منكرو السنة المذهب الضال - هيثم طلعت

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 124

‫‪1‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬

‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ب الضَّالُّ عن القرآن‬
‫املذه ُ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪2‬‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪3‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬

‫‪‬‬
‫‪E‬‬
‫ِ‬
‫شرور‬ ‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمدُ ه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعو ُذ بالله من‬
‫مض َّل له ومن يضلل فال هادي له‪،‬‬‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يه ِد الله فال ِ‬
‫ِ‬ ‫أنفسنا ومن‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أن محمد ًا عبدُ ه ورسو ُله‪ ،‬بعثه‬
‫أن ال إله إال الل ُه وحده ال شريك له وأشهد َّ‬
‫وأشهد ْ‬
‫ونذيرا‪ ،‬ب َّلغ الرسالة وأ َّدى األمانة َ‬
‫ونصح األ َّم َة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الل ُه رحم ًة للعالمين هاد ًيا ِّ‬
‫ومبش ًرا‬
‫الله وسالمه عليه وعلى جميع‬ ‫صلوات ِ‬ ‫خير ما جزى نب ًّيا من أنبيائه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فجزاه الل ُه َ‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى صحابته وآل بيته‪ ،‬وعلى من أحبهم إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعدُ‪:‬‬

‫‪ -1‬ما هو فكر التنوير؟‬


‫ج‪ :‬التنوي ر هو حركة عالمية ظهرت في األساس للحرب على الدين‪ ،‬أو‬
‫باألدق‪ :‬لتحييد الدين جان ًبا‪.‬‬
‫فهدف التنوير هو‪ :‬إبعا ُد الدين عن المجتمع‪.‬‬
‫وقد قامت هذه الحركة بهذا األمر في أوروبا قبل قرنين من الزمان؛ ولذلك‬
‫تحولت أوروبا لإللحاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تمض عقود قليلة حتى َّ‬ ‫لم‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪4‬‬
‫مؤخرا نفس هذه الحركة باألهداف نفسها في عالمنا اإلسالمي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظهرت‬
‫وقد َ‬
‫فهدف حركة التنوير‪ :‬إزاحة وإبعاد الدين عن حياة الناس‪.‬‬
‫وفي الواقع ففكرة التنوير تختلف جذر ًّيا عن فكرة اإللحاد‪ْ ،‬‬
‫وإن كان كالهما‬
‫يهدف لمشروع كفري يبدأ بخفوت التسليم للنص الشرعي في قلب الشباب‪،‬‬
‫وينتهي بضياع اإليمان ومداهنة ومعاقرة أي إلحاد‪.‬‬
‫لكن ُّ‬
‫تظل السمة المم ِّيزة لمشروع دعاة التنوير ليست إلحاد الناس ذاك‬
‫اإللحاد المادي‪ ،‬وإنما‪ :‬ال مانع ْ‬
‫أن يظل الناس مسلمين‪ ،‬لكن يصير إسالمهم‬
‫إسال ًما شكل ًّيا‪.‬‬
‫فال يأخذ الناس من اإلسالم إال بعض المعاني األخالقية‪ ،‬وبعض‬
‫الجماليات في المعامالت‪ ،‬لكن يصبح الدين في األخير مفر ًغا تما ًما من محتواه‪.‬‬
‫فيتحول الدين إلى مجرد طقوس تُؤ َّدى!‬
‫َّ‬
‫والهدف األساسي من حركة التنوير هو أن يصبح الدين تاب ًعا لثقافة العصر‬
‫السائدة‪ ،‬وال ُي ِ‬
‫ظهر أية ممانعة للقيم السائدة مهما كان انفساخها أو انحاللها أو‬
‫تميعها‪.‬‬
‫فحركة التنوير تريد دينًا ال يمانع الشيوعية حين ظهرت في القرن الماضي‪،‬‬
‫وال يمانع ليبرالية القرن الجديد‪ ،‬وال يمانع أية فكرة مستقبلة يراها الناس‪.‬‬
‫وبهذه الصورة فاإلسالم ُيم ّثل مشكلة كبيرة لحركة التنوير؛ َّ‬
‫ألن اإلسالم‬
‫الذي أنزله الله على نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بالحق‪ ،‬هذا‬
‫‪5‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫اإلسالم يدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياة اإلنسان‪ ،‬وال طريق فيه لمداهنة‬
‫الباطل أو الفساد‪ ،‬وال يقبل أية صورة من صور اإللحاد‪.‬‬
‫ولذلك فهذا اإلسالم عند حركة التنوير مرفوض مرفوض مرفوض‪.‬‬

‫فهم يريدون ُأم ًة من الناس ال تعرف معرو ًفا‪ ،‬وال تنكر ً‬


‫منكرا‪.‬‬
‫وأن هذا سيصير‬ ‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬عن حال الناس في آخر الزمان‪َّ ،‬‬ ‫وقد أخبر الله ‪َّ -‬‬
‫حالهم ً‬
‫فعال‪.‬‬
‫يأخ َذ الل ُه شريطتَه من‬
‫الساع ُة حتَّى ُ‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬ال تقو ُم َّ‬
‫فون معرو ًفا وال ُينكِ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫نكرا» ‪.‬‬ ‫رون ُم ً‬ ‫يعر َ‬‫األرض فيبقى فيها َعجاج ٌة ال ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل‬
‫فدعاة التنوير يريدون التعجيل بهذه المرحلة‪.‬‬
‫يريدون التعجيل بتدجين هذه األمة بالكامل حتى تفقد أية مقاومة مقدسة‪،‬‬
‫وتفقد الغيرة على أي ثابت من ثوابت الشريعة‪.‬‬
‫يريدون أن تفقد األمة استعالءها بييمانها‪ ،‬فيصير المسلمون‪ُ « :‬ح َفا َل ٌة‬
‫(‪)2‬‬
‫والش ِع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ال َّل ُه ِ‬
‫به ْم شيئًا» ‪.‬‬ ‫ك َُح َفا َل ِة الت َّْم ِر َّ‬
‫وعلى أمثال هؤالء تقوم الساعة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،‬م‪ 11‬ص ‪ ،161‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫َح َفا َل ِة الت َّْم ِر‬
‫األو ُل‪ ،‬و َت ْب َقى ُح َفا َل ٌة ك ُ‬
‫األو ُل َف َّ‬
‫ِ‬
‫الصال ُحو َن‪َّ ،‬‬
‫)‪ (2‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ :‬ي ْق َب ُض َّ‬
‫والش ِع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ال َّل ُه ِبه ْم شيئًا‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.6116 :‬‬
‫َّ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪6‬‬
‫فالساعة ستقوم على الذين تم تدجينُهم بالكامل‪ ،‬ممن ال يعرفون معرو ًفا‪،‬‬
‫منكرا‪ ،‬وبالتالي ال يكون إليمانهم اعتبار في قلوبهم‪ ،‬وال ينشغلون‬
‫وال ينكرون ً‬
‫أتباعا ألية قيم سائدة مهما كان‬
‫بعقيدتهم‪ ،‬وال يرفعون بها رؤوسهم‪ ،‬فيصيرون ً‬
‫شذو ُذها أو انحال ُلها‪.‬‬
‫فعلى مثلهم تقوم الساعة‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ « :‬ي ْق َب ُ ُ‬
‫والش ِع ِير‪ ،‬ال َي ْع َب ُأ ال َّل ُه ِ‬
‫به ْم‬ ‫األو ُل‪ ،‬و َت ْب َقى ُح َفا َل ٌة ك َُح َفا َل ِة الت َّْم ِر َّ‬
‫األو ُل َف َّ‬ ‫الصالِ ُح َ‬
‫ون‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫شيئًا» ‪.‬‬
‫وأمثال هؤالء ال تتم َّعر وجوههم غض ًبا أمام انتهاك محارم الله‪ ،‬وال ينشغلون‬
‫بها ً‬
‫أصال‪.‬‬
‫الس َو ْي َق َت ْي ِن ِم َن‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ « :‬يخَ ِّر ُب ال َك ْع َب َة ُذو ُّ‬
‫الح َب َش ِة» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫البحر» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حج ًرا‪ ،‬و َي ْرمي بها في‬ ‫ِ‬
‫حج ًرا َ‬
‫وفي الرواية األخرى‪« :‬فيهد ُمها َ‬
‫تخيل!‬
‫يعترض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حجرا‪ ،‬و ُيرمي بها في البحر‪ ،‬وال أحد‬
‫ً‬ ‫حجرا‬
‫ً‬ ‫تُهدم الكعبة‬
‫و َمن سيعترض سيكون ضد التنوير‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1151 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2595:‬‬
‫)‪ (3‬عارضة األحوذي‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬م‪ 6‬ص‪ ،212‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فحتى تكون تنوير ًّيا‪ ،‬تق َّب ْل هدم مقدساتك‪.‬‬
‫تعتز بدينك‪.‬‬
‫وإياك أن َّ‬
‫وجهك النتهاك مقدساتك‪.‬‬
‫أو يتم َّعر ُ‬
‫هم يريدون هذا النوع من اإلسالم‪ ،‬ويس َعون لظهوره‪.‬‬
‫يريدون إسال ًما عالمان ًّيا‪.‬‬
‫يريدون إسال ًما ُممي ًعا‪.‬‬
‫رخيصا في قلبك‪.‬‬
‫ً‬ ‫يريدون إسال ًما‬
‫يريدون إسال ًما بنكهة البوذية‪.‬‬
‫فيذا جلست وعملت جلسة االسترخاء والتأمل الخاصة بك‪ ،‬وأخذت‬
‫الطاقة الروحية التي تحتاجها‪ ،‬فاآلن يمكنك أن تنطلق للعمل‪.‬‬

‫هذا هو منتهى الدين عندهم‪.‬‬


‫مجرد استرخاء طقوسي‪.‬‬
‫يريدون تبويذ اإلسالم (تبويذ‪ :‬تم نحتها من لفظ البوذية)‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪8‬‬
‫يريدون إفقاد اإلسالم معناه‪.‬‬
‫ومن العجيب َّ‬
‫أن مشروع دعاة التنوير بدأ ينتشر في بالدنا اإلسالمية‪،‬‬
‫وأصبحت هناك برامج تُنكر األحاديث النبوية علنًا‪ ،‬وبرامج ثانية تدَّ عي تنقيح‬
‫كتب التراث‪ ،‬وثالثة تدَّ عي تجديد الخطاب الديني‪ ،‬وطب ًعا هناك تجديد مطلوب‬
‫للخطاب الديني سنتحدَّ ث عنه فيما بعد‪ ،‬لكن مشروع حركة التنوير ليس هدفه‬
‫تجديد الخطاب الديني‪ ،‬وإنما هدفه إسقاط قيمة الدين من قلب الشاب المسلم‬
‫والفتاة المسلمة‪ ،‬فهم َيعمدون إلى إسقاط تسليمنا للنص الشرعي بالهجوم على‬
‫ال ُّسنة النبوية‪ ،‬والسخرية من سلف هذه األمة‪ ،‬وتأويل القرآن َو ْفق أهوائهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫تأويل النص الشرعي بيخراجه عن معناه وعن‬ ‫إذن فغاية حركة التنوير هي‪:‬‬
‫مراد الشارع منه حتى يتوافق مع الثقافة التي يريدونها‪ ،‬فيتق َّبل المسلم أية قيم‬
‫تفس ُخها‪.‬‬
‫سائدة مهما كان ُّ‬
‫السنة النبوية‪ ،‬والهجوم على منهج العلم الحديثي في‬
‫إذن فالهجوم على ُّ‬
‫جمع الحديث النبوي‪ ،‬وازدراء علماء المسلمين كالبخاري‪ ،‬والهجوم على سلف‬
‫هذه األُمة‪ ،‬ونقد التراث‪ ،‬كل هذا حتى يتسنَّى في األخير لدعاة التنوير ْ‬
‫أن ُيؤولوا‬
‫النص الشرعي بيخراجه عن معناه وعن مراد الله منه؛ فيتوافق مع أي تصور دنيوي‬
‫يريدون‪ ،‬وبالتالي لن تكون هناك ُممانَعة ِمن تَق ُّبل أية ثقافة وافدة‪ ،‬ولو كانت‬
‫شذو ًذا أو إلحا ًدا أو زنًا بالتراضي‪.‬‬
‫وح َملة الشريعة‪،‬‬
‫دائما بالهجوم على أهل العلم َ‬
‫ويبدأ مشروع دعاة التنوير ً‬
‫واالستخفاف بسلف هذه األمة‪ ،‬فيذا سقطت قيمة أهل العلم تسنَّى لهم في مرحلة‬
‫‪9‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫تالية تأويل النص الشرعي بيخراجه عن سياقه‪ ،‬وعن معناه‪ ،‬وعن مدلوله لموافقة‬
‫هوى يريدون‪.‬‬
‫أي ً‬
‫ويمكنهم في هذه المرحلة تضعيف ما ثبت من أحاديث؛ ألن الذين نقلوا‬
‫تجريحهم منذ قليل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هذه األحاديث هم العلماء الذي تم‬
‫وسيقوم دعاة التنوير بينكار ما أجمعت عليه األمة‪ ،‬وس ُيهاجمون ثوابت هذا‬
‫قرروا هذه الثوابت هم العلماء الذين سقطت‬
‫الدين وال أحد يعترض؛ ألن الذين َّ‬
‫قيمتهم في قلب الشاب المسلم والفتاة المسلمة منذ قليل‪.‬‬
‫ُ‬
‫العبث في دين الله بدون ضابط‪ ،‬وليس هناك أهل‬ ‫إذن الغاية في األخير هي‬
‫جرحون‪.‬‬
‫علم ترجع إليهم فكلهم ُم َّ‬
‫فيذا سقط أهل العلم في نظر الناس‪ ،‬هنا سيقوم التنويري بتفسير الدين َو ْفق‬
‫ما يرى‪.‬‬
‫وساعتها من البديهي أن يضيع الدين على أيديهم‪ ،‬وتضيع العقيدة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لطيفة فيقول له‪ :‬أنا مشروعي‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫ودائما يدخل التنويري على المسلم‬
‫ً‬
‫تنقية التراث‪ ،‬وتنقيح الكتب السابقة‪ ،‬فهدفي أن ننتشل المسلمين من الجهل‪ ،‬وأن‬
‫ننهض‪ ،‬وأنا أريد أن أقدّ م اإلسالم للغرب دون أن يأخذوا علينا شي ًئا‪ ،‬فأنا أريد أن‬
‫ُأجدد الخطاب الديني‪.‬‬
‫وهذا كالم ظاهره جميل‪[ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ] {المنافقون‪.}4:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪10‬‬
‫لكنه بعد قليل!‬
‫س ُينكر األحاديث النبوية‪.‬‬
‫ألن هذه األحاديث ال يقبلها عقل المواطن الغربي اليوم‪.‬‬
‫وبعدها‪ :‬س ُيك َِّذب بثوابت هذه الشريعة‪ ،‬بدعوى تقديم اإلسالم للغرب‪.‬‬
‫أمورا ُمتف ًقا عليها حتى ُينقي الدين بزعمه‪ ،‬و ُين ِّقح كتب‬
‫وال مانع أن ُيسقط ً‬
‫التراث‪.‬‬
‫إذن فالتنويري أثناء حديثك معه ودون أن تدري‪ :‬يزرع لك قنابل موقوتة في‬
‫قلبك‪ ،‬وفي عقيدتك‪ ،‬وفي أصل تسليمك لشرع الله‪ ،‬وفي أصل اعتزازك بثوابت‬
‫الدين‪.‬‬
‫فهو يزرع هذه القنابل بمنتهى الدهاء‪.‬‬
‫وبعد أيام أو شهور تعود إلى نفسك‪ ،‬فتجد الشبهات قد اجتاحت حياتَك‪،‬‬
‫ألحدت‪.‬‬
‫َ‬ ‫إن لم تكن‬
‫فالتنويري قام بتشكيكك في أصول وثوابت شرعية لم تختلف عليها األُ َّمة‬
‫عبر كل تاريخها‪.‬‬
‫صح من دين‬
‫واستطاع أن ُيه َّز ثقتك في أهل العلم‪ ،‬وعليه قام بتكذيب ما َّ‬
‫الله‪.‬‬
‫فتبدأ تفقد خشوعك في صالتِك‪ ،‬ثم تفقد لذة الطاعة‪ ،‬ثم قد تفقد الصالة‬
‫واإليمان وكل شيء!‬
‫‪11‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫يقول التنويري حسن حنفي معتر ًفا بكل هذا‪« :‬التنوير هو ُشغل حرب‬
‫(‪)1‬‬
‫عصابات‪ ،‬ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة‪ ،‬وستنفجر» ‪.‬‬
‫التنوير شغل حرب عصابات!‬
‫ازرع الشبهات بحجة تنقيح التراث‪ ،‬وتنقية الخطاب الديني‪.‬‬
‫وأنكِر الحديث النبوي الصحيح‪ ،‬وأنكِر المعلوم من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫بحجة الرغبة في نهضة هذه األمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫تتم زراعة قنابل الشبهات في قلبك‪ ،‬وفي إيمانك‪ ،‬سيقول لك‪ :‬أنا‬
‫وبعد أن َّ‬
‫النبي محمد‪.‬‬
‫أكره الملحدين‪ ،‬وأخاف على اإلسالم‪ ،‬وأحترم َّ‬
‫فالتنويري يعبث بييمانك وهو يرتدي عباءة المسلم؛ ولذلك هو أخطر بألف‬
‫مرة من الملحد الصريح؛ ألنه يعمل من داخل المنظومة اإلسالمية لتوليد الطرح‬
‫اإللحادي‪.‬‬
‫فهو يغزل اإللحاد في مصنع اإلسالم‪.‬‬
‫وهذا من أخطر ما يكون‪.‬‬
‫هذا أخطر ما يهدد الشباب الذين ال يفهمون هذا المكر الذي ُيحاك لهم‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫و ُيحاك لدينهم ولعقيدتهم‪ ،‬وألصل تسليمهم بشرع الله َّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬جريدة أخبار األدب بتاريخ‪2993-12-22 :‬‬
‫ً‬
‫نقال عن‪ :‬أسلمة اإللحاد‪ ،‬ذ‪ .‬عبد الله الشتوي‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪12‬‬
‫فالتنويري يعمل على تأويل النص الشرعي من داخل المنظومة اإلسالمية‬
‫هوى‪.‬‬
‫حتى يتوافق هذا التأويل مع أي ً‬
‫والتنويري لن يقول لك َّ‬
‫إن الخمر حالل‪.‬‬
‫ً‬
‫حالال‪.‬‬ ‫هو سيقوم بتأويل النص الشرعي حتى يجعل الخمر‬
‫وهذا هو الفرق بين التنويري والملحد‪:‬‬
‫فالملحد يقول‪ :‬الخمر ال مشكلة فيها‪.‬‬
‫أما التنويري فيقول‪ :‬سأقوم بتأويل النص الشرعي حتى أثبت لك أن الخمر‬
‫ٌ‬
‫حالل‪.‬‬
‫فالتنويري يعمل من داخل المنظومة اإلسالمية؛ لتوليد الطرح اإللحادي‬
‫الكفري‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال فالتنويري يكفر بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و ُينكر‬
‫ما أجمعت عليه األُ َّمة عبر كل تاريخها‪ ،‬ويجعل كل ما اتُفق عليه مختل ًفا عليه‪.‬‬
‫ُ‬
‫مسائل عفا عليها الزمن‪...‬‬ ‫و ُي ِّبرر إلنكاره ثوابت الشريعة َّ‬
‫بأن هذه الثوابت‬
‫أمورا فيها نظر بأي حجة‪ ،‬وبأي طريق‪.‬‬
‫فهو يجعل بديهيات شرعية ً‬
‫وج ْعل‬
‫إذن فهدف التنويري في األخير تفريغ الدين من أصوله وثوابته‪َ ،‬‬
‫وزن وال ٍ‬
‫والش ِع ِير بال ٍ‬
‫َح َفا َل ِة الت َّْم ِر َّ‬
‫قيمة‪.‬‬ ‫المسلمين‪ُ :‬ح َفا َل ًة ك ُ‬
‫حين أخبر القرآن الكريم في أول سورة البقرة عن الكافرين تحدَّ ث عنهم في‬
‫َين اثنت ِ‬
‫َين‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫آيت ِ‬
‫‪13‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ]‬
‫{البقرة‪.}7 ،6:‬‬

‫ثم تأتي بعد ذلك ثالث عشرة آية في بيان أساليب المنافقين‪ ،‬وبيان حيلهم‬
‫ومكرهم وخدعهم التي يدخلون بها على المسلمين‪.‬‬
‫فالمنافقون الذين َيظهرون بمظهر الذي يريد اإلصالح‪ ،‬وتنقيح التراث‪،‬‬
‫وتقديم اإلسالم للغرب‪ ،‬ونهضة األمة‪ ،‬هم في حقيقة األمر يريدون إفسا ًدا في‬
‫األرض‪ ...‬يريدون أن ُيضيعوا على الناس آخرتهم‪ ...‬يريدون محاربة دين الله‬
‫وإضالل المسلمين وفتنتهم عن دينهم بكل السبل‪.‬‬
‫وجل‪ -‬واص ًفا حال هؤالء‪[ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫َّ‬ ‫عز‬
‫قال الله ‪َّ -‬‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ] {البقرة‪.}8:‬‬
‫ال َعالقة لهم باإليمان‪.‬‬
‫[ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ]‬
‫{البقرة‪.}9:‬‬
‫يخادعون الله والمؤمنين بيظهار اإليمان وإبطان الكفر‪ ،‬وهم في الحقيقة‬
‫يخدعون أنفسهم فقط‪.‬‬
‫[ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ]‬
‫{البقرة‪.}01:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪14‬‬
‫في قلوبهم شك‪ ،‬لكذبهم على الله وعلى الناس‪ ،‬وتكذيبهم بما يرون من‬
‫دالئل هذا الدين‪ ،‬فزادهم الله شكًّا‪ ،‬ولهم عذاب شديد‪.‬‬

‫[ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ] {البقرة‪.}00:‬‬

‫وإذا نُهوا عن اإلفساد قالوا‪ :‬نحن مصلحون‪ ...‬نحن نريد تنقيح كتب‬
‫التراث‪ ...‬نحن نريد تنوير هذه األمة‪.‬‬

‫[ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ] {البقرة‪.}01:‬‬

‫هم أصحاب اإلفساد‪.‬‬

‫[ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ] {البقرة‪.}01:‬‬

‫وإذا قيل لهم‪ِ :‬آمنوا كما آمن سلف هذه األمة‪ِ ...‬آمنوا بما أجمعت عليه‬
‫األمة‪ ،‬قالوا أنؤمن كييمان ِخ ِ‬
‫فاف العقول؟‬ ‫ُ‬
‫والحق أنهم هم السفهاء‪ ،‬ولكنهم يجهلون ذلك‪.‬‬
‫ُّ‬

‫[ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ] {البقرة‪.}04:‬‬

‫وإذا التقوا بالمؤمنين قالوا‪ :‬نحن مثلكم مؤمنون‪.‬‬

‫وإذا انصرفوا عن المؤمنين إلى حزبهم قالوا‪ :‬إنا معكم‪.‬‬

‫[ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ] {البقرة‪.}01:‬‬
‫‪15‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫الله يستهزئ بهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين‪ ،‬ف ُيملي لهم؛ ليتما َدوا في‬
‫(‪)1‬‬
‫ضاللهم وطغيانهم‪ ،‬فيبقون حائرين تائهين ‪.‬‬

‫ثالث عشرة آية من أول سورة البقرة تكشف أساليب هؤالء الذي يسرقون‬
‫آخرة الناس باسم التنوير‪.‬‬

‫فهؤالء دعاة على أبواب جهنم من بني جلدتنا‪.‬‬

‫قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أصله في الصحيحين‪:‬‬
‫جهنم‪َ ،‬م ْن أجا َبهم إليها قذفوه فيها‪ ،‬هم قو ٌم ِم ْن ِج ْلدَ تِنا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫تكون دعا ٌة على‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫ك ِ‬
‫الف َر َق ُك َّلها‪ ،‬و َلو أ ْن‬ ‫فاعتز ْل تِ ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ون بألسنتِنا‪ ،‬فإِ ْن لم َتك ُْن جما َع ٌة َ‬
‫وال إما ٌم‪،‬‬ ‫َي َت َك َّل ُم َ‬
‫وأنت كذلِ َ‬ ‫شج َر ٍة حتى ُيدْ ِرك َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ك» ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫َك‬ ‫ِ‬
‫بأصل َ‬ ‫َت َع َّ ُ‬

‫فالز ْم جما َع َة المسلمي َن وإما َمهم‪ْ :‬‬


‫الزم ما اتَّفقت عليه هذه األمة‪ ...‬الز ْم دين‬
‫الله وشريعته‪ ...‬الز ِم المنهج الذي سار عليه سلف هذه األمة‪ ...‬الز ِم الدعاة‬
‫الصادقين إلى الله في زمنك‪.‬‬
‫فاعتز ْل تِ ْل َك ِ‬
‫ِ‬
‫بأصل‬ ‫الف َر َق ُك َّلها‪ ،‬و َلو ْ‬
‫أن َت َع َّض‬ ‫ِ‬ ‫وال إما ٌم‪،‬‬ ‫فيِ ْن لم َتك ْ‬
‫ُن جما َع ٌة َ‬
‫وأنت كذل ِ َك‪ :‬اعتزل الدنيا ك َّلها المهم َّأال تُفتن عن‬ ‫َ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫شج َر ٍة حتى ُيدْ ِرك َ‬
‫َك‬ ‫َ‬
‫دينك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التفسير الميسر‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.2556 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪16‬‬

‫قال الله تعالى‪[ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬


‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ] {األنعام‪.}011:‬‬

‫عز من قائل‪[ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬


‫وقال َّ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ] {النساء‪}001:‬‬
‫ِِ‬ ‫َو َيتَّبِ ْع َغ ْي َر َسبِ ِ‬
‫السنة‪،‬‬ ‫يل ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين‪ :‬يترك ما اتفقت عليه هذه األمة‪ ،‬ف ُينكر ُّ‬
‫هوى‪ ،‬فهذا ممن يتبع غير سبيل المؤمنين‪.‬‬
‫و ُينكر اإلجماع‪ ،‬و َيتبع كل ً‬
‫[ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ] {األنعام‪.}019:‬‬

‫َف َّر ُقوا ِدين َُه ْم‪ :‬جعلوا ما اتفقت عليه األمة ُمختل ًفا فيه‪ ،‬فهؤالء َ‬
‫لست منهم في‬
‫شيء‪.‬‬
‫هاب ِ‬
‫العل ِم‪،‬‬ ‫أوان َذ ِ‬‫ِ‬ ‫فقال‪َ :‬‬ ‫َّبي ص َّلى ال َّل ُه ع َل ِيه وس َّل َم شي ًئا‪َ ،‬‬
‫ذاك عندَ‬ ‫ذات يو ٍم َذك ََر الن ُّ‬
‫َ‬
‫ونحن نَقر ُأ‬
‫ُ‬ ‫ذهب العل ُم‪،‬‬‫َيف َي ُ‬ ‫رسول ال َّل ِه‪َ ،‬وك َ‬‫َ‬ ‫قال راوي الحديث زياد بن لبيد‪ :‬يا‬
‫فقال صلى الله عليه‬ ‫ِ‬
‫القيامة؟ َ‬ ‫أبناؤنا أبنا َء ُهم إلى يو ِم‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬ونقر ُئ ُه أبنا َءنا‪ ،‬و ُيقر ُئ ُه ُ‬
‫هذ ِه‬
‫بالمدينة‪ ،‬أوليس ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫ألراك ِمن أف َق ِه‬
‫َ‬ ‫لتك أ ُّم َك زيا ُد‪ ،‬إن ك ُ‬
‫ُنت‬ ‫وسلم‪َ :‬ثكِ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫فيهما ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بشيء ِم َّما ِ‬ ‫يعمل َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلنجيل ال َ‬ ‫يقرؤون التَّورا َة‬ ‫َّصارى‬
‫ال َيهو ُد والن َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.3222 :‬‬
‫‪17‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فيهما‪ :‬فليست القضية بأن‬ ‫ٍ‬
‫بشيء ِم َّما ِ‬ ‫يعم َ‬
‫لون‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واإلنجيل ال َ‬ ‫يقرؤون التَّورا َة‬
‫تقرأ القرآن أو يكون القرآن في بيتك وسيارتك وعلى مكتبك‪ ،‬المهم أن تفهم‬
‫ِ‬
‫وسياقه‪.‬‬ ‫صحيحا‪ ،‬وأن تعمل بما فيه‪َّ ،‬‬
‫وأال تُخرجه عن معناه‬ ‫فهما‬
‫ً‬ ‫القرآن ً‬
‫فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر باليوم الذي يذهب فيه العلم‪ ،‬حين يكون‬
‫ٍ‬
‫بشيء مما فيه‪.‬‬ ‫القرآن بين أيدينا ونتلوه‪ ،‬لكن ال نعمل‬

‫والله المستعان‪.‬‬

‫فال نجاة إال بااللتزام بما شرع ر ُبنا‪ ،‬والتسليم للنص الشرعي‪.‬‬

‫خير من أن تنكر حر ًفا مما أجمعت عليه هذه األُمة‪،‬‬


‫ُقصر في ألف طاعة ٌ‬ ‫ْ‬
‫وأن ت ِّ‬
‫وسار عليه سلف هذه األمة‪.‬‬

‫وإياك أن ترى َّ‬


‫أن فالنًا ُيدرك واقع األمة اليوم؛ ولذلك فهو س ُيضطر إلنكار‬
‫ألن الوضع اختلف اآلن‪ ،‬أنت بهذا وكأنك تقول‪َّ :‬‬
‫إن الله‬ ‫ما أجمعت عليه األمة؛ َّ‬
‫وسنة نبيه‪ ،‬وأخبر َّ‬
‫أن شرعه‬ ‫ال يعلم الغيب‪ ،‬فهو سبحانه أنزل شر َعه في كتابه ُ‬
‫ُيصلِح كل زمان ومكان‪ ،‬و َيص ُل ُح لكل زمان ومكان‪ ،‬لكن أنت ترى َّ‬
‫أن الوضع‬
‫اختلف اآلن‪ ،‬ويجب تغيير ما أجمعت األمة عليه بحجة تغ ُّير الزمن‪ ،‬فهذا إلحاد‬
‫في دين الله‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪18‬‬

‫ف حيث وقف القو ُم‪ ،‬و ُق ْل كما قالوا‪ ،‬واسك ْ‬


‫ُت‬ ‫قال عمر بن عبد العزيز‪ِ « :‬ق ْ‬
‫(‪)1‬‬ ‫وببصر ٍ‬
‫نافذ َك ُّفوا» ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عما سكتوا؛ فينَّهم عن ِعل ٍم و َقفوا‪،‬‬
‫َّ‬
‫فعليك بخاص ِة ِ‬
‫نفس َك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رأي ِ‬
‫برأيه‪،‬‬ ‫كل ذي ٍ‬ ‫وإعجاب ِّ‬ ‫هوى متَّب ًعا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫رأيت ً‬
‫وإذا َ‬
‫(‪)2‬‬
‫أمر العوا ِّم ‪.‬‬
‫عنك َ‬ ‫َو َد ْع َ‬
‫ِ‬
‫نفسك‪ ،‬وات َِّق ر َّبك حتى تلقى الله وأنت كذلك‪ ،‬وال تشغل َ‬
‫نفسك‬ ‫أصل ْح َ‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫عظيم عند الله َّ‬
‫ٌ‬ ‫بمن سقط في هذه الفتن‪ ،‬وأجر الصابر في وقت الفتن‬
‫(‪)3‬‬
‫أجره بأجر خمسين من الصحابة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فهذا األجر العظيم‪ :‬لعظمة تلك الفتن‪ ،‬وتز ُّين الدنيا على ُأشدها‪.‬‬

‫فاصبر نفسك‪ ،‬والتز ْم بشرع ربك‪ ،‬وحافِ ْظ على القرآن بتد ُّب ٍر‪.‬‬
‫ْ‬
‫والز ْم ما كان عليه سلف هذه األمة‪.‬‬
‫نجوت‪ِ ،‬‬
‫وأنع ْم بأجرك عند ربك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فعلت فقد‬
‫َ‬ ‫فلو‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.6612 :‬‬
‫نكر‪ ،‬حتى إِ َذا َر َأ ْي َ‬
‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُش ًّحا‬ ‫عن ُ‬ ‫(‪ )2‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬ب ِل ا ْئتَمروا بِالمعروف‪ ،‬وت َ‬
‫َناهوا ِ‬

‫ك و َد ْع ال َعوا َّم‪ ،‬فإِ َّن من‬ ‫خاصة ِ‬


‫ِ‬ ‫اب ك ُِّل ِذي َر ْأ ٍي بِ َر ْأيِ ِه‪ ،‬فع َل َ‬
‫نفس َ‬ ‫يك بِ‬ ‫وه ًوى ُم َّت َب ًعا‪ ،‬و ُد ْن َيا ُم ْؤ َث َرةً‪ ،‬وإِ ْع َج َ‬
‫ُم َطا ًعا‪َ ،‬‬
‫ون ِم َ‬
‫ثل‬ ‫عم ُل َ‬ ‫ِ‬
‫أج ِر َخمس َ‬
‫ين َر ُج ًًل َي َ‬ ‫ثل ْ‬ ‫يه َّن ِم ُ‬
‫لعام ِل فِ ِ‬
‫ ُ على الجم ِر‪ ،‬لِ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ثل ال َق ْب ِ‬ ‫يه َّن ِم ُ‬ ‫الص ُبر فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورائ ُكم أ َّي ًاما‪َّ ،‬‬
‫َع َملِك ُْم»‪.‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬ح‪ ،3912:‬درجة الحديث‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫نعود لسمات دعاة التنوير‪:‬‬

‫دائما‬
‫من سمات دعاة التنوير الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين‪ ،‬أنهم ً‬
‫ٍ‬
‫حسن فهو من أهل الجنة ‪-‬باعتبار أنهم يؤمنون‬ ‫أي إنسان على ُخ ُل ٍق‬ ‫يؤكدون َّ‬
‫أن َّ‬
‫بالجنة ً‬
‫أصال‪ -‬حتى ولو كان نصران ًّيا أو يهود ًّيا َو َر َّد على الله وحيه‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫يعبد األحجار‪ ،‬فطالما أنه ُمهذب فهو من أهل الجنة‪.‬‬

‫فهم يرفعون مقام صاحب الخلق الكريم أ ًّيا كان دينه‪ ،‬ويعطوه صكًّا بالجنة‪.‬‬

‫تعظيم‬
‫َ‬ ‫ُسمى الديانة اإلنسانوية ‪ Humanism‬وهي تعني‬
‫وهذه فكرة خبيثة ت َّ‬
‫حق اإلنسان على حق الله‪ ،‬فلو اعتديت على حق الله في عبادته فال مشكلة‪،‬‬
‫المهم َّأال تعتدي على حق اإلنسان‪.‬‬

‫وقد ظهرت الديانة اإلنسانوية؛ ألنَّه ال وجود لله في قلوبهم‪ ،‬فهم ال يعنيهم‬
‫وكفرك بربك‪ ،‬المهم ال تؤذي إنسانًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اعتداؤك على الدين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان آخرته‪ ،‬ونشرت‬ ‫فلو آذيت إنسانًا فهذا غير مقبول‪ ،‬أما لو أضعت على‬
‫يحق‬
‫وحرضتهم على الكفر بالله‪ ،‬فهذه حرية تعبير‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ِ‬
‫الشبهات بين الناس‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد أن يمنعك‪.‬‬

‫فتضييع اآلخرة األبدية ال مشكلة فيها؛ لماذا؟ ألنهم ال يؤمنون باآلخرة‬


‫ابتدا ًء‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪20‬‬

‫فهذه هي عقيدة الديانة اإلنسانوية‪ ،‬والتي تعني اإليمان باإلنسان ً‬


‫بديال عن‬
‫اإليمان بالله ورسله وكتبه واليوم اآلخر‪.‬‬

‫يتجزأ من حركة التنوير‪.‬‬


‫فالديانة اإلنسانوية هي جزء ال َّ‬

‫وأنا ال أدري كيف يؤمنون بحقوق اإلنسان في عالم مادي‪ ،‬ينكرون فيه‬
‫الخالق والغيب واليوم اآلخر؟‬

‫كيف لهم اإليمان باإلنسان في عال ٍم كهذا؟‬


‫كلمة إنسان كما قلت من قبل هي كلمة ميتافيزيقية ً‬
‫أصال‪.‬‬

‫كلمة تستمدُّ معناها من عال ٍم آخر‪.‬‬

‫فال يوجد إنسان في العالم المادي اإللحادي‪.‬‬

‫يوجد في اإللحاد حيوان متطور ال فرق بينه وبين الطفيليات المعوية‪ ،‬كما‬
‫(‪)1‬‬
‫يقول فرانسيس فوكوياما ‪.‬‬

‫أما "إنسان" فال وجود له في عالم اإللحاد‪.‬‬

‫فحين يكفر اإلنسان بخالقه فينه يكفر في الوقت نفسه بينسانيته‪[ :‬ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ] {البقرة‪.}011:‬‬

‫فمن يرغب عن الدين يسفه نفسه‪ ،‬ويصبح ال فرق بينه وبين الطفيل المعوي‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬فرانسيس فوكوياما‪ ،‬نهـاية التاريخ وخاتم البشر‪ ،‬ص‪ 215‬الطبعة األولى ‪ 1553‬مركز األهرام للترجمة‬
‫والنشر‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ٍ‬
‫مارقة ظهرت‬ ‫ٍ‬
‫بشخصيات‬ ‫دائما‬
‫أيضا من سمات دعاة التنوير أنهم‪ :‬يهتمون ً‬
‫ً‬
‫في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ويقدمونهم باعتبارهم مفكرين حتى يوهنوا قيمة السلف‬
‫في قلب الشاب المعاصر‪.‬‬

‫أيضا سمة أخرى عند هؤالء‪ ،‬وهي‪ :‬إثارة القوميات في كل بلد‪.‬‬


‫ً‬
‫فهم ُيشعلون الضغائن بين المسلمين األمازيغ وإخوانِهم من غير األمازيغ‬
‫في المغرب‪.‬‬
‫ويشعلون الضغائن بين المسلمين األكراد وإخوانِهم في الشام وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫باحترافية‪.‬‬ ‫هم يجيدون اللعب على ملف العصبيات والقوميات‬
‫التقرب جدًّ ا من الملحدين ومن الخطاب‬
‫أيضا من سمات دعاة التنوير‪ُّ :‬‬
‫ً‬
‫اإللحادي‪.‬‬
‫دائما يمتدحون المالحدة‪ ،‬و َيعرضون في كثير من القضايا نفس‬
‫فهم ً‬
‫تصوراتِهم؛ ألنهم ببساطة منهم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ومن السمات البارزة عند دعاة التنوير إلى جانب ما سبق‪ :‬التسامح مع أية‬
‫تصور‪ ،‬وأي خرافة‪ ،‬ولو كانت عبادة حشرات‪ ،‬فال‬
‫ُّ‬ ‫فكرة‪ ،‬وأي مذهب‪ ،‬وأي‬
‫مشكلة عندهم من التسامح مع أكلة لحوم البشر‪ ،‬بل هم يتسامحون مع النازية‬
‫الجديدة‪ ،‬لكنهم في الوقت نفسه هم أشدُّ الناس عدا ًء وكراهي ًة و ُب ً‬
‫غضا وإقصا ًء‬
‫لدعاة المسلمين وعلماء المسلمين وشيوخ المسلمين‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪22‬‬

‫فهم ُيبغضون كل ما ينتمي لإلسالم‪ ،‬حتى تَشعر من خطابهم َّ‬


‫أن جهنم ليس‬
‫فيها إال علماء السلف‪ ،‬وأن الجنة أغلب َمن فيها مالحدة‪.‬‬
‫إذن ال بد للمسلم أن يعرف سمات دعاة التنوير حتى َيحذر منهم؛ ألنهم‬
‫أصبحوا منتشرين في القنوات والفضائيات ومواقع التواصل‪.‬‬
‫فسماتُهم باختصار‪:‬‬
‫‪ -1‬تأويل النص الشرعي بما يخرجه عن معناه‪ ،‬وعن مراد الشرع تما ًما‪.‬‬
‫السنة النبوية‪ ،‬والهجوم على علم الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكار ُّ‬
‫‪ -3‬الهجوم على علماء السلف والتن ُّقص منهم‪.‬‬
‫‪ -6‬تبني الديانة اإلنسانوية‪ ،‬وتقديم حق البشر على حق الله‪.‬‬
‫‪ -1‬إثارة القوميات والنعرات‪.‬‬
‫‪ -6‬االصطفاف مع الملحدين والحرب على المؤمنين‪.‬‬
‫التنوير الظالمي ظهر في أوروبا قبل قرنين تقري ًبا بالمصطلحات نفسها‪،‬‬
‫وتمت‬ ‫واألهداف نفسها‪ ،‬واألسلوب نفسه‪ ،‬وانتهى كما ُق ُ‬
‫لت بيلحاد أوروبا‪َّ ،‬‬
‫علمنة كل أوجه الحياة‪.‬‬
‫تهاون الناس في التعامل مع دعاة التنوير‪ ،‬فقد استحى‬
‫وكانت البداية هي ُ‬
‫الناس من نقد حركة التنوير‪ ،‬وكشف مكرها بدعوى حرية التعبير وحرية الرأي‪.‬‬
‫فانتشر اإللحاد انتشار النار في الهشيم‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فهذا النوع أخطر من اإللحاد الصريح بألف ألف مرة لو تُرك دون مواجهة‬
‫مباشرة مع أهم ما يقوم عليه من أفكار‪ ،‬فيجب تفنيد وتعرية وكشف قبح هذا‬
‫المذهب‪.‬‬
‫الكرة نفسها التي حصلت في أوروبا‪.‬‬
‫يريد دعاة التنوير في بالدنا أن يعيدوا َّ‬
‫ولذلك ال بد أن يعلم الناس حقيقة حركة التنوير‪ ،‬ويعلموا خطرها ليس فقط‬
‫أيضا‪.‬‬
‫على دينهم‪ ،‬وإنما على دنياهم ً‬
‫فحركات التنوير في أوروبا نشأت في كنفها كل عصابات اإلبادة الجماعية‪.‬‬
‫‪Stalinist‬‬ ‫فالستالينية في االتحاد السوفيتي كانت تنويرية‬
‫‪.Enlightenment‬‬
‫والماوية في الصين كانت تنويرية‪.‬‬
‫والنازية في ألمانيا كانت تنويرية‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪24‬‬
‫فمصطلح التنوير يقبل أية فكرة إبادية‪ ،‬وس ُيسمي مشروع اإلبادة الذي يقوم‬
‫به مشرو ًعا تنوير ًّيا!‬
‫سمي إبادة األعراق البشرية األدنى بـ‪ُ " :‬دش‬
‫وهتلر على سبيل المثال كان ُي ِّ‬
‫تطهير األلمان من األوساخ العالقة بهم"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أوساخ عالقة بالعرق اآلري األلماني‪.‬‬ ‫باعتبار أن األعراق األدنى‬

‫فيبادة المعاقين والضعفاء واألعراق البشرية األدنى ‪-‬أدنى من وجهة نظر‬


‫إلحادية‪ -‬هذا شيء طبيعي في الفلسفة التنويرية‪.‬‬
‫بالتطور والمادية‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ألن الفلسفة التنويرية في األساس فلسفة إلحادية تؤمن‬
‫َّ‬
‫وأن اإلنسان مجرد خبط عشواء في الطبيعة بال قيمة‪ ،‬وبالتالي فال عزاء للضعفاء‬
‫وال المرضى وال المعاقين‪.‬‬
‫لقد أ َّدى التنوير إلى وصول أوروبا إلى العبثية والعدمية‪ ،‬ووصل الناس إلى‬
‫أعلى معدالت انتحار في تاريخ أوروبا‪ ،‬وتاريخ العالم‪ ،‬وفقد الناس معنى الحياة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫أن نسير َو ْفق نفس هذه األجندة التنويرية‪.‬‬
‫و ُيراد لنا اليوم ْ‬

‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ]‬

‫{التوبة‪.}11:‬‬
‫[ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱﯲ ﯳ] {يوسف‪}10:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪26‬‬
‫‪ -2‬ما هو التنوير المطلوب؟‬

‫ج‪ :‬هناك تنوير حقيقي في هذا العالم في مقابل مشروع التنوير الظالمي‬
‫الذي يقوده دعاة التنوير‪َ ،‬أ َال وهو تنوير الوحي اإللهي‪.‬‬
‫فنور الشرع الذي رفع الل ُه به قدْ ر اإلنسان‪ ،‬وقدَّ ر به َّ‬
‫أن اإلنسان في مركز هذا‬
‫العالم‪ ،‬وأنه ُخلق لحكمة‪ ،‬وأنَّه كريم على الله‪ ،‬هذا هو النور الحقيقي الذي أنار‬
‫وص ُل َح به حال اإلنسان‪.‬‬
‫الله به العالم‪َ ،‬‬
‫وهذا هو التنوير الحقيقي األوحد‪[ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ]‬
‫{النساء‪.}074:‬‬
‫إنه نور الوحي‪[ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ] {الحديد‪.}18:‬‬
‫[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ] {الشورى‪.}11:‬‬
‫فال نور حقيقي وال تنوير إال بنور الوحي اإللهي‪[ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ] {النور‪.}41:‬‬
‫عمى كامل‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫فبدون الوحي اإللهي يعيش اإلنسان في ً‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ] {الرعد‪.}09:‬‬
‫فنور الوحي هو طريق الهداية األوحد‪ ،‬والنور األوحد لإلنسانية‪.‬‬
‫وحتى نصل لنور الوحي نحتاج إلى تجديد حقيقي للدين‪ ،‬لكنه قط ًعا ليس‬
‫حض عليه النبي صلى‬
‫التجديد اإللحادي التنويري‪ ،‬وإنما نحتاج للتجديد الذي َّ‬
‫‪27‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬والذي يكون بتنقية الدين وتصفيته عما اعتراه وشابه من‬
‫االجتهادات الخاطئة‪ ،‬وجهاالت العوام‪ ،‬وإعادته للنقاء األول‪.‬‬
‫إن الل َه‬
‫وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النوع من التجديد فقال‪َّ « :‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫مائة ٍ‬
‫سنة من ُيجدِّ ُد لها دينَها» ‪.‬‬ ‫كل ِ‬ ‫ِ‬
‫رأس ِّ‬ ‫األم ِة على‬ ‫ُ‬
‫يبعث لهذه َّ‬
‫فعلى رأس كل مائة ٍ‬
‫سنة سيأتي َمن ُيعيد نقاء الدين على النقاء األول‪ ،‬وهو‬
‫النقاء الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته‪.‬‬
‫وهذا هو التجديد الذي أخرج الله به من الهباء أم ًة عظيم ًة‪ ،‬واستبقى على‬
‫القرون ً‬
‫جيال من الناس ما كانوا ليدخلوا التاريخ لوال هذا الوحي النقي‪.‬‬
‫ولن تصل األمة لنهضتها وصالح حالها إال بعودتها لدين ربها‪ ،‬ونهج سلف‬
‫آخر هذه األمة إال بما َص ُل َح به أولها‪ ،‬كما قال‬
‫هذه األمة وعقيدتهم‪ ،‬فلن َيص ُل َح ُ‬
‫اإلمام مالك رحمه الله‪.‬‬
‫بأهدى ممن كان‬ ‫ِ‬
‫قال الشاطبي في االعتصام‪" :‬ولن يأتي آخ ُر هذه األمة ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫عليها أولها" ‪.‬‬
‫[ﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲ] {األنعام‪.}91:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬ح‪.155 :‬‬
‫)‪ (2‬االعتصام‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.291‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪28‬‬
‫‪َ -3‬من هم منكرو ُّ‬
‫السنة؟‬

‫ج‪ :‬منكرو األحاديث‪ ...‬منكرو المصدر الثاني للتشريع‪ ،‬هم فئة ازداد‬
‫مؤخرا‪ ،‬وأغلبهم من تحت عباءة التنوير‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظهورها‬
‫وقد خرجوا على األمة اإلسالمية بقولهم‪ :‬نحن نكفر ببعض ُسنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو ك ِّلها‪.‬‬
‫هذا ُم َّ‬
‫لخص فكرة هذه الطائفة‪.‬‬
‫فبعضهم يكفر بكل األحاديث‪ ،‬وكل األخبار عن‬
‫وهم مختلفون فيما بينهم‪ُ :‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وثان يكفر بأحاديث اآلحاد‪ ،‬ويؤمن بالمتواتر‪.‬‬
‫بالسنة‬ ‫وثالث يك ُف ُر ُّ‬
‫بالسنة القولية للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويؤمن ُّ‬ ‫ٌ‬
‫الفعلية‪.‬‬
‫السنة قولية‪ ،‬ففي األخير هم‬
‫السنة آحاد‪ ،‬وأغلب ُّ‬
‫لكن في الجملة أغلب ُّ‬
‫يكفرون بأغلب الشريعة‪ ...‬يكفرون بما ال حصر له من المعلوم من دين الله‬
‫بالضرورة‪.‬‬
‫السنة ُيسمون أنفسهم بـ‪" :‬القرآنيون"‪.‬‬
‫وبعض منكري ُّ‬
‫وهم أبعدُ الناس عن القرآن‪ ،‬فلو كانوا قرآنيين ح ًّقا لما أنكروا ما أوجب الله‬
‫اتباعه في القرآن من ُسنة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واتباع سبيل المؤمنين‪،‬‬
‫وسن ًة‪.‬‬
‫وضرورة التسليم لدين الله قرآنًا ُ‬
‫‪29‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫بالسنة‪ ،‬وأجمعت على اعتبارها‬
‫فقد أجمعت األمة على وجوب العمل ُّ‬
‫المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن‪.‬‬
‫والسنة محفوظة كالقرآن‪ ،‬قال الله تعالى‪[ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ] {الحجر‪.}9:‬‬
‫ُ‬
‫القرآن وحد ُه‪،‬‬ ‫َ‬
‫المحفوظ هو‬ ‫كر‬ ‫أن ِّ‬
‫الذ َ‬ ‫قال ابن حزم ‪-‬رحمه الله‪" :‬ودعوى َّ‬
‫واقع على كل ما أنزل‬
‫اسم ٌ‬ ‫وتخصيص بال دليل‪ِّ ،‬‬
‫فالذكر هو‪ٌ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫هذه دعوى كاذبة‪،‬‬
‫قرآن أو ُس ٍنة" ‪.‬‬
‫الله على نبيه من ٍ‬
‫(‪)1‬‬

‫أن امر ًأ قال‪ :‬ال نأخذ َّإال ما وجدنا في القرآن لكان‬


‫وقال ‪-‬رحمه الله‪" :‬ولو َّ‬
‫كافرا بيجماع األمة‪ ،‬ولكان ال يلزمه َّإال ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫الليل‪ ،‬و ُأخرى عند الفجر‪ ،‬وقائل هذا ٌ‬
‫كافر ُم ٌ‬
‫شرك" ‪.‬‬
‫أن منكري السنة هم من أجهل الناس بالشريعة‪ ،‬وحين ظهرت‬ ‫ومن الغريب َّ‬
‫ِ‬
‫وغيرهم كان فيهم َمن درس الشريعة جيدً ا‪،‬‬ ‫الفرق الضا َّلة كالخوارج والجهمية‬
‫لكنهم كانوا يتأولون النصوص على غير وجهها فض ُّلوا‪ ،‬أما منكرو السنة فال‬
‫ٍ‬
‫واحد ليسوا‬ ‫ٍ‬
‫استثناء‬ ‫يعرفون شي ًئا في علوم الشريعة‪ ،‬فتراهم كلهم كلهم كلهم بال‬
‫علماء حديث‪ ،‬وليسوا علماء شريعة‪.‬‬
‫فهم بعيدون كل البعد عن ذلك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.112‬‬
‫)‪ (2‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.292‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪30‬‬
‫دائما يستخدمون كلمات براقة مثل‪" :‬البحث األكاديمي" و‬
‫ً‬ ‫وتراهم‬
‫"احترام العقل" و "البحث الحر" و "نهضة األمة" و " التخلص من الجهل" و‬
‫"التنوير"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء مما فيها‪.‬‬ ‫مصطلحات ُمسته َلكة ال يملكون منها شي ًئا‪ ،‬وال يرغبون‬
‫منتهى ما يفعله منكرو السنة أنهم ينشرون شبهات سطحية مكررة عن السنة‪،‬‬
‫ينقلونها عن المستشرقين‪ ...‬ينقلونها عن أعداء اإلسالم‪.‬‬
‫السنة هو قنطرة اإللحاد األولى بال منازع‪.‬‬
‫وإنكار ُّ‬
‫وأغلب َمن انتهى به الحال إلى اإللحاد والمروق من اإلسالم كانت بدايته‬
‫أنَّه أنكر بعض األحاديث الصحيحة‪ ،‬وقدَّ م الهوى العقلي عليها‪ ...‬قدَّ م النظرة‬
‫َوهمها على السنة‪،‬‬
‫تصورات ت َّ‬
‫الغربية على بعض األحاديث الصحيحة‪ ...‬قدَّ م ُّ‬
‫والسنة والتراث وكتب الفقهاء‪ ،‬ثم قام‬
‫فانتهى به الحال إلى الطعن في الحديث ُّ‬
‫ً‬
‫تأويال يخرجه عن معناه؛ ليوافق هذه األهواء فكانت نهايته اإللحاد‪.‬‬ ‫بتأويل القرآن‬
‫فهذا خط سير طبيعي ومتوقع‪.‬‬
‫أن هناك فئ ًة من المالحدة‬
‫واألغرب من هذا والذي يبين خطورة إنكار السنة َّ‬

‫استغ َّلت هذه البوابة‪ ،‬بوابة إنكار السنة فدخلوا منها َّ‬
‫وفرخوا لهم فيها أتبا ًعا‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬لكنَّه بعد ذلك سيستخدم هذا المدخل‬
‫فالملحد َيظهر بصورة منكر ُّ‬
‫لنشر اإللحاد في الدين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إلحاد في دين الله‪.‬‬ ‫أي‬
‫فيذا تم إنكار السنة لن تستطيع أن تواجه َّ‬
‫‪31‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫السنة لكن هدفه‬
‫وهذا بالضبط المشروع التنويري‪ ،‬فالتنويري يتزعم إنكار ُّ‬
‫اإللحاد في دين الله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تأويل وفق أي‬ ‫وحين يتم إنكار السنة ُيصبح النص القرآني ُعرض ًة ألي‬
‫هوى‪ ،‬فال حديث نبوي يعصم عن الفهم الخاطئ للقرآن‪ ،‬وال إجماع يعود إليه‬
‫ً‬
‫السنة؛ ليفهم مراد النص الشرعي؛ ألنه ال يؤمن باإلجماع‪ ،‬وال فهم لسلف‬
‫منكر ُّ‬
‫هذه األمة ينصلح به نظره في مراد الشرع‪.‬‬
‫فالنتيجة األخيرة هي‪ :‬العبث في دين الله كما يريدون‪.‬‬
‫فغاية الملحد التنويري الذي يدعي أنه فقط منكر للسنة هي أن‪ُ :‬يضعف‬
‫تسليمك للنص الشرعي‪ ،‬فيجعلك ُّ‬
‫تشك في معاني القرآن‪ ،‬فتبدأ في تق ُّبل اإللحاد‬ ‫َ‬
‫شي ًئا فشي ًئا‪.‬‬
‫وإنكار السنة في الواقع يعني التطاول على قدسية النبي صلى الله عليه‬
‫يتم رد كل حديث نبوي‪ ،‬وبالتالي تضعف ُحرمة هذا الدين إلى أن‬
‫وسلم حيث ُّ‬
‫يتالشى بالكلية من القلب مع الوقت‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬وأصبح كل ما َي ِر ُد على ذهنك من معاني القرآن قد يكون‬
‫فيذا ضاعت ُّ‬
‫المسلم هيب َة‬
‫ُ‬ ‫المعنى بخالفه‪ ،‬فمن الطبيعي أن تضيع قيمة النص‪ ،‬وبالتالي يفقد‬
‫التسليم لظاهر النص‪ ،‬فماذا نتو َّقع بعد هذا إال‬
‫َ‬ ‫النص الشرعي‪ ،‬ومن َثم يفقد‬
‫االنسالخ الكامل من الدين والجري خلف غرور اإللحاد الذي يغازل اإلنسان‬
‫مع كل شهوة‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪32‬‬
‫السنة ألنفسهم بالتطاول على حديث للنبي صلى الله عليه‬
‫فما أن َس َم َح نُفاة ُّ‬
‫وسلم‪ ،‬أجمع المسلمون عبر القرون على قبوله والعمل به‪ ،‬إال وقد وضعوا أولى‬
‫خطوات التمرد على قداسة ِ‬
‫وعظم قدر النبوة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫فهم يستح ُّقون أن يزدادوا ُبعدً ا عن دين الله‪ ،‬وأن يزداد فتن ًة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫متداخل بطبيعة الحال مع مشروع دعاة التنوير‪ ،‬حيث‬ ‫ومشروع منكري السنة‬
‫يبدأ منكرو السنة برمي علماء السلف بالجهل أو التزوير أو التبعية لمصالحهم‬
‫الشخصية‪ ،‬ورمي الدعاة المسلمين بالجمود والدروشة‪ ،‬وهذه أولى خطوات‬
‫زراعة الشك‪.‬‬
‫ويقومون بالتوازي بتضخيم صنم القيم الغربية‪ ،‬وتأول نصوص القرآن‬
‫بحيث تتفق مع صنم هذه القيم‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫فمن يفعل ذلك تحديدً ا هم تنويريون بزي منكري ُّ‬
‫َ‬
‫وما هي النتيجة لمن يتَّبعهم؟‬
‫لن يبقى من شيء إال غرور اإللحاد‪.‬‬
‫ففكرة منكري السنة من التنويريين تقوم على‪ :‬جعل الدين في قفص االتهام‪،‬‬
‫وحتى يستطيع الدين أن ينجو من هذه التهم فعليه أن يضع التأويالت التي يتفق‬
‫هوى سائد‪ ،‬وإال ما خرج من قفص االتهام‪.‬‬
‫بها مع أي ً‬
‫وأول طريق لرفع التهمة عن الدين هو إنكار النصوص‪.‬‬
‫فيتم إنكار الحديث وتأويل القرآن‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ف ُيصبح الدين عند منكري السنة مطا َل ًبا باتباع أية ثقافة سائدة مهما كان‬
‫انحاللها‪ ،‬وليس أن يقوم الدين بتعديل هذه الثقافة وتعبيد الناس لرب العالمين‬
‫المليك المقتدر‪.‬‬
‫بل َّ‬
‫إن الدين ينزل من السماء‪ ،‬ويأتي النبي‪ ،‬وينزل الشرع‪ ،‬حتى يتوافق مع‬
‫أية ثقافة‪.‬‬
‫إذا كان األمر بهذه الصورة‪ ،‬فما فائدة الدين إذن؟‬
‫إذا كان الدين في األخير مجرد تابع ألي ثقافة‪ ،‬فما قيمته‪ ،‬وما الغاية منه‬
‫ابتدا ًء؟‬
‫تقديم ِ‬
‫دين الله في القلب على أية ثقافة مهما كانت‪ ...‬هذه أولى عرى‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫خردل من إيمان‪.‬‬ ‫مثقال ِ‬
‫حبة‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان وليس وراءها‬
‫وإذا رأى إنسان َّ‬
‫أن أية ثقافة أفضل من اإلسالم‪ ،‬وتشريع اإلسالم‪ ،‬فهذه ر َّدة‬
‫ِ‬
‫مسلمان‪.‬‬ ‫ال يختلف فيها‬
‫والسن ُة المطهرة ستبقى شامخة محفوظة بحفظ‬ ‫ً‬
‫شامخا‪ُّ ،‬‬ ‫ودين الله سيبقى‬
‫الله إلى قيام الساعة محفوظة كالقرآن‪.‬‬
‫فالسنة هي الشارحة للقرآن‪ ،‬والمب ِّينة للقرآن‪ ،‬كما أشار القرآن الكريم إلى‬
‫ُّ‬
‫ذلك في العديد من اآليات‪[ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ] {القيامة‪.}09:‬‬
‫صحيحا‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫فقد تك َّفل الله ببيان القرآن‪ ،‬وال يمكن تطبيق القرآن تطبي ًقا‬
‫بالسنَّة؛ لذلك ستبقى السنة محفوظة كالقرآن‪.‬‬
‫يمكن بيانه إال ُ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪34‬‬
‫بالسنَّة‪.‬‬
‫فال يمكن إقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت إال ُ‬
‫ولذلك قال الله تعالى‪[ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ]‬
‫{النحل‪.}44:‬‬
‫ل ِ ُت َب ِّي َن لِلن ِ‬
‫َّاس َما ن ُِّز َل إِ َل ْي ِه ْم‪ُّ :‬‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫فبيان القرآن إنما يكون ُّ‬
‫أقرب الناس للقرآن والسنة‪ ،‬وهم الذين‬
‫ُ‬ ‫والصحابة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬هم‬
‫والسنة‪ ،‬وصحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهدوا‬
‫تنزل القرآن ُّ‬
‫شهدوا ُّ‬
‫معه‪ ،‬وزكَّاهم القرآن الكريم‪.‬‬
‫الناس ِ‬
‫بلغة القرآن‪ ،‬ومعاني القرآن؛ لذلك كان‬ ‫ِ‬ ‫أيضا هم أعلم‬
‫والصحابة ً‬
‫والسنة ُمقدَّ م على غيرهم‪ ،‬قال الله تعالى‪[ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫فهمهم للقرآن ُّ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ] {البقرة‪.}017:‬‬
‫ٍ‬
‫إيمان بعد األنبياء هو إيمان الصحابة‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‪ ،‬وأعلم‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‪ ،‬وأنقى‬ ‫فأصلح‬
‫رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وهو اإليمان األقرب لمعاني القرآن‪ ،‬وتطبيق القرآن؛ لذلك كان منهج أهل‬
‫والسنة بفهم سلف هذه األمة‪ ،‬وهو المنهج‬
‫ُّ‬ ‫الحديث هو اإليمان بالقرآن‬
‫المعصوم‪ ...‬المنهج الذي أجمع أهل السنة والجماعة على األخذ به‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وسبعين م َّل ًة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ثًلث‬ ‫تفترق ُأ َّمتي على‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ « :‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ما َأنا ع َل ِ‬
‫رسول ال َّل ِه؟ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك ُّلهم في الن ِ‬
‫يه‬ ‫َ‬ ‫َّار َّإال م َّل ًة واحدةً‪ ،‬قالوا‪َ :‬من َ‬
‫هي يا‬
‫(‪)1‬‬
‫وأصحابي» ‪.‬‬ ‫َ‬

‫وطريقهم هو طريق النجاة‪ ،‬يكفي قول رسول الله صلى الله‬ ‫ِ‬ ‫فييمان الصحابة‬
‫(‪)2‬‬
‫ين َي ُلون َُه ْم» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم‪ُ ،‬ث َّم ا َّلذ َ‬
‫عليه وسلم‪َ « :‬خ ْي ُرك ُْم َق ْرني‪ُ ،‬ث َّم ا َّلذ َ‬
‫وفهما للدين‪.‬‬ ‫ً‬
‫وعمال‬ ‫فقر ُن الصحابة هو أفضل ٍ‬
‫قرن إيمانًا‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬أ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة ِألُ َّمتِي» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫فالصحابة‪ :‬صمام ٍ‬
‫أمان لهذه األُ َّمة‪ ،‬وبهم تنحسم البدع والضالالت‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح الترمذي‪ ،‬ح‪.2661 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.6651 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2131 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪36‬‬
‫‪ -6‬ما هي منزلة ُّ‬
‫السنة في اإلسالم؟‬

‫وسنة تقريرية‪.‬‬
‫وسنة فعلية‪ُ ،‬‬
‫السنة ُسنة قولية‪ُ ،‬‬
‫ج‪ُّ :‬‬
‫السنة القولية هي‪ :‬األحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫ُّ‬
‫مختلف األغراض والمناسبات‪ ،‬مثل قوله‪ :‬صلى الله عليه وسلم‪« :‬إنما األعمال‬
‫(‪)1‬‬
‫بالنيات» ‪.‬‬
‫والسنة الفعلية هي‪ :‬األعمال التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ُّ‬
‫أداء الصالة‪ ،‬وأداء شعائر الحج‪ ،‬وقضائه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫أمرا حصل أمامه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والسنة التقريرية هي‪ :‬أن ُيق َّر النبي صلى الله عليه وسلم ً‬
‫ُّ‬
‫أو في عصره و َعلِم به‪.‬‬
‫السنة هو عقيدة أهل السنة؛ ولذلك نحن نُسمى‪« :‬أهل السنة‬
‫واتباع ُّ‬
‫والجماعة»‪.‬‬

‫ألننا َأتباع ُّ‬


‫السنة‪.‬‬
‫في المقابل نُفاة السنة هم ليسوا بالبداهة من أهل السنة؛ ألنهم غير مؤمنين‬
‫بالسنة ابتدا ًء‪ ،‬فكيف يكونون من أهل السنة‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫أيضا خالفوا جماعة المسلمين بينكارهم ُّ‬
‫وهم ً‬
‫فهم ليسوا من أهل السنة وال الجماعة‪.‬‬
‫والسنة هي جوهر اإلسالم كالقرآن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...16 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1591 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫وال ُيط َّبق القرآن إال ُّ‬
‫فالسنة مب ِّينة للقرآن‪:‬‬
‫ُّ‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﮛ ﮜ ] {البقرة‪.}41:‬‬
‫السنة لتُبين لنا كيف نُقيم الصالة‪ ،‬وما هي صفة الصالة‪ ،‬وما عد ُد‬
‫فتأتي ُّ‬
‫الركعات‪ ،‬وكيفية السجود‪ ،‬وأذكار الصالة‪ ،‬وعدد الصلوات‪.‬‬

‫فالقرآن في قول الله تعالى‪[ :‬ﮛ ﮜ ] ال ُيط َّبق إال ُّ‬


‫بالسنة‪ ،‬فال تُقام‬
‫فالسنة ُمبينة للقرآن‪.‬‬
‫الصالة‪ ،‬وال ُيعرف ما معنى إقامة الصالة إال بالسنة‪ُّ ،‬‬
‫ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ص ُّلوا كما في القرآن‪ ،‬وإنما قال‪« :‬ص ُّلوا‬
‫كما رأيتموني ُأص ِّلي» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫إلهي؛ ألنه ال يمكن‬


‫وحي ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فالسنة تبين كيف نُقيم الصالة‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫إذن ُّ‬
‫إقامة الصالة إال بتطبيق الكيفية التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫خصصة للقرآن‪:‬‬
‫أيضا ُم ِّ‬
‫والسنة ً‬
‫ُّ‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ] {المائدة‪.}1:‬‬
‫السنة لتبيح من الميتة‪ :‬السمك‪.‬‬
‫لكن تأتي ُّ‬
‫بالسنة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حالل ُّ‬ ‫فأكل السمك الميت‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...6992 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.616:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪38‬‬
‫فأما‬ ‫ميتتان و َد ِ‬
‫مان‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ « :‬أح َّلت َلكُم‬
‫ُ‬
‫والطحال»(‪.)1‬‬ ‫وأما الدَّ ِ‬
‫مان‪ :‬فالكبِدُ‬ ‫فالحوت والجرا ُد‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الميت ِ‬
‫َتان‪:‬‬

‫وقال صلى الله عليه وسلم في البحر‪« :‬هو ال َّط ُ‬


‫هور ماؤ ُه‪ُّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الحل َميتتُه» ‪.‬‬
‫فالسنة تُخصص العام‪.‬‬
‫ُّ‬
‫العا ُّم هو‪ :‬تحريم الميتة‪.‬‬
‫تم تخصيص‪ :‬السمك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لكن من هذا العام َّ‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫وهذا التخصيص ُّ‬
‫مون أك َْل السمك؟‬
‫ُحر َ‬
‫وهنا لنا أن نسأل نفاة السنة‪ :‬هل ت ِّ‬
‫المط َل َق‪:‬‬
‫السنة تُق ِّيد ُ‬
‫أيضا ُّ‬
‫ً‬
‫قال الله تعالى في حد السرقة‪[ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ]‬
‫{المائدة‪.}18:‬‬
‫لكن كيف يكون القطع‪ ،‬وما هو نِصاب السرقة الذي تُقطع به اليد؟‬
‫السنة‪.‬‬
‫كل هذا تُحدده ُّ‬
‫فالسنة تُقيد المطلق في القرآن‪.‬‬
‫تشريع مستقل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫السنة لها‬
‫أيضا ُّ‬
‫ً‬
‫مثال على ذلك‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وخالتها‪ ،‬والمرأة وعمتها‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬ح‪.3316 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬ح‪.65 :‬‬
‫‪39‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫السنة ولم‬
‫فتحريم الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها إنما ورد في ُّ‬
‫يرد في القرآن‪.‬‬
‫الم ْر َأ ِة و َع َّمتِها‪ ،‬وال ب ْي َن‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬ال ُي ْج َم ُع ب ْي َن َ‬
‫الم ْر َأ ِة وخا َلتِها»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫السنة‬
‫للسنة كالحاجة للقرآن‪ ،‬واالستغناء عن ُّ‬
‫لكل ما سبق‪ ،‬فالحاجة ُّ‬
‫كاالستغناء عن القرآن‪.‬‬
‫السنة؛ ألنها اإلسالم!‬
‫لذلك كان من بديهيات اإلسالم‪ :‬األمر باتباع ُّ‬
‫وقد وردت في هذا آيات كثيرة منها‪:‬‬
‫[ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ] {األحزاب‪.}14:‬‬
‫ات ال َّل ِ‬
‫ـه‪ :‬هي القرآن‪.‬‬ ‫آي ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوا ْلحك َْمة‪ :‬هي ُّ‬
‫السنة باتفاق المفسرين‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪[ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ] {النساء‪.}001:‬‬
‫ِ‬
‫َوا ْلحك َْم ُة‪ :‬هي ُّ‬
‫السنة النبوية‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1195 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪40‬‬
‫بالسنة هذا أصل ُم َّت َفق عليه بين أهل‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪« :‬اإليمان ُّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬ال ينكره إال َمن ليس منهم»(‪.)1‬‬
‫بديهي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫فهذا شيء‬
‫قال ربنا سبحانه‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ]‬
‫{النور‪.}14:‬‬
‫(وإِن‬ ‫ِ‬
‫َو َأطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ول‪ :‬ضرورة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫تُطِي ُعو ُه ت َْهتَدُ وا)‪.‬‬
‫فهل طاعته تكون بينكار كل أمر ونهي صادر عنه؟‬
‫هل هذه طاعة له؟‬
‫عز من قائل‪[ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫وقال َّ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ] {النور‪}11 ،10 :‬‬

‫وقال سبحانه‪[ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ]‬


‫{الحشر‪.}7:‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬باتباع كل ما يصدُ ُر عن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فقد أمر الله ‪َّ -‬‬
‫وسنة فعلية‪ ،‬وكل هذه التقسيمات‪.‬‬
‫دون تفريق بين ُسنة قولية‪ُ ،‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الروح‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪41‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫لز ٌم‪َ :‬س ِم ْعنَا َو َأ َط ْعنَا‪.‬‬
‫فكل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ُم ِ‬

‫بالسنة هو ما فهمته األمة عبر تاريخها‪.‬‬


‫وهذا االلتزام ُّ‬
‫اشم ِ‬ ‫ِ‬ ‫عبد ال َّل ِه بن مسعود‪َ ،‬‬ ‫في البخاري َعن ِ‬
‫ات‬ ‫الو َ‬ ‫قال‪َ « :‬ل َع َن ال َّل ُه َ‬ ‫ْ‬
‫ات لِ ْلحس ِن‪ ،‬الم َغير ِ‬
‫ات َخ ْل َق ال َّله»‪.‬‬ ‫ات‪ ،‬والم َت َف ِّلج ِ‬ ‫ات‪ ،‬والم َتنَمص ِ‬ ‫والموت َِشم ِ‬
‫ُ ِّ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وب‪َ ،‬ف َجا َء ْت َفقا َل ْت‪ :‬إنَّه َب َل َغنِي‬ ‫ذلك امر َأ ًة ِمن بنِي ٍ‬
‫أسد ُي َق ُال َل َها‪ُ :‬أ ُّم َي ْع ُق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َب َل َغ َ ْ َ‬
‫سول ال َّل ِه ص َّلى الل ُه‬ ‫قال‪َ :‬و َما لِي َال أ ْل َع ُن َمن َل َع َن َر ُ‬ ‫َعن َْك أن ََّك َل َعن َْت َك ْي َت و َك ْي َت‪َ ،‬ف َ‬
‫َاب ال َّل ِه؟‬
‫عليه وس َّلم‪ ،‬و َمن هو في ِكت ِ‬
‫قال‪َ :‬ل ِئن ُكن ِ‬
‫ْت‬ ‫ْ‬ ‫ول‪َ ،‬‬ ‫َفقا َل ْت‪ :‬ل َقدْ َق َر ْأ ُت ما ب ْي َن ال َّل ْو َح ْي ِن‪َ ،‬فما َ‬
‫وجدْ ُت فيه ما َت ُق ُ‬
‫ت‪ [ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ]‬ ‫َقر ْأتِ ِيه ل َقدْ وجدْ تِ ِيه‪َ ،‬أما َقر ْأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬فينَّه قدْ ن ََهى عنْ ُه(‪.)1‬‬ ‫{الحشر‪}7:‬؟ قا َل ْت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬‬

‫أمر في القرآن‪.‬‬
‫السنة هو ٌ‬
‫فكل أمر في ُّ‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ] {األنفال‪.}14:‬‬
‫وقال سبحانه‪[ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ]‬
‫{النساء‪.}64:‬‬
‫ما أرسل الله الرسل إال لتُطاع‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.6226 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪42‬‬
‫وانظر لآلية التي تليها مباشرةً‪[ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ]‬
‫{النساء‪.}61:‬‬
‫لحكمك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وك‪ :‬وبعد أن ُيحكموك ( ُي َس ِّل ُموا ت َْسل ً‬
‫يما) ُ‬ ‫َال ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ُون َحت َّٰى ُي َحك ُِّم َ‬

‫وهذه القضية التي حكم فيها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اآلية هي‬
‫بحك ٍم ليس‬
‫قضية الزبير رضي الله عنه‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم حكم فيها ُ‬
‫في القرآن‪ ،‬ومع ذلك أخبر القرآن َّ‬
‫أن‪ :‬اإلنسان ال ُي َعدُّ مؤمنًا لو لم يخضع لقضاء‬
‫واجب االتباع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحي من الله‬
‫ٌ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقضاؤه‬
‫[ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ] {النساء‪.}61:‬‬
‫التسليم التام ألمره صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪[ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ] {األحزاب‪.}10:‬‬
‫إذا كنت ترجو الله واليوم اآلخر؛ ِ‬
‫فاقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وال يكون االقتدا ُء إال باتباع ُسنته‪.‬‬
‫وجل‪[ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫َّ‬ ‫عز‬
‫قال ربنا ‪َّ -‬‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ] {آل عمران‪.}10:‬‬
‫تريد أن يحبك الله؟ إذن اتَّبِ ْع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وجل‪ -‬أن طاعة الرسول من طاعة الله‪[ :‬ﭑ ﭒ‬
‫َّ‬ ‫عز‬
‫وقد أخبر الله ‪َّ -‬‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ] {النساء‪.}81:‬‬
‫وانظر لهذه اآلية‪ [ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ] {النساء‪.}19:‬‬
‫الر ُّد إلى الله‪ :‬بالنظر في كتابه‪.‬‬
‫والر ُّد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬بالنظر في ُسنته(‪.)1‬‬
‫فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي وحي إلهي‪[ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫إذن ُ‬
‫ﭟ ] {النجم‪.}1:‬‬
‫رآن ِ‬
‫وم ْث َل ُه معه»(‪.)2‬‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬أ َال إنِّي ُأ ُ‬
‫وتيت ال ُق َ‬

‫فهو صلى الله عليه وسلم ُأوتي الكتاب ومثله معه وهي ُّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫فيكون في وجوب العمل بالسنة‪ :‬ولزوم قبولها كوجوب العمل بالكتاب‪:‬‬
‫ولزوم قبوله كما قال القرطبي(‪.)3‬‬
‫تركت فيكم َأمري ِن لن ت ِ‬
‫َض ُّلوا ما ت ََم َّس ْك ُت ْم بهما‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬‬
‫َْْ‬
‫الله وس َّن َة نبي ِه ص َّلى الله ِ‬
‫عليه وس َّل َم»(‪.)6‬‬ ‫كتاب ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بسنَّتِي»(‪.)1‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬عليكم ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬البن جزي‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.156‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،6696 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ (3‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.63‬‬
‫(‪ )6‬صحيح الترغيب‪ ،‬ح‪.69 :‬‬
‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.6691 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪44‬‬
‫قال‪:‬‬‫كيف تقضي؟ َ‬ ‫َ‬ ‫عاذ ‪-‬رضي الله عنه‪:‬‬‫وقال صلى الله عليه وسلم لم ٍ‬
‫ُ‬
‫رسول ِ‬
‫الله ص َّلى الل ُه‬ ‫ِ‬ ‫فبس ِنة‬ ‫كتاب ِ‬
‫الله‪َ .‬‬ ‫ِ‬ ‫بكتاب ِ‬
‫الله‪َ .‬‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪ُ :‬‬ ‫لم تجدْ في‬
‫فين ْ‬
‫ِ‬
‫عليه وس َّل َم(‪.)1‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬ص ُّلوا كما رأيتموني ُأص ِّلي»(‪.)2‬‬
‫َاس َككُم‪ ،‬فإنِّي ال َأد ِري َلع ِّلي ال َأحج بعدَ حجتي ِ‬
‫هذه»(‪.)3‬‬ ‫وقال‪« :‬لِت َْأ ُخ ُذوا من ِ‬
‫ُ ُّ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تحج إال منه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فيذا أردت الحج‪ ،‬فلن تعرف كيف ُّ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬فمن رغب عن ُسنَّتي فليس مني»(‪.)6‬‬
‫نصوص كثير ٌة في ضرورة اتباع سنته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهناك‬
‫وانظر لهذا الحديث المعجز في صحيح سنن أبي داود قال النبي صلى الله‬
‫شبعان على أريكتِ ِه‬
‫ٌ‬ ‫رج ٌل‬
‫ك ُ‬
‫أوتيت الكتاب ومث َله معه‪ ،‬ال ي ِ‬
‫وش ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عليه وسلم‪َ « :‬أ َال إنِّي‬
‫فيه ِمن‬
‫ًلل فأح ُّلوه‪ ،‬وما وجدتُم ِ‬
‫َ‬ ‫فيه ِمن َح ٍ‬
‫رآن‪ ،‬فما وجدتُم ِ‬ ‫هذا ال ُق ِ‬
‫يقول‪ :‬عليكُم بِ َ‬‫ُ‬
‫فحر ُموه»(‪.)1‬‬
‫حرا ٍم ِّ‬
‫شبعان على أريكتِ ِه‪ :‬كناية عن الت ََّرف‪ ،‬وكأنه صلى الله عليه وسلم ُيخبر‬
‫ٌ‬ ‫رج ٌل‬
‫ُ‬
‫السنة‪.‬‬
‫أن بعض المترفين سيظهرون في آخر الزمان لينكروا ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،3152 :‬درجة الحديث‪ :‬اختلف في تصحيحه‪.‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1251 :‬‬
‫)‪ (6‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1963 :‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1691 :‬‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح"‪.6696‬‬
‫‪45‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫على أريكتِ ِه‪ :‬كناية عن أنَّه لم يغادر منزله لطلب العلم الشرعي‪ ،‬فهو مالزم‬
‫ألريكته‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬سبحان الله‪.‬‬
‫وهذا حال منكري ُّ‬
‫فيه ِمن َح ٍ‬
‫الل فأح ُّلوه‪ ،‬وما َوجدتُم‬ ‫رآن‪ ،‬فما وجدتُم ِ‬
‫هذا ال ُق ِ‬
‫يقول‪ :‬عليكُم بِ َ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫فيه من حرا ٍم ِّ‬
‫فحر ُموه‪ :‬يكتفون بالقرآن‪.‬‬
‫وحي يوحى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر مبينًا َّ‬
‫أن ُسنته‬
‫وال َأمنَعكُم‪ ،‬إنَّما َأنَا َق ِ‬
‫اس ٌم‪َ ،‬أ َض ُع َح ْي ُ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫وليست من عند نفسه‪« :‬ما ُأ ْعطيك ُْم َ ْ ُ ْ‬
‫ُأ ِم ْر ُت»(‪. )1‬‬
‫السنة بهذا القدر العظيم‪ ،‬فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ‬ ‫وألن ُّ‬
‫سمع منَّا حدي ًثا ِ‬
‫فحف َظه حتى ُي َب ِّل َغ ُه‪ُ ،‬فر َّب ُمب َّل ٍغ‬ ‫امرأ ِ‬
‫نضر الل ُه ً‬
‫ُسنته للناس فقال‪َّ « :‬‬
‫ُ‬
‫أحفظ له من سام ٍع»(‪.)2‬‬
‫السنة فيها فقه ُيستنبط‬ ‫أحفظ له من سامعٍ‪ :‬فيه دليل على َّ‬
‫أن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُفر َّب ُمب َّل ٍغ‬
‫و ُيط َّبق‪.‬‬
‫وفي كل هذه األحاديث ٌ‬
‫دليل على َّ‬
‫أن‪ :‬أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونه َي ُه‬
‫أمر القرآن ِ‬
‫ونهيه في االحتجاج وضرورة اإليمان والعمل والتصديق‪.‬‬ ‫مثل ِ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3111 :‬‬
‫(‪ )2‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،6111 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪46‬‬
‫فحسب‪ ،‬فكما قال الشاطبي ‪-‬رحمه الله‪" :‬هو‬
‫ُ‬ ‫أما االقتصار على القرآن‬
‫السنة؛ ا َّطرحوا أحكا َم ُّ‬
‫السنة‪ ،‬فأداهم ذلك‬ ‫رأي قو ٍم ال خالق لهم‪ ،‬خارجين عن ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله"(‪.)1‬‬ ‫إلى االنخال ِع عن الجماعة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتأويل القرآن‬ ‫في قول الشاطبي‪" :‬فأداهم ذلك إلى االنخال ِع عن الجماعة‪،‬‬
‫سيتأول في المرحلة التالية‬
‫َّ‬ ‫أن َمن أنكر السنة‬ ‫على غير ما أنزل الله"‪ٌ ،‬‬
‫دليل على َّ‬
‫القرآن على غير وجهه‪.‬‬
‫نيع ضد من يريد العبث باإلسالم‪.‬‬
‫فالسنة ضرورة وحصن لإلسالم‪ ،‬وسدٌّ َم ٌ‬
‫ُّ‬
‫ينكرها إال مفتون‪[ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫وال ُ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ] {النور‪.}61:‬‬
‫اح َذ ُروا‪.‬‬ ‫[ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ] {المائدة‪َ }91:‬‬
‫‪.‬و ْ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬الموافقات‪ ،‬الشاطبي‪ ،‬م‪ 3‬ص ‪ 326 ،321‬بتصرف‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫‪ -1 ‬هل ُّ‬
‫السنة ك ُّلها مكتوبة؟‬

‫ج‪ :‬نعم!‬
‫كل السنة مكتوبة ومو َّثقة تما ًما‪.‬‬
‫ذكر الطبراني في الكبير‪" :‬إنَّا لم نسمع منه صلى الله عليه وسلم شي ًئا إال‬
‫وهو عندنا في كتاب"(‪.)1‬‬
‫دو ٌن‪ ،‬حتى سكتات النبي صلى‬
‫فكل شيء في ُسنته صلى الله عليه وسلم ُم َّ‬
‫دون ٌة‪.‬‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬سكتاته محفوظة ُم َّ‬
‫الق َرا َء ِة‬
‫ُت بين ال َّتكْبِ ِير وبين ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫سول ال َّله َص َّلى الل ُه عليه وس َّل َم َي ْسك ُ ْ َ‬
‫كان َر ُ‬
‫َ‬
‫إسكَا َت ًة(‪.)2‬‬
‫ْ‬
‫أخ َذ ِ‬
‫ت‬ ‫بل ونقل الصحابة أنَّه صلى الله عليه وسلم َس َع َل َس ْعل ًة في صالته‪َ " :‬‬
‫النبي َص َّلى ال َّل ُه عليه وس َّل َم َس ْع َل ٌة َف َرك ََع"(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫كل سنتِ ِه واجتهدوا أشدَّ اجتهاد في حفظها‪ ،‬وقد أخبر صلى الله‬
‫فقد نقلوا َّ‬
‫مع‬
‫سمع منْكم‪ ،‬ويس ُ‬ ‫َ‬
‫َسمعون‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫عليه وسلم َّ‬
‫أن ُسنته ستُنقل عبر األجيال فقال‪" :‬ت‬
‫سمع منْكم"(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫ِم َّمن‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الطبراني في الكبير‪ ،‬ح‪.16212 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.166 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.611 :‬‬
‫)‪ (6‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.3615 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪48‬‬
‫فالصحابة سيسمعون الحديث وينقلونه للتابعين‪ ،‬والتابعون سينقلونه‬
‫السنة من الصحابة للتابعين‪ ،‬ثم لتابعي‬
‫لتابعي التابعين‪ ،‬وهذا ما حصل فقد ُنقلت ُّ‬
‫التابعين‪.‬‬
‫أيضا كانت‬ ‫وهنا يأتي السؤال‪ :‬هل هذا يعني أن السنة نُقلت فقط نقل ِش ٍ‬
‫فاه أم ً‬ ‫ُّ‬
‫مكتوبة؟‬
‫ٍ‬
‫شفاه‪ ،‬وكانت مكتوبة‪ ،‬ف ُكتُب الحديث موجودة‬ ‫السنة نقلت نقل‬
‫والجواب‪ُّ :‬‬
‫منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجرت الكتابة للحديث بين يديه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وعندنا اثنان وخمسون صحاب ًّيا من ُكتَّاب الحديث النبوي‪.‬‬
‫أكثر من ألف حديث‪ ،‬وهناك كتاب‬
‫وفي كتاب عبد الله بن عمرو بن العاص ُ‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬وكتاب سعد بن ُعبادة‪ ...‬كتب كثيرة للصحابة في الحديث(‪.)1‬‬
‫فالسنة محفوظة في الصدور ومكتوبة‪.‬‬
‫وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنوات بدأت مرحلة جمع األحاديث‬
‫ٍ‬
‫كتاب واحد‪ ،‬وهذا ما ُيعرف بالتدوين‪.‬‬ ‫في‬
‫فالتدوين غير الكتابة‪:‬‬
‫أما الكتابة فهي كما قلنا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫بينما التدوين فهو‪ :‬جمع كل األحاديث في‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬دراسات في الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )26‬وما بعده‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫عظيما عجي ًبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫والتابعون وتابعو التابعين اجتهدوا في التدوين اجتها ًدا‬
‫فجمعوا األحاديث باألسانيد المتعددة؛ ولذلك قد يأتي حديث من مائة طريق‬
‫وأكثر‪.‬‬
‫فجمعوا كل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بطرقها‪ ،‬وصنَّفوا كت ًبا في‬
‫أسماء الرواة وضبط الرواة‪ ،‬حتى ُيضبط كل حديث بحرفِ ِه الذي خرج به من فم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وصنَّفوا في علوم الرجال‪ ،‬وصنَّفوا في الجرح‬
‫والتعديل‪ ،‬وصنَّفوا المسانيد والجوامع والمستدركات والمستخرجات والزوائد‬
‫واألجزاء‪ ،‬وصنَّفوا في شروح الحديث‪ ،‬وفي علوم اإلسناد والمتن‪.‬‬
‫لذلك كانت درجة أي حديث صحيح أعلى من درجة توثيق كل كتب‬
‫التاريخ في كل الحضارات مجتمعة‪ ،‬فشروط ضبط الحديث أعلى بألف مرة من‬
‫وثوقية أي مصدر تاريخي تتخ َّيل ُه‪.‬‬
‫بل َّ‬
‫إن درجة توثيق الحديث الضعيف أعلى من درجة توثيق كتب أهل‬
‫الديانات السابقة‪.‬‬
‫فلو حصل انقطاع في سند الحديث في طبقة واحدة‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫أن يفتقد سند‬
‫ً‬
‫مجهوال ال نعرفه‪ ،‬ففي هذه الحالة ُيحكم‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬أو ْ‬
‫أن يكون الراوي‬ ‫الحديث ٍ‬
‫لراو‬
‫على الحديث بالضعف‪.‬‬
‫بينما نجد َّ‬
‫أن الكتب السابقة تصل درجة االنقطاع فيها لمئات السنين‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪50‬‬
‫ٍ‬
‫حرف خرج من فمه صلى الله‬ ‫أغير الناس على ضبط كل‬
‫السنة كانوا َ‬
‫فنقلة ُّ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أن رسول الله صلى‬ ‫في الحديث المتفق على صحته‪ ،‬أخبر عبد الله بن عمر‪َّ :‬‬
‫أن يوحدَ ال َّله‪ ،‬وإقا ِم الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ًلة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسًل ُم ع َلى َخ ْم َسة‪ :‬ع َلى ْ ُ َ َّ‬
‫الله عليه وسلم قال‪ُ « :‬بن َي ْ‬
‫ضان؟ َ‬ ‫قال رج ٌل‪ :‬الحج‪ِ ،‬‬ ‫َّكاة‪ِ ،‬‬
‫وإيتاء الز ِ‬
‫ِ‬
‫قال‪:‬‬ ‫وصيا ُم َر َم َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ضان‪ ،‬وا ْل َح ِّج‪َ .‬ف َ َ ُ‬
‫وصيا ِم َر َم َ‬
‫سول ِ‬
‫الله َص َّلى ال َّل ُه عليه وس َّل َم»(‪.)1‬‬ ‫ضان‪ ،‬وا ْل َح ُّج‪َ .‬هكَذا س ِم ْع ُت ُه ِمن ر ِ‬
‫ال‪ِ ،‬صيا ُم َر َم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فهذا يعني حرص الصحابة على أدق التفاصيل في حديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والمز َّفت أن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفي حديث آخر‪ :‬نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدُّ َّباء ُ‬
‫ُينتبذ فيه‪ ،‬فقيل لسفيان‪ :‬أن ُينبذ فيه؟ فقال‪ :‬ال‪ُ ..‬ينتبذ فيه(‪.)2‬‬
‫يحرصون على الحرف من فمه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لقد ه َّيأ الله برحمته لهذه األُ َّمة األسباب التي ُح ِفظت بها ُسنة النبي صلى‬
‫جيل كانت فِطرتهم‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقد حمل سنة النبي صلى الله عليه وسلم ٌ‬
‫وسلِي َقتهم قويمة‪ ،‬وت ََم َّرسوا على قوة الحفظ عبر الزمن‪ ،‬فقد َح ِفظوا‬ ‫سليمة‪َ ،‬‬
‫أشعارهم‪ ،‬فكانت عندهم ملكة الحفظ عجيبة‪ ،‬فلما جاء‬ ‫َ‬ ‫تاريخهم‪ ،‬و َن َق ُلوا‬
‫اإلسالم وكانوا أشدَّ الناس َغير ًة على ُسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ِمن أن‬
‫حديث خرج من فمه صلى‬ ‫ٍ‬ ‫أي شيء غير صحيح‪ ،‬لهذا ضبطوا نقل كل‬ ‫يدخل فيها ُّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.16:‬‬
‫)‪ (2‬الكفاية في علم الرواية‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫‪51‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫أقره أو َفعله‪ ...‬ضبطوا ُسنَّته صلى الله عليه وسلم‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وكل شيء َّ‬
‫ٍ‬
‫ضبط‪.‬‬ ‫أعجب‬
‫يتعمد الكذب من التابعين أو تابعي التابعين كانوا‬ ‫ِ‬
‫و َمن ُعلم أنَّه يخطئ أو َّ‬
‫يفضحونه على رؤوس األشهاد‪.‬‬
‫فهم يغارون على ُسنته صلى الله عليه وسلم أشد غيرةً‪.‬‬
‫فالسنة يتو َّقف عليها العمل الشرعي‪.‬‬
‫دين‪ُّ ،‬‬
‫وما كانوا يستحون؛ ألن األمر ٌ‬
‫لذلك لو ك ََذب أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب‪،‬‬
‫مفضوحا في المشرق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ألصبح‬
‫ما كانوا يستحون أبدً ا‪.‬‬
‫مثال على هذا األمر(‪:)1‬‬
‫بن أبي‬
‫اش َ‬ ‫عندنا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ال َّل َّ‬
‫هم أن ِْج َع َّي َ‬
‫َربيع َة"(‪.)2‬‬
‫و َع َّي ُ‬
‫اش كان من كبار المهاجرين رضي الله عنه‪ ،‬لكن حفيد ع َّياش والذي‬
‫اسمه‪ :‬أبان بن أبي عياش‪ ،‬كان يكذب في رواية الحديث مع أنَّه من كبار ال ُق َّراء‪،‬‬
‫لكن لما يروي حدي ًثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ال ُيوثق في روايته‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬هذا المثال ذكره الشيخ عثمان الخميس في أحد أشرطته‪.‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ....‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1996 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.611 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪52‬‬
‫فهل السلف تركوا أبان لمقام عياش جده أو سكتوا عنه ِ‬
‫لسنه أو لكونه من‬
‫كبار القراء؟‬
‫والله هذا مستحيل‪ ،‬بل َّ‬
‫إن السلف فضحوه‪.‬‬
‫وكان شعبة بن الحجاج يمشي في األسواق ويقول‪ :‬أ ُّيها الناس! أبان بن أبي‬
‫عياش َّ‬
‫كذاب‪.‬‬
‫يمشي بين الناس و ُيحذر منه حتى ذهب حماد بن زيد إلى ُشعبة فقال له‪:‬‬
‫ِ‬
‫أمس ْك عن الرجل‪.‬‬
‫فالرجل ُم ِس ٌّن‪ ،‬وعائلته كبيرة‪ ،‬وجدُّ ه من كبار المهاجرين‪ ،‬وقد علم الناس‬
‫بحاله‪ ،‬وأنه يكذب في الحديث‪ ،‬فال داعي ألن ُيفضح في كل مجلس‪.‬‬
‫بعد أيام‪ ،‬وكانوا في ِج ٍ‬
‫نازة فرأى شعبة أبان‪ ،‬فصرخ بأعلى صوته‪ :‬يا أبا‬
‫إسماعيل ‪-‬يقصد‪ :‬حماد بن زيد‪ -‬رجعت عن قولي‪ ،‬أ ُّيها الناس! أبان َّ‬
‫كذاب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُوت َعن ُه(‪.)1‬‬ ‫ثم قال‪َ :‬ما َأ َراني َيس ُعني ُّ‬
‫السك ُ‬
‫فاألمر دي ٌن‪.‬‬
‫بل وقد نقل اإلمام أحمد بن حنبل عن ُشعبة بن الحجاج قو َله‪« :‬ألن أزني‬
‫إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش»‪.‬‬
‫أحب َّ‬
‫ُّ‬
‫هل يجرؤ أحد في مجتمع كهذا أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم؟‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الكامل‪ ،‬ابن عدي‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.322‬‬
‫‪53‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫يتعمد الكذب فضحوه‪.‬‬ ‫إذا تب َّين َّ‬
‫أن أحدً ا َّ‬
‫تعمد الكذب يصبح واه ًيا في الحديث‪ ،‬و ُي َترك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أما لو أخطأ في رواية دون ُّ‬
‫وقد كانت هناك اختبارات بصفة دورية لكل ٍ‬
‫راو‪ ،‬بحيث لو أخطأ الراوي في‬
‫أحد هذه االختبارات ولو كان أعبد أهل األرض حكموا على رواياته بالضعف‪.‬‬
‫تساهل مع ُسنة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فلم يكن هناك ُ‬
‫الز َّهاد في تاريخ اإلسالم‪ ،‬اإلمام الحسن البصري‬
‫وانظر في حال أشهر ُّ‬
‫التابعي الشهير تلميذ الصحابة‪.‬‬
‫هل يجادل مسلم في علم وتقوى وعبادة الحسن البصري؟‬
‫كان الحسن البصري إمام الزهد‪ ،‬من أشهر ال ُع َّباد‪ ،‬وكان مفت ًيا للمسلمين‪،‬‬
‫وقد تر َّبى في كنف أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ودعا له عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم ف ِّق ْهه في الدين وح ِّب ْبه إلى الناس‪.‬‬
‫تتلمذ الحسن البصري على يد ابن عباس وكثير من كبار الصحابة‪.‬‬
‫وعلى علو قدر الحسن البصري في العبادة والفقه‪ ،‬وعلى ُزهده الشديد‬
‫وورعه لو روى حدي ًثا عن صحابي فقال حدثني ابن عباس ً‬
‫مثال أن رسول الله‬
‫لصح حديثه‪ ،‬لكن لو روى الحديث مباشرة إلى‬
‫َّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال كذا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسم الصحابي الذي سمع منه الحديث‪،‬‬
‫فحديثه مرسل ال ُيعتدُّ به‪ ،‬و ُيصنَّف في قسم الحديث الضعيف‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪54‬‬
‫تخيل! ُي َر ُّد حديث الحسن البصري لو روى مباشر ًة عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لو‬
‫هذا حال السلف مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فعلى ُع ّ‬
‫قدر الحسن البصري‪ ،‬لكن هناك عقيدة تُؤخذ من الحديث‪ْ ،‬‬
‫إذن يلزم ضبط كل‬
‫حرف بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بل واألعجب من هذا‪:‬‬
‫َ‬
‫القرآن بقراءته‪ :‬حفص‬ ‫ان ُظ ْر في حال اإلمام حفص الذي يقرأ أهل األرض‬
‫عن عاصم‪.‬‬
‫اإلمام حفص الذي َض َب َط طريقة تدوير كل حرف في القرآن‪ ،‬ومخرج كل‬
‫حرف في القرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫اإلمام حفص والذي هو ُمنتهى علم القراءات هو في الحديث ضعيف!‬
‫تتعجب!‬
‫أن َّ‬‫لك ْ‬

‫وتعمق فيها‪،‬‬ ‫ِ‬


‫اإلمام حفص إما ُم الدنيا في القرآن‪ ،‬لكنه لما انشغل بالقراءات‪َّ ،‬‬
‫كل وقتِ ِه‪َ ،‬ق َّل ضبطه أللفاظ الحديث النبوي؛ لذلك فهو في‬ ‫وصارت تملك َّ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الحديث‬
‫ولو ورد اسم حفص في سند حديث ُحكِ َم بضعف الحديث‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فالسلف كانوا ال يخجلون أمام ضبط الحديث النبوي‪ ،‬وال َه ْيبة ألحد أمام‬
‫قدره في‬ ‫ٍ‬
‫ضبط الحديث النبوي‪ ،‬وال يستحون من تضعيف أحد مهما عال ُ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫السنة ظهرت فتنة اسمها فتنة‪" :‬خ ْلق القرآن" وهي فتنة‬
‫وفي وقت تدوين ُّ‬
‫مشهورة زمن الخليفة المأمون‪ ،‬حاول أن تتخ َّيل لو امتلك الخليفة المأمون حدي ًثا‬
‫واحدً ا يدعم موقفه في القول بخلق القرآن!‬
‫سينتهي األمر‪.‬‬
‫السلطان والسجن والقتل ‪ُ -‬قتل بعض العلماء في هذه‬
‫كان مع المأمون ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد النتهى الموضوع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحديث‬ ‫الفتنة‪ -‬لو استطاع المأمون أن يأتي‬
‫(‪)1‬‬
‫لكن َمن كان يجرؤ على صناعة حديث للقول بخلق القرآن؟‬
‫ال يجرؤ حتى المأمون نفسه‪.‬‬
‫لم يستطيعوا أن ي ِ‬
‫قحموا حدي ًثا واحدً ا ينسبوه للنبي صلى الله عليه وسلم في‬ ‫ُ‬
‫وضاع‪ ،‬وس ُيصبح َمن‬
‫أي َّ‬
‫هذا الموضوع؛ ألنه بدراسة سند الحديث سيفتضح ُّ‬
‫عارا عبر التاريخ‪.‬‬
‫وضع هذا الحديث ً‬
‫أي‬ ‫ِ‬
‫فعلم الحديث له ضوابط حا َّدة‪ ،‬وشروط قاسية‪ ،‬يفتضح من خاللها ُّ‬
‫ٍ‬
‫حديث‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد في أي‬ ‫ٍ‬
‫بحرف‬ ‫شخص يحاول التالعب‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬هذه الفائدة مستقاة من إحدى محاضرات الشيخ خالد الدريس حول حجية السنة والرد على شبهات‬
‫القرآنيين‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪56‬‬
‫ِ‬
‫فعلم الحديث هو علم حقيقي متكامل له ضوابط‪.‬‬
‫والضوابط الستَّة المشهورة للحديث النبوي هي‪:‬‬
‫‪ -1‬اتصال السند‪.‬‬
‫‪ -2‬عدالة الراوي‪.‬‬
‫‪ -3‬ضبط الراوي‪.‬‬
‫‪ -6‬السالمة من الشذوذ‪.‬‬
‫‪ -1‬السالمة من الع َّلة القادحة‪.‬‬
‫‪ -6‬وجود العاضد عند االحتياج إليه(‪.)1‬‬
‫واتصال السند يعني‪ :‬وجود سند متصل للحديث إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فال يوجد فيه انقطاع‪.‬‬
‫فلو كانت هناك حلقة مفقودة في السند ُحكم على الحديث بالضعف‪ ،‬ولو‬
‫كان بقية الرواة في السند أعدل أهل األرض‪.‬‬
‫وخ ِ‬
‫لقه‬ ‫أما عدالة الراوي فمعناها‪ْ :‬‬
‫أن يكون راوي الحديث معلو ًما بدينه ُ‬
‫وصدقه وأمانتِه‪.‬‬
‫ِ‬

‫أن يكون راوي الحديث حاف ًظا متقنًا‪.‬‬


‫أما ضبط الراوي فمعناه‪ْ :‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬منهج النقد في علوم الحديث‪ ،‬د‪ .‬عتر‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫‪57‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫لت تجري بانتظام في حياة كل ٍ‬
‫راو‪ ،‬فيأتي‬ ‫وكانت هناك اختبارات كما ُق ُ‬
‫سمع على الراوي أحاديثه ف ُيدخل في‬ ‫ِ‬
‫شخص ممتحن بصورة طالب علم‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫األحاديث حدي ًثا ليس من طريقه‪ ،‬وينظر هل سينتبه الراوي أم ال؟‬
‫كانت اختبارات منتظمة متكررة في جنبات العالم اإلسالمي؛ لضبط الرواية‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫معروف كل ٍ‬
‫راو فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فال ُيقبل ا ْل َح ِد ُ‬
‫يث إذا َل ْم َي ُك ْن َل ُه إسناد نظيف‬
‫ً‬
‫رجاال ُن َّقا ًدا َّ‬
‫تفرغوا له‪ ،‬وأفن َْوا‬ ‫فالله تعالى بلطيف عنايتِ ِه أقام لعلم الحديث‬
‫ومعرفة مراتبِهم في القوة‬‫ِ‬ ‫أعمارهم في تحصيله‪ ،‬وفي البحث عن رجاله‪،‬‬
‫واللين(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫عجيبة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصورة‬ ‫فقد أتقنوا ضبط الحديث‬
‫أن ِ‬
‫يرو َي حدي ًثا في أمر‬ ‫يحر ُم على الرجل ْ‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي‪ُ " :‬‬
‫ين حتى ُي ِتقنَ ُه و َيحف َظ ُه كاآلية من القرآن‪ ،‬وكاسم الرجل‪ ،‬والمستحب له أن‬
‫الدِّ ِ‬
‫أسلم له (‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫يورد األحاديث بألفاظها؛ ألن ذلك‬
‫وكان سلف هذه األمة آية في الحفظ‪.‬‬
‫دون الحديث بأمر عمر‬ ‫ِ‬ ‫الزهري ٍ‬
‫راو‪ ،‬وهو من َّأول َمن َّ‬ ‫فاإلمام ابن شهاب ُّ‬
‫بن عبد العزيز الخليفة الراشد‪ ،‬وهو شيخ اإلمام مالك يقول عن نفسه‪" :‬ما‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.225‬‬
‫(‪ )2‬الكفاية في علم الرواية‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪58‬‬
‫فسألت صاحبي‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حديث َّإال حدي ًثا واحدً ا‪،‬‬ ‫شككت في‬
‫ُ‬ ‫استعدْ ُت حدي ًثا ُّ‬
‫قط‪ ،‬وال‬
‫حفظت"(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫فيذا هو كما‬
‫أما قتادة فقد قال اإلمام أحمد‪ُ " :‬ق ِر َئ على قتادة صحيف ُة ٍ‬
‫جابر مر ًة واحد ًة‬
‫فح ِف َظها"(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫وصحيفة جابر بن عبد الله الصحابي الجليل صحيف ٌة معروف ُة‪ ،‬فقد كان له‬
‫كتاب في الحديث‪.‬‬
‫ِ‬
‫المصحف‪ ،‬فقرأ البقرة فلم‬ ‫قال قتاد ُة لسعيد بن أبي َع ُرو َبة‪ :‬أمس ْك َّ‬
‫علي ُ‬
‫أحفظ مني لسورة البقرة(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫يخطئ حر ًفا‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا النضر! ألنا لصحيفة ٍ‬
‫جابر‬
‫الحفاظ البخاري‪ ،‬فكان كما يقول عن نفسه يحفظ مائة‬
‫أما اإلمام جوهرة ُ‬
‫ألف حديث صحيح‪ ،‬ويحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح(‪.)6‬‬
‫درسا في علم الحديث‪ ،‬ومازال صب ًّيا لم‬
‫حض ُر ً‬
‫وذات يوم كان البخاري َي ُ‬
‫يبلغ أحد عشر عا ًما‪ ،‬فقال الشيخ عن سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم‪ .‬فقال له‬
‫فتعجب الشيخ ثم قال‪ْ :‬‬
‫إذن َمن هو؟ قال‪:‬‬ ‫البخاري‪ :‬أبو الزبير لم ِ‬
‫يرو عن إبراهيم‪َّ .‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع‪ )213 /2( ،‬وسير أعالم النبالء‪.)366 /1( ،‬‬
‫(‪ )2‬سير أعالم النبالء‪)216 /1( ،‬؛ تذكرة الحفاظ‪.)123 /1( ،‬‬
‫)‪ (3‬التاريخ الكبير‪ ،‬للبخاري (‪.(126 /1‬‬
‫(‪ )6‬تاريخ بغداد (‪.)26/2‬‬
‫‪59‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ليس أبو الزبير عن إبراهيم‪ ،‬وإنما الزبير بن َعدي عن إبراهيم‪ .‬فراجع الشيخ‬
‫صدقت(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫درسه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وسن َِّة نب ِّي ِه‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫كان هؤالء األئمة هب ًة من ِّ‬
‫رب األرض والسماوات؛ لحفظ دينه‪ُ ،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أن الشافعي حفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين(‪.)2‬‬
‫تخيل َّ‬

‫والكالم عن حفظهم ال ينتهي‪ ،‬ولم يكتفوا فقط بالموهبة‪ ،‬بل عانوا‬


‫وجاهدوا حتى وصلوا لما وصلوا إليه‪.‬‬
‫شهرا‪.‬‬
‫كان الرجل منهم ُيسافر في ضبط صحة الحديث الواحد ً‬
‫رحل جابر بن عبد الله ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬الصحابي الجليل مسير َة ٍ‬
‫شهر إلى‬
‫ٍ‬
‫واحد(‪.)3‬‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫عبد الله بن ُأنيس في طلب‬
‫وأبو أيوب األنصاري ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬رحل من المدينة إلى مصر؛ ليسأل‬
‫ٍ‬
‫حديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فلما حدَّ ثه‪ ،‬ركب‬ ‫عقبة بن عامر عن‬
‫أبو أيوب راحلته وانصرف عائدً ا إلى المدينة‪ ،‬وما َّ‬
‫حل رحله‪.‬‬
‫األرض كلها في طلب العلم(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫وقال مكحول‪ُ :‬ط ُ‬
‫فت‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬تاريخ بغداد‪.)1 /2( ،‬‬
‫(‪ )2‬صفة الصفوة م‪ 1‬ص‪.636‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري م‪ 1‬ص‪.26‬‬
‫)‪ (6‬سير أعالم النبالء‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.112‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪60‬‬
‫ِ‬
‫رحلتين‪ :‬األولى عشرين عا ًما‪،‬‬ ‫بن َم ْخ َل ِد في طلب الحديث‬ ‫ِ‬
‫وسافر َبق ُّي ُ‬
‫والثانية أربعة عشر عا ًما‪ ،‬وقد مشى على قدمه ولم يركب دابة أرب ًعا وثالثين سنة‪.‬‬
‫سيرا على األقدام إلى بغداد‪ ،‬وتَن َّق َل بين بالد‬
‫فقد خرج من األندلس ً‬
‫المسلمين؛ لينقل الحديث‪ ،‬ويضبط الرواية‪.‬‬
‫جرحت وعدَّ لت نفسها مثل أمة اإلسالم‪ ،‬حيث جاءت‬ ‫ال تُعرف ُأمة َّ‬
‫وتك َّلمت عن نفسها‪ ،‬ونقدت نفسها‪ ،‬ون َّقحت نفسها‪.‬‬
‫فهذا ٍ‬
‫راو ثق ٌة‪ ،‬وهذا َّ‬
‫كذاب‪ ،‬وهذه رواية بال وزن‪ ،‬وهذه رواية متواترة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حرف من فم نبيها كما فعلت هذه األمة‪.‬‬ ‫جردت نفسها لكل‬
‫ال توجد أمة َّ‬
‫وسن ًة‪.‬‬
‫فقد ضبطت النقل وأتقنته‪ ،‬فحفظت شريعة ربها قرآنًا ُ‬
‫واإلسناد عند هذه األمة من الدين؛ ألن به حفظ الدين‪.‬‬
‫نَقل اإلمام مسلم عن عبد الله بن المبارك قوله‪" :‬اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال‬
‫اإلسناد لقال َمن شاء ما شاء"(‪.)1‬‬
‫خيرا وتجاوز عن خلفها‪ .‬آمين‬
‫فجزى الله سلف هذه األمة ً‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.21‬‬
‫‪61‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫السنة النبوية لـ ‪ 299‬سنة كاملة حتى جاء البخاري؟‬ ‫‪ -6‬هل َّ‬
‫تأخر تدوين ُّ‬

‫السنة النبوية بعد مائتي عام من وفاة النبي محمد صلى الله‬
‫هل تم تدوين ُّ‬
‫عليه وسلم؟‬
‫السنة شفاهية قرنين كاملين من الزمان وبعد ذلك تم تدوينُها؟‬
‫هل ظلت ُّ‬
‫ج‪ :‬أتخ َّيل لو َّ‬
‫أن طارح مثل هذه الشبهة ذهب لمجلس اإلمام البخاري الذي‬
‫كان يحضره عشرون أل ًفا من عباقرة هذا العلم‪ ،‬ثم قال لإلمام‪ :‬كيف لك أن تجمع‬
‫األحاديث بعد مائتي عام من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫ربما ألصبح هذا الحدث أشهر خبر من أخبار الحمقى والمغفلين على مر‬
‫العصور‪.‬‬
‫إن المتقدمين ما تركوا شبهة إال وب َّينوها للناس‪.‬‬
‫تعرض لهذه الشبهة ‪-‬شبهة ُّ‬
‫تأخر كتابة‬ ‫وال أعرف أحدً ا من المتقدمين َّ‬
‫الحديث النبوي مائتي سنة‪َّ -‬‬
‫ألن هذه ليست شبهة‪ ،‬بل هي دليل جهل شديد‬
‫باإلسالم‪.‬‬
‫فالسنة كانت مكتوبة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وكتاب الصدقات والدِّ يات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم‪ ،‬هو كتاب‬
‫تمت كتابته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم(‪.)1‬‬
‫أحاديث نبوية َّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول ال َّل ِه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْيه َو َس َّل َم إ َلى َأ ْه ِل ا ْل َي َم ِن بِكت ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬و َب َع َث‬ ‫َاب فيه ا ْل َف َرائ ُض‪َ ،‬و ُّ‬
‫السنَ ُن‪َ ،‬والدِّ َي ُ‬ ‫َب َر ُس َ‬
‫)‪َ (1‬كت َ‬
‫بِ ِه ع َْم َرو ْب َن َحزْ مٍ‪ .‬التلخيص الحبير‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.12‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪62‬‬
‫أيضا كتاب أحاديث نبوية مكتوب‬
‫وكتاب عبد الله بن عمرو بن العاص هو ً‬
‫في عصر النبوة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومجموع أحاديث هذا‬
‫سميه عبد الله بن عمرو بـ‪" :‬الصحيفة الصادقة"‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫الكتاب ألف حديث‪ ،‬وكان ُي ِّ‬
‫وهذا الكتاب انتقل إلى حفيده عمرو بن شعيب‪ ،‬وروى اإلمام أحمد في مسنده‬
‫بعضا منه‪ ،‬وتنا َق َله أوال ُده وذر َّيتُه‬
‫كبيرا منه؛ وروى كذلك البخاري ومسلم ً‬ ‫ُجز ًءا ً‬
‫والتداول والنَّ ْقل عبر الزمن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والحفظ‬ ‫من بعده‪ ،‬ونال الرعاية‬
‫ُ‬
‫وكتاب أنس بن مالك األنصاري ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كُتب في زمن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وكتاب سعد بن ُعبادة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كتب في زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وكتاب اإلمام علي‪ ،‬وما كُتب عام فتح مكة بأمر من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ألبي شاه اليمني(‪.)1‬‬
‫كتب أحاديث كثيرة كُتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم(‪.)2‬‬
‫فهناك كما قلت اثنان وخمسون صحاب ًّيا من ُكتَّاب الحديث النبوي زمن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثم جاء التابعون ونقلوا عنهم ما كتبوا‪ ،‬ونقوا عنهم ما حفظوا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.2636 :‬‬
‫)‪ (2‬دراسات في الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )26‬وما بعده‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فأبو هريرة رضي الله وحده نقل عنه ثمانمائة تابعي‪ ،‬وبعضهم ينقل‬
‫األحاديث شفاه ًة والبعض اآلخر كتاب ًة‪.‬‬
‫وقد كان في جيل التابعين تالميذ الصحابة المئات من كُتاب الحديث‬
‫النبوي‪ ،‬ومن أشهرهم همام بن ُمن ِّبه‪ ،‬صاحب الصحيفة التي وصلتنا كامل ًة‪،‬‬
‫فكتاب همام بن ُمن ِّبه وصلنا ً‬
‫كامال‪ ،‬وهذا الكتاب كتاب أحاديث نبوية كُتب في‬
‫السنوات التالية مباشر ًة لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فهناك الكثير من ُكتَّاب الحديث من التابعين‪.‬‬
‫وكان يكتب عن جابر بن عبد الله الصحابي الجليل أربعة عشر تابع ًّيا‪.‬‬
‫وكان يكتب عن ابن عباس تسعة من التابعين‪ ،‬وكانت كتب ابن عباس َو ْق َر‬
‫َب ِع ٍير‪.‬‬
‫وبالمناسبة‪ :‬همام بن ُمن ِّبه صاحب الصحيفة الشهيرة‪ ،‬هذه الصحيفة ما‬
‫زالت بين أيدينا حتى الساعة‪ ،‬ومنها نسخة في مكتبة دمشق‪ ،‬ونسخة أخرى في‬
‫مكتبة برلين‪.‬‬
‫ونُقلت الصحيفة كاملة في مسند اإلمام أحمد‪.‬‬
‫وصحيفة تعني‪ :‬كتاب‪.‬‬
‫السنة في عهد التابعين ‪ 212‬تابع ًّيا(‪.)1‬‬
‫كان عدد كُتاب ُّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬دراسات في الحديث النبوي‪ ،‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬صفحة (‪ )26‬وما بعده‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪64‬‬
‫فكتابة الحديث بدأت منذ عصر الرسالة‪ ،‬وكَتب الصحاب ُة األحاديث النبوية‪،‬‬
‫وكَتب التابعون األحاديث النبوية‪.‬‬
‫ومن أشهر تالميذ ابن عباس من التابعين‪ :‬سعيد بن جبير‪ ،‬ومجاهد بن جبر‪،‬‬
‫حديث فأصبحت عندنا‪ :‬صحيفة سعيد بن جبير‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهما‬ ‫وكان لكل‬
‫ُ‬
‫وصحيفة مجاهد بن جبر‪.‬‬
‫وأضبط تالميذ‬
‫أيضا أبو الزبير محمد بن مسلم المكي أحد أشهر ْ‬ ‫ِ‬
‫ونشط ً‬
‫جابر بن عبد الله‪ ،‬فكتب عنه صحيف ًة ُع ِر َفت باسمه‪ ،‬وعندنا صحيفة أيوب‬
‫الس ْختيانِي‪ ،‬وصحيفة عروة بن الزبير‪ ،‬وصحيفة خالد بن َم ْعدان‪ ،‬وصحيفة أبي‬
‫َّ‬
‫ِقالبة‪ ،‬وصحيفة الحسن البصري‪ ،‬كل هؤالء تالميذ الصحابة كتبوا األحاديث‬
‫النبوية‪.‬‬
‫فالكتابة للحديث النبوي متصلة وموجودة منذ عهد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫لكن يا تُرى‪َ :‬من أول َمن فكَّر في جمع كل األحاديث النبوية في‬
‫ٍ‬
‫واحد؟‬
‫ُسمى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كتاب واحد والتي ت َّ‬ ‫والجواب‪ :‬فكرة جمع كل األحاديث النبوية في‬
‫بالتدوين‪ ،‬كانت في ِذهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬فقد فكَّر في جمع‬
‫تم جمع القرآن‪ ،‬واستشار كبار الصحابة في ذلك فوافقوه على‬
‫األحاديث كما َّ‬
‫بالسنة؛ ألن‬
‫ذلك‪ ،‬لكنه تراجع حتى يتمكَّن القرآن في قلوب الناس‪ ،‬وال يختلط ُّ‬
‫‪65‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫عهد الناس بالقرآن حديث جدًّ ا‪ ،‬فأغلب المسلمين على وجه األرض في ذاك‬
‫الوقت لم يسلموا إال قري ًبا‪.‬‬
‫فقرر عمر أن يتأنَّى بالناس حتى يتمكَّن القرآن من قلوبهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫والسنة محفوظة ومنقولة ومكتوبة فال خوف عليها‪ ،‬لكن لو ُجمعت في‬
‫ُّ‬
‫ووزعت على األمصار بالتوازي مع القرآن لزاحمت القرآن‪ ،‬ولم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كتاب واحد‪ُّ ،‬‬
‫ُيؤ َمن أن تلتبس به‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫السنة في‬
‫فأجل عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬فكرة تدوين ُّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫وظل األمر على ذلك إلى أن أتى زمن تلميذ عمر بن الخطاب‪ :‬كثير بن ُم َّرة‪،‬‬
‫وقد أدرك كثير بن ُم َّرة سبعين َبدْ ر ًّيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬
‫تلميذ معاذ بن جبل‪ ،‬وتميم الداري‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وعوف بن مالك‪،‬‬ ‫أيضا‬
‫ً‬
‫وأبي الدرداء‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وعقبة بن عامر‪ ،‬وعدد كبير من كبار الصحابة فقد‬
‫تتلمذ على أيديهم جمي ًعا‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬فقام هو بجمع أحاديث النبي‬
‫ففي زمن كثير بن ُم َّرة بدأ مشروع تدوين ُّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومشروع كثير بن مرة كان مشرو ًعا عمال ًقا‪ ،‬وجاء بأمر من التابعي الجليل‪:‬‬
‫حاكما على مصر طيلة ‪ 29‬سنة‪.‬‬
‫ً‬ ‫عبد العزيز بن مروان‪ ،‬والذي كان‬
‫وبعد عبد العزيز بن مروان جاء ابنه‪ :‬عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد‪،‬‬
‫والذي أمر أبا بكر بن حزم‪ ،‬وابن ِشهاب ُّ‬
‫الزهري بيكمال مشروع كثير بن ُم َّرة‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪66‬‬
‫ْ‬
‫إذن فتدوين الحديث كان في مرحلة مبكرة جدًّ ا‪.‬‬
‫فصلنا‪،‬‬
‫أما كتابة الحديث فكانت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما َّ‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بكتابتها بين يديه‪ ،‬وقال‪ :‬ا ْك ُت ُبوا ألبِي َش ٍاه(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫بن َع ِ‬
‫مرو ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة‪ ،‬قال له النبي صلى‬ ‫العاص عن كتابة ُّ‬ ‫بن‬ ‫ولما تو َّقف عبدُ الله ُ‬
‫حق(‪.)2‬‬‫بيد ِه‪ ،‬ما َي ْخ ُر ُج منه َّإال ٌّ‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬اكتُب؛ فوا َّلذي ن ْفسي ِ‬
‫ْ‬
‫وكان أبو هريرة يخصص ثلث الليل؛ ليحفظ أحاديث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫فالسنة كانت تُكتب وتُحفظ بين يديه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أي‬
‫وفي الحديث الصحيح عندما ُسئل عبدُ الله ب ُن عمرو بن العاص‪ُّ :‬‬
‫أوال القسطنطينية أو رومية؟ َفدَ َعا َع ْبدُ ال َّل ِه بِ ُصنْدُ ٍ‬
‫وق َل ُه َح َل ٌق َق َال‪:‬‬ ‫المدينتين تُفتح ً‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‬
‫َف َأ ْخر َج ِمنْ ُه ِكتَا ًبا‪َ ،‬ف َق َال َع ْبدُ ال َّل ِه‪َ :‬ب ْينَما ن َْح ُن َح ْو َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ :‬أ ُّي ا ْل َم ِدينَ َت ْي ِن ُت ْفت َُح َأ َّو ًال‬
‫ُب‪ ،‬إِ ْذ ُس ِئ َل َر ُس ُ‬ ‫َن ْكت ُ‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ :‬م ِدينَ ُة ِه َر ْق َل ُت ْفت َُح‬
‫وم َّي ُة؟ َف َق َال َر ُس ُ‬‫ُقس َطنْطِينِي ُة َأو ر ِ‬
‫َّ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫َأ َّو ًال َي ْعنِي‪ُ :‬ق ْس َطن ِْطينِ َّي َة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.3666 :‬‬
‫‪67‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى‬
‫وانظر لقول عبد الله بن عمرو بن العاص‪َ :‬ب ْينَما ن َْح ُن َح ْو َل رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ُب‪ ،‬فقضية أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتبون‬ ‫ال َّل ُه َع َل ْيه َو َس َّل َم َن ْكت ُ‬
‫األحاديث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قضية بديهية‪.‬‬
‫السنة بعد وفاة النبي صلى الله‬ ‫ِ‬
‫لكن هنا قد يقول قائل‪ :‬ما أجمل لو ُد ِّونَت ُّ‬
‫عليه وسلم مباشرةً!‬
‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫السنة من أول يوم في‬
‫والجواب‪ :‬بعض الناس ربما يتخ َّيل لو ُدونت ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد النقطعت ألسنة المغرضين من نفاة السنة‪.‬‬
‫الحجية‪ ،‬وال يتو َّقف‬
‫وهذا كالم غير صحيح؛ ألن الكتابة ليست من لوازم ُ‬
‫عندها صيانة الحجة‪،‬‬
‫بل َّ‬
‫إن الكتابة ال تفيد القطع عند العرب كما يفيد الحفظ!‬
‫ونحن ما عرفنا الشعر الجاهلي إال بالحفظ‪.‬‬
‫ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة كيفية الصالة أو أوقاتِها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وكلمة‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫ولو كانت الكتابة من لوازم الحجية ألمر بكتابة كيفية الصالة بكل‬
‫ِ‬
‫وذ ٍ‬
‫كر‪.‬‬
‫أيضا حجية القرآن ليست في أنه كُتِب‪.‬‬
‫ً‬
‫فالناس حتى الساعة يتل َّقون القرآن بالسماع‪.‬‬
‫صوتي‪ ،‬وليس كتا ًبا ورق ًّيا‪ ،‬فكل حرف في القرآن نُقلت طريقة‬
‫ٌّ‬ ‫فالقرآن كتاب‬
‫فاه من فم النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنت تأخذ القرآن من فم‬ ‫نطق ِه نقل ِش ٍ‬
‫ِ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪68‬‬
‫شيخك‪ ،‬وال تستطيع أن تحصل على إجازة في القرآن دون النقل ِّ‬
‫الشفاهي لكل‬
‫ً‬
‫وصوال إلى النبي‬ ‫حرف فيه‪ ،‬وشيخك حصل على اإلجازة من فم شيخه‪ ،‬وهكذا‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تتم طباعة المصحف حتى الساعة في أية دولة إسالمية إال بعد أن يقوم‬
‫وال ُّ‬
‫بمراجعته ُ‬
‫أهل األسانيد‪ ،‬ممن تل َّقو ُه نقل ِّ‬
‫الشفاه من فم النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إذن حجية القرآن في نقل الشفاه‪ ،‬وليست في أنه ُد ِّو َن‪.‬‬
‫مصحفي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ولذلك عندنا مقولة‪ :‬ال يؤخذ القرآن من‬
‫فالقرآن يؤخذ ممن يتل َّقاه مشافه ًة في سالسل من زمن النبي صلى الله عليه‬
‫ِ‬
‫عصرنا هذا‪.‬‬ ‫وسلم إلى‬
‫فاالعتمـاد فـي نقـل القـرآن علـى حفـظ القلـوب‪ ،‬ال علـى حفـظ‬
‫المصـاحف(‪.)1‬‬
‫فالقرآن في األصل كتاب صوتي‪ ،‬وكذلك الحديث رواية صوتية‪.‬‬
‫الحديث منقول بالسماع عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل طبقة‪.‬‬
‫دونة ومحفوظة‬
‫السنة ُم َّ‬
‫دون ومحفوظ في الصدور‪ ،‬كذلك ُّ‬ ‫وكما َّ‬
‫أن القرآن ُم َّ‬
‫في الصدور‪.‬‬
‫وحجية حفظ الصدور هي األساس في نقل القرآن والحديث‪ ،‬وليس مجرد‬
‫التدوين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬النشر في القراءات العشر ج‪ 1‬ص‪.6‬‬
‫‪69‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ولذلك لما ُد ِّون القرآن زمن عثمان ابن عفان رضي الله عنه‪ ،‬لم يكن عندنا‬
‫سوى ست نسخ من القرآن في كل األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫نسخة المصحف اإلمام عند عثمان‪ ،‬ونسخة لليمن‪ ،‬ونسخة للشام‪ ،‬ونسخة‬
‫للعراق‪ ،‬ونسخة لمصر‪ ،‬ونسخة لمكة‪.‬‬
‫والناس يتناقلون القرآن سما ًعا‪ ،‬وظل نقل القرآن السماعي عبر القرون‬
‫وحتى يومنا هذا‪ ،‬وسيبقى هكذا إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫األمر نفسه بالنسبة للحديث‪ ،‬فقد كُتِب الحديث في عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لكنه في األساس نُقل بالسند الصحيح المتصل ن ْقل صدور ون ْقل‬
‫شفاه‪.‬‬
‫تأت ِمن تدوينه‪ ،‬وإنما حجية القرآن من حفظه في‬
‫إذن فحجية القرآن لم ِ‬
‫ْ‬
‫السنة‪.‬‬
‫مر العصور‪ ،‬كذلك ُّ‬
‫الصدور‪ ،‬ونقله على ِّ‬
‫لكن لماذا ال تُثبِت الكتاب ُة حجي َة النقل؟‬
‫حديث مسموع مع مكتوب‪َ ،‬أخذ ُ‬
‫أهل العلم‬ ‫ٌ‬ ‫تعار َض‬
‫والجواب‪ :‬إذا َ‬
‫بالمسموع‪.‬‬
‫تطرق التصحيف والغلط(‪.)1‬‬
‫قال اآلمدي‪ :‬رواية السماع ْأولى ل ُبعدها عن ُّ‬
‫فالنقل المتقن الضابط العدل أقوى وأعلى حجية من الكتابة؛ ألن النقل‬
‫الصوتي أبعدُ عن التصحيف والغلط‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم إبراهيم‪ ،‬ص‪.556‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪70‬‬
‫ُ‬
‫وأضبط لمقصود ما يقول‪،‬‬ ‫أتقن لما يقول‪ ،‬وأعرف لمعنى ما يقول‪،‬‬
‫فالحافظ ُ‬
‫خاص ًة من قو ٍم ُعرفوا بقوة الحفظ‪ ،‬ونَقلوا تاريخهم بقوة الحفظ‪ ،‬فاعتما ُدهم على‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ذاكرتهم هو أساس الحجية‪.‬‬
‫ُب ينسى‪ ،‬فيأتي‬
‫ومشكلة الكتابة أنها ال تنضبط بها الذاكرة؛ ألن الذي يكت ُ‬
‫إن عدم ضبط المكتوب قد ُيغير المعنى بالكلية‬ ‫تطرق الخطأ‪ ،‬ثم َّ‬
‫احتمال ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد من الحديث‪ ،‬بينما الذي يقرأ من حفظه ُي َو ِّلد‬ ‫ٍ‬
‫حرف‬ ‫ٍ‬
‫واحد في‬ ‫ٍ‬
‫بتصحيف‬
‫عندك اطمئنانًا عجي ًبا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تخيل عندما ُيستفتى ُمفت في مسألة شرعية‪ ،‬فيجيب باألد َّلة من ُّ‬
‫السنة من‬
‫حفظه‪ ،‬أليس هذا أو َث َق عندك‪ ،‬وأك َث َر طمأنينة لفؤادك ممن ينقل لك الفتيا من‬
‫الكتب؟‬
‫فالحفظ يزيد اطمئنانك لمعرفة الحافظ بداللة الحديث ومعناه وفقهه‪.‬‬
‫والحفظ سج َّي ُة العرب فلم يكن بالشيء المرهق لهم‪ ،‬فهم يحفظون‬
‫شعر‪ ،‬كذلك القرآن ِبقي في عهد النبوة‬
‫ُمع َّلقاتهم‪ ،‬وكان منهم َمن يحفظ ألف بيت ٍ‬
‫محفو ًظا في الصدور‪.‬‬
‫واعتمدوا في نقل المعرفة على حفظ الصدور‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه‬
‫ٍ‬
‫بكتاب وإنما‬ ‫وسلم ي ِ‬
‫رسل َمن ُيع ّلم الناس دينهم‪ ،‬ويحكم بينهم‪ ،‬ويقضي بينهم‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬
‫بحفظ الصدور وفقه القلوب‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫والجو الهادئ‪ ،‬وق َّلة‬
‫ُّ‬ ‫العرب على قوة الحفظ بساط ُة المعيشة‪،‬‬
‫َ‬ ‫وساعد‬
‫وسعة الخبرة باللسان العربي‪.‬‬
‫الشواغل‪ ،‬وحدَّ ة الذكاء‪َ ،‬‬
‫وكانوا مطبوعين على الحفظ‪ ،‬فابن عباس َح ِفظ قصيدة عمرو بن أبي ربيعة‬
‫الز ْهري َّ‬
‫والشعبي‪ ،‬حتى يقول‬ ‫مرة سمعها‪ ،‬وكان كذلك ُّ‬ ‫من ‪ 11‬بيتًا من أول ٍ‬

‫الزهري‪ :‬ما دخل ُأذني شي ٌء نسي ُت ُه‪.‬‬


‫أيس ُر على العرب‪ ،‬وهو أسلم بكثير وأضبط‪ ،‬والحفظ ال يكون إال‬
‫فالحفظ َ‬
‫بالفهم وإدراك المعنى والتح ُّقق منه‪.‬‬
‫لذلك و َّلد حفظ ُسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصدور « َم َلكَة الفقه‬
‫العجيبة«» التي ظهرت في سلف هذه األمة‪ ،‬وفي كل َمن يعتني بالحفظ في كل‬
‫ٍ‬
‫زمن‪.‬‬
‫مصدر ُه‬
‫ُ‬ ‫والسنة‬
‫فهذا الميراث الفقهي المدهش الذي تم استنباطه من القرآن ُّ‬
‫حفظ الصدور‪ ،‬وإتقان المعنى‪.‬‬
‫فالحفظ و َّلد الفقه‪.‬‬
‫فتجد أحدَ هم يسترسل في ضبط األحكام الشرعية‪ ،‬وكأن مكتبة ضخمة‬
‫ينه ُل منها ما يريد في أي لحظة‪.‬‬
‫مفتوحة أمامه َ‬
‫ٍ‬
‫لكتب‪.‬‬ ‫وتجد ابن القيم يكتب زاد المعاد ً‬
‫كامال في أحد أسفاره دون العودة‬
‫كتاب "المبسوط"‬ ‫بئر‬ ‫ويملي السر ِ‬
‫خس ُّي على تالميذه وهو محبوس في ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫وهو موسوعة ضخمة من خمسة عشر مجلدً ا‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪72‬‬
‫وشرحه وقع في‬
‫صحيح مسلم" وهو على ظهر سفينة‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫القرطبي "‬
‫ُّ‬ ‫وشرح‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫تعليق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مراجعة‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫مطالعة‪ ،‬وال‬ ‫خمسة عشر مجلدً ا إمال ًء من خاطره من غير‬
‫فالحفظ و َّلد هذه الم َلكة العجيبة عند هذه األمة‪.‬‬
‫أما َمن يعتمد فقط على الكتابة فقد ال يفق ُه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كثيرة‪ ،‬فال بد أن يحمل‬ ‫ٍ‬
‫بشروط‬ ‫لذلك لم يكن العرب يثقون بالكتابة إال‬
‫تما حتى يوثق بأن كاتبه هو فالن‪.‬‬ ‫المكتوب سندً ا َ‬
‫وخ ً‬
‫التصحيف‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقد يقع في الكتابة‬
‫السنة ‪-‬جمع كل‬ ‫تم تدوين ُّ‬
‫فلن تُقدِّ م لنا الكتابة شي ًئا إضاف ًّيا لألمة لو َّ‬
‫األمر فرص َة توليد هذه‬
‫فوت هذا ُ‬‫األحاديث في مكان واحد‪ -‬من أول يوم‪ ،‬بل قد ُي ّ‬
‫الملكات الفقهية العجيبة التي و َّلدها الحفظ‪.‬‬
‫إشكاالت وقوع الظن في معنى ما كُتب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ولربما حصلت مع الكتابة‬
‫ٍ‬
‫واحد؛ فتؤدي لتغيير‬ ‫ٍ‬
‫حرف‬ ‫وإشكاالت التصحيف‪ ،‬فربما تتغ َّير نقطة واحدة على‬
‫معنى الحديث بالكلية‪.‬‬
‫ومن اعتمد على الكتابة تض ُعف ملكة الحفظ عنده‪ ،‬وبالتالي ينسى المعنى‬
‫المقصود‪ ،‬وينسى َض ْبط ما كَتب‪.‬‬
‫ِ‬
‫فمن رحمة الله بهذه األمة أن قدَّ ر لها أن تحفظ ُسنة نبيها حفظ صدور‪ ،‬كما‬
‫حفظت القرآن حفظ صدور فتو َّلد هذا الفقه العظيم لدين الله عند السلف‪.‬‬
‫وهذا من عجيب حكمة الله وفضله على هذه األمة‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وسبحان الله حتى الفالسفة عبر التاريخ كانوا يستشعرون بعبء الكتابة‪،‬‬
‫ف ذهنه مع الوقت‪،‬‬ ‫وكانوا ُيؤكّدون َّ‬
‫أن الذي يعتمد على الكتابة دون الحفظ يض ُع ُ‬
‫ٍ‬
‫بشدة‪ ،‬ويؤكد أن الكتابة تؤدي لضياع‬ ‫من أجل ذلك كان أفالطون يهجو الكتابة‬
‫المعنى‪ ،‬وفتور النفس(‪.)1‬‬
‫السنة محفوظة بحفظ الله للقرآن‪ ،‬محفوظة إلى قيام الساعة‪،‬‬
‫وسوف تبقى ُّ‬
‫فهي بيان القرآن‪ ،‬والمصدر الثاني للتشريع باتفاق كل مسلم‪.‬‬
‫وال ُيخالف في كونها المصدر الثاني للتشريع‪ ،‬وبيان القرآن َّإال َم ْن ال َّ‬
‫حظ‬
‫له في دين اإلسالم‪ ،‬كما قال الشوكاني ‪-‬رحمه الله(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬إشكالية العقل العربي‪ ،‬جورج طرابيشي‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫)‪ (2‬إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصول‪ ،‬الشوكاني‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪74‬‬
‫‪ -1 ‬لماذا يهاجم دعاة حركة التنوير الصحابة؟‬

‫ج‪ :‬ألنهم ببساطة ال يجرؤون على القدح في اإلسالم‪.‬‬


‫فمن هي الحلقة التي لو هاجمها التنويري لما انتقده الناس‪ ،‬وفي الوقت‬
‫َ‬
‫نفسه سيسهل عليه بعدها الهجوم على اإلسالم؟‬
‫إنها حلقة الصحابة‪.‬‬
‫سيسه ُل عليه بعدها تأويل‬
‫ُ‬ ‫وبعد أن ُيسقط التنويري قيمة الصحابة من قلبك‪،‬‬
‫أي نص شرعي وف ًقا ألي ً‬
‫هوى‪.‬‬
‫وبهذا ُيبطل التنويريون أحكا َم الدين القطعية‪ ،‬وينكروا ما ُعلم من الدين‬
‫مخالف لما أجمعت عليه األمة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بالضرورة بكل بساطة‪ ،‬ولو ب َّينت لهم َّ‬
‫أن فهمهم‬
‫يهتموا بما تقول؛‬
‫ومناقض لظاهر وصريح النص الشرعي والمعني اللغوي‪ ،‬فلن ُّ‬
‫ٌ‬
‫ألنهم منذ قليل أسقطوا قدوة هذه األمة‪ ،‬أسقطوا الصحابة‪ ،‬أسقطوا أكثر الناس‬
‫شرعي وف ًقا ألي‬
‫ٍّ‬ ‫معرف ًة بمعاني التنزيل‪ ،‬فلن يوقفهم شيء عن تأويل أي ٍّ‬
‫نص‬
‫هوى‪ ،‬فالهجوم على الصحابة هو طريق سهل وذكي للهجوم على اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬
‫قال أبو ُزرعة الرازي‪" :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدً ا من أصحاب رسول‬
‫حق‪،‬‬
‫حق‪ ،‬والقرآن ٌّ‬
‫زنديق؛ ألن الرسول عندنا ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فاعلم أنه‬
‫أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإنما‬
‫ُ‬ ‫والسنة‬
‫وإنما أ َّدى إلينا هذا القرآن ُّ‬
‫والسنة"(‪.)1‬‬
‫جرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب ُّ‬
‫يريد القوم أن ُي ِّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.22‬‬
‫‪75‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فهم يعرفون جيدً ا َّ‬
‫أن الحائط في مواجهة التالعب في دين الله هم الصحابة؛‬
‫وأصلح فهم لمعاني التنزيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫ألن فهمهم‬
‫والسنة‪ ،‬وهم أعرف‬ ‫وش ِهدوا ُّ‬
‫تنزل القرآن ُّ‬ ‫فالصحابة أقرب الناس للرسالة‪َ ،‬‬
‫الناس بالعربية‪ ،‬وأ ْدرى الناس بمراد الشرع‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬أ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة ألُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬
‫ب‬
‫َأ ْص َحابِي َأتَى ُأ َّمتي ما ُيو َعدُ َ‬
‫ون»(‪.)1‬‬
‫والسنة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وأمان للفهم الصحيح للكتاب ُّ‬ ‫فالصحابة ٌ‬
‫أمان لهذه األمة‪،‬‬
‫ودعاة حركة التنوير يعرفون قدر الصحابة؛ لذلك هم يريدون أن ُيسقطوا‬
‫أمنة هذه األمة‪ ،‬يريدون أن ي ِ‬
‫سقطوا هذا الحائط؛ ليسهل عليهم بعد ذلك الهجوم‬ ‫ُ‬
‫والسنة كما يحبون‪.‬‬
‫على القرآن ُّ‬
‫لما سئل أبو عبد الرحمن النسائي صاحب "السنن الكبرى" عن معاوية‪،‬‬
‫قال‪" :‬اإلسالم دار لها باب‪ ،‬فباب اإلسالم الصحابة‪ ،‬فمن آذى الصحابة إنما أراد‬
‫اإلسالم"(‪.)2‬‬
‫فمن فقه النسائي َعلِم أن الهجوم على معاوية ُيراد به شي ٌء آخر‪.‬‬
‫فمن آذى الصحابة إنما أراد اإلسالم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الكفاية في علم الرواية‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2131 :‬‬
‫)‪ (2‬تهذيب الكمال‪ ،‬الحافظ المزي‪.335/1 ،‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪76‬‬
‫والسلف كانوا يعرفون َّ‬
‫أن مدخل من أراد الهجوم على اإلسالم هو‪:‬‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫لذلك قال البربهاري‪" :‬واعلم أن َمن تَناول أحدً ا من أصحاب محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم إنما أراد محمدً ا صلى الله عليه وسلم"(‪.)1‬‬
‫عظيم‪ ،‬وسبيلهم هو سبيل المؤمنين‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫فشأن الصحابة ٌ‬
‫شأن‬ ‫ُ‬
‫[ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ] {النساء‪.}001:‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َو َيتَّبِ ْع َغ ْي َر َسبِ ِ‬
‫يل ا ْل ُم ْؤمني َن‪َ :‬من اتبع غير سبيل المؤمنين من الصحابة َ‬
‫فمن بعدهم‪،‬‬
‫ضل سع ُي ُه‪.‬‬ ‫َّ‬

‫يجم ُع أمتي على ضًل َل ٍة‪ ،‬ويدُ‬


‫وقال صلى الله عليه وسلم‪« :‬إِ َّن الل َه تعالى ال َ‬
‫الله على الجما َع ِة»(‪.)2‬‬
‫ِ‬

‫فيجماع الصحابة معصوم‪ ،‬وسبيلهم هو النجاة‪ ،‬فهؤالء عاصروا النبوة‪،‬‬


‫ٍ‬
‫واسطة‪ ،‬وعاينوا النبي صلى الله عليه‬ ‫وأخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بال‬
‫وسلم في جميع أحواله‪ ،‬في حله وترحاله‪ ،‬فكان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ُمعلمهم‪.‬‬
‫ولذلك كانوا أصلح الناس قلو ًبا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح السنة‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.1262 :‬‬
‫‪77‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫قال ابن مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪« :‬فيِن َُّه ْم كَانُوا َأ َب َّر َه ِذ ِه ْاألُ َّم ِة ُق ُلو ًبا‪َ ،‬و َأ ْع َم َق َها‬
‫ِع ْل ًما‪َ ،‬و َأ َق َّل َها َت َك ُّل ًفا‪َ ،‬و َأ ْق َو َم َها َهدْ ًيا‪َ ،‬و َأ ْح َسن ََها َح ًاال‪ ،‬قوم اختارهم الله لصحبة نبيه‪،‬‬
‫وإقامة دينه‪ ،‬فاعرفوا لهم فضلهم‪ ،‬واتبعوا آثارهم؛ فينهم كانوا على الهدى‬
‫المستقيم»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫َأ ْع َم َق َها ع ْل ًما‪ :‬أكثر هذه األمة ً‬
‫فهما وإدراكًا‪ ،‬فهم كتبوا الوحي بأيديهم وقت‬
‫تنزله‪ ،‬وحضروا أسباب نزوله‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قال الشاطبي‪ :‬هم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها‪.‬‬
‫وقد زكَّاهم الله في كتابه فقال تعالى‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ] {التوبة‪.}011:‬‬
‫احتج العلماء بهذه اآلية على وجوب اتباع الصحابة‪ ،‬واستحقاقهم أن‬
‫َّ‬ ‫وقد‬
‫أئمة متبوعين ُيقتدى بهم‪ ،‬وتؤخذ أقوالهم‪.‬‬
‫يكونوا َّ‬
‫ار َوا َّل ِذي َن‬ ‫ون ِم َن ا ْلم َه ِ‬
‫اج ِري َن َواألَن َْص ِ‬ ‫ُ‬ ‫السابِ ُق َ‬
‫ون األَ َّو ُل َ‬ ‫ألن اآلية تقول‪َ :‬و َّ‬
‫تتضمن المدح لكل من اتبع الصحابة‪.‬‬ ‫ا َّتبعوهم بِيِحس ٍ‬
‫ان‪ .‬فاآلية‬
‫َّ‬ ‫َُ ُ ْ ْ َ‬
‫وقال تعالى‪[ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ] {آل عمران‪.}001:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬جامع بيان العلم وفضله‪.115 /2 ،‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪78‬‬
‫روى ابن جرير بسنده عن الضحاك‪ ،‬قال‪ُ :‬ه ْم أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪[ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ] {التوبة‪}89 ،88 :‬‬

‫وقال سبحانه‪[ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ] {الفتح‪.}08:‬‬
‫وجل‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬
‫عز َّ‬
‫وقال َّ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ] {الفتح‪.}19:‬‬
‫وقال سبحانه‪[ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ] {الحشر‪.}9: ،8‬‬

‫َوا َّل ِذي َن َت َب َّو ُءوا الدَّ َار‪ :‬المدينة المنورة‪.‬‬


‫تشربوا اإليمان في قلوبهم‪.‬‬ ‫يم َ‬
‫ان‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫َو ْ ِ‬
‫اإل َ‬
‫كل هذه تزكيات في كتاب الله لمجتمع الصحابة‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وانظر لهذا الخطاب اإللهي‪[ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ] {البقرة‪.}017:‬‬
‫من آمن ِمن الناس ِ‬
‫بمثل ما آمن به الصحابة فقد اهتدى‪.‬‬ ‫َ‬
‫التعرض لمجتمع‬ ‫ولذلك َّ‬
‫حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ التحذير من ُّ‬
‫وأسلم مجتمع في الدنيا بعد‬
‫ُ‬ ‫الصحابة‪ ،‬فهم أ ْطهر ْ‬
‫وأسمى وأنْقى وأصلح‬
‫األنبياء‪ ...‬مجتمع صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أصحابِي‪،‬‬ ‫أصحابِي‪ ،‬ال َت ُس ُّبوا ْ‬ ‫لذلك قال صلى الله عليه وسلم‪« :‬ال ت َُس ُّبوا ْ‬
‫أح ِد ِه ْم‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحدَ ك ُْم أ ْن َف َق م ْث َل ُأ ُحد َذ َه ًبا‪ ،‬ما أ ْد َر َك ُمدَّ َ‬ ‫َفوالذي َن ْف ِسي ب َي ِد ِه لو َّ‬
‫أن َ‬
‫ن َِصي َف ُه»(‪.)1‬‬
‫ِ ِ‬
‫ب َأ ْص َحابِي َأتَى‬‫وقال صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬أ ْص َحابِي َأ َم َن ٌة ألُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬
‫ون»(‪.)2‬‬ ‫ُأ َّمتي ما ُيو َعدُ َ‬
‫فذهاب الصحابة وذهاب َهدْ ي الصحابة هو إيذان بمجيء الفتن‪.‬‬
‫فعصر الصحابة هو أعظم عصور هذه األمة؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه‬
‫َّاس َق ْرنِي»(‪. )3‬‬
‫وسلم في الحديث المتفق على صحته‪َ « :‬خ ْي ُر الن ِ‬

‫فقرن الصحابة هو أفضل قرن في تاريخ هذه األمة في كل فضيلة وكل علم‬
‫وعمل وقصد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2169 :‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (3‬متفق عليه‪ ....‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...6615 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2133 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪80‬‬
‫لسان صدق ِمن‬
‫َ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ُّ « :‬‬
‫وكل َمن له‬
‫بأن خير هذه األمة هم الصحابة»(‪.)1‬‬
‫معترف َّ‬
‫ٌ‬ ‫دين‬ ‫ٍ‬
‫مشهور بعل ٍم أو ٍ‬

‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫التمسك بما كان عليه‬
‫ُّ‬ ‫السن َِّة عندنا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أصول ُّ‬ ‫وقال اإلمام أحمد‪« :‬‬
‫ر ِ‬
‫سول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واالقتدا ُء بهم»(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫أقرب‬
‫ُ‬ ‫ومذهب اإلمام مالك يقوم على ترجيح عمل أهل المدينة؛ ألنهم‬
‫والسنة‪.‬‬
‫الناس لتطبيق القرآن ُّ‬
‫فهذا قدْ ر الصحابة الذي ال بد أن ُينزلهم إياه كل مسلم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دين‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪َ « :‬ف َع َل ْيك ُْم بِ ُسنَّتي َو ُسنَّة الخُ َلفاء َّ‬
‫الراش َ‬
‫َّواج ِذ»(‪.)3‬‬
‫ين‪َ ،‬ع ُّضوا عليها بالن ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْهد ِّي َ‬
‫َ‬
‫فما اجتهد فيه الخلفاء الراشدون من الصحابة كان ُح َّج ًة بشهادة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تفترق ُأ َّمتي على ثًلث وس َ‬
‫بعين‬ ‫قول النبي صلى الله عليه وسلم‪ُ « :‬‬ ‫ويكفيك ُ‬
‫قال‪ :‬ما َأنا ع َل ِ‬
‫يه‬ ‫رسول ال َّل ِه؟ َ‬
‫َ‬ ‫َّار َّإال م َّل ًة ِ‬
‫واحدةً‪ ،‬قالوا‪َ :‬من ه َي يا‬ ‫م َّل ًة‪ ،‬ك ُّلهم في الن ِ‬

‫وأ ْصحابي»(‪.)6‬‬ ‫َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬شرح العقيدة األصفهانية‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫(‪ )2‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪.112 /1 ،‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود‪ ،‬ح‪ ،6691 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬ح‪.2661 :‬‬
‫‪81‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فالفرقة الناجية هي ما كان عليه عقيدة الصحابة‪ ،‬وفهم الصحابة‪ ،‬وفقه‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫فالواجب علينا أن نُحب صحاب َة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لثناء الله‬
‫عليهم‪ ،‬وإليمانهم به‪ ،‬ولتصديقهم بنبيه‪ ،‬ونصرتهم له‪ ،‬ولما نفعنا الله به من‬
‫جهادهم في سبيل نصرة هذا الدين ووصوله إلينا‪.‬‬
‫فنحن نحبهم‪ ،‬ونتبع َهديهم‪ ،‬وندافع عنهم‪ ،‬وال نقبل بموجة الهجوم عليهم‪،‬‬
‫الناس ح َّقهم‪.‬‬
‫ُعرف َ‬‫ون ِّ‬
‫الع ِ‬
‫باد؛‬ ‫قلوب ِ‬‫ِ‬ ‫إن الل َه ن َظ َر في‬
‫قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه‪َّ « :‬‬
‫باد‪ ،‬فاص َطفاه لن ْف ِس ِه‪،‬‬ ‫الع ِ‬
‫قلوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫خير‬ ‫ٍ‬
‫محمد ص َّلى الل ُه عليه وس َّل َم َ‬ ‫َّ‬ ‫قلب‬
‫َ‬ ‫فوجدَ‬
‫َ‬
‫قلوب أصحابِه‬ ‫فوجدَ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬
‫قلوب ِ‬
‫ِ‬ ‫فا ْبت َع َثه ِبرسالتِه‪ُ ،‬ث َّم ن َظ َر في‬
‫َ‬ ‫محمد؛ َ‬ ‫قلب َّ‬ ‫باد بعدَ‬
‫ِ‬ ‫َراء نب ِّيه‪ُ ،‬يقاتِ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫سلمون‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫لون على دينه‪ ،‬فما َرأى ُ‬ ‫قلوب العباد‪ ،‬فج َع َلهم ُوز َ‬ ‫خير‬
‫َ‬
‫رأوا سيئًا؛ فهو عندَ ِ‬
‫الله س ِّي ٌئ»(‪.)1‬‬ ‫سن‪ ،‬وما َ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َحسنًا؛ فهو عندَ الله َح ٌ‬
‫اس ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في مناظرته الشهيرة للخوارج‪« :‬أتي ُتك ُْم‬‫وقال اب ُن ع َّب ٍ‬
‫ِ‬
‫واألنصار‪،‬‬ ‫النبي ص َّلى الله عليه وعلى آله وسلم المهاجرين‬
‫أصحاب ِّ‬‫ِ‬ ‫من عند‬
‫وصهر ِه‪ ،‬وعليهم نزل‬
‫ِ‬ ‫النبي ص َّلى الله عليه وعلى آله وسلم‬
‫ِّ‬ ‫عم‬
‫ابن ِّ‬
‫ومن ِ‬
‫عند ِ‬
‫أعلم بتأويلِ ِه منكم»(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫القرآن‪ .‬فهم ُ‬
‫أعلم الناس بفقه هذا الدين‪.‬‬
‫فالصحابة هم ُ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ح‪ ،3699 :‬درجة الحديث‪ :‬حسن‪.‬‬
‫)‪ (2‬الصحيح المسند‪ ،‬ح‪.111 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪82‬‬
‫فاتباع الصحابة يقطع ما َّدة االبتداع في الدين؛ ألنك تتبع المنهج األول قبل‬
‫ظهور الفتن‪.‬‬
‫نحينا فقه الصحابة‪ ،‬ومنهج الصحابة‪ ،‬وفهم الصحابة‪ ،‬لتأول الناس‬
‫ولو َّ‬
‫القرآن بيخراجه عن معناه‪ ،‬وعن مراد الشرع‪.‬‬
‫ولذلك كان الهجوم على الصحابة هو مشروع التنويريين إلفساد دين‬
‫الناس‪.‬‬
‫ومن أجل هذا عدَّ العلما ُء الطع َن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عالم َة أهل البدع والنفاق‪ ،‬الذين يريدون إبطال الشريعة َ‬
‫بج ْرح رواتها ‪.‬‬
‫عن عبد الله ابن اإلمام أحمد قال‪« :‬سألت أبي عن الرجل شتم أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال‪ :‬ما أراه على اإلسًلم»(‪.)1‬‬
‫وقال اإلمام مالك‪« :‬من انتقص أحدً ا من أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫حق‪ ،‬قد قسم الله الفيء في ثالثة أصناف فقال‪:‬‬ ‫وسلم فليس له في هذا الفيء ٌّ‬
‫اج ِري َن‪ :‬وهذا هو الفيء األول‪.‬‬ ‫ل ِ ْل ُف َقر ِاء ا ْلم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ان ِمن َق ْبلِ ِه ْم‪ :‬هذا هو الفيء الثاني‪.‬‬ ‫يم َ‬ ‫َوا َّل ِذي َن َت َب َّو ُءوا الدَّ َار َو ْ ِ‬
‫اإل َ‬
‫إل ْخ َوانِنَا ا َّل ِذي َن َس َب ُقونَا‬
‫ون َر َّبنَا ا ْغ ِف ْر َلنَا َو ِ ِ‬
‫َوا َّل ِذي َن َجا ُءوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم َي ُقو ُل َ‬
‫اإليم ِ‬
‫ان‪ :‬وهذا هو الفيء الثالث»(‪.)2‬‬ ‫بِ ْ ِ َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬السنة‪ ،‬الخالل ‪.653/1‬‬
‫)‪ (2‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر ج‪ 1‬ص‪.23‬‬
‫‪83‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫والفيء الثالث هم أتباع منهج الصحابة‪.‬‬
‫رابع‪.‬‬
‫وال يوجد في ٌء ٌ‬
‫حق‪.‬‬
‫فمن لم يتبع منهج الصحابة فليس له في هذا الفيء ٌّ‬
‫والصحابة كلهم ُع ٌ‬
‫دول‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي‪ :‬الصحابة كلهم عدول‪َ ،‬من البس الفتن وغيرهم بيجماع‬
‫من ُيعتد به(‪.)1‬‬
‫وال يوجد أحد يطعن في عدالتهم إال و َيضعف إيمانه وتصديقه بالنصوص‬
‫بقدر ما يطعن في الصحابة‪.‬‬
‫قال ابن الصالح‪« :‬إن األُ َّمة ُمجمعة على تعديل جميع الصحابة‪ .‬ومن البس‬
‫الفتن منهم‪ :‬فكذلك؛ بيجماع العلماء الذين ُيعتد بهم في اإلجماع‪ ،‬إحسانًا للظن‬
‫تمهد لهم من المآثر‪ ،‬وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح اإلجماع‬‫ونظرا إلى ما َّ‬
‫ً‬ ‫بهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الشريعة»(‪.)2‬‬ ‫على ذلك؛ لكونهم نقل َة‬
‫تزالون بخَ ٍير ما دا َم فيكُم‬
‫َ‬ ‫وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬وال َّل ِه ال‬
‫صاح َبني»(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫وصاحب َمن‬
‫َ‬ ‫َمن رأى َمن رآني‪،‬‬
‫اللهم ارزقنا ح َّبهم ونُصرتهم آمين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬التقريب والتيسير‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫)‪ (2‬علوم الحديث‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫(‪ )3‬الصحيح المسند‪ ،‬ح‪.1213 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪84‬‬
‫‪ -2‬ما معنى حديث اآلحاد‪ ،‬وما الفرق بينه وبين الحديث المتواتر؟‬

‫ج‪ :‬حديث اآلحاد هو ُّ‬


‫كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عد ٌد‬
‫من الرواة في كل طبقة ال يصل إلى حد التواتر‪.‬‬
‫صحابي واحدٌ إلى عشرة‬
‫ٌّ‬ ‫أن حدي ًثا عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه‬
‫فلو َّ‬
‫سمى حديث آحاد‪.‬‬
‫من التابعين‪ ،‬ثم انتشر بين الناس‪ ،‬فهذا ُي َّ‬
‫سمى‬ ‫ِ‬
‫والحديث الذي رواه صحاب َّيان إلى مائة تابعي‪ ،‬ثم انتشر بين الناس‪ُ ،‬ي َّ‬
‫أيضا‪ :‬حديث آحاد‪.‬‬
‫ً‬

‫والحديث الذي يرويه ثالث ٌة من الصحابة إلى مئات التابعين‪ُ ،‬ي َّ‬
‫سمى حديث‬
‫آحاد‪.‬‬
‫ون ِمن لِ َسانِ ِه و َي ِد ِه»(‪.)1‬‬
‫فمثال حديث‪« :‬ا ْل ُم ْسلِ ُم َمن َسلِ َم ا ْل ُم ْسلِ ُم َ‬
‫ً‬

‫هذا حديث رواه ثالثة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدد‬
‫كبير من التابعين‪.‬‬
‫ومع ذلك اسمه‪ :‬حديث آحاد‪.‬‬
‫والحديث الذي رواه أربعة من الصحابة إلى مئات التابعين‪ ،‬اسمه‪ :‬حديث‬
‫آحاد‪.‬‬
‫كبير من الصحابة إلى جمع‬
‫جمع ٌ‬‫ٌ‬ ‫أما الحديث المتواتر فهو‪ :‬كل حديث رواه‬
‫كبير من التابعين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...19 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.69:‬‬
‫‪85‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫بحيث يكون هناك جمع كبير من الرواة في كل طبقة من السند‪ ،‬وهذا الذي‬
‫سمى بالمتواتر‪.‬‬
‫ُي َّ‬
‫والتفريق بين الحديث اآلحاد والحديث المتواتر هو تفريق اصطالحي‬
‫حديثي فقط‪.‬‬
‫فالسلف ال ُيفرقون بين متواتر وآحاد‪.‬‬
‫ُ‬
‫العمل‬ ‫صح الحديث‪ ،‬وث َبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب‬ ‫فطالما َّ‬
‫صح‬ ‫ِ‬
‫صحابي واحدٌ أو صحاب َّيان أو ثالثة أو أربعة أو عشرة‪ ،‬طالما َّ‬
‫ٌ‬ ‫به؛ سوا ًء رواه‬
‫ب العمل به في العقائد واألحكام والتشريعات‪.‬‬
‫الحديث َو َج َ‬
‫ومتواتر‪ ،‬هو تقسيم اصطالحي لطالب علم الحديث‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فهذا التقسيم‪ :‬آحا ٌد‬
‫عالم واحدٌ من علماء الحديث على َّ‬
‫أن‪ :‬الحديث آحا ًدا‬ ‫يشذ ٌ‬‫فالكل يتفق وال ُّ‬
‫صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به‪.‬‬
‫متواترا طالما َّ‬
‫ً‬ ‫كان أو‬
‫فالعبرة في األخير ِ‬
‫بصدق الخبر وصحته‪ ،‬وليس بعدد من أخبرك الخبر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يصح من أكثر من ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫يصح حديث من ٍ‬
‫مجهول‪.‬‬ ‫راو‬ ‫صادق َث ْبت‪ ،‬وال ُّ‬ ‫راو‬ ‫فقد ُّ‬
‫وسلِم الحديث من‬
‫فطالما اتصل السند‪ ،‬وث َبتت عدالة الراوي وضب ُط ُه‪َ ،‬‬
‫طريق أو ٍ‬
‫مائة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صحيحا‪ ،‬ووجب العمل به؛ سوا ًء جاء من‬ ‫الشذوذ والع َّلة صار‬
‫ً‬
‫شخص واحدٌ ثق ٌة صدوق‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الحكم؛ إذ لو أتاك‬
‫واآلحاد حجة عقلية في قبول ُ‬
‫خبرا رآه بعينه فهذا ُيو ِّلد عندك العلم الضروري‪ ،‬بينما لو أتاك أكثر من‬
‫ونقل لك ً‬
‫خبرا فقد ال يطمئن قل ُبك لما قالوا‪.‬‬
‫شخص مجهول ال تعرفهم وأخبروك ً‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪86‬‬
‫فالعبرة ليست بالعدد‪ ،‬وإنما بالخبر الصادق‪.‬‬
‫والشريعة تقوم على حجية خبر اآلحاد‪ ،‬وأنه ُي ِ‬
‫لزم بالعلم والعمل م ًعا‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ] {التوبة‪.}011:‬‬
‫ِمن ك ُِّل فِ ْر َق ٍة ِّمن ُْه ْم َط ِائ َف ٌة‪ :‬والطائفة تشمل ما دون المتواتر‪ ،‬وبها يقع العلم‬
‫والحجة‪.‬‬
‫ُ‬
‫رس ُل ُر ُس َل ُه آحا ًدا‪ ،‬و ُي ْر ِس ُل ُك ُت َب ُه مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫الم ْر َس ُل إليهم يقولون‪ :‬ال نقبله؛ ألنَّه خبر واحد‪.‬‬
‫اآلحاد‪ ،‬ولم يكن ُ‬
‫واألنبياء أتوا ُفرادى إلى أقوامهم‪.‬‬
‫سمع منَّا حدي ًثا فحف َظ ُه‬
‫َ‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬ن ََّض َر ال َّل ُه ً‬
‫امرأ‬
‫هو أف َق ُه منْ ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِ ٍ‬
‫حامل ف ْقه إلى َم ْن َ‬ ‫حتَّى ُيب ِّل َغ ُه َّ‬
‫فرب‬
‫وهذا الحديث ٌ‬
‫دليل على حجية خبر الواحد‪ ،‬فالواحد الثقة الضابط‬
‫للحديث حجة‪.‬‬
‫فالحديث يحمله الواحد‪ ،‬و ُيب ِّلغه الواحد‪ ،‬وتقوم الحجة بالواحد‪.‬‬
‫وحديث‪َ « :‬من َي ْأتِينَا بخَ َب ِر ال َق ْومِ؟ َف َ‬
‫قال ال ُّز َب ْي ُر‪ :‬أنَا»(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬ح‪.3669 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.6113 :‬‬
‫‪87‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وكان هذا يوم األحزاب‪ ،‬فهنا اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم خبر الزبير‪،‬‬
‫وهو خبر الواحد‪.‬‬
‫إن‬ ‫مل وهو ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫طالب على َج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بن أبي‬ ‫ِ‬
‫علي ُ‬
‫نحن بمنًى إذا ُّ‬
‫وحديث‪َ « :‬ب ْينَما ُ‬
‫صوم َّن‬ ‫وش ٍ‬‫إن هذه أ َّيا ُم ُط ْع ٍم ُ‬ ‫رسول ِ‬
‫الله ص َّلى الل ُه عليه وس َّل َم ُ‬ ‫َ‬
‫رب‪ ،‬فًل َي َ‬ ‫يقول‪َّ :‬‬
‫َّاس»(‪.)1‬‬‫سمع الن َ‬
‫فأ َ‬‫أحدٌ ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫الناس أ ْم َر علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ ،‬وهذا فيه حجية خبر‬
‫وهنا اتبع ُ‬
‫الواحد‪ ،‬وقيام العلم والعمل بخبره‪.‬‬
‫َ‬
‫المؤذن‪ ،‬وتعمل بخبره في أهم شعيرة في دينك‪ :‬الصالة‪.‬‬ ‫وأنت تُصدِّ ق‬
‫وهذا خبر آحاد‪.‬‬
‫واألد َّلة في هذا ال تُحصى‪.‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم كما ُق ُ‬
‫لت كان يرسل الواحد من صحابته في‬
‫تنفيذ أمره‪ ،‬أو إمارة الناس‪ ،‬نياب ًة عنه أو قبض الزكاة‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫فاألمة ِ‬
‫مجمع ٌة على قبول خبر الواحد والعمل بخبره‪.‬‬
‫إن‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫آت َف َ‬ ‫اء‪ ،‬إ ْذ جاءهم ٍ‬ ‫وانظر لحديث‪« :‬بينَما النَّاس في ص ًَل ِة الصبحِ ب ُقب ٍ‬
‫َ َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سول ال َّل ِه َص َّلى الل ُه عليه وس َّل َم قدْ ُأن ِْز َل عليه ال َّل ْي َل َة‪ ،‬وقدْ ُأ ِم َر ْ‬
‫أن َي ْس َت ْقبِ َل ال َك ْع َب َة‪،‬‬ ‫َر َ‬
‫الق ْب َل ِة»(‪.)2‬‬
‫الش ْأمِ‪َ ،‬فاستَدَ اروا إلى ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫وه ُه ْم إلى َّ‬
‫َت ُو ُج ُ‬ ‫اس َت ْقبِ ُل َ‬
‫وها‪ ،‬وكَان ْ‬ ‫َف ْ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬ح‪ ،226 :‬درجة الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...6656 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.126:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪88‬‬
‫فالصحابة عملوا بخبر الواحد واستداروا وهم في صالتهم‪.‬‬
‫فمتى جاء الثقة بالخبر‪ :‬حصل العلم‪ ،‬ووجب العمل‪.‬‬
‫ب ِمن َف ِضيخِ‬‫بن َك ْع ٍ‬‫وأ َب َّي َ‬ ‫أس ِقي أبا ُع َب ْيدَ ةَ‪َ ،‬‬
‫وأبا َط ْل َح َة‪ُ ،‬‬ ‫ْت ْ‬
‫وحديث أنس‪ُ « :‬كن ُ‬
‫ت‪َ ،‬‬
‫فقال أبو‬ ‫زَه ٍو وتَم ٍر‪( ،‬يشربون الخمر) َفجاءهم ٍ‬
‫آت َف َق َال‪َّ :‬‬
‫إن الخَ ْم َر قدْ ُح ِّر َم ْ‬ ‫َُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فأه َر ْقتُها»(‪.)1‬‬‫فأه ِر ْقها‪ْ ،‬‬
‫َط ْل َح َة‪ُ :‬ق ْم يا أن َُس ْ‬
‫جاءهم ٍ‬
‫آت‪ :‬شخص واحد ثقة حصل به العلم‪ ،‬وأهرقوا الخمر‪.‬‬ ‫َُ ْ‬
‫قال الشافعي‪ :‬خبر الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ُينتهى إليه‪،‬‬
‫و ُيفتى به‪ ،‬و َيقب ُل ُه كل أحد(‪.)2‬‬
‫وعلى العمل بخبر الواحد التابعون كافة‪ ،‬ولم ينكر أحدٌ ذلك‪ ،‬وال اعترض‬
‫عليه(‪.)3‬‬
‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬ما يرويه الواحد العدل يفيد العلم اليقيني عند جماهير‬
‫أمة محمد صلى الله عليه وسلم من األولين واآلخرين‪ ،‬والسلف لم يكن بينهم‬
‫في ذلك نزاع"(‪.)6‬‬
‫فلم يظهر التكلم في حجية خبر الواحد إال بين المبتدعة(‪.)1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...1122 :‬وصحيح مسلم‪.1529 ،‬‬
‫)‪ (2‬الرسالة للشافعي‪ ،‬ص‪.611‬‬
‫)‪ (3‬الكفاية في علم الرواية‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫)‪ (6‬مختصر الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن الموصلي‪ ،‬م‪ 2‬ص‪ 312‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (1‬فضل االعتزال‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪89‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فرقون بين الحديث المتواتر وبين خبر اآلحاد‪،‬‬‫السنة والجماعة ال ُي ِّ‬
‫وأهل ُّ‬
‫ٍ‬
‫سواء‪.‬‬ ‫ويحتجون بالمتواتر واآلحاد في العقائد واألحكام على حدٍّ‬
‫ُّ‬
‫قال ابن حزم ‪-‬رحمه الله‪َّ « :‬‬
‫فين جميع أهل اإلسالم كانوا على قبول خبر‬
‫الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم»(‪.)1‬‬
‫صح عن رسول الله صلى الله‬ ‫إن الخبر إذا َّ‬ ‫الس ْم َعاني ‪-‬رحمه الله‪َّ « :‬‬
‫وقال َّ‬
‫واألئ َّمة‪ ،‬وأسندَ ه َخ َل ُفهم عن َس َل ِفهم إلى رسول الله‬
‫ِ‬ ‫عليه وسلم ورواه ال ِّث ُ‬
‫قات‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتل َّقته األُمة بالقبول؛ فينه يوجب ِ‬
‫الع ْل َم‪ ،‬وأما من قال ال بد‬ ‫َّ‬
‫من طريق التواتر‪ ،‬فقائل ذلك يريد ر َّد األخبار»(‪.)2‬‬
‫فلم يظهر إنكار حجية خبر اآلحاد كما قلت إال بين المبتدعة وهدفهم من‬
‫هذا ر ُّد السنة‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل سائل‪ :‬لماذا يريد المبتدعة أن يهجروا السنَّة؟‬
‫والجواب‪ :‬ألنَّه إذا ُهجرت السنَّة وجد المبتدعة ميدانًا للكالم في نصوص‬
‫الشرع وتأويلها َو ْفق أهوائهم‪.‬‬
‫قاطع لمادة‬
‫ٌ‬ ‫صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا‬ ‫فالتسليم بكل ٍ‬
‫خبر َّ‬
‫وحاسم لكل من يريد العبث في دين الله‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫البدعة‪،‬‬
‫فالسنة تقمع البدعة‪.‬‬
‫ُّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬اإلحكام في أصول األحكام‪.192/1 ،‬‬
‫)‪ (2‬االنتصار ألصحاب الحديث‪ ،‬ص ‪.31-36‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪90‬‬
‫وال َيعرف أهل البدع َّ‬
‫أن التنكُّر ألخبار اآلحاد هو بدعة إضافية‪ ،‬فالتشكيك‬
‫في حجية خبر اآلحاد هو قول ُمبتدَ ع ُم ْحدَ ث‪ ،‬ال أصل له في الشريعة‪.‬‬
‫ث في َأم ِرنَا هذا ما ليس فِ ِ‬
‫يه‪،‬‬ ‫وفي الحديث المتفق على صحته‪َ « :‬من َأ ْحدَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َفهو َرد»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫ضًللة في‬ ‫وكل‬ ‫ٍ‬
‫بدعة ضًلل ٌة‪َّ ،‬‬ ‫فينكار حجية خبر اآلحاد بدعة‪ ،‬و « َّ‬
‫كل‬
‫ِ‬
‫النار»(‪.)2‬‬
‫فهذه بدعة إضافية عند المبتدعة‪.‬‬
‫لكن قد يقول قائل‪ :‬خبر اآلحاد يفيد الظن؛ لذلك ما نأخذ به في العقيدة‪.‬‬
‫الم ْر ُجوح‪ ،‬أو الظن الذي‬
‫والجواب‪ :‬الظن الذي ال ُيعتد به عقل ًّيا هو الظن َ‬
‫ال ُيفيد ِع ْل ًما‪.‬‬
‫وليست أحاديث اآلحاد من ذلك في شيء‪.‬‬
‫علما‪ ،‬ال ُيؤخذ به ال في األحكام وال‬
‫فهذا الظن المرجوح أو الذي ال يفيد ً‬
‫في العقائد‪ ،‬أما خبر الواحد الصحيح الثابت فهذا قرين اليقين‪ ،‬فأحاديث اآلحاد‬
‫ليست من الظن المرجوح‪ ،‬وإنما من الظن الذي هو قرين اليقين؛ ولذلك ورد في‬
‫القرآن التعبير عن اليقين بالظن من هذا النوع الذي هو قرين اليقين في قوله تعالى‪:‬‬
‫[ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ] {الحاقة‪.}11:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬متفق عليه‪ ...‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪ ...2615 :‬وصحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1112 :‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪ 261 :‬باختالف يسير‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وقوله تعالى‪[ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ] {التوبة‪.}008:‬‬
‫إذن فالقول باألخذ بخبر اآلحاد في باب األحكام وتركه في باب العقائد‪،‬‬
‫سقيم‪ ،‬ثم من أين لهم بهذا التقسيم؟‬
‫ٌ‬ ‫بدعي‬
‫ٌّ‬ ‫هو قول‬
‫أين الدليل الذي ُي ْعتَدُّ به على ت َْرك العمل بحديث اآلحاد في العقيدة؟‬
‫هل ث َبت ذلك بآية قرآنية أو حديث نبوي صحيح؟!‬
‫وهل ث َبت عن الصحابة رضي الله عنهم العمل بذلك أو التصريح به؟!‬
‫َ‬
‫أحاديث نبوية‪،‬‬ ‫وهل ثبت عن ٍ‬
‫أحد من الصحابة ر ُّد ما أخبره به أحدُ هم من‬ ‫َ‬
‫أمورا عقائدية؟‬
‫تتضمن ً‬
‫وهل فعل ذلك أحد من أئمة التابعين ومن بعدهم؟‬
‫الهدى َر َّد خبر الواحد الذي‬ ‫ٍ‬
‫ما من أحد من الصحابة أو التابعين‪ ،‬أو أئمة ُ‬
‫أمورا عقائدية؛ كانوا يتق َّبلون الخبر بال َقبول واليقين‪ ،‬طالما ث َبت ْت صحته‪.‬‬
‫يتضمن ً‬
‫َّ‬
‫وهذا ورد في نصوص كثيرة كأحاديث الرؤية ‪-‬رؤية الله يوم القيامة‪-‬‬
‫وتكليم الله‪ ،‬ونزوله في ثلث الليل األخير كل ليلة‪.‬‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم قال‪َ « :‬ب ِّلغُوا َعنِّي ولو آ َي ًة»(‪.)1‬‬
‫فمن الذي ُيبلغ اآلية؟‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.3661 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪92‬‬
‫ويحص ُل‬
‫ُ‬ ‫الم َب َّلغ‪،‬‬
‫الحجة على ُ‬
‫َّ‬ ‫شخص واحدٌ هو َمن يقوم بالتبليغ‪ ،‬وتقوم به‬
‫ٌ‬
‫أن العلم والحجة ال تقوم بيخبار المب ِّلغ الواحد‪ ،‬فهذا‬
‫للم َب َّلغ بذلك العلم‪ ،‬وا ّدعاء َّ‬
‫ُ‬
‫يعني أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ليس له معنًى‪.‬‬
‫فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لما أمر صلى الله عليه وسلم بذلك‪.‬‬
‫وقد أرسل صلى الله عليه وسلم عل ًّيا‪ ،‬ومعا ًذا‪ ،‬وأبا موسى ‪-‬رضي الله‬
‫عنهم‪ -‬في أوقات مختلفة إلى اليمن؛ ُيب ّل ُغون عنه؛ و ُيع ِّل ُمون الناس الدين‬
‫والعقيدة واألحكام‪.‬‬
‫دليل ِ‬
‫وهذا ٌ‬
‫أن العقيدة َت ْث ُبت بخبر الواحد‪ ،‬وتقوم به ُ‬
‫الح َّجة على‬ ‫قاط ٌع على َّ‬
‫بم ْف َر ِد ِه‪ ،‬وألرسل معه من‬ ‫ٍ‬
‫شخص ُ‬‫الناس‪ ،‬وإال ما اكتفى صلى الله عليه وسلم بِ‬
‫َيتواتر به النقل‪.‬‬
‫ولذلك السلف أجمعوا على َقبول أحاديث اآلحاد في العقائد‪ ،‬وإثبات‬
‫صفات الرب تعالى‪ ،‬واألمور الغيبية بخبر الواحد‪.‬‬
‫ثم ما الفرق بين تسليمك لخبر اآلحاد في األحكام‪ ،‬ورفضه في باب‬
‫العقائد؟‬
‫الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا هذا‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪« :‬وال يمتنع إثبات األسماء والصفات بحديث‬
‫اآلحاد؛ كما ال يمتنع إثبات األحكام الشرعية بها‪ ،‬فما الفرق بين باب الشرع وباب‬
‫حتج بها في أحدهما دون اآلخر‪ ،‬وهذا التفريق باطل بيجماع‬
‫الخبر‪ ،‬بحيث ُي ُّ‬
‫‪93‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫الخب ِري ِ‬
‫ات‪ ،‬كما تَحت ُّج بها في أبواب‬ ‫َحتج بهذه األحاديث في َ َ َّ‬
‫األمة‪ ،‬فينها لم ت ََزل ت ُّ‬
‫يحتجون‬
‫ُّ‬ ‫والسنة‬
‫الفقه‪ ،‬ولم يزل الصحابة‪ ،‬والتابعون‪ ،‬وتابعوهم‪ ،‬وأهل الحديث ُّ‬
‫بهذه األخبار في مسائل الصفات‪ ،‬والقدر‪ ،‬واألسماء‪ ،‬واألحكام‪ ،‬ولم ُينقل عن‬
‫أحد منهم ألبتة أنه َج َّوز االحتجاج بخبر اآلحاد في مسائل األحكام دون األخبار‬
‫عن الله وأسمائه وصفاته‪ ،‬فأين سلف المفرقين بين البابين؟»(‪.)1‬‬
‫وت َْر ُك العمل بأحاديث اآلحاد في العقائد هو تخطئ ٌة للسلف في اعتقادها‪،‬‬
‫واتخاذها دينًا‪ ،‬وتخطئ ٌة إلجماع األمة‪ ،‬ومخالف ٌة لسبيل المؤمنين‪ ،‬ويكفي بذلك‬
‫فتنة في الدين‪.‬‬
‫[ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ] {النساء‪.}001:‬‬
‫والسنة‪ ،‬وإجماع الصحابة وسلف األمة‪ُّ ،‬‬
‫تدل‬ ‫فاألد َّلة ال تُحصى من الكتاب ُّ‬
‫داللة قاطعة على وجوب األخذ بحديث اآلحاد في كل أبواب الشريعة‪ ،‬سوا ًء‬
‫التفريق بينهما فبدع ٌة أحدثها‬
‫ُ‬ ‫أكان في األمور االعتقادية أو األمور العملية‪ ،‬وأما‬
‫أهل األهواء من المبتدعة؛ ليردوا األدلة التي تنقض بدعهم‪ ،‬ولم ُينقل عن أحد‬
‫جوز االحتجاج بحديث اآلحاد في مسائل األحكام دون‬
‫من سلف هذه األمة أنه َّ‬
‫اإلخبار عن الله وأسمائه وصفاته‪ ،‬بل ال ُيعرف خالف في هذه المسألة عن أحد‬
‫ممن ُيعتدُّ به من أهل العلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ج ‪.612 / 2‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪94‬‬
‫قال اإلمام ابن عبد البر في كتابه التمهيد‪« :‬وك ُّلهم يدين بخبر الواحد العدل‬
‫في االعتقادات‪ ،‬ويعادي ويوالي عليها‪ ،‬ويجعلها شر ًعا ودينًا في معتقده‪ ،‬على‬
‫السنَّة»(‪.)1‬‬
‫ذلك جميع أهل ُ‬
‫وقال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪َ « :‬و َأ َّما ا ْل َم َقا ُم ال َّث ِام ُن‪َ :‬و ُه َو ان ِْع َقا ُد ْ ِ‬
‫اإل ْج َما ِع‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الر ِّب َت َعا َلى بِ َها‪َ ،‬ف َه َذا‬ ‫ا ْل َم ْع ُلو ِم ا ْل ُم َت َي َّق ِن َع َلى َق ُبول َهذه ْاألَ َحاديث َوإِ ْث َبات ص َفات َّ‬
‫الص َحا َب َة ُه ُم ا َّل ِذي َن َر َو ْوا َه َذ ِه‬ ‫ول‪َ ،‬فيِ َّن َّ‬ ‫َال َي ُش ُّك فِ ِيه م ْن َل ُه َأ َق ُّل ِخ ْبر ٍة بِا ْلمنْ ُق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َو َل ْم ُينْكِ ْر َها َأ َحدٌ ِمن ُْه ْم َع َلى َم ْن‬ ‫ض بِا ْل َق ُب ِ‬ ‫اها َب ْع ُض ُه ْم َع ْن َب ْع ٍ‬ ‫يث َو َت َل َّق َ‬
‫ْاألَح ِ‬
‫اد َ‬ ‫َ‬
‫آخ ِر ِه ْم‪َ ،‬و َم ْن َس ِم َع َها ِمن ُْه ْم‬ ‫رواها‪ُ ،‬ثم َت َل َّقاها َعنْهم ج ِميع التَّابِ ِعين ِمن َأول ِ ِهم إِ َلى ِ‬
‫َ ْ َّ ْ‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫اها َع ِن التَّابِ ِعي َن ك ََذل ِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اها بِا ْل َق ُب ِ‬
‫ول َوالت َّْصد ِيق َل ُه ْم‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْس َم ْع َها من ُْه ْم َت َل َّق َ‬ ‫َت َل َّق َ‬
‫ين َم َع التَّابِ ِعي َن»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوك ََذل َك تَابِ ُع التَّابِع َ‬
‫وفي الواقع‪ :‬فالقول بأن حديث اآلحاد ال تث ُب ُت به عقيدة‪ ،‬هو قول في حد‬
‫ذاته عقيدة‪ ،‬فما هو الدليل على صحته؟‬
‫فيما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول‪ ،‬وإال فهم‬
‫ُمتناقضون‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬التمهيد‪.2/1 ،‬‬
‫(‪)2‬مختصر الصواعق المرسلة‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫بدعي يخالف إجماع‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫وبنا ًء على ذلك‪َّ :‬‬
‫فين ر َّد خبر اآلحاد في العقائد‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو‪« :‬خرق إلجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع‬
‫التابعين‪ ،‬وإجماع أئمة اإلسالم»(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مختصر الصواعق المرسلة‪.369/2 ،‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪96‬‬
‫‪ -5‬ما هي اإلشكاالت العقلية التي تواجه منكري ُّ‬
‫السنة؟‬

‫السنة‪ ،‬وهي إشكاالت تُب ّين سخافة‬


‫ج‪ :‬هناك عدَّ ة إشكاالت تواجه منكري ُّ‬
‫ٍ‬
‫عقلية تُفهم من دين اإلسالم‪.‬‬ ‫هذا الفكر ومخالفته لبديهيات القرآن‪ ،‬ولقطعيات‬
‫اإلشكال األول‪:‬‬
‫كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ُيص ُّلون إلى بيت المقدس‬
‫لسنوات طويلة؟‬
‫فقد كانت قبلة المسلمين لسنوات طويلة نحو بيت المقدس‪ ،‬وهذا األمر لم‬
‫َي ِر ْد في القرآن‪.‬‬
‫األمر بالصالة نحو بيت المقدس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لم يرد في أي آية‬
‫أمرا نبو ًّيا‪.‬‬
‫فلم تكن الصالة نحو بيت المقدس إال ً‬
‫تحول القبلة من بيت المقدس‬
‫ولم يخبر القرآن في هذا الخصوص إال بقصة ُّ‬
‫إلى الكعبة‪.‬‬
‫إذن السؤال لكل ُمنكِر للسنة‪ ...‬لكل متجاهل للخبر النبوي‪ ...‬لكل ُمشكِّك‬
‫أي أساس كان الصحابة ُيص ُّلون لبيت‬
‫في قيمة الحديث النبوي التشريعية‪ :‬على ِّ‬
‫المقدس؟‬
‫وال يوجد جواب إال‪ :‬على أساس األمر النبوي‪ ،‬وهو الجواب الوحيد‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فالصحابة كلهم ص َّلوا نحو بيت المقدس بأمر النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وليس ٍ‬
‫بأمر َو َر َد في القرآن‪.‬‬
‫فالقرآن تحدَّ ث فقط عن تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة‪:‬‬
‫[ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ] {البقرة‪.}041:‬‬
‫تحول المسلمون عن قبلتهم التي‬
‫سيتعجبون لماذا َّ‬
‫َّ‬ ‫الس َف َها ُء‪ :‬السفهاء‬ ‫َس َي ُق ُ‬
‫ول ُّ‬
‫تحولوا عن بيت المقدس‪.‬‬
‫كانوا عليها‪ ،‬لماذا َّ‬
‫وانظر لآلية التالية مباشر ًة وتدَ َّب ْرها جيدً ا‪:‬‬
‫ْ‬
‫[ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ] {البقرة‪.}041:‬‬
‫َو َما َج َع ْلنَا ا ْل ِق ْب َل َة ا َّلتِي ك َ‬
‫ُنت َع َل ْي َها‪ :‬قبلة بيت المقدس‪.‬‬
‫ب َع َل ٰى َع ِق َب ْي ِه‪ :‬فالقبلة التي كان عليها‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّال لِنَع َلم من يتَّبِع الرس َ ِ‬
‫ول م َّمن َين َقل ُ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َّ ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كانت واجب َة االتباع‪.‬‬

‫تمييزا لمن يتَّبِع الرسول‪ ...‬يتبع ُّ‬


‫السنة‪ ،‬عمن ينقلب على‬ ‫ً‬ ‫وهذه القبلة كانت‬
‫عقبيه‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مستقال‪ ،‬هو‬ ‫إذن كل منكر للسنة‪ ،‬ومنكر لكون الحديث النبوي تشري ًعا‬
‫منقلب على عقبيه بصريح هذه اآلية‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪98‬‬
‫[ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ] {البقرة‪}041:‬‬

‫التوجه ً‬
‫أوال إلى بيت المقدس‪ ،‬ثم‬ ‫ُّ‬ ‫يقول تعالى‪ :‬إنما شرعنا لك ‪-‬يا محمد‪-‬‬
‫حال من َيتَّبعك و ُيطيعك ويستقبل معك حيثما‬ ‫صر ْفناك عنها إلى الكعبة‪ ،‬ليظهر ُ‬
‫هت ِم َّمن ينقلب على َعق َب ْيه‪ ،‬أي‪ُ :‬م ْرتَدًّ ا عن دينه(‪.)1‬‬
‫توج َ‬
‫َّ‬
‫السنة‪ ،‬وال يعتبرها وح ًيا إله ًّيا؟‬
‫أي تحذير إلهي أكثر من هذا لمن يرفض ُّ‬
‫ُّ‬
‫وتُختم اآلية بقوله تعالى‪[ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ] {البقرة‪.}041:‬‬
‫فلن ُيض ِّيع الله إيمان َمن كان يصلي نحو بيت المقدس‪ ،‬ولم تقل اآلية‪ :‬وما‬
‫كان الله ليضيع صالتكم‪ ،‬وإنما قالت‪[ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ]‬
‫{البقرة‪.}041:‬‬
‫ٌ‬
‫إيمان‪.‬‬ ‫فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالصالة نحو بيت المقدس هو‬
‫اإلشكال الثاني‪:‬‬
‫السنة‪ ،‬قول الله تعالى‪:‬‬
‫من آيات القرآن التي تقطع بضالل مذهب ُمنكري ُّ‬
‫[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ] {الحشر‪.}1:‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬في آية واحدة من القرآن بقطع لينة ‪-‬نخلة‪ -‬أو‬ ‫لم يأذن الله ‪َّ -‬‬
‫تركها‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير لآلية‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫النبي صلى الله عليه‬
‫ُّ‬ ‫فالذي َأ ِذ َن بقطع النخيل في غزوة بني النضير هو‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬أنه ما ُقطعت‬ ‫قطع النخيل‪ ،‬أخبر الله ‪َّ -‬‬
‫شق على اليهود ُ‬
‫وسلم‪ ،‬وحين َّ‬
‫من نخلة أو تركت فبيذن الله‪ ...‬بأمر الله‪[ :‬ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ] {الحشر‪}1:‬‬

‫إذن البديهة القطعية المستفادة من هذه اآلية َّ‬


‫أن‪ :‬األمر النبوي بقطع النخيل‬
‫إلهي‪[ :‬ﭨ ﭩ] {الحشر‪.}1:‬‬
‫في هذه الغزوة هو أمر ٌّ‬
‫إلهي‪.‬‬
‫وحي ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فاألمر النبوي هو‬
‫اإلشكال الثالث‪:‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من القضايا بالحديث النبوي‪،‬‬
‫َحك ََم ُّ‬
‫وألزم الناس بالحديث النبوي‪ ،‬ووجبت طاعته بالحديث النبوي‪ ،‬وعقوبة‬
‫المخالفة كانت لمن خالف الحديث النبوي‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ] {النساء‪.}61:‬‬
‫ً‬
‫تنفيذا‬ ‫والذي قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اآلية لم يكن‬
‫السنة النبوية في قضية‬
‫الحكم كان من ُّ‬
‫شرعي موجود في القرآن‪ ،‬وإنما ُ‬
‫ٍّ‬ ‫لحك ٍم‬
‫ُسقيا الزبير للماء‪.‬‬
‫وأخبر القرآن أن اإلنسان ال يعد مؤمنًا لو لم يخضع لقضاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وقضاؤه كان بال ُّسنة وليس بالقرآن‪[ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪100‬‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ] {النساء‪.}61:‬‬
‫فال بد من التسليم التام للحديث النبوي والرضا بأمر النبي صلى الله عليه‬
‫حصلوا اإليمان‪.‬‬
‫وسلم وإال ما َّ‬
‫السنة فكرة شا َّذة ليس لها َعالقة بالقرآن‪ ،‬وال بدين اإلسالم‪.‬‬
‫فينكار ُّ‬
‫اإلشكال الرابع‪:‬‬
‫بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫ستثن‬ ‫ّ‬ ‫القرآن الكريم ُيطلق األمر‬
‫خصص هذا التأسي‪ ،‬بل هو مطلق التأسي‪ ،‬ومطلق الطاعة‪ ،‬ومطلق‬
‫أو ُيق ِّيد أو ُي ِّ‬
‫االتباع‪ ،‬ومطلق التحذير من مخالفته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فلو كانت طاعة الله هي الطاعة الواجبة فقط‪ ،‬ل ُق ِّيد التأسي‪ ،‬و ُقيد األمر باتباع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بما يوافق فقط القرآن‪.‬‬
‫السنة‪ ،‬إذن ال بد‬ ‫وبما َّ‬
‫أن القرآن هو الرسالة الوحيدة التي بين أيدي ُمنكري ُّ‬
‫أن ُيوضح القرآن بصورة قاطعة ال تحتمل الشك تقييدَ طاعة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بحيث ال ُيطاع إال فيما يأتي به القرآن الكريم‪ ...‬ال ُيطاع إال فيما وافق‬
‫القرآن‪.‬‬
‫لكن المدهش َّ‬
‫أن عكس ذلك تما ًما في القرآن الكريم‪.‬‬
‫فقي القرآن ُمطلق األمر بالطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومطلق األمر‬
‫بالتأسي به وبال تقييد‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫[ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ] {األحزاب‪.}10:‬‬
‫[ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ] {آل عمران‪.}10:‬‬
‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ]‬
‫{النساء‪.}81:‬‬
‫[ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ] {النساء‪.}64:‬‬
‫واآليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫اإلشكال الخامس‪:‬‬
‫ُص على كل جزئية من جزئيات‬ ‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬لم ين َّ‬ ‫ِمن المعلوم يقينًا َّ‬
‫أن الله ‪َّ -‬‬
‫الشريعة في القرآن‪.‬‬
‫وإنما القرآن ُمب ِّين لألصول والقواعد العامة‪.‬‬
‫فأركان الصالة‪ ،‬وواجباتها‪ ،‬وسننها‪ ،‬وعدد الركعات‪ ،‬وعدد الصلوات‬
‫نفسها‪ ،‬ومواقيت الصلوات الخمس‪ ،‬وطريقة الصالة‪ُّ ،‬‬
‫كل هذا ال وجود له في‬
‫القرآن الكريم!‬
‫ثم أين في القرآن صيغ ُة األذان؟‬
‫وأين في القرآن أنصب ُة الزكاة؟‬
‫ُ‬
‫تفصيل مناسك الحج؟‬ ‫وأين في القرآن‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪102‬‬
‫هناك آالف األحكام في العقائد والعبادات والمعامالت واألخالق ال وجود‬
‫تفصيلي في كتاب الله‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫لها‬
‫فالسنة ضرورة لتفصيل األحكام ببديهة القرآن‪.‬‬
‫ُّ‬
‫[ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ]‬
‫{النحل‪.}44:‬‬
‫بالسنة‪.‬‬ ‫فالنبي صلى الله عليه وسلم ُيبين ِّ‬
‫الذكر‪ ...‬بماذا؟ ُّ‬
‫فالسنة بيان وتفصيل وتشريع ببديهة فهم القرآن‪ ،‬وضرورة تطبيق القرآن‪،‬‬
‫وضرورة إقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والحج وغير ذلك من أبواب العبادات‬
‫والمعامالت‪.‬‬
‫وتطبيق ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السنة ضرورة لفهم القرآن‬
‫ُّ‬
‫اإلشكال السادس‪:‬‬
‫إلهي‪ ،‬فهذا واقع األمة عبر كل‬
‫ٌّ‬ ‫وحي‬
‫ٌ‬ ‫واقع األمة ُمطبِق على أن ُ‬
‫السنَّة‬
‫السنة وحي‬ ‫والنبي صلى الله عليه وسلم كان ُيخاطِب الناس باعتبار َّ‬
‫أن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫تاريخها‪،‬‬
‫السنة فهم يعتبرونها وح ًيا إله ًّيا‪ ،‬وكان هذا حال‬
‫إلهي‪ ،‬وهذا كان حال الصحابة مع ُّ‬
‫ٌّ‬
‫األمة عبر كل تاريخها مع السنة‪.‬‬
‫نضر الل ُه ً‬
‫امرأ‬ ‫ولذلك أوصى صلى الله عليه وسلم بتبليغ ُسنته للناس‪َّ « :‬‬
‫ُ‬
‫أحفظ له من سام ٍع»(‪.)1‬‬ ‫س ِمع منَّا حدي ًثا ِ‬
‫فحف َظه حتى ُي َب ِّل َغ ُه ُفر َّب ُمب َّل ٍغ‬ ‫َ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫فلماذا يأ ُم ُر صلى الله عليه وسلم بتبليغ ُسنته للناس‪.‬‬
‫ُ‬
‫أحفظ له من سام ٍع»‪.‬‬ ‫ولماذا يقول‪ُ « :‬ر َّب ُمب َّل ٍغ‬
‫السنة فيها فقه س ُيستنبط و ُيطبق‪.‬‬
‫أليس في هذا دليل أن ُّ‬
‫السنة ُحجة شرعية تَث ُب ُت بها األحكام وفقه الدين‪.‬‬
‫وهذا ال يكون إال لو كانت ُّ‬
‫ثم السؤال الثاني‪ :‬ملاذا كان النيبُّ صلى اهلل عليه وسلم يُكرر احلديث «وال يَسرُدُهُ‬
‫سَردًا»(‪.)1‬‬
‫كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك حتى ُيساعد الصحابة على حفظ‬
‫الحديث‪ ،‬وضبط لفظ الحديث‪.‬‬
‫ثم السؤال الثالث‪ :‬ملاذا كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يضرب األمثلة يف شرحه؟‬
‫ملاذا كان يستعمل الوسائل التوضيحية مثل‪ :‬تشبيك األصابع‪ ،‬واإلقران بني‬
‫السبَّابة والوسطى‪ ،‬والرسم‪ ،‬لبيان املعاني الشرعية؟‬
‫ملاذا يفعل كل هذا إذا كان احلديث النبوي ليست له قيمة تشريعية؟‬
‫ملاذا كان الصحابة حيفظون احلديث زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم؟‬
‫قال أنس بن مالك ‪-‬رضي الله عنه‪« :‬كنا نكون عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فنسمع منه الحديث‪ ،‬فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه»(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬مسند أحمد‪ ،‬ح‪ ،21911 :‬درجة الحديث‪ :‬حسن‪.‬‬
‫(‪)2‬الجامع ألخالق الراوي‪ ،‬الخطيب البغدادي ‪.363-1‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪104‬‬
‫خصص ُث ُلث الليل؛ لحفظ أحاديث‬
‫وكان أبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ُ -‬ي ِّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫لماذا هذا الحرص على حفظ الحديث؟‬
‫حذر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر‬ ‫ثم سؤال آخر‪ :‬لماذا َّ‬
‫من الكذب عليه‪ ،‬فقال‪َ « :‬من ك ََذ َب َع َل َّي ُم َت َع ِّمدً ا‪َ ،‬ف ْل َي َت َب َّو ْأ َم ْق َعدَ ُه ِم َن الن ِ‬
‫َّار»؟(‪.)1‬‬
‫متواتر‪ ،‬رواه مائتا صحابي‪ ،‬فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ٌ‬ ‫وهذا الحديث‬
‫يحذر ُأ َّمته أشدَّ التحذير من الكذب عليه؟‬
‫ملاذا يُحذِّر أمته من افرتاء أي حديث عليه؟‬
‫أن السُّنة ليست هلا حُجية‪ ،‬ملاذا هذا التحذير الشديد والوعيد بالنار؟‬
‫ملاذا طاملا َّ‬
‫ثم كيف تشتمل كثري من األحاديث على أمور غيبية‪ :‬أحاديث تتكلَّم عن أمور‬
‫غيبية؟‬
‫ورود أمور غيبية يف األحاديث دليل أن السُّنة وحيٌ يوحى‪ ،‬وإال فكيف علم النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بهذه األمور الغيبية إن مل تكن وحيًا من اهلل؟‬
‫ٍ‬
‫إشكاالت ال حصر لها‪.‬‬ ‫فينكار السنة يطرح‬
‫اإلشكال السابع‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪)1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.1251 :‬‬
‫‪105‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫كيف أجمعت األُ َّمة عبر كل تاريخها على بديهة اعتبار الحديث هو المصدر‬
‫الثاني للتشريع‪ ،‬فحرصت األمة على نقل الحرف من فمه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حرصت على ضبط كل حرف خرج من فمه الشريف؟‬
‫كيف أطبقت األمة على العمل بالسنة والقطع بحجيتها‪ ،‬ولم ِ‬
‫يش َّذ في هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫شخص واحد من سلف هذه األمة‪ ،‬ولم َّ‬
‫يشذ في هذا صحابي واحد‪ ،‬أو تابعي‬
‫واحد‪ ،‬أو أحد من تابعي التابعين‪ ،‬فالكل ُمطبِق على كون ُّ‬
‫السنة هي المصدر الثاني‬
‫للتشريع؟‬
‫كيف ُيطبِق سلف هذه األمة على هذه البديهة؟‬

‫كيف ُيطبِق خير هذه األمة‪ :‬الصحابة على اعتبار ُّ‬


‫السنة المصدر الثاني‬
‫للتشريع وهم الذين زكَّاهم الله في كتابه؟‬
‫الصحابة هم أفهم الناس لدين الله‪ ،‬وأعلمهم بمراد الشرع‪ ،‬وأتقاهم لله‪،‬‬
‫كيف أطبقوا على التسليم بكون الحديث هو المصدر الثاني للتشريع؟‬
‫واآلن سؤالي‪ :‬ما هو الفرق بين ُمنكِر السنة الذي ال يريد أن يسمع شي ًئا من‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويقول‪ :‬عندي القرآن وكفى‪ ،‬وبين المنافقين في عهد‬
‫النبوة؟‬
‫َّ‬
‫المنافقون كذلك لم يكونوا يريدون االستماع للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫[ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ] {المائدة‪.}40:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪106‬‬
‫[ﮮ ﮯ ﮰ ]‪ :‬ال يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هم ال يحتاجونه‪.‬‬
‫فالسؤال‪ :‬ما الفرق بين م ِ‬
‫نكر السنة وبين المنافق الذي يرفض المجيء للنبي‬ ‫ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم؟‬
‫فالمنافق يزعم أنه يطيع اإلسالم بلسانه‪ ،‬لكنها في الواقع طاعة كاذبة‪:‬‬
‫[ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ ] {النور‪.}11:‬‬
‫يقول الله –سبحانه وتعالى‪ -‬لهم‪[ :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ] {النور‪}11:‬‬
‫فهذه طاعة باللسان فقط‪ ،‬وليست بالقلب‪ ...‬طاعة منافق‪ ،‬وليس طاعة مسلم‪.‬‬
‫السنة‪.‬‬
‫للسنة من منكر ُّ‬
‫توقيرا ُّ‬
‫ً‬ ‫لكن من باب اإلنصاف نقول‪َّ :‬‬
‫إن المنافق أكثر‬
‫[ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ] {النور‪ }11:‬لئن أمرهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بأي أمر سينفذون أمره‪.‬‬
‫لكن منكر السنة سيقول للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ال ُأس ِّلم بحديثك‪،‬‬
‫علي أمر‪.‬‬
‫وليس لك َّ‬
‫توقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫ً‬ ‫للسنة‪ ،‬وأكثر‬
‫فالمنافق أكثر احترا ًما ُّ‬
‫السنة‪.‬‬
‫ُمنكر ُّ‬
‫‪107‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وهنا لو انتبهت في اآلية السابقة ستجد أن اتباع السنة بديهة واجبة عند كل‬
‫َمن يزعم أنه مسلم‪[ :‬ﰉ ﰊ ﰋ] فهذا مقتضى حال المسلم‪ ،‬وبديهة من‬
‫بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بديهيات تسليمه َّ‬
‫اإلشكال الثامن‪:‬‬
‫المشكلة األكبر في إنكار السنة أنَّها َّبوابة اإللحاد في الدين‪.‬‬
‫شخصا قال‪ :‬الصالة هي أن تتصل بالله بمجرد النظر‬
‫ً‬ ‫فلو افترضنا َّ‬
‫أن‬
‫للسماء‪ ،‬وليس هناك ركوع‪ ،‬وال سجود‪ ،‬وال فروض‪ ،‬وال ُظهر‪ ،‬وال عصر‪ ،‬وال‬
‫مغرب‪.‬‬
‫هنا لن يجد منكر السنة أمام هذا اإللحاد في الدين أي ٍ‬
‫نقد أو ر ٍّد‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ألنه لن يملك ً‬
‫دليال على تخطئة هذا اإللحاد‪.‬‬
‫ولن يجد في القرآن ما ُيسعفه من رد هذا اإللحاد‪.‬‬
‫لذلك فينكار السنة هو َّبوابة النفاق واإللحاد‪ ،‬وهو بنفسه يؤدي إلى النفاق‬
‫واإللحاد‪ ،‬وهو مدخل المنافقين والملحدين في الدين‪.‬‬
‫سلَّم اهلل شبابَ أُمتنا من هذا الزيغ والضالل‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪108‬‬

‫وجل‪ -‬يقول‪[ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ]‬


‫َّ‬ ‫‪ -19‬لكن الله ‪َّ -‬‬
‫عز‬
‫للسنة؟‬
‫{األنعام‪ }18:‬فالقرآن فيه كل شيء‪ ،‬فما حاجتنا ُّ‬

‫ج‪ :‬دعنا نقرأ اآلية كامل ًة‪[ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬


‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ] {األنعام‪.}18:‬‬
‫الكتاب بنص اآلية هو‪" :‬اللوح المحفوظ"‪ ،‬فاللوح المحفوظ فيه خبر كل‬
‫دابة‪ ،‬وكل مخلوق‪ ،‬فهل في القرآن خبر كل دابة وكل مخلوق؟‬
‫الجواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫فـ"الكتاب" في اآلية هو‪ :‬اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫لكن قد يسأل سائل ويقول‪ :‬وماذا عن قوله تعالى‪[ :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ] {النحل‪}89:‬؟‬
‫والجواب‪ :‬القرآن دستور كامل يأتي بالقواعد الكلية‪ ،‬أما التفاصيل هلذه القواعد‬
‫فيُحال فيها للحديث‪.‬‬
‫المشرعون عبر العالم‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن‪ :‬الدستور قواعد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وهناك بديهة يعرفها‬
‫وليس قوانين‪.‬‬
‫مفسرة‪.‬‬
‫يصح أن يكون في الدستور مواد ِّ‬
‫يقول المشرعون‪ :‬ال ُّ‬
‫فالتفسير يكون في كتب القانون‪.‬‬
‫والسنة فـ‪ :‬القرآن دستور‪،‬‬
‫ولكالم الله المثل األعلى‪ ،‬فهذا حال الكتاب ُّ‬
‫فسرة للقواعد الكلية في القرآن‪.‬‬
‫والسنة ُم ِّ‬
‫ُّ‬
‫‪109‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫أن‪ :‬القرآن لم ترد فيه ُّ‬
‫كل جزئية من جزئيات‬ ‫ثم إنَّه من المعلوم يقينًا َّ‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫تقرير وجوبها‪ ،‬واألمر بحسن أدائها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فليس في القرآن من أحكام الصالة إال‬
‫األمر بأدائها‪ ،‬وبيان مصارفها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وليس في القرآن من أحكام الزكاة إال‬
‫والكالم نفسه بالنسبة للحج والصيام‪.‬‬
‫وسننها‪ ،‬وعدد‬
‫أما كيفية إقامة الصالة‪ ،‬وأركان الصالة‪ ،‬وواجباتها‪ُ ،‬‬
‫الركعات‪ ،‬وعدد الصلوات‪ ،‬ومواقيت الصلوات‪ ،‬وكيفية السجود والركوع‪ ،‬فكل‬
‫السنة فقط‪.‬‬
‫هذه األمور ال وجود لها في القرآن الكريم‪ ،‬وإنما هي في ُّ‬
‫وقل الشيء نفسه في أركان اإلسالم األخرى‪.‬‬
‫َ‬
‫األصول والقواعد‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫مدار الدين ُيب ِّين فيها‬
‫فكل األحكام التي عليها ُ‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫العامة‪ ،‬بينما التفاصيل تكون في ُّ‬
‫ٍ‬
‫وجه آخر‪ ،‬فهو تبيان للقواعد العامة‪ ،‬وفي‬ ‫والقرآن تبيان لكل شيء من‬
‫الوقت نفسه تبيان لطريق اإلحالة لفهم هذه القواعد وتطبيقها‪:‬‬
‫تبيان للقواعد العامة‪[ :‬ﯓ ﯔ] {البقرة‪.}001:‬‬
‫وتبيان لطريق اإلحالة لفهم وتطبيق وتفسير كيف نقيم الصالة‪ :‬باإلحالة إلى‬
‫الطريق الذي تُعرف به تفاصيل األحكام‪.‬‬
‫السنة لمعرفة تفاصيل األحكام‪[ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫فهو ُيحيل إلى ُّ‬
‫ﭭ ﭮ ] {النحل‪.}44:‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪110‬‬
‫فالقرآن يحيل إلى السنة المب ِّينَة‪.‬‬
‫للسنة حتى تعرف تفاصيل وكيفية‬
‫فالقرآن يأمرك بيقامة الصالة‪ ،‬ويحيلك ُّ‬
‫إقامة الصالة‪.‬‬
‫إذن بهذا يكون القرآن تبيانًا لكل شيء فهو‪ :‬تبيان للقواعد العامة‪ ،‬وتبيان‬
‫لطريق اإلحالة الذي تفهم به كيف تقيم الصالة‪.‬‬
‫سول ِ‬
‫الله َص َّلى ال َّل ُه عليه‬ ‫ور ُ‬ ‫وكما قال جابر بن عبد الله ‪-‬رضي الله عنه‪َ « :‬‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ف ت َْأ ِوي َل ُه‪َ ،‬وما َع ِم َل به ِمن‬ ‫َو َس َّل َم ب ْي َن َأ ْظ ُه ِرنَا‪َ ،‬وعليه َين ِْز ُل ال ُق ْر ُ‬
‫آن‪َ ،‬وهو َي ْع ِر ُ‬
‫َع ِم ْلنَا ِبه»(‪.)1‬‬
‫ف َت ْأ ِوي َل ُه) في‬
‫فهو صلى الله عليه وسلم يبين لهم التطبيق العملي‪َ ( :‬ي ْع ِر ُ‬
‫مناسك هذا الدين‪.‬‬
‫للسنة التي فيها تفصيل القواعد‪.‬‬
‫إذن فالقرآن يحيل ُّ‬
‫وهنا قد ُيطرح سؤال في قوله تعالى‪[ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ] {العنكبوت‪ ،}10:‬فيقول السائل‪ :‬إذن فالقرآن ٍ‬
‫كاف؟‬
‫والجواب‪ :‬لنقرأ اآلية واآلية التي قبلها‪[ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰﮱ ﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ] {العنكبوت‪}10 ،11:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.1212 :‬‬
‫‪111‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫نبوتِ ِه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخبرهم الله‬
‫كان الكفار يريدون آي ًة على صدق َّ‬
‫َّ‬
‫وجل‪ -‬بأعظم آية‪ ،‬وهي هذا الكتاب ‪-‬القرآن الكريم‪ -‬أال يكيفهم هذا‬ ‫عز‬
‫‪َّ -‬‬
‫الكتاب المعجز بتشريعاته ومعناه وقصصه‪ ،‬والمعجز بلفظه‪ ،‬والمعجز بدقائق‬
‫ِ‬
‫لوجدان كل إنسان على‬ ‫أخباره‪ ،‬والمعجز بلهفة القلوب إليه‪ ،‬والمعجز بخطابه‬
‫ٍ‬
‫حدة بحسب همه وما يشغله‪ ،‬ألم يكفهم هذا القرآن الذي نزل على رجل ُأمي‬
‫يرعى الغنم على قراريط ألهل مكة‪ ،‬ألم يكفهم كآية على صحة هذا الدين؟‬
‫السنة‪.‬‬ ‫فهذا هو تفسير اآلية‪ ،‬وليس َّ‬
‫أن القرآن يغني عن ُّ‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪112‬‬
‫‪ -11‬كيف تؤمنون بعذاب القبر وعذاب القبر لم يرد في القرآن؟‬

‫ٌّ‬
‫مستقل كالقرآن‪.‬‬ ‫تشريع‬
‫ٌ‬ ‫فصلنا هي‬
‫السنة كما َّ‬ ‫ج‪ً :‬‬
‫أوال‪ُّ :‬‬
‫ٌّ‬
‫مستقل ليس في القرآن‪.‬‬ ‫السنة النبوية حكم شرعي‬
‫فقد يرد في ُّ‬
‫وعذاب القبر ونعيمه وردت فيه أحاديث متواترة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أحاديث عذاب القبر‪ ،‬ومسألة ُمنكَر‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪« :‬فأما‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم»(‪.)1‬‬
‫ونكير‪ ،‬فكثيرة متواترة عن ِّ‬
‫ومثال ذلك ما في الصحيحين‪:‬‬
‫ان في‬ ‫ط َف َس ِم َع َص ْو َت إن َْسا َن ْي ِن ُي َع َّذ َب ِ‬ ‫«مر النبي ص َّلى الله عليه وس َّلم بحائِ ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ان في َكبِ ٍير»(‪.)2‬‬ ‫ان‪ ،‬وما ُي َع َّذ َب ِ‬ ‫النبي َص َّلى الل ُه عليه وس َّل َم‪ُ :‬ي َع َّذ َب ِ‬ ‫قال ُّ‬ ‫ور ِه َما‪َ ،‬ف َ‬ ‫ُق ُب ِ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫وفي صحيح مسلم‪« :‬إِ َذا ت ََش َّهدَ َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْست َِع ْذ بال َّل ِه ِمن َأ ْر َب ٍع َي ُق ُ‬
‫ات‪َ ،‬و ِم ْن‬ ‫اب ال َقب ِر‪ ،‬و ِمن فِ ْتن َِة المحيا وا ْلمم ِ‬
‫َ ْ َ َ َ َ‬ ‫اب َج َهنَّ َم‪َ ،‬وم ْن َع َذ ِ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك ِمن َع َذ ِ‬ ‫إنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ال»(‪.)3‬‬ ‫َشر فِ ْتن َِة الم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫أيضا‪ :‬قال رسول الله ص َّلى الله عليه وس َّلم‪َ « :‬ف َل ْو َال َأ ْن‬ ‫وفي صحيح مسل ٍم ً‬
‫اب ال َق ْب ِر الذي َأ ْس َم ُع منه ُث َّم َأ ْق َب َل َع َل ْينَا‬ ‫ال تَدَ ا َفنُوا‪َ ،‬لدَ َع ْو ُت ال َّل َه َأ ْن ُي ْس ِم َعك ُْم ِمن َع َذ ِ‬
‫اب الن ِ‬
‫َّار‪،‬‬ ‫َّار‪ ،‬قالوا‪َ :‬ن ُعو ُذ بال َّل ِه ِمن َع َذ ِ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫قال‪َ :‬ت َع َّو ُذوا بال َّل ِه ِمن َع َذ ِ‬ ‫َبو ْج ِه ِه‪َ ،‬ف َ‬
‫اب ال َق ْب ِر»(‪.)6‬‬ ‫اب ال َق ْب ِر‪ ،‬قالوا‪َ :‬ن ُعو ُذ بال َّل ِه ِمن َع َذ ِ‬ ‫قال‪َ :‬ت َع َّو ُذوا بال َّل ِه ِمن َع َذ ِ‬
‫َف َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوي‪ ،‬م ‪ 6‬ص ‪.221‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.216 :‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.122 :‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2261 :‬‬
‫‪113‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ِ‬
‫ثبوت عذاب‬ ‫األخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬ ‫فقد تواترت‬
‫ُ‬
‫القبر ونعيمه‪ ،‬فيجب اعتقا ُد ذلك‪ ،‬واإليمان به‪ ،‬وال نتك َّلم عن كيفيته؛ إذ ليس‬
‫وقوف على كيفيتِه؛ لكونه ال عهدَ له في هذه الدار(‪.)1‬‬
‫ٌ‬ ‫للعقل‬
‫مستحق للعذاب ُي َّ‬
‫عذب‪ ،‬سوا ًء ُدفن أو لم ُيدفن‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ُّ‬
‫وكل َمن مات وهو‬
‫حق‪.‬‬
‫فعذاب القبر ونعيمه ٌّ‬
‫أيضا بالقرآن‬
‫ثابت ً‬
‫بالسنة المتواترة بل هو ٌ‬
‫ثان ًيا‪ :‬عذاب القبر لم يثبت فقط ُّ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪[ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ] {غافر‪.}46:‬‬
‫ٌ‬
‫حاصل قبل يوم القيامة بظاهر اآلية بال شك‪.‬‬ ‫عذاب‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫أيضا قوله تعالى‪[ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ومن األدلة ً‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ] {الطور‪}47 ،41:‬‬
‫روى الطبري عن ابن ع َّباس في قوله تعالى‪[ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ِ‬
‫عذاب يو ِم‬ ‫عذاب القبر قبل‬
‫ُ‬ ‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ] {الطور‪ }47:‬قال‪ :‬هو‬
‫القيامة‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬يخبر عن الكافرين يوم‬ ‫وهنا قد يسأل سائل فيقول‪ :‬لكن الله ‪َّ -‬‬
‫القيامة أنهم سيقولون‪[ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ] {يس‪.}11:‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬ابن أبي العز الحنفي‪ ،‬ثبوت عذاب القبر ونعيمه‪.‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪114‬‬
‫الجواب‪ :‬وهل نحن أنكرنا أننا سنُبعث يوم القيامة من مرقدنا؟‬
‫هذا ال ينفي عذاب القبر‪.‬‬
‫وعذاب القبر بالنسبة ألهوال القيامة كأنه راحة‪ ...‬كأنه مرقدٌ ‪.‬‬
‫أيضا ال ننسى أننا بين النفختين سنرقد‪.‬‬
‫ً‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ -‬قبل أن تُبعث يوم القيامة‪.‬‬ ‫سترقد كل مخلوقات الله ‪َّ -‬‬
‫فيذا نُفخ النفخة الثانية خرج الجميع إلى محشرهم‪.‬‬
‫سيم ُّر‬
‫ستم ُّر سري ًعا‪ ،‬كما ُ‬ ‫وهنا أو ُّد أن ُأ ِّ‬
‫بشر المؤمنين بأن حياة المؤمن في قبره ُ‬
‫عليه يوم القيامة سري ًعا‪ ،‬قال الله تعالى‪[ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ] {الفرقان‪.}14:‬‬
‫فالحساب ينقضي في نصف نهار قبل وقت المقيل‪.‬‬
‫قبل وقت القيلولة سيكون أهل الجنة على ُس ُررهم متقابلين‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن جيعلنا معهم‬
‫المؤمنين ك َقدْ ِر ما َ‬
‫بين‬ ‫َ‬ ‫القيام ِة على‬
‫َ‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬يو ُم‬
‫ِ‬
‫والعصر»(‪.)1‬‬ ‫ال ُّظ ِ‬
‫هر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح الجامع‪ ،‬ح‪.2153 :‬‬
‫‪115‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫‪ -12‬ما ُّ‬
‫سر األحاديث الكثيرة التي رواها أبو هريرة؟‬

‫والسنة كما يقول‬


‫رأسا في القرآن ُّ‬
‫ج‪ :‬أبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كان ً‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫الحفاظ األثبات‪ ...‬أين مثل أبي هريرة في‬
‫قال الذهبي‪« :‬أبو هريرة سيد ُ‬
‫وس َعة علمه‪.‬‬
‫حفظه‪َ ،‬‬
‫إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأدائه‬
‫بحروفه»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫أحفظ َمن روى الحديث في دهره‪.‬‬ ‫وقال عنه الشافعي‪ :‬أبو هريرة‬
‫وكان لس ِ‬
‫عة علمه ينزل الحسين بن علي رضي الله عنهما عند رأيه(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫والسر في فقه أبي هريرة وحفظِ ِه لهذا العدد من األحاديث أنه كان َ‬
‫ألز َم‬ ‫ُّ‬
‫يد ِه يدور معه حيث‬
‫الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكانت يدُ ه مع ِ‬
‫ُ‬
‫دار‪ ،‬إلى أن مات صلى الله عليه وسلم ولذلك ك ُثر حديثه‪.‬‬
‫قال عبد الله بن عمر بن الخطاب كما ورد في صحيح سنن الترمذي‪« :‬يا أبا‬
‫الله ص َّلى الل ُه عليه وس َّلم‪ ،‬وأح َف َظنا لحديثِه»(‪.)3‬‬
‫لرسول ِ‬
‫ِ‬ ‫أنت ُكن َْت َ‬
‫ألز َمنا‬ ‫ُه َريرةَ‪َ ،‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سير أعالم النبالء م‪ 2‬ص‪ 21‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (2‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.59‬‬
‫)‪ (3‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬ح‪.3236 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪116‬‬
‫فهذا شهادة من الصحابي الجليل عبد الله بن عمر في حق أبي هريرة رضي‬
‫الله عنهما‪.‬‬
‫ففي السنوات األربع األخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم كان أبو هريرة‬
‫مالز ًما لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالزم ًة تا َّم ًة‪ ،‬كما يقول ابن حجر‪« :‬كان‬
‫يدور معه‪ ،‬ويدخل بيته‪ ،‬ويحج ويغزو معه‪ ،‬يرافقه في حله وترحاله‪ ،‬في ليله‬
‫ونهاره حتى حمل عنه العلم الغزير‪ ،‬وصار مرجع الناس‪ ،‬ومرجع الصحابة في‬
‫الفتيا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم»(‪.)1‬‬
‫وقد َروى عن أبي هريرة حوالي ثمانية وعشرين صحاب ًّيا؛ وهذا لثقتهم في‬
‫علمه‪ ،‬و ُقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد روى عنه زيد بن ثابت‪،‬‬
‫وأبو أيوب األنصاري‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪ ،‬وعبد الله بن عباس‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫وغيره ُم‬
‫ُ‬ ‫الزبير‪ ،‬و ُأبي بن كعب‪ ،‬وجابر بن عبد الله‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعائشة‪،‬‬
‫الكثير رضي الله عنهم‪ ،‬كما روى عنه وتتلمذ عليه مئات من التابعين‪ ،‬فقد روى‬
‫عنه من التابعين حوالي ثمانمائة تابعي‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر(‪.)2‬‬
‫وأيضا ما م َّيز أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أنَّه تأخرت وفاته‪ ،‬واحتاج الناس‬
‫ً‬
‫إلى علمه‪ ،‬حيث إنَّه عاش إلى ما بعد الخمسين من الهجرة‪ ،‬فأقبل عليه طالب‬
‫العلم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.633‬‬
‫)‪ (2‬الذهبي‪ :‬تذكرة الحفاظ م‪ 1‬ص‪ .36‬وابن حجر‪ :‬اإلصابة م‪ 6‬ص ‪.291‬‬
‫‪117‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫أيضا ُق َّوة حفظه‪.‬‬
‫وما م َّيزه ً‬
‫وقوة حفظ أبي هريرة كانت ببركة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال أبو‬
‫ْك َح ِدي ًثا كَثِ ًيرا أن َْسا ُه؟ َق َال‪ :‬ا ْب ُس ْط ِر َد َاء َك‬
‫أس َم ُع ِمن َ‬ ‫ت‪ :‬ي ا ر َ ِ‬
‫سول ال َّله‪ ،‬إنِّي ْ‬ ‫هريرة‪ُ « :‬ق ْل ُ َ َ‬
‫يت شيئًا َب ْعدَ ُه»(‪.)1‬‬ ‫ف ب َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ :‬ض َّم ُه َف َض َم ْم ُت ُه‪َ ،‬فما ن َِس ُ‬
‫َف َب َس ْط ُت ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فغ ََر َ‬
‫رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الله‬ ‫نسى‪ ،‬فقال‬ ‫قائال‪ :‬أسأ ُلك ع ً‬
‫لما ال ُي َ‬ ‫وذات يو ٍم دعا أبو هريرة ر َّبه ً‬
‫ص َّلى الل ُه عليه وآلِه وس َّلم‪ :‬آمين(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫أحفظ الناس لحديث رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فكان ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫خصص ُث ُلث الليل لحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وسلم‪ ،‬وكان ُي ِّ‬
‫وهنا السؤال المهم‪ :‬كم عدد األحاديث التي رواها أبو هريرة رضي الله‬
‫عنه؟‬
‫والجواب‪ :‬عدد األحاديث التي رواها أبو هريرة بغير المكرر هي‪6331 :‬‬
‫حدي ًثا‪.‬‬
‫ب على إنسان حفظه‪.‬‬
‫وهذا ال يص ُع ُ‬
‫بل هذا العدد من األحاديث يحفظه طالب العلم في ستة أشهر‪.‬‬
‫وكثير من طالب العلم اليوم يحفظون بلوغ المرام‪ ،‬وعدد أحاديث بلوغ‬
‫المرام أكبر من هذا العدد‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬ح‪.115 :‬‬
‫)‪ (2‬اإلصابة‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.292‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪118‬‬
‫والسؤال األهم‪ :‬كم عدد األحاديث التي انفرد أبو هريرة بروايتها؟‬
‫والجواب‪ :‬انفرد أبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬برواية ‪ 24‬حدي ًثا فقط!‬
‫تخيل!‬
‫كل الهجمة على أبي هريرة من أجل ‪ 62‬حدي ًثا!‬
‫طبعا َمن يهاجمون أبا هريرة ال يعرفون هذه المعلومات‪ ،‬وال يعرفون إال‬
‫الهجوم على الدين‪ ،‬فيأخذون أبا هريرة طري ًقا للهجوم على اإلسالم ُّ‬
‫والسنة‪.‬‬
‫رمزا لرواية الحديث‪.‬‬
‫فأبو هريرة صار ً‬
‫ولما أرادوا الهجوم على الحديث بحثوا عن الرمز‪ ،‬فذهبوا ألبي هريرة‪.‬‬
‫وإال فلو كانوا يعرفون أن أبا هريرة لم ينفرد إال باثنين وأربعين حدي ًثا عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الستحوا من كذبهم‪.‬‬
‫ذات يوم قعد محمد بن ُعمارة بن عمرو بن حزم األنصاري في مجلس فيه‬
‫يضم كبار الصحابة‪ ،‬فجعل أبو هريرة‬
‫أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬وكان المجلس ُّ‬
‫ُيحدِّ ثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث‪ ،‬فال يعرفه بعضهم ثم‬
‫مرارا‪.‬‬
‫يتراجعون فيه فيعرفه بعضهم‪ ،‬حتى فعل ذلك ً‬
‫ُ‬
‫أحفظ الناس عن رسول الله صلى‬ ‫قال محمد بن ُعمارة‪ :‬فعرفت يومئذ أنه‬
‫الله عليه وسلم(‪.)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬التاريخ الكبير‪ ،‬البخاري‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.126‬‬
‫‪119‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫وأراد مروان ابن الحكم أن يختبر قوة حفظ أبي هريرة فدعاه وأقعد كاتبه‬
‫خلف السرير‪ ،‬وجعل يسأل أبا هريرة في األحاديث‪ ،‬وأبو هريرة يجيب‪ ،‬والكاتب‬
‫يكتب‪ ،‬حتى إذا كان عند رأس الحول ‪-‬بعد مضي عام‪ -‬دعاه مر ًة أخرى‪ ،‬فسأله‬
‫أخر(‪.)1‬‬
‫األسئلة نفسها‪ .‬يقول الكاتب‪ :‬فما زاد أبو هريرة وال نقص وال قدَّ م وال َّ‬
‫فأبو هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬إمام الحديث من الصحابة‪ ،‬وقد دعا له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بأن يحببه الله إلى المؤمنين‪.‬‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬ال َّلهم حبب عبيدَ َك هذا‪ ،‬و ُأمه إلى ِعب ِ‬
‫اد َك‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ َّ َ ِّ ْ ُ َ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ين»‪.‬‬ ‫ب إ َل ْي ِه ِم ُ‬
‫الم ْؤمن َ‬ ‫ين‪َ ،‬و َح ِّب ْ‬
‫الم ْؤمن َ‬
‫ُ‬
‫يقول أبو هريرة‪َ « :‬فما ُخلِ َق ُم ْؤ ِم ٌن َي ْس َم ُع بي َو َال َي َرانِي َّإال َأ َح َّبنِي»(‪.)2‬‬
‫فحب أبي هريرة عالمة أهل اإليمان‪.‬‬
‫نُشهد الله على حبه‪.‬‬
‫رضي الله عنه وأرضاه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬الحاكم في المستدرك‪ ،‬ح‪.6166 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬ح‪.2651 :‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪120‬‬
‫‪ -13‬هل هناك أحاديث َّ‬
‫تفرد البخاري بها في صحيحه؟‬

‫ج‪ :‬هذا كال ٌم ال يقوله إنسان يعرف شي ًئا في علم الحديث‪.‬‬


‫ولألسف هذه األسئلة المضحكة تنتشر بين نُفاة السنة‪.‬‬
‫صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فالبخاري جمع أغلب ما َّ‬
‫وهو فقط قام بتوثيق نقل كل حرف خرج من فم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قام بتوثيق الروايات‪ ،‬ووضع لذلك شرو ًطا قاسي ًة بحيث يصبح كتابه َّ‬
‫أدق‬
‫كتاب على وجه األرض بعد كتاب الله‪.‬‬
‫فهو جمع األحاديث بضبط وتوثيق الرواية ألبعد مدً ى‪.‬‬
‫كان هذا مشروع البخاري‪.‬‬
‫وطرزها بعناوينه الفقهية‪ ،‬وأث َب َت‬
‫وقسمها َّ‬
‫فقد جمع هذه األحاديث ثم رتَّبها َّ‬
‫ُط ُر َقها المتصلة منه إلى الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومحفوظ منذ زمن‬ ‫مكتوب‬
‫ٌ‬ ‫وطب ًعا كل حديث في البخاري بالبداهة‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫فكل حديث في البخاري تستطيع أن تعرف مصدره ومرجعه ورواته‪ ،‬لكن‬
‫وبوب األبواب‪.‬‬
‫وض َبط الرواية‪َّ ،‬‬
‫صح من أقوى الطرق‪َ ،‬‬
‫البخاري جمع أغلب ما َّ‬
‫وأغلب ما في موطأ مالك على سبيل المثال موجو ٌد في صحيح البخاري‪،‬‬
‫والموطأ يروي فيه مالك بعض أحاديثه عن نافع عن ابن عمر‪.‬‬
‫فبين نافع الذي ينقل عنه مالك وبين النبي صلى الله عليه وسلم عبدُ الله بن‬
‫عمر الصحابي الجليل‪.‬‬
‫‪121‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫ِ‬
‫الشأن‪ ،‬القريب العهد بوفاة النبي صلى الله عليه‬ ‫فالموطأ ذلك الكتاب عظيم‬
‫وسلم موجو ٌد أغلبه في البخاري‪.‬‬
‫أيضا عند ابن ُجريج‪ ،‬وابن أبي َعروبة‪ ،‬وعند معمر‬
‫وما في البخاري موجود ً‬
‫ِ‬
‫وعبد الله بن المبارك‪ ،‬وعبد الله بن وهب‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والثوري‪،‬‬ ‫بن راشد‪،‬‬
‫الز ْهري شيخ مالك‪ ،‬فما في البخاري موجود‬
‫وحماد بن سلمة بن دينار‪ ،‬واإلمام ُّ‬
‫دونوا الحديث قبل البخاري‪.‬‬
‫عند هؤالء وكل هؤالء َّ‬
‫إذن ال يوجد حديث عند البخاري إال ويمكنك أن تعرف سنده من غير‬
‫طريق البخاري‪.‬‬
‫قال اإلمام مسلم يو ًما للبخاري‪ :‬ال يبغضك إال حاسد‪ ،‬وأشهد أن ليس في‬
‫الدنيا مث ُلك‪ ،‬وقال له بعد أن ق َّبل ما بين عينيه‪َ :‬د ْعني ُأ َق ِّب ُل ِر ْج َل ْي َك يا طبِ َ‬
‫يب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫الحديث في ع َلله‪ ،‬ويا ُأستا َذ األُستَاذي َن‪ ،‬ويا َس ِّيدَ ُ‬
‫الـمحدِّ ثي َن»(‪.)1‬‬
‫فالبخاري هو أمير المؤمنين في الحديث‪ ،‬وقد اختار أقوى الطرق ألغلب‬
‫صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث‪ ،‬فبعد أن أت َق َن كل‬
‫ما َّ‬
‫األحاديث أخرج صحيحه‪ ،‬قال الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس‪َ :‬ج َهدْ ُت‬
‫البخاري‪ ،‬فما أمكنني(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫بحديث ال يعرفه‬ ‫آتي‬ ‫الج ْه ِد على ْ‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫أن َ‬ ‫كل َ‬
‫رأيت تحت أديم السماء أع َل َم بحديث رسول‬
‫ُ‬ ‫وقال اإلمام ابن خزيمة‪ :‬ما‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأح َف َظ له ِمن محمد بن إسماعيل(‪.)3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬المدخل إلى علم السنن‪ ،‬البيهقي ‪.262/1‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري ‪.621 /1‬‬
‫(‪ )3‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي ‪.631 /12‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪122‬‬
‫بحفظ البخاري ود َّقتِ ِه‪ ،‬أرادوا امتحا َن ُه‪ ،‬فعمدوا إلى‬
‫ولما سمع أهل بغداد ِ‬

‫متن هذا إلسناد هذا‪ ،‬وإسنا َد هذا‬ ‫ٍ‬


‫مائة حديث‪ ،‬فقلبوا متونها وأسانيدَ ها‪ ،‬وجعلوا َ‬
‫مثال مكان‬‫لمتن ذاك‪ ...‬مائة حديث َق َلبوا أسانيدها‪ ،‬فصار سند الحديث الرابع ً‬
‫سند الحديث الخامس عشر وسند الحديث الثالث واألربعين مكان سند الحديث‬
‫التاسع والخمسين وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد عشر َة أحاديث ل ُي ْلقوها عليه في المجلس‪.‬‬ ‫ودفعوا إلى ِّ‬
‫كل‬
‫فجاء الطالب‪ ،‬واجتمع الناس‪ ،‬وبدأ الطالب األول يقرأ السند‪ ،‬ثم قرأ‬
‫الحديث فقال البخاري‪ :‬ال أعرفه‪.‬‬
‫ثم قرأ الثاني‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬ال أعرفه‪.‬‬
‫وهكذا في كل حديث‪.‬‬
‫فتعجب الناس!‬
‫َّ‬
‫أي حديث!‬
‫أنه ال يعرف َّ‬
‫لكن الفقهاء الذي قاموا باالختبار التفت بعضهم لبعض وقالوا‪ :‬الرجل َف ِه َم‬
‫‪-‬أدرك الحيلة‪.‬‬
‫حديث‪ ،‬والبخاري يقول لكل حديث‪ :‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫فلما فرغ الطالب من إلقاء المائة‬
‫أعرفه‪.‬‬
‫ري إلى األول‪ ،‬فقال‪« :‬أ َّما حديثك األول فهو كذا‪،‬‬ ‫بعد انتهائهم التفت البخا ُّ‬
‫كل ٍ‬
‫متن إلى إسناده‪ ،‬وفعل بالثاني‬ ‫وحديثك الثاني كذا‪ ...‬إلى آخر العشرة؛ فر َّد َّ‬
‫والضبط واإلتقان‪.‬‬
‫الناس بالحفظ َّ‬
‫فأقر له ُ‬ ‫َ‬
‫مثل ذلك إلى أن فرغ»‪َّ ،‬‬
‫‪123‬‬ ‫منكرو السُّنَّةِ‬
‫لقد قام البخاري بآية عجيبة في هذا المجلس؛ إذ رد كل ٍ‬
‫سند لكل حديث‬ ‫َّ‬
‫بترتيبه‪.‬‬
‫فقال لألول على سبيل المثال‪ :‬حديث األول سنده عند الحديث الثامن‬
‫والثالثين‪ ،‬وحديثك الثاني سنده عند الحديث الرابع واألربعين‪ ،‬وهكذا إلى تمام‬
‫المئة‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في هذه الواقعة العجيبة‪« :‬ليس العجب من ر ِّد ِه الخطأ‬
‫إلى الصواب؛ فينه كان حاف ًظا‪ ،‬بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما أل َق ْو ُه‬
‫عليه من مرة واحدة»(‪.)1‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪.‬‬ ‫لقد كان البخاري آي ًة من الله َّ‬
‫قال رجاء بن ُم َر َّجى‪« :‬هو آية من آيات الله يمشي على األرض»(‪.)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬البن حجر العسقالني ‪.626 /1‬‬
‫)‪ (2‬البداية والنهاية‪ ،‬م‪ 16‬ص ‪.139‬‬
‫منكرو السُّنَّةِ‬ ‫‪124‬‬

‫فهرس‬
‫‪3................................................................................‬‬
‫‪ -1‬ما هو فكر التنوير؟ ‪3...............................................................‬‬
‫‪ -2‬ما هو التنوير المطلوب؟ ‪22...................................................‬‬
‫السنة؟ ‪22.......................................................‬‬
‫‪َ -3‬من هم منكرو ُّ‬
‫السنة في اإلسالم؟ ‪32...........................................‬‬
‫‪ -6‬ما هي منزلة ُّ‬
‫السنة ك ُّلها مكتوبة؟ ‪74....................................................‬‬
‫‪ -1 ‬هل ُّ‬
‫السنة النبوية لـ ‪ 299‬سنة كاملة حتى جاء البخاري؟ ‪21.‬‬ ‫‪ -6‬هل َّ‬
‫تأخر تدوين ُّ‬
‫‪ -1 ‬لماذا يهاجم دعاة حركة التنوير الصحابة؟ ‪47...............................‬‬
‫‪ -2‬ما معنى حديث اآلحاد‪ ،‬وما الفرق بينه وبين الحديث المتواتر؟‪23.......‬‬
‫السنة؟ ‪62...................‬‬
‫‪ -5‬ما هي اإلشكاالت العقلية التي تواجه منكري ُّ‬
‫وجل‪ -‬يقول‪[ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ] فالقرآن فيه‬
‫عز َّ‬
‫‪ -19‬لكن الله ‪َّ -‬‬
‫كل شيء‪102 ..........................................................................،‬‬
‫‪ -11‬كيف تؤمنون بعذاب القبر وعذاب القبر لم يرد في القرآن؟ ‪112 .......‬‬
‫سر األحاديث الكثيرة التي رواها أبو هريرة؟‪111 .....................‬‬
‫‪ -12‬ما ُّ‬
‫تفرد البخاري بها في صحيحه؟ ‪120 .................‬‬
‫‪ -13‬هل هناك أحاديث َّ‬

You might also like