Professional Documents
Culture Documents
2188 003 013 011
2188 003 013 011
2188 003 013 011
ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ،والقانون.
ﺍﻟﻤﺴﻄﺮﺓدولة الحق
ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ،ودليال على
ﺍﻟﻀﻤﺎﻧﺎﺕ الق�ضائي
�صحة الج�سمﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ، �ضمانات المحاكمة ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ
العادلة ،وتمثل ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ:
ت�شكل
ﺍﻟﻀﺎﺑﻄﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ
والحقيقة� ،أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان ،بل هي ت�شكل
http://search.mandumah.com/Record/1242311 ﺭﺍﺑﻂ:
قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها ،ونتيجة للتطبيق ال�سليم
للقانون ،كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل 14من العهد
الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل 10من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان ،ونظرا لكون
المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي ،عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما
تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها ،وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات
الفقرة الرابعة من الف�صل 23من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.الف�صل 120منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»، © 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ
مقت�ضيات م�ضمونان» ،كما جاء في
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ
د�ستورية ال يجوز انتهاكها. فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة
ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
221
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ
عدنان العبادي ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ:
باحث بسلك الدكتوراه ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
الرباط الخامس محمد جامعة
ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ ،ﻋﺪﻧﺎﻥ .(2021) .ﺍﻟﻤﺴﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﻭﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ.ﻣﺠﻠﺔ
ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،ﻣﺞ ,3ﻉ .232 - 221 ،13ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
http://search.mandumah.com/Record/1242311
الجريمة انتهاك لحقوق المجتمع المحددة في خطاب القانون الجنائي ،الذي يحدد MLAتعتبر
ﺇﺳﻠﻮﺏ
ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ". ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﻭﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ "ﺍﻟﻤﺴﺎﻃﺮ ﻋﺪﻧﺎﻥ. ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﻱ،
�أفعال الإن�سان التي تعتبر جرائم والجزاء لمرتكبها من عقوبات �أ�صلية �أو عقوبات �إ�ضافية �أو
ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔﻣﺞ ,3ﻉ .232 - 221 :(2021) 13ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
الجنائية البحث والتثبت من مرتكبيها تدابير وقائية ،فوقوع الجريمة يفر�ض على �أجهزة العدالة
http://search.mandumah.com/Record/1242311
�سواء كان فاعال �أ�صليا �أو م�ساهما �أو م�شارك ،وفق �إجراءات محددة م�سبقا من قبل الم�شرع
في �إطار التوازن بين حقوق الم�شتبه فيهم والمتهمين والحفاظ على النظام العام والأمن داخل
المجتمع� ،إلى �أن تتم �إدانتهم وفق محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات القانونية.
و�أ�صبح اليوم االعتقاد را�سخا ب�ضرورة �ضمان حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم خالل جميع
�أطوار المحاكمة الزجرية ،خا�صة احترام مبد�أ الم�ساواة وقرينة البراءة وحقوق الدفاع وقيام
المتابعة على �أدلة قوية ال لب�س فيها ،و�أن تعر�ض وتناق�ش في جل�سة علنية ،...فاحترام هذه المبادئ
ت�شكل �ضمانات المحاكمة العادلة ،وتمثل �صحة الج�سم الق�ضائي ودليال على دولة الحق والقانون.
والحقيقة� ،أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان ،بل هي ت�شكل
قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها ،ونتيجة للتطبيق ال�سليم
للقانون ،كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل 14من العهد
الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل 10من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان ،ونظرا لكون
المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي ،عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما
تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها ،وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات
الفقرة الرابعة من الف�صل 23من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.الف�صل 120منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»، مقت�ضيات© 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ
م�ضمونان» ،كما جاء في
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ
د�ستورية ال يجوز انتهاكها. فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة
ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
221
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
عدنان العبادي
باحث بسلك الدكتوراه
جامعة محمد الخامس الرباط
تعتبر الجريمة انتهاك لحقوق المجتمع المحددة في خطاب القانون الجنائي ،الذي يحدد
�أفعال الإن�سان التي تعتبر جرائم والجزاء لمرتكبها من عقوبات �أ�صلية �أو عقوبات �إ�ضافية �أو
تدابير وقائية ،فوقوع الجريمة يفر�ض على �أجهزة العدالة الجنائية البحث والتثبت من مرتكبيها
�سواء كان فاعال �أ�صليا �أو م�ساهما �أو م�شارك ،وفق �إجراءات محددة م�سبقا من قبل الم�شرع
في �إطار التوازن بين حقوق الم�شتبه فيهم والمتهمين والحفاظ على النظام العام والأمن داخل
المجتمع� ،إلى �أن تتم �إدانتهم وفق محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات القانونية.
و�أ�صبح اليوم االعتقاد را�سخا ب�ضرورة �ضمان حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم خالل جميع
�أطوار المحاكمة الزجرية ،خا�صة احترام مبد�أ الم�ساواة وقرينة البراءة وحقوق الدفاع وقيام
المتابعة على �أدلة قوية ال لب�س فيها ،و�أن تعر�ض وتناق�ش في جل�سة علنية ،...فاحترام هذه المبادئ
ت�شكل �ضمانات المحاكمة العادلة ،وتمثل �صحة الج�سم الق�ضائي ودليال على دولة الحق والقانون.
والحقيقة� ،أن �ضمانات المحاكمة العادلة لي�ست مجرد حق من حقوق الإن�سان ،بل هي ت�شكل
قاعدة �أ�سا�سية ت�ؤطر ممار�سة �أجهزة العدالة الجنائية الخت�صا�صاتها ،ونتيجة للتطبيق ال�سليم
للقانون ،كما لها مرجعية دولية حيث تم التن�صي�ص على هذا الحق في الف�صل 14من العهد
الدولي للحقوق المدنية وال�سيا�سية والف�صل 10من الإعالن العالمي لحقوق الإن�سان ،ونظرا لكون
المغرب فاعال �أ�سا�سيا في المنتظم الدولي ،عمل على مالءمة المنظومة القانونية الوطنية مع ما
تقت�ضيه االتفاقيات الدولية التي �صادق عليها ،وتمت د�سترة هذا الحق وتج�سد ذلك في مقت�ضيات
الفقرة الرابعة من الف�صل 23من الد�ستور التي ن�صت على «قرينة البراءة والحق محاكمة عادلة
م�ضمونان» ،كما جاء في مقت�ضيات الف�صل 120منه «لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة»،
فبعدما كانت مجرد مطلبا حقوقيا �أ�صبحت اليوم ت�شكل قاعدة د�ستورية ال يجوز انتهاكها.
221
في هذا ال�صدد ،ف�إن المحاكمة العادلة كمفهوم وكقاعدة تتطلب التطبيق ال�سليم للقانون
الإجرائي الذي ينظم عمل �أجهزة العدالة الجنائية خالل البحث عن الحقيقة ،ونظرا لكون
الحقيقة م�س�ألة واقع ،والو�صول �إليها يكون �إال نتيجة مجهود وعمل �شاق من الجهة المكلفة بذلك،
حيث ت�ستعمل جميع الو�سائل الم�شروعة والمحددة �سلفا من قبل الم�شرع ،وال يجوز �أبدا �أن يتم
الك�شف عن وقائع معينة على ح�ساب حقوق الأفراد وحرياتهم.
ورغم كل هذا التطور الذي �أحرزته العدالة الجنائية بالمغرب� ،إال �أن الواقع قد �أفرز بع�ض
الإجراءات التي من �ش�أنها ت�سهيل البحث والتحري في جرائم خا�صة ،وي�صطلح على هذا الإجراء
بالم�ساطر المرجعية وهي تلك الت�صريحات التي يدلي بها بع�ض الم�شتبه فيهم بارتكاب جريمة،
�أثناء اال�ستماع �إليهم من طرف ال�شرطة الق�ضائية خالل البحث التمهيدي ،ويدعون وجود
�أ�شخا�ص م�ساهمين �أو م�شاركين معهم في الجريمة المرتكبة التي �ضبطوا من �أجلها ،فمجرد هذه
الت�صريحات كافية لمتابعة الأ�شخا�ص المذكورة ا�سمهم ،وفق ما درجت عليه الممار�سة وعمل
ال�ضابطة الق�ضائية والعمل الق�ضائي ،هذا الو�ضع جعل تحقيق توازن بين الحفاظ على النظام
1
العام ومكافحة الجريمة من جهة وبين حماية حقوق الأفراد و�صيانة حرياتهم من جهة �أخرى،
يبقى بعيد المنال في ظل غياب تنظيم قانوني العتماد الم�ساطر المرجعية وتحديد �شروطها
و�ضوابطها ،وهو ما جعله نقطة انتقاد العديد من الحقوقيين.
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ،يمكن �أن نت�ساءل عن مدى ت�أثير الم�ساطر المرجعية على �ضمانات
المحاكمة العادلة؟ وكيف يمكن عقلنة الم�ساطر المرجعية كمدخل لتعزيز �ضمانات المحاكمة
العادلة وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية؟
يمكن معالجة هذين الت�سا�ؤلين من خالل نقطتين �أ�سا�سيتين:
المطلب الأول :بع�ض مظاهر ت�أثير الم�ساطر المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة ■
المطلب الثاني:تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية مدخل لحماية الحقوق والحريات ■
� - 1أنا�س اليمنى وعلي توفيق ،الم�ساطر المرجعية في الق�ضايا الزجرية بين الن�ص والتطبيق ،بحث نهاية تكوين الملحقين
الق�ضائيين ،الفوج التا�سع والثالثون ،فترة التكوين � ،2015/2013ص.3
222
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
الدعوى العمومية ،لهذا فاعتماد الم�ساطر المرجعية من �ش�أنه �أن ي�ؤثر على هذه ال�ضمانات قبل
المحاكمة (الفقرة الأولى) و�أثناء المحاكمة الجنائية (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى:مظاهر ت�أثير الم�سطرة المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة قبل
المحاكمة الجنائية
تعد مرحلة ما قبل المحاكمة من المراحل الح�سا�سة في عمر الدعوى العمومية حيث ت�شمل
�إجراءات البحث التمهيدي (�أوال) والتحقيق الإعدادي(ثانيا) ،نظرا للإجراءات المهمة والما�سة
بحرية الأفراد ،ومن خاللها يتم جمع الأدلة لإثبات التهم الموجهة للمتهم �أمام المحكمة.
�أوال :خالل مرحلة البحث
�إن قراءة مختلف ن�صو�ص قانون الم�سطرة الجنائية والقانون الجنائي �أو حتى بع�ض القوانين
2
الخا�صة كظهير 21ماي 1974المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات ال�سامة ووقاية المدمنين
على هذه المخدرات ،كون الم�ساطر المرجعية غالبا ما يتم اعتمادها في ق�ضايا المخدرات ،لم 3
يذكر الم�شرع م�صطلح الم�ساطر المرجعية ولم يقف على هذا المفهوم ال ب�شكل مبا�شر �أو �ضمني
و�إنما هو وليد الممار�سة يتم اعتمادها �أمام ال�ضابطة القا�ضية خالل البحث في بع�ض الجرائم،
ما يجعلنا نقول بداية �أنه �إجراء غير قانوني يخرق مبد�أ ال�شرعية الإجرائية .
4
فمجرد ت�صريح الم�شتبه فيه خالل البحث �أمام ال�ضابطة الق�ضائية بوجود �شخ�ص م�ساهم �أو
م�شارك في الجريمة المرتكبة وذكر �إ�سمه ،يجد هذا الأخير �أمام متابعة ق�ضائية وما يترتب عنها 5
من تدابير ما�سة بحريته خا�صة الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية ،ولو لم توجد �أدلة مادية ت�ؤكد
تورط المتابع بالم�سطرة المرجعية في الجرائم المن�سوبة �إليه.
- 2الجريدة الر�سمية عدد 5078بتاريخ 30يناير � ،2003ص.315
- 3الجريدة الر�سمية عدد 3214بتاريخ � ،05/06/1974ص .1525
- 4حيث يقول الأ�ستاذ عبد الواحد العلمي « :مبد�أ �شرعية قواعد الم�سطرة الجنائية يفيد �ضرورة تواجد قواعد مكتوبة من�صو�ص
عليها في القانون وتكون �صادرة عن جهة لها الوالية في �إ�صدارها تلتزم المحاكم الزجرية ب�إتباعها على �سبيل الوجوب
وتطبيقها-دون غيرها من القواعد غير المكتوبة –على الخ�صومة الجنائية منذ ارتكاب الجريمة لحين الف�صل النهائي في
�ش�أنها».في كتابه �شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية ،الجزء الأول ،مطبعة النجاح الجديدة الدار
البي�ضاء ،الطبعة ال�سابعة � ،2018ص 45و.46
- 5تجدر الإ�شارة �أن الم�شاركة في الجريمة نظم الم�شرع حاالت تحققها في الف�صل 129من مجموعة القانون الجنائي� ،إال
�أن ظهير 21/05/1974و�سع من مفهوم الم�شاركة في ق�ضايا المخدرات في المادة 4منه التي ن�صت على « ب�صرف النظر
عن �أفعال الم�شاركة الناتجة عن تطبيق مقت�ضيات الف�صل 129من القانون الجنائي ،ف�إن كل من حر�ض ب�أي و�سيلة من
الو�سائل على ارتكاب �إحدى الجرائم المن�صو�ص عليها في ظهيرنا ال�شريف هذا �سواء �أكان لهذا التحري�ض مفعول �أم ال،
يعاقب بالحب�س من �سنة �إلى � 5سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 500و5000درهم.
وتطبق نف�س العقوبات على كل من حر�ض طبق نف�س ال�شروط على ا�ستعمال المواد والنباتات المخدرة ،و�إذا وقع
تحري�ض ب�إحدى و�سائل الإ�شهار �أو بوا�سطة مكتوبات �أو عن طريق �أقوال �أو �صور ،تطبق هذه العقوبات على مرتكبي
التحري�ض ولو كان م�صدر الإ�شهار بالخارج ووقع الإعالن عنه بالمغرب».
223
وتكمن خطورة هذا الإجراء كذلك ،في �سلطة المالءمة التي بيد النيابة العامة حيث يمكنها
�أن تثير المتابعة بناء على ت�صريح الم�سطرة المرجعية ولو كان هذا الأخير يفتقد لأي دليل مادي،
في حين يمكن لممثل نيابة عامة �آخر حفظ الق�ضية كون �أدلة االتهام غير كافية ،وفي غياب �أي
�إطار قانوني ي�ؤدي �إلى اختالف في العمل بين النيابات العامة وي�شكل �ضربا لمبد�أ الم�ساواة �أمام
القانون والق�ضاء الذي يعد �ضمانة حقيقية للمحاكمة العادلة وم�سا�سا بقرينة البراءة.
و�أمام خطورة هذا الإجراء جعل البع�ض يبحث عن �إيجاد تبريرا قانونيا كون الم�ساطر
المرجعية تجد �أ�سا�سها في المح�ضر الم�ضمن من طرف �ضباط ال�شرطة الق�ضائية في �إطار
المهام الموكولة �إليه وفقا لل�شكليات التي ن�ص عليها الم�شرع ،فمجرد �إنجاز مح�ضر من قبل
6
�ضباط ال�شرطة الق�ضائية يت�ضمن ت�صريحا للم�شتبه فيه بوجود م�شاركين �أو م�ساهمين في
الجريمة المتابع ب�ش�أنها ،يمكن لممثل النيابة العامة بناء مقت�ضيات الفقرتين الأولى والثانية
7
من المادة 40من قانون الم�سطرة الجنائية والفقرة الرابعة والخام�سة من المادة 49من نف�س
القانون؛ �أن ي�أمر ب�ضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم.
ومن بين المبررات الواقعية لهذا الإجراء� ،أن الم�سطرة المرجعية قد يتم الت�أكد من �صحة
الت�صريحات �أو يتم الك�شف عن جميع الفاعلين في الجريمة ،خا�صة و�أن جرائم المخدرات
�أ�صبحت اليوم من الجرائم المنظمة ،التي ي�صعب الك�شف عن مرتكبها ومدبرها وتمكن من
8
�إظهار الحقيقة ،وعلى العك�س من ذلك ف�إنها قد تم�س بحقوق وحريات الأبرياء� ،أو ت�صبح و�سيلة
ابتزاز �أو بيع و�شراء في حرية الأفراد ،الأمر الذي يطرح جملة من ال�صعوبات �أمام الق�ضاء الذي
ي�سعى �إلى تحقيق التوازن بين احترام حقوق الإن�سان و�ضمانات المحاكمة العادلة من جهة وبين
الحفاظ على النظام العام والأمن داخل المجمع من جهة �أخرى .
9
� - 6أنظر الق�سم الثاني من الكتاب الأول من قانون الم�سطرة الجنائية المتعلق ب�إجراءات البحث.
� - 7أنا�س يمني وعلي توفيق ،مرجع �سابق� ،ص.19
- 8تعتبر الجريمة المنظمة تلك الجريمة الخطيرة التي يتم ارتكابها عن طريق تنظيم جرائم م�ستمرة ،من غير مراعات مدة
معينة بعينها ،ممار�سة ن�شاطا �إقليميا ،وعابرة لحدود الدول مع ما رافق ذلك من �أ�ساليب غير م�شروعة يتم �إنتاجها �سعيا
نحو تحقيق الك�سب المادي والمالي الباهظ الذي ي�سلك فيه المح�صلون عليه طرق غير م�شروعة لإخفاقه� ،أنظر ر�ضوان
�سند ،النظام القانوني للجريمة المنظمة في الت�شريع المغربي ،ر�سالة لنيل دبلوم الما�ستر في القانون الخا�ص ،كلية العلوم
القانونية واالقت�صادية واالجتماعية مراك�ش ،ال�سنة الجامعية � ،2015/2014ص.37
� - 9أنا�س يمني وعلي توفيق ،مرجع �سابق� ،ص27
224
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
�إجراء تحقيق �إعدادي يقوم به قا�ضي التحقيق طبقا لمقت�ضيات الق�سم الثالث من الكتاب الأول
من قانون الم�سطرة الجنائية بملتم�س من النيابة العامة طبقا لمقت�ضيات المادة 84من نف�س
10
القانون ،ويكمن �أهم �إجراء خالل هذه المرحلة في ا�ستنطاق المتهم ومواجهته مع الغير خا�صة
م�صرح الم�سطرة المرجعية �أمام قا�ضي التحقيق ،والذي من �ش�أنه �إظهار الحقيقة �أو تراجع عن
ت�صريحاته ،كما �أن �أجوبة المتهم عن الأ�سئلة الموجهة له خالل هذا الإجراء قد يتمخ�ض عنه
رجحان التهمة �إليه فيحال على المحكمة المخت�صة �أو �إبعادها عنه لي�صدر �أمرا بعدم المتابعة .
11
�إال �أن الإ�شكال الذي يبقى مطروحا هو �إمكانية الطعن في قرار قا�ضي التحقيق بعدم المتابعة
طبقا لمقت�ضيات المادة 222من قانون الم�سطرة الجنائية ،خا�صة و�أن المتهم متابع بناء على
م�سطرة مرجعية وال تعززها �أي �أدلة مادية والذي ي�شكل �ضربا لمبد�أ افترا�ض البراءة وتف�سير
ال�شك لفائدة المتهم المن�صو�ص عليها في المادة الأولى من قانون الم�سطرة الجنائية.
وتبرز خطورة مرحلة التحقيق الإعدادي في التدابير التي قد يتخذها قا�ض التحقيق في حق
الأ�شخا�ص المتهمين ،كالو�ضع تحت المراقبة الق�ضائية �أو توقيع االعتقال االحتياطي باعتبارهما
تدبيران ا�ستثنائيان ،نظرا لم�سا�سهما بحريات الأفراد ويخول حق حب�س المتهم قبل �صدور �أي 12
حكم ق�ضائي مكت�سب لقوة ال�شئ المق�ضي به وبناء على محاكمة عادلة ،والأخطر من ذلك -كما
13
�سلف ذكره -يكمن لمجرد ت�صريح الم�سطرة المرجعية �أن ي�ؤدي بالمتهم �إلى الو�ضع تحت هذه
التدابير الخطيرة.
الفقرة الثانية:مظاهر ت�أثير الم�ساطر المرجعية في �ضمانات المحاكمة العادلة �أثناء
المحاكمةالجنائية
بعد االنتهاء من �إجراءات البحث والتحقيق يحيل ممثل النيابة العامة �أو قا�ضي التحقيق
ح�سب الأحوال الق�ضية على المحكمة لتبت فيها وفق لإجراءات القانونية ،فهذه المرحلة الحا�سمة
والم�صيرية خا�صة بالن�سبة للمتهم الذي يعمل على تعزيز موقفه بالأدلة التي تخدم م�صلحته
« - 10االلتما�س هو عبارة عن تقديم طلب يرد فيه �صك مكتوب ،ي�صدره ممثل النيابة العامة بمقت�ضاه تلتم�س من قا�ضي
التحقيق الوارد �إ�سمه في ال�صك ب�إجراء تحقيق في وقائع محددة تكون خا�ضعة للتحقيق الإعدادي� ،إما ب�صورة �إلزامية
�أو ب�صورة اختيارية»� ،أنظر عبد الواحد العلمي �شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية ،الجزء الثاني،
مطبعة النجاح الجديدة-الدار البي�ضاء ،الطبعة ال�ساد�سة � ،2018ص.33
- 11عبد الواحد العلمي� ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية ،الجزء الثاني ،مرجع �سابق� ،ص.41
- 12المادة 159من قانون الم�سطرة الجنائية.
- 13عبد الواحد العلمي� ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالم�سطرة الجنائية ،الجزء الثاني ،مرجع �سابق� ،ص.96
225
وتبرئ ذمته ،وفي المقابل تدعم النيابة العامة موقفها ب�أدلة االتهام والمطالبة بتطبيق القانون
دفاعا عن المجتمع وحماية النظام العام.
فالمحكمة الزجرية ت�صدر حكمها انطالقا من القناعة الوجدانية للقا�ضي ،من خالل
14
فح�صه وتدقيقه للأدلة وو�سائل الإثبات المعرو�ضة �أمامه ،وفي هذا المقام يحق لنا �أن نت�ساءل عن
طبيعة الم�سطرة المرجعية هل هي مجد ت�صريحات تمهيدية؟ �أم ترقى �إلى درجة دليل للإثبات؟
للإجابة عن هذا ال�س�ؤال يمكن اعتماد مقاربتين؛ الأولى تتمثل في اعتبار حجية الم�سطرة
المرجعية ت�ستنبط من حجية المح�ضر الم�ضمنة به (�أوال) �أما المقاربة الأخرى تذهب �إلى اعتبار
الم�سطرة المرجعية بمثابة �شهادة على الغير(ثانيا)
�أوال :حجية الم�سطرة المرجعية الم�ضمنة في مح�ضر ال�ضابطة الق�ضائية
يعتبر مح�ضر؛ تلك الوثيقة المكتوبة التي يحررها �ضابط ال�شرطة الق�ضائية �أثناء ممار�سته
وي�ضمنها ما عاينه وما تلقاه من ت�صريحات �أو ما قام به من عمليات ترجع الخت�صا�صه ،
15
ويعد و�سيلة من و�سائل الإثبات �أمام الق�ضاء ،فالم�شرع منحه حجية �أمام الق�ضاء في الجنح
والمخالفات �إذا كانت �صحيحة من حيث ال�شكل وتم احترام للإجراءات القانونية عند تحريرها،
بينما المحا�ضر المتعلقة بالجنايات فهي مجرد معلومات طبقا للمادة 291من قانون الم�سطرة
الجنائية.
ف�إذا كان الم�شرع يقر بحجية المح�ضر فهل الت�صريحات الم�ضمنة لها حجية �أم �أنها مجرد
ت�صريحات تمهيدية؟
في هذا الإطار جاء في العديد من المواقف الق�ضائية كون الت�صريحات الم�ضمنة بالمح�ضر
تعد مجرد قرائن يحوم حولها ال�شك ول�ست لها حجية �أمام الق�ضاء ،حيث جاء في قرار لمحكمة
النق�ض عدد 935بتاريخ 1993/7/29في الملف الجنحي رقم « 90/17645على المحكمة الت�أكد 16
عدد �« 64746إذا اعتمدت المحكمة في �إدانة متهم على ت�صريح متهم �آخر �أمام ال�ضابطة الق�ضائية
226
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
وعلى ت�صريح ال�ضحية الذي هو في نف�س الوقت مطالب بالحق المدني رغم �إنكار المتهم الأول
وفي جميع مراحل الأطوار خا�صة و�أن الق�ضية جنائية ،يكون حكمها ناق�ص التعليل».
كما جاء في قرار �أخر على �أن م�ضمون مح�ضر الم�سطرة المرجعية يجب مناق�شته في جميع
�أطوار الدعوى في قرار لمحكمة النق�ض عدد 8/1904بتاريخ 2003/5/29في ملف جنحي عدد
18
2944/02الذي قال �أن «المحكمة ملزمة بمناق�شة وقائع الم�سطرة المرجعية وال يمكنها خارجة
عن نطاق الدعوى العمومية المرفوعة حاليا لالرتباط الوثيق بينهما ولو �أ�ضيفة هذه الم�سطرة من
طرف النيابة العامة ما دام اال�ستئناف ين�شر الدعوى العمومية».
وبناءا على ما �سبق يمكن القول �أن الت�صريحات الم�ضمنة في محا�ضر ال�ضابطة الق�ضائية
تعد مجرد قرائن ق�ضائية ،وهذه الأخيرة و�سيلة ابتدائية يعتمدها القا�ضي في �إطار �سلطته للك�شف
عن وقائع مجهولة يبني عليها قناعته ،فهي ال ترقى �إلى حجة ،والحكم الق�ضائي يجب �أن يبنى على
الجزم واليقين ال على ال�شك والتخمين ،فاعتماد الم�سطرة المرجعية في الإثبات يجب �أن تعزز
بقرائن و�أدلة قوية خالية من اللب�س وم�ستخل�صة من وقائع معلومة بيقين� ،أما االعتماد على مجرد
ت�صريحات يجعل الحكم المبنى عليها ناق�ص التعليل.
ثانيا :اعتبار الم�سطرة المرجعية بمثابة �شهادة على الغير
تعتبر ال�شهادة من �أكثر و�سائل الإثبات اعتمادا في المجال الجنائي ،ونظم الم�شرع �إجراءاتها
من المادة � 117إلى المادة � 133أمام قا�ضي التحقيق ،والمواد من � 325إلى � 346أمام المحكمة من
قانون الم�سطرة الجنائية.
وبقراءة هذه المواد نجد �أهم �إجراء من �إجراءات ال�شهادة يتمثل �أداء اليمين فال يمكن
اعتماد على �شهادة ال�شهود دون �أداء اليمين حيث تن�ص مقت�ضيات الف�صل ِ »331يدي ال�شاهد قبل
الإدالء ب�شهادته اليمين المن�صو�ص عليها في المادة � 123أعاله ،ويترتب عن الإخالل بذلك بطالن
الحكم �أو القرار.
يمكن �أن تتلى عليه قبل �أداء اليمين المقت�ضيات القانونية القا�ضية بالمعاقبة على �شهادة
الزور».
فمن خالل ما �سبق ،يتبن �أن الم�ساطر المرجعية التي تعتبر مجرد ت�صريحات �أمام ال�ضابطة
الق�ضائية دون احترام �شكليات معينة ال يمكن اعتبارها بمثابة �شهادة ،وفي هذا الإطار جاء في
قرار للمحكمة النق�ض عدد 624بتاريخ »1970/5/1بمقت�ضى المادة 323من قانون الم�سطرة 19
- 18دليل العملي في ق�ضايا المخدرات� ،سل�سلة العمل الق�ضائي ،العدد 4من�شور بموقع وزارة العدل� ،ص.55
- 19محمد بفقير ،مرجع �سابق� ،ص231
227
الجنائية يتعين �أن ي�ؤدي ال�شاهد قبل الإدالء ب�شهادته اليمين المن�صو�ص عليها في الف�صل 116
من نف�س القانون و�إال فيبطل الحكم عند الإخالل بذلك»
وجاء في قرار اخر عدد 7875بتاريخ 1983/12/1في ملف عدد � « 13269إن ال�شهادة لتي 20
تعد و�سيلة من و�سائل االثبات في الميدان الجنائي هي تلك الت�صريحات التي يدلي بها �أمام
قا�ضي التحقيق �أو هيئة الحكم بعد �أداء اليمين القانونية ولهذا ف�إن المحكمة لما اعتمدت في
ق�ضائها ب�إدانة الطاعن على ت�صريحات �أ�شخا�ص لم ي�سمع �إليهم على النحو المذكور تكون قد بنت
ق�ضائها على غير �أ�سا�س وعر�ضت قرارها للنق�ض».
المطلب الثاني:تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية مدخل لحماية الحقوق والحريات
وتعزيز �ضمانات المحاكم العادلة
�إن تطور الو�ضع الحقوقي بالمغرب خا�صة بعد �صدور د�ستور 2011الذي يعد منطلقا لفل�سفة
جديدة لحقوق الإن�سان و�صيانة الحريات الفردية والجماعية ،جعل المنظومة الحقوقية تكت�سح
مختلف المجاالت خا�صة م�ؤ�س�سة العدالة ،حيث تعد من الأهداف الأ�سا�سية �ضمن ور�ش �إ�صالح
منظومة العدالة بالمغرب(الفقرة الأولى) ،كما يعد الق�ضاء ال�سلطة ال�ضامنة للحقوق و�صيانة
الحريات(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :عقلنة الم�ساطر المرجعية من منظور ور�ش منظومة العدالة
عرف المغرب �إ�صالحات ت�شريعية هامة �شملت مختلف الميادين المرتبطة بالعدالة� ،سعيا
منه �إلى تحقيق �إ�صالح �شامل وجذري لمنظومة العدالة باعتبارها رافعة �أ�سا�سية للتنمية وتقوية
ثقة المواطن في م�ؤ�س�سات العدالة وبناء دولة الحق وي�سودها القانون.
وارتباطا بذلك ،ف�إن �أبرز محطات الإ�صالح �شملت الوقوف على االختالالت التي تعرفها
منظومة العدالة ،خا�صة المتعلقة بالحقوق والحريات ،ويجد هذا الإ�صالح �أ�سا�سه في د�ستور
�( 2011أوال) وفي تو�صيات ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة (ثانيا)
�أوال :على م�ستوى الد�ستور
وفاء للمغرب بالتزاماته الدولية وما تقت�ضيه المواثيق الدولية خا�صة المتعلقة بحقوق الإن�سان
عمل على د�سترة العديد من الحقوق والحريات مما جعل البع�ض ينعت الد�ستور المغربي بد�ستور
حقوق الإن�سان ،نظرا للح�ضور القوي والوازن لهذه الحقوق من ت�صدير �إلى �آخر ف�صل منه. 21
228
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
وما يهمنا في هذا المقام تلك الحقوق التي لها عالقة بالعدالة الجناية و�ضمانات المحاكمة
العادلة� ،إذ نجد العديد من ف�صول الد�ستور تن�ص على ذلك منها؛ الف�صل 23الذي جاء في
مقت�ضياته « ال يجوز �إلقاء القب�ض على �أي �شخ�ص �أو اعتقاله �أو متابعته �أو �إدانته� ،إال في الحاالت
وطبقا للإجراءات التي ين�ص عليها القانون ...قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة م�ضمونان».
ون�ص الف�صل « 119يعتبر كل م�شتبه فيه �أو متهم بارتكاب جريمة بريئا� ،إلى �أن تثبت �إدانته بمقرر
ق�ضائي مكت�سب لقوة ال�شئ المق�ضي به ».والف�صل « 120لكل �شخ�ص الحق في محاكمة عادلة.»...
وت�أ�سي�سا على الف�صول ال�سالفة التي تجعل من �ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق
وحريات الم�شتبه فيه �أو المتهم باعتباره برئ طيلة �أطوار المحاكمة �إلى حين �صدور حكم حائز
لقوة ال�شئ المق�ضي به ،قاعدة د�ستورية وال يجوز خرقها ،الأمر الذي يدعنا نقول �أن اعتماد
الم�سطرة المرجعية وبناء المتابعة على �أ�سا�سها وما يترتب عنها من �إجراءات تدابير في حق
الأ�شخا�ص الذين تفتر�ض براءتهم يجعلها �إجراء غير د�ستوري.
ثانيا :على م�ستوى ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة
يعتبر ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة ثمرة لحوار ودرا�سة وا�سعة من قبل �أع�ضاء الهيئة العليا
للحوار الوطني حول �إ�صالح منظومة العدالة ،التي خل�صت بعدة تو�صيات ومخرجات تتعلق ب�إعادة
النظر والرقي بمنظومة العدالة بالمغرب عبر اقتراح تدابير من �ش�أنها زرع نف�س جديد في
م�ؤ�س�سات العدالة ب�صفة عامة والعدالة الجنائية ب�صفة خا�صة.
فعند ت�شخي�ص و�ضع العدالة الجنائية من قبل اللجنة المذكورة تم الوقوف على عدة اختالالت
انتهاكات وتتمثل في ت�ضخم ن�صو�ص التجريم والعقاب ك�آلية لمحاربة الجريمة ،وعدم تر�شيد
االعتقال االحتياطي ،وعدم تدقيق ال�ضوابط القانونية المبررة للو�ضع رهن الحرا�سة النظرية،
وعدم التفعيل لمبد�أ مالءمة المتابعة والآليات البديلة لالعتقال االحتياطي وكذا �ضمانات
المحاكمة العادلة .
22
و�أمام هذه الو�ضعية �أو�صت الهيئة العليا للحوار الوطني حول �إ�صالح منظومة العدالة على
العديد من التدابير لتعزيز حماية الق�ضاء للحقوق والحريات كونه هدف �أ�سا�سي من الأهداف
ال�ستة المحددة في الميثاق ،ويرتبط ذلك بمالءمة القانون الوطني مع الد�ستور واالتفاقيات
الدولية بمنع الجريمة وحقوق الإن�سان ،واالرتقاء ب�أداء العدالة الجنائية خا�صة من خالل تعزيز
�ضمانات المحاكمة العادلة ،كمراجعة �ضوابط الو�ضع تحت الحرا�سة النظرية وتعزيز مراقبة
النيابة العامة لتمتع الم�شتبه فيهم بحقوقهم وتر�شيد االعتقال االحتياطي وعدم اللجوء �إليه �إال
لل�ضرورة وتعليل القرار المتعلق به.
229
رغم عدم وقوف هذه الهيئة على الم�ساطر المرجعية كونها من الم�ساوئ التي يعرفها نظام
العدالة الجنائية� ،إال �أن الوقوف على �ضمان الحقوق والحريات وتقوية مكانتها في منظومة
العدالة ،وتجاوز كل �إجراء يخل بهذه ال�ضمانات وينتهكها ،يعبر عن رف�ض �ضمني العتماد الم�ساطر
المرجعية �أو بالأحرى عدم تر�شيد اعتمادها .
23
الم�ساطر المرجعية لحثهم على �إعمال بع�ض التدابير من �ش�أنها حماية حقوق الأفراد و�صيانة
كرامتهم ،ومن جهة �أخرى فر�ض النظام العام ومكافحة الجريمة وتتمثل هذه التدابير في:
�-إيالء الم�ساطر المرجعية مزيدا من العناية والدقة �أثناء �إ�شراف النيابة العامة على البحث
التمهيدي وخالل تقديم الم�شتبه فيهم ،والتتبع والحر�ص على التطبيق ال�سليم للقانون
بخ�صو�صها والقيام بكافة التحريات للتثبت من حقيقة ارتكاب الجريمة التي تت�ضمها هذه
الم�ساطر ،والقيام بكل ما يلزم للتحقق من �صحة المن�سوب �إليهم.
-اتخاذ جميع الإجراءات ال�ضرورية وكل التدابير التي تخدم الو�صول �إلى الحقيقة واعتماد
قواعد الإثبات المتعارف عليها قانونا و�إعمال المواجهة بين الم�صرحين والمتابعين ،وعدم
- 23ميثاق �إ�صالح منظومة العدالة� ،ص.74
� - 24أنظر دورية عدد 41بتاريخ � 16أكتوبر.2018
230
الم�ساطر المرجعية و�ضمانات المحاكمة العادلة
التردد في حفظ الم�ساطر المرجعية �إذا ما �أ�سفرت �إجراءات البحث �أو المواجهة عن تراجع
م�صرح الذي كان �سبب في �إعمال الم�ساطر المرجعية...
-تفادي اللجوء �إلى التدابير الما�سة بالحرية �إال في �أ�ضيق الحدود وعند ال�ضرورة ،واللجوء
�إلى ق�ضاء التحقيق �إال ب�صفة ا�ستثنائية.
-فتح �أبحاث واتخاذ الإجراءات القانونية ال�ضرورية في حالة تعر�ض الأ�شخا�ص ل�ضغط �أو
ابتزاز من م�صرحي الم�سطرة المرجعية.
فهذه التدبير من �ش�أنها تر�شيد اعتماد الم�ساطر المرجعية على م�ستوى النيابات العامة،
وتعزيز �ضمانات المحاكمة العادلة خالل مرحلة البحث التمهيدي ،وخدمة لل�صالح العام وتحقيقا
للعدالة.
ثانيا :على م�ستوى ق�ضاء الحكم
يخت�ص ق�ضاة الحكم بالبت في النزاعات المعرو�ضة على �أنظارهم من خالل ترجيح بين
الأدلة المو�ضوعة �أمامهم ،ويتميز ق�ضاء الحكم في المادة الجنائية في �إ�صدار حكمه بناء على
قناعته الوجدانية واالقتناع ال�صميم بو�سائل الإثبات.
فالق�ضاء ا له دور حا�سم في تر�شيد الم�ساطر المرجعية وحماية الحقوق والحريات وتحقيق
محاكمة جنائية عادلة تتوفر فيها جميع ال�ضمانات ،ويتج�سد ذلك في موقف الق�ضاء من الم�ساطر
المرجعية.
حيث جاء في قرار (للمجل�س الأعلى) محكمة النق�ض بتاريخ 98/9/29عدد 1736/1في
25
الملف عدد « 97/22287الت�صريحات التي يدلى بها �أمام ال�ضابطة الق�ضائية ال تكت�سب ال�شهادة
التي تعتبر و�سيلة �إثبات قانونية �إال �إذا �أديت �أمام هيئة الحكم وبعد �أداء اليمين القانونية طبقا
للف�صل 323من قانون الم�سطرة الجنائية ،».كما ورد في قرار لمحكمة النق�ض عدد 1/47في
26
231
ال�ضنين ب�أي مخدرات لتهمة االتجار في المخدرات يجعل القرار القا�ضي بعدم المتابعة �سليما
وم�ؤ�س�سا».
فانطالقا من هذه القرارات يتبين على �أن الق�ضاء ال ي�أخذ بالم�ساطر المرجعية �إال في حدود
�ضيقة وما يعبر عن ذالك �أن تراجع م�صرح الم�سطرة المرجعية ي�ؤدي �إلى عدم المتابعة وتبرئ
ذمة المتابع ،كما �أنه -الق�ضاء -ال يعتبر الم�ساطر المرجعية و�سيلة للإثبات -وفق تم تناوله
�سابقا -كونها ال تحترم ال�شروط القانونية �إذا ما تم اعتبارها �شهادة على الغير ،وهو موقف يج�سد
المنطق القانوني وروح العدالة ،فحماية المجتمع من الجريمة ومكافحتها ال يجب �أن يتم على
ح�ساب حقوق وحريات الأفراد والم�س بكرامتهم.
خاتمة:
و�صفوة القول� ،أن الم�ساطر المرجعية ت�شكل و�سيلة للك�شف عن الم�شاركين والم�ساهمين في
بع�ض الجرائم� ،إال �أن اعتمادها م�سا�سا بالحقوق والحريات و�ضربا ل�ضمانات المحاكمة العادلة،
لهذا وجب و�ضع ت�أطير قانوني لهذا الإجراء من �ش�أنه ر�سم خريطة التوازن بين �ضمان الحقوق
الأ�سا�سية وبين حماية المجتمع وفر�ض النظام العام ،و�أمام هذا الو�ضع يلزم على مختلف �أجهزة
العدالة الجنائية التعامل بحذر مع هذا الإجراء ،كون حماية المجتمع رهين بحماية �أفراده.
232