د يونس ملال

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 15

‫المدخل إلى علم السنن اإللهية في التغيير الحضاري في ضوء القرآن والعقل والتاريخ‬

‫د‪ .‬يونس مالل‬


‫جامعة أدرار‬

‫‪ -‬معنى السنن وسنة اهلل في اللغة العربية ‪ :‬يقال سنن ومفردىا سنة (بضم السُت وفتح النون مشددة) وقد جاء‬
‫السنة وادلسنون‪ ،‬دبعٌت الوجو ادلصقول‪ ،‬وكذا أداة‬
‫كالسن دبعٌت الضرس أو العمر‪ ،‬و ِّ‬
‫يف لسان العرب معاين كثَتة للسنن‪ِّ ،‬‬
‫الصقل وغَتىا‪..‬وشلا يعنينا يف ىذا ادلقام ما ذكره ابن منظور من أن السنة ىي‪ :‬السَتة‪ ،‬حسنة كانت أم قبيحة‪ ،‬وكل من‬
‫أمرا عمل بو قوم بعده‪ ،‬قيل ىو الذي سنّو‪.‬‬
‫ابتدأ ً‬
‫وسنّو ا﵁‪ :‬أحكامو وأمره وهنيو‪ ،‬وسنها ا﵁ للناس‪ :‬بينها ‪ ،‬وسن ا﵁ سنة أي ّبُت طريقا قوديًا (‪.)1‬‬
‫وسن‬
‫سن ادلاء إذا داوم على صبو‪ّ ،‬‬ ‫وللفظ يف لغة العرب معاين أخرى منها الدوام والثبات على األمر‪ ،‬كقوذلم ّ‬
‫اإلبل إذا داوم على رعيها واإلحسان إليها (‪.)2‬‬
‫‪ -‬معنى السنن وسنة اهلل في اصطالح العلماء‪ :‬نظر أسالفنا من أىل العلم إذل السنة على أهنا ىدي النيب صلى‬
‫ا﵁ عليو وسلم يف بيانو دلعاين القرآن الكرمي ومسوا ذلك سنة قولية‪ ،‬أو شلارستو للحياة العملية وفق معاين القرآن الكرمي‬
‫ومسوا ذلك سنة عملية‪ ،‬أو إقراراه الناس على أمر ما ومسوىا سنة تقريرية‪ ،‬فكان ادلعٌت يتجو إذل أن السنة ىي ادلنهج القومي‬
‫والطريقة ادلثلى يف مباشرة احلياة الفردية واجلماعية وفقا لشرع ا﵁ تبارك وتعاذل أو ىدي ا﵁ كما بينو الرسول الكرمي‪ ،‬تلك‬
‫الطريقة اليت تستحق الثناء يف الدنيا واجلزاء األوىف ثوابا يوم القيامة‪.‬‬
‫ومع بداية تدوين العلوم انفرد أىل كل فن واختصاص يف اإلسالم بتعريف‪ ،‬فباتت السنة عند ا﵀دثُت مرادفة دلا‬
‫أضيف إذل النيب صلى ا﵁ عليو وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلُقية‪ .‬وىي عند الفقهاء النّدب أي‬
‫وعرف األصوليّون السنة بأهنا‬
‫يذم تاركو‪ّ .‬‬‫يستحق فاعلو اجلزاء وال ّ‬
‫ّ‬ ‫ما طلب الشارع من ادلكلّف فعلو طلبا غَت جازم‬
‫ادلصدر الثاين للتشريع شلثِّلة يف األحاديث ادلنطوية على أحاكم شرعية‪.‬‬
‫كما اشتهر القول كذلك بأن السنة معناىا ما يقابل البدعة‪ ،‬وإذا كانت السنة ىي ىدي النيب وبيانو ذلدي ا﵁‬
‫وشرعتو‪ ،‬فإن البدعة ىي االختالق‪ ،‬وىي الطريقة ادلخًتعة يف الدين يراد هبا مضاىاة الشريعة (‪.)3‬‬
‫والسنة يف ىذه ادلداخلة ويف الفكر اإلسالمي احلديث وفيما اصطلح عليو بالفقو احلضاري عموما أمشل من أن‬
‫تكون حكم ا﵁ التشريعي الذي بينو رسولو يف احلديث‪ ،‬إن معناىا ىو‪ :‬مطلق أحكام ا﵁ وأوامره ونواىيو وعادتو يف‬
‫معاملة خلقو‪ ،‬ورلمل بيانو للطريق ادلستقيم وحال من سار عليو من السعادة أو من خالفو من الشقاء‪ ،‬يستوي يف ذلك‬
‫أحكام ا﵁ وعادتو اليت أجراىا على الكون ادلادي وتلك اليت أجراىا على البشر أفرادا وصباعات وأشلا‪ .‬فهي موافقة لسعة‬

‫(‪ )1‬صبال الدين بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج ‪ ،13‬مادة سنن ص ‪:229-220‬‬
‫(‪ )2‬زلمد ىيشور سنن القرآن يف قيام احلضارات وسقوطها ص ‪.23‬‬
‫(‪ )3‬أبو إسحاق الشاطيب‪ ،‬االعتصام‪ ،‬دار الشريعة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.28‬‬

‫‪1‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫معٌت اللفظ يف القرآن الكرمي‪ ،‬من مثل قولو تعاذل‪ ":‬سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبُت ذلم أنو احلق"‬
‫ومثلو قولو عز وجل‪ " :‬سنة ا﵁ يف الذين خلوا من قبل ولن ذبد لسنة ا﵁ تبديال" (‪ )2‬وقولو جل وعال‪ " :‬وأن ىذا صراطي‬
‫مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلو "(‪ )3‬وقولو تعاذل‪ " :‬فمن اتبع ىداي فال يضل وال يشقى ومن‬
‫أعرض عن ذكري فإن لو معيشة ضنكا وضلشره يوم القيامة أعمى"(‪.)4‬‬
‫بارزا للبحث عند ادلتقدمُت‪ ،‬فال نكاد نقف‬ ‫موضوعا ً‬
‫ً‬ ‫والنظر إذل الكون واحلياة بادلعٌت السنٍت الشامل دل يكن‬
‫عندىم على تعريف اصطالحي شامل دلعٌت السنة اإلذلية كما ذكرت يف القرآن الكرمي‪ ،‬على كثرة ما ذكرت‪ ،‬ذلك أن علم‬
‫السنن والنواميس ادلادية الطبيعية أو التارخيية اإلنسانية(السنن احلضارية) قد تأخر تناولو يف تاريخ اإلسالم ويف تاريخ البشر‬
‫عموما ‪ ،‬ولعلو إذل اليوم ما يزال موضوعا بكرا‪ .‬غَت أننا صلد بعض اإلشارات عند علمائنا القدامى‪ ،‬وشلا ذكروه يف معٌت‬
‫السنة قول اإلمام الرازي يف تفسَته‪ " :‬السنة‪ :‬الطريقة المستقيمة والمثال المتبع" (‪ )5‬وما ذكره اإلمام ابن تيمية بقولو‪:‬‬
‫"السنة ىي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني ما فعلو في األول ولهذا أمر اهلل تعالى باالعتبار"(‪.)6‬‬
‫‪ -‬لفظ السنن اإللهية ومعناىا في القرآن الكريم ‪ :‬ورد ذكر السنن اإلذلية أو سنة ا﵁ يف القرآن الكرمي بلفظها‬
‫سبعة عشر مرة تشعبت تصريفاهتا بُت اإلفراد واجلمع‪ ،‬وتنوعت إضافاهتا بُت اإلسناد إذل ذات ادلتكلم سبحانو وتعاذل أو‬
‫إذل األمم اخلالية من األولُت (‪ ، )7‬وإسناد لفظ السنة إذل الباري سبحانو ىو إسناد أصالة‪ ،‬إذ إنو سبحانو خالقها ومبدعها‬
‫ومبدعها على اذليأة ادلخصوصة اليت قامت عليها‪ ،‬أما إسنادىا إذل األمم اخلالية فهو إسناد انفعال هبا‪ ،‬وإجراء من ا﵁‬
‫تعاذل ذلذه السنن على تلك األمم بثبات واطراد على وفق عادتو سبحانو يف معاملة خلقو‪.‬‬
‫واجلدير بادلالحظة أن القرآن الكرمي دل يعرب عن السنن اإلذلية بلفظها إال يف موضوع واحد‪ ،‬ىو التاريخ البشري‬
‫فيما يرتبط دبسائل النفس واالجتماع‪ ،‬أو قل يف موضوع احلضارة اإلنسانية‪ ،‬أي فيما يرتبط بسلوك اإلنسان فردا وأمة‪.‬‬
‫وإذا كان حاضرا يف أذىاننا تأكيد القرآن الكرمي يف كل موضع يذكر فيو السنة اإلذلية على مشوليتها وثباهتا‬
‫واطرادىا‪ ،‬تبينت لنا احلكمة من التخصيص القرآين للفظ السنة اإلذلية دبسائل االجتماع البشري‪ ،‬إذ اإلنسان ىو الكائن‬
‫الوحيد على وجو ادلعمورة ا لذي يعترب نفسو حرا يتصرف على األرض كيف يشاء‪ ،‬ويتخذ لنفسو طريقا من بُت ألف‬
‫طريق وطريق‪ ،‬فال رقيب لسلوكو وال راد الختياره‪ ،‬واإلنسان ىو الكائن الوحيد الذي يشعر من نفسو فعال هبذه احلرية من‬
‫بُت صبيع أجزاء الكون احلي منو واجلامد‪ .‬وإذا كان أمر اإلنسان كذلك‪ ،‬فكيف يكون لسلوكو قانون صارم؟‬

‫(‪ )1‬فصلت‪.52 :‬‬


‫(‪ )2‬األحزاب‪.62 ،‬‬
‫(‪ )3‬األنعام‪.154 ،‬‬
‫(‪ )4‬طو‪.122-121 ،‬‬
‫(‪ )5‬فخر الدين الرازي‪ ،‬التفسَت الكبَت‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )6‬عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬رلموع التفاوى ‪،‬ج‪ 13‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )7‬زلمد ىيشور‪ ،‬سنن القرآن يف قيام احلضارات وسقوطها‪ ،‬ص ‪.24-23‬‬

‫‪2‬‬
‫إن القرآن الكرمي يقول لإلنسان كالً ‪ ..‬فإن ا﵁ عز وجل قد جعل لسلوكك وأفعالك سبال زلددة وزلدودة من‬
‫حيث تشعر أوال تشعر‪ ،‬زبتزل ىذه السبل يف هناية ادلطاف يف سبيلُت أساسيُت ال ثالث ذلما ويف ىذا يقول القرآن‪" :‬‬
‫شاكرا وإما كفورا" (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫إما‬ ‫السبيل‬ ‫ىديناه‬ ‫إنا‬ ‫"‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫( ‪)1‬‬
‫وىديناه النجدين"‬
‫فكل طريق يأيت والبد بثماره‪ ،‬إن خَتا فخَت وإن شرا فشر ولن جيٍت اإلنسان من الشوك العنب‪.‬‬
‫وسلوك اإلنسان يف الزمن‪ ،‬وىو ما نسميو بالتاريخ‪ ،‬ال يعدو أن يكون مباشرة أفعال وتلقي نتائج‪ ،‬والسؤال الذي‬
‫يرد ىنا ابتداء‪ :‬ىل دي لك اإلنسان نتائج أفعالو كما ديلك مقدماهتا؟ والسؤال الذي يرد ثانيا‪ :‬من رتب النتائج ادلعينة‬
‫ا﵀ددة ادلخصوصة على مقدماهتا ادلعينة ادلخصوصة؟ أما السؤال الذي يرد ثالثا‪ :‬ىل ديلك اإلنسان تغيَت ارتباط األسباب‬
‫دبسبباهتا أو النتائج دبقدماهتا؟ ‪ ..‬وبعبارة أخرى‪ :‬ىل ح رية اإلنسان اليت يقيم عليها تنصلو من السنن اإلذلية يف ىذا‬
‫الكون حرية حقيقية ومطلقة؟‬
‫إن اإلجابة عن ىذه األسئلة تكشف بال ريب عن جانب مهم شلا أراد القرآن الكرمي أن يرسخو يف عقول البشر‬
‫من معٌت السنة اإلذلية ونفاذىا الالزم يف احلياة وثباهتا الذي ال ديلك أحد تغيَته بإطالق‪.‬‬
‫والذي أريد التنبيو عليو ىاىنا ىو أن إحدى معاين السنة اإلذلية كما وردت يف القرآن الكرمي ىي‪ :‬خلق ا﵁ تعاذل‬
‫للعادل‪ ،‬أي ما سواه‪ ،‬دبا يف ذلك اإلنسان على ىذه اذليئة ادلخصوصة اليت ىي إحدى اإلمكانات العقلية‪ ،‬وجعلو سبحانو‬
‫سلوك اإلنسان ـ فردا وأمة ـ مربوطا ومقيدا ضمن طبيعة اخللق وخصائصو‪ ،‬أو بعبارة أخرى فإن السنة اإللهية تعني من‬
‫ىذه الزاوية وضع مخصوص للكون واإلنسان وللعالقة بينهما‪ ،‬ولوظيفة كل منهما‪ ،‬وإخبار عن ىذا الوضع في‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ودلا كان فعل ا﵁ مقًتنا أبدا باحلكمة ألنو احلكيم‪ ،‬وبالعدل ألنو العدل‪ ،‬جاءت السنن اإلذلية أو ىذا الوضع‬
‫اإلذلي ادلخصوص (أي السنن) حكيما وعادالً‪ ،‬سواء أدرك العقل البشري ذلك أم استعصى عليو اإلدراك‪.‬‬
‫والقرآن الكرمي من خالل ما يعرض من القصص خاصة‪ ،‬يبُت للناس هبدايتو ويدعوىم بإرشاده‪ ،‬إذل العوامل اليت‬
‫من شأهنا أن تقود إذل معرفة سبل التغيَت ضلو األحسن واختيار الطرق اليت هتدي إذل السعادة يف الدارين‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك عرض القرآن الكرمي ألحوال أرباب احلضارات السالفة‪ ،‬من الصاحلُت والطاحلُت‪ ،‬وعرضو لعاقبة‬
‫أمرىم‪ ،‬وتأكيده أن ذلك مطرد يف اآلخرين كما ىو يف األولُت‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا إعالم القرآن الكرمي اإلنسان باحلقائق الغيبية اليت ال سبيل إذل معرفتها بصفة قطعية أو مفصلة‬
‫خارج رلال السمع‪ ،‬كطبيعة خلق الكون واإلنسان اليت قال فيها تعاذل‪ " :‬ما أشهدتهم خلق السماوات واألرض وال‬
‫خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا" (‪. )3‬وكخلق الكون مسخرا لإلنسان‪ ،‬ال ىو لو عدو وال ىولو إلو‪،‬‬
‫وكخلق اإلنسان من طبيعة مزدوجة فيها الروح والطُت‪ ،‬وكخلق اإلنسان حامالً لألمانة بعد أن كان ظلوما جهوالً‪ ،‬مبتال‬

‫(‪ )1‬البلد‪.10 ،‬‬


‫(‪ )2‬اإلنسان‪.3 ،‬‬
‫(‪ )3‬الكهف‪.50 ،‬‬

‫‪3‬‬
‫يف األرض على النجاح أو الفشل يف مهمة العبادة والعمارة واخلالفة‪ ،‬تلك ادلهمة اليت أنيط هبا رضى ا﵁ على ىذا‬
‫اإلنسان أو سخطو‪ ،‬وأنيط هبا خلود الكائن البشري يف النعيم أو اضلداره إذل اجلحيم ومن ذلك أيضا‪ ،‬إخباره تعاذل بعدم‬
‫جدوى مغالبة احلق الذي جاءت بو الرسل‪ ،‬والذي ينتصر دائما وتكون لو العاقبة أبدا‪ ،‬ذلك ألن الكون مبٍت يف أساس‬
‫تكوينو وعمق فطرتو وأصل خلقتو ـ أي يف ماىيتو ـ على ما جيعل احلق ديكث يف األرض والباطل يذىب جفاء كزبد‬
‫البحر‪ ،‬قال تعاذل‪ " :‬كتب اهلل ألغلبن أنا ورسلي إن اهلل لقوي عزيز" (‪ ،)1‬وىذه الغلبة ذلا زلتوى سبيب ومعٌت سنٍت‬
‫وكوين مرتبط بأصل العالقات العامة‪ ،‬وطبيعة األشياء ادلخلوقة ﵁ تبارك وتعاذل يف ىذا الكون‪.‬‬
‫وال مطمع يف أن تتغَت ىذه القاعدة‪ ،‬فقد قال تعاذل سلربا عن ذلك‪ " :‬ولن تجد لسنتنا تحويال" (‪ )2‬وقال‪ " :‬فلن‬
‫تجد لسنة اهلل تبديال" (‪ ،)3‬أي أنو ال يبدذلا سبحانو وال يقدر أحد غَته على تبديلها‪.‬‬
‫فلم يبق لإلنسان سوى أن يتخندق يف معسكر جند ا﵁ الغالبُت‪ ،‬فينعم بسعادة حيسده عليها ادللوك والقياصرة‬
‫دأبو السعي الدائم احلثيث للرفع من شأن الفضائل وادلنافع‪ ،‬ليبٍت بذلك حضارتو وحيفظ على نفسو كرامتو‪ ،‬أو دييل مع‬
‫الشيطان و " إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (‪ )4‬وحزبو كان مهزوما‪ ،‬فيستعد دلالقاة مصَته ادلشؤوم الذي قوامو ظلمة‬
‫النفس وضنك العيش يف الدنيا واحلشر يوم القيامة أعمى‪.‬‬
‫وإذا كان السؤال عن كيفية العلم هبذه السنة وىذا الوضع وادلنهج‪ ،‬فإن تنظيم اإلسالم للعالقات العامة بُت اخلالق‬
‫وسللوقاتو‪ ،‬وبُت ادلخلوقات الكونية (السما وات واألرض) وادلخلوقات البشرية (اإلنسان اخلليفة)‪ ،‬وتوضيحو للعالقات بُت‬
‫اإلنسان وأخيو‪ ،‬وتبيُت اإلسالم للحقوق والواجبات العامة‪ ،‬وجعلو أكثر ذلك عقائد الزمة وأخالق نافذة وتكاليف‬
‫عملية واجبة االتباع وفق ( نظام اخلالفة)‪ ،‬ذلو الكفيل برأب الصدع يف أجزاء الكون وصبع حلمتو يف تكامل بُت صبيع‬
‫ادلخلوقات بطريقة مثمرة وفاضلة‪.‬‬
‫فتكون هبذا ادلعٌت التكاليف الشرعية واألوامر والزواجر اإلذلية سننا إذلية كونية كذلك دبعٌت ما‪ ،‬أي أنو حىت وإن‬
‫كان اإلنسان سلَتا ابتداء يف اتباعها أو اإلعراض عنها شلا يوىم بعدم موضوعيتها كونيتها‪ ،‬فإنو غَت سلَت ملال فيما يًتتب‬
‫على ذلك يف الدنيا قبل اآلخرة ويكون سلالفا ـ دبخالفتها ـ لطبيعتو وفطرتو ومن مث دلصلحتو ومنفعتو وسعادتو يف العاجل‬
‫واآلجل‪.‬‬
‫وىذا جانب آخر لمعنى سنة اهلل كما ورد ذكرىا وبيانها في جملة عريضة من آيات القرآن الكريم من ذلك‬
‫قولو عز وجل‪" :‬فمن ا تبع ىداي فال يضل وال يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن لو معيشة ضنكا ونحشره يوم‬
‫( ‪)5‬‬
‫القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"‬

‫(‪ )1‬اجملادلة‪.20 ،‬‬


‫(‪ )2‬فاطر ‪44 ،‬‬
‫(‪ )3‬فاطر‪.43 ،‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪.75 ،‬‬
‫(‪ )5‬طو‪.124 -121 ،‬‬

‫‪4‬‬
‫فالشقاء يكون يف الدنيا واآلخرة معا‪ ،‬ومن ذلك قولو تعاذل‪ " :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون" (‪ )1‬دلت ىذه‬
‫اآلية على أن الغاية من اخللق عبادة ا﵁‪ ،‬فتكون طبيعة الكون وطبيعة اإلنسان قد خلقت على وفق تأدية ىذه الغاية‪،‬‬
‫ومن مث كان السعي خلالف ىذه الغاية سلالفا لطبيعة اخللق وعائدا على أصحابو بوبال أمرىم ‪ ..‬ومثل ىذا يف القرآن كثَت‬
‫سواء كانت داللتو صرحية أو ضمنية‪.‬‬
‫‪ -2‬ألفاظ القرآن الكريم في الداللة على سنة اهلل ‪ :‬إذا كان القرآن الكرمي قد اقتصر يف التعبَت بلفظ السنة اليت‬
‫ال تتبدل وال تتحول على أحوال األمم وسلوك البشر‪ ،‬فإن ذلك ال يعٍت بأن سنة ا﵁ مقتصره على سلوك اإلنسان‪.‬‬
‫وباعتبار أن ا﵁ تعاذل ىو خالق ك ل شيء فقد فطر صبيع الكون على نظام معُت ال حييد عنو وال يتخطاه‪ ،‬وعرب‬
‫عن ذلك يف مواطن كثَتة منها قولو تعاذل‪ " :‬وآية لهم الليل نسلخ منو النهار فإذا ىم مظلمون والشمس تجري‬
‫لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ال الشمس ينبغي لها أن‬
‫تدرك القمر وال الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" (‪ .)2‬فعرب القرآن ىاىنا عن الناموس الكوين الذي جيري‬
‫عليو ا﵁ الليل والنهار والشمس والقمر "باآلية" و "بالتقدير"‪.‬‬
‫فأما داللة اآلية فهي أن ا﵁ تعاذل جعل من نظام الكون واطراد ىذا النظام عالمة على وجوده وقدرتو وعلمو‪،‬‬
‫وعلى حكمتو وعدلو‪ ،‬وقد جعل علماء العقيدة ىذا النظام علما ودليال على وجود الباري ومسوه دليل العناية والنظام‪،‬‬
‫وقد عرب القرآن عن السنة باآلية يف مواطن كثَتة من مثل قولو تعاذل‪ " :‬سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى‬
‫يتبين لهم أنو الحق" (‪.)3‬‬
‫وأما داللة التقدير فهي أن ا﵁ تعاذل ما خلق ىذا الكون إال لغاية سلصوصة ورسالة بينة‪ ،‬فالكون موزون مقدر‬
‫زلسوب دبا للحساب من دقة ذبعل منو مصيبا للهدف ادلطلوب والغاية ا﵀ددة‪ ،‬كما قال تعاذل‪ " :‬والسماء رفعها ووضع‬
‫الميزان أن ال تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان" (‪ )4‬وقال عز وجل ‪ " :‬وكان أمر اهلل‬
‫قدرا مقدورا"(‪.)5‬‬
‫وىذا خالفا دلن يظن ادلصادفة والعبثية يف خلق ا﵁‪ ،‬ويف نفي ىذا الظن قال تعاذل‪" :‬أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا‬
‫( ‪)6‬‬
‫فال رلال يف خلق ا﵁ للمصادفة واالتفاق وال رلال للعب‬ ‫وأنكم إلينا ال ترجعون فتعالى اهلل الملك الحق "‬

‫(‪ )1‬الذاريات‪.56 ،‬‬


‫(‪ )2‬يس‪.39-36 ،‬‬
‫(‪ )3‬فصلت‪.52 ،‬‬
‫(‪ )4‬الرضبن‪.7-5 ،‬‬
‫(‪ )5‬األحزاب‪.38 ،‬‬
‫(‪ )6‬ادلؤمنون‪.116-115 ،‬‬

‫‪5‬‬
‫والعبث‪ ،‬بل إن يف كل زاوية من زوايا الكون تقدير ﵁ وسنة ﵁ وأمر ﵁‪ ،‬كما قال تعاذل‪ " :‬وما يعزب عن ربك من‬
‫مثقال ذرة في األرض وال في السماء وال أصغر من ذلك وال أكبر إال في كتاب مبين"(‪.)1‬‬
‫ومثل تعبَت القرآن عن السنة اإلذلية بتقدير ا﵁ وآيات ا﵁‪ ،‬تعبَته عنها " بفطرة ا﵁" و"خبلق ا﵁ " و" بكلمات‬
‫ا﵁"‪.‬‬
‫وداللة تسمية السنة اإلذلية خبلق ا﵁‪ ،‬ىي التعبَت عن الوضع الذي جاء عليو اخللق وذلك يف مثل قولو تعاذل‪" :‬ال‬
‫تبديل لخلق اهلل"(‪ ، )2‬وىو ذات معٌت "فطرة ا﵁" الذي جاء التعبَت بو فيما يتعلق بالكون األصم يف مثل قولو‬
‫سبحانو‪":‬فاطر السموات واألرض"(‪.)3‬‬
‫وفيما يتعلق باإلنسان قال تعاذل‪" :‬فطرة اهلل التي فطر الناس عليها ال تبديل لخلق اهلل ذلك الدين القيم ولكن‬
‫أكثر الناس ال يعلمون" (‪.)4‬‬
‫وفطرة الكون األصم يف القرآن كذلك جاءت بلفظ اإلسالم كما يف قولو تعاذل‪ " :‬أفغير اهلل يبغون ولو أسلم من‬
‫األرض طوعا وكرىا وإليو يرجعون"(‪ ، )5‬فدل ىذا على أن لفظ اإلسالم يشمل إسالم الكائنات صبيعا لرب العادلُت‪،‬‬
‫خبضوعها وانقيادىا ألمره سبحانو دبا فطرىا عليو‪.‬‬
‫وإذ كان من خصوصية بالنسبة لإلنسان من إمكان اإلقبال على ا﵁ أو اإلعراض عنو فهي خصوصية جزئية ال‬
‫كلية‪ ،‬ابتدائية ال مللية‪ ،‬مقيدة ال مطلقة دبا يتفق وقاعدة االبتالء‪.‬‬
‫‪ -‬موضوع السنن اإللهية في القرآن الكريم ‪ :‬من خالل ما مت عرضو بدا واضحا أن سنن ا﵁ وقوانينو مبثوثة يف‬
‫كل أرجاء الكون‪ ،‬حاكمة جلميع أجزائو‪ ،‬فال خيرج عن قدر ا﵁ وتقديره‪ ،‬أو عن حكم ا﵁ وأمره شيء من ىذا العادل‪،‬‬
‫والعادل ىو ما سوى ا﵁ تعاذل‪ ،‬اخلالق الذي دل خيلق واحلاكم الذي ال حيكم واآلمر الناىي الذي ال يؤمر سبحانو وال‬
‫ينهى‪ ،‬وادلريد الذي ال حيد إرادتو شيء‪ ،‬والقادر الذي ال يقف يف طريق قدره شيء‪.‬‬
‫فسنن ا﵁ ربكم أنظمة الكون دقيقو وعظيمو‪ ،‬كما ربكم أنظمة الناس الفطرية والكسبية‪ ،‬فرادى وصباعات‪،‬‬
‫وربكم سنن ا﵁ كذلك العالقة بُت أنظمة الكون وأنظمة الناس ‪ ،‬ومعٌت كوهنا ربكم كل ىذا أن السنن تتحكم يف الثمار‬
‫والنتائج‪ ،‬ومن مث يف سعادة اإلنسان أو شقائو يف ربضره أو زبلفو‪ ،‬يف إىالكو أو بقائو‪ ،‬وال تتحكم يف ادلقدمات ألهنا بيد‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪-‬العالقة بين السنن اإللهية والحضارة اإلنسانية‪:‬‬

‫(‪ )1‬يونس‪.61 ،‬‬


‫(‪ )2‬الروم‪.29 ،‬‬
‫(‪ )3‬فاطر‪.1 ،‬‬
‫(‪ )4‬الروم‪.29 ،‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.83 ،‬‬

‫‪6‬‬
‫وإذا فهم ىذا ادلعٌت ديكن أن تفهم العالقة الوطيدة بُت احلضارة كما مت توضيح معناىا وذبلية عناصرىا ووظائفها‬
‫يف الفصل السابق وبُت السنن اإلذلية‪ ،‬حيث أن ىذه السنن ىي ادلدخل الذي يؤدي إذل التوافق بُت إرادة ا﵁ من خلق‬
‫اخللق‪ ،‬وإرادة الناس يف إسعاد أنفسهم بأنفسهم‪.‬‬
‫فاحلضارة دبا ىي غاية لإلنسان وعمارة لألرض وخالفو ﵁‪ ،‬ال ديكن ربقيقها على الوجو األكمل واألصح إال إذا‬
‫مت العلم بسنن ا﵁ والسَت على وفقها إذ وضعت أصال ألجل ذات الغاية‪.‬‬
‫فجعل ا﵁ طبيعة اإلنسان العاقلة ادلريدة وا﵀تاجة إذل نور الوحي وعون ا﵁‪ ،‬وجعل طبيعة الكون ادلنفعل ادلسخر‬
‫ادلستجيب الطيع أمام اإلنسان‪ ،‬متوافقان مع نصرة احلق واإلصالح يف األرض بعمارهتا‪ ،‬وإرضاء ا﵁ كمقصد كلي حيوي‪.‬‬
‫أما اإلعراض عن ا﵁ فهو متفق مع تشويو فطرة الكون وفطرة الناس ‪ ،‬وىو آيل يف نفسو وبنفسو إذل البوار ـ وفقا‬
‫لنظام اخللق وطبيعة األشياءـ فهو حيمل بذور فنائو يف ذاتو‪ ،‬إذ خلق ا﵁ احلق ليدوم والباطل ليزول‪.‬‬
‫‪-‬خصوصية السنن اإللهية في الحضارة والتاريخ‪:‬‬
‫إن السنن اإلذلية يف احلضارة ىي‪ " :‬تلك الضوابط والقوانين التي تتحكم في عملية التحضر" (‪ ،)1‬أي عملية‬
‫االنتقال من البداوة إذل احلضارة‪ ،‬ومن الغياب على الساحة االجتماعية إذل احلضور فيها‪ ،‬ومن التبعية للغَت إذل التحكم‬
‫يف النفس والتأثَت يف الغَت‪ ،‬ومن اذلوان إذل التمكُت يف األرض؛ أو أن السنن اإلذلية يف التاريخ ىي تلك القواعد والضوابط‬
‫اليت‪ " :‬تتحكم في عملية التاريخ" (‪ ، )2‬بوصفها عملية زلورىا اإلنسان بسلوكو ادلنضبط بقواعد التغيَت االجتماعي‬
‫وشروط االنتقال من ىامش التاريخ إذل عمقو‪.‬‬
‫لقد مت بيان معٌت احلضارة وربديد عناصرىا األساسية يف القسم السابق فكانت‪:‬‬
‫مصدرا للحضارة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬الفكرة وادلبدأ ‪:‬‬
‫‪ -2‬ربقيق السعادة باالرتقاء باإلنسان ماديًا وخلقيًا‪ :‬غاية للحضارة‪.‬‬
‫زلورا للحضارة‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنسان باعتباره العنصر الفاعل يف عملية البناء واالستخالف‪ً :‬‬
‫‪ -4‬الكون ادلسخر بساحتيو الطبيعية والتارخيية‪ :‬ميدانًا للفعل احلضاري‪.‬‬
‫‪ -5‬الزمن باعتباره رلاالً ينتظم عملية التحضر‪ :‬وعاء للفعل احلضاري‪.‬‬
‫فتكون السنن اإلذلية يف احلضارة والتاريخ إذن ىي‪ :‬العوامل والقواعد والشروط اليت موضوعها أحد ىذه العناصر‬
‫من حيث ارتباطو بالعناصر األخرى‪ ،‬ومكانتو بينها ودوره فيها وكيفية تفعيلو‪ ،‬أو تلك القواعد اليت موضوعها دراسة‬
‫العالقة بُت ىذه العناصر صبيعا‪.‬‬
‫فالسنن اإلذلية يف احلضارة ال هتتم بدراسة القوانُت التفصيلية للعلوم ادلادية والطبيعية كالفيزياء والبيولوجيا والطب‬
‫مثال‪ ،‬لكنها هتتم هبذه العلوم من حيث ىي وسائل لسعادة اإلنسان أو تعاستو‪.‬‬

‫(‪ )1‬زلمد ىيشور‪ ،‬سنن القرآن‪ ،‬ص‪36‬‬


‫(‪ )2‬زلمد باقر الصدر‪ ،‬السنن التارخيية يف القرآن ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪7‬‬
‫إن السنن احلضارية ىي اليت تعطي للمعرفة العلمية معناىا يف حياة ا لبشر‪ ،‬وتوضح جدواىا وتسطر معادلها‬
‫وحدودىا‪ ،‬وىي اليت تبُت أمهية احلياة اخللقية والفكرية والصناعية يف بناء احلضارة‪ ،‬وتبُت اآلثار السلبية لالضلراف عن‬
‫الصدق والفاعلية يف ىذه اجملاالت‪.‬‬
‫إن السنن اإلذلية يف احلضارة هتتم بربط السعادة احلقيقية بأسباهبا‪ ،‬والشقاء احلقيقي بأسبابو‪ ،‬لذلك صلد أنفسنا‬
‫أمام منط كامل من التفكَت على أساس سنٍت كما يعرضو اإلسالم‪ ،‬لو ما يعارضو من أمناط الفهم والتفكَت ادلادية الالأدرية‬
‫والوجودية العبثية والوثوقية الغيبية‪ ،‬وأزعم أن االذباه السنٍت يف اإلسالم كما ـ سبثلو وسطيتو حبق ـ ديثل نظرية متكاملة‪ ،‬يقرأ‬
‫على أساسها العلم ادلادي وتفهم على ضوئها احلياة البشرية من ادلبتدأ إذل ادلنتهى‪.‬‬
‫مصدرية القرآن الكريم للسنن اإللهية‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة القرآن الكريم وموضوع السنن اإللهية‪ :‬ليس غريبا أن يكون القرآن ادلصدر األول دلعرفة سنة ا﵁ يف‬
‫خلقو‪ ،‬فكتاب ا﵁ أو الوحي اإلذل ي عموما ـ دبا يف ذلك السنة النبوية ـ ىو البيان الرباين ادلخرب عن السنن وشروطها‬
‫وكيفياهتا وأنواعها ومتعلقاهتا ‪ ..‬اخل من حيث أن واضع ىذه النواميس ىو ا﵁ تعاذل‪ ،‬وما كان للكتاب الذي ما فرط ا﵁‬
‫فيو من شيء‪ ،‬أن يهمل بيان السنن اليت تضم كل كبَتة وصغَتة‪ ،‬وهتدي الناس لرب العادلُت‪ ،‬وتسوقهم إذل السعادة أو‬
‫تكلهم إذل الشقاء‪.‬‬
‫غَت أن البعض يعًتض على ذلك‪ ،‬حبجة أن القرآن كتاب ىداية وإرشاد وما ىو بكتاب علم حييط بقوانُت ادلادة‬
‫وقوانُت احلياة‪ ،‬ويعرض األستاذ باقر الصدر رأي ىؤالء بقولو‪ ":‬خييل إذل بعض األشخاص أننا ال ينبغي أن نرتقب من‬
‫القرآن الكرمي أن يتحدث عن سنن التاريخ‪ ،‬ألن البحث يف سنن التاريخ حبث علمي كالبحث يف سنن الطبيعة والفلك‬
‫والذرة والنبات‪ ،‬والقرآن الكرمي دل ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب ىداية‪ ..‬نزل ىذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات‬
‫إذل النور من ىنا ال نرتقب من القرآن أن يك شف لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو احليوان‪ ،‬صحيح أن يف‬
‫القرآن إشارات إذل كل ذلك لكنها باحلدود اليت تؤكد على البعد اإلذلي والعمق الرباين ذلذا الكتاب‪ ..‬والقرآن دل يطرح‬
‫نفسو بديال عن قدرة اإلنسان اخلالقة وعن مواىبو وقابلياتو يف مقام الكدح‪ ،‬يف ميادين احلياة دبا يف ذلك ميدان ادلعرفة‬
‫والتجربة‪ ..‬فإذا كان القرآن كتاب ىداية وليس كتاب اكتشاف‪ ،‬فليس من الطبيعي أن نرتقب منو استعراض مبادئ عامة‬
‫ألي واحد من ىذه العلوم‪ ،‬اليت يقوم الفهم البشري دبهمة التوغل يف اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها‪ ،‬فلماذا‬
‫ننتظر من القرآن أن يعطينا عموميات أو مواقف‪ ،‬وأن يبلور مفهوما علميا يف سنن التاريخ‪ ،‬بينما ليس للقرآن مثل ذلك‬
‫على الساحات األخرى؟"(‪.)1‬‬
‫ويركز باقر الصدر يف رده على ىؤالء على ادلوافقة ادلبدئية ذلذه ادلالحظة‪ ،‬فالقرآن كتاب ىداية فعال ال كتاب علم‬
‫واسكتشاف ـ بادلعٌت األكادديي للكلمة ـ والقرآن الكرمي دل يطرح نفسو بديال عن البحث العقلي كي جيمد يف اإلنسان‬

‫(‪ )1‬زلمد باقر الصدر‪ ،‬مقدمات يف التفسَت ادلوضوعي للقرآن ‪ ،‬دار التوجيو اإلسالمي‪ ،‬بَتوت‪ /‬الكويت ‪ ،‬ط‪1400 ،1‬ىـ‪1980 /‬م‪،‬‬
‫ص ‪.36-35‬‬

‫‪8‬‬
‫طاقات اإلبداع والنمو والبحث‪ ،‬لكن الفرق ـ كما يرى ـ جوىري بُت الساحة التارخيية وبقية ساحات الكون‪ ،‬فسنن‬
‫التاريخ واحلضارة مرتبطة أشد االرتباط بوظيفة القرآن ككتاب ىداية (‪.)1‬‬
‫وإذا كانت ىداية القرآن‪ ،‬والتغيَت الذي دعا إليو مرتبط أشد االرتباط بسنن التاريخ واحلضارة باعتبارىا مسالك‬
‫اخلروج من اذلوان إذل التمكُت ومن الظلمات إذل النور‪.‬‬
‫مصدرية القرآن الكريم للسنن اإللهية‪:‬‬
‫بالرجوع إذل القرآن نفسو نقطع كل تشكك يف مصدريتو للسنن وباالستقراء صلد أهنا ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬ادلصدرية القرآنية التوكيدية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة‪.‬‬
‫‪ -2‬ادلصدرية القرآنية التوضيحية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة‪.‬‬
‫‪ -3‬ادلصدرية القرآنية الغائية للسنن اإلذلية يف الكون واحلياة‪.‬‬
‫وديكن توضيح كل زاوية ببعض ما ورد يف القرآن من األمثلة والشواىد‪:‬‬
‫‪-3‬المصدرية التوكيدية ‪ :‬ويعٍت ذلك تأكيد القرآن على وجود السنن اإلذلية يف رلارل الكون األصم واحلياة‬
‫اإلنسانية والتارخيية على السواء‪ ،‬فما من فلك مادي إال ولو قانون‪ ،‬وما من حركة يف التاريخ إال وذلا كذلك أسباب‬
‫وغايات‪ ،‬منطلقات ومصبات‪.‬‬
‫لقد ذكر القرآن أن ا﵁ جعل لكل شيء سببا ( التأكيد على السببية العامة يف الكون) فقال تعاذل حاكيا عن ذي‬
‫ض َوآتَ أي نَاهُ ِمن ُك ِّل َش أي ٍء َسبَبًا﴾ (‪.)2‬‬ ‫القرنُت‪ ﴿ :‬إِنَّا َم َّكنَّا لَوُ فِي أاأل أَر ِ‬
‫وذكر ا﵁ أنو قدر أمور الكون كل و حبسبان وميزان فال رلال لالعتباط أو ادلصادفة أو العبث أو اخلرافة بالقفز على‬
‫ض َع ال ِأم َيزا َن * أََّال تَطأغَ أوا‬ ‫َّرهُ تَ أق ِد ًيرا ﴾ وقال‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫( ‪)3‬‬ ‫ٍ‬
‫اء َرفَ َع َها َوَو َ‬
‫الس َم َ‬ ‫تقدير ا﵁ فقال تعاذل‪َ ﴿ :‬و َخلَ َق ُك َّل َش أيء فَ َقد َ‬
‫َّر‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وقال سبحانو‪ ﴿ :‬الذي َخلَ َق فَ َس َّوى* َوالذي قَد َ‬
‫( ‪)4‬‬
‫يموا الأ َوأز َن بِال ِأق أس ِط َوال تُ أخ ِس ُروا ال ِأم َيزا َن﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫في الأم َيزان * َوأَق ُ‬
‫ال َربُّنَا الَّ ِذي أَ أعطَى ُك َّل َش أي ٍء َخ أل َقوُ ثُ َّم َى َدى﴾(‪.)6‬‬
‫فَ َه َدى﴾ (‪ ،)5‬وقال سبحانو‪ ﴿ :‬قَ َ‬
‫وتأكيد القرآن على أن أمور الكون تسَت وفقا لسننها اليت فطرىا ا﵁ عليها دون أن ربيد عن ذلك قيد أمنلة تأكيد‬
‫مفصل ومتكرر‪...‬اخل‬

‫(‪ )1‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫(‪ )2‬الكهف‪.83،‬‬
‫(‪ )3‬الفرقان‪.2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الرضبن‪7- 5 ،‬‬
‫(‪ )5‬األعلى ‪.3 – 2 ،‬‬
‫(‪ )6‬طو‪.49 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -2‬المصدرية التوضيحية ‪ :‬دل يكتف القرآن الكرمي بتأكيد وجودىا بل عرب عنها يف سياق احلديث عن مناذج‬
‫منها‪ ،‬ونسب اخلطاب اإلذلي السببية اجلعلية إ ذل كثَت من ادلظاىر الكونية واإلنسانية‪ ،‬واليت ال تؤيت شبارىا إال هبذا اجلعل‪،‬‬
‫ِ‬
‫اء‬ ‫ض َىام َد ًة فَِإ َذا أ َ‬
‫َنزلأنَا َعلَأي َها ال َأم َ‬ ‫مع انتفاء موانعو‪ ،‬فنسب ا﵁ حياة األرض ادلـ ـوات إذل ادلاء‪ ،‬فقال تعاذل‪َ ﴿ :‬وتَ َرى أاأل أَر َ‬
‫ض بَ أع َد َم أوتِ َها﴾(‪،)2‬‬ ‫السم ِاء ماء فَأ ِ‬ ‫يج﴾(‪ ،)1‬وقـال‪ ﴿ :‬واللَّو أ ِ‬ ‫ت ِمن ُك ِّل َزأو ٍج بَ ِه ٍ‬
‫َحيَا بِو أاأل أَر َ‬‫َنز َل م َن َّ َ َ ً أ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ت َوأَنبَتَ أ‬
‫ت َوَربَ أ‬
‫ا أىتَ َّز أ‬
‫ت َوعليها ما اكتسبت ﴾(‪ ،)3‬وجعل ا﵁ القرآن سببا‬ ‫وكسب الناس ىو من شبار أعماذلم‪ ،‬كما قال تعاذل‪ ﴿ :‬لَ َها َما َك َسبَ أ‬
‫الس َالِم﴾(‪.)4‬‬ ‫للهداية فقال‪﴿ :‬يَ أه ِدي بِ ِو اللَّوُ َم ِن اتَّ بَ َع ِر أ‬
‫ض َوانَوُ ُسبُ َل َّ‬
‫وال ينكر أحد من ادلنصفُت ما حواه القرآن الكرمي من قوانُت علمية يف سلتلف العلوم‪ ،‬حىت كان ذلك مدخال‬
‫أسلم من بابو كثَت من العلماء ادلاديُت‪ ،‬وقام على يد صبهرة من علماء ادلسلمُت ما مسى بالتفسَت العلمي واإلعجاز‬
‫العلمي للقرآن الكرمي‪ ،‬وسيقف اإلنسان على كثَت من احلقائق العلمية والسنن الكونية عند اطالعو على ىذه ادلؤلفات شلا‬
‫ال سبيل إذل بسطو ىنا‪ ،‬ويكفي أن أشَت إذل أن ىذا االذباه قد استهوى بعض الباحثُت لشدة ظهوره حىت صار مههم‬
‫ادلطابقة ادلستمرة بُت حقائق العلم ادلعاصر وحقائق الدين اخلالدة‪ ،‬وبالغوا يف ىذا االذباه حىت وقعوا يف بعض ادلثالب‬
‫وا﵀اذير(‪.)5‬‬
‫وعلى العكس من جانب العلوم ادلادية‪ ،‬فإن سنن التاريخ واحلضارة والنفس واالجتماع دل ربض بالدراسة ادلطلوبة‬
‫من قبل الباحثُت مع ما يعج بو الكتاب من حقائق حوذلا وعلى الرغم كذلك من ارتباط القرآن الكرمي ـ ككتاب ىداية‬
‫وإرشاد ـ دبسائل إصالح النفس واجملتمع وإقامة نظام اخلالفة والعمارة‪.‬‬
‫‪ -3‬المصدرية الغائية‪ :‬خبالف العلوم الطبيعية واإلنسانية يف ادلذاىب ادلادية والعقلية والالىوتية‪ ،‬فإن القرآن‬
‫يؤكد على غائية السنن اإلذلية‪ ،‬أي أن ىذا النظام الكوين بقوانينو ومساره العام وضع أصالة خلدمة غاية معينة‪ ،‬وأوكل‬
‫تفعيل السنن خلدمة ىذه الغاية إذل اإلنسان‪ ،‬وىذا ما مساه القرآن أمانة واستخالفا وتسخَتا كما يف قولو سبحانو‪ ﴿ :‬إِنَّا‬
‫وما‬‫نسا ُن إِنَّوُ َكا َن ظَلُ ً‬ ‫ال فَأَبَ أي َن أَن يَ أح ِملأنَ َها َوأَ أش َف أق َن ِم أن َها َو َح َملَ َها أِ‬
‫اإل َ‬
‫ض وال ِ‬
‫أجبَ ِ‬ ‫ضنَا أاألَمانَةَ َعلَى َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو أاأل أَر ِ َ‬ ‫َع َر أ َ‬
‫وال﴾(‪ ، )6‬لذلك أوجب القرآن على اإلنسان أن يتعامل مع الكون تعامل ادلؤسبن ادلستخلف ادلقيد بنظام اخلالفة‪ ،‬ال‬ ‫َج ُه ً‬
‫تعامل ادلالك ادلتسلط الذي يفسد يف األرض ويقطع األرحام ويسفك الدماء‪..‬‬

‫(‪ )1‬احلج‪.5 ،‬‬


‫(‪ )2‬النحل‪.65 ،‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.285 ،‬‬
‫(‪ )4‬ادلائدة‪.18 ،‬‬
‫(‪ )5‬من ذلك على سبيل ادلثال تفسَت طنطاوي جوىري‪ ،‬ومن ادلثالب أن بعض النظريات العلمية قد تتغَت ويتبُت خطؤىا فكيف يقال إهنا‬
‫إهنا من معاين القرآن الكرمي؟؟ والقرآن إمام متبوع وقد جعلو بعضهم تابعا دلعارف البشر النسبية‪ ،‬ومهما يكن من أمر ىذا االذباه ففيو ما‬
‫ال خيفي من داللة على احتواء القرآن على مناذج من السنن الكونية‪.‬‬
‫(‪ )6‬األحزاب‪.72 ،‬‬

‫‪10‬‬
‫وأجب عليو كذلك أن يسخر كل ما وىبو ا﵁ إياه من النعم ادلادية والعقلية واألخالقية لنصرة احلق وإعالء كلمة‬
‫ا﵁‪ ،‬فال رلال يف نصرة احلق للكساذل واألغبياء‪ ،‬وال رلال فيو للجاىلُت واخلاملُت‪ ،‬فإن العجز يف الدنيا خذالن للدين‪،‬‬
‫ويف احلديث " استعن باهلل وال تعجز"(‪ ،)1‬وروي يف األثر‪ " :‬ويل لكل أمة ال تأكل مما تنتج وال تلبس مما تحيك"‪،‬‬
‫أس َش ِدي ٌد‬ ‫أكتاب وال ِأميزا َن لِي ُقوم النَّاس بِال ِأقس ِط وأَنزلأنَا ال ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدي َد فيو بَأ ٌ‬‫َ‬ ‫أ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َنزلأنَا َم َع ُه ُم ال َ َ َ َ َ َ‬ ‫وا﵁ سبحانو وتعاذل قال‪َ ﴿ :‬وأ َ‬
‫نص ُرهُ َوُر ُسلَوُ بِالأغَأي ِ‬ ‫ومنافِع لِلن ِ ِ‬
‫ب ﴾(‪ ،)2‬فهل ينصر ا﵁ جاىال بصناعة احلديد واخلشب؟(‪.)3‬‬ ‫َّاس َوليَ أعلَ َم اللَّوُ َمن يَ ُ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫وإذا كانت قوانُت احلياة قد خلقت لنصرة احلق‪ ،‬وجعل اإلنسان مؤسبنا عليها‪ ،‬فيمكن كذلك أن يعرض اإلنسان‬
‫عن أمانتو وخيوهنا وىو بذلك مبتلى‪ ،‬وعليو رلازى‪ ،‬لكن اجلزاء سيكون بُت معجل ومؤجل كما ذكرت ذلك سابقا‪.‬‬
‫فإما أن يصقل اإلنسان فطرتو ويعيش سعيدا وإما أن ينحرف عن ىدى ا﵁ فيدمر نفسو‪ ،‬وىذا معٌت غائية السنن‬
‫ض َعن ِذ أك ِري فَِإ َّن لَوُ‬ ‫ض ُّل َوال يَ أش َقى * َوَم أن أَ أع َر َ‬ ‫فال ي ِ‬
‫اي َ َ‬‫اإلذلية وىو ادلعٌت ادلذكور يف قولو تعاذل‪ ﴿ :‬فَ َم ِن اتَّ بَ َع ُى َد َ‬
‫ش ُرهُ يَ أوَم ال ِأقيَ َام ِة أَ أع َمى﴾(‪.)4‬‬
‫نح ُ‬ ‫َم ِعي َشةً َ‬
‫ضن ًكا َو أ‬
‫بعد تأكيد القرآن على وجود السنن اإلذلية‪ ،‬وإعطائو مناذج منها وحقائق عنها يف سلتلف مناحي احلياة ـ دون أن‬
‫يكون ىدفو إحصاؤىا ـ صبيعا‪ ،‬وبعد أن أظهر غائيتها ومسؤولية اإلنسان ووظيفتو حياذلا‪ ،‬ترك بعد ذلك اجملال واسعا أمام‬
‫الناس دلزيد من البحث عرب استقراء التاريخ واختبار الواقع لتعميق العلم بالسنن ووتوسيع الكشف عنها‪.‬‬
‫فال يقولن قائل إن القرآن قد أحاط بذكر كافة السنن‪ ،‬فلم يشأ القرآن أن يسد باب البحث عن احلق أمام‬
‫الباحثُت من أورل النهي واأللباب‪ ،‬ولو فعل ذلك دلا كان ىناك معٌت لدعوتو ادلتكررة للسَت يف األرض والنظر فيها‪،‬‬
‫أق ﴾(‪ ،)5‬على الرغم‬ ‫ف بَ َدأَ الأ َخل َ‬‫ض فَانظُُروا َك أي َ‬‫والتأمل يف ملكوت السماوات‪ ،‬ولقد قال تعاذل‪ ﴿ :‬قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ‬
‫من أنو بسط لنا قصة اخللق‪ ،‬من خلق السماوات واألرض إذل خلق آدم ـ عليو السالم ـ والبشرية من بعده يف القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫وىذا ما يربر القول إن الواقع والتاريخ مها كذلك من أىم مصادر معرفة السنن اإلذلية يف الكون واحلياة‪.‬‬

‫‪-‬الواقع والتاريخ مصدرا للسنن‬


‫اإلنسان ىو الكائن احلي الوحيد الذي زوده ا﵁ بوسائل ادلعرفة فوىبو السمع والبصر والعقل الفاحص الذي ديكنو‬
‫من فهم ما يدور حولو يف ىذا الوجود‪ .‬وباستقراء التاريخ وفهم الراىن‪ ،‬عن طريق ادلالحظة والتجارب ادلتكررة والتأكد من‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم كتاب القدر‪ ،‬وابن ماجو كتاب الزىد‪ ،‬وأضبد مسند ادلكثرين رقم ‪.8436 :‬‬
‫(‪ )2‬احلديد‪.24 ،‬‬
‫(‪ )3‬للشيخ الغزارل والدكتور القرضاوي كالم نفيس يف ىذه ادلعاين انظر‪ :‬أين اخللل‪ ،‬علل وأدوية‪ ،‬مشكالت يف طريق احلياة اإلسالمية ترثنا‬
‫الفكري بُت الشرع والعقل‪..‬‬
‫(‪ )4‬طو ‪.122 – 121 ،‬‬
‫(‪ )5‬العنكبوت ‪.19 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫الفروض ا﵀تملة‪ ،‬ديكن لإلنسان أن جيٍت معرفة علمية سننية عن ىذا الكون يضئ هبا مستقبلو وىذا ما ديكن تسميتو "‬
‫بادلصدرية الكشفية" للسنن اإلذلية من خالل الواقع والتاريخ‪ ..‬وشبة مالحظة أساسية متعلقة بالفارق بُت ادلعرفة النظرية‬
‫وادلعرفة العملية التارخيية وىي أن اإلنسان يف أحيان كثَتة ال تنفعو الدروس الغزيرة واخلطب الكثَتة إذل االعتبار‪ ،‬كما أن‬
‫التفكَت النظري مهما كانت دقتو فإنو يغفل شيئا من التفاصيل اليت يبُت الواقع العملي وتاريخ األمم أمهيتها‪ ،‬وفضال عن‬
‫ذلك فإن اإلنسان لن يتمكن من فهم قوانُت ادلادة وىو سابح يف عوادل ادلنطق الصوري‪.‬‬
‫وداللة ىذه ادلالحظة يف أن اإلنسان ال ديكن أن جيٍت معرفة صحيحة ودقيقة إال من خالل التجربة واخلطأ‪ ،‬أو‬
‫تفادي أخطائو بالنظر يف أخطاء غَته‪ ،‬وليس اخلطأ يف حياة األفراد واألمم عيب فيها‪ ،‬بل طبيعة ذلا‪ ،‬كما قال النيب عليو‬
‫الصالة والسالم‪" :‬لو لم تخطئوا لجاء اهلل بقوم يخطئون ثم يستغفرون اهلل فيغفر لهم"(‪ ،)1‬ويف إغفال تفاصيل الواقع‬
‫مع أمهيتها يقول فيلسوف اإلسالم زلمد إقبال يف روائعو‪:‬‬
‫ألف ميل زاد بعد ادلنزل (‪.)2‬‬ ‫حلظة واحدة إن تغفل‬
‫ولقد ص ّدق القرآن ىذه الوجهة ا لعملية يف التفكَت‪ ،‬فدعا إذل السَت يف األرض والنظر يف ملكوت السماوات ويف‬
‫ِ‬ ‫ف َكا َن عاقِبةُ الَّ ِذ ِ‬ ‫أحوال األمم‪ ،‬فقال تعاذل‪ ﴿ :‬قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ‬
‫ين﴾‬ ‫ين من قَ أب ُل َكا َن أَ أكثَ ُرُىم ُّم أش ِرك َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ض فَانظُُروا َك أي َ‬
‫ِ‬
‫صا ِر ﴾ (‪.)4‬‬ ‫وقال‪ ﴿ :‬فَا أعتَبِ ُروا يَا أُولي أاألَبأ َ‬
‫( ‪)3‬‬

‫وبسط نبأ عدد غَت قليل من أحوال األمم السابقة من خالل القصص الذي ىو يف احلقيقة تاريخ حفظو ا﵁ لنا‬
‫يق الَّ ِذي بَ أي َن يَ َديأ ِو﴾(‪ ،)5‬وقال عز وجل‪﴿ :‬‬ ‫ص ِد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألمهيتو‪ ،‬ويف معٌت ذلك يقول تعاذل‪َ ﴿ :‬ما َكا َن َحديثًا يُ أفتَ َرى َولَكن تَ أ‬
‫ك ِم أن‬‫ص لَ َعلَّ ُه أم يَتَ َف َّك ُرو َن﴾ ‪ ،‬وقال‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫( ‪)7‬‬
‫ص َ‬ ‫ص الأ َق َ‬ ‫أص ِ‬ ‫أح ِّق ﴾ ‪ ،‬وقال سبحانو‪ ﴿ :‬فَاق ُ‬
‫( ‪)6‬‬
‫ك نَبَأ َُىم بال َ‬‫ص َعلَأي َ‬ ‫نَ أح ُن نَ ُق ُّ‬
‫نت لَ َديأ ِهم إِ أذ ي أختَ ِ‬
‫ص ُمو َن‬ ‫أ َ‬ ‫نت لَ َديأ ِه أم إِ أذ يُ أل ُقو َن أَق َأال َم ُه أم أَيُّ ُه أم يَ أك ُف ُل َم أريَ َم َوَما ُك َ‬
‫ك َوَما ُك َ‬ ‫ب نُ ِ‬
‫وح ِيو إِلَأي َ‬ ‫ِم أن أَنبَ ِاء الأغَأي ِ‬
‫﴾(‪ ، )8‬ذلك أن احلقائق الكونية تبٌت ىي األخرى على احلقائق ال على االفًتاءات أو خياالت ادلداحُت وعواطف‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫واحلق أن من نقاط القوة يف حضارة الغرب اليوم ـ وىي ذاهتا نقطة الضعف لدى ادلسلمُت ـ اإلحاطة دبنهج‬
‫االستقراء الكاشف للحقائق العلمية الطبيعية واإلنسانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أضبد مسند ادلكثرين‪ ،‬رقم ‪.13006‬‬


‫(‪ )2‬نقال عن ‪ :‬سعيد جودت‪ ،‬حىت يغَتوا ما بأنفسهم‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م ‪ ،‬ص‪.....‬‬
‫(‪ )3‬الروم‪.41 ،‬‬
‫(‪ )4‬احلشر‪.2 ،‬‬
‫(‪ )5‬يوسف‪.111 ،‬‬
‫(‪ )6‬الكهف‪.13 ،‬‬
‫(‪ )7‬األعراف‪.176 ،‬‬
‫(‪ )8‬آل عمران‪.44 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫ومصدرية الواقع والتاريخ للسنن اإلذلية ىي " مصدرية تصديقية " كذلك‪ ،‬دبعٌت أن ا﵁ سبحانو وتعاذل قد فتح‬
‫للبشر باب التجربة ليتأكدوا باستمرار من صدق ما قرره الوحي من حقائق الوجود‪ ،‬وأوجب على اإلنسان البحث يف‬
‫الكون ليعلم أن القرآن الذي قرر ـ قبل البحث والتجريب ودوهنما ـ السنن الكونية بوضوح شديد‪ ،‬إمنا ىو من عند ا﵁‪،‬‬
‫فتطمئن نفسو ويركن عقلو دلقررات الوحي األعلى‪ .‬فالوحي يقرر والواقع يصدق‪ ،‬ومها يف احلقيقة مصدران متكامالن‬
‫اق َوفِي أَن ُف ِس ِه أم َحتَّى يَتَبَ يَّ َن‬
‫إليضاح احلقيقة الكلية الواحدة‪ ،‬وىذا بعض معٌت قولو تعاذل‪ ﴿ :‬سنُ ِري ِهم آياتِنَا فِي أاآلفَ ِ‬
‫َ أ َ‬
‫لَ ُه أم أَنَّوُ ال َ‬
‫أح ُّق ﴾ ‪ .‬فما ىو وجو التكامل بُت مصدري ادلعرفة السننية يف اإلسالم؟‬
‫التكامل بين المصدرين‪:‬‬
‫إن مسألة ادلصادر ادلتعلقة باستخراج السنن من ىذا الوجو ـ وجو التكامل ـ ىي مسألة حيوية مرتبطة مباشرة‬
‫بصميم ادلعرفة اإلسالمية‪ ،‬أو بإسالمية ادلعرفة‪ ،‬فادلصادر ادلعرفية يف اإلسالم‪ ،‬مصدران على وجو العموم‪ :‬الكتاب‬
‫ادلسطور( القرآن الكرمي)‪ ،‬والكتاب ادلنظور( الكون واحلياة) كما سبق الذكر‪ ،‬وإذا كان كل منهما يعد مصدرا أساسيا‬
‫لل معرفة يف اإلسالم‪ ،‬فإن لكل منهما رلالو ادلختلف بعض الشيء عن رلال اآلخر اختالف تكامل وتنوع بالنسبة دلوضوع‬
‫السنن‪.‬‬
‫إذ ما يعد أساسيا يف استخراج السنن من الكتاب‪ ،‬يعد تكميليا يف التاريخ وواقع التجربة‪ ،‬وما يعد أساسيا يف‬
‫استخراج السنن من العادل اخلارجي‪ ،‬يعد تكميليا يف القرآن وذلك حسب موضوع السنن‪.‬‬
‫وبيان ذلك كما يلي‪ :‬ال يعد القرآن الكرمي مصدرا أساسيا يف ادلعارف الرياضية وقوانُت الفيزياء والبيولوجيا مثال‪،‬‬
‫وال نطمع أن يكون‪ ،‬فليس ذلك من مهماتو‪ ،‬إنو من مهمات العقل البشري الذي ىو جزء من نظام ىذا الكون‪ ،‬وإ ّن ما‬
‫ورد يف القرآن من سنن تتعلق هبذه العلوم وغَتىا من العلوم الكونية إمنا كان إلثبات البعد الرباين للقرآن الكرمي كنوع من‬
‫اإلعجاز‪ ،‬وإلشاعة روح التفكَت العلمي لدى اإلنسان عموما وادلسلم على وجو اخلصوص‪ ،‬وتربيتو على ذلك‪ ،‬والستبعاد‬
‫اخلرافة والدجل واالدعاء الكاذب وىذه مسألة أساسية يف القرآن‪.‬‬
‫نفسو يف زلل العقل الباحث‪ ،‬ودل ُيرم إحصاء القوانُت وال الدخول يف التطبيقات اجلزئية‬ ‫ودل يضع القرآن الكرمي َ‬
‫والكيفيات التقنية والفنية للعلوم؛ لكنو تناول السنن من زاوية كان أساسيا فيها‪ ،‬ففيو تنبيو وإجياب للعقل لكي يبحث‪،‬‬
‫وفيو اإلشارة إذل ثبات السنن‪ ،‬وفيو بيان الرتباطها با﵁‪ ،‬وفيو بيان حلكمتها ومعٌت وجودىا‪ ،‬وفيو ذبلية دلوقف اإلنسان‬
‫حياذلا‪ ،‬وكل ىذا يعد القرآن أساسيا فيو‪.‬‬
‫وديكن أن أشرح ذلك بشكل دقيق باستعمال التقسيم السابق للسنن اإلذلية إذل سنن غايات‪ ،‬ترتبط مباشرة‬
‫بوظيفة القرآن ككتاب ىداية‪ ،‬وسنن وسائل‪ ،‬إما يف سبيل ربقيق اذلداية أو اإلعراض عنها‪.‬‬
‫فالقرآن ال يزاحم العقول وال يعوض التجارب يف سنن الوسائل‪ ،‬ولكنو يوضح غايتها وحيذر من مغبة سوء‬
‫استعماذلا‪ ،‬ويبُت طرق تصريفها لصاحل البشرية‪ ،‬والدوائر اليت ينبغي للعالقات اإلنسانية أن تدور فيها‪ ،‬وىذه ىي سنن‬
‫الغايات‪.‬‬
‫فالقرآن يقف حاجزا منيعا أمام الفلسفات واألفكار اليت تنحرف باإلنسان والكون معا عن التوافق الذي خلقا من‬
‫أجلو‪ ،‬والغا ية اليت وجدا ألجلها‪ ،‬ويتحداىا بأهنا لن تصل باإلنسان إذل السعادة‪ ،‬حىت يلج اجلمل يف سم اخلياط ما دل‬
‫‪13‬‬
‫ربًتم السنن اليت قررىا على أهنا احلق دون سواه‪ ،‬ويف الوقت ذاتو يقف مؤيدا لكل فهم أو سلوك يؤكد من خالل‬
‫التجارب التارخيية والوقائع العلمية والنفسية واالجتماعية صدق ما قرره القرآن‪ ،‬بل ويوجب القرآن على اإلنسان اخلليفة‬
‫أن ينزل ذلك يف حياتو احلضارية ويعده من أعمالو األساسية‪ ،‬ويسن ذلك لو بتوضيح منهجو ومثالو يف القرآن الكرمي‪،‬‬
‫ويضمن ا﵁ على ذلك العوض من ادلال واجلهد والثواب اجلزيل‪.‬‬
‫فسنن احلضارة والتاريخ ـ موضوع الدراسة ـ على ىذا‪ ،‬من السنن األساسية يف القرآن التكميلية يف غَته‪ ،‬لذلك صلد‬
‫القرآن يكثر من قص القصص‪ ،‬والتأكيد على أنو تاريخ حيمل قوانُت تتكرر مع األمم‪ ،‬وتدعوا إذل التأمل واالعتبار‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ ( ‪)1‬‬ ‫تعاذل‪ ﴿:‬ما َكا َن ح ِديثًا ي أفت رى ولَ ِكن تَص ِد َ ِ‬
‫يق الَّذي بَ أي َن يَ َديأو ﴾ وقال‪ ﴿ :‬فَا أعتَبِ ُروا يَا أُولي أاألَبأ َ‬
‫صا ِر ﴾(‪.)2‬‬ ‫أ‬ ‫َ ُ ََ َ‬ ‫َ‬
‫والتاريخ الذي دعا القرآن للنظر فيو ليس كما يتصور البعض تاريخ البشر فقط‪ ،‬بل ىو التاريخ دبعناه الشامل‬
‫العام‪ ،‬والنظر الذي دعا إليو القرآن ليس ىو التأمل السطحي‪ ،‬بل ىو النظر العلمي الذي تنتج عنو النظريات والقوانُت‬
‫الصاحلة للتعميم والتطبيق‪.‬‬
‫ففي تاريخ األمم علم‪ ،‬كما يف ت اريخ ادلستحثات والصخور وادلعادن والنبات علم‪ ،‬كما يف تاريخ اإلنسان واحليوان‬
‫علم‪ ..‬إن العلم بسنن ا﵁ كامن وراء تاريخ اخللق كلو‪ ،‬حىت قال تعاذل يف القرآن الكرمي‪ ﴿:‬قُ أل ِس ُيروا فِي أاأل أَر ِ‬
‫ض فَانظُُروا‬
‫أق﴾(‪.)3‬‬ ‫ف بَ َدأَ الأ َخل َ‬‫َك أي َ‬
‫دوره يف ىذا األمر‪ ،‬فقد ال يقتنع بعض الناس دبا يقرره القرآن الكرمي‬ ‫وللقصور البشري عن اإلدراك وزلدودية العقل َ‬
‫من حقائق وسنن‪ ،‬وقد ال يفهم العقل البشري بعض ما يقصده‪ ،‬فالقرآن ىنا يرفض أن يقف الناس منو موقفا سلبيا‪ ،‬بل‬
‫يدفعهم دفعا إذل البحث واالكتشاف والنظر يف غور التاريخ الختبار صحة فهمهم دلا قرره‪ ،‬وعلى رأس ىذه احلقائق‬
‫تقرير القرآن الكرمي أن ال سبيل إذل سعادة البشر السعادة الدينية والدنيوية احلقيقية إال باتباع منهج القرآن الكرمي واحًتام‬
‫سنن ا﵁ وفطرتو‪ ،‬وىذه احلقيقية القرآنية الكربى ليست ادعاء يفرض القرآن على الناس اإلديا َن هبا بالغيب‪ ،‬بل ىي‬
‫حقيقية كونية بقدر ما ىي حقيقة شرعية وىو ما رباول بيانو نظرية السنن اإلذلية يف احلضارة‪.‬‬
‫وكأن القرآن قد قال‪ :‬عربد أيها اإلنسان واخًت ما هتوى من الطرق وسوف تصل بك التجارب بعد البحث ادلعمق‬
‫﴿وأ َّ‬
‫َن َى َذا‬ ‫ادلستمر إذل ما قرره القرآن من احلقائق الكربى عن ا﵁ واإلنسان والكون واحلياة‪ ،‬فال مفر من ا﵁ إال إليو‪َ :‬‬
‫السبُ َل فَ تَ َف َّر َق بِ ُك أم َعن َسبِيلِ ِو﴾(‪ ،)4‬إن القرآن يعظ ويأمر‪ ،‬ولكن خلف وعظو‬
‫يما فَاتَّبِ ُعوهُ َوَال تَ تَّبِ ُعوا ُّ‬ ‫ِ‬
‫ص َراطي ُم أستَق ً‬
‫ِ ِ‬
‫وأمره تكمن احلقيقة العلمية والكونية الكربى‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن ىناك وضعا معين ا دلصادر ادلعرفة السننية‪ ،‬بُت الوحي والتجربة والعقل ىو الوضع الصحيح‪،‬‬
‫واإلخالل بو إخالل هبذه ادلعرفة وبفائدهتا العملية‪ ،‬فالوحي يؤكد على خالقية السنن وثباهتا وحكمتها وعدالة ا﵁ فيها‪،‬‬

‫(‪ )1‬يوسف‪.111 ،‬‬


‫(‪ )2‬احلشر‪.2 ،‬‬
‫(‪ )3‬العنكبوت‪.19 ،‬‬
‫(‪ )4‬األنعام‪.154 ،‬‬

‫‪14‬‬
‫وبُت أصوذلا دبا ىي مناىج للسعادة أمر هبا أو للشقاء هنى عنها‪ ،‬ويلفت القرآن النظر إذل التاريخ والتجربة البشرية‪ ،‬دبا‬
‫ىي زلك ديكن لإلنسان أن حيصل منو معرفة علمية دلا يقرره الوحي‪ ،‬فالتجربة البشرية تصدق الوحي من جهة‪ ،‬وتكشف‬
‫عن كثَت من اجلزئيات من جهة ثانية‪ ،‬أما العقل البشري فإنو ـ دبا ىو مبادئ قبلية ضرورية ـ يفهم الوحي من جهة‪ ،‬ويقرأ‬
‫التجربة من جهة ثانية‪.‬‬
‫فبدون العقل ال معٌت للوحي وال للتجربة‪ ،‬وبدون الوحي يتخبط العقل يف بعد وجودي (ميتافيزيقي) ليس ىو أىال‬
‫للحكم فيو بشيء‪ ،‬كما سنرى يف رلال البحث يف األسس اليت تقوم عليها السنن‪ ،‬إذ ال ديلك وسائلو‪ ،‬فيحكم بالتخرص‬
‫والظن يف مقام العلم واليقُت أو يعرض عن البحث اعًتافا بعجزه‪ ،‬فيتحول إذل عقل إجرائي صرف يفتقد إذل األساسُت‬
‫ادلبدئي والغائي‪.‬‬
‫والتجربة البشرية ال معٌت ذلا ما دل تسفر عن نتائج وقواعد وسنن تفهم على ضوء ادلعرفة العقلية‪ ،‬والسنن كذلك ال‬
‫فائدة ترجى منها ما دل تكن مطردة ثابتة يف ادلستقبل كما يف ادلاضي‪.‬‬
‫الخالصة‪:‬‬

‫‪15‬‬

You might also like