Download ebook pdf of أشياء مألوفة Hwang Sok Yong full chapter

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 69

■■■■■ ■■■■■■ Hwang Sok Yong

Visit to download the full and correct content document:


https://ebookstep.com/download/ebook-29258416/
More products digital (pdf, epub, mobi) instant
download maybe you interests ...

A3 The Show Must Go On ■■■■■■■■■■ 1st Edition ■■ ■■■


■■■■■■■■■

https://ebookstep.com/download/ebook-36677966/

■■■■■■■■■ 84 ■■■■■■■ ■■■■■■ ■■■ ■■■■■■ ■■■■■■■■


Edition ■■■■■ ■■■■ ■■■■■■■■■■■■■■■■■■ ■■■■■ ■■■■

https://ebookstep.com/download/ebook-38373982/

Un monde immense comment les animaux perçoivent le


monde 1st Edition Ed Yong

https://ebookstep.com/product/un-monde-immense-comment-les-
animaux-percoivent-le-monde-1st-edition-ed-yong/

Advances in Sustainable Energy Policy Materials and


Devices 1st Edition Yong-Jun Gao

https://ebookstep.com/product/advances-in-sustainable-energy-
policy-materials-and-devices-1st-edition-yong-jun-gao/
Bioquímica de Laguna y Piña 8a ed 8th Edition Federico
Martínez Montes Juan Pablo Pardo Vázquez Héctor Riveros
Rosas

https://ebookstep.com/product/bioquimica-de-laguna-y-
pina-8a-ed-8th-edition-federico-martinez-montes-juan-pablo-pardo-
vazquez-hector-riveros-rosas/

■■ 85 ■■■■ ■■ ■■■■ ■■ ■■■

https://ebookstep.com/download/ebook-54898122/

Die Staatskonkurs Aufgaben im Jahre Die Aufgaben in den


Jahren 1885 bis 88 für die Rechstpraktikanten in der
Pfalz

https://ebookstep.com/product/die-staatskonkurs-aufgaben-im-
jahre-die-aufgaben-in-den-jahren-1885-bis-88-fur-die-
rechstpraktikanten-in-der-pfalz/

Grammaire essentielle du français A1 ebook 1st Edition


Didier

https://ebookstep.com/product/grammaire-essentielle-du-
francais-a1-ebook-1st-edition-didier/

■■■■■ ■■ Tochka ru A1 textbook 2nd Edition Olia


Dolmatova

https://ebookstep.com/download/ebook-47242060/
‫أشياء مألوفة‬
FAMILIAR THINGS
‫أشياء مألوفة‬
‫‪FAMILIAR THINGS‬‬

‫رواية‬

‫هوانغ سوك – يونغ‬


‫‪HWANG SOK – YPNG‬‬
‫يتضمن هذا الكتاب ترجمة األصل اإلنكليزي‬

NATIKEUN SESANG

‫حقوق الترجمة العربية مرّخ ص بها من المؤلف‬

HAWANG SOK-YONG

.‫ل‬.‫م‬.‫ ش‬،‫بمقتضى االتفاق الخطي الموّقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون‬

All rights reserved

Arabic Copyright © 2016 by Arab Scientific Publishers, Inc. S.A.L

First published in Korean as Natikeun Sesang by Munhakdongne


2011

First published in English by Scribe 2017

The moral rights of the author have been asserted

Text copyright © Hwang Sok-yong 2011

Translation copyright © Sora Kim-Russell 2017

All rights reserved. Without limiting the rights under

copyright reserved above, no part of this publication may be


reproduced, stored in or introduced into a retrieval system, or transmitted,
means (electronic, mechanical, photocopying, in any form or by any
‫‪the prior written permission of the recording or otherwise) without‬‬
‫‪.publishers of this book‬‬

‫الطبعة األولى‪ :‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 2018‬م – ‪ 1440‬هـ‬

‫ردمك‪9786140235823 :‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة للناشر‬

‫يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو الكترونية أو‬
‫ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأية وسيلة‬
‫نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات‪ ،‬واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر‪.‬‬

‫إن اآلراء الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن رأي الدار العربية للعلوم ناشرون‬
‫ش‪.‬م‪.‬ل‬
‫تصميم الغالف‪ :‬علي القهوجي‬

‫التنضيد وفرز األلوان‪ :‬أبجد غرافيكس‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 785107‬‬

‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 786233‬‬


‫‪1‬‬

‫في الوقت الذي غاصت فيه الشمس خلف الحقول على الجانب اآلخر من النهر‪ ،‬اختفى‬
‫قرصها تمامًا وبطرفة عين خلف األفق‪ .‬حينها عبرت الشاحنة الطريق السريع المحاذي للنهر‪،‬‬
‫متجاوزة أطراف المدينة‪ .‬لكن حالما ظهر الجسر‪ ،‬بدأت حركة السير باالزدحام‪ ،‬وتباطأت سرعة‬
‫الشاحنة‪.‬‬

‫وقف الفتى في الجزء الخلفي من الشاحنة ونظر إلى األمام‪ ،‬وكلتا يديه تمسكان باإلطار‬
‫المعدني المثبت خلف كرسي السائق مباشرًة‪ ،‬وهذا ما أتاح له رؤية بانورامية لضفة النهر والطريق‬
‫أمامه‪ .‬لقد صعد إلى شاحنة القمامة مع أمه عند الطرف الشرقي للمدينة الكبيرة‪ .‬توقفت الشاحنات في‬
‫خط طويل‪ ،‬قبل أن تسير ببطء شديد‪ ،‬وتتوقف من جديد قبل أن تغادر الطريق السريع‪ ،‬وتسلك‬
‫الطريق غير المعبد الذي يوصل إلى إحدى جزر النهر‪ .‬يمّر الطريق غير الُم عّبد بجوار إحدى‬
‫السواقي المتفرعة من النهر‪ ،‬والتي ال تلبث أن تنضم إليه مرة أخرى في الجهة األخرى من‬
‫الجزيرة‪ .‬وحده األفق الغربي ال يزال متوهجًا‪ .‬ثمة قرية صغيرة تقع على التالل الشمالية المقابلة‬
‫للطرف اآلخر من النبع‪ ،‬وهناك أضواء تتألأل من كل نافذة‪ .‬لقد أفرط الفتى بالثقة عندما ظن أن أحد‬
‫هذه المنازل سيكون له وألمه‪.‬‬

‫جعلهم العشب الفضي‪ ،‬الُم تمايل على ضفتي الساقية في الضوء الخافت‪ ،‬يشعرون وكأنهم‬
‫وصلوا فجأًة إلى أرض غريبة وبعيدة جدًا‪ .‬عندما بدأت الشاحنات بإضاءة مصابيحها األمامية‪ ،‬بدا‬
‫وكأن هناك سحابة ناعمة من الغبار تغطي المركبات‪ .‬التوى الطريق مبتعدًا عن القرية ذات األضواء‬
‫الدافئة‪ ،‬وبدأت الشاحنات بتسّلق أعلى التلة‪ ،‬فأصاب وجوههم في الظالم شيء مثل ُح بيبات القمح أو‬
‫األرز‪ .‬كانوا ثالثة رجال وامرأتين‪ ،‬باإلضافة إلى الفتى وأمه‪ ،‬التي اعتلْت قمة كومة القمامة في‬
‫مؤخرة الشاحنة‪ .‬كان هناك ما يكفي من الخردة البالستيكية كي يجلس عليها الجميع أو يلّفوا أرجلهم‬
‫عليها وهم واقفون وُم تشّبثون بجدران صندوق الشاحنة‪ .‬كانوا محاطين بالقمامة منذ بداية الرحلة‪،‬‬
‫ولذا لم ينتبهوا لتلك الروائح الغريبة والجديدة التي تنبعث‪ .‬لكن حالما وصلت الشاحنة إلى أعلى التلة‬
‫وتوقفت في مرأب فسيح‪ ،‬بالكاد تمكنوا من التنّفس بسبب الرائحة العفنة‪ .‬كانت الرائحة كريهة إلى‬
‫حد ال ُيحتمل‪ ،‬مزيجًا كريهًا من كل رائحة قذرة في العالم؛ روث‪ ،‬ومياه مجاري‪ ،‬وطعام فاسد‪،‬‬
‫وصلصة الصويا‪ ،‬وعجينة فول الصويا المتخّم رة‪ .‬وثمة أسراب من الذباب تلتصق بوجوههم‬
‫وسواعدهم ومالبسهم في الظالم‪ ،‬وتحّط بجرأة حول زوايا أفواههم وعيونهم‪ ،‬وتجّسهم بألسنتها‬
‫الالصقة والباردة‪.‬‬

‫أدرك الفتى أنه ال يجدر به إعالم اآلخرين باسمه الحقيقي‪ ،‬السيما اسم عائلته‪ .‬يحب األوالد‬
‫الذين يذهبون إلى المدرسة أن ينادوا بعضهم بعضًا بأسمائهم الكاملة‪ ،‬لكّن هذا بالنسبة إليه‪ ،‬يخّص‬
‫أطفال المدرسة االبتدائية حصرًا‪ .‬لقد بلغ الثالثة عشرة من العمر في تلك السنة‪ ،‬لكنه كلما كان يجول‬
‫في األزقة‪ ،‬يضيف سنتين ويقول إنه في الخامسة عشرة من العمر‪ .‬ذات مرة‪ ،‬تجّم ع حوله الفتية‬
‫األكبر منه في حّيه‪ ،‬وحاولوا سحب سرواله لألسفل من أجل أن يتحققوا من شعر عانته دليًال على‬
‫عمره‪ ،‬فنطح أحدهم على وجهه وكسر له سنه األمامية‪ .‬وهم بدورهم لم يتركوه إال وهو ينزف من‬
‫منخريه‪ ،‬وال بّد أنهم كسروا أحد أضالعه أيضًا‪ ،‬ألن صدره ظل يؤلمه لشهر الحق مع كل شهيق أو‬
‫زفير‪ .‬لكّن المهم أنه حافظ على كرامته‪.‬‬

‫كل فتى من فتيان األزقة ناداه بلقب مختلف‪ :‬النطاط‪ ،‬والمكبس‪ ،‬وصاحب العينين الجاحظتين‬
‫(بغ آي)‪ .‬كلمة نطاط هي اختصار للجندب‪ ،‬ألّن أستاذه في الصف الرابع قال إّن لديه ساعدين‬
‫طويلتين وساقين طويلتين تركضان بسرعة معًا‪ ،‬والمكبس‪ ،‬تشبيه بمالك الحزين أو اللقلق األكثر‬
‫وقارًا‪ ،‬واللذين لديهما أيضًا ساقان طويلتان وعنق طويل ونحيل‪ .‬لم تهمه تلك األلقاب‪ ،‬لكنه اعتقد أّن‬
‫لقب بغ آي لم يكن بذلك القدر من السوء‪ .‬لقد أطلق عليه ذلك اللقب‪ ،‬أحد ضباط الشرطة حيث كان‬
‫يعيش سابقًا‪ .‬ففي أحد األيام‪ ،‬وبينما كان‪ ،‬وفتية آخرون‪ ،‬يتسلون بتحطيم نوافذ مركز الشرطة‪ُ .‬قبض‬
‫عليهم وهم يحاولون الفرار‪ ،‬وُأجِبروا على الركوع أمام ضابط الشرطة بانتظار عقوبتهم‪ .‬صفع‬
‫الشرطي بغ آي على رأسه مرارًا وتكرارًا بمحاضر شرطة ملفوفة على شكل عصا‪ ،‬وأطلق عليه‬
‫اللقب قائًال‪ .‬إياك أن تجرؤ على رفع عينيك باتجاهي‪ ،‬أيها الوغد الصغير ذو العينين الجاحظتين!‬
‫سوف أنزعهما من محجريهما كليًا! دع والدك يأتي إلى هنا‪ ،‬يا صاحب العينين الجاحظتين! بعد‬
‫ذلك‪ ،‬كلما حاول أحد أصحابه مناداته بلقب آخر‪ ،‬كان يضربه ضربًا مبّر حًا‪ ،‬لكن عندما ينادونه باسم‬
‫بغ آي‪ ،‬لم يكن يغضب‪ ،‬حتى أنه أحيانًا يأنف من الّر د‪ ،‬وسرعان ما اعتاد على تقديم نفسه بذلك االسم‬
‫كلما التقى أوالدًا آخرين من عمره‪ .‬لقد قِبل اللقب كي ُيمّيز نفسه عن األوالد المتحدرين من عائالت‬
‫محترمة والذين يسكنون في شقق فاخرة‪ ،‬لكنه اكتسبه أيضًا‪ ،‬بالطريقة نفسها التي يكتسب بها الكبار‬
‫إحدى الشارات‪ ،‬بعد كل فترة جديدة يقضونها في السجن‪.‬‬

‫ترك بغ آي المدرسة في منتصف الصف الخامس‪ .‬كانت أمه بائعة متجولة‪ ،‬بالكاد تجني ما‬
‫يكفي لتوفير ثالث وجبات في اليوم على مائدة الطعام‪ ،‬ولدفع إيجار غرفتهما الضيقة في الحي الفقير‬
‫على سفح التلة‪ .‬لقد اعتاد التسكع في أرجاء األزقة مع فتية آخرين بعمره‪ ،‬لكن في مرحلة ما بدأ‬
‫يذهب مع أمه إلى السوق كي يتمكن من القيام ببعض العمل في أحد أكشاك المالبس‪ .‬كانت األكشاك‬
‫داخل مبنى جميل يقع بمحاذاة الطريق الرئيسي مباشرًة‪ ،‬لكن في األزقة الخلفية وبعيدًا عن األنظار‪،‬‬
‫تتجّم ع معامل صغيرة تستغل العمال‪ ،‬ويقوم المالكون بتأجير كل مكان من أماكن العمل الضيقة هذه‪،‬‬
‫حيث يستخدمون بضعة عمال للعمل على بضع آالت خياطة‪.‬‬

‫كان عمل بغ آي الركض جيئًة وذهابًا لتأمين النسيج والخيوط واألزرار والمواد األخرى إلى‬
‫العمال‪ ،‬وتسليم السلع الجاهزة إلى أكشاك المالبس في واجهة المبنى‪ .‬ذات يوم‪ ،‬وفي وقت الغسق‪،‬‬
‫توّج ه إلى المكان الذي اعتادت أمه أن تضع فيه بضائعها‪ .‬كانت النساء يحزمن أمتعتهن في نهاية‬
‫ذلك النهار‪ ،‬لكنه لم يجد أمه‪ ،‬فسأل‪« :‬أين ذهبت أمي؟»‪ .‬صرخت إحدى النساء وقالت‪« :‬البّد وأنها‬
‫تواعد شخصًا آخر في الخفاء»‪ .‬أوضحت المرأة التي بجانبها قائلًة‪« :‬أظّن أّن والدك قد عاد»‪.‬‬

‫«والدي؟»‪ .‬أشارت النساء إلى اتجاه الزقاق الذي يتم فيه تقديم الطعام‪.‬‬

‫بحث بغ آي في الزقاق الذي تفوح فيه روائح السمك المشوي وحساء النقانق المسلوقة‪.‬‬
‫استرق النظر داخل كل مطعم على كال الجانبين إلى أن وجد أمه تجلس إلى طاولة مقابل أحد‬
‫الرجال‪ .‬كان الرجل يدير ظهره ما جعل التعّر ف إلى وجهه مستحيًال‪ ،‬كان يرتدي سترة جيش‬
‫ميدانية وقّبعة كرة قاعدة زرقاء اللون‪ .‬تسّلل بغ آي على أطراف أصابع قدميه إلى الداخل‪ .‬رأته أمه‬
‫ولّو حت له بيدها‪ ،‬فمشى بغ آي باتجاه الطاولة‪ ،‬وبينما هو على وشك التحّقق إن كان حقًا والده التفت‬
‫الرجل وحاول التربيت على رأس بغ آي‪ ،‬فأبعد رأسه إلى الخلف قليًال‪ .‬لم يكن والده‪ .‬سحب الرجل‬
‫يده بإرباك وقال‪« :‬انظر كم أصبحت كبيرًا‪ .‬يبدو وكأنك البارحة كنت تتعّلم المشي‪ .»...‬قالت والدته‪:‬‬
‫«ألِق التحية‪ ،‬هذا أحد أصدقاء والدك»‪ .‬أومأ بغ آي برأسه بطريقة فظة‪ ،‬وجلس إلى جانب والدته‬
‫وأخذ ينظر إليه ببرود‪ .‬كان لديه عينان كبيرتان بّر اقتان وأنف كبير‪ ،‬جعله يبدو ودودًا بعض الشيء‪،‬‬
‫لكّن وحمًة زرقاء ضخمة غّطت كل الجانب األيسر من وجهه تقريبًا‪ ،‬بدءًا من تحت عينه إلى كامل‬
‫خّده‪ .‬أين رأى بغ آي ذلك من قبل؟ بالطبع! الوجه الذي نصفه أبيض ونصفه أزرق‪ ،‬الذقن الُم دببة‬
‫والطويلة‪ ،‬والرداء الذي نصفه أحمر ونصفه أزرق‪ .‬لم يكن سوى بارون أشورا من سلسلة قصص‬
‫مازينغر زد‪ .‬إنه الشرير واليد الُيمنى للدكتور هيل‪ ،‬الذي لطالما أعّد خططًا شريرة رغم أّن مازينغر‬
‫زد‪ ،‬الروبوت الذي يدافع عن الخير‪ ،‬كان يحبطها دائمًا‪ .‬شّد بغ آي قبضتيه بإحكام‪ ،‬وتأّج جت في‬
‫داخله الرغبة في القتال‪ ،‬ثم أخذ يحملق إلى الرجل ذي الوجه األزرق‪ .‬تابع الرجل كالمه من حيث‬
‫توقف عندما وصل بغ آي فقال‪« :‬إنه مجّر د كوخ‪ ،‬ولكنه مجاني‪ .‬وسوف تكسبين ثالثة أضعاف ما‬
‫تكسبينه اآلن‪ .‬أين يمكنك أن تجدي صفقة مثل هذه؟»‪ .‬أومأت والدته برأسها ثم أمالت جذعها إلى‬
‫األمام وعالمات اللهفة على وجهها‪ .‬قالت بترّدد‪« :‬لست أدري متى سيخرج والده‪ ،‬إذا ما تمّكنت من‬
‫تسجيلنا فسأفعل كل ما يلزم»‪ .‬نظر الرجل إلى بغ آي الذي بقي يحملق إليه وقبضتاه مشدودتان فوق‬
‫الطاولة ثم قال‪« :‬كم عمرك؟»‪ .‬لم يستطع بغ آي أن يخبره بأنه في الخامسة عشرة أمام والدته‬
‫الجالسة هناك‪ ،‬لذا اعتصم بحبل الصمت‪.‬‬

‫أجابت بالنيابة عنه‪« :‬ثالثة عشر»‪.‬‬

‫فغر الرجل فاه بدهشة مبالغ فيها وقال‪« :‬ماذا؟ تبدو كبيرًا جدًا لتكون في الثالثة عشرة‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟ في حال سألك أي كان عن عمرك‪ ،‬قل خمسة عشرة»‪ .‬أخفى بغ آي فرحته الُم فاِج ئة وتمتم‬
‫بخجل‪« :‬جميع أصدقائي في الخامسة عشرة من العمر‪.»...‬‬

‫«يا إلهي‪ ،‬أحسنت‪ .‬سنقول إنك أنهيت المدرسة المتوسطة»‪ .‬التفت إلى والدة بغ آي وقال‪:‬‬
‫«سأسّج لك في المدينة‪ ،‬وهكذا تتمكنين من العمل في الصف األول‪ .‬وإذا عمل الفتى بالفرز في‬
‫الصف الثاني‪ ،‬سوف تجنيان معًا ضعف ما يجنيه اآلخرون»‪ .‬تمّكن بغ آي في تلك الليلة أن يخبر‬
‫أمه أنه متحمس جدًا لكي ينام فقال‪« :‬كنت في غاية القلق منذ أن أخبرنا مالك المنزل أنه يجب علينا‬
‫الرحيل‪ ،‬لكن هذا جيد‪ .‬فلدينا عمل اآلن ومكان لنقيم فيه‪ .‬كم هذا مريح»‪ .‬لقد تربى والد بغ آي ووالدة‬
‫في ميتم‪ .‬وفي مرحلة ما‪ ،‬هرب والده لوحده وتسّكع في أرجاء المدينة لفترة من الوقت قبل أن ينتهي‬
‫األمر به ضمن أحد طواقم العمل التي تشّكلت في كل منطقة داخل المدينة‪ .‬ورغم أنه لم يكن قادرًا‬
‫على توفير ما يكفي ليصبح تاجر خردوات يعمل لحسابه الخاص‪ ،‬إال أنه كان مسؤوًال عن جمع‬
‫المواد القابلة إلعادة التدوير في إحدى المناطق الصغيرة‪ .‬في تلك الفترة‪ ،‬عاد والد بغ آي باحثًا عن‬
‫والدته‪ .‬كانت قد كبرت في ذلك الوقت‪ ،‬والتزال تعيش في الميتم وتهتم باألطفال الذين بالكاد استغنوا‬
‫عن حفاضاتهم‪.‬‬

‫إّن مشكلة جمع المواد المرمّية هي أّن كثيرًا منها في حالة جيدة جدًا‪ ،‬حتى أنه ُيطلب في‬
‫بعض األحيان من جامعي النفايات االحتفاظ ببضائع مسروقة إلى أن ُيصبح من الممكن بيعها‪ ،‬ولذا‬
‫غالبًا ما يجدون أنفسهم متهمين بالسرقة‪ .‬وكلما ازدادت التقارير عن وجود سرقات‪ُ ،‬يستدعى جامعو‬
‫النفايات إلى مركز الشرطة طوال ساعات النهار‪ ،‬وتقوم الشرطة بإصدار أمر للمسؤول عن إحدى‬
‫المناطق‪ ،‬كائنًا من يكون‪ ،‬لكي يختار أحد العمال من أجل أن يتحّم ل المسؤولية‪ .‬جامعو النفايات‬
‫أولئك الذين ُسجنوا مرة أو مرتين يتطوعون للعودة إلى السجن‪ ،‬وما أن ُينهوا ُم ّدتهم‪ ،‬ال تعود سرقة‬
‫البوابات الحديدية للمنازل أو أخذ النحاس الغالي الثمن أو األلومنيوم من مواقع البناء أمورًا ذات‬
‫أهمية كبرى‪ .‬ناهيك عن ذكر أنه عندما يقومون بتجميع المواد المرمية في المناطق السكنية‪،‬‬
‫بإمكانهم اكتشاف المنازل الخالية من السكان بغية اقتحامها الحقًا‪.‬‬

‫اختفى والد بغ آي في السنة التي ترك الفتى فيها المدرسة‪ .‬في الواقع‪ ،‬لقد ُأجبر بغ آي على‬
‫ترك المدرسة بصورة أو بأخرى‪ :‬بذهاب والده‪ ،‬شّح ت النقود في المنزل‪ .‬لم تكن المرة األولى التي‬
‫يختفي فيها والد بغ آي‪ ،‬ولذا انتظر الفتى وأمه أسبوعين معتقدين أنه ُقبض عليه في حملة اعتقاالت‬
‫أخرى للشرطة‪ .‬افترضا أّن شخصًا من مركز الشرطة أو مخفر المنطقة سيتصل بهما كالعادة‪،‬‬
‫ويخبرهما أّنه ُألقي القبض عليه وهو محتجز في مكان ما‪ .‬لكن هذه المرة‪ ،‬ولدهشتهما‪ ،‬لم يردهما أي‬
‫أخبار‪ ،‬لكن بدًال من ذلك‪ّ ،‬سرب أحد الشباب الذين عملوا مع والده معلومات لوالدته‪ .‬أخبرها أّن والد‬
‫الفتى قد اقتيد بعيدًا إلى معسكر إلعادة التعليم‪ .‬منذ أن استولى الجنرال الجديد على السلطة‪ ،‬وأعلن‬
‫أنه سيقوم بتنظيف المجتمع‪ ،‬سرت شائعات أّن رجال العصابات وأصحاب السوابق والمجرمين‬
‫العاديين‪ ،‬سيجمعون وسيرسلون لقضاء فترة إعادة تعليم من أجل تحويلهم إلى أناس جدد‪ .‬اختفى‬
‫كثير من الناس‪ ،‬وقيل إنهم يخضعون إلعادة التأهيل في معسكرات إعادة التعليم التي ُأقيمت في‬
‫القواعد العسكرية المنتشرة في أرجاء البالد‪.‬‬

‫لم يسبق لعائلة بغ آي أن عاشت في حالة ترف‪ ،‬لكن على األقل لم يشعروا بالجوع‪ .‬واآلن‬
‫توّج ب على بغ آي ووالدته أن يجدا طوال النهار من أجل أن يحصال على وجباتهما الثالث وحسب‪.‬‬
‫حتى عندما كان في المدرسة‪ ،‬كان فتية المبنى يزعجونه بتسميته المتشرد الذي يأكل النفايات‪ .‬وفي‬
‫كل مرة قالوا ذلك‪ ،‬كان لهم بالمرصاد وأبرحهم ضربًا بيديه وركًال برجليه‪.‬‬

‫أنزل السائق زجاج نافذته‪ ،‬وحّث الجميع على النزول من الشاحنة قائًال‪« :‬هيا‪ ،‬فليس لدينا‬
‫النهار بأكمله»‪ .‬مّر ر الناس أمتعتهم لبعضهم بعض ونزلوا عن كومة القمامة‪.‬‬

‫جّر بغ آي ووالدته حزمة من مستلزمات النوم‪ ،‬وكيسًا بالستيكيًا كبيرًا‪ ،‬وحوضًا يحوي‬
‫قدورًا ومقالي وما شابهها من تلك التي انتقوها وجلبوها من منزلهم القديم‪ .‬زاد السائق من سرعة‬
‫دوران المحرك قاذفًا بدخان العادم ذي الرائحة الكريهة من أجل حّثهم على التحّر ك بسرعة‪ .‬عندما‬
‫نزلوا من الشاحنة‪ ،‬ظهر رواد فضاء من بين العتمة‪ .‬كانوا ينتعلون أحذية طويلة وخوذ وقبعات‬
‫بمصابيح مربوطة على جباههم مثل عمال المناجم‪ ،‬وكفوف مطاطية سميكة‪ ،‬وأقنعة كبيرة‪ .‬تقّدم أحد‬
‫رواد الفضاء منهم ونزع قناعه‪ ،‬لكن لم يتمكن أي منهم من التعّر ف إليه في البداية‪.‬‬

‫«مرحبًا‪ ،‬هذا أنا‪ ،‬دعونا نذهب»‪ .‬عندما سمعت والدته صوته‪ ،‬أمسكت بيد بغ آي‪ ،‬كان‬
‫بارون أشورا‪ .‬حمل مستلزمات نومهما على كتفه وكأنها عديمة الوزن‪ ،‬وتقدم المسير‪ ،‬حامًال الكيس‬
‫البالستيكي بيده األخرى‪ ،‬بينما حمل بغ آي ووالدته الحوض الحاوي على سقط متاعهما من طرفيه‬
‫ولحقا به‪ .‬كانت األضواء تومض ببطء في قاعدة جبل النفايات حيث شّق صف من الشاحنات طريقه‬
‫وسط هدير المحركات وعاصفة من الغبار‪.‬‬

‫بينما كانوا يقتربون أكثر‪ ،‬اكتشف بغ آي أّن األضواء الوامضة تأتي من أكواخ صفيح‬
‫بمختلف األشكال واألحجام‪ .‬كان هناك خيم قماشية‪ ،‬وهياكل بناء مصنوعة من األلواح الخشبية‬
‫المرصوفة بشكل عشوائي مع بعضها والملفوفة بالبالستيك‪ ،‬وجدران مصنوعة من الفتات متاجر‬
‫عشوائية وصناديق الكرتون‪ .‬امتدت األكواخ داخل الظالم بشكل ال نهائي‪ ،‬حتى أنه بالكاد يوجد‬
‫مكان لكي يدخل شخص فيما بينها‪ .‬فصلت بين صفوف األكواخ ممرات ليست أوسع من مسار يكفي‬
‫لمرور سيارة واحدة‪ .‬ومن خالل الضوء المنبعث من كل نافذة بالستيكية في األكواخ قليلة االرتفاع‪،‬‬
‫تبين أن هناك أناسًا يعيشون فيها‪ .‬ثمة رجال يتجمعون حول المواقد في المساحات الصغيرة التي‬
‫ُتركْت فارغة هنا وهناك بين األكواخ‪ ،‬يسلقون أو يشوون الطعام فوق النار ويشربون السوجو‬
‫والماكولي‪ .‬قّدم البارون بغ آي ووالدته إلى الرجال الموجودين في إحدى المساحات الخالية قائًال‪:‬‬
‫«هذه المرأة هي بمثابة أخت لي‪ .‬وهي ُم سّج لة في المدينة اآلن‪ ،‬عاملوها كفرد من العائلة»‪ .‬تذمر‬
‫رجل عابس الوجه وقال‪« :‬أوه عظيم‪ ،‬هذا ما نحتاج إليه تمامًا‪ ،‬مزيد من المنافسين»‪ .‬كان قد وضع‬
‫للتو علبة معدنية على النار‪ ،‬وجثم كي ينفخ على الجمر‪ .‬تجاهل الرجال بغ آي الواقف خلف والدته‬
‫والبارون‪ .‬وكأي رئيس طاقم جيد‪ ،‬رّدد البارون حقيقة أّن لديها كامل الحق بأن تكون موجودة هناك‪،‬‬
‫وأوضحت نبرة صوته بشكل جلي أّن األمر غير قابل للنقاش فقال‪« :‬لدينا خمسة وأربعون شخصًا‬
‫مسجلون في قطاعنا مسبقًا»‪.‬‬

‫«لم نعد نجد سوى القليل مما يستحق البيع‪ .‬إنها مشكلة حقيقية»‪.‬‬

‫قال البارون مؤكدًا‪« :‬سيكون هناك أيام مشمسة وأيام ماطرة‪ .‬اآلن‪ ،‬من سيقوم بتقديم‬
‫المساعدة؟ الذي يساعد‪ ،‬كائنًا من يكون‪ ،‬سيكون شراب السوجو خاصته على حسابي»‪.‬‬

‫«يجب إخالء كوخ عمال الجص»‪.‬‬

‫«كان هذا منذ ثالثة أو أربعة أيام‪ .‬عندما ألقيُت نظرًة عليه من قبل‪ ،‬كانت كل األشياء المفيدة‬
‫قد ُأِخ ذت»‪ .‬لحق بغ آي ووالدته بالرجال الثالثة إلى الكوخ الفارغ‪ :‬كل شيء قد انُتِز ع من مكانه‬
‫وُأخِذ‪ ،‬ما عدا األساسات‪ .‬حتى أّن أحدهم نزع ألواح الفينيل الُم ستخدمة لتغطية األرضية‪ ،‬لكّن أجزاًء‬
‫من كرتون الصناديق الممزقة التي ُنشرت تحت الفينيل بقيت هناك‪ ،‬وأصبحت رطبة جراء اتصالها‬
‫باألرض العارية‪ .‬رفع أحد الرجال الكرتون وقال‪« :‬انظروا هنا‪ ،‬لقد نسوا أن يأخذوا الستيريوفوم»‪.‬‬
‫قال البارون‪« :‬دعونا ُنبعد هذه الخردة إلى هناك ونبني كوخًا بجانب كوخي تمامًا»‪ .‬همس الرجالن‬
‫وهما يضحكان‪« :‬ينبغي على العازب العجوز أن ُيبقي أخته قريبة منه‪ ،‬صحيح؟»‪ .‬تظاهر البارون‬
‫أنه لم يسمعهما فقال‪« :‬سيفي هذا بالغرض‪ .‬نحن بحاجة إلى أن نمد فقط قطع كرتون جديدة ونغطيها‬
‫بمشّم ع‪ .‬لن يستغرق ذلك أكثر من ساعة»‪.‬‬
‫لحق بغ آي ووالدته ببارون أشورا إلى األسفل‪ ،‬نحو نهاية صف أكواخ الصفيح‪ .‬بدت بقعة‬
‫جيدة المنظر‪ ،‬على مسافة قصيرة من القطاع المجاور وبعيدة بما يكفي عن الطريق حيث تشق‬
‫الشاحنات طريقها إلى أعلى وأسفل تلة القمامة‪ .‬بينما كان الرجال الثالثة بعيدين‪ ،‬يجمعون المواد‬
‫الالزمة لمنزلهما الجديد‪ ،‬وضع بغ آي ووالدته أشياءهما على األرض وجثما بجانب كوخ البارون‪.‬‬

‫اشتكى بغ آي قائًال‪« :‬اعتقدُت أننا سننتقل إلى الريف»‪ .‬فتنّه دْت أمه ثم قالت‪« :‬الناس يعيشون‬
‫هنا‪ ،‬مثل أي مكان آخر تمامًا»‪.‬‬

‫«الناس؟ كل ما أراه هو الذباب والقمامة‪ .‬هذا مقرف»‪.‬‬

‫أجابت أمه باستهزاء‪« :‬ربما هي قمامة اآلن‪ ،‬لكنهم يقولون إنها تتحول إلى ذهب»‪.‬‬

‫في البدء لم يَر بغ آي سوى أكوام مبهمة في الظالم‪ ،‬لكنه لم يستطع أن يعرف ما هي‪ .‬لقد‬
‫تسّبب الرجال الثالثة بجلبة وهم يتناوبون على جّر عربة مليئة بالخردوات إلى الكوخ‪ .‬خرج كل‬
‫شيء من مكب القمامة‪ :‬عوارض خشبية مختلفة الطول‪ ،‬وصناديق وخردوات بالستيكية من سوق‬
‫السمك‪ ،‬وأغطية بالستيكية سميكة من مختلف األشكال واأللوان آتية من عربات األطعمة في‬
‫الشوارع‪ ،‬وأقمشة لّبادية سوداء ُتستخدم في البيوت البالستيكية‪ ،‬ومشّم عات لألرضيات بكل األشكال‬
‫الممكنة‪ .‬فجأة تحّو لت المنطقة المحيطة بالكوخ إلى موقع بناء‪ ،‬واندفع الناس من األكواخ المجاورة‬
‫لمد يد العون‪.‬‬

‫وتنفيذًا ألوامر البارون‪ُ ،‬قّطعت العوارض الخشبية أو ُثّبتْت معًا لتشّكل أعمدة ُغرست بشكل‬
‫عمودي‪ ،‬أما القطع األخرى فوضعت بجانب األعمدة لتشّكل دعائم لها‪ .‬كما ُم ّز قت صناديق السمك‬
‫وُثّبتْت األلواح بالمسامير لتشّكل جدرانًا‪ .‬أما الجدران من الداخل فقد ُغّطيت بالبالستيك ثم‬
‫بالستيريوفوم‪ ،‬وبعد ذلك بطبقة قوية ومستوية من الكرتون‪ .‬من أجل تسوية األرضية‪ ،‬مّدوا بدايًة‬
‫طبقة من البالستيك على األرض العارية ثم طبقة من الستيريوفوم‪ ،‬ثم كرتون من الصناديق‬
‫الممزقة‪ ،‬ثم المشّم ع البالستيكي‪ .‬أما السقف فغطوه بألواح الستيريوفوم وصفائح الكرتون‪ ،‬وفوقهما‬
‫وضعت المادة اللّبادية السوداء والمشّم ع‪ ،‬وتبعها عوارض خشبية مقطعها بقياس ‪ 2‬ضرب ‪ 4‬بوصة‬
‫ُثّبتْت بمسامير من أجل ضمان عدم اقتالع الريح للسقف‪ .‬وكلمسة أخيرة‪ ،‬فرشوا خيمة عربة الطعام‬
‫فوق السقف من أجل إكمال الكوخ البالغة مساحته ثالثة عشر مترًا مربعًا‪ .‬وبما أنه بجانب كوخ‬
‫البارون مباشرًة‪ ،‬بدا أكبر بكثير من األكواخ األخرى التي في المقّدمة‪ .‬ثبت بارون أشورا شمعًة على‬
‫أحد الحجارة المسّطحة من أجل إضاءة الغرفة‪.‬‬

‫أخرجْت والدة بغ آي قميصًا قديمًا من أمتعتهما وأخذت تدعك الُم شّم ع‪ .‬بدا النقش الوردي‬
‫الذي برز تدريجيًا على ضوء الشمعة الوامض زاهيًا ونابضًا بالحياة‪ .‬أخذت والدة بغ آي تحّدق إلى‬
‫أرجاء الغرفة مذهولة قائلًة‪« :‬يا إلهي‪ ،‬إنه كالسحر‪ .‬كل ما نحتاج إليه موقد تخييم وسيصبح لدينا‬
‫مطبخ أيضًا»‪ .‬هّز البارون رأسه‪ ،‬بينما كان ضوء الشمعة ُيبرز وحمته الزرقاء أكثر‪ ،‬وقال‪« :‬ال‬
‫تقلقي بشأن ذلك‪ ،‬لدينا كل هذه األشياء‪ .‬حان اآلن وقت االحتفال»‪ .‬عندما عادوا إلى مكان موقد‬
‫النار‪ ،‬أعطى البارون عدة أوراق نقدية إلى أحد الرجال الذين قّدموا المساعدة وقال‪« :‬اذهب وأحضر‬
‫الرامن وعدة زجاجات من شراب السوجو»‪ .‬كان هناك شيء يغلي وتنبعث منه رائحة شهية‪ ،‬فوق‬
‫أحد األفران القديمة المصنوعة من أحد براميل الزيت القديمة المقسومة إلى قسمين‪.‬‬

‫سأل البارون رجًال كان يرتدي خوذة واقية (هارد هات) على رأسه‪« :‬ماذا تطبخ؟»‪.‬‬

‫«حساء جزيرة األزهار»‪.‬‬

‫«وماذا أيضا؟»‪.‬‬

‫«مع مسحوق الفلفل الحار»‪.‬‬

‫«هذا ما نحتاج إليه بالضبط»‪ .‬بعد وقت قصير‪ ،‬عاد الشاب الذي هرع إلى المتجر بكيس‬
‫بالستيكي‪ .‬مّز ق البارون غطاء طبق الرامن ورش عبوة مسحوق الحساء على الِقْدر‪ .‬كان على وشك‬
‫إضافة المعكرونة الجافة عندما أوقفه هارد هات قائًال‪« :‬يا أخي‪ ،‬المعكرونة ُتؤكل أخيرًا‪ .‬يجب‬
‫تناول األشياء اللذيذة أوًال»‪.‬‬

‫قال بارون أشورا‪« :‬لقد حّققنا نتائج كبيرة اليوم؟»‪.‬‬

‫قال أحد الرجال‪« :‬يبدو هذا مثل لحم خنزير حقيقي من قطاع التعاونيات‪ ،‬من المؤكد‬
‫والمجدي أن نساعد بعضنا بعضًا»‪.‬‬
‫قال هارد هات‪« :‬يجب أن تستقيل أنت أيضًا‪ .‬وتبدأ بعملياتك الخاصة‪ ،‬هل لديك أي فكرة عن‬
‫مدى ارتفاع التكلفة لرسوم الرخصة في قطاع عربات الشاحنات الخاصة؟»‪.‬‬

‫أضاف البارون عابسًا‪« :‬ليس لدينا العالقات المناسبة على أية حال‪ .‬ال يوجد في مكبات‬
‫المنطقة أي شيء جيد‪ .‬القطاعات الخاصة تحصل على أفضل األشياء»‪ .‬أخرج هارد هات ملعقة‬
‫مطوية من جيب قميصه‪ ،‬ومسحها عدة مرات بكّم ه‪ ،‬ثم تذّو ق الحساء وقال‪« :‬اللعنة‪ ،‬هذا جيد»‪.‬‬
‫سكب البارون بعضًا من لحم الخنزير والنقانق في أحد األطباق المحروقة والمبعوجة‪ ،‬ثم أعطاه إلى‬
‫بغ آي ووالدته وقال‪« :‬أفراد عائلتنا الجدد هم ضيوف الشرف اليوم‪ ،‬تناوال الطعام»‪ .‬بتردد ارتشفت‬
‫والدة بغ آي رشفة من الحساء‪ ،‬وهمست في إذن بغ آي‪« :‬طعمه مثل طعم حساء القاعدة العسكرية»‪.‬‬
‫وضع بغ آي قطعة نقانق في فمه‪ ،‬وشرع بتناول الحساء بسرعة‪ .‬نزع الرجال سدادات زجاجات‬
‫اللبن التي حصلوا عليها من بين النفايات‪ ،‬وأخرجوا التراب والقاذورات الموجودة في داخلها‪ ،‬ثم‬
‫استخدموها كأقداح لشراب السوجو‪.‬‬

‫ما إن انتشرْت رائحة الطعام‪ ،‬حتى حط الذباب على الطعام في اللحظة التي ُأخِر ج فيها من‬
‫المرق‪ ،‬وعندما حاولت األفواه إبعاد الذبابات‪ ،‬اكتفت برفرفة أجنحتها‪ .‬وتعلقت بعض الذبابات‬
‫بالطعام وهو يدخل إلى األفواه‪ ،‬ولم تطر إال عندما أحست بأطراف األلسن‪.‬‬

‫«اليزال األوغاد مشاكسين»‪.‬‬

‫«في العادة تكون األعداد أقل في الليل‪ ،‬لكني أظن أّن النار جذبت الذباب»‪.‬‬

‫«كنُت أعتقد أنها ستختفي أيضًا مع انتهاء الصيف‪ .‬لكن بهذا المعّدل ستبقى معنا حتى عطلة‬
‫تشسيوك (عطلة السنة القمرية الجديدة في كوريا)»‪.‬‬

‫«حسنًا‪ ،‬ستجعل الشعر ينمو في صدرك‪ .‬البّد وأننا أكلنا نصف ليتر كامل من الذباب هذا‬
‫الصيف»‪.‬‬

‫أخذ بغ آي يهّش الذباب وهو يأكل‪ ،‬لكن مع ذلك‪ ،‬كاد يختنق بذبابة غرقت في الحساء‪ .‬أعطى‬
‫البارون لبغ آي ولوالدته بعض معكرونة الرامن التي سلقها الرجال في المرق الُم تبّقي‪ .‬وقال لوالدة‬
‫بغ آي‪« :‬إذا أردِت أن تكوني عاملة حقيقية‪ ،‬عليِك أوًال أن تتعّلمي كيف تتدّبرين أمورك»‪.‬‬
‫بينما كان الكبار يسكبون شراب السوجو في األقداح‪ ،‬قدحًا تلو اآلخر‪ ،‬تسلل بعيدًا عن موقد‬
‫النار وعاد إلى كوخهما الجديد‪ .‬بقيت والدته مع بارون أشورا كي تتعلم أكثر عن كيفية سير األمور‪.‬‬
‫ما إن أشعل بغ آي عود ثقاب‪ ،‬وأضاء شمعة‪ ،‬ثم اضطجع على المشّم ع األملس‪ ،‬بدا المكان أكثر‬
‫رحابًة وراحًة من المكان الذي اعتادا العيش فيه‪ .‬عندها فقط‪ ،‬اعتقد أنه رأى أحدهم أطّل برأسه‪،‬‬
‫واسترق نظرًة إليه من الباب‪ ،‬لكن عندما نظر إلى األعلى‪ ،‬اختفى الرأس‪ .‬اعتدل بغ آي في جلسته‬
‫وعيناه مثبتتان على الباب‪ .‬وقبل انقضاء وقت طويل‪ ،‬أطّل الرأس النافد الصبر مجددًا‪.‬‬

‫صرخ قائًال‪« :‬من أنت؟»‪.‬‬

‫اهتز الرأس الذي نصفه مخفي ضاحكًا لكن لم يرد‪ .‬عندما اقترب بغ آي من الباب‪ ،‬انفجر‬
‫مصدر الضحكات من وراء الباب‪ .‬كان فتًى يبدو أصغر بكثير من بغ آي‪ .‬يعتمر قبعة كرة قاعدة‬
‫مائلة إلى الجنب‪ ،‬ويرتدي قميصًا داخليًا من دون كمين‪ ،‬وبنطال جينز فضفاضًا‪.‬‬

‫سأل بغ آي‪« :‬من أنت بحق الجحيم؟»‪.‬‬

‫قال الفتى وهو يضحك بصوت عاٍل ‪« :‬من أنت بحق الجحيم؟»‪.‬‬

‫منزعجًا انتزع بغ آي قّبعة الفتى عن رأسه‪ .‬كانت ُم طّر زة بحروف صغيرة ُتبّين كلمات‪ ،‬كرة‬
‫قاعدة المدرسة المتوسطة‪ ،‬وقد ُثنيْت وخيطت من الخلف حتى تناسب رأسه‪.‬‬

‫«أعْدها لي! هيا‪ ،‬أعطني إياها!»‪ .‬خّبأ بغ آي القّبعة خلفه بإحدى يديه‪ ،‬ومّد األخرى ليداعب‬
‫رأس الفتى ببراجمه‪ ،‬عندئٍذ وجد أّن النصف األيسر من رأسه كان عديم الشعر بشكل كامل‪ ،‬وبدت‬
‫الجمجمة ُم جّعدة‪ .‬اندفع الفتى إلى داخل الغرفة وهو ينتعل نعليه‪ ،‬لذا رمى بغ آي القّبعة خارج الباب‬
‫وخرج‪ .‬ركض الفتى ليلتقط القبعة‪ ،‬فوضعها على رأسه ثم بصق على األرض‪.‬‬

‫قال متمتمًا‪« :‬أيها اللعين»‪.‬‬

‫قال بغ آي‪« :‬مهًال‪ ،‬أنا آسف‪ .‬أين تعيش؟»‪ .‬مّد الفتى شفته السفلى واستخدمها لإلشارة إلى‬
‫الكشك المجاور ثم قال‪« :‬هناك»‪.‬‬
‫«أنت أحد أقرباء البارون؟ أقصد‪ ،‬قائد الطاقم؟»‪ .‬أومأ الفتى برأسه‪ ،‬ثم أدلى بجواب بعد آخر‬
‫ردًا على أسئلة لم يطرحها بغ آي‪.‬‬

‫«إنه أبي‪ ،‬وأنا ليس لدي أم‪ ،‬نحن االثنان فقط‪ ،‬وأبي ال يتكلم معي»‪.‬‬

‫«لَم ال؟»‪ .‬ثّبت الفتى رأسه وقال‪« :‬يقول إني غبي جدًا»‪ .‬بدا الفتى بطيء االستيعاب بعض‬
‫الشيء‪ ،‬لكّن بغ آي اعتقد أنه إذا كان ابن بارون أشورا‪ ،‬فمن األفضل له استمالته إلى جانبه‪ .‬رفع بغ‬
‫آي يده إلى األعلى‪ ،‬وأشار إلى الفتى أن ينتظر‪ .‬أخذ ُيفّتش بصندوقه المعدني الذي يستخدمه لتخزين‬
‫أغلى مقتنياته فيه‪ ،‬ثم أخرج منه ُم جّسمًا لمازينغر زد‪.‬‬

‫قال‪« :‬تفّضل‪ ،‬بإمكانك االحتفاظ به‪ .‬إنه أقوى روبوت في العالم»‪ .‬كانت اللعبة بالنسبة إلى بغ‬
‫آي مجّر د شيء احتفظ به من األيام الخوالي‪ ،‬فلو أظهرها ألصدقائه في منزله القديم كان ليفقد ماء‬
‫وجهه‪ ،‬لقد كانت المفاصل البالستيكية للمجسم مرتخية قليًال‪ ،‬لكّن الزنبرك المعدني الذي ُيطلق‬
‫صواريخ الساق والساعد اليزال قويًا‪ .‬كانت واحدة من األلعاب العديدة المرمّية في أكوام الخردة التي‬
‫جلبها والده ذات يوم‪ .‬يومها وجد والده الروبوت‪ ،‬وسيارة سباق‪ ،‬وبعض القطع الخشبية من أجل بناء‬
‫منازل على شكل ألعاب‪ ،‬في ذلك اليوم‪ ،‬تلّقى بغ آي كل تلك الهدايا‪ ،‬ومعها موزة أيضًا‪.‬‬

‫«انظر‪ ،‬إذا ضغطت هنا‪ .»...‬ضغط بغ آي أحد األزرار على الذراع‪ ،‬فبرزت القبضة‪ .‬رفس‬
‫الفتى األرض بقدميه وضحك مسرورًا‪ .‬التقط بغ آي القبضة البالستيكية‪ ،‬ثم رّكبها في مكانها‪،‬‬
‫وأعطاها للفتى‪.‬‬

‫«ما اسمك؟»‪.‬‬

‫«بولد سبوت (بقعة صلعاء)»‪.‬‬

‫«بولد سبوت؟ أي نوع من األسماء هذا؟»‪ .‬بالرغم من اسمه الغريب إال أّن بغ آي أحّب الفتى‬
‫بسرعة‪ .‬شعر باالطمئنان لعلمه أّن الناس هنا ُتسّم ى بألقابها مثلما هو الحال عليه في األحياء الفقيرة‬
‫على سفح التل في المدينة‪.‬‬

‫«كم تبلغ من العمر؟»‪ .‬فَر د الفتى أصابعه العشرة كلها أمام وجه بغ آي‪ُ .‬دهش بغ آي‪ .‬كيف‬
‫يمكن أن يكون الفرق بينهما ثالث سنوات فقط؟ وخز بولد سبوت‪ ،‬بغ آي على صدره وسأله‪« :‬ما‬
‫اسمك؟»‪.‬‬

‫«بغ آي»‪.‬‬

‫قال وهو يضحك بصوت عاٍل ‪« :‬بغ آي! بغي‪-‬بغي‪-‬بغي!»‪ .‬انحنى الفتى ضاحكًا إلى أن لمس‬
‫رأسه األرض‪ .‬بعد ذلك أشار إلى بغ آي بأن يتبعه‪ ،‬وبدأ يركض‪.‬‬

‫قال بغ آي‪« :‬مهًال‪ ،‬إلى أين أنت ذاهب؟»‪ .‬التفت بولد سبوت ووضع أحد أصابعه على‬
‫شفتيه‪.‬‬

‫همس قائًال‪« :‬األمر بالغ السرية‪ .‬في حال اكتشف والدي أو الكبار اآلخرون‪ ،‬سوف نقع في‬
‫ورطة»‪.‬‬

‫«حسنًا‪ ،‬من األفضل لك أن تخبرني أوًال إلى أين نحن ذاهبان»‪.‬‬

‫«اتبعني وحسب»‪.‬‬

‫تبع بغ آي بولد سبوت في الطريق الذي تحّده األكواخ من كل األشكال واأللوان‪ .‬لقد سمع أّن‬
‫هناك ألفي عائلة تعيش معًا في الجزيرة‪ ،‬لكنه بقي مذهوًال لكيفية وجود صفوف من األكواخ التي لم‬
‫تمأل المناطق المنبسطة وحسب بل امتدْت إلى كل الطريق حتى أعلى التلة‪ .‬كانت أضواء الشموع‬
‫تتسّر ب بشكل خافت من كل نافذة بالستيكية صغيرة‪.‬‬

‫صادفا بعض المساحات الخالية حيث يتبادل الكبار المشروب بينما يركض األطفال إلى‬
‫داخل وخارج صفوف األكواخ وكأنهم يلعبون لعبة الغميضة‪.‬‬

‫أغّذ االثنان الخطى على التل الذي يحّد طرف مدينة الصفيح‪ .‬شعرا بالعشب الطري باردًا‬
‫على كاحليهما‪ .‬عرف بغ آي اسم هذه الجزيرة‪ ،‬فقد سمع اسمها حيث كان يعيش مع والدته في موقع‬
‫تجميع النفايات ضمن المدينة‪ .‬عندما سمع اسم (جزيرة األزهار) للمرة األولى‪ ،‬اعتقد أنهما ذاهبان‬
‫إلى إحدى الجنائن التي ُتطّل على المحيط‪.‬‬

‫شّق بغ آي وبولد سبوت طريقهما نحو تلة القمامة خارج مدينة الصفيح‪ ،‬وهناك وصال إلى‬
‫األطراف الغربية للجزيرة المثلثة الشكل‪ .‬حالما اقتحما التل‪ ،‬نظرا إلى األسفل نحو النهر‪ .‬لقد ابتلع‬
‫الظالم النهر نفسه‪ ،‬لكّن أضواء السيارات العابرة التي تتسابق على الطريق العام تراقصت على‬
‫سطح الماء وجعلته يتألأل‪.‬‬

‫«ما الذي تفعله؟ أسرع»‪ .‬وكز بولد سبوت بغ آي ليبعده عن المكان الذي وقف فيه مذهوًال‬
‫أمام النهر‪ .‬بدا أنهما يمشيان عبر أحد حقول الخضروات‪ .‬وقف بولد سبوت فجأًة على تلٍة رملية‬
‫حيث تتمايل أشجار الصفصاف الطويلة واألعشاب الفضية والنباتات مع الريح‪ .‬نظر بغ آي حوله‪،‬‬
‫كان هناك جسر شديد اإلضاءة في مكان بعيد إلى جهة الشرق‪ .‬فتذّكر أّن الشاحنة التي أتوا فيها‬
‫أخذْت منعطفًا لجهة اليسار باتجاه جزيرة األزهار بعد عبور الجسر مباشرًة‪.‬‬

‫في مكان شاهق يطل على النهر فوق منطقة مرتفعة وسط الجزيرة المثلثة الشكل‪ ،‬وأعلى‬
‫وأطول من التلة التي وقفوا عليها‪ ،‬هناك جبل قمامة‪ .‬كانت فترات العمل قد انتهت‪ ،‬لذا لم يريا‬
‫شاحنات على مدى نظريهما‪ .‬جثم بولد سبوت وأخذ يتلّم س الرمال‪ :‬ظهر حبل‪ ،‬فسحبه وقال‪« :‬هناك‬
‫حبل آخر إلى جانبك أيضًا»‪.‬‬

‫مّد بغ آي يده إلى األسفل فوجد حبًال مشابهًا مربوطًا بوتد يخرج من بين الرمال‪ .‬عندما شّدا‬
‫حبليهما في الوقت نفسه‪ ،‬ارتفع عمودان مستقيمان وطويالن بينما انسحب السقف القماشي بشكل‬
‫مشدود في مكانه‪ .‬أخرج بولد سبوت كيسًا بالستيكيًا كان مخّبًأ تحت السقف‪ ،‬ثم أخرج علبة ثقاب‬
‫وأشعل شمعة‪.‬‬

‫ثمة قطع ثخينة من الكرتون مغطاة بشرائح كبيرة من الخردة ذات لونين أبيض وأزرق‬
‫تشّكل أرضية المكان وهناك جدران قليلة االرتفاع على الجانبين مصنوعة من كتل إسمنتية‪ .‬كان‬
‫مخبًأ صغيرًا وأنيقًا محفورًا في جانب التلة الرملية ومفتوحًا على النهر‪ ،‬يبدو تمامًا وكأّن أحدهم‬
‫قضم قضمة من شطيرة‪.‬‬

‫قال بولد سبوت بفخر‪« :‬هذا مقّر نا»‪ .‬وضع روبوت المازينغز زد في علبة داخل المخبأ‪.‬‬

‫ظّل بغ آي يرّبت على الكتل اإلسمنتية وهو مذهول ثم قال‪« :‬إنها شبيهة بالمنزل تمامًا»‪.‬‬

‫«نعم!»‪ .‬قّلد بولد سبوت بغ آي وأخذ يرّبت على الجدار أيضًا‪.‬‬


‫علم بغ آي الحقًا من األوالد اآلخرين أّن المكان استخدم سابقًا نقطة حراسة للجيش‪ ،‬وأّن‬
‫الفتيان من مكب النفايات حملوا أجزاًء من الكرتون والخردوات من القمامة إلى هناك وحولوه إلى‬
‫غرفة مريحة‪ .‬حتى إنهم رّكبوا المظلة القماشية لكي ُتظّلهم في األيام المشمسة‪ ،‬وتكون مالذًا لهم في‬
‫األيام الماطرة‪ .‬وكتمويه يمكن ببساطة طي الخيمة عبر إنزال الحبال وتغطية المكان عندما ال‬
‫يستعمله أحد‪ .‬في كل مرة يرتفع فيها القماش‪ ،‬يبدو األمر مثل ستارة مسرح ُتفتح لكي تكشف عن‬
‫عالم جديد‪ .‬عندما جلسا في الداخل ونظرا إلى الخارج‪ ،‬كان المشهد مختلفًا كليًا عما كان عليه عندما‬
‫وقفا على قمة التلة الرملية‪ .‬بدْت ظالل أشجار الصفصاف واألعشاب الفضية واقفة في زاوية واحدة‬
‫من اإلطار المستطيل الذي شّكلته جدران الكتل اإلسمنتية والمظلة القماشية‪ ،‬وتدّفق النهر الواسع من‬
‫الوسط‪ ،‬وتألأل ضوء القمر على سطح النهر‪ ،‬وشّعت أضواء المدينة بخفوت في الجانب البعيد للمياه‪.‬‬

‫قال بغ آي وهو غير قادر على إخفاء ذهوله وحسده‪« :‬حسنًا‪ ،‬هذا مقّر كم»‪.‬‬

‫تمتم بولد سبوت قائًال‪« :‬سأقع في مشكل إن علم القائد بأنك تعرف»‪ .‬أخرج كدسة كبيرة من‬
‫المجالت من درج إحدى الطاوالت القليلة االرتفاع في الزاوية البعيدة‪ .‬بدا الفتى الصغير فخورًا أكثر‬
‫مما هو خائف وهو ُيري بغ آي المجالت‪ .‬كان بغ آي على اطالع عليها من قبل‪ ،‬ألن الفتية األكبر‬
‫سنًا قد أروه األنواع نفسها في األحياء الفقيرة من سفح التلة‪ .‬إنها مجالت للكبار من إحدى البلدان‬
‫األجنبية‪ ،‬مليئة من أولها إلى آخرها بصور أناس‪....‬‬

‫«من هو قائدكم؟»‪.‬‬

‫«مول‪( ،‬الخلد)‪ ،‬إنه ُم خيف»‪.‬‬

‫«كم يبلغ من العمر؟»‪.‬‬

‫«ال أعلم ولكنه أكبر منك‪ .‬وهو عامل جيد»‪ .‬جلس بغ آي وبولد سبوت وذقناهما فوق‬
‫ركبتيهما ونظرا إلى الخارج باتجاه النهر لفترة طويلة من الوقت‪.‬‬

‫أَح ّب بغ آي حقيقة أّن بولد سبوت ال يتكلم كثيرًا ما لم تطرح عليه سؤاًال أو كنت البادئ‬
‫بالحديث‪ .‬وبالرغم من أنه يبدو غبيًا إال أنه سريع التعلم‪ ،‬وربما كان أعمق مما يبدو عليه‪ .‬إّن‬
‫التعرض للمضايقة والسخرية من ِقبل األوالد اآلخرين تجعل الشخص أكثر عمقًا‪ .‬قبل أن يتعلم بغ‬
‫آي‪ ،‬الدفاع عن نفسه‪ ،‬كان ولدًا هادئًا ومنطويًا على نفسه أيضًا‪.‬‬

‫سأله بغ آي‪« :‬هل تحب المكان هنا؟»‪.‬‬

‫أومأ بولد سبوت برأسه مؤّكدًا على ذلك‪.‬‬

‫«هل تأتي إلى هنا خالل النهار أيضًا؟»‪.‬‬

‫«آتي إلى هنا كلما أردت‪ .‬ويأتي األوالد اآلخرون في المساء»‪.‬‬

‫ترّدد بغ آي قبل أن يسأله‪« :‬مهًال‪ ،‬أصغ لي ‪ ...‬هل والدك لطيف؟»‪.‬‬

‫«لسُت أدري‪ ،‬فهو ال يكلمني»‪.‬‬

‫«أسألك ألنه يفترض بي وبوالدتي أن نعمل لديه بدءًا من الغد ‪.»...‬‬

‫تمتم بولد سبوت قائًال‪« :‬ال ُيفترض باألوالد أن يعملوا هنا‪ .‬أظن أنك ومول الوحيدان اللذان‬
‫يعمالن فقط»‪.‬‬

‫ضحك فجأة ثم قال بفظاظة‪« :‬ربما ينام أبي مع أمك!»‪ .‬لكم بغ آي بولد سبوت على قمة قبعة‬
‫كرة القاعدة تمامًا‪ .‬فسقط بولد سبوت على جنبه وصرخ وكأنه ُيحتضر‪.‬‬

‫«ال تضربني على رأسي أيها اللعين!»‪.‬‬

‫«أنت من جلبت لنفسك األذى! لقد تكلمت بالسوء عن والدتي!»‪.‬‬

‫فرك بولد سبوت رأسه بكلتا يديه‪ ،‬ثم ابتعد جارًا مؤخرته على الرمال‪.‬‬

‫«أنا من دون أم أو أب‪ ،‬عاشت معنا امرأة منذ فترة‪ ،‬لكنها غادرت»‪.‬‬

‫«لدّي أب أيها األحمق‪ .‬ال يعيش الناس مع أناس آخرين بهذه البساطة وحسب»‪.‬‬

‫عّدل بولد سبوت قّبعته فوق رأسه وقال‪« :‬هنا يعيشون‪ .‬لقد سكبْت أمي ماًء ساخنًا فوق‬
‫رأسي عندما كنُت صغيرًا‪ ،‬ولهذا السبب أنا لسُت ذكيًا‪ ،‬لذا ال تضربني على رأسي!»‪.‬‬
‫«حسنًا‪ ،‬حسنًا‪ ،‬لن أضربك على رأسك‪ .‬دعنا نعد إلى هنا غدًا»‪.‬‬

‫أطفآ الشمعة‪ ،‬ومددا المظلة لكي يخفيا المخبأ‪ ،‬ثو سلكا الدرب الذي أتيا عبره‪ .‬وعندما أصبحا‬
‫في وسط الطريق داخل الحقل‪ ،‬جثم بولد سبوت على األرض‪ ،‬وأخرج حفنًة من األشياء‪ ،‬وقّدمها إلى‬
‫بغ آي‪.‬‬

‫«جربها‪ .‬إنها جيدة»‪.‬‬

‫أزال بغ آي التراب عنها‪ ،‬وقّلبها بين يديه إلى أن أدرك أنها كانت فول سوداني‪ .‬كانا يقفان‬
‫وسط حقل فول سوداني‪ .‬فتح إحداها‪ ،‬وتحسس طعمها وقوامها بلسانه‪.‬‬

‫قال بولد سبوت وهو يضحك ضحكته الغريبة‪« :‬سنضع نفسينا في موقف ال ُنحسد عليه إن‬
‫أمسكوا بنا»‪.‬‬

‫«لمن هذا الحقل؟»‪.‬‬

‫«لمجموعة من المزارعين الذين يعيشون هناك‪ ،‬في القرية المقابلة للساقية»‪.‬‬

‫تجاوزا الحقل‪ ،‬وكانا يتسلقان التلة عند طرف مدينة الصفيح عندما رّبت بولد سبوت فجأًة‬
‫على ساعد بغ آي وسقط على األرض‪ .‬حذا بغ آي المفزوع حذوه‪ ،‬وتمّدد على بطنه‪ ،‬لم يَر أي‬
‫شيء‪ ،‬ولم يسمع أي أصوات‪ .‬بتردد عاود بغ آي الوقوف مرة أخرى‪.‬‬

‫تمتم قائًال‪« :‬ال شيء هناك»‪.‬‬

‫قال بولد سبوت وهو يسحبه إلى األسفل من مؤخرة عنقه‪« :‬اسكت‪ ،‬ابَق ساكنًا للحظة»‪ .‬لم‬
‫يعرف بغ آي ما الذي كان يحدث‪ ،‬لكنه استلقى على األعشاب الرطبة وهو ينتظر‪ .‬وبعد فترة طويلة‪،‬‬
‫وقف بولد سبوت‪ ،‬فوقف بغ آي أيضًا وأخذ ينظر حوله‪.‬‬

‫كل ما استطاع سماعه كان مجموعة من الكبار يصرخون ويغنون ويتجادلون بصوت عاٍل‬
‫في البعيد‪ .‬حّدق بولد سبوت مليًا إلى بقعة محددة في الظالم ثم قال‪« :‬لقد ذهبوا اآلن»‪.‬‬

‫«من الذي ذهب؟»‪.‬‬


‫«أنا الوحيد الذي يراهم»‪.‬‬

‫خطر ببال بغ آي أّن بولد سبوت يعبث معه‪.‬‬

‫قال بتذّم ر‪« :‬اللعنة‪ ،‬أنت تحاول إقناعي أنك رأيت شبحًا أو شيئًا ما؟»‪.‬‬

‫أجابه بولد سبوت وهو يذهب باتجاه التلة‪« :‬يبدون مثل أضواء زرقاء‪ ،‬وأنا الوحيد الذي‬
‫يراهم»‪ .‬فجأًة‪ ،‬شعر بغ آي بالخوف‪ ،‬فركض نحو التلة‪ ،‬وسبق بولد سبوت‪ .‬عندما وصل إلى القمة‪،‬‬
‫وجد نفسه أمام أضواء مدينة الصفيح وأكوام القمامة الُم بهمة‪.‬‬

‫أثناء نومه‪ ،‬سمع بغ آي حديثًا غير واضح حوله‪ ،‬لكنه قرر البقاء متكورًا في السرير‬
‫وتجاهله‪ .‬قالت أمه وهي تنزع البطانية عنه‪« :‬استيقظ يا حبيبي‪ ،‬حان وقت الذهاب إلى العمل»‪.‬‬
‫هّز ت بغ آي‪ ،‬الذي تمّكن من النهوض‪ ،‬لكنه عينيه بقيتا مغمضتين‪ ،‬وبعد ذلك جعلْته يقف بعد أن‬
‫سحبته من ذراعيه‪« .‬ألست كبيرًا بما فيه الكفاية لترتدي مالبسك بنفسك اآلن؟»‪ .‬بينما كان بغ آي‬
‫يتعثر وهو ُيدخل ساقيه في بنطاله ويرتدي قميصًا طويل الكمين‪ ،‬كانت أمه مشغولة بتحويل نفسها‬
‫إلى كائن فضائي‪ :‬كان نصف وجهها ُم غطى بقناع قماشي‪ ،‬كما اعتمرت قّبعة مرنة ذات حواف‬
‫عريضة فوقه‪ .‬وتحت القبعة التي كانت من النوع الذي تعتمره نساء المزارع وهّن يجززن األعشاب‬
‫الضارة‪ ،‬لّفْت منديًال حول رأسها‪ .‬أدخلت يدها في قفاز من قماش خاص بالعمل مكون من طبقتين‬
‫وفوقه قفاز مطاطي متين‪ .‬حملْت مذراة بطول ساعدها‪ ،‬وانتعلت حذاًء طويل الساق يصل حتى‬
‫ركبتيها‪ ،‬لقد جعلها هذا الزي تبدو وكأنها في طريقها لتستخرج المحار‪ .‬أخرجْت من العدم‪ ،‬قبعة‬
‫عسكرية ممزقة وقفاز عمل قماشيًا وقفازًا مطاطيًا لبغ آي‪ ،‬باإلضافة إلى حذاء قاٍس طويل الساق‬
‫مهترئ تحول إلى اللون األبيض من األمام لشّدة اهترائه‪.‬‬

‫قالت وقد كتم القناع صوتها‪« :‬لقد جلب قائد طاقمنا كل هذا لك‪ .‬أسرع اآلن!»‪ .‬كانت القبعة‬
‫كبيرة جدًا إلى درجة أنها انزلقت إلى األسفل حتى المست حافتها أنفه‪ ،‬والحذاء الطويل الصلب كان‬
‫واسعًا جدًا إلى درجة أّن لديه فراغًا كبيرًا عند األصابع والعقبين‪ ،‬لكن تفكيره أنه سُيصبح اليوم‬
‫عامًال‪ ،‬وعلى قدم المساواة مع الكبار‪ ،‬جعله يشعر بالفخر‪ .‬أدخل يديه في القفاز‪ ،‬شأنه شأن والدته‪،‬‬
‫وحمل مذراة أخرى‪ .‬كان هناك سلتان طويلتان تحمالن على الكتف بانتظارهما في الخارج‪ .‬في‬
‫البدء‪ ،‬حملت والدته إحداهما‪ ،‬ثم حذا بغ آي حذوها‪ :‬شعر وهو يحمل السلة على ظهره أنه قد أصبح‬
‫أكثر طوًال بعدة بوصات فجأًة‪ .‬كان الطريق عبر مدينة الصفيح مزدحمًا سلفًا بأناس آخرين يرتدون‬
‫مالبس شبيهة بمالبسهما تمامًا‪ .‬اندفع الحشد نحو مكب النفايات حيث كانت الشاحنات تدور حوله‪،‬‬
‫قبل أن يتفرق بسرعة‪ .‬بدا أّن الجميع يعرفون بالضبط أين ُيفترض بهم أن يكونوا‪.‬‬

‫شّق بارون أشورا طريقه نحوهما‪ ،‬ووضع يده على كتف والدة بغ آي ثم قال‪« :‬لقد‬
‫استغرقتما كثيرًا من الوقت!»‪.‬‬

‫قالت‪« :‬أنا آسفة‪ ،‬كان الطريق شديد االزدحام‪.»...‬‬

‫«البأس‪ .‬أنتما تريان اآلن هاتين الكومتين؟»‪.‬‬

‫«أنا أرى أربعًا»‪.‬‬

‫«كال‪ ،‬كال‪ ،‬الكومتان الكبيرتان فقط‪ .‬قطاع المنطقة على جهة اليمين‪ ،‬والقطاع الخاص على‬
‫جهة اليسار‪ .‬نحن نذهب إلى جهة اليمين»‪ .‬ما عدا نظرة سريعة إلى األعلى واألسفل‪ ،‬فإّن البارون‬
‫تصّر ف وكأّن بغ آي ليس موجودًا‪ .‬ربما كان يحدث نفسه‪« :‬شكرًا هلل‪ ،‬فعلى األقل لم تكن السلة ُتجّر‬
‫على الطريق»‪ .‬كانت األكوام الشاهقة مليئة بشتى أنواع األشياء المرمية‪ .‬بعد أن ذهب جامعو‬
‫القمامة إلى الكومة وأخذوا منها كل ما استطاعوا‪ ،‬أتى بلدوزر لكّي يسّو ي ما تبقى منها باألرض‪ .‬في‬
‫أثناء عملهم‪ ،‬كانت أرجل جامعي القمامة تغوص عميقًا وتعلق أقدامهم في أشياء‪ ،‬وأحيانًا تعلق بعض‬
‫األغراض بأحذيتهم الطويلة وال تتحرك إال بعد دفعة أو دفعتين‪ .‬عندما وصلوا إلى قمة الكومة‪،‬‬
‫تمكنوا من رؤية الطريق السريع على جانب النهر وعليه صف من الشاحنات بمصابيحها األمامية‬
‫الُم ضاءة‪ .‬استدعى قائد كل قطاع منطقة فريق عمله‪.‬‬

‫«حسنًا! في مجموعتين! تحركوا!»‪ .‬وّضح البارون أّن الوقت األكثر ازدحامًا هو من الساعة‬
‫الخامسة وحتى التاسعة صباحًا‪ ،‬وهو الوقت المناسب إليجاد أفضل المواد‪ .‬فالدفعة التالية تأتي عند‬
‫الظهر‪ ،‬والدفعة األخيرة عند المساء‪ ،‬وهذا يعني أنهما سيكونان هناك ألكثر من اثنتي عشرة ساعة‬
‫كل يوم‪ .‬وقف العمال حسب مناطقهم‪ ،‬وانتظروا اقتراب شاحنة القمامة التي عليها رقم منطقتهم‪.‬‬
‫الشاحنات التي في المقدمة هي تلك التي دفعت رسوم الرخصة‪ ،‬وهم مسّج لون رسميًا لكي يعملوا في‬
‫الصف األول‪ .‬بعد أن أخرجوا أفضل المواد‪ُ ،‬سمح لعمال الصف الثاني أن يأخذوا كل ما تبقى‪ .‬قّدم‬
‫البارون لوالدة بغ آي معلومة بعد أخرى فقال‪« :‬من يحصل على شيء أوًال فهو له‪ .‬هل تفهمين؟‬
‫الحاويات البالستيكية وأي شيء مصنوع من بالستيك رقيق يأتي الحقًا‪ .‬األكثر أهمية هو مشّم ع‬
‫األرضيات واألغطية السميكة‪ ،‬وأي شيء مصنوع من البالستيك السميك‪ .‬إذا كانت المادة معدنية‪،‬‬
‫فخذيها‪ .‬عبوات زجاجية‪ ،‬خذيها‪ .‬أما بالنسبة إلى المالبس أو الخرق أو األقمشة األخرى‪ ،‬فإن لم تكن‬
‫حالتها جيدة فاتركيها‪ .‬األوراق في المقام األول»‪ .‬قّدم البارون نصائح إلى بغ آي أيضًا‪.‬‬

‫«ُيفترض بك أن تكون في الصف الثاني‪ ،‬لكن ابَق خلف والدتك مباشرًة‪ ،‬وخذ كل ما تغفل‬
‫عنه‪ .‬إذا امتألت سلتها‪ ،‬اذهب وأفرغها ثم اجلبها»‪ .‬بدأت الشاحنات تقترب‪ .‬القمامة التي وصلت في‬
‫الصباح هي من وسط المدينة والمناطق التجارية على األغلب‪ ،‬ولذا احتوت على أفضل المواد‪.‬‬
‫وصلت قمامة المناطق السكنية ومجّم عات الشقق قرابة الظهر‪ ،‬أما فضالت مواقع البناء والمصانع‬
‫القريبة فوصلت الحقًا‪ .‬زحفت الشاحنات بمصابيحها األمامية الُم ضاءة بصف واحد نحو التلة‪،‬‬
‫وأنارت أكوام الذباب السوداء التي تحوم في غيوم الغبار‪ .‬صرخ قائد طاقم الوحدة األخرى الذي كان‬
‫يتحقق من أرقام المناطق المطبوعة تحت النوافذ من جهة السائقين‪ ،‬فركض أحد جامعي القمامة‬
‫بسرعة إلى األمام وأرشد الشاحنة مثل شرطي سير إلى البقعة التي ستعمل بها وحدته هذا اليوم‪.‬‬
‫استدار السائق ثم رجع إلى المكان بينما صرخ الرجل‪« :‬أبعد قليًال‪ ،‬أبعد قليًال!» وقفت الشاحنة‪ ،‬وبدأ‬
‫صندوقها يرتفع‪ .‬انهمرت القمامة وتسابق جامعو القمامة من تلك الوحدة نحو الكومة‪ .‬أتْت شاحنات‬
‫كثيرة إلى مكب النفايات‪.‬‬

‫نادى البارون على وحدته‪« :‬ها قد أتْت شاحنتنا»‪ .‬ركض هارد هات إلى األمام لكي ُيرشد‬
‫الشاحنة‪ ،‬واندفع بقية جامعي القمامة وراءها وهي تمّر بجانبهم‪ .‬استدارت الشاحنة وأفرغت النفايات‬
‫بينما اندفعت الشاحنات األخرى من المنطقة نفسها إلى المكان‪ .‬غاص جامعو القمامة على الفور في‬
‫الكومة ما جعل إحدى الشاحنات التي كانت ترجع إلى الخلف تضغط على مكابحها ويصرخ السائق‬
‫من النافذة‪« :‬هل تحاولون االنتحار؟ من المسؤول هنا؟»‪ .‬عندما تقدّم بارون أشورا نحو المصابيح‬
‫األمامية ولّو ح بذراعيه‪ ،‬تعّر ف السائق إليه على الفور‪.‬‬

‫صرخ السائق‪« :‬ما هذا بحق الجحيم؟ هل تحاول أن ترمي بي في السجن؟»‪.‬‬

‫«لقد حّذرتهم مرارًا وتكرارًا‪ ،‬لكنهم ال يصغون! اهدأ قليًال!»‪.‬‬


‫«هل تعلم كم عدد الناس الذين ماتوا هنا تحت هذه الشاحنات؟»‪.‬‬

‫«سأهتم باألمر!»‪.‬‬

‫التقط البارون قطعة خشب بناء ولّو ح بها مبعدًا جامعي القمامة الذي تسلقوا الكومة مسبقًا‪.‬‬
‫على الفور‪ ،‬تراجع جامعو القمامة إلى ما وراء خط االنتظار‪ .‬حاول بارون أشورا التقاط أنفاسه وهو‬
‫يصرخ‪« :‬من قال إّن بإمكانكم البدء دون إشارة مني؟ إذا حصلت مشكلة هنا‪ ،‬سوف ُنطرد جميعًا!‬
‫هل تودون تضييع رسوم رخصتكم بهذا الشكل؟»‪ .‬بعد أن أفرغت كل الشاحنات في منطقته قمامتها‬
‫وغادرت‪ ،‬رفع البارون إحدى ذراعيه مثل جنرال يقود جيشه وصرخ قائًال‪« :‬اآلن!»‪ .‬ركض نحو‬
‫أربعين من جامعي القمامة نحو الكومة التي ارتفعت أمامهم‪ .‬رغم أنها المرة األولى لها‪ ،‬إّال أّن والدة‬
‫بغ آي لحقت بالجميع إلى أعلى الكومة‪ ،‬مهرولًة بأطرافها األربعة‪ ،‬وبغ آي وراءها مباشرًة‪.‬‬

‫لحق البارون بهما ورمى عبوة بالستيكية ُم جّعدة في سلتها‪ .‬بينما كانت أمه تلتقط أفضل‬
‫المواد في المقدمة‪ ،‬لحق بغ آي بها من الخلف وجمع مواد الصف الثاني التي طلب منه البارون‬
‫البحث عنها‪ :‬عبوات اللبن‪ ،‬وعلب المواد التجميلية الفارغة‪ ،‬والمغارف واألوعية البالستيكية‬
‫المكسورة‪ ،‬والعلب‪ ،‬والعبوات الزجاجية‪.‬‬

‫كان معظم جامعي القمامة اآلخرين يضعون مصابيح مثبتة على الرأس مثل التي يضعها‬
‫عمال المناجم‪ ،‬وبإمكانهم إيجاد األشياء القابلة للتدوير ذات السعر األعلى على الفور‪ ،‬لكن هذا أول‬
‫يوم لوالدته في العمل‪ ،‬وهي لم تكن غير معتادة على العمل فحسب‪ ،‬بل كان المكان معتمًا أيضًا‪.‬‬
‫وحتى بعد أن ترفع شيئًا ما في مذراتها‪ ،‬كان يتوجب عليها أن تقّر ب وجهها منه قبل أن تتمكن من‬
‫رؤيته‪ .‬هذا إذا كان بإمكانها اإلمساك به أساسًا‪ .‬لم يكن اآلخرون القريبون منها يترددون في اختطاف‬
‫المواد قبل أن تتمكن من الحصول عليها‪ .‬بقي بغ آي قريبًا من والدته‪ ،‬وانتزع كل ما أمكنه‪.‬‬

‫بدأ العمل من قمة الكومة نزوًال إلى األسفل‪ :‬التقط جامعو القمامة المواد بشكل عشوائي وهم‬
‫يجرفون باتجاه الخلف‪ ،‬ويقّلبون القمامة بمذاريهم‪ ،‬وبحلول الوقت الذي وصلوا به إلى األسفل‪،‬‬
‫أصبحت كومة القمامة مسطحة وأكثر انتشارًا مما كانت عليه عندما بدأوا‪ .‬عندئذ عادوا إلى األعلى‬
‫وحفروا بمذاريهم عميقًا وبحثوا بشكل أوسع من أجل التقاط مواد أكثر‪ ،‬ومن ثم شقوا طريقهم إلى‬
‫األسفل من الجهة األخرى وكرروا العملية بأكملها مرة أخرى في طريقهم إلى األعلى‪ .‬العمل على‬
‫حمولة كل شاحنة يستغرق منهم من عشر إلى خمس عشرة دقيقة‪ ،‬وعندما ينتهي عمل الصف‬
‫األول‪ ،‬يأتي الصف الثاني اللتقاط الُم خّلفات‪.‬‬

‫مع انبالج الفجر‪ ،‬تحّو لت السماء إلى اللون األحمر الداكن‪ .‬كانت القمامة قذرة وبشعة‪ ،‬لكنها‬
‫أيضًا سوداء وبيضاء وحمراء وزرقاء وصفراء‪ ،‬وقزحية األلوان وبّر اقة وناعمة‪ ،‬ومرّبعة ومثلثة‬
‫وُم دّو رة وطويلة وطرية وصلبة‪ ،‬وقد تدحرجت عبر الُم نحدر‪ ،‬وبدت رائحتها الذعة وكريهة‪ ،‬تجعل‬
‫نفَسك ينقبض وأنفك يسيل حتى تكاد تتقيأ‪ ،‬لكن فوق هذا كله‪ ،‬ال يبدو أي منها مألوفًا‪ .‬عندما تنظر إلى‬
‫القمامة قطعًة بعد أخرى‪ُ ،‬تصيبك المواد بالفزع بطريقة ما‪ ،‬كما أن ترى إحدى األرجل قد سقطْت‬
‫من لعبة أطفال‪ ،‬رغم أنك تعرف هذه األشياء كلها منذ وقت طويل‪ .‬غرس بغ آي مذراته بحماقة‬
‫داخل شيء جعل أمه تجفل وترتعش‪ :‬تسّر ب سائل من نوع ما‪ ،‬وكّل ما علق بأطراف مذراته الحادة‪.‬‬
‫بدا الرأس وكأنه إلحدى القطط‪.‬‬

‫لم تكن العينان شيئًا سوى ثقبين‪ ،‬وبدا المحجران غائرين‪ ،‬وعرف أنها قطة من األذنين‬
‫المدّببتين‪ ،‬لكن من تحت األنياب البارزة‪ ،‬تجّو ف البطن الصغير‪ ،‬كال‪ ،‬لم يكن مجوفًا؛ كان محتشدًا‬
‫بالديدان التي تتلوى‪ .‬تسّر بت الديدان إلى حذاء بغ آي الطويل‪ .‬فارتجف ورماها وراءه‪ .‬لقد علم الحقًا‬
‫أنها أيضًا‪ ،‬كانت واحدة من األشياء التي رمْتها المدينة‪ ،‬وهي ال تختلف عن علبة صودا ُم حّطمة أو‬
‫زجاجة شراب سوجو فارغة تحوي عقب سيجارة التزال آثار األسنان عليها‪ .‬كل غرض‪ ،‬يحمل معه‬
‫مسحة حزن أو ندم‪ ،‬وربما تلك األجواء تركت بغ آي يشعر بالخوف الشديد والغربة‪ .‬عندما أشرقت‬
‫الشمس‪ ،‬تجّم ع الذباب وغّطى أجساد جامعي القمامة وأكوام النفايات‪.‬‬

‫لم تتوقف الشاحنات عن القدوم من كل ركن من أركان المدينة‪ .‬امتد مكب النفايات على طول‬
‫النهر‪ ،‬من الطرف الجنوبي الشرقي إلى الجنوب الغربي للجزيرة‪ .‬كان قطاع المنطقة بطول سبعين‬
‫ملعب كرة قاعدة‪ ،‬بينما طول القطاع الخاص مائة ملعب وواحد‪.‬‬

‫تقوم إحدى وعشرون منطقة برمي نفاياتها هناك‪ ،‬لكن بما أّن الناس الوحيدين الذين ُيسمح‬
‫لهم بالتفتيش في النفايات هم الذين دفعوا رسوم الرخصة من خالل أحد قادة الطواقم‪ ،‬كان كل طاقم‬
‫عمل مسؤوًال أساسًا عن ثالث إلى أربع مناطق مختلفة‪ .‬عندما ُينهي الصف األول إحدى األكوام‪،‬‬
‫ينتقل إلى الكومة التالية‪ ،‬ويأخذ الصف الثاني مكان األول في الكومة السابقة‪ .‬الحقًا‪ ،‬تأتي الشاحنات‬
‫الُم حّم لة بالتراب وتغطي القمامة‪ ،‬معلنًة نهاية العمل الصباحي‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫مضى شهر منذ أن انتقل بغ آي ووالدته إلى جزيرة األزهار‪ .‬حاولت مواساة بغ آي بقولها إّن‬
‫الناس يعيشون هنا كما يعيشون في أي مكان آخر‪ ،‬لكنه يعرف أنه مكّب نفايات مليء بأشياء‬
‫ُم ستخدمة ومرمّية‪ ،‬أشياء مّل الناس من استخدامها‪ ،‬وأشياء لم يعد لها أي استخدام على اإلطالق‪،‬‬
‫وأّن الناس الذين عاشوا هناك هم كذلك ُم خّلفات وفضالت نبذْتهم المدينة‪.‬‬

‫من وقت إلى آخر يشعر بغ آي بالحنين إلى الشوارع المتهالكة في حّيه الفقير على سفح التلة‪.‬‬
‫كم كان رائعًا أن يتجول أعلى التلة وأسفلها‪ ،‬ويتوه في تلك المنحدرات‪ ،‬واألزقة المزدحمة التي‬
‫تتفّر ع في جميع االتجاهات متجاوزًة الجدران الحجرية المرّقعة بأشياء قديمة ال قيمة لها‪ ،‬ليجد‬
‫طريقه وقد سّدْته كالب شعثاء قذرة تقفز وسط الزقاق‪ ،‬أو جّدات يجلسن في حلقات بصدورهن‬
‫المتغّضنة والمتهّدلة‪ ،‬المتدلية من أسفل قمصانهن الداخلية الُم مّز قة بعد أن يثملن من شرب الماكولي‬
‫في الشارع‪ .‬ثم يشّق طريقه عبر رماد قوالب الفحم المبعثرة‪ ،‬وأغلفة المعكرونة سريعة التحضير‬
‫التي تطير مع الريح‪ ،‬ويسمع فتاًة صغيرة تغني خلف إحدى النوافذ الصغيرة المفتوحة في المنزل‬
‫الذي أقفل أهلها أبوابه قبل مغادرتهم للعمل‪ .‬ويرى أزهار الصيف ترقص في الريح تحت المالبس‬
‫الداخلية المتطايرة والمنشورة كي تجف تحت جرار صلصة الصويا وعجينة الفاصولياء‪ ،‬والنوافذ‬
‫الُم ضاءة بالمصابيح تتألأل مثل النجوم تحت السماء المظلمة بعد هبوط الليل‪ ،‬والسوق‪ ..‬السوق‬
‫العظيمة! وفتيات المصانع في محل الخياطة‪ ،‬حيث قام بغ آي بأعمال غريبة‪ ،‬اعتدن أن يرفعن‬
‫صوت المذياع ويغنين أو يحشين فطائر ماندو المقلية في فم بغ آي ويضحكن بصوت عاٍل ‪ .‬لقد كانت‬
‫المالبس التي يخطنها جميلة بقدر جمال األزهار‪ .‬وعلى الحصيرة حيث فرشْت والدته بضائعها للبيع‬
‫في السوق‪ ،‬كانت الخضروات الطازجة ندّية دائمًا‪ ،‬واألسماك في أحواض الماء أو على ألواح الجليد‬
‫ناعمة وملساء‪.‬‬

‫كل شيء هناك كان مفعمًا بالحياة‪ .‬لكّن هذا لم يعِن أّن بغ آي يكره جزيرة األزهار‪ .‬إنه مجّر د‬
‫عالم مختلف‪.‬‬

‫بالرغم من أّن بغ آي أمضى معظم أوقاته جيئًة وذهابًا بين المنزل والسوق ضمن أزقة الحي‬
‫الفقير في سفح التلة‪ ،‬إال أنه كان جزءًا من المدينة العظيمة‪ ،‬وبإمكانه الدخول إلى الباصات وقطارات‬
‫األنفاق والمباني التي على الطرف اآلخر من الجسر مباشرًة‪ ،‬وإلى المدارس والبنوك ومراكز‬
‫الشرطة ومسارح السينما‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬ذات مرة‪ ،‬سقط بغ آي ووالدته‪ ،‬بهذه البساطة وحسب‪ ،‬في‬
‫إحدى الحفر أو داخل بئر أو ربما عبر باب قديم‪ ،‬مثلما يحدث في األحالم‪ ،‬ووجدا نفسيهما وقد ُنقال‬
‫إلى مملكة دوكايبي الغامضة والغريبة هذه‪ .‬لم يستطع بغ آي التخلص من ذهوله بشأن كيفية ُص ْنع‬
‫الكثير من األشياء واألنواع المختلفة وشراء جميع أنواع الناس لها‪ ،‬فقراء وأغنياء‪ ،‬ثم ُأِك لْت أو بليْت‬
‫أو اسُتخِدمت وُر ِم يْت ‪ ،‬مرًة بعد أخرى بعد أخرى‪ ،‬وانتهى بها األمر جميعًا في المكان نفسه‪.‬‬

‫فعل بغ آي ما طلبه منه بارون أشورا‪ ،‬وانضم إلى والدته في الصف األول لجامعي القمامة‪،‬‬
‫دون معرفته لما هو األفضل في البداية‪ ،‬لكن حصل جدال بين الكبار‪ .‬اشتكى الناس في الخط الثاني‬
‫للبارون أنه يميز أحدهم عن اآلخرين‪ ،‬حتى أّن إحدى النساء وقفت أمام والدة بغ آي وشتمْتها‪ .‬بعد‬
‫ذلك‪ُ ،‬ح ّو ل بغ آي إلى الخط الثاني‪ ،‬حيث دفعه الكبار إلى الخلف واضُطر اللتقاط ما تبقى‪ ،‬وجْم ع‬
‫المواد التي جلبتها والدته من الكومة ومن ثم تصنيفها‪.‬‬

‫كل عشرة أو خمسة عشر يومًا يأتي تجار الخردوات مرًة بأعداد كبيرة لشراء المواد التي‬
‫جمعها جامعو القمامة ويأخذونها كلها إلى مصانع إعادة التدوير‪ .‬ورغم أّن غنائم بارون أشورا لم‬
‫تكن تضم أكثر المواد ربحيًة‪ ،‬إال أّن فيها أشياء مفيدة‪ .‬كانت غنائم البارون تأتي من المناطق الشرقية‬
‫والجنوبية الشرقية المجاورة للسوق الكبيرة في وسط المدينة‪ ،‬باإلضافة إلى مناطق تضم المصانع‬
‫وشقق الناس األغنياء‪ .‬تسيطر القطاعات الخاصة على المناطق التجارية في قلب المدينة‪ ،‬مثل قاعدة‬
‫الجيش األميركي‪ ،‬والمجمعات الصناعية في الركن الجنوبي الغربي من المدينة‪ ،‬ومجمعات شقق‬
‫الطبقة الوسطى العليا المترامية األطراف جنوبي النهر‪.‬‬
‫لهذه القطاعات‪-‬التي لديها شاحنات ذات ملكية خاصة تحمل أسماء مثل التعاونية البيئية‬
‫وإعادة التدوير المركزي‪ -‬عقود حصرية في كل مكب للنفايات‪ .‬لقد استأجروا عمالهم الخاصين من‬
‫أجل جمع األشياء القابلة إلعادة التدوير‪ ،‬حتى أنهم قد يشترون مواد من جامعي قمامة آخرين‬
‫ويعيدون بيعها لمصانع إعادة التدوير‪ .‬يأتي ُم ّالك ساحات الخردة الخاصة ويذهبون كما يشاؤون من‬
‫أجل تحميل األشياء القابلة للتدوير خلف دراجاتهم النارية‪ ،‬ويظهر الباعة المتجولون بشاحنات ذات‬
‫حمولة طن واحد لشراء المواد من جامعي القمامة‪ ،‬بينما يأتي مّالك شركات الشاحنات الخاصة‬
‫بوتيرة منتظمة بشاحنات عمالقة من أجل نقل كل شيء دفعة واحدة‪ .‬وفي يوم الشراء‪ ،‬يقوم جامعو‬
‫القمامة إما ببيع ببضائعهم مباشرًة إلى مصانع إعادة التدوير أو ُيسّلمونها لشركات الشاحنات الخاصة‬
‫في حال عرضوا سعرًا جيدًا‪.‬‬

‫قالت والدة بغ آي في أول يوم شراء لها‪ ،‬إنها جنْت ثالثة أضعاف ما كانت تجنيه في السوق‪،‬‬
‫فذهبت إلى أسفل التلة لشراء صندوق من شراب الماكولي من المتجر الصغير هناك كهدية لجامعي‬
‫القمامة اآلخرين‪ .‬يحصل يوم الشراء أيضًا عندما يتمكن الكبار الذين ال يعملون في مناوبة الليل من‬
‫الذهاب إلى أحد الحمامات العامة في القرية المقابلة للنبع فيغتسلون ويتجهزون ثم يقضون ليلة في‬
‫المدينة‪.‬‬

‫رغم أّن الخطأ كان جزئيًا بسبب الوحمة الزرقاء‪ ،‬إال أّن بارون أشورا احتك ببغ آي بطريقة‬
‫خاطئة منذ البداية واكتسب لقبه الفظيع‪ ،‬وكما هو متوّقع‪ ،‬بدا من الُم قّدر لهما أن يكونا عدّو ين‪ .‬في‬
‫الحقيقة‪ ،‬كان ذلك خطأ أمه‪ .‬بما أّن البارون ساعد بغ آي ووالدته لكي يستقرا ويجدا عمًال في جزيرة‬
‫األزهار دون أن يجعلهما يدفعان قرشًا من نقودهما لرسوم الرخصة‪ ،‬كان بغ آي يفعل ما ُيطلب منه‪،‬‬
‫ورغم أنه لم يتمكن من حمل نفسه على أن يدعو البارون (أبي)‪ ،‬إال أنه ربما كان مستعدًا ألن يدعوه‬
‫(عمي)‪ .‬لكن ذات ليلة‪ ،‬استيقظ بغ آي قبل الفجر ليكتشف شيئًا مريبًا‪ .‬يمكنه أن يقول إّن الكائن الذي‬
‫بجانبه لم يكن والدته‪ .‬كان الكائن الذي يضغط على ظهره بحجم طفل صغير‪ .‬وكزه بغ آي قليًال‬
‫بكوعه‪ .‬فتمتم شيئًا في نومه وانقلب إلى الجهة األخرى‪ .‬ما الذي كان بولد سبوت يفعله هناك؟ منذ‬
‫يومهما األول في جزيرة األزهار‪ ،‬عندما قال بولد سبوت ذلك الهراء حول أّن البارون سينام مع‬
‫والدته‪ ،‬صمم بغ آي على حمايتها‪ .‬وجد نفسه تقريبًا يفكر بالنيابة عن والده ويصرخ‪« :‬أيها الوغد‬
‫اللعين سأقتلهما معًا»‪ .‬لكن بدل أن يقضي وقته في التفكير نهض من الفراش وأخذ يتلمس طريقه في‬
‫الظالم بحثًا عن سكين المطبخ التي تحتفظ والدته بها في صندوق بجوار المدخل‪ .‬دفع الباب المفضي‬
‫إلى كوخ البارون (يدعونه باب‪ ،‬لكنه في الحقيقة‪ ،‬مجرد إطار خشبي ملفوف بالبالستيك)‪ ،‬لكنه كان‬
‫مغلقًا من الداخل‪ .‬كان الظالم أشّد حلكًة مما هو عليه في الخارج‪ .‬فندم ألنه لم يضع على رأسه أحد‬
‫المصابيح التي يستخدمونها في العمل‪ .‬عندئٍذ‪ ،‬سمع صوت خشخشة‪ ،‬وأومض شيء أمام عينيه‪.‬‬

‫همس صوٌت غاضٌب فيه مسحة من التهديد قائًال‪« :‬من هناك؟ لماذا‪ ،‬أيها اللعين‬
‫الصغير‪ .»...‬تراجع بغ آي إلى الخلف‪ ،‬وهو يرفع ذراعه ليغطي عينيه من ضوء بارون الكّشاف‪.‬‬
‫اندفع البارون‪ ،‬العاري سوى من مالبسه الداخلية‪ ،‬لُيمسك ببغ آي‪ ،‬لكّن بغ آي تمكن من القفز عبر‬
‫الباب‪ .‬لحق البارون به إلى الخارج ووّج ه شعاع ضوء الكشاف على بغ آي ثم قال‪« :‬حسنًا‪ ،‬انظروا‬
‫إلى ذلك‪ .‬الوغد الصغير يحمل سكينًا!»‪.‬‬

‫«من هو؟»‪ .‬عندما سمع بغ آي صوت والدته قادمًا من غرفة بارون أشورا‪ ،‬أسقط السكين‬
‫وفّر هاربًا‪ .‬ركض في الطريق إلى أعلى التلة حتى وصل إلى طرف مدينة الصفيح‪ ،‬وهناك جلس‪،‬‬
‫يحّدق إلى النهر‪ ،‬إلى أن أشرقت الشمس‪.‬‬

‫لم يكن بغ آي قد رأى ما يكفي ليعرف بالتأكيد ما الذي كان يفعله البارون ووالدته بالضبط –‬
‫ربما كان كل منهما يحتضن اآلخر فقط من دون مالبس –لكّن ما عرفه بشكل مؤكد هو أنهما‬
‫سينامان تحت البطانية نفسها من اآلن فصاعدًا‪.‬‬

‫استغرق إخماد سورة غضبه نصف ساعة من التحديق إلى الفضاء‪ ،‬حتى أنه توقف عن‬
‫الشعور باألسى نحو والدته‪ .‬وبما أنه كُبر معتمدًا على فطنته‪ ،‬فقد استوعب بشكل أو بآخر كيف‬
‫يعيش الكبار في مكان مثل هذا‪ .‬يهزأ األوالد هنا ويضحكون من أنفسهم ومن أهاليهم وكأنهم‬
‫يتحدثون عن أناس غرباء‪ .‬في أي مكان آخر‪ ،‬قد يقود مثل هذا النوع من الحديث إلى مشاجرات‬
‫وأنوف دامية‪ ،‬لكّن أطفال جزيرة األزهار يسخرون ويتفوهون ببعض األلفاظ النابية وحسب‪ .‬لقد أتى‬
‫كثير من جامعي القمامة إلى هناك لوحدهم بحثًا عن العمل‪ ،‬وكان هناك كثير من اآلباء واألمهات‬
‫يعتنون بأطفالهم بأنفسهم‪ .‬كان هناك عائالت متماسكة بالطبع‪ ،‬لكّن على األغلب يعيش أولئك الناس‬
‫في القرية المقابلة للساقية‪ ،‬ويأتون إلى جزيرة األزهار عند الفجر ويغادرون عند الغسق‪ .‬اكتظت‬
‫جزيرة األزهار بستة آالف شخص يعيشون ضمن ألفي أسرة‪ .‬وكان الكبار بشكل طبيعي‪ ،‬على‬
‫عالقة طيبة مع الناس ضمن طواقم عملهم‪ ،‬لكنهم أيضًا يعرفون جامعي القمامة من مكبات النفايات‬
‫المجاورة‪ ،‬ويقضون أمسيات عديدة وهم يشربون معًا‪ .‬كانوا يتقاتلون بقوة ويتصالحون بشكل أقوى‪،‬‬
‫كما يجتمع الرجال والنساء معًا ويتعاشرون لبضعة أشهر قبل أن يتبادلوا الشركاء‪.‬‬

‫لقد عاش األطفال لوحدهم في عالم منفصل عن الكبار‪ .‬كان هناك أقل من دزينة أطفال مثل‬
‫بغ آي ومول اللذين يتظاهران بأنهما كبيران ويمكنهما المرور جيئًة وذهابًا بين عالم الكبار وعالم‬
‫الصغار‪ .‬في الوقت الذي تصبح به في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر‪ ،‬تكون قد عبرت‬
‫الحدود بشكل كامل‪ .‬وهو األمر األكثر رعبًا بالنسبة إلى أوالد مثل بغ آي ومول الفتية األكبر الذين‬
‫قاموا بالرحلة لتّو هم‪ .‬أيًا يكن األمر‪ ،‬من بين كثير‪ ،‬وكثير من الناس الذين يعيشون في مدينة الصفيح‬
‫تلك‪ ،‬وجد بغ آي نفسه اآلن فردًا غير راغٍب في أن يكون ضمن مجموعة ُم كّو نة من أربعة‪ .‬في ذلك‬
‫اليوم ُقِط عت‪ ،‬الروابط األسرية التي كان بغ آي ووالدته يحافظان عليها منذ أن اختفى والده‪.‬‬

‫عندما رأى بغ آي أول طابور لشاحنات القمامة‪ ،‬بدأ يشق طريقه بجانب الطريق السريع‬
‫المحاذي للنهر‪ ،‬وعبر الجسر إلى داخل الجزيرة‪ ،‬وقف ثم نزل عائدًا ببطء إلى أسفل التلة‪ .‬لم يشعر‬
‫بالرغبة في الذهاب إلى العمل‪ ،‬ولم يكن هناك أهمية كبيرة للعودة إلى الكوخ‪ .‬بدًال من ذلك‪ ،‬قّر ر أن‬
‫ينسى كل شيء‪ ،‬ويتغّيب عن العمل‪ .‬لكنه لم يستطع التفكير في أي مكان يذهب إليه‪.‬‬

‫في الماضي‪ ،‬وفي المدينة التي ُنفي منها هو ووالدته‪ ،‬لم يكن هناك حدود لألماكن التي يمكن‬
‫قضاء وقت الفراغ فيها‪ :‬حتى بعيدًا عن أزقة سفح التلة‪ ،‬كان هناك مالعب وحدائق وأسواق ومتاجر‬
‫بيع كتب كوميدية وصاالت ألعاب فيديو‪.‬‬

‫وبالرغم من أنه لم يكن يستطيع اعتبار المقر مكانًا له‪ ،‬إال أّن بغ آي قرر التوجه إليه لقضاء‬
‫بعض الوقت حتى نوبة الظهر‪ .‬آخر مرة ذهب فيها إلى هناك‪ ،‬كانت بعد حلول الظالم وهو يتبع بولد‬
‫سبوت‪ ،‬لذا اعتقد أّن المكان قريب وليس من الصعوبة إيجاده‪ ،‬لكن الشيء الوحيد الذي تعّر ف إليه‬
‫اآلن هو النهر‪ .‬ألم يكن هناك حقل فول سوداني‪...‬؟ تمتم في نفسه وهو يقف وينظر حوله‪ ،‬لكن البّد‬
‫وأّن الفول السوداني قد ُح ِص د‪ ..‬كل ما رآه هو التراب‪ .‬مع ذلك أدرك من األوراق والسوق الجافة‬
‫التي تمأل المكان أّن شيئًا قد ُز ِر ع هناك‪.‬‬
‫عندما عبر التلة في الجهة األخرى من الحقل‪ ،‬شاهد كثبانًا رملية‪ ،‬وأشجار صفصاف تنمو‬
‫على ضفتي النهر‪ ،‬ومرجًا مكسوًا بالحشائش واألعشاب الفضية‪ .‬في منتصف الطريق إلى أعلى‬
‫المنحدر‪ ،‬وجد الجدار الحجري المنخفض الذي ُيحدد مكان المخبأ‪ .‬تحّسس المكان بحثًا عن الحبال‬
‫المخفية ورفع المظلة‪ ،‬ثم أزال الرمل عن الُم شّم ع وجلس وكأنه مالك المكان‪ .‬ما إن أصبح في‬
‫الداخل‪ ،‬لم يعد يرى أي شيء من العالم الخارجي سوى المنظر الذي يؤّم نه إطار المظلة المستطيل‪.‬‬
‫في الجهة البعيدة المقابلة لألفق‪ ،‬كانت الشمس تبدأ بالشروق إلى يسار النهر‪ ،‬فبدأ سواد النهر يخفت‬
‫وتحول تدريجيًا إلى اللون األبيض‪ ،‬وأخذت أضواء مباني الشقق البعيدة في الجهة المقابلة للنهر‬
‫تومض وتنطفئ واحدًا تلو آخر‪ .‬وبعد فترة قصيرة‪ ،‬أصبح الضوء كافيًا إلضعاف مصابيح السيارات‬
‫األمامية التي تسير في اتجاهي الطريق السريع‪.‬‬

‫«هيونغ!»‪ .‬كان بولد سبوت في مركز اإلطار‪ ،‬وقبّعته تميل إلى الجانب‪« ،‬كنُت أعرف أنك‬
‫ستكون هنا»‪ .‬نظر بغ آي إلى بولد سبوت الذي كان يضحك وقال مستنكرًا‪« :‬هيونغ؟ منذ متى أنا‬
‫أخوك األكبر؟»‪.‬‬

‫«ماذا قلُت لك؟ ألم أقل لك إّن أبي سوف ينام مع أّم ك»‪ .‬لم يستطع بغ آي حمل نفسه على‬
‫الغضب من بولد سبوت مرة أخرى‪ ،‬فابتسم ابتسامة باهته بدًال من ذلك‪.‬‬

‫«حسنًا‪ ،‬لهذا السبب تدعوني اآلن هيونغ؟»‪.‬‬

‫ضحك وقال‪« :‬هذا أفضل من أن أدعوك بغ آي‪ .‬طلب مني أبي أن آتي لكي أجلبك معي»‪.‬‬
‫سيكون كل الكبار اآلن في األسفل فوق تلة القمامة ينقبون عن الذهب دون اكتراث‪ .‬رغمًا عنه‪ ،‬لم‬
‫يعد بغ آي غاضبًا‪ ،‬لكنه قرر أن يتصرف وكأنه منزعج لعدة أيام ويرى ما ستؤول إليه األمور‪ .‬فليس‬
‫هناك فائدة من الغضب بهذا الشكل الطفولي ألّن والدته تنام مع رجل آخر‪.‬‬

‫كانت الطريقة الوحيدة ليأمل أي شخص الخروج من هنا أن يكون جزءًا من مادة تعيد‬
‫تصنيع الناس في مصنع إعادة تدوير‪ .‬أشرقت الشمس بشكل كامل‪ ،‬وبدت أشعتها المتراقصة على‬
‫سطح النهر مثل بليون مرآة صغيرة تومض باتجاههما‪ .‬جلس بغ آي وبولد سبوت وحّدقا إلى النهر‪.‬‬

‫في مثل هذا الوقت يوميًا يصبح بغ آي جائعًا‪ ،‬ولذا إذا ظهر شيء يمكن أكله وهو ُينّقب في‬
‫القمامة‪ ،‬سيشّم ه أوًال ثم ُيحّضر وجبًة خفيفة لنفسه‪ ،‬سواء أكانت لبنًا أو عصير برتقال من المخلفات‬
‫الموجودة أسفل أحد الصناديق‪ ،‬أو قطعة فاكهة ُقضم جزء منها‪ ،‬أو فطيرة منتهية الصالحية التزال‬
‫محفوظة ضمن غالف بالستيكي‪.‬‬

‫ال تنتهي المناوبة النهارية األولى قبل الساعة التاسعة صباحًا‪ ،‬يعود الجميع بعدها إلى‬
‫أكواخهم من أجل تحضير طعام الفطور‪ .‬كما تغادر شاحنات القمامة التي أتْت من مركز المدينة‬
‫ومناطق المدينة التجارية‪ ،‬وتنشر طبقة جديدة من التراب فوق القمامة الصباحية‪ ،‬ومن المعلوم‪ ،‬أن‬
‫المجموعة الثانية من الشاحنات القادمة من مجمعات الشقق والمناطق السكنية األخرى لن تصل إال‬
‫بعد الظهر‪.‬‬

‫يمضي الكبار الساعات الثالث التالية بعد مناوبة الصباح في فرز المواد التي جمعوها‬
‫واالهتمام بعمليات الطبخ والتنظيف اليومية‪ .‬كما يذهب بعضهم إلى المتجر أسفل التلة لشراء بعض‬
‫األشياء‪ ،‬بينما يجلب آخرون الماء من شاحنة الماء التي تأتي إلى هناك مرتين في اليوم‪ .‬ومع ذلك‬
‫يسلك آخرون طريق النهر من أجل الغسيل‪ ،‬أو يمشون نحو القرية في الجهة المقابلة للساقية‪ .‬وبعد‬
‫فطورهم المتأخر‪ ،‬يبقون في مكب النفايات من الظهر إلى غروب الشمس‪.‬‬

‫في وقت متأخر من فترة بعد الظهر أو في المساء‪ ،‬عندما ينتهون من فرز القمامة السكنية‪،‬‬
‫تأتي الشاحنات من المصانع والمناطق الصناعية إلى هناك‪.‬‬

‫يجني الكبار المقدار األكبر من النقود من المناوبة األولى‪ ،‬وبما أّن عملهم ال يترك لهم وقتًا‬
‫لالعتناء بعائالتهم‪ ،‬فاألطفال دائمًا جياع‪.‬‬

‫ولكن لتبسيط المصيبة‪ ،‬يمكننا القول إن األطفال الذين لديهم آباء تناولوا فطورًا وغداًء‬
‫مشتركًا متأخرًا‪ ،‬عندما أتيح ألهلهم مزيد من الوقت في فترة قبل الظهر‪ .‬لكن يضطر األطفال في‬
‫األمسيات الستخدام فطنتهم من أجل التسلل بين الكبار الذين ينشغلون في العادة في الثمل بين‬
‫صفوف األكشاك بعد نهاية العمل‪ ،‬والحصول على ما يمكنهم أكله‪ .‬قد يأخذ بعض األطفال األشياء‬
‫الصالحة لألكل التي جمعها الكبار من القمامة ويجتمعون معًا في منزل أحدهم أو في أي ميدان‬
‫مفتوح في جزيرة األزهار لكي يسلقوا ويشووا وُيسّخ نوا وجباتهم‪ .‬معظم ما ُيضطرون ألكله هو‬
‫األطعمة المعلبة أو عبوات النقانق البالستيكية المنتهية الصالحية‪ ،‬أو السمك والمأكوالت البحرية‬
‫األخرى التي ُر ِم يْت خارج سوق السمك‪ ،‬لكن أيًا من الكبار أو الصغار لم يعاِن كثيرًا من ألم المعدة‬
‫أو التسمم الغذائي‪ .‬بالطبع كان اإلسهال مشكلة‪ ،‬لكّن أحدًا لم يشتِك ‪.‬‬

‫«هل أنت جائع؟»‪ .‬تظاهر بغ آي أنه لم يسمع سؤال بولد سبوت‪ .‬فلم تكن لديه رغبة بمغادرة‬
‫المخبأ‪ .‬أخرج بولد سبوت عبوة بالستيكية ُم جّعدة ُتفرقع بين يديه‪ :‬بداخلها نقانق‪ .‬كان جانب العبوة‬
‫متضررًا‪ ،‬وبدا جليًا أنه تناول منها عدة نقانق‪ .‬أخرج بولد سبوت واحدة منها وشّم ها‪ ،‬كان أحد‬
‫طرفيها مغطى بالتراب فقال وهو يضحك‪« :‬رائحتها جيدة!»‪.‬‬

‫أدخل بولد سبوت قطعة النقانق القذرة في فمه‪ ،‬ولعقها عدة مرات‪ ،‬ثم بصق التراب‪ ،‬وبدأ‬
‫يأكلها‪ .‬عندما عاش في المدينة‪ ،‬لم يعتقد بغ آي أنه لن يضع شيئًا مثل هذا في فمه وحسب‪ ،‬بل ظن‬
‫أنه سيضرب الولد الذي يقّدمه له‪ .‬لكن عندما فّكر باألمر اآلن‪ ،‬ربما تكون النقانق مترعة بالمواد‬
‫الحافظة ومن الواضح أنها كانت في زاوية بّر اد أحدهم من دون أذى إلى أن ُر ِم يْت في نهاية‬
‫المطاف‪ .‬أدخل بغ آي أحد أصابعه داخل الغالف البالستيكي‪ ،‬وأخرج قطعة نقانق‪ ،‬ثم تناول قضمة‬
‫منها وقال‪« :‬طعمها جيد أيضًا»‪.‬‬

‫أكل كل من بغ آي وبولد سبوت خمس قطع نقانق‪.‬‬

‫قال بغ آي‪« :‬كنت أفكر في أمر ما‪ .‬في المرة الماضية‪ ،‬قلَت إنك الوحيد الذي يرى األضواء‬
‫الزرقاء‪ .‬ما هي هذه األضواء؟»‪ .‬انحنى بولد سبوت نحو األسفل ونظر حوله ليرى عن كان أحد‬
‫يستطيع سماعه‪.‬‬

‫«أنت الوحيد الذي أخبرته‪ .‬ما من ولد سواي يستطيع رؤيتها»‪.‬‬

‫«لم يكن هذا ما سألتك عنه»‪.‬‬

‫«أنا ال أعرف ماهيتها‪ .‬إنها تظهر في الليل فقط‪ .‬تبدو مثلنا»‪.‬‬

‫«حسنًا‪ ،‬هي أشباح؟»‪.‬‬

‫«هي ليست مخيفة‪ ،‬بعضها صغار وبعضها كبار‪ .‬وهناك رجال ونساء أيضًا»‪ .‬تفسير بولد‬
‫سبوت جعل بغ آي يفقد اهتمامه‪ .‬لم يعد يود الحديث عن تلك المخلوقات الغريبة بعد اآلن‪ ،‬لذا غّير‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫«كم عدد األوالد الذين يستخدمون هذا المقر؟»‪.‬‬

‫«أممم‪ ،‬حوالي الستة على ما أعتقد‪ ،‬بمن فيهم أنا‪ُ .‬يسمح فقط لألوالد الذين لديهم إذن من‬
‫القائد بالتواجد هنا»‪ .‬عّدل بولد سبوت من وضعيته بفخر وهو يقول ذلك‪ .‬تمتم بغ آي وهو محتار‬
‫ومنزعج في الوقت نفسه‪« :‬حسنًا أنت تقول إنه ال يجب أن أكون هنا اآلن»‪.‬‬

‫«لسُت أدري‪ .‬يجب أن يسمح مول بذلك»‪.‬‬

‫«هل هذا المول أطول مني؟ هل يستطيع العراك؟»‪.‬‬

‫«أعتقد أنك أطول منه‪ .‬لكنه قوي»‪ .‬كثيرة هي األمور التي يتشوق بغ آي إلى معرفتها فلم‬
‫يتوقف عند ذاك الحد‪.‬‬

‫«ماذا تفعلون طوال النهار؟»‪ .‬إنهما يعيشان متجاورين‪ ،‬ومع ذلك كان بغ آي يرى بولد‬
‫سبوت فقط في أوقات متأخرة من المساء‪ .‬بعد حوالى أسبوع من انتقالهما إلى الجزيرة‪ ،‬بدأت والدة‬
‫بغ آي بتحضير الفطور في مطبخ بارون أشورا‪ ،‬وكانوا جميعهم يأكلون معًا حول الطاولة المعدنية‬
‫المدورة‪ .‬لكن في الغالب‪ ،‬لم يكن بولد سبوت موجودًا لتناول الطعام‪ ،‬ولكن بغ آي يتساءل عن المكان‬
‫الذي ذهب إليه‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬كان يغيب كثيرًا لدرجة أّن والدة بغ آي بدأت تقلق‪ .‬في كل مرة تسأل‬
‫فيها البارون عن مكان بولد سبوت‪ ،‬فهو إما ال ُيجيب وإما يعبس‪ ،‬وينظر إلى بغ آي ويقول‪« :‬ال أحد‬
‫من أولئك األنذال الصغار هنا يهتم بأهله على اإلطالق»‪.‬‬

‫سأل بغ آي بولد سبوت‪« :‬أال يذهب أحد إلى المدرسة؟»‪.‬‬

‫أجاب بولد سبوت بفرح‪« :‬لدينا مدرسة‪ .‬وأنا أذهب إليها عندما أرغب‪ .‬لكني أرغب اليوم في‬
‫اللعب معك»‪.‬‬

‫«هل يذهب األوالد اآلخرون فقط عندما يرغبون بذلك أيضًا؟»‪.‬‬

‫«نعم‪ .‬هناك كنيسة في األسفل بجانب المتجر‪ .‬هناك تقع المدرسة»‪.‬‬


‫سأل بغ آي ساخرًا‪« :‬أنت تخبرني أنك تقضي كل أوقاتك هناك؟»‪.‬‬

‫أجاب بولد سبوت بوداعة‪« :‬كال‪ ،‬هناك مكان آخر‪ .‬وأنا الوحيد الذي يذهب إلى هناك‪ .‬منزل‬
‫سكروني (النحيلة)»‪.‬‬

‫«سكروني؟ من هو؟»‪.‬‬

‫«سترى‪ .‬إذا وعدتني أنك لن تخبر أحدًا‪ ،‬بإمكانك أن تأتي أيضًا‪ ،‬يا هيونغ»‪ .‬شعر بغ آي‬
‫بالملل من الجلوس في المخبأ‪ ،‬فهما وحدهما‪ ،‬وال يفعالن أي شيء‪ ،‬لذا نهض ونفض التراب عن‬
‫بنطاله‪ .‬ومثل المرة الماضية‪ ،‬أسرع بولد سبوت أمامه‪ ،‬وتقدم المسير باتجاه أعلى التلة‪ .‬عندما وصل‬
‫الفتى الصغير إلى القمة‪ ،‬نظر إلى الخلف‪ ،‬إلى بغ آي‪ ،‬وتوّج ه إلى األسفل في الجانب اآلخر من‬
‫التلة‪ ،‬بعيدًا عن مدينة الصفيح‪.‬‬

‫كانا يتقدمان باتجاه الزاوية الجنوبية الغربية للجزيرة‪ .‬والجانب الخلفي من التلة مغطى‬
‫بالعشب الفضي والبرسيم‪ ،‬وتتخلله أحيانًا كومة من خردة الحديد أو مخلفات مواد البناء‪ .‬تمكّن بغ آي‬
‫من رؤية مجموعة من أكواخ المزارعين وأحد المنازل المصنوعة من األحجار اإلسمنتية وبيت‬
‫بالستيكي في األسفل بجانب النهر‪.‬‬

‫بينما كان يشقان طريقهما بين حقول الملفوف‪ ،‬سمع بغ آي كلبًا ينبح بصوت عاٍل من داخل‬
‫المنزل اإلسمنتي‪ ،‬تبعه جوقة متقطعة من األصوات لدى انضمام كالب أخرى له‪ ،‬تنبح وتعوي‪ُ .‬فتح‬
‫باب المنزل الذي ُيشبه الصندوق ومّدت امرأة رأسها إلى الخارج وبدت شعثاء‪.‬‬

‫قالت‪« :‬العم الصغير هنا!»‪.‬‬

‫بدت في الثالثين من العمر‪ .‬كانت ترتدي قميصًا أزرق زاهيًا وبنطاًال فضفاضًا منقشًا بنقوش‬
‫أزهار كبيرة‪.‬‬

‫حملت المرأة بإحدى يديها كلبة نحيلة وصغيرة ال يزيد حجمها عن قبضة اليد‪ .‬كانت‬
‫المخلوقة الصغيرة تنبح بشدة وتكشف عن أسنانها‪ .‬لقد كان نباحها حادًا جدًا إلى درجة أّن بغ آي‬
‫خشي من أن تنقطع حبالها الصوتية‪ .‬وكأّن هذا ليس كافيًا‪ ،‬بدأت عشرة كالب صغيرة أخرى داخل‬
‫المنزل بالنباح أيضًا‪ ،‬وكل واحد منها يحاول التفوق على اآلخر‪.‬‬
‫«ادخال‪ ،‬ادخال! ستهدأ حالما ُأغلق الباب»‪ .‬لحق بغ آي ببولد سبوت إلى داخل المنزل‪ ،‬وأخذ‬
‫يراقب بينما كان بولد سبوت يداعب كل كلب بمفرده‪ .‬ولدهشته‪ ،‬عندما مّد يده قرب فم الكلبة‬
‫الصغيرة التي تحملها المرأة بذراعها‪ ،‬لعقت المخلوقة الصغيرة راحة يد بولد سبوت‪ .‬بعد مضي‬
‫وقت قصير عم الهدوء المنزل‪.‬‬

‫قالت المرأة‪« :‬اجلسا‪ ،‬اجلسا»‪ .‬ثم سألْت ‪« :‬من هو صديقك؟»‪.‬‬

‫أجاب بولد سبوت‪« :‬إنه أخي الكبير»‪.‬‬

‫«لم أكن أعلم أّن لديك أخًا أكبر»‪.‬‬

‫قال وهو يضحك‪« :‬لقد سقط من إحدى شاحنات القمامة»‪.‬‬

‫أطلقت المرأة ضحكة مكتومة وقالت‪« :‬حسنًا اآلن‪ ،‬ما الذي يمكنك أن تحصل عليه من‬
‫شاحنة قمامة هذه األيام؟»‪.‬‬

‫أوحت النظرة التي ارتسمت على محياها أنها اكتفت من األسئلة بشأن بغ آي وزيارته‬
‫المفاجئة‪ .‬أخذ بولد سبوت الكلبة الصغيرة منها‪ ،‬وأجلسها على حضنه‪ .‬وبمحاولة منه ألن يكون لبقًا‬
‫أمام ُم ضيفيهما‪ ،‬مّد بغ آي يده ليرّبت على الكلبة‪ ،‬لكّن الكلبة الصغيرة نبحت بصوت مرتفع وعضت‬
‫يده‪ .‬لم يتوقع العض وال شدته لذا صرخ بغ آي وقفز من مقعده مباشرًة‪ .‬وقفت الكالب األخرى أو‬
‫خّبأت ذيولها وتراجعت بعيدًا عنه وهي تنبح بشدة‪.‬‬

‫هّز بولد سبوت الكلبة قائًال‪« :‬سكروني! اسكتي!»‪ .‬طوت الكلبة ذيلها‪ ،‬وحشرت رأسها داخل‬
‫حضن بولد سبوت‪ .‬فّكر بغ آي أنه لو عضته الكلبة خارج المنزل كان ليركلها‪ .‬لكنه تفاجأ أنه‪ ،‬حالما‬
‫توقفت سكروني عن النباح‪ ،‬هدأت الكالب األخرى أيضًا‪.‬‬

‫قال بولد سبوت وهو يضحك ويحك بطن الكلبة‪« :‬سكروني هي قائدة هذا المنزل»‪.‬‬

‫أوضحت المرأة قائلًة‪« :‬إنها األقدم واألولى التي أتت لتعيش معنا»‪.‬‬

‫بدت الكلبة الصغيرة وكأنها تعلم أنهم يتحدثون عنها‪ ،‬ألنها حّدقت إلى المرأة بعينين دامعتين‪.‬‬
‫فهم بغ آي اآلن لماذا دعا بولد سبوت هذا المكان منزل سكروني‪ .‬وعلم أيضًا أّن جميع هذه الكالب‬
‫كبيرة في السن‪ ،‬وتفوق الستين من العمر إذا احتسبت مقارنة بأعمار الناس‪ ،‬وأنها جميعًا بحالة غير‬
‫جيدة‪ .‬كانت سكروني من فصيلة تشيواوا األصلية‪ ،‬وعمرها حوالى ثالثة عشر عامًا‪ ،‬بينما كانت‬
‫الكالب األخرى خليطًا من سالالت متنوعة‪ .‬ثمة كالب طويلة الشعر‪ ،‬وكالب قصيرة الشعر‪،‬‬
‫وكالب مجعدة الشعر‪ ،‬وكالب رمادية وسوداء وبنية اللون‪ ،‬وكالب بخطوط داكنة اللون وأخرى‬
‫مبرقعة‪ ،‬وكالب ذات أرجل طويلة وأخرى بأرجل قصيرة‪ ،‬وكالب بأنوف طويلة وأخرى بأنوف‬
‫قصيرة‪ ،‬وكالب بكل األشكال وأخرى مشوهة‪ ،‬وكالب بأرجل خلفية مشلولة‪ ،‬وأخرى بأرجل أمامية‬
‫مشلولة‪ ،‬وكالب برجلين مكسورتين‪ ،‬وكالب بأرجل مكسورة‪ ،‬وكالب مقطوعة إحدى األذنين‪،‬‬
‫وكالب عوراء‪.‬‬

‫«العم الصغير وصل إلى هنا في الوقت المناسب تمامًا»‪ .‬أخرجت المرأة مجموعة متنوعة‬
‫من األوعية من الخزانة‪ :‬وعاء فخاري وآخر معدني‪ ،‬وحوض مبعوج من النيكل‪ ،‬وطبق بورسلين‪،‬‬
‫وصحن فنجان بالستيكي من تحت إحدى أواني الزهور‪ .‬وقامت بترتيب أوعية طعام الكالب فوق‬
‫األرض المغطاة بالمشمع بين غرفتي النوم في الفسحة الضيقة التي تستخدم كمطبخ وغرفة معيشة‬
‫في آن معًا‪ .‬عندما سحب بولد سبوت كيس طعام الكالب‪ ،‬وبدأ يسكبه في األوعية‪ ،‬أسرعت الكالب‬
‫إلى هناك‪ُ .‬قّدم لسكروني وجبتها الخاصة المكونة من حفنة من األرز المخلوط مع سمك الطون في‬
‫وعاء فوالذي‪ .‬لكنها ابتعدت عنه بعد عدة لقمات‪ .‬وّضح بولد سبوت سبب اختالف وجبة سكروني‬
‫عن غيرها‪ ،‬فقال‪« :‬إنها جدة كبيرة ومريضة‪ .‬يجب علينا أن نشجعها على األكل»‪ .‬بينما كانت‬
‫الكالب تأكل‪ ،‬لم يكن هناك من صوت سوى صوت المضغ وقرقعة األوعية‪ .‬عندئٍذ‪ُ ،‬سمع المزيد من‬
‫النباح في الفناء‪ .‬فنظرت المرأة من النافذة‪.‬‬

‫استرق بغ آي النظر إلى الخارج وقال‪« :‬حان وقت إطعام البقية»‪ .‬كان هناك مزيد من‬
‫الكالب في البيت البالستيكي‪ .‬نظرت المرأة إلى بولد سبوت وقالت‪« :‬لقد رأيُت أضواء مملكة‬
‫دوكايبي في الليلة الماضية‪ ،‬وعائلة السيد كيم‪ ،‬من مكان بعيد جدًا»‪.‬‬

‫«لقد رأيتهم أيضًا قبل بضعة أيام بجانب منحنى الساقية‪ .‬لكن السيد كيم لم يتحدث إلّي »‪.‬‬

‫«لكن‪ ،‬إذا أظهروا أنفسهم لك‪ ،‬فهذا يعني أنهم يحبونك»‪.‬‬


‫أفرغت الكالب أوعيتها‪ ،‬وأخذت تتجول وتنظر إلى وعاء كل منها‪ ،‬من دون أن تزمجر على‬
‫بعض‪ .‬لم تكن مرحة كبقية الكالب العادية‪ .‬بعضها تجر أرجلها الخلفية وراءها‪ ،‬وأخرى تقفز على‬
‫ثالثة أرجل‪ .‬وعندما أتى كلب آخر باتجاه وعاء سكروني والتهم بقية طعامها‪ ،‬جبنْت سكروني‬
‫وزحفت إلى حضن بولد سبوت مرة أخرى‪.‬‬

‫تنهدت الكلبة الصغيرة طويًال تمامًا مثل سيدة عجوز‪ ،‬وأخذت تحدق إلى بغ آي من خالل‬
‫عينين دامعتين‪.‬‬

‫سأل بغ آي مخاطبًا المرأة للمرة األولى منذ أن وصل إلى هناك‪« :‬من أين أتْت كل هذه‬
‫الكالب؟»‪.‬‬

‫بدل أن تجيبه‪ ،‬تبادل بولد سبوت والمرأة النظرات وابتسما‪ .‬كان بغ آي يعرف جيدًا أّن أحدًا‬
‫لن يدفع نقودًا لقاء هذه المخلوقات القذرة الجرباء‪.‬‬

‫قال بولد سبوت وهو يضحك‪« :‬الجد الذي يعمل بائعًا متجوًال يجمع كل شيء»‪.‬‬

‫أوضحت المرأة قائلًة‪« :‬هذه الكالب رماها الناس‪ .‬مثل كل شيء آخر هنا»‪ .‬أخبرته أنهم‬
‫بدأوا بكلب أو كلبين إما كانا ضائعين وإما تخلى صاحبهما عنهما‪ ،‬ولكن عندما تم تدمير المزيد من‬
‫األحياء القديمة وحّل محلها أبنية الشقق الحديثة‪ ،‬ازداد عدد الكالب المنبوذة أيضًا‪ ،‬وهكذا أصبحت‬
‫هنا‪ .‬توجه بولد سبوت نحو الفناء لكي يطعم بقية الكالب‪ ،‬وسار بغ آي خلفه مباشرًة‪ .‬رفعت المرأة‬
‫الغطاء عن ِقدر الطبخ الكبير وألقْت نظرة عليه‪.‬‬

‫صرخت قائلًة‪« :‬هناك كثير من الطعام اليوم!»‪.‬‬

‫والد المرأة‪ ،‬الجد الذي يعمل بائعًا متجوًال‪ ،‬يجمع بقايا الطعام كل عدة أيام من مطاعم‬
‫المدينة‪.‬‬

‫لقد استخدمت المرأة بقايا األوراق والكرتون من أجل إذكاء النار تحت قدر الطبخ‪ .‬وعلى‬
‫وقع صوت الناس الذين يتسكعون في الفناء‪ ،‬بدأت الكالب النباح من جديد بصوت أعلى‪ .‬عندما فتح‬
‫بولد سبوت باب البيت البالستيكي‪ ،‬بدأت الكالب تنبح وتهز ذيولها إلى األمام والخلف وهي تتجّم ع‬
‫حوله‪ .‬حتى أّن ثالثة كالب قفزت على بغ آي وأرخت أكفها عليه أو أنها قفزت إلى األعلى لكي تلعق‬
‫يديه‪.‬‬

‫كانت الكالب التي بعدد ثالثين أو نحوها في البيت البالستيكي مختلفة األشكال واألحجام مثل‬
‫تلك الكالب السقيمة والكبيرة السن داخل المنزل‪ ،‬وكان هناك بضعة كالب ضخمة للغاية بينها أيضًا‪.‬‬
‫أضافت المرأة طعام الكالب إلى البقايا التي تغلي في الِقدر‪ ،‬ثم سكبته في أوعية بالستيكية‪ ،‬بينما‬
‫وزع بولد سبوت وبغ آي األوعية داخل البيت البالستيكي ورتباها بصف واحد طويل‪ .‬فيما بعد‪،‬‬
‫عادا إلى الداخل وتناوال حساء سوجيبي الذي حّضرته المرأة غذاًء لهما‪.‬‬

‫أمضى بولد سبوت وبغ آي بقية اليوم يلعبان ويتسكعان بالقرب من منزل سكروني‪ .‬كانت‬
‫الخردة التي جلبها الجد الذي يعمل بائعًا متجوًال مصّنفة في أكوام مرتبة في الخارج‪ .‬فبقيت البرادات‬
‫والغساالت ضمن دوائرها‪ ،‬بينما ُكّدست التليفزيونات والكومبيوترات فوق بعضها مثل مباني‬
‫القرميد‪ .‬وتّم نشر شظايا الزجاج والصفائح المعدنية في ساحة العمل حيث يتم فك األجهزة‬
‫اإللكترونية‪ .‬كما ُو ضعت العبوات الزجاجية التي كان فيها جعة وسوجو وكوال أو مشروبات أخرى‬
‫فيما سبق‪ ،‬في أحد الصناديق‪ ،‬والصناديق الكرتونية الممزقة ربطت مع بعضها في حزم‪ ،‬وُج معت‬
‫المواد البالستيكية الصغيرة داخل السطول والسالل‪ ،‬وُر ِبطت المواد الكبيرة ذات الحجوم المتشابهة‬
‫بعضها مع بعض‪.‬‬

‫في وقت متأخر من فترة بعد الظهر وصل الجد الذي يعمل بائعًا متجوًال بشاحنته التي تبلغ‬
‫حمولتها طنًا واحدًا‪ .‬كثيرة هي الخردة التي مألت الشاحنة‪ .‬كان الجد رجًال قصيرًا وأصلع‪ ،‬في‬
‫الستينات من عمره وأشيب اللحية‪ .‬ومثل بقية ُم اّل ك ساحات الخردة وسائقي الشاحنات الخاصة‪ ،‬كان‬
‫يشتري مواد مرمية ويعيد بيعها إلى مصانع إعادة التدوير‪ ،‬ويجمع األجهزة اإللكترونية من أجزاء‬
‫مختلفة من المدينة ويفككها بنفسه إلى أجزاء لكي يبيع مكوناتها‪ُ .‬تفكك األجهزة اإللكترونية مرة كل‬
‫عدة أيام‪ ،‬بمساعدة النساء العابرات أو الرجال الكبار في السن الذين يعيشون في الجوار ولديهم‬
‫بعض أوقات الفراغ بعد الظهر‪.‬‬

‫يومها‪ ،‬بدأ بغ آي ينظر باحترام إلى بولد سبوت‪ .‬ففي مدينة الصفيح حيث عاشوا‪ ،‬كان‬
‫األطفال عديمي الفائدة‪ ،‬وقيمتهم أقل من الخردوات المعدنية‪ .‬وما يزيد األمر سوءًا‪ ،‬أنه لم يكن هناك‬
‫أحد يرغب بالتعامل مع ولد مثل بولد سبوت بطيء االستيعاب ويتلعثم عندما يتكلم‪ .‬بالنسبة إلى‬
‫الكبار الذين اضُطروا للعمل دون توقف من الفجر إلى الغسق‪ ،‬لم يكن األطفال أكثر من عقبة تؤدي‬
‫إلى إبطائهم‪ .‬لقد شّك بغ آي أّن بولد سبوت يتظاهر وحسب بأنه ساذج‪ ،‬لكنه في الحقيقة ذكي وعميق‬
‫التفكير‪ .‬أثار المخبأ إعجابه قليًال وحسب – ففي نهاية المطاف‪ ،‬لكل حي مكان مثله حيث يتمكن‬
‫األوالد من اللعب – لكّن المشاهد التي رآها في منزل سكروني كانت كافية للقضاء عليه‪.‬‬

‫لم يكن البيت البالستيكي وساحة خردوات الجد الذي يعمل بائعًا متجوًال المفاجآت الوحيدة‬
‫التي يمكن إيجادها وراء منزل سكروني‪.‬‬

‫هناك غابة من األشجار والنباتات الصغيرة والكبيرة تمتد من مؤخرة المنزل وكل الطريق‬
‫إلى الزاوية في أقصى غرب مثلث جزيرة األزهار‪ :‬من الصفصاف والدردار والتوت‪ ،‬إلى شجيرات‬
‫البرسيم واألزهار البرية‪ .‬وعلى طول ضفة النهر‪ ،‬هناك األعشاب الفضية ونباتات ذيل القط‬
‫والقصب الذي يرتفع إلى مستوى رأس بغ آي‪ .‬عندما اقترح بولد سبوت النزول في وقت الحق إلى‬
‫منحنى الساقية في الجهة األخرى من الغابة‪ ،‬شعر بغ آي باالنزعاج من الطريقة التي خفض فيها‬
‫الفتى الصغير صوته وحّر ك عينيه حوله‪ .‬أشعره ذلك بعدم االرتياح كونه أمضى كل فترة بعد الظهر‬
‫يتسكع في أحد منازل الغرباء فقال‪« :‬دعنا نذهب إلى المنزل‪ .‬ربما يبحثون عنا»‪.‬‬

‫قال بولد سبوت‪« :‬ال ضير إن بقينا حتى غروب الشمس ما لم تكن راغبًا حقًا بالمغادرة‬
‫اآلن»‪ .‬مضى بولد سبوت ليقول وداعًا‪ ،‬ولم يترك لبغ آي أي خيار سوى اللحاق به‪ .‬لكن عندما‬
‫دخال‪ ،‬سمعا موسيقى هادئة ُتعزف في مكان ما داخل المنزل‪ .‬بدأ كتفا المرأة بالصعود والهبوط‪،‬‬
‫وتصالبت ذراعاها على صدرها‪ ،‬وأخذ جسدها يهتز بالكامل‪ .‬عندما بدأ بولد سبوت يبحث في‬
‫األرجاء‪ ،‬التفتت المرأة وأشارت بذقنها‪.‬‬

‫قالت وهي تكز على أسنانها‪« :‬إنها هناك»‪.‬‬

‫تعّر ف بغ آي إلى لحن األغنية‪ .‬اسمع‪ ،‬أنت أيها النعسان‪ ،‬الشمس أشرقت‪ ،‬لماذا التزال في‬
‫السرير‪ ،‬حان وقت النهوض‪ ،‬دينغ دونغ دانغ‪ ،‬دينغ دونغ دانغ! شّدت المرأة ساقيها‪ ،‬واستلقت على‬
‫ظهرها‪ .‬كانت ذراعاها ممدودتين على الجنبين‪ ،‬وساقاها مثنيتين‪ .‬انحرفت عيناها إلى الخلف حتى‬
‫ظهر بياضهما‪ ،‬وامتأل فمها بالزبد‪ .‬ركض بولد سبوت نحو الغرفة وأغلق ساعة المنبه‪ ،‬لكّن المرأة‬
‫كانت تتلوى على األرض‪ ،‬وأطرافها متصلبة‪ .‬كان بغ آي في غاية الفزع لدرجة أنه ركض نحو‬
‫الباب وأمسك بحذائه‪ ،‬استعدادًا للهرب‪.‬‬

‫«صرخ قائًال‪« :‬ما مشكلتها؟»‪.‬‬

‫وضع بولد سبوت إحدى الوسائد األرضية الرفيعة بهدوء تحت رأس المرأة‪ ،‬وبقي يراقبها‪.‬‬

‫قال وهو يضحك ضحكته المميزة‪« :‬حان الوقت»‪.‬‬

‫لم يكن بولد سبوت غير متفاجئ بأي شيء مما حصل وحسب‪ ،‬بل جلس هناك بطمأنينة وهو‬
‫يبتسم لبغ آي وكأنه معتاد على هذا النوع من األمور‪ .‬بعد فترة من الوقت‪ ،‬جلست المرأة الشعثاء‪،‬‬
‫وأخذت تحدق وكأنها تراهما للمرة األولى‪.‬‬

‫قال بولد سبوت‪« :‬أنِت مبكرة اليوم»‪.‬‬

‫لم يكن بغ آي يعرف ماذا يحصل‪ ،‬وبقي ينظر جيئًة وذهابًا بينهما‪ .‬بدت المرأة وكأنها تعرفت‬
‫إلى بولد سبوت أخيرًا‪ ،‬ثم حولت تحديقها إلى بغ آي‪.‬‬

‫قالت لبولد سبوت‪« :‬أنت عم الكالب‪ ،‬لكن من ذلك الفتى؟»‪.‬‬

‫«أخي األكبر‪ .‬لقد سقط من إحدى شاحنات القمامة‪ .‬إلى من أتحدث أنا؟»‪.‬‬

‫«جدة الصفصاف‪ ،‬بجانب الماء»‪.‬‬

‫«ألسِت شابة بعض الشيء لتكوني جدة؟»‪.‬‬

‫«لقد كنُت عروسًا شابة فيما مضى‪ ،‬لكني اآلن عجوز ولذا أنا جّدة»‪.‬‬

‫«لماذا أتيِت لزيارتنا؟»‪.‬‬

‫«أنا الروح الحارسة لهذه المرأة‪ .‬إنها تقلق كثيرًا‪ ،‬وقد طلبْت مساعدتي»‪.‬‬

‫تحدث بولد سبوت بغير اكتراث مع المرأة التي تغير صوتها ومالمح وجهها كليًا‪ .‬رفعت‬
‫المرأة قلنسوة قميصها وتوجهت نحو الباب‪ ،‬فتبعها بولد سبوت وبغ آي‪ .‬بدا الجد الذي كان في‬
Another random document with
no related content on Scribd:
Linear extraction of the lens. The animal and the eye having
been prepared anæsthetically antiseptically, and midriatically as for
discission, the lids are fixed with a speculum, the nictitans and the
bulb with forceps, a Gräfe cataract knife is introduced through the
inner side of the cornea, close to its margin and with its point parallel
to the front of the iris. The handle is then raised and the cornea
detached from the sclera by a series of gentle sawing motions until it
has reached a point parallel to the outer margin of the cornea. If the
pupil is insufficiently dilated, the iris should now be seized by forceps
drawn out through the corneal wound and snipped off by scissors
curved on the flat. Then the cystotome (hooked knife) is introduced
with its back turned downward and carried to the further side of the
capsule and close to the iris, its cutting point is turned backward and
inserted in the capsule, and drawn across from side to side to make
an orifice large enough for the escape of the lens. It is then given a
quarter revolution so as to turn the point of the knife downward and
is withdrawn from the wound back first. The lower part of the sclera
and cornea is now gently pressed with a lens spoon so as to dislodge
the lens from the capsule and deliver it through the corneal wound.
Counter pressure may be made on the sclera at the upper part of the
eye ball. The cornea is now gently stroked with cotton dipped in
sublimate solution to pass all blood from the anterior chamber, and
render the parts antiseptic. The iris is carefully replaced inside the
cornea and any obstinately protruding parts must be excised. The eye
is now covered with cotton steeped in a sublimate solution (1 ∶ 1000)
and bandaged without undue pressure, and the animal tied to two
sides of the stall so that it is impossible to rub the eye.
It is well to dress the eye on the second day, and if adhesion of the
wound is complete it may be left without bandage at the end of a
week or a fortnight.
Success depends mainly on the avoidance of infection. Therefore
every indication of local or general infection should forbid the
operation. Any existing infectious disease or any local eczema,
conjunctivitis or disease of the lachrymal apparatus should be cured
and the region thoroughly disinfected before proceeding. The head
should have a good soapy wash, followed by a sponging with
sublimate solution (1 ∶ 1000), the conjunctiva carefully washed out
with the same and a bandage damp with it applied over the eye. This
bandage is only removed on the operating table. Cloths dampened
with the solution are laid on the face around the eye, the eye is
cocainized with a 5 per cent. solution applied at intervals of one
minute and when quite insensible the operation is commenced. The
greatest care must be taken to render the hands of operator and
assistants and all instruments thoroughly aseptic. The instruments
are taken from a 4 per cent. solution of carbolic acid and placed in
water (which has just been boiled) until needed, and to wipe the eye
or make any application, sterilized cotton only is used and never
touched to the eye more than once. A sublimate bandage is placed
over the eye and worn for ten days or a fortnight. Then if the corneal
incision is healed and pale it may be left off. The pupil should be kept
dilated by a few drops of atropia daily for this length of time.
Any occurrence of iritis or choroiditis usually indicates infection
and must be treated on general principles, but with especial
reference to disinfection, and if this cannot be secured the eye will be
almost inevitably lost.
In case of renewed opacity through thickening of the capsule an
aperture must be torn in that membrane by the same method as in
discission. This is commonly known as needling. It must be
conducted under the same antiseptic precautions as in extraction.
Suction. This is only applicable to a lens which has become fluid as
well as opaque. It consists in withdrawing the liquid lens through a
hollow needle.
DISLOCATION OF THE LENS.

Congenital; acquired; traumatic, softening of suspensory ligament: hinge


motion, lens drops behind iris, protrudes through pupil, cataract. Apparent
increased depth of anterior chamber, tremulous iris, projecting edge of lens like
black ring. Treatment: extraction.

Dislocation of the lens may be congenital, or acquired. In the latter


case it is explained by a traumatism or a liquefaction of the vitreous
and coincident softening of the suspensory ligament. In either case,
if the ligament is torn through in more than one-half its
circumference, the lens will hang by the remainder and move on it as
on a hinge so as to change its location in the different positions of the
head. This is especially so where the vitreous has become abnormally
fluid as there is then no resistance to the free backward movement of
the lens. The writer has seen the eye of a cow affected in this way, so
that the cataractous lens advances to the pupil and recedes from it as
the eye is moved. In other cases the dislocated lens, being attached
below only, drops down and virtually disappears behind the lower
part of the iris. In still other cases it becomes wedged into the pupil,
or protrudes into the anterior chamber and lies in front of the pupil
and iris. The semi-detached lens sooner or later becomes opaque. A
cataract with contraction of the newly formed tissue on the capsule
and undue tension on the suspensory ligament may, however,
precede the dislocation which is then precipitated by some shock, as
a blow, fall, sneeze, cough or emesis.
The condition leads to an apparent increase in the depth of the
anterior chamber, and tremulous movement of the iris, and if
illuminated the impacted condition of the lens or its changes of
position can be detected. If its edge is exposed it appears as a black
ring.
Treatment is useless, unless it be extraction of the lens, or
iridectomy in suitable cases.
PERSISTENT ARTERIA HYALOIDEA.

In the embryo this artery occupies the central canal of the vitreous
and extends from the optic papilla to the posterior pole of the lens.
At times it persists after birth and even to mature life and is then
detected as a gray or dark thread on ophthalmoscopic examination.
Berlin records a case in an old horse and others in young cats, and
Möller other cases in dogs. Treatment is manifestly hopeless.
OPACITY OF THE VITREOUS.

From inflammation of the ciliary body, choroid or retina. Pupil copperas green
with white points, lines or patches, move in opposite direction from the eye,
liquefied vitreous, crystals of cholesterine, scintillance, opacity. Treatment.

Opacities visible with the ophthalmoscope usually come from


effusion of blood into the vitreous, or inflammation of the retina,
choroid, or ciliary body. Blood thrown into the vitreous will usually
leave some permanent turbidity. In choroiditis or retinitis the
ophthalmoscope may reveal the changes in these structures. A
turbidity appearing in the anterior portion of the vitreous, without
any apparent cause, is probably due to cyclitis which cannot be seen
with the ophthalmoscope, but may cause special tenderness around
the sclero-corneal zone. It is common in recurrent ophthalmia of the
horse and in irido-choroiditis in animals generally, and may be a
distinct feature of glaucoma. The general reflection of the pupil is
copperas green, but gray or white points, lines, bars or patches may
often be recognized. These being back of the lens and axis of the eye,
move in the opposite direction from the line of vision, thus if the eye
looks upward they descend, if it looks downward they ascend, if it
turns to the right, they turn to the left and vice versa. Tested by a
burning candle the three reflections remain clear and distinct unless
lens or cornea are affected.
Not infrequently the vitreous is found abnormally fluid, and
among its solid particles in affected horses have been found crystals
of cholesterin (Jacobi) and tyrosin (Möller). In the illuminated
vitreous such crystals may be seen to reflect the light like a shower of
sparks (synchysis scintillans). Opacity of the vitreous has been seen
in cases of amaurosis in horses (Hertwig) and glaucoma in lambs
(Prinz).
Treatment is rarely satisfactory, though in some recent cases, and
in the absence of any other irremovable lesion, reabsorption of a
slight exudate may take place, in connection with the use of mild
saline laxatives and diuretics.
RETINITIS.

With choroiditis and cyclitis, albuminuria, nephritis, mellituria, leukæmia,


petechial fever, contagious pneumonia. Photophobia, contracted pupil, redness
around optic disc, enlarged retinal vessels, white and gray spots and radiating
lines, exudates, clots, fatty degeneration. Treatment: correct primary disease.

Retinitis is usually an accompaniment of choroiditis and cyclitis,


but it also occurs as a complication in a number of constitutional
maladies, such as albuminuria, nephritis, mellituria, leukæmia,
petechial fever, contagious pneumonia, etc. Fröhner records a case in
a leukæmic horse, Peters in one suffering from petechial fever,
Schindelka in cases of contagious pneumonia in the horse, and
Eversbusch in recurrent ophthalmia of the horse, and under other
conditions in dogs.
The attack is accompanied at the outset with much photophobia
and contraction of the pupil. When this is dilated and the fundus of
the eye examined with the ophthalmoscope, the retina is seen to be
reddened for some distance around the optic disc and the blood-
vessels are materially enlarged. Later, white or gray spots and lines
are seen in and around the disc, tending to assume a radiating
direction, and the retina at large, on careful examination may have a
distinctly striped appearance. Brownish, reddish or light colored
exudates and hæmorrhages may be made out in certain cases
between retina and hyaloid, or between the retina and choroid. Fatty
degeneration of the fibrous tissue is common.
Treatment must be first that for the primary disease of which the
retinitis is a complication, and the result will depend on how
amenable that affection is to therapeutic measures. In advanced
albuminuria or mellituria, the retinitis, which is usually double, is
hopeless, while in contagious pneumonia, petechial fever, leukæmia
and other less fatal affections, retinitis in its initial stages may
recover. In cases of advanced disease with serious structural changes
in the retina, recovery cannot be looked for.
DETACHMENT OF THE RETINA.

This may occur in any case of retinitis or choroiditis. It is


especially common in recurrent ophthalmia in horses. It may also
occur through the dragging by contracting inflammatory products in
organization. Spontaneous recoveries have taken place through
reabsorption, and attempts have been made by the injection of iodide
lotion to hasten this, or more safely by rest and diaphoresis.
Puncture and aspiration have also been tried with most varied
results. As a rule in the lower animals the treatment of the
inflammation, with rest, a pressure bandage, and pilocarpin will be
indicated.
RETINAL HEMORRHAGE.

This occurs in inflammations of the retina or choroid, also in


degenerations of the vascular walls and as a result of traumas, or
poisons. Schindelka quotes a case in a dog from ptomaines,
Eversbusch, one from scurvy in the dog, Appenroth, one in a calf
from a blow with a cow’s horn, and others in cats and horses from
traumas. It is present to a slight extent in all inflammations of the
retina. With the ophthalmoscope the recent lesion appears as a
bluish red blotch on a bright red ground, and the older lesion of a
brownish red. Rest and a pressure bandage may be employed after
subsidence of the inflammation.
TUMORS OF THE RETINA.

Eversbusch found subretinal cysts in a 24 year old horse, Merkel


and others have found similar bodies in old dogs and cattle.
Sarcomata and melanosarcoma are found on the surface of the
choroid in gray horses, implicating the retina. The only remedy is
enucleation of the bulb.
INFLAMMATION OF THE OPTIC NERVE.
PAPILLITIS.

Choked disc. Neuro-retinitis. Papillo-retinitis. Nerve swelling blocks veins.


Causes: lead, tumors in brain bilateral, in orbit unilateral, influenza, petechial
fever. Symptoms: redness of optic disc, retinal arteries contracted, veins gorged,
papilla swollen (woolly), vitreous opacity. Treatment.

This is also known as choked disc from the obstruction of the


return of blood by the veins of the retina which pass out at the
cribriform lamina. The swelling of the nerve ending and papilla
compress the veins, causing stagnation and venous congestion in the
retina. When the retina is thus involved the term neuro-retinitis or
papillo-retinitis is often applied.
Causes. The condition has been traced to lead poisoning, brain or
orbital tumors, and various infectious diseases. Except in orbital
tumor the disease is usually bilateral. In horses Schindelka has seen
the condition in influenza and Peters in petechial fever, heart failure
and dyspnœa. In a necropsy on a horse the writer found complete
cataract, atrophy of the bulb to less than two-thirds the size of its
fellow, thickening and furrowing of the sclera, the presence of an
extensive old blood clot in the seat of the vitreous, cupping of the
disc, retro-ocular neuritis with exudate inside the sheath, and a
considerable reddish brown tumor of the choroid plexus on the same
side. The trouble was attributed to the blow of a rope on the eye a
considerable time before. The blood in the vitreous retained its dark
hue and showed no evidence of microbian invasion.
Symptoms. To the phenomena of retinitis there is added violent
injection of the capillary plexus of the papilla. The arteries of the
retina are contracted while the veins are dilated and tortuous. The
papilla is swollen and is said to have a woolly appearance. The
vitreous may be opaque by reason of exudation or blood
extravasation into its substance. Retro-ocular neuritis is usually
present, and brain tumor in certain cases. Möller calls attention to
the fact that with atrophy of the bulb the elliptical outline of the
papilla gradually lessens and it becomes more nearly round. In dogs,
too, the form of the papilla is also changed and the same author has
found it distinctly triangular. The pupil may be at first strongly
contracted and later freely dilated.
Treatment is usually of little avail and does not differ materially
from that adopted in retinitis. In tumor of the orbit pressing on the
optic nerve it may sometimes be reached through the temporal fossa,
but usually in all such cases enucleation of the eyeball is demanded.
RETRO-BULBAR OPTIC NEURITIS.

Definition. Neurites descendens and ascendens. Extension to bulb, other eye, or


brain. Causes: traumas, meningitis, infectious diseases, toxins, lead, tobacco, etc.
Symptoms: partial blindness: congestion of papilla, exudates in adjacent retina.
Treatment: eliminate poisons, lead, toxins, correct precedent disease, saline
laxatives, diuretics, potassium iodide, cupping, local bleeding, counter-irritants.
Hygiene.

This is inflammation of the optic nerve commencing behind the


eyeball and only involving the papilla secondarily. Extension to the
papilla has been called neuritis descendens in contradistinction to
neuritis ascendens in which the inflammation extends along the
nerve toward the brain. There is always a tendency to extension, it
may be to the papilla and retina, it may be to the chiasma and
opposite eye, and it may be inward toward the ganglia and choroid
plexus.
Causes. Apart from traumatic causes, retro-bulbar neuritis in the
domestic animals has been mainly seen in connection with
constitutional or infectious diseases; in the horse with petechial fever
(Peters), contagious pneumonia (Schindelka), meningitis (Peters,
Straub) and parotitis (Möller). It has also followed meningitis in
cattle (Nebelen). In man it has been traced to lead, tobacco, alcohol
and other poisons.
Symptoms. At first the patient may seem partially blind without
apparent cause. Later ophthalmoscopic examination reveals
congestion and swelling of the papilla, and congestion (especially
venous and capillary) of the retinal vessels. The discolorations in
streaks and spots, from exudates and degenerations follow as noticed
under papillitis. It is difficult to distinguish between this and
papillitis during life.
Treatment should be first directed toward the elimination of any
poisons, such as lead or tobacco, which may act as a causative factor.
Saline laxatives and in chronic cases potassium iodide would be
indicated. Every attention should be given to the maintenance of
good general health, and in acute attacks, local bleeding and counter-
irritation may be resorted to.
ATROPHY. PARALYSIS OF THE OPTIC NERVE.
AMBLYOPIA. AMAUROSIS.

Definition. Horses, dogs, cattle, sheep. Amblyopia, Amaurosis. Causes: retinal


paresis from brilliant light, of cerebral ganglia, snow blindness, poisons, lead,
opium, atropine, lolium, tobacco, carbon bisulphide, cryptogams, mushrooms,
“loco” plants, carbon monoxide, illuminating gas, quinine, heat apoplexy, cerebral
concussion, brain parasites, exudates, pressure, degeneration, gastric or intestinal
disorder, hæmorrhage, anæmia, diarrhœa, diuresis, excessive milk secretion,
gestation, embolism. Symptoms: constant excessive dilatation of pupil, no
response to light, brilliant reflection from retina and choroid, blue or yellow, (glass
eyes); bilateral, cerebral, tract or chiasma; unilateral, bulbar or nervous; face
without expression, ears alert, head to one side, nose elevated, nostrils dilated, ox
and dog smell ground, slow pace, high stepping, does not dodge a feint to strike.
Lesions: inflammatory exudate and retinal atrophy, congested, “woolly” papilla,
retro-bulbar congestion or atrophy of nerve, thickening of neurilemma, tumors of
orbit or foramen optica, cœnurus, cysts, abscesses, cholesteatomata, psammomata,
hydrocephalus, meningitis, pineal hypertrophy, cranial fractures or tumors,
embolisms or aneurisms, hypertrophy of dura, apoplexy. Treatment: remove
causes, laxatives, diuretics, for lead, sulphuric acid and potassium iodide,
darkness, extract cœnurus, elevate depressed fractures, ice, cold snow, to head,
blisters, setons, electricity, strychnia, remove tumors.

Blindness without adequate, corresponding, visible changes in the


structure of the eye, has long been recognized in the lower animals,
having been observed in horses, dogs, cattle and sheep. When partial
it is known as amblyopia, and when complete as amaurosis or
blindness. The term amaurosis is, however, being gradually
eliminated from ophthalmological nomenclature in favor of that of
atrophy.
Causes. These may be factors which act directly on the retina, as
the intense light of the sun, of an electric, lime or magnesium light,
of the reflection from snow, ice, water, sand, or white dust. These
exhaust the power of vision by over-stimulating it, but whether the
blindness is due to fatigue of the retina or of the cerebral ganglia
which preside over sight, it is difficult to decide. This form is much
more likely to occur in horses which spend most of their time in
darkness, as in unlighted stables or mines, when they are suddenly
brought into the sunlight. Snow blindness, however, from prolonged
exposure, is common in animals as in man, and the case of the
staghound reported by Johan, is by no means an isolated one.
Much more common are factors which act primarily on the nerve
centres. Poisoning with lead, poppy, belladonna (sheep and goats,
Gerlach), lolium temulentum (Klüver), tobacco, carbon bisulphide,
cryptogams (musty fodder), mushrooms, astragalus mollissimus,
etc., abolishes vision more or less perfectly. Common illuminating
gas and carbon monoxide have shown this effect on dogs and
chickens. Quinia subcutem has induced the condition in dogs
(Becker and Eversbusch). More or less complete amaurosis is noticed
in connection with heat apoplexy in horses and fat cattle.
Cerebral concussion from blows on the head, knocking the head
against a post or wall, or from violent falls induce blindness which is
to be attributed rather to lesion of the brain. The same remark
applies to cases that appear during the progress of brain disease,
parasitic or otherwise, to those that occur in connection with
overloading of the stomach or intestines, and from gestation (Riss).
In cases appearing after severe depletion, like profuse
hæmorrhage, diarrhœa, or diuresis, or excessive secretion of milk
(bitch), the anæmia of both eye and brain may be taken into account.
When amaurosis develops during some inflammatory or infectious
disease, as in parturition fever in cows, the immediate cause may
sometimes be found in embolism of the retinal, or cerebral arteries.
Symptoms. The most striking feature of amaurosis is the constant
excessive dilatation of the pupil. This is the same in light and
darkness, and in fully developed cases the animal may be taken from
perfect darkness to the full glare of sunlight or electric light without
the slightest contraction of the pupil. The pupillary reflex to light is
entirely lost. In the slighter cases (amblyopia) there remains some
slight response of the iris to light but always far short of the normal.
The widely dilated pupil admits a flood of light, and in the absence of
cataract, lights up the chamber of the vitreous to an unusual degree.
The blue or yellowish reflection of the tapetum is very striking, and
led to the obsolete names of gutta serena and glass eyes. Sometimes
the disease is unilateral and at others bilateral. In case it is unilateral
there is a strong presumption that the causative lesion is in the
affected eye or in the optic nerve in front of the chiasma. In the
bilateral cases it is more likely to depend on disease of the brain or
some more distant organ.
Certain important indications are to be drawn from the expression
of the face, the position of the head and ears and the mode of
locomotion. In all blind animals the face is without expression. The
dilated pupils give no suggestion of mind looking through them, they
have on the contrary an uniform stony stare. There is no sense of fire
or life, but the face is like a dull sculptured mass. The immobile face
finds a sharp contrast in the alertness of the ears, which may be
carried one forward and another back, but fixed and yet ready to turn
to catch every sound. In the horse the head is usually carried a little
to one side for the same reason, and with the nose elevated (star-
gazer) and nostrils dilated. The ox inclines to carry the head low,
while the dog keeps his nose near the ground to guide himself by the
sense of smell. All blind animals are disposed to move slowly and
carefully, and the horse acquires a habit of high stepping to avoid
stumbling.
A common and important test where both eyes are equally affected
and cannot be contrasted with each other, is to strike the lower part
of the face with the hand and immediately threaten to repeat the
blow. If the animal can see, it will seek to jerk the head out of the way
as soon as the hand is raised for the second blow, while if blind there
will be no such movement provided the motion of the hand has not
been such as to induce a current of air on the face.
Lesions. Blindness, or the general symptoms of amblyopia or
amaurosis, may attend on the atrophy of the retinal fibres in
connection with inflammatory exudation or blood extravasation on,
in, or beneath, the retina. In other cases the lesion is in the papilla
which is inflamed and swollen with the woolly aspect characteristic
of choked disc. In others there is congestion of the optic nerve
behind the bulb, with exudation into its substance or beneath its
sheath, or the nerve has already undergone extensive atrophy with
thickening of its neurilemma. In other cases there is atrophy of the
arteria centralis retinæ, or tumors of the orbit or optic foramen
pressing upon the nerve. Cases of this kind are reported in the larger
animals by Leblanc and Tscheulin, and in dogs and ducks by Hilbert.
Much more frequently the determining lesions are situated in the
brain or its meninges. In sheep it is very common from the
development of cœnurus cerebralis over the optic lobes. Kühnert
found a cyst with delicate walls in the brain of a horse affected in this
way. Amaurosis is occasionally seen in connection with the cerebral
abscesses which form in complicated cases of strangles or in pyæmia,
also in cases of cholesteatoma of the choroid plexus. Other
conditions of its occurrence are hydrocephalus, meningitis,
hypertrophy of the pineal gland, fracture of the cranium, tumors of
the cranium or dura mater, embolism or aneurism of the cerebral
arteries, hypertrophy and induration of the dura mater (ox, Leblanc),
or sanguineous apoplexy. In a certain number of cases there may be
no lesion of brain or eye, or only a congestion of the former in
connection with lead poisoning, rye grass poisoning or other gastric
disorder, or of gestation.
Treatment. Success will depend on the sympathetic nature of the
condition or on the transient and removable character of its
causative factor. When the condition is but a symptom of overloaded
stomach or a transient poisoning by vegetable or mineral agents a
direct recovery may be expected to follow their disuse and
elimination from the system. This may be hastened by the exhibition
of laxatives and diuretics, and in the case of lead by sulphuric acid
followed by iodide of potassium. In cases of snow blindness it is only
necessary as a rule to place the animal in the shade until the over-
stimulation shall have subsided. In all these cases the attack has
come on abruptly and without any local symptom of ocular
hyperæmia and this with the preservation of the general senses can
always be looked on as a favorable indication.
In cases that come on slowly and which are accompanied by
symptoms of vascular disturbance or structural changes in the eye,
or brain, treatment is likely to be less successful. Nevertheless
cœnurus may be removed by surgical means, depressed fractures
may be elevated, and acute cerebral and meningeal congestions may
be met by appropriate measures. If the cerebral congestion is acute,
free bleeding from the jugular with a strong purgative and the

You might also like