Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫أثر التحوالت االقتصادية والتطورات التكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‬

‫تقديم‬
‫يحتل العقد مكانة الصدارة في النظم القانونية المختلفة‪ ،‬فهو المرتكز االساسي للمعامالت على الصعيدين المحلي‪ ،‬والدولي‪ ،‬ويلعب‬
‫دورا مهما في تنظيم العالقات بين االشخاص‪.‬‬
‫و العقد بصفة عامة‪ ،‬هو توافق ارادتين ألحداث اثر قانوني معين‪ ،‬يتمثل في اعطاء شيئ ‪،‬أو القيام بعمل‪ ،‬أو االمتناع عن عمل‪ ،‬ومن‬
‫خالله تنشا الغاية العظمى من الحقوق وااللتزامات‪ ،‬وتستقر به المراكز القانونية المختلفة‪ ،‬لذا تحضى نظرية العقد بمكانة بارزة‬
‫ومتطورة في التشريعات المعاصرة‪ ،‬وتزداد اصداءها في جنبات القضاء والدراسة الفقهية‪ .‬ويلعب العقد دورا هاما في تداول الثروات‬
‫والخدمات على صعيد الجماعة الدولية التي تشهد تطورا ملحوظا في ضل العولمة وحرية التجارة والتكتالت االقتصادية والتقدم‬
‫التقني الهائل الذي ربط أجزاء المعمورة‪ ،‬من خالل االتصاالت الفضائية وشبكة االنترنيت أصبحت العقود اداة تيسير التجارة الدولية‪،‬‬
‫ووسيلة المبادالت االقتصادية والخدماتية والمعلوماتية عبر الحدود‪.‬‬
‫وعموما ‪،‬تتنوع العقود بتنوع موضوعاتها‪ ،‬فالى جانب العقود الدولية التقليدية في مجال البيع والتامين والعمل‪ ،‬ظهرت عقود أخرى‬
‫لمواكبة مناخ االستثمار والتنمية االقتصادية والمعامالت االلكترونية ‪،‬كعقود نقل التكنولوجيا والتعاون الصناعي والتجارة االلكترونية‬
‫وغيرها ‪،‬ولقد كان للتطورات االقتصادية والتكنولوجية الهائلة عمق األثر من العملية التعاقدية ووزنها االقتصادي والقانوني والدولي‪،‬‬
‫حيث ظهرت الكثير من العقود المركبة والمعقدة ترد على مشروعات عمالقة تقدر قيمتها بأموال طائلة نتطوي على كثير من تعقيدات‬
‫الفنية والقانونية والمالية‪ ،‬ولها تأثير ها البالغ بما تحمله من فوائد ومخاطر على المجتمع‪]1[.‬‬
‫‪ :‬واالشكال الذي يمكن طرحه في هدا الصدد هو‬
‫هل يمكن اعتبار تغير التحوالت االقتصادية والتكنولوجية ثورة على العقد وعلى المبادئ التقليدية المنظمة لهدا األخير ؟‬
‫‪ :‬ويترتب على هدا االشكال تساؤالت فرعيه وهي كتالي‬
‫فما االطار التاريخي لهذه التحوالت االقتصادية و التطورات والتكنولوجية التي لحقت بنظرية العقد ؟‬
‫وما هي مظاهر هذه التحوالت؟‬
‫وما النتائج المترتبة عن هذه التحوالت سواء في التشريع المغربي أو المقارن؟‬
‫‪ :‬والجابة عن هذه االشكاليات ارتأينا اعتماد التصميم التالي‬

‫المبحث االول اإلطار التاريخي للتحوالت االقتصادية والتطورات التكنولوجية على نظرية‪ .‬العقد في التشريع المغربي والمقارن‬
‫المطلب االول‪ :‬التطور االقتصادي والتكنولوجي على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬مظاهر التحوالت االقتصادية والتكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المقارن المغربي‬
‫المبحث الثاني تقييم مدى تاثير التحوالت االقتصادية والتكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‬
‫المطلب االول ‪ :‬اثر التحوالت االقتصادية على نظرية العقد‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اثر التحوالت التكنولوجية على نظرية العقد‬

‫المبحث االول ‪:‬اإلطار التاريخي للتحوالت االقتصادية والتطورات التكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‬
‫اثر التحوالت االيجابية الملموسة التي عرفتها نظرية العقد في االونة االخيرة‪ ،‬مند بداية االلفية التي استهلها المشرع المغربي بطرح‬
‫جملة من النصوص القانونية الخاصة ‪،‬التي عدل بها هيكل نظرية العقد وفقا للتصور الجديد الذي اصبح يصب في اتجاه الالصالحات‬
‫الجزئية القطاعية المحدودة لمدونة االلتزامات والعقود[‪]2‬‬
‫المطلب االول ‪:‬التطور االقتصادي والتكنولوجي على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‬
‫‪ -‬في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر‪ ،‬كان المجتمع االوروبي يتسم بالبساطة في تركيبته و محدودية تقدمه التقني و‬
‫التكنولوجي‪ .‬حيث كانت الثورة الصناعية في بدايتها االولي‪ ،‬وفي هذه الفترة كان مبدأ وسلطان اإلرادة هو المسيطر على المعامالت‬
‫التعاقدية أي أن االرادة كانت حرة بصفة مطلقه تستطيع تحديد أثار العقود التي تنشأ عنها في ظل مبدأ سلطان االرادة ولهذا فإن مدونة‬
‫نابليون التي صدرت في سنة "‪" 1804‬لم تكن لتثير إشكاال حينما تبتت مبادل الحرية التعاقدية والعقد شريعة المتعاقدين والقوة الملزمة‬
‫للعقد الن ذلك كان مطلبا أساسيا لرجال الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم ان انتصار مبدأ سلطان االرادة يرجع الي عوامل اقتصادية باألساس وهي عوامل أدت الي انتشار روح الفردية في القرنين‬
‫الثامن عشر و التاسع عشر فهذه العوامل ذاتها بعد ان تطورت و قامت الوحدات االنتاجية و نظمت طوائف العمال ادت الي اختالل‬
‫التوازن بين القوي االقتصادية هذه العوامل كان ممن شانها ان تقلص او تنقص من قوة مبدأ سلطان االرادة فيكون هذا المبدأ قد قام‬
‫علي اساس اقتصادي و انتكس متأثرا بعوامل اقتصادية ‪.‬‬
‫‪ -3‬و باعتبار الواقع االقتصادي ال يتوقف عن السريان و التغير بل هو في حركة دائمة وتطور مستمر فالظروف االقتصادية التي‬
‫تمخض عنها مبدأ سلطان االرادة في مجال العقد تغيرت وتبدلت خاصة بعد الحرب العالمية االولي وما نتج عنها من ازمات اقتصادية‬
‫عالمية سنة "‪ "1929‬وهذه االزمات فرضت تغيير القوانين التي تحكم الظواهر االقتصادية باعتبارها تتسم بالمرونة‪.‬‬
‫‪ -4‬و التداخل او التوجيه التشريعي للعقد يرجع للتحوالت االقتصادية التي شهدها العالم فتدخل المشرع في النظام القانوني الغاية او‬
‫الهدف منه تفادي حدوث كوارث اجتماعيه و اقتصادية ناتجة عن ازمة القانون فالمشرع عند تدخله في مجال المعامالت االقتصادية‬
‫يعمل الي صالح االقتصاد الوطني و المصلحة العامة واليفهم من هذا التدخل تدمير العقد دائما جعله مسايدا للتغيرات االقتصادية التي‬
‫تحدت ذلك ان الوظيفة االساسية التي تسعي القواعد القانونية الي تحقيقها هي تعميم العدالة وسيادتها في جميع المجاالت و النواحي‪.‬‬
‫و العدالة مفهوم نسبي تتغير بتغير الزمان و المكان وما العقد باعتباره قانون النتعاقدين اال تعبير عن ظروف المجتمع ان هو المراة‬
‫التي تنعكس من خاللها مدي التطور القانوني الذي بلغه المجتمع‪.‬‬
‫‪ -5‬و امام هذه الوضعية تدخل المشرع المغربي بما يتوفر لديه من وسائل التوجيه االقتصادي في كثير من النشاطات الحيوية ذلك ان‬
‫الظروف االقتصادية العامة تستلزم تعديل بعض القواعد القانونية المسايرة التغيرات[‪.]3‬‬
‫فعمل المشرع المغربي علي سن مجموعة من القوانين لمواكبة الظروف االقتصادية الحالية و مانتج عنها من اختالل التوازن العقدي‬
‫و من هذه القوانين قانون "‪ "13:83‬المتعلق بالزجر و الغش في البضائع و "‪ "24:04‬المتعلق بسالمة المنتجات المعيبة و "‪"31:03‬‬
‫حماية المستهلك‪.‬‬
‫وكذلك أدي التطور االقتصادي الي ‪:‬‬
‫‪ -‬ظهور صيغ جديدة للتعاقد‪.‬‬
‫و من اهم التقنيات و الممارسات الجديدة في التعاقد نجد الشراء عن طريق التلفزيون و االنترنت و البيع بالسلف و عقد االئتمان‬
‫التجاري و الكراء المعني الي التملك و االقمار المستندي‬
‫المطلب الثاني ‪:‬مظاهرالتحوالت االقتصادية والتكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المقارن المغربي‬
‫‪ -‬قانون الشغل و قانون ‪ 24:09‬كنموذجين للتطورات االقتصادية ‪.‬‬
‫أن الدوله في الوقت الحاضر لم يعد يقتصر دورها علي حفظ العدل و االمن داخل المجتمع بل اصبح في بعض االحيان دورًا ايجابيا‬
‫موجها للحياة االقتصادية و ذلك عن طريق تنظيم القواعد و سن التشريعات التي‬
‫تحكم االنشطة االقتصادية و ما تشهده من معامالت و عالقات و أشهر مثال لذلك هو "عقد الشغل" الذي عملت مدونة الشغل علي‬
‫تنظيمه وذلك من خالل تنظيم العالقة بين االجراء و المؤاجرين من عدة وجوه أهمها تنظيم فترة االختبار ابرام عقد الشغل التزامات‬
‫االجير و المؤجر و قواعد الصحة و السالمة‪ ,‬وتسوية نزاعات الشغل وقواعد توقف عقد الشغل و انهاؤه و الحد االدنى لالجر‪.‬‬
‫فعقد الشغل أخد يزدحم بالقواعد و األحكام القانونية التي تهدف الى حماية العمال و اعطائهم من الحقوق ما لم يكن لهم من قبل كحرية‬
‫االجتماع وحق تكوين النقابات وحق االضراب ‪.‬‬
‫فتوجه المشرع من خالل مدونة الشغل اثر في نظرية العقد تاثيرًا واضحا كون ان هذه العالقة التعاقدية أصبحت ال تتحكم الى العقد‬
‫باعتباره شريعة المتعاقدين او بمتابة القانون الذي يحكم االطراف بل الي حماية الطرف الضعيف ضد تعسفات الشغل والتي اساسها‬
‫عالقة التبعية للمشغل[‪]4‬‬
‫* قانون ‪ 09-24‬المتعلق بالمسؤولية المدنية عن مخاطر المنتجات المعبئة ‪.‬‬
‫امام تزايد حجم مخاطر االشياء والمنتجات المعبئة بتعبئة التقدم‬
‫األساليب التقنية التكنولوجيا الحديثة وانتشار المعدات و المواد التي اصبحت تشكل خطرا علي صحة وسالمة مستعمليها و مستهلكيها‬
‫وامام قدم النصوص التشريعيه المنظمة لهذه المسؤليه‬
‫فان التشريعات المعاصرة وجدت نفسها امام ضرورة ملحة لوضع انظمة خاصة لهذه المسؤولية‪.‬‬
‫وفي المغرب يعتبر القانون ‪ 09-24‬المؤرخ في (‪ )2011-8-17‬واحد من أبرز القوانين التي إستجاب فيها المشرع المغربي‬
‫لضغوطات العولمة التشريعيه وهذا القانون نظم المسؤولية المدنية عن مخاطر المنتوجات المعبئة التي خصص له المشرع بابا رابعًا‬
‫مستقال اتمم به مقتضيات القسم االول من الكتاب االول من (ق‪.‬ل‪.‬ع)‪.‬‬
‫و بالرجوع لمواقف التشريعات المقارنه نالحظ بانه كان للتجربه االمريكية في مجال المسؤولية عن محاطر المنتوجات المعبئة تاتير‬
‫جد واضح علي مسار القوانين االوروبية في هذا الشأن وكما هو معروف ان القانون االمريكي يتدرج ضمن منظومة القانون العرفي‬
‫ونظرا للمرونة الي الممزوج بقواعد قانونية مكتوبة ونتيجة للمرونة التي يمتاز بها القانون العرفي في امريكا فان الضاء تمكن من‬
‫تطوير نظام المسؤولية المدنية عن مخاطر المنتوجات المعبئة مراعيا في ذلك مختلف التطورات االقتصادية و االجتماعية لبلد‬
‫متحرك وباالضافة لما سبق فإن القضاء االمريكي توصل الي ابتداع مايسمى (بالدعوي المباشرة) التي تعد من اهم االنجازات التي‬
‫تحققت منذ بداية القرن العشرين عندما اعترفت المحكمة العليا بمدينة نيويورك سنة "‪ "1916‬بأحقية الطرف المضرور في الرجوع‬
‫علي علي الصانع بالتعويض ولو لم يكن مرتبطا به بمقتضي رابط عقدي‪.‬‬
‫وقد كان لهذا المستوي المتقدم تشريع الواليات المتحدة االمريكية في مجال المسؤولية المدنية عن مخاطر المنتجات المعبئة اثره‬
‫االيجابي علي تشريعات الدول االوروبية الوطنية وتعتبر اتفاقية "ستراسبورغ" الموقع عليها بتاريخ (‪-27‬يناير_‪ )1977‬بمثابة‬
‫مصدر تاريخي ومرجع للقانون الحالي الصادر عن مفوضية االتحاد االوروبي بتاريخ (‪_25‬يوليوز_‪ )1985‬وتعتبر فرنسا اخر‬
‫دولة توافق علي تبني هذه التوجيهية وقد استجابة بمقتضي القانون المؤرخ في (‪_19‬ماي_‪ )1998‬ونتيجة للمواخدات التي وجهها‬
‫مجلس االتحاد االوروبي علي هذا القانون فان المشرع الفرنسي اضطر لتدارك هذا النقص بمقتضي القانونيين الصادرين على التوالي‬
‫بتاريخ (‪]5[)2006-4-5()2004-12-9‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬تقييم تاثير التحوالت القتصادية والتكنولوجية على نظرية العقد في التشريع المغربي والمقارن‬
‫يعتبر ق‪ ،‬ل‪ ،‬ع من أكثر القوانين المدنية اخالصا لمبدأ سلطان االرادة‪ ،‬الذي يشكل أساس النظرية التقليدية للعقد‪،‬اذ أعطى وبالنظر‬
‫الى الظرفية التي وضع فيها لالرادة الحرية في أن تنشئ ما تشاء من العقود واالتفاقات دون تقييد بتلك التي نظمها ‪ ،‬ما تشاء من‬
‫البنود والشروط بشرط عدم التعارض مع النظام العام‪.‬اال أن هدذا المبدأ عرف عدة تاثيرات‪.‬‬
‫المطلب االول‪ :‬اثر التحوالت االقتصادية على نظرية العقد‬
‫[‪ 230]6‬ادا كان كل التزام عقدي يقوم مقام القانون بالنسبة لطرفيه‪ ،‬شريطة أن يكون صحيحا‪ ،‬حسب المادة ق‪ ،‬ل ‪،‬ع والتي جاء‬
‫التنصيص عليها كذالك من طرف المشرع الفرنسي‪ ،‬حيث كرسه في المادة‪ 1134‬من القانون المدني الفرنسي[‪]7‬‬
‫والتي يقصد بها‪ ،‬أن ما أنشاته ارادتين‪ ،‬ال يموت وال يعدل االبارادتين‪ ،‬وهو ما يصطلح عليه بمبدأ سلطان االرادة‪ .‬هذا األخير الذي‬
‫ينطوي تحت لوائه مجموعة من المبادئ األخرى المعبرة عن سيادة وسمو االرادة‪.‬‬
‫ولعل من امثلة هذه المبادئ ‪ ،‬مبدا القد شريعة المتعاقدين باالضافة الى مبدا القوة الملزمة للعقد ونسبية اثار العقد[‪]8‬‬
‫أوال تأثير قانون ‪ 08-31‬على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‬

‫إذا كان العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني ‪ ،‬فهذا يعني أن أطرافه قد تفاوضت ‪،‬حول مضامينه مسبقا قبل تضمينها فيه‪،‬‬
‫وهو ما يعني وجود نوع من التوازن العقدي بين أطرف العقد‪ ،‬و هو ما نجد القضاء يسعى إلى تكريسه كلما أتيحت له الفرصة فقد‬
‫قررت محكمة االستئناف التجارية بفاس[‪ ] 9‬في قرار لها مايلي "العقد شريعة المتعاقدين و منه فإن كال منهم ملزم ما تم االتفاق عليه‬
‫في حدود التزام كال منهم تحت طائلة شروط العقد الجزائية"‪ ،‬لكن التطورات االقتصادية و التكنولوجية أبت إال أن تفرز لنا أطراف‬
‫عالقة متفاوتة في المراكز القانونية‪ ،‬طرف المستهلك‪ ،‬غالبا ما يكون تحت رحمة الطرف القوي ‪،‬الذي يملك السلطة و القدرة على‬
‫تطويع مفاصيل العقود‪ ،‬الشيء الذي يجعل الطرف الضعيف المقبل على التعاقد مغلوب على أمره‪ ،‬وهو ما يجعل من الحديث عن‬
‫سموا مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬مجرد كلمات منقوشة على أوراق ال تجد لها مكانا في الواقع العملي‪ ،‬هذا كله جعل من ضرورة‬
‫تدخل المشرع و لو على حساب مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫هذا التدخل جاء عبر عدة مقتضيات من خالل قانون حماية المستهلك حيث فرض مجموعة من البيانات التي يجب أن يتضمنها العقد‬
‫الشيء الذي جعل المبدأ األخير يتأثر‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تأثير قانون ‪ 08-31‬على مبدأ القوة الملزمة للعقد‬

‫إذا كان عموما مبدأ القوة الملزمة للعقد يعني العقد الذي أبرم بين طرفين يعتبر بمثابة قانون ينظم عالقتهما‪ ،‬و بما أنه ال يجوز التحلل‬
‫من التزام يفرضه القانون فكذلك ال يجوز تحلل من التزام أنشأته إرادة حرة[‪]10‬‬
‫و هذه القوة الملزمة للعقد تمنع أي تدخل خارجي من أي شخص أخر غير األطراف‪ ،‬بمن فيهم تدخل المشرع إلضافة التزام أو‬
‫إنقاصه‪ ،‬واستنادا إلى ذلك فإن المستهلك متى أبرم عقدا للحصول على السلعة أو خدمة استهالكية معينة‪ ،‬إنما يلتزم بذلك العقد و‬
‫بتنفيذه أيا كانت الظروف‪ ،‬حتى ولو كانت السلعة أو الخدمة ال تفي بالغرض الذي يسعى إليه أو ال تفيده أصال‪.‬‬
‫و هو ما يجعنا نتساءل والوضعية هاته عن‪ :‬كيف للمستهلك كفرد عادي غالبا ما ال يتوفر على القدرة الفنية والقانونية والوقت الكافي‬
‫للتفكير في جميع ما يبرمه من عقود وصفقات لالستهالك؟ أم يكن من االرحم به منحه حق العدول عن تنفيذ العقد في حاالت معينة؟‬
‫هكذا ومن باب محاولة إعادة التوازن ألطراف العالقة العقدية تدخل المشرع عبر قانون حماية المستهلك مؤثرا على مبدأ القوة‬
‫الملزمة للعقد و أقر له الحق في الرجوع كلما قدر أن الخدمة أو السلعة التي تعاقد من أجلها ال تفي بالغرض المطلوب[‪.]11‬‬

‫ثالثا‪:‬تأثير قانون ‪ 08-31‬على مبدأ نسبية أثار العقد‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 228‬من ق ل ع نجده يقرر أن أثار العقد ال تنسحب إال على أطرافه بمعنى أن األطراف هم من ينتفعون أو‬
‫يضرون بآثار العقد و أن هذه اآلثار ال تضر وال تنفع الغير بشيء إال في الحاالت المذكورة في القانون‪ ،‬وهو ما يجعل من العقد يكون‬
‫نسبي في تطبيق أثاره وال يمكن مواجهة األغيار بمقتضياته‪ ،‬بيد أن طبيعة العملية االستهالكية عادة ما تحتمل وجود أكثر من طرف‬
‫مما يحول دون إمكانية تمديد أثر العقد إلى طرف أجنبي تطبيقا لمبدأ نسبية أثار العقد‪ ،‬هذا القول أبان عن خطورته وعجزه عن حماية‬
‫بعض المتدخلين الذين لم يكونوا أطرافا في العقد المبرم ‪.‬‬
‫فمثال لو اشترى زيد جهاز حاسوب من بائع (عمر) فقام أخ زيد باستعمال ذلك الحاسوب فتعرض هذا األخير لالنفجار بسبب عيب‬
‫فيه مما تسبب في أذى ألخ زيد و بالتالي لن يكون بمقدوره الرجوع على البائع على اعتبار أنه أجنبي عن العقد‪ ،‬تطبيقا للقواعد العامة‬
‫‪.‬‬
‫كل هذا جعل المشرع يتدخل بمقتضيات أكثر حماية تجعلنا نقول أنها أثرت بالفعل على القواعد العامة‪ ،‬لتجاوز عجزها هكذا نجد‬
‫المشرع عبر قانون ‪ 08-31‬يعرف في مادته الثانية المستهلك هو " كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل ‪ "...‬أي أن‬
‫المشرع وسع من نطاق حماية المستهلك سواء أكان طرفا في العقد أو أجنبيا عنه تمردا على مبدأ نسبية أثار العقود[‪.]12‬‬
‫و بناء عليه يعد هاجس توفير الحماية الضرورية للمستهلك هو ما دفع المشرع إلى سن مقتضيات تتكفل بتحقيق المبتغى‪ ،‬إال أنها‬
‫أثرت بالملموس على المبادئ المقررة في القواعد العامة‪.‬‬

‫وإذا كان القانون (‪ ) 31.08‬قد اعتبر الصعوبات االقتصادية واالجتماعية غير المتوقعة سببا يبرر إمهال المقترض المدين قضائيا فإنه‬
‫كان يتعين تعميق كل مظاهر الحماية التي تصب في هذا االتجاه لتشمل كل الحاالت الطارئة التي تجعل تنفيذ االلتزام مرهقا للطرف‬
‫المدين خصوصا في الحاالت التي يكون فيها هذا األخير مستهلكا ولو تبنى القانون الجديد هذا النهج التشريعي لقدم بذلك خدمة جليلة‬
‫لجهاز القضاء الذي تحمل من المشقة على مدار عقود من الزمن في البحث عن الحلول المالئمة إلعادة التوازن للعالقات العقدية التي‬
‫يعاني فيها الطرف المدين من تبعات هذا اإلرهاق وذلك نتيجة لوجود فراغ تشريعي واضح في قانون االلتزامات والعقود بخصوص‬
‫هذه المسألة‪ ،‬وقد كان بودنا أن يأخذ هذا القانون زمام المبادرة لسد هذا الفراغ الذي عانى منه ق‪،‬ل‪،‬ع لما يناهز ‪ 100‬عام‪]13[.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أثر التحوالت التكنولوجية على نظرية العقد‬


‫ان التغير الذي لحق نظرية للعقد ينبع اساسا من تاثر هذه االخيرة بالتخوالت التكنولوجية التي عرفها العالم في العقدين االخيرين‬
‫نتيجة للمؤثرات الخارجية التي تصب في اتجاه العولمة االقتصادية مما خلق تحديات قانونية واسعة تتمحور في مجموعها حول اثر‬
‫استقدام الوسائل االلكترونية في تنفيذ االنشطة التجارية فهده االثار التي خلقتها التقيات العالية دفعت بالنظم القانونية المختلفة لمعالجتها‬
‫عبر حركة تشريعية تتماشى مع مستجدات العصر‪.‬‬
‫ومن ذلك المشرع الفرنسي الذي غير من نظم العالقة التعاقدية وذلك بالتخلي بصفة جزئية عن العقد الورقي والعمل بالعقد االلكتروني‬
‫حيث وضع تنظيما شامال للتعاقد اإللكتروني وكما الحال للمشرع المغربي الذي ا صدر قانونا خاصا بالتجارة االلكترونية لسنة‪2000‬‬
‫‪.‬ولكن بنجد القانون التونسي لم يتاثر تاثيرل ملحوظا بالتحوالت التكنولوجية فقد جعل العقد االلكتروني يخضع لنظام العقةد الكتابية‬
‫من خالل التعبير عن االرادة واثارها القانوني ووقابليتها للتنفيذ فيما ال يتنافى مع احكام العقد التقليدي وبالرجوع الى التشريع المغربي‬
‫نجد ان القانون رقم ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات اصدر ابرز االمثلة على التعديل الجزئي واثره على قانون‬
‫االلتزامات والعقود حيث تراوح هذا االصالح بين تقييم بعض الفصول بمقتضيات جديدة او اضافة فصول كاملة للفصل االصلي وفي‬
‫مقابل هذه االضافات فان هدا القانون غير وتممم كال من الفصول ‪ 425-426-440-443‬من قانون االلتزامات والعقود حتى تكون‬
‫منسجمة مع مستجدات القانون الجديد ورغم ان قانون ‪ 53.05‬لم ياتي بالغاءات جديدة للنصوص التشريعية الواردة في قانون‬
‫االلتزامات والعقود اال انه نص على تجميد بعد لنصوص التشريعية التي للتالئم صيغة هذا العقد االلكتروني[‪]14‬‬
‫كتنصيصه في المادة الثانية من هذا القانون على عدم سريان مقتضياته على المحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية والعينية‬
‫ذات الطابع الدني أو التجاري‬
‫وهدا الحكم هو الذي أكده ايضا الفصل ثالثين والفصل اثنان وثالثون من ق‪.‬ل‪.‬ع على العقد االلكتروني‪.‬‬
‫فان هناك الكثير من األحكام يشترك ‪ 05;53‬وفي مقابل الحاالت المستبعدة أ المعدة بموجب القانون‬
‫فيها نظام العقد االلكتروني مع غيره من العقود االخرى ‪.‬وخصوصا في مجال التعبير عن االرادة وحماية التراضي وأهلية المتعاقد‬
‫الى غير ذلك من األحكام الواردة في الباب األول من ق‪.‬ل‪.‬ع [‪.]15‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫ان نظرية العقد تاثرت بشكل واضح اليساير التحوالت االجتماعية واالقتصادية للمجتمع المغربي‪،‬التي فرضتها بالطبع ظروف داخلية‬
‫وأخرى دولية‪،‬وما زاد األمر إلحاحا صدور العديد من القوانين أخذت بأسس فلسفية مغايرة ألساس هذا العقد ‪،‬وتجاوزت بذلك العديد‬
‫من المقتضيات التي تحكمه ‪ ،‬فنهج المغرب القتصاد السوق حتم عليه تنظيم المنافسة بوضع قواعد تخدم الحرية التنافسية‪،‬وضوابط‬
‫لتوجيه االقتصاد‪،‬وهذا ما جاء به القانون رقم ‪ 06.99‬وقانون حماية المستهلك ‪ 08: 31‬المتعلق بحرية األسعار والمنافسة والقانون‬
‫رقم لم ياتي بالغاءات جديده لنصوص تشريعية وارده في قانون ل ع االانه نص على تجميد العمل بعدة نصوص تشريعيه وانطالقا‬
‫مما سبق يمكن القول أن التحوالت االقتصادية و التكنولوجية التي لحقت نظرية العقد ال تعتبر ثورة على العقد وانما هي قفزة نوعية‬
‫من المشرع لمسايرت هذه التطورات وهاا ال ينقص من قيمة األحكام العامة للعقد حيث أن هذه األخير الزالت تنظم مجموعة من‬
‫المعامالت بين األفراد‪.‬‬
‫الئحة المراجع‬
‫الكتب‬
‫‪2006‬ذ عبد الحق الصافي كتاب القانون المدني الجزء االول المصدر االرادي لاللتزامات الطبعة‬
‫ذ‪ .‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ .‬كتاب دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي‪ .‬من تقديم االستاذ العرعاري‬
‫‪ 2008‬الطبعة‬
‫‪ 1913_2013‬كتاب مئوية قانون االلتزامات والعقود التحضيرية المنضمة بالكلية جامعة محمد الخامس أكدال‬
‫ذ عبد القادر العرعاري‪" ،‬مصادر االلتزامات – الكتاب األول – نظرية العقد"‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،2013 ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪ 2014‬د‪.‬عبد القادر العرعاري كتاب المسؤولية المدنية الطبعة‬
‫‪ 2013‬الطبعة ذ عبد القادر العرعاري كتاب نظرية االلتزامات والعقود د‬
‫مقاالت ورسائل‬
‫‪ 12_7_4‬الطالب بالقاسم حامدي ابرام العقد االكتروني اطروحة لنيل درجة دكتراه في العلوم القانونية تخصص قانون األعمال‬

‫‪ www.cacfes.ma‬تاريخ اإلطالع يوم ‪ 26/5/2015‬قرار محكمة فاس التجارية ‪،‬عدد ‪ 26‬بتاريخ ‪ 6‬يناير ‪ 2005‬ملف عدد‬
‫‪ 04-548‬منشور في‬
‫مقال للباحثين محمد اشهيهب وأيوب العثماني قانون ‪ 31.08‬والقواعد العامة‪ :‬أي تأثير موقع العلوم القانونية‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بوجدة ‪.‬أثر التحوالت االقتصادية على العقد للطالب البشير ‪ 2003_2004‬الدحوتي السن‬
‫حدي اللة أحمد‪ ،‬سلطة القاضي في تعديل االلتزام التعاقدي وتطويع العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬فرع قانون ‪-62‬مسؤولية‬
‫المهنيين جامعة أبو بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ، 2062 ،‬ص ‪62‬‬

You might also like