Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 66

‫التربية الجنسية‬

‫عدنان باحارث‬.‫د‬
http://www.bahareth.org/index.php

1
‫موقف الشرع من التربية الجنسية‬

‫يشوب مصطلح التربية الجنسية غموض كبير‪ ،‬ل سيما عندما يريد البعض إدخالها إلى‬
‫المناهج التعليمية‪ ،‬وقد حصل مثل هذا ول يزال في الوساط الغربية‪ ،‬حيث نتج عنه‬
‫صراع أخلقي حول طبيعة منهج التربية الجنسية‪ ،‬وموضوعاته‪ ،‬ومن يدرسه‪ ،‬وكيف‬
‫ُيعرض‪ ،‬والسن المناسبة لعرض موضوعاتها‪.‬‬

‫وتنتهي هذه الزمة بكل صراعاتها في المجتمع المسلم‪ ،‬الذي يعيش السلم عقيدة‬
‫ومنهج حياة‪ ،‬حين جعل السلم التربية الجنسية ميدانا ضروريا للعبادة‪ ،‬فربط بينها‬
‫وبين أداء الشعائر التعبدية‪ ،‬فباب الطهارة في كتب الفقه ل يعدو أن يكون بابا في‬
‫صح التعبير ‪ -‬فالستنجاء‪ ،‬والستجمار‪،،‬وما يتعلق بقضاء الحاجة‪،‬‬
‫التربية الجنسية ‪ -‬إذا ّ‬
‫والحيض والنفاس‪ ،‬والغسل من الجنابة‪ ،‬والوضوء‪ ،‬وأبواب ستر العورة‪ ،‬والعلقات‬
‫موضوعاتفي التربية‬
‫ٍ‬ ‫الزوجية‪ ،‬وآداب الستئذان وغيرها كثير‪ ،‬كل ذلك ل يعدو‬
‫الجنسية في السلم‪.‬‬

‫هذه الموضوعات بكل تفصيلتها قائمة في حياتنا التعليمية‪ ،‬سواء في مدراسنا‪ ،‬أو‬
‫جامعاتنا‪،،‬أو حلقات العلم والمحاضرات في المساجد‪ ،‬أو المنتديات الثقافية‪.‬‬

‫ومن هنا فإن إثارة هذا الموضوع من هذه الوجهة هو تحصيل حاصل في حياتنا‬
‫الثقافية‪ ،‬وإن كان ل بد فمزيد من التوسع في أبواب الفقه والحديث التي تتحدث‬
‫عن هذه الموضوعات الخاصة ليس أكثر من ذلك‪.‬‬

‫أما إذا كان المقصود من التربية الجنسية هو عرض صراعات الثقافة الجنسية عند‬
‫الغرب‪ ،‬ونظرياتهم‪ ،‬المنحرفة والمشوشة‪ ،‬وما يتعلق بها من مفاهيم التحرر‪ ،‬وكشف‬
‫العورات‪ ،‬وما أمر ال تعالى بستره من أحوال العلقات الخاصة‪ ،‬إضافة إلى الصور‬
‫الفاضحة الممنوعة ‪ ،‬وغيرها من القضايا التي كانت ول تزال موضع صراع عند‬
‫الغرب أنفسهم فهذا ممنوع شرعا‪ ،‬ول علقة له بالتربية الجنسية في السلم‪.‬‬

‫وأما الحديث عن المنهج والمعلم ‪ ،‬فإن التربية الجنسية ل تتعلق بمنهج معين‪ ،‬أو معلم‬
‫معين‪ ،‬بل هي مواد شرعية فقهية وحديثية يقولها المنهج المدرسي ككل في مواده‪،‬‬
‫وأنشطته الثقافية والجتماعية‪ ،‬وتتوله وسائل العلم من خلل الدروس العلمية‬
‫الشرعية‪ ،‬ويتوله إمام المسجد وواعظ الحي‪ ،‬فالكل يشارك في هذا البناء الثقافي‬
‫السلمي‪ ،‬وأما ربط التربية الجنسية ‪ -‬بصورة خاصة ‪ -‬بمنهج محدد معين‪ُ ،‬تجمع فيه‬
‫هذه المسائل الجنسية فهذا من شأنه إثارة موضوعات ل ُتحمد عقباها ‪ ،‬وكذلك‬
‫تدريس هذه القضايا الجنسية من خلل مادة الحياء هو الخر ل يصلح؛ فإن كثيرا‬
‫من إناث الحيوانات تقتل ذكورها بعد الممارسة الجنسية‪ ،‬بل تقتل بعض الحشرات‬
‫والحيوانات صغارها‪ ،‬وهذا ل يناسب الطبيعة النسانية‪ ،‬ول يصلح مثا ًل لها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إن المراجع لواقع المة في سيرة الرسول ‪ e‬يجد أن التربية الجنسية كانت جزءا‬
‫من حياة النسان في ذلك الوقت‪ ،‬ل تختص بدرس معين‪ ،‬ول وقت معين‪ ،‬يأتي‬
‫الرجل يسأل في المسألة الجنسية‪ ،‬وتأتي المرأة تسأل دون أن يمنعها‪ ،‬من ذلك حياء‬
‫أو خجل‪ ،‬والرسول ‪ e‬يجيب‪ ،‬وإذا لم تكن هذه هي التربية الجنسية‪ ،‬فل أدري ما هي‬
‫التربية الجنسية ؟‬

‫الحكمة من تركيب الشهوة الجنسية‬

‫تسيطر الشهوات المختلفة ‪ -‬كنوع من البتلء ‪ -‬على سلوك النسان‪ ،‬وتتحكم في كثير‬
‫تصرفاته بدوافعها العنيفة المتغلغلة في عمق جذور كيانه البشري‪ ،‬حتى إنه ربما‪،‬ل‬
‫من ّ‬
‫يتحرك‪ ،‬ول ينبعث إل على مرادها‪ ،‬وفي سبيل إشباعها كحال الحيوان‪ ،‬وهنا يأتي‬
‫المستنير بنور الشرع ليضبط مسارها‪ ،‬و ُيلْجم اندفاعها‪ :‬فترفع ال ُمكّلف بحميد مسلكها‬
‫حط ْته بخبث مخرجها إلى دركات السافلين‬ ‫إلى درجات الصالحين البرار‪ ،‬وإل ّ‬
‫الشرار‪.‬‬

‫مضاء‪ ،‬وأكثرها ّ‬
‫تمكنا في‬ ‫ً‬ ‫ويأتي دافع الشهوة الجنسية كأقدم الدوافع الشهوية‪ ،‬وأشدها‬
‫ليصب ُعصارة الجهد وغاية ال ُمراد في غريزة حب البقاء ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫عمق الكيان النساني؛‬
‫كبرى غرائز الحياء ‪ -‬بشقّيها العظيمين العميقين‪ :‬حفظ الذات‪ ،‬وحفظ النوع‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
‫" أن النشاط الجنسي بالنسبة للنسان‪ ،‬ولسائر الجناس الحيوانية مسألة بقاء أو فناء‪،‬‬
‫فإذا توقف‪ ،‬أو أعيق‪ :‬فإنه يهدد النوع بالفناء؛ لذا ارتبطت الممارسة الجنسية بالقوة‬
‫قصر النسان في‬ ‫والعنف كدرعين واقيين للنشاط الجنسي من التوقف "‪ ،‬فإذا ّ‬
‫إشباعها‪ :‬انقاد إليها منبعثا لها لقوة ما تحمله من العنف في ذاتها لبقاء النسل‪ ،‬واستمرار‬
‫النوع‪ ،‬كحال الطعام لم يجعل المولى قوام النسان منه إلى اختياره‪ ،‬وإنما جعله‬
‫غريزة تلح بقوة إلى الشباع لحفظ الذات‪ ،‬والغريزة ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬سلوك فطري‬
‫غيرمتكّلف‪ ،‬يصدر عن الشخص تلقائيا بل تعّلم‪ ،‬بغرض الستمرار وعدم النقطاع‪،‬‬
‫ومن هنا يظهر أن الهدف السمى من الغريزة الجنسية وكل ما يلحق بها‪ :‬هوالولد‪،‬‬
‫كوحدة رمزية ضرورية‪ ،‬لدعم غريزة " البقاء "‪ ،‬التي أرادها المولى ‪ e‬لعمارة‬
‫الرض بالتوارث فيها جي ًل بعد جيل‪ .‬وبناء على هذا التصور قام نظام التزاوج بين‬
‫ذكر وأنثى على أساس التواصل الجنسي كضرورة إنسانية ملحة لقتناص الولد‪،‬‬
‫ضمن حدود السرة العضوية باعتبارها لبنة في بناء الكيان الجتماعي الكبير‪.‬‬

‫ومن هنا ُيلحظ أن ما تتبنّاه بعض الفئات والمم‪ :‬من استقذار مبدأ تركيب الشهوة‬
‫الجنسية كدافع أصيل ُم ْستحسن‪ :‬يخالف مبدأ الوجود النساني كحقيقة تفتقر إلى‬
‫الشهوة الباعثة؛ إذ ل يمكن أن تتم عملية الخصاب البشري بين زوجين بغير دافع‬
‫في عليها من مشاعر‬
‫أض َ‬
‫الشهوة الملحة‪ ،‬التي تقتحم بطابع ع ْنفها‪ ،‬وقوة اندفاعها‪ ،‬وما ْ‬
‫المتعة واللذة‪ :‬حواجز النفس النسانية‪ ،‬وحدود الذات الفردية؛ لتبلغ أقصى مظاهر‬

‫‪3‬‬
‫التداخل النساني في أكمل صوره الممكنة‪ ،‬بين شخصين‪ ،‬كما قال العليم الخبير‪:‬‬
‫اس لَ ُه ّن … { ]البقرة‪ ،[187 :‬ولهذا جعلت الشريعة‪،‬‬ ‫اس لَ ُك ْم َو َأ ْن ُت ْم لِ َب ٌ‬
‫} … ُه ّن لِ َب ٌ‬
‫الطهر؛ حتى ل يقع في النفس‬ ‫الخاتمة هذه العلقة الشهوانية الضرورية في غاية‪ّ ،‬‬
‫استحقار دافعها‪ ،‬حيث باركتها بذكر ال تعالى‪ ،‬ورتّبت عليها الجر والثواب‪ ،‬وجعلتها سنة‬
‫خير الخلق‪ ،‬بل إن عصارتها‪ ،‬الشهوية المتدفّقة من الزوجين‪ ،‬والتي ينعقد منها الولد‪:‬‬
‫طاهرة من النجاسة على الراجح‪ ،‬و ُم ْستثنا ٌة من كل ما يخرج من السبيلين‪ ،‬وما كان ل‬
‫أن يخلق النسان من عصارة نجسة‪ ،‬ف ُع ِل َم بالضرورة‪ :‬أن الشهوة الجنسية أصلها ليس‬
‫حظالشيطان في شيء‪ ،‬وأنها من مستحبات الشريعة‪،،‬ومطلوبات الدين‪.‬‬ ‫من ّ‬

‫أي صورة من صور التّجنّي على م ْبعث الشهوة الجنسية‪:‬‬ ‫وبناء على ما تقدم‪ :‬فإن ّ‬
‫بقطع سببها بالدواء‪ ،‬أو بتر أعضائها بالعتداء كالخصاء للذكر‪ ،‬أو استئصال الرحم‬
‫عند النثى‪ ،‬كل ذلك يدخل ضمن المذ ّمة الشرعية‪ ،‬والمؤاخذة القانونية‪ ،‬سواء كان‬
‫ذلك على النفس‪ ،‬أو الخرين ‪ -‬في أي مرحلة من مراحل العمر ‪ -‬مهما كانت الحجج‬
‫والمبررات؛‪،‬بل إن مبدأ الزهادة في الدنيا وملذاتها‪ ،‬مع كونه من مستحبات الشريعة‪:‬‬
‫ل يستوعب في نطاقه الشهوة الجنسية‪ ،‬ول تدخل الزهادة فيها ضمن محبوباته‪.‬‬

‫‪ ،3‬تعديل المفاهيم الجنسية المنحرفة‬

‫يعد‬
‫إن وقوع حالت من النحراف الجنسي في سلوك بعض أفراد المجتمع المسلم ل ّ‬
‫أمرا مستغربا حتى في أطهر وأرقى المجتمعات النسانية‪ ،‬فما زال كثير من الناس‬
‫على مر العصور ل سيما من فئة الشباب يقعون في أخطاء سلوكية منحرفة‪ُ ،‬منساقين‬
‫إليها بدافع الشهوة الملح‪ ،‬مع اعتقادهم الراسخ‪ ،‬ويقينهم الكامل بأنهم أتوا حراما‪،‬‬
‫وخطأ ُيوجب عليهم التوبة‪ ،‬و ُي ّلح عليهم بوخز الضمير‪ ،‬وإنما تكمن المعضلة‪ ،‬وت ْعظُ م‬
‫المشكلة عندما يصبح النحراف الجنسي قضية فكرية‪ ،‬ومنطقا عقليا‪ ،‬تدعمه الحجة‬
‫مجرد سلوك خاطئ يوشك أن ُي ْقلع عنه صاحبه‪ ،‬ويتوب من‬ ‫ّ‬ ‫والبرهان‪ ،‬وليس‬
‫تعاطيه‪.‬‬

‫إن أخطر ما ُمنيت به النسانية في القرن العشرين الميلدي‪ :‬أفكار‪ ،‬وآراء الطبيب‬
‫اليهودي " سيجمند فرويد "‪ ،‬وما صاحبها من مظاهر تحرير المرأة‪ ،‬وتوفير عقاقير‬
‫منع الحمل ‪ ،‬والتطور التقني الحديث بعد الحربين العالميتين الولى والثانية‪ ،‬حيث‬
‫انتقل عن طريقه كثير من السلوكيات الجنسية المنحرفة من كونها شذوذات فردية‬
‫ضالة إلى ممارسات جماعية منظمة‪ ،‬ومن كونها انحرافات سلوكية خاطئة إلى كونها‬
‫مبادئ فكرية ومذهبية‪ ،‬حتى إن ضخامة تأثيره في القضايا النفسية والجنسية ل يبعد‬
‫كثيرا عن حجم وضخامة تأثير" أرسطو" في قضايا‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬حتى ل يكاد يخلو من‬
‫ذكر آرائه كتاب نفسي أو جنسي‪ ،‬فقد خرج على النسانية المعاصرة ‪ -‬مؤ ّيدا بقوى‬
‫معضلة الكبت‪،‬‬‫الشر ‪ -‬بتفسيرات جنسية محضة‪ ،‬محورها البحث عن اللذة في مقابل ْ‬
‫حلل من خللها سلوك النسان العام عبر مراحل عمره المختلفة‪ ،‬فأقامها على عقد‬

‫‪4‬‬
‫تمجه العقول السوية‪ ،‬والفطر‬
‫أسطورية‪ ،‬من نَ َشاذ العقل النساني‪ ،‬مما ّ‬
‫طفولية ْ‬
‫السليمة‪ ،‬فلقى بسبب جراءته من عنت معارضيه‪ ،‬وأليم نقدهم‪ ،‬بقدر ما لقى من‬
‫دعم مؤيديه‪ ،‬وتشجيعهم لرائه‪.‬‬

‫وعلى الرغم من اعتقاد بعضهم بأفول أفكاره‪ ،‬وضعف تأثيرها في ميادين علم‬
‫النفس المعاصر‪ ،‬فإن بعض الدراسات الميدانية تشير إلى أن " فرويد" باعتباره‬
‫شخصية مؤثرة في علم النفس ‪:‬ل يزال اسمه عالقا في أذهان الناس‪ ،‬و ُيعتبر في‬
‫نظرهم الشخصية الولى في قائمة المختصين النفسيين‪.‬‬

‫إن من الضروري ‪ -‬ضمن الحياة السلمية المعاصرة ‪ -‬حماية الناشئة من الضلل‬


‫الجنسي‪ ،‬من خلل تعديل المفاهيم الشاذة في أذهانهم‪ ،‬وإحلل المفاهيم الصحيحة‬
‫محلها؛ لتبقى القضية الجنسية ضمن إطارها‪ ،‬المحدود‪ُ ،‬تعطي عطاءها اليجابي‬
‫تتعدى حدودها لتصبح محور‬
‫باعتبارها جانبا من جوانب شخصية النسان‪ ،‬دون أن ّ‬
‫السلوك النساني بأبعاده المختلفة‪.‬‬
‫مشكلة الشباب العاطفية‬

‫يشكو المربون من الباء والمهات والمعلمين والمعلمات من الهيجان العاطفي عند‬


‫الشباب من الجنسين‪ ،‬ول سيما عند الذكور‪ ،‬فما أن يدخل أحدهم سن البلوغ حتى‬
‫يتحول إلى شخص آخر‪ ،‬قد امتل بالعنف والثارة والغليان‪ ،‬وكثيرا ما يصاحب هذه‬
‫المشاعر المتحركة مواقف من التمرد السري‪ ،‬والخروج عن النظمة المدرسية‪،‬‬
‫ومخالفة الكبار من المربين‪.‬‬

‫إن حجما ضخما من الميول العاطفية تنبعث مع سن البلوغ عند الجنسين‪ ،‬تحمل معها‬
‫شحنات قوية من النفعالت‪ ،‬ممزوجة بقدر كبير من الثارة الشهوانية التي ل تجد‬
‫تتصرف فيه‪ ،‬وقد كان من المفروض أن تجد هذه‬ ‫ّ‬ ‫لها متنفّسا طبيعيا مشروعا‬
‫الشحنات العاطفية موقعها الطبيعي في الجنس الخر عن طريق الزواج المشروع ‪،‬‬
‫كبت أو حرمان‪ ،‬إل أن‬ ‫ٍ‬ ‫فيستهلك البالغ والبالغة شحناتهما العاطفية فيما بينهما دون‬
‫الظروف القتصادية والجتماعية‪ ،‬وطبيعة النظام التعليمي حالت دون تحقيق‬
‫حاجات البالغين من الشباب والشابات ‪ ،‬ليعيشوا فترات من الحرمان العاطفي تطول‬
‫إلى أكثر من عشر سنوات‪ ،‬مما ينعكس‪ ،‬على نفوسهم بمشاعر القسوة واللم واليأس‪،‬‬
‫فيعبرون عن مشاعرهم المحبطة بصور من النفعالت الحادة والتمرد‪ ،‬وربما‬
‫الهمال وعدم المبالة‪.‬‬

‫يمر بنوعين من البلوغ‪ :‬الول‪ :‬البلوغ الجنسي الذي يدخل به عالم‬ ‫إن الشاب ّ‬
‫التكليف‪ ،‬ويصبح به قادرا على التناسل‪ ،‬وهذا عادة ما يكون في الخامسة عشرة عند‬
‫الشاب عالم‬
‫الجنسين‪ .‬وأما البلوغ الثاني‪ :‬فهو البلوغ القتصادي الذي يدخل به ّ‬

‫‪5‬‬
‫الكبار ‪ ،‬ويصبح قادرا على القيام بنفسه‪ ،‬والنفاق على أسرته الخاصة‪ ،‬وهذا النوع‬
‫من البلوغ خاص بالذكور لنهم المكلفون شرعا بالنفاق‪.‬‬

‫والصل الطبيعي في المجتمعات السابقة والريفية المعاصرة أن الشاب ما أن يبلغ‬


‫تيسر له الزواج ‪ ،‬فالشاب في المجتمعات‪ ،‬البدائية والريفية ُمنتج‪ ،‬قادر‬
‫الحلم إل وقد ّ‬
‫على الكسب من طفولته‪ ،‬قد حصل على جميع المهارات المتاحة له في بيئته‪ ،‬والتي‬
‫تؤهله للكسب‪ ،‬والقيام بنفسه‪ ،‬والنفاق على أسرته‪ ،‬فيخرج الشاب الريفي من عالم‬
‫الطفولة إلى عالم الكبار‪ ،‬دون المعاناة التي يحكيها الباحثون النفسيون عن المراهقة‬
‫وأزماتها‪ ،‬مما يعانيه أبناء المدن الحضارية‪ ،‬ويقاسونه من متطلبات النتقال من عالم‬
‫الطفولة إلى عالم الكبار ‪ ،‬حيث يحتاجون إلى عشر سنوات على القل بعد البلوغ‬
‫الجنسي ليتأهلوا لعالم الكبار‪.‬‬

‫وهنا تكمن الزمة في البعد الزمني الفاصل بين نوعي البلوغ‪ ،‬مما أفرز مرحلة‬
‫جديدة في عمر الشباب ‪ ،‬ما بين الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين تقريبا‪ ،‬ل‬
‫يعرف الشاب فيها هويته‪ ،‬فل هو طفل صغير‪ ،‬ول هو شخص كبير‪ ،‬يحمل في نفسه‬
‫أشواق وآمال الكبار‪ ،‬إل أنه ل يزال محتاجا إلى رعاية أسرته في كل شؤونه‬
‫يعن له البلوغ الجنسي شيئا سوى‬
‫الخاصة والعامة‪ ،‬ل يستطيع العتماد على نفسه‪ ،‬فلم ِ‬
‫أنه مكلف شرعا‪ ،‬أما واقعه فهو ل يعدو أن يكون طف ًل كبيرا‪.‬‬

‫إن هذه الزمة المعاصرة التي أفرزتها طبيعة الحياة الحضارية ل بد من وقفة جادة‬
‫معها‪ ،‬يشترك فيها المجتمع بكل مؤسساته ليعمل بجد على قصر المسافة‪ ،‬الزمنية بين‬
‫البلوغين الجنسي والقتصادي‪ ،‬والسعي في تأهيل الشباب للقيام بأنفسهم‪ ،‬فهم قد‬
‫تأهلوا شرعا بالتكاليف الدينية الكبرى‪ ،‬فلن يضيرهم أن يقوموا بالتكاليف‬
‫القتصادية والجتماعية حين يتعاون المجتمع ويراعي حاجاتهم‪ ،‬ويقيم مؤسساته ل‬
‫سيما التعليمية لتوافق حاجات الشباب ‪ ،‬وما لم يسع المجتمع لحل هذه الزمة بصورة‬
‫جذرية فإن مزيدا من المعاناة والضطراب سيكون نصيبه‪ ،‬وقد لحظ الباحثون أن‬
‫غالب أزمات الشباب وانحرافاتهم تحصل في الفترة من الخامسة عشرة إلى‬
‫الخامسة والعشرين‪ ،‬وهي الفترة التي تفصل بين نوعي البلوغ الجنسي والقتصادي‪.‬‬

‫‪ ،5‬دور الحدود الشرعية في ضبط السلوك الجنسي‬

‫إن من أهم واجبات النظام الجتماعي‪ :‬ضبط العلقات الجنسية؛ لن الغريزة‬


‫بشدتها وإلحاحها تهدد في كل لحظة بانحرافها؛‪ ،‬لكونها تحمل في طبيعتها مبدأ زيغها‬
‫وضللها‪ ،‬بما تحمله من الندفاع والعنف والقوة‪ ،‬والطبيعة النسانية في العموم‪ ،‬تأبى‬
‫واكتمال الشهوة‪ ،‬وضعف‬ ‫في سلوكها مراتب الكمال ‪ ،‬خاصة عند و ْفرة الشباب‪ْ ،‬‬
‫الوازع الديني‪ ،‬حتى " إن ال ‪ e‬ليعجب من الشاب ليست له صبوة "؛ لنه في اندفاعه‬
‫ل يكاد ُي ْصغي لنداء العقل الذي يلْفته عما يرغب‪ ،‬بل ل يستطيع فهمه؛ لن دافع‬

‫‪6‬‬
‫الشهوة بطبيعته ل يلتفت إلى داعي العقل‪ ،‬وإنما يخضع لضابط القوة والسلطة‬
‫عزز‬
‫التأديبية الرادعة‪ .‬ومن هنا جاء دور العقوبات الشرعية والتأديبات التعزيرية ل ُت ّ‬
‫بقوتها توجه المجتمع الخلقي‪ ،‬و ُتساعد الفراد ‪ -‬بصورة مباشرة وغير مباشرة ‪-‬‬
‫وإحكام نوازعهم‪ ،‬حتى يبقى نشاط الغريزة الجنسية في مساره‬ ‫على ضبط غرائزهم‪ْ ،‬‬
‫المشروع‪ُ ،‬يحقق الهدف من مبدأ تركيب الشهوة‪.‬‬

‫وقد عاشت المة السلمية في رحمة شريعتها دهرا من الزمن ل تعرف الفواحش‬
‫الجنسية ومعاناتها‪ ،‬الصحية إل بالقدر الطبيعي الذي ل تنفك عنه أطهر المجتمعات‬
‫السلمية‪ ،‬وذلك عندما كان أفراد المجتمع يعيشون بالفعل الثار التربوية‪ ،‬والمنافع‪،‬‬
‫الحيوية التي ُتحييها رهبة الحدود الشرعية في نفوسهم‪ ،‬فالنسان "إذا نظر إلى‬
‫اللذات‪ ،‬وإلى ما يترتب عليها من الحدود والعقوبات العاجلة والجلة‪ :‬نفر منها بطبعه‬
‫لرجحان مفاسدها" ‪ ،‬بل إن المجتمع الوروبي رغم تحريف شريعته‪ ،‬وضلل منهجه‪:‬‬
‫انتفع ‪ -‬إلى حد كبير ‪ -‬بتطبيق العقوبات القانونية في ضبط سلوك الفراد وإحكام‬
‫تجرأ الناس عندهم على الفواحش‪ ،‬وانتهاك العراض بهذه الصورة‬ ‫شهواتهم‪ ،‬وما ّ‬
‫المفزعة‪ ،‬والعود من جديد إلى الجريمة بعد استيفاء العقوبة إل بعد الثورة الفرنسية‬
‫حين ُف ّرغ القانون من أسباب قوته‪ ،‬وسطوة سلطانه‪ ،‬وعلى ضوء هذه الثار اليجابية‬
‫حد ُيعمل به في الرض‪ :‬خير لهل الرض‬ ‫لقامة الحدود‪ُ :‬يفهم قول رسول ال ‪ٌ )) e‬‬
‫من أن ُيمطروا أربعين صباحا((‪.‬‬

‫وقد اب ُتليت المة السلمية في تاريخها‪ ،‬الحديث ‪ -‬منذ زمن الستعمار‪ - ،‬بما اب ُتليت‬
‫به أوروبا قبل قرنين من الخلخلة الجتماعية والفكرية؛ حيث اس ُتبدلت القوانين‬
‫الوضعية بالشريعة السلمية في غالب الدول‪ ،‬وانحسر تطبيق الشريعة‪ ،‬إل في‬
‫فتبدل بالتالي كثير من الثوابت‬ ‫جوانب من أحكام السرة والحوال الشخصية‪ّ ،‬‬
‫الخلقية‪ ،‬فوجد المنافقون ‪ -‬في هذا الوضع الجتماعي المختل ‪ُ -‬فرصة لنشر‬
‫الفواحش في بلد المسلمين‪ ،‬والولوغ في العراض المحرمة‪ ،‬تحت حماية القانون‪،‬‬
‫بعيدا عن سطوة الشريعة‪ ،‬وضوابطها‪ ،‬حتى إن الدعارة المنظمة كانت ول تزال في‬
‫بعض البلد السلمية موضع اهتمام أجهزة الدولة وإشرافها‪.‬‬

‫وأما أحكام الحدود الشرعية‪ ،‬وأسلوب تطبيقها فقد فقدت هي الخرى طبيعتها‬
‫وحدود معالمها ‪ ،‬فلم يعد الصل في البضاع الحرمة ما دام التراضي بين الطرفين‬
‫والعزوبة قائمين‪ ،‬بغض النظر عن نوع الجريمة‪ :‬م ْثلية كانت‪ ،‬أو غير ّية‪ ،‬أو زنى‬
‫محارم‪ ،‬ما دام الجميع مكلفين قانونيا‪ ،‬بل وحتى التصال الجنسي بالحيوان ل ُيؤاخذ‬
‫حق ُيلتفت إليه في هذه القوانين‪ ،‬إنما الحق‬
‫به القانون؛ إذ ليس ل تعالى أو للمجتمع ّ‬
‫في الدعاء أو العفو للزوجين فقط حال قيام الزوجية بينهما‪ ،‬حتى ولو عاين الشهود‬
‫العدول الجريمة‪ ،‬وشهدوا بها‪ ،‬إلى جانب التح ّيز الواضح في القانون لصالح الزوج‬
‫المشرع القانوني الزنا مطلقا مادامت الزوجية قائمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على زوجته‪ ،‬حيث حرم عليها‬
‫في حين أباح لصالح الزوج الحرية الكاملة في مضاجعة من شاء من العاهرات‬

‫‪7‬‬
‫مادام بعيدا عن فراش الزوجة ومسكنها‪،،‬بل إن محترفة البغاء ُتؤاخذ قانونيا في حين‬
‫ل يؤاخذ من يفجر بها‪ ،‬كما أن نوع العقوبة في حال ثبوت الجريمة على طريقة‬
‫القانون‪ :‬انحصرت في نوعين فقط من العقوبات‪ :‬السجن‪ ،‬أوالغرامة المالية‪.‬‬

‫إن الرضا والطمئنان ببند واحد من بنود هذه القوانين مما يخالف إجماع المة‪:‬‬
‫كاف لخراج مسلمي أهل الرض قاطبة من ملة السلم إلى ملل الكفر والضلل‪،‬‬
‫بمحادتها للنقل‪ ،‬ومخالفتها للعقل‪،‬‬
‫فض ًل عن مجمل هذه التشريعات الوضعية الصارخة‪ّ ،‬‬
‫وإن الناظر في الشريعة‪ ،‬السلمية يجد اعتناءها بالمنهيات أكبر من اعتنائها‬
‫بالمأمورات؛ فإن المشقة تسمح بترك بعض الواجبات كالقيام في الصلة المفروضة ‪،‬‬
‫أو الصيام في رمضان ونحو ذلك‪ ،‬في حين ل تسامح الشريعة‪ ،‬في القدام على‬
‫المعاصي‪ ،‬ول سيما الكبائر حتى للمكره‪ ،‬مهما عظمت عليه المشقة‪ ،‬كالمكره على‬
‫الزنى‪ ،‬أو القتل‪ " ،‬وهذا يدل على أن المسامحة في ترك الواجب أوسع من‬
‫المسامحة في فعل المحرم‪ ،‬وإن بلغ العذر نهايته "‪ ،‬والواقع من حال هذه القوانين‬
‫عدم اعتنائها بما اعتنت به الشريعة السلمية‪ ،‬بل تخالفها في وجهتها مخالفة كاملة‪.‬‬

‫ومع أخذ دول العالم‪ ،‬بما فيها غالب‪ ،‬الدول السلمية بهذه القوانين‪ ،‬والعمل بها‪ :‬فإن‬
‫تحم عرضا‪ ،‬ولم تؤدب فاسقا‪ ،‬ولم تردع مجرما‪ ،‬ولم‬ ‫الواقع الخلقي يشهد بأنها لم ِ‬
‫تمنع فاحشة‪ ،‬بل هي في شأن الزنا ‪ -‬بصورة خاصة ‪ -‬على العكس من ذلك‪ ،‬وكأن‬
‫بقيامها على مبدأ التراضي بين الطرفين ُتعّلم الرجال‪ ،‬وتقول لهم‪ " :‬احتالوا على‬
‫رضا النساء‪ ،‬فإن رضين الجريمة فل جريمة ‪ ،‬فكأنها تعلمهم أن براعة الرجل الفاسق‬
‫إنما هي في الحيلة على المرأة‪ ،‬وإيقاظ الفطرة في نفسها‪ ،‬فينصرف كل فاجر إلى‬
‫إبداع هذه الساليب التي تطلق تلك الفطرة من حيائها‪ ،‬وتخرجها من عفتها‪ ،‬تطبيقا‬
‫للقانون "‪ ،‬فإذا ُعلم‪ :‬أن الناث ‪ -‬كما هو حالها في كل أجناس الحيوان ‪ّ " -‬‬
‫أقل‬
‫جلدا‪ ،‬وأسهل انخداعا‪ ،‬وأسرع غرورا "؛ فإن الحتيال عليهن في مثل هذه المسائل‬
‫الغرائزية أمر ممكن؛ بل هو من أيسر ما يكون على الفاسق الماكر مع المغررة‬
‫الساذجة‪.‬‬

‫إن مما ينبغي أن ُيعرف‪ :‬أن قضية العقوبات الجنسية عند الغربيين قضية صراع‬
‫تعسف نظام الكنيسة‬
‫نفسي بين انفلت إنسان أوروبا الحديث من جهة‪ ،‬وبين ّ‬
‫التاريخي من جهة أخرى‪ ،‬فبقدر إفراط الكنيسة القديمة في التحريمات والعقوبات‪،‬‬
‫المشرع الحديث في الباحيات والتأديبات‪ ،‬فهو صراع‬ ‫ّ‬ ‫كان في المقابل تفريط‬
‫أوروبي بالدرجة الولى‪ ،‬ل يعرفه المسلمون عبر تاريخهم الطويل؛ لنهم إنما‬
‫يستمدون شرعتهم من المصدر المعصوم ‪ ،‬الذي ل يجري عليه الخطأ‪ ،‬فما أمرهم‬
‫بشيء‪ ،‬أو نهاهم عنه إل وفيه بالضرورة مصلحة عاجلة أو آجلة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من تفريط القوانين الحديثة في الخذ بالشريعة‪ ،‬في غالب الدول‬
‫السلمية فقد بقي للجانب الروحي عند المسلمين دوره في كفّهم عن كثير من‬

‫‪8‬‬
‫الموبقات والنحرافات الخلقية والسلوكية؛ ففي الوقت الذي تشير فيه التقارير‬
‫العالمية إلى أفريقيا باعتبارها تحتل المرتبة الثانية في انتشار مرض اليدز‪ :‬تأتي‬
‫الدول العربية في شمال أفريقيا ضمن أقل الدول انتشارا لهذا المرض مقارنة بباقي‬
‫دول أفريقيا في الجملة‪ ،‬وليس هذا إل بفضل الدين السلمي‪ ،‬الذي يحرم الفواحش‬
‫والنحرافات الجنسية‪ ،‬فلو تعاضد القانون مع هذه الوجهة الروحية السلمية لكان‬
‫الثر على سلوك الناس أبلغ وأفضل‪.‬‬

‫إن نظام الحدود في الشريعة السلمية يعتبر كل اتصال جنسي ‪ -‬أيا كانت‪،‬صفته أو‬
‫مبرراته ‪ -‬خارج نطاق الزواج الصحيح‪ ،‬أو ملك اليمين‪ :‬جريمة من أعظم الجرائم‪،‬‬
‫يستحق صاحبها العقوبة المقررة في حقه بغض النظر عن كونه ذكرا أو أنثى‪ ،‬حرا أو‬
‫مملوكا‪ ،‬متزوجا أو عزبا‪ ،‬مسلما أو كافرا‪ ،‬مادام مختارا بالغا عاق ًل‪ ،‬عالما بالتحريم‪،‬‬
‫الح َبل‪ ،‬أو الشهادة‪ :‬حرمت‬ ‫فإذا ثبتت الجريمة لدى الحاكم المسلم بالقرار‪ ،‬أو َ‬
‫الحد‪ ،‬ردعا للجاني عن العود‪ ،‬وتطهيرا للمسلم العاصي‬ ‫الشفاعة والرأفة حينئذ‪ ،‬ووجب ّ‬
‫من دنس الخطيئة‪ ،‬وزجرا لغيره عن مثلها‪.‬‬

‫حد ذاتها‪ ،‬بل‬


‫ومع كل هذا فإن إقامة الحدود في الشريعة‪ ،‬السلمية ليست هدفا في ّ‬
‫هي وسيلة للصلح فإن حصل مراد الشارع الحكيم من الصلح والستقامة بالتوبة‬
‫تقصد التشهير‬
‫الس ْتر والعفو؛ إذ ليس من طبع الشارع ّ‬ ‫والقلع‪َ :‬و َج َب لمثل هذا ّ‬
‫واليلم والنكاية ‪ ،‬بقدر قصده الصلح والصلح‪ ،‬ومع هذا فإن الشريعة السلمية‬
‫عضد بعضها بعضا‪ ،‬فل تعمل‪ ،‬عملها التربوي المثمر في ظل‬ ‫بكلياتها وجزئياتها ُيك ّمل و ُي ّ‬
‫والتخير التطبيقي‪ ،‬وإنما تعمل بإيجابية كوحدة متكاملة مترابطة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التناقض الجتماعي‪،‬‬
‫تربي الناس على العقيدة والخلق‪ ،‬وتحفظهم من أسباب الفتنة والضياع‪ ،‬وترتفع بهم‬
‫إلى مستوى كرامة النسان المؤمن‪ ،‬فمن قعدت به ه ّم ُت ُه ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬عن أدنى‬
‫مراتب الكمال الواجب‪ :‬كان العقاب الزاجر‪ ،‬والتأديب الرادع ‪ -‬في غير شطط أو‬
‫ركب‬
‫تجن ‪ -‬وسيلة المجتمع لصلح حاله‪ ،‬وضبط سلوكه‪ ،‬وإعادته مستقيما إلى ْ‬ ‫ّ‬
‫الجماعة من جديد‪.‬‬

‫إن من واجب المجتمعات النسانية المعاصرة أن تنظر لنفسها أمام هذه الثورة‬
‫الجنسية العارمة ‪ ،‬التي أخذت تتخطى جميع الحواجز الخلقية‪ ،‬وتتعدى كل القوانين‬
‫السرية‪ :‬لتصل في نهاية المر إلى أن يكون‬ ‫وتتحدى أعنف المراض ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوضعية‪،‬‬
‫الجنس هو الهم الكبر المسيطر على حياة النسان‪ ،‬فيمارسه بل ضوابط خلقية‪ ،‬ول‬
‫التزامات اجتماعية؛ بحيث تفقد العلقات الجنسية جوانبها الساسية الضرورية‪:‬‬
‫النفسية‪ ،‬والبداعية‪ ،‬والروحية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬التي تشترك مع العصاب والهرمونات في‬
‫العملية الجنسية‪ ،‬لتتحول إلى أداء بيولوجي خالص‪ ،‬يشبه ‪ -‬إلى حد كبير ‪ -‬سلوك‬
‫الحيوان الجنسي‪ ،‬فينطلق إنسان العصر المسعور‪ ،‬ليفرغ طاقته الجنسية بأي صورة من‬
‫يفرغ مثانته من البول‪ ،‬وهذا الوضع إيذان‬‫الصور‪ ،‬وفي أي موضع وزمان‪ ،‬كما ّ‬

‫‪9‬‬
‫بالهلك العام للمم والمجتمعات ‪ ،‬والدمار الشامل لمنجزات النسان وحضارته‬
‫الحديثة‪.‬‬

‫التربية الجنسية للطفل‬


‫‪ - 1‬ختان الطفال الذكور‬

‫الختان‪ :‬هو إزالة الجلدة الموجودة على رأس الذكر‪ ،‬وهو من سنن الفطرة المباركة‬
‫الواردة في الشرع‪ ،‬وله فوائده الصحية الكثيرة‪ ،‬فمنها‪ :‬أنه يقلل من أسباب الصابة‬
‫بمرض السرطان الخبيث‪ ،‬ويقلل من سلس البول الليلي الذي يكثر عند الطفال‪ ،‬إلى‬
‫جانب أنه يجنب الطفل كثرة العبث بأعضاءه التناسلية‪ ،‬إذ إن هذه الجلدة إذا لم‬
‫تقطع تثير العصاب التناسلية وتدعو إلى حكها ومداعبتها‪ .‬ول داعي للختان إذا ولد‬
‫الصبي مختونا‪ .‬كما أنه ليس للختان سنة في عمل حفل أو جمع الناس وإنفاق‬
‫الموال‪.‬‬

‫أما موعد الختان فقد اختلف فيه العلماء ‪ ،‬فكرهه بعضهم في اليوم السابع ‪ ،‬مخالفة‬
‫لليهود‪ ،‬وعند المالكية يكون الختان عند أمر الصبي بالصلة‪ ،‬أي ما بين السابعة إلى‬
‫العاشرة من عمره‪ ،‬وقد نقل أن السلف كانوا يختنون أولدهم حين يراهقون البلوغ‪،‬‬
‫والمر في الختان واسع فلو عمله يوم السابع أو بعده‪ ،‬أو قبل البلوغ فل بأس إنما‬
‫المهم في المر أن ل يبلغ الولد إل وقد ختن‪ ،‬وقد رجح بعض العلماء أن الختان في‬
‫اليام الولى من عمر الصبي أفضل‪ ،‬وذلك لسهولته عليه‪ ،‬وسرعة شفاء جرحه‪.‬‬

‫‪ - 2‬أدب الستئذان في التربية الجنسية للطفل‬

‫تعم الثورة الجنسية كل مكان‪ ،‬فل يكاد مكان على وجه الرض يخلو من هذه الثارة‬
‫المنحرفة‪ ،‬وقد تقدم وصف مظاهر هذه الثورة العارمة‪ .‬ولما كان سلطان الباء‬
‫المصلحين في الرض ضعيفا‪ ،‬فل حول لهم ول قوة يحمون بها أبناءهم خارج‬
‫البيوت من آثار هذه المظاهر الجنسية المنحرفة ‪ ،‬سوى ما يبثونه فيهم من المعاني‬
‫الصالحة الطيبة‪ ،‬والتقليل من اختلطهم بالمجتمع المتس ّيب‪ .‬فإن واجبهم في حماية‬
‫أولدهم داخل البيوت من هذه الثورة الجنسية ومظاهرها‪ ،‬المنحرفة فرض ل‬
‫ُيعذرون بتركه‪ ،‬أو إهماله‪.‬‬

‫ومن السباب التي يتخذها الب لحماية‪ ،‬الولد داخل البيت‪ :‬تعليمهم آداب‬
‫الستئذان‪ ،‬التي تحميهم من احتمال وقوع أعينهم على ما يثيرهم جنسيا‪ ،‬كما تحميهم‬
‫من أن ُتشغل عقولهم بقضايا متعلقة بالجنس ل يجدون لها تفسيرا‪ ،‬لضعف عقولهم‪،‬‬
‫وقلة خبرتهم بهذه الشؤون‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ونظرا لهمية هذا الدب السلمي‪ ،‬فقد ورد ذكر الستئذان وآدابه في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬حيث حدد الل ه ‪ e‬أوقات الستئذان‪ ،‬والوقات التي ل ُيشرع فيها استئذان‪،‬‬
‫ين َم َل َك ْت َأ ْي َمانُ ُك ْم َوالّ ِذ َ‬
‫ين ل َْم‬ ‫فقال سبحانه وتعالى‪َ } :‬يا َأ ّي َها الّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا لِ َي ْس َت ْأ ِذ ْن ُك ُم الّ ِذ َ‬
‫ون ِث َيابَ ُك ْم ِم َن‬‫ين َت َض ُع َ‬ ‫لة ا ْل َف ْج ِر َو ِح َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ات ِم ْن َق ْب ِل َ‬ ‫لث َم ّر ٍ‬ ‫َي ْبلُ ُغوا ال ُْحل َُم ِم ْن ُك ْم َث َ‬
‫اح َب ْع َد ُه ّن‬
‫ات لَ ُك ْم لَ ْي َس َع َل ْي ُك ْم َول َع َل ْي ِه ْم ُج َن ٌ‬ ‫لث َع ْو َر ٍ‬ ‫لة ا ْل ِع َشا ِء َث ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ّ‬
‫الظ ِهي َر ِة َو ِم ْن َب ْع ِد َ‬
‫يم{‬‫يم َح ِك ٌ‬ ‫ْآيات َوالّل ُه َع ِل ٌ‬ ‫ض َك َذلِ َك ُي َب ّي ُن الّل ُه لَ ُك ُم ال ِ‬ ‫ون َع َل ْي ُك ْم َب ْع ُض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ‬‫طَ ّوا ُف َ‬
‫]النور‪ ،[58:‬وهذا الدب يخص الخدم المملوكين‪ ،‬والطفال دون سن التكليف أي‬
‫قبل البلوغ‪ .‬فهم مأمورون بالستئذان قبل الدخول على أهل البيت من الم‪ ،‬أو‬
‫الب‪ ،‬أوالخوات‪ ،‬أو غيرهم‪ .‬قال جابر رضي ال عنه‪)) :‬يستأذن الرجل على ولده‪،‬‬
‫وأمه وإن كانت عجوزا وأخيه وأخته وأبيه((‪ .‬وهذا الستئذان يكون في الوقات‬
‫المتوقع انكشاف العورات فيها‪ ،‬والتخفف من الملبس‪ ،‬وهي‪)) :‬حين الستيقاظ من‬
‫النوم‪ ،‬وحين إرادة النوم‪ ،‬وحين القائلة(( وفي غيرهذه الوقات يحل للطفل المميز‬
‫الدخول على أهل البيت دون استئذان‪ ،‬ولكن يستحب له إلقاء السلم؛ لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم لنس بن مالك‪)) :‬يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة‬
‫عليك وعلى أهل بيتك((‪ .‬فمن بركات هذا السلم‪ :‬مزيد من الحيطة‪ ،‬وإشعار لهل‬
‫البيت بالقدوم‪.‬‬

‫ويمكن تحديد سن الستئذان للولد بسبع سنين‪ ،‬حين يدرك الطفل في هذه السن‬
‫بعض القضايا المتعلقة بالجنس‪ ،‬ف ُيبدأ معه في هذا السن بالتربية الجنسية‪.‬‬

‫ويرى بعض العلماء أن فتح الباب‪ ،‬ورفع الستر‪ ،‬وتخصيص غرف لكل نوع من أنواع‬
‫السرة يكفي عن الستئذان‪ ،‬فرفع الستر‪ ،‬وفتح الباب يعد إذنا بالدخول لمن شاء‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإن الب‪ ،‬وكل من يخشى انكشاف عورته من أفراد السرة يؤمر‬
‫بإغلق باب غرفته بالمفتاح ‪ ،‬أو المزلج ليكون ذلك إعلما للولد بعدم الدخول‪،‬‬
‫كما أن الطفل الغافل‪ ،‬أو الذي لم يتدرب بعد على أدب الستئذان ل يمكنه بحال أن‬
‫يقتحم غرفة قد أوصد بابها‪ ،‬فإن حدث وغفل الب عن إغلق الباب ودخل الولد‬
‫الغرفة بغير استئذان‪ ،‬وشاهد منظرا جنسيا‪ ،‬فإن ذلك يسبب له إزعاجا نفسيا كبيرا‪،‬‬
‫لهذا وجب أخذ الحتياطات اللزمة لمثل هذه الحالت‪ .‬و ُيدرب الولد على طرق‬
‫الباب دائما كلما دخل من باب مغلق‪ ،‬فإن لم يفعل مرة‪ُ :‬أمر بالعودة والطرق من‬
‫جديد ليتعلم ويتعود‪.‬‬

‫ول ينبغي ول يجوز اللتفات إلى قول من يرى بأفضلية إتاحة الفرصة للولد ليرى‬
‫والديه بغير ملبس في بعض الحيان‪ .‬فإن هذا من الضلل‪ ،‬إلى جانب مخالفته‬
‫الواضحة لمقاصد الشريعة السلمية من تشريع أحكام الستئذان‪ ،‬والتي لم تشرع إل‬
‫لحماية نظر الولد من وقوعه على عورة والديه‪ ،‬أو أهل بيته من المحارم‪،،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ - 3‬ضوابط إعطاء الطفل المعلومات الجنسية‬

‫يعتبر مجال التربية الجنسية مجا ًل خصبا لهل الهواء لنشر باطلهم‪ ،‬وانحرافاتهم‬
‫الخلقية‪ ،‬وأفكارهم الضالة ‪ ،‬بدعوى العلم والموضوعية‪ .‬زاعمين خوفهم على النشء‬
‫الجديد من العقد النفسية‪ ،‬والضلل الجنسي‪ ،‬فمنهم من يزعم أن للطفل نشاطا جنسيا‬
‫يبدأ من ميلده‪ ،‬يتمثل في علقة الولد بأمه‪ ،‬وكرهه لبيه الذي ينافسه عليها‪،‬‬
‫ويسمون هذا النوع من الشعور "بعقدة أوديب"‪ .‬وبعضهم ل يرى مانعا من نظر الولد‬
‫لعورة والديه في بعض الحيان‪ ،‬ول بأس عندهم من أن يتناول الطفال من أبناء‬
‫السرة الواحدة فروج بعضهم البعض‪ .‬والبعض الخر من هؤلء يسعى نحو تخفيف‬
‫تأنيب الضمير لدى متعاطي العادة السرية فيزعمون أنها ل تضر الجسم‪.‬‬

‫وهكذا تصدر الكتابات الكثيرة في هذا المجال الخصب ليضلوا بها الباء عن قصد‪،‬‬
‫أو عن غير قصد‪ ،‬معتمدين على بعض الوقائع‪ ،‬أو التجارب‪ ،‬أو الراء والتجاهات‬
‫الشخصية‪ .‬ولعل لهؤلء وأتباعهم من أهل الملل الضالة شيئا من العذر؛ لقلة ما في‬
‫أيديهم من وحي ال المبارك‪ .‬أما المسلمون فل عذر لهم ُيقبل بعد أن حباهم ال بهذا‬
‫الدين‪ ،‬وحفظه لهم دون تحريف ‪ ،‬أو تبديل‪ ،‬ففيه الهدى والكفاية عن اتباع أهواء‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬ومن شابههم من أهل المذاهب الضالة‪.‬‬

‫وقد تضمن القرآن الكريم‪ ،‬والسنة المطهرة آدابا‪ ،‬وتوجيهات كثيرة في هذا المجال‪،‬‬
‫فالستنجاء‪ ،‬وآداب الغسل‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والوضوء للصلة‪ ،‬تعد مدخ ًل جيدا للتربية‬
‫الجنسية في مرحلة الطفولة‪ ،‬فيتعلم الولد أسماء العضاء التناسلية من خلل الممارسة‬
‫العملية عند تدريبه على الستنجاء بنفسه‪ ،‬فتسمى له هذه العضاء بأسمائها الصحيحة‬
‫المؤدبة دون السماء العامية المنتحلة القبيحة‪ ،‬فيقال له عند التدريب‪)) :‬اغسل‬
‫ذكرك‪ ،‬أو قضيبك هكذا‪ ،‬واغسل خصيتيك هكذا‪ ،‬ونظف دبرك وإليتيك هكذا((‪،‬‬
‫وبهذه الطريقة يتعلم الولد كيف ينظف نفسه‪ ،‬إلى جانب أنه يتعلم أسماء هذه‬
‫العضاء من المصدر الصحيح الموثوق‪ ،‬دون أن ُتعطى هذه العضاء وأسماؤها‪،‬‬
‫هالة من السرية‪ ،‬فل ُتثار رغبة الولد نحو مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع‪.‬‬

‫ول بد أن يدرك الب أن عدم إعطاء الولد المعلومات الصحيحة الكافية حول‬
‫القضايا المتعلقة بالجنس‪ ،‬سوف يدفع الولد للحصول على معلومات من جهات‬
‫مشبوهة فيؤثر ذلك على أخلقهم‪ ،‬ونفسياتهم‪ ،‬وعقولهم‪.‬‬

‫ول ينبغي أن يعتقد الب حرمة الحديث عن القضايا المتعلقة بالجنس‪ ،‬وتعليم الولد‬
‫التجاهات الصحيحة في ذلك؛ بل هي جائزة‪ ،‬وربما كانت واجبة في بعض الحيان‬
‫إذا ترتب‪،‬عليها حكم شرعي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫والطفل بين السنة الثانية والثالثة يستطيع أن يدرك الفرق بين الجنسين‪ :‬كأبويه‪،‬‬
‫وإخوته‪ ،‬وأخواته‪ .‬ويمكن أن يبدأ الب معه في التربية الجنسية في هذا الجانب إذا‬
‫أكثر من السئلة حول هذا الموضوع‪ ،‬ولوحظ انشغال ذهنه به‪.‬‬

‫ويخجل الباء من الجابة على أسئلة الولد‪ ،‬ومصارحتهم ببعض القضايا الجنسية‪،‬‬
‫مثل الفرق بين الولد والبنت‪،،‬وهذا أمر طبيعي‪ ،‬إل أن هناك مفهوما ينبغي أن يدركه‬
‫الباء‪ ،‬وهو‪ :‬أن سؤال الطفل عن الجنس‪ ،‬وما يتعلق به من اختلف بين الذكر‬
‫والنثى‪ ،‬وغير ذلك ل يختلف عن سؤاله عن لون السماء‪ ،‬وذلك لن خلفية الولد عن‬
‫هذا الموضوع ضحلة‪ ،‬وربما أنه ل يعرف عنه شيئا‪ ،‬فهو ل يدرك العلقات الجنسية‬
‫بين الكبار‪ ،‬وأن الحديث عن هذا الموضوع من العيب إل في عامه الثامن‪ ،‬لهذا فإن‬
‫هدوء الب‪ ،‬واتزانه‪ ،‬وجوابه للولد عن سؤاله بالمعلومات الصحيحة المقنعة‪،‬‬
‫والمناسبة لسن الولد‪ ،‬يعد السلوب التربوي الصحيح في هذا الجانب‪ .‬فإذا سأل‬
‫الطفل عن العلقة بين الجنسين‪ ،‬أو كانت‪ ،‬لديه أفكار مشوشة حول هذا الموضوع‪،‬‬
‫فإن الفكار الصحيحة تقرب إلى ذهنه من خلل اطلعه على العلقات الجنسية عند‬
‫الحيوانات‪ ،‬وكيف تتم عملية تلقيح النباتات ‪ ،‬مع ملحظة عدم التعمق في تفصيلت‬
‫جانبية كثيرة‪ ،‬ولتطبيق هذا القتراح يؤخذ الولد إلى حديقة الحيوان ليشاهد شيئا من‬
‫ذلك‪ ،‬أو تشرح‪ ،‬له عملية التلقيح في النبات‪ ،‬وكيف أنه ل ثمرة إل بهذا التلقيح‪ ،‬كما‬
‫أنه ل حمل‪ ،‬ول مولود إل بهذا التصال الجنسي‪ ،‬على أن ل يخوض معه في كيفية‬
‫التصال الجنسي بالنسبة‪ ،‬للبشر‪ ،‬فإن ألح في السؤال عن دور الب فالبعض يقترح‬
‫أن ُي جاب بأن الب يضع بذرة تجعل الطفل ينمو في بطن الم‪ .‬ول بد من القرار‬
‫بأن الطفال يأتون من أمهاتهم‪ ،‬دون الكذب بأن الطفل جاء من المستشفى‪ ،‬أو جاء‬
‫به الطير‪ ،‬فالصدق أفضل‪.‬‬

‫ول بد من الكتفاء بقدر معين من المعلومات الجنسية مراعين في ذلك سن الولد‪،‬‬


‫وقدراته العقلية‪ ،‬مع تقديم هذه المعلومات عند الحاجة بهدوء‪ ،‬دون فوضى‪ ،‬أوغضب‪،‬‬
‫أو غموض وسرية‪ ،‬مع الحتشام والصراحة والصدق‪ .‬ول بأس بتزويد الولد بعض‬
‫الكتب الفقهية البسيطة التي تتحدث عن هذا الموضوع‪.‬‬

‫وكل هذه الجراءات تكون مع الولد الذي شغلته هذه القضايا وأخذ يسأل عنها‬
‫بإلحاح‪ ،‬أما الولد الذي لم تشغله ولم يسأل عنها فل داعي لثارتها‪ ،‬معه إل في أضيق‬
‫الحدود‪.‬‬

‫‪ - 4‬مسؤولية الباء تجاه النحرافات الجنسية‬

‫يعيش العالم حالة من الثارة الجنسية العارمة المنذرة بالهلك والدمار العام‪،،‬فل يكاد‬
‫النسان ينظر يمينه أو شماله إل ويجد تلك الثارة التي تدغدغ الرغبات الجنسية في‬

‫‪13‬‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬وتلهب نار الشهوة فيهما‪ ،‬فالتلفاز ‪ ،‬والذاعة‪ ،‬والمجلة‪ ،‬والجريدة‪ ،‬كل‬
‫هذه الوسائل تصب في بحر الغراء والتحريض على الفواحش‪ .‬وحتى العلنات‬
‫الدعائية للمنتجات الستهلكية المختلفة تحمل الصور الغرائية‪ ،‬حتى العلنات‬
‫ص ّورت بجانبها امرأة شبه عارية‪ ،‬فل يكاد ُيوجد‬ ‫لطارات السيارات تجدها وقد ُ‬
‫إعلن دعائي بدون امرأة عارية أو شبه عارية‪ .‬وفي الشارع اختلط النساء‬
‫المتهتكات المتبرجات بالرجال‪ ،‬فمن وقت لخر في هذه الشوارع والسواق ُتسمع‬
‫عبارات الغزل‪ ،‬والغراء بالفاحشة بين الجنسين‪ ،‬وقد انطلقت عيون الشباب تترقب‬
‫نظرة‪ ،‬أوحركة من الفتيات المتهتكات حتى يلحقوا بهن أم ًل في تحقيق مآربهم‬
‫الخبيثة‪.‬‬

‫وإن الناظر في الشارع المسلم يجد هذا واضحا جليا ل يخفى؛ بل حتى البلد التي‬
‫تقيد نساؤها‪ ،‬بالحجاب الموروث المنبثق لبسه عن العادة الجارية ‪ ،‬والتقليد العمى‬
‫ظهرت على أكثرهن علمات كرهه‪ ،‬والرغبة في خلعه‪ ،‬والتخلص منه بالكلية‪ .‬ويظهر‬
‫ذلك في النساء الكاسيات العاريات ‪ ،‬اللتي وضعن الحجاب ليزيدهن إغراء وغواية‪،‬‬
‫فكثير منهن تبدي بعض شعرها مصففا بطريقة مغرية‪ ،‬وقد أبدت وجهها وعليه ألوان‬
‫من المساحيق المختلفة‪ ،‬وربما لبس بعضهن البنطلون الضيق‪ ،‬ومن وقت لخر تكشف‬
‫طرفا من عباءتها الرقيقة القصيرة ليظهر بعض ما تخفيه من الزينة الباطنة‪ ،‬إلى‬
‫جانب استعمال الحذية المرتفعة التي يتطلب السير بها التكسر والتمايل‪.‬‬

‫والعجيب أن هذا يحدث بين ظهراني المسلمين دون نكير‪ ،‬فل يكاد ُيرى الرجل في‬
‫السوق ينهى النساء عن التبرج ‪ ،‬أوالشباب عن التميع والتهتك‪ ،‬إل من بعض رجال‬
‫الهيئات الرسمية‪ ،‬دون أن يكون لهم من رجال المجتمع معين أو مساعد‪ ،‬بل ربما‬
‫وجدوا منهم المثبط المنكر‪،‬عليهم قيامهم بواجباتهم‪.‬‬

‫وقد ساقت كثرة النحرافات الجنسية وشيوعها بعض البلد المنتسبة إلى السلم إلى‬
‫إباحة الزنا في قوانينها‪ ،‬وتنظيم عملية البغاء‪ ،‬والسماح‪،‬بفتح دور للدعارة المنظمة‪ ،‬إلى‬
‫جانب الترخيص بفتح الملهي‪ ،‬والمراقص‪ ،‬مما قد يسوق هذه الدول وحكوماتها إلى‬
‫خطر الوقوع في الكفر؛ لقوله تعالى ‪َ } :‬و َم ْن ل َْم َي ْح ُك ْم ِب َما َأ ْن َز َل الّل ُه َف ُأولَ ِئ َك ُه ُم‬
‫ون{ ]المائدة‪ ،[44:‬بل إن الفوضى الجنسية العارمة أدت إلى ظهور الشذوذ‬ ‫ال َْكا ِف ُر َ‬
‫الجنسي بصورة جديدة‪ ،‬ومنظمة‪ ،‬وقوية‪ ،‬مما جعل قضية الضلل الجنسي باكتفاء‬
‫الرجال بالرجال‪ ،‬والنساء بالنساء مشكلة خطيرة تنذر بالنقراض‪ ،‬وانتشارأمراض‬
‫جديدة فتاكة ل علج لها‪.‬‬

‫لهذا كان واجب الب المسلم أن يكون بابا قويا مغلقا في وجه هذه النحرافات‪،‬‬
‫فرغ من قلبه اليأس والقنوط‪ ،‬ووضع نصب‬ ‫واثقا بال ‪ ،e‬ومتعلقا بحبله المتين‪ ،‬وقد ّ‬
‫عينيه المل في الصلح‪ ،‬وله في رسول ال والنبياء من قبله عليهم جميعا الصلة‬

‫‪14‬‬
‫والسلم وفي مجددي المة وعلمائها القدوة في نبذ اليأس‪ ،‬والسعي الجاد وراء‬
‫بصيص من المل في الصلح والتغيير‪.‬‬

‫‪ - 5‬حماية الولد من خطر الشذوذ الجنسي‬

‫حكى ال ‪ e‬في كتابه المنزل قصة قوم لوط‪ ،‬الذين شاعت فيهم فاحشة اللواط‪ ،‬فقال‬
‫اح َش َة َو َأ ْن ُت ْم‬‫ون ا ْل َف ِ‬ ‫ال لِ َق ْو ِم ِه َأ َت ْأ ُت َ‬
‫تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلم‪َ }:‬ولُوطا ِإ ْذ َق َ‬
‫ُون{‬ ‫ّسا ِء َب ْل َأ ْن ُت ْم َق ْو ٌم َت ْج َهل َ‬ ‫ون الن َ‬‫ال َش ْه َو ًة ِم ْن ُد ِ‬
‫الر َج َ‬
‫ون ّ‬ ‫ون * َأ ِإ ّن ُك ْم لَ َت ْأ ُت َ‬
‫ُت ْب ِص ُر َ‬
‫]النمل‪ ،[55-54:‬ولما‪ ،‬كانت هذه الفعلة من أعظم المعاصي والكبائر التي توجب‬
‫غضب الرب ‪ ،U‬كان عقاب أصحابها من أفظع العقوبات وأشنعها‪ ،‬فقد حكى سبحانه‬
‫وتعالى كيف عاقبهم بعد أن عتوا واستكبروا فقال‪َ } :‬ف َل ّما َج َاء َأ ْم ُرنَا َج َع ْل َنا َعالِ َي َها َسا ِف َل َها‬
‫ين‬ ‫الظالِ ِم َ‬ ‫يل َم ْن ُضودٍ * ُم َس ّو َم ًة ِع ْن َد َربّ َك َو َما ِه َي ِم َن ّ‬ ‫َو َأ ْمطَ ْرنَا َع َل ْي َها ِح َجا َر ًة ِم ْن ِس ّج ٍ‬
‫ِب َب ِعيدٍ{ ]هود‪ ،[83-82:‬فتنوع عقابهم بين الرمي من علو‪ ،‬والرجم بالحجارة‪ ،‬وذلك‬
‫لفظاعة جرمهم‪ ،‬وسوء فعلتهم‪.‬‬

‫ولم تكن هذه الفاحشة معروفة لدى العرب في جاهليتهم‪ ،‬فقد قال الوليد بن عبدالملك‬
‫رحمه ال‪)) :‬لول أن ال ‪ e‬قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو‬
‫ذكرا((‪ .‬ورغم هذا فقد حذر الرسول ‪ e‬من هذه الفاحشة‪ ،‬وكأنه ُألهم وقوعها في‬
‫المة‪ ،‬وابتلء البعض بها حيث قال‪)) :‬إن أخوف ما أخاف على أمتى عمل قوم‬
‫لوط((‪ ،‬وقال أيضا مبينا أن هذه الفاحشة إذا اجتمعت ببعض الجرائم الخرى‬
‫أوجبت الدمار للمة والهلك‪)) :‬إذا استحلت أمتي ستا فعليهم الدمار‪ :‬إذا ظهر فيهم‬
‫التلعن‪ ،‬وشربوا الخمور‪ ،‬ولبسوا الحرير‪ ،‬واتخذوا القيان‪ ،‬واكتفى الرجال بالرجال‪،‬‬
‫والنساء بالنساء((‪ .‬أي استغنى كل جنس بنوعه‪ ،‬فالذكر يقضي وطره مع الذكر‪ ،‬وكذلك‬
‫النثى‪ .‬وقال في حد اللوطي وعقابه‪)) :‬من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا‬
‫الفاعل والمفعول به((‪ .‬وقد كان بعض السلف رضوان ال عليهم يرى في عقاب‬
‫اللوطي أن ُيرمى من بناء مرتفع‪ ،‬ثم ُيرجم بالحجارة حتى الموت‪ ،‬دون النظر إلى‬
‫كونه محصنا أو غيرمحصن‪ .‬وقد نُقل عن أربعة من الخلفاء إحراق من تلبس بهذه‬
‫الجريمة وهم‪ :‬أبوبكرالصديق ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وعبدال بن الزبير‪ ،‬وهشام بن‬
‫عبدالملك‪.‬‬

‫وقتل المفعول به الراضي بالوطء أفضل من استبقائه مع الجلد أو التعزير‪ ،‬وذلك‬


‫لن هذه الفعلة القبيحة تفسده فسادا كبيرا‪ ،‬فتزيل معاني الرجولة من نفسه‪ ،‬ويكون‬
‫مصيدة للمنحرفين الشاذين يقضون منه وطرهم‪ ،‬فينافس بذلك النساء‪ ،‬يقول ابن كثير‬
‫رحمه ال واصفا أضرار اللواط‪" :‬إن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر‬
‫والتعداد ولهذا تنوعت عقوبات فاعليه‪ ،‬ولن ُيقتل المفعول به خير من أن يؤتى في‬
‫دبره‪ ،‬فإنه يفسد فسادا ل يرجى له بعده صلح أبدا‪ ،‬إل أن يشاء ال‪ ،‬ويذهب خبر‬

‫‪15‬‬
‫المفعول به‪ .‬فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه‪ ،‬وأن يجنبه مخالطة‬
‫هؤلء الملعين‪ ،‬الذين لعنهم رسول ال ‪.e‬‬

‫ول تقتصر مضار هذه الفاحشة على الجانب النفسي فحسب‪ ،‬بل لها مضار جسمية‬
‫كثيرة أقلها البتلء بمرض نقص المناعة "اليدز" ‪ ،‬ذلك المرض الفتاك الذي لم يجد‬
‫له العالم دواء ناجحا رغم السعي الحثيث‪ ،‬والمحاولت الكثيرة‪ ،‬والدعم المالي‬
‫المستمر‪.‬‬

‫ومشكلة اللواط اليوم ل تقتصر على وجود أشخاص شاذين في أنحاء متفرقة من‬
‫العالم ‪ ،‬بل قد أصبح لهؤلء المنحرفين جمعيات رسمية تحميهم‪ ،‬وتنظم عملهم القبيح‪،‬‬
‫ول يقتصر نشاط هذه الجمعيات على البالغين فقط‪ ،‬بل أصبح إتيان الصبيان‬
‫الصغار في أمريكا أمرا معروفا‪ ،‬له جمعيات خاصة‪ .‬كما أن استخدام هؤلء‬
‫الصبيان في الجنس‪ ،‬وتصويرهم‪ ،‬في مواقف جنسية شاذة للتجارة بصورهم أصبح‬
‫أيضا أمرا منظما‪ ،‬ففي نيويورك بالوليات المتحدة المريكية ُيستغل أكثرمن‬
‫عشرين ألف طفل في أغراض جنسية بواسطة شركات الدعارة المنظمة‪ ،‬وهذا فقط‬
‫خلل النصف الخير من عام ‪1977‬م‪ .‬وبعض التقديرات والحصاءات المعتدلة‬
‫تشيرإلى أن ‪ %10‬من الطفال في أمريكا يتعرضون للعتداء الجنسي في كل عام‪،‬‬
‫وفي بريطانيا التي أباحت قوانينها اللواط يوجد ما يقارب من ستين ألف غلم‬
‫يمارسون هذه الفاحشة من أجل كسب المال‪ ،‬وفي ألمانيا ُأبيحت هذه الفاحشة أيضا‬
‫ولكن بشرط رضا الطرفين‪ ،‬وفي حالة صغر المفعول به يكون الرضا‪،‬بيد وليه‪.‬‬

‫إن القضية إذا انحصرت في البالغين الذين اختاروا لنفسهم هذا النهج المنحرف‪:‬‬
‫تكون قضية اختيار منهم عن طواعية ورضا ‪ ،‬أما أن تصل إلى غير المكلفين من‬
‫الطفال البرياء‪ ،‬فيتشربوا هذه الفاحشة منذ نعومة أظفارهم فإن المسألة تكون‬
‫خطيرة للغاية‪ .‬فما هو البناء النفسي الذي سوف يكون عليه هؤلء الطفال إذا‬
‫كبروا ؟ وهل سوف يفوقون أساتذتهم في هذا المجال المنحرف لعمق خبرتهم‪،‬‬
‫وطول باعهم ؟ وكيف سوف يواجه العالم هذه المشكلة في المستقبل ؟‬

‫إن إيراد مثل هذه الحصائيات عن المجتمع الغربي ل يعني أن المشكلة ل تخص‬
‫المجتمع المسلم‪ ،‬فإن العالم اليوم ُيعد قرية واحدة لعمق الصلت‪ ،‬والمصالح‬
‫المشتركة‪ ،‬وسهولة المواصلت والتصالت بأنواعها‪ ،‬واختلط المسلمين بغيرهم في‬
‫البلد السلمية‪ ،‬وغيرالسلمية‪ ،‬مما ُينذر باحتمال انتشار مثل هذه الجرائم الشنيعة‬
‫بين أوساط المسلمين‪.‬‬

‫ول يعني عدم نشر إحصاءات عن أوضاع الشذوذ الجنسي في المنطقة السلمية‬
‫خلوها من هذه الفاحشة الممقوتة‪ ،‬فإن حالت الشذوذ الجنسي توجد في كل مجتمع‬
‫مع فروق في النسبة؛ بل وحتى المجتمع المسلم في القديم قد ابتلي بعض أفراده‬

‫‪16‬‬
‫بالميل إلى المردان‪ ،‬ومجالستهم‪ ،‬وربما قام بعض المنحرفين منهم بعمل الفعلة القبيحة‪.‬‬
‫لهذا كان بعض علماء السلف رحمهم ال يحذرون من مجالسة المرد‪ ،‬وينهون عن‬
‫حضوره إلى حلقهم خشية الفتنة به‪ ،‬وقد نص ابن قدامة في المغني على أن ))المرد‬
‫إن كان جمي ًل يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه((‪.‬‬

‫والمرد الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد‪ ،‬حيت يتراوح عمره ما بين العاشرة‬
‫والخامسة عشرة‪ .‬وفي هذه السن خاصة يحرص الب على حماية ولده من الشاذين‪،‬‬
‫ويحذر إهمال ذلك‪ ،‬فقد اعترف أحد الشاذين العرب‪ ،‬وباح بسبب انحرافه وشذوذه‪،‬‬
‫حيث كان أبواه يهملنه بانشغالهما‪ ،‬خارج البيت‪ ،‬وهو في سن الطفولة‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫وقوعه ضحية لحد رفقاء السوء‪ ،‬حيث كان يجهل الخطأ والصواب‪.‬‬

‫ول بد للب أن يحذر أيضا كل من ل يخاف ال من الفساق‪ ،‬حتى وإن كان بعضهم‬
‫من القرباء‪ ،‬أو الجيران‪ ،‬أو الساتذة‪ ،‬فإن الحصاءات في أمريكا تشير إلى أن‬
‫أكثر العتداءات الجنسية على الطفال تقع مع أفراد يعرفونهم مثل أستاذ المدرسة‪،‬‬
‫أو طبيب العائلة‪ ،‬أو مستشار المخيم‪ ،‬فل يترك الب مجا ًل لخلوة الولد بأحد هؤلء‬
‫مهما كانت الظروف‪.‬‬

‫وربما يحدث العتداء الجنسي على الولد من قبل طفل أكبر منه سنا‪ ،‬فإن بعض‬
‫الطفال ينضجون جنسيا في مرحلة مبكرة‪ ،‬كما أنه بالمكان قيام علقات جنسية‬
‫بين الولد قبل البلوغ‪ .‬لهذا فإن اختيار الب لصدقاء الولد ممن هم في سنه‪ ،‬أو‬
‫أصغر سنا يعد اختيارا حسنا مأمونا‪ ،‬فل يتركه يصاحب‪ ،‬الكبار من الصبيان إل أن‬
‫يضمن‪ ،‬ويتأكد من استقامتهم‪ ،‬وحسن تربيتهم‪.‬‬

‫ويتنبه الب للتقليل من خلوة الولد قبل سن البلوغ بغيره من الصبيان‪ ،‬ويعمل على‬
‫أن يكون عددهم ثلثة أو يزيدون‪ ،‬وذلك للتقليل من احتمال غواية الشيطان لهم‪،‬‬
‫فالشيطان أقرب للثنين منه إلى الثلثة‪.‬‬

‫ومن أعظم أسباب انتشار هذه الفاحشة‪ ،‬وجرأة أهلها‪ :‬الميوعة‪ ،‬والتخنث الذي ابتلي‬
‫به بعض الصبيان‪ ،‬فمن مظاهرهذا التميع والنحلل‪ :‬إطالة الولد لشعره تشبها‬
‫بالنساء‪ ،‬ولبس "البنطلون" الضيق الواصف للبدن‪ ،‬أو لبس بعض الملبس الخاصة‬
‫بالشاذين‪ ،‬وجرالذيول‪ ،‬والتكسر في المشية‪ ،‬والخضوع في الكلم ‪ ،‬والتردد على‬
‫الماكن المشبوهة‪.‬‬

‫فإذا ظهر على الولد شيء من هذه المظاهر‪ ،‬المنحرفة‪ ،‬وجب على الب الحذر من‬
‫احتمال انحراف ولده‪ ،‬حتى وإن كان الولد يجهل قبح هذه القضايا‪ .‬فإن المنحرفين‬
‫ينتظرون رؤية شيء من هذه المظاهر لينقضوا على فريستهم بشتى الوسائل والحيل‬
‫الماكرة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ول بد للب من تربية ولده الصغير على الرجولة والخشونة‪ ،‬خاصة إن كان الولد‬
‫جميل المطلع‪ ،‬أبيض اللون‪ ،‬ممتلئ الجسم‪ ،‬فيعوده الخشونة في المأكل والملبس ‪،‬‬
‫ويعوده الرياضة القوية‪ ،‬التي تبني جسمه وتخشن جلده‪ ،‬ول بأس أن يعوده حلقة‬
‫رأسه إن كان شعره سبب جماله‪ ،‬اقتداء بعمر بن الخطاب رضي ال عنه في التعامل‬
‫مع الرجل الجميل الذي افتتن به النساء‪ .‬ويعوده لبس الملبس والثياب الفضفاضة‪،‬‬
‫وتغطية رأسه تشبها بالكبار البالغين‪ ،‬ويحذره من إسبال الثوب مثل النساء‪ ،‬ولبس‬
‫الذهب والحرير‪ ،‬فهو من علمات التخنث والميوعة‪ ،‬إلى جانب أن ذلك من‬
‫المحرمات على الرجال‪.‬‬

‫وإن كان الب من أهل الجاه والغنى فإن واجبه في حفظ ولده آكد لن أولد‬
‫الغنياء في العادة مرفهون‪ ،‬ويظهر عليهم أثر النعمة‪ ،‬من نعومة البدن‪ ،‬وصفاء اللون‪،‬‬
‫وطيب الرائحة‪ ،‬وحسن ارتداء الثياب‪ ،‬فيكونون بذلك أرغب وأدعى لوقوعهم تحت‬
‫أيدي المنحرفين‪ .‬لهذا فقد كان بعض العلماء يحذر من مجالسة أبناء السرالمترفة‪.‬‬
‫ل تجالسوا أبناء الغنياء فإن لهم صورا كصور النساء‬ ‫يقول الحسن بن ذكوان ‪)) :‬‬
‫وهم أشد فتنة من العذارى((‪.‬‬

‫كما أن احتمال وقوع الولد فريسة لحد المنحرفين في السر الغنية أكبرمنه في‬
‫السر المتوسطة الحال أوالفقيرة‪ ،‬وذلك لن السر الغنية في العادة يشاركها‪ ،‬في‬
‫المسكن خدم وعمال وأفراد من غيرالسرة يقومون على خدمتها‪ ،‬ورعاية شؤونها‪،‬‬
‫وعادة ينتمي هؤلء الخدم إلى جنسيات مختلفة‪ ،‬وثقافات متنوعة‪ ،‬ويظهر فيهم الجهل‪،‬‬
‫وقلة الدين‪ ،‬فنادرا ما يكون من بينهم الصالح المستقيم‪ ،‬إلى جانب أن أكثرهم من‬
‫العزاب‪ ،‬أو المغتربين عن أهليهم‪ .‬وأعظم من هذا أنهم مؤتمنون على الولد‪ ،‬بل‬
‫ربما كانوا مؤتمنين حتى على النساء والبنات‪ ،‬فل يجد الب غضاضة عندما يجد ولده‬
‫جالسا يتحدث في غرفة الخادم‪ ،‬ول يأبه إذا خل البيت للخدم والولد‪ ،‬ول شك أن‬
‫مثل هذا الهمال والتقصير من الب يعد مدعاة لوقوع الفاحشة بالولد على حين‬
‫غفلة من الب‪ ،‬وربما استمر وقوع الفاحشة بالولد إلى فترة طويلة تحت طائلة‬
‫الترغيب والترهيب‪ ،‬أو القناع‪ ،‬أو بأي وسيلة ماكرة خبيثة‪ ،‬خاصة وأن الولد الذي‬
‫لم ُي ْعن والده بتربيته يقل فهمه للمور‪ ,‬فل يدرك الصواب من الخطأ‪ ،‬فيقع فريسة‬
‫لحد المنحرفين بسبب إهمال والديه‪ ،‬وجهله بمبادئ الخطأ والصواب‪.‬‬

‫ويحذر الب من اصطحاب أولده إلى بلد الكفار ‪ ،‬والتي تقدم ذكر مظاهر‬
‫النحرافات الجنسية فيها‪ .‬فإن اضطر إلى السفر سافر هو دونهم‪ ،‬وعهد بهم لحد‬
‫القارب المؤتمنين‪ ،‬فإن وجود الولد في جو منحرف ربما ساقه إلى النحراف‪ ،‬أو‬
‫وقوعه تحت يد أحد الشاذين فيعبث به‪ .‬فإذا اضطر للسفر بالولد فعليه أن يحذر‬
‫كل الحذر من إدخاله إحدى المدارس التعليمية هناك التي ل تأبه بهذه النحرافات‪,‬‬
‫فإنها منبع كل النحرافات بشتى أنواعها‪ ,‬إلى جانب خطورة ما يتعلمه الولد من‬

‫‪18‬‬
‫الكفر والزيغ عن عقيدة التوحيد‪ .‬ومن عجيب انحرافات بعض هذه المدارس أن‬
‫تجرأ أحد مجالس شمال لندن أن أضاف إلى المقررات الدراسية تدريس مناهج‬
‫عن الشذوذ الجنسي‪ ،‬على أن تقدم للطلب كأسلوب جديد للحياة‪ .‬فهؤلء الكفار ل‬
‫حد لضللهم وانحرافهم‪ ،‬فل يجوز لب مسلم يؤمن بال واليوم الخرأن يغامر بولده‬ ‫ّ‬
‫ف ُيلحقه بإحدى هذه المدارس الضالة المنحرفة‪.‬‬

‫وينبغي للب عند سفره الضطراري إلى بلد الكفار أن يختارمن بين تلك البلد‬
‫أقلها انحرافا‪ ،‬وأقربها إلى الفضيلة‪ ،‬وإن كان ول بد من إلحاق الولد بمدرسة فإنه‬
‫يجب عليه أن يبحث عن المدارس السلمية‪ ،‬التي تشرف عليها الجاليات المسلمة‬
‫في أوروبا وأمريكا أو غيرها‪ ،‬ويقتصر على هذه المدارس دون غيرها‪ ،‬حتى وإن‬
‫اضطر المر إلى أن يتأخر دخول الولد للمدرسة بعض الشيء‪ ،‬فإن المحافظة على‬
‫عقيدة الولد‪ ،‬وشرفه أغلى من تعلمه كثيرا من العلوم المشبوهة في مدارس‬
‫النصارى‪.‬‬

‫ول بأس أن يصارح الب ولده الكبير بهذه الحقيقة إن احتاج إلى ذلك‪ ،‬خاصة إن‬
‫كان يعيش في بلد انتشرت فيه هذه الفاحشة‪ ،‬فيحذره من الذهاب مع الغريب‪ ،‬أو‬
‫أخذ الحلوى منه‪ ،‬أوالركوب معه في سيارته ليدله على بيت من بيوت الحي أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬ول داعي أن يبين الب لولده كل تفصيلت هذه الجريمة‪ ،‬بل يكفيه أن يبين‬
‫أن هؤلء المنحرفين يمكن أن يضروه ضررا بالغا‪ ،‬ويذهبوا به إلى غير رجعة‪ .‬وهذا‬
‫البيان والتلميح عادة يكون مع الولد القليل الذكاء الساذج التفكير‪ .‬أما الولد الذكي‬
‫فإنه يدرك هذه القضايا من خلل احتكاكه بالمجتمع ‪ ،‬فإن هذه المور ل تخفى عليه‬
‫عادة‪.‬‬

‫ويمكن للب تعريف‪ ،‬أولده بهذه الفاحشة‪ ،‬وتحذيرهم‪ ،‬منها عن طريق عرض قصة‬
‫سيدنا لوط عليه السلم مع قومه‪ ،‬فيبين ويشرح‪،‬القصة كما جاء بها القرآن الكريم‪ ،‬ثم‬
‫يعلق عليها مشيرا إلى أن هذه الفاحشة موجودة في كل مجتمع حتى المجتمعات‬
‫المسلمة‪ ،‬ويوضح أنه ل بد من الحذر‪ ،‬والمحافظة على النفس والعرض من هؤلء‬
‫المنحرفين‪ ،‬ومن أساليبهم المختلفة التي يجتذبون بها الولد‪.‬‬

‫ول بد للب أن يسد حاجات أولده ورغباتهم المختلفة‪ ،‬فل يترك مجا ًل لحد ليستغل‬
‫حاجتهم إلى المال‪ ،‬أو إلى لعبة‪ ،‬أو نزهة‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬ومن وقت لخر يحاول أن‬
‫يتعرف على رغباتهم‪ ،‬ومتطلباتهم‪ .‬ويقوي صلته بهم حتى ل يخفون عنه شيئا مما‬
‫يرغبون فيه‪ ،‬وهول يحرمهم من المباحات‪ ،‬حتى وإن كانت ل تناسب أعمارهم‪،‬‬
‫كقيادة السيارة‪ ،‬أو الدراجة النارية ‪ ،‬وذلك لنها من أعظم وسائل المنحرفين لجذب‬
‫الولد‪ .‬والولد الكبير شغوف بذلك‪ ،‬فل بأس أن يشبع رغبة ولده في هذا المجال‬
‫تحت إشرافه المباشر‪،‬تحسبا للسلبيات التي يمكن أن تحدث‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ - 6‬حفظ الولد من فاحشة الزنا‬

‫لقد ُز ّين حب النساء والميل إليهن في صدورالرجال‪ ،‬كما ُركّز ذلك أيضا في قلوب‬
‫النساء‪ ،‬وذلك لحكم عظيمة أرادها ال ‪ e‬من استمرار النوع البشري‪ ،‬وقضاء الوطر‪،‬‬
‫والشعور بالسكن والمن وغير ذلك من الحكم ‪ ،‬وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا‬
‫ير ا ْل ُم َق ْنطَ َر ِة ِم َن‬
‫اط ِ‬
‫ين َوا ْل َق َن ِ‬
‫ّسا ِء َوا ْل َب ِن َ‬
‫ات ِم َن الن َ‬‫الش َه َو ِ‬ ‫ّاس ُح ّب ّ‬ ‫الميل بقوله‪ُ } :‬ز ّي َن لِلن ِ‬
‫ام َوال َْح ْر ِث{ ]آل عمران‪ ،[14:‬وبدأ سبحانه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الذ َه ِب َوا ْل ِف ّض ِة َوال َْخ ْي ِل ا ْل ُم َس ّو َم ِة َوا ْلأ ْن َع ِ‬
‫وتعالى في الية بذكر حب النساء قبل باقي المحبوبات وذلك لعظم الميل إليهن‬
‫والرغبة فيهن‪.‬‬

‫ولما كانت‪ ،‬الفتنة بهن عظيمة‪ ،‬وضررهن على الرجال كبيرا‪ :‬حذر رسول ال ‪ e‬من‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪)) :‬ما تركت بعدى على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء((‪ .‬لهذا‬
‫حرم عليهن قصد إثارة الرجال عن طريق التبرج وإظهار الزينة‪ ،‬أوالتكسر في‬
‫المشية‪ ،‬أوالخضوع في القول‪ ،‬و ُأمرن بالتستر والحتجاب‪ ،‬فإن ظهر من بعضهن‬
‫نشوز‪ ،‬وانحراف‪ ،‬وتبرج‪ ،‬ورغبة في الختلط بالرجال‪ :‬وجب على ولي المر منعهن‬
‫من ذلك بالوسائل المختلفة كالحبس‪،‬إن احتاج المر إليه‪ ،‬فإن اختلطهن بالرجال هو‬
‫أصل كل بلية‪ ،‬وسبب كل استنزال عقوبات ال ‪.e‬‬

‫لهذا فإن المحافظة على نفسية الولد من رؤية النساء المتبرجات‪ ،‬والختلط بهن أمر‬
‫واجب على الب؛ إذ إن الولد قبل البلوغ في بعض الحالت يميل ويرغب‪ ،‬في‬
‫النساء؛ بل ربما كان الولد ابن العاشرة من البالغين خاصة في المناطق الحارة‪ ،‬لهذا‬
‫فإن اختلطه بالنساء والمن عليه من الفتنة بهن يعد من أعظم أسباب الزنا‪ ،‬ووقوع‬
‫الفاحشة‪ ،‬خاصة وأن شدة الثارة الجنسية من حول الولد تثير فيه الرغبة والنزعة‬
‫الجنسية‪.‬‬

‫والختلط بالنساء من غير المحارم‪ ،‬إذا لم يضرالولد بأن يثيره جنسيا‪ ،‬ويجعله يطلع‬
‫على قضايا‪ ،‬من أحوال النساء ل ينبغي أن يعرفها في ذلك السن‪ ،‬فإن حدوث العكس‬
‫ممكن‪ ،‬إذ يصاب بالتخنث والرعونة‪ ،‬من جراء كثرة مصاحبتهن‪ ،‬وربما ساقه ذلك‬
‫إلى التشبه بهن في الملبس‪ ،‬والكلم والمشي فيدخل تحت لعنة رسول ال ‪ r‬لتشبهه بهن‪،‬‬
‫فقد قال‪)) :‬لعن ال المتشبهين من الرجال بالنساء‪،،‬والمتشبهات من النساء بالرجال((‪.‬‬

‫أما ما يخص المحارم من النساء كالخوات‪ ،‬والعمات‪ ،‬والخالت‪ ،‬وغيرهن من‬


‫المحرمات على التأبيد فإنهن مأمورات بالحتشام أيضا‪ ،‬فل يظهرن أمام الولد‬
‫بالملبس الضيقة المغرية‪ ،‬أو الشفافة المظهرة للبشرة‪ ،‬أو بالملبس‪ ،‬الداخلية‪ ،،‬بل‬

‫‪20‬‬
‫ُيؤمرن بالحشمة وعدم التكشف خاصة عند الحركة من القيام أو الجلوس‪ ،‬ول بأس‬
‫أن يؤمرن بارتداء السراويل الطويلة تحت الملبس؛‪ ،‬لضمان عدم ظهور عوراتهن‬
‫أمام إخوانهن من الولد‪.‬‬

‫ول بد من التفريق بين الولد عند النوم ‪-‬خاصة بينهم وبين البنات‪ -‬لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪)) :‬مروا صبيانكم بالصلة إذا بلغوا سبعا‪ ،‬واضربوهم عليها إذا بلغوا‬
‫عشرا‪ ،‬وفرقوا بينهم في المضاجع((‪ .‬فإن كثيرا من النحرافات الجنسية المبكرة يعود‬
‫سببها إلى إهمال التفريق بين الولد في المضجع‪ ،‬ونومهم مع البوين في غرفة‬
‫واحدة‪ .‬ويكون ذلك بتخصيص غرفة للولد وأخرى للبنات وثالثة للبوين‪ ،‬مع‬
‫استقلل كل طفل بغطاء يخصه‪ ،‬فل ينبغي المشاركة في الغطاء‪ ،‬ول بأس في‬
‫المشاركة‪،‬في الفراش‪ ،‬وإن كان الفضل الستقلل في كل ذلك‪.‬‬

‫أما الختلط بالقريبات‪ ،‬من غير المحارم‪ ،‬بعد سن العاشرة بالنسبة‪ ،‬للولد ُيعد أمرا‬
‫خطيرا يفسد الولد والسرة‪ ،‬فإن ال أباح دخول الولد الصغار من غير المميزين‬
‫ال َأ ِو‬ ‫ين َغ ْي ِر ُأولِي ا ْل ِأ ْربَ ِة ِم َن ّ‬
‫الر َج ِ‬ ‫على النساء الجنبيات بقوله تعالى‪َ } :‬أ ِو الت ِ‬
‫ّاب ِع َ‬
‫ّسا ِء{ ]النور‪ ،[31:‬أي ل طمع لهم في النظر‬ ‫ات الن َ‬
‫ين ل َْم َي ْظ َه ُروا َعلَى َع ْو َر ِ‬ ‫ّ‬
‫الط ْف ِل الّ ِذ َ‬
‫إليهن بشهوة وتلذذ‪)) ،‬والمقصود بالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء في‬
‫الية‪ :‬هم الطفال الذين ل يثير فيهم جسم المرأة وحركاتها‪ ،‬وسكناتها‪،‬شعورا بالجنس‪،‬‬
‫وهذا التعريف ل ينطبق إل على من كان سنه عشر سنين فأقل((‪ ،‬وللحتياط ل بد‬
‫من كف الولد من الدخول على النساء الجنبيات من قبل العاشرة خاصة في البلد‬
‫الحارة‪ ،‬إذ إن سن العاشرة ربما كان البلوغ بعينه‪.‬‬

‫فينهاه ّنالب عن اللعب مع أولده ومخالطتهم قبل سن‬


‫ُ‬ ‫أما بالنسبة للبنات الجنبيات‬
‫التاسعة‪ .‬وذلك لن أقل البلوغ عند النساء تسع سنوات‪ ،‬ول ينبغي للب التهاون في‬
‫ذلك‪ ،‬خاصة مع القريبات كبنات الخ‪ ،‬أو بنات الخت‪ ،‬أوبنات الجيران‪ ،‬أوغيرهن‪،‬‬
‫فل يسمح لهن باللعب مع أولده‪ ،‬أو الخلوة بهم‪ ،‬فإن احتمال وقوع الفاحشة في‬
‫الخلوة ممكن‪ ،‬خاصة وأن أطفال هذا العصر يراهقون في سن مبكرة لشدة تأثير‬
‫المهيجات الجنسية المختلفة في المجتمع الحديث‪ ،‬وقد حدث شيء من هذا في عهد‬
‫الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز رحمه ال‪ ،‬إذ ))كتب عياض بن عبدال قاضي مصر‬
‫إلى عمر بن عبدالعزيز في صبي افترع صبية بأصبعه ؟ فكتب إليه عمر‪ :‬لم يبلغني‬
‫في هذا شيء‪ ،‬وقد جمعت لذلك‪ ،‬فاقض فيه برأيك‪ ،‬فقضى لها على الغلم بخمسين‬
‫دينارا((‪ .‬وافترع صبية بأصبعه‪ ،‬أي‪ :‬فض بكارتها بأصبعه‪ .‬وهذا يدل على أنهما كانا‬
‫في خلوة‪ ،‬والصبي لم يقدر على الجماع لصغر سنه‪ ،‬كما أن الصبية لم تمانع‪ .‬فإذا كان‬
‫وقوع مثل هذه الجرائم في مجتمع القرون المفضلة ممكنا‪ ،‬فكيف بمن يعيش في هذا‬
‫الزمن ؟ فل شك أن حدوث مثل هذه الوقائع‪ ،‬بل وأكبر منها‪ ،‬في هذا العصر ممكن‬

‫‪21‬‬
‫ومحتمل‪ .‬وقد نقل فضيلة الشيخ أبو العلى المودودي قصصا ووقائع عن المجتمع‬
‫الغربي تثبت إمكانية وقوع الفاحشة بين الصغار‪.‬‬

‫والناظر في كتب الفقه يجد تفصي ًل دقيقا حول أحكام الزنا التي يشترك فيها‬
‫الصبيان دون سن البلوغ‪ ،‬فيلحظ تنازع بعض الفقهاء في قضية تحصين الصبي‬
‫للمرأة البالغة‪ ،‬هل يحصنها‪ ،‬أو ل ؟ أما مسألة قدرته على الوطء فإنهم ل يناقشونها‪،‬‬
‫وكأنها مسلمة بالنسبة للمراهق الذي قارب البلوغ‪ ،‬وبعضهم يعد جماع الصبي جماعا‬
‫بغير شهوة‪ ،‬ويجعل استعماله للته كاستعماله لصبعه؛ ولعل هذا في حق الصغير الذي‬
‫لم يقارب البلوغ‪ .‬وسئل المام مالك رحمه ال ))أرأيت الصبي إذا بلغ الجماع ولم‬
‫يحتلم بعد فقذفه رجل بالزنا أيقام على قاذفه الحد ؟((‪ .‬وسئل أيضا‪ )) :‬أرأيت‪،‬امرأة‬
‫زنت بصبي مثله يجامع إل أنه لم يحتلم ؟((‪ ،‬فأجاب رحمه ال عن هذه السئلة‬
‫وغيرها‪ ،‬ولم يستنكر طبيعة السؤال ولم يستهجنه‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم يظهر أن جماع الولد الكبير ممكن وقريب الحصول‪ ،‬خاصة في‬
‫هذا الزمن؛ لكثرة انتشار الفواحش‪ ،‬ووجود الثارة الجنسية في كل مكان من حياة‬
‫الناس‪ ،‬لهذا يحذر الب هذه القضية‪ ،‬ويحفظ أولده منها‪.‬‬

‫ومن مداخل الشيطان على الب أن يحد مجال الختلط بين أولده الكبار‪،‬‬
‫والقريبات من غير المحارم‪ ،‬في حدود المصافحة‪ ،‬والجلوس على الطعام‪ ،‬والكلم‬
‫البريء في البيت مع أفراد السرة الكبار كالب والم‪ .‬وهذا من الخطأ؛ إذ إن الولد‬
‫إذا لم يتعود غض البصر ‪ ،‬والبعد عن مجالس النساء قبل أن يبلغ مبلغ الرجال‪ ،‬فإنه‬
‫يتعود على ذلك كلما كبر‪ ،‬ويتلذذ برؤيتهن‪ ،‬ومصافحتهن‪ ،‬والحديث معهن‪ ،‬فيصعب‬
‫على الب بعد ذلك التفريق بينهم إذا كبروا‪.‬‬

‫كما أن مصافحة الجنبيات محرمة؛ لقوله عليه الصلة والسلم عندما همت امرأة‬
‫تبايعه بمصافحته‪)) :‬إني ل أصافح النساء((‪ ،‬فامتناعه عن مصافحة النساء في الوقت‬
‫الذي يقتضيها ‪ -‬وهو وقت المبايعة‪ - ،‬دل ذلك على أنها غير جائزة‪ .‬وإذا كان غض‬
‫البصر واجبا خوف الوقوع في الفتنة‪ ،‬فإن مس البدن للبدن أدعى لثارة الشهوة‬
‫وتوقدها من مجرد النظر بالعين‪ .‬وقد ورد عنه عليه الصلة والسلم قوله‪)) :‬لن‬
‫ُيطعن في رأس أحدكم ِب ِم ْخ َيط من حديد خير له من أن يمس امرأة ل تحل له((‪،‬‬
‫وقد نقل بعض العلماء إجماع المذاهب‪،‬الربعة على تحريم مصافحة المرأة الجنبية‪.‬‬

‫ول بد للب أن يعرف ويدرك أن للولد والبنات قبل سن العاشرة رغبة جنسية‬
‫تمكنهم من التصال الجنسي ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬وتظهر هذه الرغبة أحيانا في ممارسة‬
‫العادة السرية‪ ،‬والعبث بالعضاء التناسلية ابتغاء الستمتاع‪ ،‬فقد دلت بعض البحوث‬
‫المتخصصة على ذلك‪ ،‬وأشار بعض المختصين إلى هذه القضية الهامة‪ .‬لهذا فإنه ل‬
‫بد من التفريق بينهم‪ ،‬وأخذ السباب والحتياطات اللزمة لذلك‪ ،‬وعدم التذرع بأنهم‬

‫‪22‬‬
‫من الرحام الذين يجب صلتهم‪ ،‬فقد أشار بعض العلماء إلى أن الرحام الذين يجب‬
‫صلتهم هم الرحام المحرمة بحيث لو كان أحدهم ذكرا والخر أنثى حرمت‬
‫مناكحتهما على التأبيد‪ .‬فل يدخل في ذلك أولد العمام أو أولد الخوال‪ ،‬ولو‬
‫افترض وجوب صلتهم‪ ،‬فإنها ل تكون بالختلط والمصافحة‪ ،‬والخلوة؛ بل تكون‬
‫بالحشمة‪،،‬والتستر‪ ،‬والكلم المهذب من وراء حجاب‪.‬‬

‫ويمكن للب توقيت سن الفصل بين الولد والقريبات من البنات بسن الثامنة‪ ،‬أو‬
‫التاسعة‪ ،‬وذلك لن في هذا السن يظهر لدى الولد الميل إلى أبناء جنسهم من‬
‫الذكور‪ ،‬فيميلون إلى اللعب مع أقرانهم من الولد‪ ،‬والنفرة من اللعب مع البنات‪.‬‬
‫فهذه الفرصة الطبيعية في التكوين النفسي للطفال ُتعد أفضل وقت لتعويد الولد‬
‫الستقلل عن البنات الجنبيات في اللعب والختلط‪ .‬ثم يتدرج الب بعد ذلك‬
‫شيئا فشيئا حتى يكون الفصل تاما‪ ،‬ونهائيا عند قرب البلوغ‪ ،‬وظهور علماته‪.‬‬

‫كما يلحظ الب حفظ ولده بعدم أخذه إلى السواق‪ ،‬خاصة التي يكثر فيها النساء‬
‫حيث التبرج‪ ،‬والسفور‪ ،‬وإبداء الزينة‪ ،‬والغزل المعلن بين المراهقين‪ ،‬فإن هذه‬
‫الماكن ل ينبغي دخولها إل لحاجة‪ ،‬أو ضرورة‪ .‬فقد أشار ابن تيمية رحمه ال إلى أنه‬
‫ل يجوز ارتياد الماكن التي يشاهد فيها المنكر ول يمكن إنكاره‪ ،‬إل لضرورة‬
‫شرعية‪ ،‬فما يحتاجه الب لولده من المشتريات‪ ،‬يمكن أن يتولى بنفسه تأمينها دون‬
‫اصطحاب الولد؛ حفاظا عليهم من رؤية المنكرات ‪ ،‬وبذلك يكون الب قد اتخذ‬
‫السباب الشرعية للمحافظة على أولده‪ ،‬وحمايتهم من بعض النحرافات الجنسية‪.‬‬

‫‪ - 7‬قبيحة العادة السرية عند الطفال‬

‫العادة السرية هي ما يسمى في عرف الفقهاء بالستمناء‪ ،‬وهو العبث بالعضاء‬


‫التناسلية بطريقة منتظمة ومستمرة بغية استجلب الشهوة‪ ،‬والستمتاع بإخراجها‪.‬‬
‫وتنتهي هذه العملية عند البالغين بإنزال المني‪ ،‬وعند الصغار بالستمتاع فقط دون‬
‫إنزال لصغر السن‪ .‬فلفظ العادة السرية يستخدم لجميع أنواع العبث ‪ ،‬واللعب‬
‫بالعضاء التناسلية‪ ،‬إل أن البعض يقصر مفهومها على حالت اجتلب الشهوة‪ .‬ولعل‬
‫هذا الرأي الخير هو القرب إلى الصواب‪ ،‬فمن الجحاف أن ُيعد التزام الولد‬
‫الصغير لعضوه التناسلي‪ ،‬وعبثه به من وقت لخر عادة سرية‪ ،‬أو استمناء ‪ ،‬وإن كان‬
‫في ذلك شيء من الستمتاع‪.‬‬

‫ون * ِإلّا َعلَى‬ ‫وج ِه ْم َحا ِفظُ َ‬


‫ين ُه ْم لِ ُف ُر ِ‬ ‫وحكمها في السلم التحريم؛ لقوله تعالى‪َ } :‬والّ ِذ َ‬
‫ين * َف َم ِن ا ْب َت َغى َو َراء َذلِ َك َف ُأ ْولَ ِئ َك ُه ُم‬
‫أو َما َمل ََك ْت َأ ْي َمانُ ُه ْم َف ِإنّ ُه ْم َغ ْي ُر َملُو ِم َ‬ ‫َأ ْز َو ِ‬
‫اج ِه ْم ْ‬

‫‪23‬‬
‫ون{ ]المعارج‪ ،[31-29:‬ول تجوز إل عند الضرورة والحاجة‪ ،‬فعامة العلماء على‬
‫ا ْل َع ُاد َ‬
‫تحريمها‪.‬‬

‫وقد دلت بعض البحوث على أنه يمكن أن يكون لبعض الطفال نشاط جنسي قبل‬
‫البلوغ‪ ،‬يتمثل في اللعب والعبث بالعضاء التناسلية بغية الستمتاع‪ ،‬حيث وجد أن‬
‫ثلثا وخمسين حالة من بين ألف حالة فحصت بعيادة ببرلين بألمانيا قد مارست‬
‫العادة السرية ‪ ،‬وقد كانت النسبة الكبرى تخص الولد الذكور في المرحلة ما بين‬
‫سبع إلى تسع سنوات‪ ،‬فانتشار العادة عند الولد أكثر منه عند البنات‪ ،‬كما ُوجد في‬
‫بعض الدراسات أن ثمانية وتسعين بالمائة من الولد قد زاولوا هذه العادة في‬
‫وقت من الوقات‪.‬‬

‫ويرى بعض المهتمين بالتربية أن ممارسة هذه العادة تبدأ في سن التاسعة عند عشرة‬
‫بالمائة من الولد‪ .‬ويرى البعض الخر أنها تبدأ في الفترة من سنتين إلى ست‬
‫سنوات‪ ،‬وبعضهم يرى أنها تبدأ في سن الشهر السادس تقريبا‪ .‬وبعضهم يتطرف‬
‫فيجعل بدايتها مع الميلد‪ ،‬إذ يؤول جميع نشاطات الطفل بأنها نشاطات جنسية‪ ،‬وهذا‬
‫بل شك خطأ محض ل ُيلتفت إليه‪ ،‬ول ُيلتفت أيضا إلى كل قول يرى بداية ممارسة‬
‫العادة السرية عند الطفل قبل أن يتمكن الطفل من التحكم تحكما كام ًل في استعمال‬
‫يديه‪ ،‬والحصول على بعض المعلومات في المجال الجنسي‪.‬‬

‫ولعل أنسب القوال‪ ،‬وأقربها إلى الصواب أن بداية ممارسة هذه العادة بطريقة‬
‫مقصودة غير عفوية يكون في حوالي سن التاسعة؛ إذ إن الطفل في هذا السن‬
‫أقرب إلى البلوغ ونمو الرغبة الجنسية المكنونة في ذاته‪ .‬أما مجرد عبث الولد‬
‫الصغير بعضوه التناسلي دون الحركة الرتيبة المفضية لجتلب الشهوة أو الستمتاع‪،‬‬
‫ل يعد استمناء ‪ ،‬أو عادة سرية‪ .‬وهذا المفهوم مبني على تعريف‪ ،‬العادة السرية بأنها‬
‫العبث بالعضو التناسلي بطريقة منتظمة ومستمرة لجتلب الشهوة والستمتاع‪ ،‬ل‬
‫مجرد التزام العضو من وقت لخر دون هذه الحركة المستمرة‪.‬‬

‫ويتعرف الولد على هذه العادة القبيحة عن طرق عدة‪ .‬منها وقوع كتاب يتحدث بدقة‬
‫وتفصيل عن هذه القضية فيتعلم كيفيتها ويمارسها‪،،‬وطريق آخر تلقائي حيث يكتشف‬
‫بنفسه لذة العبث بعضوه‪ ،‬وطريق آخر يعد أعظم الطرق وأخطرها وهو تعلم هذه‬
‫العادة عن طريق رفقاء السوء من أولد ال قرباء‪ ،‬أو الجيران‪ ،‬أو زملء المدرسة‬
‫ممن حرموا نصيبهم وحقهم من التربية السلمية‪ ،‬والرعاية النفسية ))فقد لُوحظ أن‬
‫أكثر الطفال ممارسة للعادة السرية هم الطفال المضطهدون‪ ،‬أوالمهملون‪ ،‬أو‬
‫المنبوذون‪ ،‬أو من ل يظفرون بما يصبون إليه من تقدير في المدرسة أو ساحة‬
‫اللعب((‪ .‬ففي بعض الوقات ‪ -‬بعيدا عن نظر الكبار‪ - ،‬يجتمع هؤلء الولد‪،‬‬
‫ويتناقلون معلومات حول الجنس‪ ،‬ويتبادلون خبراتهم الشخصية في ممارسة العادة‬
‫السرية‪ ،‬فيتعلم بعضهم من بعض هذه الممارسة القبيحة‪ .‬وربما بلغ المر ببعضهم أن‬

‫‪24‬‬
‫يكشف كل ولد منهم عن أعضائه التناسلية للخرين‪ ،‬وربما‪ ،‬أدى هذا إلى أن يتناول‬
‫بعضهم أعضاء بعض‪ .‬بل ربما أدت خلوة اثنين منهم إلى أن يطأ أحدهما‪ ،‬الخر‪،‬‬
‫فتغرس بذلك بذرة النحراف ‪ ،‬والشذوذ الجنسي في قلبيهما‪ ،‬فتكون بداية لنحرافات‬
‫جنسية جديدة‪ .‬كما أن الخادم المنحرف يمكن أن يدل الولد على هذه العادة القبيحة‬
‫ويمارسها معه فيتعلمها ويتعلق بها‪.‬‬

‫إن حل المشكلة وحماية‪ ،‬الولد من خوض خبراتها المؤلمة خاصة قبل البلوغ بالنسبة‬
‫للولد الكبيرفي طفولته المتأخرة‪ ،‬يكون أو ًل وقبل كل شيء بتقوية صلته بال‪ ,‬وتذكيره‬
‫برقابته عليه‪ ،‬وأنه ل تخفى عليه خافية‪ ،‬فيعلمه الحياء من ال‪ ،‬ومن الملئكة الذين ل‬
‫يفارقونه‪ .‬ول بأس باستخدام أسلوب عبد ال التستري الذي كان يردد في طفولته قبل‬
‫أن ينام‪ ،‬فيقول‪ )) .‬ال شاهدي‪،‬ال ناظري‪ ،‬ال معي((‪ .‬فيتركز في قلب الولد رقابة ال عليه‪،‬‬
‫ونظره إليه‪ ،‬فيستحي منه‪ ،‬فل يقدم على مثل هذا العمل القبيح‪.‬‬

‫ويضاف إلى هذا هجر رفقاء السوء‪ ،‬وقطع صلة الولد بهم‪ ،‬وتجنيبه إمكانية تكوين‬
‫صداقات مشبوهة مع أولد منحرفين‪ ،‬أو مهملين من أسرهم‪ ،‬حتى وإن كانوا أصغر‬
‫منه سنا‪ ،‬فبإمكانهم نقل معلومات حول هذه العادة‪ ،‬أو قضايا جنسية أخرى‪ ،‬أو على‬
‫القل يعلمون الولد شتائم قبيحة متعلقة بالجنس‪.‬‬

‫ثم يسعى الب بجد وهمه في تكوين صداقات بديلة عن الصداقات المنحرفة‪،‬‬
‫وصلت قوية بين أولده وأولد غيره من السر الملتزمة بمنهج السلم في التربية‪،‬‬
‫متخذا في ذلك الوسائل المرغبة‪،‬المختلفة‪.‬‬

‫ويحمي الب ولده من الكتب‪ ،‬والمجلت‪ ،‬والنشرات الطبية التي تتحدث عن هذه‬
‫القضية بأسلوب غير تربوي‪ ،‬فتعرضها عرضا يحببها إلى النفس‪ ،‬ويخفف ضغط‬
‫تأنيب الضمير على ممارسيها‪ ،‬ويشغل وقته بالقراءة المفيدة‪ ،‬والطلع الجيد‪ ،‬وارتياد‬
‫المكتبات العامة النافعة‪ ،‬كمكتبات المساجد‪ ،‬والمكتبات المهتمة بالكتب الشرعية‬
‫النافعة‪ ،‬والثقافية المفيدة‪ ،‬أو تسجيله في أحد المعاهد‪ ،‬العلمية‪ ،‬أو جمعيات تحفيظ‬
‫القرآن في فترة ما بعد العصر‪.‬‬

‫كما يمكنه أن يستغل ميل الولد إلى المخترعات والعمال الميكانيكية‪ ،‬في طفولته‬
‫المتأخرة بأن يؤمن له شيئا من ذلك في المنزل‪ ،‬أو يسجله في بعض المعاهد‬
‫التدريبية المأمونة؛ ليمارس هذه العمال النافعة التي يميل إليها عادة الولد في‬
‫طفولتهم المتأخرة‪ .‬من فوائدها أنها تشغل أوقاتهم‪ ،‬وتستغل طاقاتهم العقلية والجسمية‬
‫فيما ينفعهم‪ ،‬فل يلتفت الولد إلى ممارسة العادة السرية بسبب هذا النشغال‪،‬‬
‫واستنزاف الطاقة‪ ،‬فل يأتي عليه الليل بستره إل وقد أخذ منه جهد النهار طاقته‪ ،‬فل‬
‫يفكر إل في النوم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ويلحظ الب توجيه ابنه عند النوم بأن يلتزم السنة‪ ،‬فل ينام على بطنه‪ ،‬فإن هذه‬
‫النومة تسبب تهيجا جنسيا بسبب احتكاك العضاء التناسلية بالفراش‪ ،‬إلى جانب أنها‬
‫نومة ممقوتة مخالفة للسنة المطهرة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للولد الصغير فإن عادة التزام الولد لعضوه التناسلي ووضع يده عليه من‬
‫وقت لخر‪ :‬تحدث بعد بلوغ الولد سنتين ونصف تقريبا‪ ،‬وكثيرا ما ُيشاهد الولد في‬
‫هذه السن واضعا إحدى يديه على عضوه التناسلي دون انتباه منه‪ ،‬فإذا نبه انتبه‬
‫ورفع يده‪ .‬ويعود سبب ذلك في بعض الحالت إلى وجود حكة‪ ،‬أو التهاب في ذلك‬
‫الموضع من جراء التنظيف الشديد من قبل الم‪ ،‬أو ربما كان سبب اللتهاب هو‪:‬‬
‫إهمال تنظيف الولد من الفضلت الخارجة من السبيلين‪.‬‬

‫ومن أسباب اهتمام الولد بفرجه‪ :‬إعطاؤه فرصة للعب بأعضائه عن طريق تركه‬
‫عاريا لفترة طويلة‪ ،‬فإنه ينشغل بالنظر إليها‪ ،‬والعبث بها‪ ،‬والمفروض تعويده التستر‬
‫منذ حداثته‪ ،‬وتنفيره من التعري‪.‬‬

‫وإذا شوهد الولد واضعا يده على فرجه صرف اهتمامه إلى غير ذلك كأن يعطي‬
‫لعبة‪ ،‬أو قطعة من البسكويت ‪ ،‬أو احتضانه وتقبيله‪ .‬والمقصود هو صرفه عن هذه‬
‫العادة بوسيلة سهلة ميسرة دون ضجيج‪ ،‬ول ينبغي زجره وتعنيفه‪ ،‬فإن ذلك يثير فيه‬
‫مزيدا من الرغبة في اكتشاف تلك المنطقة‪ ،‬ومعرفة سبب منع اللعب بها‪ .‬ول بأس‬
‫أن يسأل الولد عما إذا كانت هناك حكة‪ ،‬أو ألم في تلك المنطقة يدفعه للعبث بنفسه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫التربية الجنسية للفتاة المسلمة‬
‫‪ -1‬مشروعية التربية الجنسية للفتاة المسلمة‬

‫يكتنف مصطلح التربية الجنسية‪ ،‬وأساليب تطبيقاته كثير من الغموض والتنازع عند‬
‫الباحثين التربويين‪ ،‬والمنشغلين بنواحي الثقافة الجنسية؛ حيث يحتدم الصراع بينهم‬
‫حول‪ :‬حدود معارفها العلمية‪ ،‬وأساليب إيصالها‪ ،‬والسن المناسبة لعرضها‪ ،‬والجهة‬
‫المسؤولة عن تقديمها‪،،‬مما جعل من ميدان التربية الجنسية ساحة خصبة لنشر الهواء‬
‫الفكرية‪ ،‬والشذوذات السلوكية‪ ،‬التي ُتذكيها النظريات الجنسية‪ ،‬والبحاث الميدانية‪،‬‬
‫والثورات العاطفية العارمة‪ ،‬التي أفقدت هذا المجال سر ّيته وستره‪.‬‬

‫وهذا التّشتّت الفكري والسلوكي يرجع بطبيعة الحال إلى فقدان الثوابت العقدية‬
‫والسلوكية التي يتمتع بها منهج التربية السلمية‪ ،‬حيث جعل من التربية الجنسية‬
‫ميدانا ضروريا للعبادة‪ ،‬فربط بينها وبين الشعائر التعبدية وبعض قضايا السرة‬
‫برباط ل ينفصم ‪ ،‬وألزم المربين من كل طبقات المجتمع‪ :‬بإشاعة المعرفة‪ ،‬بها‪،‬‬
‫وإذاعتها كأوسع ما يكون‪ ،‬حتى إن ال ّمي في المجتمع المسلم ل تخفى عليه فروضها‪،‬‬
‫وكثير من سننها ومستحباتها‪ ،‬في الوقت الذي قد يجهل كثير من الوروبيين ‪-‬رغم‬
‫النفلت الخلقي‪ -‬العديد من معارفهم الجنسية‪.‬‬

‫ومقصود منهج السلم من التربية الجنسية للفتاة المسلمة‪ :‬تبصيرها بطبيعة‬


‫وخصائص هويتها الجنسية‪ ،‬ودورها في نظام التزاوج والتكاثر البشري‪ ،‬وما يتعلق‬
‫ثم ربط كل ذلك بشطري‬ ‫بهذين الجانبين من أحكام العبادات والمعاملت ‪ ،‬ومن ّ‬
‫السلم العقدي والسلوكي‪ ،‬بحيث تتهذب الفتاة بآداب التربية الجنسية عبر مراحل‬
‫طفولتها المختلفة‪ ،‬ومرورا بمرحلة المراهقة‪ ،‬ثم البلوغ والشباب‪ ،‬ف ُتعطى في كل‬
‫مرحلة ما يناسبها من العلوم والمعارف‪ ،‬الجنسية الواجبة والمستحبة وتطبيقاتها‬
‫السلوكية‪ ،‬بالسباب الصحيحة المشروعة ‪-‬المباشرة منها وغير المباشرة‪ -‬الخالية من‬
‫الفحش وقبيح القول‪ ،‬حيث يتولى المجتمع ككل هذه المهمة التربوية‪ ،‬من خلل جميع‬
‫مؤسساته المختلفة‪ ،‬ضمن معارفها ومناشطها المتنوعة دون تخصيصها بمادة أو منهج‬
‫معين‪ ،‬فل يبقى للجهل بهذه المسائل الخاصة باب يدخل عن طريقه الم ْغرضون أو‬
‫الجهلة للفساد الخلقي بحجة التثقيف الجنسي‪.‬‬

‫ول شك أن الخجل والحرج يكتنفان الحديث عن مثل هذه القضايا الخاصة‪ ،‬فيستحوذ‬
‫الحياء على المفتي والمستفتي‪ ،‬الكبار والصغار ‪ ،‬خاصة الناث من فئات المجتمع ‪ ،‬إل‬
‫أن كسر باب الخجل في مثل هذه الموضوعات الشرعية أمر مهم‪ ،‬فهذه أم سليم‬
‫رضي ال عنها لما أرادت أن تواجه رسول ال ‪ e‬بسؤالها المحرج‪ ،‬عن الحتلم قالت‪:‬‬
‫"يا رسول ال إن ال ل يستحي من الحق…"‪ ،‬ولما أكثر عليها النساء النقد في سؤالها هذا‬
‫حل أنا أو في حرام"‪ ،‬ولما سئل ابن‬ ‫قالت لهن‪" :‬وال ما كنت لنتهي حتى أعلم في ّ‬

‫‪27‬‬
‫عباس رضي ال عنهما عن حكم العزل‪ ،‬دعا جارية له‪ ،‬فقال‪)) :‬أخبريهم‪ ،‬فكأنها‬
‫استحيت‪ ،‬فقال‪ :‬هو ذلك ((‪ ،‬يعني أنه كان يفعله معها‪ .‬فلم يكن الحياء ‪-‬رغم استحواذه‬
‫عليهم‪ -‬ليمنعهم من تبليغ الحق‪ ،‬وتعليم الناس ما يجب عليهم‪ ،‬حتى ولو صدر السؤال‬
‫ال ُمحرج عن الصغير‪ :‬فإن إعطاءه المعلومات الصحيحة‪ ،‬بالقدر الذي يناسب مداركه‬
‫ول يضره‪ :‬أمر مطلوب‪ ،‬ونهج تربوي صحيح‪ ،‬فهذه عائشة رضي ال عنها ُيواجهها ابن‬
‫أختها من الرضاعة أبو سلمة عبد ال بن عبد الرحمن‪ ،‬وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد‬
‫ردت عليه‪ ،‬فقالت‪" :‬أتدري‬ ‫عما ُيوجب الغسل؟ فلم تجد بُدا من إجابته‪ ،‬حتى ّ‬‫بسؤاله ّ‬
‫مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها‪ ،‬إذا جاوز‬ ‫ُ‬ ‫ما َمثلُك يا أبا سلمة؟‬
‫أدق‬
‫الختان الختان فقد وجب الغسل"‪ ،‬وربما أخبرت رضي ال عنها بصراحة تامة عن ّ‬
‫تفصيلت حياتها الجنسية مع رسول ال ‪ ، e‬فيما تحتاج المة لمعرفته‪.‬‬

‫ورغم هذا الوضوح التربوي المنضبط في تعامل منهج السلم مع هذه القضايا‬
‫العلمية الخاصة‪ :‬فإن الواقع الجتماعي المعاصر بمؤسساته المختلفة يشهد تخّلفا كبيرا‬
‫في معارف الفتيات الجنسية الضرورية ‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بأحكام الحيض‪،‬‬
‫كن إلى هذه المعارف وتطبيقاتها‬ ‫إنهن اليوم أفقر ما ّ‬
‫ّ‬ ‫والعلقات الزوجية‪ ،‬حتى‬
‫أدى إلى ظهور مضاعفات نفسية واجتماعية‬ ‫السلوكية من أي وقت مضى؛ مما ّ‬
‫كبيرة‪ ،‬تهدد السرة والمجتمع ككل‪ ،‬رغم التجاوز السلوكي المشين الذي تمارسه‬
‫غالب هذه المؤسسات الجتماعية في الشؤون الخلقية والداب الضرورية ‪ ،‬حتى‬
‫جعلت معارف الفتيات الجنسية أكثر جوانب حياتهن اضطرابا وبلبلة‪ ،‬ودفعتهن‬
‫‪-‬بالتالي‪ -‬بصورة غير مباشرة نحو المصادر المشبوهة من مثل‪ :‬وسائل العلم‪،‬‬
‫والزميلت‪ ،‬والخادمات‪ ،‬والمنشورات للحصول على ضرورياتهن من الرشاد العلمي‬
‫لصحتهن الجنسية‪.‬‬

‫‪ -2‬مبادئ التربية الجنسية للفتاة المسلمة‪،‬‬

‫يحتم المنطلق الشرعي والواقعي على المجتمع‪ :‬أن يتناول بالهتمام ‪-‬عبر مؤسساته‬
‫المختلفة‪ -‬وضع صياغة تربوية مشروعة لمنهج التربية الجنسية‪ُ ،‬يحقق للفتاة سلمتها‬
‫الخلقية والصحية‪ ،‬ويساعدها على ضبط اتزانها العاطفي والسلوكي‪ ،‬بحيث ينطلق هذا‬
‫المنهج من ثلثة مبادئ رئيسة على النحو التي‪:‬‬

‫المبدأ الول‪ :‬أنوثة الفتاة موضع حرمة أخلقية‪ :‬حيث تتربى الفتاة من أول أمرها‬
‫على تعظيم شأن العورة‪ ،‬وقبيح إبدائها‪ ،‬وأنها في الحرمة أعظم من عورة الرجل‬
‫وأغلظ‪ ،‬و ُي ّ‬
‫عظم ذلك في نفسها؛ ل ُيسبغ على ذلك الموضع منها طابع التحريم‪ ،‬الذي ُيم ّيز‬
‫تلك العضاء المكنونة عن غيرها بخصوصية ليست لشيء آخر من أعضاء بدنها‪،‬‬
‫حسها‪ ،‬فض ًل عن‬ ‫مجرد انكشاف العورة ولو في حال الخلوة ممقوتا في ّ‬ ‫حتى يصبح ّ‬
‫العبث الجنسي‪ ،‬أو التفريط الخلقي‪ ،‬وفي الحديث يقول الرسول ‪ e‬عن ضرورة حفظ‬

‫‪28‬‬
‫هذا الموقع من الجنسين‪ )) :‬من يضمن لي ما بين لحييه‪ ،‬وما بين رجليه‪ :‬أضمن له‬
‫الجنة ((‪ ،‬وشهوة النثى الجنسية ل تقل عن شهوة الذكر‪ ،‬بل ربما‪ ،‬قد تفوقها أحيانا‪،‬‬
‫فيأتي من جهتها في حال الثارة من السلوكيات الخاطئة والمنحرفة ما يشينها‪،‬‬
‫و ُي وقعها تحت طائلة العقوبة؛ ولهذا لما سمع عمر رضي ال عنه ذات ليلة حنين امرأة‬
‫إلى زوجها الذي خرج إلى الجهاد‪ ،‬وشوقها الشديد إليه‪ :‬سأل عنها‪ ،‬وأرسل إليها امرأة‬
‫تكون عندها حتى يرجع إليها زوجها‪ ،‬وذلك حرصا منه على سلمتها الخلقية‪ ،‬وسلمة‬
‫المجتمع الذي يترأسه‪.‬‬

‫ومنهج التربية الجنسية ‪-‬في هذا الجانب‪ -‬يتخذ من‪ :‬أحكام الطهارة‪ ،‬وأبواب ستر‬
‫العورة‪ ،‬وآداب الستئذان مدخ ًل مشروعا لتأصيل هذا المبدأ التربوي‪،‬واتخاذه ركنا‬
‫أساسا في صحة وسلمة الفتاة الجنسية‪.‬‬

‫المبدأ الثاني‪ :‬أنوثة الفتاة موضع فتنة اجتماعية ؛ لكونهن رأس الشهوات‪ ،‬وموضع‬
‫أعظم الملذات؛ حيث تتصدر الفتنة بهن أعظم أنواع بليا الرجال‪ ،‬وأشد مخاطر‬
‫أول الزمان وآخره‪ ،‬وليس ذلك لقوة فيهن‪ ،‬ولكن لضعف طباع الرجال من جهتهن؛‬
‫حيث قهرهم ال بالحاجة إلى النساء‪ ،‬حتى جعل الميل إليهن كالميل إلى الطعام‬
‫بثفيهن عنصر النوثة الذي يلعب في كيان الذكر دور الشرارة في‬ ‫والشراب؛ حيث ّ‬
‫يسري لهب الشهوة في بدنه كحريق النار‪،،‬فينصبغ العالم من حوله بطابع‬
‫الوقود‪ ،‬حتى ْ‬
‫الشهوة‪ ،‬حتى تستحوذ على زمام سلوكه‪ ،‬فل يبقى له رأي ول فهم‪ ،‬ول يلتفت إلى‬
‫شيء حتى يقضي وطره بصورة من الصور‪ ،‬فالمثيرات الجنسية تعمل‪ ،‬فيهم عمل‬
‫ال ُمشهيات للطعمة‪ ،‬تدفعهم دفعا نحو الجنس بإلحاح؛ ولهذا كثيرا ما يقع الشباب في‬
‫عادة الستمناء القبيحة‪ ،‬بصورة واسعة وكبيرة؛ يتخففون بها من شدة الثارة‬
‫الجنسية‪.‬‬

‫إن من الحقائق التي لبد أن تعرفها‪ ،‬الفتاة وتتيقن منها‪ :‬أن المرأة الجميلة‪ ،‬ولسيما‬
‫الشابة الفاتنة من النساء‪ :‬تحدث اضطرابا في كيان الرجل‪ ،‬مهما كان مقامه‪ ،‬إنما‬
‫يختلف الرجال في حجم ضبطهم لنفسهم‪ ،‬ودرجة تحمل قلوبهم لهذا الضطراب‪،‬‬
‫يمكن نظره منها‪ ،‬بل ربما كان‬ ‫وقل أن ينجو الرجل بسلم من الفتنة بالحسناء حين ّ‬ ‫ّ‬
‫مجرد سماعه لصوتها‪ ،‬أو معرفته بصفات حسنها دون رؤيتها‪ :‬كافيا لتعّلق أصحاب‬
‫حد العشق ال ُم ْهلك‪،‬‬ ‫القلوب الضعيفة والفارغة بها‪ ،‬وربما وصل الحال بأحدهم إلى ّ‬
‫قدم ال‬ ‫أحد يموت بعشق شيء أكثر من موت الرجال في عشق النساء؛ ولهذا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فليس‬
‫تعالى ذكرهن على رأس الشهوات بقدر تقدمهن في قلوب الرجال‪ ،‬فقال ‪ُ } : e‬ز ّي َن‬
‫ير ا ْل ُمقَنطَ َر ِة ِم َن ّ‬
‫الذ َه ِب َوا ْل ِف ّض ِة‬ ‫اط ِ‬ ‫ين َوا ْل َق َن ِ‬ ‫ّساء َوا ْل َب ِن َ‬
‫ات ِم َن الن َ‬ ‫الش َه َو ِ‬
‫ّاس ُح ّب ّ‬ ‫لِلن ِ‬
‫آب{‬ ‫الد ْن َيا َوالّله ِع َند ُه ُح ْس ُن ا ْل َم ِ‬
‫اع ال َْح َي ِاة ّ‬ ‫ام َوال َْح ْر ِث َذلِ َك َم َت ُ‬ ‫َ‬
‫َوال َْخ ْي ِل ا ْل ُم َس ّو َم ِة َوال ْن َع ِ‬
‫]آل عمران‪ ،[14:‬ومن هنا ُيلْحظ عمق الصلة بين الجمال والجنس بصورة يصعب‬
‫إنكارها أو إغفالها ‪ ،‬حيث يتوقف عنف الرغبة الجنسية واندفاعها على درجة الجمال‬
‫ووفرته‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ولما كان المسلك السلبي في التحفز والنتظار والهدوء هو طابع النثى في سلوكها‬
‫الجنسي‪ :‬فإنها مقابل ذلك في غاية اليجابية تجاه إبراز مفاتنها‪ ،‬ومواقع الجمال منها‪،‬‬
‫وصناعة التأنّق والتزين بكل الوسائل الممكنة؛‪ ،‬وذلك بهدف رواجها عند الرجل‪ ،‬فهو‬
‫مقصودها الول والسمى بحسن التز ّين والتصنع ‪ ،‬فهي ل تتزين لتعزز إرادة نفسها‬
‫كما يفعل الرجل‪ ،‬وإنما لتعزز إرادة الرجل فيها‪ ،‬فحجم الزينة الكافية عندها‪ :‬ما‬
‫يزكيها في عين الرجل‪ ،‬وير ّوج لمكانها‪ ،‬عنده‪ ،‬ومن هنا تأتي الفتنة الجتماعية حينما‬
‫تنطلق إحداهن ‪ -‬بدافع رواجها عند الرجال‪ -‬إلى التعبير بوسائل غير لفظية عن‬
‫جمالها ومكامن مفاتنها‪ ،‬أو عن إعجابها وميل نفسها؛ حيث تقوم الحركات الجسمية‪،‬‬
‫المشية‪ ،‬ونظرة العين‪ ،‬ورائحة الطيب‪ :‬مقام‬ ‫ونبرة الصوت‪ ،‬وطريقة الوقوف‪ ،‬ونوع ْ‬
‫كثير من الكلم‪ ،‬ففي الوقت الذي قد تعجز العبارات عن حمله من المعاني المراد‬
‫إيصالها‪ :‬تحمله الوسائل غير اللفظية‪ ،‬و ُتوصله بصورة قد تكون أبلغ من العبارة‬
‫تشكل الكلمات‬ ‫وأقوى‪ ،‬وقد أشارت دراسة أجنبية أنه في حالة "توصيل رسالة ما‪ّ :‬‬
‫التي نستخدمها نسبة ‪ ،%7‬ونبرة الصوت ‪ ،%38‬ووضعية الجسم ‪ …%55‬وفيه يظهر‬
‫بجلء مقدار الوسائل غير اللفظية في عملية التعبير والتواصل"‪ ،‬وصدق ال العظيم إذ‬
‫وموجها نساء النبي ‪ r‬خاصة‪ ،‬ونساء المؤمنين عامة في مواقفهن مع‬ ‫ّ‬ ‫مؤدبا‬‫يقول ّ‬
‫ض‬ ‫الجنس الخر‪ِ ..…} :‬إ ِن ا ّت َق ْي ُت ّن َفل َت ْخ َض ْع َن ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع الّ ِذي ِفي َقل ِْب ِه َم َر ٌ‬
‫لولَى …{‬ ‫اه ِل ّي ِة ا ُ‬‫َو ُقل َْن َق ْو ًل ّم ْع ُرو ًفا* َو َق ْر َن ِفي بُ ُيو ِت ُك ّن َول َت َب ّر ْج َن َت َب ّر َج ال َْج ِ‬
‫اس َأل ُ‬
‫ُوه ّن‬ ‫اعا َف ْ‬ ‫جل وعل‪َ .…} :‬و ِإ َذا َس َأ ْل ُت ُم ُ‬
‫وه ّن َم َت ً‬ ‫]الحزاب‪ ،[33-32:‬إلى أن قال ّ‬
‫ُوب ِه ّن …{ ]الحزاب‪ ،[53:‬وإلى أن قال‪:‬‬ ‫اب َذلِ ُك ْم َأطْ َه ُر لِ ُقل ِ‬
‫ُوب ُك ْم َو ُقل ِ‬ ‫ِمن َو َراء ِح َج ٍ‬
‫ين َع َل ْي ِه ّن ِمن َجل َِاب ِيب ِه ّن َذلِ َك‬ ‫ين ُي ْدنِ َ‬
‫اج َك َو َب َنا ِت َك َونِ َساء ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫} َيا َأ ّي َها الن ِّب ّي قُل لّ َأ ْز َو ِ‬
‫جلشأنه‬ ‫يما{ ]الحزاب‪ ،[59 :‬وقال ّ‬ ‫ان الّل ُه َغ ُفو ًرا ّر ِح ً‬ ‫َأ ْدنَى َأن ُي ْع َر ْف َن َفلَا ُي ْؤ َذ ْي َن َو َك َ‬
‫ين ِمن ِزي َن ِت ِه ّن …{‬ ‫في موضع آخر‪َ .…} :‬ولَا َي ْض ِر ْب َن ِب َأ ْر ُج ِل ِه ّن لِ ُي ْعل ََم َما ُي ْخ ِف َ‬
‫]الن‪،،‬ور‪.[31:‬‬

‫يتهاون فيه‪ :‬إمكانية التواصل بين الجنسين‬


‫ّ‬ ‫ولعل ما يغفل عنه كثير من النساء‪ ،‬أو‬
‫بواسطة الرائحة الزكية؛ حيث تقوم الرائحة من خلل حاسة الشم بأدوار مهمة في‬
‫حياتي النسان والحيوان الجنسيتين‪ ،‬فهي بجانب أنها وسيلة كثير من الحيوانات‬
‫للتعرف على أفراد أجناسها‪ ،‬فإنها إضافة إلى ذلك وسيلتها للتجاذب بين ذكورها‬
‫وإناثها للتناسل والتكاثر‪ ،‬وهي في عالم النسان‪ :‬لغة صامتة ل تقل عن الكلم وغيره‬
‫من أدوات البيان‪ ،‬فالنسان كما يتواصل باللفظ فإنه يتواصل أيضا بالشم‪ ،‬ويعّبر‬
‫بالرائحة كما يعّبر‪ ،‬بالكلم‪ ،‬ويستطيع أن يصل بالرائحة إلى أغوار ل يقوى غيرها‬
‫عليها‪ ،‬ول يمكن الوصول إليها بغيرها من الحواس؛ ولهذا ارتبطت لغة الحب بين‬
‫العشاق والمتحابين بحاسة الشم ارتباطا في غاية القوة‪ ،‬وقد استغل تجار العطور في‬
‫الترويج لبضائعهم هذه الخاصية الفطرية‪ ،‬وهذا ما ُيلحظ من الدعاية على علب‬
‫العطور وأسمائها‪ ،‬مما يشير بوضوح إلى العلقة الخاصة بين الجنسين‪ ،‬ولهذا تقول‬

‫‪30‬‬
‫السيدة حفصة رضي ال عنها ‪" :‬إنما الطيب للفراش"‪ ،‬بمعنى أنه مجال للستمتاع‬
‫والثارة بين الزوجين‪ ،‬فل يصلح خارج ذلك‪.‬‬

‫وبسبب هذه الخاصية العجيبة لدور حاسة الشم في عملية التواصل بين الجنسين‪ :‬نبه‬
‫النبي ‪ r‬النساء‪ ،‬وحذرهن من الخروج بين الرجال الجانب بالطيب‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫لشهود الصلة في المسجد‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ )) :‬أيما‪ ،‬امرأة أصابت بخورا‬
‫فل تشهد معنا العشاء الخرة ((‪ ،‬وقال في حق المتهاونات في ذلك‪ )) :‬أيما‪ ،‬امرأة‬
‫استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية((‪ ،‬وهذا قول شديد ل يليق‬
‫بالفتاة المسلمة أن تخالف توجيه الرسول ‪ ،e‬فتقع في مثل هذا الوصف الشنيع‪.‬‬

‫إن هذه الغريزة ال ُم ْستحكمة‪ ،‬في طبيعة سلوك الذكور الجنسي ل بد أن تكون موضع‬
‫اهتمام الفتاة المسلمة ورعايتها‪ ،‬فإن حدود حريتها السلوكية كعنصر فتنة‪ :‬تنتهي عند‬
‫يصح أن يصدر عنها أمامهم أو‬ ‫ّ‬ ‫نظر أو سمع أو علم الجانب من الرجال‪ ،‬فل‬
‫بمسمع منهم ‪-‬ولو بصورة عفوية‪ -‬ما يكون سببا في إثارتهم ‪ ،‬وتحريك غرائزهم‪ ،‬من‬
‫خلل‪ :‬لباسها الفاضح‪ ،‬أو حركتها المقصودة‪ ،‬أو صوتها العذب‪ ،‬أو رائحتها العطرة‪ ،‬أو‬
‫خلْوتها بغير محرم‪ ،‬بحيث تستفرغ جهدها في حمايتهم ‪-‬كإخوة لها في ال‪ -‬من كل مثير‬
‫يضرهم و ُيخرجهم عن سكون طبيعتهم‪ ،‬بحيث تتكلف ذلك تكلفا‪ ،‬حتى ولو أدى ذلك‬
‫وصفها عنهم بالكلية‪ ،‬فل يصل إليهم من فتنتها شيء‪،‬‬
‫إلى أن تحجب شخصها‪ ،‬وخبر ْ‬
‫كحال نساء النبي ‪ r‬رضي ال عنهن‪ ،‬فإن هذا المسلك مستساغ شرعا‪ ،‬إذا لم يف ّوت على‬
‫الفتاة مصلحة أكبر‪ ،‬حيث ُتع ّود منذ الصبا على النفور من الرجال الجانب‪،‬‬
‫والهروب منهم؛ فإنهن بالطبيعة قُبيل البلوغ‪ :‬ينفرن من الذكور‪ ،‬ويملن إلى أترابهن‬
‫من الناث‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب يجد منهج التربية الجنسية أوفر مادته الشرعية للدخول إلى هذا‬
‫المبدأ التربوي المهم من خلل‪ :‬أحكام الحدود الشرعية‪ ،‬وآداب اللباس والزينة‪ ،‬إلى‬
‫جانب القصص القرآني والنبوي المتضمن لمثل هذه الموضوعات في العلقة بين‬
‫الجنسين‪.‬‬

‫المبدأ الثالث‪ :‬أنوثة الفتاة موضع متعة زوجية‪ :‬بحيث ل تستنكف أن تكون موضع‬
‫وبضعها‪ ،‬ومكانا لقضاء وطره‪ ،‬وم ْنبت ولده‪ ،‬فإن الفتاة الحرة‬ ‫استمتاع للزوج في بدنها ْ‬
‫في الصل ممنوعة ومحفوظة من كل الرجال مطلقا‪ ،‬إل من أجنبي عنها بنكاح‪،‬‬
‫صحيح؛ إذ الحكمة تقتضي ذلك‪ ،‬بحيث يبلغ التجاذب بينهما مداه القصى‪ ،‬حتى‬
‫يستمر للبشرية أسباب بقائها ضمن منظومة التزاوج التي بُ ِن َي على أساسها مبدأ تكاثر‬
‫الحياء وتناسلها ‪ ،‬فهذا الموضع من الناث‪ ،‬الذي هو منبت الولد إنما ُخلق للزواج‪،‬‬
‫ين*‬
‫ان ِم َن ا ْل َعالَ ِم َ‬ ‫ون ّ‬
‫الذ ْك َر َ‬ ‫كما قال تعالى مستنكرا قبح عمل قوم لوط ‪َ } : e‬أ َت ْأ ُت َ‬
‫ون{ ]الشعراء‪،[166-156:‬‬ ‫اج ُكم َب ْل َأن ُت ْم َق ْو ٌم َع ُاد َ‬
‫ون َما َخل ََق لَ ُك ْم َر ّب ُك ْم ِم ْن َأ ْز َو ِ‬
‫َو َت َذ ُر َ‬
‫"فأعلم ال ‪ U‬الرجال أن ذلك الموضع ُخلق منهن للرجال‪ ،‬فعليها بذله في كل وقت‬

‫‪31‬‬
‫يدعوها الزوج‪ ،‬فإن منعته فهي ظالمة‪ ،‬وفي حرج عظيم"‪ ،‬ومن هنا تدرك الفتاة‬
‫الحكمة من جعلها موضع استمتاع للزوج‪ ،‬ومدى الخدمة النسانية التي تقدمها للبشرية‬
‫باستمرار النوع‪ ،‬وتكثير سواد المسلمين‪ ،‬كما أنها أيضا ‪ -‬وللوهلة الولى‪ -‬تلْحظ من‬
‫نفسها‪ ،‬أو من زوجها بوادر النحراف الجنسي عندما يروم أحدهما أو كلهما ُم ْتعته‬
‫بهدر الماء في غير ذلك الموضع‪ ،‬منها؛ فإن الفتاة الساذجة قد تعيش دهرا مع زوج‬
‫شاذ‪ ،‬فل تتنّبه لذلك منه حتى يفتضح بين الناس‪ ،‬أو يطلبها للوصال من غير ذلك‬
‫الموضع‪ ،‬فتأبى عليه ‪-‬كما هو واجب المؤمنة‪ -‬ول ُت ّ‬
‫مكنه من نيل قبيح ُمراده‪.‬‬

‫ويمكن لمنهج التربية الجنسية أن يدخل إلى هذا المبدأ الصيل من خلل أحكام‬
‫السرة في السلم‪ ،‬وما يتعلق بها من أحكام النكاح‪ ،‬والعشرة‪ ،‬والفراق‪ ،‬والعدة‪،‬‬
‫ونحوها من شؤون وقضايا السرة المتعلقة بهذا الجانب من العلقات الزوجية‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫ومن خلل هذه المبادئ الثلثة يمكن للمنهج التربوي أن ينطلق في تربية الفتاة من‬
‫الناحية الجنسية عبر نظام السلم‪ ،‬وشرائعه المختلفة التي كلف ال تعالى بها الناس‪،‬‬
‫التفحش‪ ،‬والنحراف الخلقي الذي تتعاطاه المصادر الجنسية‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا عن أسلوب‬
‫المشبوهة تحت ستار الثقافة الجنسية‪.‬‬

‫‪ -3‬أهداف تربية الفتاة الجنسية وخصائصها التربوية‬

‫أهم خصائص الفتاة الجنسية‪:‬‬

‫‪-1‬اختصاصها بالحيض والحمل والنفاس والرضاع ‪ ،‬وما يرافق هذه الحوال من‬
‫المعاناة التي تتطلب العداد الصحي جسميا ونفسيا‪ ،‬حتى تتمكن من التغلب عليها‪،‬‬
‫وتقبلها بصورة أكثر إيجابية‪.‬‬

‫السني‪ ،‬ودرجة كبيرة من الحياء الفطري‪،‬‬


‫‪-2‬اختصاصها بغشاء البكارة ‪ ،‬والخفض ّ‬
‫وهذا يتطلب التأكيد على منهج التربية أن يستغل هذه الحوال باعتبارها‪ ،‬وسائل‬
‫معينة على الستعفاف‪.‬‬

‫‪-3‬اختصاصها بالقدرة الفطرية على الفتنة الجتماعية مما قد يجعلها موقعا لصورة‬
‫من صور انتهاك العرض‪ ،‬وهذا يتطلب قدرا من الحماية‪ ،‬السرية والتربية السلوكية؛‬
‫لضمان حفظها من مخاطر النحرافات الجنسية التي كثرت في هذا العصر‪.‬‬

‫أهداف تربية الفتاة الجنسية‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫‪-1‬تعليم الفتاة سبل العناية‪،‬بصحتها الجنسية في ضوء أحكام الفقه السلمي‪.‬‬

‫حدي المباح المشروع والمحرم‬


‫‪َ -2‬فهم الفتاة لطبيعة سلوك النسان الجنسي بين ّ‬
‫الممنوع‪.‬‬

‫‪-3‬توجيه الفتاة إلى الوسائل التربوية المشروعة المعينة لها على ضبط شهواتها‬
‫الجنسية‪.‬‬

‫‪-4‬تق ّبل الفتاة للعادة الشهرية وتحمل تأثيراتها المزعجة مع تفهمها لهميتها الشرعية‬
‫والصحية‪.‬‬

‫‪-5‬حماية الفتاة بالوسائل المشروعة من أسباب النحرافات الجنسية‪.‬‬

‫‪ -4‬طبيعة نمو الفتاة الجنسي‬

‫ل تقل أهمية صحة الفتاة الجنسية عن صحتها النفسية‪ ،‬أو الجسمية‪ ،‬أو العقلية‪ ،‬فإن‬
‫لكل جانب من هذه الجوانب أهم ّيته في بناء واتزان شخصية الفتاة المسلمة؛‪ ،‬إذ "إن‬
‫الحياة الجنسية ظاهرة أساسية في حياة الفراد والشعوب‪ ،‬وقد بدت أهميتها في شتى‬
‫الزمات‪ ،‬كما تشهد على ذلك الديانات كلها"‪.‬‬

‫ويتلخص نمو الفتيات الجنسي في كونهن ُيراهقن البلوغ قبل الذكور بعام أو عامين‪،‬‬
‫حيث تبدأ عندهن إرهاصات النضج الجنسي‪ ،‬وهرموناته الخاصة قبل البلوغ الفعلي‬
‫بخمس سنوات تقريبا‪ ،‬بحيث يكمل لهن تمام‪ ،‬النضج بصورة تدريجية متتابعة‪ :‬في‬
‫تقدم عند بعضهن ‪-‬ضمن الحد الطبيعي‪ -‬إلى الثامنة‪ ،‬أو‬ ‫الثانية عشرة غالبا‪ ،‬وربما ّ‬
‫ربما إلى السادسة‪ ،‬وهذا نادر وشاذ‪ ،‬أو تأخر إلى السابعة عشر كحد أقصى لحصول‬
‫البلوغ؛ حيث تقوم كل من‪ :‬الجذور الوراثية‪ ،‬والقيمة الغذائية‪ ،‬والطبيعة المناخية‪،‬‬
‫ونوع التربية الخلقية‪ :‬بأدوار مهمة في التأثير على سرعة وبطء عملية النضج‬
‫الجنسي‪ ،‬فتنتقل الفتاة بذلك من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة الشباب ‪ ،‬وسن‬
‫التكليف؛ إذ البلوغ هو همزة الوصل بين المرحلتين‪ ،‬ومفهوم المراهقة في التصور‬
‫السلمي ل يعني البلوغ‪ ،‬وإنما يعني مقاربة البلوغ‪ ،‬ويكفي شرعا ثبوت البلوغ‬
‫بتصريح الشخص‪ ،‬وتعبيره عن نفسه؛ لنه أمر ل ُيعرف إل من جهته‪.‬‬

‫وفورة البلوغ تسهم في إطلق ملكات الفتاة الطبيعية ‪ ،‬وكافة ميولها ورغباتها‬
‫الفطرية الكامنة في ذاتها‪ ،‬وتتفجر في أعماقها الميول الغريزية‪ ،‬وتنبعث في نفسها‬
‫العوامل المعنوية‪ ،‬والخلقية‪ ،‬فالتحولت المتعلقة بالبلوغ ل تقتصر على الناحية‬
‫الجسمية فحسب‪ ،‬وإنما تشمل‪ ،‬جميع نواحي الشخصية بما فيها الناحيتين الروحية‬
‫والنفسية؛ وذلك للترابط الوثيق بين النفس والجسم في طبيعة النمو النساني‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ورغم أن البلوغ غالبا ما يكون في الثانية عشرة عند الفتيات إل أن قدرتهن على‬
‫الشهوي‪ :‬يسبق ذلك بزمن؛ فإن‬ ‫ومقدماتها ‪ ،‬وشيء من التلذذ ّ‬
‫ّ‬ ‫الممارسة الجنسية‪،‬‬
‫النشاط الجنسي يتقدم ُح ُصوله على اكتمال القدرة التناسلية فل ارتباط بينهما من هذه‬
‫الجهة‪ ،‬إل أنه كثيرا ما يبقى في صورة اتجاهات وأشواق ناقصة‪ ،‬غير مكتملة؛ لن‬
‫حد الشهوة الجنسية عند الفتاة في الحادية عشرة تقريبا ‪-‬حاضت أو لم تحض‪-‬‬ ‫ّ‬
‫وبداية كمالها‪ ،‬الشهوي ما بين ‪18-16‬سنة‪ ،‬وقمة لياقتها الجنسية في أكمل صورها‬
‫يتأخر حتى السادس والعشرين تقريبا ‪ ،‬وربما تأخر إلى الخامسة والثلثين‪ ،‬مع كل‬
‫مجرد بلوغ الفتاة المحيض ُيعتبر مؤشرا كافيا على قدرتها الطبيعية على‬ ‫هذا فإن ّ‬
‫ثم استعدادها للحمل والنجاب بصورة طبيعية‪ ،‬بل إن قدرتها‬ ‫التصال الجنسي‪ ،‬ومن ّ‬
‫على الحمل قد تسبق في بعض الحالت النادرة نزول الحيض‪ ،‬ولهذا تقول السيدة‬
‫عائشة رضي ال عنها ‪" :‬إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"‪ ،‬ولعلها بهذا التصريح‬
‫تحكي تجربتها حين أدخلت على رسول ال ‪ e‬وهي في التاسعة من عمرها‪ ،‬ومع كل‬
‫الحوال فإن البلوغ عادة ل يتأخر عن خمس عشرة سنة‪ ،‬فلو ق ُّدر أن تأخر لفة في‬
‫الخلْقة‪ ،‬فإن الفة في الخلْقة ل توجب بالضرورة آفة في العقل‪ ،‬فإذا كان العقل قائما‬
‫بل آفة‪ :‬وجب اعتباره‪ ،‬وإلزام بنت الخامسة عشرة بالحكام الشرعية باعتبارها‪،‬‬
‫بالغة‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول المام الترمذي حاكيا عن جمع من العلماء‪" :‬الغلم إذا‬
‫استكمل خمس عشرة سنة فحكمه حكم الرجال‪ ،‬وإن احتلم قبل خمس عشرة فحكمه‬
‫حكم الرجال"‪ ،‬فمدار التكليف قبل سن الخامسة عشرة على البلوغ‪ ،‬وبعدها على‬
‫السن‪.‬‬

‫وهذا الفهم لطبيعة نمو الفتاة الجنسي وارتباطه بالتكاليف الشرعية ُيحتّم على منهج‬
‫التربية الصحية مراعاة ذلك منها منذ فترة الطفولة المتأخرة‪ ،‬ومرورا بمرحلة‬
‫المراهقة‪ ،‬ثم العناية‪ ،‬الكاملة في أوسع صورها في مرحلة الشباب‪ ،‬حتى تبلغ الفتاة‬
‫بداية ذروة النشاط الجنسي‪ ،‬وتصبح قادرة على التناسل‪.‬‬

‫‪ -5‬طبيعة سلوك النثى الجنسي‬

‫رغم الغموض الشديد الذي يكتنف طبيعة الحياة الجنسية عند أنثى النسان‪ ،‬وإجماع‬
‫الباحثين على الحيرة في تحديد جوانب ملمحها بدقة‪ :‬فإن الثابت يقينا أن لها نشاطها‬
‫الجنسي الخاص‪ ،‬الذي يختلف اختلفا كبيرا عن نوع نشاط الذكور الجنسي في‬
‫جوانب متعددة‪ ،‬إل أنه مع ذلك يتحد معه بصورة عامة في مبدأ التلذذ والستمتاع‪،‬‬
‫فمع كون النثى تتأثر ‪-‬كما يتأثر الذكور‪ -‬بإفرازات الغدد للهرمونات الجنسية‬
‫الخاصة؛ فإنها مع هذا تختلف في طابع سلوكها الجنسي عن طابع سلوك الذكور في‬
‫جوانب متعددة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫منها‪ :‬السلبية في السلوك الجنسي بما تحمله من مظاهر النتظار والتحفّز‪ ،‬وما يقابلها‬
‫في سلوك الذكور الجنسي من مظاهر العدوان والمبادأة‪ ،‬حتى إن المطاوعة منهن‬
‫لزوجها في الجماع في نهار رمضان ل ُتلزم بالكفارة عند بعض الفقهاء‪ ،‬كما‪ ،‬ل يصح‬
‫منها الظهار فتمتنع عن تمكين زوجها من نفسها‪ ،‬كما أن الفتاة ال ُم ْغتصبة قد ُتعذر إن‬
‫خشيت الهلك‪ ،‬في حين قد ل ُيعذر الرجل إذا أجبر على الفاحشة‪ ،‬ولعل في خبر‬
‫أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما وهي المرأة الجلدة ما يدل على هذه‬
‫الطبيعة الجنسية الصيلة في نهج النثى‪ ،‬وذلك حين زجرها زوجها الزبير ‪ e‬وأرضاه‬
‫قربه لما حّلت من عمرتها ولبست ثيابها‪ ،‬وهو بعد لم يزل على إحرامه‪ ،‬حيث‬ ‫عن ْ‬
‫قالت له‪ ،‬معّبرة عن هذه الطبيعة السلبية في سلوكها الجنسي كأنثى‪" :‬أتخشى أن أثب‬
‫عليك"‪ ،‬وكذلك في خبر نبي ال يوسف ‪ e‬حين راودته امرأة العزيز والنساء معها‪ :‬دليل‬
‫على اختلف طبيعة سلوك الرجل الجنسي عن طبيعته عند النثى؛ فلو أراد الرجل‬
‫المرأة أكرهها‪ ،‬أما إن أرادته هي دون رغبته عجزت عن إكراهه؛ ولهذا لجأت‬
‫امرأة العزيز إلى تهديده بالسجن والعقوبة‪ ،‬فالنثى بطبيعتها الفطرية "أقل اندفاعا‬
‫في حياتها الجنسية من الذكر‪ ،‬كما أنها أقل تهورا‪ ،‬واندفاعاتها الجنسية هي أكثر‬
‫تعبيرا عن عواطفها منها عن حاجتها الجنسية"‪ ،‬وهذا المسلك السلبي فطري الطبيعة‪،‬‬
‫ل يشين المرأة في شيء فهو عام في الطبيعة النثوية حتى على مستوى الخليا‬
‫تجد في طلب الخلية المؤنثة ‪ ،‬أما البييضة‬ ‫الجنسية‪ ،‬فالخلية "المذكّرة نشطة متحركة‪ّ ،‬‬
‫فثابتة وسلبية"‪ ،‬وأعجب من هذا وأغرب في طبائع بعض الناث‪ :‬ما أشارت إليه‬
‫بعض الدراسات من تلذذ المرأة المغتصبة في بعض حالت الغتصاب الجنسي‪،‬‬
‫رغم شدة الموقف وقسوته ‪-‬كما هو مفروض‪ -‬وما ذلك إل لهذا المعنى السلبي في‬
‫مسلك النثى الجنسي‪ ،‬ففي الوقت الذي يتضرر فيه الذكر غاية الضرر إذا ُفعلت به‬
‫فاحشة اللواط من حيث إذلله‪ ،‬وذهاب شهامته‪ :‬فإن شيئا من ذلك ل يكون بين‬
‫الرجل وزوجته لتوافق وتكامل الطبيعتين اليجابية والسلبية بينهما‪ ،‬ولهذا لما ُسئل‬
‫عبد ال بن المبارك عن الغلم إذا أراده بعض الفسقة للفاحشة قال‪" :‬يمتنع ويذب عن‬
‫نفسه‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن علم أنه ل ينجيه إل بالقتل‪ ،‬قال‪ :‬أيقتل حتى ينجو؟ قال‪:‬‬
‫نعم"‪ ،‬فالضرر الواقع على الذكر من وطء الذكر ولو بالتراضي أشد وأخبث من‬
‫ضرر الغتصاب الواقع على النثى من الذكر‪ ،‬ولهذا جاءت عقوبة اللواط عند‬
‫السلف أشد وأعنف من عقوبة الزنا‪ ،‬لمخالفتها لصل الفطرة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬تح ّمل ترك الجماع مع القدرة عليه‪ :‬عبادة‪ ،‬أو اختيارا مباحا لفترات طويلة قد‬
‫تركه بالكلية لمصلحة معتبرة شرعا‪ ،‬في حين‬ ‫تصل إلى أشهر‪ ،‬أو سنوات‪ ،‬أو ربما‪ْ ،‬‬
‫يندر هذا المسلك في أكثر الرجال‪ ،‬و ُيس ْتغرب منهم‪ ،‬في الوقت الذي ل ُيستغرب إذا‬
‫جاء من جهة النساء‪ ،‬ولهذا لُوحظ أن حالت النفور من الجنس والممارسات‪ ،‬الجنسية‬
‫أكثر في الناث منها في الذكور‪ ،‬فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة النفور‬
‫من الجنس وممارساته تصل عند الناث إلى ‪ ،%35‬وعند الذكور ‪ %15‬كما أن‬
‫انشغال أذهان الشباب بالقضية الجنسية أكثر من إنشغال الفتيات‪ ،‬وهذا كله في‬
‫الجملة يدل على اختلف طبيعة السلوك الجنسي بين الجنسين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫والموضعية البدنية‬
‫ْ‬ ‫ومنها‪ :‬اختلف أساليب الحوافز الجنسية بين التلقائية السريعة‬
‫المحدودة عند الذكور‪ ،‬وبين التعقيد والبطء في عمل هذه الحوافز‪ ،‬وتنوعها‪ ،‬وانتشارها‪،‬‬
‫البدني عند الناث؛ وذلك لتناسب طبيعتهن الساكنة المستترة؛ ولهذا تفتقر المرأة إلى‬
‫زوجها لثارتها أكثر من افتقاره هو إليها في إثارته؛ وذلك بناء على اختلف أساليب‬
‫عمل الحوافز الجنسية بينهما‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ارتباط النشاط الجنسي عند النثى بالجانب النفسي كأبلغ ما يكون‪ ،‬في حين‬
‫يمارسه الرجل غالبا كوظيفة بيولوجية معتادة‪ ،‬فمع أن الحياة الجنسية عند النسان‬
‫بصفة عامة مرتبطة بجانبه النفسي إلى حد كبير‪ :‬فإن السلوك الجنسي عند الناث‬
‫ظاهرة نفسية أكثر بكثير من كونه وظيفة بيولوجية معتادة‪ ،‬ففي الوقت الذي يكون‬
‫فيه الجنس عند الرجال ممارسات متفرقة‪ :‬ينغمس النساء فيه بعمق‪ ،‬وليس ذلك‬
‫لكونهن أرغب من الرجال في الممارسات الجنسية وكثرة الوقاع‪ ،‬وإنما للرتباط‪،‬‬
‫العميق عندهن بين الناحيتين الجنسية والنفسية‪ ،‬فالمرأة‪ :‬قد تمتنع عن الجماع‪ ،‬وتصبر‬
‫على ذلك‪ ،‬ولكن يعز عليها ويصعب أن ل تكون موضوعا جنسيا ُمستحسنا‪ ،‬فهي‬
‫مفتقرة إلى إعجاب الخرين‪ ،‬وظامئة لستحسانهم؛ ولهذا كثيرا ما تتبرج المرأة‪،‬‬
‫وتظهر بعض مفاتنها ‪ ،‬وليس ذلك رغبة في الفاحشة‪ ،‬وإنما لمجرد إثارة الخرين‪،‬‬
‫عزز بذلك جنسها‪ ،‬وما هي به أنثى‪ ،‬في حين ل ُتعرف مثل هذه المسالك‬ ‫حتى ُت ّ‬
‫الجنسية عند الرجال‪ ،‬بل قد تنفصل عندهم ‪-‬في بعض الحيان‪ -‬الممارسة الجنسية‬
‫عن الواقع النفسي‪ ،‬فهذا عثمان بن عفان ‪ t‬يجامع بعض إمائه في الليلة التي ُتوفيت‬
‫تح ْل الحالة‬
‫فيها زوجته أم كلثوم رضي ال عنها بنت رسول ال ‪ e‬وقبل أن تدفن‪ ،‬فلم ُ‬
‫النفسية ‪-‬رغم شدتها‪ -‬دون نشاطه الجنسي‪ ،‬ومثل هذا ل يكاد ُيوجد في عالم النساء إل‬
‫أن يكون شذوذا نادرا‪.‬‬

‫والتوحد في الطرف الخر‪ ،‬بحيث‬


‫ّ‬ ‫ومنها‪ :‬امتزاج الحياة الجنسية عند النثى بالحب‬
‫يضمحل مع غير المرضي عندها من الزواج‪ ،‬في حين ل يدخل‬ ‫يضعف نشاطها‪ ،‬أو ْ‬
‫الحب كعنصر رئيس في نشاط الذكور الجنسي‪ ،‬كما أن التعدد للزوجات عندهم ‪-‬في‬
‫حد ذاته‪ -‬من العناصر المنشطة‪ ،‬والمرغوب فيها‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ارتباط‪ ،‬نشاط الناث الجنسي بالمعاناة واللم؛ وذلك لرتباطه بالتناسل‬
‫ومكابدة آلم الحمل والولدة والرعاية ونحوها‪ ،‬في حين ل يعدو نصيب الرجل من‬
‫ص ْف َو ّلذتها‪ ،‬كما هو في غالب طوائف الحيوانات‪ ،‬ولهذا‬ ‫هذه المعاناة النسائية إل َ‬
‫لحظ بعض الباحثين زيادة ميل النساء في هذا العصر ‪ -‬بصورة خاصة‪ -‬نحو الجنس‬
‫بعد ظهور حبوب منع الحمل التي حققت للنساء المتعة الجنسية دون الرتباط‪ ،‬بمعاناة‬
‫ففرقت موانع الحمل الحديثة بين الجنس‬ ‫الحمل‪ ،‬وما يلحق به من رعاية النسل‪ّ ،‬‬
‫بهدف التكاثر‪ ،‬والجنس بهدف المتعة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن خلل هذه النقاط المتعددة تظهر الفروق الجوهرية‪ -‬التي يحاول بعضهم‬
‫إنكارها‪ -‬بين سلوك الذكور الجنسي وسلوك الناث‪ ،‬التي تفرض على منهج التربية‬
‫مراعاة هذه الطبائع الصلية في كيان الجنسين‪ ،‬والعمل على ثباتها ‪ ،‬كل حسب‬
‫متفرد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫طبيعته‪ ،‬ودوره كنوع إنساني‬

‫‪ -6‬تأثير الدورة الشهرية على نفسية الفتاة‬

‫الحيض أو الطمث‪ :‬نزيف دموي أسود ثخين‪ ،‬منتن الرائحة‪ ،‬يدفعه الرحم عبر‬
‫أعضاء النثى التناسلية بطريقة تلقائية في عدد من اليام‪ ،‬أقّلها دفعة من دم‪،‬‬
‫وأكثرها سبعة عشر يوما‪ ،‬وذلك بصورة دورية كل شهر‪ ،‬ضمن سنوات الخصاب‬
‫وطبع معتاد معروف منهن"‪ ،‬وهو مع ذلك أحد أنواع الدماء‬ ‫ٌ‬ ‫ْقة في النساء ‪،‬‬
‫وهو‪ِ " :‬خل ٌ‬
‫الثلثة المتفق عليها بين المسلمين‪ ،‬والخاصة بالنساء وهي‪ :‬دم النفاس‪ :‬ودم‬
‫الستحاضة‪،،‬ودم الحيض‪ ،‬إل أنه أهم هذه الدماء لعتياده‪ ،‬ولعموم بلوى النساء به‪.‬‬

‫ولما كان الحيض بطبيعته استنزافا دمويا‪ :‬فإنه يستهلك شيئا من قوى الفتاة البدينة‪،‬‬
‫فيؤثر في نشاطاتها الحيوية‪ ،‬وأدائها الجسمي العام‪ ،‬خاصة إذا كانت الفتاة في الصل‬
‫ضعيفة الب ْنية‪ ،‬فإن بلوغها سن المحيض ل يزيدها إل رهقا وضعفا‪.‬‬

‫يشكل للفتيات عنتا جسميا؛ فإنه إلى جانب ذلك ُيثير عندهن قلقا‬‫ومع كون الحيض ّ‬
‫وتوترا نفسيا‪ ،‬وشعورا عاما بالسلبية والدنس‪ ،‬وربما‪ ،‬ه ّيأ لبعضهن حالة نفسية تساعد‬
‫على النحراف الخلقي‪ ،‬حتى إن الدراسات تكاد تجمع على أن معظم جرائم النساء‬
‫تتم في أثناء الحيض‪ ،‬ولعل مما يؤكد هذا الواقع‪ :‬الحديث الذي ُروي عن النبي ‪r‬‬
‫يربط فيه بين الحيض والشيطان؛ لكون المرأة بالحيض تنقطع عن الصلة وبعض‬
‫العبادات ‪ ،‬فيكون ذلك محبوبا للشيطان‪ ،‬وبالتالي تكون أقرب للوقوع في الخطأ‪،‬‬
‫وأكثر تهيؤا لقبول وساوسه وأوهامه‪.‬‬

‫ولعل أقل ما يمكن أن يبعثه الطمث في نفس الفتاة‪ :‬الخجل‪ ،‬خاصة عند المبتدئات‬
‫منهن‪ ،‬مما يدل ‪-‬في العموم‪ -‬على وجود معاناة صحية عامة تصاحب‪ ،‬نزيف هذه‬
‫الدماء‪ ،‬و ُتؤثر بصورة سلبية على مشاعر الفتاة‪ ،‬وطاقاتها‪،‬البدنية‪.‬‬

‫والملحظ أن سبب وجود هذا التوتر النفسي‪ ،‬وشدة عنفه ترجع ‪-‬من جهة‪ -‬إلى‬
‫طبيعة الحيض المستنزفة لطاقة البدن‪ ،‬ومن جهة أخرى ترجع إلى الغموض‬
‫والختلف الذي يكتنف فقه الحيض‪ ،‬واستغلق بابه على الجهابذة من الفقهاء‪ ،‬فض ًل‬
‫عن الفتيات ال ُمتح ّيرات‪ ،‬اللتي ل يعرفن له أياما معلومة‪ ،‬ول ُيم ّيزن له لونا معروفا‪،‬‬
‫فل يهتدين في ذلك بشيء‪ ،‬في ْن َس ْقن بالتالي إلى شيء من التذمر والضيق‪ ،‬والتز ّمت‬
‫حد‬‫الفقهي المتكّلف‪ ،‬الذي نهت عنه الشريعة‪ ،‬السمحة‪ ،‬والذي قد يصل ببعضهن إلى ّ‬
‫الشك في طهارة كل شيء‪ ،‬كما حدث للمرأة الصالحة‪ ،‬أم الفضل بنت المرتضى )ت‬ ‫ّ‬

‫‪37‬‬
‫‪773‬ه‪ (،‬من البتلء بالشك في الطهارة‪ ،‬إلى درجة أنها ل تأكل‪ ،‬ول تلبس إل من‬
‫صنع يدها حذرا من النجاسات‪.‬‬

‫كما أن تراث القرون الغابرة‪ ،‬وما خّلفته من ركام مشاعر الخزي والنجاسة التي‬
‫بالح ّيض والنفساء‪ ،‬كل ذلك ينحط بثقله على نفس الفتاة وأحاسيسها‪ ،‬فيطبعها‬ ‫ُربطت ُ‬
‫بمشاعر الشذوذ والمنبوذ ّية‪ ،‬و ُيلْبسها ثوب الحقارة والدونية‪.‬‬

‫‪ -7‬تق ّبل الفتاة للدورة الشهرية‬

‫إن محاولة علج المشكلت‪ ،‬المتعلقة بالدورة الشهرية‪ ،‬والتخفيف من آثارها السلبية‬
‫على نفس الفتاة‪ ،‬وصحتها العامة‪ :‬ينطلق في منهج التربية السلمية من أربع نواح‬
‫مهمة‪ ،‬وذلك على النحو التي‪.‬‬

‫الناحية الولى‪ :‬شرعية‪ ،‬حيث ربط نظام السلم بين الحيض‪ ،‬وبين العديد من‬
‫الحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملت‪ ،‬حتى إن المتأمل يجده طبيعة‬
‫فطرية مهمة لضبط عبادات النساء ‪ ،‬وعلقاتهن الزوجية؛ لهذا أوجب الشارع الحكيم‬
‫عليهن تعّلم أحكامه‪ ،‬وجعلهن في كل ذلك م ْؤتمنات على ما يجري في أرحامهن‪،‬‬
‫صد قات فيما يخبرن عن أحوالهن الخاصة‪ ،‬فهذا النزيف الدموي المتكرر من هذه‬ ‫ُم ّ‬
‫الجهة نعمة‪ ،‬وليس بنقمة‪.‬‬

‫الناحية الثانية‪ :‬نفسية‪ ،‬حيث تجد الفتاة في تق ّبلها لهذه الطبيعة النثوية‪ ،‬وحسن توافقها‬
‫معها‪ :‬تعزيزا لجانبها المعنوي؛ لنها بتوافقها‪ ،‬ورضاها عن هذه الحالة النسائية الفطرية‪،‬‬
‫تمارس عبادة ل تعالى وتؤجر عليها؛ وذلك من خلل أسلوب الترك لبعض أنواع من‬
‫الشعائر التعبدية‪ ،‬فهي ل تترك هذه العبادات لكونها أصبحت بالحيض نجسة‪ ،‬أو‬
‫ناقصة الهلية‪ ،‬فإنها بإجماع المسلمين طاهرة الذات‪ ،‬كما أنها كاملة الهلية؛ وإنما‬
‫تترك بعض العبادات طاعة ل تعالى حيث أوجب ذلك عليها زمن الحيض‪ ،‬ل لمجرد‬
‫كونها تنزف دما‪ ،‬فإن ال ُمستحاضة‪ ،‬هي الخرى تنزف دما ‪ -‬وكلهما‪ ،‬نجس بالجماع‬
‫يفرقون بينهما من جهة المدة لو ل أن‬ ‫كسائر الدماء السائلة‪ -‬حتى إن الطباء ل ّ‬
‫الشارع الحكيم فرق بينهما ‪ ،‬ومع هذا ل تمنع‪ ،‬ال ُم ْستحاضة‪ ،‬من العبادات والممارسات‬
‫التي ُتمنع منها الحائض والنفساء‪ ،‬فل تأثير لدم الحيض على شخص الفتاة باعتبارها‬
‫إنسانا‪ ،‬وإنما تأثيره في المنع من الجماع‪ ،‬وعلة ذلك الضرر الثابت‪ ،‬وفي الثر عن‬
‫عائشة رضي ال عنها قالت‪" :‬إذا حاضت المرأة َح ُر َم الحجران"؛ يعني الفرج والدبر‪،‬‬
‫وأما تأثيره في سلوكها العبادي فل ُيعّلل؛ لكونه عبادة‪ ،‬والعبادات ل تعّلل؛ إذ الصل‬
‫فيها النقياد والخضوع‪ ،‬فالمر التعبدي هو "المر الذي ل تدرك له عّلة‪ ،‬ول يتوصل‬
‫سر تشريعه ‪ ،‬كعدد ركعات الصلوات المفروضة" ‪ ،‬ومع هذا‬ ‫العقل إلى معرفة ُك ْنه ّ‬

‫‪38‬‬
‫فأمر الحيض ُم ْنحصر في‪ :‬الصلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والمكوث في المسجد‪ ،‬وقراءة القرآن‪،‬‬
‫حد نقصان الدين عند‬‫وما عدا ذلك فهي كما كانت قبل الحيض وبعده‪ ،‬وهذا هو ّ‬
‫الح ّيض من النساء‪ ،‬وفي الحديث‪ )):‬نقصان دين النساء الحيض((‪.‬‬

‫الناحية الثالثة‪ :‬صحية‪ ،‬من حيث أن سيلن دم الحيض ‪-‬في حد ذاته‪ -‬دليل على‬
‫اكتمال نمو الفتاة‪ ،‬وسلمتها الصحية‪ ،‬وقدرتها على التناسل‪ ،‬فإذا اجتمع إلى ذلك‪:‬‬
‫اعتدال عدد أيامه‪ ،‬وانضباط زمن سيلنه‪ :‬كان دلي ًل جيدا على كمال صحة الفتاة‬
‫النفسية والجسمية‪ ،‬في حين ُتعد الفتاة التي ل تحيض ناقصة َم ِعيبة؛ فإن انقطاع‬
‫وحرج‪ ،‬واحتباسه‪ ،‬أو اضطراب سيلنه‪ :‬مرض وأذى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الحيض ‪-‬في حد ذاته‪ -‬يأس‬
‫ف ُعلم من ذلك أن الحيض صحة للفتاة‪ ،‬تتخفّف بخروجه من آفاته وعلله ‪-‬تماما‪ -‬كما‬
‫تتخفف من باقي أنواع الفضلت التي تتأذى باحتباسها‪ ،‬مع كونه أمارة سلمتها‬
‫للنجاب؛ ولهذا لما أراد ال تعالى إكرام نبيه زكريا ‪ : u‬أصلح له زوجه بأن جعلها‬
‫صالحة للولدة برد الحيض إليها بعد أن كانت عاقرا؛ فالحيض صلح للنساء‪" ،‬والفتاة‬
‫خال من الصراعات ‪ ،‬والمتوافقة مع انتمائها النثوي‪ :‬تنتظر‬ ‫ٍ‬ ‫القابلة ُ‬
‫لنوثتها بشكل‬
‫الحيض باعتزاز كدليل على المرور إلى النضج‪ ،‬والنوثة الفعلية"‪.‬‬

‫الناحية الرابعة‪ :‬اجتماعية‪ ،‬حيث الخجل الشديد الذي ينتاب الفتيات من سيلن الدم‪،‬‬
‫وما يصدر عنه من رائحة كريهة‪ ،‬مما قد يسوقهن إلى بعض السلوكيات الجتماعية‬
‫والصحية الخاطئة‪ ،‬تحاشيا منهن للحرج الجتماعي والسري‪ ،‬وقد عالج نظام السلم‬
‫التربوي بصورة جذرية هذه الناحية بإجازة مخالطة الحائض بصورة طبيعية دون‬
‫تح ّفظ؛ حتى تبقى قضية الحيض في حدود حجمها الطبيعي‪ ،‬تخدم صحة الفتاة العامة‪،‬‬
‫وتضبط نظام عباداتها ومعاملتها‪ ،‬الشرعية‪ ،‬وقد وضع رسول ال ‪ r‬من خلل معاملته‬
‫يحد من معاناة الفتيات لهذه المسألة‪،‬‬ ‫للح ّيض السلوب الجتماعي المثل‪ ،‬الذي ّ‬ ‫ُ‬
‫ويحصرها‪ ،‬في زاويتها المحدودة ؛ فقد كان يبلغ من الحائض مبلغا عظيما‪ :‬فيؤاكلها‬
‫ويشاربها ‪ ،‬ويصلي بجوارها‪ ،‬ويقرأ شيئا من القرآن في حجرها‪ ،‬وربما خالطها مباشرا‬
‫خده وصدره الشريفين على‬ ‫لها‪ ،‬فل يتحاشى من ذلك إل الجماع‪ ،‬حتى إنه ربما وضع ّ‬
‫كساءه الذي ُيصلي‬
‫َ‬ ‫رحلَه على دابته‪ ،‬أو‬
‫فخذ إحداهن وهي حائض‪ ،‬بل ربما نال د ُمها ْ‬
‫فيه‪ ،‬أو ثوبه مما يلي جسده الشريف‪،‬حتى يراه الناس‪ ،‬فل يزيد في كل هذه المواقف‬
‫بغسله دون نكير‪ ،‬أو تثريب ‪ ،‬فلم يثبت عنه عليه الصلة والسلم‬ ‫المتعددة على المر ْ‬
‫في كل جوانب عشرته للنساء عموما‪ ،‬ولزوجاته خصوصا ما يدل على استقذاره‪ ،‬أو‬
‫نفوره من شخص الحائض‪ ،‬أو مما ينساب منها؛ لكونه يصدر عنها تلقائيا بغير إرادة‬
‫منها‪ ،‬فهذه الصور الواقعية للممارسة النبوية تبقى مثا ًل حيا للطريقة الجتماعية‬
‫الصحيحة في رعاية الفتيات‪ ،‬والنساء عموما حين يتلّبسن بحال الحيض أو النفاس‪.‬‬

‫ومع كل ما تقدم في هذه النواحي الربع تبقى مسألة الدماء الطبيعية بالنسبة للنثى‬
‫حبسوتعطيل‪ ،‬ل تنفك معاناتها‪ ،‬النفسية والجتماعية عن تجربة الفتاة‬
‫ٍ‬ ‫وأوليائها أداة‬

‫‪39‬‬
‫الحائض‪ ،‬مهما كان نصيبها التربوي من الرعاية والعناية‪ ،‬الخاصة‪ ،‬ومهما كان مقام‬
‫والسؤدد؛ ففي حجة الوداع لما حاضت عائشة رضي ال عنها‪ ،‬تمّنت‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ول ّيها من الفضل‬
‫منكسة ‪…" :‬ل أحسب النساء خلقن إل للشر"‪،‬‬ ‫أنها لم تحج ذلك العام‪،،‬وقالت متذ ّمرة ّ‬
‫ولما بلغ رسول ال ‪e‬عند ن ْفره من منى خبر حيض صفية بنت حيي رضي ال عنها‪،‬‬
‫وكونها بسبب حيضها سوف تعوق الركب عن السفر‪ :‬دعا عليها بال ُعقم‪ ،‬وحلق الرأس‪،‬‬
‫بما هو معلوم عند العرب في مثل هذه المواقف المحرجة‪ ،‬حيث قال لها‪َ )) :‬ع ْق َرى‬
‫َحلْقى‪ ،‬إنك لحابس ُتنا… ((‪ ،‬ومن هنا فل بد أن توطن الفتاة نفسها على مكابدة هذه‬
‫النواع من المعاناة الطبيعية التي ل بد منها‪ ،‬مع الرضا بها على أنها نوع من البتلء‬
‫تسخط‪.‬‬
‫الذي يتطلب الصبر‪،،‬مع التقبل لها‪ ،‬والتوافق معها‪ ،‬دون تذ ّمر ‪ ،‬أو ّ‬

‫‪ -8‬الحتلم المنامي عند الناث‬

‫الحتلم‪ :‬هو الجماع وما يتعلق به في المنام‪ُ ،‬يعاينُ ُ‪،‬ه البالغ ضمن تجربة جنسية‪،‬‬
‫فيقذف الماء بصورة تلقائية‪ ،‬يصاحبها عادة شعور باللذة والنفراج‪ ،‬وهو من‬
‫خصوصيات النسان‪ ،‬عدا النبياء عليهم السلم لكمالهم‪ ،‬والذكور والناث في شأن‬
‫الحتلم سواء؛ إذ هن في مثل هذه القضايا شقائق الرجال‪ ،‬حتى العذراء منهن يمكن‬
‫أن تحتلم ما دامت بالغة؛ فقد سئل رسول ال ‪ : e‬هل تغتسل المرأة إذا هي احتلمت؟‬
‫فقال‪ " :‬نعم إذا رأت الماء" ‪،،‬وهذا من المور الثابتة المعلومة لدى الطباء‪.‬‬

‫وبداية قدرة الفتاة على هذا النزال المنامي‪ :‬بلوغها لسن الحيض‪ ،‬حيث يسبق هذه‬
‫جمع من الحلم المنامية التي تحمل‪ ،‬مضامين عاطفية‪ ،‬تؤكد بصورة عامة‬ ‫ٌ‬ ‫السن‬
‫نوع هوية الفتاة الجنسية‪.‬‬

‫ومع كون تجربة الحتلم تشمل‪ ،‬كل طبقات الناث البالغات ‪ ،‬إل أنها ‪ -‬مع ذلك ‪-‬ل‬
‫تعم بالضرورة جميع أفراد النساء؛ فإن الحتلم فيهن قليل مقابلة بأحوال الذكور‪،‬‬
‫ّ‬
‫لندرته ‪-‬‬
‫خاصة عند المتزوجات منهن‪ ،‬والشواب من الفتيات‪ ،‬حتى إن البعض ‪ْ -‬‬
‫استنكر وقوعه منهن؛ فقد تعيش إحداهن الدهر ل تعرف إنزال الماء إل بالجماع ‪،‬‬
‫حتى وإن كانت ترى في منامها دواعي ذلك كما يراها‪،‬الرجل‪.‬‬

‫وكل هذه الحوال المختلفة لطبيعة احتلم الناث تبقى بالنسبة للفتاة السليمة‬
‫الصحيحة ضمن الحدود الطبيعية المعتادة التي ل ُتستنكر‪ ،‬فكما أن في الناث من ل‬
‫تكاد تحتلم أصل‪ ،‬فكذلك يوجد في الرجال من العزاب من ل يعرف الحتلم‪ ،‬مع‬
‫كمال قدرته الجنسية وتعفّفه‪ ،‬ومع ذلك فإن المضمون الجنسي للحلم عند النسان‬
‫بصورة عامة ل يزيد عن )‪ (%10‬من مجموع أنواع المضامين المنامية الخرى‪،‬‬
‫وهذه المضامين الجنسية هي في جنس الرجال أكثر منها في جنس النساء‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ومن جهة أخرى ل ينبغي للفتاة المسلمة‪ ،‬المتعفّفة‪ :‬أن تستهجن أو تستحقر تل ّبسها‬
‫بتجربة الحتلم مهما كانت شنيعة؛ فإنه ل حرج عليها‪ ،‬حتى وإن كانت متزوجة ‪-‬ما‬
‫دام يحصل لها بصورة معتدلة‪ -‬ذلك لكونها ظاهرة طبيعية صحية‪ ،‬ينتفع بها البدن‬
‫غاية النتفاع‪ ،‬ويحصل بها تفريغ الطاقة الجنسية المكبوتة‪ ،‬بصورة فطرية مشروعة‪،‬‬
‫تستغني بها الفتاة عن الوسائل الخرى الممنوعة‪ ،‬وإنما عليها الحذر من اللتفات إلى‬
‫موضوعات هذه الرؤى الجنسية‪ ،‬وما تتضمنه من مواقف عاطفية مع شخصيات‬
‫معروفة أو خيالية؛ فإن للقلوب الضعيفة تعّلقا ولو بالخيال‪ ،‬والحتلم ‪ -‬مع كونه نافعا‬
‫في العموم‪ -‬فإن الشيطان يدخل ُُه بتأثيره الخاص‪ ،‬فليكن انتفاع الفتاة بانتقاص الماء‪،‬‬
‫وذهاب ال ْفضل‪ ،‬وسكون ال ُغلْمة‪ ،‬دون ملبسات ومتعلقات مواقف التجربة المنامية‪.‬‬

‫‪ -9‬الستمناء عند الناث‬

‫يتحد الذكور والناث ‪ -‬بصورة عامة‪ -‬في دوافعهم الجنسية‪ ،‬وميولهم الشهوية‪ ،‬فكما‬
‫أن في الرجال من تغلبه ُغلْمته‪ ،‬حتى تصل به إلى درجة الفراط ال ُمخل‪ ،‬فإن في‬
‫النساء أيضا من ت ْغلبها شهوتها‪ ،‬وهيجان غريزتها‪ ،‬حتى ل تكاد ترتوي بشيء‪ ،‬وفي كل‬
‫الجنسين ‪-‬من جهة أخرى‪ -‬من ل إ ْرب له‪ ،‬ول شهوة‪ ،‬إل أن المعتدل من نوعي‬
‫النسان هو الغالب العم‪.‬‬

‫حدة الشهوة بين الجنسين‪ ،‬حيث تخضع ‪-‬بشكل كبير‪ -‬عند الناث إلى مواسم‬‫وتختلف ّ‬
‫شهرية‪ ،‬وعوامل نفسية‪ ،‬وتكون ذ ْروتها في الثلثينات من أعمارهن‪ ،‬في حين تستوي‬
‫حدتها في سلوك الذكور بصورة كبيرة فل تخضع لمواسم معينة‪ ،‬وتكون ذروتها‬ ‫ّ‬
‫عندهم قبل سن الثلثين‪.‬‬

‫حد الش ْغل‬


‫ويبقى دافع الشهوة عند الفتاة العزباء طبيعي النزعة‪ ،‬ما لم يصل إلى ّ‬
‫الشاغل‪،،‬الذي ل يزاحمه غيره‪ ،‬بحيث تضطر تحت وطأة إلحاح الغريزة‪ ،‬وشدة عنفها‬
‫إلى تفريغ الطاقة الشهوية بالستمناء‪ ،‬أو ما ُيسمى عند العرب بجلد عميرة‪ ،‬وهو ما‬
‫ُيعرف في حق الرجال بالخضخضة‪ ،‬وفي حق النساء باللطاف‪ ،‬وفي المصطلح‬
‫الحديث ُيعرف بالعادة السرية‪.‬‬

‫تحل المشكلة الجنسية بصورة جذرية‪ ،‬فإنها تؤثر بصورة‬ ‫ّ‬ ‫وهذه العادة مع كونها ل‬
‫سلبية على طاقات الفتاة‪ :‬الروحية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬والجسمية‪ ،‬وعلقاتها الجتماعية‪ ،‬ونجاح‬
‫حياتها الزوجية في المستقبل‪ ،‬ولهذا فهي طريقة ممنوعة شرعا عند جمهور العلماء‪،‬‬
‫وإنما أجاز بعضهم تعاطيها على سبيل الضطرار‪ ،‬حين ل يجد المضطر سبي ًل‬
‫مشروعا لتصريف الطاقة‪ ،‬أو تسكين ال ُغلْمة‪ ،‬بشرط أن يكون ذلك لكسر الشهوة‬
‫وليس لطلب اللذة‪ ،‬فإن أقل ما ُيقال في هذه العادة‪ :‬أنها من قبائح الخلق‬
‫ومرذولها‪.‬‬
‫ْ‬

‫‪41‬‬
‫وأما حكم الستمناء حالة الضطرار للناث ففي جوازه خلف‪ ،‬ولئن كان بعضهم‬
‫يس ّوي بين الجنسين في حكمه حال الضطرار‪ ،‬إل أن المسألة ‪-‬مع ذلك‪ -‬تختلف في‬
‫حق المرأة لما قد تخّلفه هذه الممارسة القبيحة من أضرار صحية على جهازها‪،‬‬
‫العصبي‪ ،‬وتشوهات وقروح وآلم على أعضائها التناسلية الحساسة‪ ،‬فلئن كانت‪ ،‬هذه‬
‫العادة في حق الشاب المضطر وسيلة للتخلص من الفاحشة‪ ،‬فإنها في حق الفتاة‬
‫المضطرة ذريعة إلى الفاحشة؛ وذلك لختلف طبيعة السلوك الجنسي بينهما ‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي تفتقر فيه الفتاة فطريا للطرف الخر لتفريغ طاقتها الشهوية‪ ،‬حيث ل‬
‫تأججا‪ :‬فإنها في حق الشاب المضطر ممارسة‬ ‫تزيدها ممارسة هذه العادة إل ّ‬
‫موضعية‪ ،‬ل تفتقر لطرف آخر‪ ،‬ويمكن أن تحصل في حقه بصورة تلقائية‪ ،‬بل إن‬
‫مجرد النظر أو التفكير من الشاب الممتلئ حيوية كاف لتفريغه للطاقة‪ ،‬فالمسألة‪ ،‬في‬
‫حق الفتيات من هذه الناحية تختلف؛ ولهذا كثيرا ما كان يتندر بعض الماجنين من‬
‫شعراء العرب بالستمناء‪ ،‬معبرين عن سهولته عليهم‪ ،‬حين تشتد غلمة أحدهم‪،‬‬
‫فيصرف طاقته بالستمناء ول يبالي ‪ ،‬في حين ل ُيذكر شيء من ذلك عن النساء في‬
‫أسلوب تصريف طاقتهن الشهوية‪.‬‬

‫ول ُيفهم من هذا التوجه الفقهي‪ :‬ك ْبت الطاقة الجنسية‪ ،‬بمعنى إنكارها‪ ،‬أو استقذارها؛‪،‬‬
‫وإنما المقصود هو ضبط النشاط الغريزي‪ ،‬وتوجيهه في مساره الصحيح بصورة‬
‫شرعية واعية‪ ،‬فإن "تأثير الغريزة الجنسية في نفوس الشباب أشبه ما يكون بالنار‬
‫تحد من‬
‫المستعرة‪ ،‬فإذا تمردت‪ ،‬وتجاوزت حدود المصلحة‪،،‬و ُتركت طليقة دون قيود ّ‬
‫هيجانها‪ :‬فإنها تكون قادرة على أن تحرق جذور كل الفضائل النسانية والسجايا‬
‫الخلقية‪ ،‬وتقضي بالتالي على سعادة النسان"‪ ،‬وتذهب بنور عقله وبصيرته‪ ،‬وتدفع‬
‫به للقيام بما يعارض المصلحة‪ ،‬والعقل‪ ،‬ويجلب الشر والمصائب والدمار‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫ما تحمله جاذبية الغريزة من اللذة والمتعة التي تدفع النسان نحو الحرية الجنسية‪،‬‬
‫"ولكن حفظ الحياة الجتماعية‪ ،‬والوصول إلى التكامل المعنوي‪ :‬يتطلبان تحديد‬
‫غرائز النسان‪ ،‬وإشباعها في حدود المصلحة الفردية والجتماعية"‪ ،‬فالضوابط‬
‫الشرعية للسلوك الجنسي ليست أغل ًل لتقييد النسان‪ ،‬والسعي في حرمانه من ملذاته‪،‬‬
‫وإنما هي كوابح لحكام تصرفاته‪ ،‬وتوجيه طاقاته‪ ،‬بما يحقق مصلحته الخاصة ضمن‬
‫مصالح المجتمع العامة‪.‬‬

‫ومن طبيعة الغريزة الجنسية عند النسان أنها مرتبطة بإرادته‪ ،‬كحاله مع الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬في حين ل يرتبط‪ ،‬تنفّسه وضربات قلبه ونحوهما بإرادته‪ ،‬وهذا من شأنه‬
‫إضفاء شيء من اللذة والمتعة على السلوك الغريزي المنضبط بالرادة‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي ل يجد فيه النسان تلك المتعة واللذة في سلوكه غير الرادي‪ ،‬فإذا تمادى‬
‫النسان في إشباع ملذاته الشهوية‪ ،‬وانطلق في تعاطيها بل ضوابط‪ :‬فإن إرادته‬
‫تضعف‪ ،‬وربما تضمحل ‪ ،‬لتقرب من حال غرائزه التي تعمل بل إرادته‪ ،‬فتكون‬
‫الشهوة رقا كحال العبد مع سيده‪ ،‬وربما‪ّ ،‬‬
‫انحطت به إلى مرتبة الحيوان‪ ،‬فيفقد حينئذ‬
‫اللذة والمتعة اللتين ينشدهما‪ ،‬وتصبح الشهوات لكثرة ممارستها بل معنى ول مضمون‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫يفسر انصراف كثير من الغربيين عن المسالك الفطرية لتصريف‬
‫ولعل هذا الفهم ّ‬
‫الطاقات الجنسية‪ :‬إلى دركات الشذوذ والنحراف المخالف للفطرة السوية‪.‬‬

‫ومن هنا فإن "تعديل الميول النفسية‪ ،‬وترويض الغرائز هما من الركان الرئيسة‬
‫للتمدن‪ ،‬والشروط الساسية لسعادة النسان وهنائه‪ ،‬وهذا ما أجمعت عليه كل‬
‫الديان السماوية‪،،‬والعلماء والمفكرون كافة‪.‬‬

‫ورغم أن الفتيات يختلفن عن الذكور في أسلوب تعاطي عادة الستمناء القبيحة‪،‬‬


‫وأقل منهم تورطا في ممارستها؛ ومع ذلك فإن الثابت ميدانيا‪ ،‬في غالب الوساط‬
‫الجتماعية‪ :‬تل ّبس كثير منهن بتعاطيها‪ ،‬ومكابدة معاناتها‪ ،‬خاصة من الفتيات‬
‫المتعلمات والمتحررات أخلقيا‪ ،‬ممن كثرت حولهن المغريات ‪ ،‬وضعف في نفوسهن‬
‫الوازع الديني‪.‬‬

‫إن وسيلة الفتاة العزباء لضبط هذا الدافع بعد عون ال تعالى‪ ،‬وسلمة صحتها العقلية‬
‫والجسمية من المراض العصابية والعضوية المثيرة للشهوة‪ :‬تجنّبها للمواد الدسمة‬
‫والبهارات والتوابل في مأكلها‪ ،‬والسوائل المنبهة في مشربها‪ ،‬وتر ّفعها عن ارتداء‬
‫الملبس الضيقة‪ ،‬وكشف العورة في الخلوة‪ ،‬وبعض الرياضات‪ ،‬البدنية مثل‪ :‬السباحة‬
‫وركوب الخيل وقيادة الدراجات‪ ،‬مع حذرها من سلوك الخادمة المنحرفة ‪ ،‬أو‬
‫أسكن للشهوة‪ ،‬مع أخذها‬ ‫الصديقة المنحلة‪ ،‬وعليها بنتف العانة بد ًل من الحلق‪ ،‬فإنه ْ‬
‫يكسر الشهوة‪،‬‬ ‫بشيء من الخشونة في فراشها‪ ،‬ول بأس بالطعام‪ ،‬أو الدواء الذي ْ‬
‫فإن هي اتخذت هذه الوسائل‪ ،‬مع اتقائها للبطالة والفراغ‪ ،‬وحذرها من‬ ‫ويخفف منها‪ْ ،‬‬
‫النفراد والنعزال‪ :‬كان أعظم وأكثر نفعا في ضبط الشهوة؛ إذ يلعب الخيال‬
‫الجامح‪ ،‬والتجربة الطائشة عند الفراغ في زمن الخلوة‪ :‬أدوارا في إثارة الغريزة‪ ،‬مما‬
‫قد يدفع بعضهن إلى العبث بأعضائهن التناسلية‪ ،‬وربما‪ ،‬حشت إحداهن نفسها ببعض‬
‫المواد الغريبة؛‪ ،‬فإن الفتاة الصحيحة البنية إذا بقيت بغير ُش ْغل حنّت إلى النكاح ‪،‬‬
‫واشتاقت للرجال‪ ،‬فإن غالب‪ ،‬العشق إنما يأتي من فارغ النفس المترف المن ّعم‪ ،‬الذي‬
‫ُكفي أسباب المعيشة والجهد والكد‪ ،‬وعمر بن الخطاب ‪ e‬يحذر من ذلك‪ ،‬وينّبه عليه‪،‬‬
‫فيقول‪" :‬الراحة للرجال غ ْفلة‪ ،‬وللنساء ُغلْمة"‪ ،‬ثم الفتاة بعد أخذها بهذه السباب‬
‫تترك لطبيعتها الفطرية أسلوبها الخاص في تفريغ الفائض من طاقتها الجنسية بصورة‬
‫عفوية من خلل الحتلم المنامي‪ ،‬الذي يحصل خارج حدود التكليف الشرعي‪.‬‬

‫‪ -10‬التربية اليمانية في مواجهة الثورة الجنسية‬

‫لقد ثبت يقينا وجود علقة في غاية القوة بين ضعف الوازع الديني اليماني‪ ،‬وبين‬
‫النحرافات الخلقية والسلوكية‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بسلوك الفتيات الجنسي‪ ،‬فبقدر ما‬
‫يضعف اليمان في قلوبهن‪ ،‬وي ْبهت تأثيره في نفوسهن‪ :‬تزداد مظاهر إنحرافهن‬
‫يكن‬
‫ّ‬ ‫دل البحث الميداني على أن غالب‪ ،‬البغايا لم‬
‫الجنسية بصورة أكبر‪ ،‬وقد ّ‬

‫‪43‬‬
‫مضطرات لهذه المهنة الخسيسة؛ مما يؤكد أن المشكلة في الصل تكمن في‬
‫اضمحلل القوى اليمانية‪ ،‬التي لم تعد تقدر على مواجهة غلبة الشهوات المفرطة‪،‬‬
‫والنزوات الساقطة‪ ،‬وقد قال الحكماء من قبل‪" :‬الشهوة رق"‪ ،‬يعني أنها تسترق‬
‫جرت إلى اقتحام‬ ‫صاحبها؛ لن "الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى‪ّ :‬‬
‫المتضادة بين اليمان‬
‫ّ‬ ‫الفواحش"‪ ،‬ولهذا يقول الرسول ‪ e‬موضحا هذه العلقة‬
‫ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن…((‪ ،‬حيث يمتنع‬ ‫والنحراف الجنسي ‪" :‬‬
‫اجتماعهما ‪ ،‬ولما كان اليمان بطبيعته نزيها طاهرا‪ُ :‬ينزع من صاحبه‪ ،‬فل يرجع إليه‬
‫إل إذا أقلع عن فعلته المنفّرة لليمان؛‪،‬إذ ل يمكن بحال أن يجمع العاصي ‪-‬في وقت‬
‫واحد‪ -‬بين كمال اليمان الرادع‪ ،‬وبين الكبائر ال ُم ْردية؛ ولهذا يجد المسلم في نفسه‪:‬‬
‫من وخز الضمير‪ ،‬ومشاعر الحتقار ‪ ،‬بعد ارتكابه الفاحشة مال يجده الكافر ‪ ،‬ومن هنا‬
‫كان أسلوب العتراف في العهدين النبوي والراشدي ‪ -‬مع قّلة النتهاكات الجنسية‪-‬‬
‫هو السبيل الوحيد لقامة الحد‪ ،‬ومع هذا ‪ -‬رغم البون الشاسع‪ُ -‬توصي منظمة الصحة‬
‫العالمية بضرورة إدخال التربية الدينية ضمن المناهج‪ ،‬الدراسية؛ بهدف الوقاية من‬
‫مشكلت النحرافات الجنسية المتفاقمة‪ ،‬مما يشير بوضوح إلى الهمية الدينية ‪-‬‬
‫بصورة عامة‪ -‬وتأثيراتها الروحية في ضبط السلوك الجنسي‪ ،‬وتعديل مساره بصورة‬
‫إيجابية ‪ -‬تماما‪ -‬على عكس ما يراه البعض‪.‬‬

‫وقد عالج المنهج الرباني شحنة الندفاع الشهوانية بلجام التكاليف الشرعية؛ حتى‬
‫تتوازن قوى الدوافع الجامحة‪ ،‬مع قوى الكوابح اللجمة‪ ،‬ضمن مسار العتدال في‬
‫السلوك الجنسي‪ ،‬الذي يتحقق من خلله بقاء النوع النساني‪ ،‬و ْفق منظومة الخلق‬
‫والداب اللزمة‪ ،‬ومن هنا جاء اللزام بالتكاليف‪ ،‬والوعد والوعيد مع قوة انبعاث‬
‫الشهوة الجنسية؛ لتضبط اندفاعها‪ ،‬و ُت ّهذب ع ْنفها؛ ولهذا كثيرا ما تلْجأ الفتيات نحو‬
‫الشعائر التعبدية بأنواعها المختلفة؛ ليتخفّفن بها من شدة ال ُغلْمة وإلحاح الشهوة‪ ،‬فإن‬
‫حدة‬
‫النشاط الروحي في البيئة الغنية بالعمال الصالحة‪ :‬يخفّف بدرجة كبيرة من ّ‬
‫التوتر الجنسي؛ ولهذا أرشد الشارع الحكيم إلى عبادة الصيام ‪-‬بصفة خاصة‪ -‬كوسيلة‬
‫تربوية ف ّعالة لكسر الشهوة بصورة مشروعة ل ضرر فيها‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق الثابت للتأثير البالغ لليمان‪ ،‬على سلوك الفتيات الجنسي‪ :‬فإن على‬
‫السمو الروحي‬
‫مؤسسات التربية في المجتمع أن تلحظ ذلك منهن‪ ،‬ف ُتهيء لهن فرص ّ‬
‫من خلل مناهج العبادات التي تقوي إيمانهن‪ ،‬وتزيد من صلتهن بال تعالى؛ حتى‬
‫يستقر في نفوسهن وسلوكهن‪" :‬أن التعفّف عما ل يحل الستمتاع والتلذذ به إيمان ‪،‬‬
‫خلفله"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وأن التهتك‬

‫‪ -11‬حماية الفتاة من الثورة الجنسية المعاصرة‬

‫مجرد الوقوع في خطأ‬


‫مع كون النحراف الفكري في المفاهيم الجنسية أخطر من ّ‬
‫السلوك الجنسي؛ إل أن النحراف الجنسي إذا بلغ منتهاه‪ :‬فإنه غالبا ما يجمع في‬

‫‪44‬‬
‫المسلك‬
‫شخص متعاطيه بين انحراف الفكر‪ ،‬وقبح السلوك‪ ،‬فينتقل من خلل غواية ْ‬
‫إلى غواية الفهم‪ ،‬فيجمع بين الرذيلتين‪ ،‬وقبيح الغوايتين‪.‬‬

‫وأهمية تربية الفتاة من الناحية الجنسية ل تقتصر ‪-‬خاصة في العصر الحاضر‪ -‬على‬
‫مجر د إقناع الفتاة بأحكام العلقات الجنسية وضوابطها؛ بل تتعدى ذلك إلى حمايتها‬
‫ّ‬
‫من أضرار الفساد الجنسي بأنواعه وجوانبه المختلفة؛ إذ ليس من الطبيعي في منهج‬
‫التربية السلمي القتصار على التوجيه الفكري‪ ،‬والقناع العقلي دون الهتمام الجاد‬
‫ببناء البيئة الطاهرة النقية‪ ،‬التي تساعد على الستقامة السلوكية‪ ،‬الخالية من الفتنة‬
‫والفتتان‪.‬‬

‫مرت البشرية عبر َحقب تاريخها الطويل بمظاهر متعددة‪ ،‬وصور متنوعة من‬ ‫لقد ّ‬
‫النحرافات الجنسية‪ ،‬التي كانت من بين السباب الرئيسية لزوال كثير من‬
‫الحضارات‪ ،‬وأفول كياناتها‪ ،‬بكاملها‪ ،‬وضياع إنجازاتها الكبرى‪ ،‬وما زال العامل‬
‫الجنسي ‪-‬كمحور رئيس للخلق‪ -‬يهدد الحضارات النسانية المعاصرة بالزوال‪،‬‬
‫بشر بقيام حضارة أخرى‪ ،‬على أسس جديدة من القيم الخلقية‪ ،‬والسلوك القويم‪،‬‬ ‫و ُي ّ‬
‫فإن مستقبل النسانية مرهون ‪-‬إلى حد كبير‪ -‬بالطريقة التي يتناول بها النسان‬
‫تصريف طاقته الجنسية‪ ،‬التي يقوم عليها بقاء النوع‪ ،‬واستمرار النسل ‪ ،‬والتي امتزجت‬
‫باللذة والمتعة لضمان استمرار عطائها‪ ،‬مما قد يدفع النسان ‪-‬بهدف المتعة‪ -‬إلى‬
‫النحراف بهذه الطاقة بعيدا عن مقصد الشارع من مبدأ تركيبها‪ ،‬لتصبح أداة‬
‫إزعاج‪ ،‬وتدمير للنسانية‪.‬‬

‫لقد أصبح من المسّلم به عند الباحثين أن التوتر الجنسي الدائم هو سمة الحضارة‬
‫المعاصرة‪ ،‬وطابعها العام؛‪ ،‬بحيث يصعب‪ ،‬على الفرد المعاصر ‪-‬ذكرا كان أو أنثى‪-‬‬
‫حماية نفسه من زخم الثارة الجنسية العارمة‪ ،‬ومثيراتها المتنوعة‪ ،‬الضاربة في كل‬
‫جنبات الحياة الحضرية المعاصرة ‪ ،‬والمتغلغلة في جزئياتها الصغرى‪ ،‬وكلياتها الكبرى‪،‬‬
‫مما كان له بالغ الثر في دفع الناس عموما‪ ،‬والشباب‪،‬على وجه الخصوص إلى مزيد‬
‫من الممارسات الجنسية ‪-‬مشروعة كانت أو ممنوعة‪ -‬حتى ع ّمت الثورة الجنسية كل‬
‫طبقات المجتمعات المعاصرة من الصغار والكبار؛ بل وحتى الحيوانات لم تسلم من‬
‫طغيان الثورة الجنسية؛ فقد كان بعضها موضع استمتاع لبعض الناس من الشواذ‬
‫والمنحرفين جنسيا‪ ،‬من الذكور والناث حتى وصل النحراف إلى بعض البلد‬
‫العربية‪.‬‬

‫المفرطين والمنحرفين‪ ،‬حتى ع ّم ُهم‬


‫ّ‬ ‫ولم تكن سنة ال تعالى الجارية في خلْقه لتتخلف عن‬
‫ال تعالى بالمراض والسقام التي لم تكن في أسلفهم‪ ،‬خاصة مرض نقص المناعة‬
‫المكتسبة‪" :‬اليدز"‪ ،‬الذي ما زال يحصد ضحاياه بصورة فاجعة فريدة‪ ،‬لم يسبق لها‬
‫مثيل في التاريخ‪ ،‬النساني‪ ،‬مما دفع بعض المنظمات‪ ،‬المريكية إلى المناداة من‬

‫‪45‬‬
‫جديد بمحاربة النحرافات الجنسية والخلقية‪ ،‬ودعم ‪ -‬في مقابل ذلك‪ -‬السرة‬
‫والستقرار المنزلي‪.‬‬

‫إن من الضروري ‪-‬والحالة هذه‪ -‬السعي الجاد في حماية المجتمع المسلم عامة‪،‬‬
‫والفتاة المسلمة خاصة‪ ،‬من هذا النحراف الداهم؛ فإنهن في سن الشباب أكثر‬
‫عرضة للصابة بمرض اليدز من الذكور؛ لكونهن أسرع بلوغا‪ ،‬وبالتالي هن أيضا‬
‫أسرع تبكيرا من الذكور في ممارسة العلقات الجنسية المحرمة‪ ،‬والحصائيات‬
‫العالمية الحديثة تشير إلى أن الناث عموما يمثلن نصف المصابين بهذا المرض‬
‫تقريبا‪ ،‬ولما‪ ،‬كان هذا المرض يفتك غالبا بالشباب‪ ،‬ما بين ‪24-15‬سنة‪ :‬فإن الناث‬
‫يمثلن ‪ %30‬من المصابين به دون سن الخامسة والعشرين‪.‬‬

‫ومجتمع العالم اليوم ُيعد قرية واحدة يؤثر بعضه في بعض‪ ،‬ومظاهر النحرافات‬
‫ظل الوصاية الغربية ضمن مفهوم‬ ‫الخلقية ملزمة لبناء المجتمع الحضري‪ ،‬في ّ‬
‫العولمة‪ ،‬فل بد أن يستقر في ذهن الفتاة المعاصرة‪ :‬أن العلقة في غاية القوة بين‬
‫النحراف الجنسي بمظاهره المختلفة‪ ،‬وبين ما يتولّد عنه من أضرار صحية شاملة‪،‬‬
‫ومن المعلوم شرعا أن‪" :‬الرضا بالشيء‪ :‬رضا بما يتولد منه"‪ ،‬إن خيرا فخير‪ ،‬وإن‬
‫شرا فشر‪.‬‬

‫‪ -12‬دعم مشاريع‪،‬الزواج المبكر‪،‬‬

‫إن حصر النشاط الجنسي في نظام الزواج ‪ ،‬وتحريم العلقات الجنسية خارجه‪ :‬من‬
‫أعظم ما س ِعدت به النسانية‪ ،‬وارتقت به عبر عصورها المختلفة‪ ،‬إل أن تغ ّيرا‬
‫‪،‬هدد الحياة الجنسية‪ ،‬وأ ْنذر بخطر‬
‫عظيما طرأ في هذا العصر‪ ،‬على طبيعة هذا النظام‪ّ ،‬‬
‫جليل‪ :‬فقد تأخر سن الزواج ليوافق طبيعة الظروف القتصادية المتردية‪ ،‬وظهر‬
‫نظام التعليم الحديث‪ ،‬وظهر معه التوسع في تشغيل الفتيات‪ ،‬كل ذلك يقف في وجه‬
‫قيام الحياة الزوجية في وقت مبكر بصورة طبيعية‪ ،‬فأفرز هذا الوضع الجتماعي‬
‫المضطرب جمعا من المسالك الجنسية المنحرفة خارج حدود الحياة الزوجية ؛ إذ إن‬
‫طبيعة الدافع الجنسي عند النسان تحتاج إلى الشباع بصورة كافية ودائمة‪ ،‬ول‬
‫تتحمل ‪ -‬في كثير من الحيان‪ -‬التأجيل‪ ،‬فإما أن يتم هذا الشباع بطريق مشروع‪،‬‬
‫أو يحصل بطريق غير مشروع‪ ،‬فإذا لم تنصرف الطاقة الشهوية بشيء من ذلك‬
‫‪-‬بصورة كافية‪ -‬ظهرت مشكلت التوافق الجتماعي والنفسي‪ ،‬والمراض العصابية‬
‫لمتمنها‬
‫القاهرة‪ ،‬التي تعاني منها المجتمعات الحضارية‪ ،‬المتقدمة‪ ،‬في الوقت الذي َس ْ‬
‫المجتمعات الريفية البسيطة التي ل تعرف نظام العزوبة‪ ،‬ومن المعلوم‪ :‬أن الفراط‬
‫في كبت الطاقة الجنسية‪ ،‬مع توافر دواعي الثارة‪ُ :‬يضعف جانبا من قوى النسان‬
‫خل بجانب كبير من كوابحه الخلقية الضابطة؛ ولهذا توسع السلم‬ ‫العقلية المدركة ‪ ،‬و ُي ّ‬

‫‪46‬‬
‫ّسري كأوسع ما يكون‪ ،‬وربما إلى درجة الوجوب أحيانا؛ حتى ل‬ ‫في باب النكاح والت ّ‬
‫يبقى شيء من مادة الطاقة الجنسية كوقود للنحرافات الخلقية‪ ،‬أو النفسية‪.‬‬

‫وقد عالج البريطانيون في القرن الثامن عشر الميلدي مشكلة النحرافات الجنسية‬
‫التي تفاقمت‪ ،‬عندهم آنذاك بتشجيع نظام زواج الفتيات المبكر ‪ ،‬منذ الثانية عشرة من‬
‫السن التي تنبعث فيها ميول الفتيات الجنسية بصورة واضحة‪ ،‬فهن‬ ‫أعمارهن ‪ ،‬وهي ّ‬
‫بعد البلوغ في حاجة إلى الحصان الذي يتحقق لهن بالزواج ‪ ،‬كما أن بلوغ الفتيات‬
‫سنا معينة ليست شرطا في صحة عقد الزواج‪ ،‬وما زال العقلء في كل عصر‬
‫ُيوصون بتعجيل النكاح ‪ ،‬وتخفيف مؤونته كحل جذري للمشكلة الجنسية‪ ،‬وللحفاظ على‬
‫المجتمع من ضلل شبابه وفتياته بطاقاتهم الجنسية‪ ،‬حتى إن بعضهم يقترح التوسع‬
‫في تزويج الشباب من الجنسين‪ ،‬مع تأجيل النجاب‪ ،‬أو التحكم فيه حسب ظروف‬
‫الزوجين في أول حياتهما‪.‬‬

‫المفرطة في التبكير بتزويج أبنائها من‬


‫ّ‬ ‫ونظام السلم الجتماعي ُيح ّمل السرة‬
‫الذكور والناث قسطا من المسؤولية الشرعية تجاه انحرافاتهم الجنسية‪ ،‬فإن عدم‬
‫وجود القدرة على التناسل عند المراهقين المقاربين للبلوغ ل يعني عدم قدرتهم على‬
‫الجماع ومقدماته‪ ،‬كما أن ابتداء الحيض عند الفتاة ل يعني ‪ -‬بصورة مطلقة‪ -‬قدرتها‬
‫على التناسل؛ فإن قدرتها على تحمل‪ ،‬الوطء تسبق قدرتها على التناسل بسنوات‪ ،‬وبناء‬
‫على هذا الواقع الطبيعي ل بد من التوسع بصورة كبيرة في مبدأ التزويج إذا حضر‬
‫الكفء‪ ،‬دون النظر ‪ -‬بصورة مفرطة‪ -‬إلى السن‪ ،‬أو المع ّوقات القتصادية‬
‫والجتماعية‪ ،‬بل ل بد من العمل الجاد لتجاوزها بما يخدم صحة الشباب الجنسية‪،‬‬
‫ويحفظ المجتمع من أسباب الفساد والنحراف الخلقي‪.‬‬

‫‪ -13‬تربية الفتاة على العفّة الجنسية‬

‫إن من أهم وسائل الصحة الجنسية بعد تقوى ال تعالى‪ ،‬والخذ بسنة النكاح‪ :‬تربية‬
‫أسالفضائل الخلقية؛ وذلك لضرورته‬‫عد ّ‬ ‫الفتاة على أدب الستعفاف الجنسي الذي ُي ّ‬
‫النسانية من جهة صلته المباشرة بجانب اللذة الجسدية‪ ،‬حيث يضبط دوافع الشهوات‬
‫المختلفة بين درجتي الشره ال ُمفرط‪ ،‬والجمود ال ُمفسد‪ ،‬وفي هذا يقول الرسول ‪e‬‬
‫الغي في بطونكم وفروجكم ‪،‬‬‫ّ‬ ‫ُمحذرا الشباب‪)) :‬إن مما أخشى عليكم شهوات‬
‫ومضلت الفتن((‪.‬‬

‫الحسية‪ ،‬وأخطرها على انتظام‬


‫ولما كانت‪ ،‬الشهوة الجنسية عند الشباب أعنف شهواتهم ّ‬
‫حياتهم الجتماعية‪ :‬فإن بعث خلق العفة في سلوكهم الجنسي من أوجب وأهم‬
‫حاجاتهم التربوية‪ ،‬لكونها ملكة خلقية تعصم من الفواحش الجنسية‪ ،‬خاصة في هذا‬
‫العصر الذي زاد فيه الحتكاك الجسدي بين الجنسين بصورة واسعة ومستمرة‪ ،‬حتى‬

‫‪47‬‬
‫ترتمي ‪-‬رغم‬
‫إنه ل ُيبعد في ظروف الحياة الجتماعية والقتصادية القاسية‪ :‬أن ْ‬
‫فأي‬
‫أنفها‪ -‬على صدر شاب في حافلة مزدحمة‪ ،‬ثم ُيطالب الثنان بسلوك الرهبان‪ّ ،‬‬
‫قدر من الع ّفة هذا الذي يحتاج إليه الشباب من الجنسين في مثل هذه الظروف‬‫ْ‬
‫الجتماعية المثيرة؟‪.‬‬

‫ومع أن العفة الجنسية ُخلُق ُيطالب به الجنسان‪ ،‬إل أنه في حق الناث آكد‪ ،‬ولطبيعة‬
‫دورهن أوجب من جهة حراسة النسب‪ ،‬فهن من هذه الجهة مؤتمنات على فروجهن‪،‬‬
‫وفي هذا يقول الرسول ‪ e‬مشددا عليهن في هذا الشأن‪)) :‬أ ّيما امرأة أدخلت على‬
‫قوم من ليس منهم فليست من ال في شيء‪ ،‬ولن يدخلها ال جنته…((؛ وذلك لكونها‬
‫تدخل على السرة من يتطلع على عورات أهلها‪ ،‬و ُي ْشركهم في أموالهم بغير حق‪،‬‬
‫إلى جانب ما يلحق السرة عند الفتضاح من العار والشنار ‪ ،‬وما زالت المجتمعات‬
‫عظم ‪-‬بصورة ما‪ -‬شأن العفة في الناث‪ ،‬و ُتطالبهن بها أكثر‬ ‫النسانية بوجه عام ُت ّ‬
‫تطلُبه‪ ،‬وتشدد عليه في أمر الذكور؛ ولهذا تعاقب بعض القوانين على‬ ‫بكثير مما ْ‬
‫خطف النثى أشد من معاقبتها على خطف الذكور‪" ،‬وفي المجتمع المريكي ُتدان‬
‫المرأة المدمنة أكثر مما يدان الرجل المدمن"‪" ،‬ودائما المجتمع أكثر تسامحا إزاء‬
‫مخالفات الذكور عن مخالفات الناث"‪ ،‬وفي هذا الشأن يقول يزيد بن ميسرة‪:‬‬
‫"المرأة الفاجرة كألف فاجر"؛ ولهذا ُخ ّصت الناث من بنات آدم ‪ e‬بغشاء البكارة‬
‫دون سائر الخلق؛ ليكون دلي ًل على العفة والعذرية‪ ،‬ووسيلة ُمعينة للناث على التعفف‬
‫فهن‪-‬دائما‪ -‬بالفطرة أقرب في العموم إلى معاني الشرف والفضيلة من الذكور‪ ،‬ول‬ ‫‪ّ ،‬‬
‫فيهن النحراف الجنسي إل في الوقت الذي يفقدن فيه أصول القيم الخلقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُيعرف‬
‫ويتنكرن للداب الجتماعية‪ ،‬فعندها ُتسيطر الغريزة‪ ،‬فل يقف في سبيل إشباع نهمتها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫يكت منافذ فروجهن بالوتار القاسية‪،‬‬ ‫حائل من رغبة أو رهبة‪ ،‬ولو ِح َ‬
‫ٌ‬ ‫وقوة اندفاعها‬
‫أو ُش ّدت عليها أحزمة العفة ال ُمحكمة ‪ ،‬ما لم تكن العفة ُخلُقا أصي ًل ينبعث من داخل‬
‫نفوسهن؛ فإن الخلق ل ُتسمى أخلقا بمجرد التل ّبس بها‪ ،‬حتى تتشرب بها النفس‪،‬‬
‫وتكون سجية طبيعية لها‪ ،‬والعفة ليست جوهرا من جواهر النفس‪ ،‬بمعنى أنها جزء من‬
‫الذات‪ ،‬وإنما هي لون من ألوانها‪ ،‬وشرط ضروري لمروءة النسان‪ ،‬يحتاج في‬
‫إيجادها وتفعيلها إلى التربية والتهذيب والمجاهدة‪.‬‬

‫ولما كانت الوسيلة إلى العفة الجنسية‪ :‬ضبط الجوارح عن ال ُمستلذات المثيرة‪ ،‬فإن‬
‫كالمصيدة‪ ،‬يزرع في‬ ‫ْ‬ ‫باب النظر بحاسة البصر أوسع أبواب الثارة الجنسية‪ ،‬فهو‬
‫أقل تأثرا بالمثيرات البصرية‪ ،‬من‬ ‫القلب الشهوة‪ ،‬فمع كون الناث في العموم‪ّ ،‬‬
‫الرجال‪ ،‬وأكثر تأثرا بالمثيرات السمعية إل أنهن مع ذلك يتأثرن من جهة البصر‪،‬‬
‫خاصة وأن كثرة وقوع أبصارهن على ما ُيثيرهن من ُم ْستلذات النظر يفوق من‬
‫جهة النوع والتكرار حجم ما تس َم ُعه إحداهن ‪-‬بصورة مباشرة‪ -‬من العبارات‬
‫المستعذبة المثيرة؛ ولهذا فإن الفتاة في باب النظر إلى المحرمات ال ُم ْشتهاة كالرجل‬
‫مأمورة بغض البصر‪ ،‬لسيما إن هي خشيت على نفسها الفتنة‪ ،‬أو قصدت بنظرها‬
‫التلذذ‪ ،‬فل خلف حينئذٍ في حرمة ذلك عليها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ولعل مما ُيعين الفتاة على ضبط سلوكها الجنسي‪ :‬أن تعرف أن العفّة أ ْقصر طرق‬
‫النثى إلى قمة الفضيلة‪ ،‬وأنها ما دامت عفيفة فهي ُمحصنة؛ لن إحكامها لرغباتها‪،‬‬
‫الفطرية‪ ،‬وإيقاعها الهزيمة بشهواتها الجسدية دليل على قوة شخصيتها؛ فإن‪" :‬عبد‬
‫الشهوة أذل من عبد الرق"‪ ،‬ومن تعثّر بالشهوات ضعف أمام الشبهات؛ فإنه "‬
‫ل‬
‫يقوى على ترك الشبهات إل من ترك الشهوات"‪ ،‬والفتاة "العفيفة بها طمأنينة‪ ،‬وثقة‬
‫وجر ْيج‪ ،‬وصاحب‬ ‫في نفسها ل يخطؤها إنسان"‪ ،‬وما َعل َْت أخبار نبي ال يوسف ‪ُ u‬‬
‫الغار إل من هذه الجهة‪ ،‬ثم إن العفة في النثى سلوك غير ُمستغرب؛ ففي عالم‬
‫الحيوان يكون المتناع ‪-‬بصورة عامة‪ -‬عن التصال الجنسي من جهة النثى‪ ،‬وفي‬
‫بعض الحيوانات يكون من الذكر والنثى معا‪ ،‬إل أنه ل يكون المتناع أبدا من جهة‬
‫الذكر دون النثى‪ ،‬ولهذا السلوك الحيواني دللته التربوية لنثى النسان‪ ،‬حين تكون‬
‫العفة فيها أص ًل أصي ًل في سلوكها الجنسي‪.‬‬

‫إن وجود شيء من الكبت المعتدل للدافع الجنسي‪ :‬سلوك طبيعي ُم ْستساغ في التصور‬
‫السلمي‪ ،‬حيث ينعكس‪ ،‬تأثيره بصورة إيجابية على نشاط الفتاة‪ :‬الروحي‪ ،‬النفسي‪،‬‬
‫والعقلي‪ ،‬كما أنه مع هذا ميدان لتنافس الفتاة الخروي؛ فإن حفظ الفرج‪ :‬طريق‬
‫الجنة والرضوان‪ ،‬والرسول ‪ e‬يقول‪ )) :‬يا شباب قريش ل تزنوا‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪،‬‬
‫تجرد الفتاة ال ُمتدينة المنضبطة‬
‫أل من حفظ فرجه دخل الجنة ((‪ ،‬ول يفهم من هذا ّ‬
‫عن دوافعها الجنسية‪ ،‬أو أنها أقل شهوة من غير المتدينة‪،‬؛‪ ،‬فإن الدوافع الجنسية بينهما‬
‫متشابهة‪ ،‬وإنما الختلف بينهما في تفاوت قدرتهما على ضبط سلوكهما الجنسي‪ .‬ومع‬
‫ظل آثار الثورة الباحية المسعورة‪-‬‬ ‫كل هذا فإن العفة الجنسية أصبحت اليوم ‪ -‬في ّ‬
‫مطلبا عالميا محترما ‪ ،‬يحظى بالجلل العلمي‪ ،‬القائم على قوانين كونية صادقة ل‬
‫تتخلّف‪ ،‬تفرض على الناس ‪ -‬رغما عنهم‪ -‬احترام القيود الجنسية التي جاءت بها‬
‫الديان السماوية لمصلحة النسان‪ ،‬حتى وإن لم يتق ّيدوا بها‪ ،‬وقد ظهرت في‬
‫الوساط الجتماعية المريكية ‪ -‬رغم انحللها‪ -‬مؤسسات دينية تدعو إلى العفة‬
‫الجنسية‪ ،‬وحصر النشاط الجنسي في نطاق الحياة الزوجية‪ ،‬وقد استجاب إلى ذلك‬
‫كثير من الشباب والشابات ‪ ،‬ووقّعوا على بطاقات يتعهدون فيها أمام ال تعالى بالتقيد‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪ -14‬حفظ الفتاة من الوقوع في فاحشة الزنا‬

‫يعتبر الزنا من كبائر الذنوب‪ ،‬الموجبة لغضب ال تعالى وغيرته‪ ،‬والجالبة للهلك‬
‫والدمار الشامل‪ ،‬لما فيها من العتداء على حق ال تعالى‪ ،‬وانتهاك حرمة الفرج الحرام؛‬
‫إذ هو في الشريعة أعظم ُجرما من انتهاك حرمة الموال‪.‬‬

‫محرمة بين ذكر وأنثى‪ ،‬يستويان فيها أمام الشريعة في‬


‫ومع كون الزنا علقة جنسية ّ‬
‫مبدأ ال ُمؤاخذة والمحاسبة‪ :‬فإن الفتيات المنحرفات ألصق بهذه الجريمة الخلقية من‬
‫غيرها من الجرائم‪ ،‬وأكثر تورطا فيها من الذكور‪ ،‬ولهذا ُيعد وصف البغاء وصفا‬

‫‪49‬‬
‫قدم‬
‫خاصا بالمرأة الفاجرة‪ ،‬وقد أشار المولى ‪ e‬في كتابه العزيز إلى هذا المعنى حين ّ‬
‫ذكر الزانية على الزاني في إقامة الحد‪.‬‬

‫وقد شهدت المجتمعات‪،‬المعاصرة ولسيما غير المسلمة ‪-‬بنسب مرتفعة‪ -‬انتشار فاحشة‬
‫الزنا بصور لم يسبق لها مثيل في التاريخ خاصة بين الفتيات‪ ،‬حيث تعيش ‪%60‬‬
‫من الشابات مع رجال دون عقود زواج‪ ،‬وما بين ‪ %75-50‬من الناث ُينجبن‬
‫أطفا ًل خارج نطاق الزواج‪ ،‬وفي تقرير للمعهد الوطني الفرنسي للبحاث‬
‫الديموغرافية أن ‪ %40‬من نسب الولدات تتم خارج نطاق الحياة الزوجية‪ ،‬وقد‬
‫كشفت دراسة أجريت في بعض دول أوروبا عام ‪1992‬م أن ‪ %99‬من الناث‬
‫يفقدن بكارتهن بوصولهن سن السابعة عشر‪ ،‬بل إن البكر دون السادسة عشرة يندر‬
‫وجودها في بعض هذه البيئات الجتماعية المنحرفة ‪ ،‬ومن أعجب ما ُيروى في هذا‬
‫الشأن‪ :‬أن طف ًل "ترك اسم أبيه ناقصا في الستمارة المدرسية‪ ،‬وقد أفاد الطفل بأنه‬
‫غير متأكد ممن عساه أن يكون أباه … وعندما حضرت الم إلى المدرسة‪ ،‬أظهرت‬
‫شدة أسفها لنها هي أيضا لم تكن متأكدة من اسم والد الطفل‪ ،‬ولم ُتظهر أي ارتباك‬
‫ّ‬
‫في ذكر هذا المر"‪.‬‬

‫وقد نتج عن هذا الوضع العالمي‪ ،‬المنحرف‪ :‬توسع الفتيات الهائل في علقاتهن‬
‫وممارساتهن الجنسية لتشمل حتى المحارم‪ ،‬من الذكور‪ ،‬وتصل ببعضهن الغواية‬
‫الجنسية إلى حد الحتراف‪ ،‬بحيث يقعن تحت سلطان شبكات الدعارة العالمية أو‬
‫المحلية المنظمة‪ ،‬فتصبح إحداهن كالمة ال ُم ْسترقة ل خلص لها‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫الرق بصوره‬ ‫يتّفق فيه العالم على محاربة البغاء‪ ،‬وتجمع كل الدول على منع ّ‬
‫المختلفة؛ خاصة ما ُيسمى بالرقيق البيض‪ ،‬الذي ُت ْمتلك فيه الفتاة الحرة معنويا‬
‫للق ّوادين‪ ،‬يستذلّونها جسديا بهدف الربح المادي‪ ،‬كما كان ّ‬
‫الفجار في عصر الجاهلية‬
‫يستخدمون الماء‪ ،‬وهذا النوع من الرق المعنوي أقبح ‪-‬في الحقيقة‪ -‬من الرق الحسي‪،‬‬
‫الذي يعرفه صاحبه‪ ،‬ويسعى فيه لخلص نفسه‪.‬‬

‫ولئن كانت‪،‬المتاجرة بأعراض النساء أو ما يسمى بالبغاء التجاري أمرا قديما فإنه في‬
‫هذا العصر أوسع من ذي قبل‪ ،‬وأكثر شيوعا‪ ،‬فقد ارتبط بالحياة الحضارية‪ ،‬وأصبح‬
‫ظاهرة من ظواهرها المعتادة‪ ،‬ولسيما في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬التي‬
‫شهدت توجها عالميا صريحا‪ ،‬ومتزايدا نحو نشر المعرفة الجنسية‪ ،‬والتسامح في‬
‫العلقات المحرمة بين الجنسين‪ ،‬حتى إن ألمانيا اعترفت مؤخرا بالبغاء‪ ،‬واعتبرته‬
‫مهنة رسمية كسائر المهن الخرى‪.‬‬

‫إن العالم السلمي المعاصر‪ ،‬لم يكن بمنأى عن هذه النحرافات الجنسية بصورها‬
‫المختلفة‪ :‬فإن ظهور الزنا نبوء ٌة صادقة‪ ،‬وتت ّبع َس َن ِن أهل الكتاب سبيل هذه المة‬
‫المحتوم‪ ،‬فما من انحراف عندهم ‪-‬أيا كان نوعه‪ -‬إل كان للمة نصيب منه حتى زنى‬
‫المحارم‪ ،‬وقد شهد واقع المجتمعات السلمية المعاصر‪،‬صورا مشابهة ‪-‬بنسب مختلفة‪-‬‬

‫‪50‬‬
‫حد ما‪ -‬جميع أنواع النحرافات الجنسية في المجتمعات‪ ،‬الكافرة‪ ،‬حتى‬
‫تطابق ‪ -‬إلى ّ‬
‫إن المة السلمية اليوم ل تنتظر من أنواع النحرافات الجنسية المتوقّعة في‬
‫ديارها إل التسافد في الطرق‪ ،‬وافتراش النساء فيها‪ ،‬اللذين أخبر بوقوعهما المعصوم‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫وتتّضح المشكلة‪ ،‬بصورة أوضح بالنسبة للعالم السلمي حينما تسجل الحصائيات‬
‫المحرم‪ ،‬بين رجل وامرأة تأتي ثاني الجرائم الخلقية‬
‫ّ‬ ‫الرسمية أن جريمة الختلء‬
‫من جهة الترتيب في المملكة العربية السعودية‪ ،‬التي ُتعد أكثر دول العالم محافظة‬
‫وأمنا‪ ،‬مما ينبه إلى خطر داهم‪ ،‬ويشير إلى نسب في دول أخرى عربية وإسلمية‬
‫تفوق هذه كما وكيفا‪.‬‬

‫وقد لحظ الباحثون أن العوامل التي تدفع الفتاة للوقوع في فاحشة الزنا بأنواعها‬
‫وأساليبها المختلفة ترجع غالبا إلى ثلثة أنواع من العوامل‪:‬‬

‫عوامل اجتماعية‪ :‬من حيث تفريط‪ ،‬المجتمع في المبادئ والقيم الخلقية‪ ،‬من خلل‬
‫إشاعة الفواحش والتحريض عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬وتعطيل حدود ال‬
‫يجرئ المنحرفين على الوقوع في الفواحش‪ ،‬إلى جانب ضعف مهمة المر‬ ‫تعالى‪ ،‬مما ّ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪،،‬فل يجد المنحرفون في المجتمع من يردعهم عن الوقوع‬
‫في النحرافات‪ ،‬أو على القل ينصحهم بترك الخطأ‪ ،‬واللتزام بالداب والحكام‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫عوامل أسرية‪ :‬من حيث تحّلل الروابط العائلية‪ ،‬وكثرة المنازعات الوالدية‪ ،‬وسوء‬
‫التربية بضياع القيم الدينية والخلقية‪ ،‬والقسوة البوية المفرطة‪ ،‬مع فقدان الرقابة‬
‫السرية الواعية على سلوك الفتيات ‪ ،‬إلى جانب ظروف السرة القتصادية‬
‫بقسوتها ‪-‬في بعض الحيان‪ -‬إلى التجار بجسدها في‬ ‫ال ُمختّلة‪ ،‬التي ُتلْجئ الفتاة ْ‬
‫المجتمع‪ ،‬وتدفعها داخل السرة للحتكاك الجسدي بمحارمها‪ ،‬إذ ل تستطيع السرة‬
‫الفقيرة لضيق المكان‪ :‬أن تطّبق آداب الستئذان‪ ،‬ومبدأ التفريق بين البالغين في‬
‫المضاجع‪ ،‬فض ًل عن تطبيقها هذا الدب السلمي مع الطفال المقاربين للبلوغ‪.‬‬

‫عوامل شخصية‪ :‬من حيث طبيعة الفتاة العدوانية‪ ،‬ورغبتها في الستقلل عن‬
‫حد الرشد‪ ،‬والطمئنان من خلل احتكاكها بالجنس الخر على كمال‬ ‫السرة‪ ،‬وبلوغ ّ‬
‫نموها النثوي‪ ،‬وقدرتها على الحمل‪ ،‬مع اشتداد جوعها العاطفي‪ ،‬وافتقارها إلى الحب‪،‬‬
‫ورغبتها في الستمتاع الشهواني‪ ،‬إلى جانب إخفاق الحياة الزوجية‪ ،‬والحقد على‬
‫عنصر الرجال‪ ،‬وضعف مستوى الدراك العقلي‪ ،‬وشعور بعضعهن بالحتقار‬
‫الجتماعي‪ ،‬والرغبة في مزيد من الكماليات‪ ،‬المادية ‪ ،‬فلئن كان هناك نسبة من‬
‫محترفات البغاء سلكن هذا الطريق المنحرف بسبب الفقر‪ :‬فإن نسبة كبيرة منهن‬
‫سلكنه لمجرد الرغبة في الرفاهية المادية ‪ ،‬وتحسين وضع أسرهن القتصادي‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫والمنافسة مع القرينات‪ ،‬ولما يحملنه في نفوسهن من الفسق والفجور‪ ،‬حتى إن بعضهن‬
‫يدخلنه تطوعا بل إكراه‪ ،‬ول يرغبن العدول عنه‪ ،‬فتندفع إحداهن بطيشها‪ ،‬وفجورها‬
‫في مهاوي الرذائل والقبائح الخلقية‪.‬‬

‫إن هذه العوامل المتعددة رغم أهمية بعضها وخطورته‪ ،‬وضرورة إشباعها ‪:‬ل يمكن‬
‫أن تكون عذرا كافيا لوقوع الفتاة في مهاوي الفاحشة والرذيلة؛ فإن السلم ل ُيجيز‬
‫للفتاة المسلمة ‪-‬تحت أي ظرف‪ -‬أن ُت ّ‬
‫مكن بإرادتها رج ًل من نفسها‪ ،‬يستمتع بها بغير‬
‫حق وهي قادرة على دفعه‪ ،‬إل أن ُت ْغلب على أمرها‪ ،‬فل تستطيع شيئا‪.‬‬

‫كل بواجبه تجاه الفتاة‪ ،‬بما‬


‫والواجب الشرعي يحتم على المجتمع والسرة أن يقوم ٌ‬
‫يحقق رغباتها‪ ،‬ويسد حاجاتها‪ ،‬ويحفظها من النحراف ضمن الحدود الشرعية‪ ،‬وفي‬
‫الجانب الخر فإن الواجب الشرعي على الفتاة أن تلتزم بما أوجبه ال عليها من‬
‫المحافظة على نفسها وعرضها‪ ،‬وأن تجاهد في هذا السبيل مستعينة بال‪ ،‬سواء قام‬
‫المجتمع والسرة بواجباتهما تجاهها‪ ،‬أم لم يقوما‪ ،‬فإن تقصير المجتمع أو السرة في‬
‫واجباتهما‪،،‬ل ُيعفي الفتاة من القيام بواجبها تجاه نفسها قدر استطاعتها‪.‬‬

‫‪ -15‬حماية الفتاة من ورطة الشذوذ الجنسي‬

‫ترجع قضية شذوذ النساء الجنسي‪ ،‬أو ما ُيسمى بالسحاق إلى قرون متقدمة‪ ،‬ابتداء من‬
‫نساء قوم لوط ‪ e‬حين انتشرت فيهن‪ ،‬حتى لحقت هذه الفعلة القبيحة غالب ذكورهم‬
‫لول مرة في التاريخ النساني‪ ،‬ثم تبعهم كثير من المم بعد ذلك‪ ،‬مقتدية بهم في‬
‫اكتفاء الرجال بالرجال‪ ،‬والنساء بالنساء ‪ ،‬خاصة من الشعوب الوروبية المتعاقبة ‪ ،‬عبر‬
‫تاريخهم الطويل‪ ،‬حتى تورط في هذه الجريمة كثير من كبرائهم وساداتهم‪ ،‬رغم‬
‫ممارسة السلطات الدينية ‪-‬في ذلك الوقت‪ -‬أشد أنواع العقوبات بحق الشاذين‬
‫والمنحرفين جنسيا‪ ،‬ومع هذا فقد بقي المجتمع العربي ‪-‬رغم جاهليته‪ -‬محفوظا‬
‫بشهامته العربية‪ ،‬وأخلقه الفطرية من انتشار هذه الرذيلة الخلقية‪.‬‬

‫واستمرت المجتمعات‪ ،‬البشرية تتوارث هذه الفاحشة جي ًل بعد جيل مستنكرة لها‪،‬‬
‫قوى تنظيمية مؤثرة‪ ،‬وتجمعات‬ ‫ً‬ ‫ومعاقبة أصحابها‪ ،‬حتى بدت لهؤلء الشاذين‬
‫جماهيرية ُتؤ ّيد مذهبهم المنحرف ‪ ،‬ونهجهم الجنسي الضال‪ ،‬فأخذوا يتنادون من خلل‬
‫مبدأ الحرية الشخصية بحقّهم في ممارسة العلقات الجنسية المثلية‪ ،‬فأثّروا في الرأي‬
‫العام الذي بدوره أضعف من قوة السلطة القانونية والتنفيذية في مواجهة اندفاع هذا‬
‫تبدلت‪ ،‬حتى غدا‬ ‫التيار الجنسي الشاذ‪ ،‬فما لبثت القوانين أن تغّيرت‪ ،‬والمفاهيم أن ّ‬
‫الشاذون من الجنسين مقبولين اجتماعيا دون نكير‪ ،‬وأصبحت نظرة المجتمعات‬
‫المنحرفة إلى قضية العلقات المثلية على أنها خبرة تستحق التجريب ‪ ،‬فخاضها‪ ،‬كثير‬
‫من الناس ‪-‬تحت حماية القانون‪ -‬بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل‪ ،‬وقد كان لليهود‬
‫‪-‬كعادتهم في نشر القبائح‪ -‬الدور الكبير وراء تشجيع مسلك الشذوذ الجنسي‪ ،‬ليصبح‬

‫‪52‬‬
‫معترفا به ضمن القوانين الوضعية‪ ،‬على الرغم من أنه محرم في شريعتهم؛ فقد كانوا‬
‫في القديم يعاقبون عليه بقسوة‪.‬‬

‫ورغم أن انتشار هذه الفاحشة بين الذكور أكبر من انتشارها بين الناث‪ ،‬ولسيما‬
‫الفتيات منهن في المجتمع المسلم؛ لكون مسلك الغواية الجنسية وانحرافاتها غالبا ما‬
‫تأتي من جهة الذكور‪ ،‬إل أن المشكلة ‪-‬مع ذلك‪ -‬في ازدياد مستمر‪ ،‬وأعداد‬
‫تنام خطير‪ ،‬وحقوقهم المزعومة‬‫ٍ‪،‬‬ ‫المنحرفين والمنحرفات في المجتمعات المسلمة في‬
‫تتّجه نحو القوة والتمكين‪ ،‬ولسيما بعد دعاوى تحرير المرأة‪ ،‬واندفاع النساء نحو‬
‫المساواة‪ ،‬وهذا من شأنه تقارب حجم النحرافات بين الجنسين وتشابهها ‪ ،‬وقد لُوحظ‬
‫بالفعل في بعض المجتمعات‪،‬السلمية المحافظة وجود بعض النساء بمظاهر ذكورية‪،‬‬
‫مع انطماس معالمهن النثوية‪ ،‬مما ينذر بخطر ظهور الشذوذ الجنسي بين النساء في‬
‫المجتمعات المحافظة‪.‬‬

‫إن موقف الشريعة السلمية ‪-‬بل جميع الشرائع السماوية‪ -‬يخالف موقف القوانين‬
‫الوضعية في التعامل مع هذه الفاحشة‪ ،‬حيث اعتبرتها الشريعة محرمة بالجماع‪،‬‬
‫حد‬
‫وأدخلتها في باب الزنا‪ ،‬وجعلتها ضمن كبائر الذنوب‪ ،‬حتى وإن لم يكن فيها ّ‬
‫أدب المجتمع المسلم النساء والفتيات المتعاطيات لهذه الفاحشة‬ ‫منصوص عليه‪ ،‬فقد ّ‬
‫الض ْرب‬‫بما يردعهن عن التمادي فيها‪ ،‬كما أن عقوبة ال الكونية للمنحرفين من هذا ّ‬
‫هن‬ ‫من الناس‪ :‬لم تتخّلف عن الشاذات في هذا العصر ‪ ،‬حتى َهل َْكن كما هلك ْ‬
‫أضرابُ ّ‬
‫من الشاذين بمرض "اليدز" ال ُمح ّير‪.‬‬

‫وقد ثبت يقينا أن الدين الحق‪ ،‬ومسالك التدين هي العلج‪ ،‬الناجح لمثل هذه‬
‫الشذوذات السلوكية‪ ،‬إذا لم يكن هناك خلل في أصل الخلقة ؛ إذ ل ُيجدي في حل‬
‫هذه المعضلة النفسية الجنسية‪ :‬الحقن بالهرمونات‪ ،‬ول الص ْعق بالكهرباء‪ ،‬ول‬
‫الختلط بالجنس الخر ‪-‬كما ُيريده البعض‪ -‬فإن غالب‪ ،‬مواقع انتشار هذه‬
‫الشذوذات الجنسية في الوساط الجتماعية التي تح ّبذ الختلط بين الجنسين‬
‫وتقره‪.‬‬
‫ّ‬

‫إن جذور معضلة الشذوذ الجنسي عند الفتيات ترجع في أصل المر إلى البيئة‬
‫الجتماعية أكثر من رجوعها إلى أي سبب آخر‪ ،‬ومبدأ ذلك حين تتوجه الفتاة في‬
‫فورة نموها الجنسي بالعجاب المفرط‪ ،‬الممتزج‪ ،‬بالعاطفة الهائمة نحو شخص من‬
‫نفس الجنس‪ ،‬تتخذه ‪-‬بصورة عفوية‪ -‬موضوعا جنسيا لها‪ ،‬في نفس الوقت الذي‬
‫تحاول فيه إخفاء ميولها الطبيعية نحو الجنس الخر الذي حالت بينها وبين القتران‬
‫بأحدهم بصورة مشروعة الظروف الجتماعية والقتصادية القاهرة‪ :‬ف ُت ْظهر النفور‬
‫من جنس الذكور عامة‪ ،‬وكل ما يتعلق بهم بصورة خاصة‪ ،‬و ُت ْقبل بالحب الفياض‬
‫‪-‬مندفعة بعواطفها ورغباتها‪ ،‬الغريزية‪ -‬نحو زميلة ُمتألّقة ُتصادقها‪ ،‬أو معلمة بارعة‬
‫ُتلزمها‪ ،‬وتبقى العلقة بينهما إلى هذا الحد طبيعية ‪ ،‬ما لم تتعمق الصلت بينهما إلى‬

‫‪53‬‬
‫حد اللتصاق الجسدي‪ ،‬والتلمس البدني‪ ،‬وكشف العورات وتناولها ‪ ،‬فتتلبس حينئذ‬
‫بالسادية العدوانية‪ ،‬والخرى بالمازوشية السلبية‪ ،‬وعندها تكون بداية‬ ‫إحداهن ّ‬
‫النحراف الكبر بفقدان الفتاة لهويتها الجنسية‪.‬‬

‫إن نظام السلم التربوي عند معالجته مثل هذه النحرافات الخلقية‪ :‬يتناولها من‬
‫مبادئ أصولها النحرافية‪ ،‬فيقطع جذورها من أساسها‪ ،‬ويبني مكانها ما يتلءم مع‬
‫مسلكه‪ ،‬ومن هنا‪ :‬أمر ابتداء بالتفريق المطلق بين المراهقات‬‫أهداف منهجه‪ ،‬وطهارة ْ‬
‫في المضاجع ‪ ،‬ونهى عن المباشرة بينهن بالجساد‪ ،‬وأمرهن بستر العورات‪ ،‬وغض‬
‫البصر عما ُيتلذذ به وإن لم يكن عورة‪ ،‬وأباح ‪-‬إلى جانب هذه الضوابط‪ -‬الزواج‬
‫المبكر كأوسع ما يكون؛ حتى تندفع شحنتا الفتاة النفسية والجنسية الناميتان نحو‬
‫الجنس الخر بصورة مشروعة؛ فإن العلقة قوية بين ترك الزواج وبين شذوذ‬
‫الفتيات الجنسي‪ ،‬وإضافة إلى هذه الضوابط والتوجيهات المتعددة فقد لعن الشارع‬
‫الساديات ‪ ،‬المتشبهات بالرجال في أخلقهن‬ ‫الحكيم المسترجلت من الفتيات ّ‬
‫وسلوكهن‪ ،‬وأمر الفقهاء بحبسهن ليكتفي المجتمع شرهن‪ ،‬كما رفضت الشريعة مبدأ‬
‫وجود جنس ثالث غير الذكر والنثى‪ ،‬بل حتى الخنثى فإنه ُيغّلب ل ُيلحق بأحد‬
‫الجنسين‪ ،‬فليس في المجتمع النساني إل ذكورا أو إناثا؛ كل ذلك حتى يبقى السلوك‬
‫الجنسي محفوظا بكل ملبساته الستمتاعية في مساره الطبيعي‪ُ ،‬يؤدي المهمة التناسلية‬
‫تخلَفا في الرض جي ًل بعد‬ ‫مس ْ‬
‫‪-‬التي من أجلها ُركّبت‪،‬الشهوة‪ -‬بكفاية تضمن بقاء النوع ْ‬
‫جيل‪.‬‬

‫‪ -16‬ضرورة تطهير المجتمع من أسباب الفتنة الجنسية‬

‫إن من المسّلم به‪ :‬أن دافع الغريزة الجنسية من أقوى دوافع النسان‪ ،‬والغريزة‬
‫بطبعها الفطري عمياء خادعة‪ ،‬ل تعرف التمييز بين النافع والضار ‪ ،‬أو الحلل‬
‫والحرام‪ ،‬إل ما ُيشبع نهمتها على أي وجه كان من الوجوه‪ ،‬كما أن درجة عنفها‪،‬‬
‫وطبيعة أدائها ل تخضع لتطور الحياة الجتماعية وتغيراتها المادية أو المعنوية؛ فإن‬
‫أفعال الغريزة ثابتة ل تتغ ّير‪ ،‬والنسان في كل عصر هو النسان ‪-‬ذكوره وإناثه ‪-‬ل‬
‫تقبل غرائزه الخروج عن طبيعتها في تطور أو تجديد‪ ،‬وما زالت القضية الجنسية‬
‫‪-‬بصفة خاصة‪ -‬قضية النسان منذ العصور المتقدمة‪ ،‬ومحور كثير من اهتماماته‬
‫ومعاناته‪ ،‬حتى إنها كانت في بعض الشعوب ميدان عبادة وتقديس‪ ،‬وقد سبق من‬
‫خبرات الناس الصحيحة‪ :‬أنه ما من "سبيل إلى نزع الخلق من شعب من الشعوب‬
‫أنجع وأجدى من ترك شبيبته نهبا للغرائز دونما ضبط أو قيد"‪ ،‬فالسلمة من فتنة‬
‫الشهوات‪ :‬سلمة من نصف الشر‪ ،‬كما‪ ،‬أن السلمة من فتنة الشبهات‪ :‬سلمة من‬
‫نصف الشر الخر‪.‬‬

‫ومنهج التربية السلمية في تعامله مع النسان ل يكتفي بمجرد تحريم السلوك الخلقي‬
‫تث من أول المر السباب المؤدية إليه‪ ،‬ف ُيطالب المجتمع ابتداء‬
‫يج ّ‬
‫المنحرف؛ بل ْ‬

‫‪54‬‬
‫بتطهير مؤسساته كلها من أسباب الفتنة الجنسية‪ ،‬ومثيراتها الشهوانية؛ حتى يتوافر‬
‫للفراد‪- ،‬بصورة عامة ‪ -‬المناخ الصحي الملئم لنمو وازدهار سلوكهم الخلقي السوي‪،‬‬
‫وهذا ل يتحقق على الوجه الصحيح ‪-‬خاصة في هذا العصر‪ -‬إل من خلل ثلث‬
‫وسائل رئيسة على النحو التي‪:‬‬

‫الوسيلة الولى‪ :‬تطهير وسائل العلم من أسباب الفتنة الجنسية‪ :‬بهدف تحرير‬
‫عنصر الناث من سجن البيولوجية الجسدية‪ ،‬إلى رحاب النسانية الكاملة‪ ،‬وذلك من‬
‫كف وسائل العلم بشعبها الثلث‪ :‬المرئية‪ ،‬والمسموعة‪ ،‬والمقروءة عن‬ ‫ّ‬ ‫خلل‬
‫استهواء الفتيات بما تعرضه عبر ال َم َشاهد من صور الغراء الجنسي المثير‪ ،‬وما تبثه‬
‫عبر الثير من السماع‪،‬الفاحش الصاخب المحرك للطباع‪ ،‬وما تنشره عبر المطبوعات‬
‫من الدب الباحي المكشوف ‪ ،‬فإذا كان المجتمع صادقا في حرصه على العفّة التي‬
‫يد عيها‪ ،‬وملتزما بالقوانين الخلقية التي يتنادى بها‪ :‬فكيف يفسر تنازله الشائن عن‬
‫ّ‬
‫هذه القيم الخلقية بإباحة عرض أجساد الفتيات عارية في الفلم ودور الرقص‪،‬‬
‫وعبر المجلت المصورة ‪ ،‬والعلنات التجارية؟ ثم بعد ذلك يترك الفتاة الشابة في‬
‫لتحل هذه المعضلة الجتماعية بنفسها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫خضم هذا الزخم العلمي الفاحش المثير‬
‫فتشاهد وتستمع وتقرأ ‪ -‬ومع ذلك‪ -‬تبقى ضمن حدود الداب والخلق الجتماعية‬
‫المرعية‪ ،‬وهذا من أشد أنواع التناقض الجتماعي‪ ،‬الذي ترفضه أبسط مبادئ‬
‫وتمجه أضعف العقول‪.‬‬
‫التربية‪ّ ،‬‬

‫الوسيلة الثانية‪ :‬تطهير المعرفة العلمية والثقافية من أسباب الفتنة الجنسية‪ :‬بحيث‬
‫تنسجم المعرفة التربوية بكل فعالياتها‪ ،‬الفكرية والسلوكية مع منهج التربية السلمية‪،‬‬
‫فل يجد المربون في مناهج التربية ما يخالف مبادئ السلم‪ ،‬أو يتعارض مع أسلوبه‬
‫في معالجة مشكلت الشباب‪ ،‬الخلقية والسلوكية‪ .‬إل أن الناظر في مجال التربية‬
‫ؤصلون من خلله أخطاء‬ ‫وعلم النفس يجده ميدانا رحبا عند كثير من التربويين؛ ُي ّ‬
‫الشباب الجنسية والعاطفية‪ ،‬تحت ستار الدراسات النفسية والتربوية‪ ،‬كما يجد في‬
‫مجال الثقافة والفكر من ُيؤ ّيد هذه التجاهات الجنسية السقيمة‪ ،‬ويدعمها بالحجة‬
‫العقلية والمنطقية‪ ،‬ثم يجد بعد هذا في مجال التشريع السلمي من يتبرع ‪-‬باسم‬
‫ويضفي عليها ثوب‬ ‫ْ‬ ‫الدين‪ -‬لسلمة هذه الفكار والسلوكيات الجنسية المنحرفة ‪،‬‬
‫الشرعية الدينية‪ ،‬و ُيه ّون على نفوس الشباب وضمائرهم أمر ارتكابها ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫وجود قوى عالمية‪ ،‬ذات ثقل كبير تقف وراء عولمة بعض المصطلحات الجديدة‪،‬‬
‫ضمن مفاهيم تتناسب معها‪ ،‬مثل‪ :‬العائلة‪ ،‬الجهاض‪ ،‬الحرية‪ ،‬الثقافة الجنسية‪.‬‬

‫الش ْركة‪ ،‬فإما أن ينفرد‬


‫إن منهج التربية السلمية بطبيعته الربانية المتميزة ل يقبل ّ‬
‫بتربية الجيال وفق نهجه وطبيعته الخاصة‪ ،‬وإما أن تتنازع التربية أهواء الذين ل‬
‫يعلمون‪ ،‬من ر ّواد العقد النفسية‪ ،‬والفتنة الجنسية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الوسيلة الثالثة‪ :‬تطهير المرافق العامة من أسباب الفتنة الجنسية‪ :‬بحيث ل تجد الفتاة‬
‫حرضها‬‫في الحياة الجتماعية العامة ومناشطها المختلفة‪ ،‬الجادة منها والترفيهية‪ :‬ما ُي ّ‬
‫‪-‬بصورة من الصور‪ -‬على ارتكاب الفواحش‪ ،‬أو ُيثير غريزتها‪ ،‬أو يجعل من بدنها‪،‬‬
‫أو صوتها من خلل تبرجها واختلطها‪ :‬أداة للثارة الجنسية‪ ،‬والستمتاع الباطل‪،‬‬
‫دين ُيتّبع‪ ،‬وإلزام الشواب من النساء بما‬
‫ٌ‬ ‫فإن المباعدة بين أنفاس الذكور والناث‪:‬‬
‫حق‬
‫ٌ‬ ‫وقع الخلف في جواز كشفه من أبدانهن ‪ -‬فض ًل عن المجمع على ستره‪-‬‬
‫ُيحتذى‪ ،‬ومسؤولية يقوم بها السلطان؛ فقد أثبتت التجربة الواقعية والتاريخية أن‬
‫يقل فيها الحتكاك بين‬ ‫المجتمعات التي تلتزم فيها النساء الحجاب الكامل‪ ،‬والتي ّ‬
‫الجنسين‪ :‬أنها مجتمعات سليمة من مظاهر وانحرافات السلوك الجنسي بأنواعها‬
‫المختلفة‪.‬‬

‫إن هذه الوسائل الثلث إذا راعاها المجتمع ‪ ،‬وألزم بها مؤسساته المختلفة فغالبا ما‬
‫ُت ْدرأ عن مثل هذا المجتمع أسباب الفتنة الجنسية‪ ،‬وتبقى قضية الجنس في حدودها‬
‫الزوجية‪ ،‬ضمن نطاق السرة‪ ،‬تؤدي دورها في التناسل والتكاثر دون انحرافات‬
‫خلقية‪ ،‬أو معاناة اجتماعية ُتخرج أفراد المجتمع عن حدودهم الطبيعية‪.‬‬

‫‪ -17‬ختان الناث من الوجهة التربوية‬

‫الختان هو الخفض أو العذار للجارية الصغيرة‪ ،‬وهو عملية جراحية خاصة بإناث‬
‫بني آدم‪ُ ،‬تجرى لهن عادة قبل البلوغ‪ُ ،‬تستأصل فيها ال ُقلْفة الصغيرة التي تعلو ال َب ْظر‬
‫كالقلنسوة‪ ،‬بين الشفرين الصغيرين فوق فتحة المهبل‪ُ ،‬تشبه في شكلها العام عرف‬
‫الح َش َفة التي ٌتستأصل من القضيب عند‬ ‫الديك‪ ،‬وتماثل في طبيعة تركيبها قُلفة َ‬
‫الذكور‪ ،‬وهو من العادات الصحية القديمة‪ ،‬التي تعاقبت‪ ،‬خبرات كثير من الشعوب‬
‫على الخذ بها‪ ،‬حتى بعض المجتمعات الوروبية الحديثة إلى عهد قريب‪ ،‬وما تزال‬
‫كثير من المجتمعات السلمية ‪-‬ذكورا وإناثا‪ -‬منذ القديم وحتى اليوم ُتمارسها‪،‬‬
‫و ُتؤيدها ‪ ،‬إل أنها ل تجعل من ختان الناث موسم فرح وبهجة كما هو الحال في‬
‫ختان الذكور‪.‬‬

‫ورغم انتشار خفض الناث في كثير من المجتمعات السلمية ال ُمتعاقبة‪ :‬فإن العلماء‬
‫منذ القديم‪ ،‬وحتى في هذا العصر ُمتنازعون في ُحكمه على ثلثة أقوال‪ :‬بين‬
‫الوجوب ال ُملزم وهم القلة‪ ،‬وبين إنكار مبدأ ُسنّيته‪ ،‬وبين القول بالستحباب وعليه‬
‫الكثرون‪ ،‬ومنشأ هذا التنازع قائم على اختلفهم في الحكم على أسانيد الروايات‬
‫ردها ‪ ،‬إل أنه رغم هذا‬ ‫النبوية الواردة في شأن خفض البنات بين القبول بها‪ ،‬وبين ّ‬
‫التنازع‪ :‬فإن إجماعهم قائم ‪-‬في العموم‪ -‬على مبدأ المشروعية المطلقة على أقل‬
‫تقدير‪ ،‬حتى وإن لم يكن ذلك واجبا‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو مستحبا‪ ،‬خاصة وأن صاحب‬
‫نصصراحة على‪ :‬أن ذلك الموضع‪ ،‬من النثى‬ ‫ّ‬ ‫الشريعة عليه الصلة والسلم قد‬

‫‪56‬‬
‫ومس‬
‫ّ‬ ‫موقع للخ ْت ِن‪ ،‬حيث قال في الحديث الصحيح‪ )) :‬إذا جلس بين شعبها الربع‪،‬‬
‫الختان الختان‪ :‬فقد وجب الغسل((‪.‬‬

‫وعادة الخفض في المجتمعات‪ ،‬السلمية كغيرها من العادات التي تتعرض لجانبي‬


‫الفراط والتفريط‪ :‬بين من ينكرها جملة دون تفصيل‪ ،‬ويعتبرها‪ ،‬ممارسة همجية‬
‫ويسن القوانين‬
‫ّ‬ ‫إجرامية في حق الناث‪ ،‬ويعقد المؤتمرات‪ ،‬التي تدين ممارستها‪،‬‬
‫تجرم وتعاقب متعاطيها‪ ،‬وبين من يتعمق في الخذ بها حتى يتعدى حدود‬ ‫التي ّ‬
‫المشروع فيها إلى درجة الضرار بصحة الفتاة العامة‪ :‬النفسية‪ ،‬والجسمية‪ ،‬والجنسية‪،‬‬
‫نقض ُه‪ ،‬وأما‬
‫وكل التجاهين مذموم‪ :‬فالفئة الولى يردها الجماع‪ ،‬الذي يستحيل ُ‬
‫الج ْرم‪ -‬إلى‬
‫الفئة الخرى فيردها الضمان المالي‪ ،‬الذي يصل أحيانا ‪-‬بحسب حجم ُ‬
‫الدية الكاملة‪ ،‬فالتطبيق الخاطئ في بعض المجتمعات لختان الناث‪،‬‬ ‫مقدار ّ‬
‫وتجاوزهم في ذلك‪ ،‬ل يبرر لحد المنع‪ ،‬المطلق من تطبيق الحكم الشرعي في‬
‫ختانهن‪ ،‬وقد مرت فترة قريبة على الغربيين لم يحبذوا فيها ختان الذكور‪ ،‬فلما تبين‬
‫لهم فضله وأهميته‪ :‬أخذوا به‪ ،‬فقد وصلت نسبة الخذين في حق الذكور ‪،%85‬‬
‫ولعلهم حين يتبين لهم في المستقبل فضله في حق الناث‪ :‬يأخذون به أيضا‪.‬‬

‫والخفض على منهج السنة النبوية إذا أجري على أصوله الجراحية دون مبالغة‪ ،‬وكان‬
‫بين يسير القطع‪ ،‬وبين الستئصال الكامل‪ ،‬اللذين عبر عنهما الرسول ‪ e‬بالشمام‪،‬‬
‫والنهاك‪ :‬كان هذا الخفض من الناحية الجسمية نافعا وصحيا‪ ،‬ول ضرر منه على‬
‫الفتاة؛ إذ ل يعدو أن يكون عملية تجميلية صغيرة ل تغير كثيرا من منطقة النثى‬
‫التناسلية‪ ،‬أما آثاره التربوية على سلوك الفتاة الجنسي من تلطيف الميل الجنسي‬
‫عندها‪ ،‬وتوجيهه نحو العتدال‪ :‬فهي المقصودة بالدرجة الولى من عملية الخفض؛‬
‫إذ ل ُيتصور أن ُتكشف العورات‪ ،‬و ُت ْنتهك ُحرمة الجساد لغير جليل من المر‪.‬‬

‫وقد ا ّتضح من خلل أعمال التشريح الطبي‪ ،‬والبحوث الميدانية المتعددة‪ ،‬وخبرات‬
‫الشعوب المتراكمة‪ :‬أن ال َب ْظر ‪-‬الذي يقصد بعملية الخفض‪ -‬هو زناد شهوة النثى‬
‫وسر إثارتها ‪ ،‬ومركز دائرة استمتاعها‪ ،‬فرغم التوزيع الطبيعي لمواضع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الجنسية‪،‬‬
‫الثارة الجنسية في أجسام الناث‪ ،‬إل أن هذا العضو منهن يحظى بحساسية مرهفة‬
‫زائدة ‪-‬تفوق حساسية القضيب عند الذكر‪ -‬مع قدرته الفائقة على التوتر والنتشار ‪،‬‬
‫غذيه شبكة دقيقة من الوعية الغنية بالدماء‪ ،‬تجعل من هذا العضو الصغير‬ ‫حيث ُت ّ‬
‫أداة عنيفة للتهييج الجنسي‪ ،‬الذي تأباه ‪-‬ولو كان بصورة مشروعة‪ -‬تربية الفتاة‬
‫كاف‬
‫ٍ‬ ‫وثقافتها الدينية‪ ،‬حتى إن مجرد احتكاكه المباشر‪،‬بملبس الفتاة ‪-‬بصورة عفوية‪-‬‬
‫لحصول شيء من الثارة الشهوية؛ ولهذا ُحفظ هذا العضو المثير ُمخّب ًأ بين ش ْفرين‬
‫صغيرين‪ ،‬محميا بعظم العانة المكسي بالنسجة الدهنية السميكة‪ ،‬ليبقى بعيدا بعض‬
‫الشيء عن الحتكاكات العفوية المثيرة أو العنيفة‪ ،‬وإلى هذا الحد تبقى معاناة الفتاة‬
‫الجنسية من هذا الموضع في حدود إطارها الطبيعي‪ ،‬الذي ل يكاد يغيب عن تجربة‬
‫الفتاة الشابة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫حد العتدال‪،‬‬
‫وتظهر المشكلة الجنسية عند الفتاة إذا تجاوز نمو ال َب ْظر ‪-‬لسبب ما‪ّ -‬‬
‫مكمنه؛ ليصبح أداة إثارة دائمة‪ ،‬وإزعاج جنسي‪ :‬بحيث يعوق الرجل‬ ‫حتى يبرز من ْ‬
‫الشبقي حتى ل‬
‫عن كمال الستمتاع في المناسبات‪ ،‬الزوجية‪ ،‬ويزيد من نهم الفتاة ّ‬
‫تكاد ترتوي من ب ْعلها‪ ،‬مما قد يسوقها بالتالي إلى شيء من الرتكاس الفطري فيما‬
‫ُيسمى‪ :‬بالت ْثبيت ال َب ْظري‪ ،‬فل تستمتع بصورة كافية من الموضع‪ ،‬الذي ُيولج فيه‬
‫الرجل؛ لكونه منعز ًل بعض الشيء عن موقع البظر‪ ،‬إلى جانب أنه أقل حساسية‬
‫وإثارة منه‪ ،‬فتبقى متعتها خارجية‪ ،‬محصورة في هذا العضو ال ُمتضخم‪.‬‬

‫وأقبح من هذا وأرذل‪ :‬أن يدفعها ُجوعها الجنسي‪ ،‬وحاجتها المتنامية للشباع نحو‬
‫الشذوذ الجنسي‪ ،‬فتستنكف مقام النثى‪ ،‬وتأبى أن تكون فراشا لمتعة الرجل‪ ،‬فتتشبه‬
‫بمسلك الذكور في طباعهم وجراءتهم؛ ولهذا ُتسمى المرأة الوقحة من هذا الصنف‪:‬‬
‫بظرير" نسبة إلى هذا المتاع من النثى‪ ،‬وقد ُوجد بالفعل أن هناك علقة كبيرة‬ ‫" ْ‬
‫بين ضخامة هذا العضو‪ ،‬وبين الشذوذ الجنسي عند بعض الناث‪ ،‬وطباع السترجال‬
‫حده الطبيعي موضع‬ ‫في سلوكهن؛ ولهذا فقد كانت معالجة نمو البظر الزائد عن ّ‬
‫اهتمام عند بعض الطباء‪ ،‬وهو ما ُيسمى بالدب الجراحي‪.‬‬

‫ومن هنا يأتي دور الختان؛ ليقوم بعملية خفض لهذه الطاقة الشهوية الناشزة في سلوك‬
‫النثى الجنسي والخلقي‪ ،‬وتعديلها على نحو يتناسب ‪-‬إلى حد ما‪ -‬مع مقدار طبيعة‬
‫المهبل الشهوية‪ ،‬ليبقى موضع م ْنبت الولد الذي قصده الشارع‪ ،‬الحكيم‪ :‬مطلوبا من‬
‫الجنسين‪ ،‬عامرا بمياه الرجال؛ لتقوم بذلك أسباب الحياة البشرية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فإن النثى بطبيعتها الخاصة‪ ،‬وبما تفرضه عليها الظروف‬
‫الجتماعية‪ ،‬واللزامات الشرعية‪ :‬تتعرض بصورة كبيرة لفترات من المتناع‬
‫الجنسي‪ ،‬والحرمان العاطفي‪ ،‬والتر ّبص والنتظار‪ ،‬الذي تحتاج معه إلى شيء مما‬
‫وكسر الشهوة‪ ،‬خاصة وأن طبيعة استمتاعها الجنسي تفتقر‬
‫ُيعينها على تسكين ال ُغلْمة‪ْ ،‬‬
‫‪-‬بصورة كبيرة‪ -‬إلى طرف آخر‪ ،‬مما قد يدفعها نحو النحرافات الجنسية المختلفة‪،‬‬
‫وقد أثبت البحث الميداني والتاريخي أن الفتيات المختونات أقل انحرافا جنسيا من‬
‫غير المختونات؛ ولهذا كان بعض الوروبيين ‪-‬إلى عهد قريب من القرن العشرين‪-‬‬
‫يتعاطون الختان لضبط سلوك الفتيات الجنسي‪ ،‬وحفظهن من النحراف الخلقي‪.‬‬

‫ول ُيفهم من هذا أن الفتاة المختونة فاقدة للشهوة الجنسية ‪-‬كما يزعم البعض‪ -‬أو‬
‫محرومة من حاجتها الكافية من الستمتاع؛ فإن الشارع الحكيم لما أوصى بالشمام‬
‫قطعها‪ ،‬فإن في قطعها نقضا للحكمة‬
‫ونهى عن النهاك‪ :‬قصد تعديل الشهوة‪ ،‬ولم يرد ْ‬
‫من مبدأ تركيبها مع ما في ذلك من تنفير الزواج ‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن في تركها‬
‫فعلى سلوك الفتاة الخلقي‪.‬‬‫متوافرة ‪َ :‬م ُخ ْو ٌ‬

‫‪58‬‬
‫ورغم أن البظراء ُتثار بصورة أسرع‪ ،‬وتجد من اللذة الجنسية أكثر مما تجده‬
‫المختونة‪ ،‬فإن المختونات أيضا هن الخريات يستمتعن بصورة جيدة وطبيعية‪ ،‬إل‬
‫أنهن مع ذلك في مأمن من الثارة الجنسية غير المرغوب فيها‪ ،‬ومع هذا فليس كل‬
‫خفضن؛ بل ُيراعى في ذلك طبيعتهن الوراثية والمزاجية‪ ،‬وظروفهن‬ ‫الفتيات ُي ْ‬
‫الجتماعية‪ ،‬وعادة بلدهن؛ بحيث يدور حكم ختانهن مع الحكام الخمسة حسب‬
‫الحاجة في غير إضرار‪،،‬مع ضرورة وجود تلك الفضلة الزائدة التي تصلح أن تكون‬
‫موضعا للقطع من النثى في غير تكلّف؛ فإن بعض الفتيات ‪-‬من أصل الخلْقة ‪-‬ل‬
‫يملكن موضعا للخ ْتن‪.‬‬

‫ومكرمة نسائية‪ ،‬وطهارة‬‫ومع كل ما تقدم فإن الختان في الجملة‪ :‬فطرة إنسانية‪ْ ،‬‬
‫حسية وروحية‪ ،‬وشعيرة إسلمية‪ ،‬وعلمة بارزة على أهل التوحيد‪ُ ،‬يعرفون بها‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬
‫زال كثير من المجتمعات السلمية ‪-‬بصورة طبيعية معتادة‪ -‬يأخذون بناتهم‬
‫يأخذونهن بثقب الذن‪ ،‬وخرم النف‪ ،‬فل ينكر أن يكون قطع هذه‬ ‫بالخفض كما ُ‬
‫وكي الجبهة‪ ،‬ونحو ذلك في كثير‬
‫الجلدة علما للعبودية؛ فإن الوسم بقطع طرف الذن‪ّ ،‬‬
‫من الرقاء علمة ُمميزة لساداتهم‪ُ ،‬يعرفون بها‪ ،‬فل ُينكر أن يكون قطع هذا الطرف‬
‫النسبة الشريفة ‪ ،‬مع ما‬
‫علمة على عبودية صاحبه ل تعالى‪ ،‬فيكون الختان علما لهذه ْ‬
‫فيه من الطهارة والنظافة واعتدال الشهوة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مبدأ الختان في ‪-‬الجملة‪ -‬شريعة معلومة في أصل دين أهل‬
‫الكتاب من اليهود والنصارى ‪ ،‬مع أنهم يأخذون به في حق الذكور دون نكير‪،‬‬
‫ويقرون عمليات تصغير أثداء النساء‪ ،‬ووشم الجساد للزينة‪ ،‬وخرق اللسن للحلي‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫وخرق ذكور الرجال أيضا لوضع الحلي‪ ،‬إلى غيرها من صور التشويه الخلقي‪،‬‬
‫وأقبح من ذلك تواطؤهم على إباحة اللواط والزنا والخمر والتدخين‪ ،‬وأنواع من‬
‫المخدرات‪ ،‬ومع كل ذلك يشاغبون المسلمين في مبدأ مشروعية ختان الناث‪ ،‬ول‬
‫شك أن مجاراة الغرب في أهوائهم لن تقف عند حد‪ ،‬فإن اعتراضاتهم‪ ،‬لن تنتهي عند‬
‫تنازل المسلمين عن مشروعية ختان الناث‪ ،‬وإنما تفضي إلى ما هو أبعد من ذلك‬
‫ّصا َرى َحتّى َتت ِّب َع‬
‫نك ا ْل َي ُهو ُد َو َل الن َ‬
‫ضى َع َ‬
‫بكثير‪ ،‬وصدق ال تعالى إذ يقول‪َ } :‬ولَن َت ْر َ‬
‫ِمّل َت ُه ْم …{ ]البقرة‪.[120:‬‬

‫‪ -18‬صيانة أعراض النساء من النتهاك الجنسي‬

‫ولما كانت‪،‬طبيعة الزنا تشترك فيها الفتاة عادة بإرادتها‪ ،‬وسلطان هواها‪ :‬فإن النتهاك‬
‫العرضي غالبا ما يكون بغير إرادة الفتاة‪ ،‬وإنما بكره منها‪ ،‬حتى إن كانت ‪-‬بطريقة‬
‫حرض الجاني على جريمته؛ فإن الثابت ميدانيا من خلل العديد من‬ ‫غير مباشرة‪ُ -‬ت ّ‬
‫الدراسات‪ :‬أن الفتيات يتحملن بسلوكهن قسطا كبيرا من أسباب انتهاك المجرمين‬
‫لعراضهن‪ ،‬فقد ُوجد أن من خصائص المرأة المغتصبة جمالها الخلقي‪ ،‬وسكناها‬
‫توجهات‬
‫وحدها‪ ،‬وظهورها في الحياة العامة بطريقة مغرية تثير المعتدي‪ ،‬كما أن ّ‬

‫‪59‬‬
‫المجتمع التحررية‪ ،‬وتخّليه عن كثير من القيم والداب السلوكية‪ُ :‬يساعد بمجموعه‬
‫على بعث الروح العدوانية‪ ،‬والطبيعة السادية في كثير من مرضى الذكور‪ ،‬الذين‬
‫قهرتهم الظروف القتصادية البائسة‪ ،‬وأثارتهم طبيعة الحياة الجتماعية المعاصرة‪:‬‬
‫حتى أصبح انتهاك أعراض الفتيات لمجرد الخضاع والذلل‪ ،‬ولو بغير اتصال‬
‫جنسي‪ :‬وسيلة كثير من المجرمين للراحة النفسية والسترخاء‪ ،‬وحصول حالة من‬
‫الستمتاع؛ فإن المغتصب بقدر ما يميل إلى الفتاة ليستمتع بها‪ ،‬فإنه مع ذلك يكرهها ‪،‬‬
‫ويرغب في إذللها واحتقارها‪،،‬والضرار بها‪ ،‬والسيطرة عليها‪ ،‬وقد دلّت الحصاءات‬
‫تعرضن في وقت ما من حياتهن إلى‬ ‫العالمية على أن أكثر من ‪ %60‬من الناث قد ّ‬
‫شيء من النتهاك العرضي‪ ،‬ففي الوليات المتحدة المريكية وحدها يتعرض ربع‬
‫النساء تقريبا إلى درجة أو أخرى من الساءة الجنسية‪ ،‬حيث تصل فيها حالت‬
‫الغتصاب إلى مليون حالة سنويا‪ ،‬بما في ذلك الحالت غير المعلن عنها رسميا‪،‬‬
‫وغالبا ما تقع جرائم الغتصاب على النساء الراشدات‪ ،‬والخطر العظم من حالت‬
‫الغتصاب يهدد الفتيات في السن ما بين ‪24-16‬سنة‪ ،‬وحوالي ‪ %20‬تقريبا من‬
‫الحالت في الغرب تقع على الفتيات ما بين ‪15-12‬سنة‪ ،‬ومع ذلك فإن كل أنثى‬
‫أي عمر كانت إذا ما ُوجد المغتصب ‪ ،‬وتوافرت الظروف‬ ‫معرضة للغتصاب في ّ‬
‫المساعدة على حصول العتداء‪.‬‬

‫ولما كانت‪ ،‬طبيعة المنتهك للعرض طبيعة َم َرضية‪ُ ،‬متلبسة بدافع الشهوة والهوى‪ ،‬كما‬
‫قال ال تعالى ‪َ .…} :‬فلَا َت ْخ َض ْع َن ِبا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع الّ ِذي ِفي َقل ِْب ِه َم َر ٌ‬
‫ض َو ُقل َْن َق ْولًا‬
‫ّم ْع ُرو ًفا{ ]لحزاب‪[32:‬؛ فإن مسلك الخيانة هو وسيلة الفاسق الوحيدة للتمكن من‬
‫الستمتاع بالضحية على وجه من وجوه الخلسة التي تتناسب مع حجم مرضه‪ ،‬ومقدار‬
‫جراءته‪.‬‬

‫‪ -19‬جريمة الغتصاب الجنسي‬

‫إن أسباب المجرمين في انتهاك أعراض الفتيات والنساء عموما تنوعت طرقها‪،‬‬
‫واختلفت صورها حسب الظروف والحوال‪ ،‬وعمق النحراف الجنسي في شخصية‬
‫ال ُم ْن َتهك‪ ،‬ومن أشد الصور الجرامية هو‪ :‬انتهاك عرض الفتاة بالغتصاب الجنسي‪:‬‬
‫بحيث يغلب المجرم الفتاة على نفسها‪ ،‬ويتمكن من وطئها خلْسة‪ ،‬رغما عنها‪ ،‬ومع كون‬
‫هذه الطريقة بدائية قديمة‪ :‬فإنه ل يكاد يخلو منها مجتمع عبر التاريخ النساني وحتى‬
‫اليوم‪ ،‬ومع ذلك فهي أقبح صور النتهاك العرضي‪ ،‬وأكثرها جرأة وجرما‪ ،‬وأوسعها‬
‫انتشارا‪ ،‬وأشدها تأثيرا في نفس الفتاة‪ ،‬وأعظمها زلزلة لشخصيتها‪ ،‬وتحطيما لكيانها‬
‫ككل‪ ،‬مما يهدد الفتاة المغتصبة بأمراض نفسية‪ ،‬وإخفاقات اجتماعية‪ ،‬وانحرافات‬
‫خلقية ل حد لها؛ ولهذا ألزم كثير من الفقهاء الفتاة بالدفع عن عرضها بكل ما أوتيت‬
‫من قوة‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى قتل الجاني‪ ،‬أو هلكها‪ ،‬والفتاة المستكرهة في مثل هذه‬
‫وحد الزنى‪ ،‬حتى‬
‫الحالت الضطرارية بريئة في نظر الشارع‪،‬الحكيم من دم الصائل ّ‬
‫ولو ظهر حملها‪ ،‬ما دامت تملك البينة والقرائن على طهارتها‪ ،‬وعفتها من المطاوعة في‬

‫‪60‬‬
‫الفاحشة‪ ،‬ومن القواعد الفقهية في هذا المقام‪" :‬من أتلف شيئا لدفع أذاه لم يضمنه"‪،‬‬
‫وفي خلفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ e‬تعرضت فتاة للغتصاب‪ ،‬فدفعت عن‬
‫نفسها بحجر‪ ،‬فقتلت المعتدي‪ ،‬فلما بلغ عمر ‪ e‬الخبر‪ ،‬أسقط عنها الحد‪ ،‬وقال‪" :‬ذلك‬
‫يودى أبدا"‪.‬‬
‫قتيل ال‪ ،‬ول َ‬

‫أي‬
‫والعجيب في سلوك غالب‪ ،‬الفتيات الم ُغتصبات أنهن ل يبدين ضد المجرمين ّ‬
‫مقاومة ُتذكر‪ ،‬مما يجعلهن فرائس سهلة للمنحرفين‪ ،‬رغم أن الفطرة النثوية الحذرة‪،‬‬
‫بطبيعتها ال ُمترقّبة اليقظة‪ :‬تدفع عن ذات الفتاة‪ ،‬وترد عن شخصها‪ ،‬ولوبغير إرادة‬
‫منها‪ ،‬وهذا سلوك عام في الكائنات؛ فإن الحيوان العجم ‪-‬مهما كان ضعيفا‪ -‬إذا‬
‫وأحسبالهلك‪ :‬دفع عن نفسه‪ ،‬ورد عن ذاته ولو بغير قوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ض ّيق عليه‪،‬‬
‫ُ‬

‫إن الفتاة العاقلة ل تأمن أحدا من الذكور على عرضها ما لم يكن محرما‪ ،‬فإن‬
‫الذكورة هي في نفسها عداوة للنوثة‪ ،‬فكل رجل ليس بمحرم لها يجب أن تكون‬
‫مرفوضا عندها‪ ،‬مهما كانت منزلته وفضله‪ ،‬ولو كان صالحا عابدا‪ ،‬أو شيخا كبيرا‪ ،‬أو‬
‫معاقا في جسده‪ ،‬أو متخّلفا في عقله‪ ،‬أو حتى صبيا قد قارب الحلم‪ ،‬فكل هؤلء‬
‫وف على الفتاة في عرضها‪ ،‬ل بد أن تحذرهم على نفسها‪ ،‬بل إن الفتاة‬ ‫ونحوهم َم ُخ ٌ‬
‫الفطنة لتحذر الفاسق من محارمها‪ ،‬ممن ل ُخلق له ول شهامة‪ ،‬فإن حجما ضخما من‬
‫الساءة الجنسية تقع على الناث من محارمهن‪ ،‬وقد عاقب النبي ‪ e‬من فعل هذا في‬
‫زمنه من المحارم‪،‬بأن قتله‪ ،‬وأخذ ماله‪.‬‬

‫ولعل من أعجب وأغرب ما ُينقل في مثل هذه القضايا الجنسية‪ ،‬وعظم فتنتها‪،‬‬
‫وحصولها ممن ل ُيظن أن تصدر من أمثالهم‪ :‬ما حكاه بعض النصار من أصحاب‬
‫أض َنى‪ ،‬فعاد جلدة على عظم‪ ،‬فدخلت عليه‬
‫رسول ال ‪ " : e‬أنه اشتكى رجل منهم حتى ْ‬
‫فهشلها‪ ،‬فوقع عليها‪ ،‬فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم‬‫ّ‬ ‫جارية لبعضهم‪،‬‬
‫علي‪ ،‬فذكروا‬
‫بذلك‪ ،‬وقال‪ " :‬استفتوا لي رسول ال ‪ e‬فإني قد وقعت على جارية دخلت ّ‬
‫الضر مثل الذي هو به‪ ،‬لو‬
‫ّ‬ ‫ذلك لرسول ال ‪ ، e‬وقالوا‪ :‬ما رأينا بأحد من الناس من‬
‫لتفسخت عظامه‪ ،‬ما هو إل جلد على عظم‪ ،‬فأمر رسول ال ‪ e‬أن يأخذوا‬ ‫حملناه إليك ّ‬
‫له مائة ِشمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة"‪ ،‬وهذه الرواية تدل على عظم الفتنة‬
‫المتعلقة بالمسألة الجنسية‪.‬‬

‫‪ -20‬جريمة انتهاك عرض الفتاة بالحتكاك الجسدي‬

‫وهذه صورة من صور الذى الجنسي الذي يمكن أن يلحق الفتيات في الحياة‬
‫العامة‪ ،‬وصورته‪ :‬أن يتمكن الجاني من إيذاء الفتاة بدنيا دون الوطء‪ ،‬من خلل‬

‫‪61‬‬
‫العبث الجنسي بالبنات‪ ،‬الصغيرات‪ ،‬أو مضايقة الفتيات في الطريق العام باللمس‬
‫الد ْقر" وهو أن يتمكن الفاسق من‬ ‫والجذب‪ ،‬وشيء من العنف‪ ،‬وأقبح صوره " ّ‬
‫اللتصاق بجسم الفتاة‪ ،‬والستمتاع بها دون مقاومة منها‪ ،‬ضمن ظروف ضيق المكان‬
‫والزدحام‪ ،‬الذي تفرضه ‪ -‬في بعض الحيان‪ -‬طبيعة الحياة الجتماعية المعاصرة‪،‬‬
‫والوضاع القتصادية الجائرة‪.‬‬

‫ول شك أن هذا المسلك يدل على عمق الحقارة‪ ،‬وطابع الخيانة التي يتصف بها هذا‬
‫النوع من البشر ‪ ،‬وليس للفتاة وسيلة للدفع عن نفسها في مثل هذه المواقف المخزية‬
‫سوى أن تتجنّب مظانّها‪ ،‬فل تقع فيها أصل‪ ،‬إل عن ضرورة في كنف محارمها من‬
‫شهام الرجال‪.‬‬

‫‪ -21‬جريمة الستعراء الجنسي الفاضح أمام الفتيات‬

‫من النتهاكات الجنسية التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة في الحياة العامة‪ :‬الستعراء‬
‫الفاضح‪ ،‬وصورته‪ :‬أن ُيفاجئ الرجل المنحرف‪ ،‬جنسيا جمعا من الفتيات فيكشف لهن‬
‫عن عورته ال ُمغّلظة بصورة فاضحة‪ ،‬فبقدر ما يظهر عليهن من خجل وارتباك‪:‬‬
‫أن واجهته‬
‫يحصل لهذا المنحرف من الستمتاع الجنسي والتلذذ المقصود‪ ،‬فإن ق ُّدر ْ‬
‫إحداهن بموقف إيجابي جريء‪ُ :‬ع ّد ذلك عنده إخفاقا جنسيا‪ ،‬ورغم أن هذا السلوك‬
‫ص ُدوره‬
‫الشائن في غاية الشذوذ‪ :‬إل أنه يمثّل ثلث جرائم الذكور الجنسية‪ ،‬ول ُيعرف ُ‬
‫من المرأة على سبيل التلذذ والستمتاع الجنسي كما هو حال الشاذين من الرجال؛‬
‫وإنما يصدر عنها بهدف إثارة إعجاب الرجال‪ ،‬واستنطاق مدائحهم‪ ،‬والستمتاع‬
‫بنظرهم إلى مفاتنها ‪ ،‬أو بقصد إهانتهم واحتقارهم‪ ،‬أو لغرض الكسب المادي في‬
‫النوادي والملهي الساقطة‪.‬‬

‫ووسيلة الفتاة لرد مثل هذا النتهاك عن نفسها‪ :‬أن تتجنب مواقع الفساد‪ ،‬وأن تكون‬
‫دائما في كنف محارمها من شهام الرجال‪ ،‬وأن تكون ثابتة غير منفعلة في مثل هذه‬
‫المواقف الشاذة المخزية‪.‬‬

‫‪ -22‬استمتاع المغتصب بآثار الفتاة البدينة الخاصة‬

‫الخسة والخيانة‪ ،‬وهو مع‬


‫هذا النوع من أرذل أنواع انتهاك العرض؛ لما يحمله من ّ‬
‫ذلك أقل النحرافات الجنسية خطورة‪ ،‬وصفته أن يتعلق الجاني بشيء له علقة‬
‫مباشرة ببدن الفتاة‪ :‬كحذائها‪ ،‬أو خصلة شعرها‪ ،‬أو منديلها‪ ،‬أو شيء من ملبسها‬
‫الداخلية أو الخارجية‪ ،‬فيبني مع هذا الرمز الثري‪ ،‬أو ما ُيسمى بالفتيش علقة‬
‫المشبع ‪ ،‬فل يحتاج إلى تكوين علقة‬
‫ْ‬ ‫جنسية كاملة‪ ،‬تصل به إلى حد الستمتاع‬
‫عاطفية مباشرة مع صاحبة الثر وهذا السلوك الشاذ‪" :‬تعبير عن صراع عاطفي في‬
‫فجة‪ ،‬تشعر‪ ،‬بعجزها عن سرقة الشخص نفسه فتعمد إلى سرقة أشيائه"؛ ولهذا‬
‫ذات ّ‬

‫‪62‬‬
‫العشاق حين تحول بينهم الظروف الجتماعية‪ ،‬وقد ُوجد في‬
‫يكثر هذا المسلك بين ّ‬
‫تركة بعضهم حين مات ‪ :‬جمع من هذه الثار‪ ،‬وهذا واقع معلوم ل ُيجهل من أمر‬
‫العشاق وأحوالهم‪.‬‬

‫ومع كون هذا المسلك محرما شرعا؛ إذ ل يصح من المسلم أن يتخيل بفكرة‬
‫الستمتاع بفتاة ما فض ًل عن ال ُمع ّينة ‪ ،‬أو أن يختلس شيئا من حاجاتها‪ ،‬أو أدواتها‬
‫‪-‬مهما كان حقيرا‪ -‬على وجه المداعبة فض ًل عن أن يستمتع بها جنسيا‪ ،‬أو أن ينظر‪-‬‬
‫فض ًل عن أن يستمتع ‪ -‬إلى شيء مما انفصل عن بدنها‪ ،‬لسيما مما كان من عورتها‪،‬‬
‫أو أن يقصد التلذذ بتناول من طعام أو شراب‪ ،‬أو أن يتتّبع آثار أناملها أو فمها على‬
‫إناء‪ ،‬أو أن يلبس ثوبا نزعته‪ :‬فإن أقبح من كل هذا‪ ،‬وأشد فتنة‪ ،‬وأعظم أثرا‪ :‬أن‬
‫ينظر إلى صورتها الفوتوغرافية أو السينمائية‪ ،‬حيث ُيعد هذا من أعظم وسائل التلذذ‬
‫والستمتاع عند فسقة الرجال‪ ،‬وما هذا النتشار الواسع لصور الفتيات المتبرجات‬
‫في الفلم وعلى صدور المنشورات العلمية ‪ -‬فض ًل عن المجلت الجنسية‬
‫الساقطة ‪-‬إل دليل واضح على هذا الستحسان الذكوري للصور؛ فإن كان للحذاء‪ ،‬أو‬
‫المنديل هذا الثر البالغ في سلوك الرجل الشاذ جنسيا‪ ،‬فكيف تراه يكون أثر‬
‫الصورة الفوتوغرافية أو السينمائية في تلذذه الجنسي واستمتاعه؟‬

‫إن على الفتاة أن تحفظ نفسها‪ ،‬وصورة شخصها‪ ،‬وكل ما يخصها من الملبس‪،‬‬
‫والدوات‪ ،‬وحتى فضلتها كقصاصة شعرها ‪ ،‬وقلمة ظفرها‪ ،‬وخروق حيضها‪ُ :‬تغّيبها‬
‫جميعا في التراب‪ ،‬أو في أي مكان مأمون‪ ،‬فل يقع شيء من ذلك بطريقة من‬
‫الطرق ‪-‬العفوية أو المقصودة‪ -‬في يد شاذ من الشواذ‪ ،‬فيستمتع بها جنسيا‪ ،‬والفتاة‬
‫غافلة ل تدري‪.‬‬

‫إن هذا الوصف لنواع النتهاك العرضي الذي يمكن أن تتعرض الفتاة لشيء منه‪:‬‬
‫يدل على أن الفتاة بطبيعتها كأنثى موضع استمتاع للرجل بصورة من الصور‬
‫المختلفة‪ ،‬فل يصح منها بحال أن تكون سببا في إثارته بالتبرج وإظهار الزينة‪ ،‬أو‬
‫حتى بمجرد إشعاره من خلل حركاتها المقصودة عن مواقع الزينة منها‪" :‬فيدرك‬
‫حسن الحلي‪ ،‬أو يسمع حبوسه‪ ،‬فإن الذي ُيخاف من الفتنة عند النظر إلى الحلي‬ ‫بذلك ْ‬
‫في موضعه‪ُ :‬يخاف مثلُه أو قريب منه عند العلم بتحمله؛ بل ربما كانت‪ ،‬النفس حينئذ‬
‫فأحبشيء إلى النسان ما ُمنع"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أحرص‪ ،‬وإلى الهوى أسرع؛‬

‫‪ -23‬جريمة الجنس عبر الهاتف‬

‫يحصل انتهاك عرض الفتاة بالكلم الفاحش من خلل الشتائم والقذف‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬من‬
‫قبيح القول‪ ،‬وهذا النوع من الجرام ُيعد من أوسع أبواب انتهاك العرض وأخطرها‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫إذ إن كلمة واحدة في هذا الشأن‪ ،‬يمكن أن ُتزعزع أركان المجتمع ‪ ،‬و ُتقلق أهله‬
‫زمنا طوي ًل‪ ،‬كما حصل في حادثة الفك؛ ولهذا كان تعامل نظام السلم مع‬
‫المتورطين في مثل هذه الحالت صارما وعنيفا للحد منها‪ ،‬حتى وإن كان مع بنت لم‬
‫الحلُم‪.‬‬
‫تبلغ ُ‬

‫ومع طبيعة التطور في الحياة الجتماعية المعاصرة‪ ،‬وظهور جهاز الهاتف كوسيلة‬
‫اتصال فائقة‪ ،‬تحمل في طبيعتها التقنية قدرة النفاذ عبر الحواجز والحجبة‪،‬‬
‫والجدران والستور‪ ،‬لتخترق حرمات البيوت المصونة‪ ،‬وتصل إلى ال ُم َخ ّدرات في‬
‫الحجر في غير ريبة أو استهجان أسري؛ فإن هذه الطبيعة ال ُم ْخترقة الّنفّاذة‬ ‫بواطن ُ‬
‫لهذا الجهاز جاءت متوافقة مع طبيعة المجرم ال ُم ْختلسة الخائنة‪ ،‬حيث يصل من خلل‬
‫الكلم والستمتاع عبر الجهاز إلى مبتغاه الجنسي من الزنا المجازي‪ ،‬الذي يصل به‬
‫أحيانا إلى حد اللذة الكبرى بالنزال‪ ،‬وهذا المسلك الشائن ل ُيستبعد من الفاسق؛‬
‫يمسها؛‪ ،‬ولهذا‬
‫فإن الفتاة قد ُتلطف الرجل بالكلم العذب‪ :‬ف ُيمني بين فخذيه دون أن ّ‬
‫حدثن الرجال من غير المحارم‪ ،‬إل بإذن الزواج؛‪ ،‬فإنهن وإن‬ ‫أخذ على النساء‪ :‬أل ُي ّ‬
‫تكّلفن الخشونة في الكلم فإن طبع اللين فيهن يغلب‪.‬‬

‫إن استخدام جهاز الهاتف في أغراض النتهاك العرضي أمر واقع في الحياة العربية‬
‫المعاصرة‪ ،‬حتى إن القانون الوضعي في بعض الدول العربية ‪ -‬لكثرة الحوادث ‪-‬‬
‫حد القذف العلني الذي ُيؤاخذ به فاعله‪ ،‬ولئن كانت‬ ‫أدخل سوء استخدامه ضمن ّ‬
‫الشريعة أو القانون الوضعي يحمي عرض الفتاة من النتهاك بالعقوبات الرادعة‪:‬‬
‫فمن ذا الذي يحمي مشاعر الفتاة من الختلل‪ ،‬وعواطفها من الثارة؟ إن المعضلة‬
‫ل تكمن فيما يصدر عن المجرم إلى مسامع الفتاة من عبارات الفحش والخنا‪ ،‬وإنما‬
‫المشكلة الكبرى تكمن في الختلل الشخصي‪ ،‬والضطراب السلوكي الذي يمكن أن‬
‫تخلفه مثل هذه المكالمات الهاتفية المثيرة على مشاعر الفتاة وعواطفها؛ فإن باب‬
‫السماع عند النثى‪ :‬أوسع‪ ،‬وأعظم أبواب الثارة الجنسية في طبيعتها؛ إذ للكلمة‬
‫المسموعة أثرها الفسيولوجي الخاص على نشاط الفتاة النفعالي‪ ،‬الذي قد يصل بها‬
‫فمكنت‪ ،‬الفاجر من أذنها؛ يقول أبو‬ ‫استرسلت ّ‬ ‫حد النشوة الجنسية‪ ،‬إن هي ْ‬
‫أحيانا إلى ّ‬
‫عثمان الجاحظ عن هذه الطبيعة النثوية الخطيرة‪" :‬ولو أن أقبح الناس وجها‪،‬‬
‫تمكن‬ ‫وأسقطَ هم نفسا‪ ،‬وأوض َعهم َح َسبا‪ ،‬قال لمرأة قد ّ‬ ‫وأنتنهم ريحا‪ ،‬وأظهرهم فقرا‪ْ ،‬‬
‫ومكنته من َس ْمعها‪ :‬وال يا مولتي وسيدتي‪ ،‬لقد أسهرت ليلي‪ ،‬وأ ّر ْقت‬ ‫من كلمها‪ّ ،‬‬
‫باعها‪،‬‬‫ض ِط َ‬‫هم أمري‪ ،‬فما أعقل أه ًل‪ ،‬ول مالً‪ ،‬ول ولدا‪ :‬لَ َن َق َ‬
‫عيني‪ ،‬وشغلْتني عن ُم ّ‬
‫ولفس َخ َع ْق َدها‪ ،‬ولو كانت أبرع الخلق جمالً‪ ،‬وأكملهم كما ًل ‪ ،‬وأملحهم ملحا‪ ،‬فإن ته ّيأ‬
‫َ‬
‫تعشق أن تدمع عينُ ُه‪ :‬احتاجت هذه المرأة أن يكون معها َو َر ُع‬ ‫ُ ّ‬‫م‬‫ال‬ ‫هذا‬ ‫من‬ ‫ذلك‪،‬‬ ‫مع‬
‫أم الدرداء‪ ،‬ومعاذة العدوية‪ ،‬ورابعة القيسّية‪ ،‬والشجاء الخارجية"‪ ،‬فإذا كان هذا التأثر‬
‫العميق يمكن أن يحصل للفتاة البارعة من مثل هذا القبيح الساقط في شكله وحاله‪،‬‬
‫يبد لها من أمره إل‬ ‫فكيف بمن خفي عليها حاله‪ ،‬واستتر خلف الحواجز والحجب‪ ،‬ولم ُ‬

‫‪64‬‬
‫ُحسن صوته‪ ،‬وخداع كلمه عبر خطوط الهاتف الدقيقة؟ فل شك أن هذا قد يكون‬
‫أبلغ في تاثيره عليها من الذي قد بدا لها نقص هيئته‪.‬‬

‫إن مثل هذا الوصف لخطورة هذا الجهاز ‪-‬خاصة بعد ظهور الهاتف الجوال‪،‬‬
‫وانتشاره بصورة واسعة بين الفتيان والفتيات ‪-‬ل ينبغي أن ُيستنكر‪ ،‬فإن حصول‬
‫الستمتاع الجنسي عبر الهاتف عند بعض الفتيات الساقطات‪ :‬أمر ثابت ميدانيا‪ ،‬وقد‬
‫كانت المرأة الماجنة في السابق تتعرض للشعراء حتى يشببوا بها‪ ،‬ويمدحوها‪ ،‬فيعجبها‬
‫ذلك‪ ،‬وترتاح‪ ،‬له‪ ،‬وتستمتع به‪ ،‬فليس بغريب أن يحصل شيء من هذا الستمتاع عبر‬
‫حب عن طريقه‪ :‬أمر معلوم معروف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الهاتف‪ ،‬ثم إن وقوع بعضهن في علقات‬
‫بمجرد الخبار‪ ،‬والتلذذ قد يحصل‪ ،‬بالمراسلة‪ ،‬وكل‬
‫وكيف يستنكر هذا والعشق قد يقع ّ‬
‫ذلك دون نظر أو سماع‪ ،‬ثم إن انتهاء كثير من العلقات الهاتفية بين الجنسين بوقوع‬
‫الفاحشة هو أيضا أمر واقع وقائم‪.‬‬

‫ولعل أخطر ما تتوجب به عبقرية تقنية التصالت الحديثة‪ :‬الربط بين الهاتف‬
‫والكاميرا في جهاز واحد‪ ،‬حيث تم ذلك في الهاتف النقال‪ ،‬كما تم أيضا عبر‬
‫الشبكات العنكبوتية العالمية ‪ ،‬إضافة إلى إمكانية الربط التقني بين الهاتف الجوال‬
‫والشبكة العنكبوتية‪" ،‬فليست أكثر من لحظة خيانة ُيدار فيها مفتاح الهاتف المتنقل‬
‫ليصبح الشخص الغافل بصورته وانفعالته‪ :‬مادة ثقافية للمستهلكين‪ ،‬فل يستطيع أن‬
‫يرد عن نفسه المتطفلين‪ ،‬ول يستطيع أيضا أن يمحو ما تناثر من شخصه عبر‬ ‫ّ‬
‫الثير‪ ،‬وللمتأمل أن يتخيل حين تكون الفريسة من المخدرات في البيوت‪،‬‬
‫والخ ُمر‪ ،‬مما ُيعطي القضية حجمها الفعلي‪ ،‬وخطرها الحقيقي"‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المحجوبات بالجلبيب‬
‫وهذه النقلة المتطورة في ميدان التصالت من شأنها إحداث هزة في المجتمع‪،‬‬
‫تتغير معها المفاهيم الجتماعية والثقافية‪ ،‬ويحتاج‪ ،‬معها الناس إلى تعريف‪ ،‬جديد‬
‫لمفهوم الخصوصية الشخصية‪ ،‬حين لم يعد للشخص ‪-‬أيا كان‪ -‬أن ينفرد بشيء من‬
‫مكنتهم هذه التقنية الخطيرة من‬‫خصوصياته دون تدخل الخرين وفضولهم‪ ،‬حين ّ‬
‫إشباع رغباتهم على حساب الخرين‪ ،‬حتى إنه لم يعد غريبا في بعض الوساط‬
‫الجتماعية المحافظة أن يحضر بعض النساء الحفلت النسائية وهن محجبات ‪،‬‬
‫ويقوم على مداخل قاعات الحفلت من يفتش الداخلت بحثا عن أجهزة التصال‬
‫المزودة بالكاميرات‪.‬‬

‫إن المشكلة‪ ،‬ل تكمن في مجرد التطور التقني لوسائل التصال الهاتفية‪ ،‬والوصول‬
‫إلى هذه التقنية العالية‪ ،‬وإنما تكمن في توفيرها بأسعار زهيدة في أيدي المستهلكين‬
‫من جميع فئات المجتمع وطبقاته‪ ،‬بحيث تكثر نسبة العابثين المستخدمين لها‪ ،‬ممن‬
‫تنقصهم التربية الصالحة‪،،‬والخلق الفاضلة‪،،‬مما قد يهدد المجتمع في أخلقه وآدابه‪،‬‬
‫ولسيما إذا ُعرف أن النساء في بلد مثل المملكة العربية السعودية يمثلن حوالي‬
‫‪ %40‬من سوق أجهزة الهواتف النقالة‪ ،‬وأن هناك اختلفا ‪-‬يكاد يكون عالميا‪ -‬في‬
‫أسلوب استخدام الهاتف بين الرجال والنساء‪ ،‬ففي الوقت الذي يستخدمه الرجل ‪-‬في‬

‫‪65‬‬
‫الغالب‪ -‬لقضاء حاجاته‪ ،‬تستخدمه المرأة كوسيلة للترفيه‪ ،‬مما يجعلها أكثر عرضة‬
‫للنتهاك عبر هذه الوسيلة سواء كان ذلك برضاها‪ ،‬أو رغما عنها‪.‬‬

‫إن وسيلة الفتاة الوحيدة لرد هذا النوع من النتهاك عن نفسها حين ل تستطيع أن‬
‫تستغني عن هذه الوسائل هو اللتزام بالحجاب الشرعي خارج المنزل لتحفظ‬
‫صورتها ‪ ،‬مع عدم الستجابة بالكلية للطرف الخر عبر الهاتف ‪ ،‬حتى ولو بالشتيمة‪،‬‬
‫فإن الفاسق يستمتع بذلك‪ ،‬بل عليها أن تقطع المكالمات الهاتفية من هذا النوع‬
‫بصورة مباشرة‪ ،‬فإن الصوت كالوجه يتأثر بالنفعالت المختلفة عند المتكلم وإن‬
‫كان ُمحتجبا‪ ،‬فتدرك الفتاة الواعية لول وهلة من نبرات الصوت‪ :‬ماذا ُيريد‬
‫ادعى‬ ‫المتكلم‪ ،‬فتقف من المكالمة‪ ،‬الموقف المناسب‪ ،‬ول تتهاون في ذلك حتى وإن ّ‬
‫رد المكالمات المنزلية‬
‫رغبته في خطبتها‪ ،‬فإن طريق الخطبة معلوم‪ ،‬ولو أوكل ّ‬
‫الحد من استخدام الفتيات للهاتف الجوال‬
‫ّ‬ ‫للرجال‪ ،‬ولكبار‪ ،‬السن من النساء‪ ،‬مع‬
‫ولسيما ذي الكاميرا لكان هو الولى والكمل لدرء الفساد‪ ،‬مع البقاء على مبدأ‬
‫مشروعية التحدث من وراء حجاب‪ ،‬بقدر الحاجة بين الرجال والنساء إذا كان ذلك‬
‫في غير ريبة أو خيانة‪.‬‬

‫‪66‬‬

You might also like