‬ ‫‪3‬‬

‫يذكر الم�شرع م�صطلح الم�ساطر المرجعية ولم يقف على هذا المفهوم ال ب�شكل مبا�شر �أو �ضمني‬
‫و�إنما هو وليد الممار�سة يتم اعتمادها �أمام ال�ضابطة القا�ضية خالل البحث في بع�ض الجرائم‪،‬‬
‫ما يجعلنا نقول بداية �أنه �إجراء غير قانوني يخرق مبد�أ ال�شرعية الإجرائية ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فمجرد ت�صريح الم�شتبه فيه خالل البحث �أمام ال�ضابطة الق�ضائية بوجود �شخ�ص م�ساهم �أو‬
‫م�شارك في الجريمة المرتكبة وذكر �إ�سمه‪ ،‬يجد هذا الأخير �أمام متابعة ق�ضائية وما يترتب عنها‬ ‫‪5‬‬

‫من تدابير ما�سة بحريته خا�صة الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية‪ ،‬ولو لم توجد �أدلة مادية ت�ؤكد‬
‫تورط المتابع بالم�سطرة المرجعية في الجرائم المن�سوبة �إليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجريدة الر�سمية عدد ‪ 5078‬بتاريخ ‪ 30‬يناير ‪� ،2003‬ص‪.315‬‬
‫‪ - 3‬الجريدة الر�سمية عدد ‪ 3214‬بتاريخ ‪� ،05/06/1974‬ص ‪.1525‬‬
‫‪ - 4‬حيث يقول الأ�ستاذ عبد الواحد العلمي‪ « :‬مبد�أ �شرعية قواعد الم�سطرة الجنائية يفيد �ضرورة تواجد قواعد مكتوبة من�صو�ص‬
‫عليها في القانون وتكون �صادرة عن جهة لها الوالية في �إ�صدارها تلتزم المحاكم الزجرية ب�إتباعها على �سبيل الوجوب‬
‫وتطبيقها‪-‬دون غيرها من القواعد غير المكتوبة –على الخ�صومة الجنائية منذ ارتكاب الجريمة لحين الف�صل النهائي في‬
‫�ش�أنها‪».‬في كتابه �شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الأول‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار‬
‫البي�ضاء‪ ،‬الطبعة ال�سابعة ‪� ،2018‬ص‪ 45‬و‪.46‬‬
‫‪ - 5‬تجدر الإ�شارة �أن الم�شاركة في الجريمة نظم الم�شرع حاالت تحققها في الف�صل ‪ 129‬من مجموعة القانون الجنائي‪� ،‬إال‬
‫�أن ظهير ‪ 21/05/1974‬و�سع من مفهوم الم�شاركة في ق�ضايا المخدرات في المادة ‪ 4‬منه التي ن�صت على « ب�صرف النظر‬
‫عن �أفعال الم�شاركة الناتجة عن تطبيق مقت�ضيات الف�صل ‪ 129‬من القانون الجنائي‪ ،‬ف�إن كل من حر�ض ب�أي و�سيلة من‬
‫الو�سائل على ارتكاب �إحدى الجرائم المن�صو�ص عليها في ظهيرنا ال�شريف هذا �سواء �أكان لهذا التحري�ض مفعول �أم ال‪،‬‬
‫يعاقب بالحب�س من �سنة �إلى ‪� 5‬سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين ‪ 500‬و‪5000‬درهم‪.‬‬
‫وتطبق نف�س العقوبات على كل من حر�ض طبق نف�س ال�شروط على ا�ستعمال المواد والنباتات المخدرة‪ ،‬و�إذا وقع‬
‫تحري�ض ب�إحدى و�سائل الإ�شهار �أو بوا�سطة مكتوبات �أو عن طريق �أقوال �أو �صور‪ ،‬تطبق هذه العقوبات على مرتكبي‬
‫التحري�ض ولو كان م�صدر الإ�شهار بالخارج ووقع الإعالن عنه بالمغرب‪».‬‬

‫‪223‬‬
‫وتكمن خطورة هذا الإجراء كذلك‪ ،‬في �سلطة المالءمة التي بيد النيابة العامة حيث يمكنها‬
‫�أن تثير المتابعة بناء على ت�صريح الم�سطرة المرجعية ولو كان هذا الأخير يفتقد لأي دليل مادي‪،‬‬
‫في حين يمكن لممثل نيابة عامة �آخر حفظ الق�ضية كون �أدلة االتهام غير كافية‪ ،‬وفي غياب �أي‬
‫�إطار قانوني ي�ؤدي �إلى اختالف في العمل بين النيابات العامة وي�شكل �ضربا لمبد�أ الم�ساواة �أمام‬
‫القانون والق�ضاء الذي يعد �ضمانة حقيقية للمحاكمة العادلة وم�سا�سا بقرينة البراءة‪.‬‬
‫و�أمام خطورة هذا الإجراء جعل البع�ض يبحث عن �إيجاد تبريرا قانونيا كون الم�ساطر‬
‫المرجعية تجد �أ�سا�سها في المح�ضر الم�ضمن من طرف �ضباط ال�شرطة الق�ضائية في �إطار‬
‫المهام الموكولة �إليه وفقا لل�شكليات التي ن�ص عليها الم�شرع ‪ ،‬فمجرد �إنجاز مح�ضر من قبل‬
‫‪6‬‬

‫�ضباط ال�شرطة الق�ضائية يت�ضمن ت�صريحا للم�شتبه فيه بوجود م�شاركين �أو م�ساهمين في‬
‫الجريمة المتابع ب�ش�أنها ‪ ،‬يمكن لممثل النيابة العامة بناء مقت�ضيات الفقرتين الأولى والثانية‬
‫‪7‬‬

‫من المادة ‪ 40‬من قانون الم�سطرة الجنائية والفقرة الرابعة والخام�سة من المادة ‪ 49‬من نف�س‬
‫القانون؛ �أن ي�أمر ب�ضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم‪.‬‬
‫ومن بين المبررات الواقعية لهذا الإجراء‪� ،‬أن الم�سطرة المرجعية قد يتم الت�أكد من �صحة‬
‫الت�صريحات �أو يتم الك�شف عن جميع الفاعلين في الجريمة‪ ،‬خا�صة و�أن جرائم المخدرات‬
‫�أ�صبحت اليوم من الجرائم المنظمة ‪ ،‬التي ي�صعب الك�شف عن مرتكبها ومدبرها وتمكن من‬
‫‪8‬‬

‫�إظهار الحقيقة‪ ،‬وعلى العك�س من ذلك ف�إنها قد تم�س بحقوق وحريات الأبرياء‪� ،‬أو ت�صبح و�سيلة‬
‫ابتزاز �أو بيع و�شراء في حرية الأفراد‪ ،‬الأمر الذي يطرح جملة من ال�صعوبات �أمام الق�ضاء الذي‬
‫ي�سعى �إلى تحقيق التوازن بين احترام حقوق الإن�سان و�ضمانات المحاكمة العادلة من جهة وبين‬
‫الحفاظ على النظام العام والأمن داخل المجمع من جهة �أخرى ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫ثانيا‪ :‬خالل مرحلة التحقيق‬


‫خالل مرحلة البحث التمهيدي �أو البحث في حالة التلب�س قد يتم الك�شف عن خيوط‬
‫الحقيقة والك�شف عن مالب�سات الجريمة‪� ،‬أما في حالة عدم تحقق ذلك عندها يتطلب الأمر‬

‫‪� - 6‬أنظر الق�سم الثاني من الكتاب الأول من قانون الم�سطرة الجنائية المتعلق ب�إجراءات البحث‪.‬‬
‫‪� - 7‬أنا�س يمني وعلي توفيق‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ - 8‬تعتبر الجريمة المنظمة تلك الجريمة الخطيرة التي يتم ارتكابها عن طريق تنظيم جرائم م�ستمرة‪ ،‬من غير مراعات مدة‬
‫معينة بعينها‪ ،‬ممار�سة ن�شاطا �إقليميا‪ ،‬وعابرة لحدود الدول مع ما رافق ذلك من �أ�ساليب غير م�شروعة يتم �إنتاجها �سعيا‬
‫نحو تحقيق الك�سب المادي والمالي الباهظ الذي ي�سلك فيه المح�صلون عليه طرق غير م�شروعة لإخفاقه‪� ،‬أنظر ر�ضوان‬
‫�سند‪ ،‬النظام القانوني للجريمة المنظمة في الت�شريع المغربي‪ ،‬ر�سالة لنيل دبلوم الما�ستر في القانون الخا�ص‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقت�صادية واالجتماعية مراك�ش‪ ،‬ال�سنة الجامعية ‪� ،2015/2014‬ص‪.37‬‬
‫‪� - 9‬أنا�س يمني وعلي توفيق‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪27‬‬

‫‪224‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫�إجراء تحقيق �إعدادي يقوم به قا�ضي التحقيق طبقا لمقت�ضيات الق�سم الثالث من الكتاب الأول‬
‫من قانون الم�سطرة الجنائية بملتم�س من النيابة العامة طبقا لمقت�ضيات المادة ‪ 84‬من نف�س‬
‫‪10‬‬

‫القانون‪ ،‬ويكمن �أهم �إجراء خالل هذه المرحلة في ا�ستنطاق المتهم ومواجهته مع الغير خا�صة‬
‫م�صرح الم�سطرة المرجعية �أمام قا�ضي التحقيق‪ ،‬والذي من �ش�أنه �إظهار الحقيقة �أو تراجع عن‬
‫ت�صريحاته‪ ،‬كما �أن �أجوبة المتهم عن الأ�سئلة الموجهة له خالل هذا الإجراء قد يتمخ�ض عنه‬
‫رجحان التهمة �إليه فيحال على المحكمة المخت�صة �أو �إبعادها عنه لي�صدر �أمرا بعدم المتابعة ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫�إال �أن الإ�شكال الذي يبقى مطروحا هو �إمكانية الطعن في قرار قا�ضي التحقيق بعدم المتابعة‬
‫طبقا لمقت�ضيات المادة ‪ 222‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،‬خا�صة و�أن المتهم متابع بناء على‬
‫م�سطرة مرجعية وال تعززها �أي �أدلة مادية والذي ي�شكل �ضربا لمبد�أ افترا�ض البراءة وتف�سير‬
‫ال�شك لفائدة المتهم المن�صو�ص عليها في المادة الأولى من قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫وتبرز خطورة مرحلة التحقيق الإعدادي في التدابير التي قد يتخذها قا�ض التحقيق في حق‬
‫الأ�شخا�ص المتهمين‪ ،‬كالو�ضع تحت المراقبة الق�ضائية �أو توقيع االعتقال االحتياطي باعتبارهما‬
‫تدبيران ا�ستثنائيان ‪ ،‬نظرا لم�سا�سهما بحريات الأفراد ويخول حق حب�س المتهم قبل �صدور �أي‬ ‫‪12‬‬

‫حكم ق�ضائي مكت�سب لقوة ال�شئ المق�ضي به وبناء على محاكمة عادلة ‪ ،‬والأخطر من ذلك ‪-‬كما‬
‫‪13‬‬

‫�سلف ذكره‪ -‬يكمن لمجرد ت�صريح الم�سطرة المرجعية �أن ي�ؤدي بالمتهم �إلى الو�ضع تحت هذه‬
‫التدابير الخطيرة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬مظاهر ت�أثير الم�ساطر المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة �أثناء‬
‫المحاكمةالجنائية‬
‫بعد االنتهاء من �إجراءات البحث والتحقيق يحيل ممثل النيابة العامة �أو قا�ضي التحقيق‬
‫ح�سب الأحوال الق�ضية على المحكمة لتبت فيها وفق لإجراءات القانونية‪ ،‬فهذه المرحلة الحا�سمة‬
‫والم�صيرية خا�صة بالن�سبة للمتهم الذي يعمل على تعزيز موقفه بالأدلة التي تخدم م�صلحته‬

‫‪« - 10‬االلتما�س هو عبارة عن تقديم طلب يرد فيه �صك مكتوب‪ ،‬ي�صدره ممثل النيابة العامة بمقت�ضاه تلتم�س من قا�ضي‬
‫التحقيق الوارد �إ�سمه في ال�صك ب�إجراء تحقيق في وقائع محددة تكون خا�ضعة للتحقيق الإعدادي‪� ،‬إما ب�صورة �إلزامية‬
‫�أو ب�صورة اختيارية»‪� ،‬أنظر عبد الواحد العلمي �شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪-‬الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة ال�ساد�سة ‪� ،2018‬ص‪.33‬‬
‫‪ - 11‬عبد الواحد العلمي‪� ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ - 12‬المادة ‪ 159‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ - 13‬عبد الواحد العلمي‪� ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.96‬‬

‫‪225‬‬
‫وتبرئ ذمته‪ ،‬وفي المقابل تدعم النيابة العامة موقفها ب�أدلة االتهام والمطالبة بتطبيق القانون‬
‫دفاعا عن المجتمع وحماية النظام العام‪.‬‬
‫فالمحكمة الزجرية ت�صدر حكمها انطالقا من القناعة الوجدانية للقا�ضي ‪ ،‬من خالل‬
‫‪14‬‬

‫فح�صه وتدقيقه للأدلة وو�سائل الإثبات المعرو�ضة �أمامه‪ ،‬وفي هذا المقام يحق لنا �أن نت�ساءل عن‬
‫طبيعة الم�سطرة المرجعية هل هي مجد ت�صريحات تمهيدية؟ �أم ترقى �إلى درجة دليل للإثبات؟‬
‫للإجابة عن هذا ال�س�ؤال يمكن اعتماد مقاربتين؛ الأولى تتمثل في اعتبار حجية الم�سطرة‬
‫المرجعية ت�ستنبط من حجية المح�ضر الم�ضمنة به (�أوال) �أما المقاربة الأخرى تذهب �إلى اعتبار‬
‫الم�سطرة المرجعية بمثابة �شهادة على الغير(ثانيا)‬
‫�أوال‪ :‬حجية الم�سطرة المرجعية الم�ضمنة في مح�ضر ال�ضابطة الق�ضائية‬
‫يعتبر مح�ضر؛ تلك الوثيقة المكتوبة التي يحررها �ضابط ال�شرطة الق�ضائية �أثناء ممار�سته‬
‫وي�ضمنها ما عاينه وما تلقاه من ت�صريحات �أو ما قام به من عمليات ترجع الخت�صا�صه ‪،‬‬
‫‪15‬‬

‫ويعد و�سيلة من و�سائل الإثبات �أمام الق�ضاء‪ ،‬فالم�شرع منحه حجية �أمام الق�ضاء في الجنح‬
‫والمخالفات �إذا كانت �صحيحة من حيث ال�شكل وتم احترام للإجراءات القانونية عند تحريرها‪،‬‬
‫بينما المحا�ضر المتعلقة بالجنايات فهي مجرد معلومات طبقا للمادة ‪ 291‬من قانون الم�سطرة‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫ف�إذا كان الم�شرع يقر بحجية المح�ضر فهل الت�صريحات الم�ضمنة لها حجية �أم �أنها مجرد‬
‫ت�صريحات تمهيدية؟‬
‫في هذا الإطار جاء في العديد من المواقف الق�ضائية كون الت�صريحات الم�ضمنة بالمح�ضر‬
‫تعد مجرد قرائن يحوم حولها ال�شك ول�ست لها حجية �أمام الق�ضاء‪ ،‬حيث جاء في قرار لمحكمة‬
‫النق�ض عدد ‪ 935‬بتاريخ ‪ 1993/7/29‬في الملف الجنحي رقم ‪ « 90/17645‬على المحكمة الت�أكد‬ ‫‪16‬‬

‫من الت�صريح المدلى به لدى ال�ضابطة الق�ضائية»‪.‬‬


‫كما جاء في قرار �آخر لمحكمة النق�ض بتاريخ ‪ 1979/7/28‬تحت عدد ‪ 937‬في ملف جنائي‬
‫‪17‬‬

‫عدد ‪�« 64746‬إذا اعتمدت المحكمة في �إدانة متهم على ت�صريح متهم �آخر �أمام ال�ضابطة الق�ضائية‬

‫‪ - 14‬المادة ‪ 286‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬


‫‪ - 15‬المادة ‪ 24‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ - 16‬قرار من�شور بمجلة ال�شعاع العدد العا�شر‪ ،‬العدد‪� ،10‬ص‪130‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 17‬محمد بفقير‪ ،‬قانون الم�سطرة الجنائية والعمل الق�ضائي المغربي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البي�ضاء‪ ،‬طبعة ‪،2006‬‬
‫�ص‪.188‬‬

‫‪226‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫وعلى ت�صريح ال�ضحية الذي هو في نف�س الوقت مطالب بالحق المدني رغم �إنكار المتهم الأول‬
‫وفي جميع مراحل الأطوار خا�صة و�أن الق�ضية جنائية‪ ،‬يكون حكمها ناق�ص التعليل‪».‬‬
‫كما جاء في قرار �أخر على �أن م�ضمون مح�ضر الم�سطرة المرجعية يجب مناق�شته في جميع‬
‫�أطوار الدعوى في قرار لمحكمة النق�ض عدد ‪ 8/1904‬بتاريخ ‪ 2003/5/29‬في ملف جنحي عدد‬
‫‪18‬‬

‫‪ 2944/02‬الذي قال �أن «المحكمة ملزمة بمناق�شة وقائع الم�سطرة المرجعية وال يمكنها خارجة‬
‫عن نطاق الدعوى العمومية المرفوعة حاليا لالرتباط الوثيق بينهما ولو �أ�ضيفة هذه الم�سطرة من‬
‫طرف النيابة العامة ما دام اال�ستئناف ين�شر الدعوى العمومية»‪.‬‬
‫وبناءا على ما �سبق يمكن القول �أن الت�صريحات الم�ضمنة في محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية‬
‫تعد مجرد قرائن ق�ضائية‪ ،‬وهذه الأخيرة و�سيلة ابتدائية يعتمدها القا�ضي في �إطار �سلطته للك�شف‬
‫عن وقائع مجهولة يبني عليها قناعته‪ ،‬فهي ال ترقى �إلى حجة‪ ،‬والحكم الق�ضائي يجب �أن يبنى على‬
‫الجزم واليقين ال على ال�شك والتخمين‪ ،‬فاعتماد الم�سطرة المرجعية في الإثبات يجب �أن تعزز‬
‫بقرائن و�أدلة قوية خالية من اللب�س وم�ستخل�صة من وقائع معلومة بيقين‪� ،‬أما االعتماد على مجرد‬
‫ت�صريحات يجعل الحكم المبنى عليها ناق�ص التعليل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اعتبار الم�سطرة المرجعية بمثابة �شهادة على الغير‬
‫تعتبر ال�شهادة من �أكثر و�سائل الإثبات اعتمادا في المجال الجنائي‪ ،‬ونظم الم�شرع �إجراءاتها‬
‫من المادة ‪� 117‬إلى المادة ‪� 133‬أمام قا�ضي التحقيق‪ ،‬والمواد من ‪� 325‬إلى ‪� 346‬أمام المحكمة من‬
‫قانون الم�سطرة الجنائية‪.‬‬
‫وبقراءة هذه المواد نجد �أهم �إجراء من �إجراءات ال�شهادة يتمثل �أداء اليمين فال يمكن‬
‫اعتماد على �شهادة ال�شهود دون �أداء اليمين حيث تن�ص مقت�ضيات الف�صل ‪ِ »331‬يدي ال�شاهد قبل‬
‫الإدالء ب�شهادته اليمين المن�صو�ص عليها في المادة ‪� 123‬أعاله‪ ،‬ويترتب عن الإخالل بذلك بطالن‬
‫الحكم �أو القرار‪.‬‬
‫يمكن �أن تتلى عليه قبل �أداء اليمين المقت�ضيات القانونية القا�ضية بالمعاقبة على �شهادة‬
‫الزور‪».‬‬
‫فمن خالل ما �سبق‪ ،‬يتبن �أن الم�ساطر المرجعية التي تعتبر مجرد ت�صريحات �أمام ال�ضابطة‬
‫الق�ضائية دون احترام �شكليات معينة ال يمكن اعتبارها بمثابة �شهادة‪ ،‬وفي هذا الإطار جاء في‬
‫قرار للمحكمة النق�ض عدد ‪ 624‬بتاريخ ‪ »1970/5/1‬بمقت�ضى المادة ‪ 323‬من قانون الم�سطرة‬ ‫‪19‬‬

‫‪ - 18‬دليل العملي في ق�ضايا المخدرات‪� ،‬سل�سلة العمل الق�ضائي‪ ،‬العدد ‪ 4‬من�شور بموقع وزارة العدل‪� ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 19‬محمد بفقير‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪231‬‬

‫‪227‬‬
‫الجنائية يتعين �أن ي�ؤدي ال�شاهد قبل الإدالء ب�شهادته اليمين المن�صو�ص عليها في الف�صل ‪116‬‬
‫من نف�س القانون و�إال فيبطل الحكم عند الإخالل بذلك»‬
‫وجاء في قرار اخر عدد ‪ 7875‬بتاريخ ‪ 1983/12/1‬في ملف عدد ‪� « 13269‬إن ال�شهادة لتي‬ ‫‪20‬‬

‫تعد و�سيلة من و�سائل االثبات في الميدان الجنائي هي تلك الت�صريحات التي يدلي بها �أمام‬
‫قا�ضي التحقيق �أو هيئة الحكم بعد �أداء اليمين القانونية ولهذا ف�إن المحكمة لما اعتمدت في‬
‫ق�ضائها ب�إدانة الطاعن على ت�صريحات �أ�شخا�ص لم ي�سمع �إليهم على النحو المذكور تكون قد بنت‬
‫ق�ضائها على غير �أ�سا�س وعر�ضت قرارها للنق�ض‪».‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية مدخل لحماية الحقوق والحريات‬
‫وتعزيز �ضمانات المحاكم العادلة‬
‫�إن تطور الو�ضع الحقوقي بالمغرب خا�صة بعد �صدور د�ستور ‪ 2011‬الذي يعد منطلقا لفل�سفة‬
‫جديدة لحقوق الإن�سان و�صيانة الحريات الفردية والجماعية‪ ،‬جعل المنظومة الحقوقية تكت�سح‬
‫مختلف المجاالت خا�صة م�ؤ�س�سة العدالة‪ ،‬حيث تعد من الأهداف الأ�سا�سية �ضمن ور�ش �إ�صالح‬
‫منظومة العدالة بالمغرب(الفقرة الأولى)‪ ،‬كما يعد الق�ضاء ال�سلطة ال�ضامنة للحقوق و�صيانة‬
‫الحريات(الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬عقلنة الم�ساطر المرجعية من منظور ور�ش منظومة العدالة‬
‫عرف المغرب �إ�صالحات ت�شريعية هامة �شملت مختلف الميادين المرتبطة بالعدالة‪� ،‬سعيا‬
‫منه �إلى تحقيق �إ�صالح �شامل وجذري لمنظومة العدالة باعتبارها رافعة �أ�سا�سية للتنمية وتقوية‬
‫ثقة المواطن في م�ؤ�س�سات العدالة وبناء دولة الحق وي�سودها القانون‪.‬‬
‫وارتباطا بذلك‪ ،‬ف�إن �أبرز محطات الإ�صالح �شملت الوقوف على االختالالت التي تعرفها‬
‫منظومة العدالة‪ ،‬خا�صة المتعلقة بالحقوق والحريات‪ ،‬ويجد هذا الإ�صالح �أ�سا�سه في د�ستور‬
‫‪�( 2011‬أوال) وفي تو�صيات ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة (ثانيا)‬
‫�أوال‪ :‬على م�ستوى الد�ستور‬
‫وفاء للمغرب بالتزاماته الدولية وما تقت�ضيه المواثيق الدولية خا�صة المتعلقة بحقوق الإن�سان‬
‫عمل على د�سترة العديد من الحقوق والحريات مما جعل البع�ض ينعت الد�ستور المغربي بد�ستور‬
‫حقوق الإن�سان ‪ ،‬نظرا للح�ضور القوي والوازن لهذه الحقوق من ت�صدير �إلى �آخر ف�صل منه‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪ - 20‬محمد بفقير‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.231‬‬


‫‪ - 21‬كريم لحر�ش‪ ،‬الد�ستور الجديد للمملكة المغربية –�شرح وتحليل‪ ،-‬مطبعة لنجاح الجديدة الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪� ،2016‬ص‪.97‬‬

‫‪228‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫وما يهمنا في هذا المقام تلك الحقوق التي لها عالقة بالعدالة الجناية و�ضمانات المحاكمة‬
‫العادلة‪� ،‬إذ نجد العديد من ف�صول الد�ستور تن�ص على ذلك منها؛ الف�صل ‪ 23‬الذي جاء في‬
‫مقت�ضياته « ال يجوز �إلقاء القب�ض على �أي �شخ�ص �أو اعتقاله �أو متابعته �أو �إدانته‪� ،‬إال في الحاالت‬
‫وطبقا للإجراءات التي ين�ص عليها القانون‪ ...‬قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة م�ضمونان‪».‬‬
‫ون�ص الف�صل ‪ « 119‬يعتبر كل م�شتبه فيه �أو متهم بارتكاب جريمة بريئا‪� ،‬إلى �أن تثبت �إدانته بمقرر‬
‫ق�ضائي مكت�سب لقوة ال�شئ المق�ضي به‪ ».‬والف�صل ‪« 120‬لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة‪.»...‬‬
‫وت�أ�سي�سا على الف�صول ال�سالفة التي تجعل من �ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق‬
‫وحريات الم�شتبه فيه �أو المتهم باعتباره برئ طيلة �أطوار المحاكمة �إلى حين �صدور حكم حائز‬
‫لقوة ال�شئ المق�ضي به‪ ،‬قاعدة د�ستورية وال يجوز خرقها‪ ،‬الأمر الذي يدعنا نقول �أن اعتماد‬
‫الم�سطرة المرجعية وبناء المتابعة على �أ�سا�سها وما يترتب عنها من �إجراءات تدابير في حق‬
‫الأ�شخا�ص الذين تفتر�ض براءتهم يجعلها �إجراء غير د�ستوري‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬على م�ستوى ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة‬
‫يعتبر ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة ثمرة لحوار ودرا�سة وا�سعة من قبل �أع�ضاء الهيئة العليا‬
‫للحوار الوطني حول �إ�صالح منظومة العدالة‪ ،‬التي خل�صت بعدة تو�صيات ومخرجات تتعلق ب�إعادة‬
‫النظر والرقي بمنظومة العدالة بالمغرب عبر اقتراح تدابير من �ش�أنها زرع نف�س جديد في‬
‫م�ؤ�س�سات العدالة ب�صفة عامة والعدالة الجنائية ب�صفة خا�صة‪.‬‬
‫فعند ت�شخي�ص و�ضع العدالة الجنائية من قبل اللجنة المذكورة تم الوقوف على عدة اختالالت‬
‫انتهاكات وتتمثل في ت�ضخم ن�صو�ص التجريم والعقاب ك�آلية لمحاربة الجريمة‪ ،‬وعدم تر�شيد‬
‫االعتقال االحتياطي‪ ،‬وعدم تدقيق ال�ضوابط القانونية المبررة للو�ضع رهن الحرا�سة النظرية‪،‬‬
‫وعدم التفعيل لمبد�أ مالءمة المتابعة والآليات البديلة لالعتقال االحتياطي وكذا �ضمانات‬
‫المحاكمة العادلة ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫و�أمام هذه الو�ضعية �أو�صت الهيئة العليا للحوار الوطني حول �إ�صالح منظومة العدالة على‬
‫العديد من التدابير لتعزيز حماية الق�ضاء للحقوق والحريات كونه هدف �أ�سا�سي من الأهداف‬
‫ال�ستة المحددة في الميثاق‪ ،‬ويرتبط ذلك بمالءمة القانون الوطني مع الد�ستور واالتفاقيات‬
‫الدولية بمنع الجريمة وحقوق الإن�سان‪ ،‬واالرتقاء ب�أداء العدالة الجنائية خا�صة من خالل تعزيز‬
‫�ضمانات المحاكمة العادلة‪ ،‬كمراجعة �ضوابط الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية وتعزيز مراقبة‬
‫النيابة العامة لتمتع الم�شتبه فيهم بحقوقهم وتر�شيد االعتقال االحتياطي وعدم اللجوء �إليه �إال‬
‫لل�ضرورة وتعليل القرار المتعلق به‪.‬‬

‫‪ - 22‬ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة‪� ،‬ص‪.44‬‬

‫‪229‬‬
‫رغم عدم وقوف هذه الهيئة على الم�ساطر المرجعية كونها من الم�ساوئ التي يعرفها نظام‬
‫العدالة الجنائية‪� ،‬إال �أن الوقوف على �ضمان الحقوق والحريات وتقوية مكانتها في منظومة‬
‫العدالة‪ ،‬وتجاوز كل �إجراء يخل بهذه ال�ضمانات وينتهكها‪ ،‬يعبر عن رف�ض �ضمني العتماد الم�ساطر‬
‫المرجعية �أو بالأحرى عدم تر�شيد اعتمادها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور الق�ضاء في تر�شيد الم�ساطر المرجعية‬


‫للق�ضاء مكانة هامة ومحورية في �إقرار العدل وتر�سيخ دولة الحق والقانون ي�سودها العدل‬
‫والأمن‪ ،‬والقانون ال يمكن �أن يحقق �أهداف وجوده �إال من خالل تفعيله و�إعطائه روح وهذا هو دور‬
‫الق�ضاء‪.‬‬
‫وال يجادل �أحد في الدور الذي يلعبه الق�ضاء في حماية الحقوق و�صيانة الحريات والحر�ص‬
‫على التطبيق ال�سليم للقانون وخلق مناخ مالئم للتنمية االقت�صادية واالجتماعية من خالل �ضمان‬
‫الأمن القانون والق�ضائي داخل المجتمع‪ ،‬وكان الم�شرع الد�ستوري واعيا بهذا الدور الذي ن�ص في‬
‫الف�صل ‪ 117‬من الد�ستور على « يتولى القا�ضي حماية حقوق الأ�شخا�ص والجماعات وحرياتهم‬
‫و�أمنهم الق�ضائي وتطبيق القانون‪».‬‬
‫واعتماد الم�ساطر المرجعية �أمام ال�ضابطة الق�ضائية وما يترتب عنه من �آثار خالل جميع‬
‫�أطوار الم�سطرة ف�إنه يخ�ضع لرقابة ق�ضاة النيابة العامة (�أوال) وق�ضاة الحكم (ثانيا)‬
‫�أوال‪ :‬على م�ستوى النيابة العامة‬
‫وعيا بخطورة �إعمال الم�سطرة المرجعية وما تخلفه من �آثار على حقوق الأفراد وحرياتهم‬
‫�أ�صدرت رئا�سة النيابة العامة دورية �إلى ال�سادة الوكالء العامين للملك ووكالء الملك حول تدبير‬
‫‪24‬‬

‫الم�ساطر المرجعية لحثهم على �إعمال بع�ض التدابير من �ش�أنها حماية حقوق الأفراد و�صيانة‬
‫كرامتهم‪ ،‬ومن جهة �أخرى فر�ض النظام العام ومكافحة الجريمة وتتمثل هذه التدابير في‪:‬‬
‫‪�-‬إيالء الم�ساطر المرجعية مزيدا من العناية والدقة �أثناء �إ�شراف النيابة العامة على البحث‬
‫التمهيدي وخالل تقديم الم�شتبه فيهم‪ ،‬والتتبع والحر�ص على التطبيق ال�سليم للقانون‬
‫بخ�صو�صها والقيام بكافة التحريات للتثبت من حقيقة ارتكاب الجريمة التي تت�ضمها هذه‬
‫الم�ساطر‪ ،‬والقيام بكل ما يلزم للتحقق من �صحة المن�سوب �إليهم‪.‬‬
‫‪-‬اتخاذ جميع الإجراءات ال�ضرورية وكل التدابير التي تخدم الو�صول �إلى الحقيقة واعتماد‬
‫قواعد الإثبات المتعارف عليها قانونا و�إعمال المواجهة بين الم�صرحين والمتابعين‪ ،‬وعدم‬
‫‪ - 23‬ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة‪� ،‬ص‪.74‬‬
‫‪� - 24‬أنظر دورية عدد‪ 41‬بتاريخ ‪� 16‬أكتوبر‪.2018‬‬

‫‪230‬‬
‫الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة‬

‫التردد في حفظ الم�ساطر المرجعية �إذا ما �أ�سفرت �إجراءات البحث �أو المواجهة عن تراجع‬
‫م�صرح الذي كان �سبب في �إعمال الم�ساطر المرجعية‪...‬‬
‫‪-‬تفادي اللجوء �إلى التدابير الما�سة بالحرية �إال في �أ�ضيق الحدود وعند ال�ضرورة‪ ،‬واللجوء‬
‫�إلى ق�ضاء التحقيق �إال ب�صفة ا�ستثنائية‪.‬‬
‫‪-‬فتح �أبحاث واتخاذ الإجراءات القانونية ال�ضرورية في حالة تعر�ض الأ�شخا�ص ل�ضغط �أو‬
‫ابتزاز من م�صرحي الم�سطرة المرجعية‪.‬‬
‫فهذه التدبير من �ش�أنها تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية على م�ستوى النيابات العامة‪،‬‬
‫وتعزيز �ضمانات المحاكمة العادلة خالل مرحلة البحث التمهيدي‪ ،‬وخدمة لل�صالح العام وتحقيقا‬
‫للعدالة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬على م�ستوى ق�ضاء الحكم‬
‫يخت�ص ق�ضاة الحكم بالبت في النزاعات المعرو�ضة على �أنظارهم من خالل ترجيح بين‬
‫الأدلة المو�ضوعة �أمامهم‪ ،‬ويتميز ق�ضاء الحكم في المادة الجنائية في �إ�صدار حكمه بناء على‬
‫قناعته الوجدانية واالقتناع ال�صميم بو�سائل الإثبات‪.‬‬
‫فالق�ضاء ا له دور حا�سم في تر�شيد الم�ساطر المرجعية وحماية الحقوق والحريات وتحقيق‬
‫محاكمة جنائية عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات‪ ،‬ويتج�سد ذلك في موقف الق�ضاء من الم�ساطر‬
‫المرجعية‪.‬‬
‫حيث جاء في قرار (للمجل�س الأعلى) محكمة النق�ض بتاريخ ‪ 98/9/29‬عدد ‪ 1736/1‬في‬
‫‪25‬‬

‫الملف عدد ‪ « 97/22287‬الت�صريحات التي يدلى بها �أمام ال�ضابطة الق�ضائية ال تكت�سب ال�شهادة‬
‫التي تعتبر و�سيلة �إثبات قانونية �إال �إذا �أديت �أمام هيئة الحكم وبعد �أداء اليمين القانونية طبقا‬
‫للف�صل ‪ 323‬من قانون الم�سطرة الجنائية‪ ،».‬كما ورد في قرار لمحكمة النق�ض عدد‪ 1/47‬في‬
‫‪26‬‬

‫ملف جنحي عدد ‪ 2013/12088‬بتاريخ ‪« 2019/1/29‬نفي م�صرح الم�سطرة المرجعية �سابق‬


‫اقتنائهم من ال�ضنين مقابل �إنكار هذا الأخير الفعل المتابع ب�ش�أنه‪ ،‬يجعل ثبوت االتجار في‬
‫المخدرات غير قائم‪».‬‬
‫وجاء في قرار �آخر لنف�س المحكمة عدد ‪ 1/562‬في الملف الجنحي عدد ‪ 14/3242‬بتاريخ‬
‫‪27‬‬

‫‪ « 2014/06/11‬تراجع م�صرح الم�سطرة المرجعية عن ت�صريحاته التمهيدية و�إقراره بعدم تزويد‬


‫‪ - 25‬محمد بفقير‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪232‬‬
‫‪� - 26‬أورده محمد اقبلي وعابد العمراني الميلودي‪ ،‬القانون الجنائي المعمق‪ ،‬مكتبة الر�شاد �سطات للن�شر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى ‪� ،2020‬ص‪.277‬‬
‫‪ - 27‬محمد �أقبلي وعابد العمراني الميلودي‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص‪,282‬‬

‫‪231‬‬
‫ال�ضنين ب�أي مخدرات لتهمة االتجار في المخدرات يجعل القرار القا�ضي بعدم المتابعة �سليما‬
‫وم�ؤ�س�سا‪».‬‬
‫فانطالقا من هذه القرارات يتبين على �أن الق�ضاء ال ي�أخذ بالم�ساطر المرجعية �إال في حدود‬
‫�ضيقة وما يعبر عن ذالك �أن تراجع م�صرح الم�سطرة المرجعية ي�ؤدي �إلى عدم المتابعة وتبرئ‬
‫ذمة المتابع‪ ،‬كما �أنه ‪-‬الق�ضاء‪ -‬ال يعتبر الم�ساطر المرجعية و�سيلة للإثبات ‪-‬وفق تم تناوله‬
‫�سابقا‪ -‬كونها ال تحترم ال�شروط القانونية �إذا ما تم اعتبارها �شهادة على الغير‪ ،‬وهو موقف يج�سد‬
‫المنطق القانوني وروح العدالة‪ ،‬فحماية المجتمع من الجريمة ومكافحتها ال يجب �أن يتم على‬
‫ح�ساب حقوق وحريات الأفراد والم�س بكرامتهم‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫و�صفوة القول‪� ،‬أن الم�ساطر المرجعية ت�شكل و�سيلة للك�شف عن الم�شاركين والم�ساهمين في‬
‫بع�ض الجرائم‪� ،‬إال �أن اعتمادها م�سا�سا بالحقوق والحريات و�ضربا ل�ضمانات المحاكمة العادلة‪،‬‬
‫لهذا وجب و�ضع ت�أطير قانوني لهذا الإجراء من �ش�أنه ر�سم خريطة التوازن بين �ضمان الحقوق‬
‫الأ�سا�سية وبين حماية المجتمع وفر�ض النظام العام‪ ،‬و�أمام هذا الو�ضع يلزم على مختلف �أجهزة‬
‫العدالة الجنائية التعامل بحذر مع هذا الإجراء‪ ،‬كون حماية المجتمع رهين بحماية �أفراده‪.‬‬

‫‪232‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like