Professional Documents
Culture Documents
الشيخ سيديا باب الشنقيطي
الشيخ سيديا باب الشنقيطي
هو محيى السنة ،ومجدد القرن الرابع عشر (بال منازع) اإلمام المجتهد المصلح
العالمة أبو محمد الشيخ سيدي بابه بن الشيخ سيدى محمد بن الشيخ سيدي الكبير بن
المختار بن الهيبه االنتشائي األبياري ،وأمه مريم بنت عبد الودود بن أربيه األبييرية
ثم المحمدية.
ولد سحر ليلة الجمعة فى الثانى عشر من ربيع األول سنة 1277للهجرة ،وتوفي
جده وله سبع سنوات ،ووالده وعمره ثمان سنين.
وحفظ القرآن ولما يبلغ العاشرة من عمره ،وأخذ العلم على علماء حضرته من
تالمذة أبويه ،فأجازوه فى مدة يسيرة فى جميع ما تعلم عليهم ،وكان بعضهم يقول:
أتانا لنعمله فصار يعلمنا!
ولما بلغ العشرين من عمره ،تاقت نفسه إلى معرفة الحق من منبعيه األصليين كتاب
هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ،فعكف على االشتغال بهذين األصلين
وعلومهما ،وأدمن المطالعة والبحث فى كتب المتقدمين ،واجتمع لديه من أمهات
الكتب والموسوعات ،فى شتى المجاالت ،ما لم يجتمع لغيره من علماء هذه البالد،
"فكان يستجلبها من اآلفاق النائية ،باألثمان الغالية وينسخ منها ما لم يكن مطبوعا"،
حتى إنه اجتمع لديه ذات ليلة ما ينيف على مائة كتاب من كتب المذهب الحنفي.
كان يدعو الناس من حوله إلى التوحيد الخالص هلل تعالى ،ويحذرهم من الشرك
والخرافة واالبتداع فى الدين ،ويأمرهم باتباع منهج السلف الصالح ،أهل القرون
المزكاة ،ويحثهم على اتباع الدليل ،وترك التقليد األعمى ،وله مؤلفات وأشعار كثيرة
فى ذلك.
يقول عنه سبطه العالمة المحدث محمد بن أبى مدين رحمه هللا تعالى" :وكانت
شمائله الطيبة ،وسجاياه السنية ،وأخالقه المرضية ،وصنائعه البعيدة من التكلف،
وصالته المتهاطلة ،عنوانا على خلوص نيته البرئية من التصنع ،وإنفاقاته المتفوقهِ ،
لوجه ربه الكريم ،فلذلك وضع له ربه المحبة والمهابة فى قلوب العباد ،والذكر
الحسن فى جميع البالد".
وكان -رحمه هللا -رجل سياسة محنكا ،أوتي الحكمة ،وفصل الخطاب ،والتوفيق
والتسديد.
ومن المعلوم أن هذه البالد رغم ما فيها من علم وأدب وأخالق ،كانت إلى ذلك
تعصف بها الحروب الطاحنة ،واالضطرابات الداخلية ،والفتن منذ عصور بعيدة؛
وقد حاول العلماء والمصلحون إخمادها ،فلم يتسن لهم ذلك ،وكان من أبرز هؤالء
الشيخ سيدي الكبير الذى عقد مؤتمر تندوجه الشهير عام 1856م ،إلصالح ذات
البين ،وتوحيد الصف ،وجمع الكلمة ،لنصب إمام ،وإقامة كيان يسود فيه األمن
واالستقرار ،ويستطيع أهله أن يتصدوا للعدو الخارجي الذى يتربص بهم الدوائر،
ويعد عدته لالنقضاض عليهم .وقد حضر المؤتمر المذكور أعيان البلد من علماء
وأمراء وقادة رأي ،وفى أجواء هذا االجتماع التاريخي العظيم أنشأ والد صاحبنا
الشيخ سيدى محمد قصيدته الرائية المطولة الفريدة فى الحث على الجهاد ،والقضاء
على اللصوص والمحاربين الذين يعيثون فى األرض فسادا.
وبعد وفاة الشيخين استعر أوار الحروب ،وعادت الفتن إلى حالها األول أو أشد.
وفى تلك األثناء ،وإبان تلك الفوضى العارمة دخل الفرنسيون البالد من جهة
الحوضين ،وأبرموا مع قادة تلك المنطقة صلحا دخلوا بموجبه أرض موريتانيا ،من
الناحية الشرقية .ويوجد بأيدينا تقرير كابوالنى الذى عقد بنفسه تلك المهادنة مع
زعماء الحوض .وبعد رفعه التقرير المذكور إلى السلطات االستعمارية قرر إعادة
التجربة من الجنوب ،فالتقى بالشيخ سيدي بابه والشيخ سعد أبيه ،وأميري الترارزة
والبراكنة ،وتم عقد مهادنة بين الطرفين؛ علما بأن اإلمارتين ،بحكم موقعهما ،كانتا
على اتصال مباشر بالفرنسيين من قديم ،وكانتا تتعامالن معهم فى إطار تجارة
الصمغ وغيرها.
وبحكم الضرورة أفتى الشيخ سيدي بابه بأهمية مهادنة الغزاة ،لوضع حد للسيبة
والفوضى العارمة .وسعى إلى وضع أسس الدولة ،تجسيدا لفكرة أبيه وجده .وقد
القى مشروعه تأييدا واسعا فى منطقته وغيرها ،والقى معارضة من جهات أخرى.
لكن مع مرور الزمن رجع طائفة من العلماء والقادة إلى رأيه ،واعتبروه مصيبا فى
ظل األوضاع القائمة.
وفى يوم الخميس 3من جمادى اآلخرة 1342للهجرة (م )1924/10/01توفي
الشيخ سيدي بابه رحمه هللا تعالى ،مخلفا تراثا علميا ضخما ،وجوا سنيا سلفيا
ناصعا ،ومشروعا دينيا إصالحيا تجديديا عظيما ،وآخر سياسيا إصالحيا قامت على
أساسه الدولة الموريتانية الحديثة .فبجهوده الجبارة ،وفكره الناضج ،واطالعه
الواسع على أحوال الزمان والمكان ،وبفضل سعة علمه ،وبعد نظره ،وحنكته
السياسية ،استطاع أن يضمن لهذه البالد كيانا مستقال عن األطماع اإلقليمية ،وأن
يقيم فيها نظاما يوقف نزيف الدماء ،ويقضى على الحرابة والتلصص وقطع
الطريق .فما عرفت هذه البالد بعد حكم المرابطين دولة مركزية تضبط الشؤون
العامة ،وتبسط نفوذها على هذه المنطقة قبل هذه الدولة الموريتانية الحديثة التى
سعى الشيخ سيدي بابه إلى وضع أسسها وقواعدها .ولقد اشترط على الفرنسيين أن
ال يتدخلوا فى الدين واألخالق ،وأن يقبلوا شفاعته فى جميع المسلمين؛ ولم يقبل منهم
راتبا وال وساما ،وال تنازل لهم عن شيء من أحكام الشريعة أو مبادئها .بل استطاع
بحكمته العجيبة أن ينشر عقيدته السلفية ومذهبه السني فى تلك الحقبة بالذات.
ويظهر من كتاباته وتعامله مع المستعمر أنه كان يوقن بقرب رحيل الفرنسيين ،وأن
عقد الهدنة ما هو إال ألمد محدود ،وأجل مسمى.
علم من أعالمباب ولد الشيخ سيديّا؛ عالم وشاعر ومجدد إسالمي من بالد شنقيط ،و َ
األمة اإلسالمية ورموزها ،وصاحب رؤية سياسية تنطلق من محورية األمن
واالستقرار وتركز على الواقع وتستحضر المآالت ،وبناء على ذلك قَبِل التعامل مع
االحتالل الفرنسي صونا لدماء المسلمين وأعراضهم ،كما ساهم في قيام الدولة
المركزية في موريتانيا ،وهو من الذين أخذوا على عاتقهم تنقية ما أثر على مفاهيم
اإلسالم من أردان الشعوذة والدجل في القرن الـ 19وبداية القرن الـ ،20حتى توفي
عام .1924
المولد والنشأة
ولد باب ولد الشيخ سيديّا عام 1860في مدينة بوتلميت ،التي تبعد 150كيلومترا
شرق العاصمة نواكشوط ،ونشأ في بيت أبيه الشيخ سيدي محمد وجده الشيخ سيدي
الكبير المعروفين بمكانتهما االجتماعية والعلمية والروحية في غرب أفريقيا.
وتعد عائلة آل الشيخ سيديّا مدرسة علمية ضاربة الجذور في العمق المعرفي وذات
تأثير كبير في المجتمع الموريتاني.
فوالده سيد محمد من أبرز الشعراء في عصره ،وله مكانة علمية وأدبية متميزة ،كما
أن جده الشيخ سيديا الكبير كان من أشهر العلماء وشيوخ التصوف في بلده وله
مكانة علمية كبيرة تستقطب طالب العلم والقاصدين للحاجات من كل حدب وصوب.
وفي ذلك العطاء الثقافي الغزير نشأ الشيخ باب وعاش بدايات طفولته في حضن
والده وجده.
وعندما بلغ الثامنة توفي جده ووالده ،فعاش في ظالل الحاضنة العلمية والروحية
لوالديه ،وتولى الزعامة القيادية للقبيلة قبل أن يبلغ الحلم فكانت طفولته مثقلة بحمل
شؤون مجتمعه ومشاكل األتباع والمريدين ألسرته.
إعالن
الدراسة والتكوين
بدأ في الدراسة منذ نعومة أظافره ،وأبصر نور العلم في محظرة والده (وهي جامعة
بدوية تدرس فيها جميع العلوم الشرعية واللغوية وهي سمة للثقافة الشنقيطية) فأكمل
حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ سن العاشرة.
تفرغ بعدها لدراسة العلوم الشرعية واللغوية على يد عدد من العلماء كالشيخ أحمدو
بن سليمان الديماني ،والشيخ محمدو بن حنبل الحسنين والشريف الشيخ أحمد بن
ازوين ،وغيرهم من أعيان العلماء.
فأحاط بكل الفنون التي ت ُ َّ
درس في بالد شنقيط ،كما أعانته المكتبة الكبيرة التي تركها
والده على المطالعة في شتى المؤلفات ،حتى تفتحت مداركه وتوسعت نظرته،
فخرج من عباءة الضيق والجمود إلى رحاب التجديد والتوسع.
وبفعل العناية التي حظي بها والملكات العقلية التي حباه هللا بها ،تصدّر المجالس
العلمية في مرحلة مبكرة من شبابه ،وأصبح واحدا من العلماء الذين يُرجع لهم في
حل المشكالت والمستجدات الفقهية ،فذاع صيته وانتشر أمره بين الناس.
التوجه الفكري
تلقى الشيخ باب ولد الشيخ سيديا تعليمه في بيئة شنقيطية تلتزم بالمذهب المالكي
وتتشبث بفروعه وحيثياته ،كما عايش انتشار التيارات والطرق البدعية التي تدّعي
اعتناقَ المذهب الصوفي ،فنادى بضرورة الرجوع إلى أصل الدين والسير في نهج
سلف األمة الصالح ،في االلتزام بالكتاب والسنة.
وقد وقف في وجه أهل البدع والنحل ،وحارب الم ْشيخة الصوفية النفعية التي كانت
مزدهرة آنذاك ،وطالب بالكف عن أكل أموال الناس بلباس العلم والرقية والتدين.
وكان من الدارسين لمؤلفات ابن تيمية ،كما كان يطالع من بين مطالعات عديدة مجلة
العروة الوثقى التي تنظر للنهضة واإلصالح في القرن الـ.19
ورغم كل ذلك فقد كان بعيدا عن التشدد والغلو في الدين ،بل كان يصادق
المتصوفين الربانيين ،وال يتبنى نظريات التكفير ،فقامت مدرسته الفكرية على
االلتزام باألصل والدليل والتعايش مع الواقع وعالج مساوئه.
وقد طرق فتح باب التجديد واالجتهاد ،الذي لم يكن معروفا في الصحراء وغرب
أفريقيا ،ونادى بضرورة االعتماد على الدليل الشرعي وعدم التعصب لمذهب معين،
واالنفتاح على جميع المذاهب الفقهية.
المؤلفات
ترك الشيخ باب الكثير من المؤلفات ،التي تعكس مشاكل الواقع الذي كان يعيشه،
ومن أبرز كتبه التي طبعت:
"إرشاد المقلدين عند اختالف المجتهدين" ،وهو الكتاب الذي عكس •
منهجه في االجتهاد وضرورة التوسع في الفهم واالنفتاح على جميع المذاهب
الفقهية.
"رسالة في إعجاز القرآن". •
"رسالة في كيفية الصالة وما يقال فيها". •
"تاريخ إمارتي مشغوف وإدوعيش". •
وكان الشيخ باب سلس العبارة وشاعرا بالطبيعة ،فقد تميز شعره بجودة المبنى
وقرب المعنى ،حتى طرق جميع األغراض من نسيب وغزل ورثاء ومديح ،وأكثر
من اإلرشاد والوعظ.
وقد اختيرت إحدى قصائده نشيدا وطنيا لموريتانيا منذ استقاللها 1960حتى عام
2017حيث جاءت الحكومة بتعديالت دستورية طالت النشيد والعلم للتعبير عن
تضحيات جيل مقاومة االستعمار.
ومن شعره في التضرع واللجوء إلى هللا:
وأنت من ترتجى من عنده الحا ُج رحماك محتا ُج
َ يا ربّ إني إلى
ال ريب في أنه للفوز منها ُج منهاج قصدك للحاجات إن حضرت
منه سيحمد عند الصبح إدال ُج ومن يؤمك للحاجات معتمدا
الوفاة
توفي ظهر الخميس العاشر من يناير/كانون الثاني 1924بعد صراع مع المرض،
ودفن في مقبرة العائلة بالبعالتية في ضواحي مدينة بوتلميت.
باب ولد الشيخ سيديا
الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير ،سيد وقته ،وإمام
عصره ،وورع زمانه ،وأعجوبة دهره ،وفاروق أوانه ،ذو األخالق المرضية،
واألحوال الصالحة السنية ،واألعمال الفاضلة الزكية ،حامل لواء السنة ،وداحض
شبه البدعة ،سيف هللا المسلول على أهل البدع واألهواء الذائعة ،كان أش ّد الناس في
دين هللا ،وأحفظهم للسنّة ،يغضب لها ويندب إليها ،ويشنع على البدع وأهلها ،واشتد
نكيره على المفاسد والخرافات ومن يروجون لها ،أقام صرح الدين الصحيح والسنة
المطهرة وأرشد الناس إلى أن يتمسكوا بالوحيين.
اشتهر بلقبه ( باب ) ،ويقال له الشيخ سيدي باب جمعا بين االسم واللقب ،وتمييزا
له عن جده الشيخ سيدي الكبير ،وكنيته أبو محمد ولد الشيخ سيدي (باب) عام
۱۲۷۷هـ ،ونشأ في بيئة علمية متدينة ،فهو من عائلة ذات شهرة دينية ،وعلمية
كبيرة ،لها مكانة في المجتمع الموريتاني ،ال تستطيع أن تظفر بمثلها عائلة أخرى
في البالد .يقول محمد يوسف مقلد :أنت إذا طفت موريتانيا ،أو زرت بعض
نواحيها فقط فإنك ستسمع أسماء عائالت معروفة مشهورة كأنها أسماء العواصم ،أو
اسماء الشعوب ،ولكن عائلة آل الشيخ سيدي عائلة ال تضاهيها عائلة أخرى في
العلمية ،والشهرة ،ال في القديم ،وال في الحديث.
كان -رحمه هللا -آية هللا في تحقيق العلوم ،واالطالع المفرط على النقول ،والقيام
األكمل على الفنون بأسرها.أما الفقه فهو فيه مالك ،وألزمة فروعه حائز ومالك ،إلى
ما انضم لذلك من معرفة التفسير ودرره ،واالطالع بحقائق التأويل وغرره ،إلى
اإلحاطة بالحديث وفنونه ،وحفظ رواياته ومعرفة متونه ،ونظم أنواعه ،ووصف
فنونه .وأما زهده وصالحه فقد سارت به الركبان ،واتفق على تفضيله وخيرته
الثقالن ،هو فاروق وقته في القيام بالحق ،ومدفعة أهل البدع بالصدق ،وبالجملة
فالوصف يتقاصر عن مزاياه ،ويعجز عن وصفه ويتحاماه ،فهو شيخ العلماء في
أوانه ،وقطب األئمة والمصلحين في زمانه.
سألت أحدهم ــ ذات مرة ــ عن الشيخ سيدي باب ممن كان قد رآه ,فقال لي واصفا
إياه ما معناه :شيخنا اإلمام العالم العلم ,جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حف ً
ظا
وفه ًما وتحقيقًا راسخ القدم ,رافع لواء اإلمامة بين األمم ,ناصر الدين بلسانه وبيانه
وبالعلم ,محيي السنة بفعاله ومقاله وبالشيم ,قطب الوقت في الحال والمقام والنهج
الواضح والسبيل األقوم ,مستمر اإلرشاد والهداية ,والتبليغ واإلفادة ،ذو الرواية
والدراية والعناية ،مالزم للكتاب والسنة على نهج األئمة المحفوظين من البدع في
َّللا إال من رحم ،ذو همة علية ,ورتبة سنية ,وخلق رضية, زمن ال عاصم فيه ألمر َّ
وفضل وكرم ،إمام األئمة ,وعالم األمة ,الناظر للحكمة ,سليل الصالحين ,وخالصة
مجد التقى والدين.
في هذه البيئة العلمية نشأ الشيخ سيدي باب ,فكان لها أثرها على شخصيته العلمية,
وال غرو في ذلك فقد كانت مدينة بتلميت التي هي مقر عائلته ،مورد طالب العلم.
شهرة الشيخ سيدي الجد علما وعمال وصالحا وزعامة دينية حكيمة شاملة لجميع
نواحي البالد بحيث يعتبر أكبر مصلح بما لكلمة “اإلصالح” من معنى :إصالح ذات
البين بين األمراء فيما بينهم إن تشاجروا وقامت الحرب بينهم على ساق ،واإلصالح
بين القبائل المتناحرة ،واإلصالح بين األفراد المتنافرة ،وإصالح النفوس ورياضتها
لتنقاد ألمر ربها امتثاال واجتنابا ،إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف
البديعة والنصائح القيمة ،إلى دماثة خلق وتحمل مشقة غرف بهما في رحلته الطويلة
في طلب العلم ،إلى نصرة المظلوم ,وإعانة المنكوب ,والصبر على جفاء الجافي,
ودفعه بالتي هي أحسن ،بحيث صار حرما آمنا يلجأ إليه الخائف ويفر إليه الجاني،
متعززا بتقوى هللا تعالى ,مكتفيا به عما سواه .ويقال من خاف هللا خافه كل شيء,
حتى صارت سمته على المواشي أمانا لها من اللصوص الناهبين ,فصار بعض
الناس يضعها على مواشيه خوفا عليها ,وفي هذا يقول العالم الشاعر أبد بن محمود
العلوي يخاطب باب بن الشيخ سيدي محمد :أنسى الورى بلدانهم وغدت لهم *
بلدانه سلمى البالد ومنعجا من لم ي ُخ َّ
ط البا بلوح خَطه * يُمنَى التليل تحصنا مما
ف َجا زيادة على علمه الواسع الغزير ,وزعامته للقبائل المحيطة به ,واهتمامه بهذا
القطر أجمع ,وبعد غور عقله ,وجودة رأيه ,وتبصره في األمور ,وحزمه وشدة
شكيمته في الحق ,وسياسته المعتدلة ،ال تهور وال تأخر ،إلى أدب لطيف ,وورع
حاجز ,ونسك عربي ,وتحكيم للسنة ,واتباع لها ,وعرض المعلومات المأخوذات عن
الشيوخ األجالء على أدلة الكتاب والسنة .....والقواعد الشرعية قبوال وردا،
وشجاعة على الخروج عن المألوف أو الرأي الموروث إن ظهر له فيه تحرف أو
تحيز ،مع أدب مع الجميع وإنصاف .كل هذه العوامل تجسدت في شخصية الشيخ
سيدي باب وانسجمت في سلوكه وتصرفاته بال تناقض وال تنافر فكأنها خصلة
واحدة مركبة من خصال يخدم بعضها بعضا ,فكان دعاء أبيه مخاطبا أباه من
قصيدته المشهورة( :رجز) وأن يبارك لكم في العقب ***منكم فيحظى بثبات
العقب وحيث إن كل جانب من هذه الجوانب المتعددة لو أرسل الكاتب فيه عنان
قلمه كان مجلدا .حفظ القرآن الكريم وهو دون عشر سنين ثم أكب على طلب العلم
وأخذه من علماء تالمذة أبوية مع ذكاء خارق وجد ال يعرف الراحة( :خفيف)
وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها األجسام
اشتغل بتحصيل العلم على كبار علماء بالده ،ومن أشهر العلماء الذين أخذ عنهم
الشيخ محمد بن السالم البوحسني ،والشيخ محمد بن حنبل بن الفال البوحسني،
والشيخ أحمد بن سليمان الديماني جد العالم الجليل المحدث محمد بن أبي مدين،
والشريف .الشيخ أحمد بن ازوين ،من قبيلة أهل [ بابية] .ويقول طالب الشيخ
سيدي الكبير :إن الشيخ أحمد ابن ازوين هذا هو الذي مأل الفراغ العلمي بعد الشيخ
سيدي الكبير .عكف على كتاب هللا تعالى وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم،
واستجلب الكتب من اآلفاق النائية ،باألثمان الغالية ،واستنسخ منها ما لم يكن
مطبوعا ،حتى اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من أهل بالده ..وأقبل عليها ،قراءة
وتدريسا ،وتصنيفا ،بجد ،وحرص بالغ في التحصيل العلمي ،مع ما يتمتع به به من
الذكاء المفرط والحفظ النادر .وكان إذا استفاد كتابا من الكتب التي كانت عنده ولو
كانت أجزاؤه كثيرة ،كتفسير الطبري ،وفتح الباري مثال ،ال يضعه حتى يتصفحه
ورقة ورقة ،ويعلق على ما فيه من غوامض وأخطاء ،ويستقصيه استقصاء
كامال .ولما درس السنة ،جعلها نصب عينيه ،وعمل بها وأصبحت تدور عليها
سائر أموره ،عقيدة ،وشريعة ،وسلوكا ،بل في حركاته ،وسكناته ,وكان ال يخشى
في الحق لومة الئم ،وال يبالي بما يصيبه في سبيله ،وقد أقبل الناس عليه ،والتفوا
حوله.
ولما كثرت كتبه بنى لها دارا لصيانتها ،والناس إذ ذالك في هذه البالد بدو ال
يضعون لبنة على لبنة
وقيل في رثائه مشيرا لهذه الدار(طويل):
فيض دموعها * وتبكي طروس سطرت وقالم
ُ وحق لكثب الطبع
فقد شاد حول البيت صرحا ممردا * لها إذ غدت عنها تضيق خيام
ويقول باب نفسه في ذلك( :بسيط)
بوركت يا دار كتب العلم من دار * وجاد أرضك غادي المزن والساري
ودام مجدك محفوظا سرادقه **طول الزمان من المولى بأسوار
والتزل نعم الرحمان مقبلة ** إليك غير مشوبات بأكدار
ونلت فتحا مبينا غير منقطع * في العلم ِزين من التقوى بإثمار
وكان أهلك دأبا كل متبع **نهج الرسول بإيراد وإصدار
ال يصرف العمر في لهو وال لعب ** بل في علوم وآداب وأذكار
طورا إلى أحرف القرآن وجهته * وما تضمن من معنى وأسرار
وتارة ينتحي ما جاء من سنن * عن النبي وأخبار وآثار
إلى أصول إلى فقه إلى سنن **من التصوف لم يوصف بإنكار
إلى فنون من اآلالت مظهرة ** من المقاصد مستورا بأستار
ألفى بمغناه ما يبغيه من أرب * فقر عينا بفضل الخالق الباري
فالحمد هلل في بدء ومختتم * والحمد هلل في جهر وإسرار.
وكان له مجلس علمي يضم جماعة من كبار علماء وقته ،يتطارحون فيه المسائل
ويبحثون في القضايا النازلة ،وربما في أحكام بعض القضاة إذا احتيج للنظر فيها.
وكانت أوقاته مقسومة بين إقامة فرائضه التي يبالغ في االحتياط فيما تبرأ به الذمة
ويخرج به من العهدة ،ويحصل به الكمال في الصالة ،فرائض وسننا وآدابا ،يطيل
في المواضع التي يسن فيها التطويل ،ألنه يرى أن التخفيف الذي تؤمر به األئمة
نسبي ال يمكن ضبطه إال بما صح عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
هذا وأصحابه ,كما هو مذهب المحققين ال كما يقول المتأخرون من الفقهاء المقلدة.
مع إدامة النوافل والسعي في مصالح المسلمين والشفاعة الحسنة فيهم عند الحكام
واستقبال الوفود القادمة وتفقد أحوال المتعلقين به في دنياهم ودينهم والقيام بحقوقهم،
كل بنسبة ما يحاول ،وإدمان المطالعة من غير ملل وال فتور ليال ونهارا ,قليل النوم
ليال ,وقيل إنه لم ير مضطجعا نهارا وأعطي في كل هذا قوة ال تتأتى لغيره.
وتثمر هذه المطالعة إفادات وزيادات وتحقيقات تُتحف بها جلساؤه فال يفترقون إال
عن ذواق ربما تكون أنفع لطالب العلم وأسرع في التحصيل وأجمع للشوارد النادرة
التي ال تتاح إال للراسخين في العلم المستنبطين للعلم من منبعه األصلي :كتاب هللا
وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم.
أقول :ربما تكون أنفع من االشتغال بالمتون المختصرة حفظا وفهما وأقرب إلى
منهجية أخذ العلم زمان النبوءة ،وإن كان االشتغال بالمتون أيضا مهما نافعا ال
يستغنى عنه.
وقد حرر الشيخ باب مسائل مهمة جدا مما يتعلق بالعقيدة والقراءة والفروع ،كانت
مثار جدل في القديم والحديث ,ونظم في بعضها أنظاما كتب عليها أنقاال محررة
متنزلة على محل النزاع ،حازة في المفصل ،معزوة لمصادرها من الكتب المعتمدة
عند الجميع ،فكانت تلك األنقال كالشروح لها تبيينا وتوثيقا.
وكان رحمه هللا ش ًجى في حلوق أهل األهواء المبتدعين ،وإما ًما قائ ًما ببيان الحق
وحب ًْرا يقتدي به األخيار األَلبَّاء ،طنَّت بذكره
وبحرا ال تك ّدِره ال ّدِالءِ ،
ً ون ُ ْ
صرة الدين،
ضنَّت بمثله األعصار ,حتى قال أحدهم :ما رأيتُ مثله وال رأى هو مثل األمصار ،و َ
نفسه ،وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب هللا وسنة رسوله ،وال أتْبَ َع لهما منه.
موقفه من المتشابه :منها مسألة التفويض والتأويل في المتشابه من آيات الصفات
وأحاديثها ,وال يخفى أن الكل متفقون أن هللا جل وعال منزه عن سمات الحدوث،
علم مدلوله لغة
وأنه ليس كمثله شيء ,وقد وردت آيات وأحاديث توهم التشبيه مما ُ
و ُجهل كيفية اتصافه به جل وعال ،فقد اشتهر فيه مذهبان :مذهب السلف :وهو
إمراره كما ورد ،والتفويض فيه إلى هللا أي بأن نؤمن به على مراد هللا تعالى مع
تنزيهه جل وعال عن مشابهة المخلوقات ,وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين ومن
بعدهم من القرون الفاضلة ،وعلى ذلك المحققون من الخلف ,إذ لم يكلفنا هللا تعالى
بمعرفة مراده منه ،ولو كان واجبا لبينه النبي صلى هللا عليه وسلم كما بين غيره,
ولسأله عنه الصحابة كما سألوه عن غيره.
ومذهب الخلف :أي بعضهم ،تأويله بالئق به جل وعال ،ويقولون إن السكوت عنه
موهم للعوام وتنبيه للجهلة مع عدم إنكارهم للتفويض واعترافهم أنه أسلم.
والتأويل هو مذهب أبي الحسن األشعري الوسط بعد خروجه عن مذهب االعتزال,
واألول هو مذهبه األخير الذي رجع إليه في آخر عمره ورجع إليه الباقالني و إمام
الحرمين ,وحكى اإلجماع على منع التأويل الغزالي والفخر الرازي وغيرهم كثير.
وقد نظم باب في هذا نظما مبينا أن الراجح من المذهبين هو التفويض بل هو
المتعين الذي ال يجوز غيره ,ألن المؤول ليس على يقين من مطابقة ما أول به لمراد
هللا تعالى ورسوله صلى هللا عليه وسلم ،فقد يكون معطال بنفي صفة أثبتها هللا تعالى
لنفسه ،ال سيما والمصيب في العقيدة واحد بين المخطئة والمصوبة ،والمخطئ فيها
غير معذور ،ال يخالف ذلك إال من ال يعتد بخالفه .فقال( :رجز)
ما أوهم التشبيه في آيات **وفي أحاديث عن الثقات
فهو صفات ُوصف الرحمن *بها وواجب بها اإليمان
ثم على ظاهرها نبقيها *ونحذر التأويل والتشبيها
قال بذا الثالثة القرون ** والخير باتباعهم مقرون
وهو الذي ينصره القرآن * والسنن الصحاح والحسان
وكم رآه من إمام مرتضى * من الخالئف بناظر الرضا
ومن أجاز منه ُم التأويال * لم ينكروا ذا المذهب األصيال
والحق أن من أصاب واحد **السيما إن كان في العقائد
ووافق النص وإجماع السلف *فكيف ال يتبع هذا من عرف
ومن تأول فقد تكلفا ** وغير ما له به علم قفا
وفي الذي هرب منه قد وقع * وبعضهم عن قوله به رجع
حتى حكى في منعه اإلجماعا * وجعل اجتنابه اتباعا
وقد نماه بعض أهل العلم * من األكابر لحزب جهم
فاشدد يديك أيها المحق * على الذي سمعت فهو الحق
تحريره لمسألة الضاد :ومما حرر الشيخ سيدي باب مسألة الضاد ,وذلك أن من
المعلوم عند من له نظر في كتب التجويد ومخارج الحروف وصفاتها ،ما فيها من
أن الضاد مما تختص العرب بالنطق به سليقة ،وصاروا يقولون لغة الضاد يعنون
لغة العرب .وقال أبو الطيب المتنبي:
ُ
وغيث الطريد. ُ
وغوث الجاني وبهم فخر كل من نطق الضا * د
وأنها أصعب الحروف ،بحيث يتعذر النطق بها إال بالرياضة التامة ,وأنها تشبه
الظاء وال تمتاز عنها إال باالستطالة والمخرج ,ولهذا عسر التمييز بينهما وأن بينهما
ما يسمى عند علماء البديع بالجناس اللفظي ،قال السيوطي في عقود الجمان:
(رجز):
قلت وإن تشابها في اللفظ * كالضاد والظاء فذاك اللفظي
مثلهما في ذلك النون والتنوين وهاء التأنيث وتاؤه .وقال الفخر الرازي في
تفسيره ”. :إن التكليف بالفرق بينهما من تكليف ما ال يطاق .وللحافظ ابن كثير في
أوائل تفسيره شيء من هذا ,وأن الضاد حرف رخو يجري فيه الصوت جريائه في
بقية الحروف الرخوة ،بل قيل إنه متفش ،والتفشي أخص من الرخاوة ،وأنه مستطيل
في مخرجه ،وال كذلك غيره من الحروف.
ولما كان هذا مفقودا في ضاد العامة كثر القيل والقال فيها بين المتمسكين بالضاد
المألوفة من أنها هي التي بها الرواية ،وقد يبحثون فيما فقد فيها من صفات ضاد
العرب وأنها هي التي ينطق بها األكثر ممن فيهم أعالم العلماء في األقطار،
ويجيبهم اآلخرون بأن من شروط الرواية موافقتها لما في كتب التجويد ،وأنها إنما
ألفت لحفظ الرواية ,فنظم الشيخ سيدي باب في هذه المسألة نظما جامعا وألف فيها
رسالة مستقلة أكثر فيها النقل عن أئمة القراءة والعربية ،وأطال ،ألن المقام يقتضي
اإلطالة ،مبينا أن الضاد الرخوة التي ينطق بها هو ومن وافقه هي ضاد العرب
صفة ،ومخرجا ،رواية ودرايةوقال( :رجز)
ليمعن القارئ في الضاد النظر **عند احتجاجه بنص المختصر
هل ثم تمييز عسير جدا ** أو ثم حرف يتعب العبدا
وهل تطيق لفظه الصبيان * والقبط والبربر والسودان
فالضاد أصـعب حـروفهم بـال * تنـازع بيـن جميع الفـُـضــــــال
يز بينـها وبين الظـــــــاء * صعب لدى جمــاعة القُ َّ
ـــــراء والـ َم ُ
اللسان العجمي
ِ ب
عنَ اصحا ِ
بالتكلـــــم * بها َ
ِ واخـتصت الـعرب
بـل ذلك ال َمخرج بين الضــــاد * والظاء في ال ُمخرج عند النــــادي
والنـــــوادر
ِ النـاظـــــــــر** عبارة ُ المـــــــصباح
ِ يَـبـيـن ذاك للبيب
المنهــــــج ** والضا َد باستطالة ومــخــــرج”
ِ وليهده إلى ســواء
ُ
واالتــقــان بـــــــــه شَهــــــي ُد النشر والتــمهيــــ ُد * له
ُ ونص ذاك
َّ
صوت الظــاء
َ الـعربــــــــاء * ُم ْشبِ َهة في السمع
ِ وأن ضا َد العرب
والفجر فا ْنـظـُــرهُ له والجعـبري
َ ــظــر**
ِ ونــص ذاك في النهاية انـ
َّ
بـــــاس* في مبحـث اللفظي في الجناس
ِ وليس في تحقيقه من
واإلتــقــــان
ِ وشـرحها قـد جـاء
ِ وذاك في ْألـــــفــيــــــــة البيــــان **
وقد قفا الجال َل من تأخـَّـــــــرا * فيه ولم يجعـلـْــهُ شيــئًا نُ ُكـرا
لعلماء أهـ ِل ُكـــ ِّل َمذهَــــــــــب
ِ ب* ْ
المـطــــلــ ِ وكم شواه َد لهذا
فالفخر في تفسيره قد نبــــهـا * وشر ُح االقنـاع وشر ُح المنتـــهى
َــر َحـي المـــنهـــــــــاج
نظــره لش ْ
ُ الحاج للمحتــــاج *
ِ قضاء
ِ ومن
صــاح ِلـــــ َمـ ْه؟
ِ والحصر للظاءات في ال ُمقدمه * وغيرها بالعـد يا
ُ
وانظـر إلى قولهـ ُم ُمشالَــــــ ْه * وقولـَــ ُهـــ ْم قاصــرة فَــيَــالـَــــ ْه
بمـــزج ضـا ِد ِه بـِــدال أو بـِـــــطـَا
ِ وانظـر إلى ذكره ُم ْ
من غـَـلـَطا *
ب
األر ِ
ـرق والغرب تـمـا ُم َ ب * في ال َّ
ش ْ وفي السماع من جميع العر ِ
وقال ـــــــ رحمه هللا ــــــ(:بسيط)
الضاد حرف عسير يشبه الظا َء * ال الدَّا َل يُ ْشبُه في لفظ وال الطاء
ت * أبــناؤُهم فـيه أجْ ـدادا ً وآبـاء
لحن فـَـشَا منذ أزمان قد اتّبعَ ْ
ــف العوائد فيـه َخ ْب َ
ط عشواء غير ُمست َـنَد أصـال وغايتــُهم * إلـْ ُ
من ِ
والحق أبلـ ُج ال يخفى على فـ َ ِطن * إن استضاء بما في ال ُكـتْب قد جاء
صا ال َمر َّد لــــــهُ * من شاء بالحق فليومن ومن شاء
هذا هو الحق ن ًّ
ولما قيل للشيخ سيدي باب إن بعض الزوايا يأخذون عليه أربع مسائل :أوالها
وصفة مخالفيْن لما يعرفونه؛ والثانيةُ أنه يطيل الصالة
قراءتُه لحرف الضاد بمخرج ِ
وقد يؤخرها ،والثالثة أنه ال يساعد في رد من لجأ إلى الفرنسيين من المماليك إلى
مواليهم؛ والرابعة أنه هو الذي جاء بالنصارى إلى هذه البالد،
باب « :أما األولى ،فقد رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في سيدي َ
َ قال الشي ُخ
المنام وأخبرني أن الضاد غير المتفشية التي يقرأ بها أهل هذه البالد ليست فصيحة،
لكني لم أعتمد على المرائي ،فبحثت في المصادر والمراجع حتى تبيَّن لي عد ُم
فصاحتها ،وبقيتُ أنتظر الرواية ،إلى أن شافهني بها أخي وصديقي محمد فال بن
بابه( .يقول بعد ذلك في كتاب له حول الموضوع" :وأما الرواية التي ُو ِع َد بها قَبْـ ُل
المحقق التقي الشي ُخ محمد فال بن بابه بن ُ األديب العال ُم الثقةُ
ُ فهي ما شافهنا به أخونا
أحمد بيبه العلوي حفظه هللا وجزاه خيرا").وأما ال َمماليك فلم أسع في ردهم ألنهم لم
يهربوا أصال من مواطنهم وأهليهم إال عن سوء معاملة بادية عليهم.وأما تأخير
الصالة فإني أشرع أو َل الوقت في التهيؤ لها" ،وأنتم في صالة ما
انتظرتموها" ،لكني بطيء التهيؤ ،كما أني أرى وجوب إقامة األركان والتالوة على
المأمور به نسبي بعيد عما هو منتشر اليوم من صالة ُ وتخفيف الصالة
ُ حالهما،
مفرطة في السرعة.وأما دخول الفرنسيين ،فلن يكون بي من التوفيق والحظ ما
السبب في مجيئهم إلى هؤالء المسلمين المغلوبين المضطهدين المعت َدى َ يجعلني أنا
عليهم يوميا في دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم( .بالحسانية :ما ن َْل َح ْكهَ من متْن
دوما أدعو هللا سبحانه وتعلى أن يفرج باب" :وكنتُ ْ
سيدي َ
َ العك ْد)! ,ويضيف الشي ُخ
عنا وعن المسلمين في بالء السيْبة المزمن ،ولو بمجيء أمة أخرى تبسط سلطانها
على هذه الديار ،لكني لم أدع هللا تعلى أن تكون تلك األمة مسلمة؛ فهو تقدير سابق
من الباري سبحانه وتعلى ،إ ْذ ال يوجد في الوقت قوة إسالمية قادرة على إنهاء
السيبة في هذه الربوع.
مسألة االجتهاد والتقليد :ومن المسائل التي ألف فيها الشيخ سيدي باب مسألة
االجتهاد والتقليد ,ومما دعا إلى ذلك أن المقلد للمذهب المالكي مثال ،قد يجد الدليل
مع المخالف في المذهب أو مع مقابل المشهور في مذهبه ،فيصر على التمسك بما
كان عليه ،ويستدل بكالم القرافي في التنقيح وهو أن من ليس بمجتهد ال يجوز له
العمل بمقتضى حديث ،وإن صح عنده سنده ،الحتمال نسخه وتقييده وتخصيصه
وغير ذلك من عوارضه التي ال يضبطها إال المجتهدون” ,وكذلك ال يجوز للعامي
االعتماد على آيات كتاب هللا العزيز ،لما تقدم .بل الواجب على العامي تقليد مجتهد
معتبر ليس إال ,ال يخلصه من هللا إال ذلك ،كما أنه ال يخلص المجته َد التقليدُ ،بل ما
يؤدي إليه اجتهاده بعد بذل جهده بشرطه :وقد نظم سيدي عبد هللا في مراقي السعود
هذا بقوله( :رجز)
من لم يكن مجتهدا فالعمل * منه بمعنى النص مما يحظل
فقد فهم الشيخ باب بأن هذا الكالم ال يخالف ما تقرر من وجوب العمل بما رجح
بالدليل ،فقال“ :بل يوافقه ألن المقلد في هذه الصورة تابع للمجتهد الموافق لذلك
الدليل ,على أننا نفرض أن المقلد في هذه المسألة قد اطلع على ما قاله العلماء في
دليلها ،وعلى ما قالوا في أدلة المخالفين وفهمها وعلم األقوى منها”.
وقال في أوله“ :فهذه نقول قصد بها بيان أن األولى للمقلد ألحد األئمة األربعة إذا
وجد خالف إمامه عن أحد األئمة الثالثة في مسألة وتبين له رجحانه على مذهب
إمامه في تلك المسألة بموافقة القرآن أو السنة الصحيحة المخرجة في الصحيحين،
أو أحدهما ،أو نص الترمذي مثال على صحتها ،ولم يجد ذلك إلمامه ،أو وجد ثالثة
من األئمة األربعة متوافقين على خالف إمامه في مسألة ،ولم يجد فيها دليال من
القرآن والسنة الصحيحة موافقا إلمامه ،والسيما إن اجتمعت هذه المرجحات كلها
ومعها رواية عن إمامه ،أن يعمل بما تبين له رجحانه إن كان متحريا للحق .ونقل
كالم القرافي الذي يستدل به الخصوم ،وأشبعه نقال عن أئمة المذاهب األربعة ،مع
التعريف بالقائل ،نقال عن من عرف به من المؤرخين. ،كما يفعل الرهوني في
حاشيته تارة .وبالجملة فهو كتاب غزير العلم مطبوع منتشر في المكتبات،
مفهرس الفصول سهل التناول ،وقرظه بأبيات مطبوعة معه ،أولها (بسيط) :هذي
نقول صحيحات صريحات * في قفوها إلله العرش مرضاة
الشيخ سيدي باب وهم السلطة المركزية:إذا كان الشيخ سيدي باب معاصرا لفترة
التنوير العلمي التي نوهنا بها آنفا فإنه كان معاصرا كذلك لفترة سياسية حالكة كأنها
الليالي الحنادس ،فالسلب والنهب واالقتتال بين القبائل كان شرعة ومنهاجا لسكان
هذه البالد في الفترة التي عاصرها الشيخ سيدي باب ,وقد رأى بناظريه ما انجر
عنها من أضرار .وقد رد هذه الوضعية – بثاقب النظر إلى غياب السلطة المركزية
التي بإمكانها أن توفر األمن والعافية .فما تعانيه البالد في نظر الشيخ سيدي باب
ناتج عن الفراغ السياسي أو ما يعرف عندنا اصطالحا ب “السيبه” ،بل إن
المصطلح عنوان للبالد .،إذ هي موسومة بالبالد “السائبة” ,وفي الذهن أنها على
فترة من الحكام .والسبب في الحروب الواقعة بين الزوايا قديما وحديثا سيبة البالد
وعدم اعتناء من فيها من أهل الشوكة وغيرهم باتباع القرآن المجيد ؟ في قوله تعالى
:
علَى َت ِإحْ َد ٰى ُه َما َص ِل ُحواْ بَ ْينَ ُه َما ۖ فَإِ ۢن بَغ َْان ِمنَ ٱ ْل ُمؤْ ِمنِينَ ٱ ْقتَتَلُواْ فَأ َ ْ طآئِفَت ِ (( َو ِإن َ
ٰ
ص ِل ُحواْ بَ ْينَ ُه َما بِٱ ْلعَ ْد ِل
ت فَأ َ ْ ٱ ْأل ُ ْخ َر ٰى فَقَتِلُواْ ٱلَّتِى ت َ ْب ِغى َحت َّ ٰى ت َ ِف ٓ
ى َء إِلَ ٰ ٓى أ َ ْم ِر ٱ َّ ِ
ّلل ۚ فَإِن فَا ٓ َء ْ
ّلل ي ُِحب ٱ ْل ُم ْق ِس ِطينَ )) .وقد تبين الشيخ سيدي باب من خالل إعمال َوأ َ ْق ِس ُ
ط ٓواْ ۖ ِإ َّن ٱ َّ َ
النظر في التجارب السياسية ألسالفه أن محاوالت عدة لتنصيب إمام قد انتهت إلى
الفشل ،فلقد تبين أن البالد منذ عهد المرابطين لم تخضع لسلطان مركزي يجبي
الضرائب (ولم يكن لها بيت المال المحتاج إليه في كل شيء ) ،ويبسط األمن
والعافية ويحفظ األموال واألهلين ويعمر األرض ويفجر العيون ,لينعم أهلها
بالرخاء ويرفلوا في حلل النماء وقد تبين كذلك أن هذه الوضعية انطبعت في
أذهان الكتاب والمتشوقين للهم العام المعاصرين له بشكل عام ،وخاصة فقهاء
األحكام السلطانية ,إذ أجمعوا على تكييف هذه المعاني جميعا في تسميات تترك
االنطباع بالتفكير في هذه المعاناة – معاناة هم الدولة – ,وتنصيب إمام والمشاكل
الناجمة عن الفراغ السياسي ،وأشهرها – كما مر معنا – تسميتها بالبالد السائبة (
الخالية من سلطان أو أمير أو رئيس خير يدفع من ظلم الظلمة وجور الجائرين
وعدوان المعتدين وسطوة المتسلطين) .وال بد أنه تبين كذلك أن هذه المحاوالت
انجرت عنها أضرار ،إن لم نقل فتن أعظم شأنا وأعمق أثرا ( انظر محاوالت
اجيجبه وتتدغه ،نموذجا للقبائل ,وكذا محاوالت ناصر الدين في منطقة الكبله
وسيدي عبد هللا ولد ميابی نموذجا لألفراد ) ..ولنأخذ نموذجا من النصوص التي
تبين تبعات القيام باألمور العامة في غياب السلطة المركزية (اإلمام) .فقد أورد
الشيخ سيدي الكبير في رسالته إلى قبيلة اجيجبه التي تصدت ألمر الحسبة ما يلي:
فمن تصدى من هذا الزمان اليوم في إقامة الدين والدعاية إلى سبيل المهتدين ،ثم رام
أن يحمل الناس على فعل المعروف وترك المنكر وأن يغير مناكرهم بيده وأظهر
عضده دون إمام تجتمع إليه الكلمة وتقوى به الصولة ويشد به ساعد الحق وتكون به
على الباطل الدالة ،فقد تصدى إلثارة فتنة تستباح فيها الدماء وتنهب فيها األموال من
غير فائدة وال عائدة مع أن قيام الدولة وتنصيب اإلمام أقل ما فيه من الفوائد حقن
الدماء وبسط العافية ،فهو واجب شرعي بإجماع الفرق اإلسالمية .وقد عاصر
الشيخ سيدي باب جيال من حملة الهم العام – كما مر معنا – استصرخوا بني
جلدتهم لقيام الدولة ونصب اإلمام ،أمثال الطالب أحمد ولد اطوير الجنة ،وبابه ولد
أحمد بيبه المتوفی 1276هـ ومحنض بابه المتوفى 1277هـ والشيخ محمد المامي
المتوفى 1292هـ .بل إن االهتمام بالسلطة المركزية ونصب اإلمام دفع الطالب
أحمد ولد اطوير الجنة إلى أن بايع سلطان مراكش عبد الرحمن بن هشام العلوي
المتوفي 1276هـ .خشية أن يوافيه الموت وليس في عنقه بيعة .والبد أن الشيخ
سيدي باب اطلع على آثار الحركة اإلصالحية في المشرق العربي لهذا العهد ،وذلك
عبر ما ينشر بالصحف والمجالت التي حرص على اقتنائها ،فبمراجعة بسيطة في
مكتبته نجد العروة الوثقى لجمال الدين األفغاني ومحمد عبده بين رفوفها ،وال يخفى
عليكم أن بين ثناياها آراء صريحة في التعامل مع الوافد األوروبي .هذا فضال عن
قضايا معاصرة أخرى كاإلسالم والنصرانية وأسباب التقدم والتخلف واألمة
والسلطان.
وفضال عن ذلك فقد كان لديه اهتمام كبير وواسع بأوضاع األصقاع العربية
واإلسالمية التي دخلها الوافد األوروبي وخاصة الفرنسي منه ،وقد الحظ أنها أحسن
حاال من األقطار التي لم يدخلها .وفي هذا الظرف بالذات كان الفرنسيون على
مرمى سهم أو سهمين من البالد وكانوا يتحفزون للتوغل فيها ،فرجح الشيخ سيدي
باب اعتبارا لكل ما سبق أن التعامل معهم شر ال بد منه ،وضرورة ال غنى عنها,
وقد مكن الشيخ سيدي باب لهذا الرأي من الوجهة الشرعية ،بالجواب على السؤال
الذي طرحه كبالني ،والمتعلق بجهاد الفرنسيين الذين ال يتعرضون للدين ,وقد برع
الشيخ سيدي باب في إعمال النصوص الشرعية في ثنايا الرد وصرح بأن هذا كله
مع أن النصارى على ما ذكر في السؤال للذين ال يتعرضون للدين ،بل يعينون عليه
ببناء المساجد ونصب القضاة والقيام بكثير وغير ذلك من المصالح ،ككف
المتلصصين والمحاربين ،وجعل السلم بين القبائل المتحاربة في هذه البالد
السائبة .ومن المعلوم أن الحاجة كانت ماسة لذلك “فلعل هللا تعالى أرسلهم رحمة
لعباده – يقصد الفرنسيين – ولطفا بهم ،فهو أهل لذلك والمرجو لما هنالك .ولن
يستغرب الدارس عمق النظر والنباهة التي طبعت إعمال الشيخ سيدي باب
للنصوص إذا أحكم النظر في سعة اطالعه وعلو همته واتقاد ذكائه ،وقد استفاد
الشيخ سيدي باب كثيرا في هذا المضمار من كتاب الناصري السالوي المعروف ب
“االستقصا” ,وال بأس هنا من تلخيص هذا الجواب اآلنف الذكر في نقاط محددة حتى
تعم الفائدة ،إن شاء هللا ،من مضمونه :أوال :أحقية اإلمام بالمهادنة توخيا
للمصلحة العامة ثانيا :عجز أهل هذه البالد عن مواجهة الفرنسيين ،اعتبارا للفرقة
السياسية – السيبة – وغياب بيت المال وعدم التكافؤ في القدرات – السالح –
مثال ثالثا :عدم وجوب الهجرة بحكم عدم القدرة عليها ،ثم عدم تعرض الفرنسيين
للدين ،اعتبارا لفصلهم بين السلطتين بل اإلعانة عليه وذلك ببناء المساجد ونصب
القضاة رابعا :كف أيادي المتلصصين والمحاربين عن عامة المتضررين ،ومن
ثم إحالل السلم بين هذه القبائل المتحاربة في هذه البالد السائبة خامسا :الترجي
أن يكون هللا تعالى أرسل الفرنسيين رحمة لعباده ولطفا بهم وفضال عن هذا
الجواب فإن الشيخ سيدي باب قد أغنى هذه اآلراء ومكن لهذه الوجهة في وثائق
أخرى ،كالرد على سيدي محمد ولد أحمد ولد حبت" "1ــ ( ستجد هذه الرسالة كاملة
في نهاية الترجمة ) ــ واالستعراض الحصيف الذي اختتم به كتابه عن إمارتي
إدوعيش ومشظوف .ويحلو لنا أن نختتم هذا الحديث المقتضب بفقرة من هذا
االستعراض تتعلق بصميم هم السلطة المركزية عنده إذ اعتبر الوافد الفرنسي حال
مؤقتا لقيام السلطة المركزية ومكن لذلك في الوثائق .قال رحمه هللا ” :فجاء هللا
تعالى ،وهو العليم الحكيم ،بدولة فرنسا فحقنت دماء هؤالء المساكين وكفت عن
أموالهم األيدي العادية ،فأي نعمة أعظم من ذلك وأي مصلحة فوق ما هنالك؟ إلى
منافع أخرى ،مثل اآلبار التي حفروا وأحكموا واألسواق التي أقاموا واألطباء المهرة
واألدوية المستكثرة من غير أجرة (…) ,ولو أن الزوايا والعرب وغيرهم من أهل
هذه األرض تذكروا ما كانوا فيه من القتل والنهب والفتن وأنواع الظلم,
واستحضروه وجعلوا المنافع الواصلة إليهم بسبب الفرانسة نصب أعينهم الغتبطوا
بقدومهم وعلموا أن العافية ال يعدلها شيء وأن المصلحة تأتي كرها.
وقد سلم الشيخ سعد أبيه بهذه اآلراء ,وكتب ما نصه ":ما كتبه الشيخ عمره هللا
معافى أعني الولي ابن الوليين العالم ابن العالمين الشيخ سيدي مسلم صحيح وما
حمله على كتبه والبحث هنا إال ما جعل هللا في قلبه من الرأفة والرحمة بالمؤمنين
والسياسة وحسن التدبير وراثة من آبائه الكرام رضي هللا عنه وعنهم وعنا بهم فمن
علم أن النصارى في أوفر عدد وعدة قد هدموا الدول القوية الوافرة العدد والعدة في
مشارق األرض ومغاربها وعلم أن الشيخ عمره هللا معافى ورضي عنه وعن سلفه
أولی بوراثة النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم من غيره سلم مكتوبه هذا ال
محالة ومن اتهم الشيخ فليأت باألفعال ال باألقوال وإال فحجته داحضة وتهمته باطلة.
والسالم وكتب أيضا:
قل للمحاول شأو الشيخ سيدي ال ** تتعب لنفسك ذات الزيغ واألود
أتی بنبذة علم ال نظير لهـا ** کالدر إن برزت في سالف األبد
ألنها جمعت أي الكتاب وما ** سن الرسول لنا في يومنا وغد
فاشد د يديك على نصوصها وعلى ** نقولها واحكها في كل ما بلد
شافه والتتكلم حال غيبته ** يا ناقال جاهال واکشف عن العضد
ثم كتب الشيخ سيدي باب :
إن هذا التسليم يا ناظريه ** أحسن الشيخ فيه سعد أبيه
بان في نثره الصواب وأما ** نظمه فالبيان قد بان فيه
حاسديه رويدكم قد تعبتم ** أقصروا عن مداه يا حاسديه
وانتقاص الشبيه غير شبيه ** في العال كلها بغير شبيه.
نظرته اإلصالحية االجتماعية:
امتدت نظرته اإلصالحية لتشمل كافة الميادين ،واتسع أفقه ورؤاه ليصحح المفاهيم
القائمة والعادات السائدة في مجتمعه وفق الكتاب والسنة وإجماع األمة.
يقول رحمه هللا تعالى في مؤلفه ( :مسألة الدفاف في األعراس) ...(:أما بعد فالذي
يظهر لي ــ وهللا تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ــ
أن ضرب الدفاف في األعراس ونحوها على الهيئة المألوفة في بالدنا وزماننا
المؤدية إلى اختالط الرجال والنساء وأن ما يؤخذ من المتزوج والمتزوجة وأقاربهما
في هذه البالد أيضا مما يسمى عوائد ونحوه لالعبين عند الدف وغيرهم ،عوائد
مستقبحة شرعا مستهجنة طبعا مترددة بين المنع والكراهة في األولى ,محرمة فيما
بعدها ,فينبغي عندي للمعتنين بدينهم بل أو دنياهم من الزوايا خصوصا عشيرتنا
أوالد أبيير ومن في حكمهم أن يتوبوا إلى هللا تعالى منها.وشروط التوبة الندم على
ما فات ،والنية أال يعود ،وأن يسدوا عنهم أبواب هذه المفاسد الدينية والدنيوية
فيقتصروا منها على ما أذن فيه الشرع أصالة وأُمن معه من الوقوع في الفتنة مئاال.
طى واإلعالن به بأصوات مرتفعة أن ويقول رحمه هللا .... ( :وأما اإلشادة بما يُع َ
فالنة هي التي أعطت ذلك حتى يعلم جمي ُع من في المحفل بذلك فمن التسميع وقصد
ُراء يُراء هللاُ به "فإن كان
المراءاة.وفي الحديث ":من س َّمع س َّمع هللاُ به ،ومن ي ِ
المعطي يأمر بذلك أو يعجبه فهو ممن يقصد السمعة والرياء بعمله ،إال أن هذا العمل ِ
ليس بعبادة ،والرياء بغير العبادة هل هو محرم؟أما الذي في اإلحياء أن انصراف
الهمم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ،وال يؤمن بالتحريم.
فعلى هذا نقول :تحسين الثوب الذي يلبسه اإلنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة،
وليس بحرام ألنه ليس رياء بالعبادة ،بل بالدنيا ،وقس على هذا كل تجمل للناس
وتزين لهم.
ثم قال :فإذن المراءاة بما ليس من العبادة قد تكون مذمومة ،وقد تكون مباحة ،وذلك
على حسب الغرض المطلوب به ،ولذلك نقول إن الرجل إذا أنفق ماله على جماعة
من األغنياء ال في معرض العبادة والصدقة ،وذلك ليعتقد الناس أنه غني فهذه
مراءاة ليست بحرام .وكذلك أمثاله ،إال أنه َّ
نظر فيه شيخنا اإلمام العارف باهلل تعالى
أبو محمد عبد الرحمن بن محمد قدس هللا تعالى سره في حديث مسلم ،في حديث:
من قاتل للرياء والسمعة ،وذكر الحديث إلى أن قال فيه ":رجل وسع هللا تعالى عليه
وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه هللا تعالى نعمه فعرفها ،قال :فما عملت
فيها؟ قال :ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إال أنفقت فيها لك .قال :كذبت،
ولكنك فعلت ليقال :هذا جواد فقد قيل ،ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في
النار.وقد علم أيضا أن المباهاة حرام وأن ما قُصد به المباهاة ُ من الوالئم ال يجوز
وفي الشمائل في باب الوليمة :والمباح منها المعتاد ال سرف ومباهاة.وانظر قول
ي به َح ُر َم .هـ
صاحب المختصر :وإن بُو ِه َ
إلى أن يقول رحمه هللا :وهذا حال والئم الوقت فإن الغالب عليها أوكلها مناكر
ومحرمات ،فينبغي التيقظ لذلك والتبصر وال يعتمد على عموم الكليات ويغفل عن
غوائل النوازل الجزئيات فيذهب دينه ويهلك مع الهالكين ،هذا مع فساد المقاصد
والنيات لقصدهم المباهاة والتفاخر.
وقال ابن العربي :كان عليه الصالة والسالم يجيب كل مسلم ،فلما فسدت مكاسب
الناس والنيات كره العلماء لذي المنصب أن يسرع لإلجابة إال على شروط .هـ).
انتهى من مؤلفه مسألة الدفاف في األعراس.
شعر الشيخ سيدي باب:
لقد قاد الشيخ سيدي باب رحمه هللا دعوة تجديد صادقة في ضوء النصوص
الشرعية ،فأمر بتحقيق اإليمان الخالص وحض على االستقامة في الدين والتمسك
بالمنهج النبوي الشريف ،وحذر من المحدثات والبدع في الدين ,يعلم ذلك من درس
يسيرته وآثاره القيمة ,وأبياته التالية تلقي الضوء على هذا المعنىِ :آم ْن أ ُ َخ ِّ
َاث ْال ُحلُ ْم َال َخي َْر ضغ ُ ،ال * ت َ ْغ ُر ْر َك أ ْ ب السبُ َل َ َوا ْست َ ِق ْم * َونَ ْه َج أحْ َم َد ْالت َِز ْم َواجْ تَنِ ِ
ص ْم ِمن ع ِ طعًا بِأنَّهُ ُع ِد ْم أحْ َدثَهُ َمن لَ ْم يَ ِجبْ * قَ ْ ون قَ ْد ُفِي دِين لَ َدى * َخي ِْر ْالقُ ُر ِ
ِير
غد ِ علَى َ ص َّح لَ َدى * َج ْمع َ ت * ْاليَ ْو َم أ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم َوبَ ْع َد َما َ انزلَ ْ
بَ ْع ِد َما قَ ُد ِ
علَ ْي ُك ُم
ضوا * َ ع ْم َ .وا ْذ ُك ْر إذَا َما أع َْر ُ اس َو ُ ص فِي النَّ ِ سبِي ِل ِه * َو ُخ َّ ُخ ْم َوا ْدعُ إلَى َ
س ُك ْم إن الباحث المنصف في الفكر اإلسالمي ال يستطيع أن ينكر أو يتجاهل أنفُ َ
مظاهر التجديد الفكرية والمنهجية عند الشيخ سيدي باب في عصر ساد فيه الجمود
الفكري والتعصب ألراء الناس وعدم التركيز على دراسة نصوص الكتاب والسنة،
حيث اختار رحمه هللا منهجا واضحا سلك فيه طريق رجال خير القرون وأئمة السنة
الذين عليهم مدار العلم والصالح واالستقامة في األمصار اإلسالمية ،مسترشدا
باآليات القرآنية واألحاديث النبوية معرضا عن كل ما سوى ذلك ..وهذا واضح في
مؤلفاته وقد خصص الكثير من شعره لنصرة السنة والدعوة إليها ،والذب عنها،
والترغيب فيها والتحذير من مخالفتها داعيا إلى اتباع الحق والدوران معه حيث
دار ،مركزا على أداء واجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاكرا أن النفع
والضر من خصائص هللا عز وجل وحده كما قال تعالى (( :قل ال أملك لنفسي نفعا
وال ضرا )) ,ومن جميل شعره في هذا المعنى قصيدته المشهورة التي ظلت إلى
َاص َرا * َوأَنـ ِك ِر إللَـ َ ِه ن ِ وقت قريب مقررة في النشيد الوطني وفيها يقولُ :كن ِل ْ ِ
سـوا َءهُ أ َ ْو نك َدائِ َرا َو َال تَعُـ َّد نَافِـعًا * َ ضاهُ ِم َ ق الذِي * َي ْر َ ـرا َو ُك ْن َم َع ْال َح ّ ِ ْال َمـنَا ِك َ
ْس سائِ َرا فَـ َما كـَفى أ َ َّولَـنَا * أ َلَي َ علَ ْي ِه َت َ طفَى * َو ُم ْ ص َس ِبـي َل ْال ُم ْ ـك َ ـرا َواسْـلُ ْ ضائِ َ َ
شـبَه * اج َرا قَ ْد َم َّـو ُهـوا بِـ ُ يَ ْكـ ِفي ْاآل ِخ َرا َو ُكن ِلّقـ َ ْوم أَحْ َدثـُوا * فِـي أ َ ْم ِـر ِه ُم َه ِ
ـرا َواحْ تـَنَكـُوا أ َ ْه َل س َّـودُوا َدفـَاتِ َ عـ ُموا َمـزَ ا ِعـ ًما * َو َ ذروا َمـ َعـاذ َِرا َوزَ َ َواعْـتـ َ ُ
ـرا َواحْ ُك ْم بِ َما صا ِغ َ ت أ َ َكابِر * بِـ ْدعـَت َ َها أ ً َ اض َرا َوأ َ ْو َرثـ َ ْ ْالـفـ َ َال * َواحْ تـَنَكـُوا ْال َح َو ِ
ـرا فـ َ َال عـا ُم َجادِل * فِي أ َ ْم ِر ِه ْم إِلَى ِم َ س َرائِ َرا َوإن َد َ ظ َه ُروا * فَـ َما تـ َ ِلي ال َّ قَـ ْد أ َ ْ
ـــــــــرا وهذه األبيات تظهر بجالء مدى الفكر َ ظا ِه ـرا ًء َ ار فِي ِه ُم * إِ َّال ِم َتـ ُ َم ِ
التجديدي في مجال السلوك والتربية عند الشيخ سيدي باب رحمه هللا.
ي إن َر َج ْوتُ َوإن ومن شعره رحمه هللا لـ َ َجأتُ إلـَي َْك َر ِبّي َو ْالـتـ َ َجأتُ * َو َحسْبـِ َ
ط ًّرا * َو ِمن نفـْ ِسي إلـَي َْك قـ َ ِد الـْتـ َ َجأتُ َر َجوتـ ُ َك لـ َ َجأتُ لـ َ َجأتُ ِمنَ ْاألنـ َ ِام إلـَي َْك ُ
سأتُ فـ َ َر ْرتُ ِمنَ ْاألبَا ِع ِد َو ْاأل َدانِي * ضا ْأو أ َ سنتُ فـ َ ْر ًسيِّدِي فِي ُك ِّل َحال * إذا أحْ َ َ
قاء ْالخ َْل ِ
ظنـِّي َوإنـِّي * إلي َْك ِم ِن ارتِ َج ِ ّب فِي ِه ُم َ
اك فـَقـ َ ْد بَ ِرئتُ َو ُخ ِي َ إلي َْك َو ِمن ِس َو َ
نز ًال
ي بـُؤْ تُ َوجـِئتـ ُ َك ُم ِ نك إلـ َ َّ
ان ِم َ
س ِ سيِ ِّئ ْاأل ْع َما ِل ِمنـِّي * َوبـِ ْاإلحْ َ فِئتُ َوبُؤْ تُ بـِ َ
ضاهُ ِمنـِّي * َو َكفـِّ ْر َما ب إلـَي َْك جـِئتُ فـ َ َوفـِّقـْنِي ِل َما تـ َ ْر َ َما أشتـ َ ِكي ِه * َو ِل ْل َمأ ُمو ِل َر ّ ِ
نك ِشئتُ ض َح َوائِجـِي َمنـًّا َوأتـْبـِ ْع * ِل َما قـ َ ْد ِشئتـَهُ َما ِم َ اجتـ َ َر ْمتُ َو َما اجتـ َ َرأتُ َوقـ َ ِ ّ
ومن شعره رحمه هللا:
نت َمن ت ُ ْرت َ َجى ِم ْن ِعن ِد ِه ْال َحا ُج اك ُمحْ ت َا ُج ** َوأ َ َ ب ِإنِّي ِإلَى ُرحْ َم َ يَا َر ّ ِ
ْب ِفي أَنَّهُ ِل ْلفَ ْو ِز ِم ْن َها ُج
ت ** َال َري َ ض َر ْ ت ِإ ْن َح َ ِك ِل ْل َحا َجا ِ
صد َ ِم ْن َها ُج قَ ْ
ْح ِإ ْد َال ُج
سيُحْ َم ُد ِعن َد الصب ِ َو َم ْن يَؤُم َك ِل ْل َحا َجا ِ
ت ُم ْعت َِمدًا ** ِم ْنهُ َ
وك أ َ ْرت َا ُج
ت ُمفَت َّ َحةً ** َما إِ ْن لَ َها دُونَ َم ْن يَ ْر ُج َ ض ِل َك َما زَ الَ ْ أَب َْو ُ
اب فَ ْ
ت ِم ْنهُ أ َ ْم َوا ُج ت ** أ َ ْم َوا ُج َخيْر ت َ َدا َ
ع ْ غ ْمر ُكلَّ َما نَ ِف َد ْ
ِك ََو َبحْ ُر ُجود َ
ق َو َّها ُج علَى ْاآلفَا ِ ت ** فِي َها ِس َراج َ س ْب ُع ْالعُلَى ُرفِعَ ْ
َرب بِقُ ْد َرتِ ِه ال َّ
ار أ َ ْز َوا ُج
ت ** ِفي َها ِمنَ النَّجْ ِم َو ْاأل َ ْش َج ِ ض ِمن تَحْ ِت َها ِمن فَ ْ
ض ِل ِه د ُِح َي ْ َو ْاأل َ ْر ُ
اء أ َ ْف َوا ُج
َم ْبثُوثَةُ فَ ْوقَ َها فِي ِظ ِّل نِ ْع َمتِ ِه ** ِمن ُك ِّل ن َْوع ِمنَ ْاألَحْ يَ ِ
ي ُْر َجى بِ َرحْ َمتِ ِه ِمن بَ ْع ِد َما قَن ُ
طوا ** نِت َا ُج ُم ْزن إِلَى ْاألَجْ َر ِاز ث َ َّجا ُج
ث فِي آ َبائِ ِه التَّا ُج ُور ُ
ع ْنهُ َو َال َم ِلك ** َما زَ ا َل ي َ سوقَة َ َال َي ْغتَنِي ُ
فرا ُج ق َّ يع ْالخ َْل ِ َّ
سا ِك ُرهُ ** َما إِن لهُ فِي َج ِم ِ ع َ ُوال َار َج ْال َه ِ ّم َم ْسد ً يَا فَ ِ
ت َمذَا ِهبُهُ ** َما ِإ ْن ِإلَ ْي ِه ِبغَي ِْر هللاِ ِم ْع َرا ُج ب ْال َح ِ
اج قَ ْد أ َ ْع َي ْ َيا َوا ِه َ
عا ُجظنَا َكد َو ِإ ْز َ آخ َرة ً ** َو َال يَ ُك ْن َح َّصلِحْ لَنَا أ َ ْم َرنَا ُد ْنيَا َو ِ
أَ ْ
ار أ َ ْو َ
عا ُج ار قَ ْوم ِإلَى ْاأل َ ْغ َي ِ س َ ت ِإلَى َبا ِب َك ْال َم ْفت ُ ِ
وح أ َ ْر ُحلُنَا ** ِإن َ ار ْ
س َ َ
ب ِإنت َا ُج . واأ َ ْمر نَت َائِ َجهُ ن َْر ُجو َونَأ ْ ُملُ َها ** َم ْه َما ت َ َح َّ
ص َل ِل ْأل ْسبَا ِ
ويقول رحمه هللا :
الر ِ ٰ إليك َم َددنَا أ َ ُك َّ
اء
س َم ِ جاء * ِإلَـهَ ال ِع َبا ِد َ
وربَّ ال َّ ف َّ َ
اء
ط ِ الء و َج ْل ِ
ب العَ َ فأنت ال ُم َؤ َّم ُل فى ك ِّل ِحين * ِل َد ْف ِع البَ ِ
َ
َاء وأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد َّ
الرخ ِ َ وأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد ال ُخطو ِ
ب* َ
اء
س ِوأنت ال ُم َؤ َّم ُل عن َد ال َم َ
َ اح * وأنت المؤ َّم ُل عند ال َّ
صبَ ِ َ
وأنت ال ُمؤ َّم ُل حا َل ال َحيا ِة * وأنت ال ُمؤ َّم ُل َحا َل الفَن ِ
َاء َ
الرحي ُم بأه ِل ال َج َف ِ
اء وأنت َّ
َ وأنت الكري ُم وأنت ال َحلي ُم *
َ
اء
ع ِي الد َ س ِمي ُع َخ ِف َّ وأنت ال َّ
َ يب * وأنت ال ُم ِج ُ
َ وأنت القَ ُ
ريب
ٰ
منك َجمي ُع ال ّد َِال ِء ي َ حر النَّ َوا ِل * ِإلَـ ِه َ و َما ْ
إن يُ َك ّد ُِر َب َ
طلَبًا ِل ْل َجزَ ِ
اء ش ْيء وال َ بفضلك ال ِم ْن ت ُ َقاة * ِل َ
َ تع َم ْم َ
َ
اء
الح َب ِ ت ِمن قَ ْب ِل َب ْد ِء السؤا ِل * ِ
ومن َبع ِد ِه ب َج ِزي ِل ِ وأن َع ْم َ
َاء. َاء * ِل َمطلَ ِب ِه وطوي ُل ِ ّ
الرش ِ الرش ِ
ير ِ ّ ص ُ َّان فيه قَ ِ
و ِسي ِ
وقصيدته المشهورة الرائعة التي تداولها القاصي والداني الذائعة الصيت المعروفة
بقصيدة األسماء ،
دعي الشيخ سيدي باب إلى زيارة دار اندكوك , 1وهي مدينة ( :ريشاتول )
الحالية السنغالية التابعة لوالية سان لويس ( اندر) ,للتباحث والتشاور مع عدد من
الوجهاء والشيوخ حول قضايا األمة ,إال أن الشيخ باب أبدى تحفظه على بعض
المسائل المطروحة للنقاش والتي يرى أنها ال تخدم المصلحة العامة للمسلمين ,وبعد
أن ركب القارب البحري مع الفرنسيين للعودة إلى بالده ,حاول الفرنسيون أخذه إلى
وجهة أخرى غير وجهة البالد ,فلما استكشف الشيخ مكنون سريرتهم ،واستبان
حالهم وعرف خبث طويتهم وسوء قصدهم ,أنشأ قائال:
ب عنها وهو ُمنج ِف ُل
وغر َ
َّ ُكوك بنا ** َبني أقو ُل ل َّما أتى َ
دار اند َ
األربَ ُد الز ِعل
ص ُر عنه ْ الطرف عنها وهو مجتهد ** ع ْد ًوا ويَ ْق ُ
ُ ص ُر
يُق ِ ّ
ظلالً ** وللنَّوا ِتي في أرجائه زَ َج ُلدواخنَه من فوقه ُ
ِ ترى
ِّ
الجن ُمشت ِع ُل رجوم
ِ علَم ** أو كوكب من
كأن ِمصبا َحه نار على َ
هللاُ صاحبُنا س ْفرا وخالفُنا ** في أهلنا وإليه َ
الوجهُ واألم ُل
ضع َمن على الرحمن يت َّ ِكل.
يخبْ أمل باهلل ُم ْعت ِلق ** ولم َي ِ
ولم ِ
فخاب سعيهم وفشلت خطتهم ,وأصيب القارب بعطب في محركه ,ورجع الشيخ
سيدي باب إلى وطنه عالي الكعب رفيع المقام ,مكرما معززا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=1وفي دار اندكوك هذه يقول العالمة امحمد بن أحمد يوره:
اندكوك و دوحها * يعالي ُل مزن قد عالها جها ُمها
َ كأن ذُرى دار
أو الغادة البيضاء تُكسى ب ُخضرة * و ُر َد على غير الجبين لثامها
ودار اندكوك كما أسلفنا هي مدينة ريشاتول السنغالية التي تقع على بعد حوالي 12
كلم من روصو السنغالية و 100كلم من سان لويس ( اندر ).
وبها أكبر مصنع للسكر في السنغال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نزل العالمة الجليل الشيخ يحظيه ولد عبد الودود مرة قرب مدينة بتلميت على بعد
حوالي ثالثة أميال من الناحية الغربية ،ففرح بذلك أهل بتلميت فرحا عظيما وخاصة
العالمة الجليل الشيخ سيدي باب ،الذي خرج ضمن وفد كبير من أهل بتلميت للسالم
على الشيخ يحظيه والترحيب به ،والتعبير له عن عظيم الغبطة والسرور.وقال
أحظى الذي جل عن الشيخ سيديا باب مخاطبا العالمة يحظيه مرحبا ومادحا:
شرك وتشبيه ==بالعلم واألدب المختار يحظيه
يرضى به الناس في أيامه خلفا == عن سيبويه معافيه وشانيه
يا ُربَّ جوهر علم ظل ينفثه ==آلخذين له لم يغمضوا فيه
يبدي عويصاته بالدرس بينة == كأن كل عويص من مباديه
لوال هداه بتلك التيه ما خرجت== فيها الهداة إلى حين من التيه
في مجلس نفع هللا األنام به == سيان عاكفه فيه وباديه
دعا إليه أولو األلباب مجتهدا==لسان حال فلبوا صوت داعيه
ما إن تصدر بالتمويه صاحبه==وإن تصدر أقوام بتمويه
يا بارك هللا في أيامه وحمى==من المكارم ما يحويه ناديه
أهال بمقدمه الميمون طائره==والبشر والرحب والتكريم القيه
كنا نرجيه مذ حين ونأمله== والحمد هللا معطي ما نرجيه.
استحسن العالمة الشيخ يحظيه قطعة الشيخ سيدي باب،فطلب من عدد من طالبه أن
يقولوا قصائد ليختار منها قصيدة جوابية للقطعة ففعلوا ،ووقع االختيار على قصيدة
للشاعر أحمد األمين بن عبد الرحمن (بدين) وهي القصيدة التالية:
أال قدم الهمام فال جالل == يجاوزنا الغداة وال جمال
أال أهال بمن عال األرض معه == وأهال بالذي حمل الجمال
بباب الجود سيدنا المرجى == إذا دهم المهات الثقال
هو العلم المعظم ذو المعالي == هو البحر الغطمطم والثمال
به رفع الهدى وعلت ذووه == وخاب ذو الضاللة والضالل
وكان العدل منهدم النواحي == فشيد به دعائمه الطوال
أال يا خير من حملت إليه == أراحلها المراحل والرحال
مقامك في العلى عز ارتقاء == أال فلتقنأ راحتها الرجال
فما تجد البغال إذا تباري == جيادا في ميادنها البغال
وما شمس الزوال إذا تعالت == يحاول أن يباريها الهالل
نشأت مسودا ال غرو طفال == فشأنكم السيادة والخصال
تجدد كل مكرمة نمتها == لك األجداد ليس لها منال
إلى أن صرت فوق ذرى المعالي == بأخمصك السهى تطأ النعال
وصار الخلق ذالكم عيال == يلوذ بكم عن آخره العيال
فذاك لما هو يشتكيه == يلوذ بكم وذاك بما ينال
تعودك الجميع لما يرجي == فلم يخب النزول واالرتحال
ولم يك في األنام إمام عدل == سواك على إمامته اتكال
أال أنت اإلمام إمام عدل == يماز من الحرام به الحالل
أال أنت اإلمام إمام عدل==يقدمه اجتناب وامتثال
أال أنت اإلمام إمام عدل == يقدمه المقال أو الفعال
أال أنت اإلمام لنا وأنى == يقر للسوى معك احتمال
مالذ الناس إن عظم الدواهي == وغيث إن تتايعت المحال
وأبلغهم وأحسنهم مقاال == وأصفحهم وحق لك المقال
(أبوك خليفة ولدته أخرى == وأنت خليفة ذاك الكمال).
خرج الشيخ يحظيه في جمع من طالبه حاملين القصيدة ،فلما وصلوا بتلميت وحان
وقت إلقاء القصيدة أخذها بدين وألقاها ,وكان الشيخ سيدي باب مضجعا فجلس
وقال( :أح التلميد إيبان عاد يحلب بيديه اثنتين) .
علومُ قال محمد محمود ولد اكرام يمدح الشيخ سيدي باب – رحمهما هللا تعالى:
الشيخ تُر ِش ُد * تقاصر عنها كل حبر ُمـــــــج ِ ّد ُد وتركُ ابتداع َّما ن َجا ِ وآداب ل َدى
غيره * أال إننيني مما فاتني عند ِ ونور جبين واضح يتــــــــــوق ُد كفتْ َ ُ غيره *
منه ُ
لعلي في الداريْن أُح َ
ظى َ نحوه *سرتُ َ ُ
الرحمن أن ْ ومــــــــــــــقلّ ُد ووفَّقني
ِ جار له
وأُس َع ُد ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ سيدي باب والعالمة محمد محمود بن التالميد التركزي:
هذه رسالة من العالم اللغوي الفذ والمحقق الثبت والفقيه اللغوي الشهير محمد محمود
ولد التالميد التركزي ،الشهير في المشرق العربي بالشيخ الشنقيطي ،وقد وجهها إلى
العالم السني األصولي المجدد الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا .والرسالة على
إيجازها تعطي صورة عن أسلوب ولد التالميد المتأثر بأساليب المشارقة في نهاية
القرن التاسع عشر حيث يكثر من األوصاف والتحليات والكنى "سيدنا وموالنا أبو
المحاسن ،"...فضال عن االستشهاد بالشعر العربي وإيراده في ثنايا النثر ...كما نجد
حرص ولد التالميد رحمه هللا على أن يبعث لشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا آخر
المراجع العربية التي أشرف على نشرها بالمشرق وخصوصا كتاب المزهر
للسيوطي وهو مرجع في فقه اللغة مشهور.
نص الرسالة:
شمس النهار فإنها ۞ أمارة تسليمي عليك ُ الحمد هلل تعالى وحده ,إذا طلعت
هي األنس حضرة فالكتب عنك ْم َ
ُ فسلمسالم عليكم أنت ُم األنس كلهُ ۞ وإن غبت ُم ِ
موالنا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيد َيا بن موالنا وسيدنا أبي المحاسن جمال
الدين محمد بن موالنا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيديا ،إمام المسلمين وارث
خاتم األنبياء والمرسلين .رحم هللا السلف وبارك للعالمين في الخلف ،ويرحم هللا
عبدا قال آمينا.السالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته ،وعلى قرة العين األخ البر
سيدنا وموالنا سيدي المختار وعلى أنجالكم الخيرة البررة وعلى جميع القبيلة
والمريدين .ال زلتم ملجأ للقاصدين ومحط رحال الوافدين .لن يزالوا كذلك ْم ثم ال
زلـــ۞ ـــت لهم خالدا خلو َد الجبال أما بعد فإني أحمد هللا إليكم وألتمس صالح
الركاب
َ دعائكم وأشتاق إليكم شوقا يفوق شوق غيالن مي ،ولو قدرت صككت إليكم
ع َمي( .ولكتبت ما) يضيق عنه هذا الصك .ويصل حضرتكم (مع) الحاج صكة ُ
للسيوطي.و َم ْن َج َّل عن كل المراتب قدره ۞ فأفضل
َ محمد مولود الكتاب المزهر
صدوره أكفالُهً ،وتتلو قرو َمه إفالُه ،وتتبع عوذَهُ
َ ما يُ ْه َدى إليه كتابُوعليكم سالم تعين
أطفالهُ .ودمتم فوق ما رمتم وفدتكم كل نفس من كل بأس.وكتبه الحقير الذليل
المرتجي من ربه عفو ذنبه إمام العلم بالحرمين وخادمه بالمشرقين والمغربين محمد
محمود بن التالميد التركزي المدني المكي لطف هللا به 1309 .لخمس بقين من
شوال ( 22مايو )1892وصلكم مع حامله ....ونسخة من الكتاب المزهر ارسلوها
إلى جد بن البشير بن الحبيب التركزي.
عالوقال الشيخ محمد أحمد بن الرباني يمدح الشيخ سيدي باب :حوى من ُ
األشياخ مجدا ُمؤثال * وفخر الشيوخ الراسخين وال فخرا وبذل جميع المال منه
ظلم
ع ْمر يشتكي َسجـــــــــــية * فما بذلُه البيضا يقي بذله الصفرا ووافاه َ
وعمر يشكوان معا عــ ْمرا ووافاه ذو الفقر الذي يرتجي
ْ عــــــــــامر * وزيد
الغنى * ووافاه ذو الوفر الذي يحذر الفقرا أيَا مستقال في العطاء هـــــــــــــنيدة ً *
خيرخــــــــــــــليقة * وحسنَ و ُج ْر َد المذاكي والسالنمةَ الحمرا حباك إلهُ العرش َ
خصال ال نطيق لها حصرا فأنت لنا بدر منير جال الـــــــــــــدجا * سناه إذا غي ُم
الدر مـــــــــــو ُجه * كبحر ِخض ّم غيب البــــدرا وبحر خضم يقذف َّ َ السما
الدهر عن أبنائه ُ مـــــو ُجه يقذف الدرا وستْر منيع للخطوب نـــــــــــــــــعده * إذا
سوركم أوقدوا رن بالسور أشكا َل فـــــــتنة * إذا أُهملوا من ُ ص ْ هتك الســترا أال فاحْ ُ
ت الصغرى بما تُنتج الشرا وعــــ ِ ّد القــــــــضايا السفسطيات إنه * قد آذنَ ِ
وكف الذي أغرى على الحرب قو َمه * وأر ِش ْده للتحذير من ذلك َّ الكبرى
وبادره ُم من قبل ما أحكموا الــوغى * ودقوا كما دقت لها ُمــــن ِشم ْ اإلغـــــرا
العسر من أمرهم ُ عطرا كأني بهم إذا أيقنوا الج َّد مــــــــنك ُم * تبدل ذاك
والنصح والوفى * فكيف نــــخاف الذل والمكر ِ يــــسرا قصدنا مكانَ ِ ّ
العز
األمر منا فحسبنا * نجاحا بــــــهذا األمر أن تقبل ِ والغدرا خ ِذ العُ ْذ َر في ذا
العذرا وهبْنا تع َّم ْدنا اإلساءة َ مـــــــحضةً * فأنت بما يـــــــــمحوا إساءتنا
الصخر كان أمامنا * لكنا نـــــــ ُ َرجي أن تُلين لنا ِ أ ْدرى ولو أن قاسي
الصخرا وأن مدار األمر للصلح فاجـــبروا * بما شئتم أشياخنا كسرنا
جـــــــبرا وذلك باإلنصاف في األمـــــر بيننا * فتمنحنا شطرا وتمنحهم
َّ
والعز خير جـــــــــزائه * وصاح َبك التأيي َد شــــــطرا جزاك إلهُ العر ِش َ
والنــــصرا ودامت لك البشرى من هللا بال ُمنى * من الدين والدنيا ودامت بك
البشرى بخاتم رسْل هللا طه محمـــــــــــــد * عليه صالة ُ هللا دائـــــــــــــمةً
وقال محمد األمين بن الشيخ المعلوم البوصادي تـ 1337هـ في الشيخ تترى.
سيدي باب :أيا من على األسرار ال المال يؤتمن * ويا تارك المثمون للناس
والثمن أعني على أمر تطاول عهده * عدوي مع البرغوث فيه على سنن أقاسي
عدوي بالنهار وليلتي * أقاسي بها البرغوث والهم والحزن ففعلك ماض ليس فيه
مضارع * وأجزم من مهمى ولما وإن ومن.
وقال الشيخ امحمد ابن أحمد يوره رحمه هللا في آل الشيخ سيدي:
لم أصب للظعن إذ يحدو بها الحادي * كال وال العود عند الشادن الشادي وال
لذكرة أيام لنا سلفت * عند النخيلة بين الرمل والوادي وال إلى الغيد يوم العيد
بارزة * وقد تضمخن بالهندي والجادي لكن إلى حضرة عمت منافعها * كل العباد
باسعاف وإسعاد هم هداة الوری المهدون ما سئلوا * واألرض ليس بها مهد وال
هاد قصر عليکم تراث المصطفى الهادي * – بين الوری ـ قصر تعيين
لتنزيل مؤلفه :عمل اليوم والليلة اضغط على هذا وإفراد
ولد الشيخ سيدي باب ،كما ذكر حفيده العالم المحدث محمد بن أبي مدين في ترجمته
المختصرة المفيدة ،في ربيع األول عام سبع وسبعين ومائتين وألف ,وتوفي ثالث
جمادى اآلخرة عام اثنين وأربعين وثالثمائة وألف .وقد أرخ لوفاته العالمة
القاضي العدل الشيخ سيد محمد بن الداه بن داداه مشيرا بحساب الجمل أيضا إلى
قدر عمره بقوله (رجز) :قضى بجيم من جمادی الثانيه * إمام كل حضر
وباديه الشيخ سيدي بوقت الظهر * يوم الخميس يا له من أمر في سنة تاريخها
“بشمس” * والعمر “دين” كضياء الشمس كما أرخ له محمد فال بن بابه في مرثيته
له ،مشيرا إلى قدر عمره بحساب الجمل ،بقوله( :طويل) “.وصد” “بشمس” عمره
ومسيره * فكان به للمكرمات ختام.
رحمه هللا رحمة واسعة.
وقد ترجم له الشيخ محمد بن أبي مدين رحمه هللا ترجمة خاصة سماها نزهة الراني
في ترجمة الشيخ سيدي الثاني:وهذا هو رابط تحميل هذه النقلة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" = "1وهذا نص رسالة الشيخ سيدي باب إلى سيدي محمد بن أحمد بن حبت كتبت
الرسالة بتاريخ 27 :جمادى اآلخرة 1327الموافق 15 :يوليو 1909م :بسم هللا
الرحمن الرحيم
سيدي بن محمد إلى السيد الفاضل ابن ساللة السادة األفاضل ،األخ سيدي محمد
َ من
ت ،رحم هللا تعالى السلف وبارك في الخلف .آمين .سالم عليكمبن أحمد بن حبَ ْ
ورحمة هللا تعلى وبركاته ،فإني أحمد إليك هللا الذي ال إله إال هو .أما بعد ،فقد
رأيت كتابك الكريم وخطابك الوسيم ،وإني أرى أنه ال يخفى عليك عدم القدرة على
مقصدها إعالء كلمة هللا الجهاد من كل وجه .وال يخفى عليك أن الجهاد وسيلة ِ
مقصدها لم تشرع؛ وأن هذه المسألة تخفى تعلى؛ وأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها ِ
كثيرا على أهل الفقه .وال يخفى على الناظر عدم قدرة سكان البلد على الجهاد من
ظن عدم اتحاد الكلمة على السلطان القاهر وعد ُم بيت المال كل وجه .فإذا تُحقق أو ُ
ونحو ذلك من ُ وعد ُم السالح المماثل وعد ُم العدد المكافئ وعد ُم الصنائع المقاومة
مقصد الجهاد .وبذلك ظن أن الثمرة إنما هي خالف ِ سائر أسباب القوة ،فقد تُحقق أو ُ
تصير دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ضائعة في غير ثمرة تجنى .فيصير الجهاد
مضرة خالصة فيكون فتنة من الفتن ،هذا إضافة إلى أن أهل الفساد يجعلونه ذريعة
والوصف فيه قاصر عن ُ والعيان ُم ْغن في ذلك عن البيان
ُ الستئصال شأفة المسلمين.
البيان .وال يخفى أن المسلمين في هذا القطر البيضاني اآلن أسوأ حاال وأضيع
أنفسا وماال بسبب ذلك من السودان الذين في ملكة هذا الجنس منذ حين .بل ال نسبة
بينهم وبينهم .فهؤالء في عذاب أليم وأولئك في نعيم .مع اتفاقهم على أن دينهم
منذ ملكهم لم يزل في زيادة صالح .فقد كان جلهم كفرة فصار جلهم مسلمين.
وكانوا يتقاتلون دائما ويتناهبون وينهبون من دخل أراضيهم من تجار المسلمين.
فصارت الحال بخالف ذلك كله .وصارت أرضهم اآلن جنة من جنان الدنيا أمنا
وعافية ومعاشا .وتيسر الحج وسائر العبادات واألسباب فيها غاية .فليس شيء
أرفق ببيضان هذا القطر وال أصلح لهم من أن يصيروا مثلهم .ولوال وخامة تلك
األرض على البيضان الرتحلنا إليها منذ سنين ورأيناه أصلح لسائر المسلمين .وقد
علمنا حال المغرب األوسط المعروف بأرض الجزائر وقد ملكه الفرنسيس منذ نحو
وسائر
ِ سبعين عاما ،وحا ُل تونس وقد ملكوها منذ نحو ثالثين سنة ،وحا ُل اتْ َو ْ
ات
ص بعد ملك اإلنجليز لهم .فلم اوه وه َْو َ
ور .وقد علمنا حال مصر والهند و َج َ الت َّ ْك ُر ْ
بعض المفاسد فمفسدة ُ يزل الدين قائما في هذه األصقاع وأهلها في عافية .وإن قُ ّد َِر
وجوب
ُ السيبة أو الحرب مع العجز عنها أعظم .ومن القواعد المجمع عليها:
علم ما نصوا عليه من ارتكاب أخف الضررين وتركُ أعظم المفسدتين .وقد ُ
احتمال بعض الضيم للمصلحة أخذا من قضية صلح الحديبية ،إذ صالحهم صلى هللا
عليه وسلم على رد من جاء مسلما وهم يعذبونه ليردوه إلى الكفر نظرا منه صلى
هللا عليه وسلم إلى مصلحة أعظم .وانظر إلى إرسال إبراهيم عليه الصالة والسالم
ارة إلى الجبَّار .وكال األمريْن في صحيح البخاري وقد تكلم عليه الحافظ في س َ
ب َ
عقد الجزية ونحوه .وأما فتح الباري؛ ونصوص الفقهاء طافحة بهذا المعنى في َ
أمر االصبنيول في األندلس فحا ُل النصارى إ ْذ ذاك خالف حالهم اآلن ،فقد تقرر في
ق عليها بينهم منذ حين عد ُم الت َعرض ألحد من أهل األديان ،كائنا من قوانينهم المتف ِ
تعرض لصاحب دين من المسلمين أو غيرهم يُعاقب عقوبة شديدة. كان ،وأن من ّ
وقد شاهدنا مصداق ذلك؛ وقد رأينا من أسلم من الفرنسيين وغيرهم في ا ْن َد ْر وا ْن َد َكار
ال يعرضون له بقليل وال كثير ،بل يكادون تكون النصرانية وسائر الملل عند
عونُ ُهم على إظهار شعائر اإلسالم ببناء المساجد وإقامة جمهورهم اآلن سواء .بل ْ
األئمة فيها والمؤذنين والقضاة والمدرسين وإجرا ُء أرزاقهم من بيت مالهم ك َّل حين
أمر مشهور .وغير مستحيل على هللا تعلى وقدرته أن يؤيد دينه بالمخالفين أو
يقودهم إلى الدخول فيه ،كما فعل بالديلم والسلجوقيين وبني عثمان وهللا على كل
شيء قدير .وقد حادت هذه األمة ،أقال هللا عثرتها ،عما كان عليه سلفها الصالح،
فاتبع األمراء الشهوات وابتدع العلماء والصالحون البِدع ،وطلبوا الدنيا بالدين،
ارى ال يجدون مرشدا وال يهتدون سبيال ،فتخلف النصر عنها وبقيت العامة َح َي َ
وظهر عليها مخالفوها فال ترى شبرا من األرض منذ حين فتحه المسلمون ،وال
ص تراج ِع األمةُ دينَها وتُخ ِل ِ
ِ تزال ترى إقليما فتحه النصارى .وال يزال ذلك ما لم
ع سنة نبيها عليه الصالة والسالم .ولما أراد هللا تعلى إنفاذَ أمره بذلك أل َه َم بعظيم اتبا َ
فضله وجميل لطفه ومحكم تدبيره أجناس النصارى أن ال يعرضوا للدين إال بما
يعين أهله ويصلح بالدهم فله الحمد والشكر .وأما الهجرة فال تجب إال عند
وعدم التمكن من إقامة شعائر اإلسالم ،فإن البلد الذي تظهر فيه ِ التعرض للدين
شعائر اإلسالم بلد إسالم .بل قال بعض العلماء إن اإلقامة مع الكفار وإظهار شعائر
اإلسالم بينهم أفضل من الهجرة .انظر فتح الباري والقسطالني في مواضعه .وأما
كالم المعيار وتابعيه ،فمع تيسر الهجرة من بالد األندلس إلى بر الع ْدوة ومع وجود
طائفة لها سلطان وقوة تجاهد في سبيل هللا ومع تعرض االصبنيول (اإلسبان) حينئذ
للدين ،إلى غير ذلك .فأين الحال من الحال؟ فإنا هلل وإنا إليه راجعون على تراجع
الدين والعلم واتباع الهوى والجهل .وإنه ال يخفى علي أنك لم ترد بهذا األمر أ ْك َل
اكتساب منزلة ،ولكن أرى أنك لم تمعن النظر في أحوال الزمان والمكان؛ َ مال وال
ومثلُك إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ,وهللا تعالى يوفقني وإياك وسائر
المسلمين .آمين .فأرى أن ترجع عن هذا األمر وتجعل ذلك قربة إلى هللا تعلى،
فقد ضاع فيه من دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ما ال يحصى ،وإن مثلك من
نظر للمسلمين وقاد العافية إلى المساكين .وقد كلمت نائب فرنسا هنا في أمرك
فأمنك وهلل الحمد ،وأمر أن تأتيه في ثمانية أيام وال تتأخر عنه ،فتلتقيان وتقرران
كيفية الصلح والعافية ،فأرى أن تفعل ذلك عاجال ،فهو خير في العاجل واآلجل إن
شاء هللا تعلى ,والسالم عليكم ورحمة هللا تعلى وبركاته .لثالث بقيت من جمادى
اآلخرة عام سبعة وعشرين وثالثمائة وألف/.)).انتهت الرسالة./
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصلى هللا وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد هلل أوال وآخرا
وكتب الترجمة /إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي