Professional Documents
Culture Documents
د يونس ملال
د يونس ملال
د يونس ملال
-معنى السنن وسنة اهلل في اللغة العربية :يقال سنن ومفردىا سنة (بضم السُت وفتح النون مشددة) وقد جاء
السنة وادلسنون ،دبعٌت الوجو ادلصقول ،وكذا أداة
كالسن دبعٌت الضرس أو العمر ،و ِّ
يف لسان العرب معاين كثَتة للسننِّ ،
الصقل وغَتىا..وشلا يعنينا يف ىذا ادلقام ما ذكره ابن منظور من أن السنة ىي :السَتة ،حسنة كانت أم قبيحة ،وكل من
أمرا عمل بو قوم بعده ،قيل ىو الذي سنّو.
ابتدأ ً
وسنّو ا﵁ :أحكامو وأمره وهنيو ،وسنها ا﵁ للناس :بينها ،وسن ا﵁ سنة أي ّبُت طريقا قوديًا (.)1
وسن
سن ادلاء إذا داوم على صبوّ ، وللفظ يف لغة العرب معاين أخرى منها الدوام والثبات على األمر ،كقوذلم ّ
اإلبل إذا داوم على رعيها واإلحسان إليها (.)2
-معنى السنن وسنة اهلل في اصطالح العلماء :نظر أسالفنا من أىل العلم إذل السنة على أهنا ىدي النيب صلى
ا﵁ عليو وسلم يف بيانو دلعاين القرآن الكرمي ومسوا ذلك سنة قولية ،أو شلارستو للحياة العملية وفق معاين القرآن الكرمي
ومسوا ذلك سنة عملية ،أو إقراراه الناس على أمر ما ومسوىا سنة تقريرية ،فكان ادلعٌت يتجو إذل أن السنة ىي ادلنهج القومي
والطريقة ادلثلى يف مباشرة احلياة الفردية واجلماعية وفقا لشرع ا﵁ تبارك وتعاذل أو ىدي ا﵁ كما بينو الرسول الكرمي ،تلك
الطريقة اليت تستحق الثناء يف الدنيا واجلزاء األوىف ثوابا يوم القيامة.
ومع بداية تدوين العلوم انفرد أىل كل فن واختصاص يف اإلسالم بتعريف ،فباتت السنة عند ا﵀دثُت مرادفة دلا
أضيف إذل النيب صلى ا﵁ عليو وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلُقية .وىي عند الفقهاء النّدب أي
وعرف األصوليّون السنة بأهنا
يذم تاركوّ .يستحق فاعلو اجلزاء وال ّ
ّ ما طلب الشارع من ادلكلّف فعلو طلبا غَت جازم
ادلصدر الثاين للتشريع شلثِّلة يف األحاديث ادلنطوية على أحاكم شرعية.
كما اشتهر القول كذلك بأن السنة معناىا ما يقابل البدعة ،وإذا كانت السنة ىي ىدي النيب وبيانو ذلدي ا﵁
وشرعتو ،فإن البدعة ىي االختالق ،وىي الطريقة ادلخًتعة يف الدين يراد هبا مضاىاة الشريعة (.)3
والسنة يف ىذه ادلداخلة ويف الفكر اإلسالمي احلديث وفيما اصطلح عليو بالفقو احلضاري عموما أمشل من أن
تكون حكم ا﵁ التشريعي الذي بينو رسولو يف احلديث ،إن معناىا ىو :مطلق أحكام ا﵁ وأوامره ونواىيو وعادتو يف
معاملة خلقو ،ورلمل بيانو للطريق ادلستقيم وحال من سار عليو من السعادة أو من خالفو من الشقاء ،يستوي يف ذلك
أحكام ا﵁ وعادتو اليت أجراىا على الكون ادلادي وتلك اليت أجراىا على البشر أفرادا وصباعات وأشلا .فهي موافقة لسعة
( )1صبال الدين بن منظور ،لسان العرب ،مج ،13مادة سنن ص :229-220
( )2زلمد ىيشور سنن القرآن يف قيام احلضارات وسقوطها ص .23
( )3أبو إسحاق الشاطيب ،االعتصام ،دار الشريعة ،ج ،1ص.28
1
( )1
معٌت اللفظ يف القرآن الكرمي ،من مثل قولو تعاذل ":سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبُت ذلم أنو احلق"
ومثلو قولو عز وجل " :سنة ا﵁ يف الذين خلوا من قبل ولن ذبد لسنة ا﵁ تبديال" ( )2وقولو جل وعال " :وأن ىذا صراطي
مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلو "( )3وقولو تعاذل " :فمن اتبع ىداي فال يضل وال يشقى ومن
أعرض عن ذكري فإن لو معيشة ضنكا وضلشره يوم القيامة أعمى"(.)4
بارزا للبحث عند ادلتقدمُت ،فال نكاد نقف موضوعا ً
ً والنظر إذل الكون واحلياة بادلعٌت السنٍت الشامل دل يكن
عندىم على تعريف اصطالحي شامل دلعٌت السنة اإلذلية كما ذكرت يف القرآن الكرمي ،على كثرة ما ذكرت ،ذلك أن علم
السنن والنواميس ادلادية الطبيعية أو التارخيية اإلنسانية(السنن احلضارية) قد تأخر تناولو يف تاريخ اإلسالم ويف تاريخ البشر
عموما ،ولعلو إذل اليوم ما يزال موضوعا بكرا .غَت أننا صلد بعض اإلشارات عند علمائنا القدامى ،وشلا ذكروه يف معٌت
السنة قول اإلمام الرازي يف تفسَته " :السنة :الطريقة المستقيمة والمثال المتبع" ( )5وما ذكره اإلمام ابن تيمية بقولو:
"السنة ىي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني ما فعلو في األول ولهذا أمر اهلل تعالى باالعتبار"(.)6
-لفظ السنن اإللهية ومعناىا في القرآن الكريم :ورد ذكر السنن اإلذلية أو سنة ا﵁ يف القرآن الكرمي بلفظها
سبعة عشر مرة تشعبت تصريفاهتا بُت اإلفراد واجلمع ،وتنوعت إضافاهتا بُت اإلسناد إذل ذات ادلتكلم سبحانو وتعاذل أو
إذل األمم اخلالية من األولُت ( ، )7وإسناد لفظ السنة إذل الباري سبحانو ىو إسناد أصالة ،إذ إنو سبحانو خالقها ومبدعها
ومبدعها على اذليأة ادلخصوصة اليت قامت عليها ،أما إسنادىا إذل األمم اخلالية فهو إسناد انفعال هبا ،وإجراء من ا﵁
تعاذل ذلذه السنن على تلك األمم بثبات واطراد على وفق عادتو سبحانو يف معاملة خلقو.
واجلدير بادلالحظة أن القرآن الكرمي دل يعرب عن السنن اإلذلية بلفظها إال يف موضوع واحد ،ىو التاريخ البشري
فيما يرتبط دبسائل النفس واالجتماع ،أو قل يف موضوع احلضارة اإلنسانية ،أي فيما يرتبط بسلوك اإلنسان فردا وأمة.
وإذا كان حاضرا يف أذىاننا تأكيد القرآن الكرمي يف كل موضع يذكر فيو السنة اإلذلية على مشوليتها وثباهتا
واطرادىا ،تبينت لنا احلكمة من التخصيص القرآين للفظ السنة اإلذلية دبسائل االجتماع البشري ،إذ اإلنسان ىو الكائن
الوحيد على وجو ادلعمورة ا لذي يعترب نفسو حرا يتصرف على األرض كيف يشاء ،ويتخذ لنفسو طريقا من بُت ألف
طريق وطريق ،فال رقيب لسلوكو وال راد الختياره ،واإلنسان ىو الكائن الوحيد الذي يشعر من نفسو فعال هبذه احلرية من
بُت صبيع أجزاء الكون احلي منو واجلامد .وإذا كان أمر اإلنسان كذلك ،فكيف يكون لسلوكو قانون صارم؟
2
إن القرآن الكرمي يقول لإلنسان كالً ..فإن ا﵁ عز وجل قد جعل لسلوكك وأفعالك سبال زلددة وزلدودة من
حيث تشعر أوال تشعر ،زبتزل ىذه السبل يف هناية ادلطاف يف سبيلُت أساسيُت ال ثالث ذلما ويف ىذا يقول القرآن" :
شاكرا وإما كفورا" (.)2
ً إما السبيل ىديناه إنا " ويقول: ، ( )1
وىديناه النجدين"
فكل طريق يأيت والبد بثماره ،إن خَتا فخَت وإن شرا فشر ولن جيٍت اإلنسان من الشوك العنب.
وسلوك اإلنسان يف الزمن ،وىو ما نسميو بالتاريخ ،ال يعدو أن يكون مباشرة أفعال وتلقي نتائج ،والسؤال الذي
يرد ىنا ابتداء :ىل دي لك اإلنسان نتائج أفعالو كما ديلك مقدماهتا؟ والسؤال الذي يرد ثانيا :من رتب النتائج ادلعينة
ا﵀ددة ادلخصوصة على مقدماهتا ادلعينة ادلخصوصة؟ أما السؤال الذي يرد ثالثا :ىل ديلك اإلنسان تغيَت ارتباط األسباب
دبسبباهتا أو النتائج دبقدماهتا؟ ..وبعبارة أخرى :ىل ح رية اإلنسان اليت يقيم عليها تنصلو من السنن اإلذلية يف ىذا
الكون حرية حقيقية ومطلقة؟
إن اإلجابة عن ىذه األسئلة تكشف بال ريب عن جانب مهم شلا أراد القرآن الكرمي أن يرسخو يف عقول البشر
من معٌت السنة اإلذلية ونفاذىا الالزم يف احلياة وثباهتا الذي ال ديلك أحد تغيَته بإطالق.
والذي أريد التنبيو عليو ىاىنا ىو أن إحدى معاين السنة اإلذلية كما وردت يف القرآن الكرمي ىي :خلق ا﵁ تعاذل
للعادل ،أي ما سواه ،دبا يف ذلك اإلنسان على ىذه اذليئة ادلخصوصة اليت ىي إحدى اإلمكانات العقلية ،وجعلو سبحانو
سلوك اإلنسان ـ فردا وأمة ـ مربوطا ومقيدا ضمن طبيعة اخللق وخصائصو ،أو بعبارة أخرى فإن السنة اإللهية تعني من
ىذه الزاوية وضع مخصوص للكون واإلنسان وللعالقة بينهما ،ولوظيفة كل منهما ،وإخبار عن ىذا الوضع في
القرآن الكريم.
ودلا كان فعل ا﵁ مقًتنا أبدا باحلكمة ألنو احلكيم ،وبالعدل ألنو العدل ،جاءت السنن اإلذلية أو ىذا الوضع
اإلذلي ادلخصوص (أي السنن) حكيما وعادالً ،سواء أدرك العقل البشري ذلك أم استعصى عليو اإلدراك.
والقرآن الكرمي من خالل ما يعرض من القصص خاصة ،يبُت للناس هبدايتو ويدعوىم بإرشاده ،إذل العوامل اليت
من شأهنا أن تقود إذل معرفة سبل التغيَت ضلو األحسن واختيار الطرق اليت هتدي إذل السعادة يف الدارين.
من أمثلة ذلك عرض القرآن الكرمي ألحوال أرباب احلضارات السالفة ،من الصاحلُت والطاحلُت ،وعرضو لعاقبة
أمرىم ،وتأكيده أن ذلك مطرد يف اآلخرين كما ىو يف األولُت.
ومن ذلك أيضا إعالم القرآن الكرمي اإلنسان باحلقائق الغيبية اليت ال سبيل إذل معرفتها بصفة قطعية أو مفصلة
خارج رلال السمع ،كطبيعة خلق الكون واإلنسان اليت قال فيها تعاذل " :ما أشهدتهم خلق السماوات واألرض وال
خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا" (. )3وكخلق الكون مسخرا لإلنسان ،ال ىو لو عدو وال ىولو إلو،
وكخلق اإلنسان من طبيعة مزدوجة فيها الروح والطُت ،وكخلق اإلنسان حامالً لألمانة بعد أن كان ظلوما جهوالً ،مبتال
3
يف األرض على النجاح أو الفشل يف مهمة العبادة والعمارة واخلالفة ،تلك ادلهمة اليت أنيط هبا رضى ا﵁ على ىذا
اإلنسان أو سخطو ،وأنيط هبا خلود الكائن البشري يف النعيم أو اضلداره إذل اجلحيم ومن ذلك أيضا ،إخباره تعاذل بعدم
جدوى مغالبة احلق الذي جاءت بو الرسل ،والذي ينتصر دائما وتكون لو العاقبة أبدا ،ذلك ألن الكون مبٍت يف أساس
تكوينو وعمق فطرتو وأصل خلقتو ـ أي يف ماىيتو ـ على ما جيعل احلق ديكث يف األرض والباطل يذىب جفاء كزبد
البحر ،قال تعاذل " :كتب اهلل ألغلبن أنا ورسلي إن اهلل لقوي عزيز" ( ،)1وىذه الغلبة ذلا زلتوى سبيب ومعٌت سنٍت
وكوين مرتبط بأصل العالقات العامة ،وطبيعة األشياء ادلخلوقة ﵁ تبارك وتعاذل يف ىذا الكون.
وال مطمع يف أن تتغَت ىذه القاعدة ،فقد قال تعاذل سلربا عن ذلك " :ولن تجد لسنتنا تحويال" ( )2وقال " :فلن
تجد لسنة اهلل تبديال" ( ،)3أي أنو ال يبدذلا سبحانو وال يقدر أحد غَته على تبديلها.
فلم يبق لإلنسان سوى أن يتخندق يف معسكر جند ا﵁ الغالبُت ،فينعم بسعادة حيسده عليها ادللوك والقياصرة
دأبو السعي الدائم احلثيث للرفع من شأن الفضائل وادلنافع ،ليبٍت بذلك حضارتو وحيفظ على نفسو كرامتو ،أو دييل مع
الشيطان و " إن كيد الشيطان كان ضعيفا" ( )4وحزبو كان مهزوما ،فيستعد دلالقاة مصَته ادلشؤوم الذي قوامو ظلمة
النفس وضنك العيش يف الدنيا واحلشر يوم القيامة أعمى.
وإذا كان السؤال عن كيفية العلم هبذه السنة وىذا الوضع وادلنهج ،فإن تنظيم اإلسالم للعالقات العامة بُت اخلالق
وسللوقاتو ،وبُت ادلخلوقات الكونية (السما وات واألرض) وادلخلوقات البشرية (اإلنسان اخلليفة) ،وتوضيحو للعالقات بُت
اإلنسان وأخيو ،وتبيُت اإلسالم للحقوق والواجبات العامة ،وجعلو أكثر ذلك عقائد الزمة وأخالق نافذة وتكاليف
عملية واجبة االتباع وفق ( نظام اخلالفة) ،ذلو الكفيل برأب الصدع يف أجزاء الكون وصبع حلمتو يف تكامل بُت صبيع
ادلخلوقات بطريقة مثمرة وفاضلة.
فتكون هبذا ادلعٌت التكاليف الشرعية واألوامر والزواجر اإلذلية سننا إذلية كونية كذلك دبعٌت ما ،أي أنو حىت وإن
كان اإلنسان سلَتا ابتداء يف اتباعها أو اإلعراض عنها شلا يوىم بعدم موضوعيتها كونيتها ،فإنو غَت سلَت ملال فيما يًتتب
على ذلك يف الدنيا قبل اآلخرة ويكون سلالفا ـ دبخالفتها ـ لطبيعتو وفطرتو ومن مث دلصلحتو ومنفعتو وسعادتو يف العاجل
واآلجل.
وىذا جانب آخر لمعنى سنة اهلل كما ورد ذكرىا وبيانها في جملة عريضة من آيات القرآن الكريم من ذلك
قولو عز وجل" :فمن ا تبع ىداي فال يضل وال يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن لو معيشة ضنكا ونحشره يوم
( )5
القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"
4
فالشقاء يكون يف الدنيا واآلخرة معا ،ومن ذلك قولو تعاذل " :وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون" ( )1دلت ىذه
اآلية على أن الغاية من اخللق عبادة ا﵁ ،فتكون طبيعة الكون وطبيعة اإلنسان قد خلقت على وفق تأدية ىذه الغاية،
ومن مث كان السعي خلالف ىذه الغاية سلالفا لطبيعة اخللق وعائدا على أصحابو بوبال أمرىم ..ومثل ىذا يف القرآن كثَت
سواء كانت داللتو صرحية أو ضمنية.
-2ألفاظ القرآن الكريم في الداللة على سنة اهلل :إذا كان القرآن الكرمي قد اقتصر يف التعبَت بلفظ السنة اليت
ال تتبدل وال تتحول على أحوال األمم وسلوك البشر ،فإن ذلك ال يعٍت بأن سنة ا﵁ مقتصره على سلوك اإلنسان.
وباعتبار أن ا﵁ تعاذل ىو خالق ك ل شيء فقد فطر صبيع الكون على نظام معُت ال حييد عنو وال يتخطاه ،وعرب
عن ذلك يف مواطن كثَتة منها قولو تعاذل " :وآية لهم الليل نسلخ منو النهار فإذا ىم مظلمون والشمس تجري
لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ال الشمس ينبغي لها أن
تدرك القمر وال الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" ( .)2فعرب القرآن ىاىنا عن الناموس الكوين الذي جيري
عليو ا﵁ الليل والنهار والشمس والقمر "باآلية" و "بالتقدير".
فأما داللة اآلية فهي أن ا﵁ تعاذل جعل من نظام الكون واطراد ىذا النظام عالمة على وجوده وقدرتو وعلمو،
وعلى حكمتو وعدلو ،وقد جعل علماء العقيدة ىذا النظام علما ودليال على وجود الباري ومسوه دليل العناية والنظام،
وقد عرب القرآن عن السنة باآلية يف مواطن كثَتة من مثل قولو تعاذل " :سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى
يتبين لهم أنو الحق" (.)3
وأما داللة التقدير فهي أن ا﵁ تعاذل ما خلق ىذا الكون إال لغاية سلصوصة ورسالة بينة ،فالكون موزون مقدر
زلسوب دبا للحساب من دقة ذبعل منو مصيبا للهدف ادلطلوب والغاية ا﵀ددة ،كما قال تعاذل " :والسماء رفعها ووضع
الميزان أن ال تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان" ( )4وقال عز وجل " :وكان أمر اهلل
قدرا مقدورا"(.)5
وىذا خالفا دلن يظن ادلصادفة والعبثية يف خلق ا﵁ ،ويف نفي ىذا الظن قال تعاذل" :أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا
( )6
فال رلال يف خلق ا﵁ للمصادفة واالتفاق وال رلال للعب وأنكم إلينا ال ترجعون فتعالى اهلل الملك الحق "
5
والعبث ،بل إن يف كل زاوية من زوايا الكون تقدير ﵁ وسنة ﵁ وأمر ﵁ ،كما قال تعاذل " :وما يعزب عن ربك من
مثقال ذرة في األرض وال في السماء وال أصغر من ذلك وال أكبر إال في كتاب مبين"(.)1
ومثل تعبَت القرآن عن السنة اإلذلية بتقدير ا﵁ وآيات ا﵁ ،تعبَته عنها " بفطرة ا﵁" و"خبلق ا﵁ " و" بكلمات
ا﵁".
وداللة تسمية السنة اإلذلية خبلق ا﵁ ،ىي التعبَت عن الوضع الذي جاء عليو اخللق وذلك يف مثل قولو تعاذل" :ال
تبديل لخلق اهلل"( ، )2وىو ذات معٌت "فطرة ا﵁" الذي جاء التعبَت بو فيما يتعلق بالكون األصم يف مثل قولو
سبحانو":فاطر السموات واألرض"(.)3
وفيما يتعلق باإلنسان قال تعاذل" :فطرة اهلل التي فطر الناس عليها ال تبديل لخلق اهلل ذلك الدين القيم ولكن
أكثر الناس ال يعلمون" (.)4
وفطرة الكون األصم يف القرآن كذلك جاءت بلفظ اإلسالم كما يف قولو تعاذل " :أفغير اهلل يبغون ولو أسلم من
األرض طوعا وكرىا وإليو يرجعون"( ، )5فدل ىذا على أن لفظ اإلسالم يشمل إسالم الكائنات صبيعا لرب العادلُت،
خبضوعها وانقيادىا ألمره سبحانو دبا فطرىا عليو.
وإذ كان من خصوصية بالنسبة لإلنسان من إمكان اإلقبال على ا﵁ أو اإلعراض عنو فهي خصوصية جزئية ال
كلية ،ابتدائية ال مللية ،مقيدة ال مطلقة دبا يتفق وقاعدة االبتالء.
-موضوع السنن اإللهية في القرآن الكريم :من خالل ما مت عرضو بدا واضحا أن سنن ا﵁ وقوانينو مبثوثة يف
كل أرجاء الكون ،حاكمة جلميع أجزائو ،فال خيرج عن قدر ا﵁ وتقديره ،أو عن حكم ا﵁ وأمره شيء من ىذا العادل،
والعادل ىو ما سوى ا﵁ تعاذل ،اخلالق الذي دل خيلق واحلاكم الذي ال حيكم واآلمر الناىي الذي ال يؤمر سبحانو وال
ينهى ،وادلريد الذي ال حيد إرادتو شيء ،والقادر الذي ال يقف يف طريق قدره شيء.
فسنن ا﵁ ربكم أنظمة الكون دقيقو وعظيمو ،كما ربكم أنظمة الناس الفطرية والكسبية ،فرادى وصباعات،
وربكم سنن ا﵁ كذلك العالقة بُت أنظمة الكون وأنظمة الناس ،ومعٌت كوهنا ربكم كل ىذا أن السنن تتحكم يف الثمار
والنتائج ،ومن مث يف سعادة اإلنسان أو شقائو يف ربضره أو زبلفو ،يف إىالكو أو بقائو ،وال تتحكم يف ادلقدمات ألهنا بيد
اإلنسان.
-العالقة بين السنن اإللهية والحضارة اإلنسانية:
6
وإذا فهم ىذا ادلعٌت ديكن أن تفهم العالقة الوطيدة بُت احلضارة كما مت توضيح معناىا وذبلية عناصرىا ووظائفها
يف الفصل السابق وبُت السنن اإلذلية ،حيث أن ىذه السنن ىي ادلدخل الذي يؤدي إذل التوافق بُت إرادة ا﵁ من خلق
اخللق ،وإرادة الناس يف إسعاد أنفسهم بأنفسهم.
فاحلضارة دبا ىي غاية لإلنسان وعمارة لألرض وخالفو ﵁ ،ال ديكن ربقيقها على الوجو األكمل واألصح إال إذا
مت العلم بسنن ا﵁ والسَت على وفقها إذ وضعت أصال ألجل ذات الغاية.
فجعل ا﵁ طبيعة اإلنسان العاقلة ادلريدة وا﵀تاجة إذل نور الوحي وعون ا﵁ ،وجعل طبيعة الكون ادلنفعل ادلسخر
ادلستجيب الطيع أمام اإلنسان ،متوافقان مع نصرة احلق واإلصالح يف األرض بعمارهتا ،وإرضاء ا﵁ كمقصد كلي حيوي.
أما اإلعراض عن ا﵁ فهو متفق مع تشويو فطرة الكون وفطرة الناس ،وىو آيل يف نفسو وبنفسو إذل البوار ـ وفقا
لنظام اخللق وطبيعة األشياءـ فهو حيمل بذور فنائو يف ذاتو ،إذ خلق ا﵁ احلق ليدوم والباطل ليزول.
-خصوصية السنن اإللهية في الحضارة والتاريخ:
إن السنن اإلذلية يف احلضارة ىي " :تلك الضوابط والقوانين التي تتحكم في عملية التحضر" ( ،)1أي عملية
االنتقال من البداوة إذل احلضارة ،ومن الغياب على الساحة االجتماعية إذل احلضور فيها ،ومن التبعية للغَت إذل التحكم
يف النفس والتأثَت يف الغَت ،ومن اذلوان إذل التمكُت يف األرض؛ أو أن السنن اإلذلية يف التاريخ ىي تلك القواعد والضوابط
اليت " :تتحكم في عملية التاريخ" ( ، )2بوصفها عملية زلورىا اإلنسان بسلوكو ادلنضبط بقواعد التغيَت االجتماعي
وشروط االنتقال من ىامش التاريخ إذل عمقو.
لقد مت بيان معٌت احلضارة وربديد عناصرىا األساسية يف القسم السابق فكانت:
مصدرا للحضارة.
ً -1الفكرة وادلبدأ :
-2ربقيق السعادة باالرتقاء باإلنسان ماديًا وخلقيًا :غاية للحضارة.
زلورا للحضارة.
-3اإلنسان باعتباره العنصر الفاعل يف عملية البناء واالستخالفً :
-4الكون ادلسخر بساحتيو الطبيعية والتارخيية :ميدانًا للفعل احلضاري.
-5الزمن باعتباره رلاالً ينتظم عملية التحضر :وعاء للفعل احلضاري.
فتكون السنن اإلذلية يف احلضارة والتاريخ إذن ىي :العوامل والقواعد والشروط اليت موضوعها أحد ىذه العناصر
من حيث ارتباطو بالعناصر األخرى ،ومكانتو بينها ودوره فيها وكيفية تفعيلو ،أو تلك القواعد اليت موضوعها دراسة
العالقة بُت ىذه العناصر صبيعا.
فالسنن اإلذلية يف احلضارة ال هتتم بدراسة القوانُت التفصيلية للعلوم ادلادية والطبيعية كالفيزياء والبيولوجيا والطب
مثال ،لكنها هتتم هبذه العلوم من حيث ىي وسائل لسعادة اإلنسان أو تعاستو.
7
إن السنن احلضارية ىي اليت تعطي للمعرفة العلمية معناىا يف حياة ا لبشر ،وتوضح جدواىا وتسطر معادلها
وحدودىا ،وىي اليت تبُت أمهية احلياة اخللقية والفكرية والصناعية يف بناء احلضارة ،وتبُت اآلثار السلبية لالضلراف عن
الصدق والفاعلية يف ىذه اجملاالت.
إن السنن اإلذلية يف احلضارة هتتم بربط السعادة احلقيقية بأسباهبا ،والشقاء احلقيقي بأسبابو ،لذلك صلد أنفسنا
أمام منط كامل من التفكَت على أساس سنٍت كما يعرضو اإلسالم ،لو ما يعارضو من أمناط الفهم والتفكَت ادلادية الالأدرية
والوجودية العبثية والوثوقية الغيبية ،وأزعم أن االذباه السنٍت يف اإلسالم كما ـ سبثلو وسطيتو حبق ـ ديثل نظرية متكاملة ،يقرأ
على أساسها العلم ادلادي وتفهم على ضوئها احلياة البشرية من ادلبتدأ إذل ادلنتهى.
مصدرية القرآن الكريم للسنن اإللهية:
-1رسالة القرآن الكريم وموضوع السنن اإللهية :ليس غريبا أن يكون القرآن ادلصدر األول دلعرفة سنة ا﵁ يف
خلقو ،فكتاب ا﵁ أو الوحي اإلذل ي عموما ـ دبا يف ذلك السنة النبوية ـ ىو البيان الرباين ادلخرب عن السنن وشروطها
وكيفياهتا وأنواعها ومتعلقاهتا ..اخل من حيث أن واضع ىذه النواميس ىو ا﵁ تعاذل ،وما كان للكتاب الذي ما فرط ا﵁
فيو من شيء ،أن يهمل بيان السنن اليت تضم كل كبَتة وصغَتة ،وهتدي الناس لرب العادلُت ،وتسوقهم إذل السعادة أو
تكلهم إذل الشقاء.
غَت أن البعض يعًتض على ذلك ،حبجة أن القرآن كتاب ىداية وإرشاد وما ىو بكتاب علم حييط بقوانُت ادلادة
وقوانُت احلياة ،ويعرض األستاذ باقر الصدر رأي ىؤالء بقولو ":خييل إذل بعض األشخاص أننا ال ينبغي أن نرتقب من
القرآن الكرمي أن يتحدث عن سنن التاريخ ،ألن البحث يف سنن التاريخ حبث علمي كالبحث يف سنن الطبيعة والفلك
والذرة والنبات ،والقرآن الكرمي دل ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب ىداية ..نزل ىذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات
إذل النور من ىنا ال نرتقب من القرآن أن يك شف لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو احليوان ،صحيح أن يف
القرآن إشارات إذل كل ذلك لكنها باحلدود اليت تؤكد على البعد اإلذلي والعمق الرباين ذلذا الكتاب ..والقرآن دل يطرح
نفسو بديال عن قدرة اإلنسان اخلالقة وعن مواىبو وقابلياتو يف مقام الكدح ،يف ميادين احلياة دبا يف ذلك ميدان ادلعرفة
والتجربة ..فإذا كان القرآن كتاب ىداية وليس كتاب اكتشاف ،فليس من الطبيعي أن نرتقب منو استعراض مبادئ عامة
ألي واحد من ىذه العلوم ،اليت يقوم الفهم البشري دبهمة التوغل يف اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها ،فلماذا
ننتظر من القرآن أن يعطينا عموميات أو مواقف ،وأن يبلور مفهوما علميا يف سنن التاريخ ،بينما ليس للقرآن مثل ذلك
على الساحات األخرى؟"(.)1
ويركز باقر الصدر يف رده على ىؤالء على ادلوافقة ادلبدئية ذلذه ادلالحظة ،فالقرآن كتاب ىداية فعال ال كتاب علم
واسكتشاف ـ بادلعٌت األكادديي للكلمة ـ والقرآن الكرمي دل يطرح نفسو بديال عن البحث العقلي كي جيمد يف اإلنسان
( )1زلمد باقر الصدر ،مقدمات يف التفسَت ادلوضوعي للقرآن ،دار التوجيو اإلسالمي ،بَتوت /الكويت ،ط1400 ،1ىـ1980 /م،
ص .36-35
8
طاقات اإلبداع والنمو والبحث ،لكن الفرق ـ كما يرى ـ جوىري بُت الساحة التارخيية وبقية ساحات الكون ،فسنن
التاريخ واحلضارة مرتبطة أشد االرتباط بوظيفة القرآن ككتاب ىداية (.)1
وإذا كانت ىداية القرآن ،والتغيَت الذي دعا إليو مرتبط أشد االرتباط بسنن التاريخ واحلضارة باعتبارىا مسالك
اخلروج من اذلوان إذل التمكُت ومن الظلمات إذل النور.
مصدرية القرآن الكريم للسنن اإللهية:
بالرجوع إذل القرآن نفسو نقطع كل تشكك يف مصدريتو للسنن وباالستقراء صلد أهنا ثالثة أنواع:
-1ادلصدرية القرآنية التوكيدية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة.
-2ادلصدرية القرآنية التوضيحية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة.
-3ادلصدرية القرآنية الغائية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة.
وديكن توضيح كل زاوية ببعض ما ورد يف القرآن من األمثلة والشواىد:
-3المصدرية التوكيدية :ويعٍت ذلك تأكيد القرآن على وجود السنن اإلذلية يف رلارل الكون األصم واحلياة
اإلنسانية والتارخيية على السواء ،فما من فلك مادي إال ولو قانون ،وما من حركة يف التاريخ إال وذلا كذلك أسباب
وغايات ،منطلقات ومصبات.
لقد ذكر القرآن أن ا﵁ جعل لكل شيء سببا ( التأكيد على السببية العامة يف الكون) فقال تعاذل حاكيا عن ذي
ض َوآتَ أي نَاهُ ِمن ُك ِّل َش أي ٍء َسبَبًا﴾ (.)2 القرنُت ﴿ :إِنَّا َم َّكنَّا لَوُ فِي أاأل أَر ِ
وذكر ا﵁ أنو قدر أمور الكون كل و حبسبان وميزان فال رلال لالعتباط أو ادلصادفة أو العبث أو اخلرافة بالقفز على
ض َع ال ِأم َيزا َن * أََّال تَطأغَ أوا َّرهُ تَ أق ِد ًيرا ﴾ وقالَ ﴿ :و َّ
( )3 ٍ
اء َرفَ َع َها َوَو َ
الس َم َ تقدير ا﵁ فقال تعاذلَ ﴿ :و َخلَ َق ُك َّل َش أيء فَ َقد َ
َّر َّ ِ َّ ِ
وقال سبحانو ﴿ :الذي َخلَ َق فَ َس َّوى* َوالذي قَد َ
( )4
يموا الأ َوأز َن بِال ِأق أس ِط َوال تُ أخ ِس ُروا ال ِأم َيزا َن﴾ ِ ِ ِ ِ
في الأم َيزان * َوأَق ُ
ال َربُّنَا الَّ ِذي أَ أعطَى ُك َّل َش أي ٍء َخ أل َقوُ ثُ َّم َى َدى﴾(.)6
فَ َه َدى﴾ ( ،)5وقال سبحانو ﴿ :قَ َ
وتأكيد القرآن على أن أمور الكون تسَت وفقا لسننها اليت فطرىا ا﵁ عليها دون أن ربيد عن ذلك قيد أمنلة تأكيد
مفصل ومتكرر...اخل
9
-2المصدرية التوضيحية :دل يكتف القرآن الكرمي بتأكيد وجودىا بل عرب عنها يف سياق احلديث عن مناذج
منها ،ونسب اخلطاب اإلذلي السببية اجلعلية إ ذل كثَت من ادلظاىر الكونية واإلنسانية ،واليت ال تؤيت شبارىا إال هبذا اجلعل،
ِ
اء ض َىام َد ًة فَِإ َذا أ َ
َنزلأنَا َعلَأي َها ال َأم َ مع انتفاء موانعو ،فنسب ا﵁ حياة األرض ادلـ ـوات إذل ادلاء ،فقال تعاذلَ ﴿ :وتَ َرى أاأل أَر َ
ض بَ أع َد َم أوتِ َها﴾(،)2 السم ِاء ماء فَأ ِ يج﴾( ،)1وقـال ﴿ :واللَّو أ ِ ت ِمن ُك ِّل َزأو ٍج بَ ِه ٍ
َحيَا بِو أاأل أَر ََنز َل م َن َّ َ َ ً أ َ ُ َ ت َوأَنبَتَ أ
ت َوَربَ أ
ا أىتَ َّز أ
ت َوعليها ما اكتسبت ﴾( ،)3وجعل ا﵁ القرآن سببا وكسب الناس ىو من شبار أعماذلم ،كما قال تعاذل ﴿ :لَ َها َما َك َسبَ أ
الس َالِم﴾(.)4 للهداية فقال﴿ :يَ أه ِدي بِ ِو اللَّوُ َم ِن اتَّ بَ َع ِر أ
ض َوانَوُ ُسبُ َل َّ
وال ينكر أحد من ادلنصفُت ما حواه القرآن الكرمي من قوانُت علمية يف سلتلف العلوم ،حىت كان ذلك مدخال
أسلم من بابو كثَت من العلماء ادلاديُت ،وقام على يد صبهرة من علماء ادلسلمُت ما مسى بالتفسَت العلمي واإلعجاز
العلمي للقرآن الكرمي ،وسيقف اإلنسان على كثَت من احلقائق العلمية والسنن الكونية عند اطالعو على ىذه ادلؤلفات شلا
ال سبيل إذل بسطو ىنا ،ويكفي أن أشَت إذل أن ىذا االذباه قد استهوى بعض الباحثُت لشدة ظهوره حىت صار مههم
ادلطابقة ادلستمرة بُت حقائق العلم ادلعاصر وحقائق الدين اخلالدة ،وبالغوا يف ىذا االذباه حىت وقعوا يف بعض ادلثالب
وا﵀اذير(.)5
وعلى العكس من جانب العلوم ادلادية ،فإن سنن التاريخ واحلضارة والنفس واالجتماع دل ربض بالدراسة ادلطلوبة
من قبل الباحثُت مع ما يعج بو الكتاب من حقائق حوذلا وعلى الرغم كذلك من ارتباط القرآن الكرمي ـ ككتاب ىداية
وإرشاد ـ دبسائل إصالح النفس واجملتمع وإقامة نظام اخلالفة والعمارة.
-3المصدرية الغائية :خبالف العلوم الطبيعية واإلنسانية يف ادلذاىب ادلادية والعقلية والالىوتية ،فإن القرآن
يؤكد على غائية السنن اإلذلية ،أي أن ىذا النظام الكوين بقوانينو ومساره العام وضع أصالة خلدمة غاية معينة ،وأوكل
تفعيل السنن خلدمة ىذه الغاية إذل اإلنسان ،وىذا ما مساه القرآن أمانة واستخالفا وتسخَتا كما يف قولو سبحانو ﴿ :إِنَّا
ومانسا ُن إِنَّوُ َكا َن ظَلُ ً ال فَأَبَ أي َن أَن يَ أح ِملأنَ َها َوأَ أش َف أق َن ِم أن َها َو َح َملَ َها أِ
اإل َ
ض وال ِ
أجبَ ِ ضنَا أاألَمانَةَ َعلَى َّ ِ
الس َم َاوات َو أاأل أَر ِ َ َع َر أ َ
وال﴾( ، )6لذلك أوجب القرآن على اإلنسان أن يتعامل مع الكون تعامل ادلؤسبن ادلستخلف ادلقيد بنظام اخلالفة ،ال َج ُه ً
تعامل ادلالك ادلتسلط الذي يفسد يف األرض ويقطع األرحام ويسفك الدماء..
10
وأجب عليو كذلك أن يسخر كل ما وىبو ا﵁ إياه من النعم ادلادية والعقلية واألخالقية لنصرة احلق وإعالء كلمة
ا﵁ ،فال رلال يف نصرة احلق للكساذل واألغبياء ،وال رلال فيو للجاىلُت واخلاملُت ،فإن العجز يف الدنيا خذالن للدين،
ويف احلديث " استعن باهلل وال تعجز"( ،)1وروي يف األثر " :ويل لكل أمة ال تأكل مما تنتج وال تلبس مما تحيك"،
أس َش ِدي ٌد أكتاب وال ِأميزا َن لِي ُقوم النَّاس بِال ِأقس ِط وأَنزلأنَا ال ِ ِ ِ ِ
أحدي َد فيو بَأ ٌَ أ َ َ ُ َنزلأنَا َم َع ُه ُم ال َ َ َ َ َ َ وا﵁ سبحانو وتعاذل قالَ ﴿ :وأ َ
نص ُرهُ َوُر ُسلَوُ بِالأغَأي ِ ومنافِع لِلن ِ ِ
ب ﴾( ،)2فهل ينصر ا﵁ جاىال بصناعة احلديد واخلشب؟(.)3 َّاس َوليَ أعلَ َم اللَّوُ َمن يَ ُ َ ََ ُ
وإذا كانت قوانُت احلياة قد خلقت لنصرة احلق ،وجعل اإلنسان مؤسبنا عليها ،فيمكن كذلك أن يعرض اإلنسان
عن أمانتو وخيوهنا وىو بذلك مبتلى ،وعليو رلازى ،لكن اجلزاء سيكون بُت معجل ومؤجل كما ذكرت ذلك سابقا.
فإما أن يصقل اإلنسان فطرتو ويعيش سعيدا وإما أن ينحرف عن ىدى ا﵁ فيدمر نفسو ،وىذا معٌت غائية السنن
ض َعن ِذ أك ِري فَِإ َّن لَوُ ض ُّل َوال يَ أش َقى * َوَم أن أَ أع َر َ فال ي ِ
اي َ َاإلذلية وىو ادلعٌت ادلذكور يف قولو تعاذل ﴿ :فَ َم ِن اتَّ بَ َع ُى َد َ
ش ُرهُ يَ أوَم ال ِأقيَ َام ِة أَ أع َمى﴾(.)4
نح ُ َم ِعي َشةً َ
ضن ًكا َو أ
بعد تأكيد القرآن على وجود السنن اإلذلية ،وإعطائو مناذج منها وحقائق عنها يف سلتلف مناحي احلياة ـ دون أن
يكون ىدفو إحصاؤىا ـ صبيعا ،وبعد أن أظهر غائيتها ومسؤولية اإلنسان ووظيفتو حياذلا ،ترك بعد ذلك اجملال واسعا أمام
الناس دلزيد من البحث عرب استقراء التاريخ واختبار الواقع لتعميق العلم بالسنن ووتوسيع الكشف عنها.
فال يقولن قائل إن القرآن قد أحاط بذكر كافة السنن ،فلم يشأ القرآن أن يسد باب البحث عن احلق أمام
الباحثُت من أورل النهي واأللباب ،ولو فعل ذلك دلا كان ىناك معٌت لدعوتو ادلتكررة للسَت يف األرض والنظر فيها،
أق ﴾( ،)5على الرغم ف بَ َدأَ الأ َخل َض فَانظُُروا َك أي َوالتأمل يف ملكوت السماوات ،ولقد قال تعاذل ﴿ :قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ
من أنو بسط لنا قصة اخللق ،من خلق السماوات واألرض إذل خلق آدم ـ عليو السالم ـ والبشرية من بعده يف القرآن
الكرمي.
وىذا ما يربر القول إن الواقع والتاريخ مها كذلك من أىم مصادر معرفة السنن اإلذلية يف الكون واحلياة.
( )1رواه مسلم كتاب القدر ،وابن ماجو كتاب الزىد ،وأضبد مسند ادلكثرين رقم .8436 :
( )2احلديد.24 ،
( )3للشيخ الغزارل والدكتور القرضاوي كالم نفيس يف ىذه ادلعاين انظر :أين اخللل ،علل وأدوية ،مشكالت يف طريق احلياة اإلسالمية ترثنا
الفكري بُت الشرع والعقل..
( )4طو .122 – 121 ،
( )5العنكبوت .19 ،
11
الفروض ا﵀تملة ،ديكن لإلنسان أن جيٍت معرفة علمية سننية عن ىذا الكون يضئ هبا مستقبلو وىذا ما ديكن تسميتو "
بادلصدرية الكشفية" للسنن اإلذلية من خالل الواقع والتاريخ ..وشبة مالحظة أساسية متعلقة بالفارق بُت ادلعرفة النظرية
وادلعرفة العملية التارخيية وىي أن اإلنسان يف أحيان كثَتة ال تنفعو الدروس الغزيرة واخلطب الكثَتة إذل االعتبار ،كما أن
التفكَت النظري مهما كانت دقتو فإنو يغفل شيئا من التفاصيل اليت يبُت الواقع العملي وتاريخ األمم أمهيتها ،وفضال عن
ذلك فإن اإلنسان لن يتمكن من فهم قوانُت ادلادة وىو سابح يف عوادل ادلنطق الصوري.
وداللة ىذه ادلالحظة يف أن اإلنسان ال ديكن أن جيٍت معرفة صحيحة ودقيقة إال من خالل التجربة واخلطأ ،أو
تفادي أخطائو بالنظر يف أخطاء غَته ،وليس اخلطأ يف حياة األفراد واألمم عيب فيها ،بل طبيعة ذلا ،كما قال النيب عليو
الصالة والسالم" :لو لم تخطئوا لجاء اهلل بقوم يخطئون ثم يستغفرون اهلل فيغفر لهم"( ،)1ويف إغفال تفاصيل الواقع
مع أمهيتها يقول فيلسوف اإلسالم زلمد إقبال يف روائعو:
ألف ميل زاد بعد ادلنزل (.)2 حلظة واحدة إن تغفل
ولقد ص ّدق القرآن ىذه الوجهة ا لعملية يف التفكَت ،فدعا إذل السَت يف األرض والنظر يف ملكوت السماوات ويف
ِ ف َكا َن عاقِبةُ الَّ ِذ ِ أحوال األمم ،فقال تعاذل ﴿ :قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ
ين﴾ ين من قَ أب ُل َكا َن أَ أكثَ ُرُىم ُّم أش ِرك َ
َ َ َ ض فَانظُُروا َك أي َ
ِ
صا ِر ﴾ (.)4 وقال ﴿ :فَا أعتَبِ ُروا يَا أُولي أاألَبأ َ
( )3
وبسط نبأ عدد غَت قليل من أحوال األمم السابقة من خالل القصص الذي ىو يف احلقيقة تاريخ حفظو ا﵁ لنا
يق الَّ ِذي بَ أي َن يَ َديأ ِو﴾( ،)5وقال عز وجل﴿ : ص ِد َ ِ ِ
ألمهيتو ،ويف معٌت ذلك يقول تعاذلَ ﴿ :ما َكا َن َحديثًا يُ أفتَ َرى َولَكن تَ أ
ك ِم أنص لَ َعلَّ ُه أم يَتَ َف َّك ُرو َن﴾ ،وقال ﴿ :ذَلِ َ
( )7
ص َ ص الأ َق َ أص ِ أح ِّق ﴾ ،وقال سبحانو ﴿ :فَاق ُ
( )6
ك نَبَأ َُىم بال َص َعلَأي َ نَ أح ُن نَ ُق ُّ
نت لَ َديأ ِهم إِ أذ ي أختَ ِ
ص ُمو َن أ َ نت لَ َديأ ِه أم إِ أذ يُ أل ُقو َن أَق َأال َم ُه أم أَيُّ ُه أم يَ أك ُف ُل َم أريَ َم َوَما ُك َ
ك َوَما ُك َ ب نُ ِ
وح ِيو إِلَأي َ ِم أن أَنبَ ِاء الأغَأي ِ
﴾( ، )8ذلك أن احلقائق الكونية تبٌت ىي األخرى على احلقائق ال على االفًتاءات أو خياالت ادلداحُت وعواطف
الشعراء.
واحلق أن من نقاط القوة يف حضارة الغرب اليوم ـ وىي ذاهتا نقطة الضعف لدى ادلسلمُت ـ اإلحاطة دبنهج
االستقراء الكاشف للحقائق العلمية الطبيعية واإلنسانية.
12
ومصدرية الواقع والتاريخ للسنن اإلذلية ىي " مصدرية تصديقية " كذلك ،دبعٌت أن ا﵁ سبحانو وتعاذل قد فتح
للبشر باب التجربة ليتأكدوا باستمرار من صدق ما قرره الوحي من حقائق الوجود ،وأوجب على اإلنسان البحث يف
الكون ليعلم أن القرآن الذي قرر ـ قبل البحث والتجريب ودوهنما ـ السنن الكونية بوضوح شديد ،إمنا ىو من عند ا﵁،
فتطمئن نفسو ويركن عقلو دلقررات الوحي األعلى .فالوحي يقرر والواقع يصدق ،ومها يف احلقيقة مصدران متكامالن
اق َوفِي أَن ُف ِس ِه أم َحتَّى يَتَبَ يَّ َن
إليضاح احلقيقة الكلية الواحدة ،وىذا بعض معٌت قولو تعاذل ﴿ :سنُ ِري ِهم آياتِنَا فِي أاآلفَ ِ
َ أ َ
لَ ُه أم أَنَّوُ ال َ
أح ُّق ﴾ .فما ىو وجو التكامل بُت مصدري ادلعرفة السننية يف اإلسالم؟
التكامل بين المصدرين:
إن مسألة ادلصادر ادلتعلقة باستخراج السنن من ىذا الوجو ـ وجو التكامل ـ ىي مسألة حيوية مرتبطة مباشرة
بصميم ادلعرفة اإلسالمية ،أو بإسالمية ادلعرفة ،فادلصادر ادلعرفية يف اإلسالم ،مصدران على وجو العموم :الكتاب
ادلسطور( القرآن الكرمي) ،والكتاب ادلنظور( الكون واحلياة) كما سبق الذكر ،وإذا كان كل منهما يعد مصدرا أساسيا
لل معرفة يف اإلسالم ،فإن لكل منهما رلالو ادلختلف بعض الشيء عن رلال اآلخر اختالف تكامل وتنوع بالنسبة دلوضوع
السنن.
إذ ما يعد أساسيا يف استخراج السنن من الكتاب ،يعد تكميليا يف التاريخ وواقع التجربة ،وما يعد أساسيا يف
استخراج السنن من العادل اخلارجي ،يعد تكميليا يف القرآن وذلك حسب موضوع السنن.
وبيان ذلك كما يلي :ال يعد القرآن الكرمي مصدرا أساسيا يف ادلعارف الرياضية وقوانُت الفيزياء والبيولوجيا مثال،
وال نطمع أن يكون ،فليس ذلك من مهماتو ،إنو من مهمات العقل البشري الذي ىو جزء من نظام ىذا الكون ،وإ ّن ما
ورد يف القرآن من سنن تتعلق هبذه العلوم وغَتىا من العلوم الكونية إمنا كان إلثبات البعد الرباين للقرآن الكرمي كنوع من
اإلعجاز ،وإلشاعة روح التفكَت العلمي لدى اإلنسان عموما وادلسلم على وجو اخلصوص ،وتربيتو على ذلك ،والستبعاد
اخلرافة والدجل واالدعاء الكاذب وىذه مسألة أساسية يف القرآن.
نفسو يف زلل العقل الباحث ،ودل ُيرم إحصاء القوانُت وال الدخول يف التطبيقات اجلزئية ودل يضع القرآن الكرمي َ
والكيفيات التقنية والفنية للعلوم؛ لكنو تناول السنن من زاوية كان أساسيا فيها ،ففيو تنبيو وإجياب للعقل لكي يبحث،
وفيو اإلشارة إذل ثبات السنن ،وفيو بيان الرتباطها با﵁ ،وفيو بيان حلكمتها ومعٌت وجودىا ،وفيو ذبلية دلوقف اإلنسان
حياذلا ،وكل ىذا يعد القرآن أساسيا فيو.
وديكن أن أشرح ذلك بشكل دقيق باستعمال التقسيم السابق للسنن اإلذلية إذل سنن غايات ،ترتبط مباشرة
بوظيفة القرآن ككتاب ىداية ،وسنن وسائل ،إما يف سبيل ربقيق اذلداية أو اإلعراض عنها.
فالقرآن ال يزاحم العقول وال يعوض التجارب يف سنن الوسائل ،ولكنو يوضح غايتها وحيذر من مغبة سوء
استعماذلا ،ويبُت طرق تصريفها لصاحل البشرية ،والدوائر اليت ينبغي للعالقات اإلنسانية أن تدور فيها ،وىذه ىي سنن
الغايات.
فالقرآن يقف حاجزا منيعا أمام الفلسفات واألفكار اليت تنحرف باإلنسان والكون معا عن التوافق الذي خلقا من
أجلو ،والغا ية اليت وجدا ألجلها ،ويتحداىا بأهنا لن تصل باإلنسان إذل السعادة ،حىت يلج اجلمل يف سم اخلياط ما دل
13
ربًتم السنن اليت قررىا على أهنا احلق دون سواه ،ويف الوقت ذاتو يقف مؤيدا لكل فهم أو سلوك يؤكد من خالل
التجارب التارخيية والوقائع العلمية والنفسية واالجتماعية صدق ما قرره القرآن ،بل ويوجب القرآن على اإلنسان اخلليفة
أن ينزل ذلك يف حياتو احلضارية ويعده من أعمالو األساسية ،ويسن ذلك لو بتوضيح منهجو ومثالو يف القرآن الكرمي،
ويضمن ا﵁ على ذلك العوض من ادلال واجلهد والثواب اجلزيل.
فسنن احلضارة والتاريخ ـ موضوع الدراسة ـ على ىذا ،من السنن األساسية يف القرآن التكميلية يف غَته ،لذلك صلد
القرآن يكثر من قص القصص ،والتأكيد على أنو تاريخ حيمل قوانُت تتكرر مع األمم ،وتدعوا إذل التأمل واالعتبار ،قال
ِ ِ ( )1 تعاذل ﴿:ما َكا َن ح ِديثًا ي أفت رى ولَ ِكن تَص ِد َ ِ
يق الَّذي بَ أي َن يَ َديأو ﴾ وقال ﴿ :فَا أعتَبِ ُروا يَا أُولي أاألَبأ َ
صا ِر ﴾(.)2 أ َ ُ ََ َ َ
والتاريخ الذي دعا القرآن للنظر فيو ليس كما يتصور البعض تاريخ البشر فقط ،بل ىو التاريخ دبعناه الشامل
العام ،والنظر الذي دعا إليو القرآن ليس ىو التأمل السطحي ،بل ىو النظر العلمي الذي تنتج عنو النظريات والقوانُت
الصاحلة للتعميم والتطبيق.
ففي تاريخ األمم علم ،كما يف ت اريخ ادلستحثات والصخور وادلعادن والنبات علم ،كما يف تاريخ اإلنسان واحليوان
علم ..إن العلم بسنن ا﵁ كامن وراء تاريخ اخللق كلو ،حىت قال تعاذل يف القرآن الكرمي ﴿:قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ
ض فَانظُُروا
أق﴾(.)3 ف بَ َدأَ الأ َخل ََك أي َ
دوره يف ىذا األمر ،فقد ال يقتنع بعض الناس دبا يقرره القرآن الكرمي وللقصور البشري عن اإلدراك وزلدودية العقل َ
من حقائق وسنن ،وقد ال يفهم العقل البشري بعض ما يقصده ،فالقرآن ىنا يرفض أن يقف الناس منو موقفا سلبيا ،بل
يدفعهم دفعا إذل البحث واالكتشاف والنظر يف غور التاريخ الختبار صحة فهمهم دلا قرره ،وعلى رأس ىذه احلقائق
تقرير القرآن الكرمي أن ال سبيل إذل سعادة البشر السعادة الدينية والدنيوية احلقيقية إال باتباع منهج القرآن الكرمي واحًتام
سنن ا﵁ وفطرتو ،وىذه احلقيقية القرآنية الكربى ليست ادعاء يفرض القرآن على الناس اإلديا َن هبا بالغيب ،بل ىي
حقيقية كونية بقدر ما ىي حقيقة شرعية وىو ما رباول بيانو نظرية السنن اإلذلية يف احلضارة.
وكأن القرآن قد قال :عربد أيها اإلنسان واخًت ما هتوى من الطرق وسوف تصل بك التجارب بعد البحث ادلعمق
﴿وأ َّ
َن َى َذا ادلستمر إذل ما قرره القرآن من احلقائق الكربى عن ا﵁ واإلنسان والكون واحلياة ،فال مفر من ا﵁ إال إليوَ :
السبُ َل فَ تَ َف َّر َق بِ ُك أم َعن َسبِيلِ ِو﴾( ،)4إن القرآن يعظ ويأمر ،ولكن خلف وعظو
يما فَاتَّبِ ُعوهُ َوَال تَ تَّبِ ُعوا ُّ ِ
ص َراطي ُم أستَق ً
ِ ِ
وأمره تكمن احلقيقة العلمية والكونية الكربى.
والخالصة :أن ىناك وضعا معين ا دلصادر ادلعرفة السننية ،بُت الوحي والتجربة والعقل ىو الوضع الصحيح،
واإلخالل بو إخالل هبذه ادلعرفة وبفائدهتا العملية ،فالوحي يؤكد على خالقية السنن وثباهتا وحكمتها وعدالة ا﵁ فيها،
14
وبُت أصوذلا دبا ىي مناىج للسعادة أمر هبا أو للشقاء هنى عنها ،ويلفت القرآن النظر إذل التاريخ والتجربة البشرية ،دبا
ىي زلك ديكن لإلنسان أن حيصل منو معرفة علمية دلا يقرره الوحي ،فالتجربة البشرية تصدق الوحي من جهة ،وتكشف
عن كثَت من اجلزئيات من جهة ثانية ،أما العقل البشري فإنو ـ دبا ىو مبادئ قبلية ضرورية ـ يفهم الوحي من جهة ،ويقرأ
التجربة من جهة ثانية.
فبدون العقل ال معٌت للوحي وال للتجربة ،وبدون الوحي يتخبط العقل يف بعد وجودي (ميتافيزيقي) ليس ىو أىال
للحكم فيو بشيء ،كما سنرى يف رلال البحث يف األسس اليت تقوم عليها السنن ،إذ ال ديلك وسائلو ،فيحكم بالتخرص
والظن يف مقام العلم واليقُت أو يعرض عن البحث اعًتافا بعجزه ،فيتحول إذل عقل إجرائي صرف يفتقد إذل األساسُت
ادلبدئي والغائي.
والتجربة البشرية ال معٌت ذلا ما دل تسفر عن نتائج وقواعد وسنن تفهم على ضوء ادلعرفة العقلية ،والسنن كذلك ال
فائدة ترجى منها ما دل تكن مطردة ثابتة يف ادلستقبل كما يف ادلاضي.
الخالصة:
15