Professional Documents
Culture Documents
التربية الجنسية للطفل 4
التربية الجنسية للطفل 4
عدنان باحارث.د
http://www.bahareth.org/index.php
1
موقف الشرع من التربية الجنسية
يشوب مصطلح التربية الجنسية غموض كبير ،ل سيما عندما يريد البعض إدخالها إلى
المناهج التعليمية ،وقد حصل مثل هذا ول يزال في الوساط الغربية ،حيث نتج عنه
صراع أخلقي حول طبيعة منهج التربية الجنسية ،وموضوعاته ،ومن يدرسه ،وكيف
ُيعرض ،والسن المناسبة لعرض موضوعاتها.
وتنتهي هذه الزمة بكل صراعاتها في المجتمع المسلم ،الذي يعيش السلم عقيدة
ومنهج حياة ،حين جعل السلم التربية الجنسية ميدانا ضروريا للعبادة ،فربط بينها
وبين أداء الشعائر التعبدية ،فباب الطهارة في كتب الفقه ل يعدو أن يكون بابا في
صح التعبير -فالستنجاء ،والستجمار،،وما يتعلق بقضاء الحاجة،
التربية الجنسية -إذا ّ
والحيض والنفاس ،والغسل من الجنابة ،والوضوء ،وأبواب ستر العورة ،والعلقات
موضوعاتفي التربية
ٍ الزوجية ،وآداب الستئذان وغيرها كثير ،كل ذلك ل يعدو
الجنسية في السلم.
هذه الموضوعات بكل تفصيلتها قائمة في حياتنا التعليمية ،سواء في مدراسنا ،أو
جامعاتنا،،أو حلقات العلم والمحاضرات في المساجد ،أو المنتديات الثقافية.
ومن هنا فإن إثارة هذا الموضوع من هذه الوجهة هو تحصيل حاصل في حياتنا
الثقافية ،وإن كان ل بد فمزيد من التوسع في أبواب الفقه والحديث التي تتحدث
عن هذه الموضوعات الخاصة ليس أكثر من ذلك.
أما إذا كان المقصود من التربية الجنسية هو عرض صراعات الثقافة الجنسية عند
الغرب ،ونظرياتهم ،المنحرفة والمشوشة ،وما يتعلق بها من مفاهيم التحرر ،وكشف
العورات ،وما أمر ال تعالى بستره من أحوال العلقات الخاصة ،إضافة إلى الصور
الفاضحة الممنوعة ،وغيرها من القضايا التي كانت ول تزال موضع صراع عند
الغرب أنفسهم فهذا ممنوع شرعا ،ول علقة له بالتربية الجنسية في السلم.
وأما الحديث عن المنهج والمعلم ،فإن التربية الجنسية ل تتعلق بمنهج معين ،أو معلم
معين ،بل هي مواد شرعية فقهية وحديثية يقولها المنهج المدرسي ككل في مواده،
وأنشطته الثقافية والجتماعية ،وتتوله وسائل العلم من خلل الدروس العلمية
الشرعية ،ويتوله إمام المسجد وواعظ الحي ،فالكل يشارك في هذا البناء الثقافي
السلمي ،وأما ربط التربية الجنسية -بصورة خاصة -بمنهج محدد معينُ ،تجمع فيه
هذه المسائل الجنسية فهذا من شأنه إثارة موضوعات ل ُتحمد عقباها ،وكذلك
تدريس هذه القضايا الجنسية من خلل مادة الحياء هو الخر ل يصلح؛ فإن كثيرا
من إناث الحيوانات تقتل ذكورها بعد الممارسة الجنسية ،بل تقتل بعض الحشرات
والحيوانات صغارها ،وهذا ل يناسب الطبيعة النسانية ،ول يصلح مثا ًل لها.
2
إن المراجع لواقع المة في سيرة الرسول eيجد أن التربية الجنسية كانت جزءا
من حياة النسان في ذلك الوقت ،ل تختص بدرس معين ،ول وقت معين ،يأتي
الرجل يسأل في المسألة الجنسية ،وتأتي المرأة تسأل دون أن يمنعها ،من ذلك حياء
أو خجل ،والرسول eيجيب ،وإذا لم تكن هذه هي التربية الجنسية ،فل أدري ما هي
التربية الجنسية ؟
تسيطر الشهوات المختلفة -كنوع من البتلء -على سلوك النسان ،وتتحكم في كثير
تصرفاته بدوافعها العنيفة المتغلغلة في عمق جذور كيانه البشري ،حتى إنه ربما،ل
من ّ
يتحرك ،ول ينبعث إل على مرادها ،وفي سبيل إشباعها كحال الحيوان ،وهنا يأتي
المستنير بنور الشرع ليضبط مسارها ،و ُيلْجم اندفاعها :فترفع ال ُمكّلف بحميد مسلكها
حط ْته بخبث مخرجها إلى دركات السافلين إلى درجات الصالحين البرار ،وإل ّ
الشرار.
مضاء ،وأكثرها ّ
تمكنا في ً ويأتي دافع الشهوة الجنسية كأقدم الدوافع الشهوية ،وأشدها
ليصب ُعصارة الجهد وغاية ال ُمراد في غريزة حب البقاء - ّ عمق الكيان النساني؛
كبرى غرائز الحياء -بشقّيها العظيمين العميقين :حفظ الذات ،وحفظ النوع ،بمعنى:
" أن النشاط الجنسي بالنسبة للنسان ،ولسائر الجناس الحيوانية مسألة بقاء أو فناء،
فإذا توقف ،أو أعيق :فإنه يهدد النوع بالفناء؛ لذا ارتبطت الممارسة الجنسية بالقوة
قصر النسان في والعنف كدرعين واقيين للنشاط الجنسي من التوقف " ،فإذا ّ
إشباعها :انقاد إليها منبعثا لها لقوة ما تحمله من العنف في ذاتها لبقاء النسل ،واستمرار
النوع ،كحال الطعام لم يجعل المولى قوام النسان منه إلى اختياره ،وإنما جعله
غريزة تلح بقوة إلى الشباع لحفظ الذات ،والغريزة -كما هو معلوم -سلوك فطري
غيرمتكّلف ،يصدر عن الشخص تلقائيا بل تعّلم ،بغرض الستمرار وعدم النقطاع،
ومن هنا يظهر أن الهدف السمى من الغريزة الجنسية وكل ما يلحق بها :هوالولد،
كوحدة رمزية ضرورية ،لدعم غريزة " البقاء " ،التي أرادها المولى eلعمارة
الرض بالتوارث فيها جي ًل بعد جيل .وبناء على هذا التصور قام نظام التزاوج بين
ذكر وأنثى على أساس التواصل الجنسي كضرورة إنسانية ملحة لقتناص الولد،
ضمن حدود السرة العضوية باعتبارها لبنة في بناء الكيان الجتماعي الكبير.
ومن هنا ُيلحظ أن ما تتبنّاه بعض الفئات والمم :من استقذار مبدأ تركيب الشهوة
الجنسية كدافع أصيل ُم ْستحسن :يخالف مبدأ الوجود النساني كحقيقة تفتقر إلى
الشهوة الباعثة؛ إذ ل يمكن أن تتم عملية الخصاب البشري بين زوجين بغير دافع
في عليها من مشاعر
أض َ
الشهوة الملحة ،التي تقتحم بطابع ع ْنفها ،وقوة اندفاعها ،وما ْ
المتعة واللذة :حواجز النفس النسانية ،وحدود الذات الفردية؛ لتبلغ أقصى مظاهر
3
التداخل النساني في أكمل صوره الممكنة ،بين شخصين ،كما قال العليم الخبير:
اس لَ ُه ّن … { ]البقرة ،[187 :ولهذا جعلت الشريعة، اس لَ ُك ْم َو َأ ْن ُت ْم لِ َب ٌ
} … ُه ّن لِ َب ٌ
الطهر؛ حتى ل يقع في النفس الخاتمة هذه العلقة الشهوانية الضرورية في غايةّ ،
استحقار دافعها ،حيث باركتها بذكر ال تعالى ،ورتّبت عليها الجر والثواب ،وجعلتها سنة
خير الخلق ،بل إن عصارتها ،الشهوية المتدفّقة من الزوجين ،والتي ينعقد منها الولد:
طاهرة من النجاسة على الراجح ،و ُم ْستثنا ٌة من كل ما يخرج من السبيلين ،وما كان ل
أن يخلق النسان من عصارة نجسة ،ف ُع ِل َم بالضرورة :أن الشهوة الجنسية أصلها ليس
حظالشيطان في شيء ،وأنها من مستحبات الشريعة،،ومطلوبات الدين. من ّ
أي صورة من صور التّجنّي على م ْبعث الشهوة الجنسية: وبناء على ما تقدم :فإن ّ
بقطع سببها بالدواء ،أو بتر أعضائها بالعتداء كالخصاء للذكر ،أو استئصال الرحم
عند النثى ،كل ذلك يدخل ضمن المذ ّمة الشرعية ،والمؤاخذة القانونية ،سواء كان
ذلك على النفس ،أو الخرين -في أي مرحلة من مراحل العمر -مهما كانت الحجج
والمبررات؛،بل إن مبدأ الزهادة في الدنيا وملذاتها ،مع كونه من مستحبات الشريعة:
ل يستوعب في نطاقه الشهوة الجنسية ،ول تدخل الزهادة فيها ضمن محبوباته.
يعد
إن وقوع حالت من النحراف الجنسي في سلوك بعض أفراد المجتمع المسلم ل ّ
أمرا مستغربا حتى في أطهر وأرقى المجتمعات النسانية ،فما زال كثير من الناس
على مر العصور ل سيما من فئة الشباب يقعون في أخطاء سلوكية منحرفةُ ،منساقين
إليها بدافع الشهوة الملح ،مع اعتقادهم الراسخ ،ويقينهم الكامل بأنهم أتوا حراما،
وخطأ ُيوجب عليهم التوبة ،و ُي ّلح عليهم بوخز الضمير ،وإنما تكمن المعضلة ،وت ْعظُ م
المشكلة عندما يصبح النحراف الجنسي قضية فكرية ،ومنطقا عقليا ،تدعمه الحجة
مجرد سلوك خاطئ يوشك أن ُي ْقلع عنه صاحبه ،ويتوب من ّ والبرهان ،وليس
تعاطيه.
إن أخطر ما ُمنيت به النسانية في القرن العشرين الميلدي :أفكار ،وآراء الطبيب
اليهودي " سيجمند فرويد " ،وما صاحبها من مظاهر تحرير المرأة ،وتوفير عقاقير
منع الحمل ،والتطور التقني الحديث بعد الحربين العالميتين الولى والثانية ،حيث
انتقل عن طريقه كثير من السلوكيات الجنسية المنحرفة من كونها شذوذات فردية
ضالة إلى ممارسات جماعية منظمة ،ومن كونها انحرافات سلوكية خاطئة إلى كونها
مبادئ فكرية ومذهبية ،حتى إن ضخامة تأثيره في القضايا النفسية والجنسية ل يبعد
كثيرا عن حجم وضخامة تأثير" أرسطو" في قضايا ،الفلسفة ،حتى ل يكاد يخلو من
ذكر آرائه كتاب نفسي أو جنسي ،فقد خرج على النسانية المعاصرة -مؤ ّيدا بقوى
معضلة الكبت،الشر -بتفسيرات جنسية محضة ،محورها البحث عن اللذة في مقابل ْ
حلل من خللها سلوك النسان العام عبر مراحل عمره المختلفة ،فأقامها على عقد
4
تمجه العقول السوية ،والفطر
أسطورية ،من نَ َشاذ العقل النساني ،مما ّ
طفولية ْ
السليمة ،فلقى بسبب جراءته من عنت معارضيه ،وأليم نقدهم ،بقدر ما لقى من
دعم مؤيديه ،وتشجيعهم لرائه.
وعلى الرغم من اعتقاد بعضهم بأفول أفكاره ،وضعف تأثيرها في ميادين علم
النفس المعاصر ،فإن بعض الدراسات الميدانية تشير إلى أن " فرويد" باعتباره
شخصية مؤثرة في علم النفس :ل يزال اسمه عالقا في أذهان الناس ،و ُيعتبر في
نظرهم الشخصية الولى في قائمة المختصين النفسيين.
إن حجما ضخما من الميول العاطفية تنبعث مع سن البلوغ عند الجنسين ،تحمل معها
شحنات قوية من النفعالت ،ممزوجة بقدر كبير من الثارة الشهوانية التي ل تجد
تتصرف فيه ،وقد كان من المفروض أن تجد هذه ّ لها متنفّسا طبيعيا مشروعا
الشحنات العاطفية موقعها الطبيعي في الجنس الخر عن طريق الزواج المشروع ،
كبت أو حرمان ،إل أن ٍ فيستهلك البالغ والبالغة شحناتهما العاطفية فيما بينهما دون
الظروف القتصادية والجتماعية ،وطبيعة النظام التعليمي حالت دون تحقيق
حاجات البالغين من الشباب والشابات ،ليعيشوا فترات من الحرمان العاطفي تطول
إلى أكثر من عشر سنوات ،مما ينعكس ،على نفوسهم بمشاعر القسوة واللم واليأس،
فيعبرون عن مشاعرهم المحبطة بصور من النفعالت الحادة والتمرد ،وربما
الهمال وعدم المبالة.
يمر بنوعين من البلوغ :الول :البلوغ الجنسي الذي يدخل به عالم إن الشاب ّ
التكليف ،ويصبح به قادرا على التناسل ،وهذا عادة ما يكون في الخامسة عشرة عند
الشاب عالم
الجنسين .وأما البلوغ الثاني :فهو البلوغ القتصادي الذي يدخل به ّ
5
الكبار ،ويصبح قادرا على القيام بنفسه ،والنفاق على أسرته الخاصة ،وهذا النوع
من البلوغ خاص بالذكور لنهم المكلفون شرعا بالنفاق.
وهنا تكمن الزمة في البعد الزمني الفاصل بين نوعي البلوغ ،مما أفرز مرحلة
جديدة في عمر الشباب ،ما بين الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين تقريبا ،ل
يعرف الشاب فيها هويته ،فل هو طفل صغير ،ول هو شخص كبير ،يحمل في نفسه
أشواق وآمال الكبار ،إل أنه ل يزال محتاجا إلى رعاية أسرته في كل شؤونه
يعن له البلوغ الجنسي شيئا سوى
الخاصة والعامة ،ل يستطيع العتماد على نفسه ،فلم ِ
أنه مكلف شرعا ،أما واقعه فهو ل يعدو أن يكون طف ًل كبيرا.
إن هذه الزمة المعاصرة التي أفرزتها طبيعة الحياة الحضارية ل بد من وقفة جادة
معها ،يشترك فيها المجتمع بكل مؤسساته ليعمل بجد على قصر المسافة ،الزمنية بين
البلوغين الجنسي والقتصادي ،والسعي في تأهيل الشباب للقيام بأنفسهم ،فهم قد
تأهلوا شرعا بالتكاليف الدينية الكبرى ،فلن يضيرهم أن يقوموا بالتكاليف
القتصادية والجتماعية حين يتعاون المجتمع ويراعي حاجاتهم ،ويقيم مؤسساته ل
سيما التعليمية لتوافق حاجات الشباب ،وما لم يسع المجتمع لحل هذه الزمة بصورة
جذرية فإن مزيدا من المعاناة والضطراب سيكون نصيبه ،وقد لحظ الباحثون أن
غالب أزمات الشباب وانحرافاتهم تحصل في الفترة من الخامسة عشرة إلى
الخامسة والعشرين ،وهي الفترة التي تفصل بين نوعي البلوغ الجنسي والقتصادي.
6
الشهوة بطبيعته ل يلتفت إلى داعي العقل ،وإنما يخضع لضابط القوة والسلطة
عزز
التأديبية الرادعة .ومن هنا جاء دور العقوبات الشرعية والتأديبات التعزيرية ل ُت ّ
بقوتها توجه المجتمع الخلقي ،و ُتساعد الفراد -بصورة مباشرة وغير مباشرة -
وإحكام نوازعهم ،حتى يبقى نشاط الغريزة الجنسية في مساره على ضبط غرائزهمْ ،
المشروعُ ،يحقق الهدف من مبدأ تركيب الشهوة.
وقد عاشت المة السلمية في رحمة شريعتها دهرا من الزمن ل تعرف الفواحش
الجنسية ومعاناتها ،الصحية إل بالقدر الطبيعي الذي ل تنفك عنه أطهر المجتمعات
السلمية ،وذلك عندما كان أفراد المجتمع يعيشون بالفعل الثار التربوية ،والمنافع،
الحيوية التي ُتحييها رهبة الحدود الشرعية في نفوسهم ،فالنسان "إذا نظر إلى
اللذات ،وإلى ما يترتب عليها من الحدود والعقوبات العاجلة والجلة :نفر منها بطبعه
لرجحان مفاسدها" ،بل إن المجتمع الوروبي رغم تحريف شريعته ،وضلل منهجه:
انتفع -إلى حد كبير -بتطبيق العقوبات القانونية في ضبط سلوك الفراد وإحكام
تجرأ الناس عندهم على الفواحش ،وانتهاك العراض بهذه الصورة شهواتهم ،وما ّ
المفزعة ،والعود من جديد إلى الجريمة بعد استيفاء العقوبة إل بعد الثورة الفرنسية
حين ُف ّرغ القانون من أسباب قوته ،وسطوة سلطانه ،وعلى ضوء هذه الثار اليجابية
حد ُيعمل به في الرض :خير لهل الرض لقامة الحدودُ :يفهم قول رسول ال ٌ )) e
من أن ُيمطروا أربعين صباحا((.
وقد اب ُتليت المة السلمية في تاريخها ،الحديث -منذ زمن الستعمار - ،بما اب ُتليت
به أوروبا قبل قرنين من الخلخلة الجتماعية والفكرية؛ حيث اس ُتبدلت القوانين
الوضعية بالشريعة السلمية في غالب الدول ،وانحسر تطبيق الشريعة ،إل في
فتبدل بالتالي كثير من الثوابت جوانب من أحكام السرة والحوال الشخصيةّ ،
الخلقية ،فوجد المنافقون -في هذا الوضع الجتماعي المختل ُ -فرصة لنشر
الفواحش في بلد المسلمين ،والولوغ في العراض المحرمة ،تحت حماية القانون،
بعيدا عن سطوة الشريعة ،وضوابطها ،حتى إن الدعارة المنظمة كانت ول تزال في
بعض البلد السلمية موضع اهتمام أجهزة الدولة وإشرافها.
وأما أحكام الحدود الشرعية ،وأسلوب تطبيقها فقد فقدت هي الخرى طبيعتها
وحدود معالمها ،فلم يعد الصل في البضاع الحرمة ما دام التراضي بين الطرفين
والعزوبة قائمين ،بغض النظر عن نوع الجريمة :م ْثلية كانت ،أو غير ّية ،أو زنى
محارم ،ما دام الجميع مكلفين قانونيا ،بل وحتى التصال الجنسي بالحيوان ل ُيؤاخذ
حق ُيلتفت إليه في هذه القوانين ،إنما الحق
به القانون؛ إذ ليس ل تعالى أو للمجتمع ّ
في الدعاء أو العفو للزوجين فقط حال قيام الزوجية بينهما ،حتى ولو عاين الشهود
العدول الجريمة ،وشهدوا بها ،إلى جانب التح ّيز الواضح في القانون لصالح الزوج
المشرع القانوني الزنا مطلقا مادامت الزوجية قائمة،
ّ على زوجته ،حيث حرم عليها
في حين أباح لصالح الزوج الحرية الكاملة في مضاجعة من شاء من العاهرات
7
مادام بعيدا عن فراش الزوجة ومسكنها،،بل إن محترفة البغاء ُتؤاخذ قانونيا في حين
ل يؤاخذ من يفجر بها ،كما أن نوع العقوبة في حال ثبوت الجريمة على طريقة
القانون :انحصرت في نوعين فقط من العقوبات :السجن ،أوالغرامة المالية.
إن الرضا والطمئنان ببند واحد من بنود هذه القوانين مما يخالف إجماع المة:
كاف لخراج مسلمي أهل الرض قاطبة من ملة السلم إلى ملل الكفر والضلل،
بمحادتها للنقل ،ومخالفتها للعقل،
فض ًل عن مجمل هذه التشريعات الوضعية الصارخةّ ،
وإن الناظر في الشريعة ،السلمية يجد اعتناءها بالمنهيات أكبر من اعتنائها
بالمأمورات؛ فإن المشقة تسمح بترك بعض الواجبات كالقيام في الصلة المفروضة ،
أو الصيام في رمضان ونحو ذلك ،في حين ل تسامح الشريعة ،في القدام على
المعاصي ،ول سيما الكبائر حتى للمكره ،مهما عظمت عليه المشقة ،كالمكره على
الزنى ،أو القتل " ،وهذا يدل على أن المسامحة في ترك الواجب أوسع من
المسامحة في فعل المحرم ،وإن بلغ العذر نهايته " ،والواقع من حال هذه القوانين
عدم اعتنائها بما اعتنت به الشريعة السلمية ،بل تخالفها في وجهتها مخالفة كاملة.
ومع أخذ دول العالم ،بما فيها غالب ،الدول السلمية بهذه القوانين ،والعمل بها :فإن
تحم عرضا ،ولم تؤدب فاسقا ،ولم تردع مجرما ،ولم الواقع الخلقي يشهد بأنها لم ِ
تمنع فاحشة ،بل هي في شأن الزنا -بصورة خاصة -على العكس من ذلك ،وكأن
بقيامها على مبدأ التراضي بين الطرفين ُتعّلم الرجال ،وتقول لهم " :احتالوا على
رضا النساء ،فإن رضين الجريمة فل جريمة ،فكأنها تعلمهم أن براعة الرجل الفاسق
إنما هي في الحيلة على المرأة ،وإيقاظ الفطرة في نفسها ،فينصرف كل فاجر إلى
إبداع هذه الساليب التي تطلق تلك الفطرة من حيائها ،وتخرجها من عفتها ،تطبيقا
للقانون " ،فإذا ُعلم :أن الناث -كما هو حالها في كل أجناس الحيوان ّ " -
أقل
جلدا ،وأسهل انخداعا ،وأسرع غرورا "؛ فإن الحتيال عليهن في مثل هذه المسائل
الغرائزية أمر ممكن؛ بل هو من أيسر ما يكون على الفاسق الماكر مع المغررة
الساذجة.
إن مما ينبغي أن ُيعرف :أن قضية العقوبات الجنسية عند الغربيين قضية صراع
تعسف نظام الكنيسة
نفسي بين انفلت إنسان أوروبا الحديث من جهة ،وبين ّ
التاريخي من جهة أخرى ،فبقدر إفراط الكنيسة القديمة في التحريمات والعقوبات،
المشرع الحديث في الباحيات والتأديبات ،فهو صراع ّ كان في المقابل تفريط
أوروبي بالدرجة الولى ،ل يعرفه المسلمون عبر تاريخهم الطويل؛ لنهم إنما
يستمدون شرعتهم من المصدر المعصوم ،الذي ل يجري عليه الخطأ ،فما أمرهم
بشيء ،أو نهاهم عنه إل وفيه بالضرورة مصلحة عاجلة أو آجلة.
وعلى الرغم من تفريط القوانين الحديثة في الخذ بالشريعة ،في غالب الدول
السلمية فقد بقي للجانب الروحي عند المسلمين دوره في كفّهم عن كثير من
8
الموبقات والنحرافات الخلقية والسلوكية؛ ففي الوقت الذي تشير فيه التقارير
العالمية إلى أفريقيا باعتبارها تحتل المرتبة الثانية في انتشار مرض اليدز :تأتي
الدول العربية في شمال أفريقيا ضمن أقل الدول انتشارا لهذا المرض مقارنة بباقي
دول أفريقيا في الجملة ،وليس هذا إل بفضل الدين السلمي ،الذي يحرم الفواحش
والنحرافات الجنسية ،فلو تعاضد القانون مع هذه الوجهة الروحية السلمية لكان
الثر على سلوك الناس أبلغ وأفضل.
إن نظام الحدود في الشريعة السلمية يعتبر كل اتصال جنسي -أيا كانت،صفته أو
مبرراته -خارج نطاق الزواج الصحيح ،أو ملك اليمين :جريمة من أعظم الجرائم،
يستحق صاحبها العقوبة المقررة في حقه بغض النظر عن كونه ذكرا أو أنثى ،حرا أو
مملوكا ،متزوجا أو عزبا ،مسلما أو كافرا ،مادام مختارا بالغا عاق ًل ،عالما بالتحريم،
الح َبل ،أو الشهادة :حرمت فإذا ثبتت الجريمة لدى الحاكم المسلم بالقرار ،أو َ
الحد ،ردعا للجاني عن العود ،وتطهيرا للمسلم العاصي الشفاعة والرأفة حينئذ ،ووجب ّ
من دنس الخطيئة ،وزجرا لغيره عن مثلها.
إن من واجب المجتمعات النسانية المعاصرة أن تنظر لنفسها أمام هذه الثورة
الجنسية العارمة ،التي أخذت تتخطى جميع الحواجز الخلقية ،وتتعدى كل القوانين
السرية :لتصل في نهاية المر إلى أن يكون وتتحدى أعنف المراض ّ ّ الوضعية،
الجنس هو الهم الكبر المسيطر على حياة النسان ،فيمارسه بل ضوابط خلقية ،ول
التزامات اجتماعية؛ بحيث تفقد العلقات الجنسية جوانبها الساسية الضرورية:
النفسية ،والبداعية ،والروحية ،والعقلية ،التي تشترك مع العصاب والهرمونات في
العملية الجنسية ،لتتحول إلى أداء بيولوجي خالص ،يشبه -إلى حد كبير -سلوك
الحيوان الجنسي ،فينطلق إنسان العصر المسعور ،ليفرغ طاقته الجنسية بأي صورة من
يفرغ مثانته من البول ،وهذا الوضع إيذانالصور ،وفي أي موضع وزمان ،كما ّ
9
بالهلك العام للمم والمجتمعات ،والدمار الشامل لمنجزات النسان وحضارته
الحديثة.
الختان :هو إزالة الجلدة الموجودة على رأس الذكر ،وهو من سنن الفطرة المباركة
الواردة في الشرع ،وله فوائده الصحية الكثيرة ،فمنها :أنه يقلل من أسباب الصابة
بمرض السرطان الخبيث ،ويقلل من سلس البول الليلي الذي يكثر عند الطفال ،إلى
جانب أنه يجنب الطفل كثرة العبث بأعضاءه التناسلية ،إذ إن هذه الجلدة إذا لم
تقطع تثير العصاب التناسلية وتدعو إلى حكها ومداعبتها .ول داعي للختان إذا ولد
الصبي مختونا .كما أنه ليس للختان سنة في عمل حفل أو جمع الناس وإنفاق
الموال.
أما موعد الختان فقد اختلف فيه العلماء ،فكرهه بعضهم في اليوم السابع ،مخالفة
لليهود ،وعند المالكية يكون الختان عند أمر الصبي بالصلة ،أي ما بين السابعة إلى
العاشرة من عمره ،وقد نقل أن السلف كانوا يختنون أولدهم حين يراهقون البلوغ،
والمر في الختان واسع فلو عمله يوم السابع أو بعده ،أو قبل البلوغ فل بأس إنما
المهم في المر أن ل يبلغ الولد إل وقد ختن ،وقد رجح بعض العلماء أن الختان في
اليام الولى من عمر الصبي أفضل ،وذلك لسهولته عليه ،وسرعة شفاء جرحه.
تعم الثورة الجنسية كل مكان ،فل يكاد مكان على وجه الرض يخلو من هذه الثارة
المنحرفة ،وقد تقدم وصف مظاهر هذه الثورة العارمة .ولما كان سلطان الباء
المصلحين في الرض ضعيفا ،فل حول لهم ول قوة يحمون بها أبناءهم خارج
البيوت من آثار هذه المظاهر الجنسية المنحرفة ،سوى ما يبثونه فيهم من المعاني
الصالحة الطيبة ،والتقليل من اختلطهم بالمجتمع المتس ّيب .فإن واجبهم في حماية
أولدهم داخل البيوت من هذه الثورة الجنسية ومظاهرها ،المنحرفة فرض ل
ُيعذرون بتركه ،أو إهماله.
ومن السباب التي يتخذها الب لحماية ،الولد داخل البيت :تعليمهم آداب
الستئذان ،التي تحميهم من احتمال وقوع أعينهم على ما يثيرهم جنسيا ،كما تحميهم
من أن ُتشغل عقولهم بقضايا متعلقة بالجنس ل يجدون لها تفسيرا ،لضعف عقولهم،
وقلة خبرتهم بهذه الشؤون.
10
ونظرا لهمية هذا الدب السلمي ،فقد ورد ذكر الستئذان وآدابه في القرآن
الكريم ،حيث حدد الل ه eأوقات الستئذان ،والوقات التي ل ُيشرع فيها استئذان،
ين َم َل َك ْت َأ ْي َمانُ ُك ْم َوالّ ِذ َ
ين ل َْم فقال سبحانه وتعالىَ } :يا َأ ّي َها الّ ِذ َ
ين آ َمنُوا لِ َي ْس َت ْأ ِذ ْن ُك ُم الّ ِذ َ
ون ِث َيابَ ُك ْم ِم َنين َت َض ُع َ لة ا ْل َف ْج ِر َو ِح َ ص ِ ات ِم ْن َق ْب ِل َ لث َم ّر ٍ َي ْبلُ ُغوا ال ُْحل َُم ِم ْن ُك ْم َث َ
اح َب ْع َد ُه ّن
ات لَ ُك ْم لَ ْي َس َع َل ْي ُك ْم َول َع َل ْي ِه ْم ُج َن ٌ لث َع ْو َر ٍ لة ا ْل ِع َشا ِء َث ُ ص ِ ّ
الظ ِهي َر ِة َو ِم ْن َب ْع ِد َ
يم{يم َح ِك ٌ ْآيات َوالّل ُه َع ِل ٌ ض َك َذلِ َك ُي َب ّي ُن الّل ُه لَ ُك ُم ال ِ ون َع َل ْي ُك ْم َب ْع ُض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍطَ ّوا ُف َ
]النور ،[58:وهذا الدب يخص الخدم المملوكين ،والطفال دون سن التكليف أي
قبل البلوغ .فهم مأمورون بالستئذان قبل الدخول على أهل البيت من الم ،أو
الب ،أوالخوات ،أو غيرهم .قال جابر رضي ال عنه)) :يستأذن الرجل على ولده،
وأمه وإن كانت عجوزا وأخيه وأخته وأبيه(( .وهذا الستئذان يكون في الوقات
المتوقع انكشاف العورات فيها ،والتخفف من الملبس ،وهي)) :حين الستيقاظ من
النوم ،وحين إرادة النوم ،وحين القائلة(( وفي غيرهذه الوقات يحل للطفل المميز
الدخول على أهل البيت دون استئذان ،ولكن يستحب له إلقاء السلم؛ لقوله عليه
الصلة والسلم لنس بن مالك)) :يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة
عليك وعلى أهل بيتك(( .فمن بركات هذا السلم :مزيد من الحيطة ،وإشعار لهل
البيت بالقدوم.
ويمكن تحديد سن الستئذان للولد بسبع سنين ،حين يدرك الطفل في هذه السن
بعض القضايا المتعلقة بالجنس ،ف ُيبدأ معه في هذا السن بالتربية الجنسية.
ويرى بعض العلماء أن فتح الباب ،ورفع الستر ،وتخصيص غرف لكل نوع من أنواع
السرة يكفي عن الستئذان ،فرفع الستر ،وفتح الباب يعد إذنا بالدخول لمن شاء.
وبناء على ذلك فإن الب ،وكل من يخشى انكشاف عورته من أفراد السرة يؤمر
بإغلق باب غرفته بالمفتاح ،أو المزلج ليكون ذلك إعلما للولد بعدم الدخول،
كما أن الطفل الغافل ،أو الذي لم يتدرب بعد على أدب الستئذان ل يمكنه بحال أن
يقتحم غرفة قد أوصد بابها ،فإن حدث وغفل الب عن إغلق الباب ودخل الولد
الغرفة بغير استئذان ،وشاهد منظرا جنسيا ،فإن ذلك يسبب له إزعاجا نفسيا كبيرا،
لهذا وجب أخذ الحتياطات اللزمة لمثل هذه الحالت .و ُيدرب الولد على طرق
الباب دائما كلما دخل من باب مغلق ،فإن لم يفعل مرةُ :أمر بالعودة والطرق من
جديد ليتعلم ويتعود.
ول ينبغي ول يجوز اللتفات إلى قول من يرى بأفضلية إتاحة الفرصة للولد ليرى
والديه بغير ملبس في بعض الحيان .فإن هذا من الضلل ،إلى جانب مخالفته
الواضحة لمقاصد الشريعة السلمية من تشريع أحكام الستئذان ،والتي لم تشرع إل
لحماية نظر الولد من وقوعه على عورة والديه ،أو أهل بيته من المحارم،،وغيرهم.
11
- 3ضوابط إعطاء الطفل المعلومات الجنسية
يعتبر مجال التربية الجنسية مجا ًل خصبا لهل الهواء لنشر باطلهم ،وانحرافاتهم
الخلقية ،وأفكارهم الضالة ،بدعوى العلم والموضوعية .زاعمين خوفهم على النشء
الجديد من العقد النفسية ،والضلل الجنسي ،فمنهم من يزعم أن للطفل نشاطا جنسيا
يبدأ من ميلده ،يتمثل في علقة الولد بأمه ،وكرهه لبيه الذي ينافسه عليها،
ويسمون هذا النوع من الشعور "بعقدة أوديب" .وبعضهم ل يرى مانعا من نظر الولد
لعورة والديه في بعض الحيان ،ول بأس عندهم من أن يتناول الطفال من أبناء
السرة الواحدة فروج بعضهم البعض .والبعض الخر من هؤلء يسعى نحو تخفيف
تأنيب الضمير لدى متعاطي العادة السرية فيزعمون أنها ل تضر الجسم.
وهكذا تصدر الكتابات الكثيرة في هذا المجال الخصب ليضلوا بها الباء عن قصد،
أو عن غير قصد ،معتمدين على بعض الوقائع ،أو التجارب ،أو الراء والتجاهات
الشخصية .ولعل لهؤلء وأتباعهم من أهل الملل الضالة شيئا من العذر؛ لقلة ما في
أيديهم من وحي ال المبارك .أما المسلمون فل عذر لهم ُيقبل بعد أن حباهم ال بهذا
الدين ،وحفظه لهم دون تحريف ،أو تبديل ،ففيه الهدى والكفاية عن اتباع أهواء
أهل الكتاب ،ومن شابههم من أهل المذاهب الضالة.
وقد تضمن القرآن الكريم ،والسنة المطهرة آدابا ،وتوجيهات كثيرة في هذا المجال،
فالستنجاء ،وآداب الغسل ،والطهارة ،والوضوء للصلة ،تعد مدخ ًل جيدا للتربية
الجنسية في مرحلة الطفولة ،فيتعلم الولد أسماء العضاء التناسلية من خلل الممارسة
العملية عند تدريبه على الستنجاء بنفسه ،فتسمى له هذه العضاء بأسمائها الصحيحة
المؤدبة دون السماء العامية المنتحلة القبيحة ،فيقال له عند التدريب)) :اغسل
ذكرك ،أو قضيبك هكذا ،واغسل خصيتيك هكذا ،ونظف دبرك وإليتيك هكذا((،
وبهذه الطريقة يتعلم الولد كيف ينظف نفسه ،إلى جانب أنه يتعلم أسماء هذه
العضاء من المصدر الصحيح الموثوق ،دون أن ُتعطى هذه العضاء وأسماؤها،
هالة من السرية ،فل ُتثار رغبة الولد نحو مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.
ول بد أن يدرك الب أن عدم إعطاء الولد المعلومات الصحيحة الكافية حول
القضايا المتعلقة بالجنس ،سوف يدفع الولد للحصول على معلومات من جهات
مشبوهة فيؤثر ذلك على أخلقهم ،ونفسياتهم ،وعقولهم.
ول ينبغي أن يعتقد الب حرمة الحديث عن القضايا المتعلقة بالجنس ،وتعليم الولد
التجاهات الصحيحة في ذلك؛ بل هي جائزة ،وربما كانت واجبة في بعض الحيان
إذا ترتب،عليها حكم شرعي.
12
والطفل بين السنة الثانية والثالثة يستطيع أن يدرك الفرق بين الجنسين :كأبويه،
وإخوته ،وأخواته .ويمكن أن يبدأ الب معه في التربية الجنسية في هذا الجانب إذا
أكثر من السئلة حول هذا الموضوع ،ولوحظ انشغال ذهنه به.
ويخجل الباء من الجابة على أسئلة الولد ،ومصارحتهم ببعض القضايا الجنسية،
مثل الفرق بين الولد والبنت،،وهذا أمر طبيعي ،إل أن هناك مفهوما ينبغي أن يدركه
الباء ،وهو :أن سؤال الطفل عن الجنس ،وما يتعلق به من اختلف بين الذكر
والنثى ،وغير ذلك ل يختلف عن سؤاله عن لون السماء ،وذلك لن خلفية الولد عن
هذا الموضوع ضحلة ،وربما أنه ل يعرف عنه شيئا ،فهو ل يدرك العلقات الجنسية
بين الكبار ،وأن الحديث عن هذا الموضوع من العيب إل في عامه الثامن ،لهذا فإن
هدوء الب ،واتزانه ،وجوابه للولد عن سؤاله بالمعلومات الصحيحة المقنعة،
والمناسبة لسن الولد ،يعد السلوب التربوي الصحيح في هذا الجانب .فإذا سأل
الطفل عن العلقة بين الجنسين ،أو كانت ،لديه أفكار مشوشة حول هذا الموضوع،
فإن الفكار الصحيحة تقرب إلى ذهنه من خلل اطلعه على العلقات الجنسية عند
الحيوانات ،وكيف تتم عملية تلقيح النباتات ،مع ملحظة عدم التعمق في تفصيلت
جانبية كثيرة ،ولتطبيق هذا القتراح يؤخذ الولد إلى حديقة الحيوان ليشاهد شيئا من
ذلك ،أو تشرح ،له عملية التلقيح في النبات ،وكيف أنه ل ثمرة إل بهذا التلقيح ،كما
أنه ل حمل ،ول مولود إل بهذا التصال الجنسي ،على أن ل يخوض معه في كيفية
التصال الجنسي بالنسبة ،للبشر ،فإن ألح في السؤال عن دور الب فالبعض يقترح
أن ُي جاب بأن الب يضع بذرة تجعل الطفل ينمو في بطن الم .ول بد من القرار
بأن الطفال يأتون من أمهاتهم ،دون الكذب بأن الطفل جاء من المستشفى ،أو جاء
به الطير ،فالصدق أفضل.
وكل هذه الجراءات تكون مع الولد الذي شغلته هذه القضايا وأخذ يسأل عنها
بإلحاح ،أما الولد الذي لم تشغله ولم يسأل عنها فل داعي لثارتها ،معه إل في أضيق
الحدود.
يعيش العالم حالة من الثارة الجنسية العارمة المنذرة بالهلك والدمار العام،،فل يكاد
النسان ينظر يمينه أو شماله إل ويجد تلك الثارة التي تدغدغ الرغبات الجنسية في
13
الرجل والمرأة ،وتلهب نار الشهوة فيهما ،فالتلفاز ،والذاعة ،والمجلة ،والجريدة ،كل
هذه الوسائل تصب في بحر الغراء والتحريض على الفواحش .وحتى العلنات
الدعائية للمنتجات الستهلكية المختلفة تحمل الصور الغرائية ،حتى العلنات
ص ّورت بجانبها امرأة شبه عارية ،فل يكاد ُيوجد لطارات السيارات تجدها وقد ُ
إعلن دعائي بدون امرأة عارية أو شبه عارية .وفي الشارع اختلط النساء
المتهتكات المتبرجات بالرجال ،فمن وقت لخر في هذه الشوارع والسواق ُتسمع
عبارات الغزل ،والغراء بالفاحشة بين الجنسين ،وقد انطلقت عيون الشباب تترقب
نظرة ،أوحركة من الفتيات المتهتكات حتى يلحقوا بهن أم ًل في تحقيق مآربهم
الخبيثة.
وإن الناظر في الشارع المسلم يجد هذا واضحا جليا ل يخفى؛ بل حتى البلد التي
تقيد نساؤها ،بالحجاب الموروث المنبثق لبسه عن العادة الجارية ،والتقليد العمى
ظهرت على أكثرهن علمات كرهه ،والرغبة في خلعه ،والتخلص منه بالكلية .ويظهر
ذلك في النساء الكاسيات العاريات ،اللتي وضعن الحجاب ليزيدهن إغراء وغواية،
فكثير منهن تبدي بعض شعرها مصففا بطريقة مغرية ،وقد أبدت وجهها وعليه ألوان
من المساحيق المختلفة ،وربما لبس بعضهن البنطلون الضيق ،ومن وقت لخر تكشف
طرفا من عباءتها الرقيقة القصيرة ليظهر بعض ما تخفيه من الزينة الباطنة ،إلى
جانب استعمال الحذية المرتفعة التي يتطلب السير بها التكسر والتمايل.
والعجيب أن هذا يحدث بين ظهراني المسلمين دون نكير ،فل يكاد ُيرى الرجل في
السوق ينهى النساء عن التبرج ،أوالشباب عن التميع والتهتك ،إل من بعض رجال
الهيئات الرسمية ،دون أن يكون لهم من رجال المجتمع معين أو مساعد ،بل ربما
وجدوا منهم المثبط المنكر،عليهم قيامهم بواجباتهم.
وقد ساقت كثرة النحرافات الجنسية وشيوعها بعض البلد المنتسبة إلى السلم إلى
إباحة الزنا في قوانينها ،وتنظيم عملية البغاء ،والسماح،بفتح دور للدعارة المنظمة ،إلى
جانب الترخيص بفتح الملهي ،والمراقص ،مما قد يسوق هذه الدول وحكوماتها إلى
خطر الوقوع في الكفر؛ لقوله تعالى َ } :و َم ْن ل َْم َي ْح ُك ْم ِب َما َأ ْن َز َل الّل ُه َف ُأولَ ِئ َك ُه ُم
ون{ ]المائدة ،[44:بل إن الفوضى الجنسية العارمة أدت إلى ظهور الشذوذ ال َْكا ِف ُر َ
الجنسي بصورة جديدة ،ومنظمة ،وقوية ،مما جعل قضية الضلل الجنسي باكتفاء
الرجال بالرجال ،والنساء بالنساء مشكلة خطيرة تنذر بالنقراض ،وانتشارأمراض
جديدة فتاكة ل علج لها.
لهذا كان واجب الب المسلم أن يكون بابا قويا مغلقا في وجه هذه النحرافات،
فرغ من قلبه اليأس والقنوط ،ووضع نصب واثقا بال ،eومتعلقا بحبله المتين ،وقد ّ
عينيه المل في الصلح ،وله في رسول ال والنبياء من قبله عليهم جميعا الصلة
14
والسلم وفي مجددي المة وعلمائها القدوة في نبذ اليأس ،والسعي الجاد وراء
بصيص من المل في الصلح والتغيير.
حكى ال eفي كتابه المنزل قصة قوم لوط ،الذين شاعت فيهم فاحشة اللواط ،فقال
اح َش َة َو َأ ْن ُت ْمون ا ْل َف ِ ال لِ َق ْو ِم ِه َأ َت ْأ ُت َ
تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلمَ }:ولُوطا ِإ ْذ َق َ
ُون{ ّسا ِء َب ْل َأ ْن ُت ْم َق ْو ٌم َت ْج َهل َ ون الن َال َش ْه َو ًة ِم ْن ُد ِ
الر َج َ
ون ّ ون * َأ ِإ ّن ُك ْم لَ َت ْأ ُت َ
ُت ْب ِص ُر َ
]النمل ،[55-54:ولما ،كانت هذه الفعلة من أعظم المعاصي والكبائر التي توجب
غضب الرب ،Uكان عقاب أصحابها من أفظع العقوبات وأشنعها ،فقد حكى سبحانه
وتعالى كيف عاقبهم بعد أن عتوا واستكبروا فقالَ } :ف َل ّما َج َاء َأ ْم ُرنَا َج َع ْل َنا َعالِ َي َها َسا ِف َل َها
ين الظالِ ِم َ يل َم ْن ُضودٍ * ُم َس ّو َم ًة ِع ْن َد َربّ َك َو َما ِه َي ِم َن ّ َو َأ ْمطَ ْرنَا َع َل ْي َها ِح َجا َر ًة ِم ْن ِس ّج ٍ
ِب َب ِعيدٍ{ ]هود ،[83-82:فتنوع عقابهم بين الرمي من علو ،والرجم بالحجارة ،وذلك
لفظاعة جرمهم ،وسوء فعلتهم.
ولم تكن هذه الفاحشة معروفة لدى العرب في جاهليتهم ،فقد قال الوليد بن عبدالملك
رحمه ال)) :لول أن ال eقص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو
ذكرا(( .ورغم هذا فقد حذر الرسول eمن هذه الفاحشة ،وكأنه ُألهم وقوعها في
المة ،وابتلء البعض بها حيث قال)) :إن أخوف ما أخاف على أمتى عمل قوم
لوط(( ،وقال أيضا مبينا أن هذه الفاحشة إذا اجتمعت ببعض الجرائم الخرى
أوجبت الدمار للمة والهلك)) :إذا استحلت أمتي ستا فعليهم الدمار :إذا ظهر فيهم
التلعن ،وشربوا الخمور ،ولبسوا الحرير ،واتخذوا القيان ،واكتفى الرجال بالرجال،
والنساء بالنساء(( .أي استغنى كل جنس بنوعه ،فالذكر يقضي وطره مع الذكر ،وكذلك
النثى .وقال في حد اللوطي وعقابه)) :من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا
الفاعل والمفعول به(( .وقد كان بعض السلف رضوان ال عليهم يرى في عقاب
اللوطي أن ُيرمى من بناء مرتفع ،ثم ُيرجم بالحجارة حتى الموت ،دون النظر إلى
كونه محصنا أو غيرمحصن .وقد نُقل عن أربعة من الخلفاء إحراق من تلبس بهذه
الجريمة وهم :أبوبكرالصديق ،وعلي بن أبي طالب ،وعبدال بن الزبير ،وهشام بن
عبدالملك.
15
المفعول به .فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه ،وأن يجنبه مخالطة
هؤلء الملعين ،الذين لعنهم رسول ال .e
ول تقتصر مضار هذه الفاحشة على الجانب النفسي فحسب ،بل لها مضار جسمية
كثيرة أقلها البتلء بمرض نقص المناعة "اليدز" ،ذلك المرض الفتاك الذي لم يجد
له العالم دواء ناجحا رغم السعي الحثيث ،والمحاولت الكثيرة ،والدعم المالي
المستمر.
ومشكلة اللواط اليوم ل تقتصر على وجود أشخاص شاذين في أنحاء متفرقة من
العالم ،بل قد أصبح لهؤلء المنحرفين جمعيات رسمية تحميهم ،وتنظم عملهم القبيح،
ول يقتصر نشاط هذه الجمعيات على البالغين فقط ،بل أصبح إتيان الصبيان
الصغار في أمريكا أمرا معروفا ،له جمعيات خاصة .كما أن استخدام هؤلء
الصبيان في الجنس ،وتصويرهم ،في مواقف جنسية شاذة للتجارة بصورهم أصبح
أيضا أمرا منظما ،ففي نيويورك بالوليات المتحدة المريكية ُيستغل أكثرمن
عشرين ألف طفل في أغراض جنسية بواسطة شركات الدعارة المنظمة ،وهذا فقط
خلل النصف الخير من عام 1977م .وبعض التقديرات والحصاءات المعتدلة
تشيرإلى أن %10من الطفال في أمريكا يتعرضون للعتداء الجنسي في كل عام،
وفي بريطانيا التي أباحت قوانينها اللواط يوجد ما يقارب من ستين ألف غلم
يمارسون هذه الفاحشة من أجل كسب المال ،وفي ألمانيا ُأبيحت هذه الفاحشة أيضا
ولكن بشرط رضا الطرفين ،وفي حالة صغر المفعول به يكون الرضا،بيد وليه.
إن القضية إذا انحصرت في البالغين الذين اختاروا لنفسهم هذا النهج المنحرف:
تكون قضية اختيار منهم عن طواعية ورضا ،أما أن تصل إلى غير المكلفين من
الطفال البرياء ،فيتشربوا هذه الفاحشة منذ نعومة أظفارهم فإن المسألة تكون
خطيرة للغاية .فما هو البناء النفسي الذي سوف يكون عليه هؤلء الطفال إذا
كبروا ؟ وهل سوف يفوقون أساتذتهم في هذا المجال المنحرف لعمق خبرتهم،
وطول باعهم ؟ وكيف سوف يواجه العالم هذه المشكلة في المستقبل ؟
إن إيراد مثل هذه الحصائيات عن المجتمع الغربي ل يعني أن المشكلة ل تخص
المجتمع المسلم ،فإن العالم اليوم ُيعد قرية واحدة لعمق الصلت ،والمصالح
المشتركة ،وسهولة المواصلت والتصالت بأنواعها ،واختلط المسلمين بغيرهم في
البلد السلمية ،وغيرالسلمية ،مما ُينذر باحتمال انتشار مثل هذه الجرائم الشنيعة
بين أوساط المسلمين.
ول يعني عدم نشر إحصاءات عن أوضاع الشذوذ الجنسي في المنطقة السلمية
خلوها من هذه الفاحشة الممقوتة ،فإن حالت الشذوذ الجنسي توجد في كل مجتمع
مع فروق في النسبة؛ بل وحتى المجتمع المسلم في القديم قد ابتلي بعض أفراده
16
بالميل إلى المردان ،ومجالستهم ،وربما قام بعض المنحرفين منهم بعمل الفعلة القبيحة.
لهذا كان بعض علماء السلف رحمهم ال يحذرون من مجالسة المرد ،وينهون عن
حضوره إلى حلقهم خشية الفتنة به ،وقد نص ابن قدامة في المغني على أن ))المرد
إن كان جمي ًل يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه((.
والمرد الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد ،حيت يتراوح عمره ما بين العاشرة
والخامسة عشرة .وفي هذه السن خاصة يحرص الب على حماية ولده من الشاذين،
ويحذر إهمال ذلك ،فقد اعترف أحد الشاذين العرب ،وباح بسبب انحرافه وشذوذه،
حيث كان أبواه يهملنه بانشغالهما ،خارج البيت ،وهو في سن الطفولة ،مما أدى إلى
وقوعه ضحية لحد رفقاء السوء ،حيث كان يجهل الخطأ والصواب.
ول بد للب أن يحذر أيضا كل من ل يخاف ال من الفساق ،حتى وإن كان بعضهم
من القرباء ،أو الجيران ،أو الساتذة ،فإن الحصاءات في أمريكا تشير إلى أن
أكثر العتداءات الجنسية على الطفال تقع مع أفراد يعرفونهم مثل أستاذ المدرسة،
أو طبيب العائلة ،أو مستشار المخيم ،فل يترك الب مجا ًل لخلوة الولد بأحد هؤلء
مهما كانت الظروف.
وربما يحدث العتداء الجنسي على الولد من قبل طفل أكبر منه سنا ،فإن بعض
الطفال ينضجون جنسيا في مرحلة مبكرة ،كما أنه بالمكان قيام علقات جنسية
بين الولد قبل البلوغ .لهذا فإن اختيار الب لصدقاء الولد ممن هم في سنه ،أو
أصغر سنا يعد اختيارا حسنا مأمونا ،فل يتركه يصاحب ،الكبار من الصبيان إل أن
يضمن ،ويتأكد من استقامتهم ،وحسن تربيتهم.
ويتنبه الب للتقليل من خلوة الولد قبل سن البلوغ بغيره من الصبيان ،ويعمل على
أن يكون عددهم ثلثة أو يزيدون ،وذلك للتقليل من احتمال غواية الشيطان لهم،
فالشيطان أقرب للثنين منه إلى الثلثة.
ومن أعظم أسباب انتشار هذه الفاحشة ،وجرأة أهلها :الميوعة ،والتخنث الذي ابتلي
به بعض الصبيان ،فمن مظاهرهذا التميع والنحلل :إطالة الولد لشعره تشبها
بالنساء ،ولبس "البنطلون" الضيق الواصف للبدن ،أو لبس بعض الملبس الخاصة
بالشاذين ،وجرالذيول ،والتكسر في المشية ،والخضوع في الكلم ،والتردد على
الماكن المشبوهة.
فإذا ظهر على الولد شيء من هذه المظاهر ،المنحرفة ،وجب على الب الحذر من
احتمال انحراف ولده ،حتى وإن كان الولد يجهل قبح هذه القضايا .فإن المنحرفين
ينتظرون رؤية شيء من هذه المظاهر لينقضوا على فريستهم بشتى الوسائل والحيل
الماكرة.
17
ول بد للب من تربية ولده الصغير على الرجولة والخشونة ،خاصة إن كان الولد
جميل المطلع ،أبيض اللون ،ممتلئ الجسم ،فيعوده الخشونة في المأكل والملبس ،
ويعوده الرياضة القوية ،التي تبني جسمه وتخشن جلده ،ول بأس أن يعوده حلقة
رأسه إن كان شعره سبب جماله ،اقتداء بعمر بن الخطاب رضي ال عنه في التعامل
مع الرجل الجميل الذي افتتن به النساء .ويعوده لبس الملبس والثياب الفضفاضة،
وتغطية رأسه تشبها بالكبار البالغين ،ويحذره من إسبال الثوب مثل النساء ،ولبس
الذهب والحرير ،فهو من علمات التخنث والميوعة ،إلى جانب أن ذلك من
المحرمات على الرجال.
وإن كان الب من أهل الجاه والغنى فإن واجبه في حفظ ولده آكد لن أولد
الغنياء في العادة مرفهون ،ويظهر عليهم أثر النعمة ،من نعومة البدن ،وصفاء اللون،
وطيب الرائحة ،وحسن ارتداء الثياب ،فيكونون بذلك أرغب وأدعى لوقوعهم تحت
أيدي المنحرفين .لهذا فقد كان بعض العلماء يحذر من مجالسة أبناء السرالمترفة.
ل تجالسوا أبناء الغنياء فإن لهم صورا كصور النساء يقول الحسن بن ذكوان )) :
وهم أشد فتنة من العذارى((.
كما أن احتمال وقوع الولد فريسة لحد المنحرفين في السر الغنية أكبرمنه في
السر المتوسطة الحال أوالفقيرة ،وذلك لن السر الغنية في العادة يشاركها ،في
المسكن خدم وعمال وأفراد من غيرالسرة يقومون على خدمتها ،ورعاية شؤونها،
وعادة ينتمي هؤلء الخدم إلى جنسيات مختلفة ،وثقافات متنوعة ،ويظهر فيهم الجهل،
وقلة الدين ،فنادرا ما يكون من بينهم الصالح المستقيم ،إلى جانب أن أكثرهم من
العزاب ،أو المغتربين عن أهليهم .وأعظم من هذا أنهم مؤتمنون على الولد ،بل
ربما كانوا مؤتمنين حتى على النساء والبنات ،فل يجد الب غضاضة عندما يجد ولده
جالسا يتحدث في غرفة الخادم ،ول يأبه إذا خل البيت للخدم والولد ،ول شك أن
مثل هذا الهمال والتقصير من الب يعد مدعاة لوقوع الفاحشة بالولد على حين
غفلة من الب ،وربما استمر وقوع الفاحشة بالولد إلى فترة طويلة تحت طائلة
الترغيب والترهيب ،أو القناع ،أو بأي وسيلة ماكرة خبيثة ،خاصة وأن الولد الذي
لم ُي ْعن والده بتربيته يقل فهمه للمور ,فل يدرك الصواب من الخطأ ،فيقع فريسة
لحد المنحرفين بسبب إهمال والديه ،وجهله بمبادئ الخطأ والصواب.
ويحذر الب من اصطحاب أولده إلى بلد الكفار ،والتي تقدم ذكر مظاهر
النحرافات الجنسية فيها .فإن اضطر إلى السفر سافر هو دونهم ،وعهد بهم لحد
القارب المؤتمنين ،فإن وجود الولد في جو منحرف ربما ساقه إلى النحراف ،أو
وقوعه تحت يد أحد الشاذين فيعبث به .فإذا اضطر للسفر بالولد فعليه أن يحذر
كل الحذر من إدخاله إحدى المدارس التعليمية هناك التي ل تأبه بهذه النحرافات,
فإنها منبع كل النحرافات بشتى أنواعها ,إلى جانب خطورة ما يتعلمه الولد من
18
الكفر والزيغ عن عقيدة التوحيد .ومن عجيب انحرافات بعض هذه المدارس أن
تجرأ أحد مجالس شمال لندن أن أضاف إلى المقررات الدراسية تدريس مناهج
عن الشذوذ الجنسي ،على أن تقدم للطلب كأسلوب جديد للحياة .فهؤلء الكفار ل
حد لضللهم وانحرافهم ،فل يجوز لب مسلم يؤمن بال واليوم الخرأن يغامر بولده ّ
ف ُيلحقه بإحدى هذه المدارس الضالة المنحرفة.
وينبغي للب عند سفره الضطراري إلى بلد الكفار أن يختارمن بين تلك البلد
أقلها انحرافا ،وأقربها إلى الفضيلة ،وإن كان ول بد من إلحاق الولد بمدرسة فإنه
يجب عليه أن يبحث عن المدارس السلمية ،التي تشرف عليها الجاليات المسلمة
في أوروبا وأمريكا أو غيرها ،ويقتصر على هذه المدارس دون غيرها ،حتى وإن
اضطر المر إلى أن يتأخر دخول الولد للمدرسة بعض الشيء ،فإن المحافظة على
عقيدة الولد ،وشرفه أغلى من تعلمه كثيرا من العلوم المشبوهة في مدارس
النصارى.
ول بأس أن يصارح الب ولده الكبير بهذه الحقيقة إن احتاج إلى ذلك ،خاصة إن
كان يعيش في بلد انتشرت فيه هذه الفاحشة ،فيحذره من الذهاب مع الغريب ،أو
أخذ الحلوى منه ،أوالركوب معه في سيارته ليدله على بيت من بيوت الحي أو نحو
ذلك ،ول داعي أن يبين الب لولده كل تفصيلت هذه الجريمة ،بل يكفيه أن يبين
أن هؤلء المنحرفين يمكن أن يضروه ضررا بالغا ،ويذهبوا به إلى غير رجعة .وهذا
البيان والتلميح عادة يكون مع الولد القليل الذكاء الساذج التفكير .أما الولد الذكي
فإنه يدرك هذه القضايا من خلل احتكاكه بالمجتمع ،فإن هذه المور ل تخفى عليه
عادة.
ويمكن للب تعريف ،أولده بهذه الفاحشة ،وتحذيرهم ،منها عن طريق عرض قصة
سيدنا لوط عليه السلم مع قومه ،فيبين ويشرح،القصة كما جاء بها القرآن الكريم ،ثم
يعلق عليها مشيرا إلى أن هذه الفاحشة موجودة في كل مجتمع حتى المجتمعات
المسلمة ،ويوضح أنه ل بد من الحذر ،والمحافظة على النفس والعرض من هؤلء
المنحرفين ،ومن أساليبهم المختلفة التي يجتذبون بها الولد.
ول بد للب أن يسد حاجات أولده ورغباتهم المختلفة ،فل يترك مجا ًل لحد ليستغل
حاجتهم إلى المال ،أو إلى لعبة ،أو نزهة ،أو غير ذلك ،ومن وقت لخر يحاول أن
يتعرف على رغباتهم ،ومتطلباتهم .ويقوي صلته بهم حتى ل يخفون عنه شيئا مما
يرغبون فيه ،وهول يحرمهم من المباحات ،حتى وإن كانت ل تناسب أعمارهم،
كقيادة السيارة ،أو الدراجة النارية ،وذلك لنها من أعظم وسائل المنحرفين لجذب
الولد .والولد الكبير شغوف بذلك ،فل بأس أن يشبع رغبة ولده في هذا المجال
تحت إشرافه المباشر،تحسبا للسلبيات التي يمكن أن تحدث.
19
- 6حفظ الولد من فاحشة الزنا
لقد ُز ّين حب النساء والميل إليهن في صدورالرجال ،كما ُركّز ذلك أيضا في قلوب
النساء ،وذلك لحكم عظيمة أرادها ال eمن استمرار النوع البشري ،وقضاء الوطر،
والشعور بالسكن والمن وغير ذلك من الحكم ،وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا
ير ا ْل ُم َق ْنطَ َر ِة ِم َن
اط ِ
ين َوا ْل َق َن ِ
ّسا ِء َوا ْل َب ِن َ
ات ِم َن الن َالش َه َو ِ ّاس ُح ّب ّ الميل بقولهُ } :ز ّي َن لِلن ِ
ام َوال َْح ْر ِث{ ]آل عمران ،[14:وبدأ سبحانه َ ّ
الذ َه ِب َوا ْل ِف ّض ِة َوال َْخ ْي ِل ا ْل ُم َس ّو َم ِة َوا ْلأ ْن َع ِ
وتعالى في الية بذكر حب النساء قبل باقي المحبوبات وذلك لعظم الميل إليهن
والرغبة فيهن.
ولما كانت ،الفتنة بهن عظيمة ،وضررهن على الرجال كبيرا :حذر رسول ال eمن
ذلك ،فقال)) :ما تركت بعدى على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء(( .لهذا
حرم عليهن قصد إثارة الرجال عن طريق التبرج وإظهار الزينة ،أوالتكسر في
المشية ،أوالخضوع في القول ،و ُأمرن بالتستر والحتجاب ،فإن ظهر من بعضهن
نشوز ،وانحراف ،وتبرج ،ورغبة في الختلط بالرجال :وجب على ولي المر منعهن
من ذلك بالوسائل المختلفة كالحبس،إن احتاج المر إليه ،فإن اختلطهن بالرجال هو
أصل كل بلية ،وسبب كل استنزال عقوبات ال .e
لهذا فإن المحافظة على نفسية الولد من رؤية النساء المتبرجات ،والختلط بهن أمر
واجب على الب؛ إذ إن الولد قبل البلوغ في بعض الحالت يميل ويرغب ،في
النساء؛ بل ربما كان الولد ابن العاشرة من البالغين خاصة في المناطق الحارة ،لهذا
فإن اختلطه بالنساء والمن عليه من الفتنة بهن يعد من أعظم أسباب الزنا ،ووقوع
الفاحشة ،خاصة وأن شدة الثارة الجنسية من حول الولد تثير فيه الرغبة والنزعة
الجنسية.
والختلط بالنساء من غير المحارم ،إذا لم يضرالولد بأن يثيره جنسيا ،ويجعله يطلع
على قضايا ،من أحوال النساء ل ينبغي أن يعرفها في ذلك السن ،فإن حدوث العكس
ممكن ،إذ يصاب بالتخنث والرعونة ،من جراء كثرة مصاحبتهن ،وربما ساقه ذلك
إلى التشبه بهن في الملبس ،والكلم والمشي فيدخل تحت لعنة رسول ال rلتشبهه بهن،
فقد قال)) :لعن ال المتشبهين من الرجال بالنساء،،والمتشبهات من النساء بالرجال((.
20
ُيؤمرن بالحشمة وعدم التكشف خاصة عند الحركة من القيام أو الجلوس ،ول بأس
أن يؤمرن بارتداء السراويل الطويلة تحت الملبس؛ ،لضمان عدم ظهور عوراتهن
أمام إخوانهن من الولد.
ول بد من التفريق بين الولد عند النوم -خاصة بينهم وبين البنات -لقوله عليه
الصلة والسلم)) :مروا صبيانكم بالصلة إذا بلغوا سبعا ،واضربوهم عليها إذا بلغوا
عشرا ،وفرقوا بينهم في المضاجع(( .فإن كثيرا من النحرافات الجنسية المبكرة يعود
سببها إلى إهمال التفريق بين الولد في المضجع ،ونومهم مع البوين في غرفة
واحدة .ويكون ذلك بتخصيص غرفة للولد وأخرى للبنات وثالثة للبوين ،مع
استقلل كل طفل بغطاء يخصه ،فل ينبغي المشاركة في الغطاء ،ول بأس في
المشاركة،في الفراش ،وإن كان الفضل الستقلل في كل ذلك.
أما الختلط بالقريبات ،من غير المحارم ،بعد سن العاشرة بالنسبة ،للولد ُيعد أمرا
خطيرا يفسد الولد والسرة ،فإن ال أباح دخول الولد الصغار من غير المميزين
ال َأ ِو ين َغ ْي ِر ُأولِي ا ْل ِأ ْربَ ِة ِم َن ّ
الر َج ِ على النساء الجنبيات بقوله تعالىَ } :أ ِو الت ِ
ّاب ِع َ
ّسا ِء{ ]النور ،[31:أي ل طمع لهم في النظر ات الن َ
ين ل َْم َي ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َر ِ ّ
الط ْف ِل الّ ِذ َ
إليهن بشهوة وتلذذ)) ،والمقصود بالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء في
الية :هم الطفال الذين ل يثير فيهم جسم المرأة وحركاتها ،وسكناتها،شعورا بالجنس،
وهذا التعريف ل ينطبق إل على من كان سنه عشر سنين فأقل(( ،وللحتياط ل بد
من كف الولد من الدخول على النساء الجنبيات من قبل العاشرة خاصة في البلد
الحارة ،إذ إن سن العاشرة ربما كان البلوغ بعينه.
21
ومحتمل .وقد نقل فضيلة الشيخ أبو العلى المودودي قصصا ووقائع عن المجتمع
الغربي تثبت إمكانية وقوع الفاحشة بين الصغار.
والناظر في كتب الفقه يجد تفصي ًل دقيقا حول أحكام الزنا التي يشترك فيها
الصبيان دون سن البلوغ ،فيلحظ تنازع بعض الفقهاء في قضية تحصين الصبي
للمرأة البالغة ،هل يحصنها ،أو ل ؟ أما مسألة قدرته على الوطء فإنهم ل يناقشونها،
وكأنها مسلمة بالنسبة للمراهق الذي قارب البلوغ ،وبعضهم يعد جماع الصبي جماعا
بغير شهوة ،ويجعل استعماله للته كاستعماله لصبعه؛ ولعل هذا في حق الصغير الذي
لم يقارب البلوغ .وسئل المام مالك رحمه ال ))أرأيت الصبي إذا بلغ الجماع ولم
يحتلم بعد فقذفه رجل بالزنا أيقام على قاذفه الحد ؟(( .وسئل أيضا )) :أرأيت،امرأة
زنت بصبي مثله يجامع إل أنه لم يحتلم ؟(( ،فأجاب رحمه ال عن هذه السئلة
وغيرها ،ولم يستنكر طبيعة السؤال ولم يستهجنه.
وبناء على ما تقدم يظهر أن جماع الولد الكبير ممكن وقريب الحصول ،خاصة في
هذا الزمن؛ لكثرة انتشار الفواحش ،ووجود الثارة الجنسية في كل مكان من حياة
الناس ،لهذا يحذر الب هذه القضية ،ويحفظ أولده منها.
ومن مداخل الشيطان على الب أن يحد مجال الختلط بين أولده الكبار،
والقريبات من غير المحارم ،في حدود المصافحة ،والجلوس على الطعام ،والكلم
البريء في البيت مع أفراد السرة الكبار كالب والم .وهذا من الخطأ؛ إذ إن الولد
إذا لم يتعود غض البصر ،والبعد عن مجالس النساء قبل أن يبلغ مبلغ الرجال ،فإنه
يتعود على ذلك كلما كبر ،ويتلذذ برؤيتهن ،ومصافحتهن ،والحديث معهن ،فيصعب
على الب بعد ذلك التفريق بينهم إذا كبروا.
كما أن مصافحة الجنبيات محرمة؛ لقوله عليه الصلة والسلم عندما همت امرأة
تبايعه بمصافحته)) :إني ل أصافح النساء(( ،فامتناعه عن مصافحة النساء في الوقت
الذي يقتضيها -وهو وقت المبايعة - ،دل ذلك على أنها غير جائزة .وإذا كان غض
البصر واجبا خوف الوقوع في الفتنة ،فإن مس البدن للبدن أدعى لثارة الشهوة
وتوقدها من مجرد النظر بالعين .وقد ورد عنه عليه الصلة والسلم قوله)) :لن
ُيطعن في رأس أحدكم ِب ِم ْخ َيط من حديد خير له من أن يمس امرأة ل تحل له((،
وقد نقل بعض العلماء إجماع المذاهب،الربعة على تحريم مصافحة المرأة الجنبية.
ول بد للب أن يعرف ويدرك أن للولد والبنات قبل سن العاشرة رغبة جنسية
تمكنهم من التصال الجنسي -كما تقدم -وتظهر هذه الرغبة أحيانا في ممارسة
العادة السرية ،والعبث بالعضاء التناسلية ابتغاء الستمتاع ،فقد دلت بعض البحوث
المتخصصة على ذلك ،وأشار بعض المختصين إلى هذه القضية الهامة .لهذا فإنه ل
بد من التفريق بينهم ،وأخذ السباب والحتياطات اللزمة لذلك ،وعدم التذرع بأنهم
22
من الرحام الذين يجب صلتهم ،فقد أشار بعض العلماء إلى أن الرحام الذين يجب
صلتهم هم الرحام المحرمة بحيث لو كان أحدهم ذكرا والخر أنثى حرمت
مناكحتهما على التأبيد .فل يدخل في ذلك أولد العمام أو أولد الخوال ،ولو
افترض وجوب صلتهم ،فإنها ل تكون بالختلط والمصافحة ،والخلوة؛ بل تكون
بالحشمة،،والتستر ،والكلم المهذب من وراء حجاب.
ويمكن للب توقيت سن الفصل بين الولد والقريبات من البنات بسن الثامنة ،أو
التاسعة ،وذلك لن في هذا السن يظهر لدى الولد الميل إلى أبناء جنسهم من
الذكور ،فيميلون إلى اللعب مع أقرانهم من الولد ،والنفرة من اللعب مع البنات.
فهذه الفرصة الطبيعية في التكوين النفسي للطفال ُتعد أفضل وقت لتعويد الولد
الستقلل عن البنات الجنبيات في اللعب والختلط .ثم يتدرج الب بعد ذلك
شيئا فشيئا حتى يكون الفصل تاما ،ونهائيا عند قرب البلوغ ،وظهور علماته.
كما يلحظ الب حفظ ولده بعدم أخذه إلى السواق ،خاصة التي يكثر فيها النساء
حيث التبرج ،والسفور ،وإبداء الزينة ،والغزل المعلن بين المراهقين ،فإن هذه
الماكن ل ينبغي دخولها إل لحاجة ،أو ضرورة .فقد أشار ابن تيمية رحمه ال إلى أنه
ل يجوز ارتياد الماكن التي يشاهد فيها المنكر ول يمكن إنكاره ،إل لضرورة
شرعية ،فما يحتاجه الب لولده من المشتريات ،يمكن أن يتولى بنفسه تأمينها دون
اصطحاب الولد؛ حفاظا عليهم من رؤية المنكرات ،وبذلك يكون الب قد اتخذ
السباب الشرعية للمحافظة على أولده ،وحمايتهم من بعض النحرافات الجنسية.
23
ون{ ]المعارج ،[31-29:ول تجوز إل عند الضرورة والحاجة ،فعامة العلماء على
ا ْل َع ُاد َ
تحريمها.
وقد دلت بعض البحوث على أنه يمكن أن يكون لبعض الطفال نشاط جنسي قبل
البلوغ ،يتمثل في اللعب والعبث بالعضاء التناسلية بغية الستمتاع ،حيث وجد أن
ثلثا وخمسين حالة من بين ألف حالة فحصت بعيادة ببرلين بألمانيا قد مارست
العادة السرية ،وقد كانت النسبة الكبرى تخص الولد الذكور في المرحلة ما بين
سبع إلى تسع سنوات ،فانتشار العادة عند الولد أكثر منه عند البنات ،كما ُوجد في
بعض الدراسات أن ثمانية وتسعين بالمائة من الولد قد زاولوا هذه العادة في
وقت من الوقات.
ويرى بعض المهتمين بالتربية أن ممارسة هذه العادة تبدأ في سن التاسعة عند عشرة
بالمائة من الولد .ويرى البعض الخر أنها تبدأ في الفترة من سنتين إلى ست
سنوات ،وبعضهم يرى أنها تبدأ في سن الشهر السادس تقريبا .وبعضهم يتطرف
فيجعل بدايتها مع الميلد ،إذ يؤول جميع نشاطات الطفل بأنها نشاطات جنسية ،وهذا
بل شك خطأ محض ل ُيلتفت إليه ،ول ُيلتفت أيضا إلى كل قول يرى بداية ممارسة
العادة السرية عند الطفل قبل أن يتمكن الطفل من التحكم تحكما كام ًل في استعمال
يديه ،والحصول على بعض المعلومات في المجال الجنسي.
ولعل أنسب القوال ،وأقربها إلى الصواب أن بداية ممارسة هذه العادة بطريقة
مقصودة غير عفوية يكون في حوالي سن التاسعة؛ إذ إن الطفل في هذا السن
أقرب إلى البلوغ ونمو الرغبة الجنسية المكنونة في ذاته .أما مجرد عبث الولد
الصغير بعضوه التناسلي دون الحركة الرتيبة المفضية لجتلب الشهوة أو الستمتاع،
ل يعد استمناء ،أو عادة سرية .وهذا المفهوم مبني على تعريف ،العادة السرية بأنها
العبث بالعضو التناسلي بطريقة منتظمة ومستمرة لجتلب الشهوة والستمتاع ،ل
مجرد التزام العضو من وقت لخر دون هذه الحركة المستمرة.
ويتعرف الولد على هذه العادة القبيحة عن طرق عدة .منها وقوع كتاب يتحدث بدقة
وتفصيل عن هذه القضية فيتعلم كيفيتها ويمارسها،،وطريق آخر تلقائي حيث يكتشف
بنفسه لذة العبث بعضوه ،وطريق آخر يعد أعظم الطرق وأخطرها وهو تعلم هذه
العادة عن طريق رفقاء السوء من أولد ال قرباء ،أو الجيران ،أو زملء المدرسة
ممن حرموا نصيبهم وحقهم من التربية السلمية ،والرعاية النفسية ))فقد لُوحظ أن
أكثر الطفال ممارسة للعادة السرية هم الطفال المضطهدون ،أوالمهملون ،أو
المنبوذون ،أو من ل يظفرون بما يصبون إليه من تقدير في المدرسة أو ساحة
اللعب(( .ففي بعض الوقات -بعيدا عن نظر الكبار - ،يجتمع هؤلء الولد،
ويتناقلون معلومات حول الجنس ،ويتبادلون خبراتهم الشخصية في ممارسة العادة
السرية ،فيتعلم بعضهم من بعض هذه الممارسة القبيحة .وربما بلغ المر ببعضهم أن
24
يكشف كل ولد منهم عن أعضائه التناسلية للخرين ،وربما ،أدى هذا إلى أن يتناول
بعضهم أعضاء بعض .بل ربما أدت خلوة اثنين منهم إلى أن يطأ أحدهما ،الخر،
فتغرس بذلك بذرة النحراف ،والشذوذ الجنسي في قلبيهما ،فتكون بداية لنحرافات
جنسية جديدة .كما أن الخادم المنحرف يمكن أن يدل الولد على هذه العادة القبيحة
ويمارسها معه فيتعلمها ويتعلق بها.
إن حل المشكلة وحماية ،الولد من خوض خبراتها المؤلمة خاصة قبل البلوغ بالنسبة
للولد الكبيرفي طفولته المتأخرة ،يكون أو ًل وقبل كل شيء بتقوية صلته بال ,وتذكيره
برقابته عليه ،وأنه ل تخفى عليه خافية ،فيعلمه الحياء من ال ،ومن الملئكة الذين ل
يفارقونه .ول بأس باستخدام أسلوب عبد ال التستري الذي كان يردد في طفولته قبل
أن ينام ،فيقول )) .ال شاهدي،ال ناظري ،ال معي(( .فيتركز في قلب الولد رقابة ال عليه،
ونظره إليه ،فيستحي منه ،فل يقدم على مثل هذا العمل القبيح.
ويضاف إلى هذا هجر رفقاء السوء ،وقطع صلة الولد بهم ،وتجنيبه إمكانية تكوين
صداقات مشبوهة مع أولد منحرفين ،أو مهملين من أسرهم ،حتى وإن كانوا أصغر
منه سنا ،فبإمكانهم نقل معلومات حول هذه العادة ،أو قضايا جنسية أخرى ،أو على
القل يعلمون الولد شتائم قبيحة متعلقة بالجنس.
ثم يسعى الب بجد وهمه في تكوين صداقات بديلة عن الصداقات المنحرفة،
وصلت قوية بين أولده وأولد غيره من السر الملتزمة بمنهج السلم في التربية،
متخذا في ذلك الوسائل المرغبة،المختلفة.
ويحمي الب ولده من الكتب ،والمجلت ،والنشرات الطبية التي تتحدث عن هذه
القضية بأسلوب غير تربوي ،فتعرضها عرضا يحببها إلى النفس ،ويخفف ضغط
تأنيب الضمير على ممارسيها ،ويشغل وقته بالقراءة المفيدة ،والطلع الجيد ،وارتياد
المكتبات العامة النافعة ،كمكتبات المساجد ،والمكتبات المهتمة بالكتب الشرعية
النافعة ،والثقافية المفيدة ،أو تسجيله في أحد المعاهد ،العلمية ،أو جمعيات تحفيظ
القرآن في فترة ما بعد العصر.
كما يمكنه أن يستغل ميل الولد إلى المخترعات والعمال الميكانيكية ،في طفولته
المتأخرة بأن يؤمن له شيئا من ذلك في المنزل ،أو يسجله في بعض المعاهد
التدريبية المأمونة؛ ليمارس هذه العمال النافعة التي يميل إليها عادة الولد في
طفولتهم المتأخرة .من فوائدها أنها تشغل أوقاتهم ،وتستغل طاقاتهم العقلية والجسمية
فيما ينفعهم ،فل يلتفت الولد إلى ممارسة العادة السرية بسبب هذا النشغال،
واستنزاف الطاقة ،فل يأتي عليه الليل بستره إل وقد أخذ منه جهد النهار طاقته ،فل
يفكر إل في النوم.
25
ويلحظ الب توجيه ابنه عند النوم بأن يلتزم السنة ،فل ينام على بطنه ،فإن هذه
النومة تسبب تهيجا جنسيا بسبب احتكاك العضاء التناسلية بالفراش ،إلى جانب أنها
نومة ممقوتة مخالفة للسنة المطهرة.
أما بالنسبة للولد الصغير فإن عادة التزام الولد لعضوه التناسلي ووضع يده عليه من
وقت لخر :تحدث بعد بلوغ الولد سنتين ونصف تقريبا ،وكثيرا ما ُيشاهد الولد في
هذه السن واضعا إحدى يديه على عضوه التناسلي دون انتباه منه ،فإذا نبه انتبه
ورفع يده .ويعود سبب ذلك في بعض الحالت إلى وجود حكة ،أو التهاب في ذلك
الموضع من جراء التنظيف الشديد من قبل الم ،أو ربما كان سبب اللتهاب هو:
إهمال تنظيف الولد من الفضلت الخارجة من السبيلين.
ومن أسباب اهتمام الولد بفرجه :إعطاؤه فرصة للعب بأعضائه عن طريق تركه
عاريا لفترة طويلة ،فإنه ينشغل بالنظر إليها ،والعبث بها ،والمفروض تعويده التستر
منذ حداثته ،وتنفيره من التعري.
وإذا شوهد الولد واضعا يده على فرجه صرف اهتمامه إلى غير ذلك كأن يعطي
لعبة ،أو قطعة من البسكويت ،أو احتضانه وتقبيله .والمقصود هو صرفه عن هذه
العادة بوسيلة سهلة ميسرة دون ضجيج ،ول ينبغي زجره وتعنيفه ،فإن ذلك يثير فيه
مزيدا من الرغبة في اكتشاف تلك المنطقة ،ومعرفة سبب منع اللعب بها .ول بأس
أن يسأل الولد عما إذا كانت هناك حكة ،أو ألم في تلك المنطقة يدفعه للعبث بنفسه.
26
التربية الجنسية للفتاة المسلمة
-1مشروعية التربية الجنسية للفتاة المسلمة
يكتنف مصطلح التربية الجنسية ،وأساليب تطبيقاته كثير من الغموض والتنازع عند
الباحثين التربويين ،والمنشغلين بنواحي الثقافة الجنسية؛ حيث يحتدم الصراع بينهم
حول :حدود معارفها العلمية ،وأساليب إيصالها ،والسن المناسبة لعرضها ،والجهة
المسؤولة عن تقديمها،،مما جعل من ميدان التربية الجنسية ساحة خصبة لنشر الهواء
الفكرية ،والشذوذات السلوكية ،التي ُتذكيها النظريات الجنسية ،والبحاث الميدانية،
والثورات العاطفية العارمة ،التي أفقدت هذا المجال سر ّيته وستره.
وهذا التّشتّت الفكري والسلوكي يرجع بطبيعة الحال إلى فقدان الثوابت العقدية
والسلوكية التي يتمتع بها منهج التربية السلمية ،حيث جعل من التربية الجنسية
ميدانا ضروريا للعبادة ،فربط بينها وبين الشعائر التعبدية وبعض قضايا السرة
برباط ل ينفصم ،وألزم المربين من كل طبقات المجتمع :بإشاعة المعرفة ،بها،
وإذاعتها كأوسع ما يكون ،حتى إن ال ّمي في المجتمع المسلم ل تخفى عليه فروضها،
وكثير من سننها ومستحباتها ،في الوقت الذي قد يجهل كثير من الوروبيين -رغم
النفلت الخلقي -العديد من معارفهم الجنسية.
ول شك أن الخجل والحرج يكتنفان الحديث عن مثل هذه القضايا الخاصة ،فيستحوذ
الحياء على المفتي والمستفتي ،الكبار والصغار ،خاصة الناث من فئات المجتمع ،إل
أن كسر باب الخجل في مثل هذه الموضوعات الشرعية أمر مهم ،فهذه أم سليم
رضي ال عنها لما أرادت أن تواجه رسول ال eبسؤالها المحرج ،عن الحتلم قالت:
"يا رسول ال إن ال ل يستحي من الحق…" ،ولما أكثر عليها النساء النقد في سؤالها هذا
حل أنا أو في حرام" ،ولما سئل ابن قالت لهن" :وال ما كنت لنتهي حتى أعلم في ّ
27
عباس رضي ال عنهما عن حكم العزل ،دعا جارية له ،فقال)) :أخبريهم ،فكأنها
استحيت ،فقال :هو ذلك (( ،يعني أنه كان يفعله معها .فلم يكن الحياء -رغم استحواذه
عليهم -ليمنعهم من تبليغ الحق ،وتعليم الناس ما يجب عليهم ،حتى ولو صدر السؤال
ال ُمحرج عن الصغير :فإن إعطاءه المعلومات الصحيحة ،بالقدر الذي يناسب مداركه
ول يضره :أمر مطلوب ،ونهج تربوي صحيح ،فهذه عائشة رضي ال عنها ُيواجهها ابن
أختها من الرضاعة أبو سلمة عبد ال بن عبد الرحمن ،وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد
ردت عليه ،فقالت" :أتدري عما ُيوجب الغسل؟ فلم تجد بُدا من إجابته ،حتى ّبسؤاله ّ
مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها ،إذا جاوز ُ ما َمثلُك يا أبا سلمة؟
أدق
الختان الختان فقد وجب الغسل" ،وربما أخبرت رضي ال عنها بصراحة تامة عن ّ
تفصيلت حياتها الجنسية مع رسول ال ، eفيما تحتاج المة لمعرفته.
ورغم هذا الوضوح التربوي المنضبط في تعامل منهج السلم مع هذه القضايا
العلمية الخاصة :فإن الواقع الجتماعي المعاصر بمؤسساته المختلفة يشهد تخّلفا كبيرا
في معارف الفتيات الجنسية الضرورية ،خاصة فيما يتعلق بأحكام الحيض،
كن إلى هذه المعارف وتطبيقاتها إنهن اليوم أفقر ما ّ
ّ والعلقات الزوجية ،حتى
أدى إلى ظهور مضاعفات نفسية واجتماعية السلوكية من أي وقت مضى؛ مما ّ
كبيرة ،تهدد السرة والمجتمع ككل ،رغم التجاوز السلوكي المشين الذي تمارسه
غالب هذه المؤسسات الجتماعية في الشؤون الخلقية والداب الضرورية ،حتى
جعلت معارف الفتيات الجنسية أكثر جوانب حياتهن اضطرابا وبلبلة ،ودفعتهن
-بالتالي -بصورة غير مباشرة نحو المصادر المشبوهة من مثل :وسائل العلم،
والزميلت ،والخادمات ،والمنشورات للحصول على ضرورياتهن من الرشاد العلمي
لصحتهن الجنسية.
يحتم المنطلق الشرعي والواقعي على المجتمع :أن يتناول بالهتمام -عبر مؤسساته
المختلفة -وضع صياغة تربوية مشروعة لمنهج التربية الجنسيةُ ،يحقق للفتاة سلمتها
الخلقية والصحية ،ويساعدها على ضبط اتزانها العاطفي والسلوكي ،بحيث ينطلق هذا
المنهج من ثلثة مبادئ رئيسة على النحو التي:
المبدأ الول :أنوثة الفتاة موضع حرمة أخلقية :حيث تتربى الفتاة من أول أمرها
على تعظيم شأن العورة ،وقبيح إبدائها ،وأنها في الحرمة أعظم من عورة الرجل
وأغلظ ،و ُي ّ
عظم ذلك في نفسها؛ ل ُيسبغ على ذلك الموضع منها طابع التحريم ،الذي ُيم ّيز
تلك العضاء المكنونة عن غيرها بخصوصية ليست لشيء آخر من أعضاء بدنها،
حسها ،فض ًل عن مجرد انكشاف العورة ولو في حال الخلوة ممقوتا في ّ حتى يصبح ّ
العبث الجنسي ،أو التفريط الخلقي ،وفي الحديث يقول الرسول eعن ضرورة حفظ
28
هذا الموقع من الجنسين )) :من يضمن لي ما بين لحييه ،وما بين رجليه :أضمن له
الجنة (( ،وشهوة النثى الجنسية ل تقل عن شهوة الذكر ،بل ربما ،قد تفوقها أحيانا،
فيأتي من جهتها في حال الثارة من السلوكيات الخاطئة والمنحرفة ما يشينها،
و ُي وقعها تحت طائلة العقوبة؛ ولهذا لما سمع عمر رضي ال عنه ذات ليلة حنين امرأة
إلى زوجها الذي خرج إلى الجهاد ،وشوقها الشديد إليه :سأل عنها ،وأرسل إليها امرأة
تكون عندها حتى يرجع إليها زوجها ،وذلك حرصا منه على سلمتها الخلقية ،وسلمة
المجتمع الذي يترأسه.
ومنهج التربية الجنسية -في هذا الجانب -يتخذ من :أحكام الطهارة ،وأبواب ستر
العورة ،وآداب الستئذان مدخ ًل مشروعا لتأصيل هذا المبدأ التربوي،واتخاذه ركنا
أساسا في صحة وسلمة الفتاة الجنسية.
المبدأ الثاني :أنوثة الفتاة موضع فتنة اجتماعية ؛ لكونهن رأس الشهوات ،وموضع
أعظم الملذات؛ حيث تتصدر الفتنة بهن أعظم أنواع بليا الرجال ،وأشد مخاطر
أول الزمان وآخره ،وليس ذلك لقوة فيهن ،ولكن لضعف طباع الرجال من جهتهن؛
حيث قهرهم ال بالحاجة إلى النساء ،حتى جعل الميل إليهن كالميل إلى الطعام
بثفيهن عنصر النوثة الذي يلعب في كيان الذكر دور الشرارة في والشراب؛ حيث ّ
يسري لهب الشهوة في بدنه كحريق النار،،فينصبغ العالم من حوله بطابع
الوقود ،حتى ْ
الشهوة ،حتى تستحوذ على زمام سلوكه ،فل يبقى له رأي ول فهم ،ول يلتفت إلى
شيء حتى يقضي وطره بصورة من الصور ،فالمثيرات الجنسية تعمل ،فيهم عمل
ال ُمشهيات للطعمة ،تدفعهم دفعا نحو الجنس بإلحاح؛ ولهذا كثيرا ما يقع الشباب في
عادة الستمناء القبيحة ،بصورة واسعة وكبيرة؛ يتخففون بها من شدة الثارة
الجنسية.
إن من الحقائق التي لبد أن تعرفها ،الفتاة وتتيقن منها :أن المرأة الجميلة ،ولسيما
الشابة الفاتنة من النساء :تحدث اضطرابا في كيان الرجل ،مهما كان مقامه ،إنما
يختلف الرجال في حجم ضبطهم لنفسهم ،ودرجة تحمل قلوبهم لهذا الضطراب،
يمكن نظره منها ،بل ربما كان وقل أن ينجو الرجل بسلم من الفتنة بالحسناء حين ّ ّ
مجرد سماعه لصوتها ،أو معرفته بصفات حسنها دون رؤيتها :كافيا لتعّلق أصحاب
حد العشق ال ُم ْهلك، القلوب الضعيفة والفارغة بها ،وربما وصل الحال بأحدهم إلى ّ
قدم ال أحد يموت بعشق شيء أكثر من موت الرجال في عشق النساء؛ ولهذا ّ ٌ فليس
تعالى ذكرهن على رأس الشهوات بقدر تقدمهن في قلوب الرجال ،فقال ُ } : eز ّي َن
ير ا ْل ُمقَنطَ َر ِة ِم َن ّ
الذ َه ِب َوا ْل ِف ّض ِة اط ِ ين َوا ْل َق َن ِ ّساء َوا ْل َب ِن َ
ات ِم َن الن َ الش َه َو ِ
ّاس ُح ّب ّ لِلن ِ
آب{ الد ْن َيا َوالّله ِع َند ُه ُح ْس ُن ا ْل َم ِ
اع ال َْح َي ِاة ّ ام َوال َْح ْر ِث َذلِ َك َم َت ُ َ
َوال َْخ ْي ِل ا ْل ُم َس ّو َم ِة َوال ْن َع ِ
]آل عمران ،[14:ومن هنا ُيلْحظ عمق الصلة بين الجمال والجنس بصورة يصعب
إنكارها أو إغفالها ،حيث يتوقف عنف الرغبة الجنسية واندفاعها على درجة الجمال
ووفرته.
29
ولما كان المسلك السلبي في التحفز والنتظار والهدوء هو طابع النثى في سلوكها
الجنسي :فإنها مقابل ذلك في غاية اليجابية تجاه إبراز مفاتنها ،ومواقع الجمال منها،
وصناعة التأنّق والتزين بكل الوسائل الممكنة؛ ،وذلك بهدف رواجها عند الرجل ،فهو
مقصودها الول والسمى بحسن التز ّين والتصنع ،فهي ل تتزين لتعزز إرادة نفسها
كما يفعل الرجل ،وإنما لتعزز إرادة الرجل فيها ،فحجم الزينة الكافية عندها :ما
يزكيها في عين الرجل ،وير ّوج لمكانها ،عنده ،ومن هنا تأتي الفتنة الجتماعية حينما
تنطلق إحداهن -بدافع رواجها عند الرجال -إلى التعبير بوسائل غير لفظية عن
جمالها ومكامن مفاتنها ،أو عن إعجابها وميل نفسها؛ حيث تقوم الحركات الجسمية،
المشية ،ونظرة العين ،ورائحة الطيب :مقام ونبرة الصوت ،وطريقة الوقوف ،ونوع ْ
كثير من الكلم ،ففي الوقت الذي قد تعجز العبارات عن حمله من المعاني المراد
إيصالها :تحمله الوسائل غير اللفظية ،و ُتوصله بصورة قد تكون أبلغ من العبارة
تشكل الكلمات وأقوى ،وقد أشارت دراسة أجنبية أنه في حالة "توصيل رسالة ماّ :
التي نستخدمها نسبة ،%7ونبرة الصوت ،%38ووضعية الجسم …%55وفيه يظهر
بجلء مقدار الوسائل غير اللفظية في عملية التعبير والتواصل" ،وصدق ال العظيم إذ
وموجها نساء النبي rخاصة ،ونساء المؤمنين عامة في مواقفهن مع ّ مؤدبايقول ّ
ض الجنس الخرِ ..…} :إ ِن ا ّت َق ْي ُت ّن َفل َت ْخ َض ْع َن ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع الّ ِذي ِفي َقل ِْب ِه َم َر ٌ
لولَى …{ اه ِل ّي ِة ا َُو ُقل َْن َق ْو ًل ّم ْع ُرو ًفا* َو َق ْر َن ِفي بُ ُيو ِت ُك ّن َول َت َب ّر ْج َن َت َب ّر َج ال َْج ِ
اس َأل ُ
ُوه ّن اعا َف ْ جل وعلَ .…} :و ِإ َذا َس َأ ْل ُت ُم ُ
وه ّن َم َت ً ]الحزاب ،[33-32:إلى أن قال ّ
ُوب ِه ّن …{ ]الحزاب ،[53:وإلى أن قال: اب َذلِ ُك ْم َأطْ َه ُر لِ ُقل ِ
ُوب ُك ْم َو ُقل ِ ِمن َو َراء ِح َج ٍ
ين َع َل ْي ِه ّن ِمن َجل َِاب ِيب ِه ّن َذلِ َك ين ُي ْدنِ َ
اج َك َو َب َنا ِت َك َونِ َساء ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ } َيا َأ ّي َها الن ِّب ّي قُل لّ َأ ْز َو ِ
جلشأنه يما{ ]الحزاب ،[59 :وقال ّ ان الّل ُه َغ ُفو ًرا ّر ِح ً َأ ْدنَى َأن ُي ْع َر ْف َن َفلَا ُي ْؤ َذ ْي َن َو َك َ
ين ِمن ِزي َن ِت ِه ّن …{ في موضع آخرَ .…} :ولَا َي ْض ِر ْب َن ِب َأ ْر ُج ِل ِه ّن لِ ُي ْعل ََم َما ُي ْخ ِف َ
]الن،،ور.[31:
30
السيدة حفصة رضي ال عنها " :إنما الطيب للفراش" ،بمعنى أنه مجال للستمتاع
والثارة بين الزوجين ،فل يصلح خارج ذلك.
وبسبب هذه الخاصية العجيبة لدور حاسة الشم في عملية التواصل بين الجنسين :نبه
النبي rالنساء ،وحذرهن من الخروج بين الرجال الجانب بالطيب ،ولو كان ذلك
لشهود الصلة في المسجد ،فقال عليه الصلة والسلم )) :أيما ،امرأة أصابت بخورا
فل تشهد معنا العشاء الخرة (( ،وقال في حق المتهاونات في ذلك )) :أيما ،امرأة
استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية(( ،وهذا قول شديد ل يليق
بالفتاة المسلمة أن تخالف توجيه الرسول ،eفتقع في مثل هذا الوصف الشنيع.
إن هذه الغريزة ال ُم ْستحكمة ،في طبيعة سلوك الذكور الجنسي ل بد أن تكون موضع
اهتمام الفتاة المسلمة ورعايتها ،فإن حدود حريتها السلوكية كعنصر فتنة :تنتهي عند
يصح أن يصدر عنها أمامهم أو ّ نظر أو سمع أو علم الجانب من الرجال ،فل
بمسمع منهم -ولو بصورة عفوية -ما يكون سببا في إثارتهم ،وتحريك غرائزهم ،من
خلل :لباسها الفاضح ،أو حركتها المقصودة ،أو صوتها العذب ،أو رائحتها العطرة ،أو
خلْوتها بغير محرم ،بحيث تستفرغ جهدها في حمايتهم -كإخوة لها في ال -من كل مثير
يضرهم و ُيخرجهم عن سكون طبيعتهم ،بحيث تتكلف ذلك تكلفا ،حتى ولو أدى ذلك
وصفها عنهم بالكلية ،فل يصل إليهم من فتنتها شيء،
إلى أن تحجب شخصها ،وخبر ْ
كحال نساء النبي rرضي ال عنهن ،فإن هذا المسلك مستساغ شرعا ،إذا لم يف ّوت على
الفتاة مصلحة أكبر ،حيث ُتع ّود منذ الصبا على النفور من الرجال الجانب،
والهروب منهم؛ فإنهن بالطبيعة قُبيل البلوغ :ينفرن من الذكور ،ويملن إلى أترابهن
من الناث.
وفي هذا الجانب يجد منهج التربية الجنسية أوفر مادته الشرعية للدخول إلى هذا
المبدأ التربوي المهم من خلل :أحكام الحدود الشرعية ،وآداب اللباس والزينة ،إلى
جانب القصص القرآني والنبوي المتضمن لمثل هذه الموضوعات في العلقة بين
الجنسين.
المبدأ الثالث :أنوثة الفتاة موضع متعة زوجية :بحيث ل تستنكف أن تكون موضع
وبضعها ،ومكانا لقضاء وطره ،وم ْنبت ولده ،فإن الفتاة الحرة استمتاع للزوج في بدنها ْ
في الصل ممنوعة ومحفوظة من كل الرجال مطلقا ،إل من أجنبي عنها بنكاح،
صحيح؛ إذ الحكمة تقتضي ذلك ،بحيث يبلغ التجاذب بينهما مداه القصى ،حتى
يستمر للبشرية أسباب بقائها ضمن منظومة التزاوج التي بُ ِن َي على أساسها مبدأ تكاثر
الحياء وتناسلها ،فهذا الموضع من الناث ،الذي هو منبت الولد إنما ُخلق للزواج،
ين*
ان ِم َن ا ْل َعالَ ِم َ ون ّ
الذ ْك َر َ كما قال تعالى مستنكرا قبح عمل قوم لوط َ } : eأ َت ْأ ُت َ
ون{ ]الشعراء،[166-156: اج ُكم َب ْل َأن ُت ْم َق ْو ٌم َع ُاد َ
ون َما َخل ََق لَ ُك ْم َر ّب ُك ْم ِم ْن َأ ْز َو ِ
َو َت َذ ُر َ
"فأعلم ال Uالرجال أن ذلك الموضع ُخلق منهن للرجال ،فعليها بذله في كل وقت
31
يدعوها الزوج ،فإن منعته فهي ظالمة ،وفي حرج عظيم" ،ومن هنا تدرك الفتاة
الحكمة من جعلها موضع استمتاع للزوج ،ومدى الخدمة النسانية التي تقدمها للبشرية
باستمرار النوع ،وتكثير سواد المسلمين ،كما أنها أيضا -وللوهلة الولى -تلْحظ من
نفسها ،أو من زوجها بوادر النحراف الجنسي عندما يروم أحدهما أو كلهما ُم ْتعته
بهدر الماء في غير ذلك الموضع ،منها؛ فإن الفتاة الساذجة قد تعيش دهرا مع زوج
شاذ ،فل تتنّبه لذلك منه حتى يفتضح بين الناس ،أو يطلبها للوصال من غير ذلك
الموضع ،فتأبى عليه -كما هو واجب المؤمنة -ول ُت ّ
مكنه من نيل قبيح ُمراده.
ويمكن لمنهج التربية الجنسية أن يدخل إلى هذا المبدأ الصيل من خلل أحكام
السرة في السلم ،وما يتعلق بها من أحكام النكاح ،والعشرة ،والفراق ،والعدة،
ونحوها من شؤون وقضايا السرة المتعلقة بهذا الجانب من العلقات الزوجية
الخاصة.
ومن خلل هذه المبادئ الثلثة يمكن للمنهج التربوي أن ينطلق في تربية الفتاة من
الناحية الجنسية عبر نظام السلم ،وشرائعه المختلفة التي كلف ال تعالى بها الناس،
التفحش ،والنحراف الخلقي الذي تتعاطاه المصادر الجنسية ّ بعيدا عن أسلوب
المشبوهة تحت ستار الثقافة الجنسية.
-1اختصاصها بالحيض والحمل والنفاس والرضاع ،وما يرافق هذه الحوال من
المعاناة التي تتطلب العداد الصحي جسميا ونفسيا ،حتى تتمكن من التغلب عليها،
وتقبلها بصورة أكثر إيجابية.
-3اختصاصها بالقدرة الفطرية على الفتنة الجتماعية مما قد يجعلها موقعا لصورة
من صور انتهاك العرض ،وهذا يتطلب قدرا من الحماية ،السرية والتربية السلوكية؛
لضمان حفظها من مخاطر النحرافات الجنسية التي كثرت في هذا العصر.
32
-1تعليم الفتاة سبل العناية،بصحتها الجنسية في ضوء أحكام الفقه السلمي.
-3توجيه الفتاة إلى الوسائل التربوية المشروعة المعينة لها على ضبط شهواتها
الجنسية.
-4تق ّبل الفتاة للعادة الشهرية وتحمل تأثيراتها المزعجة مع تفهمها لهميتها الشرعية
والصحية.
ل تقل أهمية صحة الفتاة الجنسية عن صحتها النفسية ،أو الجسمية ،أو العقلية ،فإن
لكل جانب من هذه الجوانب أهم ّيته في بناء واتزان شخصية الفتاة المسلمة؛ ،إذ "إن
الحياة الجنسية ظاهرة أساسية في حياة الفراد والشعوب ،وقد بدت أهميتها في شتى
الزمات ،كما تشهد على ذلك الديانات كلها".
ويتلخص نمو الفتيات الجنسي في كونهن ُيراهقن البلوغ قبل الذكور بعام أو عامين،
حيث تبدأ عندهن إرهاصات النضج الجنسي ،وهرموناته الخاصة قبل البلوغ الفعلي
بخمس سنوات تقريبا ،بحيث يكمل لهن تمام ،النضج بصورة تدريجية متتابعة :في
تقدم عند بعضهن -ضمن الحد الطبيعي -إلى الثامنة ،أو الثانية عشرة غالبا ،وربما ّ
ربما إلى السادسة ،وهذا نادر وشاذ ،أو تأخر إلى السابعة عشر كحد أقصى لحصول
البلوغ؛ حيث تقوم كل من :الجذور الوراثية ،والقيمة الغذائية ،والطبيعة المناخية،
ونوع التربية الخلقية :بأدوار مهمة في التأثير على سرعة وبطء عملية النضج
الجنسي ،فتنتقل الفتاة بذلك من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة الشباب ،وسن
التكليف؛ إذ البلوغ هو همزة الوصل بين المرحلتين ،ومفهوم المراهقة في التصور
السلمي ل يعني البلوغ ،وإنما يعني مقاربة البلوغ ،ويكفي شرعا ثبوت البلوغ
بتصريح الشخص ،وتعبيره عن نفسه؛ لنه أمر ل ُيعرف إل من جهته.
وفورة البلوغ تسهم في إطلق ملكات الفتاة الطبيعية ،وكافة ميولها ورغباتها
الفطرية الكامنة في ذاتها ،وتتفجر في أعماقها الميول الغريزية ،وتنبعث في نفسها
العوامل المعنوية ،والخلقية ،فالتحولت المتعلقة بالبلوغ ل تقتصر على الناحية
الجسمية فحسب ،وإنما تشمل ،جميع نواحي الشخصية بما فيها الناحيتين الروحية
والنفسية؛ وذلك للترابط الوثيق بين النفس والجسم في طبيعة النمو النساني.
33
ورغم أن البلوغ غالبا ما يكون في الثانية عشرة عند الفتيات إل أن قدرتهن على
الشهوي :يسبق ذلك بزمن؛ فإن ومقدماتها ،وشيء من التلذذ ّ
ّ الممارسة الجنسية،
النشاط الجنسي يتقدم ُح ُصوله على اكتمال القدرة التناسلية فل ارتباط بينهما من هذه
الجهة ،إل أنه كثيرا ما يبقى في صورة اتجاهات وأشواق ناقصة ،غير مكتملة؛ لن
حد الشهوة الجنسية عند الفتاة في الحادية عشرة تقريبا -حاضت أو لم تحض- ّ
وبداية كمالها ،الشهوي ما بين 18-16سنة ،وقمة لياقتها الجنسية في أكمل صورها
يتأخر حتى السادس والعشرين تقريبا ،وربما تأخر إلى الخامسة والثلثين ،مع كل
مجرد بلوغ الفتاة المحيض ُيعتبر مؤشرا كافيا على قدرتها الطبيعية على هذا فإن ّ
ثم استعدادها للحمل والنجاب بصورة طبيعية ،بل إن قدرتها التصال الجنسي ،ومن ّ
على الحمل قد تسبق في بعض الحالت النادرة نزول الحيض ،ولهذا تقول السيدة
عائشة رضي ال عنها " :إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة" ،ولعلها بهذا التصريح
تحكي تجربتها حين أدخلت على رسول ال eوهي في التاسعة من عمرها ،ومع كل
الحوال فإن البلوغ عادة ل يتأخر عن خمس عشرة سنة ،فلو ق ُّدر أن تأخر لفة في
الخلْقة ،فإن الفة في الخلْقة ل توجب بالضرورة آفة في العقل ،فإذا كان العقل قائما
بل آفة :وجب اعتباره ،وإلزام بنت الخامسة عشرة بالحكام الشرعية باعتبارها،
بالغة ،وفي هذا المعنى يقول المام الترمذي حاكيا عن جمع من العلماء" :الغلم إذا
استكمل خمس عشرة سنة فحكمه حكم الرجال ،وإن احتلم قبل خمس عشرة فحكمه
حكم الرجال" ،فمدار التكليف قبل سن الخامسة عشرة على البلوغ ،وبعدها على
السن.
وهذا الفهم لطبيعة نمو الفتاة الجنسي وارتباطه بالتكاليف الشرعية ُيحتّم على منهج
التربية الصحية مراعاة ذلك منها منذ فترة الطفولة المتأخرة ،ومرورا بمرحلة
المراهقة ،ثم العناية ،الكاملة في أوسع صورها في مرحلة الشباب ،حتى تبلغ الفتاة
بداية ذروة النشاط الجنسي ،وتصبح قادرة على التناسل.
رغم الغموض الشديد الذي يكتنف طبيعة الحياة الجنسية عند أنثى النسان ،وإجماع
الباحثين على الحيرة في تحديد جوانب ملمحها بدقة :فإن الثابت يقينا أن لها نشاطها
الجنسي الخاص ،الذي يختلف اختلفا كبيرا عن نوع نشاط الذكور الجنسي في
جوانب متعددة ،إل أنه مع ذلك يتحد معه بصورة عامة في مبدأ التلذذ والستمتاع،
فمع كون النثى تتأثر -كما يتأثر الذكور -بإفرازات الغدد للهرمونات الجنسية
الخاصة؛ فإنها مع هذا تختلف في طابع سلوكها الجنسي عن طابع سلوك الذكور في
جوانب متعددة.
34
منها :السلبية في السلوك الجنسي بما تحمله من مظاهر النتظار والتحفّز ،وما يقابلها
في سلوك الذكور الجنسي من مظاهر العدوان والمبادأة ،حتى إن المطاوعة منهن
لزوجها في الجماع في نهار رمضان ل ُتلزم بالكفارة عند بعض الفقهاء ،كما ،ل يصح
منها الظهار فتمتنع عن تمكين زوجها من نفسها ،كما أن الفتاة ال ُم ْغتصبة قد ُتعذر إن
خشيت الهلك ،في حين قد ل ُيعذر الرجل إذا أجبر على الفاحشة ،ولعل في خبر
أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما وهي المرأة الجلدة ما يدل على هذه
الطبيعة الجنسية الصيلة في نهج النثى ،وذلك حين زجرها زوجها الزبير eوأرضاه
قربه لما حّلت من عمرتها ولبست ثيابها ،وهو بعد لم يزل على إحرامه ،حيث عن ْ
قالت له ،معّبرة عن هذه الطبيعة السلبية في سلوكها الجنسي كأنثى" :أتخشى أن أثب
عليك" ،وكذلك في خبر نبي ال يوسف eحين راودته امرأة العزيز والنساء معها :دليل
على اختلف طبيعة سلوك الرجل الجنسي عن طبيعته عند النثى؛ فلو أراد الرجل
المرأة أكرهها ،أما إن أرادته هي دون رغبته عجزت عن إكراهه؛ ولهذا لجأت
امرأة العزيز إلى تهديده بالسجن والعقوبة ،فالنثى بطبيعتها الفطرية "أقل اندفاعا
في حياتها الجنسية من الذكر ،كما أنها أقل تهورا ،واندفاعاتها الجنسية هي أكثر
تعبيرا عن عواطفها منها عن حاجتها الجنسية" ،وهذا المسلك السلبي فطري الطبيعة،
ل يشين المرأة في شيء فهو عام في الطبيعة النثوية حتى على مستوى الخليا
تجد في طلب الخلية المؤنثة ،أما البييضة الجنسية ،فالخلية "المذكّرة نشطة متحركةّ ،
فثابتة وسلبية" ،وأعجب من هذا وأغرب في طبائع بعض الناث :ما أشارت إليه
بعض الدراسات من تلذذ المرأة المغتصبة في بعض حالت الغتصاب الجنسي،
رغم شدة الموقف وقسوته -كما هو مفروض -وما ذلك إل لهذا المعنى السلبي في
مسلك النثى الجنسي ،ففي الوقت الذي يتضرر فيه الذكر غاية الضرر إذا ُفعلت به
فاحشة اللواط من حيث إذلله ،وذهاب شهامته :فإن شيئا من ذلك ل يكون بين
الرجل وزوجته لتوافق وتكامل الطبيعتين اليجابية والسلبية بينهما ،ولهذا لما ُسئل
عبد ال بن المبارك عن الغلم إذا أراده بعض الفسقة للفاحشة قال" :يمتنع ويذب عن
نفسه ،قال :أرأيت إن علم أنه ل ينجيه إل بالقتل ،قال :أيقتل حتى ينجو؟ قال:
نعم" ،فالضرر الواقع على الذكر من وطء الذكر ولو بالتراضي أشد وأخبث من
ضرر الغتصاب الواقع على النثى من الذكر ،ولهذا جاءت عقوبة اللواط عند
السلف أشد وأعنف من عقوبة الزنا ،لمخالفتها لصل الفطرة.
ومنها :تح ّمل ترك الجماع مع القدرة عليه :عبادة ،أو اختيارا مباحا لفترات طويلة قد
تركه بالكلية لمصلحة معتبرة شرعا ،في حين تصل إلى أشهر ،أو سنوات ،أو ربماْ ،
يندر هذا المسلك في أكثر الرجال ،و ُيس ْتغرب منهم ،في الوقت الذي ل ُيستغرب إذا
جاء من جهة النساء ،ولهذا لُوحظ أن حالت النفور من الجنس والممارسات ،الجنسية
أكثر في الناث منها في الذكور ،فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة النفور
من الجنس وممارساته تصل عند الناث إلى ،%35وعند الذكور %15كما أن
انشغال أذهان الشباب بالقضية الجنسية أكثر من إنشغال الفتيات ،وهذا كله في
الجملة يدل على اختلف طبيعة السلوك الجنسي بين الجنسين.
35
والموضعية البدنية
ْ ومنها :اختلف أساليب الحوافز الجنسية بين التلقائية السريعة
المحدودة عند الذكور ،وبين التعقيد والبطء في عمل هذه الحوافز ،وتنوعها ،وانتشارها،
البدني عند الناث؛ وذلك لتناسب طبيعتهن الساكنة المستترة؛ ولهذا تفتقر المرأة إلى
زوجها لثارتها أكثر من افتقاره هو إليها في إثارته؛ وذلك بناء على اختلف أساليب
عمل الحوافز الجنسية بينهما.
ومنها :ارتباط النشاط الجنسي عند النثى بالجانب النفسي كأبلغ ما يكون ،في حين
يمارسه الرجل غالبا كوظيفة بيولوجية معتادة ،فمع أن الحياة الجنسية عند النسان
بصفة عامة مرتبطة بجانبه النفسي إلى حد كبير :فإن السلوك الجنسي عند الناث
ظاهرة نفسية أكثر بكثير من كونه وظيفة بيولوجية معتادة ،ففي الوقت الذي يكون
فيه الجنس عند الرجال ممارسات متفرقة :ينغمس النساء فيه بعمق ،وليس ذلك
لكونهن أرغب من الرجال في الممارسات الجنسية وكثرة الوقاع ،وإنما للرتباط،
العميق عندهن بين الناحيتين الجنسية والنفسية ،فالمرأة :قد تمتنع عن الجماع ،وتصبر
على ذلك ،ولكن يعز عليها ويصعب أن ل تكون موضوعا جنسيا ُمستحسنا ،فهي
مفتقرة إلى إعجاب الخرين ،وظامئة لستحسانهم؛ ولهذا كثيرا ما تتبرج المرأة،
وتظهر بعض مفاتنها ،وليس ذلك رغبة في الفاحشة ،وإنما لمجرد إثارة الخرين،
عزز بذلك جنسها ،وما هي به أنثى ،في حين ل ُتعرف مثل هذه المسالك حتى ُت ّ
الجنسية عند الرجال ،بل قد تنفصل عندهم -في بعض الحيان -الممارسة الجنسية
عن الواقع النفسي ،فهذا عثمان بن عفان tيجامع بعض إمائه في الليلة التي ُتوفيت
تح ْل الحالة
فيها زوجته أم كلثوم رضي ال عنها بنت رسول ال eوقبل أن تدفن ،فلم ُ
النفسية -رغم شدتها -دون نشاطه الجنسي ،ومثل هذا ل يكاد ُيوجد في عالم النساء إل
أن يكون شذوذا نادرا.
ومنها :ارتباط ،نشاط الناث الجنسي بالمعاناة واللم؛ وذلك لرتباطه بالتناسل
ومكابدة آلم الحمل والولدة والرعاية ونحوها ،في حين ل يعدو نصيب الرجل من
ص ْف َو ّلذتها ،كما هو في غالب طوائف الحيوانات ،ولهذا هذه المعاناة النسائية إل َ
لحظ بعض الباحثين زيادة ميل النساء في هذا العصر -بصورة خاصة -نحو الجنس
بعد ظهور حبوب منع الحمل التي حققت للنساء المتعة الجنسية دون الرتباط ،بمعاناة
ففرقت موانع الحمل الحديثة بين الجنس الحمل ،وما يلحق به من رعاية النسلّ ،
بهدف التكاثر ،والجنس بهدف المتعة.
36
ومن خلل هذه النقاط المتعددة تظهر الفروق الجوهرية -التي يحاول بعضهم
إنكارها -بين سلوك الذكور الجنسي وسلوك الناث ،التي تفرض على منهج التربية
مراعاة هذه الطبائع الصلية في كيان الجنسين ،والعمل على ثباتها ،كل حسب
متفرد.
ّ طبيعته ،ودوره كنوع إنساني
الحيض أو الطمث :نزيف دموي أسود ثخين ،منتن الرائحة ،يدفعه الرحم عبر
أعضاء النثى التناسلية بطريقة تلقائية في عدد من اليام ،أقّلها دفعة من دم،
وأكثرها سبعة عشر يوما ،وذلك بصورة دورية كل شهر ،ضمن سنوات الخصاب
وطبع معتاد معروف منهن" ،وهو مع ذلك أحد أنواع الدماء ٌ ْقة في النساء ،
وهوِ " :خل ٌ
الثلثة المتفق عليها بين المسلمين ،والخاصة بالنساء وهي :دم النفاس :ودم
الستحاضة،،ودم الحيض ،إل أنه أهم هذه الدماء لعتياده ،ولعموم بلوى النساء به.
ولما كان الحيض بطبيعته استنزافا دمويا :فإنه يستهلك شيئا من قوى الفتاة البدينة،
فيؤثر في نشاطاتها الحيوية ،وأدائها الجسمي العام ،خاصة إذا كانت الفتاة في الصل
ضعيفة الب ْنية ،فإن بلوغها سن المحيض ل يزيدها إل رهقا وضعفا.
يشكل للفتيات عنتا جسميا؛ فإنه إلى جانب ذلك ُيثير عندهن قلقاومع كون الحيض ّ
وتوترا نفسيا ،وشعورا عاما بالسلبية والدنس ،وربما ،ه ّيأ لبعضهن حالة نفسية تساعد
على النحراف الخلقي ،حتى إن الدراسات تكاد تجمع على أن معظم جرائم النساء
تتم في أثناء الحيض ،ولعل مما يؤكد هذا الواقع :الحديث الذي ُروي عن النبي r
يربط فيه بين الحيض والشيطان؛ لكون المرأة بالحيض تنقطع عن الصلة وبعض
العبادات ،فيكون ذلك محبوبا للشيطان ،وبالتالي تكون أقرب للوقوع في الخطأ،
وأكثر تهيؤا لقبول وساوسه وأوهامه.
ولعل أقل ما يمكن أن يبعثه الطمث في نفس الفتاة :الخجل ،خاصة عند المبتدئات
منهن ،مما يدل -في العموم -على وجود معاناة صحية عامة تصاحب ،نزيف هذه
الدماء ،و ُتؤثر بصورة سلبية على مشاعر الفتاة ،وطاقاتها،البدنية.
والملحظ أن سبب وجود هذا التوتر النفسي ،وشدة عنفه ترجع -من جهة -إلى
طبيعة الحيض المستنزفة لطاقة البدن ،ومن جهة أخرى ترجع إلى الغموض
والختلف الذي يكتنف فقه الحيض ،واستغلق بابه على الجهابذة من الفقهاء ،فض ًل
عن الفتيات ال ُمتح ّيرات ،اللتي ل يعرفن له أياما معلومة ،ول ُيم ّيزن له لونا معروفا،
فل يهتدين في ذلك بشيء ،في ْن َس ْقن بالتالي إلى شيء من التذمر والضيق ،والتز ّمت
حدالفقهي المتكّلف ،الذي نهت عنه الشريعة ،السمحة ،والذي قد يصل ببعضهن إلى ّ
الشك في طهارة كل شيء ،كما حدث للمرأة الصالحة ،أم الفضل بنت المرتضى )ت ّ
37
773ه (،من البتلء بالشك في الطهارة ،إلى درجة أنها ل تأكل ،ول تلبس إل من
صنع يدها حذرا من النجاسات.
كما أن تراث القرون الغابرة ،وما خّلفته من ركام مشاعر الخزي والنجاسة التي
بالح ّيض والنفساء ،كل ذلك ينحط بثقله على نفس الفتاة وأحاسيسها ،فيطبعها ُربطت ُ
بمشاعر الشذوذ والمنبوذ ّية ،و ُيلْبسها ثوب الحقارة والدونية.
إن محاولة علج المشكلت ،المتعلقة بالدورة الشهرية ،والتخفيف من آثارها السلبية
على نفس الفتاة ،وصحتها العامة :ينطلق في منهج التربية السلمية من أربع نواح
مهمة ،وذلك على النحو التي.
الناحية الولى :شرعية ،حيث ربط نظام السلم بين الحيض ،وبين العديد من
الحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملت ،حتى إن المتأمل يجده طبيعة
فطرية مهمة لضبط عبادات النساء ،وعلقاتهن الزوجية؛ لهذا أوجب الشارع الحكيم
عليهن تعّلم أحكامه ،وجعلهن في كل ذلك م ْؤتمنات على ما يجري في أرحامهن،
صد قات فيما يخبرن عن أحوالهن الخاصة ،فهذا النزيف الدموي المتكرر من هذه ُم ّ
الجهة نعمة ،وليس بنقمة.
الناحية الثانية :نفسية ،حيث تجد الفتاة في تق ّبلها لهذه الطبيعة النثوية ،وحسن توافقها
معها :تعزيزا لجانبها المعنوي؛ لنها بتوافقها ،ورضاها عن هذه الحالة النسائية الفطرية،
تمارس عبادة ل تعالى وتؤجر عليها؛ وذلك من خلل أسلوب الترك لبعض أنواع من
الشعائر التعبدية ،فهي ل تترك هذه العبادات لكونها أصبحت بالحيض نجسة ،أو
ناقصة الهلية ،فإنها بإجماع المسلمين طاهرة الذات ،كما أنها كاملة الهلية؛ وإنما
تترك بعض العبادات طاعة ل تعالى حيث أوجب ذلك عليها زمن الحيض ،ل لمجرد
كونها تنزف دما ،فإن ال ُمستحاضة ،هي الخرى تنزف دما -وكلهما ،نجس بالجماع
يفرقون بينهما من جهة المدة لو ل أن كسائر الدماء السائلة -حتى إن الطباء ل ّ
الشارع الحكيم فرق بينهما ،ومع هذا ل تمنع ،ال ُم ْستحاضة ،من العبادات والممارسات
التي ُتمنع منها الحائض والنفساء ،فل تأثير لدم الحيض على شخص الفتاة باعتبارها
إنسانا ،وإنما تأثيره في المنع من الجماع ،وعلة ذلك الضرر الثابت ،وفي الثر عن
عائشة رضي ال عنها قالت" :إذا حاضت المرأة َح ُر َم الحجران"؛ يعني الفرج والدبر،
وأما تأثيره في سلوكها العبادي فل ُيعّلل؛ لكونه عبادة ،والعبادات ل تعّلل؛ إذ الصل
فيها النقياد والخضوع ،فالمر التعبدي هو "المر الذي ل تدرك له عّلة ،ول يتوصل
سر تشريعه ،كعدد ركعات الصلوات المفروضة" ،ومع هذا العقل إلى معرفة ُك ْنه ّ
38
فأمر الحيض ُم ْنحصر في :الصلة ،والصيام ،والمكوث في المسجد ،وقراءة القرآن،
حد نقصان الدين عندوما عدا ذلك فهي كما كانت قبل الحيض وبعده ،وهذا هو ّ
الح ّيض من النساء ،وفي الحديث )):نقصان دين النساء الحيض((.
الناحية الثالثة :صحية ،من حيث أن سيلن دم الحيض -في حد ذاته -دليل على
اكتمال نمو الفتاة ،وسلمتها الصحية ،وقدرتها على التناسل ،فإذا اجتمع إلى ذلك:
اعتدال عدد أيامه ،وانضباط زمن سيلنه :كان دلي ًل جيدا على كمال صحة الفتاة
النفسية والجسمية ،في حين ُتعد الفتاة التي ل تحيض ناقصة َم ِعيبة؛ فإن انقطاع
وحرج ،واحتباسه ،أو اضطراب سيلنه :مرض وأذى، ٌ الحيض -في حد ذاته -يأس
ف ُعلم من ذلك أن الحيض صحة للفتاة ،تتخفّف بخروجه من آفاته وعلله -تماما -كما
تتخفف من باقي أنواع الفضلت التي تتأذى باحتباسها ،مع كونه أمارة سلمتها
للنجاب؛ ولهذا لما أراد ال تعالى إكرام نبيه زكريا : uأصلح له زوجه بأن جعلها
صالحة للولدة برد الحيض إليها بعد أن كانت عاقرا؛ فالحيض صلح للنساء" ،والفتاة
خال من الصراعات ،والمتوافقة مع انتمائها النثوي :تنتظر ٍ القابلة ُ
لنوثتها بشكل
الحيض باعتزاز كدليل على المرور إلى النضج ،والنوثة الفعلية".
الناحية الرابعة :اجتماعية ،حيث الخجل الشديد الذي ينتاب الفتيات من سيلن الدم،
وما يصدر عنه من رائحة كريهة ،مما قد يسوقهن إلى بعض السلوكيات الجتماعية
والصحية الخاطئة ،تحاشيا منهن للحرج الجتماعي والسري ،وقد عالج نظام السلم
التربوي بصورة جذرية هذه الناحية بإجازة مخالطة الحائض بصورة طبيعية دون
تح ّفظ؛ حتى تبقى قضية الحيض في حدود حجمها الطبيعي ،تخدم صحة الفتاة العامة،
وتضبط نظام عباداتها ومعاملتها ،الشرعية ،وقد وضع رسول ال rمن خلل معاملته
يحد من معاناة الفتيات لهذه المسألة، للح ّيض السلوب الجتماعي المثل ،الذي ّ ُ
ويحصرها ،في زاويتها المحدودة ؛ فقد كان يبلغ من الحائض مبلغا عظيما :فيؤاكلها
ويشاربها ،ويصلي بجوارها ،ويقرأ شيئا من القرآن في حجرها ،وربما خالطها مباشرا
خده وصدره الشريفين على لها ،فل يتحاشى من ذلك إل الجماع ،حتى إنه ربما وضع ّ
كساءه الذي ُيصلي
َ رحلَه على دابته ،أو
فخذ إحداهن وهي حائض ،بل ربما نال د ُمها ْ
فيه ،أو ثوبه مما يلي جسده الشريف،حتى يراه الناس ،فل يزيد في كل هذه المواقف
بغسله دون نكير ،أو تثريب ،فلم يثبت عنه عليه الصلة والسلم المتعددة على المر ْ
في كل جوانب عشرته للنساء عموما ،ولزوجاته خصوصا ما يدل على استقذاره ،أو
نفوره من شخص الحائض ،أو مما ينساب منها؛ لكونه يصدر عنها تلقائيا بغير إرادة
منها ،فهذه الصور الواقعية للممارسة النبوية تبقى مثا ًل حيا للطريقة الجتماعية
الصحيحة في رعاية الفتيات ،والنساء عموما حين يتلّبسن بحال الحيض أو النفاس.
ومع كل ما تقدم في هذه النواحي الربع تبقى مسألة الدماء الطبيعية بالنسبة للنثى
حبسوتعطيل ،ل تنفك معاناتها ،النفسية والجتماعية عن تجربة الفتاة
ٍ وأوليائها أداة
39
الحائض ،مهما كان نصيبها التربوي من الرعاية والعناية ،الخاصة ،ومهما كان مقام
والسؤدد؛ ففي حجة الوداع لما حاضت عائشة رضي ال عنها ،تمّنت، ْ ول ّيها من الفضل
منكسة …" :ل أحسب النساء خلقن إل للشر"، أنها لم تحج ذلك العام،،وقالت متذ ّمرة ّ
ولما بلغ رسول ال eعند ن ْفره من منى خبر حيض صفية بنت حيي رضي ال عنها،
وكونها بسبب حيضها سوف تعوق الركب عن السفر :دعا عليها بال ُعقم ،وحلق الرأس،
بما هو معلوم عند العرب في مثل هذه المواقف المحرجة ،حيث قال لهاَ )) :ع ْق َرى
َحلْقى ،إنك لحابس ُتنا… (( ،ومن هنا فل بد أن توطن الفتاة نفسها على مكابدة هذه
النواع من المعاناة الطبيعية التي ل بد منها ،مع الرضا بها على أنها نوع من البتلء
تسخط.
الذي يتطلب الصبر،،مع التقبل لها ،والتوافق معها ،دون تذ ّمر ،أو ّ
الحتلم :هو الجماع وما يتعلق به في المنامُ ،يعاينُ ُ،ه البالغ ضمن تجربة جنسية،
فيقذف الماء بصورة تلقائية ،يصاحبها عادة شعور باللذة والنفراج ،وهو من
خصوصيات النسان ،عدا النبياء عليهم السلم لكمالهم ،والذكور والناث في شأن
الحتلم سواء؛ إذ هن في مثل هذه القضايا شقائق الرجال ،حتى العذراء منهن يمكن
أن تحتلم ما دامت بالغة؛ فقد سئل رسول ال : eهل تغتسل المرأة إذا هي احتلمت؟
فقال " :نعم إذا رأت الماء" ،،وهذا من المور الثابتة المعلومة لدى الطباء.
وبداية قدرة الفتاة على هذا النزال المنامي :بلوغها لسن الحيض ،حيث يسبق هذه
جمع من الحلم المنامية التي تحمل ،مضامين عاطفية ،تؤكد بصورة عامة ٌ السن
نوع هوية الفتاة الجنسية.
ومع كون تجربة الحتلم تشمل ،كل طبقات الناث البالغات ،إل أنها -مع ذلك -ل
تعم بالضرورة جميع أفراد النساء؛ فإن الحتلم فيهن قليل مقابلة بأحوال الذكور،
ّ
لندرته -
خاصة عند المتزوجات منهن ،والشواب من الفتيات ،حتى إن البعض ْ -
استنكر وقوعه منهن؛ فقد تعيش إحداهن الدهر ل تعرف إنزال الماء إل بالجماع ،
حتى وإن كانت ترى في منامها دواعي ذلك كما يراها،الرجل.
وكل هذه الحوال المختلفة لطبيعة احتلم الناث تبقى بالنسبة للفتاة السليمة
الصحيحة ضمن الحدود الطبيعية المعتادة التي ل ُتستنكر ،فكما أن في الناث من ل
تكاد تحتلم أصل ،فكذلك يوجد في الرجال من العزاب من ل يعرف الحتلم ،مع
كمال قدرته الجنسية وتعفّفه ،ومع ذلك فإن المضمون الجنسي للحلم عند النسان
بصورة عامة ل يزيد عن ) (%10من مجموع أنواع المضامين المنامية الخرى،
وهذه المضامين الجنسية هي في جنس الرجال أكثر منها في جنس النساء.
40
ومن جهة أخرى ل ينبغي للفتاة المسلمة ،المتعفّفة :أن تستهجن أو تستحقر تل ّبسها
بتجربة الحتلم مهما كانت شنيعة؛ فإنه ل حرج عليها ،حتى وإن كانت متزوجة -ما
دام يحصل لها بصورة معتدلة -ذلك لكونها ظاهرة طبيعية صحية ،ينتفع بها البدن
غاية النتفاع ،ويحصل بها تفريغ الطاقة الجنسية المكبوتة ،بصورة فطرية مشروعة،
تستغني بها الفتاة عن الوسائل الخرى الممنوعة ،وإنما عليها الحذر من اللتفات إلى
موضوعات هذه الرؤى الجنسية ،وما تتضمنه من مواقف عاطفية مع شخصيات
معروفة أو خيالية؛ فإن للقلوب الضعيفة تعّلقا ولو بالخيال ،والحتلم -مع كونه نافعا
في العموم -فإن الشيطان يدخل ُُه بتأثيره الخاص ،فليكن انتفاع الفتاة بانتقاص الماء،
وذهاب ال ْفضل ،وسكون ال ُغلْمة ،دون ملبسات ومتعلقات مواقف التجربة المنامية.
يتحد الذكور والناث -بصورة عامة -في دوافعهم الجنسية ،وميولهم الشهوية ،فكما
أن في الرجال من تغلبه ُغلْمته ،حتى تصل به إلى درجة الفراط ال ُمخل ،فإن في
النساء أيضا من ت ْغلبها شهوتها ،وهيجان غريزتها ،حتى ل تكاد ترتوي بشيء ،وفي كل
الجنسين -من جهة أخرى -من ل إ ْرب له ،ول شهوة ،إل أن المعتدل من نوعي
النسان هو الغالب العم.
حدة الشهوة بين الجنسين ،حيث تخضع -بشكل كبير -عند الناث إلى مواسموتختلف ّ
شهرية ،وعوامل نفسية ،وتكون ذ ْروتها في الثلثينات من أعمارهن ،في حين تستوي
حدتها في سلوك الذكور بصورة كبيرة فل تخضع لمواسم معينة ،وتكون ذروتها ّ
عندهم قبل سن الثلثين.
تحل المشكلة الجنسية بصورة جذرية ،فإنها تؤثر بصورة ّ وهذه العادة مع كونها ل
سلبية على طاقات الفتاة :الروحية ،والنفسية ،والجسمية ،وعلقاتها الجتماعية ،ونجاح
حياتها الزوجية في المستقبل ،ولهذا فهي طريقة ممنوعة شرعا عند جمهور العلماء،
وإنما أجاز بعضهم تعاطيها على سبيل الضطرار ،حين ل يجد المضطر سبي ًل
مشروعا لتصريف الطاقة ،أو تسكين ال ُغلْمة ،بشرط أن يكون ذلك لكسر الشهوة
وليس لطلب اللذة ،فإن أقل ما ُيقال في هذه العادة :أنها من قبائح الخلق
ومرذولها.
ْ
41
وأما حكم الستمناء حالة الضطرار للناث ففي جوازه خلف ،ولئن كان بعضهم
يس ّوي بين الجنسين في حكمه حال الضطرار ،إل أن المسألة -مع ذلك -تختلف في
حق المرأة لما قد تخّلفه هذه الممارسة القبيحة من أضرار صحية على جهازها،
العصبي ،وتشوهات وقروح وآلم على أعضائها التناسلية الحساسة ،فلئن كانت ،هذه
العادة في حق الشاب المضطر وسيلة للتخلص من الفاحشة ،فإنها في حق الفتاة
المضطرة ذريعة إلى الفاحشة؛ وذلك لختلف طبيعة السلوك الجنسي بينهما ،ففي
الوقت الذي تفتقر فيه الفتاة فطريا للطرف الخر لتفريغ طاقتها الشهوية ،حيث ل
تأججا :فإنها في حق الشاب المضطر ممارسة تزيدها ممارسة هذه العادة إل ّ
موضعية ،ل تفتقر لطرف آخر ،ويمكن أن تحصل في حقه بصورة تلقائية ،بل إن
مجرد النظر أو التفكير من الشاب الممتلئ حيوية كاف لتفريغه للطاقة ،فالمسألة ،في
حق الفتيات من هذه الناحية تختلف؛ ولهذا كثيرا ما كان يتندر بعض الماجنين من
شعراء العرب بالستمناء ،معبرين عن سهولته عليهم ،حين تشتد غلمة أحدهم،
فيصرف طاقته بالستمناء ول يبالي ،في حين ل ُيذكر شيء من ذلك عن النساء في
أسلوب تصريف طاقتهن الشهوية.
ول ُيفهم من هذا التوجه الفقهي :ك ْبت الطاقة الجنسية ،بمعنى إنكارها ،أو استقذارها؛،
وإنما المقصود هو ضبط النشاط الغريزي ،وتوجيهه في مساره الصحيح بصورة
شرعية واعية ،فإن "تأثير الغريزة الجنسية في نفوس الشباب أشبه ما يكون بالنار
تحد من
المستعرة ،فإذا تمردت ،وتجاوزت حدود المصلحة،،و ُتركت طليقة دون قيود ّ
هيجانها :فإنها تكون قادرة على أن تحرق جذور كل الفضائل النسانية والسجايا
الخلقية ،وتقضي بالتالي على سعادة النسان" ،وتذهب بنور عقله وبصيرته ،وتدفع
به للقيام بما يعارض المصلحة ،والعقل ،ويجلب الشر والمصائب والدمار ،وذلك بسبب
ما تحمله جاذبية الغريزة من اللذة والمتعة التي تدفع النسان نحو الحرية الجنسية،
"ولكن حفظ الحياة الجتماعية ،والوصول إلى التكامل المعنوي :يتطلبان تحديد
غرائز النسان ،وإشباعها في حدود المصلحة الفردية والجتماعية" ،فالضوابط
الشرعية للسلوك الجنسي ليست أغل ًل لتقييد النسان ،والسعي في حرمانه من ملذاته،
وإنما هي كوابح لحكام تصرفاته ،وتوجيه طاقاته ،بما يحقق مصلحته الخاصة ضمن
مصالح المجتمع العامة.
ومن طبيعة الغريزة الجنسية عند النسان أنها مرتبطة بإرادته ،كحاله مع الطعام
والشراب ،في حين ل يرتبط ،تنفّسه وضربات قلبه ونحوهما بإرادته ،وهذا من شأنه
إضفاء شيء من اللذة والمتعة على السلوك الغريزي المنضبط بالرادة ،في الوقت
الذي ل يجد فيه النسان تلك المتعة واللذة في سلوكه غير الرادي ،فإذا تمادى
النسان في إشباع ملذاته الشهوية ،وانطلق في تعاطيها بل ضوابط :فإن إرادته
تضعف ،وربما تضمحل ،لتقرب من حال غرائزه التي تعمل بل إرادته ،فتكون
الشهوة رقا كحال العبد مع سيده ،وربماّ ،
انحطت به إلى مرتبة الحيوان ،فيفقد حينئذ
اللذة والمتعة اللتين ينشدهما ،وتصبح الشهوات لكثرة ممارستها بل معنى ول مضمون،
42
يفسر انصراف كثير من الغربيين عن المسالك الفطرية لتصريف
ولعل هذا الفهم ّ
الطاقات الجنسية :إلى دركات الشذوذ والنحراف المخالف للفطرة السوية.
ومن هنا فإن "تعديل الميول النفسية ،وترويض الغرائز هما من الركان الرئيسة
للتمدن ،والشروط الساسية لسعادة النسان وهنائه ،وهذا ما أجمعت عليه كل
الديان السماوية،،والعلماء والمفكرون كافة.
إن وسيلة الفتاة العزباء لضبط هذا الدافع بعد عون ال تعالى ،وسلمة صحتها العقلية
والجسمية من المراض العصابية والعضوية المثيرة للشهوة :تجنّبها للمواد الدسمة
والبهارات والتوابل في مأكلها ،والسوائل المنبهة في مشربها ،وتر ّفعها عن ارتداء
الملبس الضيقة ،وكشف العورة في الخلوة ،وبعض الرياضات ،البدنية مثل :السباحة
وركوب الخيل وقيادة الدراجات ،مع حذرها من سلوك الخادمة المنحرفة ،أو
أسكن للشهوة ،مع أخذها الصديقة المنحلة ،وعليها بنتف العانة بد ًل من الحلق ،فإنه ْ
يكسر الشهوة، بشيء من الخشونة في فراشها ،ول بأس بالطعام ،أو الدواء الذي ْ
فإن هي اتخذت هذه الوسائل ،مع اتقائها للبطالة والفراغ ،وحذرها من ويخفف منهاْ ،
النفراد والنعزال :كان أعظم وأكثر نفعا في ضبط الشهوة؛ إذ يلعب الخيال
الجامح ،والتجربة الطائشة عند الفراغ في زمن الخلوة :أدوارا في إثارة الغريزة ،مما
قد يدفع بعضهن إلى العبث بأعضائهن التناسلية ،وربما ،حشت إحداهن نفسها ببعض
المواد الغريبة؛ ،فإن الفتاة الصحيحة البنية إذا بقيت بغير ُش ْغل حنّت إلى النكاح ،
واشتاقت للرجال ،فإن غالب ،العشق إنما يأتي من فارغ النفس المترف المن ّعم ،الذي
ُكفي أسباب المعيشة والجهد والكد ،وعمر بن الخطاب eيحذر من ذلك ،وينّبه عليه،
فيقول" :الراحة للرجال غ ْفلة ،وللنساء ُغلْمة" ،ثم الفتاة بعد أخذها بهذه السباب
تترك لطبيعتها الفطرية أسلوبها الخاص في تفريغ الفائض من طاقتها الجنسية بصورة
عفوية من خلل الحتلم المنامي ،الذي يحصل خارج حدود التكليف الشرعي.
لقد ثبت يقينا وجود علقة في غاية القوة بين ضعف الوازع الديني اليماني ،وبين
النحرافات الخلقية والسلوكية ،خاصة فيما يتعلق بسلوك الفتيات الجنسي ،فبقدر ما
يضعف اليمان في قلوبهن ،وي ْبهت تأثيره في نفوسهن :تزداد مظاهر إنحرافهن
يكن
ّ دل البحث الميداني على أن غالب ،البغايا لم
الجنسية بصورة أكبر ،وقد ّ
43
مضطرات لهذه المهنة الخسيسة؛ مما يؤكد أن المشكلة في الصل تكمن في
اضمحلل القوى اليمانية ،التي لم تعد تقدر على مواجهة غلبة الشهوات المفرطة،
والنزوات الساقطة ،وقد قال الحكماء من قبل" :الشهوة رق" ،يعني أنها تسترق
جرت إلى اقتحام صاحبها؛ لن "الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوىّ :
المتضادة بين اليمان
ّ الفواحش" ،ولهذا يقول الرسول eموضحا هذه العلقة
ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن…(( ،حيث يمتنع والنحراف الجنسي " :
اجتماعهما ،ولما كان اليمان بطبيعته نزيها طاهراُ :ينزع من صاحبه ،فل يرجع إليه
إل إذا أقلع عن فعلته المنفّرة لليمان؛،إذ ل يمكن بحال أن يجمع العاصي -في وقت
واحد -بين كمال اليمان الرادع ،وبين الكبائر ال ُم ْردية؛ ولهذا يجد المسلم في نفسه:
من وخز الضمير ،ومشاعر الحتقار ،بعد ارتكابه الفاحشة مال يجده الكافر ،ومن هنا
كان أسلوب العتراف في العهدين النبوي والراشدي -مع قّلة النتهاكات الجنسية-
هو السبيل الوحيد لقامة الحد ،ومع هذا -رغم البون الشاسعُ -توصي منظمة الصحة
العالمية بضرورة إدخال التربية الدينية ضمن المناهج ،الدراسية؛ بهدف الوقاية من
مشكلت النحرافات الجنسية المتفاقمة ،مما يشير بوضوح إلى الهمية الدينية -
بصورة عامة -وتأثيراتها الروحية في ضبط السلوك الجنسي ،وتعديل مساره بصورة
إيجابية -تماما -على عكس ما يراه البعض.
وقد عالج المنهج الرباني شحنة الندفاع الشهوانية بلجام التكاليف الشرعية؛ حتى
تتوازن قوى الدوافع الجامحة ،مع قوى الكوابح اللجمة ،ضمن مسار العتدال في
السلوك الجنسي ،الذي يتحقق من خلله بقاء النوع النساني ،و ْفق منظومة الخلق
والداب اللزمة ،ومن هنا جاء اللزام بالتكاليف ،والوعد والوعيد مع قوة انبعاث
الشهوة الجنسية؛ لتضبط اندفاعها ،و ُت ّهذب ع ْنفها؛ ولهذا كثيرا ما تلْجأ الفتيات نحو
الشعائر التعبدية بأنواعها المختلفة؛ ليتخفّفن بها من شدة ال ُغلْمة وإلحاح الشهوة ،فإن
حدة
النشاط الروحي في البيئة الغنية بالعمال الصالحة :يخفّف بدرجة كبيرة من ّ
التوتر الجنسي؛ ولهذا أرشد الشارع الحكيم إلى عبادة الصيام -بصفة خاصة -كوسيلة
تربوية ف ّعالة لكسر الشهوة بصورة مشروعة ل ضرر فيها.
ومن هذا المنطلق الثابت للتأثير البالغ لليمان ،على سلوك الفتيات الجنسي :فإن على
السمو الروحي
مؤسسات التربية في المجتمع أن تلحظ ذلك منهن ،ف ُتهيء لهن فرص ّ
من خلل مناهج العبادات التي تقوي إيمانهن ،وتزيد من صلتهن بال تعالى؛ حتى
يستقر في نفوسهن وسلوكهن" :أن التعفّف عما ل يحل الستمتاع والتلذذ به إيمان ،
خلفله".
ٌ وأن التهتك
44
المسلك
شخص متعاطيه بين انحراف الفكر ،وقبح السلوك ،فينتقل من خلل غواية ْ
إلى غواية الفهم ،فيجمع بين الرذيلتين ،وقبيح الغوايتين.
وأهمية تربية الفتاة من الناحية الجنسية ل تقتصر -خاصة في العصر الحاضر -على
مجر د إقناع الفتاة بأحكام العلقات الجنسية وضوابطها؛ بل تتعدى ذلك إلى حمايتها
ّ
من أضرار الفساد الجنسي بأنواعه وجوانبه المختلفة؛ إذ ليس من الطبيعي في منهج
التربية السلمي القتصار على التوجيه الفكري ،والقناع العقلي دون الهتمام الجاد
ببناء البيئة الطاهرة النقية ،التي تساعد على الستقامة السلوكية ،الخالية من الفتنة
والفتتان.
مرت البشرية عبر َحقب تاريخها الطويل بمظاهر متعددة ،وصور متنوعة من لقد ّ
النحرافات الجنسية ،التي كانت من بين السباب الرئيسية لزوال كثير من
الحضارات ،وأفول كياناتها ،بكاملها ،وضياع إنجازاتها الكبرى ،وما زال العامل
الجنسي -كمحور رئيس للخلق -يهدد الحضارات النسانية المعاصرة بالزوال،
بشر بقيام حضارة أخرى ،على أسس جديدة من القيم الخلقية ،والسلوك القويم، و ُي ّ
فإن مستقبل النسانية مرهون -إلى حد كبير -بالطريقة التي يتناول بها النسان
تصريف طاقته الجنسية ،التي يقوم عليها بقاء النوع ،واستمرار النسل ،والتي امتزجت
باللذة والمتعة لضمان استمرار عطائها ،مما قد يدفع النسان -بهدف المتعة -إلى
النحراف بهذه الطاقة بعيدا عن مقصد الشارع من مبدأ تركيبها ،لتصبح أداة
إزعاج ،وتدمير للنسانية.
لقد أصبح من المسّلم به عند الباحثين أن التوتر الجنسي الدائم هو سمة الحضارة
المعاصرة ،وطابعها العام؛ ،بحيث يصعب ،على الفرد المعاصر -ذكرا كان أو أنثى-
حماية نفسه من زخم الثارة الجنسية العارمة ،ومثيراتها المتنوعة ،الضاربة في كل
جنبات الحياة الحضرية المعاصرة ،والمتغلغلة في جزئياتها الصغرى ،وكلياتها الكبرى،
مما كان له بالغ الثر في دفع الناس عموما ،والشباب،على وجه الخصوص إلى مزيد
من الممارسات الجنسية -مشروعة كانت أو ممنوعة -حتى ع ّمت الثورة الجنسية كل
طبقات المجتمعات المعاصرة من الصغار والكبار؛ بل وحتى الحيوانات لم تسلم من
طغيان الثورة الجنسية؛ فقد كان بعضها موضع استمتاع لبعض الناس من الشواذ
والمنحرفين جنسيا ،من الذكور والناث حتى وصل النحراف إلى بعض البلد
العربية.
45
جديد بمحاربة النحرافات الجنسية والخلقية ،ودعم -في مقابل ذلك -السرة
والستقرار المنزلي.
إن من الضروري -والحالة هذه -السعي الجاد في حماية المجتمع المسلم عامة،
والفتاة المسلمة خاصة ،من هذا النحراف الداهم؛ فإنهن في سن الشباب أكثر
عرضة للصابة بمرض اليدز من الذكور؛ لكونهن أسرع بلوغا ،وبالتالي هن أيضا
أسرع تبكيرا من الذكور في ممارسة العلقات الجنسية المحرمة ،والحصائيات
العالمية الحديثة تشير إلى أن الناث عموما يمثلن نصف المصابين بهذا المرض
تقريبا ،ولما ،كان هذا المرض يفتك غالبا بالشباب ،ما بين 24-15سنة :فإن الناث
يمثلن %30من المصابين به دون سن الخامسة والعشرين.
ومجتمع العالم اليوم ُيعد قرية واحدة يؤثر بعضه في بعض ،ومظاهر النحرافات
ظل الوصاية الغربية ضمن مفهوم الخلقية ملزمة لبناء المجتمع الحضري ،في ّ
العولمة ،فل بد أن يستقر في ذهن الفتاة المعاصرة :أن العلقة في غاية القوة بين
النحراف الجنسي بمظاهره المختلفة ،وبين ما يتولّد عنه من أضرار صحية شاملة،
ومن المعلوم شرعا أن" :الرضا بالشيء :رضا بما يتولد منه" ،إن خيرا فخير ،وإن
شرا فشر.
إن حصر النشاط الجنسي في نظام الزواج ،وتحريم العلقات الجنسية خارجه :من
أعظم ما س ِعدت به النسانية ،وارتقت به عبر عصورها المختلفة ،إل أن تغ ّيرا
،هدد الحياة الجنسية ،وأ ْنذر بخطر
عظيما طرأ في هذا العصر ،على طبيعة هذا النظامّ ،
جليل :فقد تأخر سن الزواج ليوافق طبيعة الظروف القتصادية المتردية ،وظهر
نظام التعليم الحديث ،وظهر معه التوسع في تشغيل الفتيات ،كل ذلك يقف في وجه
قيام الحياة الزوجية في وقت مبكر بصورة طبيعية ،فأفرز هذا الوضع الجتماعي
المضطرب جمعا من المسالك الجنسية المنحرفة خارج حدود الحياة الزوجية ؛ إذ إن
طبيعة الدافع الجنسي عند النسان تحتاج إلى الشباع بصورة كافية ودائمة ،ول
تتحمل -في كثير من الحيان -التأجيل ،فإما أن يتم هذا الشباع بطريق مشروع،
أو يحصل بطريق غير مشروع ،فإذا لم تنصرف الطاقة الشهوية بشيء من ذلك
-بصورة كافية -ظهرت مشكلت التوافق الجتماعي والنفسي ،والمراض العصابية
لمتمنها
القاهرة ،التي تعاني منها المجتمعات الحضارية ،المتقدمة ،في الوقت الذي َس ْ
المجتمعات الريفية البسيطة التي ل تعرف نظام العزوبة ،ومن المعلوم :أن الفراط
في كبت الطاقة الجنسية ،مع توافر دواعي الثارةُ :يضعف جانبا من قوى النسان
خل بجانب كبير من كوابحه الخلقية الضابطة؛ ولهذا توسع السلم العقلية المدركة ،و ُي ّ
46
ّسري كأوسع ما يكون ،وربما إلى درجة الوجوب أحيانا؛ حتى ل في باب النكاح والت ّ
يبقى شيء من مادة الطاقة الجنسية كوقود للنحرافات الخلقية ،أو النفسية.
وقد عالج البريطانيون في القرن الثامن عشر الميلدي مشكلة النحرافات الجنسية
التي تفاقمت ،عندهم آنذاك بتشجيع نظام زواج الفتيات المبكر ،منذ الثانية عشرة من
السن التي تنبعث فيها ميول الفتيات الجنسية بصورة واضحة ،فهن أعمارهن ،وهي ّ
بعد البلوغ في حاجة إلى الحصان الذي يتحقق لهن بالزواج ،كما أن بلوغ الفتيات
سنا معينة ليست شرطا في صحة عقد الزواج ،وما زال العقلء في كل عصر
ُيوصون بتعجيل النكاح ،وتخفيف مؤونته كحل جذري للمشكلة الجنسية ،وللحفاظ على
المجتمع من ضلل شبابه وفتياته بطاقاتهم الجنسية ،حتى إن بعضهم يقترح التوسع
في تزويج الشباب من الجنسين ،مع تأجيل النجاب ،أو التحكم فيه حسب ظروف
الزوجين في أول حياتهما.
إن من أهم وسائل الصحة الجنسية بعد تقوى ال تعالى ،والخذ بسنة النكاح :تربية
أسالفضائل الخلقية؛ وذلك لضرورتهعد ّ الفتاة على أدب الستعفاف الجنسي الذي ُي ّ
النسانية من جهة صلته المباشرة بجانب اللذة الجسدية ،حيث يضبط دوافع الشهوات
المختلفة بين درجتي الشره ال ُمفرط ،والجمود ال ُمفسد ،وفي هذا يقول الرسول e
الغي في بطونكم وفروجكم ،ّ ُمحذرا الشباب)) :إن مما أخشى عليكم شهوات
ومضلت الفتن((.
47
ترتمي -رغم
إنه ل ُيبعد في ظروف الحياة الجتماعية والقتصادية القاسية :أن ْ
فأي
أنفها -على صدر شاب في حافلة مزدحمة ،ثم ُيطالب الثنان بسلوك الرهبانّ ،
قدر من الع ّفة هذا الذي يحتاج إليه الشباب من الجنسين في مثل هذه الظروفْ
الجتماعية المثيرة؟.
ومع أن العفة الجنسية ُخلُق ُيطالب به الجنسان ،إل أنه في حق الناث آكد ،ولطبيعة
دورهن أوجب من جهة حراسة النسب ،فهن من هذه الجهة مؤتمنات على فروجهن،
وفي هذا يقول الرسول eمشددا عليهن في هذا الشأن)) :أ ّيما امرأة أدخلت على
قوم من ليس منهم فليست من ال في شيء ،ولن يدخلها ال جنته…((؛ وذلك لكونها
تدخل على السرة من يتطلع على عورات أهلها ،و ُي ْشركهم في أموالهم بغير حق،
إلى جانب ما يلحق السرة عند الفتضاح من العار والشنار ،وما زالت المجتمعات
عظم -بصورة ما -شأن العفة في الناث ،و ُتطالبهن بها أكثر النسانية بوجه عام ُت ّ
تطلُبه ،وتشدد عليه في أمر الذكور؛ ولهذا تعاقب بعض القوانين على بكثير مما ْ
خطف النثى أشد من معاقبتها على خطف الذكور" ،وفي المجتمع المريكي ُتدان
المرأة المدمنة أكثر مما يدان الرجل المدمن"" ،ودائما المجتمع أكثر تسامحا إزاء
مخالفات الذكور عن مخالفات الناث" ،وفي هذا الشأن يقول يزيد بن ميسرة:
"المرأة الفاجرة كألف فاجر"؛ ولهذا ُخ ّصت الناث من بنات آدم eبغشاء البكارة
دون سائر الخلق؛ ليكون دلي ًل على العفة والعذرية ،ووسيلة ُمعينة للناث على التعفف
فهن-دائما -بالفطرة أقرب في العموم إلى معاني الشرف والفضيلة من الذكور ،ول ّ ،
فيهن النحراف الجنسي إل في الوقت الذي يفقدن فيه أصول القيم الخلقية، ّ ُيعرف
ويتنكرن للداب الجتماعية ،فعندها ُتسيطر الغريزة ،فل يقف في سبيل إشباع نهمتها، ّ
يكت منافذ فروجهن بالوتار القاسية، حائل من رغبة أو رهبة ،ولو ِح َ
ٌ وقوة اندفاعها
أو ُش ّدت عليها أحزمة العفة ال ُمحكمة ،ما لم تكن العفة ُخلُقا أصي ًل ينبعث من داخل
نفوسهن؛ فإن الخلق ل ُتسمى أخلقا بمجرد التل ّبس بها ،حتى تتشرب بها النفس،
وتكون سجية طبيعية لها ،والعفة ليست جوهرا من جواهر النفس ،بمعنى أنها جزء من
الذات ،وإنما هي لون من ألوانها ،وشرط ضروري لمروءة النسان ،يحتاج في
إيجادها وتفعيلها إلى التربية والتهذيب والمجاهدة.
ولما كانت الوسيلة إلى العفة الجنسية :ضبط الجوارح عن ال ُمستلذات المثيرة ،فإن
كالمصيدة ،يزرع في ْ باب النظر بحاسة البصر أوسع أبواب الثارة الجنسية ،فهو
أقل تأثرا بالمثيرات البصرية ،من القلب الشهوة ،فمع كون الناث في العمومّ ،
الرجال ،وأكثر تأثرا بالمثيرات السمعية إل أنهن مع ذلك يتأثرن من جهة البصر،
خاصة وأن كثرة وقوع أبصارهن على ما ُيثيرهن من ُم ْستلذات النظر يفوق من
جهة النوع والتكرار حجم ما تس َم ُعه إحداهن -بصورة مباشرة -من العبارات
المستعذبة المثيرة؛ ولهذا فإن الفتاة في باب النظر إلى المحرمات ال ُم ْشتهاة كالرجل
مأمورة بغض البصر ،لسيما إن هي خشيت على نفسها الفتنة ،أو قصدت بنظرها
التلذذ ،فل خلف حينئذٍ في حرمة ذلك عليها.
48
ولعل مما ُيعين الفتاة على ضبط سلوكها الجنسي :أن تعرف أن العفّة أ ْقصر طرق
النثى إلى قمة الفضيلة ،وأنها ما دامت عفيفة فهي ُمحصنة؛ لن إحكامها لرغباتها،
الفطرية ،وإيقاعها الهزيمة بشهواتها الجسدية دليل على قوة شخصيتها؛ فإن" :عبد
الشهوة أذل من عبد الرق" ،ومن تعثّر بالشهوات ضعف أمام الشبهات؛ فإنه "
ل
يقوى على ترك الشبهات إل من ترك الشهوات" ،والفتاة "العفيفة بها طمأنينة ،وثقة
وجر ْيج ،وصاحب في نفسها ل يخطؤها إنسان" ،وما َعل َْت أخبار نبي ال يوسف ُ u
الغار إل من هذه الجهة ،ثم إن العفة في النثى سلوك غير ُمستغرب؛ ففي عالم
الحيوان يكون المتناع -بصورة عامة -عن التصال الجنسي من جهة النثى ،وفي
بعض الحيوانات يكون من الذكر والنثى معا ،إل أنه ل يكون المتناع أبدا من جهة
الذكر دون النثى ،ولهذا السلوك الحيواني دللته التربوية لنثى النسان ،حين تكون
العفة فيها أص ًل أصي ًل في سلوكها الجنسي.
إن وجود شيء من الكبت المعتدل للدافع الجنسي :سلوك طبيعي ُم ْستساغ في التصور
السلمي ،حيث ينعكس ،تأثيره بصورة إيجابية على نشاط الفتاة :الروحي ،النفسي،
والعقلي ،كما أنه مع هذا ميدان لتنافس الفتاة الخروي؛ فإن حفظ الفرج :طريق
الجنة والرضوان ،والرسول eيقول )) :يا شباب قريش ل تزنوا ،واحفظوا فروجكم،
تجرد الفتاة ال ُمتدينة المنضبطة
أل من حفظ فرجه دخل الجنة (( ،ول يفهم من هذا ّ
عن دوافعها الجنسية ،أو أنها أقل شهوة من غير المتدينة،؛ ،فإن الدوافع الجنسية بينهما
متشابهة ،وإنما الختلف بينهما في تفاوت قدرتهما على ضبط سلوكهما الجنسي .ومع
ظل آثار الثورة الباحية المسعورة- كل هذا فإن العفة الجنسية أصبحت اليوم -في ّ
مطلبا عالميا محترما ،يحظى بالجلل العلمي ،القائم على قوانين كونية صادقة ل
تتخلّف ،تفرض على الناس -رغما عنهم -احترام القيود الجنسية التي جاءت بها
الديان السماوية لمصلحة النسان ،حتى وإن لم يتق ّيدوا بها ،وقد ظهرت في
الوساط الجتماعية المريكية -رغم انحللها -مؤسسات دينية تدعو إلى العفة
الجنسية ،وحصر النشاط الجنسي في نطاق الحياة الزوجية ،وقد استجاب إلى ذلك
كثير من الشباب والشابات ،ووقّعوا على بطاقات يتعهدون فيها أمام ال تعالى بالتقيد
بذلك.
-14حفظ الفتاة من الوقوع في فاحشة الزنا
يعتبر الزنا من كبائر الذنوب ،الموجبة لغضب ال تعالى وغيرته ،والجالبة للهلك
والدمار الشامل ،لما فيها من العتداء على حق ال تعالى ،وانتهاك حرمة الفرج الحرام؛
إذ هو في الشريعة أعظم ُجرما من انتهاك حرمة الموال.
49
قدم
خاصا بالمرأة الفاجرة ،وقد أشار المولى eفي كتابه العزيز إلى هذا المعنى حين ّ
ذكر الزانية على الزاني في إقامة الحد.
وقد شهدت المجتمعات،المعاصرة ولسيما غير المسلمة -بنسب مرتفعة -انتشار فاحشة
الزنا بصور لم يسبق لها مثيل في التاريخ خاصة بين الفتيات ،حيث تعيش %60
من الشابات مع رجال دون عقود زواج ،وما بين %75-50من الناث ُينجبن
أطفا ًل خارج نطاق الزواج ،وفي تقرير للمعهد الوطني الفرنسي للبحاث
الديموغرافية أن %40من نسب الولدات تتم خارج نطاق الحياة الزوجية ،وقد
كشفت دراسة أجريت في بعض دول أوروبا عام 1992م أن %99من الناث
يفقدن بكارتهن بوصولهن سن السابعة عشر ،بل إن البكر دون السادسة عشرة يندر
وجودها في بعض هذه البيئات الجتماعية المنحرفة ،ومن أعجب ما ُيروى في هذا
الشأن :أن طف ًل "ترك اسم أبيه ناقصا في الستمارة المدرسية ،وقد أفاد الطفل بأنه
غير متأكد ممن عساه أن يكون أباه … وعندما حضرت الم إلى المدرسة ،أظهرت
شدة أسفها لنها هي أيضا لم تكن متأكدة من اسم والد الطفل ،ولم ُتظهر أي ارتباك
ّ
في ذكر هذا المر".
وقد نتج عن هذا الوضع العالمي ،المنحرف :توسع الفتيات الهائل في علقاتهن
وممارساتهن الجنسية لتشمل حتى المحارم ،من الذكور ،وتصل ببعضهن الغواية
الجنسية إلى حد الحتراف ،بحيث يقعن تحت سلطان شبكات الدعارة العالمية أو
المحلية المنظمة ،فتصبح إحداهن كالمة ال ُم ْسترقة ل خلص لها ،في الوقت الذي
الرق بصوره يتّفق فيه العالم على محاربة البغاء ،وتجمع كل الدول على منع ّ
المختلفة؛ خاصة ما ُيسمى بالرقيق البيض ،الذي ُت ْمتلك فيه الفتاة الحرة معنويا
للق ّوادين ،يستذلّونها جسديا بهدف الربح المادي ،كما كان ّ
الفجار في عصر الجاهلية
يستخدمون الماء ،وهذا النوع من الرق المعنوي أقبح -في الحقيقة -من الرق الحسي،
الذي يعرفه صاحبه ،ويسعى فيه لخلص نفسه.
ولئن كانت،المتاجرة بأعراض النساء أو ما يسمى بالبغاء التجاري أمرا قديما فإنه في
هذا العصر أوسع من ذي قبل ،وأكثر شيوعا ،فقد ارتبط بالحياة الحضارية ،وأصبح
ظاهرة من ظواهرها المعتادة ،ولسيما في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ،التي
شهدت توجها عالميا صريحا ،ومتزايدا نحو نشر المعرفة الجنسية ،والتسامح في
العلقات المحرمة بين الجنسين ،حتى إن ألمانيا اعترفت مؤخرا بالبغاء ،واعتبرته
مهنة رسمية كسائر المهن الخرى.
إن العالم السلمي المعاصر ،لم يكن بمنأى عن هذه النحرافات الجنسية بصورها
المختلفة :فإن ظهور الزنا نبوء ٌة صادقة ،وتت ّبع َس َن ِن أهل الكتاب سبيل هذه المة
المحتوم ،فما من انحراف عندهم -أيا كان نوعه -إل كان للمة نصيب منه حتى زنى
المحارم ،وقد شهد واقع المجتمعات السلمية المعاصر،صورا مشابهة -بنسب مختلفة-
50
حد ما -جميع أنواع النحرافات الجنسية في المجتمعات ،الكافرة ،حتى
تطابق -إلى ّ
إن المة السلمية اليوم ل تنتظر من أنواع النحرافات الجنسية المتوقّعة في
ديارها إل التسافد في الطرق ،وافتراش النساء فيها ،اللذين أخبر بوقوعهما المعصوم،
عليه الصلة والسلم.
وتتّضح المشكلة ،بصورة أوضح بالنسبة للعالم السلمي حينما تسجل الحصائيات
المحرم ،بين رجل وامرأة تأتي ثاني الجرائم الخلقية
ّ الرسمية أن جريمة الختلء
من جهة الترتيب في المملكة العربية السعودية ،التي ُتعد أكثر دول العالم محافظة
وأمنا ،مما ينبه إلى خطر داهم ،ويشير إلى نسب في دول أخرى عربية وإسلمية
تفوق هذه كما وكيفا.
وقد لحظ الباحثون أن العوامل التي تدفع الفتاة للوقوع في فاحشة الزنا بأنواعها
وأساليبها المختلفة ترجع غالبا إلى ثلثة أنواع من العوامل:
عوامل اجتماعية :من حيث تفريط ،المجتمع في المبادئ والقيم الخلقية ،من خلل
إشاعة الفواحش والتحريض عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ،وتعطيل حدود ال
يجرئ المنحرفين على الوقوع في الفواحش ،إلى جانب ضعف مهمة المر تعالى ،مما ّ
بالمعروف والنهي عن المنكر،،فل يجد المنحرفون في المجتمع من يردعهم عن الوقوع
في النحرافات ،أو على القل ينصحهم بترك الخطأ ،واللتزام بالداب والحكام
الشرعية.
عوامل أسرية :من حيث تحّلل الروابط العائلية ،وكثرة المنازعات الوالدية ،وسوء
التربية بضياع القيم الدينية والخلقية ،والقسوة البوية المفرطة ،مع فقدان الرقابة
السرية الواعية على سلوك الفتيات ،إلى جانب ظروف السرة القتصادية
بقسوتها -في بعض الحيان -إلى التجار بجسدها في ال ُمختّلة ،التي ُتلْجئ الفتاة ْ
المجتمع ،وتدفعها داخل السرة للحتكاك الجسدي بمحارمها ،إذ ل تستطيع السرة
الفقيرة لضيق المكان :أن تطّبق آداب الستئذان ،ومبدأ التفريق بين البالغين في
المضاجع ،فض ًل عن تطبيقها هذا الدب السلمي مع الطفال المقاربين للبلوغ.
عوامل شخصية :من حيث طبيعة الفتاة العدوانية ،ورغبتها في الستقلل عن
حد الرشد ،والطمئنان من خلل احتكاكها بالجنس الخر على كمال السرة ،وبلوغ ّ
نموها النثوي ،وقدرتها على الحمل ،مع اشتداد جوعها العاطفي ،وافتقارها إلى الحب،
ورغبتها في الستمتاع الشهواني ،إلى جانب إخفاق الحياة الزوجية ،والحقد على
عنصر الرجال ،وضعف مستوى الدراك العقلي ،وشعور بعضعهن بالحتقار
الجتماعي ،والرغبة في مزيد من الكماليات ،المادية ،فلئن كان هناك نسبة من
محترفات البغاء سلكن هذا الطريق المنحرف بسبب الفقر :فإن نسبة كبيرة منهن
سلكنه لمجرد الرغبة في الرفاهية المادية ،وتحسين وضع أسرهن القتصادي،
51
والمنافسة مع القرينات ،ولما يحملنه في نفوسهن من الفسق والفجور ،حتى إن بعضهن
يدخلنه تطوعا بل إكراه ،ول يرغبن العدول عنه ،فتندفع إحداهن بطيشها ،وفجورها
في مهاوي الرذائل والقبائح الخلقية.
إن هذه العوامل المتعددة رغم أهمية بعضها وخطورته ،وضرورة إشباعها :ل يمكن
أن تكون عذرا كافيا لوقوع الفتاة في مهاوي الفاحشة والرذيلة؛ فإن السلم ل ُيجيز
للفتاة المسلمة -تحت أي ظرف -أن ُت ّ
مكن بإرادتها رج ًل من نفسها ،يستمتع بها بغير
حق وهي قادرة على دفعه ،إل أن ُت ْغلب على أمرها ،فل تستطيع شيئا.
ترجع قضية شذوذ النساء الجنسي ،أو ما ُيسمى بالسحاق إلى قرون متقدمة ،ابتداء من
نساء قوم لوط eحين انتشرت فيهن ،حتى لحقت هذه الفعلة القبيحة غالب ذكورهم
لول مرة في التاريخ النساني ،ثم تبعهم كثير من المم بعد ذلك ،مقتدية بهم في
اكتفاء الرجال بالرجال ،والنساء بالنساء ،خاصة من الشعوب الوروبية المتعاقبة ،عبر
تاريخهم الطويل ،حتى تورط في هذه الجريمة كثير من كبرائهم وساداتهم ،رغم
ممارسة السلطات الدينية -في ذلك الوقت -أشد أنواع العقوبات بحق الشاذين
والمنحرفين جنسيا ،ومع هذا فقد بقي المجتمع العربي -رغم جاهليته -محفوظا
بشهامته العربية ،وأخلقه الفطرية من انتشار هذه الرذيلة الخلقية.
واستمرت المجتمعات ،البشرية تتوارث هذه الفاحشة جي ًل بعد جيل مستنكرة لها،
قوى تنظيمية مؤثرة ،وتجمعات ً ومعاقبة أصحابها ،حتى بدت لهؤلء الشاذين
جماهيرية ُتؤ ّيد مذهبهم المنحرف ،ونهجهم الجنسي الضال ،فأخذوا يتنادون من خلل
مبدأ الحرية الشخصية بحقّهم في ممارسة العلقات الجنسية المثلية ،فأثّروا في الرأي
العام الذي بدوره أضعف من قوة السلطة القانونية والتنفيذية في مواجهة اندفاع هذا
تبدلت ،حتى غدا التيار الجنسي الشاذ ،فما لبثت القوانين أن تغّيرت ،والمفاهيم أن ّ
الشاذون من الجنسين مقبولين اجتماعيا دون نكير ،وأصبحت نظرة المجتمعات
المنحرفة إلى قضية العلقات المثلية على أنها خبرة تستحق التجريب ،فخاضها ،كثير
من الناس -تحت حماية القانون -بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل ،وقد كان لليهود
-كعادتهم في نشر القبائح -الدور الكبير وراء تشجيع مسلك الشذوذ الجنسي ،ليصبح
52
معترفا به ضمن القوانين الوضعية ،على الرغم من أنه محرم في شريعتهم؛ فقد كانوا
في القديم يعاقبون عليه بقسوة.
ورغم أن انتشار هذه الفاحشة بين الذكور أكبر من انتشارها بين الناث ،ولسيما
الفتيات منهن في المجتمع المسلم؛ لكون مسلك الغواية الجنسية وانحرافاتها غالبا ما
تأتي من جهة الذكور ،إل أن المشكلة -مع ذلك -في ازدياد مستمر ،وأعداد
تنام خطير ،وحقوقهم المزعومةٍ، المنحرفين والمنحرفات في المجتمعات المسلمة في
تتّجه نحو القوة والتمكين ،ولسيما بعد دعاوى تحرير المرأة ،واندفاع النساء نحو
المساواة ،وهذا من شأنه تقارب حجم النحرافات بين الجنسين وتشابهها ،وقد لُوحظ
بالفعل في بعض المجتمعات،السلمية المحافظة وجود بعض النساء بمظاهر ذكورية،
مع انطماس معالمهن النثوية ،مما ينذر بخطر ظهور الشذوذ الجنسي بين النساء في
المجتمعات المحافظة.
إن موقف الشريعة السلمية -بل جميع الشرائع السماوية -يخالف موقف القوانين
الوضعية في التعامل مع هذه الفاحشة ،حيث اعتبرتها الشريعة محرمة بالجماع،
حد
وأدخلتها في باب الزنا ،وجعلتها ضمن كبائر الذنوب ،حتى وإن لم يكن فيها ّ
أدب المجتمع المسلم النساء والفتيات المتعاطيات لهذه الفاحشة منصوص عليه ،فقد ّ
الض ْرببما يردعهن عن التمادي فيها ،كما أن عقوبة ال الكونية للمنحرفين من هذا ّ
هن من الناس :لم تتخّلف عن الشاذات في هذا العصر ،حتى َهل َْكن كما هلك ْ
أضرابُ ّ
من الشاذين بمرض "اليدز" ال ُمح ّير.
وقد ثبت يقينا أن الدين الحق ،ومسالك التدين هي العلج ،الناجح لمثل هذه
الشذوذات السلوكية ،إذا لم يكن هناك خلل في أصل الخلقة ؛ إذ ل ُيجدي في حل
هذه المعضلة النفسية الجنسية :الحقن بالهرمونات ،ول الص ْعق بالكهرباء ،ول
الختلط بالجنس الخر -كما ُيريده البعض -فإن غالب ،مواقع انتشار هذه
الشذوذات الجنسية في الوساط الجتماعية التي تح ّبذ الختلط بين الجنسين
وتقره.
ّ
إن جذور معضلة الشذوذ الجنسي عند الفتيات ترجع في أصل المر إلى البيئة
الجتماعية أكثر من رجوعها إلى أي سبب آخر ،ومبدأ ذلك حين تتوجه الفتاة في
فورة نموها الجنسي بالعجاب المفرط ،الممتزج ،بالعاطفة الهائمة نحو شخص من
نفس الجنس ،تتخذه -بصورة عفوية -موضوعا جنسيا لها ،في نفس الوقت الذي
تحاول فيه إخفاء ميولها الطبيعية نحو الجنس الخر الذي حالت بينها وبين القتران
بأحدهم بصورة مشروعة الظروف الجتماعية والقتصادية القاهرة :ف ُت ْظهر النفور
من جنس الذكور عامة ،وكل ما يتعلق بهم بصورة خاصة ،و ُت ْقبل بالحب الفياض
-مندفعة بعواطفها ورغباتها ،الغريزية -نحو زميلة ُمتألّقة ُتصادقها ،أو معلمة بارعة
ُتلزمها ،وتبقى العلقة بينهما إلى هذا الحد طبيعية ،ما لم تتعمق الصلت بينهما إلى
53
حد اللتصاق الجسدي ،والتلمس البدني ،وكشف العورات وتناولها ،فتتلبس حينئذ
بالسادية العدوانية ،والخرى بالمازوشية السلبية ،وعندها تكون بداية إحداهن ّ
النحراف الكبر بفقدان الفتاة لهويتها الجنسية.
إن نظام السلم التربوي عند معالجته مثل هذه النحرافات الخلقية :يتناولها من
مبادئ أصولها النحرافية ،فيقطع جذورها من أساسها ،ويبني مكانها ما يتلءم مع
مسلكه ،ومن هنا :أمر ابتداء بالتفريق المطلق بين المراهقاتأهداف منهجه ،وطهارة ْ
في المضاجع ،ونهى عن المباشرة بينهن بالجساد ،وأمرهن بستر العورات ،وغض
البصر عما ُيتلذذ به وإن لم يكن عورة ،وأباح -إلى جانب هذه الضوابط -الزواج
المبكر كأوسع ما يكون؛ حتى تندفع شحنتا الفتاة النفسية والجنسية الناميتان نحو
الجنس الخر بصورة مشروعة؛ فإن العلقة قوية بين ترك الزواج وبين شذوذ
الفتيات الجنسي ،وإضافة إلى هذه الضوابط والتوجيهات المتعددة فقد لعن الشارع
الساديات ،المتشبهات بالرجال في أخلقهن الحكيم المسترجلت من الفتيات ّ
وسلوكهن ،وأمر الفقهاء بحبسهن ليكتفي المجتمع شرهن ،كما رفضت الشريعة مبدأ
وجود جنس ثالث غير الذكر والنثى ،بل حتى الخنثى فإنه ُيغّلب ل ُيلحق بأحد
الجنسين ،فليس في المجتمع النساني إل ذكورا أو إناثا؛ كل ذلك حتى يبقى السلوك
الجنسي محفوظا بكل ملبساته الستمتاعية في مساره الطبيعيُ ،يؤدي المهمة التناسلية
تخلَفا في الرض جي ًل بعد مس ْ
-التي من أجلها ُركّبت،الشهوة -بكفاية تضمن بقاء النوع ْ
جيل.
إن من المسّلم به :أن دافع الغريزة الجنسية من أقوى دوافع النسان ،والغريزة
بطبعها الفطري عمياء خادعة ،ل تعرف التمييز بين النافع والضار ،أو الحلل
والحرام ،إل ما ُيشبع نهمتها على أي وجه كان من الوجوه ،كما أن درجة عنفها،
وطبيعة أدائها ل تخضع لتطور الحياة الجتماعية وتغيراتها المادية أو المعنوية؛ فإن
أفعال الغريزة ثابتة ل تتغ ّير ،والنسان في كل عصر هو النسان -ذكوره وإناثه -ل
تقبل غرائزه الخروج عن طبيعتها في تطور أو تجديد ،وما زالت القضية الجنسية
-بصفة خاصة -قضية النسان منذ العصور المتقدمة ،ومحور كثير من اهتماماته
ومعاناته ،حتى إنها كانت في بعض الشعوب ميدان عبادة وتقديس ،وقد سبق من
خبرات الناس الصحيحة :أنه ما من "سبيل إلى نزع الخلق من شعب من الشعوب
أنجع وأجدى من ترك شبيبته نهبا للغرائز دونما ضبط أو قيد" ،فالسلمة من فتنة
الشهوات :سلمة من نصف الشر ،كما ،أن السلمة من فتنة الشبهات :سلمة من
نصف الشر الخر.
ومنهج التربية السلمية في تعامله مع النسان ل يكتفي بمجرد تحريم السلوك الخلقي
تث من أول المر السباب المؤدية إليه ،ف ُيطالب المجتمع ابتداء
يج ّ
المنحرف؛ بل ْ
54
بتطهير مؤسساته كلها من أسباب الفتنة الجنسية ،ومثيراتها الشهوانية؛ حتى يتوافر
للفراد- ،بصورة عامة -المناخ الصحي الملئم لنمو وازدهار سلوكهم الخلقي السوي،
وهذا ل يتحقق على الوجه الصحيح -خاصة في هذا العصر -إل من خلل ثلث
وسائل رئيسة على النحو التي:
الوسيلة الولى :تطهير وسائل العلم من أسباب الفتنة الجنسية :بهدف تحرير
عنصر الناث من سجن البيولوجية الجسدية ،إلى رحاب النسانية الكاملة ،وذلك من
كف وسائل العلم بشعبها الثلث :المرئية ،والمسموعة ،والمقروءة عن ّ خلل
استهواء الفتيات بما تعرضه عبر ال َم َشاهد من صور الغراء الجنسي المثير ،وما تبثه
عبر الثير من السماع،الفاحش الصاخب المحرك للطباع ،وما تنشره عبر المطبوعات
من الدب الباحي المكشوف ،فإذا كان المجتمع صادقا في حرصه على العفّة التي
يد عيها ،وملتزما بالقوانين الخلقية التي يتنادى بها :فكيف يفسر تنازله الشائن عن
ّ
هذه القيم الخلقية بإباحة عرض أجساد الفتيات عارية في الفلم ودور الرقص،
وعبر المجلت المصورة ،والعلنات التجارية؟ ثم بعد ذلك يترك الفتاة الشابة في
لتحل هذه المعضلة الجتماعية بنفسها:
ّ خضم هذا الزخم العلمي الفاحش المثير
فتشاهد وتستمع وتقرأ -ومع ذلك -تبقى ضمن حدود الداب والخلق الجتماعية
المرعية ،وهذا من أشد أنواع التناقض الجتماعي ،الذي ترفضه أبسط مبادئ
وتمجه أضعف العقول.
التربيةّ ،
الوسيلة الثانية :تطهير المعرفة العلمية والثقافية من أسباب الفتنة الجنسية :بحيث
تنسجم المعرفة التربوية بكل فعالياتها ،الفكرية والسلوكية مع منهج التربية السلمية،
فل يجد المربون في مناهج التربية ما يخالف مبادئ السلم ،أو يتعارض مع أسلوبه
في معالجة مشكلت الشباب ،الخلقية والسلوكية .إل أن الناظر في مجال التربية
ؤصلون من خلله أخطاء وعلم النفس يجده ميدانا رحبا عند كثير من التربويين؛ ُي ّ
الشباب الجنسية والعاطفية ،تحت ستار الدراسات النفسية والتربوية ،كما يجد في
مجال الثقافة والفكر من ُيؤ ّيد هذه التجاهات الجنسية السقيمة ،ويدعمها بالحجة
العقلية والمنطقية ،ثم يجد بعد هذا في مجال التشريع السلمي من يتبرع -باسم
ويضفي عليها ثوب ْ الدين -لسلمة هذه الفكار والسلوكيات الجنسية المنحرفة ،
الشرعية الدينية ،و ُيه ّون على نفوس الشباب وضمائرهم أمر ارتكابها ،إضافة إلى
وجود قوى عالمية ،ذات ثقل كبير تقف وراء عولمة بعض المصطلحات الجديدة،
ضمن مفاهيم تتناسب معها ،مثل :العائلة ،الجهاض ،الحرية ،الثقافة الجنسية.
55
الوسيلة الثالثة :تطهير المرافق العامة من أسباب الفتنة الجنسية :بحيث ل تجد الفتاة
حرضهافي الحياة الجتماعية العامة ومناشطها المختلفة ،الجادة منها والترفيهية :ما ُي ّ
-بصورة من الصور -على ارتكاب الفواحش ،أو ُيثير غريزتها ،أو يجعل من بدنها،
أو صوتها من خلل تبرجها واختلطها :أداة للثارة الجنسية ،والستمتاع الباطل،
دين ُيتّبع ،وإلزام الشواب من النساء بما
ٌ فإن المباعدة بين أنفاس الذكور والناث:
حق
ٌ وقع الخلف في جواز كشفه من أبدانهن -فض ًل عن المجمع على ستره-
ُيحتذى ،ومسؤولية يقوم بها السلطان؛ فقد أثبتت التجربة الواقعية والتاريخية أن
يقل فيها الحتكاك بين المجتمعات التي تلتزم فيها النساء الحجاب الكامل ،والتي ّ
الجنسين :أنها مجتمعات سليمة من مظاهر وانحرافات السلوك الجنسي بأنواعها
المختلفة.
إن هذه الوسائل الثلث إذا راعاها المجتمع ،وألزم بها مؤسساته المختلفة فغالبا ما
ُت ْدرأ عن مثل هذا المجتمع أسباب الفتنة الجنسية ،وتبقى قضية الجنس في حدودها
الزوجية ،ضمن نطاق السرة ،تؤدي دورها في التناسل والتكاثر دون انحرافات
خلقية ،أو معاناة اجتماعية ُتخرج أفراد المجتمع عن حدودهم الطبيعية.
الختان هو الخفض أو العذار للجارية الصغيرة ،وهو عملية جراحية خاصة بإناث
بني آدمُ ،تجرى لهن عادة قبل البلوغُ ،تستأصل فيها ال ُقلْفة الصغيرة التي تعلو ال َب ْظر
كالقلنسوة ،بين الشفرين الصغيرين فوق فتحة المهبلُ ،تشبه في شكلها العام عرف
الح َش َفة التي ٌتستأصل من القضيب عند الديك ،وتماثل في طبيعة تركيبها قُلفة َ
الذكور ،وهو من العادات الصحية القديمة ،التي تعاقبت ،خبرات كثير من الشعوب
على الخذ بها ،حتى بعض المجتمعات الوروبية الحديثة إلى عهد قريب ،وما تزال
كثير من المجتمعات السلمية -ذكورا وإناثا -منذ القديم وحتى اليوم ُتمارسها،
و ُتؤيدها ،إل أنها ل تجعل من ختان الناث موسم فرح وبهجة كما هو الحال في
ختان الذكور.
ورغم انتشار خفض الناث في كثير من المجتمعات السلمية ال ُمتعاقبة :فإن العلماء
منذ القديم ،وحتى في هذا العصر ُمتنازعون في ُحكمه على ثلثة أقوال :بين
الوجوب ال ُملزم وهم القلة ،وبين إنكار مبدأ ُسنّيته ،وبين القول بالستحباب وعليه
الكثرون ،ومنشأ هذا التنازع قائم على اختلفهم في الحكم على أسانيد الروايات
ردها ،إل أنه رغم هذا النبوية الواردة في شأن خفض البنات بين القبول بها ،وبين ّ
التنازع :فإن إجماعهم قائم -في العموم -على مبدأ المشروعية المطلقة على أقل
تقدير ،حتى وإن لم يكن ذلك واجبا ،أو سنة ،أو مستحبا ،خاصة وأن صاحب
نصصراحة على :أن ذلك الموضع ،من النثى ّ الشريعة عليه الصلة والسلم قد
56
ومس
ّ موقع للخ ْت ِن ،حيث قال في الحديث الصحيح )) :إذا جلس بين شعبها الربع،
الختان الختان :فقد وجب الغسل((.
والخفض على منهج السنة النبوية إذا أجري على أصوله الجراحية دون مبالغة ،وكان
بين يسير القطع ،وبين الستئصال الكامل ،اللذين عبر عنهما الرسول eبالشمام،
والنهاك :كان هذا الخفض من الناحية الجسمية نافعا وصحيا ،ول ضرر منه على
الفتاة؛ إذ ل يعدو أن يكون عملية تجميلية صغيرة ل تغير كثيرا من منطقة النثى
التناسلية ،أما آثاره التربوية على سلوك الفتاة الجنسي من تلطيف الميل الجنسي
عندها ،وتوجيهه نحو العتدال :فهي المقصودة بالدرجة الولى من عملية الخفض؛
إذ ل ُيتصور أن ُتكشف العورات ،و ُت ْنتهك ُحرمة الجساد لغير جليل من المر.
وقد ا ّتضح من خلل أعمال التشريح الطبي ،والبحوث الميدانية المتعددة ،وخبرات
الشعوب المتراكمة :أن ال َب ْظر -الذي يقصد بعملية الخفض -هو زناد شهوة النثى
وسر إثارتها ،ومركز دائرة استمتاعها ،فرغم التوزيع الطبيعي لمواضع، ّ الجنسية،
الثارة الجنسية في أجسام الناث ،إل أن هذا العضو منهن يحظى بحساسية مرهفة
زائدة -تفوق حساسية القضيب عند الذكر -مع قدرته الفائقة على التوتر والنتشار ،
غذيه شبكة دقيقة من الوعية الغنية بالدماء ،تجعل من هذا العضو الصغير حيث ُت ّ
أداة عنيفة للتهييج الجنسي ،الذي تأباه -ولو كان بصورة مشروعة -تربية الفتاة
كاف
ٍ وثقافتها الدينية ،حتى إن مجرد احتكاكه المباشر،بملبس الفتاة -بصورة عفوية-
لحصول شيء من الثارة الشهوية؛ ولهذا ُحفظ هذا العضو المثير ُمخّب ًأ بين ش ْفرين
صغيرين ،محميا بعظم العانة المكسي بالنسجة الدهنية السميكة ،ليبقى بعيدا بعض
الشيء عن الحتكاكات العفوية المثيرة أو العنيفة ،وإلى هذا الحد تبقى معاناة الفتاة
الجنسية من هذا الموضع في حدود إطارها الطبيعي ،الذي ل يكاد يغيب عن تجربة
الفتاة الشابة.
57
حد العتدال،
وتظهر المشكلة الجنسية عند الفتاة إذا تجاوز نمو ال َب ْظر -لسبب ماّ -
مكمنه؛ ليصبح أداة إثارة دائمة ،وإزعاج جنسي :بحيث يعوق الرجل حتى يبرز من ْ
الشبقي حتى ل
عن كمال الستمتاع في المناسبات ،الزوجية ،ويزيد من نهم الفتاة ّ
تكاد ترتوي من ب ْعلها ،مما قد يسوقها بالتالي إلى شيء من الرتكاس الفطري فيما
ُيسمى :بالت ْثبيت ال َب ْظري ،فل تستمتع بصورة كافية من الموضع ،الذي ُيولج فيه
الرجل؛ لكونه منعز ًل بعض الشيء عن موقع البظر ،إلى جانب أنه أقل حساسية
وإثارة منه ،فتبقى متعتها خارجية ،محصورة في هذا العضو ال ُمتضخم.
وأقبح من هذا وأرذل :أن يدفعها ُجوعها الجنسي ،وحاجتها المتنامية للشباع نحو
الشذوذ الجنسي ،فتستنكف مقام النثى ،وتأبى أن تكون فراشا لمتعة الرجل ،فتتشبه
بمسلك الذكور في طباعهم وجراءتهم؛ ولهذا ُتسمى المرأة الوقحة من هذا الصنف:
بظرير" نسبة إلى هذا المتاع من النثى ،وقد ُوجد بالفعل أن هناك علقة كبيرة " ْ
بين ضخامة هذا العضو ،وبين الشذوذ الجنسي عند بعض الناث ،وطباع السترجال
حده الطبيعي موضع في سلوكهن؛ ولهذا فقد كانت معالجة نمو البظر الزائد عن ّ
اهتمام عند بعض الطباء ،وهو ما ُيسمى بالدب الجراحي.
ومن هنا يأتي دور الختان؛ ليقوم بعملية خفض لهذه الطاقة الشهوية الناشزة في سلوك
النثى الجنسي والخلقي ،وتعديلها على نحو يتناسب -إلى حد ما -مع مقدار طبيعة
المهبل الشهوية ،ليبقى موضع م ْنبت الولد الذي قصده الشارع ،الحكيم :مطلوبا من
الجنسين ،عامرا بمياه الرجال؛ لتقوم بذلك أسباب الحياة البشرية.
ومن جهة أخرى فإن النثى بطبيعتها الخاصة ،وبما تفرضه عليها الظروف
الجتماعية ،واللزامات الشرعية :تتعرض بصورة كبيرة لفترات من المتناع
الجنسي ،والحرمان العاطفي ،والتر ّبص والنتظار ،الذي تحتاج معه إلى شيء مما
وكسر الشهوة ،خاصة وأن طبيعة استمتاعها الجنسي تفتقر
ُيعينها على تسكين ال ُغلْمةْ ،
-بصورة كبيرة -إلى طرف آخر ،مما قد يدفعها نحو النحرافات الجنسية المختلفة،
وقد أثبت البحث الميداني والتاريخي أن الفتيات المختونات أقل انحرافا جنسيا من
غير المختونات؛ ولهذا كان بعض الوروبيين -إلى عهد قريب من القرن العشرين-
يتعاطون الختان لضبط سلوك الفتيات الجنسي ،وحفظهن من النحراف الخلقي.
ول ُيفهم من هذا أن الفتاة المختونة فاقدة للشهوة الجنسية -كما يزعم البعض -أو
محرومة من حاجتها الكافية من الستمتاع؛ فإن الشارع الحكيم لما أوصى بالشمام
قطعها ،فإن في قطعها نقضا للحكمة
ونهى عن النهاك :قصد تعديل الشهوة ،ولم يرد ْ
من مبدأ تركيبها مع ما في ذلك من تنفير الزواج ،ومن جهة أخرى فإن في تركها
فعلى سلوك الفتاة الخلقي.متوافرة َ :م ُخ ْو ٌ
58
ورغم أن البظراء ُتثار بصورة أسرع ،وتجد من اللذة الجنسية أكثر مما تجده
المختونة ،فإن المختونات أيضا هن الخريات يستمتعن بصورة جيدة وطبيعية ،إل
أنهن مع ذلك في مأمن من الثارة الجنسية غير المرغوب فيها ،ومع هذا فليس كل
خفضن؛ بل ُيراعى في ذلك طبيعتهن الوراثية والمزاجية ،وظروفهن الفتيات ُي ْ
الجتماعية ،وعادة بلدهن؛ بحيث يدور حكم ختانهن مع الحكام الخمسة حسب
الحاجة في غير إضرار،،مع ضرورة وجود تلك الفضلة الزائدة التي تصلح أن تكون
موضعا للقطع من النثى في غير تكلّف؛ فإن بعض الفتيات -من أصل الخلْقة -ل
يملكن موضعا للخ ْتن.
ومكرمة نسائية ،وطهارةومع كل ما تقدم فإن الختان في الجملة :فطرة إنسانيةْ ،
حسية وروحية ،وشعيرة إسلمية ،وعلمة بارزة على أهل التوحيدُ ،يعرفون بها ،وما ّ
زال كثير من المجتمعات السلمية -بصورة طبيعية معتادة -يأخذون بناتهم
يأخذونهن بثقب الذن ،وخرم النف ،فل ينكر أن يكون قطع هذه بالخفض كما ُ
وكي الجبهة ،ونحو ذلك في كثير
الجلدة علما للعبودية؛ فإن الوسم بقطع طرف الذنّ ،
من الرقاء علمة ُمميزة لساداتهمُ ،يعرفون بها ،فل ُينكر أن يكون قطع هذا الطرف
النسبة الشريفة ،مع ما
علمة على عبودية صاحبه ل تعالى ،فيكون الختان علما لهذه ْ
فيه من الطهارة والنظافة واعتدال الشهوة.
وعلى الرغم من أن مبدأ الختان في -الجملة -شريعة معلومة في أصل دين أهل
الكتاب من اليهود والنصارى ،مع أنهم يأخذون به في حق الذكور دون نكير،
ويقرون عمليات تصغير أثداء النساء ،ووشم الجساد للزينة ،وخرق اللسن للحلي ،بل ّ
وخرق ذكور الرجال أيضا لوضع الحلي ،إلى غيرها من صور التشويه الخلقي،
وأقبح من ذلك تواطؤهم على إباحة اللواط والزنا والخمر والتدخين ،وأنواع من
المخدرات ،ومع كل ذلك يشاغبون المسلمين في مبدأ مشروعية ختان الناث ،ول
شك أن مجاراة الغرب في أهوائهم لن تقف عند حد ،فإن اعتراضاتهم ،لن تنتهي عند
تنازل المسلمين عن مشروعية ختان الناث ،وإنما تفضي إلى ما هو أبعد من ذلك
ّصا َرى َحتّى َتت ِّب َع
نك ا ْل َي ُهو ُد َو َل الن َ
ضى َع َ
بكثير ،وصدق ال تعالى إذ يقولَ } :ولَن َت ْر َ
ِمّل َت ُه ْم …{ ]البقرة.[120:
ولما كانت،طبيعة الزنا تشترك فيها الفتاة عادة بإرادتها ،وسلطان هواها :فإن النتهاك
العرضي غالبا ما يكون بغير إرادة الفتاة ،وإنما بكره منها ،حتى إن كانت -بطريقة
حرض الجاني على جريمته؛ فإن الثابت ميدانيا من خلل العديد من غير مباشرةُ -ت ّ
الدراسات :أن الفتيات يتحملن بسلوكهن قسطا كبيرا من أسباب انتهاك المجرمين
لعراضهن ،فقد ُوجد أن من خصائص المرأة المغتصبة جمالها الخلقي ،وسكناها
توجهات
وحدها ،وظهورها في الحياة العامة بطريقة مغرية تثير المعتدي ،كما أن ّ
59
المجتمع التحررية ،وتخّليه عن كثير من القيم والداب السلوكيةُ :يساعد بمجموعه
على بعث الروح العدوانية ،والطبيعة السادية في كثير من مرضى الذكور ،الذين
قهرتهم الظروف القتصادية البائسة ،وأثارتهم طبيعة الحياة الجتماعية المعاصرة:
حتى أصبح انتهاك أعراض الفتيات لمجرد الخضاع والذلل ،ولو بغير اتصال
جنسي :وسيلة كثير من المجرمين للراحة النفسية والسترخاء ،وحصول حالة من
الستمتاع؛ فإن المغتصب بقدر ما يميل إلى الفتاة ليستمتع بها ،فإنه مع ذلك يكرهها ،
ويرغب في إذللها واحتقارها،،والضرار بها ،والسيطرة عليها ،وقد دلّت الحصاءات
تعرضن في وقت ما من حياتهن إلى العالمية على أن أكثر من %60من الناث قد ّ
شيء من النتهاك العرضي ،ففي الوليات المتحدة المريكية وحدها يتعرض ربع
النساء تقريبا إلى درجة أو أخرى من الساءة الجنسية ،حيث تصل فيها حالت
الغتصاب إلى مليون حالة سنويا ،بما في ذلك الحالت غير المعلن عنها رسميا،
وغالبا ما تقع جرائم الغتصاب على النساء الراشدات ،والخطر العظم من حالت
الغتصاب يهدد الفتيات في السن ما بين 24-16سنة ،وحوالي %20تقريبا من
الحالت في الغرب تقع على الفتيات ما بين 15-12سنة ،ومع ذلك فإن كل أنثى
أي عمر كانت إذا ما ُوجد المغتصب ،وتوافرت الظروف معرضة للغتصاب في ّ
المساعدة على حصول العتداء.
ولما كانت ،طبيعة المنتهك للعرض طبيعة َم َرضيةُ ،متلبسة بدافع الشهوة والهوى ،كما
قال ال تعالى َ .…} :فلَا َت ْخ َض ْع َن ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع الّ ِذي ِفي َقل ِْب ِه َم َر ٌ
ض َو ُقل َْن َق ْولًا
ّم ْع ُرو ًفا{ ]لحزاب[32:؛ فإن مسلك الخيانة هو وسيلة الفاسق الوحيدة للتمكن من
الستمتاع بالضحية على وجه من وجوه الخلسة التي تتناسب مع حجم مرضه ،ومقدار
جراءته.
إن أسباب المجرمين في انتهاك أعراض الفتيات والنساء عموما تنوعت طرقها،
واختلفت صورها حسب الظروف والحوال ،وعمق النحراف الجنسي في شخصية
ال ُم ْن َتهك ،ومن أشد الصور الجرامية هو :انتهاك عرض الفتاة بالغتصاب الجنسي:
بحيث يغلب المجرم الفتاة على نفسها ،ويتمكن من وطئها خلْسة ،رغما عنها ،ومع كون
هذه الطريقة بدائية قديمة :فإنه ل يكاد يخلو منها مجتمع عبر التاريخ النساني وحتى
اليوم ،ومع ذلك فهي أقبح صور النتهاك العرضي ،وأكثرها جرأة وجرما ،وأوسعها
انتشارا ،وأشدها تأثيرا في نفس الفتاة ،وأعظمها زلزلة لشخصيتها ،وتحطيما لكيانها
ككل ،مما يهدد الفتاة المغتصبة بأمراض نفسية ،وإخفاقات اجتماعية ،وانحرافات
خلقية ل حد لها؛ ولهذا ألزم كثير من الفقهاء الفتاة بالدفع عن عرضها بكل ما أوتيت
من قوة ،ولو أدى ذلك إلى قتل الجاني ،أو هلكها ،والفتاة المستكرهة في مثل هذه
وحد الزنى ،حتى
الحالت الضطرارية بريئة في نظر الشارع،الحكيم من دم الصائل ّ
ولو ظهر حملها ،ما دامت تملك البينة والقرائن على طهارتها ،وعفتها من المطاوعة في
60
الفاحشة ،ومن القواعد الفقهية في هذا المقام" :من أتلف شيئا لدفع أذاه لم يضمنه"،
وفي خلفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب eتعرضت فتاة للغتصاب ،فدفعت عن
نفسها بحجر ،فقتلت المعتدي ،فلما بلغ عمر eالخبر ،أسقط عنها الحد ،وقال" :ذلك
يودى أبدا".
قتيل ال ،ول َ
أي
والعجيب في سلوك غالب ،الفتيات الم ُغتصبات أنهن ل يبدين ضد المجرمين ّ
مقاومة ُتذكر ،مما يجعلهن فرائس سهلة للمنحرفين ،رغم أن الفطرة النثوية الحذرة،
بطبيعتها ال ُمترقّبة اليقظة :تدفع عن ذات الفتاة ،وترد عن شخصها ،ولوبغير إرادة
منها ،وهذا سلوك عام في الكائنات؛ فإن الحيوان العجم -مهما كان ضعيفا -إذا
وأحسبالهلك :دفع عن نفسه ،ورد عن ذاته ولو بغير قوة.
ّ ض ّيق عليه،
ُ
إن الفتاة العاقلة ل تأمن أحدا من الذكور على عرضها ما لم يكن محرما ،فإن
الذكورة هي في نفسها عداوة للنوثة ،فكل رجل ليس بمحرم لها يجب أن تكون
مرفوضا عندها ،مهما كانت منزلته وفضله ،ولو كان صالحا عابدا ،أو شيخا كبيرا ،أو
معاقا في جسده ،أو متخّلفا في عقله ،أو حتى صبيا قد قارب الحلم ،فكل هؤلء
وف على الفتاة في عرضها ،ل بد أن تحذرهم على نفسها ،بل إن الفتاة ونحوهم َم ُخ ٌ
الفطنة لتحذر الفاسق من محارمها ،ممن ل ُخلق له ول شهامة ،فإن حجما ضخما من
الساءة الجنسية تقع على الناث من محارمهن ،وقد عاقب النبي eمن فعل هذا في
زمنه من المحارم،بأن قتله ،وأخذ ماله.
ولعل من أعجب وأغرب ما ُينقل في مثل هذه القضايا الجنسية ،وعظم فتنتها،
وحصولها ممن ل ُيظن أن تصدر من أمثالهم :ما حكاه بعض النصار من أصحاب
أض َنى ،فعاد جلدة على عظم ،فدخلت عليه
رسول ال " : eأنه اشتكى رجل منهم حتى ْ
فهشلها ،فوقع عليها ،فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهمّ جارية لبعضهم،
علي ،فذكروا
بذلك ،وقال " :استفتوا لي رسول ال eفإني قد وقعت على جارية دخلت ّ
الضر مثل الذي هو به ،لو
ّ ذلك لرسول ال ، eوقالوا :ما رأينا بأحد من الناس من
لتفسخت عظامه ،ما هو إل جلد على عظم ،فأمر رسول ال eأن يأخذوا حملناه إليك ّ
له مائة ِشمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة" ،وهذه الرواية تدل على عظم الفتنة
المتعلقة بالمسألة الجنسية.
وهذه صورة من صور الذى الجنسي الذي يمكن أن يلحق الفتيات في الحياة
العامة ،وصورته :أن يتمكن الجاني من إيذاء الفتاة بدنيا دون الوطء ،من خلل
61
العبث الجنسي بالبنات ،الصغيرات ،أو مضايقة الفتيات في الطريق العام باللمس
الد ْقر" وهو أن يتمكن الفاسق من والجذب ،وشيء من العنف ،وأقبح صوره " ّ
اللتصاق بجسم الفتاة ،والستمتاع بها دون مقاومة منها ،ضمن ظروف ضيق المكان
والزدحام ،الذي تفرضه -في بعض الحيان -طبيعة الحياة الجتماعية المعاصرة،
والوضاع القتصادية الجائرة.
ول شك أن هذا المسلك يدل على عمق الحقارة ،وطابع الخيانة التي يتصف بها هذا
النوع من البشر ،وليس للفتاة وسيلة للدفع عن نفسها في مثل هذه المواقف المخزية
سوى أن تتجنّب مظانّها ،فل تقع فيها أصل ،إل عن ضرورة في كنف محارمها من
شهام الرجال.
من النتهاكات الجنسية التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة في الحياة العامة :الستعراء
الفاضح ،وصورته :أن ُيفاجئ الرجل المنحرف ،جنسيا جمعا من الفتيات فيكشف لهن
عن عورته ال ُمغّلظة بصورة فاضحة ،فبقدر ما يظهر عليهن من خجل وارتباك:
أن واجهته
يحصل لهذا المنحرف من الستمتاع الجنسي والتلذذ المقصود ،فإن ق ُّدر ْ
إحداهن بموقف إيجابي جريءُ :ع ّد ذلك عنده إخفاقا جنسيا ،ورغم أن هذا السلوك
ص ُدوره
الشائن في غاية الشذوذ :إل أنه يمثّل ثلث جرائم الذكور الجنسية ،ول ُيعرف ُ
من المرأة على سبيل التلذذ والستمتاع الجنسي كما هو حال الشاذين من الرجال؛
وإنما يصدر عنها بهدف إثارة إعجاب الرجال ،واستنطاق مدائحهم ،والستمتاع
بنظرهم إلى مفاتنها ،أو بقصد إهانتهم واحتقارهم ،أو لغرض الكسب المادي في
النوادي والملهي الساقطة.
ووسيلة الفتاة لرد مثل هذا النتهاك عن نفسها :أن تتجنب مواقع الفساد ،وأن تكون
دائما في كنف محارمها من شهام الرجال ،وأن تكون ثابتة غير منفعلة في مثل هذه
المواقف الشاذة المخزية.
62
العشاق حين تحول بينهم الظروف الجتماعية ،وقد ُوجد في
يكثر هذا المسلك بين ّ
تركة بعضهم حين مات :جمع من هذه الثار ،وهذا واقع معلوم ل ُيجهل من أمر
العشاق وأحوالهم.
ومع كون هذا المسلك محرما شرعا؛ إذ ل يصح من المسلم أن يتخيل بفكرة
الستمتاع بفتاة ما فض ًل عن ال ُمع ّينة ،أو أن يختلس شيئا من حاجاتها ،أو أدواتها
-مهما كان حقيرا -على وجه المداعبة فض ًل عن أن يستمتع بها جنسيا ،أو أن ينظر-
فض ًل عن أن يستمتع -إلى شيء مما انفصل عن بدنها ،لسيما مما كان من عورتها،
أو أن يقصد التلذذ بتناول من طعام أو شراب ،أو أن يتتّبع آثار أناملها أو فمها على
إناء ،أو أن يلبس ثوبا نزعته :فإن أقبح من كل هذا ،وأشد فتنة ،وأعظم أثرا :أن
ينظر إلى صورتها الفوتوغرافية أو السينمائية ،حيث ُيعد هذا من أعظم وسائل التلذذ
والستمتاع عند فسقة الرجال ،وما هذا النتشار الواسع لصور الفتيات المتبرجات
في الفلم وعلى صدور المنشورات العلمية -فض ًل عن المجلت الجنسية
الساقطة -إل دليل واضح على هذا الستحسان الذكوري للصور؛ فإن كان للحذاء ،أو
المنديل هذا الثر البالغ في سلوك الرجل الشاذ جنسيا ،فكيف تراه يكون أثر
الصورة الفوتوغرافية أو السينمائية في تلذذه الجنسي واستمتاعه؟
إن على الفتاة أن تحفظ نفسها ،وصورة شخصها ،وكل ما يخصها من الملبس،
والدوات ،وحتى فضلتها كقصاصة شعرها ،وقلمة ظفرها ،وخروق حيضهاُ :تغّيبها
جميعا في التراب ،أو في أي مكان مأمون ،فل يقع شيء من ذلك بطريقة من
الطرق -العفوية أو المقصودة -في يد شاذ من الشواذ ،فيستمتع بها جنسيا ،والفتاة
غافلة ل تدري.
إن هذا الوصف لنواع النتهاك العرضي الذي يمكن أن تتعرض الفتاة لشيء منه:
يدل على أن الفتاة بطبيعتها كأنثى موضع استمتاع للرجل بصورة من الصور
المختلفة ،فل يصح منها بحال أن تكون سببا في إثارته بالتبرج وإظهار الزينة ،أو
حتى بمجرد إشعاره من خلل حركاتها المقصودة عن مواقع الزينة منها" :فيدرك
حسن الحلي ،أو يسمع حبوسه ،فإن الذي ُيخاف من الفتنة عند النظر إلى الحلي بذلك ْ
في موضعهُ :يخاف مثلُه أو قريب منه عند العلم بتحمله؛ بل ربما كانت ،النفس حينئذ
فأحبشيء إلى النسان ما ُمنع".
ّ أحرص ،وإلى الهوى أسرع؛
يحصل انتهاك عرض الفتاة بالكلم الفاحش من خلل الشتائم والقذف ،ونحوهما ،من
قبيح القول ،وهذا النوع من الجرام ُيعد من أوسع أبواب انتهاك العرض وأخطرها،
63
إذ إن كلمة واحدة في هذا الشأن ،يمكن أن ُتزعزع أركان المجتمع ،و ُتقلق أهله
زمنا طوي ًل ،كما حصل في حادثة الفك؛ ولهذا كان تعامل نظام السلم مع
المتورطين في مثل هذه الحالت صارما وعنيفا للحد منها ،حتى وإن كان مع بنت لم
الحلُم.
تبلغ ُ
ومع طبيعة التطور في الحياة الجتماعية المعاصرة ،وظهور جهاز الهاتف كوسيلة
اتصال فائقة ،تحمل في طبيعتها التقنية قدرة النفاذ عبر الحواجز والحجبة،
والجدران والستور ،لتخترق حرمات البيوت المصونة ،وتصل إلى ال ُم َخ ّدرات في
الحجر في غير ريبة أو استهجان أسري؛ فإن هذه الطبيعة ال ُم ْخترقة الّنفّاذة بواطن ُ
لهذا الجهاز جاءت متوافقة مع طبيعة المجرم ال ُم ْختلسة الخائنة ،حيث يصل من خلل
الكلم والستمتاع عبر الجهاز إلى مبتغاه الجنسي من الزنا المجازي ،الذي يصل به
أحيانا إلى حد اللذة الكبرى بالنزال ،وهذا المسلك الشائن ل ُيستبعد من الفاسق؛
يمسها؛ ،ولهذا
فإن الفتاة قد ُتلطف الرجل بالكلم العذب :ف ُيمني بين فخذيه دون أن ّ
حدثن الرجال من غير المحارم ،إل بإذن الزواج؛ ،فإنهن وإن أخذ على النساء :أل ُي ّ
تكّلفن الخشونة في الكلم فإن طبع اللين فيهن يغلب.
إن استخدام جهاز الهاتف في أغراض النتهاك العرضي أمر واقع في الحياة العربية
المعاصرة ،حتى إن القانون الوضعي في بعض الدول العربية -لكثرة الحوادث -
حد القذف العلني الذي ُيؤاخذ به فاعله ،ولئن كانت أدخل سوء استخدامه ضمن ّ
الشريعة أو القانون الوضعي يحمي عرض الفتاة من النتهاك بالعقوبات الرادعة:
فمن ذا الذي يحمي مشاعر الفتاة من الختلل ،وعواطفها من الثارة؟ إن المعضلة
ل تكمن فيما يصدر عن المجرم إلى مسامع الفتاة من عبارات الفحش والخنا ،وإنما
المشكلة الكبرى تكمن في الختلل الشخصي ،والضطراب السلوكي الذي يمكن أن
تخلفه مثل هذه المكالمات الهاتفية المثيرة على مشاعر الفتاة وعواطفها؛ فإن باب
السماع عند النثى :أوسع ،وأعظم أبواب الثارة الجنسية في طبيعتها؛ إذ للكلمة
المسموعة أثرها الفسيولوجي الخاص على نشاط الفتاة النفعالي ،الذي قد يصل بها
فمكنت ،الفاجر من أذنها؛ يقول أبو استرسلت ّ حد النشوة الجنسية ،إن هي ْ
أحيانا إلى ّ
عثمان الجاحظ عن هذه الطبيعة النثوية الخطيرة" :ولو أن أقبح الناس وجها،
تمكن وأسقطَ هم نفسا ،وأوض َعهم َح َسبا ،قال لمرأة قد ّ وأنتنهم ريحا ،وأظهرهم فقراْ ،
ومكنته من َس ْمعها :وال يا مولتي وسيدتي ،لقد أسهرت ليلي ،وأ ّر ْقت من كلمهاّ ،
باعها،ض ِط َهم أمري ،فما أعقل أه ًل ،ول مالً ،ول ولدا :لَ َن َق َ
عيني ،وشغلْتني عن ُم ّ
ولفس َخ َع ْق َدها ،ولو كانت أبرع الخلق جمالً ،وأكملهم كما ًل ،وأملحهم ملحا ،فإن ته ّيأ
َ
تعشق أن تدمع عينُ ُه :احتاجت هذه المرأة أن يكون معها َو َر ُع ُ ّمال هذا من ذلك، مع
أم الدرداء ،ومعاذة العدوية ،ورابعة القيسّية ،والشجاء الخارجية" ،فإذا كان هذا التأثر
العميق يمكن أن يحصل للفتاة البارعة من مثل هذا القبيح الساقط في شكله وحاله،
يبد لها من أمره إل فكيف بمن خفي عليها حاله ،واستتر خلف الحواجز والحجب ،ولم ُ
64
ُحسن صوته ،وخداع كلمه عبر خطوط الهاتف الدقيقة؟ فل شك أن هذا قد يكون
أبلغ في تاثيره عليها من الذي قد بدا لها نقص هيئته.
إن مثل هذا الوصف لخطورة هذا الجهاز -خاصة بعد ظهور الهاتف الجوال،
وانتشاره بصورة واسعة بين الفتيان والفتيات -ل ينبغي أن ُيستنكر ،فإن حصول
الستمتاع الجنسي عبر الهاتف عند بعض الفتيات الساقطات :أمر ثابت ميدانيا ،وقد
كانت المرأة الماجنة في السابق تتعرض للشعراء حتى يشببوا بها ،ويمدحوها ،فيعجبها
ذلك ،وترتاح ،له ،وتستمتع به ،فليس بغريب أن يحصل شيء من هذا الستمتاع عبر
حب عن طريقه :أمر معلوم معروف، ّ الهاتف ،ثم إن وقوع بعضهن في علقات
بمجرد الخبار ،والتلذذ قد يحصل ،بالمراسلة ،وكل
وكيف يستنكر هذا والعشق قد يقع ّ
ذلك دون نظر أو سماع ،ثم إن انتهاء كثير من العلقات الهاتفية بين الجنسين بوقوع
الفاحشة هو أيضا أمر واقع وقائم.
ولعل أخطر ما تتوجب به عبقرية تقنية التصالت الحديثة :الربط بين الهاتف
والكاميرا في جهاز واحد ،حيث تم ذلك في الهاتف النقال ،كما تم أيضا عبر
الشبكات العنكبوتية العالمية ،إضافة إلى إمكانية الربط التقني بين الهاتف الجوال
والشبكة العنكبوتية" ،فليست أكثر من لحظة خيانة ُيدار فيها مفتاح الهاتف المتنقل
ليصبح الشخص الغافل بصورته وانفعالته :مادة ثقافية للمستهلكين ،فل يستطيع أن
يرد عن نفسه المتطفلين ،ول يستطيع أيضا أن يمحو ما تناثر من شخصه عبر ّ
الثير ،وللمتأمل أن يتخيل حين تكون الفريسة من المخدرات في البيوت،
والخ ُمر ،مما ُيعطي القضية حجمها الفعلي ،وخطرها الحقيقي"،
ُ المحجوبات بالجلبيب
وهذه النقلة المتطورة في ميدان التصالت من شأنها إحداث هزة في المجتمع،
تتغير معها المفاهيم الجتماعية والثقافية ،ويحتاج ،معها الناس إلى تعريف ،جديد
لمفهوم الخصوصية الشخصية ،حين لم يعد للشخص -أيا كان -أن ينفرد بشيء من
مكنتهم هذه التقنية الخطيرة منخصوصياته دون تدخل الخرين وفضولهم ،حين ّ
إشباع رغباتهم على حساب الخرين ،حتى إنه لم يعد غريبا في بعض الوساط
الجتماعية المحافظة أن يحضر بعض النساء الحفلت النسائية وهن محجبات ،
ويقوم على مداخل قاعات الحفلت من يفتش الداخلت بحثا عن أجهزة التصال
المزودة بالكاميرات.
إن المشكلة ،ل تكمن في مجرد التطور التقني لوسائل التصال الهاتفية ،والوصول
إلى هذه التقنية العالية ،وإنما تكمن في توفيرها بأسعار زهيدة في أيدي المستهلكين
من جميع فئات المجتمع وطبقاته ،بحيث تكثر نسبة العابثين المستخدمين لها ،ممن
تنقصهم التربية الصالحة،،والخلق الفاضلة،،مما قد يهدد المجتمع في أخلقه وآدابه،
ولسيما إذا ُعرف أن النساء في بلد مثل المملكة العربية السعودية يمثلن حوالي
%40من سوق أجهزة الهواتف النقالة ،وأن هناك اختلفا -يكاد يكون عالميا -في
أسلوب استخدام الهاتف بين الرجال والنساء ،ففي الوقت الذي يستخدمه الرجل -في
65
الغالب -لقضاء حاجاته ،تستخدمه المرأة كوسيلة للترفيه ،مما يجعلها أكثر عرضة
للنتهاك عبر هذه الوسيلة سواء كان ذلك برضاها ،أو رغما عنها.
إن وسيلة الفتاة الوحيدة لرد هذا النوع من النتهاك عن نفسها حين ل تستطيع أن
تستغني عن هذه الوسائل هو اللتزام بالحجاب الشرعي خارج المنزل لتحفظ
صورتها ،مع عدم الستجابة بالكلية للطرف الخر عبر الهاتف ،حتى ولو بالشتيمة،
فإن الفاسق يستمتع بذلك ،بل عليها أن تقطع المكالمات الهاتفية من هذا النوع
بصورة مباشرة ،فإن الصوت كالوجه يتأثر بالنفعالت المختلفة عند المتكلم وإن
كان ُمحتجبا ،فتدرك الفتاة الواعية لول وهلة من نبرات الصوت :ماذا ُيريد
ادعى المتكلم ،فتقف من المكالمة ،الموقف المناسب ،ول تتهاون في ذلك حتى وإن ّ
رد المكالمات المنزلية
رغبته في خطبتها ،فإن طريق الخطبة معلوم ،ولو أوكل ّ
الحد من استخدام الفتيات للهاتف الجوال
ّ للرجال ،ولكبار ،السن من النساء ،مع
ولسيما ذي الكاميرا لكان هو الولى والكمل لدرء الفساد ،مع البقاء على مبدأ
مشروعية التحدث من وراء حجاب ،بقدر الحاجة بين الرجال والنساء إذا كان ذلك
في غير ريبة أو خيانة.
66