Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 36

‫نبذة مختصرة عن الشيخ سيدي باب رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫هو محيى السنة‪ ،‬ومجدد القرن الرابع عشر (بال منازع) اإلمام المجتهد المصلح‬
‫العالمة أبو محمد الشيخ سيدي بابه بن الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدي الكبير بن‬
‫المختار بن الهيبه االنتشائي األبياري‪ ،‬وأمه مريم بنت عبد الودود بن أربيه األبييرية‬
‫ثم المحمدية‪.‬‬
‫ولد سحر ليلة الجمعة فى الثانى عشر من ربيع األول سنة ‪ 1277‬للهجرة‪ ،‬وتوفي‬
‫جده وله سبع سنوات‪ ،‬ووالده وعمره ثمان سنين‪.‬‬
‫وحفظ القرآن ولما يبلغ العاشرة من عمره‪ ،‬وأخذ العلم على علماء حضرته من‬
‫تالمذة أبويه‪ ،‬فأجازوه فى مدة يسيرة فى جميع ما تعلم عليهم‪ ،‬وكان بعضهم يقول‪:‬‬
‫أتانا لنعمله فصار يعلمنا!‬
‫ولما بلغ العشرين من عمره‪ ،‬تاقت نفسه إلى معرفة الحق من منبعيه األصليين كتاب‬
‫هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فعكف على االشتغال بهذين األصلين‬
‫وعلومهما‪ ،‬وأدمن المطالعة والبحث فى كتب المتقدمين‪ ،‬واجتمع لديه من أمهات‬
‫الكتب والموسوعات‪ ،‬فى شتى المجاالت‪ ،‬ما لم يجتمع لغيره من علماء هذه البالد‪،‬‬
‫"فكان يستجلبها من اآلفاق النائية‪ ،‬باألثمان الغالية وينسخ منها ما لم يكن مطبوعا"‪،‬‬
‫حتى إنه اجتمع لديه ذات ليلة ما ينيف على مائة كتاب من كتب المذهب الحنفي‪.‬‬
‫كان يدعو الناس من حوله إلى التوحيد الخالص هلل تعالى‪ ،‬ويحذرهم من الشرك‬
‫والخرافة واالبتداع فى الدين‪ ،‬ويأمرهم باتباع منهج السلف الصالح‪ ،‬أهل القرون‬
‫المزكاة‪ ،‬ويحثهم على اتباع الدليل‪ ،‬وترك التقليد األعمى‪ ،‬وله مؤلفات وأشعار كثيرة‬
‫فى ذلك‪.‬‬
‫يقول عنه سبطه العالمة المحدث محمد بن أبى مدين رحمه هللا تعالى‪" :‬وكانت‬
‫شمائله الطيبة‪ ،‬وسجاياه السنية‪ ،‬وأخالقه المرضية‪ ،‬وصنائعه البعيدة من التكلف‪،‬‬
‫وصالته المتهاطلة‪ ،‬عنوانا على خلوص نيته‬ ‫البرئية من التصنع‪ ،‬وإنفاقاته المتفوقه‪ِ ،‬‬
‫لوجه ربه الكريم‪ ،‬فلذلك وضع له ربه المحبة والمهابة فى قلوب العباد‪ ،‬والذكر‬
‫الحسن فى جميع البالد"‪.‬‬
‫وكان ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬رجل سياسة محنكا‪ ،‬أوتي الحكمة‪ ،‬وفصل الخطاب‪ ،‬والتوفيق‬
‫والتسديد‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن هذه البالد رغم ما فيها من علم وأدب وأخالق‪ ،‬كانت إلى ذلك‬
‫تعصف بها الحروب الطاحنة‪ ،‬واالضطرابات الداخلية‪ ،‬والفتن منذ عصور بعيدة؛‬
‫وقد حاول العلماء والمصلحون إخمادها‪ ،‬فلم يتسن لهم ذلك‪ ،‬وكان من أبرز هؤالء‬
‫الشيخ سيدي الكبير الذى عقد مؤتمر تندوجه الشهير عام ‪1856‬م‪ ،‬إلصالح ذات‬
‫البين‪ ،‬وتوحيد الصف‪ ،‬وجمع الكلمة‪ ،‬لنصب إمام‪ ،‬وإقامة كيان يسود فيه األمن‬
‫واالستقرار‪ ،‬ويستطيع أهله أن يتصدوا للعدو الخارجي الذى يتربص بهم الدوائر‪،‬‬
‫ويعد عدته لالنقضاض عليهم‪ .‬وقد حضر المؤتمر المذكور أعيان البلد من علماء‬
‫وأمراء وقادة رأي‪ ،‬وفى أجواء هذا االجتماع التاريخي العظيم أنشأ والد صاحبنا‬
‫الشيخ سيدى محمد قصيدته الرائية المطولة الفريدة فى الحث على الجهاد‪ ،‬والقضاء‬
‫على اللصوص والمحاربين الذين يعيثون فى األرض فسادا‪.‬‬
‫وبعد وفاة الشيخين استعر أوار الحروب‪ ،‬وعادت الفتن إلى حالها األول أو أشد‪.‬‬
‫وفى تلك األثناء‪ ،‬وإبان تلك الفوضى العارمة دخل الفرنسيون البالد من جهة‬
‫الحوضين‪ ،‬وأبرموا مع قادة تلك المنطقة صلحا دخلوا بموجبه أرض موريتانيا‪ ،‬من‬
‫الناحية الشرقية‪ .‬ويوجد بأيدينا تقرير كابوالنى الذى عقد بنفسه تلك المهادنة مع‬
‫زعماء الحوض‪ .‬وبعد رفعه التقرير المذكور إلى السلطات االستعمارية قرر إعادة‬
‫التجربة من الجنوب‪ ،‬فالتقى بالشيخ سيدي بابه والشيخ سعد أبيه‪ ،‬وأميري الترارزة‬
‫والبراكنة‪ ،‬وتم عقد مهادنة بين الطرفين؛ علما بأن اإلمارتين‪ ،‬بحكم موقعهما‪ ،‬كانتا‬
‫على اتصال مباشر بالفرنسيين من قديم‪ ،‬وكانتا تتعامالن معهم فى إطار تجارة‬
‫الصمغ وغيرها‪.‬‬
‫وبحكم الضرورة أفتى الشيخ سيدي بابه بأهمية مهادنة الغزاة‪ ،‬لوضع حد للسيبة‬
‫والفوضى العارمة‪ .‬وسعى إلى وضع أسس الدولة‪ ،‬تجسيدا لفكرة أبيه وجده‪ .‬وقد‬
‫القى مشروعه تأييدا واسعا فى منطقته وغيرها‪ ،‬والقى معارضة من جهات أخرى‪.‬‬
‫لكن مع مرور الزمن رجع طائفة من العلماء والقادة إلى رأيه‪ ،‬واعتبروه مصيبا فى‬
‫ظل األوضاع القائمة‪.‬‬
‫وفى يوم الخميس ‪ 3‬من جمادى اآلخرة ‪ 1342‬للهجرة (م ‪ )1924/10/01‬توفي‬
‫الشيخ سيدي بابه رحمه هللا تعالى‪ ،‬مخلفا تراثا علميا ضخما‪ ،‬وجوا سنيا سلفيا‬
‫ناصعا‪ ،‬ومشروعا دينيا إصالحيا تجديديا عظيما‪ ،‬وآخر سياسيا إصالحيا قامت على‬
‫أساسه الدولة الموريتانية الحديثة‪ .‬فبجهوده الجبارة‪ ،‬وفكره الناضج‪ ،‬واطالعه‬
‫الواسع على أحوال الزمان والمكان‪ ،‬وبفضل سعة علمه‪ ،‬وبعد نظره‪ ،‬وحنكته‬
‫السياسية‪ ،‬استطاع أن يضمن لهذه البالد كيانا مستقال عن األطماع اإلقليمية‪ ،‬وأن‬
‫يقيم فيها نظاما يوقف نزيف الدماء‪ ،‬ويقضى على الحرابة والتلصص وقطع‬
‫الطريق‪ .‬فما عرفت هذه البالد بعد حكم المرابطين دولة مركزية تضبط الشؤون‬
‫العامة‪ ،‬وتبسط نفوذها على هذه المنطقة قبل هذه الدولة الموريتانية الحديثة التى‬
‫سعى الشيخ سيدي بابه إلى وضع أسسها وقواعدها‪ .‬ولقد اشترط على الفرنسيين أن‬
‫ال يتدخلوا فى الدين واألخالق‪ ،‬وأن يقبلوا شفاعته فى جميع المسلمين؛ ولم يقبل منهم‬
‫راتبا وال وساما‪ ،‬وال تنازل لهم عن شيء من أحكام الشريعة أو مبادئها‪ .‬بل استطاع‬
‫بحكمته العجيبة أن ينشر عقيدته السلفية ومذهبه السني فى تلك الحقبة بالذات‪.‬‬
‫ويظهر من كتاباته وتعامله مع المستعمر أنه كان يوقن بقرب رحيل الفرنسيين‪ ،‬وأن‬
‫عقد الهدنة ما هو إال ألمد محدود‪ ،‬وأجل مسمى‪.‬‬
‫علم من أعالم‬‫باب ولد الشيخ سيديّا؛ عالم وشاعر ومجدد إسالمي من بالد شنقيط‪ ،‬و َ‬
‫األمة اإلسالمية ورموزها‪ ،‬وصاحب رؤية سياسية تنطلق من محورية األمن‬
‫واالستقرار وتركز على الواقع وتستحضر المآالت‪ ،‬وبناء على ذلك قَبِل التعامل مع‬
‫االحتالل الفرنسي صونا لدماء المسلمين وأعراضهم‪ ،‬كما ساهم في قيام الدولة‬
‫المركزية في موريتانيا‪ ،‬وهو من الذين أخذوا على عاتقهم تنقية ما أثر على مفاهيم‬
‫اإلسالم من أردان الشعوذة والدجل في القرن الـ‪ 19‬وبداية القرن الـ‪ ،20‬حتى توفي‬
‫عام ‪.1924‬‬
‫المولد والنشأة‬
‫ولد باب ولد الشيخ سيديّا عام ‪ 1860‬في مدينة بوتلميت‪ ،‬التي تبعد ‪ 150‬كيلومترا‬
‫شرق العاصمة نواكشوط‪ ،‬ونشأ في بيت أبيه الشيخ سيدي محمد وجده الشيخ سيدي‬
‫الكبير المعروفين بمكانتهما االجتماعية والعلمية والروحية في غرب أفريقيا‪.‬‬
‫وتعد عائلة آل الشيخ سيديّا مدرسة علمية ضاربة الجذور في العمق المعرفي وذات‬
‫تأثير كبير في المجتمع الموريتاني‪.‬‬

‫فوالده سيد محمد من أبرز الشعراء في عصره‪ ،‬وله مكانة علمية وأدبية متميزة‪ ،‬كما‬
‫أن جده الشيخ سيديا الكبير كان من أشهر العلماء وشيوخ التصوف في بلده وله‬
‫مكانة علمية كبيرة تستقطب طالب العلم والقاصدين للحاجات من كل حدب وصوب‪.‬‬
‫وفي ذلك العطاء الثقافي الغزير نشأ الشيخ باب وعاش بدايات طفولته في حضن‬
‫والده وجده‪.‬‬
‫وعندما بلغ الثامنة توفي جده ووالده‪ ،‬فعاش في ظالل الحاضنة العلمية والروحية‬
‫لوالديه‪ ،‬وتولى الزعامة القيادية للقبيلة قبل أن يبلغ الحلم فكانت طفولته مثقلة بحمل‬
‫شؤون مجتمعه ومشاكل األتباع والمريدين ألسرته‪.‬‬
‫إعالن‬
‫الدراسة والتكوين‬
‫بدأ في الدراسة منذ نعومة أظافره‪ ،‬وأبصر نور العلم في محظرة والده (وهي جامعة‬
‫بدوية تدرس فيها جميع العلوم الشرعية واللغوية وهي سمة للثقافة الشنقيطية) فأكمل‬
‫حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ سن العاشرة‪.‬‬
‫تفرغ بعدها لدراسة العلوم الشرعية واللغوية على يد عدد من العلماء كالشيخ أحمدو‬
‫بن سليمان الديماني‪ ،‬والشيخ محمدو بن حنبل الحسنين والشريف الشيخ أحمد بن‬
‫ازوين‪ ،‬وغيرهم من أعيان العلماء‪.‬‬
‫فأحاط بكل الفنون التي ت ُ َّ‬
‫درس في بالد شنقيط‪ ،‬كما أعانته المكتبة الكبيرة التي تركها‬
‫والده على المطالعة في شتى المؤلفات‪ ،‬حتى تفتحت مداركه وتوسعت نظرته‪،‬‬
‫فخرج من عباءة الضيق والجمود إلى رحاب التجديد والتوسع‪.‬‬

‫وبفعل العناية التي حظي بها والملكات العقلية التي حباه هللا بها‪ ،‬تصدّر المجالس‬
‫العلمية في مرحلة مبكرة من شبابه‪ ،‬وأصبح واحدا من العلماء الذين يُرجع لهم في‬
‫حل المشكالت والمستجدات الفقهية‪ ،‬فذاع صيته وانتشر أمره بين الناس‪.‬‬

‫التوجه الفكري‬
‫تلقى الشيخ باب ولد الشيخ سيديا تعليمه في بيئة شنقيطية تلتزم بالمذهب المالكي‬
‫وتتشبث بفروعه وحيثياته‪ ،‬كما عايش انتشار التيارات والطرق البدعية التي تدّعي‬
‫اعتناقَ المذهب الصوفي‪ ،‬فنادى بضرورة الرجوع إلى أصل الدين والسير في نهج‬
‫سلف األمة الصالح‪ ،‬في االلتزام بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫وقد وقف في وجه أهل البدع والنحل‪ ،‬وحارب الم ْشيخة الصوفية النفعية التي كانت‬
‫مزدهرة آنذاك‪ ،‬وطالب بالكف عن أكل أموال الناس بلباس العلم والرقية والتدين‪.‬‬
‫وكان من الدارسين لمؤلفات ابن تيمية‪ ،‬كما كان يطالع من بين مطالعات عديدة مجلة‬
‫العروة الوثقى التي تنظر للنهضة واإلصالح في القرن الـ‪.19‬‬
‫ورغم كل ذلك فقد كان بعيدا عن التشدد والغلو في الدين‪ ،‬بل كان يصادق‬
‫المتصوفين الربانيين‪ ،‬وال يتبنى نظريات التكفير‪ ،‬فقامت مدرسته الفكرية على‬
‫االلتزام باألصل والدليل والتعايش مع الواقع وعالج مساوئه‪.‬‬

‫وقد طرق فتح باب التجديد واالجتهاد‪ ،‬الذي لم يكن معروفا في الصحراء وغرب‬
‫أفريقيا‪ ،‬ونادى بضرورة االعتماد على الدليل الشرعي وعدم التعصب لمذهب معين‪،‬‬
‫واالنفتاح على جميع المذاهب الفقهية‪.‬‬

‫موقفه من االستعمار الفرنسي‬


‫كانت موريتانيا في القرن الـ‪ 19‬تعيش على وقع االقتتال والتناحر بين اإلمارات‬
‫القبلية‪ ،‬التي نتج عنها الصراع العشائري وانتشار الظلم واالضطهاد والسلب والقتل‪،‬‬
‫ولم تكن هنالك سلطة مركزية تشكل حماية للناس‪ ،‬بل كانت البالد في حالة من‬
‫الشغب والفوضى حتى سميت بـ"بالد السيبة" أي البالد السائبة التي ال يحكمها أحد‪.‬‬
‫وقد عايش الشيخ باب تلك األزمات‪ ،‬واعتبر دخول المستعمر قادما ال محالة‪ ،‬فرأى‬
‫التعامل معه ضرورة ملحة من أجل وجود سلطة مركزية تبسط األمن واالستقرار‬
‫وتقوم برعاية المصالح العامة من جهة‪ ،‬وألن المواجهة معه غير متأتية ولم يكن‬
‫مقدورا عليها من جهة أخرى‪.‬‬
‫وكان من أوائل الذين أجازوا التعامل مع االستعمار الفرنسي‪ ،‬ووقع مع الفرنسيين‬
‫اتفاقا مهد لدخولهم البالد عام ‪ ،1903‬ومن بنوده أال يتعرضوا للناس في شعائرهم‬
‫وعباداتهم‪ ،‬وأن يلتزم النصارى بعدم السعي إلى إخراج الناس من دينهم‪.‬‬
‫وقد انطلق في موقفه المجيز للتعامل مع المستعمر من قاعدة سد الذرائع والحفاظ‬
‫على أرواح المسلمين‪ ،‬ذلك أن اإلمارات األهلية في فترته كانت تعيش صراعا‬
‫دمويا‪ ،‬كما أن الحروب القبيلة واالنفالت األمني من أبرز المظاهر التي عايشها‪،‬‬
‫فرأى جواز االستعانة بالفرنسيين لبسط األمن ونشر السكينة بين السكان‪.‬‬
‫كان للشيخ باب ولد سيديا صالت قوية وعالقات وطيدة وصداقة شخصية مع الحاكم‬
‫الفرنسي "كزافييه كبالني"‪ ،‬وبعد مقتله من طرف المجاهدين عام ‪ 1905‬نسج‬
‫عالقات خاصة مع خلفه الجنرال هنري غورو‪ ،‬وطلب من الناس الدخول في حكمه‪.‬‬
‫ووافق توجهه بمهادنة المستعمر عدد من العلماء الذين اعتمدوا طرحه الفكري‪ ،‬ومن‬
‫أبرز الذين ساروا معه الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل‪.‬‬
‫لكن عددا آخر من العلماء والمجاهدين كانوا على نقيض كامل مع مواقفه‪ ،‬فأفتوا‬
‫بوجوب الجهاد ضد الفرنسيين مثل العالمة الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل‬
‫والعالمة الشيخ محمد العاقب بن مايابى‬

‫المؤلفات‬
‫ترك الشيخ باب الكثير من المؤلفات‪ ،‬التي تعكس مشاكل الواقع الذي كان يعيشه‪،‬‬
‫ومن أبرز كتبه التي طبعت‪:‬‬
‫"إرشاد المقلدين عند اختالف المجتهدين"‪ ،‬وهو الكتاب الذي عكس‬ ‫•‬
‫منهجه في االجتهاد وضرورة التوسع في الفهم واالنفتاح على جميع المذاهب‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫"رسالة في إعجاز القرآن"‪.‬‬ ‫•‬
‫"رسالة في كيفية الصالة وما يقال فيها"‪.‬‬ ‫•‬
‫"تاريخ إمارتي مشغوف وإدوعيش"‪.‬‬ ‫•‬
‫وكان الشيخ باب سلس العبارة وشاعرا بالطبيعة‪ ،‬فقد تميز شعره بجودة المبنى‬
‫وقرب المعنى‪ ،‬حتى طرق جميع األغراض من نسيب وغزل ورثاء ومديح‪ ،‬وأكثر‬
‫من اإلرشاد والوعظ‪.‬‬
‫وقد اختيرت إحدى قصائده نشيدا وطنيا لموريتانيا منذ استقاللها ‪ 1960‬حتى عام‬
‫‪ 2017‬حيث جاءت الحكومة بتعديالت دستورية طالت النشيد والعلم للتعبير عن‬
‫تضحيات جيل مقاومة االستعمار‪.‬‬
‫ومن شعره في التضرع واللجوء إلى هللا‪:‬‬
‫وأنت من ترتجى من عنده الحا ُج‬ ‫رحماك محتا ُج‬
‫َ‬ ‫يا ربّ إني إلى‬
‫ال ريب في أنه للفوز منها ُج‬ ‫منهاج قصدك للحاجات إن حضرت‬
‫منه سيحمد عند الصبح إدال ُج‬ ‫ومن يؤمك للحاجات معتمدا‬
‫الوفاة‬
‫توفي ظهر الخميس العاشر من يناير‪/‬كانون الثاني ‪ 1924‬بعد صراع مع المرض‪،‬‬
‫ودفن في مقبرة العائلة بالبعالتية في ضواحي مدينة بوتلميت‪.‬‬
‫باب ولد الشيخ سيديا‬
‫الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير‪ ،‬سيد وقته‪ ،‬وإمام‬
‫عصره‪ ،‬وورع زمانه‪ ،‬وأعجوبة دهره‪ ،‬وفاروق أوانه‪ ،‬ذو األخالق المرضية‪،‬‬
‫واألحوال الصالحة السنية‪ ،‬واألعمال الفاضلة الزكية‪ ،‬حامل لواء السنة‪ ،‬وداحض‬
‫شبه البدعة‪ ،‬سيف هللا المسلول على أهل البدع واألهواء الذائعة‪ ،‬كان أش ّد الناس في‬
‫دين هللا‪ ،‬وأحفظهم للسنّة‪ ،‬يغضب لها ويندب إليها‪ ،‬ويشنع على البدع وأهلها‪ ،‬واشتد‬
‫نكيره على المفاسد والخرافات ومن يروجون لها‪ ،‬أقام صرح الدين الصحيح والسنة‬
‫المطهرة وأرشد الناس إلى أن يتمسكوا بالوحيين‪.‬‬
‫اشتهر بلقبه ( باب )‪ ،‬ويقال له الشيخ سيدي باب جمعا بين االسم واللقب‪ ،‬وتمييزا‬
‫له عن جده الشيخ سيدي الكبير‪ ،‬وكنيته أبو محمد ولد الشيخ سيدي (باب) عام‬
‫‪ ۱۲۷۷‬هـ ‪ ،‬ونشأ في بيئة علمية متدينة‪ ،‬فهو من عائلة ذات شهرة دينية‪ ،‬وعلمية‬
‫كبيرة‪ ،‬لها مكانة في المجتمع الموريتاني‪ ،‬ال تستطيع أن تظفر بمثلها عائلة أخرى‬
‫في البالد‪ .‬يقول محمد يوسف مقلد‪ :‬أنت إذا طفت موريتانيا‪ ،‬أو زرت بعض‬
‫نواحيها فقط فإنك ستسمع أسماء عائالت معروفة مشهورة كأنها أسماء العواصم‪ ،‬أو‬
‫اسماء الشعوب‪ ،‬ولكن عائلة آل الشيخ سيدي عائلة ال تضاهيها عائلة أخرى في‬
‫العلمية‪ ،‬والشهرة‪ ،‬ال في القديم‪ ،‬وال في الحديث‪.‬‬
‫كان ‪-‬رحمه هللا‪ -‬آية هللا في تحقيق العلوم‪ ،‬واالطالع المفرط على النقول‪ ،‬والقيام‬
‫األكمل على الفنون بأسرها‪.‬أما الفقه فهو فيه مالك‪ ،‬وألزمة فروعه حائز ومالك‪ ،‬إلى‬
‫ما انضم لذلك من معرفة التفسير ودرره‪ ،‬واالطالع بحقائق التأويل وغرره‪ ،‬إلى‬
‫اإلحاطة بالحديث وفنونه‪ ،‬وحفظ رواياته ومعرفة متونه‪ ،‬ونظم أنواعه‪ ،‬ووصف‬
‫فنونه‪ .‬وأما زهده وصالحه فقد سارت به الركبان‪ ،‬واتفق على تفضيله وخيرته‬
‫الثقالن‪ ،‬هو فاروق وقته في القيام بالحق‪ ،‬ومدفعة أهل البدع بالصدق‪ ،‬وبالجملة‬
‫فالوصف يتقاصر عن مزاياه‪ ،‬ويعجز عن وصفه ويتحاماه‪ ،‬فهو شيخ العلماء في‬
‫أوانه‪ ،‬وقطب األئمة والمصلحين في زمانه‪.‬‬
‫سألت أحدهم ــ ذات مرة ــ عن الشيخ سيدي باب ممن كان قد رآه‪ ,‬فقال لي واصفا‬
‫إياه ما معناه‪ :‬شيخنا اإلمام العالم العلم‪ ,‬جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حف ً‬
‫ظا‬
‫وفه ًما وتحقيقًا راسخ القدم‪ ,‬رافع لواء اإلمامة بين األمم‪ ,‬ناصر الدين بلسانه وبيانه‬
‫وبالعلم‪ ,‬محيي السنة بفعاله ومقاله وبالشيم‪ ,‬قطب الوقت في الحال والمقام والنهج‬
‫الواضح والسبيل األقوم‪ ,‬مستمر اإلرشاد والهداية‪ ,‬والتبليغ واإلفادة‪ ،‬ذو الرواية‬
‫والدراية والعناية‪ ،‬مالزم للكتاب والسنة على نهج األئمة المحفوظين من البدع في‬
‫َّللا إال من رحم‪ ،‬ذو همة علية‪ ,‬ورتبة سنية‪ ,‬وخلق رضية‪,‬‬ ‫زمن ال عاصم فيه ألمر َّ‬
‫وفضل وكرم‪ ،‬إمام األئمة‪ ,‬وعالم األمة‪ ,‬الناظر للحكمة‪ ,‬سليل الصالحين‪ ,‬وخالصة‬
‫مجد التقى والدين‪.‬‬
‫في هذه البيئة العلمية نشأ الشيخ سيدي باب‪ ,‬فكان لها أثرها على شخصيته العلمية‪,‬‬
‫وال غرو في ذلك فقد كانت مدينة بتلميت التي هي مقر عائلته‪ ،‬مورد طالب العلم‪.‬‬
‫شهرة الشيخ سيدي الجد علما وعمال وصالحا وزعامة دينية حكيمة شاملة لجميع‬
‫نواحي البالد بحيث يعتبر أكبر مصلح بما لكلمة “اإلصالح” من معنى‪ :‬إصالح ذات‬
‫البين بين األمراء فيما بينهم إن تشاجروا وقامت الحرب بينهم على ساق‪ ،‬واإلصالح‬
‫بين القبائل المتناحرة‪ ،‬واإلصالح بين األفراد المتنافرة‪ ،‬وإصالح النفوس ورياضتها‬
‫لتنقاد ألمر ربها امتثاال واجتنابا‪ ،‬إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف‬
‫البديعة والنصائح القيمة‪ ،‬إلى دماثة خلق وتحمل مشقة غرف بهما في رحلته الطويلة‬
‫في طلب العلم‪ ،‬إلى نصرة المظلوم‪ ,‬وإعانة المنكوب‪ ,‬والصبر على جفاء الجافي‪,‬‬
‫ودفعه بالتي هي أحسن‪ ،‬بحيث صار حرما آمنا يلجأ إليه الخائف ويفر إليه الجاني‪،‬‬
‫متعززا بتقوى هللا تعالى‪ ,‬مكتفيا به عما سواه‪ .‬ويقال من خاف هللا خافه كل شيء‪,‬‬
‫حتى صارت سمته على المواشي أمانا لها من اللصوص الناهبين‪ ,‬فصار بعض‬
‫الناس يضعها على مواشيه خوفا عليها‪ ,‬وفي هذا يقول العالم الشاعر أبد بن محمود‬
‫العلوي يخاطب باب بن الشيخ سيدي محمد‪ :‬أنسى الورى بلدانهم وغدت لهم *‬
‫بلدانه سلمى البالد ومنعجا من لم ي ُخ َّ‬
‫ط البا بلوح خَطه * يُمنَى التليل تحصنا مما‬
‫ف َجا زيادة على علمه الواسع الغزير‪ ,‬وزعامته للقبائل المحيطة به‪ ,‬واهتمامه بهذا‬
‫القطر أجمع‪ ,‬وبعد غور عقله‪ ,‬وجودة رأيه‪ ,‬وتبصره في األمور‪ ,‬وحزمه وشدة‬
‫شكيمته في الحق‪ ,‬وسياسته المعتدلة‪ ،‬ال تهور وال تأخر‪ ،‬إلى أدب لطيف‪ ,‬وورع‬
‫حاجز‪ ,‬ونسك عربي‪ ,‬وتحكيم للسنة‪ ,‬واتباع لها‪ ,‬وعرض المعلومات المأخوذات عن‬
‫الشيوخ األجالء على أدلة الكتاب والسنة ‪ .....‬والقواعد الشرعية قبوال وردا‪،‬‬
‫وشجاعة على الخروج عن المألوف أو الرأي الموروث إن ظهر له فيه تحرف أو‬
‫تحيز‪ ،‬مع أدب مع الجميع وإنصاف‪ .‬كل هذه العوامل تجسدت في شخصية الشيخ‬
‫سيدي باب وانسجمت في سلوكه وتصرفاته بال تناقض وال تنافر فكأنها خصلة‬
‫واحدة مركبة من خصال يخدم بعضها بعضا‪ ,‬فكان دعاء أبيه مخاطبا أباه من‬
‫قصيدته المشهورة‪( :‬رجز) وأن يبارك لكم في العقب ***منكم فيحظى بثبات‬
‫العقب وحيث إن كل جانب من هذه الجوانب المتعددة لو أرسل الكاتب فيه عنان‬
‫قلمه كان مجلدا‪ .‬حفظ القرآن الكريم وهو دون عشر سنين ثم أكب على طلب العلم‬
‫وأخذه من علماء تالمذة أبوية مع ذكاء خارق وجد ال يعرف الراحة‪( :‬خفيف)‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها األجسام‬
‫اشتغل بتحصيل العلم على كبار علماء بالده‪ ،‬ومن أشهر العلماء الذين أخذ عنهم‬
‫الشيخ محمد بن السالم البوحسني‪ ،‬والشيخ محمد بن حنبل بن الفال البوحسني‪،‬‬
‫والشيخ أحمد بن سليمان الديماني جد العالم الجليل المحدث محمد بن أبي مدين‪،‬‬
‫والشريف ‪.‬الشيخ أحمد بن ازوين‪ ،‬من قبيلة أهل [ بابية]‪ .‬ويقول طالب الشيخ‬
‫سيدي الكبير‪ :‬إن الشيخ أحمد ابن ازوين هذا هو الذي مأل الفراغ العلمي بعد الشيخ‬
‫سيدي الكبير‪ .‬عكف على كتاب هللا تعالى وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫واستجلب الكتب من اآلفاق النائية‪ ،‬باألثمان الغالية‪ ،‬واستنسخ منها ما لم يكن‬
‫مطبوعا‪ ،‬حتى اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من أهل بالده ‪ ..‬وأقبل عليها‪ ،‬قراءة‬
‫وتدريسا ‪ ،‬وتصنيفا‪ ،‬بجد‪ ،‬وحرص بالغ في التحصيل العلمي‪ ،‬مع ما يتمتع به به من‬
‫الذكاء المفرط والحفظ النادر‪ .‬وكان إذا استفاد كتابا من الكتب التي كانت عنده ولو‬
‫كانت أجزاؤه كثيرة‪ ،‬كتفسير الطبري‪ ،‬وفتح الباري مثال‪ ،‬ال يضعه حتى يتصفحه‬
‫ورقة ورقة‪ ،‬ويعلق على ما فيه من غوامض وأخطاء‪ ،‬ويستقصيه استقصاء‬
‫كامال‪ .‬ولما درس السنة‪ ،‬جعلها نصب عينيه‪ ،‬وعمل بها وأصبحت تدور عليها‬
‫سائر أموره‪ ،‬عقيدة‪ ،‬وشريعة‪ ،‬وسلوكا‪ ،‬بل في حركاته‪ ،‬وسكناته ‪ ,‬وكان ال يخشى‬
‫في الحق لومة الئم‪ ،‬وال يبالي بما يصيبه في سبيله‪ ،‬وقد أقبل الناس عليه‪ ،‬والتفوا‬
‫حوله‪.‬‬
‫ولما كثرت كتبه بنى لها دارا لصيانتها‪ ،‬والناس إذ ذالك في هذه البالد بدو ال‬
‫يضعون لبنة على لبنة‬
‫وقيل في رثائه مشيرا لهذه الدار(طويل)‪:‬‬
‫فيض دموعها * وتبكي طروس سطرت وقالم‬
‫ُ‬ ‫وحق لكثب الطبع‬
‫فقد شاد حول البيت صرحا ممردا * لها إذ غدت عنها تضيق خيام‬
‫ويقول باب نفسه في ذلك‪( :‬بسيط)‬
‫بوركت يا دار كتب العلم من دار * وجاد أرضك غادي المزن والساري‬
‫ودام مجدك محفوظا سرادقه **طول الزمان من المولى بأسوار‬
‫والتزل نعم الرحمان مقبلة ** إليك غير مشوبات بأكدار‬
‫ونلت فتحا مبينا غير منقطع * في العلم ِزين من التقوى بإثمار‬
‫وكان أهلك دأبا كل متبع **نهج الرسول بإيراد وإصدار‬
‫ال يصرف العمر في لهو وال لعب ** بل في علوم وآداب وأذكار‬
‫طورا إلى أحرف القرآن وجهته * وما تضمن من معنى وأسرار‬
‫وتارة ينتحي ما جاء من سنن * عن النبي وأخبار وآثار‬
‫إلى أصول إلى فقه إلى سنن **من التصوف لم يوصف بإنكار‬
‫إلى فنون من اآلالت مظهرة ** من المقاصد مستورا بأستار‬
‫ألفى بمغناه ما يبغيه من أرب * فقر عينا بفضل الخالق الباري‬
‫فالحمد هلل في بدء ومختتم * والحمد هلل في جهر وإسرار‪.‬‬
‫وكان له مجلس علمي يضم جماعة من كبار علماء وقته‪ ،‬يتطارحون فيه المسائل‬
‫ويبحثون في القضايا النازلة‪ ،‬وربما في أحكام بعض القضاة إذا احتيج للنظر فيها‪.‬‬
‫وكانت أوقاته مقسومة بين إقامة فرائضه التي يبالغ في االحتياط فيما تبرأ به الذمة‬
‫ويخرج به من العهدة‪ ،‬ويحصل به الكمال في الصالة ‪ ،‬فرائض وسننا وآدابا ‪ ،‬يطيل‬
‫في المواضع التي يسن فيها التطويل‪ ،‬ألنه يرى أن التخفيف الذي تؤمر به األئمة‬
‫نسبي ال يمكن ضبطه إال بما صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫هذا‬ ‫وأصحابه‪ ,‬كما هو مذهب المحققين ال كما يقول المتأخرون من الفقهاء المقلدة‪.‬‬
‫مع إدامة النوافل والسعي في مصالح المسلمين والشفاعة الحسنة فيهم عند الحكام‬
‫واستقبال الوفود القادمة وتفقد أحوال المتعلقين به في دنياهم ودينهم والقيام بحقوقهم‪،‬‬
‫كل بنسبة ما يحاول‪ ،‬وإدمان المطالعة من غير ملل وال فتور ليال ونهارا‪ ,‬قليل النوم‬
‫ليال‪ ,‬وقيل إنه لم ير مضطجعا نهارا وأعطي في كل هذا قوة ال تتأتى لغيره‪.‬‬
‫وتثمر هذه المطالعة إفادات وزيادات وتحقيقات تُتحف بها جلساؤه فال يفترقون إال‬
‫عن ذواق ربما تكون أنفع لطالب العلم وأسرع في التحصيل وأجمع للشوارد النادرة‬
‫التي ال تتاح إال للراسخين في العلم المستنبطين للعلم من منبعه األصلي‪ :‬كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ربما تكون أنفع من االشتغال بالمتون المختصرة حفظا وفهما وأقرب إلى‬
‫منهجية أخذ العلم زمان النبوءة‪ ،‬وإن كان االشتغال بالمتون أيضا مهما نافعا ال‬
‫يستغنى عنه‪.‬‬

‫وقد حرر الشيخ باب مسائل مهمة جدا مما يتعلق بالعقيدة والقراءة والفروع‪ ،‬كانت‬
‫مثار جدل في القديم والحديث‪ ,‬ونظم في بعضها أنظاما كتب عليها أنقاال محررة‬
‫متنزلة على محل النزاع‪ ،‬حازة في المفصل‪ ،‬معزوة لمصادرها من الكتب المعتمدة‬
‫عند الجميع‪ ،‬فكانت تلك األنقال كالشروح لها تبيينا وتوثيقا‪.‬‬
‫وكان رحمه هللا ش ًجى في حلوق أهل األهواء المبتدعين‪ ،‬وإما ًما قائ ًما ببيان الحق‬
‫وحب ًْرا يقتدي به األخيار األَلبَّاء‪ ،‬طنَّت بذكره‬
‫وبحرا ال تك ّدِره ال ّدِالء‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫ون ُ ْ‬
‫صرة الدين‪،‬‬
‫ضنَّت بمثله األعصار‪ ,‬حتى قال أحدهم‪ :‬ما رأيتُ مثله وال رأى هو مثل‬ ‫األمصار‪ ،‬و َ‬
‫نفسه‪ ،‬وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬وال أتْبَ َع لهما منه‪.‬‬
‫موقفه من المتشابه‪ :‬منها مسألة التفويض والتأويل في المتشابه من آيات الصفات‬
‫وأحاديثها‪ ,‬وال يخفى أن الكل متفقون أن هللا جل وعال منزه عن سمات الحدوث‪،‬‬
‫علم مدلوله لغة‬
‫وأنه ليس كمثله شيء‪ ,‬وقد وردت آيات وأحاديث توهم التشبيه مما ُ‬
‫و ُجهل كيفية اتصافه به جل وعال‪ ،‬فقد اشتهر فيه مذهبان‪ :‬مذهب السلف ‪ :‬وهو‬
‫إمراره كما ورد‪ ،‬والتفويض فيه إلى هللا أي بأن نؤمن به على مراد هللا تعالى مع‬
‫تنزيهه جل وعال عن مشابهة المخلوقات‪ ,‬وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين ومن‬
‫بعدهم من القرون الفاضلة ‪ ،‬وعلى ذلك المحققون من الخلف‪ ,‬إذ لم يكلفنا هللا تعالى‬
‫بمعرفة مراده منه‪ ،‬ولو كان واجبا لبينه النبي صلى هللا عليه وسلم كما بين غيره‪,‬‬
‫ولسأله عنه الصحابة كما سألوه عن غيره‪.‬‬
‫ومذهب الخلف‪ :‬أي بعضهم‪ ،‬تأويله بالئق به جل وعال‪ ،‬ويقولون إن السكوت عنه‬
‫موهم للعوام وتنبيه للجهلة مع عدم إنكارهم للتفويض واعترافهم أنه أسلم‪.‬‬
‫والتأويل هو مذهب أبي الحسن األشعري الوسط بعد خروجه عن مذهب االعتزال‪,‬‬
‫واألول هو مذهبه األخير الذي رجع إليه في آخر عمره ورجع إليه الباقالني و إمام‬
‫الحرمين ‪ ,‬وحكى اإلجماع على منع التأويل الغزالي والفخر الرازي وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وقد نظم باب في هذا نظما مبينا أن الراجح من المذهبين هو التفويض بل هو‬
‫المتعين الذي ال يجوز غيره‪ ,‬ألن المؤول ليس على يقين من مطابقة ما أول به لمراد‬
‫هللا تعالى ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقد يكون معطال بنفي صفة أثبتها هللا تعالى‬
‫لنفسه‪ ،‬ال سيما والمصيب في العقيدة واحد بين المخطئة والمصوبة‪ ،‬والمخطئ فيها‬
‫غير معذور‪ ،‬ال يخالف ذلك إال من ال يعتد بخالفه‪ .‬فقال‪( :‬رجز)‬
‫ما أوهم التشبيه في آيات **وفي أحاديث عن الثقات‬
‫فهو صفات ُوصف الرحمن *بها وواجب بها اإليمان‬
‫ثم على ظاهرها نبقيها *ونحذر التأويل والتشبيها‬
‫قال بذا الثالثة القرون ** والخير باتباعهم مقرون‬
‫وهو الذي ينصره القرآن * والسنن الصحاح والحسان‬
‫وكم رآه من إمام مرتضى * من الخالئف بناظر الرضا‬
‫ومن أجاز منه ُم التأويال * لم ينكروا ذا المذهب األصيال‬
‫والحق أن من أصاب واحد **السيما إن كان في العقائد‬
‫ووافق النص وإجماع السلف *فكيف ال يتبع هذا من عرف‬
‫ومن تأول فقد تكلفا ** وغير ما له به علم قفا‬
‫وفي الذي هرب منه قد وقع * وبعضهم عن قوله به رجع‬
‫حتى حكى في منعه اإلجماعا * وجعل اجتنابه اتباعا‬
‫وقد نماه بعض أهل العلم * من األكابر لحزب جهم‬
‫فاشدد يديك أيها المحق * على الذي سمعت فهو الحق‬
‫تحريره لمسألة الضاد‪ :‬ومما حرر الشيخ سيدي باب مسألة الضاد‪ ,‬وذلك أن من‬
‫المعلوم عند من له نظر في كتب التجويد ومخارج الحروف وصفاتها‪ ،‬ما فيها من‬
‫أن الضاد مما تختص العرب بالنطق به سليقة‪ ،‬وصاروا يقولون لغة الضاد يعنون‬
‫لغة العرب‪ .‬وقال أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫ُ‬
‫وغيث الطريد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وغوث الجاني‬ ‫وبهم فخر كل من نطق الضا * د‬
‫وأنها أصعب الحروف‪ ،‬بحيث يتعذر النطق بها إال بالرياضة التامة‪ ,‬وأنها تشبه‬
‫الظاء وال تمتاز عنها إال باالستطالة والمخرج‪ ,‬ولهذا عسر التمييز بينهما وأن بينهما‬
‫ما يسمى عند علماء البديع بالجناس اللفظي‪ ،‬قال السيوطي في عقود الجمان‪:‬‬
‫(رجز)‪:‬‬
‫قلت وإن تشابها في اللفظ * كالضاد والظاء فذاك اللفظي‬
‫مثلهما في ذلك النون والتنوين وهاء التأنيث وتاؤه‪ .‬وقال الفخر الرازي في‬
‫تفسيره‪ ”. :‬إن التكليف بالفرق بينهما من تكليف ما ال يطاق‪ .‬وللحافظ ابن كثير في‬
‫أوائل تفسيره شيء من هذا‪ ,‬وأن الضاد حرف رخو يجري فيه الصوت جريائه في‬
‫بقية الحروف الرخوة‪ ،‬بل قيل إنه متفش‪ ،‬والتفشي أخص من الرخاوة‪ ،‬وأنه مستطيل‬
‫في مخرجه‪ ،‬وال كذلك غيره من الحروف‪.‬‬
‫ولما كان هذا مفقودا في ضاد العامة كثر القيل والقال فيها بين المتمسكين بالضاد‬
‫المألوفة من أنها هي التي بها الرواية‪ ،‬وقد يبحثون فيما فقد فيها من صفات ضاد‬
‫العرب وأنها هي التي ينطق بها األكثر ممن فيهم أعالم العلماء في األقطار‪،‬‬
‫ويجيبهم اآلخرون بأن من شروط الرواية موافقتها لما في كتب التجويد‪ ،‬وأنها إنما‬
‫ألفت لحفظ الرواية‪ ,‬فنظم الشيخ سيدي باب في هذه المسألة نظما جامعا وألف فيها‬
‫رسالة مستقلة أكثر فيها النقل عن أئمة القراءة والعربية‪ ،‬وأطال‪ ،‬ألن المقام يقتضي‬
‫اإلطالة‪ ،‬مبينا أن الضاد الرخوة التي ينطق بها هو ومن وافقه هي ضاد العرب‬
‫صفة‪ ،‬ومخرجا‪ ،‬رواية ودرايةوقال‪( :‬رجز)‬
‫ليمعن القارئ في الضاد النظر **عند احتجاجه بنص المختصر‬
‫هل ثم تمييز عسير جدا ** أو ثم حرف يتعب العبدا‬
‫وهل تطيق لفظه الصبيان * والقبط والبربر والسودان‬
‫فالضاد أصـعب حـروفهم بـال * تنـازع بيـن جميع الفـُـضــــــال‬
‫يز بينـها وبين الظـــــــاء * صعب لدى جمــاعة القُ َّ‬
‫ـــــراء‬ ‫والـ َم ُ‬
‫اللسان العجمي‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫عنَ اصحا ِ‬
‫بالتكلـــــم * بها َ‬
‫ِ‬ ‫واخـتصت الـعرب‬
‫بـل ذلك ال َمخرج بين الضــــاد * والظاء في ال ُمخرج عند النــــادي‬
‫والنـــــوادر‬
‫ِ‬ ‫النـاظـــــــــر** عبارة ُ المـــــــصباح‬
‫ِ‬ ‫يَـبـيـن ذاك للبيب‬
‫المنهــــــج ** والضا َد باستطالة ومــخــــرج”‬
‫ِ‬ ‫وليهده إلى ســواء‬
‫ُ‬
‫واالتــقــان بـــــــــه شَهــــــي ُد‬ ‫النشر والتــمهيــــ ُد * له‬
‫ُ‬ ‫ونص ذاك‬
‫َّ‬
‫صوت الظــاء‬
‫َ‬ ‫الـعربــــــــاء * ُم ْشبِ َهة في السمع‬
‫ِ‬ ‫وأن ضا َد العرب‬
‫والفجر فا ْنـظـُــرهُ له والجعـبري‬
‫َ‬ ‫ــظــر**‬
‫ِ‬ ‫ونــص ذاك في النهاية انـ‬
‫َّ‬
‫بـــــاس* في مبحـث اللفظي في الجناس‬
‫ِ‬ ‫وليس في تحقيقه من‬
‫واإلتــقــــان‬
‫ِ‬ ‫وشـرحها قـد جـاء‬
‫ِ‬ ‫وذاك في ْألـــــفــيــــــــة البيــــان **‬
‫وقد قفا الجال َل من تأخـَّـــــــرا * فيه ولم يجعـلـْــهُ شيــئًا نُ ُكـرا‬
‫لعلماء أهـ ِل ُكـــ ِّل َمذهَــــــــــب‬
‫ِ‬ ‫ب*‬ ‫ْ‬
‫المـطــــلــ ِ‬ ‫وكم شواه َد لهذا‬
‫فالفخر في تفسيره قد نبــــهـا * وشر ُح االقنـاع وشر ُح المنتـــهى‬
‫َــر َحـي المـــنهـــــــــاج‬
‫نظــره لش ْ‬
‫ُ‬ ‫الحاج للمحتــــاج *‬
‫ِ‬ ‫قضاء‬
‫ِ‬ ‫ومن‬
‫صــاح ِلـــــ َمـ ْه؟‬
‫ِ‬ ‫والحصر للظاءات في ال ُمقدمه * وغيرها بالعـد يا‬
‫ُ‬
‫وانظـر إلى قولهـ ُم ُمشالَــــــ ْه * وقولـَــ ُهـــ ْم قاصــرة فَــيَــالـَــــ ْه‬
‫بمـــزج ضـا ِد ِه بـِــدال أو بـِـــــطـَا‬
‫ِ‬ ‫وانظـر إلى ذكره ُم ْ‬
‫من غـَـلـَطا *‬
‫ب‬
‫األر ِ‬
‫ـرق والغرب تـمـا ُم َ‬ ‫ب * في ال َّ‬
‫ش ْ‬ ‫وفي السماع من جميع العر ِ‬
‫وقال ـــــــ رحمه هللا ــــــ‪(:‬بسيط)‬
‫الضاد حرف عسير يشبه الظا َء * ال الدَّا َل يُ ْشبُه في لفظ وال الطاء‬
‫ت * أبــناؤُهم فـيه أجْ ـدادا ً وآبـاء‬
‫لحن فـَـشَا منذ أزمان قد اتّبعَ ْ‬
‫ــف العوائد فيـه َخ ْب َ‬
‫ط عشواء‬ ‫غير ُمست َـنَد أصـال وغايتــُهم * إلـْ ُ‬
‫من ِ‬
‫والحق أبلـ ُج ال يخفى على فـ َ ِطن * إن استضاء بما في ال ُكـتْب قد جاء‬
‫صا ال َمر َّد لــــــهُ * من شاء بالحق فليومن ومن شاء‬
‫هذا هو الحق ن ًّ‬
‫ولما قيل للشيخ سيدي باب إن بعض الزوايا يأخذون عليه أربع مسائل‪ :‬أوالها‬
‫وصفة مخالفيْن لما يعرفونه؛ والثانيةُ أنه يطيل الصالة‬
‫قراءتُه لحرف الضاد بمخرج ِ‬
‫وقد يؤخرها‪ ،‬والثالثة أنه ال يساعد في رد من لجأ إلى الفرنسيين من المماليك إلى‬
‫مواليهم؛ والرابعة أنه هو الذي جاء بالنصارى إلى هذه البالد‪،‬‬
‫باب‪ « :‬أما األولى‪ ،‬فقد رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬ ‫سيدي َ‬
‫َ‬ ‫قال الشي ُخ‬
‫المنام وأخبرني أن الضاد غير المتفشية التي يقرأ بها أهل هذه البالد ليست فصيحة‪،‬‬
‫لكني لم أعتمد على المرائي‪ ،‬فبحثت في المصادر والمراجع حتى تبيَّن لي عد ُم‬
‫فصاحتها‪ ،‬وبقيتُ أنتظر الرواية‪ ،‬إلى أن شافهني بها أخي وصديقي محمد فال بن‬
‫بابه‪( .‬يقول بعد ذلك في كتاب له حول الموضوع‪" :‬وأما الرواية التي ُو ِع َد بها قَبْـ ُل‬
‫المحقق التقي الشي ُخ محمد فال بن بابه بن‬ ‫ُ‬ ‫األديب العال ُم الثقةُ‬
‫ُ‬ ‫فهي ما شافهنا به أخونا‬
‫أحمد بيبه العلوي حفظه هللا وجزاه خيرا")‪.‬وأما ال َمماليك فلم أسع في ردهم ألنهم لم‬
‫يهربوا أصال من مواطنهم وأهليهم إال عن سوء معاملة بادية عليهم‪.‬وأما تأخير‬
‫الصالة فإني أشرع أو َل الوقت في التهيؤ لها‪" ،‬وأنتم في صالة ما‬
‫انتظرتموها"‪ ،‬لكني بطيء التهيؤ‪ ،‬كما أني أرى وجوب إقامة األركان والتالوة على‬
‫المأمور به نسبي بعيد عما هو منتشر اليوم من صالة‬ ‫ُ‬ ‫وتخفيف الصالة‬
‫ُ‬ ‫حالهما‪،‬‬
‫مفرطة في السرعة‪.‬وأما دخول الفرنسيين‪ ،‬فلن يكون بي من التوفيق والحظ ما‬
‫السبب في مجيئهم إلى هؤالء المسلمين المغلوبين المضطهدين المعت َدى‬ ‫َ‬ ‫يجعلني أنا‬
‫عليهم يوميا في دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم‪( .‬بالحسانية‪ :‬ما ن َْل َح ْكهَ من متْن‬
‫دوما أدعو هللا سبحانه وتعلى أن يفرج‬ ‫باب‪" :‬وكنتُ ْ‬
‫سيدي َ‬
‫َ‬ ‫العك ْد)! ‪ ,‬ويضيف الشي ُخ‬
‫عنا وعن المسلمين في بالء السيْبة المزمن‪ ،‬ولو بمجيء أمة أخرى تبسط سلطانها‬
‫على هذه الديار‪ ،‬لكني لم أدع هللا تعلى أن تكون تلك األمة مسلمة؛ فهو تقدير سابق‬
‫من الباري سبحانه وتعلى‪ ،‬إ ْذ ال يوجد في الوقت قوة إسالمية قادرة على إنهاء‬
‫السيبة في هذه الربوع‪.‬‬
‫مسألة االجتهاد والتقليد‪ :‬ومن المسائل التي ألف فيها الشيخ سيدي باب مسألة‬
‫االجتهاد والتقليد‪ ,‬ومما دعا إلى ذلك أن المقلد للمذهب المالكي مثال‪ ،‬قد يجد الدليل‬
‫مع المخالف في المذهب أو مع مقابل المشهور في مذهبه‪ ،‬فيصر على التمسك بما‬
‫كان عليه‪ ،‬ويستدل بكالم القرافي في التنقيح وهو أن من ليس بمجتهد ال يجوز له‬
‫العمل بمقتضى حديث‪ ،‬وإن صح عنده سنده‪ ،‬الحتمال نسخه وتقييده وتخصيصه‬
‫وغير ذلك من عوارضه التي ال يضبطها إال المجتهدون”‪ ,‬وكذلك ال يجوز للعامي‬
‫االعتماد على آيات كتاب هللا العزيز‪ ،‬لما تقدم‪ .‬بل الواجب على العامي تقليد مجتهد‬
‫معتبر ليس إال‪ ,‬ال يخلصه من هللا إال ذلك‪ ،‬كما أنه ال يخلص المجته َد التقليدُ‪ ،‬بل ما‬
‫يؤدي إليه اجتهاده بعد بذل جهده بشرطه ‪ :‬وقد نظم سيدي عبد هللا في مراقي السعود‬
‫هذا بقوله‪( :‬رجز)‬
‫من لم يكن مجتهدا فالعمل * منه بمعنى النص مما يحظل‬
‫فقد فهم الشيخ باب بأن هذا الكالم ال يخالف ما تقرر من وجوب العمل بما رجح‬
‫بالدليل‪ ،‬فقال‪“ :‬بل يوافقه ألن المقلد في هذه الصورة تابع للمجتهد الموافق لذلك‬
‫الدليل‪ ,‬على أننا نفرض أن المقلد في هذه المسألة قد اطلع على ما قاله العلماء في‬
‫دليلها‪ ،‬وعلى ما قالوا في أدلة المخالفين وفهمها وعلم األقوى منها”‪.‬‬
‫وقال في أوله‪“ :‬فهذه نقول قصد بها بيان أن األولى للمقلد ألحد األئمة األربعة إذا‬
‫وجد خالف إمامه عن أحد األئمة الثالثة في مسألة وتبين له رجحانه على مذهب‬
‫إمامه في تلك المسألة بموافقة القرآن أو السنة الصحيحة المخرجة في الصحيحين‪،‬‬
‫أو أحدهما ‪ ،‬أو نص الترمذي مثال على صحتها‪ ،‬ولم يجد ذلك إلمامه‪ ،‬أو وجد ثالثة‬
‫من األئمة األربعة متوافقين على خالف إمامه في مسألة‪ ،‬ولم يجد فيها دليال من‬
‫القرآن والسنة الصحيحة موافقا إلمامه‪ ،‬والسيما إن اجتمعت هذه المرجحات كلها‬
‫ومعها رواية عن إمامه‪ ،‬أن يعمل بما تبين له رجحانه إن كان متحريا للحق‪ .‬ونقل‬
‫كالم القرافي الذي يستدل به الخصوم‪ ،‬وأشبعه نقال عن أئمة المذاهب األربعة‪ ،‬مع‬
‫التعريف بالقائل‪ ،‬نقال عن من عرف به من المؤرخين‪. ،‬كما يفعل الرهوني في‬
‫حاشيته تارة‪ .‬وبالجملة فهو كتاب غزير العلم مطبوع منتشر في المكتبات‪،‬‬
‫مفهرس الفصول سهل التناول‪ ،‬وقرظه بأبيات مطبوعة معه‪ ،‬أولها (بسيط)‪ :‬هذي‬
‫نقول صحيحات صريحات * في قفوها إلله العرش مرضاة‬
‫الشيخ سيدي باب وهم السلطة المركزية‪:‬إذا كان الشيخ سيدي باب معاصرا لفترة‬
‫التنوير العلمي التي نوهنا بها آنفا فإنه كان معاصرا كذلك لفترة سياسية حالكة كأنها‬
‫الليالي الحنادس‪ ،‬فالسلب والنهب واالقتتال بين القبائل كان شرعة ومنهاجا لسكان‬
‫هذه البالد في الفترة التي عاصرها الشيخ سيدي باب‪ ,‬وقد رأى بناظريه ما انجر‬
‫عنها من أضرار‪ .‬وقد رد هذه الوضعية – بثاقب النظر إلى غياب السلطة المركزية‬
‫التي بإمكانها أن توفر األمن والعافية‪ .‬فما تعانيه البالد في نظر الشيخ سيدي باب‬
‫ناتج عن الفراغ السياسي أو ما يعرف عندنا اصطالحا ب “السيبه”‪ ،‬بل إن‬
‫المصطلح عنوان للبالد‪ .،‬إذ هي موسومة بالبالد “السائبة”‪ ,‬وفي الذهن أنها على‬
‫فترة من الحكام‪ .‬والسبب في الحروب الواقعة بين الزوايا قديما وحديثا سيبة البالد‬
‫وعدم اعتناء من فيها من أهل الشوكة وغيرهم باتباع القرآن المجيد ؟ في قوله تعالى‬
‫‪:‬‬
‫علَى‬ ‫َت ِإحْ َد ٰى ُه َما َ‬‫ص ِل ُحواْ بَ ْينَ ُه َما ۖ فَإِ ۢن بَغ ْ‬‫َان ِمنَ ٱ ْل ُمؤْ ِمنِينَ ٱ ْقتَتَلُواْ فَأ َ ْ‬ ‫طآئِفَت ِ‬ ‫(( َو ِإن َ‬
‫ٰ‬
‫ص ِل ُحواْ بَ ْينَ ُه َما بِٱ ْلعَ ْد ِل‬
‫ت فَأ َ ْ‬ ‫ٱ ْأل ُ ْخ َر ٰى فَقَتِلُواْ ٱلَّتِى ت َ ْب ِغى َحت َّ ٰى ت َ ِف ٓ‬
‫ى َء إِلَ ٰ ٓى أ َ ْم ِر ٱ َّ ِ‬
‫ّلل ۚ فَإِن فَا ٓ َء ْ‬
‫ّلل ي ُِحب ٱ ْل ُم ْق ِس ِطينَ ))‪ .‬وقد تبين الشيخ سيدي باب من خالل إعمال‬ ‫َوأ َ ْق ِس ُ‬
‫ط ٓواْ ۖ ِإ َّن ٱ َّ َ‬
‫النظر في التجارب السياسية ألسالفه أن محاوالت عدة لتنصيب إمام قد انتهت إلى‬
‫الفشل‪ ،‬فلقد تبين أن البالد منذ عهد المرابطين لم تخضع لسلطان مركزي يجبي‬
‫الضرائب (ولم يكن لها بيت المال المحتاج إليه في كل شيء ) ‪ ،‬ويبسط األمن‬
‫والعافية ويحفظ األموال واألهلين ويعمر األرض ويفجر العيون ‪ ,‬لينعم أهلها‬
‫بالرخاء ويرفلوا في حلل النماء وقد تبين كذلك أن هذه الوضعية انطبعت في‬
‫أذهان الكتاب والمتشوقين للهم العام المعاصرين له بشكل عام‪ ،‬وخاصة فقهاء‬
‫األحكام السلطانية‪ ,‬إذ أجمعوا على تكييف هذه المعاني جميعا في تسميات تترك‬
‫االنطباع بالتفكير في هذه المعاناة – معاناة هم الدولة – ‪ ,‬وتنصيب إمام والمشاكل‬
‫الناجمة عن الفراغ السياسي‪ ،‬وأشهرها – كما مر معنا – تسميتها بالبالد السائبة (‬
‫الخالية من سلطان أو أمير أو رئيس خير يدفع من ظلم الظلمة وجور الجائرين‬
‫وعدوان المعتدين وسطوة المتسلطين)‪ .‬وال بد أنه تبين كذلك أن هذه المحاوالت‬
‫انجرت عنها أضرار‪ ،‬إن لم نقل فتن أعظم شأنا وأعمق أثرا ( انظر محاوالت‬
‫اجيجبه وتتدغه‪ ،‬نموذجا للقبائل‪ ,‬وكذا محاوالت ناصر الدين في منطقة الكبله‬
‫وسيدي عبد هللا ولد ميابی نموذجا لألفراد ) ‪ ..‬ولنأخذ نموذجا من النصوص التي‬
‫تبين تبعات القيام باألمور العامة في غياب السلطة المركزية (اإلمام)‪ .‬فقد أورد‬
‫الشيخ سيدي الكبير في رسالته إلى قبيلة اجيجبه التي تصدت ألمر الحسبة ما يلي‪:‬‬
‫فمن تصدى من هذا الزمان اليوم في إقامة الدين والدعاية إلى سبيل المهتدين‪ ،‬ثم رام‬
‫أن يحمل الناس على فعل المعروف وترك المنكر وأن يغير مناكرهم بيده وأظهر‬
‫عضده دون إمام تجتمع إليه الكلمة وتقوى به الصولة ويشد به ساعد الحق وتكون به‬
‫على الباطل الدالة‪ ،‬فقد تصدى إلثارة فتنة تستباح فيها الدماء وتنهب فيها األموال من‬
‫غير فائدة وال عائدة مع أن قيام الدولة وتنصيب اإلمام أقل ما فيه من الفوائد حقن‬
‫الدماء وبسط العافية‪ ،‬فهو واجب شرعي بإجماع الفرق اإلسالمية‪ .‬وقد عاصر‬
‫الشيخ سيدي باب جيال من حملة الهم العام – كما مر معنا – استصرخوا بني‬
‫جلدتهم لقيام الدولة ونصب اإلمام‪ ،‬أمثال الطالب أحمد ولد اطوير الجنة‪ ،‬وبابه ولد‬
‫أحمد بيبه المتوفی ‪1276‬هـ ومحنض بابه المتوفى ‪1277‬هـ والشيخ محمد المامي‬
‫المتوفى ‪1292‬هـ‪ .‬بل إن االهتمام بالسلطة المركزية ونصب اإلمام دفع الطالب‬
‫أحمد ولد اطوير الجنة إلى أن بايع سلطان مراكش عبد الرحمن بن هشام العلوي‬
‫المتوفي ‪1276‬هـ ‪.‬خشية أن يوافيه الموت وليس في عنقه بيعة‪ .‬والبد أن الشيخ‬
‫سيدي باب اطلع على آثار الحركة اإلصالحية في المشرق العربي لهذا العهد‪ ،‬وذلك‬
‫عبر ما ينشر بالصحف والمجالت التي حرص على اقتنائها‪ ،‬فبمراجعة بسيطة في‬
‫مكتبته نجد العروة الوثقى لجمال الدين األفغاني ومحمد عبده بين رفوفها‪ ،‬وال يخفى‬
‫عليكم أن بين ثناياها آراء صريحة في التعامل مع الوافد األوروبي‪ .‬هذا فضال عن‬
‫قضايا معاصرة أخرى كاإلسالم والنصرانية وأسباب التقدم والتخلف واألمة‬
‫والسلطان‪.‬‬
‫وفضال عن ذلك فقد كان لديه اهتمام كبير وواسع بأوضاع األصقاع العربية‬
‫واإلسالمية التي دخلها الوافد األوروبي وخاصة الفرنسي منه‪ ،‬وقد الحظ أنها أحسن‬
‫حاال من األقطار التي لم يدخلها‪ .‬وفي هذا الظرف بالذات كان الفرنسيون على‬
‫مرمى سهم أو سهمين من البالد وكانوا يتحفزون للتوغل فيها ‪ ،‬فرجح الشيخ سيدي‬
‫باب اعتبارا لكل ما سبق أن التعامل معهم شر ال بد منه‪ ،‬وضرورة ال غنى عنها‪,‬‬
‫وقد مكن الشيخ سيدي باب لهذا الرأي من الوجهة الشرعية‪ ،‬بالجواب على السؤال‬
‫الذي طرحه كبالني‪ ،‬والمتعلق بجهاد الفرنسيين الذين ال يتعرضون للدين‪ ,‬وقد برع‬
‫الشيخ سيدي باب في إعمال النصوص الشرعية في ثنايا الرد وصرح بأن هذا كله‬
‫مع أن النصارى على ما ذكر في السؤال للذين ال يتعرضون للدين‪ ،‬بل يعينون عليه‬
‫ببناء المساجد ونصب القضاة والقيام بكثير وغير ذلك من المصالح‪ ،‬ككف‬
‫المتلصصين والمحاربين‪ ،‬وجعل السلم بين القبائل المتحاربة في هذه البالد‬
‫السائبة‪ .‬ومن المعلوم أن الحاجة كانت ماسة لذلك “فلعل هللا تعالى أرسلهم رحمة‬
‫لعباده – يقصد الفرنسيين – ولطفا بهم‪ ،‬فهو أهل لذلك والمرجو لما هنالك‪ .‬ولن‬
‫يستغرب الدارس عمق النظر والنباهة التي طبعت إعمال الشيخ سيدي باب‬
‫للنصوص إذا أحكم النظر في سعة اطالعه وعلو همته واتقاد ذكائه‪ ،‬وقد استفاد‬
‫الشيخ سيدي باب كثيرا في هذا المضمار من كتاب الناصري السالوي المعروف ب‬
‫“االستقصا”‪ ,‬وال بأس هنا من تلخيص هذا الجواب اآلنف الذكر في نقاط محددة حتى‬
‫تعم الفائدة‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬من مضمونه‪ :‬أوال ‪ :‬أحقية اإلمام بالمهادنة توخيا‬
‫للمصلحة العامة ثانيا‪ :‬عجز أهل هذه البالد عن مواجهة الفرنسيين‪ ،‬اعتبارا للفرقة‬
‫السياسية – السيبة – وغياب بيت المال وعدم التكافؤ في القدرات – السالح –‬
‫مثال ثالثا ‪ :‬عدم وجوب الهجرة بحكم عدم القدرة عليها‪ ،‬ثم عدم تعرض الفرنسيين‬
‫للدين‪ ،‬اعتبارا لفصلهم بين السلطتين بل اإلعانة عليه وذلك ببناء المساجد ونصب‬
‫القضاة رابعا ‪ :‬كف أيادي المتلصصين والمحاربين عن عامة المتضررين‪ ،‬ومن‬
‫ثم إحالل السلم بين هذه القبائل المتحاربة في هذه البالد السائبة خامسا ‪ :‬الترجي‬
‫أن يكون هللا تعالى أرسل الفرنسيين رحمة لعباده ولطفا بهم وفضال عن هذا‬
‫الجواب فإن الشيخ سيدي باب قد أغنى هذه اآلراء ومكن لهذه الوجهة في وثائق‬
‫أخرى‪ ،‬كالرد على سيدي محمد ولد أحمد ولد حبت"‪ "1‬ــ ( ستجد هذه الرسالة كاملة‬
‫في نهاية الترجمة ) ــ واالستعراض الحصيف الذي اختتم به كتابه عن إمارتي‬
‫إدوعيش ومشظوف‪ .‬ويحلو لنا أن نختتم هذا الحديث المقتضب بفقرة من هذا‬
‫االستعراض تتعلق بصميم هم السلطة المركزية عنده إذ اعتبر الوافد الفرنسي حال‬
‫مؤقتا لقيام السلطة المركزية ومكن لذلك في الوثائق‪ .‬قال رحمه هللا ‪ ” :‬فجاء هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وهو العليم الحكيم‪ ،‬بدولة فرنسا فحقنت دماء هؤالء المساكين وكفت عن‬
‫أموالهم األيدي العادية‪ ،‬فأي نعمة أعظم من ذلك وأي مصلحة فوق ما هنالك؟ إلى‬
‫منافع أخرى‪ ،‬مثل اآلبار التي حفروا وأحكموا واألسواق التي أقاموا واألطباء المهرة‬
‫واألدوية المستكثرة من غير أجرة (…)‪ ,‬ولو أن الزوايا والعرب وغيرهم من أهل‬
‫هذه األرض تذكروا ما كانوا فيه من القتل والنهب والفتن وأنواع الظلم‪,‬‬
‫واستحضروه وجعلوا المنافع الواصلة إليهم بسبب الفرانسة نصب أعينهم الغتبطوا‬
‫بقدومهم وعلموا أن العافية ال يعدلها شيء وأن المصلحة تأتي كرها‪.‬‬
‫وقد سلم الشيخ سعد أبيه بهذه اآلراء‪ ,‬وكتب ما نصه‪ ":‬ما كتبه الشيخ عمره هللا‬
‫معافى أعني الولي ابن الوليين العالم ابن العالمين الشيخ سيدي مسلم صحيح وما‬
‫حمله على كتبه والبحث هنا إال ما جعل هللا في قلبه من الرأفة والرحمة بالمؤمنين‬
‫والسياسة وحسن التدبير وراثة من آبائه الكرام رضي هللا عنه وعنهم وعنا بهم فمن‬
‫علم أن النصارى في أوفر عدد وعدة قد هدموا الدول القوية الوافرة العدد والعدة في‬
‫مشارق األرض ومغاربها وعلم أن الشيخ عمره هللا معافى ورضي عنه وعن سلفه‬
‫أولی بوراثة النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم من غيره سلم مكتوبه هذا ال‬
‫محالة ومن اتهم الشيخ فليأت باألفعال ال باألقوال وإال فحجته داحضة وتهمته باطلة‪.‬‬
‫والسالم وكتب أيضا‪:‬‬
‫قل للمحاول شأو الشيخ سيدي ال ** تتعب لنفسك ذات الزيغ واألود‬
‫أتی بنبذة علم ال نظير لهـا ** کالدر إن برزت في سالف األبد‬
‫ألنها جمعت أي الكتاب وما ** سن الرسول لنا في يومنا وغد‬
‫فاشد د يديك على نصوصها وعلى ** نقولها واحكها في كل ما بلد‬
‫شافه والتتكلم حال غيبته ** يا ناقال جاهال واکشف عن العضد‬
‫ثم كتب الشيخ سيدي باب ‪:‬‬
‫إن هذا التسليم يا ناظريه ** أحسن الشيخ فيه سعد أبيه‬
‫بان في نثره الصواب وأما ** نظمه فالبيان قد بان فيه‬
‫حاسديه رويدكم قد تعبتم ** أقصروا عن مداه يا حاسديه‬
‫وانتقاص الشبيه غير شبيه ** في العال كلها بغير شبيه‪.‬‬
‫نظرته اإلصالحية االجتماعية‪:‬‬
‫امتدت نظرته اإلصالحية لتشمل كافة الميادين‪ ،‬واتسع أفقه ورؤاه ليصحح المفاهيم‬
‫القائمة والعادات السائدة في مجتمعه وفق الكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬
‫يقول رحمه هللا تعالى في مؤلفه‪ ( :‬مسألة الدفاف في األعراس)‪ ...(:‬أما بعد فالذي‬
‫يظهر لي ــ وهللا تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ــ‬
‫أن ضرب الدفاف في األعراس ونحوها على الهيئة المألوفة في بالدنا وزماننا‬
‫المؤدية إلى اختالط الرجال والنساء وأن ما يؤخذ من المتزوج والمتزوجة وأقاربهما‬
‫في هذه البالد أيضا مما يسمى عوائد ونحوه لالعبين عند الدف وغيرهم‪ ،‬عوائد‬
‫مستقبحة شرعا مستهجنة طبعا مترددة بين المنع والكراهة في األولى ‪ ,‬محرمة فيما‬
‫بعدها ‪ ,‬فينبغي عندي للمعتنين بدينهم بل أو دنياهم من الزوايا خصوصا عشيرتنا‬
‫أوالد أبيير ومن في حكمهم أن يتوبوا إلى هللا تعالى منها‪.‬وشروط التوبة الندم على‬
‫ما فات‪ ،‬والنية أال يعود‪ ،‬وأن يسدوا عنهم أبواب هذه المفاسد الدينية والدنيوية‬
‫فيقتصروا منها على ما أذن فيه الشرع أصالة وأُمن معه من الوقوع في الفتنة مئاال‪.‬‬
‫طى واإلعالن به بأصوات مرتفعة أن‬ ‫ويقول رحمه هللا‪ .... ( :‬وأما اإلشادة بما يُع َ‬
‫فالنة هي التي أعطت ذلك حتى يعلم جمي ُع من في المحفل بذلك فمن التسميع وقصد‬
‫ُراء يُراء هللاُ به "فإن كان‬
‫المراءاة‪.‬وفي الحديث‪ ":‬من س َّمع س َّمع هللاُ به‪ ،‬ومن ي ِ‬
‫المعطي يأمر بذلك أو يعجبه فهو ممن يقصد السمعة والرياء بعمله‪ ،‬إال أن هذا العمل‬ ‫ِ‬
‫ليس بعبادة‪ ،‬والرياء بغير العبادة هل هو محرم؟أما الذي في اإلحياء أن انصراف‬
‫الهمم إلى طلب الجاه نقصان في الدين‪ ،‬وال يؤمن بالتحريم‪.‬‬
‫فعلى هذا نقول‪ :‬تحسين الثوب الذي يلبسه اإلنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة‪،‬‬
‫وليس بحرام ألنه ليس رياء بالعبادة‪ ،‬بل بالدنيا‪ ،‬وقس على هذا كل تجمل للناس‬
‫وتزين لهم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإذن المراءاة بما ليس من العبادة قد تكون مذمومة‪ ،‬وقد تكون مباحة‪ ،‬وذلك‬
‫على حسب الغرض المطلوب به‪ ،‬ولذلك نقول إن الرجل إذا أنفق ماله على جماعة‬
‫من األغنياء ال في معرض العبادة والصدقة‪ ،‬وذلك ليعتقد الناس أنه غني فهذه‬
‫مراءاة ليست بحرام‪ .‬وكذلك أمثاله‪ ،‬إال أنه َّ‬
‫نظر فيه شيخنا اإلمام العارف باهلل تعالى‬
‫أبو محمد عبد الرحمن بن محمد قدس هللا تعالى سره في حديث مسلم‪ ،‬في حديث‪:‬‬
‫من قاتل للرياء والسمعة‪ ،‬وذكر الحديث إلى أن قال فيه‪ ":‬رجل وسع هللا تعالى عليه‬
‫وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه هللا تعالى نعمه فعرفها‪ ،‬قال‪ :‬فما عملت‬
‫فيها؟ قال‪ :‬ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إال أنفقت فيها لك‪ .‬قال‪ :‬كذبت‪،‬‬
‫ولكنك فعلت ليقال‪ :‬هذا جواد فقد قيل‪ ،‬ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في‬
‫النار‪.‬وقد علم أيضا أن المباهاة حرام وأن ما قُصد به المباهاة ُ من الوالئم ال يجوز‬
‫وفي الشمائل في باب الوليمة‪ :‬والمباح منها المعتاد ال سرف ومباهاة‪.‬وانظر قول‬
‫ي به َح ُر َم‪ .‬هـ‬
‫صاحب المختصر‪ :‬وإن بُو ِه َ‬
‫إلى أن يقول رحمه هللا‪ :‬وهذا حال والئم الوقت فإن الغالب عليها أوكلها مناكر‬
‫ومحرمات‪ ،‬فينبغي التيقظ لذلك والتبصر وال يعتمد على عموم الكليات ويغفل عن‬
‫غوائل النوازل الجزئيات فيذهب دينه ويهلك مع الهالكين‪ ،‬هذا مع فساد المقاصد‬
‫والنيات لقصدهم المباهاة والتفاخر‪.‬‬
‫وقال ابن العربي‪ :‬كان عليه الصالة والسالم يجيب كل مسلم‪ ،‬فلما فسدت مكاسب‬
‫الناس والنيات كره العلماء لذي المنصب أن يسرع لإلجابة إال على شروط‪ .‬هـ)‪.‬‬
‫انتهى من مؤلفه مسألة الدفاف في األعراس‪.‬‬
‫شعر الشيخ سيدي باب‪:‬‬
‫لقد قاد الشيخ سيدي باب رحمه هللا دعوة تجديد صادقة في ضوء النصوص‬
‫الشرعية‪ ،‬فأمر بتحقيق اإليمان الخالص وحض على االستقامة في الدين والتمسك‬
‫بالمنهج النبوي الشريف‪ ،‬وحذر من المحدثات والبدع في الدين‪ ,‬يعلم ذلك من درس‬
‫ي‬‫سيرته وآثاره القيمة ‪ ,‬وأبياته التالية تلقي الضوء على هذا المعنى‪ِ :‬آم ْن أ ُ َخ ِّ‬
‫َاث ْال ُحلُ ْم َال َخي َْر‬ ‫ضغ ُ‬ ‫‪،‬ال * ت َ ْغ ُر ْر َك أ ْ‬ ‫ب السبُ َل َ‬ ‫َوا ْست َ ِق ْم * َونَ ْه َج أحْ َم َد ْالت َِز ْم َواجْ تَنِ ِ‬
‫ص ْم ِمن‬ ‫ع ِ‬ ‫طعًا بِأنَّهُ ُ‬‫ع ِد ْم أحْ َدثَهُ َمن لَ ْم يَ ِجبْ * قَ ْ‬ ‫ون قَ ْد ُ‬‫فِي دِين لَ َدى * َخي ِْر ْالقُ ُر ِ‬
‫ِير‬
‫غد ِ‬ ‫علَى َ‬ ‫ص َّح لَ َدى * َج ْمع َ‬ ‫ت * ْاليَ ْو َم أ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم َوبَ ْع َد َما َ‬ ‫انزلَ ْ‬
‫بَ ْع ِد َما قَ ُد ِ‬
‫علَ ْي ُك ُم‬
‫ضوا * َ‬ ‫ع ْم ‪َ .‬وا ْذ ُك ْر إذَا َما أع َْر ُ‬ ‫اس َو ُ‬ ‫ص فِي النَّ ِ‬ ‫سبِي ِل ِه * َو ُخ َّ‬ ‫ُخ ْم َوا ْدعُ إلَى َ‬
‫س ُك ْم إن الباحث المنصف في الفكر اإلسالمي ال يستطيع أن ينكر أو يتجاهل‬ ‫أنفُ َ‬
‫مظاهر التجديد الفكرية والمنهجية عند الشيخ سيدي باب في عصر ساد فيه الجمود‬
‫الفكري والتعصب ألراء الناس وعدم التركيز على دراسة نصوص الكتاب والسنة‪،‬‬
‫حيث اختار رحمه هللا منهجا واضحا سلك فيه طريق رجال خير القرون وأئمة السنة‬
‫الذين عليهم مدار العلم والصالح واالستقامة في األمصار اإلسالمية‪ ،‬مسترشدا‬
‫باآليات القرآنية واألحاديث النبوية معرضا عن كل ما سوى ذلك‪ ..‬وهذا واضح في‬
‫مؤلفاته وقد خصص الكثير من شعره لنصرة السنة والدعوة إليها‪ ،‬والذب عنها‪،‬‬
‫والترغيب فيها والتحذير من مخالفتها داعيا إلى اتباع الحق والدوران معه حيث‬
‫دار‪ ،‬مركزا على أداء واجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاكرا أن النفع‬
‫والضر من خصائص هللا عز وجل وحده كما قال تعالى‪ (( :‬قل ال أملك لنفسي نفعا‬
‫وال ضرا )) ‪ ,‬ومن جميل شعره في هذا المعنى قصيدته المشهورة التي ظلت إلى‬
‫َاص َرا * َوأَنـ ِك ِر‬ ‫إللَـ َ ِه ن ِ‬ ‫وقت قريب مقررة في النشيد الوطني وفيها يقول‪ُ :‬كن ِل ْ ِ‬
‫سـوا َءهُ أ َ ْو‬ ‫نك َدائِ َرا َو َال تَعُـ َّد نَافِـعًا * َ‬ ‫ضاهُ ِم َ‬ ‫ق الذِي * َي ْر َ‬ ‫ـرا َو ُك ْن َم َع ْال َح ّ ِ‬ ‫ْال َمـنَا ِك َ‬
‫ْس‬ ‫سائِ َرا فَـ َما كـَفى أ َ َّولَـنَا * أ َلَي َ‬ ‫علَ ْي ِه َ‬‫ت َ‬ ‫طفَى * َو ُم ْ‬ ‫ص َ‬‫س ِبـي َل ْال ُم ْ‬ ‫ـك َ‬ ‫ـرا َواسْـلُ ْ‬ ‫ضائِ َ‬ ‫َ‬
‫شـبَه *‬ ‫اج َرا قَ ْد َم َّـو ُهـوا بِـ ُ‬ ‫يَ ْكـ ِفي ْاآل ِخ َرا َو ُكن ِلّقـ َ ْوم أَحْ َدثـُوا * فِـي أ َ ْم ِـر ِه ُم َه ِ‬
‫ـرا َواحْ تـَنَكـُوا أ َ ْه َل‬ ‫س َّـودُوا َدفـَاتِ َ‬ ‫عـ ُموا َمـزَ ا ِعـ ًما * َو َ‬ ‫ذروا َمـ َعـاذ َِرا َوزَ َ‬ ‫َواعْـتـ َ ُ‬
‫ـرا َواحْ ُك ْم بِ َما‬ ‫صا ِغ َ‬ ‫ت أ َ َكابِر * بِـ ْدعـَت َ َها أ ً َ‬ ‫اض َرا َوأ َ ْو َرثـ َ ْ‬ ‫ْالـفـ َ َال * َواحْ تـَنَكـُوا ْال َح َو ِ‬
‫ـرا فـ َ َال‬ ‫عـا ُم َجادِل * فِي أ َ ْم ِر ِه ْم إِلَى ِم َ‬ ‫س َرائِ َرا َوإن َد َ‬ ‫ظ َه ُروا * فَـ َما تـ َ ِلي ال َّ‬ ‫قَـ ْد أ َ ْ‬
‫ـــــــــرا وهذه األبيات تظهر بجالء مدى الفكر‬ ‫َ‬ ‫ظا ِه‬ ‫ـرا ًء َ‬ ‫ار فِي ِه ُم * إِ َّال ِم َ‬‫تـ ُ َم ِ‬
‫التجديدي في مجال السلوك والتربية عند الشيخ سيدي باب رحمه هللا‪.‬‬
‫ي إن َر َج ْوتُ َوإن‬ ‫ومن شعره رحمه هللا لـ َ َجأتُ إلـَي َْك َر ِبّي َو ْالـتـ َ َجأتُ * َو َحسْبـِ َ‬
‫ط ًّرا * َو ِمن نفـْ ِسي إلـَي َْك قـ َ ِد الـْتـ َ َجأتُ َر َجوتـ ُ َك‬ ‫لـ َ َجأتُ لـ َ َجأتُ ِمنَ ْاألنـ َ ِام إلـَي َْك ُ‬
‫سأتُ فـ َ َر ْرتُ ِمنَ ْاألبَا ِع ِد َو ْاأل َدانِي *‬ ‫ضا ْأو أ َ‬ ‫سنتُ فـ َ ْر ً‬‫سيِّدِي فِي ُك ِّل َحال * إذا أحْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫اء ْالخ َْل ِ‬
‫ظنـِّي َوإنـِّي * إلي َْك ِم ِن ارتِ َج ِ‬ ‫ّب فِي ِه ُم َ‬
‫اك فـَقـ َ ْد بَ ِرئتُ َو ُخ ِي َ‬ ‫إلي َْك َو ِمن ِس َو َ‬
‫نز ًال‬
‫ي بـُؤْ تُ َوجـِئتـ ُ َك ُم ِ‬ ‫نك إلـ َ َّ‬
‫ان ِم َ‬
‫س ِ‬ ‫سيِ ِّئ ْاأل ْع َما ِل ِمنـِّي * َوبـِ ْاإلحْ َ‬ ‫فِئتُ َوبُؤْ تُ بـِ َ‬
‫ضاهُ ِمنـِّي * َو َكفـِّ ْر َما‬ ‫ب إلـَي َْك جـِئتُ فـ َ َوفـِّقـْنِي ِل َما تـ َ ْر َ‬ ‫َما أشتـ َ ِكي ِه * َو ِل ْل َمأ ُمو ِل َر ّ ِ‬
‫نك ِشئتُ‬ ‫ض َح َوائِجـِي َمنـًّا َوأتـْبـِ ْع * ِل َما قـ َ ْد ِشئتـَهُ َما ِم َ‬ ‫اجتـ َ َر ْمتُ َو َما اجتـ َ َرأتُ َوقـ َ ِ ّ‬
‫ومن شعره رحمه هللا‪:‬‬
‫نت َمن ت ُ ْرت َ َجى ِم ْن ِعن ِد ِه ْال َحا ُج‬ ‫اك ُمحْ ت َا ُج ** َوأ َ َ‬ ‫ب ِإنِّي ِإلَى ُرحْ َم َ‬ ‫يَا َر ّ ِ‬
‫ْب ِفي أَنَّهُ ِل ْلفَ ْو ِز ِم ْن َها ُج‬
‫ت ** َال َري َ‬ ‫ض َر ْ‬ ‫ت ِإ ْن َح َ‬ ‫ِك ِل ْل َحا َجا ِ‬
‫صد َ‬ ‫ِم ْن َها ُج قَ ْ‬
‫ْح ِإ ْد َال ُج‬
‫سيُحْ َم ُد ِعن َد الصب ِ‬ ‫َو َم ْن يَؤُم َك ِل ْل َحا َجا ِ‬
‫ت ُم ْعت َِمدًا ** ِم ْنهُ َ‬
‫وك أ َ ْرت َا ُج‬
‫ت ُمفَت َّ َحةً ** َما إِ ْن لَ َها دُونَ َم ْن يَ ْر ُج َ‬ ‫ض ِل َك َما زَ الَ ْ‬ ‫أَب َْو ُ‬
‫اب فَ ْ‬
‫ت ِم ْنهُ أ َ ْم َوا ُج‬ ‫ت ** أ َ ْم َوا ُج َخيْر ت َ َدا َ‬
‫ع ْ‬ ‫غ ْمر ُكلَّ َما نَ ِف َد ْ‬
‫ِك َ‬‫َو َبحْ ُر ُجود َ‬
‫ق َو َّها ُج‬ ‫علَى ْاآلفَا ِ‬ ‫ت ** فِي َها ِس َراج َ‬ ‫س ْب ُع ْالعُلَى ُرفِعَ ْ‬
‫َرب بِقُ ْد َرتِ ِه ال َّ‬
‫ار أ َ ْز َوا ُج‬
‫ت ** ِفي َها ِمنَ النَّجْ ِم َو ْاأل َ ْش َج ِ‬ ‫ض ِمن تَحْ ِت َها ِمن فَ ْ‬
‫ض ِل ِه د ُِح َي ْ‬ ‫َو ْاأل َ ْر ُ‬
‫اء أ َ ْف َوا ُج‬
‫َم ْبثُوثَةُ فَ ْوقَ َها فِي ِظ ِّل نِ ْع َمتِ ِه ** ِمن ُك ِّل ن َْوع ِمنَ ْاألَحْ يَ ِ‬
‫ي ُْر َجى بِ َرحْ َمتِ ِه ِمن بَ ْع ِد َما قَن ُ‬
‫طوا ** نِت َا ُج ُم ْزن إِلَى ْاألَجْ َر ِاز ث َ َّجا ُج‬
‫ث فِي آ َبائِ ِه التَّا ُج‬ ‫ُور ُ‬
‫ع ْنهُ َو َال َم ِلك ** َما زَ ا َل ي َ‬ ‫سوقَة َ‬ ‫َال َي ْغتَنِي ُ‬
‫فرا ُج‬ ‫ق َّ‬ ‫يع ْالخ َْل ِ‬ ‫َّ‬
‫سا ِك ُرهُ ** َما إِن لهُ فِي َج ِم ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ُوال َ‬‫ار َج ْال َه ِ ّم َم ْسد ً‬ ‫يَا فَ ِ‬
‫ت َمذَا ِهبُهُ ** َما ِإ ْن ِإلَ ْي ِه ِبغَي ِْر هللاِ ِم ْع َرا ُج‬ ‫ب ْال َح ِ‬
‫اج قَ ْد أ َ ْع َي ْ‬ ‫َيا َوا ِه َ‬
‫عا ُج‬‫ظنَا َكد َو ِإ ْز َ‬ ‫آخ َرة ً ** َو َال يَ ُك ْن َح َّ‬‫صلِحْ لَنَا أ َ ْم َرنَا ُد ْنيَا َو ِ‬
‫أَ ْ‬
‫ار أ َ ْو َ‬
‫عا ُج‬ ‫ار قَ ْوم ِإلَى ْاأل َ ْغ َي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت ِإلَى َبا ِب َك ْال َم ْفت ُ ِ‬
‫وح أ َ ْر ُحلُنَا ** ِإن َ‬ ‫ار ْ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫ب ِإنت َا ُج ‪.‬‬ ‫واأ َ ْمر نَت َائِ َجهُ ن َْر ُجو َونَأ ْ ُملُ َها ** َم ْه َما ت َ َح َّ‬
‫ص َل ِل ْأل ْسبَا ِ‬
‫ويقول رحمه هللا ‪:‬‬
‫الر ِ ٰ‬ ‫إليك َم َددنَا أ َ ُك َّ‬
‫اء‬
‫س َم ِ‬ ‫جاء * ِإلَـهَ ال ِع َبا ِد َ‬
‫وربَّ ال َّ‬ ‫ف َّ‬ ‫َ‬
‫اء‬
‫ط ِ‬ ‫الء و َج ْل ِ‬
‫ب العَ َ‬ ‫فأنت ال ُم َؤ َّم ُل فى ك ِّل ِحين * ِل َد ْف ِع البَ ِ‬
‫َ‬
‫َاء‬ ‫وأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد َّ‬
‫الرخ ِ‬ ‫َ‬ ‫وأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد ال ُخطو ِ‬
‫ب*‬ ‫َ‬
‫اء‬
‫س ِ‬‫وأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد ال َم َ‬
‫َ‬ ‫اح *‬ ‫وأنت المؤ َّم ُل عند ال َّ‬
‫صبَ ِ‬ ‫َ‬
‫وأنت ال ُمؤ َّم ُل حا َل ال َحيا ِة * وأنت ال ُمؤ َّم ُل َحا َل الفَن ِ‬
‫َاء‬ ‫َ‬
‫الرحي ُم بأه ِل ال َج َف ِ‬
‫اء‬ ‫وأنت َّ‬
‫َ‬ ‫وأنت الكري ُم وأنت ال َحلي ُم *‬
‫َ‬
‫اء‬
‫ع ِ‬‫ي الد َ‬ ‫س ِمي ُع َخ ِف َّ‬ ‫وأنت ال َّ‬
‫َ‬ ‫يب *‬ ‫وأنت ال ُم ِج ُ‬
‫َ‬ ‫وأنت القَ ُ‬
‫ريب‬
‫ٰ‬
‫منك َجمي ُع ال ّد َِال ِء‬ ‫ي َ‬ ‫حر النَّ َوا ِل * ِإلَـ ِه َ‬ ‫و َما ْ‬
‫إن يُ َك ّد ُِر َب َ‬
‫طلَبًا ِل ْل َجزَ ِ‬
‫اء‬ ‫ش ْيء وال َ‬ ‫بفضلك ال ِم ْن ت ُ َقاة * ِل َ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫ع َم ْم َ‬
‫َ‬
‫اء‬
‫الح َب ِ‬ ‫ت ِمن قَ ْب ِل َب ْد ِء السؤا ِل * ِ‬
‫ومن َبع ِد ِه ب َج ِزي ِل ِ‬ ‫وأن َع ْم َ‬
‫َاء‪.‬‬ ‫َاء * ِل َمطلَ ِب ِه وطوي ُل ِ ّ‬
‫الرش ِ‬ ‫الرش ِ‬
‫ير ِ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫َّان فيه قَ ِ‬
‫و ِسي ِ‬
‫وقصيدته المشهورة الرائعة التي تداولها القاصي والداني الذائعة الصيت المعروفة‬
‫بقصيدة األسماء ‪،‬‬
‫دعي الشيخ سيدي باب إلى زيارة دار اندكوك‪ , 1‬وهي مدينة ‪ ( :‬ريشاتول )‬
‫الحالية السنغالية التابعة لوالية سان لويس ( اندر)‪ ,‬للتباحث والتشاور مع عدد من‬
‫الوجهاء والشيوخ حول قضايا األمة‪ ,‬إال أن الشيخ باب أبدى تحفظه على بعض‬
‫المسائل المطروحة للنقاش والتي يرى أنها ال تخدم المصلحة العامة للمسلمين ‪ ,‬وبعد‬
‫أن ركب القارب البحري مع الفرنسيين للعودة إلى بالده ‪ ,‬حاول الفرنسيون أخذه إلى‬
‫وجهة أخرى غير وجهة البالد ‪ ,‬فلما استكشف الشيخ مكنون سريرتهم‪ ،‬واستبان‬
‫حالهم وعرف خبث طويتهم وسوء قصدهم‪ ,‬أنشأ قائال‪:‬‬
‫ب عنها وهو ُمنج ِف ُل‬
‫وغر َ‬
‫َّ‬ ‫ُكوك بنا ** َبني‬ ‫أقو ُل ل َّما أتى َ‬
‫دار اند َ‬
‫األربَ ُد الز ِعل‬
‫ص ُر عنه ْ‬ ‫الطرف عنها وهو مجتهد ** ع ْد ًوا ويَ ْق ُ‬
‫ُ‬ ‫ص ُر‬
‫يُق ِ ّ‬
‫ظلالً ** وللنَّوا ِتي في أرجائه زَ َج ُل‬‫دواخنَه من فوقه ُ‬
‫ِ‬ ‫ترى‬
‫ِّ‬
‫الجن ُمشت ِع ُل‬ ‫رجوم‬
‫ِ‬ ‫علَم ** أو كوكب من‬
‫كأن ِمصبا َحه نار على َ‬
‫هللاُ صاحبُنا س ْفرا وخالفُنا ** في أهلنا وإليه َ‬
‫الوجهُ واألم ُل‬
‫ضع َمن على الرحمن يت َّ ِكل‪.‬‬
‫يخبْ أمل باهلل ُم ْعت ِلق ** ولم َي ِ‬
‫ولم ِ‬
‫فخاب سعيهم وفشلت خطتهم ‪ ,‬وأصيب القارب بعطب في محركه ‪ ,‬ورجع الشيخ‬
‫سيدي باب إلى وطنه عالي الكعب رفيع المقام ‪ ,‬مكرما معززا‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ =1‬وفي دار اندكوك هذه يقول العالمة امحمد بن أحمد يوره‪:‬‬
‫اندكوك و دوحها * يعالي ُل مزن قد عالها جها ُمها‬
‫َ‬ ‫كأن ذُرى دار‬
‫أو الغادة البيضاء تُكسى ب ُخضرة * و ُر َد على غير الجبين لثامها‬
‫ودار اندكوك كما أسلفنا هي مدينة ريشاتول السنغالية التي تقع على بعد حوالي ‪12‬‬
‫كلم من روصو السنغالية و‪ 100‬كلم من سان لويس ( اندر )‪.‬‬
‫وبها أكبر مصنع للسكر في السنغال‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫نزل العالمة الجليل الشيخ يحظيه ولد عبد الودود مرة قرب مدينة بتلميت على بعد‬
‫حوالي ثالثة أميال من الناحية الغربية‪ ،‬ففرح بذلك أهل بتلميت فرحا عظيما وخاصة‬
‫العالمة الجليل الشيخ سيدي باب‪ ،‬الذي خرج ضمن وفد كبير من أهل بتلميت للسالم‬
‫على الشيخ يحظيه والترحيب به‪ ،‬والتعبير له عن عظيم الغبطة والسرور‪.‬وقال‬
‫أحظى الذي جل عن‬ ‫الشيخ سيديا باب مخاطبا العالمة يحظيه مرحبا ومادحا‪:‬‬
‫شرك وتشبيه ==بالعلم واألدب المختار يحظيه‬
‫يرضى به الناس في أيامه خلفا == عن سيبويه معافيه وشانيه‬
‫يا ُربَّ جوهر علم ظل ينفثه ==آلخذين له لم يغمضوا فيه‬
‫يبدي عويصاته بالدرس بينة == كأن كل عويص من مباديه‬
‫لوال هداه بتلك التيه ما خرجت== فيها الهداة إلى حين من التيه‬
‫في مجلس نفع هللا األنام به == سيان عاكفه فيه وباديه‬
‫دعا إليه أولو األلباب مجتهدا==لسان حال فلبوا صوت داعيه‬
‫ما إن تصدر بالتمويه صاحبه==وإن تصدر أقوام بتمويه‬
‫يا بارك هللا في أيامه وحمى==من المكارم ما يحويه ناديه‬
‫أهال بمقدمه الميمون طائره==والبشر والرحب والتكريم القيه‬
‫كنا نرجيه مذ حين ونأمله== والحمد هللا معطي ما نرجيه‪.‬‬
‫استحسن العالمة الشيخ يحظيه قطعة الشيخ سيدي باب‪،‬فطلب من عدد من طالبه أن‬
‫يقولوا قصائد ليختار منها قصيدة جوابية للقطعة ففعلوا‪ ،‬ووقع االختيار على قصيدة‬
‫للشاعر أحمد األمين بن عبد الرحمن (بدين) وهي القصيدة التالية‪:‬‬
‫أال قدم الهمام فال جالل == يجاوزنا الغداة وال جمال‬
‫أال أهال بمن عال األرض معه == وأهال بالذي حمل الجمال‬
‫بباب الجود سيدنا المرجى == إذا دهم المهات الثقال‬
‫هو العلم المعظم ذو المعالي == هو البحر الغطمطم والثمال‬
‫به رفع الهدى وعلت ذووه == وخاب ذو الضاللة والضالل‬
‫وكان العدل منهدم النواحي == فشيد به دعائمه الطوال‬
‫أال يا خير من حملت إليه == أراحلها المراحل والرحال‬
‫مقامك في العلى عز ارتقاء == أال فلتقنأ راحتها الرجال‬
‫فما تجد البغال إذا تباري == جيادا في ميادنها البغال‬
‫وما شمس الزوال إذا تعالت == يحاول أن يباريها الهالل‬
‫نشأت مسودا ال غرو طفال == فشأنكم السيادة والخصال‬
‫تجدد كل مكرمة نمتها == لك األجداد ليس لها منال‬
‫إلى أن صرت فوق ذرى المعالي == بأخمصك السهى تطأ النعال‬
‫وصار الخلق ذالكم عيال == يلوذ بكم عن آخره العيال‬
‫فذاك لما هو يشتكيه == يلوذ بكم وذاك بما ينال‬
‫تعودك الجميع لما يرجي == فلم يخب النزول واالرتحال‬
‫ولم يك في األنام إمام عدل == سواك على إمامته اتكال‬
‫أال أنت اإلمام إمام عدل == يماز من الحرام به الحالل‬
‫أال أنت اإلمام إمام عدل==يقدمه اجتناب وامتثال‬
‫أال أنت اإلمام إمام عدل == يقدمه المقال أو الفعال‬
‫أال أنت اإلمام لنا وأنى == يقر للسوى معك احتمال‬
‫مالذ الناس إن عظم الدواهي == وغيث إن تتايعت المحال‬
‫وأبلغهم وأحسنهم مقاال == وأصفحهم وحق لك المقال‬
‫(أبوك خليفة ولدته أخرى == وأنت خليفة ذاك الكمال)‪.‬‬
‫خرج الشيخ يحظيه في جمع من طالبه حاملين القصيدة‪ ،‬فلما وصلوا بتلميت وحان‬
‫وقت إلقاء القصيدة أخذها بدين وألقاها ‪ ,‬وكان الشيخ سيدي باب مضجعا فجلس‬
‫وقال‪( :‬أح التلميد إيبان عاد يحلب بيديه اثنتين) ‪.‬‬
‫علوم‬‫ُ‬ ‫قال محمد محمود ولد اكرام يمدح الشيخ سيدي باب – رحمهما هللا تعالى‪:‬‬
‫الشيخ تُر ِش ُد * تقاصر عنها كل حبر ُمـــــــج ِ ّد ُد وتركُ ابتداع َّما ن َجا‬ ‫ِ‬ ‫وآداب ل َدى‬
‫غيره * أال إنني‬‫ني مما فاتني عند ِ‬ ‫ونور جبين واضح يتــــــــــوق ُد كفتْ َ‬ ‫ُ‬ ‫غيره *‬
‫منه ُ‬
‫لعلي في الداريْن أُح َ‬
‫ظى‬ ‫َ‬ ‫نحوه *‬‫سرتُ َ‬ ‫ُ‬
‫الرحمن أن ْ‬ ‫ومــــــــــــــقلّ ُد ووفَّقني‬
‫ِ‬ ‫جار له‬
‫وأُس َع ُد ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشيخ سيدي باب والعالمة محمد محمود بن التالميد التركزي‪:‬‬
‫هذه رسالة من العالم اللغوي الفذ والمحقق الثبت والفقيه اللغوي الشهير محمد محمود‬
‫ولد التالميد التركزي‪ ،‬الشهير في المشرق العربي بالشيخ الشنقيطي‪ ،‬وقد وجهها إلى‬
‫العالم السني األصولي المجدد الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا‪ .‬والرسالة على‬
‫إيجازها تعطي صورة عن أسلوب ولد التالميد المتأثر بأساليب المشارقة في نهاية‬
‫القرن التاسع عشر حيث يكثر من األوصاف والتحليات والكنى "سيدنا وموالنا أبو‬
‫المحاسن‪ ،"...‬فضال عن االستشهاد بالشعر العربي وإيراده في ثنايا النثر‪ ...‬كما نجد‬
‫حرص ولد التالميد رحمه هللا على أن يبعث لشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا آخر‬
‫المراجع العربية التي أشرف على نشرها بالمشرق وخصوصا كتاب المزهر‬
‫للسيوطي وهو مرجع في فقه اللغة مشهور‪.‬‬
‫نص الرسالة‪:‬‬
‫شمس النهار فإنها ۞ أمارة تسليمي عليك‬ ‫ُ‬ ‫الحمد هلل تعالى وحده ‪ ,‬إذا طلعت‬
‫هي األنس حضرة‬ ‫فالكتب عنك ْم َ‬
‫ُ‬ ‫فسلمسالم عليكم أنت ُم األنس كلهُ ۞ وإن غبت ُم‬ ‫ِ‬
‫موالنا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيد َيا بن موالنا وسيدنا أبي المحاسن جمال‬
‫الدين محمد بن موالنا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيديا‪ ،‬إمام المسلمين وارث‬
‫خاتم األنبياء والمرسلين‪ .‬رحم هللا السلف وبارك للعالمين في الخلف‪ ،‬ويرحم هللا‬
‫عبدا قال آمينا‪.‬السالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‪ ،‬وعلى قرة العين األخ البر‬
‫سيدنا وموالنا سيدي المختار وعلى أنجالكم الخيرة البررة وعلى جميع القبيلة‬
‫والمريدين‪ .‬ال زلتم ملجأ للقاصدين ومحط رحال الوافدين‪ .‬لن يزالوا كذلك ْم ثم ال‬
‫زلـــ۞ ـــت لهم خالدا خلو َد الجبال أما بعد فإني أحمد هللا إليكم وألتمس صالح‬
‫الركاب‬
‫َ‬ ‫دعائكم وأشتاق إليكم شوقا يفوق شوق غيالن مي‪ ،‬ولو قدرت صككت إليكم‬
‫ع َمي‪( .‬ولكتبت ما) يضيق عنه هذا الصك‪ .‬ويصل حضرتكم (مع) الحاج‬ ‫صكة ُ‬
‫للسيوطي‪.‬و َم ْن َج َّل عن كل المراتب قدره ۞ فأفضل‬
‫َ‬ ‫محمد مولود الكتاب المزهر‬
‫صدوره أكفالُهً‪ ،‬وتتلو قرو َمه إفالُه‪ ،‬وتتبع عوذَهُ‬
‫َ‬ ‫ما يُ ْه َدى إليه كتابُوعليكم سالم تعين‬
‫أطفالهُ‪ .‬ودمتم فوق ما رمتم وفدتكم كل نفس من كل بأس‪.‬وكتبه الحقير الذليل‬
‫المرتجي من ربه عفو ذنبه إمام العلم بالحرمين وخادمه بالمشرقين والمغربين محمد‬
‫محمود بن التالميد التركزي المدني المكي لطف هللا به‪ 1309 .‬لخمس بقين من‬
‫شوال (‪ 22‬مايو ‪)1892‬وصلكم مع حامله ‪ ....‬ونسخة من الكتاب المزهر ارسلوها‬
‫إلى جد بن البشير بن الحبيب التركزي‪.‬‬
‫عال‬‫وقال الشيخ محمد أحمد بن الرباني يمدح الشيخ سيدي باب‪ :‬حوى من ُ‬
‫األشياخ مجدا ُمؤثال * وفخر الشيوخ الراسخين وال فخرا وبذل جميع المال منه‬
‫ظلم‬
‫ع ْمر يشتكي َ‬‫سجـــــــــــية * فما بذلُه البيضا يقي بذله الصفرا ووافاه َ‬
‫وعمر يشكوان معا عــ ْمرا ووافاه ذو الفقر الذي يرتجي‬
‫ْ‬ ‫عــــــــــامر * وزيد‬
‫الغنى * ووافاه ذو الوفر الذي يحذر الفقرا أيَا مستقال في العطاء هـــــــــــــنيدة ً *‬
‫خيرخــــــــــــــليقة * وحسنَ‬ ‫و ُج ْر َد المذاكي والسالنمةَ الحمرا حباك إلهُ العرش َ‬
‫خصال ال نطيق لها حصرا فأنت لنا بدر منير جال الـــــــــــــدجا * سناه إذا غي ُم‬
‫الدر مـــــــــــو ُجه * كبحر ِخض ّم‬ ‫غيب البــــدرا وبحر خضم يقذف َّ‬ ‫َ‬ ‫السما‬
‫الدهر عن أبنائه‬ ‫ُ‬ ‫مـــــو ُجه يقذف الدرا وستْر منيع للخطوب نـــــــــــــــــعده * إذا‬
‫سوركم أوقدوا‬ ‫رن بالسور أشكا َل فـــــــتنة * إذا أُهملوا من ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫هتك الســترا أال فاحْ ُ‬
‫ت الصغرى بما تُنتج‬ ‫الشرا وعــــ ِ ّد القــــــــضايا السفسطيات إنه * قد آذنَ ِ‬
‫وكف الذي أغرى على الحرب قو َمه * وأر ِش ْده للتحذير من ذلك‬ ‫َّ‬ ‫الكبرى‬
‫وبادره ُم من قبل ما أحكموا الــوغى * ودقوا كما دقت لها ُمــــن ِشم‬ ‫ْ‬ ‫اإلغـــــرا‬
‫العسر من أمرهم‬ ‫ُ‬ ‫عطرا كأني بهم إذا أيقنوا الج َّد مــــــــنك ُم * تبدل ذاك‬
‫والنصح والوفى * فكيف نــــخاف الذل والمكر‬ ‫ِ‬ ‫يــــسرا قصدنا مكانَ ِ ّ‬
‫العز‬
‫األمر منا فحسبنا * نجاحا بــــــهذا األمر أن تقبل‬ ‫ِ‬ ‫والغدرا خ ِذ العُ ْذ َر في ذا‬
‫العذرا وهبْنا تع َّم ْدنا اإلساءة َ مـــــــحضةً * فأنت بما يـــــــــمحوا إساءتنا‬
‫الصخر كان أمامنا * لكنا نـــــــ ُ َرجي أن تُلين لنا‬ ‫ِ‬ ‫أ ْدرى ولو أن قاسي‬
‫الصخرا وأن مدار األمر للصلح فاجـــبروا * بما شئتم أشياخنا كسرنا‬
‫جـــــــبرا وذلك باإلنصاف في األمـــــر بيننا * فتمنحنا شطرا وتمنحهم‬
‫َّ‬
‫والعز‬ ‫خير جـــــــــزائه * وصاح َبك التأيي َد‬ ‫شــــــطرا جزاك إلهُ العر ِش َ‬
‫والنــــصرا ودامت لك البشرى من هللا بال ُمنى * من الدين والدنيا ودامت بك‬
‫البشرى بخاتم رسْل هللا طه محمـــــــــــــد * عليه صالة ُ هللا دائـــــــــــــمةً‬
‫وقال محمد األمين بن الشيخ المعلوم البوصادي تـ ‪ 1337‬هـ في الشيخ‬ ‫تترى‪.‬‬
‫سيدي باب‪ :‬أيا من على األسرار ال المال يؤتمن * ويا تارك المثمون للناس‬
‫والثمن أعني على أمر تطاول عهده * عدوي مع البرغوث فيه على سنن أقاسي‬
‫عدوي بالنهار وليلتي * أقاسي بها البرغوث والهم والحزن ففعلك ماض ليس فيه‬
‫مضارع * وأجزم من مهمى ولما وإن ومن‪.‬‬

‫وقال الشيخ امحمد ابن أحمد يوره رحمه هللا في آل الشيخ سيدي‪:‬‬
‫لم أصب للظعن إذ يحدو بها الحادي * كال وال العود عند الشادن الشادي وال‬
‫لذكرة أيام لنا سلفت * عند النخيلة بين الرمل والوادي وال إلى الغيد يوم العيد‬
‫بارزة * وقد تضمخن بالهندي والجادي لكن إلى حضرة عمت منافعها * كل العباد‬
‫باسعاف وإسعاد هم هداة الوری المهدون ما سئلوا * واألرض ليس بها مهد وال‬
‫هاد قصر عليکم تراث المصطفى الهادي * – بين الوری ـ قصر تعيين‬
‫لتنزيل مؤلفه ‪ :‬عمل اليوم والليلة اضغط على هذا‬ ‫وإفراد‬
‫ولد الشيخ سيدي باب‪ ،‬كما ذكر حفيده العالم المحدث محمد بن أبي مدين في ترجمته‬
‫المختصرة المفيدة‪ ،‬في ربيع األول عام سبع وسبعين ومائتين وألف ‪ ,‬وتوفي ثالث‬
‫جمادى اآلخرة عام اثنين وأربعين وثالثمائة وألف‪ .‬وقد أرخ لوفاته العالمة‬
‫القاضي العدل الشيخ سيد محمد بن الداه بن داداه مشيرا بحساب الجمل أيضا إلى‬
‫قدر عمره بقوله (رجز)‪ :‬قضى بجيم من جمادی الثانيه * إمام كل حضر‬
‫وباديه الشيخ سيدي بوقت الظهر * يوم الخميس يا له من أمر في سنة تاريخها‬
‫“بشمس” * والعمر “دين” كضياء الشمس كما أرخ له محمد فال بن بابه في مرثيته‬
‫له‪ ،‬مشيرا إلى قدر عمره بحساب الجمل‪ ،‬بقوله‪( :‬طويل) ‪“.‬وصد” “بشمس” عمره‬
‫ومسيره * فكان به للمكرمات ختام‪.‬‬
‫رحمه هللا رحمة واسعة‪.‬‬
‫وقد ترجم له الشيخ محمد بن أبي مدين رحمه هللا ترجمة خاصة سماها نزهة الراني‬
‫في ترجمة الشيخ سيدي الثاني‪:‬وهذا هو رابط تحميل هذه النقلة‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫"‪ = "1‬وهذا نص رسالة الشيخ سيدي باب إلى سيدي محمد بن أحمد بن حبت كتبت‬
‫الرسالة بتاريخ‪ 27 :‬جمادى اآلخرة ‪1327‬الموافق‪ 15 :‬يوليو ‪1909‬م‪ :‬بسم هللا‬
‫الرحمن الرحيم‬
‫سيدي بن محمد إلى السيد الفاضل ابن ساللة السادة األفاضل‪ ،‬األخ سيدي محمد‬
‫َ‬ ‫من‬
‫ت‪ ،‬رحم هللا تعالى السلف وبارك في الخلف‪ .‬آمين‪ .‬سالم عليكم‬‫بن أحمد بن حبَ ْ‬
‫ورحمة هللا تعلى وبركاته‪ ،‬فإني أحمد إليك هللا الذي ال إله إال هو‪ .‬أما بعد‪ ،‬فقد‬
‫رأيت كتابك الكريم وخطابك الوسيم‪ ،‬وإني أرى أنه ال يخفى عليك عدم القدرة على‬
‫مقصدها إعالء كلمة هللا‬ ‫الجهاد من كل وجه‪ .‬وال يخفى عليك أن الجهاد وسيلة ِ‬
‫مقصدها لم تشرع؛ وأن هذه المسألة تخفى‬ ‫تعلى؛ وأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها ِ‬
‫كثيرا على أهل الفقه‪ .‬وال يخفى على الناظر عدم قدرة سكان البلد على الجهاد من‬
‫ظن عدم اتحاد الكلمة على السلطان القاهر وعد ُم بيت المال‬ ‫كل وجه‪ .‬فإذا تُحقق أو ُ‬
‫ونحو ذلك من‬ ‫ُ‬ ‫وعد ُم السالح المماثل وعد ُم العدد المكافئ وعد ُم الصنائع المقاومة‬
‫مقصد الجهاد‪ .‬وبذلك‬ ‫ظن أن الثمرة إنما هي خالف ِ‬ ‫سائر أسباب القوة‪ ،‬فقد تُحقق أو ُ‬
‫تصير دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ضائعة في غير ثمرة تجنى‪ .‬فيصير الجهاد‬
‫مضرة خالصة فيكون فتنة من الفتن‪ ،‬هذا إضافة إلى أن أهل الفساد يجعلونه ذريعة‬
‫والوصف فيه قاصر عن‬ ‫ُ‬ ‫والعيان ُم ْغن في ذلك عن البيان‬
‫ُ‬ ‫الستئصال شأفة المسلمين‪.‬‬
‫البيان‪ .‬وال يخفى أن المسلمين في هذا القطر البيضاني اآلن أسوأ حاال وأضيع‬
‫أنفسا وماال بسبب ذلك من السودان الذين في ملكة هذا الجنس منذ حين‪ .‬بل ال نسبة‬
‫بينهم وبينهم‪ .‬فهؤالء في عذاب أليم وأولئك في نعيم‪ .‬مع اتفاقهم على أن دينهم‬
‫منذ ملكهم لم يزل في زيادة صالح‪ .‬فقد كان جلهم كفرة فصار جلهم مسلمين‪.‬‬
‫وكانوا يتقاتلون دائما ويتناهبون وينهبون من دخل أراضيهم من تجار المسلمين‪.‬‬
‫فصارت الحال بخالف ذلك كله‪ .‬وصارت أرضهم اآلن جنة من جنان الدنيا أمنا‬
‫وعافية ومعاشا‪ .‬وتيسر الحج وسائر العبادات واألسباب فيها غاية‪ .‬فليس شيء‬
‫أرفق ببيضان هذا القطر وال أصلح لهم من أن يصيروا مثلهم‪ .‬ولوال وخامة تلك‬
‫األرض على البيضان الرتحلنا إليها منذ سنين ورأيناه أصلح لسائر المسلمين‪ .‬وقد‬
‫علمنا حال المغرب األوسط المعروف بأرض الجزائر وقد ملكه الفرنسيس منذ نحو‬
‫وسائر‬
‫ِ‬ ‫سبعين عاما‪ ،‬وحا ُل تونس وقد ملكوها منذ نحو ثالثين سنة‪ ،‬وحا ُل اتْ َو ْ‬
‫ات‬
‫ص بعد ملك اإلنجليز لهم‪ .‬فلم‬ ‫اوه وه َْو َ‬
‫ور‪ .‬وقد علمنا حال مصر والهند و َج َ‬ ‫الت َّ ْك ُر ْ‬
‫بعض المفاسد فمفسدة‬ ‫ُ‬ ‫يزل الدين قائما في هذه األصقاع وأهلها في عافية‪ .‬وإن قُ ّد َِر‬
‫وجوب‬
‫ُ‬ ‫السيبة أو الحرب مع العجز عنها أعظم‪ .‬ومن القواعد المجمع عليها‪:‬‬
‫علم ما نصوا عليه من‬ ‫ارتكاب أخف الضررين وتركُ أعظم المفسدتين‪ .‬وقد ُ‬
‫احتمال بعض الضيم للمصلحة أخذا من قضية صلح الحديبية‪ ،‬إذ صالحهم صلى هللا‬
‫عليه وسلم على رد من جاء مسلما وهم يعذبونه ليردوه إلى الكفر نظرا منه صلى‬
‫هللا عليه وسلم إلى مصلحة أعظم‪ .‬وانظر إلى إرسال إبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫ارة إلى الجبَّار‪ .‬وكال األمريْن في صحيح البخاري وقد تكلم عليه الحافظ في‬ ‫س َ‬
‫ب َ‬
‫عقد الجزية ونحوه‪ .‬وأما‬ ‫فتح الباري؛ ونصوص الفقهاء طافحة بهذا المعنى في َ‬
‫أمر االصبنيول في األندلس فحا ُل النصارى إ ْذ ذاك خالف حالهم اآلن‪ ،‬فقد تقرر في‬
‫ق عليها بينهم منذ حين عد ُم الت َعرض ألحد من أهل األديان‪ ،‬كائنا من‬ ‫قوانينهم المتف ِ‬
‫تعرض لصاحب دين من المسلمين أو غيرهم يُعاقب عقوبة شديدة‪.‬‬ ‫كان‪ ،‬وأن من ّ‬
‫وقد شاهدنا مصداق ذلك؛ وقد رأينا من أسلم من الفرنسيين وغيرهم في ا ْن َد ْر وا ْن َد َكار‬
‫ال يعرضون له بقليل وال كثير‪ ،‬بل يكادون تكون النصرانية وسائر الملل عند‬
‫عونُ ُهم على إظهار شعائر اإلسالم ببناء المساجد وإقامة‬ ‫جمهورهم اآلن سواء‪ .‬بل ْ‬
‫األئمة فيها والمؤذنين والقضاة والمدرسين وإجرا ُء أرزاقهم من بيت مالهم ك َّل حين‬
‫أمر مشهور‪ .‬وغير مستحيل على هللا تعلى وقدرته أن يؤيد دينه بالمخالفين أو‬
‫يقودهم إلى الدخول فيه‪ ،‬كما فعل بالديلم والسلجوقيين وبني عثمان وهللا على كل‬
‫شيء قدير‪ .‬وقد حادت هذه األمة‪ ،‬أقال هللا عثرتها‪ ،‬عما كان عليه سلفها الصالح‪،‬‬
‫فاتبع األمراء الشهوات وابتدع العلماء والصالحون البِدع‪ ،‬وطلبوا الدنيا بالدين‪،‬‬
‫ارى ال يجدون مرشدا وال يهتدون سبيال‪ ،‬فتخلف النصر عنها‬ ‫وبقيت العامة َح َي َ‬
‫وظهر عليها مخالفوها فال ترى شبرا من األرض منذ حين فتحه المسلمون‪ ،‬وال‬
‫ص‬ ‫تراج ِع األمةُ دينَها وتُخ ِل ِ‬
‫ِ‬ ‫تزال ترى إقليما فتحه النصارى‪ .‬وال يزال ذلك ما لم‬
‫ع سنة نبيها عليه الصالة والسالم‪ .‬ولما أراد هللا تعلى إنفاذَ أمره بذلك أل َه َم بعظيم‬ ‫اتبا َ‬
‫فضله وجميل لطفه ومحكم تدبيره أجناس النصارى أن ال يعرضوا للدين إال بما‬
‫يعين أهله ويصلح بالدهم فله الحمد والشكر ‪ .‬وأما الهجرة فال تجب إال عند‬
‫وعدم التمكن من إقامة شعائر اإلسالم‪ ،‬فإن البلد الذي تظهر فيه‬ ‫ِ‬ ‫التعرض للدين‬
‫شعائر اإلسالم بلد إسالم‪ .‬بل قال بعض العلماء إن اإلقامة مع الكفار وإظهار شعائر‬
‫اإلسالم بينهم أفضل من الهجرة‪ .‬انظر فتح الباري والقسطالني في مواضعه‪ .‬وأما‬
‫كالم المعيار وتابعيه‪ ،‬فمع تيسر الهجرة من بالد األندلس إلى بر الع ْدوة ومع وجود‬
‫طائفة لها سلطان وقوة تجاهد في سبيل هللا ومع تعرض االصبنيول (اإلسبان) حينئذ‬
‫للدين‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬فأين الحال من الحال؟ فإنا هلل وإنا إليه راجعون على تراجع‬
‫الدين والعلم واتباع الهوى والجهل‪ .‬وإنه ال يخفى علي أنك لم ترد بهذا األمر أ ْك َل‬
‫اكتساب منزلة‪ ،‬ولكن أرى أنك لم تمعن النظر في أحوال الزمان والمكان؛‬ ‫َ‬ ‫مال وال‬
‫ومثلُك إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر‪ ,‬وهللا تعالى يوفقني وإياك وسائر‬
‫المسلمين‪ .‬آمين‪ .‬فأرى أن ترجع عن هذا األمر وتجعل ذلك قربة إلى هللا تعلى‪،‬‬
‫فقد ضاع فيه من دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ما ال يحصى‪ ،‬وإن مثلك من‬
‫نظر للمسلمين وقاد العافية إلى المساكين‪ .‬وقد كلمت نائب فرنسا هنا في أمرك‬
‫فأمنك وهلل الحمد‪ ،‬وأمر أن تأتيه في ثمانية أيام وال تتأخر عنه‪ ،‬فتلتقيان وتقرران‬
‫كيفية الصلح والعافية‪ ،‬فأرى أن تفعل ذلك عاجال‪ ،‬فهو خير في العاجل واآلجل إن‬
‫شاء هللا تعلى‪ ,‬والسالم عليكم ورحمة هللا تعلى وبركاته‪ .‬لثالث بقيت من جمادى‬
‫اآلخرة عام سبعة وعشرين وثالثمائة وألف‪/.)).‬انتهت الرسالة‪./‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وصلى هللا وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫والحمد هلل أوال وآخرا‬
‫وكتب الترجمة ‪ /‬إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي‬

You might also like