D 98 Ad 8 Af

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 213

‫مقدمة‬

‫( " دعد شرعب " ‪ ،‬وهي سيدة عربية اصبحت مليونيرة النها تولت حشد النساء من اصقاع‬

‫االرض إلمتاع القائد ‪ ،‬انها دخلت الى حجرة نومه ‪ ، ) 1 ( ) ..‬هكذا وصفها وزير خارجية القذافي‬

‫" د ‪ .‬عبدالرحمان شلقم " في كتابه " اشخاص حول القذافي " ‪.‬‬

‫بعد كل هذه السنين عادت الى الواجهة بكتابها " انا والعقيد " ‪ ،‬والذي سعت في المقدمة الى‬

‫بيان دورها كمستشارة ورائدة اعمال للقائد ‪ ،‬الكتاب لم يترجم الى العربية بعد ‪ ،‬سوى هذا الجهد‬

‫المختصر الوافي الذي قام به الدكتور علي جماعة ‪ ،‬وشارك المادة على صفحته ‪ ،‬وهنا محاولة‬

‫لمؤازرة جهده الرائع ‪ ،‬من خالل جمع كل تلك القصاصات الى بعض البعض ‪ ،‬دون تغيير في‬

‫كلماته وأسلوبه السردي الرائع ‪.‬‬

‫د ‪ .‬علي جماعة ‪ ..‬المترجم ‪ ..‬من قرية بونجيم ليبيا ‪ ..‬مقيم بكندا‬

‫‪ - 1‬د ‪ .‬عبدالرحمان شلقم وزير خارجية القذافي ‪ ،‬اشخاص حول القذافي ‪ ،‬ص ‪032‬‬
‫لماذا اترجم ؟ سؤال يطرحه على نفسه ‪ ،‬ثم يجيب ‪:‬‬

‫اوال ليست هذة المرة األولى التي اترجم فيها فصول من كتب تناولت بالدي ‪ ،‬فترجمت فيما‬

‫مضى للرئيس األمريكي اوباما ‪ ،‬ورئيس وزراء بريطانيا ماكرون ‪ ،‬ومستشارة األمن القومي‬

‫االمريكي سوزان رايس ‪ ،‬وجورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية األمريكية‪.‬‬

‫ميزة مذكرات دعد شرعب ‪ ،‬انها تناولت بشئ من التشويق والحميمية مالمح من الواقع الذي‬

‫اوصلنا الى يوم ‪ 51‬فبراير ‪ 0255‬بينما تحدث االخرون عن ماذا فعلوا في األيام التي تلت هذا‬

‫التاريخ ‪ ،‬ماعدا تينت الذي سبقت مذكراته هذا الحدث وتناولت تحديدا كيف انهت ليبيا مشروعها‬

‫للتسلح النووي وسلمت معداته إلى امريكا‪.‬‬

‫اترجم لدعد شرعب ألنها كانت مقربة من الرجل الذي حكم بالدنا ما يزيد عن أربعة عقود ‪.‬‬

‫كتبت عن تجربتها في بالدي موثقة بالصور ‪ ،‬وتناولت أحداث واشخاص و معامالت مالية‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬ال نجزم ان كل ما ورد فيها دقيق ‪ ،‬لذا نطلب ردود الذين طالتهم حكايتها ‪.‬‬

‫اذا اردنا ان نعرف جذور ازمتنا الحالية ‪ ،‬البد أن نبحث عن مصادر الخلل التي طالت بنية‬

‫الدولة والمجتمع حتى انهارت األولى ‪ ،‬و تصدع الثاني ‪.‬‬

‫ان اي شهادة ‪ ،‬مهما كانت صغيرة ‪ ،‬خاصة من أشخاص احتكوا بقيادة الدولة مرحب بها‬

‫لتفكيك ما حصل ‪ ،‬ومعرفة أسباب االنهيار ‪ ،‬اال اذا سلمنا ان ما حصل هو فقط مؤامرة ساحقة‬

‫ماحقة ‪ ،‬وان النظام لم يخلق بسياسته الظروف المحفزة لالنتفاضة والثورة عليه ‪ ،‬وانه لم يبن‬

‫مصدات متينة تخرج الدولة بسالم في أوقات االزمات العاصفة ‪ ،‬أو سمها المؤامرات اذا شئت ‪،‬‬

‫أو هى حقا كذلك‪.‬‬

‫قربها ومنحها االمتيازات ‪ ،‬وليست في‬


‫اذا كانت دعد تافهة في نظر البعض فالمشكلة في من ّ‬

‫من يترجم لها ليتلمس ‪ ،‬ولو من باب الفضول ‪ ،‬معلومات قليلة عن كيف كانت تدار االمور في‬

‫بالدنا خلف الستار ‪.‬‬


‫انا اترجم لغرض نشر المعرفة واستكشاف قصة فتاة دخلت ليبيا في ظروف مثيرة ‪ ،‬مرحبا‬

‫بها من القذافي ‪ ،‬ثم خرجت منها في ظروف عسيرة تحت ازيز الرصاص بعد أن سجنها حاميها‬

‫و تُركت تحت رحمة المنتفضين عليه ‪.‬‬

‫قصة انسانة في ذكاءها أو سذاجتها ‪ ،‬في حسن حظها او سوء طالعها ‪ ،‬في طموحها أو‬

‫مطامعها ‪ ،‬في انانيتها أو براءاتها ‪ ،‬و في ضعفها و قوتها‪.‬‬

‫ترجمة كتاب دعد وكتابة اآلخرين لمذكراتهم عن حقبة النظام السابق ال ينبغي أن تثير حفيظة‬

‫أحدا ‪ ،‬بل ان تجد التشجيع واالحتفاء ‪ ،‬ألنها تفيدنا في معرفة اخطاء الماضي لتفاديها ‪ ،‬وايجابياته‬

‫للبناء عليها نحو حاضر و مستقبل أفضل ‪.‬‬

‫ليس لي غرض من وراء هذه الترجمة المرهقة إال خدمة بالدي بأضعف االيمان ‪ ،‬ونزوال‬

‫عند رغبة اصدقائي الملحة‪.‬‬

‫ان الشعوب الناجحة داومت بروح متحفزة على كتابة كل ما يتعلق بحياتها وتاريخها السياسي‬

‫من غابر األزمان ‪ ،‬بما في ذلك قصص قد تبدو تافهة أحداثا وشخصيات‪.‬‬

‫بالمناسبة انا ال انتمي ألي تنظيم سياسي ‪ ،‬وال يهمني اال معرفة الحقيقة على صعوبة امرها‬

‫‪ ،‬وان تعيش بالدي مستقرة و مزدهرة وأهلها احرار ‪.‬‬

‫يالحظ قراء ترجمة كتاب دعد شرعب ان ثمة بعض االخطاء الشكلية في سرد روايتها عن‬

‫"حياتها " مع العقيد معمر القذافي‪.‬‬

‫مثال ذلك تعرض مكان سجنها لقصف النيتو في يوم رمضاني في شهر سبتمبر ‪ ،‬وهذا‬

‫بالطبع غير صحيح فقد توقفت عمليات النيتو في طرابلس بعد نهاية يوم ‪ 02‬اغسطس الذي يوافق‬

‫‪ 02‬رمضان ‪.‬‬

‫قد يرجع السبب الى ان السيدة دعد لم تكتب سرديتها عن األحداث التي عاشتها حرفا بحرف‬

‫‪ ،‬ولكن قدمت قصتها كمادة خام للكاتب البريطاني ( ادريان لي) الذي نظم حباتها في عقد من‬

‫تصور ِه ‪ ،‬وصاغ لها المعالجة الدرامية والفنية الضرورية لتسويق الكتاب ‪ ،‬وربما ليتسنى بعد‬
‫ذلك تحويله الى فيلم سينمائي ‪ ،‬ومن هنا قد تكون بعض أو كل االخطاء ( الشكلية اقصد) من‬

‫صنع الصحفي و ليس الراوية‪.‬‬

‫هذا ال يعني بالضرورة انها لم تبالغ في تصوير دور ما ‪ ،‬أو قزمت غيره ‪ ،‬أو اخفت اشياء ‪،‬‬

‫واختلقت اخرى ‪ ،‬أو شوهت اشخاص ولمعت اخرين ‪ ،‬او صورت نفسها مالئكة وان االخرين‬

‫المختلفين معها شياطين ‪ ،‬هذه االنحيازات كما هو معروف علة كل سيرة ذاتية أو ما شابها‪.‬‬

‫بالطبع تالم دعد على األخطاء الشكلية التي وردت في كتابها ‪ ،‬ليس بوصفها كاذبة‬

‫بالضرورة ‪ ،‬و لكن حتما ألنها لم تراجع بدقة نتائج المعالجة الدرامية لقصتها ‪ ،‬ومع هذا فقصة‬

‫دعد في خطوطها العريضة وتفاصيلها حقيقية ‪ ،‬وليس كما يزعم البعض أنها كانت مجرد‬

‫سمسارة عابرة ‪ ،‬وبحسب مسؤولين بارزين فقد اسندت لها أدوار معينة فرضا على القوالب‬

‫والمسارات التقليدية للدولة ‪ ،‬كما كانت جزء من صراع الوشايات والنكايات في ليل الخيمة ‪،‬‬

‫واستفادت من كل ذلك امواال ونفوذا ‪.‬‬

‫دعد في مكتبها مع الفريق الصحفي الذي اشرف على تحويل قصتها إلى كتاب‪.‬‬
‫بتاريخ ‪ 51‬يونيو ‪ 0200‬كانت البداية ‪ ،‬يكتب د ‪ :‬علي ( المترجم )‪:‬‬

‫" لكي نفهم تاريخنا و ما ا ٓلت إليه أوضاعنا يجب أن نقرأ كل وثيقة و نسمع كل شهادة‬

‫خاصة من أشخاص ارتبطوا بشكل أو آخر براس النظام السياسي‪.‬‬

‫" لهذا السبب ابتعت امس كتاب مستشارة العقيد الراحل معمر القذافي ‪ ،‬األردنية دعد شرعب‬

‫‪ ،‬الصادر باللغة االنجليزية عام ‪ 0205‬و عنوانه ( العقيد و انا‪ ..‬حياتي مع القذافي )‬

‫فيما يلي مقدمة الكتاب ‪:‬‬

‫لمدة أكثر من عقدين من الزمان ‪ ،‬كانت دعد شرعب حاللة مشاكل للعقيد القذافي ومصلحة‬

‫لتبعات اخطاءه ‪ ،‬و بالرغم من كونها خارج الدائرة فقد فازت بثقة رجل مازال في نظر الغرب‬

‫بعد عشر سنوات تقريبا إرهابيا و ديكتاتورا‪.‬‬

‫في مذكراتها ( العقيد و انا ‪ ..‬حياتي مع القذافي) تقدم منظورا فريدا لشخصية القائد الليبي‬

‫األسبق و ترفع الغطاء عن عدد من األسرار الخاصة بهذا النظام غريب االطوار‪ ،‬أقامت دعد‬

‫في عالم من الحقائب مرصوصة بالمال والجوسسة والخدع الخبيثة ‪ ،‬صارت مبعث ثقة مفجر‬

‫لوكربي تزوره في السجن في اسكوتلندا حيث اقتنعت ببراءته ‪ ،‬ولعبت دورا مهم في عودة ليبيا‬

‫الى الوضع الطبيعي بعد سنوات من العقوبات‪.‬‬

‫خالل ترحالها لصالح القذافي احتكت بشخصيات مثل هيالري كلينتون ‪ ،‬جورج بوش ‪،‬‬

‫ملياردير السالح عدنان خاشقجي ‪ ،‬انتقدت بقسوة السياسيين المصلحيين الذين تزلفوا للديكتاتور ‪،‬‬

‫و كشفت كيف ان إسرائيل توددت له في السر لمحاولة التوسط في صفقة سالم في الشرق األوسط‬

‫‪.‬‬

‫صادقت عديد من الليبيين العاديين بما في ذلك الحارسات الشخصيات الشهيرات للقدافي ‪،‬‬

‫ومن خاللهن خبرت الحياة اليومية تحت النظام الحاكم ‪ ،‬غير أن عالقة دعد الوثيقة بالقذافي جعل‬

‫أعداءها في أجهزة المخابرات الليبية سيئة السمعة يرتابون في نفوذها ‪ ،‬ويتهمونها كونها محظية‬

‫الدكتاتور وجاسوسة ‪ ،‬وفي النهاية انتهى وقتها في ليبيا بالغدر ‪ ،‬لمدة واحد وعشرين شهر‬
‫ُوضعت في اإلقامة الجبرية بطرابلس حتى أصبحت عالقة في الربيع العربي عندما تمت اإلطاحة‬

‫بالقدافي وقتله من قبل أبناء بلده ‪ ،‬وحيث ان امبراطوريته قد انهارت ‪ ،‬فإن دعد بالكاد نجت من‬

‫غارات الناتو ‪ ،‬وكانت شاهدة على اثاره المروعة ‪ ،‬انقدتها فقط مرؤة غرباء شجعان ‪ ،‬فقد كانت‬

‫تحت النار عندما هربت تعبر الصحراء الليبية إلى الجارة تونس‪.‬‬

‫كتاب دعد جاء في وقته ‪ ،‬و ُكتب بالتعاون مع الصحفي البريطاني ادريان لي الذي عمل مع‬

‫عدة صحف وطنية مثل التايمز ‪ ،‬وهو اآلن صحفي حر و كاتب‪.‬‬

‫كتاب ( العقيد و انا ‪ ..‬حياتي مع القذافي ) ينشر استباقا للذكرى العاشرة للربيع العربي ‪ ،‬ووفاة‬

‫القذافي ‪ ،‬لم تكن نية دعد أن تدافع عن حاكم ليبيا االسبق لكنها في هذا السرد المميز وضعت‬

‫نفسها كشاهد و طلبت من القراء أن يكونوا القاضي‪.‬‬

‫هل حقا كان معمر القذافي وحشا أم ثوريا فُهم خطأ من قبل الغرب ‪ ،‬هذا الكتاب يعرض‬

‫ايضا المصاعب التي واجهتها المؤلفة كامرأة عربية ‪ ،‬وام بال زوج ‪ ،‬والتي سعت إلى كسر‬

‫المعوقات في عالم ذكوري ‪ ،‬وصنعت لنفسها تاريخ قانوني في مواجهة العائلة المالكة السعودية‬

‫امام محكمة بريطانية ‪ ،‬لقد أجلت دعد بشجاعة عملية جراحة دماغية لتلحق هزيمة مهينة باألمير‬

‫وليد بن طالل ‪ ،‬ابن اخ حاكم السعودية ‪ ،‬وواحد من أغنى رجال العالم ‪ ،‬في قضية تناولت دورها‬

‫(‪)2‬‬ ‫الرئيسي في صفقة طائرة خاصة بقيمة ‪ 502‬مليون دوالر ‪".‬‬

‫وفي ‪ 6‬يوليو ‪ 0200‬يكتب ‪ " :‬سعدت لمعرفة أن أحد كفاءتنا المصرفية الوطنية‬

‫المشهود له بالنزاهة والثقة سيدلي بشهادة خاصة في شأن محدد ورد في كتاب دعد شرعب ﴿‬

‫العقيد و انا‪ ...‬حياتي مع القذافي﴾ ‪ ،‬على أن يكون موعدها بعد االنتهاء من الترجمة ‪.‬‬

‫كثيرة هي المالحظات التي الحقت الكاتبة حال صدور الكتاب ‪ ،‬وقبل صدوره حول‬

‫تصريحاتها التي ال تتوقف عن تلك الفترة التي " حكمت فيها ليبيا " كما تدعي ‪ ،‬كتب محرر‬

‫‪ - 2‬بعض الشائعات ترجح ان سبب سجنها الحقا قصة طائرة الوليد بن طالل بعدما علم العقيد بقيمة العمولة المنتظرة لها ‪ .‬وأخرى الى‬
‫عالقة وثيقة بمبروكة الشريف التي دبرت معها امر تدريب شغالة مغربية النتحال شخصية اميرة سعودية وقامت بإحضارها للقذافي‬
‫وحصلت على مقابل مادي ضخم وان خالف دب بينهن على اقتسام المبلغ ‪ ،‬ما جعل مبروكة تسرب االمر للقذافي الذي سعى في عودتها‬
‫الى ليبيا بعد هجر ‪ ،‬وتم حجزها تحت االقامة الجبرية اثر وصولها ‪( .‬عابد)‬
‫وكالة " رم لالنباء " االردنية ‪ ،‬بتاريخ ‪ 4‬سبتمبر ‪ 0255‬تحت عنوان " الديكتاتور دعد شرعب‬

‫‪ ..‬مجرمة في طرابلس وبطل ورقي في عمان " ‪:‬‬

‫" يبدو ان التصريحات التي اطلقتها دعد شرعب مستشارة الرئيس الليبي العقيد معمر‬

‫القذافي عن اسرار زعيمها الفار من الثوار في بالده ‪ ،‬ستجعلها المطلوب رقم واحد للشعب الليبي‬

‫والناتو ‪ ،‬فحديثها الذي ادلت به لصحيفة الرأي في عددها الصادر اليوم االحد بانها من كانت‬

‫تحكم ليبيا في السنوات الـ ‪ 00‬التي قضتها مع القذافي وليس معلمها ‪ ،‬يفهم منها انها من كانت‬

‫ترسم وتنفذ وتقمع وتعتقل وتقتل وتعدم ‪ ،‬وأمام هذه المعلومات فان مستشارة القذافي ستكون‬

‫مطلوبة للشيعة الذين يتهمون القذافي بخطف شيخهم موسى الصدر واختفائه منذ اكثر من ‪02‬‬

‫عاما ‪ ،‬و كذلك عن الكثير من السياسيين الليبيين والعرب الذين دخلوا ليبيا وال زال مصيرهم‬

‫مجهول حتى االن ‪.‬‬

‫و بما انها كانت الحاكم الفعلي في ليبيا فانها مطلوبة لالجابة على سؤال اردني بحت ‪ ،‬ما‬

‫عالقتها في عدول ليبيا عن تمويل مشروع مياه الديسي الذي دخل في غياهب الفساد ‪ ،‬وهل كانت‬

‫صاحبة القرار في ذلك ‪ ،‬خاصة وانه في تلك الفترة كانت على خصومة شديدة مع المرحوم مدير‬

‫المخابرات االسبق المشير سعد خير ؟‪.‬‬

‫وما دام ان التحقيق جاريا في هذا الملف ‪ ،‬فاألمر يستوجب استدعاء شرعب لسؤالها عن‬

‫سبب عدول القذافي ‪ ..‬واذا افترضنا حسن النية لماذا عجزت شرعب عن اقناع العقيد بتمويل‬

‫المشروع الذي يخدم وطنها الذي ارتدت شماغه فرحا بالعودة اليه وقالت انها تنتمي اليه في‬

‫الوقت الذي تتدعي فيه انها كانت تؤثر في قرارات القذافي ‪!..‬‬

‫الواضح ان شرعب قد " جلبت الدب الى كرمها " ‪ ،‬فهي تحدثت عن مليارات ستة سائلة في‬

‫جيب القذافي ‪ ،‬وكذلك عن اسلحة وذخيرة ومخازن انشأها نظام القذافي في الجنوب الليبي قرب‬

‫الحدود مع الجزائر‪ ،‬والسؤال كيف علمت شرعب عن هذه المعلومات خاصة وانها لم تتصل بـ "‬
‫معلمها " طوال فترة احتجازها ‪ ،‬فهل كانت وسيطة في تأمين صفقات السالح تلك للقذافي‬

‫واستقطاب شركات لبناء المخازن التي اشارت اليها في تصريحاتها‪.‬‬

‫بكل تأكيد ان ما تفوهت به شرعب منذ ان حطت بها طائرة الوليد بن طالل في مطار‬

‫ماركا المدني ‪ ،‬سيكون محور اهتمام السفارات االجنبية الفاعلة في حلف الناتو ‪ ،‬كما انه قد‬

‫يعرضها للمحاكمة امام الجنائية الدولية في الهاي بانتهاك حقوق االنسان من قبل حكومات‬

‫القذافي التي ساهمت في تشكيلها‪.‬‬

‫الواضح ان شرعب قدمت نفسها على طريقة ولي نعمتها القذافي ‪ ،‬فاما انها حقيقة كانت تعلم‬

‫عن جرائمه ونهبه الموال الشعب الليبي فهذه مصيبه ‪ ،‬واما انها تستعرض وهذه مصيبة اكبر ‪،‬‬

‫النها ستحرج االردن حينما يطلب تسليمها للتحقيق معها في كل صغير وكبيرة عما اقترفه نظام‬

‫القذافي الذي وفق قولها كانت احد اركانه ‪ ،‬شرعب التي لقبت في ليبيا بـ " القنبلة الموقوتة " يبدو‬

‫انه فاتها عندما قررت ان تكون قنبلة اعالمية انه ال مكان بين االردنيين لـ " ابطال من ورق"‪.‬‬

‫بتاريخ ‪ ، 0200 . 6 . 01‬كتبت " ليلى العطار " بصحيفة " الشمس " الناطقة باسم انصار‬

‫القذافي بالخارج ‪ " :‬الكذب واالفتراء والفجور ما جاءت به دعد شرعب ‪ ...‬إنه أسلوب مخابراتي‬

‫موجه للغرب ‪ ،‬وهذا ال ينسجم مع المؤلفات ذات الطابع الجاد ‪ ،‬ورد ذلك للفت القارئ الغربي‬

‫لكي يأخذ بمأخذ الجد ‪ ،‬والترجمة العربية ونشرها على وسائل الخراب االجتماعي إلطالع‬

‫الليبيين خاصة ‪ .‬الكتاب لم ينشر ولم يترجم للعربية حتى اآلن ! ‪ ...‬لم يرد حتى شخص واحد من‬

‫الدائرة االولى للقائد ‪ ،‬بل امتنع الجميع عن مد من رغب بالرد بالمعلومات بحوزتهم ‪ -‬ربما خوفا ً‬

‫من كاذبة جاسوسة ربطتهم بها عالقة !! " ‪.‬‬

‫البداية كانت مع تصريحاتها االولى لصحيفة " الراي " االردنية ـ يويو ‪ ، 0253‬حول‬

‫عالقتها بالقذافي ‪ ،‬عندما قالت انها كانت " تشكل حكومات وتقيل أخرى " في نظامه ‪ ،‬ما ازعج‬

‫السيد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس االنتقالي الذي كان يشغل وزير العدل زمن القذافي ‪،‬‬

‫معتبرا تصريحاتها مثيرة ‪ ،‬قال مصدر مقرب منه ‪ " :‬المجلس لن تعيقه األحداث الدائرة في ليبيا‬
‫عن مالحقة كل من له عالقة بالنظام السابق قضائيًا " ‪ ،‬وتحدث عن استياء عبد الجليل من‬

‫التصريحات التي أدلت بها دعد ‪ ،‬مؤكدًا أن المجلس سيقوم بمالحقتها قضائيًا ‪ ،‬بتهم تهريب‬

‫األموال ‪ ،‬والعمل تحت أمرة معمر القذافي وأوالده ‪ ،‬وهي التهمة التي ستطال أناسا ً كثرا ً ممن‬

‫كانوا يعملون لدى النظام السابق في قضايا فساد وقتل وتعذيب ‪ ،‬وبالطبع لم تتم الى اآلن أية‬

‫(‪)3‬‬ ‫مطاردة قضائية أو دولية عبر االنتربول لدعد شرعب ‪.‬‬

‫حول الترجمة ‪ ،‬الكاتب الليبي دمحم حسن البشاري على موقع الحوار المتمدن يكتب ‪ " :‬في‬

‫شهر أغسطس تابعت قراءة عدة حلقات من الترجمة الرائعة للدكتور علي جماعة علي ‪ ،‬لكتاب‬

‫األردنية دعد شرعب الصادر باللغة االنجليزية عام ‪ 0205‬و عنوانه (العقيد وانا‪ ..‬حياتي مع‬

‫القذافي) والتي نشرها على صفحته في الفيس وفيه الكثير من الحقائق التي تبين بوضوح تصرف‬

‫القذافي في ليبيا أرضا وشعبا وما فوق األرض وما تحتها من موارد وكأنها ملكه ‪ ،‬وصدمتها‬

‫عندما سألته ‪ ":‬بعد أن تموت ‪ ،‬من الذي سيدير ليبيا " بإجابته‪ " :‬انا اوال‪ ،‬و بعد ذلك إلى الجحيم‬

‫‪ ،‬ال أهتم بماذا سيحدث " لهذا كله ولغيره رأيت أنه من الضروري الكتابة الموسعة عن ما‬

‫عايشته عن هذه النكبة منذ الصغر للمساهمة في نشر الوعي لدى من فقدوا الذاكرة أو لدى ممن لم‬

‫يعيشوا تلك الحقبة أو الذين أكتووا بنار فبراير والتي ما كانت لتشتعل لوال جهنم سبتمبر ‪،‬‬

‫ولمحا ولة إقناع أنصار القذافي بأنه لم يكن يوما بطال قوميا وال إسالمويا وال حتى وطنيا كان‬

‫ببساطة شخص غير طبيعي أستولى على الحكم في دولة هشة أمنيا وأنفرد به تماما طوال فترة‬

‫حكمه ورجع بليبيا وشعبها الى الوراء ماديا وثقافيا وإجتماعيا وأنه السبب المباشر فيما نحن فيه‬

‫اآلن والى أن يقضي هللا أمرا كان مفعوال ‪ ،‬وأرتأيت أن تكون الكتابة من الناحية الشخصية فقط‬

‫وأروي كل ما حدث بعده من هذه الزاوية سواء كنت شاهد عيان عليها أو سمعتها من أطرافها‬

‫المباشرين فيما بعد أو ممن سمعوها من أولئك األطراف مباشرة وليس مما كتب أو قيل هنا أو‬

‫هناك‪.‬‬

‫الوليد " ‪ ،‬مقالة بصحيفة " ايالف " ‪. 0253 . 6 . 02‬‬ ‫‪ " - 3‬قنبلة القذافي الموقوتة في مواجهة قضائية لندنية مع‬
‫فأنا ال يعتريني الشك على االطالق بأن معظم (ال أريد أن أقول كل) المشاكل التي تواجهها‬

‫ليبيا اآلن ولعقود مقبلة من الزمن كانت نتيجة لما حدث في ذلك اليوم المشئوم ‪ 5060/20/25‬وأن‬

‫أكبر مثالب النظام الملكي تتمثل في سماحه لبعض الشباب الغر والطائش والمتحمس نتيجة لدعاية‬

‫صوت العرب (المضللة للعرب) من النجاح في تغيير النظام في ليبيا بكل يسر وسهولة وإدخالها‬

‫(‪)4‬‬ ‫الى المجهول "‬

‫بتاريخ ‪ 00‬اكتوبر ‪ ، 0200‬الكاتب الحامدي الدرسي يكتب ‪ " :‬دعد شرعب التي تصف‬

‫وتقدم نفسها علي انها مستشارة الطاغية وهي في حقيقة االمر مثل الكثيرون الذين جعلوا من‬

‫قضية لوكربي مصدرا لالرتزاق تقول هذه المحتالة ان الطاغية كلفها بالتعاقد مع شركات‬

‫العالقات العامة اإلنجليزية واالمريكية بقيمة ‪ 2‬مليون دوالر سنويا لتحسين صورة ليبيا من تهمة‬

‫دعم اإلرهاب التي التصقت بليبيا بسببه في محاولة بائسة ويائسة منه للتأثير االيجابي علي الرأي‬

‫العام في هاتين الدولتين ‪ ،‬بمعني ان الطاغية ينشر ويدعم اإلرهاب بأموال الدوله و يحاول مسح‬

‫اثار هذا اإلرهاب أيضا بأموال الدولة ‪ ،‬وبالتالي هو (خرايبي ) من الجهتين ‪ ،‬وروح شريرة‬

‫وغير سوية ‪ ،‬ويحمل بين جنبيه من الشر ما تنوء بحمله الجبال " ‪.‬‬

‫الكاتبة فايزة يونس بتاريخ ‪ 51‬اغسطس ‪ 0200‬تكتب ‪ " :‬دعد شرعب سيدة أردنية فلسطينية‬

‫دعمها النظام السابق بحسب ما جاء في مذاكرتها التي كتبت باللغة االنجليزية لتجمع ثروتها التي‬

‫حققتها من أموال الليبيين المغيبين ‪ ،‬أتوقع ان تتحول مذاكرتها إلى فيلم او أفالم هوليدية لما‬

‫تتضمنه من معلومات وشخصيات مؤثرة ‪ ،‬وجهت اإلهانة إلى شخصيات أمنية قيادية وسيدات‬

‫ليبيات تتفق أم تختلف معهم فهم أبناء ليبيا ‪ ..‬فهل يتجرأ أحدهم ويرفع دعوى تشهير ضدها ؟‬

‫فكم من دعد مسكوت عنها في أنظمتنا السياسية التي أضحكت علينا العالم وحولت التافهين إلى‬

‫قادة وشامخات قيادات "‬

‫‪ - 4‬في ذكرى النكبة الليبية " مقالة ‪ :‬دمحم حسن البشاري ‪ .‬الحوار المتمدن‪-‬العدد‪02 / 2 / 0200 - 1314 :‬‬
‫اجماال ‪ ،‬لم يتقيد المترجم بتتبع سيرة الكاتبة خطوة بخطوة ‪ ،‬وكثيرا ما اختصر المسافات في‬

‫سطور محدودة وتجاهل ما لم يرى اهمية لترجمته ‪ ،‬مركزا على المحطات البارزة ذات االثر‬

‫البالغ بتاريخ بلده ليبيا بالدرجة االولى ‪.‬‬

‫عندما تقرأ كتاب " الطرائد " للكاتبة الفرنسية ‪ ..‬وقصة ثريا وزميالتها المحضيات ‪ ،‬وما‬

‫كتبه " شلقم " وزير القذافي للخارجية ‪ ،‬تبدو مغامرات القذافي النسوية جلية ‪ ،‬وهي شيء من‬

‫امرض السلطة وال غرابة في ذلك ‪ ،‬بل هي حديث الناس خلف الجدران ‪ ،‬وكم من مغنية عربية‬

‫رائعة الجمال صرحت مؤخرا بعالقتها الحميمة به ‪ ،‬وعشقها لشخصة ‪ ،‬وترنمت بالكلمات العذبة‬

‫في اطراء سيرته ‪ ،‬وان لم تفصح على الجوانب المظلمة ‪ ،‬وكم من اعالمية فاتنة اعترفت بأكثر‬

‫من ذلك ‪ ،‬هدايا االلماس ‪ ،‬وعن زواج غير معلن ‪ ،‬وعن االمازونيات وما تتلقفه االلسنة ‪ ،‬فهل ام‬

‫لهذا السبب عينه كتبت دعد مذكراتها بغرض نفي التهمة ‪ ،‬وانها كانت استثناء ؟ ‪.‬‬

‫يبدو ذلك ‪ ،‬فهي مخضرمة في سوق المال واألعمال ‪ ،‬واعتبرها " هدية " يوم ان تعرف‬

‫عليها عن قرب ألول مرة ‪ ،‬وكان في زمن الحصار احوج ما يكون لكفاءة مثل هذه المرأة ‪ ،‬وفي‬

‫هذا المجال بالذات ‪ ،‬وهو جاد عندما يتعلق االمر بجني المال ‪ " ،‬ستعملي من أجلي تحت مظلة‬

‫‪ ،LAFICO‬من صميم وظيفتك أن تعطيني آراء اخرى حول االستثمارات األجنبية في ليبيا ‪،‬‬

‫خبيرا في األعمال أو االقتصاد ‪ ،‬لكنني ال أريد مشاركة هذه المعلومات مع‬


‫ً‬ ‫ألنني لست‬

‫‪ ،LAFICO‬ال تقلقي بشأن ‪ ، " LAFICO‬وعندما تصف اختيارها مالبسها ‪ " :‬دائ ًما ما‬

‫تكون على نمط محافظ ‪ ،‬لم تكن فتحة الصدر مكشوفة أبدًا ‪ ،‬رأيت هذا التكتيك الذي تستخدمه‬

‫بعض سيدات األعمال ‪ ،‬لمحاولة الحصول على ميزة ‪ ،‬لكن رأيي أن استخدام جسمي بهذه‬

‫الطريقة أمر رخيص للغاية " ‪ ،‬كما انها خصصت فصل لالشاعات التي تدور حول عالقتها‬

‫بالعقيد ‪ " :‬بعض الناس ظنوا أن العالقة كانت تنتهي إلى الفراش ‪ ،‬نادرا ما كانت تقال في وجهي‬
‫‪ ،‬لكن سمعت من خالل نعيمة ان بعض الناس افترضوا ببساطة انني البد أن اكون إحدى‬

‫عشيقات القذافي ‪ ،‬كانت النميمة تذهب أينما اذهب ‪".‬‬

‫لك شيء اخر لن يعبر سهال ‪ ،‬خصصت في كتابها فصال بعنوان " عشيقات القذافي " ‪،‬‬

‫وتحدثت باشمئزاز عن دور مبروكة الشريف في ذلك ‪ ،‬مع انها لم تذكر حاالت بعينها ‪ ،‬سوى‬

‫زوجة رجل اعمال سويسري ‪ ،‬وجاءت روايتها مخالفة لرواية مدير المراسم الشاهد االخر على‬

‫الحادثة ‪ ،‬وقد ذكر دورها في جلب السيدة لغرض مقابلة القائد ‪ ،‬وباعتراف الضحية انها اعلمتها‬

‫بان االمر مجرد مقابلة ‪ ،‬وهنا برأ المسماري " دعد " مما حدث الحقا ‪ ،‬جاءت شهادته في لقاء‬

‫صحفي عام ‪ 0255‬بعد انشقاقه عن القذافي ‪ ،‬وبعد عشر سنوات تعيد " دعد " الحادثة برواية‬

‫مختلفة ‪ ،‬وان رجل االعمال هو من طلب من القذافي االذن بمقابلة زوجته التي تنتظر بالفندق ‪،‬‬

‫للسالم عليه ‪ ،‬تقول دعد " ثمة حادث التصق في ذاكرتي ‪ ،‬حصل بدون نوايا مبيتة ‪ ،‬عندما قدم‬

‫بناء على طلبي ‪ ،‬رجل أعمال من سويسرا ‪ ،‬تدبرت له لقاء مع القذافي في مخيمه الصحراوي‬

‫قرب سرت ‪ ،‬استمر حتى المساء المتأخر ‪ ،‬وبينما كنا نضع اللمسات األخيرة على صفقة عملة ‪،‬‬

‫قال الرجل فجأة ‪ " ،‬بقت زوجتي في الفندق وهى ترغب بشدة في لقاءك" ‪ ،‬كانت ردة فعلي نوع‬

‫من االمتعاض ‪ ،‬لماذا لم يطلب ببساطة احضار زوجته منذ البداية ‪ ،‬كان بامكانها ان تصافح‬

‫القذافي عند انتهاء المحادثات ‪ ،‬القذافي كان متعود على هذا النوع من الطلبات ‪ ،‬يتقبل هذة‬

‫االزعاجات برحابة صدر ‪ ،‬وافق على أن يرى زوجته لوقت قصير في قاعدة عسكرية ‪ ،‬فقمت‬

‫انا بمرافقتها ‪ ،‬صافحها القذافي بحرارة ‪ ،‬بينما تسللت انا إلى مطبخ مجاور لتحضير المشروبات‬

‫لهما "‪ ،‬ثمة نوعا من االلتباس ‪ ،‬والبد ان الشاهد الثالث " الوزير الحويج " فقط ‪ ،‬يمكنه رفع‬

‫االلتباس ‪ ،‬كما انه وصف بـ " الجبن " في رواية كال االثنين ‪ ،‬دعد ‪ ،‬والمسماري ‪ .‬وحقه رفع‬

‫الحرج او كتابة مذكراته استجابة لمطلب جل المشاركين في الحوارات حول كتاب دعد ‪ ،‬كما‬

‫غيره من اقطاب الدوائر القريبة من القذافي ‪ ،‬الذين لحقت بهم شواظ السنة لهيب دعد ‪.‬‬
‫كل ما يثير الشبهة عن دور اخر ‪ ،‬وانها ليست استثناء ‪ ،‬ما كتبه الوزير " شلقم " القريب‬

‫من دوائر القذافي الخفية ‪ ،‬ينقل عن دعد ما قالت له عن اخرون ‪ ،‬وما رأت في الزوايا المظلمة‬

‫‪ ،‬وحديثها كان بعجب شديد ‪ ،‬فهل حقا انها جنت الماليين من وراء جلب الجميالت الى مخدعه ؟‬

‫‪.‬‬

‫في كل االحوال ‪ ،‬لقد كانت امرأة بارعة ذكية ‪ ،‬طموحة مثقفة ‪ ،‬تعرف من اين تؤكل الكتف‬

‫‪ ،‬وكما يقال ‪ :‬ال يمكنك رمي رجل في الظالم كله ‪ ،‬كان القذافي بارعا في اقتناص السلطة‬

‫والحفاظ على كرسيه اربعة عقود ‪ ،‬تمكن من إفشال كل المحاوالت لإلطاحة به ‪ ،‬رغم كثرة‬

‫عددها ‪ .‬وايضا بارعا في اقتناص الفرص ‪.‬‬

‫ما يهم االن ‪ ،‬ان نتذكر االستاذ الدكتور علي جماعة الذي تفضل بترجمة هذه الصفحة‬

‫المطوية من تاريخ ليبيا المعاصر‪ ،‬له كل التقدير لهذا الجهد المضني ‪ ،‬بأسلوب ادبي راق ‪ ،‬وسرد‬

‫سلس يشد القارئ اليه ‪ ،‬تحية له ‪ ..‬لقد ندر عمله وجهده في الترجمة خدمة للوطن ‪ ،‬ال اكثر ‪،‬‬

‫هكذا عبر في اجابته للسؤال " لماذا اترجم ؟ " ‪.‬‬

‫وما اروع كلماته عندما كتب ‪" :‬ترجمة كتاب دعد وكتابة اآلخرين لمذكراتهم عن حقبة النظام‬

‫السابق ال ينبغي أن تثير حفيظة أحدا ‪ ،‬بل ان تجد التشجيع واالحتفاء ‪ ،‬ألنها تفيدنا في معرفة‬

‫اخطاء الماضي لتفاديها ‪ ،‬وايجابياته للبناء عليها نحو حاضر و مستقبل أفضل ‪ .‬ليس لي غرض‬

‫من وراء هذه الترجمة المرهقة إال خدمة بالدي بأضعف االيمان "‬

‫وهنا مؤازرة لجهدة ‪ ،‬اعادة جمع وتصفيف المادة في كتاب ‪ ،‬او معين واحد ‪ ،‬كي ال‬

‫تذهب الكلمات هدرا في الفضاء السبراني ‪ ،‬وللغرض ذاته ‪ " ،‬خدمة بالدي بأضعف االيمان "‪.‬‬

‫عابد‬
‫العقيد و انا ‪ ..‬حياتي مع القذافي‬

‫الفصل االول‬

‫كنت أعرف أن الطائرات ستأتي حاال بالضبط كما كانت تفعل كل ليلة في الشهور الستة‬

‫الماضية ‪ ،‬في هذا الوقت تعلمت أن هذه الطائرات تطيرعلى علو شاهق حتى انك ال تسمع‬

‫اقترابها ‪ ،‬لذلك ليس ثمة طنين لمحركات أو اي تحذيرات أخرى ‪.‬‬

‫كلما استطيع فعله هو االنتظار ‪ ،‬انتظر وابتهل أن يكون مكان آخر قد ضٌرب ‪ ،‬عندما كانت‬

‫القنابل تتساقط و اعرف انها ستسقط ‪ ،‬كان القدر فقط من يقرر ما إذا كنت سأعيش أو سأموت ‪،‬‬

‫لم أشعر ابدا قبل ذلك في حياتي باني مرعوبة أو وحيدة إلى هذا الحد‪.‬‬

‫كان النوم مستحيل أثناء الغارات ‪ ،‬لهذا احاول اختالس بعض الراحة خالل النهار عندما‬

‫تكون الحالة أهدا ‪ ،‬نظرت إلى ساعتي وهى االن ‪ 1.32‬في هذا المساء السبتمبري المعتدل ‪ ،‬إنه‬

‫أيضا رمضان ‪ ،‬الشهر المقدس وانا صائمة ‪ ،‬وبالخارج مازال الدنيا مضيئة‪.‬‬

‫يجرجر النهار اذياله متثاقال هنا ‪ ،‬وانا أتعجب كيف سأمأل فراغ الساعة والنص قبل أن يأتي‬

‫الحارس باألكل ‪ ،‬على االقل عندها سأستمتع بالتواصل ولو دقائق مع انسان ‪ ،‬لعنت نفسي على‬

‫االستيقاظ باكرا ‪ ،‬لكن ليس من المستغرب أن تخادعني ساعة جسدي‪.‬‬

‫عندما هبطت القنبلة كنت على سريري اقرا ‪ ،‬كان انفجار مصما لالذان ‪ ،‬بدأت البناية في‬

‫االهتزاز بعنف ‪ ،‬زحفت مثل طفل في رحم أمه اصرخ و اصرخ " سأموت ‪ ،‬سأموت " غير أن‬

‫صراخي ضاع هباء منثورا ‪،‬حيث ال احد يسمعني ‪.‬‬

‫انهار السقف يرميني بقطع اسمنتية ‪ ،‬ضربت قطعة كبيرة راسي ‪ ،‬لكن كوني مصدومة جدا‬

‫او باألحرى مرعوبة جدا فلم أشعر باأللم ‪ ،‬ورغم من انها كانت ثواني معدودة ‪ ،‬فإن االهتزاز بدأ‬

‫و كأنه دام لساعات ‪ ،‬البد أن هذا الشعور هو ما يحس به من عاش لحظات الزلزال ‪ ،‬سحب كثيفة‬

‫سوداء خانقة من دخان وغبار أطبقت على الغرفة ‪ ،‬قلت في نفسي " لن يتم العثور على جسدي‬

‫اطالقا " ‪.‬‬


‫لكن مع هذا مازلت حية ‪ ،‬لم يكن مجرد حظ بل معجزة ذلك أن قطعتين ضخمتين سقطت من‬

‫البناء شكلتا نوع من خيمة حماية فوق سريري ‪.‬‬

‫كنت مرتعبة أن اتحرك خشية أن تؤدي محاوالتي إلى انهيار كل شيء فيسحقني حتى الموت‬

‫‪ ،‬لكن بعد عشر دقائق مستلقية في يأس ‪ ،‬في الظلمة ‪ ،‬أدركت أن ليس عندي خيار آخر ‪ ،‬نجاتي‬

‫ي وحدي ‪.‬‬
‫بين يد ّ‬

‫بشكل ما انسللت من قبري دون أن المس قطع البناء المنهار من حولي ‪ ،‬بدأت الزحف‬

‫وكانت الشظايا الحادة على األرضية تمزق الجلد من على كفي يدي و ركبتاي‪.‬‬

‫انا في طرابلس ‪ ،‬عاصمة ليبيا ‪ ،‬إنه الربيع العربي لعام ‪ 0255‬حيث اجزاء من الشرق‬

‫األوسط انقلب عاليها سافلها ‪ ،‬أنظمة تونس و مصر تمت اإلطاحة بها ‪ ،‬و ما كنت افكر باستحالته‬

‫ها هو يحدث من حولي ‪.‬‬

‫كان في سكرات الموت ‪ ،‬نظام حكم معمر القذافي الذي استمر اثنين وأربعين عام ‪ ،‬الرئيس‬

‫الذي وضعني تحت جناحه قبل أن يسمم أعدائي عقله ‪ ،‬تخلت عني بلدي ‪ ،‬وصرت تحت رحمة‬

‫رجل منظورا إليه كوحش عند ماليين الناس ‪ ،‬لعقدين من الزمان عاملني كأبنته المفضلة ‪ ،‬لكنه‬

‫انقلب ضدي لتسعة عشر شهر صرت سجينته‪.‬‬

‫في كل مكان حولي ‪ ،‬كانت قنابل الناتو تقصف اهداف حكومية في المدينة التي أحب‬

‫واعتبرتها وطني الثاني ‪ .‬و في كل أنحاء ليبيا كان المتمردون يسيطرون على الشوارع ‪ ،‬لكن في‬

‫الوقت الحالي ‪ ،‬ال يهمني شيء بشأن الثورة ‪.‬‬

‫تحسست طريقي في الظلمة فاكتشفت أن إطار الباب قد تعرض لضرر بالغ ‪ ،‬يمكن االن ان‬

‫اشعر بأنفاس خافتة من الهواء ‪ ،‬لكن تقطع قلبي عندما أدركت أن البوابة الخارجية بقضبانها‬

‫الحديدية المنيعة مازالت سليمة ‪ ،‬وفي كل االحوال ‪ ،‬تبين لي أنه حتى إذا تمكنت من الفرار فال‬

‫اعرف إلى أي مكان سأذهب ‪.‬‬


‫من جانب فأنا سجينة القذافي و لكن من جانب آخر فقد كان الحامي لي ذات يوم ‪ ،‬ليس عندي اي‬

‫فكرة كيف سيعاملني المتمردون الذين يجوبون الشوارع في غياب القانون ‪ ،‬هل سينظرون لي‬

‫كصديق ام عدو ‪ ،‬شخص في حاجة للتحرير ‪ ،‬ام متواطئ مع الديكتاتور يجب أن يقتل وسط‬

‫الفوضى ‪.‬‬

‫” فكري يا دعد‪ ،‬فكري" ‪ ،‬قلت لنفسي مرارا بعد أن نفذت احتياطاتي من الشجاعة ‪.‬‬

‫وأنا واقفة احدق من خالل القضبان افكر ماذا سأفعل ‪ ،‬بدأ الدخان في التالشي رويدا رويدا ‪،‬‬

‫االن استطيع رؤية خيال رجل يمشي قاصدا اتجاهي ‪ ،‬كان يحمل بندقية آلية ‪.‬‬

‫بدأت كلمات والدي تأتي من سنوات بعيدة ترن في اذني " دعد ‪ ،‬اتسول إليك ال تذهبي إلى‬

‫ليبيا ‪ ،‬أنها ليست آمنة ‪ ،‬لو حصل لك اي شيء ‪ ،‬فلن نتمكن من تقديم العون لك " ‪.‬‬

‫لم استمع ‪ ،‬كان عندي دائما خصلة عناد ‪ ،‬وتصميم صلب ال يستكين فقط ‪ ،‬إلنه حصل‬

‫وكنت امرأة ‪ ،‬هذه الصفات خدمتني جيدا في الصراع ضد قرون من العرف ‪ ،‬والتقليد عندما‬

‫كونت لنفسي مجال ناجح و لو محدود في عالم األعمال العربي الذكوري جدا و عندما ازدهرت‬

‫اوضاعي لمدة طويلة جدا وسط كل الجنون المحيط بالقذافي ‪.‬‬

‫مع أبيها و القذافي في مكتب االخير‬


‫مع القذافي و ابنتها في خيمة بطرابلس أثناء زيارة األمير الوليد بن طالل‬
‫في المحكمة أثناء القضية التي كسبتها ضد االمير السعودي الوليد ابن طالل‬

‫” عندما كنت في الثامنة من عمري ‪ ،‬استولى عسكري محبط يُدعى معمر القذافي على‬

‫السلطة في بلد ليس بالبعيد عن المملكة العربية السعودية ‪ ،‬ولد في يونيو ‪ 5040‬في خيمة بدوية‬

‫بالقرب من مدينة سرت الساحلية ‪ ،‬في الصحراء الصخرية في منتصف الطريق بين طرابلس‬

‫وبنغازي ‪ ،‬كان والده راعي ابل ووالدته بدوية أمية ‪ ،‬وكالهما ينتميان إلى القذاذفة إحدى افقر‬

‫القبائل الليبية ‪ ،‬كنت طالبة ممتازة في تحصيلها ‪ ،‬لذا ركزت على دروسي وإرضاء والدي لدرجة‬
‫أنني كنت فقط مهتمة بشكل غامض بالعالم الواسع من حولي ‪ ،‬لذلك ال يمكنني التظاهر بأنني لم‬

‫اكن غير مدركة تما ًما لثورة القذافي البيضاء التي أطاحت بالملك الليبي إدريس عام ‪ ، 5060‬أو‬

‫كيف أصبح مكرو ًها في الغرب ‪ ،‬لقد رسم لنفسه صورة رجل الشعب ‪ ،‬يقف ضد أولئك الذين‬

‫اعتبرهم ظالمين وإمبرياليين ‪ ،‬وفي الداخل والخارج ‪ ،‬شن حملة شديدة ضد المعارضة ‪ ،‬ومع‬

‫تقدمي في العمر ‪ ،‬صار هو شوكة في خاصرة الواليات المتحدة وبريطانيا ‪ ،‬حيث ساعد في‬

‫تسليح ما يسمى بجماعات التحرير مثل الجيش الجمهوري األيرلندي ‪ ،‬كما أرسل الرجال القتلة‬

‫عبر أوروبا لقتل مواطنيه المتالكهم الجرأة في انتقاد أساليبه ‪.‬‬

‫خصصت المؤلفة الجزء االكبر في الفصل لتاريخ أسرتها منذ والدتها حتى التحاقها بالجامعة‬

‫في االردن و اسلوب حياتها المختلفة في السعودية واالردن ويمكن تلخيصه كالتالي ‪:‬‬

‫هاجر ابوها من االردن الى السعودية في ‪ 5011‬حيث ولدت هناك في عام ‪ ، 5065‬وفي‬

‫عام ‪ 5061‬كانت تزور مع اسرتها جدها البوها الفلسطيني في طولكرم بفلسطين المحتلة ‪ ،‬لم‬

‫يعجبها اسلوب الحياة المحافظ في السعودية ‪ ،‬ولم تكن راضية عنها ‪ ،‬قرر والدها العودة إلى‬

‫األردن عام ‪ ، 5012‬بسبب " جودة التعليم هناك وفرص الحرية أمام اطفاله لصنع خياراتهم ‪،‬‬

‫كان عمرها ‪ 51‬عام آن ذاك ‪ ،‬سجلت في جامعة االردن في االقتصاد و إدارة االعمال ‪ ،‬واشترى‬

‫لها والدها سيارة رياضية حمراء ‪ ،‬تنهي الفصل االول بقولها " في االردن ليس فقط يمكنني‬

‫القيادة ‪ ،‬و لكن أيضا لبس التنورة خارج المنزل ‪ ،‬وحتى المواعدة الغرامية مع االوالد ‪ ،‬لقد‬

‫شعرت كما لو انني ابدا حياتي من جديد "‪.‬‬


‫دعد مع القذافي في فرنسا‪.‬‬

‫دعد مع االمير الوليد بن طالل في فرنسا على متن زورقه لإلتفاق على صفقة بيع الطائرة لليبيا‬
‫الفصل الثاني‬

‫لندن‬

‫يشمل هذا الفصل إقامتها الصيفية في لندن لدراسة اللغة واقامتها القصيرة في مصر لدراسة‬

‫الماجستير قبل أن تعود للعمل في االردن وشرارة عالقتها بليبيا ومعمر القذافي‪.‬‬

‫– في صيف ‪ 5010‬غادرت دعد إلى لندن لتقضي ثالثة شهور بغرض تحسين لغتها اإلنجليزية‬

‫‪ ،‬عاشت في منزل أسرة انجليزية مع طالب اجانب ‪ ،‬فعلت هكذا مع نفس العائلة طوال الثالث‬

‫سنوات الالحقة ‪.‬‬

‫– تخرجت من الجامعة عام ‪ ، 5020‬عملت في مصرف االستثمار االردني وكان مديره باسل‬

‫جردانة ‪ ،‬اختارت هذا العمل ألنها سمعت صديق والدها يقول له " إذا اردت أن تكون رجل‬

‫اعمال ناجح فأنت تحتاج أن تعرف ماذا يدور داخل المصارف " ‪.‬‬

‫تقول دعد عن ظروف العمل في المصرف " يبدو لي أحيانًا أن كل الرجال العرب يريدون‬

‫مواعدتك ‪ ،‬خاصة إذا كنت شابة ‪ ،‬من الصعب حملهم على التحدث إلى عقلك وليس إلى جسدك ‪،‬‬

‫يبدو أن على كل رجل أن يجرب مع امرأة ‪ ،‬كما لو كان ذلك من واجب الرجل”‪.‬‬

‫تقول عن نفسها انها تحب مخالطة الرجال أكثر من النساء ‪ ،‬ألنهن منشغالت غالبا في توافه‬

‫األمور ‪.‬‬

‫– تركت العمل في المصرف وذهبت لدراسة الماجستير في جامعة القاهرة بمصر ‪ ،‬امضت‬

‫أيامها هناك في شقة لوحدها ‪ ،‬تواصلت خاصة مع صديق والدها القديم سيد مرعي رئيس مجلس‬

‫الشعب المصري سابقا ‪ ،‬صهر السادات ‪ ،‬كان يدعوها لمزرعته في العطالت ‪ ،‬اختلطت من‬

‫خالله بضيوف آخرين ‪ ،‬اعتبرت دعد سيد مرعي اهم ثالث رجل في حياتها بعد والدها ومديرها‬

‫السابق باسل جردانة ‪.‬‬

‫تعرفت في المزرعة من خالله على ياسر عرفات الذي فتح لها قلبه بسبب جذورها‬

‫الفلسطينية ‪ ،‬حصل أن ولدت فرس في المزرعة فاقترح عرفات تسمية الفلوة دعد ‪.‬‬
‫بعد فترة اشترى الملك حسين الفلوة البنته ‪ ،‬وكانت عصية على ركوب الطائرة الخاصة‬

‫المخصصة لنقلها إلى عمان ‪ ،‬فقال سيد مرعي ضاحكا ( إنها عنيدة ‪،‬اسم على مسمى ) ‪.‬‬

‫– الى عمان عادت واشتغلت في شركة والدها الجديدة ( مجموعة الثالثة ) التي تتاجر في‬

‫العمالت األجنبية و السلع ‪.‬‬

‫– في رحلة تجارية لإلمارات العربية المتحدة التقت دعد صحافية لبنانية تعيش في الشارقة ‪،‬‬

‫تحدثت الصحفية للفتاة القادمة من االردن عن مؤتمر في طرابلس ليبيا ينظمه االتحاد النسائي‬

‫الليبي ‪ ،‬قالت لها أنهم يبحثون عن مراة قوية عالية االنجاز لدعوتها للمؤتمر ‪ ،‬سألتها ما إذا كانت‬

‫تحب أن تضع اسمها لهذا الحدث الذي سيستمر اسبوع ‪ .‬وافقت دون تردد ولو للحظة ‪ ،‬وفي‬

‫أسابيع قليلة وصلتها الدعوة بالبريد ‪.‬‬

‫تقول دعد " كنت مصممة أن اكتشف هذا البلد الغامض الذي يقاد بشخصية القذافي الملغزة‬

‫والذي كان ال يزال واحد من ابطالي المعبودين " ‪ .‬رفض والدها الزيارة‪ .‬قال لها مباشرة ‪" :‬‬

‫لن تذهبي إلى ليبيا " ‪.‬‬

‫تنهي الفصل بقولها " ها انا ‪ ،‬أبلغ من العمر ‪ 01‬عا ًما ‪ ،‬امرأة بالغة موثوق بها في معامالت‬

‫بماليين الدوالرات ‪ ،‬ومع ذلك شعرت أن والدي ال يزال يعاملني كطفلة ‪ ،‬ربما للمرة األولى في‬

‫حياتي كنت على استعداد لتحديه مهما كانت العواقب ‪ ،‬قررت اني ذاهبة إلى ليبيا القذافي ‪ ،‬سواء‬

‫أحب ذلك والدي أم ال ‪ ،‬ظللت انق وانق عليه ليال و نهارا ‪ ،‬في النهاية ‪ ،‬أعطاني مباركته ‪ ،‬على‬

‫مضض شديد‪”.‬‬
‫مع الملك عبدهللا بن الحسين في مكتبه‬

‫مع الوليد بن طالل داخل الطائرة التي اشتراها القذافي و كانت الوسيطة في الصفقة‪.‬‬
‫مع سهى عرفات زوجة ياسر عرفات في فندق بطرابلس‪.‬‬

‫" حول هذا الوقت من حياتي ‪ ،‬في أواخر سن المراهقة ‪ ،‬من بين جميع الشخصيات القوية‬

‫في المنطقة ‪ ،‬بدأ شخص يبرز من بين الحشد ‪ :‬انه العقيد معمر القذافي ‪ ،‬اسمحوا لي أن أوضح‬

‫أنني لم أكن ثورية أبدًا ‪ ،‬ولست معادية ألمريكا ‪ ،‬ولم أنجذب إلى القذافي بسبب سياسته ‪ ،‬ومع‬

‫ذلك كنت في سن التأثر ‪ ،‬وكان هناك شيء فيه بدأ يذهلني ‪ ،‬لم أجرؤ على الوثوق بوالدي ‪ ،‬والذي‬

‫كان سيصاب بالرعب ‪ ،‬لكنني بدأت في اإلعجاب بالقذافي من بعيد ‪ ،‬من الصعب أن أضع‬

‫إصبعي على األسباب الدقيقة ‪ ،‬لكنني كنت دائ ًما مفتونة بالسلطة وكيفية استخدامها ‪ ،‬في ذلك‬

‫الوقت ‪ ،‬كان القذافي يبلغ من العمر ‪ 02‬عا ًما عندما سيطر على ليبيا ‪ ،‬ال يزال في منتصف‬

‫الثالثينيات من عمره وأصغر بكثير من معظم قادة العالم اآلخرين ‪ ،‬لقد فاجئني كرجل فخور‬

‫ومثالي ومتدين بشدة اتخذ نه ًجا مختلفًا تما ًما عن العديد من القادة العرب اآلخرين الذين كانوا‬
‫يسارعون لالنضمام إلى الواليات المتحدة ‪ ،‬حتى طريقة لبسه كانت مختلفة ‪ ،‬عليك أن تتذكر أنه‬

‫كان ذلك في أواخر السبعينيات ‪ ،‬ولم يكن هناك إنترنت وال غوغل ‪ ،‬اضطررت إلى االعتماد كليًا‬

‫على األخبار التلفزيونية األردنية ‪ ،‬ولم يكن بامكاني النقر على جهاز تلفزيون واالنتقال الى مئات‬

‫القنوات الفضائية ‪ ،‬مثل قناة الجزيرة ‪ ،‬أو خدمة بي بي سي العالمية ‪ ،‬أو سي إن إن ‪ ،‬للحصول‬

‫على رؤية مختلفة ‪ ،‬ليس األمر كما هو الحال اآلن ‪ ،‬عندما يحدث شيء ما على الجانب اآلخر من‬

‫العالم فأنت تعرف كل شيء عنه في غضون عشر دقائق ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬كنت متعطشة للحصول‬

‫على معلومات عن ليبيا وزعيمها ‪ ،‬و حتى من اللمحات القصيرة التي يظهر فيها على التلفزيون‬

‫األردني ‪ ،‬كان من الواضح لي أن القذافي يتمتع بكاريزما رائعة " ‪.‬‬

‫القذافي و كال من فراس و عزالدين شقيقا دعد أثناء زيارته إلى األردن‪.‬‬
‫دعد مع هيالري كلينتون‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫االنطباعات االولى‬

‫وصلت دعد عبر الخطوط الملكية األردنية إلى طرابلس في شهر مارس ‪ ، 5022‬كان‬

‫عمرها ‪ 01‬عاما ‪ ،‬كان بصحبتها في الطائرة وفد رسمي للمرأة من االردن ولبنان والصحافي‬

‫اللبناني الذي عرض عليها الدعوة من األساس ‪.‬‬

‫في الطريق الى مقر إقامتها تقول دعد عن انطباعاتها عن المدينة و البلد التي تزور ألول مرة‬

‫في حياتها ‪:‬‬

‫” كانت تصوراتي المسبقة عن البلد بعيدة كل البعد عن الواقع ‪ ،‬كنت أتوقع صحراء شاسعة‬

‫غير مضيافة ‪ ،‬و بلد غير متحضر ‪ ،‬ومحالت تجارية قاتمة تديرها الدولة ‪ ،‬ورفوف فارغة‬

‫وشعب غير ودي ‪ ،‬بدالً من ذلك ‪ ،‬تم الترحيب بنا بحرارة في المطار بأكاليل من الزهور ‪،‬‬

‫وكانت انطباعاتي األولى عن طرابلس انها مدينة متطورة بها الكثير من المباني الجديدة ‪،‬‬

‫ولدهشتي ‪ ،‬بها أيضا أضواء الشوارع ‪ ،‬الحظت أن العديد من السيارات كانت تقودها نساء لم‬

‫يبذلن أي جهد لتغطية وجوههن ‪ ،‬في الرحلة التي استغرقت ثالثين دقيقة إلى منتجعنا على شاطئ‬

‫طرابلس ‪ ،‬حيث كان المؤتمر ينعقد ‪ ،‬لم تكن هناك أي من عالمات الفقر التي كنت أتصورها ‪،‬‬

‫كل ما يميز ليبيا عن البلدان األخرى التي زرتها في المنطقة هو عدد ال يحصى من الملصقات‬

‫ً‬
‫ممتازا ‪،‬‬ ‫الضخمة للعقيد القذافي تحدق منها صور العقيد من كل مكان ‪ ،‬كان الطعام في الفندق‬

‫والحراجي قليالً ‪ ،‬كانت هناك إمدادات وفيرة من الشامبو والصابون في حمامي ‪ ،‬تساءل جزء‬

‫ضا دعائيا لنا ‪ ،‬لكنني أدركت خالل األيام القليلة‬


‫مني ‪ ،‬بشكل ساخر ‪ ،‬عما إذا كان هذا كله عر ً‬

‫التالية أن ليبيا كانت عازمة على استخدام ثرواتها النفطية ‪ ،‬التي اكتُشفت ألول مرة في أواخر‬

‫الخمسينيات من القرن الماضي ‪ ،‬لتصبح دولة حديثة ‪ ،‬أدى اكتشاف "الذهب األسود " إلى تحويل‬

‫ضا ‪ ،‬لم يكن‬


‫ليبيا من واحدة من أفقر دول العالم إلى واحدة من أغنى دول العالم ‪ ،‬ولدهشتي أي ً‬

‫هناك جنود في الشوارع ‪ ،‬على الرغم من سمعتها في رعاية اإلرهاب ‪ ،‬شعرت طرابلس بالسالم‬
‫واألمن ‪ ،‬حدث الخلل الوحيد عندما حاولت االتصال بالمنزل لطمأنة عائلتي واكتشفت أنه من‬

‫المستحيل الحصول على مكالمة خارج البالد ‪ ،‬كان والدي محقًا في هذا الجانب ‪ ،‬على األقل ‪ ،‬لقد‬

‫استحوذ هذا األمر على تفكيري ألنني كنت أعلم أنه سيشعر بالقلق من عدم اتصالي ‪ ،‬لكن يبدو إن‬

‫الشي يمكن عمله حيال ذلك‪”.‬‬

‫دعد مع سالمة رئيسة الحراسات االمنية العسكرية للقذافي‬

‫في صباح اليوم التالي تم تقديمي الى المرأة التي ستصبح على مدى السنوات القليلة المقبلة‬

‫أفضل صديق لي ‪ ،‬نعيمة الصغير كانت رئيسة االتحاد النسائي الليبي ‪ ،‬وإحدى أقوى النساء في‬

‫ضا رئيسة مجموعة الحرس الشخصي التابعة للعقيد القذافي ‪،‬‬


‫البالد ‪ ،‬في ذلك الوقت كانت أي ً‬
‫والتي كانت تُعرف باسم الراهبات الثوريات ‪ ،‬اكتشفت أنها كانت أول مجندة ‪ ،‬وكان القذافي‬

‫يقدرها عاليا جدا ‪ ،‬لطالما حيرني أن الصحفيين الغربيين كانوا يركزون بشدة على هؤالء النساء‬

‫‪ ،‬وأطلقوا عليهن لقب الحرس األمازوني ‪ ،‬في وقت الحق تعرفت على العديد منهن ‪ ،‬وكذلك‬

‫معظم النساء األخريات في حياة القذافي ‪ ،‬ويمكنني أن أؤكد لكم أن معظم القصص خاطئة ‪ ،‬في‬

‫ذلك الوقت كانت نعيمة تبلغ من العمر ‪ 31‬عا ًما ‪ ،‬ومثل كل الحراس الشخصيين اآلخرين ‪ ،‬كانت‬

‫تعتبر القذافي إل ًها ‪ ،‬وكانت على استعداد للموت من أجله ‪ ،‬على الرغم من الفجوة العمرية ‪،‬‬

‫أصبحنا في النهاية مثل التوائم ‪ ،‬وفي كل مرة زرت ليبيا كانت تغادر منزلها وتبقى في الفندق‬

‫الذي أقيم فيه‪.‬‬

‫أعجبت بها على الفور‪ ،‬وسرعان ما أدركنا أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة ‪ ،‬على‬

‫الرغم من خلفياتنا المختلفة للغاية ‪ ،‬مثل العديد من النساء الليبيات األخريات المشاركات في تنظيم‬

‫المؤتمر ‪ ،‬أرادت نعيمة أن تعرف كل شيء عن حياتي والعالم خارج حدود ليبيا ‪ ،‬كان من‬

‫المنعش رؤية الكثير من النساء يشغلن مناصب مسؤولة ‪ ،‬في تناقض صارخ مع عالم األعمال‬

‫العربي الذي كنت على دراية به ‪ ،‬أخبرتني نعيمة أنها ترفع تقاريرها مباشرة إلى الرئيس القذافي‬

‫‪ ،‬كانت جميلة جدًا ‪ ،‬وذات شعر طويل داكن ‪ ،‬لكن ما أدهشني أوالً في نعيمة ‪ ،‬التي كانت ترتدي‬

‫بدلة التنورة ‪ ،‬كان ساقيها المشعرتين وقلة الماكياج ‪ ،‬لن أحلم أبدًا بمغادرة المنزل دون أن أبذل‬

‫قصارى جهدي في التأنق‪.‬‬

‫ذات يوم بعد ذلك بوقت طويل ‪ ،‬عندما تعرفت عليها بشكل أفضل ‪ ،‬استجمعت الشجاعة‬

‫لسؤالها عن هذا األمر ‪ ،‬أوضحت نعيمة ‪ " :‬على راهبات الثورة أال يغيرن مظهرهن لمجرد‬

‫إرضاء الرجال‪”.‬‬

‫في بداية المؤتمر ‪ ،‬ألقت نعيمة كلمة ترحيب قصيرة ‪ ،‬ثم ألقت قنبلة ‪ ،‬بدالً من انعقاد الحدث‬

‫بأكمله في طرابلس ‪ ،‬كما هو مقرر ‪ ،‬سيسافر جميع المندوبين البالغ عددهم ‪ 122‬إلى بنغازي ‪،‬‬

‫على بعد أكثر من ‪ 422‬ميل في شرق البالد ‪ ،‬عندما ُ‬


‫طرح السبب ‪ ،‬سرت همهمة في أرجاء‬
‫الغرفة ‪ ،‬اذا ً فسوف يخطب فينا القذافي شخصيًا ‪ ،‬لم يكن هذا جز ًءا من الترتيبات أبدًا ‪ ،‬لذلك ال‬

‫يمكنني أن أبدأ في وصف حماسي المحموم عندما تم إرجاعنا جميعًا إلى المطار في قافلة من‬

‫السيارات الرسمية وتحميلنا على متن طائرتين كبيرتين ‪.‬‬

‫نعيمة الصغير‪ ،‬وصفتها دعد بالراهبة الثورية و رئيسة حراسات القذافي‬

‫في تلك الليلة بالكاد غمض لي جفن في فندقنا في بنغازي ‪ ،‬و في الصباح كنت ال أزال منتشية‬

‫بالتوقعات عندما دخلنا قاعة المؤتمرات الكبيرة ‪ ،‬لكن ما أثار استيائي هو توجيهي إلى مقعد في‬

‫الجزء الخلفي من الغرفة بعيدًا عن المنصة الرئيسية حيث سيتحدث القذافي ‪ ،‬وبسبب حضوره ‪،‬‬

‫كان التلفزيون الليبي يبث المؤتمر على الهواء مباشرة في جميع أنحاء البالد ‪ ،‬وزادت الكاميرات‬

‫من االحساس باإلثارة ‪ ،‬ظهر األمر و كأنها جلسة لألمم المتحدة حيث تجلس الوفود خلف الفتات‬
‫صغيرة من الورق المقوى توضح جنسياتهم وميكروفوناتهم ‪ ،‬سوريا ‪ ،‬فلسطين ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬األردن‬

‫إلخ … ثم أنا‪.‬‬

‫بعد أن خمد التصفيق بدأ القذافي يتحدث‪ .‬واستمر ألكثر من ساعتين ‪ ،‬لم أتململ أو يشرد‬

‫انتباهي لثانية واحدة ‪ ،‬ليس فقط ألنني اضطررت إلى التركيز باهتمام على شفتيه لفهم لهجته‬

‫العربية ‪ ،‬كنت مفتونة‪.‬‬

‫لدهشتي ‪ ،‬لم يستغل القذافي الفرصة للتحدث ضد أمريكا أو الغرب ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬لقد شغل‬

‫كل الوقت بالحديث عن الدور المهم للمرأة في بالده ‪ ،‬وكيف يجب أن تمنحنا الدول األخرى‬

‫المزيد من الفرص في الحكومة والمناصب الرئيسية األخرى ‪ ،‬مثل الدفاع والشؤون الخارجية‪.‬‬

‫قال " في بلدانكم ‪ ،‬لماذا ال تحصل النساء إال على وظائف في التعليم أو الخدمات‬

‫االجتماعية ؟ " طالب بمعرفة ذلك ‪ ،‬وحثنا جميعًا على العودة إلى ديارنا والنضال من أجل‬

‫حقوقنا ‪ ،‬وأضاف ‪ " :‬الرجال يكذبون عليكن لكنهم ليسوا أفضل منكن " ‪ ،‬كان ذلك مله ًما ‪ ،‬ألنني‬

‫لم أسمع أبدًا رجالً عربيًا يجادل هكذا لصالح النساء ‪ ،‬باإلضافة إلى إنديرا غاندي الهندية ‪ ،‬ذكر‬

‫القذافي حتى مارجريت تاتشر ‪ ،‬التي كانت ال تزال رئيسة وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ‪،‬‬

‫فرفعت مئات‬
‫كمثال جيد ‪ ،‬عندما انتهى من الكالم ‪ ،‬دعى القذافي الحاضرات لطرح أسئلتهن ُ‬

‫االيادي في وقت واحد ‪ ،‬أشار إلى المحظوظات ألخذ دورهن واستمعت بقلق متزايد حيث قدمت‬

‫كل امرأة نفس المونولوج القصير ‪ ،‬الذي يوضح مدى تشريفها لوجودها هناك ‪ ،‬وكم انه قائدا ً‬

‫عظيما ً ثم ترسل تحيات صادقة من بلدها‪.‬‬

‫صدمت ‪ ،‬كان هراء سياسي ‪ ،‬كان الجميع يعرف أن القذافي لديه أموال النفط ‪ ،‬وكانوا‬
‫لقد ٌ‬

‫يرغبون في الحصول على بعض منه ‪ ،‬كانت بعض الدول التي حضرت المؤتمر فقيرة للغاية ‪،‬‬

‫واعتقدت أنه من خالل الفوز برضاه يمكنها تأمين االستثمار من ليبيا ‪ ،‬استمع القذافي بأدب وكتب‬

‫بضع مالحظات لكنه أعطى االنطباع بأنه سمعها آالف المرات من قبل ‪ ،‬شعرت باألسف تجاهه‬

‫‪ ،‬ذلك أنه اضطر إلى االستماع إلى هذا الهراء‪.‬‬


‫دعد مع الرئيس اإلسرائيلي السابق شمعون بيريز في تل ابيب‬

‫دعد تحمل رسالة من القذافي الى رئيس جماعة المسلمين في الهند‬


‫حتى تلك اللحظة لم يكن لدي أي نية للتحدث مراعاة لوضعي غير الرسمي في مؤتمر االتحاد‬

‫النسائي و كوني شابة نسبيا ‪ ،‬ثم ‪ ،‬دون التفكير في األمور بشكل صحيح ‪ ،‬رفعت يدي ‪ ،‬فجأة ‪،‬‬

‫كان القذافي يشير إلي " من اين انت؟ ‪ ،‬من فضلك ارفع عالمتك حتى أتمكن من رؤيتها " ‪.‬‬

‫ي ‪ ،‬فقد‬
‫نظرا ألنه ركز عل ّ‬
‫كانت الكاميرا ال تزال تدور وتتحرك من القذافي إلى كل سائل ‪ً ،‬‬

‫وضعت عالمتي ووجهها ألسفل وأوضحت أنني لست جز ًءا من الوفد الرسمي ‪ ،‬ولكن إذا كان‬

‫يريد أن يعرف فأنني من األردن ‪ ،‬وسأل ‪ " :‬هل أنت أردنية أردنية أم فلسطينية أردنية ؟ " ‪ ،‬لقد‬

‫ى ‪ ،‬ألن العالقات بين العاهل األردني الملك حسين وليبيا كانت سيئة‬
‫كان أكثر األسئلة ثقال عل ّ‬

‫للغاية ‪ ،‬كان القذافي معاديًا لألردن ‪ ،‬لكنه كان مؤيدًا لفلسطين بسبب الوضع اإلسرائيلي ‪ ،‬في ذلك‬

‫الوقت ‪ ،‬كان ما يقرب من نصف سكان األردن البالغ عددهم ‪ 3‬ماليين نسمة ‪ ،‬مثلي ‪ ،‬من أصول‬

‫فلسطينية‪ .‬أجبته " أنا فلسطينية ‪ -‬أردنية‪”.‬‬

‫حتى من بعيد كنت أرى ابتسامة تنتشر على وجه القذافي ‪ ،‬كانت ابتسامة شقية ‪ ،‬وكأنه يقول‬

‫إنه حصل على الرد الذي يريده ‪ ،‬سالني ‪ :‬ما اسمك ؟ قلت ‪ :‬دعد ‪.‬‬

‫قال” طيب‪ ،‬ما سؤالك‪”.‬‬

‫بعد كل ما سمعت في الدقائق القليلة الماضية ‪ ،‬كنت مصممة أن يكون سؤالي دقيق ووثيق‬

‫الصلة بالموضوع ‪.‬‬

‫لم يكن لدي كالم جاهز ‪ ،‬بعد ذلك ‪ ،‬كانت الكلمات تخرج من فمي بشكل غريزي ‪ ،‬وبدا األمر‬

‫كما لو أن امرأة أخرى مجنونة تنطق بها ‪ ،‬أمسكت بالميكروفون وقلت له ‪ " :‬خالل الساعتين‬

‫الماضيتين ‪ ،‬كنت تتحدث عن حقوق المرأة وأنت تدفعنا للكفاح ‪ ،‬أوافق مائة في المائة مع ما‬

‫تقوله ‪ ،‬مع كل كلمة منه ‪ ،‬ولكن إذا كان هذا هو ما تؤمن به حقًا ‪ ،‬فأين الشخص األكثر أهمية ؟‬

‫أين زوجتك في هذه الحركة ؟ لماذا ال نراها هنا اليوم ؟ ‪ ،‬لم أكن أقصد أن أكون استفزازية ‪،‬‬

‫ولكن الجميع يعرف أن زوجته ‪ ،‬التي كانت ممرضة في السابق ‪ ،‬كانت دائ ًما في الخلفية ‪ ،‬في‬

‫كثيرا ‪ ،‬وفي تشابه آخر ‪ ،‬أنجبت للقذافي سبعة أطفال ‪ ،‬عندما‬


‫ً‬ ‫هذا الصدد ‪ ،‬كانت تشبه والدتي‬
‫طرحت السؤال لم أكن أدرك أنها تفضل هذا الوضع وليس لديها تطلعات سياسية ‪ ،‬أستطيع أن‬

‫أقول من خالل رد فعل القذافي أنه فوجئ بأسلوبي الوقح ‪ ،‬لكنه كان يدرك تما ًما أن ليبيا بأكملها‬

‫كانت تشاهد على الهواء مباشرة ‪ ،‬لم يكن بإمكانه قطع البث و حسب‪.‬‬

‫دعد مع دمحم الزوي و زوجته و هو في ذلك الوقت سفير ليبيا في بريطانيا‬

‫قبل سنوات ‪ ،‬عندما كنت أتعلم اللغة اإلنجليزية ‪ ،‬تعلمت هذة العبارة " يمكنك سماع صوت‬

‫الدبوس " ‪ ،‬في تلك اللحظة كان هذا ما حصل في القاعة المزدحمة ‪ ،‬حيث كان هناك صمت‬

‫مطبق عندما انتظرت ‪ 600‬امرأة أخرى كيف سيكون رد فعل العقيد ‪ ،‬عندما أنظر إلى الوراء‬

‫كان هذا السؤال هو من غير حياتي ‪ ،‬كما تعلمون ‪ ،‬أنا أؤمن بالقدر وهللا وحده يعلم ماذا كان‬

‫ضا حماقة‬
‫سيحدث لو بقيت صامتة في ذلك اليوم ‪ ،‬يمكنك أن تسميها شجاعة ‪ ،‬لكن ربما كانت أي ً‬

‫بعض الشيء ‪ ،‬لم يكن هدفي إثارة االزعاج أو اإلساءة أو محاولة صنع اسم لنفسي ‪ ،‬كنت عن‬

‫غير قصد العب لعبة خطرة مع القذافي ‪ ،‬الذي اشتهر بقمع المعارضة بشدة ‪ ،‬من جانبه لعب‬

‫بالوقت للتفكير ‪ ،‬فسأل مرة أخرى عن اسمي وبلدي وكررت كليهما ‪ ،‬أخذ القذافي بضع لحظات‬

‫أخرى ‪ ،‬قبل أن يجيب ‪ " :‬انظري ‪ ،‬ال أريد أن يكون في بلدي جيهان سادات ثانية ‪”.‬‬
‫كان رد القذافي على سؤالي ذكيًا أخرجه من ورطة مع الجمهور في القاعة ‪ ،‬وال شك في أن‬

‫أولئك الذين يشاهدون البث التلفزيوني الليبي المباشر ‪ ،‬كانوا قلقين ‪ ،‬وتابع ‪ :‬ال أريد أن أضع‬

‫زوجتي في وضع يمكنها من البدء في استخدام السلطة واكتساب سمعة سيئة خارج البالد ‪،‬‬

‫زوجتي ‪ ،‬هي زوجة عادية ترعى أطفالي وهذا كل شيء ‪ ،‬هذا هو جوابي ‪ ،‬هل أنت مقتنعة ؟‬

‫حتى ذلك الحين لم أبلع لساني وأقبل رده ببساطة ‪.‬‬

‫وفقًا للمعايير اإلسالمية المحافظة ‪ ،‬كان القذافي نسويًا ‪ ،‬ولم يتبن وجهة النظر العربية‬

‫سمح للنساء بالخدمة في‬


‫التقليدية القائلة بأن اإلناث يجب أن تكون خاضعة ‪ ،‬كنت أعرف أنه ُ‬

‫القوات المسلحة الليبية ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ ،‬لكنني ما زلت أعتقد أن زوجة القذافي كان يجب أن‬

‫تكون هناك لتدلي بتلك المالحظات حول حقوق المرأة وقيادة الحركة في ليبيا ‪ ،‬كان من الممكن‬

‫أن يبعث ذلك برسالة جيدة لقادة جميع الدول الممثلة في المؤتمر ‪ ،‬لذلك شعرت أن تحديه مبرر ‪،‬‬

‫أجبته بحزم ‪ " :‬ال " ‪ ،‬رغم أن قلبي كان يخفق ‪ ،‬عندما التقيت بزوجته في وقت الحق ‪ ،‬صدمتني‬

‫كونها امرأة كريمة وطيبة ولكنها ساذجة للغاية ‪ ،‬كانت صفية فركاش زوجة بدوية نقية نموذجية ‪،‬‬

‫ولم تكن متعلمة جيدًا ‪ ،‬لن تدهشك كزوجة رئيس لدقيقة واحدة ‪ ،‬ساتعلم فيما بعد المزيد حول كيف‬

‫التقت بالقذافي ‪ ،‬ولماذا تزوج من امرأة لم تكن تبدو لي على تطابق فكري معه‪.‬‬

‫انتظرت االستماع لرده التالي ‪ ،‬لكن القذافي أظهر أن حديثنا الصغير انتهى وابتعدت‬

‫الكاميرا ‪ ،‬سرعان ما رحل وانتهت أعمال اليوم اخر دون مزيد من الدراما ‪ ،‬في طريق الخروج‬

‫من القاعة ‪ ،‬كان لدي انطباع بأن المندوبين اآلخرين كانوا يتحاشون القرب مني كوني صانعة‬

‫مشاكل ‪ ،‬لم يقل أحد أي كلمة عن ما جرى ‪ ،‬على الرغم من أن نعيمة رمتني بابتسامة سريعة‬

‫أثناء خروجنا ‪.‬‬


‫دعد مع جيمس بيكر وزير سابق للخارجية االمريكية‬

‫خرجنا جميعًا من الفندق في بنغازي وعدنا إلى طرابلس ‪ ،‬حيث كانت هناك مفاجأة أخرى ‪،‬‬

‫بعد عدة محاوالت فاشلة لالتصال بأسرتي ‪ ،‬اكتشفت أنه يمكنني اآلن إجراء مكالمات بعيدة المدى‬

‫أمرا من السيد مبارك الشامخ ‪ ،‬وزير‬


‫ذات أولوية إلى األردن بقدر ما أحب ‪ ،‬وكان ذلك ً‬

‫االتصاالت الذي التقيت به في بنغازي ‪ ،‬إسترجعت أحداث اليوم في رأسي وتساءلت عما إذا كان‬

‫إغضاب العقيد ‪ ،‬على مرأى ومسمع من شعبه ‪ ،‬سيكون له تداعيات أكثر خطورة بالنسبة لي قبل‬

‫مغادرتي ليبيا ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬مع استمرار المؤتمر بشكل طبيعي في اليوم التالي ‪ ،‬بدأت في‬

‫االسترخاء ‪ ،‬طمأنت نفسي ‪ ” :‬دعد ‪ ،‬أن لديه أمور أخرى تشغله اكثر من القلق بشأن فتاة مثلك "‬

‫‪.‬‬
‫في ذلك المساء كنت في غرفتي بالفندق حوالي الساعة ‪ 55‬مسا ًء ‪ ،‬عندما أذهلتني طرقة‬

‫عالية ‪ ،‬هدأت من روعي و قمت ألفتح الباب ‪ ،‬فاذا برجلين يرتديان الزي العسكري يقفان على‬

‫العتبة ‪ ،‬لقد كانا مهذبين تما ًما ولكن كلماتهما القليلة ‪ ،‬دون تقديم تفسير آخر ‪ ،‬أصابت جسدي‬

‫بالكامل برعدة‪ .‬قاال‪ " :‬الرئيس القذافي يريد أن يراك " ‪.‬‬

‫دعد مع دمحم البخاري وزير المالية الليبي سابقا في مكتب تراميل كرو للعقارات بتكساس‪ -‬امريكا‬
‫الفصل الرابع‬

‫وجه لوجه‬

‫عندما غادر الجنديان كنت في حالة ذعر أعمى ‪ ،‬هل سيتم إعادتي إلى الوطن بطريقة مخزية‬

‫‪ ،‬مما قد يتسبب في حادث دبلوماسي بين ليبيا واألردن ؟ ‪ ،‬أو هل يمكن أن أكون في ورطة‬

‫عميقة الستفزازي القذافي لدرجة أنه سوف يتم القبض علي واٌلقى في السجن ؟ طاشت مخيلتي‬

‫في كل اتجاه – ربما كل تلك القصص المروعة التي سمعتها عن العقيد كانت صحيحة ؟ كانت‬

‫ي ‪ ،‬توصلت سريعًا إلى‬


‫غريزتي األولى هي الفرار ‪ ،‬لكن حتى في حالة الرعب المطلق لد ّ‬

‫استنتاج مفاده أن الهروب في منتصف الليل كان بال جدوى ‪ ،‬لذا ارتديت بعض المالبس على‬

‫عجل وانطلقت الى الطابق السفلي إلى مكتب كانت تستخدمه صديقتي الجديدة نعيمة ‪ ،‬في الواقع ‪،‬‬

‫سلم – أنها في ليبيا كانت صديقتي الوحيدة وليس‬


‫لقد بدا لي – حيث كدت أن أتعثر على درج ال ٌ‬

‫لدي خطة بديلة ‪ ،‬إذا لم تكن نعيمة موجودة في هذه الساعة المتأخرة ‪ ،‬أو انها أبعدتني وتخلت‬

‫عني ‪ ،‬فماذا يمكن أن أفعل بعد ذلك ؟ اقتحمت الغرفة فوجدتها تعمل في وقت متأخر وشرحت لها‬

‫ما حدث للتو ‪ ،‬قلت لها وانا وشك البكاء ‪ " :‬ال أريد أن أذهب إلى أي مكان " ‪ ،‬ولدهشتي ‪،‬‬

‫انفجرت ضاحكة ‪ ،‬قالت نعيمة ‪ " :‬ال تقلقي ‪ ،‬ليس هناك ما تخاف منه " ‪ " ،‬كل ما يحدث هو أن‬

‫الرئيس القذافي سيكون له حضور خاص مع عدد قليل من الوفود المنتقين بعناية ‪ ،‬أنت محظوظة‬

‫يا دعد – لقد اختارك ‪ ،‬سوف تكوني بأمان ‪ ،‬فقط اهدأي “ ‪.‬‬

‫جزء مني رفض تصديقها ‪ ،‬لكنني أدركت أن هذه فرصة قد ال تتكرر إال مرة واحدة في‬

‫العمر لمقابلة رئيس وج ًها لوجه ‪ ،‬كم من الناس يمكن أن يقولوا أنهم حققوا ذلك ؟ عندما كنت‬

‫طالبة في الجامعة ‪ ،‬كنت معجبة بالقذافي من بعيد ‪ ،‬كنت سأعطي أي شيء لمثل هذه الفرصة‬

‫الفريدة ‪ ،‬في كلتا الحالتين ‪ ،‬قررت أنه ليس لدي أي خيار حقًا ‪ ،‬لقد كنت في ليبيا لمدة يومين فقط‬

‫لكنني كنت أعرف بالفعل أن القذافي يحصل دائما على ما يريد ‪.‬‬
‫أمرا مفرو ً‬
‫غا منه ‪ ،‬وقد ثبت ذلك‬ ‫ضا أنه ال يمكن اعتبار أي شيء في هذا البلد ً‬
‫لقد علمت أي ً‬

‫مرة أخرى ‪ ،‬بعد أن طرنا للتو من بنغازي إلى طرابلس ‪ ،‬كنا في طريق العودة اليها مرة أخرى ‪،‬‬

‫في ذلك المساء ‪ ،‬لم يكن هناك متسع من الوقت لحزم بعض المالبس قبل ذهابنا إلى المطار في‬

‫سيارات الليموزين الرسمية وركوب طائرة خاصة أخرى ‪ ،‬هذه المرة كانت طائرة أصغر بكثير‪،‬‬

‫اثني عشر مقعدًا فقط ‪ ،‬من النوع الذي تربطه في مخيلتك برجال األعمال األثرياء والمشاهير‪.‬‬

‫كان هذا أول عهدي بهذا النوع من السفر الحصري ‪ ،‬حيث ال تذاكر أو جوازات سفر‬

‫مطلوبة أو إجراءات تسجيل وصول شاقة ‪ ،‬فكرت انه يمكنني بسهولة تذوق روعتها ‪ ،‬على‬

‫الرغم من الظروف‪.‬‬

‫كنت سعيدة ألن نعيمة كانت من بين النساء على متن الطائرة ‪ ،‬ألنني كنت قد وضعت ثقتي‬

‫الكاملة بها ‪ ،‬أما اآلخرون فكانوا من جنوب لبنان وفلسطين وجبهة البوليساريو ‪ ،‬وهي منظمة‬

‫تسعى لالستقالل عن المغرب في الصحراء الغربية‪.‬‬

‫شقيق دعد مع سالمة رئيسة الحراسات األمنية للقذافي في باريس أثناء زيارة االخير لفرنسا‬
‫دعد مع نائب برلماني هندي أثناء لقاء هيالري كلينتون في نيويورك‬

‫بالكاد جلسنا في مقاعدنا في الرحلة التي استغرقت تسعين دقيقة وتناولنا المشروبات حتى‬

‫وصلنا إلى بنغازي ‪ ،‬كان الوقت اآلن بعد منتصف الليل ‪ ،‬كنت أتوقع أن يتم نقلنا إلى الفندق ويتم‬

‫اصطحابنا في اليوم التالي للقاء القذافي ‪ ،‬لكن بدالً من ذلك تم أخدنا بعيدا عن وسط المدينة ‪،‬‬

‫أصبح من الواضح أننا كنا في طريقنا لرؤية العقيد في تلك الليلة بالذات ‪ ،‬أو لنكن أكثر دقة ‪ ،‬في‬

‫الساعات األولى من صباح اليوم التالي ‪ ،‬وصلت قافلتنا الصغيرة المكونة من ثالث سيارات‬

‫سوداء إلى قاعدة عسكرية على بعد حوالي ثالثين دقيقة بالسيارة من المطار‪.‬‬
‫سألتٌ نعيمة ‪ " ،‬أي نوع من الرؤساء يلتقي بالناس في الساعة ‪ 0‬صبا ًحا ؟ ‪ ،‬في األردن ‪،‬‬

‫يعقد ملكنا اجتماعاته خالل النهار ‪ ”.‬من خالل الظالم ‪ ،‬كان بإمكاني فقط رؤية اشباح البراج‬

‫حراسة وجنود يحملون رشاشات ‪ ،‬بدأت أشعر بالتوتر ‪ ،‬أتساءل عما إذا كان هذا فخا من اي نوع‬

‫‪ ،‬أوضحت نعيمة أن القذافي غالبًا ما يعمل في وقت متأخر من الليل في التعامل مع البريد وقراءة‬

‫الكتب حتى الساعة الثالثة صبا ًحا ‪ ،‬ولم تكن اجتماعات كهذه خارجة عن المألوف ‪ ،‬حتى بالنسبة‬

‫لوزراء حكومته ‪ ،‬عندما تعرفت على القذافي بشكل أفضل ‪ ،‬أدركت أن الساعة ال تهمه وأن كل‬

‫من حوله يجب أن يعتاد على ضبط الوقت غير المعتاد ‪ ،‬تتمثل إحدى مزايا كونك قائدًا في أنه‬

‫يمكنك رؤية األشخاص عندما تختار ذلك ‪ ،‬داخل القاعدة ‪ ،‬كان هناك عدد من الغرف الصغيرة ‪،‬‬

‫وبعد تناول وجبة سريعة ‪ ،‬تم نقلنا بشكل متكرر على مدار الساعة التالية أو نحو ذلك‪ .‬كنت اخر‬

‫من سيقابل القذافي ‪ ،‬لكن مما يثير القلق ‪ ،‬مع خروج المندوبات االخريات المدعوات من لقاءاتهن‬

‫‪ ،‬كان الكثير منهن يذرفن الدموع ‪ ،‬سألت نعيمة ‪ " :‬ماذا يحدث هناك ؟ هل يضربهن ؟ ‪ ،‬قالت ‪:‬‬

‫" إنهن يتحدثن معه عن مدى معاناتهن ويتباكن في محاولة لكسب التعاطف لكي يعطي المال‬

‫لبلدانهن " ‪ ،‬كانت الساعة تقترب من الثالثة صبا ًحا عندما حان دوري لرؤية القذافي ‪ ،‬حينها‬

‫كنت أشعر باالرهاق ‪.‬‬

‫دعد مع الرئيس األمريكي جورج بوش األب في منزل تاجر العقارات األمريكي تراميل كرو‬
‫أتذكر االن رائحة البخور القوية ‪ ،‬وهو نوع من البخور العربي المصنوع من رقائق الخشب‬

‫المنقوعة في الزيوت العطرية ‪ ،‬و الذي صرت ‪ ،‬منذ هذا اللقاء ‪ ،‬اربطه بشخص القذافي ‪،‬‬

‫ارشدتني نعيمة إلى مكتبه الخاص ‪ ،‬لم يكن مؤثثًا إال بمكتب في الزاوية وكرسي واحد ‪ ،‬وعلى‬

‫الطراز العربي التقليدي ‪ ،‬كانت هناك بساطات وتناثرت وسائد حمراء على األرض‪.‬‬

‫كان القذافي ‪ ،‬مرتديا جلباب بني ‪ ،‬جالسا على كرسي خلف مكتبه لكنه وقف على قدميه عندما‬

‫دخلنا‪.‬‬

‫لبرهة فقدت رباطة جأشي ‪ ،‬فعلى بعد أمتار قليلة كان الرجل الذي أخبرني الجميع في‬

‫المنزل أنه إرهابي ووحش ‪ ،‬تبعت ذلك دقائق قليلة محرجة كان فيها القذافي يتحدث إلى نعيمة ‪،‬‬

‫وتجاهلني تما ًما ‪ ،‬لقد كان مجرد حديث صغير يشعرك بأنه ملفق ‪ ،‬كما لو أنه لم يقابلها من قبل ‪،‬‬

‫في حين كنت مدركة تما ًما أنهما يعرفان بعضهما البعض جيدًا ‪ ،‬ربما رأى قلقي وكان الهدف من‬

‫هذه المسرحية مع نعيمة هو إعطائي فرصة لالسترخاء‪.‬‬

‫أخيرا‬
‫ً‬ ‫في وقت من األوقات وقع على وثيقة ‪ ،‬شعرت بالخوف أكثر ‪ ،‬لكنه التفت نحوي‬

‫وتصافحنا ‪ ،‬ثم بعد انتهاء اإلجراءات األولية ‪ ،‬كانت هناك لحظة أخرى أكثر إربا ًكا وإحرا ًجا ‪،‬‬

‫دعاني القذافي للجلوس على األرض ‪ ،‬وهي الطريقة البدوية التقليدية لعقد االجتماعات ‪ ،‬وأشار‬

‫إلى إحدى البساطات المزخرفة ‪ ،‬اآلن لدي معضلة جديدة ‪ ،‬بعد مشاكستي له في قاعة المؤتمرات‬

‫‪ ،‬كان آخر ما أردت هو التسبب في مزيد من اإلهانة ‪ ،‬لكنني لم أكن ارتدي ما يناسب جلوسي‬

‫القرفصاء على األرض ‪ ،‬كان هذا في أواخر الثمانينيات ‪ ،‬عصر االزياء الجريئة ‪ ،‬كنت أرتدي‬

‫سترة سوداء ‪ ،‬مع منصات كتف كبيرة ‪ ،‬وتنورة سوداء متناسقة وأترنح على الكعب العالي ‪،‬‬

‫كانت تنورتي فوق الركبة بالفعل ‪ ،‬وفقًا للموضة السائدة في ذلك الوقت ‪ ،‬وكانت ضيقة جدًا‬

‫لدرجة ال تسمح لي بالجلوس على األرض دون أن ترتفع سترتي الى االعلى ‪ ،‬لدواعي الراحة‬

‫والتواضع لم أرغب في الجلوس هكذا ‪ ،‬و كم تمنيت لو انني اخترت بدلة بنطلون أنيقة ‪ ،‬استطعت‬

‫أن أرى أنه كان يهم بالجلوس على الكرسي ‪ ،‬حتى يتمكن من تدوين المالحظات ‪ ،‬اعتذرت ‪،‬‬
‫شرحت الصعوبة التي واجهتها للقذافي الذي ابتسم وأعاد ترتيب الوسائد لتوفير حاجز منخفض‬

‫بيننا ‪ ،‬أشار إلى الفراش ‪ ،‬بطريقة ما تمكنت من الجلوس على األرض مع االحتفاظ بكرامتي ‪،‬‬

‫ي ‪ ،‬مستخد ًما صف الوسائد كنوع من الطاولة حتى يتمكن من تدوين‬


‫جاء هو وانضم إل ّ‬

‫ي‬
‫المالحظات ‪ ،‬قبلت عرضه للقهوة ‪ ،‬تحدث بصوت منخفض ‪ ،‬وكما حصل سابقا ‪ ،‬كان عل ّ‬

‫التركيز بشدة لفهم لهجته ‪ ،‬لدهشتي ‪ ،‬مع علمي بسمعته الشرسة ‪ ،‬لم يكن هناك أي تهديد أو‬

‫عدوانية فيه ‪ ،‬الحظت عن قرب ‪ ،‬أن وجهه صار متغضنا بسبب التعرض ألشعة الشمس ‪ ،‬ومن‬

‫هبوب الرياح في الصحراء‪.‬‬

‫دعد في تاج عرسها من تصميم أنجيال كيلي المعاونة الشخصية و المستشارة لملكة بريطانيا‬
‫دعد مع زوجها السابق في فستان العرس من تصميم المليارديرة االنجليزية تينا جرين‬
‫بدأ القذافي يرميني باألسئلة من كل جانب عن خلفيتي وعملي ‪ ،‬أخبرته كل شيء عن جذور‬

‫عائلتي في فلسطين ‪ ،‬وتربيتي في المملكة العربية السعودية ‪ ،‬ودراستي في االقتصاد وتعامالتي‬

‫التجارية المتنوعة في الشرق األوسط ولندن و انحاء أخرى من العالم ‪ ،‬من حين آلخر كان يهز‬

‫رأسه أو يلقي نظرة على نعيمة ‪ ،‬في بعض األحيان كان يمزح معها ويضحك ‪ ،‬لحسن الحظ ‪ ،‬لم‬

‫يكن هناك أي ذكر لسؤالي الوقح في المؤتمر – األمر الذي اشعرني باالمتنان للغاية ‪ ،‬استمر هذا‬

‫لمدة عشرين دقيقة ‪ ،‬ثم انتهى االجتماع ‪ ،‬التفت القذافي إلى نعيمة ‪ ،‬قال قاصدا يُسمعني وبابتسامة‬

‫غامضة ‪ " :‬هذه هدية لطيفة جدًا قدمتها لي " ‪ ،‬سألت نفسي ‪ " :‬ماذا حدث للتو؟ " هل كنت "‬

‫الهدية " وإذا كان األمر كذلك ‪ ،‬كيف؟‬

‫ال يبدو أن هناك أي غرض من اللقاء ‪ ،‬وتساءلت مع نفسي لماذا اجهد القذافي نفسه لنقلي‬

‫جوا إلى بنغازي من طرابلس ‪ ،‬كان من الصعب قراءته ولم أكن أعرف ما هو االنطباع األول‬

‫الذي تركته على العقيد ‪ ،‬كان ينبغي ان اغادر اللقاء وأنا أشعر بالبهجة ‪ ،‬ولكن في الواقع شعرت‬

‫بانني محبطة و مخذولة ‪ ،‬و حتى اني تألمت قليالً أنه لم يعطني نوعا ً من هدية الفراق أو تذكار ‪،‬‬

‫ومع ذلك ‪ ،‬على األقل لم يكن مقدرا ً لي أن أذهب إلى السجن ‪.‬‬

‫كانت الساعة اآلن الرابعة صبا ًحا وكنت محطمة ‪ ،‬أردت فقط العودة إلى طرابلس في أقرب‬

‫وقت ممكن ‪ ،‬ولكن مرت ثالث ساعات أخرى قبل أن تعيدنا نفس الطائرة الخاصة جميعًا إلى‬

‫العاصمة ‪ ،‬أخيرا ً خطفت من النوم بضع ساعات‪.‬‬

‫أربع ساعات راحة فقط ‪ ،‬قبل أن يُدق باب غرفتي في الفندق مرة أخرى ‪ ،‬وكان في استقبالي‬

‫ممثل من مكتب الرئيس ‪ ،‬ماذا االن أيضا ؟ سألت نفسي ‪ ،‬أُبلغت بأدب أنني سأحضر اجتما ً‬
‫عا‬

‫ولكن ‪ ،‬كالعادة ‪ ،‬كان هناك الحد األدنى من المعلومات ‪ ،‬مرة أخرى ‪ ،‬طلبت النصيحة من نعيمة‬

‫التي كانت إيجابية للغاية ‪ ،‬حثتني " اذهبي " ‪" ،‬هذه الرسالة سوف تأتي مباشرة من الرئيس‬

‫القذافي نفسه ‪ " .‬كان لدي شعور بأنها تعرف بالضبط ما كان يجري ‪ .‬بعد أقل من ساعة كنت‬

‫جالسة في مكتب أحمد رمضان ‪ ،‬الذي كان لقبه الرسمي الكبير ( مدير المعلومات في مكتب‬
‫معمر القذافي ) ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬اكتشفت أنه كان اليد اليمنى للعقيد ‪ ،‬على الرغم من أنه بدا غير‬

‫الفت للنظر ‪ ،‬و هو يرتدي بدلة رخيصة المظهر ‪ ،‬إال أنه كان من أقوى الشخصيات المرهوبة في‬

‫النظام الليبي ‪.‬‬

‫دعد مع وزير الخارجية األمريكي جيمس بيكر في زيارته لالردن‬

‫ألسباب لم أفهمها مطلقًا ‪ ،‬أُطلق على احمد رمضان اسم الصندوق األسود ‪ ،‬ال يمكنني إال‬

‫أن أفترض أنها إشارة إلى مسجل الرحلة في الطائرة ‪ ،‬والذي يحتوي على جميع المعلومات ‪،‬‬

‫أبلغني رمضان اآلن أن الرئيس القذافي يقدم لي مقترح عمل ‪ ،‬كان ينوي أن أصبح مستشارة‬

‫خاصة لشركة االستثمارات األجنبية العربية الليبية )‪ (LAFICO‬التي تديرها الحكومة ‪ ،‬والتي‬

‫كانت تتصرف بجميع الصفقات األجنبية في البالد ‪ ،‬أصبحت كل أسئلة القذافي والتحقيقات حول‬

‫خلفيتي العملية منطقية فجأة ‪ ،‬يجب أن تصنف رحلتي في وقت متأخر من الليل إلى بنغازي‬

‫كواحدة من أكثر مقابالت العمل غير التقليدية في التاريخ ‪ ،‬لم تكن هناك وسائل التواصل‬

‫االجتماعي ‪ ،‬لذلك كانت هذه طريقته في معرفة كل شيء عني ‪ ،‬ولكن كان يمكن أن يطلب‬

‫سيرتي الذاتية ! ‪ ،‬كان االقتراح ممتعًا بالطبع ‪ ،‬لكنني ظللت حذرة ‪ ،‬نعم ‪ ،‬لقد أتيت إلى ليبيا‬
‫ونصف عيني على اجراء اتصاالت لشركتي وكانت ‪ LAFICO‬سمكة كبيرة تتعامل بماليين‬

‫الدوالرات ‪ ،‬لكنني أردت ‪ LAFICO‬كعميل وليس كرئيس عمل‪.‬‬

‫اغضاب القذافي مرة أخرى لم يكن على جدول أعمالي في تلك اللحظة ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬وافقت‬

‫ً‬
‫موجزا طلب مني تسليمه للحويج ‪،‬‬ ‫على مقابلة دمحم الحويج ‪ ،‬رئيس الشركة ‪ ،‬كتب رمضان خطابًا‬

‫في صباح اليوم التالي ‪ ،‬كنت أركب إحدى السيارات الرسمية المألوفة اآلن ‪ ،‬وهي مرسيدس‬

‫سوداء ‪ ،‬إلى مقر ‪ LAFICO‬ذي المظهر الغريب والذي يشبه الزجاجة المقلوبة‪ .‬لم يعيرني‬

‫الحويج الكثير من االهتمام عندما تم اصطحابي في النهاية إلى مكتبه ‪ ،‬بشيء من الملل فتح‬

‫المذكرة التي سلمتها له ‪ ،‬وقرأ المحتويات – و فجأة قفز من مقعده ‪ ،‬كمثل نقرة على مفتاح الضوء‬

‫‪ ،‬تغير مزاجه وفجأة كان على اكبر قدر من التهذيب والترحيب ‪ ،‬اعاد بفرح شديد ‪ ،‬عملية‬

‫الترحيب بأكملها للمرة الثانية وكأنه نسي أننا قد تصافحنا بالفعل ‪ ،‬لم يكن من الممكن أن يكون‬

‫سا و تبجيال وهو يخبرني عن هيكل ‪ LAFICO.‬تباهى الحويج قائالً ‪ " :‬نحن مؤسسة‬
‫أكثر حما ً‬

‫تبلغ قيمتها ‪ 21‬مليار دوالر " ‪ ،‬وسلم لي كومة من الكتيبات الالمعة التي تشرح كيف أنشأ القذافي‬

‫شركة ‪ LAFICO‬في عام ‪.5025‬‬


‫دعد على مائدة عشاء مع هيالري كلينتون في نيويورك‬

‫أصبح الحويج أكثر رقة عندما رن جرس الهاتف بعد بضع دقائق ‪ ،‬مقاطعا تدفق حديثه معي‬

‫ي ‪ " :‬إنها هنا " ‪ ،‬استنتجت من الطريقة التي كان يرتجف بها الحويج‬
‫‪ ،‬قال للمتصل وهو ينظر إل ّ‬

‫‪ ،‬أن أحمد رمضان على الطرف اآلخر من الخط ‪ ،‬من الواضح أنه كان يتأكد من أنني لم اغير‬

‫رايي في اللحظة االخيرة ‪ ،‬وايضا كان يطلع رئيس ‪ LAFICO‬على مستقبلي معهم ‪ ،‬إذا حكمنا‬

‫من خالل ردة فعل الحويج ‪ ،‬فليس من الحكمة أن تجعل من أحمد رمضان عدوا ً ‪ ،‬استعرض معي‬

‫الحويج التفاصيل الدقيقة لعرض العمل ‪ ،‬يتضمن دوري تحديد الشركات ‪ ،‬بما في ذلك سالسل‬

‫الفنادق األجنبية والمصانع ومصافي النفط والبنوك ‪ ،‬التي يمكن للدولة شراؤها ‪ ،‬أرادت الحكومة‬

‫صا لديه اتصاالت جيدة في الشرق األوسط وفي الخارج‬


‫الليبية ‪ ،‬أو القذافي على وجه الدقة ‪ ،‬شخ ً‬

‫‪ ،‬بشكل حاسم ‪ ،‬ألنني كنت أحمل جواز سفر أردنيًا ‪ ،‬كان من المتوقع ‪ ،‬بشكل صحيح تما ًما كما‬

‫اتضح فيما بعد ‪ ،‬أنه يمكنني الوصول بشكل أفضل وفتح األبواب التي كانت ستظل مغلقة بإحكام‬
‫في وجه ليبيا ‪ ،‬في ذلك الوقت كانت ليبيا عازمة على محاولة استعادة سمعتها وبناء الجسور بعد‬

‫عقود من االنكفاء إلى الداخل‪.‬‬

‫كانت إحدى تداعيات الغارات األمريكية على ليبيا في عام ‪ 5026‬هي العقوبات التي منعت‬

‫المنظمات األمريكية من التعامل مع النظام ‪ ،‬لم يكن القذافي يريد أن يبقى معزوال عن بقية العالم‬

‫صا في‬
‫‪ ،‬لذلك بحث في مكان آخر ‪ ،‬كانت إحدى أولوياته هي أوروبا ‪ ،‬حيث كان يمتلك حص ً‬

‫ض ا ينشئ محفظة عقارية في لندن تبلغ قيمتها ماليين الجنيهات اإلسترلينية ‪ ،‬كانت‬
‫البنوك وكان أي ً‬

‫المملكة المتحدة قد قطعت العالقات الدبلوماسية مع ليبيا في عام ‪ ، 5024‬بعد أن أُطلقت رصاصة‬

‫من داخل السفارة الليبية في لندن أسفرت عن مقتل الشرطية ‪ ،‬إيفون فليتشر ‪ ،‬الرصاصة كانت‬

‫تستهدف المتظاهرين المعارضين للقذافي ‪ ،‬على الرغم من التوتر بين البلدين ‪ ،‬استمرت األموال‬

‫الليبية في التدفق بشكل قانوني إلى بريطانيا بسبب عدم وجود عقوبات ‪ ،‬في إحدى المراحل ‪،‬‬

‫امتلكت ليبيا حصة في شركة فيات ‪ ،‬إلى أن أجبر رونالد ريغان شركة تصنيع السيارات اإليطالية‬

‫على كبح جماح الشراكة ‪ ،‬غالبًا ما كانت لعبة القط والفأر مع الواليات المتحدة ‪ ،‬والتي كما‬

‫كبيرا على البلدان التي تتعامل مع ليبيا ‪ ،‬بصفتي‬


‫ً‬ ‫أظهرت قضية فيات ‪ ،‬يمكن أن تمارس ضغ ً‬
‫طا‬

‫أردنية ‪ ،‬سيكون من األسهل بالنسبة لي أن أعمل تحت الرادار ‪ ،‬بينما ليبيا تنفق نقودها بتكتم ‪،‬هذا‬

‫الجانب من شخصية القذافي عادة ما يتم تجاهله ‪ ،‬لكنه كان رجالً داهية أدرك أنه من خالل شراء‬

‫الشركات األجنبية ‪ ،‬يمكنه توليد المزيد من الثروة لليبيا ‪ ،‬في وقت لقائي األول مع الحويج ‪ ،‬في‬

‫ضا‬
‫عام ‪ ، 5022‬كانت البالد أكبر منتج للنفط في شمال إفريقيا ‪ ،‬المال قوة ‪ ،‬وكان القذافي يعلم أي ً‬

‫ضا في االحتفاظ بقبضته على السلطة في بالده ‪ ،‬كان المعروض على‬


‫أن كل دوالر سيساعده أي ً‬

‫الطاولة يتمثل في رسوم االستشارات السنوية و تبلغ ‪ 12222‬جنيه إسترليني ‪ ،‬والتي كانت تافهة‬

‫مقارنة باألموال التي كسبتها في شركة مجموعة الثالثة ‪ The Three Group.‬بالكاد كانت‬

‫ستغطي تكاليفي غير المباشرة ‪ ،‬لكن ما سمعته بعد ذلك صدمني حتى كاد أن يضرب فكي‬

‫بالطاولة ‪ ،‬فباإلضافة إلى الرسوم ‪ ،‬سأحصل على عمولة بنسبة ‪ 1‬في المائة على كل صفقة‬
‫أنجزها بنجاح ‪ ،‬في عقلي ‪ ،‬اجريت بسرعة حساباتي ‪ ،‬سأكون في صميم سياسة االستثمار‬

‫الخارجي ال ليبي ‪ ،‬وإذا تحقق جزء بسيط من الصفقات التي تحدث عنها الحويج ‪ ،‬فسيكون‬

‫بمقدوري كسب ثروة هائلة ‪ ،‬واألفضل من ذلك ‪ ،‬أنه بموجب شروط العرض المقترح ‪ ،‬يمكنني‬

‫ضا ال‬
‫مواصلة العمل لدى مجموعة الثالثة أو أي شركة أخرى أطلقها فيما بعد ‪ ،‬لقد كان عر ً‬

‫يمكنني رفضه ‪ ،‬وبغض النظر عن أي مخاوف بشأن ربط مصيري بليبيا ‪ ،‬صافحت الرئيس وتم‬

‫وضع العقد وتوقيعه في الحين ‪ ،‬وفي ذات المكان ‪ ،‬غادرت مبنى ‪ LAFICO‬وأنا أهنئ نفسي ‪،‬‬

‫ولم اكن قادرة بعد على استيعاب حظي الحسن‪.‬‬

‫مؤتمرا عاديًا إلى حد ما ‪ ،‬اآلن ‪ ،‬انا ذاهبة‬


‫ً‬ ‫قبل اسبوع كنت ذاهبة الى ما كان يمكن أن يكون‬

‫إلى المنزل بعد أن قابلت القذافي قابضة بورقة يمكني أن تجعل مني غنية ماليًا مدى الحياة‪.‬‬

‫دعد مع حنان عشراوي وزيرة الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية سابقا بحضور دمحم البخاري وزير مالية ليبي في اجتماع‬

‫صندوق النقد الدولي في نيويورك‪.‬‬

‫على المست وى الشخصي ‪ ،‬قد يعني ذلك قضاء المزيد من الوقت في ليبيا ‪ ،‬البلد الذي ال يزال‬

‫يثير اهتمامي ‪ ،‬والتعرف على المزيد من شعبه وإقامة روابط تجارية جديدة هناك ‪ ،‬بدت‬
‫االحتماالت ال حصر لها ‪ ،‬عندما عدت إلى المنزل إلى األردن والى عائلتي المطمئنة االن ‪ ،‬كنت‬

‫ال أزال في قمة النشوة ‪ ،‬ومصممة على اغتنام هذه الفرصة الرائعة بكلتا يدي ‪ ،‬وكنت على يقين‬

‫من أن والدي سيكون فخورا‪.‬‬

‫لو كنت أعرف حينها بالضبط ما كان يفكر فيه القذافي بالنسبة لي ‪ ،‬ربما لم أكن ألضع قلم‬

‫على ورقة ‪ ،‬وال وقعت ذلك العقد‪.‬‬


‫الفصل الخامس‬

‫خاشقجي‬

‫أصابت كلمات القذافي ‪ ،‬عندما التقيته في المرة التالية في قاعدته بطرابلس ‪ ،‬جسدي برعدة‬

‫انس كل ما أخبروك به عن الشركة الليبية‬


‫َ‬ ‫باردة ‪ ،‬بعد بضعة إجراءات مهذبة ‪ ،‬قال ‪" :‬‬

‫لالستثمارات األجنبية ‪ ، LAFICO‬ستعملي معي و تقدمين تقاريرك لي مباشرة ً " ‪ ،‬كان ذلك‬

‫بعد ثالثة أشهر من توقيعي على االتفاقية التي كنت آمل أن تسمح لي بإجراء صفقات الوساطة‬

‫بين ليبيا والشركات في جميع أنحاء العالم ‪ ،‬عند وصولي إلى طرابلس من أبوظبي ‪ ،‬حيث كنت‬

‫أعمل ‪ ،‬أُبلغت أن العقيد يريد مقابلتي وتم اصطحابي بسيارة ليموزين خاصة إلى مجمعه الشاسع‬

‫في باب العزيزية في الضواحي الجنوبية لطرابلس ‪ ،‬لقد رأيت المكان موصوفًا بأنه قصر ‪ ،‬لكن‬

‫هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة ‪ ،‬باب العزيزية ‪ ،‬الذي يعني البوابة الرائعة ‪ ،‬كان ثكنة عسكرية‬

‫مبجلة تستخدم كمقر للقذافي في العاصمة ‪ ،‬خلف جدارين من الخرسانة السميكة كانت مكاتبه‬

‫وفيال ذات مظهر عادي من طابقين حيث كان يعيش في الطابق األول ‪ ،‬كان الطابق السفلي عبارة‬

‫عن غرفة جلوس حيث كان يعقد اجتماعات ليلية أحيانًا ‪ ،‬كما كانت هناك خيمة بدوية بسيطة ذات‬

‫ألوان زاهية حيث كان يحب استقبال الزوار األجانب ‪ ،‬سمعت أنه كانت هناك حديقة حيوانات‬

‫وأرض معارض في باب العزيزية ذات مرة ‪ ،‬لكن عندما زرت المجمع ألول مرة في عام ‪5022‬‬

‫‪ ،‬كان ال يزال يحمل ندوبًا من غارة القصف األمريكية عام ‪ ، 5026‬وكانت بعض المباني‬

‫مهجورة ‪ ،‬كانت أي مقارنات مع مزرعة نيفرالند ذات طراز المنتزه الترفيهي لمايكل جاكسون ‪،‬‬

‫والتي اشتراها المغني عام ‪ ، 5022‬ستكون بعيدة جدًا عن الواقع ‪ ،‬يتجول الكولونيل حول المجمع‬

‫في عربة جولف ‪ ،‬وكان المجمع في الواقع أشبه بقرية صغيرة ‪ ،‬حيث تنتشر أشجار النخيل حول‬

‫المساحات الخضراء الواسعة وتناثرت فيالت أخرى ‪ ،‬قيل لي إن باب العزيزية ‪ ،‬الذي كان‬

‫محميًا بشدة ‪ ،‬يغطي أكثر من ميلين مربعين ‪ ،‬على مدى السنوات القليلة التالية ‪ ،‬أصبحت منتظمة‬

‫على زيارته ‪ ،‬حيث اقفز على متن طائرة من أي مكان كنت فيه في العالم لحظة يستدعيني‬
‫القذافي ‪ ،‬كان روتيني يتلخص في االتصال بأحمد رمضان ‪ ،‬مدير المعلومات ‪ ،‬وسيقوم بترتيب‬

‫تصريح أمني ‪.‬‬

‫دعد و شقيقتها الكبرى لندا و والدها في حضرة الملك حسين عاهل االردن‪.‬‬

‫في تلك الرحلة األولى ‪ ،‬حاولت فقط استيعاب كل شيء ‪ ،‬استقبلني العقيد في مبنى مكتبه‬

‫الحديث ‪ ،‬المجاور لمقره الخاص ‪ ،‬لقد فوجئت بمدى تواضع المجمع ‪ ،‬لكنني أدركت الحقًا أن‬

‫هذا كان نموذ ًجا لنهج القذافي ‪ ،‬لقد تجنب معظم كماليات الحياة ‪ ،‬ولم يكن يرتدي حتى ساعة يد ‪،‬‬
‫لقد اتخذت االحتياطات الالزمة بارتداء بدلة بنطلون مناسبة ‪ ،‬لكنني شعرت باالرتياح ألنه اختار‬

‫هذه المرة استخدام الكراسي التقليدية في حديثنا‪.‬‬

‫بدأ قائال ‪ " ،‬لقد وقعتي العقد ‪ ،‬هذا جيد " ‪ ،‬وقدم لي التمر والقهوة مع حليب اإلبل قبل أن‬

‫يحدد بدقة ما يريد ‪ ،‬ستعملي من أجلي تحت مظلة ‪ ، LAFICO‬من صميم وظيفتك أن تعطيني‬
‫‪5‬‬
‫خبيرا في األعمال أو‬
‫ً‬ ‫) ‪ ،‬ألنني لست‬ ‫آراء اخرى حول االستثمارات األجنبية في ليبيا (‬

‫االقتصاد ‪ ،‬لكنني ال أريد مشاركة هذه المعلومات مع ‪ ، LAFICO.‬ال تقلقي بشأن ‪LAFICO‬‬

‫‪ ،‬ثم كتب رقم هاتف مكتبه الخاص ‪ ،‬بينما كنت أحاول فهم نواياه‪.‬‬

‫طوال سنوات عملي في ليبيا ‪ ،‬لم أحصل على لقب رسمي مطلقًا ‪ ،‬وهو أمر غير معتاد في‬

‫النظام ‪ ،‬كثيرا ما وصفت بأنني " المستشارة الخاصة " للقذافي ‪ ،‬لذلك دعونا نقبل بهذا ‪ ،‬تسببت‬

‫مهمتي الدقيقة في كل أنواع التكهنات ‪ ،‬سواء في ليبيا أو في الخارج ‪ ،‬لم يسعني إال االبتسام‬

‫عندما وصفتني ‪ ،‬بعد سنوات ‪ ،‬إحدى الصحف األمريكية في مقال يسعى الكتشاف ما عرف بـ "‬

‫عا ما جاسوسة‬
‫نساء القذافي " ‪ ،‬بأنني " جوهرة تاج األردن " ‪ ،‬لقد خطر لي أنني سأكون نو ً‬

‫للعقيد ‪ ،‬الذي يريدني أن أكون عينيه وأذنيه ‪ ،‬بالتأكيد ‪ ،‬عدد من األشخاص في دائرته الداخلية‬

‫اعتبروني كذلك ‪ ،‬األمر الذي سيسبب لي حاال العديد من المشاكل ‪ ،‬سأكون عالقة في المنتصف ‪،‬‬

‫في النهاية ‪ ،‬اعتبار أعدائي اني الجاسوسة الشخصية للقذافي من شأنه أن يعرض حياتي للخطر ‪،‬‬

‫عل ى الفور في تلك الزيارة األولى ‪ ،‬كان من الواضح أن الزعيم لم يثق في معظم كبار‬

‫صا خارجيًا ‪ ،‬أن أعطيه وجهة نظر مستقلة حول‬


‫الشخصيات من حوله ‪ ،‬وأراد مني ‪ ،‬بصفتي شخ ً‬

‫كيفية استثمار ماليين الدوالرات من عائدات النفط الليبية ‪ ،‬أخبرني القذافي أن كل صفقة تزيد‬

‫قيمتها عن ‪ 52‬ماليين دوالر تتطلب موافقته الشخصية ‪ ،‬لكنه يريد المزيد من السيطرة ‪ ،‬ما زلت‬

‫أشعر بالتوتر وانا بالقرب منه ‪ ،‬غير قادرة ان اخرج من راسي أوصاف وسائل اإلعالم النمطية‬

‫‪ - 5‬اراء اخرى غير التي يقدمها له موظفو الدولة في المجال ( المترجم )‬


‫أخيرا في االسترخاء في‬
‫ً‬ ‫للديكتاتور ‪ ،‬لقد مر عام على األقل قبل أن أفهم شخصيته ‪ ،‬وبدأت‬

‫صحبته ‪ ،‬في البداية كنا نتصافح عند التحية ‪ ،‬ولكن بعد عدة اجتماعات بدأ يقبّلني على الخدين‬

‫بالطريقة العربية ‪ ،‬في تلك المرحلة المبكرة لم أشعر أنني قادرة على رفض أي شيء يقترحه ‪،‬‬

‫على الرغم من تحفظاتي ‪ ،‬لم أكن واثقة من أنني أمتلك الخبرة أو المهارات ألرقى إلى مستوى‬

‫توقعاته ‪ ،‬كنت أفكر في داخلي " كيف يمكنني القيام بكل هذا؟ " ‪ ،‬لكنني ببساطة أجبت ‪ " :‬سأبذل‬

‫قصارى جهدي " ‪ ،‬في ذلك االجتماع األول لم يشرح لي أن واجباتي ستتجاوز قريبًا مجرد‬

‫االقتصاد وانني في الواقع ‪ ،‬سأكون عالقة في سياسات ليبيا شديدة التعقيد والمتقلبة ‪ ،‬كانت تلك‬

‫خطوة ح كيمة من جانبه ‪ ،‬ألنني كنت أتساءل بالفعل عن مدى قدرتي للعب هكذا ادوار‪ ،‬ال بد أنه‬

‫شعر بنقص ثقتي وكان ال يرغب في قول كل شيء حتى ال يخيفني ‪ ،‬على مدى السنوات القليلة‬

‫ي لقاء خاص‬
‫المقبلة ‪ ،‬لن أتحدث فقط مع بعض أقوى رجال األعمال في العالم ‪ ،‬ولكن سيكون لد ّ‬

‫مع رئيس الواليات المتحدة ‪ ،‬وسأكشف الفساد في قلب حكومة القذافي ‪ ،‬وأواجه ما يسمى بـ "‬

‫كالب الدم " الليبية الذين جابوا العالم في الثمانينيات واغتالوا معارضي النظام‪.‬‬

‫نور ( ‪ 0‬سنوات) ابنة دعد في الطائرة مع االمير السعودي وليد بن طالل في زيارته األخيرة إلى ليبيا‬
‫أخذتني مهمتي األولى إلى لندن إلى مكتب تني روالند ‪ ،‬الرئيس التنفيذي لمجموعة‬

‫‪Lonrho‬العمالقة ‪ ،‬كان روالند قطبًا و صاحب شخصية رهيبة وامتدت أصابعه في العديد من‬

‫الصفقات الرابحة في الشرق األوسط ‪ ،‬في بريطانيا ‪ ،‬امتلك جريدة ابوزرفر لكنه فشل في محاولة‬

‫الحقة للسيطرة على متجر هارودز الشهير متعدد األقسام ‪ ،‬وصفه رئيس الوزراء البريطاني‬

‫السابق إدوارد هيث ذات مرة بأنه " الوجه غير المقبول للرأسمالية " ‪ ،‬اعتبر روالند نفسه صديقًا‬

‫شخصيًا للقذافي ‪ ،‬الذي كان يفكر في شراء حصة في مجموعة فنادق متروبول التابعة له ‪ ،‬على‬

‫الرغم من الكراهية تجاه ليبيا في بلده ‪ ،‬لم يكن روالند يتورع في التعامل مع القذافي ‪ ،‬أراد العقيد‬

‫أن يعرف مني ما إذا كان يمكن الوثوق بروالند وكيف سيتم الترحيب بصفقة تجارية ليبية في‬

‫بريطانيا ‪ ،‬كانت مارجريت تاتشر رئيسة للوزراء في ذلك الوقت ‪ ،‬ولم يغفر لها القذافي سماحها‬

‫باستخدام القواعد البريطانية من قبل قاذفات القنابل األمريكية في هجوم ‪ 5026‬على ليبيا ‪ ،‬في‬

‫المقابل ‪ ،‬كان مقتل الشرطية إيفون فليتشر ال يزال حيا في بريطانيا ‪ ،‬كان عدنان خاشقجي أحد‬

‫الوسطاء في صفقة متروبول المقترحة ‪ ،‬وكان رجل األعمال السعودي الثري هو الذي مهد‬

‫الطريق لزيارتي إلى روالند ‪ ،‬جلس كالنا في قاعة اجتماعات ضخمة وتحدثنا بشكل أساسي عن‬

‫السعر ‪ ،‬ثم تناولنا العشاء ‪ ،‬في البداية كانت التقييمات التي أجراها روالند والشركة الليبية‬

‫ضا عندما تصافحت‬


‫لالستثمارات األجنبية ( الفيكو) متباعدة بشكل كبير ‪ ،‬لكنني كنت هناك أي ً‬

‫األيادي في النهاية بين روالند والحويج رئيس الفيكو ‪ ،‬كان السعر النهائي الذي دفعته ليبيا ‪511‬‬

‫مليون جنيه إسترليني ( ‪ 320‬ماليين دوالر في ذلك الوقت ) ‪ ،‬ما يعني أنها كانت صفقة رابحة ‪،‬‬

‫مباشرا ‪ ،‬على عكس الكثير‬


‫ً‬ ‫كان روالند معروفًا بكونه عديم الرحمة تما ًما ‪ ،‬لكنني وجدته مفاو ً‬
‫ضا‬

‫من الرجال العرب الذين تعاملت معهم ‪ ،‬شعرت أنه عاملني على قدم المساواة ‪ ،‬لم يكن يهتم سوى‬

‫قليال بمارجريت تاتشر أو المؤسسة البريطانية ‪ ،‬وكنت أتساءل دائ ًما عما إذا كانت هناك لمسة من‬

‫النكاية واالغاضة في حماسه للقيام بأعمال تجارية مع القذافي ‪ ،‬تم إبرام صفقة الفندق بعد فترة‬

‫وجيزة من توجيه االتهام إلى ليبيا بتفجير طائرة بان آم ‪ 523‬فوق لوكربي ‪ ،‬لكن ذلك لم يمنع‬
‫روالند من وصف القذافي بأنه " صديقي " ‪ ،‬واإلعالن عن نيته القيام بأعمال تجارية في‬

‫المستقبل مع ليبيا ‪ ،‬عندما قدمت تقريري بعد بضعة أسابيع ‪ ،‬اعتبر القذافي الرحلة ناجحة – وكان‬

‫ذلك مصدر ارتياح ‪ ،‬شعرت أنني أثبتت نفسي في هذه المهمة األولى ‪ ،‬على الرغم من أنني لم‬

‫أحصل على سنت واحد في العمولة ألنني لم أبدأ الصفقة ‪ ،‬عقدت عدة لقاءات أخرى مع روالند ‪،‬‬

‫ضا بزوجته جوزي ‪ ،‬وبقينا على اتصال حتى وفاته بعد عشر سنوات ‪ ،‬عن عمر يناهز‬
‫والتقيت أي ً‬

‫‪ 22‬عا ًما ‪ ،‬في كل زيارة لليبيا خالل هذه الفترة ‪ ،‬كانت صديقتي نعيمة تقيم معي في الفندق الكبير‬

‫في طرابلس ‪ ،‬بناء على تعليمات القذافي تم وضعي في غرفة مزدوجة ‪ ،‬وكانت هى تنام في‬

‫السرير الثاني ‪ ،‬عندما سألت نعيمة عن هذا ‪ ،‬أوضحت لي أن ذلك كان لحمايتي من المعاكسات‬

‫غير المرغوب فيها من الرجال المحليين ‪ ،‬قالت‪ " :‬أنت شابة بمفردك في بلد غريب وترتدي‬

‫مالبس جميلة ‪ ،‬يجب أن تكوني حذرة " ‪.‬‬

‫لقد صدمني هذا لغرابته ‪ ،‬ألنني لم أشعر أبدًا بالتهديد بهذه الطريقة في ليبيا ‪ ،‬إذا نظرنا‬

‫إلى الوراء ‪ ،‬فأنا متأكدة اآلن من أن القذافي كان أكثر قلقًا بشأن الخطر الذي يشكله عل َّ‬
‫ي أعضاء‬

‫دائرته الداخلية ‪ ،‬الذين لم يرحبوا بوصولي إلى مكان الحدث ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬بحلول ذلك الوقت ‪،‬‬

‫كنت أتعلم أال أطرح الكثير من األسئلة ‪ ،‬لذا قبلت رفيقتي الجديدة في السكن ‪ ،‬على أي حال ‪ ،‬في‬

‫تلك المرحلة ‪ ،‬شعرت بالفعل كأن نعيمة صديقة العمر ‪ ،‬على الرغم من وجود فجوة عمرية تبلغ‬

‫ثماني سنوات ‪ ،‬إال أننا انسجمنا وكان من الجيد االستئناس برفقتها ‪ ،‬فلم يكن هناك الكثير للقيام به‬

‫في ليبيا ‪ ،‬حيث لم تكن هناك دور سينما أو مسارح في أواخر الثمانينيات ‪.‬‬

‫سمحت لي ترتيباتي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ‪ LAFICO‬بمواصلة العمل‬

‫على صفقات العمل التجاري الخاصة بي ‪ ،‬وفي عام ‪ 5020‬قمت بنقل قاعدة اعمالي إلى لندن ‪،‬‬

‫حيث استأجرت شقة في مايفير ‪ ،‬لقد أقمت عالقة عمل جيدة مع رئيس مجلس اإلدارة دمحم الحويج‬

‫الذي كان مجتهدًا وصادقًا ‪ ،‬قسمت وقتي بين لندن وعمان وطرابلس وشعرت أحيانًا أن قدماي‬

‫بالكاد تالمسان األرض ‪ ،‬بعد ذلك أرسلني القذافي إلى نيويورك ‪ ،‬كان الهدف هو مقابلة حليفه‬
‫عدنان خاشقجي ‪ ،‬الذي كان وقتها قيد التحقيق من قبل السلطات األمريكية ‪ُ ،‬‬
‫وزعم أنه ساعد‬

‫الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا في نهب ماليين الدوالرات عندما فرا من‬

‫البالد في عام ‪ُ ، 5026‬‬


‫وزعم أن األموال المنهوبة تم استثمارها في عقارات مانهاتن ‪ ،‬في وقت‬

‫زيارتي عام ‪. 5020‬‬

‫دعد مع زوجها السابق عبدالحكيم التميمي و كال من عدنان خاشقجي و زوجته الشهيرة االيرانية شاهباري‪ .‬خاشقجي كان أغنى رجل‬

‫في العالم ذلك الوقت ‪.‬‬

‫كان خاشقجي ‪ ،‬الذي غالبًا ما يوصف بأنه أغنى رجل في العالم ومعروف بصفقات األسلحة‬

‫عا من‬
‫‪ ،‬قد تم ترحيله من سويسرا ‪ ،‬و ُمنع من مغادرة الواليات المتحدة ‪ ،‬أعتقد أنه كان يرتدي نو ً‬

‫سوار أو عالمة في الكاحل تسمح بتعقب تحركاته أثناء انتظاره المحاكمة على الرغم من أنني لم‬

‫أرى ذلك مطلقًا ‪ ،‬سيتم تبرئة خاشقجي من جميع التهم في العام التالي ‪ ،‬زرت نيويورك في عام‬

‫‪ 5020‬الن القذافي كان قلقًا بشأن مصير أحد كبار مساعديه ‪ ،‬أراد مني العقيد أن أعرف ما‬

‫يجري وأن يعرض مساعدته ‪ ،‬خالل مسيرتي المهنية ‪ ،‬كنت أختلط مع الكثير من الرجال‬
‫األثرياء ‪ ،‬لكن لقاء خاشقجي ‪ ،‬اذا استعرنا مصطلحات لعبة البيسبول ‪ ،‬يشبه الصعود من دوري‬

‫ثانوي إلى دوري كبير ‪ ،‬في ذروة نجاحه ‪ ،‬قيل إن ثروته بلغت ‪ 4‬مليارات دوالر ‪ ،‬معظمها من‬

‫العمولة على صفقاته ‪ ،‬لم يخلق أي شيء أبدًا ‪ ،‬لقد كان دائ ًما الرجل الوسيط كما هو الحال في‬

‫صفقة فنادق الميربول مع ليبيا‪.‬‬

‫لقد زرت الواليات المتحدة من قبل ثالث مرات ‪ ،‬أوالً عندما كان عمري ‪ 51‬عا ًما لرؤية‬

‫أختي ليندا في ميامي بعد زواجها ‪ ،‬ثم مرتين في إجازة ‪ ،‬هذه المرة وصلتها في وضع مترف ‪،‬‬

‫فقد طرت على متن طائرة كونكورد من لندن لتوفير الوقت ‪ ،‬لقد فوجئت بمدى صغر حجم‬

‫الطائرة األسرع من الصوت وضيقها ‪ ،‬على الرغم من سعر التذكرة البالغ ‪ 1222‬دوالر ‪ ،‬كانت‬

‫ضا صاخبة جدًا ‪ ،‬في كل هذه الرحالت لصالح القذافي ‪ ،‬كنت أخذ حقيبتين كبيرتين ‪ ،‬على‬
‫أي ً‬

‫الرغم من أنني قد أقيم لفترة قصيرة فقط ‪ ،‬لذلك كانت لدي مالبس مناسبة لكل موقف ممكن ‪،‬‬

‫كانت مالبسي من تصميم إيطاليين ‪ ،‬و دائ ًما بألوان داكنة ‪ ،‬ودائ ًما ما تكون على نمط محافظ ‪ ،‬لم‬

‫تكن فتحة الصدر مكشوفة أبدًا ‪ ،‬رأيت هذا التكتيك الذي تستخدمه بعض سيدات األعمال ‪،‬‬

‫لمحاولة الحصول على ميزة ‪ ،‬لكن رأيي أن استخدام جسمي بهذه الطريقة أمر رخيص للغاية ‪،‬‬

‫تنقالتي بالليموزين من المطار لم يعد جديد االن ‪ ،‬لكن اخدي بسيارة مجهزة بحوض جيكوزي‬

‫فوار لم اجربه مطلقا قبل تلك اللحظة ‪.‬‬

‫في الطريق من مطار جون كنيدي إلى مانهاتن ‪ ،‬تلقيت مكالمة من خاشقجي تدعوني‬

‫لالستفادة من احدى سيارته المعدلة بشكل فاخر ‪ ،‬كانت نوافذها معتمة وبها شاشة تفصلني عن‬

‫السائق ‪ ،‬لكني رفضت هذا العرض الكريم ألخد غطسة في الجيكوزي ‪.‬‬

‫عاش خاشقجي في شقة فخمة بالطابق االعلى في مبنى بالقرب من سنترال بارك بنيويورك ‪،‬‬

‫يقال إنه تم إنشاؤه بشراء ستة عشر شقة ثم هدمها جميعا ‪ ،‬لقد بنى فيها حوض سباحة و تبدو‬

‫مناظر المدينة من الطابق االول إلى نوافذ السقف تخطف األنفاس ‪.‬‬
‫الصور‪ :‬االعلي ‪ :‬دعد مع موظفي شركتها في االردن‪ ..‬االسفل ‪ :‬معمر القذافي يشرب القهوة من رجل في الشارع أثناء زيارته لألردن‪.‬‬
‫تحدثنا بالعربية عن الصعوبات التي يواجهها مع السلطات األمريكية ‪ ،‬ثم قام خاشقجي‬

‫بتسجيل رسالة صوتية قصيرة للقذافي موضحا تفاصيل الدعوى القضائية المعلقة ‪ ،‬وذكر أنه‬

‫سيأتي إلى ليبيا إذا ما استطاع لذلك سبيال ‪ ،‬في صباح اليوم التالي ذهبنا في نزهة واستطعنا بالكاد‬

‫نتحرك بسبب األمريكيين الراغبين في التقاط الصور مع الملياردير‪.‬‬

‫كثيرا عندما قدمني إلى‬


‫ضا زوجته اإليطالية ‪ ،‬لورا ‪ ،‬وابنهما الصغير ‪ ،‬ولكن لم انتبه ً‬
‫قابلت أي ً‬

‫شابة إيرانية جذابة بشكل الفت كانت تقوم ببعض أعمال التصميم الداخلي ‪ ،‬بعد عامين تعرفت‬

‫على صورتها في الجريدة عندما تم الكشف على أنها زوجة خاشقجي الثالثة ‪ ،‬واسمها شاهباري ‪،‬‬

‫ضا ‪ ،‬في صباح اليوم المقرر فيه أن‬


‫مكثت في شقة جميلة بخدماتها في طابق اسفل كان يملكها أي ً‬

‫اغادر نيويورك وجدت صندوق مجوهرات صغير على سريري ‪ ،‬كان بداخله هدية وداع عقد‬

‫من ذهب مرصع بالياقوت و قالدة ‪ ،‬ومذكرة تحمل توقيعه هو وزوجته ‪ ،‬ربما كانت قيمة الهدية‬

‫تساوي ‪ 02222‬دوالر ‪ ،‬ولكن بالنسبة له كانت مجرد حلية رخيصة‪.‬‬

‫كانت هدية خاشقجي للقذافي رداء كشميري من جلد اإلبل تم تطريزه مع اسمه ‪ ،‬تم اختياره‬

‫من بيجان ‪ ،‬و هو محل تجاري في الجادة الخامسة مفضل لدى رؤساء الواليات المتحدة ‪،‬‬

‫ويوصف بأنه " أغلى متجر في العالم "‪ ،‬كان ثمن الرداء ‪ 33222‬دوالر‪.‬‬

‫لقد تعاملت بشكل جيد مع خاشقجي ‪ ،‬وقابلته مرات عديدة فيما بعد ‪ ،‬وسيكون في وقت الحق‬

‫ضيفًا في كل من حفلتي خطوبتي وزفافي في االردن ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬شعرت دائما أن كل ما كان‬

‫يهتم به حقًا هو الجري وراء المال ‪.‬‬

‫بدا العقيد سعيدًا جدًا بكليهما ؛ الرداء و شريط التسجيل ‪ ،‬إذن المهمة رقم اثنين تم إنجازها ‪،‬‬

‫حتى و لو كان عملي كوسيط مبجل بين شخصيتين ‪ ،‬امرا لم اكن أتوقعه عندما وقعت على العقد‬

‫مع‪. LAFICO.‬‬

‫حصل تطور آخر حيث دشنت شركتي الجديدة ‪ ،‬وأطلقت عليها اسم ‪ ، Prime Oil‬في‬

‫‪ 5002‬للتعامل مع بيع النفط الخام الليبي إلى دول البحر األبيض المتوسط ‪ ،‬تم كل شيء بمباركة‬
‫القذافي الذي كان سعيدا الرباحي طالما أنني انفذ ما يطلبه مني في المهمات األخرى ‪ ،‬كنت ارسل‬

‫حوالي اربع شحنات من النفط شهريا وهى تمثل تقريبا ‪ ٪51‬من إجمالي الصادرات الليبية ‪ ،‬لقد‬

‫كانت اوقات في غاية الروعة والحياة هانئة ‪ ،‬لكن هذا كان في طريقه للتغيير‪.‬‬

‫دعد مع فريق محاميها في قضيتها المرفوعة ضد الوليد بن طالل بخصوص الطائرة المباعة إلى ليبيا و كانت هى وسيط الصفقة‬
‫الفصل السادس‬

‫كالب الحرب‬

‫اختصارات و اقتباسات‬

‫– في ابريل ‪ 5022‬أعلنت اللجان الثورية أن المعارضين في الخارج مصيرهم التصفية‬

‫الجسدية ووصفتهم بالكالب الضالة ‪.‬‬

‫– انطلقت على أثر هذا االعالن موجة عنف نتج عنها خمسة وثالثين حالة قتل في اوربا ‪.‬‬

‫– فشلت بعض محاوالت القتل لكن سببت اضرار كحالة طفلين لرجل أعمال ليبي كان تحت‬

‫العالج في بريطانيا ‪ ،‬تم اطعامهما بكاكاوية مسممة مما أدى الى إصابتهما بشلل مؤقت‪.‬‬

‫– كانت هناك محاكمات للمتهمين نتج عنها احكام بعضها و صل الى السجن المؤبد ‪.‬‬

‫– في احدى لقاءاتي الروتينية بالقذافي طلب مني الذهاب الى مكتب احمد رمضان الذي وجدته‬

‫في انتظاري ‪ ،‬وبين يديه ملف كبير ‪ ،‬شرح لي رمضان أن موظفي المخابرات الليبية يقولون إن‬

‫بريطانيا ال تسمح بزيارة السجناء ‪ ،‬وان المطلوب مني بطريقة ما تفادي هذا الحاجز ‪ ،‬وزيارتهم‬

‫و إحضار تقرير عن ظروفهم وحالتهم العقلية ‪.‬‬

‫– أمام هذا الورطة الثقيلة استنجدت بنعيمة ‪ ،‬فاقترحت حل ‪ ،‬إن اذهب كممثلة لالتحاد النسائي‬

‫عن امهات السجناء ‪ ،‬وفعال التقيت باالمهات وغادرت إلى لندن ‪.‬‬

‫‪ -‬اتصلت بمحامي في لندن ‪ ،‬عمل لي طلب باسمي الى وزارة الداخلية ‪ ،‬وتم منحي االذن‬

‫بزيارة هؤالء الرجال ‪ .‬قال لي المحامي ال احد من ليبيا خاطب الداخلية بالخصوص قبل االن ‪،‬‬

‫يبدو أن للقذافي سبب وجية لعدم الثقة بمن يعملون معه‪.‬‬

‫‪ -‬اغلب هؤالء الرجال فرحوا برؤيتي ‪ ،‬ووضعوا في يدي صور ورسائل الى اهلهم مع رسائل‬

‫و أشرطة تسجيل للقذافي قالوا فيها أنهم شعروا بأن ليبيا تخلت عنهم ‪.‬‬

‫– سألتهم بشكل شخصي هل أمركم القذافي بتنفيذ التصفيات ‪ ،‬كلهم قالوا ابدا لم نلتقيه ‪ ،‬كانت‬

‫االوامر تصدر من المكتب الثوري ‪.‬‬


‫وصلت ليبيا وقابلت القذافي وسلمته الرسائل و التسجيالت فقال مندهشا " ماذا ؟ تمكنت من‬

‫رؤية هؤالء الرجال؟ "‪ .‬اجبت نعم وهذه صورهم ‪.‬‬

‫‪ -‬في الدقيقة التال ية بدأ القذافي يصرخ على الهاتف في وجه رجل بائس طالبا أن يعرف كيف‬

‫كانوا يكذبون عليه ‪ ،‬هذة اول مرة أرى القذافي يفقد أعصابه ‪ ،‬تبين أن ماليين من الدوالرات‬

‫سجن على ذمة‬


‫المخصصة لتكاليف التقاضي والرعاية قد اختفت على مقربة من انف القائد ‪ُ ،‬‬

‫القضية بعض المسؤولين وال أدري إن ر ُجعت األموال ام ال‪.‬‬

‫– فساد مثل هذا كان منتشر في ليبيا ‪ ،‬ولكن اكتشفت ايضا أن األشخاص حول القذافي تحولوا‬

‫إلى عاجزين بسبب الخوف من الفشل ‪ ،‬كانوا مستعدين لغرس رؤوسهم في الرمال على ان‬

‫يعترفوا بأن العمل اكبر من قدراتهم ‪ ،‬أو يكذبون بأن كل شئ يسير على ما يرام ‪ ،‬في بعض‬

‫األحيان من الصعب أن تقرر ماذا كان األمر يتعلق بالفساد ‪ ،‬أو عدم الكفاءة ‪ ،‬في قضية السجناء‬

‫صعقني ان االمر كان مزيج من االثنين‪. .‬‬

‫– بالطبع هناك بعض االشخاص الجيدين ‪ ،‬لكن غالبا وفيما يبدو أن التفاحة الفاسدة لها تأثير‬

‫اكبر ‪.‬‬

‫– بالرغم من غضب القذافي إال أنه مرة أخرى كان ممتنا لعملي ‪ ،‬و على قمة نجاحاتي مع‬

‫اني روالند وعدنان خاشقجي كنت مقتنعة أنني اكتسبت ثقته الكاملة ‪.‬‬

‫‪ -‬كانت الحيل القذرة ضدي ال تنتهي ‪ ،‬أعطي مثاال آخر فقط ‪ ،‬رجل يدعى عبد السالم‬

‫الزادمة ‪ ،‬كانت له رتبة رفيعة في مكتب المخابرات ‪ ،‬وعد بأن تكون حياتي أسهل إذا أصبحت‬

‫عشيقته ‪ ،‬و بذلك كان يعني ضمنا أن حياتي ستكون أكثر صعوبة إذا رفضت ‪ ،‬لم يكن سعيدًا‪،‬‬

‫عندما تجاهلت هذا التقرب األخرق ‪ ،‬ولم يكن علي االنتظار طويال قبل أن يقوم الزادمة ‪،‬‬

‫المعروف باعماله القذرة لصالح النظام ‪ ،‬بأخذ الثأر من ازدرائي له ‪ ..‬ذات يوم تم انتزاع جواز‬

‫سفري مني في مطار طرابلس بينما كنت أحاول السفر بالطائرة الى وطني األردن ‪ ،‬لم يكن لدي‬

‫خيار سوى العودة إلى فندقي ‪ ،‬أبلغت مكتب المخابرات بالحادثة ‪ ،‬وفقًا لإلجراءات المتبعة ‪ ،‬لكن‬
‫مضى الوقت ولم يكن هناك اثر لجواز السفر ‪ ،‬لم تكن تلك مشكلة كبيرة حيث يمكنني العمل‬

‫ببساطة من غرفتي ‪ ،‬لكنني طلبت في النهاية تدخل القذافي ‪ ،‬تم األمر بالتحقيق ‪ ،‬وأُبلغت أن‬

‫الفاعل هو عبدالسالم الزادمة ‪ ،‬بعد ذلك اُخبرت إنه سيحاكم في المحكمة بتهمة السرقة‪.‬‬

‫بدا لي ذلك غير متناسب تما ًما مع حادثة كنت قد استهجنتها على أساس انها عمل تافه‬

‫الغاظتي والنكاية بي ‪ ،‬واقل شأنا من عديد المحاوالت لتقويض موقعي في ليبيا ‪ ،‬تم تداول‬

‫القضية على نطاق واسع في ليبيا ألن مجموعة من كبار الشخصيات ‪ ،‬بما في ذلك عبد السالم‬

‫جلود وهو رئيس وزراء سابق تم جرهم إلى المحكمة لتقديم األدلة ‪ ،‬جلود الذي أصبح حليفا لي‬

‫كان شخصية مثيرة لالهتمام ‪ ،‬كان أحد زمالء القذافي في المدرسة وجزء من ثورة ‪ 5060‬ضد‬

‫الملك إدريس‪ .‬لمدة عشرين عاما ‪ ،‬كان المالزم األكثر ثقة للرئيس ‪ ،‬على الرغم من وجود‬

‫الخالف حول اتجاه العالقات مع مصر وتضاءل نفوذه ‪ ،‬لكنه بقي شخصية مهمة في ليبيا ‪ ،‬تحدث‬

‫جلود ضد الزادمة في المحكمة ‪ ،‬والنتيجة أنه أدين ‪ ،‬وخفضت رتبته العسكرية ‪ ،‬كانت تلك واحدة‬

‫من تلك األوقات التي شعرت فيها بالتأكد من أنني أعرف فقط نصف ما كان يحدث بالفعل وراء‬

‫الكواليس في النظام ‪ ،‬الزادمة لم يكن يعاقب لمجرد سرقة جواز سفري ‪ ،‬لقد كان شخصية قوية‬

‫ولكن انتهى به األمر إلى اإلذالل عالنية ‪ ،‬ربما كان العقيد متعب من جميع محاوالت طعني‬

‫ضا ان يرسل رسالة بأن اُترك لوحدي النطلق في عملي ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فالرجل‬
‫بالظهر ‪ ،‬أراد أي ً‬

‫الذي اعاد لي في النهاية جواز سفري ‪ ،‬كان عبد هللا السنوسي ‪ ،‬لكنه جاء أيضا معه بتحذير‪.‬‬

‫قال لي ‪ " :‬أنت غير مرحب بك هنا " ‪.‬‬

‫استجمعت شجاعتي و أجبته " إذا كان األمر كذلك ‪ ،‬فأنا احتاج أن اسمعه من معمر القذافي‬

‫وليس منك انت”‬


‫عبدالسالم الزادمة‬

‫ال اريد أن اعطي االنطباع أن حياتي كلها في ليبيا اصطبغت بالخوف ‪ ،‬هناك ما يمكن التمتع‬

‫به هناك ‪.‬‬

‫تعرفت عن طريق نعيمة على حارسات معمر والراهبات الثوريات ‪ ،‬إحداهن كانت في‬

‫طريقها للزواج ‪.‬‬

‫حضرت العرس في خيمة كبيرة بإحدى احياء طرابلس ‪ ،‬في ذروة الحفل نزل معمر القذافي‬

‫من سيارة بيجو ‪ 121‬صالون ال يرافقه اال السائق ‪ ،‬هرب من حراسه لينفذ وعده للفتاة بحضور‬

‫عرسها ‪ ،‬وأن يستمتع ببضع دقائق على طبيعته ‪ ،‬بعد حوالي ‪ 51‬دقيقة وصل الحراس اليه‬

‫وحوصرت كل المنطقة بالجنود ‪ ،‬بقى القذافي نصف ساعة في الخيمة مستمعا لالهازيج التى‬

‫تتغنى باسمه ‪ ،‬ثم اُخد إلى منزل ليلتقط الصورة مع العريسين اللذين لم يباليا أن ال يكونا هما بؤرة‬

‫االهتمام ‪.‬‬
‫محاصرا من الناس العاديين ‪ ،‬فشكل حراسه طوق‬
‫ً‬ ‫بحلول الوقت الذي غادر فيه القذافي كان‬

‫من حوله حتى يتمكن من الوصول إلى سيارته ‪ ،‬فجأة أمسك بذراعي ودفعني بجانبه ‪ ،‬قال‬

‫ضاحكا " احمني من جهة اليسار" ‪ " ،‬إنها غير خاضعة للحراسة بشكل صحيح ” ‪.‬‬

‫عندما وصل القذافي الى السيارة نظر إلي وسألني ‪ " :‬هل لديك بندقية؟ " ‪ ،‬لم أحمل واحدة في‬

‫حياتي ابدا ‪ ،‬لذلك أجبته‪ " :‬ال " ‪ .‬ضحك مرة أخرى وقال ‪ " :‬اذن لم أكن محميا على ما يرام؟" ‪.‬‬

‫دعد مع الراحل عبدالباسط المقرحي( سجين لوكربي ) في سجنه باسكوتالندا‬


‫الفصل السابع‬

‫زواج غريب‬

‫ذات يوم اُستدعيت الى مكتب العقيد المألوف عندي اآلن داخل مجمع باب العزيزية ‪" ،‬أنت‬

‫تعرفي عن النفط ‪ ،‬أليس كذلك؟ ” سأل القذافي بتكلف وسلمني ملف أخر ‪ ،‬يتعلق األمر بشركة‬

‫سويسرية كانت تتداول بالنفط الليبي ‪ ،‬إلى حد كبير بنفس الطريقة التي اتعامل بها نفسي مع أغلى‬

‫مورد طبيعي للبلد من خالل عملي الخاص في شركة ‪ ، Prime Oil.‬في هذا الوقت ‪ ،‬يتم بيع‬

‫حوالي ‪ 42‬في المائة من إنتاج ليبيا من خالل سماسرة مثلي ‪ ،‬بينما يذهب الباقي مباشرة إلى‬

‫المصافي ‪ ،‬في عام ‪ ، 5002‬كانت ليبيا تنتج ‪ 5.4‬مليون برميل نفط في اليوم والدخل من المبيعات‬

‫كان يمول البالد ‪ ،‬بلغت عائدات النفط لليبيا نحو ‪ 02‬مليار دوالر سنويا ‪ ،‬وكانت احتياطياتها هي‬

‫األكبر في القارة ‪ ،‬بدون الموارد الطبيعية كانت ليبيا ستظل دولة صحراوية فقيرة ‪.‬‬

‫على الرغم من عدم اهتمامه باألمور اليومية لالقتصاد ‪ ،‬لم يكن القذافي أحمق ‪ ،‬كان قد أمم‬

‫صناعة البترول الليبية في عام ‪ ، 5014‬وطرد جميع الشركات الغربية ‪ ،‬من الناحية النظرية ‪،‬‬

‫كان لديه سيطرة كاملة على النفط ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬عندما يتعلق األمر بالمبيعات الخارجية ‪ ،‬يبدو أنه‬

‫يفتقد ملكة التركيز‪.‬‬

‫كان المقصود شركة سويسرية مملوكة لجزائري ومسؤولة عن صفقات نفطية بماليين‬

‫الدوالرات ‪ ،‬نهشت الشكوك عقل القذافي ‪ ،‬قال لي ” أريدك أن تتحققي عن الشركة ومعرفة ما إذا‬

‫كان المال يعود إلى ليبيا أو يبقى في سويسرا " ‪.‬‬

‫لقد قيل له أن بعض العائدات التي كان ينبغي أن تتدفق عائدة إلى ليبيا ‪ ،‬إلى فرع من الجيش‬

‫يسمى ( الساعدي ) كانت في عداد المفقود ‪.‬‬

‫يبدو في الظاهر أنها قضية بسيطة إلى حد معقول تنجز بمتابعة مسار المال والتحقق ماذا كان‬

‫االحتيال يحدث بالفعل وبهذا الحجم ‪ ،‬كما يتصور العقيد حصوله‪.‬‬


‫كان يجب أن أعرف بشكل أفضل قبل القفز إلى استنتاج مفاده أن أي شيء في ليبيا القذافي‬

‫كان واض ًحا ‪ ،‬ستفتح تحقيقاتي علبة الديدان وتزيد من تعميق الخالف بيني وبين جهاز المخابرات‬

‫‪ ،‬كما سينتج عنها عرض زواج من رجل لم أقابله من قبل ولتكون واحدة من أكثر الحلقات غرابة‬

‫في حياتي ‪.‬‬

‫في البداية ‪ ،‬رتبت للقاء المالك الجزائري وشريكه الليبي في المكتب الرئيسي للشركة‬

‫السويسرية في جنيف ‪ ،‬اكتشفت أن (الساعدي) كان يديرها رجل يدعى سيد قذاف الدم ‪،‬‬

‫وتصادف أن يكون ابن عم القذافي ‪ ،‬بدأت أجراس اإلنذار ترن في رأسي بمجرد علمي بالعالقة‬

‫األسرية ‪ ،‬ولكن كل ما يمكنني فعله هو المضي قد ًما في تحقيقاتي ‪ ،‬اتضح أن قذاف الدم اُعطي‬

‫حصة نفطية بدالً من موازنة من الحكومة ‪ ،‬وكان من المفترض استخدام عائدات المبيعات لتمويل‬

‫هذا القسم من الجيش الليبي ‪.‬‬

‫وصل للقذافي أن ابن عمه كان يخطط لثورة ‪ ،‬وسحب كميات كبيرة من أموال النفط لتمويل‬

‫مؤامرته ‪ ،‬قد يبدو هذا بعيد االحتمال وغير قابل للتصديق ‪ ،‬لكن يمكنني أن أؤكد لكم ان القذافي‬

‫واجه في عهده الطويل محاوالت عديدة لإلطاحة به من الداخل ‪ ،‬فكانت لديه حاسة شم شديدة‬

‫الول نفحة من المتاعب ‪ ،‬ال يعني الوالء العائلي شيء للقذافي ‪ ،‬وال حتى مع أبناءه‪.‬‬

‫ُزعم أن قذاف الدم كان يحتفظ بالمال الستخدامه الخاص في حساب مصرفي بسويسرا ‪ ،‬لذلك‬

‫كانت المسألة تكمن في فحص جميع األوراق بدقة ‪.‬‬

‫تحليلي للحسابات في نهاية المطاف أظهر أن كل سنت من عائدات النفط ‪ ،‬التي تصل إلى‬

‫‪ 022‬مليون دوالر في الشهر ‪ ،‬كان يعود إلى ليبيا على النحو المستهدف ‪ ،‬لم يستغرق األمر فترة‬

‫طويلة إلثبات انه فيما يتعلق بالنفط على االقل فأن قذاف الدم كان رجالً أمينا ً‪.‬‬

‫أخذت هذا االكتشاف إلى القذافي وأبلغته أن كل شيء كان سليم قانونيا ‪ ،‬وأن الساعدي‬

‫استلمت كل المال المخصص لها ‪.‬‬


‫سأل العقيد‪ " :‬هل أنت متأكدة ؟ ‪ ،‬ألنني يمكن أن أقول لك اآلن أن خمسة رجال ‪ ،‬بما في ذلك‬

‫ابن عمي هم حاليا في السجن بتهمة االحتيال ‪ ،‬أنت تقولين لي انهم أبرياء؟”‬

‫لم أتفاجأ تما ًما من اكتشاف أن األمر كان يتعلق بقضية مذنب حتى تثبت براءته ‪ ،‬خمنت‬

‫أنك ال تقبض على زمام السلطة في بلد مثل ليبيا لعقود دون أن تشحد كل حواسك وتنام بنصف‬

‫عين مفتوحة ‪ ،‬كان لدي األوراق لدعم النتائج التي توصلت إليها ‪ ،‬وعندما أكدت له أنه يمكن‬

‫الوثوق بهم ‪ ،‬التقط جهاز الهاتف ‪ ،‬بعد محادثة قصيرة ‪ ،‬أعطى القذافي األمر‪ " :‬إطلقوا سراح‬

‫هؤالء الرجال ’‪.‬‬

‫ال أستطيع أن أتذكر أنني رأيت العقيد في أي وقت مضى مبتهجا إلى هذا الحد ‪ ،‬قفز من‬

‫كرسيه ‪ ،‬شبك يداه على وجهي وقبلني على اعلى جبهتي ‪ ،‬قال لي " لقد جعلتني سعيدا‪ ،‬لقد انقدتي‬

‫انسان عزيز على قلبي‪ .‬شكرا‪“.‬‬

‫في ‪ 0‬أغسطس ‪ ، 5002‬غزا صدام حسين الكويت المجاورة ‪ ،‬مما أدى إلى إطالق حرب‬

‫الخليج األولى ‪ ،‬ال أحد يعرف ماذا سينتج عنها أو كيف ستؤثر األعمال العدائية على الدول‬

‫االخرى في المنطقة بما في ذلك ليبيا ‪ ،‬على الرغم من حماس القذافي الواضح لالنضمام الى‬

‫حضيرة العالم ‪ ،‬إال ان ليبيا كانت الدولة العربية الوحيدة التي دعمت العراق في الغزو ‪ ،‬االمر‬

‫الذي لم يفيد القذافي في السعي نحو مكانته الدولية‪.‬‬

‫أخذت احتياطات السفر إلى لندن ‪ ،‬باحثة عن مالذ في شقتي من حيث اتابع األزمة العالمية‬

‫المتزايدة على شبكة سي إن إن ‪ ،‬لقد كان هذا شي جديد يختلف عن سنواتي األولى ‪ ،‬عندما نشأت‬

‫في فراغ إعالمي ‪ ،‬فصار االن بامكاني مواكبة التطورات المتالحقة بكل سرعة‪.‬‬

‫في إحدى األمسيات ‪ ،‬فيما أنا اشاهد التلفزيون ‪ ،‬اخد جرس الهاتف في الرنين ‪ ،‬كان على‬

‫الخط اآلخر عامل بدالة بلهجة ليبية قوية ‪ ،‬افترضت أن القذافي كان يحاول جري الى العودة ‪،‬‬

‫بقيت انتظر خمس عشرة دقيقة حتى تم ربط االتصال ‪ ،‬لم يكن صوت العقيد ‪ ،‬لكن صوت لم‬

‫أسمعه من قبل أبدًا‪.‬‬


‫"مرحبًا ! كيف حالك؟ " هكذا انطلق في حديث كان واض ًحا انه أُعد بعناية ‪ " ،‬انا سيد‬

‫قذاف الدم ‪ ،‬قرأت ملف كتيبة الساعدي الذي أعددته للرئيس ‪ ،‬وأنا أريد أن أشكرك ‪ ،‬وبمعزل عن‬

‫اسمي ال أملك شيء ألمنحك اياه ‪ ،‬و أنا ال أعرف ما إذا كنت شابة أم كبيرة ‪ ،‬قبيحة أم جميلة ‪،‬‬

‫لكنني مدينا لك ‪ ،‬أود أن أعرض عليك الزواج ‪ ،‬أنت أنقذت حياتي ‪ ،‬وهذا ما يمكنني فعله من‬

‫أجلك " ‪.‬‬

‫عا من ترتيب األعمال ‪ ،‬على‬


‫في الشرق األوسط ‪ ،‬كثيرا ما يُنظر إلى الزواج على أنه نو ً‬

‫عا ‪ ،‬إال أنه كثيرا ما يصر اولياء االمور على حقهم في تزويج‬
‫الرغم من أن ذلك أصبح أقل شيو ً‬

‫أبناءهم وبناتهم ألبناء عمومتهم ‪ ،‬في وطني ‪ ،‬األردن ‪ ،‬تقام حوالي واحدة من كل خمسة حفالت‬

‫زفاف بهذه الطريقة التقليدية ‪ ،‬يأتي الزواج أوالً ‪ ،‬ثم يتبع الحب إذا كنت محظوظة‪.‬‬

‫أكثر ندرة من ذلك ‪ ،‬لكن لم ينقرض بعد ‪ ،‬هو أن يكون الزواج كوسيلة لرد فضل او دفع دين‬

‫مستوجب ‪ ،‬أو بدافع الشرف ‪ ،‬هذا تقليد بدوي ‪ ،‬انهم يملكون عادات معقدة من الوالء واالنتقام‬

‫والكرم يصعب على الغربيين ادراكها‪.‬‬

‫كثيرا ما يقال أن هذا هو سبب زواج القذافي من زوجته الثانية ‪ ،‬صفية ‪ ،‬الممرضة السابقة ‪،‬‬

‫و كما قلت ‪ ،‬ال يبدو لي أن بينهما توافق في الشخصية ‪ ،‬لكن األسطورة تقول إنه بينما كان يتعالج‬

‫من التهاب الزائدة الدودية في المستشفى في عام ‪ ، 5012‬أحبطت هى محاولة تسميمه ‪ ،‬وإلظهار‬

‫امتنانه األبدي قدم لها هديته الكبرى ‪ ،‬الزواج ‪ ،‬ال أعرف ما إذا كان هذا صحي ًحا أم ال ‪ ،‬لكنه‬

‫يوضح كثيرا ً ما نحن بصدده‪.‬‬

‫ضا إنني كنت مصممة على الطريقة العربية الحديثة للزواج عن طريق الحب ‪،‬‬
‫وكما قلت أي ً‬

‫في كثير من األحيان ال تضيع الكلمات مني ‪ ،‬ولكن ماذا يمكن أن أقول لقذاف الدم ؟ لم أكن‬

‫أعرف شيئًا عنه تقريبًا ‪ ،‬بما في ذلك عمره ‪ ،‬و لم اراه من قبل ‪ ،‬حتى اآلن ‪ ،‬و في عصر التوفيق‬

‫عبر اإلنترنت ‪ ،‬يمكنك على األقل رؤية صورة قبل االنخراط في عالقة عاطفية!‬
‫تمكنت من التلعثم ببعض الكلمات المتسرعة " شكرا لك ‪ .‬إنه لشرف لي ‪ ،‬لكني كنت أقوم‬

‫بعملي فقط ‪ ،‬لم أكن أعرف من أنت عندما بدأت في التحقيق‪“.‬‬

‫أنهيت المكالمة بأسرع ما يمكن وبأدب ممكن ‪ ،‬وعدته بالتحدث معه مرة أخرى بعد ان‬

‫اجمع أفكاري ‪ ،‬بيني وبين نفسي ‪ ،‬كنت آمل أن تكون هذه نهاية األمر‪ ،‬تعمدت أن ال أجيبه بـ " ال‬

‫" ‪ ،‬لكني كنت آمل أن يكشف تحفظي الكثير من الكالم ‪ ،‬كان هذا تكتيك كنت أستخدمه في ايام‬

‫عملي المصرفي في الماضي لصد اي تقرب غير مرغوب فيه من الرجال ‪ ،‬كل ما تمنيت هو ان‬

‫سدد حاال ‪ ،‬وأن ننطلق في حياتنا بدون ضغائن‪.‬‬


‫يعتبر هذا المتقدم الجديد أن دينه تجاهي قد ُ‬

‫على الفور اتصلت بنعيمة في ليبيا لتتدخل لصالحي ‪ ،‬ليس عندي نية لقبول عرض قذاف‬

‫الدم ‪ ،‬لكن بسبب عالقته العائلية بالقذافي ‪ ،‬كنت قلقة من أن اتسبب في إهانة ‪ ،‬كنت أخشى ان‬

‫القذافي سيقفز الى استنتاج خاطئ مفاده اني خططت لهذة العالقة مع ابن عمه لتحسين وضعي‬

‫الخاص في ليبيا‪.‬‬

‫لذلك ناشدت نعيمة " من فضلك قل للرئيس أن ابن عمه يعرض الزواج مني‪ ،‬و أنني مع ذلك لم‬

‫أقابل الرجل قط ‪ ،‬ال أريد أن يعتقد الرئيس أنني اعمل خلف ظهره ‪ ،‬ها قد علقت في الوسط مرة‬

‫أخرى‪.‬‬

‫ربما أصبحت مهاراتي الدبلوماسية رديئة بعض الشيء ‪ ،‬ألن سيد قذاف الدم لم يستوعب‬

‫الرسالة ‪ ،‬أو أنه اعتاد أن يأخذ االمور بطريقته الخاصة ‪ ،‬واختار أن يتجاهل رسالتي تما ًما‪.‬‬

‫خالل األسابيع القليلة التالية كنت محاصرة من قبل الرجل ‪ ،‬بد ًءا من المكالمات الهاتفية اليومية‬

‫التي يناشدني فيها الزواج منه ‪ ،‬كان يدفع ويدفع باستمرار في اتجاه الحصول على التزام مني ‪،‬‬

‫بعد ذلك ‪ ،‬تمكن من الحصول على صورة لي ‪ ،‬واكتشفت الحقًا أنها جاءت من نعيمة التي‬

‫اعتقدت أن كل هذا السعي الدؤوب من قبل قذاف الدم كان مجرد مزحة كبيرة‪.‬‬

‫شعرت قليال باالنتشاء من هذا االطراء لكن في الواقع شعرت أن هذا االهتمام الخانق بي قد‬

‫يرجع علي بالضرر‪.‬‬


‫سيد قذاف الدم‬

‫لم أكن بحاجة إلى المزيد من األعداء في الدائرة المقربة من القذافي ‪ ،‬لكن المعجب قرر ان ال‬

‫يستسلم ‪ ،‬وقرر ان الطريق إلى قلبي البد أن يمر من خالل اإليماءات الكبيرة‪.‬‬

‫في فبراير ‪ ، 5005‬نظم لي قذاف الدم مفاجأة ‪ ،‬احتفالية بعيد ميالدي الثالثين في فيال‬

‫ديسيزاري ‪ ،‬وهى مطعم إيطالي على نهر التايمز في لندن ‪ ،‬تم ترتيب كل شيء خلف ظهري ‪،‬‬

‫بمساعدة الشريك التجاري في ‪ Prime Oil‬الذي كان حسن النوايا ‪ ،‬ولكن أساء تقدير وقراءة‬
‫مزاجي ‪ ،‬في الوقت الذي اكتشفت فيه ما كان يحدث ‪ ،‬كان أكثر من خمسين ضيفًا تمت دعوتهم ‪،‬‬

‫بما في ذلك دمحم نجل عدنان خاشقجي ‪ ،‬كان من الصعب أن ارفض الحضور‪.‬‬

‫حجز قذاف الدم المكان كله ‪ ،‬مالء الغرفة بالبالونات ‪ ،‬وإرسل اثنان من اصدقاءه الطليان‬

‫الختيار قائمة المأكوالت‪.‬‬

‫يبدو أنه لم يكن هناك من طريقة لتجنبه حاليا ‪ ،‬كنت ال أزال أعارض قبول عرضه للزواج ‪،‬‬

‫لكني كنت أشعر بالفضول لمعرفة أي نوع من الرجال ذلك الذي يمر بكل هذه المتاعب ليجتذب‬

‫غريبة بعشقه ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬سأضطر إلى االنتظار لفترة أطول قليال لمقابلته‪.‬‬

‫كانت ذروة حرب الخليج و السفر من ليبيا ال يزال صعب ‪ ،‬في عيد ميالدي ‪ ،‬وصلت إلى‬

‫فيال دي سيزاري ألجد مكانا شاغرا بجانبي على الطاولة ‪ ،‬والنه لم يكن قادر على السفر إلى‬

‫لندن ‪ ،‬فقد رتب ان يبقى ذلك المكان شاغرا‪.‬‬

‫بقدر ما أستمتعت بالليلة ‪ ،‬كان كل شيء سرياليًا إلى حد ما ‪ ،‬كنت على حافة الهاوية اتوقع‬

‫ظهوره بعد كل شئ ‪ ،‬لن استغرب من قذاف الدم ان يقفز فجأة خارج التورتة صارخا " هاكم‬

‫المفاجأة " ‪.‬‬

‫كانت هديته لي في عيد ميالدي قالدة الماس مذهلة ‪ ،‬ايا كانت فكرتي عن ابن عم القذافي ‪،‬‬

‫إال أنه فيما يتعلق بالهدايا كان يملك ذوق رفيع ‪.‬‬

‫لقد الحظت أن الحفلة بأكملها كانت مسجلة على كاميرا فيديو ‪ ،‬وبعد ذلك ببضعة أيام اتضح‬

‫السبب ‪ ،‬فقد تلقيت اتصاالً من قذاف الدم يصف بالتفصيل كل ما حدث في عيد ميالدي ‪ ،‬أنا‬

‫بالتأكيد ال أستطيع أن اعيب عليه جهده بالخصوص‪.‬‬

‫ثم أخذت األمور منعطف غريبًا ‪ ،‬اتصل بي من ليبيا وطلب مني االستماع إلى تسجيل صوتي‬

‫كان على وشك تشغيله ‪ ،‬كانت محادثة هاتفية بينه وبين والدي في األردن ‪ ،‬لقد استمعت ‪ ،‬عاجزة‬

‫عن الكالم ‪ ،‬و انا اسمع قذاف الدم يطلب يدي رسميا للزواج ‪ ،‬في الغرب هذا التقليد رمزي ‪ ،‬لكنه‬
‫في العالم العربي أكثر أهمية ‪ ،‬موافقة والد العروس مهم جدا ‪ ،‬قانونيا يمكن للمرأة أن تتزوج‬

‫بدون موافقة والدها ‪ ،‬لكن هناك وصمة عار اجتماعية إذا تزوجت ضد رغبته‪.‬‬

‫على الرغم من أنني كنت أعلم أن والدي لن يحاول ابدا إجباري على الزواج ‪ ،‬فقد كان هذا‬

‫تطورا مقلقًا ‪ ،‬كنت أخشى أنني االن لن أتخلص أبدًا من قذاف الدم ‪ ،‬مع ان والدي كان يملك‬

‫الحس السليم لعدم اعطائه جواب ملزم ‪ ،‬كان الرد يتمحور حول انه يحتاج لمعرفة المزيد عن‬

‫خلفية قذاف الدم ‪.‬‬

‫من ليبيا وصلتني األخبار أن ابن عم القذافي كان يخبر كل أحد أننا مخطوبين ‪ ،‬وبدأ في كتابة‬

‫اشعار و اغاني الحب عني ‪ ،‬بدأ األمر في الخروج عن السيطرة ‪ ،‬صار مهووسا بي‪.‬‬

‫والد دعد مع القذافي في ليبيا‬


‫عدت إلى ليبيا وبسرعة سعيت إلى لقاء العقيد للحصول على مساعدته في تخليصي من قبضة‬

‫قذاف الدم ‪ ،‬لم يكن أمامي خيار آخر ‪ ،‬لكن طريقتي المباشرة هذة لم تسير حسب الخطة ‪ ،‬منذ‬

‫البداية شعرت أن القذافي نفسه يتصارع مع معضلة‪.‬‬

‫"انظري " قال لي " ابن عمي يعاني من االدمان على المسكنات " ‪ ،‬وذكر نوع من‬

‫المخدر ولم يكن اسمه يعنيني في شيء ‪ ،‬ثم مضى القذافي يكشف عن تاريخ قذاف الدم في‬

‫االدمان ‪ ،‬االن اصبح واضحا كالشمس سبب فرحة العقيد عندما ساعدت في تنظيف اسم ابن عمه‬

‫‪.‬‬

‫قال لي القذافي أنه قبل سنوات مضت قُبلت سيارة رياضية كهدية تم استالمها من إيطاليا‬

‫‪،‬لكنه كما علمت ‪ ،‬لم يكن مولعا بالرفاهية فلم يجربها ‪ ،‬السيارة نوع فيراري أو المبورغيني ‪،‬‬

‫نسيت االن ‪ ،‬بقت مركونة في المجمع حتى كان قذاف الدم أول من أخذ يجربها ‪ ،‬عندما شغل‬

‫المحرك اشتغلت النار في السيارة ‪ ،‬فتسببت في إصابات خطيرة ‪ ،‬وفقا للقذافي كان ما حصل‬

‫محاولة اغتيال ‪.‬‬

‫"لذا ‪ ،‬كما ترين ‪ ،‬أشعر بالمسؤولية تجاه ابن عمي قال العقيد ‪ ،‬ثم اضاف "عولج لمدة‬

‫عامين من إصاباته ‪ ،‬وخالل هذا الوقت أصبح مدمنًا على المسكنات‪”.‬‬

‫بُذلت محاوالت عديدة لفطم قذاف الدم عن المخدرات ‪ ،‬بما في ذلك إرساله إلى مصحة‬

‫لمعالجة االدمان في هونغ كونغ ‪ ،‬لكنه لم يستمر أبدا مع أي من البرامج المختلفة‪.‬‬

‫أضاف القذافي " اسدى لي معروفا "‪ " .‬ال ترفضي عرضه للزواج على الفور ‪ ،‬لكن اجعلي‬

‫شرطا الن يبدأ العالج أوال‪”.‬‬

‫احسست بمزيد من المتاعب في انتظاري ‪ ،‬سألته ‪ :‬هل تريدني أن أكذب عليه ؟ ‪ ،‬هز القذافي‬

‫كتفيه ‪ " :‬ال تعتبريها كذبة ‪ ،‬فكري في األمر على أنه إنقاذ له ‪ ،‬سيكون هذا عمل جيد ‪ ،‬فقط أدخله‬

‫إلى المستشفى ‪ ،‬في وقت الحق ‪ ،‬بعد أن يتعافى ‪ ،‬يمكنك اخبار ابن عمي انك ال ترغبين في‬

‫الزواج منه‪”.‬‬
‫لقد قال القذافي كلمته ‪ ،‬و بذلك فإن رفضي من المحتمل أن يقوض كل شيء عملت بجد على‬

‫تحقيقه في ليبيا ‪ ،‬لم أشعر بالراحة على اإلطالق ‪ ،‬ذلك ان حياتي الشخصية يتم التالعب بها اآلن‬

‫‪ ،‬لكنني قررت التعامل معها على أنها مجرد مهمة أخرى للعقيد‪.‬‬

‫على مدار األشهر الستة المقبلة تحدثت بانتظام إلى قذاف الدم عبر الهاتف ‪ ،‬اكتشفت أنه‬

‫تزوج وطلّق مرتين ‪ ،‬وله ابنة وولدين ‪ ،‬كان منفت ًحا تما ًما على موضوع إدمانه وتحدثنا عن‬

‫ضرورة أن يتلقي العالج في سويسرا‪.‬‬

‫أخيرا تقرر ان أقابله ‪ ،‬في فندق ريتشموند في جنيف ‪ ،‬حيث كان يقيم ‪ ،‬واتفقنا على تناول‬
‫ً‬

‫العشاء معا ‪ ،‬سافرت إلى سويسرا من لندن ‪ ،‬عازمة على الحجز في فندق منفصل في جنيف ‪،‬‬

‫نظرا الدمانه على المخدرات وسلوكه‬


‫ً‬ ‫كنت خائفة من الطريقة التي سيتصرف بها قذاف الدم ‪،‬‬

‫المهووس بي حتى اآلن ‪ ،‬أخذت خطوة أخرى احتياطية ‪ :‬إقناع القذافي بالسماح لنعيمة بمرافقتي‬

‫‪ ،‬ومن يجيد العمل كمرافقة افضل من إحدى الحارسات الليبيات المشهورات‪!.‬‬

‫كانت المشاعر الغالبة هي العصبية ‪ ،‬تخيلت أن هذا هو ما تشعر به العرائس العربيات في‬

‫الزيجات المرتبة عندما يلتقين بازوجهم المستقبليين للمرة األولى ‪ ،‬كان االختالف الكبير هنا أنه‬

‫لن يكون هناك حفل زفاف ‪،‬حتى و لو لم يكن هو يعرف بذلك بعد‪.‬‬

‫عندما وصلت إلى فندق ريتشموند ‪ ،‬حيث سنتناول العشاء في جناحه الخاص في الطابق‬

‫العلوي ‪ ،‬كان قذاف الدم في االنتظار لتحيتي في الممر متى ما خرجت من المصعد ‪ ،‬لمحاتي‬

‫األولى كشفت عن رجل طويل ووسيم إلى حد كبير ‪ ،‬بدا أصغر من عمره الفعلي ‪ ،‬كان قد خدم‬

‫في الجيش ويظهر ذلك في طلته العسكرية اللطيفة ‪ ،‬عانقني ‪ ،‬مع عدم وجود أي عالمة على‬

‫اإلحراج أو االرتباك ‪ ،‬كما لو كنا نعرف بعضنا البعض منذ سنوات‪.‬‬

‫كنت أقل استرخاء بشكل كبير خاصة في حضور جيش صغير من الحراس األمنيين في‬

‫الجناح المظلم ‪ ،‬من الواضح أنهم سيبقون في الخلفية طوال مدة تناول وجبتنا األولى ‪.‬‬
‫سيد قذاف الدم مع القذافي‬

‫كان برفقته ‪ 42‬شخص من بينهم شقيقه احمد ‪ ،‬وهو كذلك شخصية قوية في ليبيا ‪ ،‬بالرغم‬

‫من كل تحفظاتي ‪ ،‬وبينما خرجنا لالكل معا ‪ ،‬وتجاذبنا أطراف الحديث‪ ،‬بدأت بالشعور بالود‬

‫اتجاه هذا الغريب عني ‪ ،‬كان متحمسا في الحديث عن عشقه للشعر ‪ ،‬وبهذا أستنتجت أنه يمتلك‬

‫جانب حساس في شخصيته ‪.‬‬

‫الحظت أنه قدمني كزوجته لموظفي الفندق ‪ ،‬وفي أثناء االكل تكلم عن خططه لزواجنا‪،‬‬

‫سايرته قائلة لنفسي ‪ ،‬قريبا سيكون هو في المستشفى يعالج ‪ ،‬و انا حرة أغادر‪ ،‬سهرنا ذلك المساء‬

‫على خير ما يرام ثم رجعت إلى فندقي ‪.‬‬

‫انطلقنا في الصباح التالي إلى عيادة متخصصة في مونترو تبعد ‪ 12‬ميل على الجانب‬

‫اآلخر لبحيرة جنيف ‪ ،‬في الطريق فجأة طلب قذاف الدم من السائق التوقف ‪ ،‬حدسي االول وانا‬

‫أراه يفتح الباب وينزل أنه قد قرر أن ال يذهب للعالج‪.‬‬

‫" انزلي معي إلى الماء " قالها وهو يتمشى بضع أمتار في اتجاه البحيرة ‪ ،‬مباشرة سحب‬

‫قذاف الدم صندوق من الحقن وبدأ في رمي محتوياته إلى عمق البحيرة ‪ " ،‬هذة عالمتي لك بأني‬

‫جاد‪”.‬‬
‫لقد كانت ايماءة أخرى ضخمة تركت انطباع كبير في نفسي ‪ ،‬كنت ممزقة بين والئي‬

‫للقذافي وضميري الذي يخبرني أنه ليس من العدل أن اخدع هذا الرجل ‪ ،‬وأن اسمح له بالتفكير‬

‫بأنني سأكون زوجته القادمة‪.‬‬

‫سمح بدخول قذاف الدم قبل أن يطلب الطبيب الحديث معي " انت‬
‫بالكاد وصلنا للعيادة حتى ُ‬

‫مهمة جدا لمريضي ‪ ،‬لقد قالها بكل وضوح أنه جاء للعالج فقط ليرضيك " و أضاف " يجب أن‬

‫تكوني هنا كل الوقت من أجله ألنها ستكون فترة صعبة‪”.‬‬

‫هذا ما كنت ال ارغب في سماعه ‪ ،‬كنت أتوقع أن أبقى بضعة أيام في سويسرا لالطمئنان‬

‫على دخول قذاف الدم بسالم إلى العيادة ‪ ،‬ثم ارجع الى بيتي في لندن‪.‬‬

‫سقط قلبي مني عندما أخبرني الطبيب بأن األمر قد يستغرق من شهرين الى ثالثة الستكمال‬

‫العالج ‪ ،‬لكن شعرت أن ليس ثمة خيار امامي ‪ ،‬شرطي الوحيد الذي وافق عليه العقيد ‪ ،‬أن تبقى‬

‫نعيمة معي ‪.‬‬

‫تلت ذلك فترة شاقة كنا نزور فيها العيادة كل يوم ‪ ،‬ال اعرف نوعية الدواء الذي أُعطي‬

‫لقذاف الدم ‪ ،‬لكن بدأ يشبه الجثة ‪ ،‬لقد عانى من عوارض سيئة لالنسحاب من االدمان جعلته‬

‫ضعيف ومشوش ‪ ،‬كرهت أن أراه يعاني على هذا النحو ‪ ،‬لكن قلت في نفسي هذا افضل لشفاءه‬

‫الحقا ‪ ،‬جعلني قذاف الدم أشعر بالذنب أكثر عندما قبض على معصمي ذات يوم و قال ‪ :‬انظري‬

‫الى االلم الذي أنا فيه ‪ ،‬كل هذا الجلك ‪ ،‬بلغت شدة االلم أنه مد يده الى إطار السرير وهوى على‬

‫القضبان المعدنية فخلعها‪.‬‬

‫كانت العيادة غالية جدا ومشهورة بنزالؤها من الشخصيات المرموقة والمشاهير ‪ ،‬لكنها بيئة‬

‫غير مريحة لشخص من خارج المجموعة مثلي ‪ ،‬كان هناك مرضى يصرخون فوجدت المكان‬

‫مزعج مثير للتوتر‪.‬‬

‫بعد حوالى شهر كان األطباء سعداء بانه بدا يتعافى ‪ ،‬بدا طبيعيا ‪ ،‬فصرنا معا نقضي‬

‫المساءات المشمسة في حديقة العيادة ‪.‬‬


‫العيادة في مونترو بسويسرا‬
‫مازال مقتنعا بأننا سنتزوج حاال‪ ،‬قال لي " إن لم اتزوجك فلن تكن أخرى غيرك "‪ .‬بالرغم‬

‫من هذا‪ ،‬شعرت أن ايامي في سويسرا تسحب إلى نهايتها خاصة بعد أن زاد التوتر بيني وبين‬

‫شقيق قذاف الدم الذي كان يعاملني وكأني فرد من موظفيه ‪ ،‬لم يعلم شقيقه باالتفاق بيني وبين‬

‫القذافي ‪ ،‬واعتقد انني كنت انوي الزواج من أخيه سيد ‪ ،‬لقد أظهر بعدم االحترام الذي عاملني به‬

‫أنه يرفض هذا الزواج ‪ ،‬كما أني اعتقد أيضا بوجود غيرة سياسية اتجاه اخيه ‪ ،‬ربما يالئم احمد‬

‫أن ال يتحسن وضع سيد لكون االخير كان مفضال عند القذافي ‪ ،‬على عكس السيد كان االخ اآلخر‬

‫يحمل شبه عائلي كبير بالقدافي ‪ ،‬وجدته مثير للتوتر‪ ،‬و اعلم أن احمد كان متورط بشراء السالح‬

‫إلى ليبيا‪.‬‬

‫لم يتحسن مزاجي الكئيب بمغادرة نعيمة التي تم استدعاؤها إلى ليبيا ‪ " ،‬يكفي من كل هذا "‬

‫قلت لنفسي‪.‬‬

‫بالسر حجزت تذاكر إلى لندن وهربت ‪ ،‬ليس من طبعي أن اتصرف هكذا باإلضافة إلى‬

‫المخاطرة بازعاج القذافي ‪ ،‬لكنني لم اعد احتمل األجواء في سويسرا ‪ ،‬واذا حصلت مواجهة مع‬

‫القذافي ساقول اني قمت باكثر مما ينبغي ببقائي مدة أكثر من المتفق عليها ‪ ،‬وأن قذاف الدم صار‬

‫في وضع مالئم للخروج من العيادة‪.‬‬

‫اخر تصرف لي في سويسرا كان كتابة رسالة إلى قذاف الدم شرحت فيها كل شئ بما في ذلك‬

‫اتفاقي مع العقيد ‪ ،‬ومشاكلي مع شقيقه ‪ " ،‬انا اسفة فعلت هذا من أجل شفاءك ‪ ،‬سامحني "‪ ،‬في‬

‫طريقي الى مطار جنيف ‪ ،‬قمت باالنعطاف ‪ ،‬وسلمت الرسالة إلى أحد اطبائه‪.‬‬

‫اؤمن بأن سيد قذاف الدم عشقني بصدق ‪ ،‬وربما أكثر من الالزم ‪ ،‬و بالرغم من أن هذة‬

‫المشاعر القوية لم تكن متبادلة من طرفي ‪ ،‬فقد زادت مودتي و تعاطفي الكبير مع محنته‪.‬‬

‫سمعت الحقا أنه تقدم باالستقالة من عمله في الجيش حتى يتمكن من الزواج مني ‪ ،‬لدواع‬

‫أمنية كان ممنوع على أفراد القوات المسلحة الليبية الزواج من األجانب ‪ ،‬أعتقد أن هذا يظهره‬

‫كرجل حقيقي صاحب مبادئ ‪ ،‬ولن اقول كلمة سيئة عنه ‪ ،‬ربما لو التقينا في ظروف مختلفة‬
‫لتزوجته ‪ ،‬لكن بهذة الطريقة لن يحصل هذا ابدا ‪ ،‬وفي كل األحوال أعتقد أن القدافي لم يكن‬

‫ليسمح به‪.‬‬

‫في طريق عودتي إلى لندن ‪ ،‬جاهدت على أن أتجاهل ما حصل في سويسرا‪ ،‬دعوت أن ال‬

‫ينتكس قذاف الدم بسبب هروبي عنه ‪ ،‬كنت في غاية القلق أن ال يكون قد الحق بسببي ضررا‬

‫لنفسه ‪ ،‬اتصلت بكل من اعرف في ليبيا استقي المعلومات ‪ ،‬واخيرا‪ ،‬بعد اسبوعين ‪ ،‬سمعت أنه‬

‫بحالة جيدة وأنه عاد إلى ليبيا من سويسرا ‪ ،‬وكأنه اصغر من عمره بعشر سنوات ‪ ،‬أحسست‬

‫بالراحة من الشعور بالذنب‪.‬‬

‫بأمر من القذافي ‪ ،‬وبحسن نوايا ‪ ،‬لم أكن صادقة مع قذاف الدم ‪ ،‬أرجو أن يفهم السبب‪ ..‬بعدها‬

‫بخمس سنوات حصل وأن صادفته في ليبيا ‪ ،‬كان مؤذبا بشكل رائع ‪ ،‬ولكن لم نتناقش فيما حصل‬

‫بيننا ‪ ،‬ولم يتم إعادة فتح موضوع الزواج ‪ ،‬أنا سعيدة بالقول إنه لم يصبح ابدا عدوي ‪ ،‬لم يتزوج‬

‫مرة أخرى‪.‬‬

‫احمد قذاف الدم شقيق سيد‬


‫(‪)6‬‬ ‫الفصل الثامن‬

‫نيويورك‬

‫كنت في االردن عندما سمعت من التلفزيون خبر تفجير لوكربي في اواخر ديسمبر ‪،5022‬‬

‫ونظرا لخبرتي في التعامل مع مصاعب القذافي في الخارج ‪ ،‬عرفت أنها مسألة وقت فقط وسيتم‬

‫جري إلى التبعات الناتجة عن لوكربي ‪ ،‬في الواقع كانت مسألة ايام فقط ‪.‬‬
‫ّ‬

‫– تم اعالمي بأنني سوف اعمل ضمن فريق صغير يتكون من وزير الخارجية عمر‬

‫المنتصر ‪ ،‬ووزير المالية دمحم البخاري ‪ ،‬وكان دوري أن أكون بمثابة رحالة لتوضيح موقف ليبيا‬

‫وصوال لرفع العقوبات عنها ‪ ،‬وكان التركيز على بريطانيا وامريكا ‪.‬‬

‫– رتبت لقاءات مع أحد أفراد مجموعات الضغط وهو المستشار التجاري " جولدن ويد"‬

‫وبعض مساعديه المؤثرين مثل " جيرالداين انمسون " وامريكي اخر يدعى " وليام بوداين " ‪،‬‬

‫السيد " ويد " كان الرئيس السابق للحزب الجمهوري في كنتاكي ‪ ،‬وقدرت أنه سيكون طريقنا‬

‫الى الرئيس جورج بوش ‪ ،‬كما حضر أيضا معنا أحد مستشاري القذافي الموثوق به " جمعة‬

‫المعرفي " الذي يرأس مجموعة عسكرية تسمى مجموعة معمر ( لواء حرس معمر بترهونة ) ‪،‬‬

‫و هو االن يعيش في بريطانيا بعد أن تحصل على اللجوء السياسي فيها ‪.‬‬

‫جمعة المعرفي آمر لواء الحرس ترهونة‬

‫‪ - 6‬ملخص عام للفصل‬


‫‪ -‬بإمكاننا مساعدتكم ‪ ،‬قال ويد مقابل عقد بقيمة ‪ 2‬مليون دوالر سنويا ‪ ،‬يتم سحبها عن‬

‫طريق سويسرا‪ ،‬تصافحت االيادي علي الصفقة‪.‬‬

‫– في ‪ 5000‬التقينا مع بوداين وويد على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والمصرف‬

‫الدولي في واشنطن و نيويورك ‪.‬‬

‫– في الرحلة إلى امريكا عبر تونس ولندن كان الوفد الليبي يحمل حقائب رسمية متشابهة‬

‫تحمل مستلزماتهم الشخصية ‪ ،‬واوراق العمل ‪ ،‬قدم لي البخاري واحدة منهن للرحلة ‪ ،‬لم انتبه إال‬

‫بعد أن عبرت إلى األمن والجمرك األمريكي إلى أن الحقيبة اثقل منها ‪ ،‬وأنا اصعد بها إلى‬

‫الطائرة‪.‬‬

‫– اكتشف الموظفون األمريكيون أن بالحقيبة مبلغ ‪ 0‬مليون دوالر أنيقة من فئة المئة دوالر ‪.‬‬

‫شعرت بالغباء أنه تم استبدال حقيبتي االصلية في نقطة ما من الرحلة‪.‬‬

‫– نظرت إلى البخاري و قد أنهى إجراءاته للتو ‪ ،‬فنظر إلي بابتسامة عارفة بما تم تدبيره‪.‬‬

‫– الن الليبيين غير مسموح لهم باستخدام بطاقات االئتمان في امريكا أو تحويل االموال اضطر‬

‫الوزير إلى جلب المال( الكاش ) معه ‪ ،‬وتمريره إلى حقيبتي تحفظا من حصول أي مشكل‬

‫دبلوماسي معه شخصيا ‪.‬‬

‫– سألني الموظف األمريكي لماذا تحملين كل هذا النقد ‪ ،‬أجبته هدية من حبيبي للتسوق في‬

‫الجادة الخامسة بنيويورك ‪ ،‬اذا لم يعجبك هذا فسوف اخد طائرة وارجع بها للتسوق في لندن ‪ ،‬رد‬

‫قائال ‪ :‬آنستي لن يكون هذا ضروريا ‪ ،‬تحتاجين فقط لالعالن عنه ‪ .‬حاال بعد ختم اوراقك يمكنك‬

‫الذهاب للتسوق‪.‬‬

‫– ضممت الحقيبة لصدري وقلت للبخاري بابتسامة ‪ :‬قانونيا الحقيبة وما فيها ملكي االن ‪ .‬اخد‬

‫البخاري الحقيبة ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو احتفظت بها كيف سندفع فواتيرنا في امريكا ‪ ،‬كان رجل صاحب‬

‫روح مرحة و هادئ وعمل بجد في موضوع لوكربي عكس بعض الليبيين االخرين‪.‬‬
‫– في اليوم التالي القى البخاري خطاب تصالحي جيد ُكتب بعناية من قبل مجموعة الضغط‬

‫عكس الخطابات الغاضبة الرنانة المشهور بها نظام القذافي ‪ .‬غطت الصحف األمريكية الخطاب‬

‫و كان يحوي نكتة صغيرة على جورج بوش الذي كان بين الحضور ‪ .‬قدم لنا بعض األمريكيين‬

‫التهنئة قائلين لم ندرك فيما قبل أن الليبيين يملكون هذا الحس من الدعابة ‪.‬‬

‫– كانت رحلتنا الى امريكا بداية موفقة وأنها على وشك أن تتحسن كثيرا‪.‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫الرئيس بوش‬

‫‪ -‬دائما اشدد على أهمية العالقات باألشخاص المناسبين ألنها تفتح لك اعتي االبواب في‬

‫التجارة و السياسة و في اي مجال آخر ‪.‬‬

‫‪ -‬كنت بصدد استقبال مكالمة من لوسي بيلنسغلي ابنة الملياردير ترامل كرو تلك التي ضمنت‬

‫لي فيما بعد الدخول على اقوى رجل في العالم ‪.‬‬

‫‪ -‬كرو والد لوسي هو مطور عقاري امريكي كان في ذلك الوقت ‪ 5000‬يقوم بأكبر حملة‬

‫تبرعات لصالح الحزب الجمهوري عندما كنت انا في نيويورك مع الوفد الليبي‪.‬‬

‫‪ -‬طلبت مني لوسي حضور حفلة والدها للتبرع ‪ .‬قالت "إنها مناسبة جيدة للتعرف على بعض‬

‫األشخاص ممن قد يكونوا قادرين على مساعدتكم " ‪ .‬سألتها عن إمكانية حضور وزير المالية‬

‫البخاري الحفلة معنا ‪ ،‬ولدهشتي أجابت بنعم ‪ .‬وأضاف زوجها " أن الرئيس بوش سيكون من‬

‫ضمن الحضور ‪ ،‬وسنرتب للبخاري بضع دقائق معه "‪.‬‬

‫‪ -‬تعرفت على لوسي وزوجها بعدما قدمها لي عضو مجموعة الضغط السياسي جوردن‬

‫ويد‪.‬‬

‫‪ -‬كانت اإلشكالية أن االجتماع في جنوب شرق داالس وحركة البخاري مقيدة أمنيا بين‬

‫نيويورك و واشنطن ‪.‬‬

‫‪ -‬حكينا مع معارفنا االمريكان قالوا إن السلطات ستغض البصر وعليكم أن ال تضيعوا هذا‬

‫الفرصة الذهبية ‪ ،‬كان هذا صعب التصديق ‪ ،‬قلت في نفسي ‪ :‬فلنجرب ليس لدينا ما نخسر‪.‬‬

‫‪ -‬كان هذا قبل‪55‬سبتمبر عندما كان السفر بالطائرة بين الواليات كالسفر بالحافلة ‪ ،‬ركبنا‬

‫الطائرة و ال احد من المعنيين توجه لنا بكلمة ‪.‬‬


‫‪ -‬استقبلنا كرو بأريحية في منتجعه يوم واحدا قبل حفل التبرع وتم مرافقتنا إلى غرف‬

‫الضيوف في المنزل الرئيسي ‪ ،‬كنت قد التقيت الملياردير ترامبل كرو لوحدي لمرتين في السابق‬

‫و ربطتنا عالقة انسجام ‪.‬‬

‫‪ -‬كان مضيفونا قلقون أن يبقى عضو في الحكومة الليبية فى فندق محلي بدون حراسات ‪،‬‬

‫وايضا قلقون من فكرة أن أحد رجال القذافي يحك بكتفه على كبار شخصيات الحزب الجمهوري‬

‫في حفلة تبرع في سنة انتخابات ‪ ،‬لذلك اُبقى األمر بعيدا عن األضواء وكان هذا مناسب لي‪.‬‬

‫‪ -‬في المساء كنت اتمتع بغداء في جو رائق مع كرو والبخاري ‪ ،‬بدأ الهاتف في الرنين ‪ ،‬كان‬

‫المتصالن هما بينت سكروكروفت مستشار األمن القومي ‪ ،‬وجيمس بيكر رئيس موظفي البيت‬

‫األبيض يطلبون معرفة من دعى البخاري للحفل ‪ ،‬كانت رسالتهما باختصار ‪ :‬اخرجوا هذا الرجل‬

‫من البيت قبل أن يحضر الرئيس ‪.‬‬

‫‪ -‬انفجرت سلسلة من المشاحنات ‪ ،‬إال أن كرو بقى متمسكا بموقفه من بقاء البخاري ‪ ،‬هذا‬

‫الملياردير هو أحد اآلباء الروحيين للحزب الجمهوري ‪ ،‬وكان في ذلك الوقت يبلغ من العمر ‪12‬‬

‫عاما ‪ ،‬أصر على موقفه بإحساس الكرم التكساني الذي يمنعه من طرد ضيف من بيته ‪ ،‬وايضا‬

‫بدافع ذلك أن الليبيين لم ّحوا إلى صفقات تجارية اذا رفعت العقوبات ‪.‬‬

‫‪ -‬في المحصلة تم االتفاق على عدم مغادرة البخاري على شرط أن يبقى في الظل ‪ ،‬وأن ال‬

‫يتم تقديمه لبوش أو يبقى بالقرب منه‪.‬‬

‫‪ -‬و تم االتفاق أن ارافق أنا عائلة كرو للترحيب بالرئيس بوش في المنتجع على أن يبقى‬

‫البخاري في الحديقة حيث الحقا سيلقي بوش حديثا امام كبار الشخصيات‪.‬‬

‫‪ -‬وقفت مع عائلة كرو أمام المدخل ووصل الرئيس بوش ‪ ،‬كان المنتجع يرفل باإلثارة‬

‫واصطف المدعوون في طابور يحاول كل احد أن يكون في جانب الرئيس ‪ ،‬لم يدر بخلدي اني انا‬

‫من سيجذب اإلنتباه حتى قال بوش ‪ :‬دعوني اقف بجانب هذة السيدة الجميلة‪.‬‬
‫دعد مع الرئيس جورج بوش في منزل ترامل كرو‬

‫دعد والبخاري مع ترامل كرو في مكتبه بتكساس‬


‫‪ -‬بعد التعارف ‪ ،‬تحركنا إلى الداخل ‪ ،‬وقبل أن يبدأ حفل العشاء اخدني بوش من يدي بلطافة‬

‫و قادني بعيدا عن االزدحام ‪ ،‬نحن اآلن نقف في غرفة استقبال ضخمة تطل على الحديقة ‪،‬‬

‫رمقني بنظرة ‪ ،‬وقال لي " كيف حالك يا آنسة شرعب ‪ ،‬اخبري رئيسك لو انه يرغب في حل‬

‫مشاكل لوكربي ‪ ،‬فعليه أن يبدأ مع البريطانيين وليس نحن ‪ ،‬ملك االردن قد يكون وسيط جيد "‬

‫‪ -‬هذا كل ما قاله ‪ ،‬وشعرت منعا الي التباس بالحاجة إلى توضيح نقطة بذاتها ‪ ،‬فسألته من‬

‫هو رئيسي‪ .‬اجاب " القذافي " ‪ ،‬اوصل بوش رسالته بطريقة ودية قصيرة واضحة ‪ ،‬فهمت منها‬

‫ان على القذافي أن ال يضيع أمواله بالتركيز على امريكا ‪ ،‬وعليه أن يغير االتجاه إلى بريطانيا ‪.‬‬

‫‪ -‬في وقتها هنأت نفسي على وصولي إلى بوش ‪ ،‬لكن بعد ذلك أدركت أن كل ما حصل في‬

‫ريف تكساس كان مصمم بمهارة من بوش وفريقه ‪ ،‬من المكالمة المفاجئة لحضور الحفل إلى‬

‫تسهيل وصول البخاري لمنتجع كرو ‪ ،‬حتى الدردشة القصيرة مع بوش ‪ ،‬و بدون الرغبة في ان‬

‫انتقص من قدراتي الشخصية ‪ ،‬اال انني فيما جرى كنت بيدق ‪ ،‬أراد االمريكان تحقيق اختراق في‬

‫موضوع لوكربي عارفين بأنهم سيحصلون على الكثير من فتح قناة شبه رسمية للتواصل مع ليبيا‬

‫‪ ،‬وعلمت الحقا أن لذى االستخبارات المركزية األمريكية ملف عني ‪ ،‬الشك تم تسليمه لبوش‬

‫وقراه في السيارة قبل لقاءانا أمام درجات البيت ‪.‬‬

‫‪ -‬التقيت في حفل العشاء مع برينت سكوكروفت مستشار بوش لألمن القومي الذي تحدث عن‬

‫إيجاد تنازالت من نوع ما ‪ ،‬وكذلك أبدى اعتذاره عن غارة ‪ ،5026‬لقد كان واضحا أن‬

‫الجمهوريين راغبين في حل المشكل الليبي ‪ ،‬وهذا سيكون له وقع الموسيقى على اذن العقيد‬

‫القذافي ‪.‬‬

‫‪ -‬بقينا يومين في المنتجع وأربعة ايام ككل ‪ ،‬ثم عدنا إلى القذافي ‪ ،‬كان مفتتنا وأنا أطلعه على‬

‫الصور الملتقطة في منتجع كرو ‪ ..‬قال القذافي ‪ " :‬جيد سنستمر في العمل على لوكربي ‪ ،‬ولكن‬

‫االن سوف تتفاوضين مع البريطانيين"‪.‬‬


‫‪ -‬كنت في سلسلة من المهمات الناجحة ‪ ،‬ولكن حصل عائق ‪ ،‬بعد ذلك باسبوع اُستدعيت إلى‬

‫مكتب القذافي ‪ ،‬كان العبوس واضحا على وجهه ‪ ،‬لقد ادعى موسى كوسا من مكتب االستخبارات‬

‫بغطرسة معهودة بان صورتي مع بوش مفبركة ‪ ،‬وأنه من المستحيل دخولي على رئيس الواليات‬

‫المتحدة ‪ ،‬وأن كل روايتي عن منتجع كرو مجرد أكاذيب‪.‬‬

‫‪ -‬دعمني وزير المالية الذى كان حاضرا معي ‪ ،‬ثم واتتني ضحكة االنتصارعندما نشرت‬

‫صحيفة من داالس تغطية للحدث مرفقة بصورتي مع بوش ‪ ،‬رتبت لوصول نسخة الى مكتب‬

‫العقيد ليحكم بنفسه على كوسا ‪ ،‬لقد كان واضحا أن مكتب االستخبارات يرغب في إدارة موضوع‬

‫لوكربي بطريقته المعوجة دون أن يكون لي ظهور في الصورة ‪ ،‬ما حصل مع السجناء الليبيين‬

‫في بريطانيا وابن عم القذافي واالن بوش كان احراجا لهم ‪ ،‬عرفت ان القذافي كان يسخر من‬

‫كوسا وزمالءه في االستخبارات صائحا فيهم " كيف تتمكن هذة الفتاة الصغيرة من إنجاز كل هذا‬

‫و انتم بكل الميزانية التي ازودكم بها ال تحرزون تقدما ؟"‪.‬‬

‫دعد مع الملياردير العقاري ترامل كرو و زوجته‬


‫من جانب اخر كنت غاضبة ‪ ،‬الن القذافي كان يبني قراراته على معلومات مغلوطة يقدمها‬

‫له معاونيه ‪ ،‬كانت طرابلس تغرق في الفساد ‪ ،‬كان الجميع يفكر ان عالقتي الفريدة بالقذافي‬

‫جعلت االشياء سهلة المنال بالنسبة لي في ليبيا ‪ ،‬هذا ليس بالكامل صحيح ‪ ،‬بالطبع هو منحني‬

‫عمل ‪ ،‬لكن دائما ثمة شخص في الخلفية يحاول ازاحتي ‪ ،‬اما بسبب غيرة أو كراهية ‪ ،‬أو ألنهم‬

‫يعتقدون انني جاسوسة الرئيس أو محضيته ‪ ،‬ال شئ يحدث بسالسة بالرغم من انني صادفت‬

‫مسؤولين صادقين ومستقيمين مثل سليمان الشحومي المكلف بالشؤون الخارجية في مؤتمر‬

‫الشعب العام ‪ ،‬ومصطفى الزائدي وزير الصحة‪.‬‬

‫بعد لقائي بجورج بوش ‪ ،‬كلف القذافي ‪ ،‬عمر المنتصر ‪ ،‬باخد زمام المبادرة في قضية‬

‫لوكربي ‪ ،‬لم يكن عندي ثقة بقدرات وزير الخارجية بعد عملي معه في مجموعة لوكربي ‪ ،‬كان‬

‫المنتصر رجل ضخم لذا كنت امزح مع القذافي " انت االن عليك حظر جوي ‪ ،‬لو تنتظر هذا‬

‫الرجل حتى ينهض من كرسيه ويصل الباب ‪ ،‬سيكون عندك حظر بحري واخر ارضي " ‪.‬‬

‫بالرغم من االزمات التي تحاصر بالده تحت قبضة العقوبات ‪ ،‬لم يتمالك القذافي نفسه من‬

‫االبتسام على هذة المالحظة غير اللطيفة‪.‬‬

‫اعلنت االمم المتحدة ان العقوبات سيتم مراجعتها كل ‪ 4‬شهور ‪ ،‬لكن مع وزير الخارجية‬

‫المتثاقل الحركة هذا لم يتغير شئ ‪ ،‬أخبرني القذافي ذات يوم " هل تعرفي يا دعد ان المسؤولين‬

‫معي اعتقدوا انني قد اصبت بالجنون ألنهم عندما اخبروني عن تجديد الحظر ‪ ،‬انفجرت في نوبة‬

‫ضحك ‪ ،‬كنت أنظر إلى وزير الخارجية وأتذكر ما تنبأت به انت‪”.‬‬

‫خالل هذة الفترة كنت اقضي اغلب وقتي في لندن حيث كنت الزال منهمكة في تجارة النفط‬

‫والغاز لصالح الليبيين من خالل شركتي [ برايم اويل] ‪ ،‬لكن اذا نادى الواجب اسافر إلى‬

‫طرابلس ‪ ،‬أو أي مكان آخر يحتاجني فيه القذافي ‪.‬‬


‫عمر المنتصر وزير خارجية سابق‬

‫ترك البخاري انطباع جيد عند الجمهوريين ‪ ،‬فتمت دعوتنا مرة اخرى إلى منتجع ترامل كرو‬

‫في أكتوبر ‪ ، 5000‬شهور قليلة بعد زيارتنا االولى‪.‬‬

‫هذة المرة سافرنا منفصلين بسبب حضوري حفلة زفاف اختي ريم في االردن ‪ ،‬فوصل‬

‫وزير المالية قبلي بيومين ‪ ،‬هذة المناسبة في هذا الوقت كانت واحدة من تخييمات ترامل كرو‬

‫الشهيرة ‪ ،‬وهى عبارة عن جلسات سنوية رجالية في منتجعه بين القادة الحكوميين ورجال‬

‫االعمال تتضمن جلوسهم حول مواقد نار في الهواء الطلق وركوب الخيل ‪ ،‬لو انك يوما ما‬

‫شاهدت الفيلم الهوليودي ستي سليكرز سوف تفهم المقصود ‪ ،‬اجماال الحدث عبارة عن رجال‬

‫يتصرفون كأنهم [كاوبوي] رعاة البقر‪ ،‬يشربون الويسكي وينسجون في االثناء شبكة عالقات‬

‫مصلحية بينهم‪.‬‬
‫كان غير مسموح للمراة بالمشاركة ‪ ،‬لذا بقيت بعيدة ‪ ،‬لم أبق في المنزل بالمنتجع كما حصل‬

‫في المرة األولى ‪ ،‬ولكن لوحدي في فندق بينما صار وزير المالية الليبي راعي بقر تكساسي‬

‫فخري ‪.‬‬

‫بالنظر إلى القيودات على سفر الوزير في بداية الرحلة االولى ‪ ،‬شدني الفضول الكتشاف‬

‫كيف تمكن من الطيران إلى تكساس في اخر لحظة ‪ ،‬اتضح انه تم رفض منحه تصريح دخول (‬

‫فيزا ) ‪ ،‬لذلك و ببساطة دخل وخرج من أمريكا بطريقة غير قانونية ‪ ،‬اي بالسيارة من المكسيك ‪،‬‬

‫شعرت أنه من الحكمة ان اال اطرح مزيد من األسئلة ‪ ،‬لكن أدهشني انها كانت مقامرة خطرة ‪،‬‬

‫اعرف ان السلطات األمريكية سوف تنظر لألمر بعين السخط لو اكتشفت ان الليبي تم مساعدته‬

‫من أصدقاءه الجدد االمريكيين‪.‬‬

‫مع مرور الوقت اعتقدت انهم نجوا بفعلتهم ‪ ،‬لكن بعد مضى ‪ 4‬سنوات اعترف هنري‬

‫بلنغسلي ( صهر كرو ) بدوره في هذا الخداع ‪ ،‬لقد التقى وزير المالية في فندق في بلدة‬

‫ماتامروس المكسيكية على الضفة الجنوبية لنهر ريو جراندي المقابل لتكساس حيث تم تزويد‬

‫البخاري بوثائق مزورة ‪ ،‬ومن هناك تسللوا عبر الحدود األمريكية الى بلدة هارلنجين ‪ ،‬ومنها‬

‫قفزوا في طيارة خاصة ليستكملوا رحلة ‪ 122‬ميل إلى داالس‪.‬‬

‫بعد مواجهته بما يثبت تورطه قال بيلنغسلي" لقد ارتكبت خطأ ‪ ،‬وانني بصدق اتأسف عليه‬

‫اآلن " ‪ ،‬ادعى أن الليبي كان هناك لغرض إجراء صفقة ارض يقال ان قيمتها ‪ 022‬مليون‬

‫دوالر‪.‬‬

‫لقد استشعرت وجود االيادي المراوغة لمكتب االستخبارات في تدبير ما يخص الجانب الليبي‬

‫في هذة الخطة السرية المشوشة ‪ ،‬والتي كان من الممكن أن تعرض للخطر كل المفاوضات‬

‫الحساسة والدقيقة التى تجري حول لوكربي ‪ ،‬شعرت في بعض الوقت بأني على وشك تمزيق‬

‫شعري ‪ ،‬لكن ماذا أفعل وهذة بالضبط الطريقة التي تعمل بها ليبيا ‪ ،‬دائما النظر إلى حلول سريعة‬

‫و قصيرة بدون التفكير في عواقب ‪.‬‬


‫رجعت حادثة التعامل مع ليبيا ‪ ،‬فى تحدى لحظر بالدهم عليها ‪ ،‬بالضرر كذلك على‬

‫عضوي جماعة الضغط ويد و بوداين ‪ ،‬انتهى األمر بهما إلى وضعهما في سجالت الجريمة ‪ ،‬اما‬

‫بوداين الذي كان جزء من مؤامرة تهريب البخاري إلى أمريكا فقد حكم عليه ب‪ 05‬شهر في‬

‫السجن‪.‬‬

‫بحد علمي لم تنجح صفقة االرض وخسر بوش لصالح كلنتون ‪ ،‬وبذلك تغير انتباه الليبيين‬

‫نحو الديمقراطيين‪.‬‬

‫ثمة حاشية على هامش هاتين الرحلتين المهمتين إلى أمريكا ‪ ،‬ليس من عادتي جمع التذكارات‬

‫‪ ،‬لكن من تكساس رجعت إلى بيتنا بزوج ‪.‬‬

‫صحيفة أمريكية تناولت في عام ‪ 5004‬قضية ارتباط كرو بالقذافي‪.‬‬


‫(‪)7‬‬ ‫الفصل العاشر‬

‫الزواج‬

‫_ كنت في رحلة بالطائرة من لندن إلى تكساس للقاء وزير المالية الليبي ‪ ،‬كان من بين‬

‫الركاب شخص واحد اشتبهت في كونه عربيا ‪ ،‬كان طويل وسيم ‪.‬‬

‫_ طلبت من المضيفة شريط فيديو لتمضية الوقت ‪ ،‬فرجعت تقول ان شخص آخر قد سبقها‬

‫ي أخده فشكرته‬
‫عليه ‪ ،‬لقد كان الوسيم العربي ذاته الذي ما ان سمع حديثنا حتى عرض عل ّ‬

‫متذرعة برغبتي في النوم ‪.‬‬

‫_ مع اعالن الوصول ولجت الى حمام الطائرة ارتديت بدلة بدال عن مالبسي الرياضية‬

‫الفضفاضة وعدلت مكياجي استعدادا للقاء البخارى في المطار‪ ،‬الحظ السيد الوسيم التغير فرماني‬

‫بنظرة اعجاب ولم يقل كلمة ‪.‬‬

‫_ وصلنا صالة المطار وعند الحزام الناقل لالمتعة اقترب مني متحدثا بالعربي ‪ ،‬سألته كيف‬

‫عرفت اني عربية ‪ ،‬فأجاب " ال يبدو انك فرنسية وعلى قالدتك نقوش عربية و ضحك "‪.‬‬

‫_ في انتظار وصول الحقائب تحدثنا قليال وقدمت من جانبي تفاصيل قليلة غامضة عن‬

‫الغرض من الزيارة وارتباطاتي الليبية ‪ ،‬وانا اغادر ناولته بطاقة العمل التجاري الشخصية‪.‬‬

‫_ في فندق بداالس اتصل بي ‪ ،‬سألته ‪ :‬كيف تعرفت على مكان إقامتي ‪ ،‬فأجاب‪ :‬اخدت اسمك‬

‫من البطاقة واتصلت بأفضل فنادق داالس حتى عثرت عليك ‪.‬‬

‫_ قال لي احتاج الحديث معك عاجال وحدد مكان اللقاء ؛ مطار حقل الحب في إحدى ضواحى‬

‫داالس الساعة التاسعة مساء‪.‬‬

‫‪ - 7‬مختصرات‬
‫_ دون ان اخبر البخارى بالسبب ‪ ،‬اخدت الليموزين الخاصة به للرحلة إلى مطار حقل‬

‫الحب الذي يبعد ‪ 8‬أميال ‪ ،‬وصلت في الموعد فشاهدت الرجل اللغز يهبط من قمرة القيادة لطائرة‬

‫صغيرة خاصة ‪.‬‬

‫_ قدم نفسه ‪ :‬عبدالحكيم العالوي ‪ ،‬رجل أعمال سعودي عاش في أمريكا ‪ ،‬زوجته الثانية‬

‫أمريكية على طريق الطالق وله منها اربعة اطفال ‪ ،‬كانت الطائرة الصغيرة التي نزل منها‬

‫خاصته ‪.‬‬

‫_ مازلت غير متأثرة بما يقول ‪ ،‬قاطعته سائلة عن مبتغاه فأجاب الزواج منك ‪ ،‬قلت له دعني‬

‫أفكر ‪ ،‬ذلك فقط للتخلص من احراج اللحظة ‪ ،‬كان ما يهمين على تفكيري هو اللقاء المرتقب بين‬

‫البخاري و كرو لذا حذفت طلبه للزواج من دائرة اهتمامي على االقل في هذا الوقت‪.‬‬

‫_ بعد عودتي إلى لندن وجدت الممر مزدحم بباقات الزهور المرسلة منه‪.‬‬

‫_ بعد يومين اتضح األمر ‪ ،‬رن جرس الشقة وكان على الباب عبدالحكيم العالوي ‪ ،‬تناولنا‬

‫العشاء معا في إحدى مطاعم لندن ‪.‬‬

‫_ كنا بنفس العمر ‪ 13‬سنة ‪ ،‬هو حسن التعليم درس في امريكا ويتحدث اإلنجليزية بطالقة‬

‫وافكاره متحررة ‪ ،‬علمت انه كان طيار مقاتل فى سالح الجو السعودي ‪ ،‬ثم أنشأ شركته الخاصة‬

‫الناجحة للتصوير الجوي ‪.‬‬

‫_ قال انه وقع في غرامي لما راني وانا اسرع الخطى بمالبسي الرياضية الفضفاضة نحو‬

‫الطائرة المتجهة الى مطار داالس‪ ..‬طلبت منه استشارة والدي‪.‬‬

‫_ بعد أيام قليلة في فندق المهاري في طرابلس استقبلت مكالمة نادرة من والدي يخبرني ان‬

‫عبدالحكيم زار بيتنا في األردن يطلب يدي ‪.‬‬

‫اخبرت والدي الذي اعجب بعبدالحكيم ان يتقصى عنه من معارفه في السعودية ‪ ،‬قال والدي‬

‫" وعلى كل حال شرحت له أن عليه أن يتحصل على موافقة القذافي ‪ ،‬ايضا ألنه بمثابة االب‬

‫الروحي لك "‪.‬‬
‫_بات العالوي االن على معرفة كاملة بروابطي القوية بليبيا والقذافي واني اعتمد على‬

‫رعاية مميزة من العقيد فى الجزء الكبير من دخلي من خالل العموالت على صفقات النفط ‪ ،‬فى‬

‫ذلك الوقت كنت اتحصل على مليون دوالر في السنة‪.‬‬

‫_ رغم انجذابي له قررت اال يكون زواجي منه فقط بسبب نزوة قد تؤدي الى طردي من‬

‫العمل مع القذافي ‪ ،‬كانت نظرتي للزواج نفعية ‪ ،‬ذلك اني كنت مدركة أن مستقبلي بالكمال والتمام‬

‫يقع بين أيادي العقيد القذافي ‪.‬‬

‫_ قررت أن يصحبني العالوي في زيارتي المقبلة الى ليبيا لمقابلة القذافي في مخيمه‬

‫الصحراوي في سرت ‪.‬‬

‫_ كان من بين الخيام كرافان صغير يفضل القذافي النوم فيه على النوم تحت قماش الخيمة‬

‫مثلما اخبرتني نعيمة ‪.‬‬

‫عرفت القذافي بالعالوي ‪ ،‬تصافحا وبقيا بمفردهما في الخيمة حوالي نصف ساعة ‪ ،‬كنت انا‬
‫_ ّ‬

‫فيها أتمشى مع نعيمة تحت الشمس الحارقة في صحراء المخيم ‪ ،‬اخمن معها دون نتيجة كيف‬

‫ستكون ردة فعل القذافي ‪ ،‬كان في ذلك االنتظار يتقرر مصيري‪.‬‬

‫_ وصلنا الخبر ان القذافي وافق على الرجل ‪ ،‬شعرت بدفقة حماس واثارة أثر سماعي‬

‫مباركة القذافي لزواجي‪.‬‬

‫جلسنا اربعتنا في الخيمة نتحدث ونشرب القهوة ‪ ،‬كانت موافقته بالنسبة لي أهم من موافقة‬

‫ابي ‪ ،‬و أعتقد أن القذافي كان صادقا في ان اكون سعيدة وان أحظى برجل جيد‪.‬‬

‫_ علمت الحقا ان القذافي حقق معه لمعرفة المزيد عن خلفيته حتى ال تصدعه الحقا أي‬

‫مشكالت أمنية مرتبطة بزواجي من رجل سعودي‪.‬‬

‫_ و في ليبيا اخبرت زوج المستقبل عن عرض سابق للزواج من سيد قذاف الدم حتى ال يلقى‬

‫هذا الموضوع بظالل من الريبة بيننا ‪ ،‬تفهم هو الموضوع ‪ ،‬واقر انني فيه غير ُمالمة‪.‬‬
‫_ في يناير ‪ 3991‬أقمنا حفلة خطوبة باذخة في فندق الميردان بعمان حضرها ضيوف من‬

‫بقاع العالم من بينهم خاشقجي ولوسي بنت ترامل كرو ‪ ،‬اما حفل الزفاف فقد كان في فندق‬

‫انتركونتينتال عمان و تكلف ‪ 2‬مليون دوالر‪.‬‬

‫_ كان فستان زفافي بديله الطويل والمزين بضفيرة ذهبية وآللئ ‪ ،‬يضاهي الفستان الذي‬

‫ارتدته الليدي ديانا في حفل زواجها من األمير تشارلز ‪ ،‬صممته تينا جرين ‪ ،‬التي كان لديها‬

‫متجر في شارع بوند في لندن ‪ ،‬وتكلفته ‪ 252‬ألف دوالر ‪.‬‬

‫_ هدية زوجي الرتديه يوم زفافنا ‪ ،‬كان عقدًا من األلماس بقيمة ‪ 022222‬دوالر أمريكي‬

‫من الصائغ اللندني ديفيد موريس ‪ ،‬بينما كلف تاجي المصنوع من اللؤلؤ ‪ 52222‬دوالر أخرى‬

‫‪ ،‬كان من الممتع أن أحضر التجهيزات مع والدتي التي قدمت من األردن ‪ ،‬كانت مفارش المائدة‬

‫من محالت هارودز مع حلقات مناديل منقوشة ‪ ،‬ليحتفظ بها الضيوف كتذكار ‪ ،‬مصنوعة من‬

‫الذهب عيار ‪ 22‬قيرا ً‬


‫طا‪.‬‬

‫_ أقمنا بعد العرس في لندن فترة قصيرة و فجأة اصر العالوي ان نعود للعيش في السعودية‬

‫‪ ،‬كانت الحياة في الرياض مملة ومقيدة للحرية بسبب الشرطة الدينية والتقاليد االجتماعية ‪ ،‬لطفت‬

‫هذة األجواء الكئيبة عالقتي باألميرة حصة الزوجة األردنية لولي العهد األمير عبدهللا التي‬

‫تعرفت عليها وبناتها الستة في إحدى اللقاءات االجتماعية‪.‬‬

‫_ سافرت إلى األردن إلنجاب مولودي األول " نور " تحت رعاية االسرة ‪ ،‬وسافرت بها‬

‫إلى لندن عندما وصلت عمر الشهرين لتبقى تحت رعاية ممرضة خاصة‪.‬‬

‫_ كانت إقامتنا هناك قصيرة ‪ ،‬كانت نية عبدالحكيم العيش في السعودية ‪ ،‬كنت ارجو ان‬

‫يكون وصول بنتنا هو الضامن لسعادتنا ‪ ،‬نحن االن اسرة صغيرة ‪ ،‬لكن من هناك ارى ان غيوم‬

‫العاصفة قد بدأت تتلبد في االفق ‪.‬‬


‫دعد في حفلة زفافها مع زوجها عبدالحكيم التميمي العالوي و رجل االعمال عدنان خاشقجي‬
‫(‪)8‬‬ ‫الفصل الحادي عشر‬

‫الطالق‬

‫_ رافقني زوجي الجديد في زيارتي إلي ليبيا وكانت الرحلة بمثابة مهمة استكشافية ‪ ،‬كارثية‬

‫من اولها إلى نهايتها ‪.‬‬

‫_ حاولت أن أبقى على التواصل باصدقائي وعالقاتي التجارية في ليبيا ‪ ،‬فقد كنت مدركة‬

‫لضرورة ان اكون حاضرة في عين المكان ‪ ،‬لم اعد ارى العقيد أو اتكلم معه ‪ ،‬وخشيت صدق‬

‫المثل " البعيد عن العين سيكون كذلك بعيد عن الخاطر "‪.‬‬

‫_ بالنظر إلى ما حصل في الزيارة ‪ ،‬كان ينبغي أن اسافر إلى طرابلس لوحدي كالمعتاد ‪،‬‬

‫غير أن زوجي كان متحمسا الن يتبعني فقلت " ولماذا ال "‪.‬‬

‫_ قبل الزواج كان زوجي يبدو متحمسا الستمرار عملي مع النظام ‪ ،‬لكن بالنظر إلى الوراء‬

‫أعتقد أن الغيرة اشتعلت في قلبه حيال مكانتي هناك ‪ ،‬لم تكن زيارته سياحية وال لغرض تجاري ‪،‬‬

‫بل أراد أن يبقى عيناه علي تحركاتي ‪ ،‬األمر الذي سبب لي كل أنواع المشاكل في ليبيا ‪ ،‬ألنه‬

‫اصر ان يجلس في كل اجتماعاتي ‪.‬‬

‫_ كانت طرابلس ترى في السعودية عدو لعالقتها الحميمية بامريكا ‪ ،‬ولك ان تتخيل كيف‬

‫سيفسر حضور زوجي السعودي في تلك االجتماعات الحساسة ‪ ،‬كان الليبيون محقون ان ال يثقوا‬

‫به على أسرار دولتهم ‪ ،‬و يبدو أنه لم يفهم كم اخد األمر مني الستمتع بهذة الثقة التي بنيتها عبر‬

‫سنوات ‪ ،‬طيلة الخمس ايام التي قضيناها هناك كانت المشكلة تأتي وراء األخرى ‪ ،‬وتزيد التوتر‬

‫بيننا‪.‬‬

‫_ كان يستخدم العقيد كعصا يجلدني بها مجازيا ‪ ،‬وكان يحضر اسمه كلما نشب بيننا خالف‬

‫ويقول بنبرة هازئة " ال تظني ان بمعرفتك للقائد الكبير يمكن أن تفعلي ما تشائين " ‪ ،‬أعتقد أن‬

‫زوجي كان خائف بعض الشي من القذافي ‪ ،‬كشف لي في أحد األيام عن بعض مما حصل معه‬

‫‪ - 8‬مختصرات‬
‫في خيمة القذافي قبل زواجنا ‪ ،‬قال عبدالحكيم " أخبرني القذافي ‪ ،‬انت ستتزوج ابنتي ‪ ،‬لو‬

‫جاءتني يوما ما بدمعة واحدة في عينها بسببك ‪ ،‬سأحضرك إلى ليبيا في صناديق"‪.‬‬

‫_ ال أعتقد لدقيقة واحدة ان القذافي كان جادا في تهديده ‪ ،‬لكن هذا جعلني ارجع بالذاكرة إلى‬

‫مقابلة شهيرة لألميرة ديانا مع البي بي سي في عام ‪ ، 3995‬نفس الوقت الذى كان فيه زواجي‬

‫يتفكك ‪ ،‬قالت ديانا " حسنا ‪ ،‬هناك ثالثتنا في هذا الزواج ‪ ،‬لذلك فهو مزدحم قليال " ‪ ،‬في إشارة‬

‫إلى كاميليا باركر باولز التي كانت في ذلك الوقت عشيقة االمير تشارلز ‪.‬‬

‫_ لم يتهمني زوجي مطلقا بأني عشيقة القذافي ‪ ،‬لكن شخصية العقيد الكبيرة ظلت تقتحم‬

‫زواجنا ‪ ،‬ولم يستطع عبدالحكيم تحمل هذا ‪ ،‬لم تكن الغيرة الجنسية ‪ ،‬بل الحسد من عالقاتي‬

‫ومصدر القوة هما من يسبب له التوتر والقلق الدائم‪.‬‬

‫_ كان زوجي رجال طيبا في البيت ‪ ،‬اما خارجه فبدل أن يدعمني أراد لي الفشل ‪ ،‬كان‬

‫أحيانا يتصرف بشكل عصري ومتحضر ‪ ،‬كما تعرفت عليه اول مرة ‪ ،‬وأحيانا كبدوي لم يغادر‬

‫السعودية خاصة في العلن و أمام اسرته ‪.‬‬

‫_ في السنة األولى لزواجنا فكرت انني أقدمت على خطأ فظيع ‪ ،‬لكن صارت االن بيننا‬

‫طفلة ‪ ،‬باإلضافة إلى شخصيتي غير المتقبلة للهروب واالعتراف بالفشل دون الوقوف للمواجهة‬

‫‪ ،‬لهذا اتخدت قرار بالغ األهمية من أجل طفلتي وزوجي ‪ ،‬قررت التراجع عن ليبيا والقذافي مهما‬

‫طالت المدة ‪ ،‬حاولت أن اصبح امراة تقليدية في بيتها ‪ ،‬إجراء اخر ان اقفل شركتي للصرافة‬

‫األجنبية والنفط ‪ ،‬وان إعطي زوجي وطفلتي كل اهتمامي ‪.‬‬

‫_ لم اكن أتحدث مع القذافي في هذة الفترة الصعبة ‪ ،‬لكن حارسته ‪ ،‬صديقتي نعيمة ‪ ،‬كانت‬

‫ي ان افعل ما‬
‫تطلعه على ما يحدث اوال باول ‪ ،‬وصلت منه الرسالة انه يتفهم ما يجري وان عل ّ‬

‫أرى انه ضروري ‪.‬‬

‫ى ‪ ،‬عدا أخيه ابراهيم الذي رفض أن تحضر زوجته إلى‬


‫_ كانت أسرة زوجي عطوفة عل ّ‬

‫منزل والديه ‪ ،‬النه لم يرغب ان يري اخيه وجه زوجته مكشوفا ‪ ،‬في حين كان سعيدا ان يرى‬
‫وجهي عاريا ‪ ،‬وفي أحد األيام فقدت اتزاني و صرخت في وجهه " انت منافق " ‪ ،‬اما الضربة‬

‫الموجعة فكانت عندما اكتشفت ان عبدالحكيم حاول أن ينشيء عالقة غرامية مع سكرتيرته ‪ ،‬قلل‬

‫هو من أهمية ما جرى ‪ ،‬وكأنني انا المالمة كوني زوجة غير كاملة االوصاف في نظره‪.‬‬

‫_ كان االبتعاد الوحيد عن متاعب الزواج هو انهماكي في التقاضي ضد رجل األعمال اسامة‬

‫السلفيتي ‪ ،‬كان مدين لي بعمولة قدرها ‪ 2‬مليون دوالر ‪ ،‬وكنت قد ساعدته في الحصول على‬

‫موطئ قدم في ليبيا من خالل عملي مع الشركة الليبية لالستثمارات األجنبية‪.‬‬

‫_ جاءت ليبيا مرة أخرى في طريقي بشكل غير متوقع ‪ ،‬فقد دعى القذافي زوجي إلى سرت‬

‫للمساعدة في التوسط في مسألة تافهة مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى انجي فيليكس باتسيه ‪،‬‬

‫بعد أن عرف بطريقة ما عن عالقة صداقة تربط االثنين ‪.‬‬

‫_ كانت هذة الزيارة هى المسمار األخير في نعش عالقتنا ‪ ،‬فقد اتصل بي زوجي غاضبا‬

‫وانا في الرياض ‪ ،‬ان من استقبله في المطار كان سيد قذاف الدم ال غير ‪ ،‬كان على القذافي ان‬

‫يرسل أي شخص أخر ‪ ،‬لكن طريقته في المزاح اوحت له ان يرسل ابن عمه الرجل الذي أراد‬

‫الزواج مني الستقبال من هو زوجي حاليا ‪ ،‬كان عبدالحكيم المسكين حانقا شارحا ما حصل على‬

‫أنه محاولة مقصودة من القذافي الهانته‪.‬‬

‫لم يكن تصرف لطيف من القذافي ‪ ،‬وأعتقد أنه كان يحاول أن يظهر لزوجي انه اذا ما خيب‬

‫املي ‪ ،‬أو خذلني فإن هناك بديل ليبي في االنتظار ‪.‬‬

‫بالنظر االن إلى الخلف ‪ ،‬ادركت أن القذافي كان يعرف عن أحوال زواجي أكثر مما كنت‬

‫اتصور‪.‬‬

‫_ منتصف ‪ 3991‬اصيبت امي بسكتة قلبية واصبحت في حالة غيبوبة ‪ ،‬قدمت لي‬

‫األميرة عبير طائرة االسرة الملكية الخاصة للسفر الى االردن ‪ ،‬وتطوعت لالهتمام بطفلتي ‪،‬‬

‫لحق بي زوجي وطفلتي بعد بضعة أيام ‪ ،‬وقفل زوجي عائدا إلى السعودية بعد أسبوعين ‪ ،‬بقيت‬
‫مع امي ‪ 1‬شهور ‪ ،‬وكان من المتفق عليه ان يزورنا زوجي مرتين في الشهر ‪ ،‬ما لم تمنع‬

‫ظروف عمله‪.‬‬

‫_ توقعت بسذاجة ان ما حصل سيحسن األوضاع بيننا ‪ ،‬الى ان تفاجأت بمكالمة هاتفية منه "‬

‫لقد اخدت وقت كاف هناك ‪ ،‬اذا لم تعودي إلى البيت فأنت طالق " اجبته " ماذا لو رجعت إلى‬

‫البيت في العطلة األسبوعية وماتت امي ‪ ،‬حينها لن اسامحك ابدا "‪.‬‬

‫قال ببرود" ليس هذا من شأني ‪ ،‬انت بعيدة لستة شهور االن " ‪ ،‬بالكاد احتويت غضبي‬

‫وأجبت بحدة " ال أهتم و لو كانت ست سنوات ‪ ،‬لن أترك امي ‪ ،‬طلقني اذا شئت ‪ ،‬و هذا ما أريده‬

‫على أية حال "‪.‬‬

‫_ في الصباح انطلق جهاز الفاكس في مكتب ابي يئز وهو يقذف باوراق الطالق‪.‬‬

‫لم يزر طليقي ابنته لمدة ‪ 32‬عام ‪ ،‬ودفعت لوحدي مصاريف دراستها الخاصة في‬

‫بريطانيا ‪ ،‬و تعاملت مع دموعها في غياب والدها ايام االعياد‪.‬‬

‫لم استبعد الزواج مرة ثانية لكنني ‪ ،‬لم أفعلها ‪ ،‬ولو فعلت فلن يكون سعودي‪.‬‬

‫_ مع ال وقت وجدت طريقة للتصالح مع زوجي السابق عبدالحكيم البدر التميمي الذي صار‬

‫رئيس اإلدارة العامة للطيران المدني في السعودية برتبة وزير بين عامي ‪ ، 2239 -2230‬االن‬

‫عندما يأتي لزيارة ابنتنا فإننا نجلس على مائدة العشاء معا في اجواء ودية‪.‬‬

‫_ عندما تحقق الطالق عام ‪ ، 3990‬أصبحت امراة مستقلة وحرة من جديد لالنطالق في‬

‫مشوار حياتي ‪ ،‬حينها تحول انتباهي إلى مكان واحد في الكوكب متأكدة انه سيخلص دماغي من‬

‫زوجي الغيور وطالقي الفوضوي ‪ ،‬لقد قررت انه بعد ثالث سنوات طويلة انا راجعة إلى ليبيا‬

‫كبنت ضالة‪.‬‬

‫_ كنت على تواصل مع نعيمة عندما انهار زواجي وزارتني في األردن ولندن ‪ ،‬لذا ال‬

‫زلت احتفظ بالصالت االجتماعية ‪ ،‬في المقابل ‪ ،‬كل أرتباطاتي التجارية مع ليبيا كانت قد‬

‫انقطعت‪.‬‬
‫_كانت ثمة تقارير عن الفقر في ليبيا بسبب العقوبات ‪ ،‬وارتفاع كبير في نسبة التضخم ‪،‬‬

‫ونقص اإلمدادات في المستشفيات ‪ ،‬والكتب المنهجية عن المدارس والجامعات‪.‬‬

‫_ فوق كل هذا لم يكن عندي فكرة ما اذا كان العقيد سيرحب بوجودي في حظيرة المقربين‬

‫منه بعد هذة الفجوة الطويلة ‪ ،‬يرغب الجميع في االعتقاد انهم غير قابلين لالستغناء عنهم في‬

‫مواقع اعمالهم ‪ ،‬لكن هذا نادرا مايكون صحيح ‪ ،‬فهل انا حرقت جسوري؟‪.‬‬

‫عبدالحكيم التميمي زوج دعد السابق رئيس مجلس إدارة هيئة الطيران المدني في السعودية بين عامي ‪2239-2230‬‬

‫في شقته‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫االشاعات‬

‫اخدت سيارة الليموزين تتهادى في شوارع طرابلس في طريقها إلى مجمع العقيد ‪ ،‬حدقت من‬

‫نافذتها نحو المناظر المألوفة والمشاهد اليومية للشوارع ‪ ،‬على الفور شعرت بكامل احساسي انني‬

‫في بيتي في ليبيا ‪.‬‬

‫ظاهريا لم يتغير الكثير ‪ ،‬في مدينة عصرية مفعمة بالحيوية ‪ ،‬يتوقع المرء بعد غياب ثالث‬

‫سنوات أن يشاهد مبان لمكاتب جديدة وانيقة وفنادق تزدهر‪ ،‬لكن بقى خط االفق على حاله ‪ ،‬لم‬

‫أرى أي دليل على أعمال بناء ‪ ،‬وبنظرة اقرب كان ثمة شعور باالرهاق يجثم على المدينة حيث‬

‫يهيم الرجال بتكاسل وشرود على نواصي الشوارع ‪ ،‬عندما امعنت النظر في محالت المدينة التي‬

‫كانت يوما ما صاخبة ‪ ،‬كل ما لمحته كان صفوف فوق صفوف من االرفف الفارغة‪.‬‬

‫لم تكن ليبيا بالضبط تتضور جوعا ‪ ،‬لكن كان واضحا من هذة المالمح ان العقوبات كانت‬

‫تضرب بشدة ‪ ،‬كان أكثر ما يقلقني هو كيف سيؤثر هذا على مزاج العقيد ‪ ،‬لقد اثار في السابق‬

‫ضجة لها وجاهتها حول جهودي الفاشلة في انقاد زواجي ثم عاد لعمله كالمعتاد ‪ ،‬ومع هذا مازلت‬

‫اخشى انه سيعتبرني منشقة ‪ ،‬وشخص آخر يضاف الى القائمة الطويلة لألشخاص الذين ال يمكن‬

‫الوثوق بهم ‪.‬‬

‫بعد رحلة اليومين للوصول إلى ليبيا عبر تونس ‪ ،‬كنت متوقعة استقبال بارد ‪ ،‬أو وابل من‬

‫التوبيخ ‪ ،‬وربما لكي يعلمني درسا ‪ ،‬سيقرر ان لن يراني ابدا‪.‬‬

‫ما كان ينبغي لي ان اقلق كل هذا القلق ‪ ،‬فقد استقبلني القذافي بمصافحة دافئة و قهوة ‪ " .‬دعد‬

‫‪ ،‬كيف حالك " ‪ ،‬سألني كما لو اني غائبة عنه أسابيع قليلة ‪ ،‬وهذا يعني منذ البداية انه ال يعتبر‬

‫عالقتنا قد تضررت ‪.‬‬


‫غير متأكدة ما اذا كان ينبغي أن اثير مسألة طالقي ‪ ،‬قمت بفتح دردشة غير مهمة ‪ ،‬لكن‬

‫ينبغي أن اكون ممتنة له أكثر ‪ ،‬فما ان سألني " ما مشكلتك ‪ ،‬لماذا انت مهمومة " حتى انهالت‬

‫قصة نهاية زواجي الحزينة‪.‬‬

‫انتظر القذافي حتى انهيت كالمي ثم صفق وقال " هذا افضل قرار اتخدته في حياتك ‪ ،‬هذا‬

‫الرجل ال يستحقك " ‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت ‪ ،‬لم يعد اسم زوجي يذكر بتاتا ‪ ،‬وفيما يتعلق بالعقيد عادت‬

‫عالقة العمل معه إلى سابق عهدها ‪ ،‬قال" اذهبي إلى الشركة الليبية لالستثمارات األجنبية ‪ ،‬وقعي‬

‫عقد جديد‪ ،‬و استمري كما لو ان شئ لم يحدث "‪.‬‬

‫تمتمت بادعية امتنان صامتة ‪ ،‬وأعتقد أن العقيد نفسه كان ممتنا ان اكون في القرب مرة‬

‫اخرى ‪ ،‬مثل امتناني لهذا االستقبال الحماسي ‪ ،‬لقد كنت امثل االستقرار والمقاربة الهادئة ‪ ،‬بينما‬

‫كان االخرون من حوله في حالة دائمة من التقلب ‪ ،‬ولكي يثبت هذا فعال ال قوال ‪ ،‬فقد حل مشكلة‬

‫كانت تؤرقني الليالي ‪ ،‬أثناء زواجي كنت معتمدة ماليا على زوجي ‪ ،‬والقلها بصراحة ‪ ،‬فقد‬

‫تركني ام لطفلة ومفلسة تقريبا ‪ ،‬كان هناك قرض لسداده على شقتي في لندن ‪ ،‬والذي كان طليقي‬

‫يرفض الوفاء به كنوع من االستعراض المثير للشفقة ‪ ،‬انه مازال المسيطر على حياتي ‪ ،‬لقد كان‬

‫مصمم ان يبقيني مفلسة ‪ ،‬و في ذلك الوقت كنت ال أطيق الذهاب إلى المحاكم من أجل مصاريف‬

‫المعيشة أو نفقة طفلتنا ‪ ،‬كنت اريد فقط ان يخرج عبدالحكيم من حياتنا‪.‬‬

‫الفرج الذي جاء بعودتي مجددا إلى العمل التجاري في ليبيا ‪ ،‬جاء مصبوغا بقلق ان األموال‬

‫السائلة التي كسبتها من العموالت على الصفقات التي رتبتها لن تكون في حسابي المصرفي اال‬

‫بعد فترة طويلة ‪ ،‬كانت الحكومة الليبية مدينة لي بمبلغ ‪ 1‬مليون دوالر عن كل صفقات النفط ‪،‬‬

‫ولكن كنت اعرف ان االمر قد يأخد شهور ان لم يكن سنوات لتسوية الفواتير ‪ ،‬وستكون هناك‬

‫مساومات حول المبلغ المستحق بالضبط ‪ ،‬هكذا كانت تجري االمور في ليبيا‪.‬‬

‫طرحت هذا االمر على القذافي فقال " ال تقلقي سنسوي هذا الموضوع " ‪ ،‬قليل من التوقيعات‬

‫‪ ،‬تم اعداد االوراق القانونية الضرورية لتسريع الدفع ‪.‬‬


‫بدأت في التعبير عن امتناني للعقيد ‪ ،‬لكنه لوح بيديه أن ال افعل مضيفا " هذة اموالك وليست‬

‫هدية ‪ ،‬كل ما فعلته هو تسريع االجراءات "‪.‬‬

‫لقد كان كذلك عرفانا بانني لم اطلب من ليبيا ثمن أي من المهام الخاصة ‪ ،‬مثل زيارتي الى‬

‫السجناء في بريطانيا ‪ ،‬وفتحي لقنوات مع إدارة بوش ‪ ،‬كل هذا الذي فعلته كان مجانا ‪ ،‬فقط‬

‫للحفاظ على عالقتي المميزة بالعقيد ‪ ،‬والظهر التزامي مع ليبيا‪.‬‬

‫لقد تحصلت على أموال جيدة من ليبيا على صفقاتي االخرى ‪ ،‬فما الحاجة إلى ان أطمع‬

‫أكثر‪.‬‬

‫بتدخل القذافي اخدت الـ ‪ 1‬مليون دوالر طريقها حاال نحوي من مصرف ليبيا المركزي ‪،‬‬

‫لتحل كل مشاكلي المالية فورا‪.‬‬

‫_ كنت قد أشرت عديد المرات إلى العالقة الخاصة التي ربطتني بالعقيد ‪ ،‬عرفت وقتها ان‬

‫بعض الناس ظنوا أن العالقة كانت تنتهي إلى الفراش ‪ ،‬نادرا ما كانت تقال في وجهي ‪ ،‬لكن‬

‫سمعت من خالل نعيمة ان بعض الناس افترضوا ببساطة انني البد أن اكون إحدى عشيقات‬

‫القذافي ‪ ،‬كانت النميمة تذهب أينما اذهب ‪.‬‬

‫" ماذا تعملين لتجعلي الرئيس مهتما بك إلى هذا الحد؟ " يسألني أحدهم مع غمزة عين " ما‬

‫السر في جعله سعيدا إلى هذا الحد؟ "‬

‫_ استطيع ان أتفهم بشكل كامل السبب وراء هذا الكم من اإلشاعات ‪ ،‬ذلك ألنه حماني من‬

‫مكتب االستخبارات ‪ ،‬ووفر لي جناح فندقي جميل في كل مرة زرت فيها ليبيا ‪ ،‬ووضع تحت‬

‫تصرفي سيارتين رسميتين ‪ ،‬يبدو أن هذة المعاملة فسرت على انني عشيقته ‪ ،‬لذلك ال غرابة في‬

‫تلك االستنتاجات ‪.‬‬

‫خبرت كل أحد يهتم باالستماع ‪ :‬القذافي يمكنه الحصول على أي امرأة جميلة يرغبها ‪،‬‬

‫عالقتي به ليست كذلك ‪ ،‬لو انها كانت فقط عالقة غرامية ‪ ،‬فأنها كانت ستنتهي خالل سنة أو‬

‫اثنتين ‪ ،‬ولو كنت بأوصاف بروك شيلدز‪.‬‬


‫حتى اآلن هناك من سيقرا بين سطور قصتي ويستنتج انها كانت عالقة جنسية ‪ ،‬كل ما‬

‫استطيع قوله إنني لو كنت حقا عشيقة القذافي ‪ ،‬لما كان بإمكاني االستمرار في ليبيا لمدة ‪ 22‬عاما‬

‫‪ ،‬الصحيح ان ه كان يبحث عن شئ اخر في شخصيتي لم يجده في الليبيين من حوله ‪ ،‬في شخصي‬

‫‪ ،‬وجد امراة تتصدى ألي تحد ‪ ،‬وتنجز ما تعد به ‪ ،‬وعلى عكس الكثيرين في دائرته المقربة لم‬

‫أكذب عليه مطلقا ‪ ،‬كذلك فإن جواز سفري األردني كان مورد كبير عندما كانت ليبيا دولة مارقة‬

‫‪ ،‬في النهاية تعبت و انا أنكر كل هذة اإلشاعات عن العالقة فاحاول تحويلها إلى نكثة ‪ ،‬لم استطع‬

‫الفوز حقا ‪ ،‬لكن لو ان أحدهم أدلى بمالحظة ‪ ،‬فإن ردي يكون " ليتها كانت حقيقة "‪.‬‬

‫_ زيارتي الى ليبيا بعد الطالق كانت األطول حتى هذا اليوم ‪ ،‬دامت ‪ 1‬شهور اعدت فيها‬

‫تأسيس معارفي وعالقاتي وإعادة بناء اعمالي التجارية‪.‬‬

‫_ كان هناك تضحية شخصية من جانبي حيث اني تركت طفلتي نور وعمرها سنتان‬

‫ونصف مع اختي لندا في األردن ‪ ،‬و بدون تجميل للكالم ‪ ،‬لدي فواتير بحاجة للدفع ‪ ،‬ليبيا كانت‬

‫بالنسبة لي أملي األفضل في إعادة مسار حياتي الى وضعه الصحيح ‪.‬‬

‫_ في تلك الزيارة اجتمعت بعد فراق مع ابن عم القذافي سيد قال الدم ‪ ،‬سمعت بمرضه فزرته‬

‫في المستشفى ‪ ،‬كان ينام شاحبا على السرير ‪ ،‬وما ان راني حتى عبرت ابتسامة شفتيه ‪ ،‬و قال"‬

‫ال يمكن ان يكون هذا حقيقي ‪ ،‬هل هذة دعد حقا ؟ ‪ ،‬اقرصيني ألتأكد انني صاح ال احلم " ‪ ،‬بعد‬

‫أن تحدثنا وتفاهمنا حول عن ما حصل في سويسرا‪ ،‬اخبرني برصانة " أريدك أن تعرفي انك‬

‫كلما زرتي ليبيا كنت دائما ارتب لبقاء رجالي في الدور الذي تقيمين فيه لغرض حمايتك "‪.‬‬

‫_ خالل مدة الستة شهور في ليبيا دفعت المستحقات المتأخرة على قرض شقتي في لندن ‪،‬‬

‫واشتريت منزل في منطقة سكنية في عمان ‪.‬‬

‫_ عدت للعمل مع الشركة الليبية لالستثمارات االجنبية ‪ ،‬لقد انتزعت اتفاقيات لليبيا لتستثمر‬

‫في سلسلة فنادق في األردن فتتحكم في ‪ ، %35‬ومن خاللي أشترت ليبيا حصص في عدة‬

‫مصارف اردنية ‪ ،‬اجماال‪ ،‬بعد عودتي إلى ليبيا بعد الطالق في ‪ ، 3990‬اقدر انه كان لي دور في‬
‫صفقات بقيمة اكثر من مليار دوالر‪ ،‬و كذلك اسست شركة استشارية جديدة اسميتها ( ترانس‬

‫ارب وولد للوساطات التجارية ) ‪ ،‬ومختصرها تاوكو ‪.TAWCO‬‬

‫كان هناك الكثير من الخطوات الصغيرة في اتجاه انهاء العقوبات ‪ ،‬واحدة من‬ ‫_‬

‫اإلسهامات التي قمت بها كان في تسهيل الطريق الى المجلة األمريكية المرموقة ناشينوال‬

‫جيغرافك الرسال احد كتابها إلى ليبيا ‪ ،‬واقنعت القذافي بمقابلته ‪ ،‬أعجب بعد ذلك بتقرير المجلة‬

‫الذي كان متعاطفا بشكل كبير‪.‬‬

‫_ رجال النظام الذين اوصلوا مشكلة لوكربي الى خط النهاية هم ‪ :‬موسى كوسا ‪ ،‬دمحم الزوي‬

‫‪ ،‬عبدالعاطي العبيدي ‪ ،‬على عكس كوسا غير الجدير بالثقة ‪ ،‬خدم االثنان بالدهما بنكران ذات ‪،‬‬

‫و بدون اهتمام بجيوبهم ‪ ،‬مثل العديد من حولهم ‪ ،‬بعد كل لقاء لهم في لندن كانت التعليمات ان‬

‫يطلعوني عن التقدم الحاصل ‪ ،‬لقد كنت اعمل بجد ونشاط في الخلفية لعدة شهور ‪ ،‬في ترقب لهذا‬

‫اليوم التاريخي لليبيا ( تعليق العقوبات ) ‪ ،‬والذي كنت اعرف انه قريب‪.‬‬

‫_ كان هاتفي خط ساخن ‪ ،‬حتى قبل تعليق العقوبات ‪ ،‬كنت مستعدة لتحرير العقود مع‬

‫شركات متعددة الجنسيات مثل مجموعة ‪ VT‬المتخصصة في الدفاع ‪ ،‬وشركات االتصاالت‬

‫وااللكترونيات‪.‬‬

‫كانت سياستي تتمثل في التركيز على شركات قليلة جيدة ‪ ،‬والعمل معهم بقوة ‪ ،‬وكيلة لهم في‬

‫ليبيا‪.‬‬
‫دعد شرعب في مكتبها وفي الخلفية صورة صديقتها الليبية نعيمة الصغير‬
‫دعد في إحدى المقابالت الصحفية‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫على الطريق‬

‫_ بعد تعليق العقوبات صمم القذافي على تغيير صورة بلده في الخارج ‪ ،‬قل عنه ما شئت ‪،‬‬

‫لكن القذافي كان صاحب شخصية جذابة ويثير دائما قدر كبير من الفضول و االنتباه ‪ ،‬بعد أن نُبذ‬

‫سنوات ‪ ،‬صار عليه طلب ‪ ،‬كأنه اخر نجوم البوب ‪ ،‬وكان تحت النقاش مسالة تخطيط رحلة‬

‫الرضاءه ‪.‬‬

‫_ في هذة االثناء ‪ ،‬تلقيت مكالمة من احد معارفي في مكتب الحكومة األردنية طالبين ان‬

‫أقنع القذافي لزيارة االردن ‪ ،‬بحكم عالقتي القوية به ‪.‬‬

‫_ يطيب لي االعتقاد أنني فهمت ما الذي يؤثر في تصرفات العقيد القذافي ‪ ،‬وادركت بسرعة‬

‫انك اذا اردت منه فعل اى شئ ‪ ،‬فاالمر يتعلق بطريقة مفاتحته بما تريد ‪ ،‬ال أدعي اني كنت‬

‫االعبه على أصبعي الصغير ‪ ،‬و لكن معي غالبا كان يقول نعم اكثر من ال ‪ ،‬و في الحقيقة ‪،‬‬

‫أدركت انه ال يقول ( ال ) مباشرة ‪ ،‬بل يقولها على هذا النحو " احتاج وقت للتفكير بالمسألة " ‪.‬‬

‫فيما يخص رحلة األردن كنت بسهولة استطيع الدخول فجاة إلى مكتبه و اخبره " يجب أن‬

‫تذهب إلى عمان ‪ ،‬هذا في صالح االقتصاد " ‪ ،‬لكنني تعلمت أن اسلك طريق غير مباشر ‪ ،‬فأبدا‬

‫كالتالي " انت تعرف ان صورتك معلقة على حائط مكتبي في األردن ‪ ،‬كان شقيقي هناك ذات‬

‫مرة وسأل من هذا ؟ ‪ ،‬هل تصدق انه لم يتعرف عليك ‪ ،‬سيكون من الجيد ان يتعرف عليك الجيل‬

‫الجديد في األردن ‪ ،‬وربما ينبغي أن ترتب هذة الزيارة ‪ ،‬الن هناك كثير من الفلسطينين يعيشون‬

‫هناك ‪ ،‬وسيكونون مبتهجين لرؤيتك " ‪ ،‬كما لو ان جرس رن في رأس القذافي أجابني " نعم ‪،‬‬

‫سوف اذهب ‪ ،‬اخبري ملكك "‬

‫_شاركتكم هذا الحوار الوضح للمتشككين ان ما يطلق عليه ( سلطتي الخاصة على القذافي)‬

‫لم تكن جنسية ‪ ،‬فباإلضافة إلى الثقة التي بنيتها ‪ ،‬كانت قدرتي على الولوج إلى عقله ‪ ،‬لذلك في‬

‫عام ‪ 2222‬كانت األردن جزء من رحلة صغيرة شملت السعودية و سوريا‪.‬‬


‫_ وقع علي كاهلي المساعدة في تنظيم الجانب االردني من الرحلة ‪ ،‬واغرقني مكتب‬

‫المراسم باألسئلة عن ما يحب وما اليحب ‪ ،‬ونوعية البرامج التي ينبغي ترتيبها له ‪ ،‬اعرف ان‬

‫القذافي مهتم بحقوق المراة ‪ ،‬لهذا اقترحت لقاء مع اتحاد نساء األردن ‪ ،‬باإلضافة إلى المحادثات‬

‫التجارية المعتادة ‪.‬‬

‫ايضا سؤال عن وجباته الغدائية والتي كانت بسيطة جدا ‪ ،‬كان خفيف االكل ‪ ،‬يبدأ يومه‬

‫بتناول حليب اإلبل والتمر ‪ ،‬واكل نباتي في الغداء ‪ ،‬كما أنه يشتهي المكرونة الليبية ‪ ،‬في باكر‬

‫المساء ‪ ،‬ربما يأكل اللحم المشوي ‪ ،‬يصوم االثنين والخميس ألسباب دينية ‪ ،‬يصلي خمس اوقات‬

‫في اليوم ‪ ،‬مطلقا لم اراه يحتسي الخمر الذي منعه بعد وصوله إلى السلطة في ‪ ، 3919‬بعد وفاته‬

‫‪ ،‬انطلقت كل أنواع االدعاءات عن كونه مدمن كوكايين ‪ ،‬مطلقا لم أر أي دليل على تعاطي‬

‫المخدرات ‪ ،‬على العكس كان حريص جدا على صحته ‪ ،‬كان يملك الة المشي في مجمعه ‪ ،‬أحد‬

‫الطرق للحفاظ على لياقته كانت مطاردة االرانب والغزالن على الرجلين في الصحراء ‪ ،‬بالقرب‬

‫من مخيمه في سرت ‪.‬‬

‫_ قرر القذافي ان يسافر بالبر بدل الجو ‪ ،‬وعندما حان الوقت استقبلت مكالمة تليفونية من‬

‫رئيس المراسم األردنية قائال في ذعر" لقد احصيتهم ‪،‬وصل الرئيس القذافي بعدد ‪122‬‬

‫الندكروزر ‪ ،‬لو اتي بهم إلى عمان ستُغلق من االزدحام " ‪.‬‬

‫لم يدهشني الرقم فقد ذهب القذافي إلى التوغو بالف سيارة ‪ ،‬قررت الحديث معه بأسلوبي‬

‫الناعم ‪ ،‬طرقت باب حجرته في قصر الملك بالعقبة ‪ ،‬وقلت له " انت اخبرتني انك تود لقاء الناس‬

‫العاديين في رحلتك إلى االردن ‪ ،‬هل تريد من الناس العاديين ان يقولوا اخرجو القذافي من هنا‬

‫الننا ال نستطيع بسببه الوصول إلى بيوتنا و اعمالنا؟" ‪ ،‬توقف العقيد لحظات ‪ ،‬وسألني بابتسامة ‪:‬‬

‫" هل هذا كالم ملكك ‪ ،‬ام هى فكرتك؟" ‪ ،‬اجبت " انها فكرتي" ‪ ،‬لقد كسرت قاعدتي في عدم‬

‫الكذب عليه ‪ ،‬لكن في هذة المناسبة كان األمر ضروريا‪.‬‬


‫هز القذافي كتفيه وقال" حسنا اذن ‪ ،‬أخبريهم اننا سنقلص عدد السيارات إلى ‪ ، 222‬اتركي‬

‫الباقي في العقبة " ‪.‬‬

‫_ انطلقنا إلى عمان عبر الطريق بنية الوصول إليها قبل غروب الشمس ‪ ،‬كنت في السيارة‬

‫التي تسبق سيارة العقيد مباشرة ‪ ،‬اول توقف لنا كان لوضع حجر األساس لمشروع " الديسي "‬

‫لضخ المياه الجوفية من الصحراء ‪ ،‬بواسطتي وافق العقيد على تمويل هذا المشروع‪.‬‬

‫_ لمح العقيد من الطريق السريع خيمة بدوية فأمر سائقه بالذهاب اليها شاقا طريقه بعيدا عن‬

‫الرتل ‪ ،‬مما احدث ارتباكا في صفوف الرتل ‪ ،‬وللمروحيات األردنية المرافقة ‪ ،‬جلس العقيد مع‬

‫عجوز بدوية بالخيمة لم تتعرف عليه حتى ذكرت لها اسمه ‪ ،‬قبّل يديها وقال لها" هل تعرفي ان‬

‫يدا امي يشبهان في جفافهما يديك بسبب العمل الشاق ‪ ،‬يسرني أن المسهما " ‪ ،‬اخد حزمة دوالر‬

‫من مرافقه ودسها تحت وسادتها ‪ ،‬ويممنا صوب العاصمة ‪ ،‬و في لقاءه مع الملك حكى له عن‬

‫محنة العجوز البدوية قائال " ارغب منك ان تبني بيت جيد لها مزود بالماء و الكهرباء " ‪ ،‬تمت‬

‫الموافقة على رغبته ‪ ،‬تأثر القذافي بهذة العجوز ‪ ،‬بما اَثارت فيه من ذكريات ‪،‬هل تتخيلون قائد‬

‫اخر يمكن ان يتصرف هكذا؟‬

‫كذلك هناك فنان وهو اآلخر بدويا يدعى " عمر عبدالالت " كان القذافي قد تأثر به عميقا‬

‫عندما غنى له في ليبيا عدة ساعات في الماضي حتى بح صوته ‪ ،‬طلب القذافي من ضيوفه‬

‫احضاره للغناء فتدبروا األمر بسرعة ‪ ،‬فحضر وغنى له ذلك المساء‪.‬‬

‫_ كانت زيارة الدولة إلى األردن والتي استمرت اربعة ايام ناجحة ‪ ،‬عبر القذافي من االردن‬

‫إلى السعودية ‪ ،‬فتنفست الصعداء ‪ ،‬ذلك ألن نزواته ستكون تحت مسؤولية طرف اخر‪.‬‬

‫_ بعدها بشهور كانت عمان تستعد لعقد القمة العربية ‪ ،‬ورغبت حضور صديقها الجديد ‪ ،‬اما‬

‫القذافي فيبدو ان له تخطيط اخر ‪ ،‬اتصل بي مكتب الملك طالبا التدخل معه ‪ ،‬سالتهم ‪ " ،‬هل‬

‫اتصلتم بمكتب القذافي رسميا" ‪ ،‬أجاب المتصل " نعم اتصلنا و تم ابالغنا ان عنده التزام اخر في‬

‫بنغازي " ‪ ،‬تمكنت من إقناع القذافي بأن القمة مهمة فوافق على تغيير خططه‪.‬‬
‫_ وصلنا عمان واستقبله الملك شخصيا وانزله في احد قصوره ‪ ،‬بينما اآلخرين في الفنادق ‪،‬‬

‫و ألن أعضاء االسرة الملكية مشغولين في الترتيبات للقمة التي ستنعقد غدا‪ ،‬شعر القذافي بانه ال‬

‫يُعطى االهتمام المناسب ‪ ،‬خاصة لما قدمه لالردن ‪ ،‬فأمر الجميع بالمغادرة إلى ليبيا ‪ ،‬انطلقنا إلى‬

‫المطار وفي الطريق لمح القذافي بائع مثلجات فطلب التوقف ‪ ،‬نزل عنده وتسببت السيارات في‬

‫خلق فوضى في ذروة الساعة المسائية ‪.‬‬

‫استقبلت مكالمة من مكتب الملك على الموبايل ‪ ،‬بأن الملك في القصر تحت تصرف ضيفه‬

‫الليبي ‪ ،‬اخبرت القذافي " ان الملك في انتظارك و ليس من الكياسة كبدوي ان تتركه واقفا هناك"‪.‬‬

‫اومأ القذافي براسه وركب الليموزين قافلين إلى مقر إقامته في القصر ‪ ،‬وجدنا الملك في مالبس‬

‫التشريفات العسكرية واقفا خارج مقر اقامة القذافي ‪ ،‬تقدم في اتجاه القذافي ‪ ،‬وقبل أن يصل إلى‬

‫مصافحته بخمس خطوات تراجع مبتعدا ‪ ،‬اندهشت معتقدة ان الملك بصدد إهانة القذافي ‪ ،‬غير أن‬

‫الملك نزع حزامه العسكري الذي يحتوى على مسدس في جرابه ‪ ،‬ثم تقدم ببطء وصافح العقيد ‪،‬‬

‫تأثرت بتصرف الملك الشاب في احتواء الموقف ‪ ،‬حيث أدرك الملك ان التقدم بالسالح نحو العقيد‬

‫المهتاج قد يساء تفسيره‪.‬‬

‫_ رتبنا للقذافي رحلة الى البحر الميت ‪ ،‬كان مهووس بفلسطين التي يمكن رؤيتها من‬

‫الجانب االردني ‪ ،‬فجعلنا اقامته في فندق موفينبك المملوك جزئيا لليبيا في صفقة ادرتها بنفسي ‪،‬‬

‫وكالعادة ضرب العقيد بالترتيب عرض الحائط ‪ ،‬عندما توقف على بائع شاهي واخد يتحدث معه‬

‫‪ ،‬وحين انصرف الجميع إلى السيارات أعطى الرجل حزمة دوالرات كافية لتغيير حياته في ظل‬

‫دهشة الرجل بحظه الجيد ‪.‬‬

‫_ اميال قليلة توقف القذافي على بائع مشويات ‪ ،‬بعدها انظم الى اوالد يلعبون كرة القدم ‪ ،‬كل‬

‫هذا لم يكن على الجدول ‪ ،‬فصار كوسا المسؤول عن الترتيبات األمنية يصرخ بأن هذا غير امن‬

‫‪ ،‬كان مرتعبا من القرب المكاني من إسرائيل ‪ ،‬مخبرا القذافي اننا في نطاق الصواريخ‬

‫اإلسرائيلية فرد عليه "حياتي بيد هللا ‪ ،‬دعني استمتع بلعب كرة القدم "‪.‬‬
‫وصلنا الى الفندق ‪ ،‬حدق القذافي عبر المياه إلى فلسطين المحتلة وقال " كيف ان األردن‬

‫بهذا القرب وال تعمل شي الرجاع هذة األرض إلى الفلسطينيين " ‪ ،‬رجوته ان يخفض صوته‬

‫حتى ال يخاطر بازعاج ضيوفه فرد" انا ال اهتم "‪.‬‬

‫_في محاولة مني لتحسين مزاجه اقترحت عليه ان يستمتع بجلسة تدليك في الحمام المعدني‬

‫الملحق بالفندق باستخدام طين البحر الميت الشهير ‪ ،‬غير أن موسى كوسا وثالثة من كبار رجاله‬

‫االمنيين رفضوا االقتراح ‪ ،‬بحجة ان المكان لم يتم فحصه مسبقا ‪ ،‬عوضا عن ذلك ذهب العقيد‬

‫للراحة قبل أن يتناول وجبة ويعود إلى عمان ‪ ،‬لدهشتي اتجه كوسا ورجاله الى ذلك المكان‬

‫المفترض انه غير امن الخد تدليك بالطين ‪ ،‬لم استطع منع نفسي من التسبب في بعض الشقاوة ‪،‬‬

‫جريت إلى العقيد وقلت له " هل تعرف ان رجال امنك االن يمتعون أنفسهم في الحمام المعدني"‬

‫توقف العقيد لحظات للتفكير و قال " حسنا ‪ ،‬اجمعي الكل ‪ ،‬سنعود الى عمان ‪ ،‬ولكن أتركيهم‬

‫هناك " ‪ ،‬بينما نحن نستعد لالنطالق ‪ ،‬راي كوسا ‪،‬الذي أنهى التدليك لتوه ‪ ،‬ما يجري فقفز في‬

‫سيارتي وقال بتجهم " اعرف انك انت من اخبرت الرئيس "‪.‬‬

‫بالطبع انكرت معرفتي باالمر ‪ ،‬ولكن لم استطع منع نفسي من الضحك بعد وصولنا عمان ‪،‬‬

‫ذلك أن نوري المسماري رئيس المراسم الليبي كان في انتظارنا بعد أن تدّبر سيارة أجرة‬

‫للوصول قبلنا ‪ ،‬من شدة استعجاله ان طين البحر الميت كان ال يزال ينزل من تحت مالبسه ‪ ،‬تلك‬

‫الليلة وبخ القذافي اربعتهم بقسوة ‪.‬‬

‫أتذكر رحلة أخرى تم ترتيبها للقذافي لحضور القمة العربية في السودان ‪ ،‬كان مقرر ان‬

‫يطير هو الى الخرطوم بعد أيام قليلة ‪ ،‬فانتهزت الفرصة وذهبت الى االردن لقضاء بعض الوقت‬

‫مع ابنتي نور ‪ ،‬ما ان وضعت قدماي في األردن حتى وصلتني الرسالة ان ارجعي فورا إلى ليبيا‪.‬‬

‫اخدت الرحلة التالية إلى طرابلس ‪ ،‬ثم اتصلت بمكتب القذافي ‪ ،‬بقيت في الفندق انتظر الرد ‪ ،‬ال‬

‫رد حتى الصباح التالي عندما دق باب غرفتي رجالن بمالبس عسكرية " تعالي معنا" ‪ ،‬قال‬

‫أحدهما و اضاف " ستذهبين مع الرئيس إلى السودان" ‪ ،‬بدون شرح أضافي ‪ ،‬التقطا حقيبتي‬
‫نصف المفرغة وطلبا ان أتبعهما الى سيارتهما المركونة في االنتظار‪ ،‬في استعجالي نسيت جواز‬

‫سفري في خزنة الفندق ‪ ،‬لكن تم تطميني ان ال تقلقي ‪ ،‬فانت ال تحتاجي إلى جواز ‪ ،‬انت مع‬

‫القذافي ‪ ،‬و تأكد هذا فعال ‪ ،‬ونحن نتنسم هواء مطار الخرطوم ‪ ،‬ثم إلى فندق الهيلتون ‪ ،‬كل هذا‬

‫وانا مازلت معمية بالكامل عن سبب وجودي ‪ ،‬فأنا عادة غير منخرطة بأعمال هذة القمم ‪.‬‬

‫مع العاشرة في ذلك المساء اُستدعيت لرؤية القذافي الذي كان يقيم في فيال خاصة ‪ ،‬في الفناء‬

‫كانت الخيمة البدوية زاهية االلوان ‪ ،‬كان هو داخلها ‪ ،‬دخلت فإذا بي ارى تلفزيون مقلوب على‬

‫األرضية ‪ ،‬والقذافي غاضبا‪.‬‬

‫اصبح واضحا سبب رحلتي المفاجئة إلى الخرطوم ‪ ،‬قال وهو محتدم من الغيظ " لقد أعلنوا‬

‫ان ملكك لن يحضر‪ ،‬اتصلي به االن " ‪ ،‬ألول مرة اعمل هذا الخطأ في معارضة القذافي بطريقة‬

‫مباشرة عندما اخبرته " الوقت متأخر‪ ،‬ساتصل به في الصباح" ‪ ،‬صرخ بشكل حاد في وجهي‬

‫صائحا " اتصلي به االن أو ساقطع العالقات مع األردن" ‪ ،‬كان هذا يعني الكثير للقذافي ‪ ،‬ألنه‬

‫يعتمد على األردن في التصويت على موضوعا ما ‪ ،‬حاولت تهدئة غضبه بالضرب على بعض‬

‫األرقام ‪ ،‬حاولت جاهدة ان اوقض احدا ما ‪ ،‬واخيرا استطعت االتصال بصديق قديم هو هيثم‬

‫المفتي مدير المكتب الخاص لملك االردن ‪ ،‬حصل كل هذا أمام القذافي الذي طلب مني أن اُبقى‬

‫الهاتف على مكبر الصوت ‪ ،‬كنت مرتعبة ان الذي على الخط ربما سيقول شيء غير محسوب ما‬

‫قد يزيد في غضب القذافي ‪ ،‬لذلك بدات بالقول" انا اجلس هنا مع العقيد القذافي في السودان ‪ ،‬لقد‬

‫سمع من التلفزيون ان الملك عبدهللا لن يحضر القمة ‪ ،‬وهو غاضب جدا ‪ ،‬ويود أن يرى الملك هنا‬

‫" ‪ ،‬بالرغم من أنه تفاجأ بالمكالمة ‪ ،‬وانقطع عشاءه في المطعم ‪ ،‬اال ان صديقي فهم حساسية‬

‫الموقف ووعد ببذل ما في وسعه‪.‬‬

‫اصر القذافي ان ابقى معه في الخيمة حتى ينجلي األمر‪ ،‬لكن مع مرور الدقائق أصبح‬

‫المزاج يتوتر باضطراد ‪ ،‬مخافة ان يثور العقيد ‪ ،‬اذا انتظرنا حتى الصباح ‪ ،‬استطعت أن أقنعه‬

‫بذهابي إلى الفندق وان اجري من هناك مزيد من المكالمات ‪ ،‬لم يمض وقت طويل حتى اُستجيب‬
‫دعائي ‪ ،‬واتصل الصديق مؤكدا ان الملك سيحضر القمة احتراما للقذافي ‪ ،‬قفزت سعيدة في اتجاه‬

‫العقيد والقيت عليه األخبار الجيدة ‪ ،‬بأن قلب الملك تغير اكراما للعقيد ‪ ،‬فابتسم و تغير مزاجه‬

‫بسرعة‪.‬‬

‫االن وهو مبتهج ‪ ،‬سألته " لماذا وضعتني في هذا الوضع القاهر‪ ،‬انت تعرف انه ليس عندي‬

‫مكانة رسمية في األردن ‪ ،‬وانني اعرف جاللة الملك وإحدى شقيقاته ‪ ،‬انا فقط جسر بين دولتيكم‬

‫و ليس عندي نفوذ" ‪ ،‬هز القذافي كتفه واجاب ‪ " :‬يا دعد ‪ ،‬كنت اعرف انك ستحلين هذا اإلشكال‬

‫و هذا الذي جعلني اطلب حضورك إلى هنا " ‪.‬‬

‫لست متأكدة من شعوري بالتبجح لهذا االطراء ‪ ،‬أو انني مغتاظه لثقته وإيمانه بي ‪ ،‬لكن كيف‬

‫كان العقيد سيتدبر األمر اذا لم انجح في التواصل مع صديقي في المطعم ذلك المساء ‪ ،‬رايت‬

‫القذافي غاضبا عدة مرات ‪ ،‬لكن التلفزيون المهشم كان جانب عنفي لم اشهده من قبل فيه ‪ ،‬لقد‬

‫كان دليل متزايدا على تقلب مزاجه ‪ ،‬وعدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته‪.‬‬

‫نوري المسماري رئيس المراسم سابقا‪ ،‬انشق عن النظام الحاكم في ‪2232‬‬


‫دعد شرعب في طائرة خاصة من سرت إلى طرابلس بعد لقاءها االخير مع القذافي‬
‫(‪)9‬‬ ‫الفصل الرابع عشر‬

‫االمير والطائرة‬

‫_ واحدة من الفقرات على قائمة تسوق القذافي بعد أن تم الترحيب به في حظيرة المجتمع‬

‫الدولي كانت طائرة خاصة كبيرة ‪.‬‬

‫لم يكن القذافي مغرما بالرموز االستهالكية للمكانة أو البضائع المترفة ‪ ،‬اذكر ذات مرة‬ ‫_‬

‫عدت من اوربا بعد رحلة ناجحة وقدمت له سترة بغطاء رأس على طراز عسكري من ازياء‬

‫فيرزاتشي ليرتديها في الصحراء ‪ ،‬كان سعرها ‪ ، $8222‬لكن بالنسبة له كأنها جاءت من‬

‫متجر خيري أو متجر االشياء المستعملة ‪ ،‬فالقذافي اليملك مفهوم عن قيمة ماركات المصمم‪.‬‬

‫_ كان تطلعه لتملك نسخته الشخصية للطائرة الرئاسية االمريكية جزئيا ألسباب عملية‬

‫ورئيسيا ألسباب امنية ‪.‬‬

‫_ لم تكن الطائرات في نطاق خبرتي ‪ ،‬لكن أحد معارفي كان الملياردير السعودي وليد بن‬

‫طالل ‪ ،‬كان الوليد قد فاتحني قبل تعليق العقوبات بفكرة بناء فنادق فاخرة في ليبيا ‪ ،‬وكان في‬

‫األثناء يتطلع ايضا لبيع اثنين من طائراته الخاصة لتمويل شراء موديله الجديد ‪ ،‬كان بالضبط‬

‫الشخص صاحب العالقات الذي تنشده ليبيا ‪ ،‬لهذا فاتحت العقيد القتراح لقاء معه‪.‬‬

‫" من هذا الرجل ‪ ،‬لم اسمع به مطلقا ؟ " رد القذافي بحركة نافية بيديه ‪ ،‬في حين أنه يحوز‬

‫معرفة موسوعية بالقادة السياسيين ‪ ،‬لم يكن له أدنى فكرة عن هوية واحد من اغنى رجال‬

‫األعمال في العالم ‪ ،‬غير أنني نجحت في إقناعه ان تكوين صالت مع االمير الوليد سيكون مفيدا‪.‬‬

‫_ بعد أن فزت بجانب القذافي رتبت لقاء لالثنين في سرت ‪ ،‬ورتبت لالمير وليد رحلة لبعض‬

‫االمكنة في البالد ‪ ،‬في طبرق فحص األرض المقترح إقامة منتجع جديد عليها ‪ ،‬و في طرابلس‬

‫ساعدته في التفاوض حول عقد انشاء منتجع على الساحل ‪ ،‬و توثقت معرفتي به افضل عندما‬

‫طرنا معا إلى بنغازي ‪ ،‬وكان لقائي التالي معه في الرياض حيث يعيش‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬مختصرات‬
‫_ في صيف ‪ 2223‬دعاني االمير إلى يخته الخاص الذي يرسو في مدينة كان جنوب فرنسا ‪،‬‬

‫كان البرنامج ان نناقش العمل التجاري بشكل عام ‪ ،‬وان نتحدث اكثر عن طائرتيه المستعملتين‬

‫المعروضتين للبيع ‪.‬‬

‫كنت ارتدي بلوزة و تنورة بسيطة للتكيف مع مناخ البحر المتوسط الالهب ‪ ،‬ومسكت‬

‫ضحكتي عندما جاء االمير يرتدي سروال قصير ( شورت ) ‪ ،‬وقميص غير مزرر بالكامل يبين‬

‫شعر صدره ‪ ،‬كان شعره المصفف على الطريقة الفرنسية والنظارات الشمسية يكمالن الصورة‬

‫بالتمام ‪ ،‬هل رجع بنا الزمن إلى السبعينات!‬

‫_ لقد استمتعت بضيافته ‪،‬لكني اندهشت لمزاجه ‪ ،‬فيمكن لالمير ان يفقد هدوءه حول أصغر‬

‫المنغصات ‪ ،‬مثل لو ان فنجان قهوة لم يكن في مكانه‪.‬‬

‫غادرنا على احسن ما يرام حيث عرض االمير عمولة سخية ‪ ،‬لو اني رتبتت صفقة لشراء‬

‫إحدى طائرتيه‪.‬‬

‫_ عقدي مع القذافي والشركة الليبية لالستثمارات االجنبية يسمح لي بأخد نسبة لو اني‬

‫توسطت في اتمام الصفقة ‪ ،‬لكن التفاهم أال اخد شئ من الليبيين‪.‬‬

‫_ تم االتفاق شفويا على الصفقة مع فؤاد عالءالدين ‪ ،‬الممثل الشخصي لالمير‪ ،‬على عشاء‬

‫في مطعم عيّوش بلندن ‪ ،‬لكنها مازالت في انتظار مصادقة العقيد عليها‪.‬‬

‫_ حتى اآلن لم يظهر العقيد كثير من االهتمام بطائرة خاصة تصل إلى طرابلس لصالحه ‪،‬‬

‫لكنه فجأة أعاد الموضوع إلى الحياة معلنا " حسنا ‪ ،‬اين االمير الوليد؟" ‪ ،‬اخدتني المفاجأة على‬

‫حين غرة فأجبت " أعتقد أنه في عمل تجاري في مكان آخر في افريقيا " ‪ ،‬لم يرض هذا العقيد‬

‫فأمرني " احضريه إلى هنا االن مع الطائرتين ‪ ،‬سأختار واحدة " ‪.‬‬

‫_أجريت بعض االتصاالت متتبعة االمير وليد الى الجزائر ‪ ،‬بعدها بيومين كانت‬

‫االيرباص ‪ A340‬والبوينغ ‪ 010‬على مدرج مطار امعيتيقة ‪ ،‬وكنا ثالثنا نحتسي القهوة في خيمة‬

‫العقيد البدوية ‪.‬‬


‫_ حتى اكسر الجليد بينهما أطلقت مزحة فقلت للقذافي " تعرف يا ريّس عندما يصبح‬

‫السعوديون اثرياء ‪ ،‬يصبحون مدلليين جدا حتى انهم يحتاجون إلى طائرتين خاصتين ‪ ،‬لقد ذهبنا‬

‫إلى المطار الستقبال ضيفك االمير ‪ ،‬عندما فرشنا السجاد األحمر كانت الطائرة األولى فارغة ‪،‬‬

‫لحسن الحظ هبطت الطائرة الثانية وهو على متنها"‪.‬‬

‫بالنسبة للعقيد فإن الطرافة تكمن في المماكسة مع االمير حول أي طائرة منهما يشتري ‪،‬‬

‫كان يجول بخاطره سؤال واحد فقط ‪ ،‬ليس عن التصميم والشكل والمظهر أو نظام االلوان أو‬

‫حمام الجاكوزي ‪ ،‬لكنه سأل " ايهما بأربع محركات " ‪ ،‬ظهرت الحيرة على وجه الوليد ‪ ،‬لكنه‬

‫أجاب " االيرباص" ‪ ،‬رد القذافي " في هذة الحالة اترك االيرباص هنا وخد معك البوينغ ‪ ،‬دعد‬

‫سوف تتولى أمر السعر معك " ‪.‬‬

‫_اختار القذافي االيرباص السباب امنية ‪ ،‬والعتبارات السالمة ‪ ،‬كونها تحتوي على أربع‬

‫محركات‪.‬‬

‫_تم حسم الصفقة في دقائق ‪ ،‬األمر الذي ترك باقي السماسرة الذين طاروا إلى طرابلس‬

‫غاضبين ‪ ..‬ومرة أخرى أطلت الغيرة برأسها معتقدين ان سطوتي الخاصة على القذافي كانت‬

‫السبب الوحيد لنجاحي في الحصول على الصفقة ‪ ،‬لقد كانوا اغبياء ‪ ،‬ذلك أن القذافي ال يثق بهم ‪،‬‬

‫وكان يخشى أن تكون الطائرات التي عرضوها مخترقة بالتنصت أو أسوء ‪ ،‬لهذا السبب طلب ان‬

‫يأتي الوليد بطائرتيه في اسرع وقت ممكن ‪ ،‬بالرغم من أنه يعرف مسبقا بأنه سيختار االيرباص‪.‬‬

‫_ ما تبقى كان تحديد السعر وعمولتي ‪ ،‬تم االتفاق عليهما داخل االيرباص على المطار قبل‬

‫أن يغادر االمير على متن البوينغ غير المرغوب فيها‪.‬‬

‫_الرقم النهائي الذي تم االتفاق عليه بيني وبين الشركة الليبية لالستثمارات األجنبية ‪322‬‬

‫مليون دوالر امريكي ‪ ،‬بما في ذلك ‪32‬مليون دوالر امريكي عمولتي انا‪.‬‬

‫حورت للقدافي لتحمل ‪ 52‬كرسي‬


‫_ الطائرة من هذا النوع تحمل عادة ‪ 122‬مسافر ‪ ،‬لكن ً‬

‫درجة اولى للحاشية المرافقة ‪ ،‬وضعت في المؤخرة‪.‬‬


‫_ عندما تنتهي اوراق المعاملة ‪ ،‬ستكون هذة أكبر صفقة مفردة في حياتي ‪ ،‬بدون تدخلي ما‬

‫كان للصفقة ان تنجح ‪ ،‬وكان االمير ممنون جدا لذلك ‪.‬‬

‫_على الرغم من اتفاقنا على سعر ‪ 322‬مليون دوالر امريكي ثمن االيرباص ‪ ،‬كان القذافي‬

‫مصمما على أن ال يعرف عنه أنه دفع أكثر من ‪ 85‬دوالر امريكي ‪ ،‬وهو المبلغ الذي قيل ان‬

‫حسني مبارك دفعه لشراء طائرته الخاصة قبل سنوات قليلة مضت‪.‬‬

‫أدرك القذافي الفطن ان صورته كرجل الشعب ال تنسجم بشكل مريح مع هذا النوع من‬

‫الصرف الباذخ ‪ ،‬كانت هذة طريقته في تخفيف الصدمة‪.‬‬

‫كان الحل ان يتم تحرير اوراق المعاملة على نحو غير صحيح لتظهر أن االيرباص كلفت‬

‫‪ 02‬مليون ‪ ،‬وان ال ‪ 02‬مليون االخرى سيتم استثمارها في برنامج استصالح صحراوي طموح‬

‫‪ ،‬ومشروع زراعي كان الوليد يعد له في دلتا النيل المصري ‪ ،‬اما في الواقع فأن مبلغ ال ‪322‬‬

‫( ‪) 10‬‬ ‫مليون كان مخصص لشراء الطائرة ‪ ،‬و الـ ‪ 22‬مليون كانت للخدعة التى تدعى توشكي ‪.‬‬

‫كان هذا مثال آخر على الخداع الذي مورس على الشعب الليبي ‪ ،‬ال تعريف لهذا اال انه فساد‬

‫على مستوى كبير‪ ،‬لكن كانت هذة الطريقة التي عادة يدار بها النظام ؛ فال شيء يمكن أن يؤخد‬

‫على ظاهره ‪.‬‬

‫_ سددت ليبيا الدفعة األولى وقيمتها ‪ 02‬مليون دوالر إلى االمير الوليد في ‪ ، 2221‬على‬

‫الفور طلبت النصف األول من عمولتي من االمير‪ ،‬لكنه ‪ ،‬وبشكل ينذر بالسوء ‪ ،‬رفض أن يدفع ‪،‬‬

‫قائال انه لن يدفع حتى يتحصل على المبلغ كامال ‪ ،‬رجوت ان يكون هذا راجعا إلى ان االمير‬

‫رجل أعمال صعب المراس ‪ ،‬وليس اشارة على أن صفقتي في طريقها للتالشي ‪ ،‬لسوء الطالع‬

‫كان هذا بالضبط ما يحدث وراء الستار ‪ ،‬كان المسؤولون الليبيون يحاولون إعاقة الدفعة الثانية ‪،‬‬

‫في ذلك الحين سحب القذافي خطة االستصالح الصحراوي المزعوم ‪ ،‬فاصبح االمير مستحقا‬

‫‪ - 10‬توشكي‪ :‬اراض مصرية في الصحراء الغربية‪.‬‬


‫لمبلغ ‪ 52‬مليون دوالر ‪ ،‬وجودي في الصفقة لم ترض عنه االوساط المعتادة ‪ ،‬والشك ان هؤالء‬

‫الرجال كانوا في الطابور من اجل الرشاوي ‪ ،‬فيما لو تم شراء طائرة أخرى‪.‬‬

‫_ كانت الطائرة ال تزال مسجلة بأسم شركة الوليد واسمها( المملكة القابضة ) ‪ ،‬واُخدت‬

‫إلى المانيا لغرض الصيانة بموافقة الليبيين ‪ ،‬فجأة استقبلت مكالمة هائجة من موسى كوسا في‬

‫مكتب االستخبارات يعلمني ان إيرباص القذافي في السعودية ‪ ،‬ليس عندي فكرة عن ما يحدث ‪،‬‬

‫لكنني تدبرت االتصال باألمير الذي كان في سوريا ‪ " .‬ال تقلقي" طمأني االمير ‪ ،‬لقد اخدنا‬

‫الطائرة إلى السعودية حتى نتمكن من إعادة تسجيلها‪.‬‬

‫_ لقد اخطأت في وضع ثقتي باألمير الذي وعد ان االيرباص ستعود خالل أسبوعين ‪ ،‬كنت‬

‫اعرف انها كانت خطوة غبية من االمير بالسماح للطائرة بالهبوط في السعودية التي كانت‬

‫عالقتها متوترة مع ليبيا بسبب المالسنة الشهيرة في القمة العربية بين القذافي وولي عهد‬

‫السعودية في ذلك الوقت االمير عبد هللا بن عبدالعزيز ‪.‬‬

‫_أسابيع وشهور مرت وال خبر من السعودية يعلمني بتسجيل الطائرة ‪ ،‬اخيرا تمكنت من‬

‫الحديث مع االمير الذي كان يتفادى مكالماتي ‪ ،‬قال بوضوح صارم " لن اعيد الطائرة حتى يدفع‬

‫الليبيون الخمسين مليون المتبقية " ‪.‬‬

‫_ لقد كان هذا كارثة ‪ ،‬فلم يكن الليبيون غاضبون ألنهم ُخدعوا‪ ،‬بل قفزوا إلى استنتاج خاطئ‬

‫انني اتاَمر مع سعودي حيث انا من أتى به في المقام األول‪.‬‬

‫كانت هناك محاوالت إلنهاء عقدي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ‪ ،‬من جهتي‬

‫حاولت أن اشرح للقذافي الذي لم يرفض فقط دفع المتبقي ‪ ،‬بل قال باقتضاب" انتهت صفقة‬

‫الطائرة ‪ ،‬اريد استرجاع ال‪ 02‬مليون دوالر"‪.‬‬

‫_ تكتيك االمير الوليد الشرس المصمم للضغط على الليبيين لدفع كامل المبلغ أعاد بالضرر‬

‫عليه ‪ ،‬فقد هددت الليبية لالستثمارات الخارجية بمقاضاته ‪ ،‬مدركا انه ارتكب خطأ جسيما ‪،‬‬

‫اتصل بي االمير في لندن راجيا قدومي إلى باريس للتفاوض حول مخرج ‪.‬‬
‫" هناك طريق واحد امامنا " اخبرت االمير ‪ " ،‬يجب أن تأتي معي إلى ليبيا وتعتذر شخصيا‬

‫للرئيس وتقنعه ان الطائرة امنة لالستعمال " ‪.‬‬

‫_ وافق االمير و قدم إلى ليبيا في احتفاالت يوم الثورة ‪ ،‬و ما ان وصلنا الى الخيمة حتى بدأ‬

‫دمحم الحجازي مدير مكتب العقيد باتهام االمير ملمحا الى انه خاطف و صار يوبخ الرجل‬

‫المندهش في حضور القذافي ‪ ،‬من الواضح أن هذا هو موقف القذافي نفسه ‪ ،‬واال ما كان لنوبة‬

‫الغضب هذة ان تحدث امام ضيف‪.‬‬

‫_لحسن الحظ ‪ ،‬بدأ جو التوتر في االنحسار بعد ان قُدم االعتذار كما ينبغي ‪ ،‬تحصل القذافي‬

‫على طائرته ‪ ،‬وتحصل االمير بعد شهور قليلة على ال ‪ $52‬مليون المتبقية ‪ ،‬كل ما تبقى كان‬

‫عمولتي غير الضئيلة‪.‬‬

‫_ لقد كنت انا من أسس للصفقة ‪ ،‬وتحمل كل المشاق الحياءها عندما ارتكب االمير الخطأ‬

‫الكبير في محاولة للضغط على القذافي ‪ ،‬ومع هذا رفض االمير الجاحد ان يعوضني بمكافأة ‪،‬‬

‫كنت مندهشة ألنني لم اظن ان االمير الذي عنده صفقات تجارية أخرى في ليبيا سوف يختار ان‬

‫يثير غضب العقيد مرة أخرى‪.‬‬

‫مكالماتي لمكتبه تم تجاهلها ‪ ،‬فكرت ماذا سافعل ‪ ،‬أخد أحد أغنى رجال العالم إلى المحكمة‬

‫ليس أمرا سهال ‪ ،‬وبالرغم من انها ستكون عملية طويلة مجهدة ‪ ،‬اال انني كنت متأكدة ان الحق‬

‫في جانبي ‪.‬‬

‫_ قررت مقاضاة الوليد بن طالل ‪ ،‬لكن كما تخوفت ‪ ،‬سيأخد االمر عدد من السنوات قبل أن‬

‫استمتع برؤيته مرتبك خجالن في صندوق الشاهد بالمحكمة ‪ ،‬لم يكن التأخير بسبب بطء عجلة‬

‫العدالة ‪ ،‬لكن أيضا بسبب االحداث التي كانت تهدد حياتي في ليبيا‪.‬‬
‫دمحم الحجازي مدير مكتب القذافي و صار الحقا اخر وزير صحة في عهد النظام السابق‪.‬‬

‫شاب من المنتفضين على القذافي يستريح في طائرة االيرباص التي اشترتها ليبيا من االمير الوليد بن طالل عبر وساطة دعد‬
‫الفصل الخامس عشر‬

‫مفجر لوكربي ؟‬

‫كانت لوكربي الهاجس االكثر سيطرة على عقل العقيد ‪ ..‬في ‪ 2221‬اُستدعيت إلى مكتب‬

‫القائد حيث اُخبرت انه يرسلني إلى سكوتلندا للقاء عبدالباسط المقرحي ‪ ..‬كان للحكومة الليبية‬

‫مكتب صغير في غالسكو غرضه فقط دعم المقرحي ‪ ،‬واحد من الموظفين الخمسة في المكتب‬

‫استقبلني في مطار المدينة ‪ ..‬كانت التعليمات موجزة ‪ :‬تفحصي أحوال المقرحي وقدمي له‬

‫تطمينات انه غير منسي ‪ ،‬كان سعيدا بالمالبس الرياضية والحذاء الرياضي التي احضرتها معي‬

‫‪ ،‬وتحدثنا خالل اكثر من ساعتين عن قضيته ‪ ،‬واحتماالت إطالق سراحه ‪ ،‬رجاني المقرحي ان‬

‫استخدم عالقاتي مع العائلة المالكة في االردن ‪ ،‬وسلمني رسالة الى الملك عبدهللا شرح فيها‬

‫براءته ‪ ،‬وناشده ان يُنقل إلى سجن في أي أراض عربية إلى ان تثبت براءته ‪ ..‬هذة مقتطفات من‬

‫الرسالة ‪:‬‬

‫" اقسم باهلل الواحد الجبار وصفات هللا الحسنى ‪ ....‬انني مطلقا لم ابتاع أي مالبس من أي‬

‫محل في مالطا ‪ ،‬و انني مطلقا لم أر المالبس وال صاحب المتجر اال أثناء المحاكمة عندما قدم‬

‫الشاهد افادته ‪ ،‬كما انني مطلقا لم اتعامل مع حقيبة تحتوي على ما يخالف القانون في اي مطار‬

‫في العالم ‪ ،‬لقد كان وجودي في مالطا ‪ ،‬لو كان ذلك حقا بداية هذة الجريمة ‪ ،‬لمجرد الحصول‬

‫على بعض المستلزمات الضرورية " وفيها ايضا " جاللة الملك ‪ ..‬اتوسل اليك باسم أسرتي‬

‫واطفالي‪ ،‬ان تتناول هذة المشكلة مع المعنيين باالمر في بريطانيا وامريكا لنقلي إلى سجن في‬

‫بالدي أو بالدك أو أي دولة عربية اخرى" ‪ ،‬ومن الرسالة كذلك " جاللة الملك اختم رسالتي بهذة‬

‫لظا ِل ِم أ َ ْهل َها َوٱجعَل لَّنَا ِمن لّدنكَ َوليّا َوٱجعَل لّنا ِمن لّدُنكَ‬ ‫االية ‪ ،‬ربّنَا أ َ ْخرجنَا ِم ْن َٰ َه ِذ ِه ٱ ْ‬
‫لقريَ ِة ٱ ّ‬

‫َصيرا"‪.‬‬
‫ن ً‬

‫االنفصال عن احبابه أثر في حالة المقرحي النفسية ‪ ،‬لم يكن ينام جيدا ‪ ،‬كان عنده خمسة‬

‫أبناء ‪ ،‬وكان حزين ألنه لن يتمكن من حضور فرح ابنته الوحيدة ‪ ،‬قال لي انها حضرت الى‬
‫اسكتلندا باوراق الزواج ليوقعها وفقا للتقاليد العربية ‪ ،‬لقد بكى اسبوع بعد زيارتها ‪ ،‬و اضاف "‬

‫كل يوم ابقى هنا يكبر اطفالي اكثر ‪ ،‬ابنتي كانت طفلة عندما غادرت ليبيا االن هى امرأة ‪،‬‬

‫ارجوك ذ ّكري الرئيس القذافي "‪.‬‬

‫أخبرني المقرحي " جاءني السنوسي وقال لي " هناك اتفاقية مع الغرب الرسالك إلى‬

‫المحاكمة ‪ ،‬يقول القائد انك حر في قبولها أو رفضها ‪ ،‬ال أحد يجبرك على الذهاب ‪ ،‬وستكون‬

‫محمي من جانبنا "‪.‬‬

‫من مشاهداتي ‪ ،‬ان المقرحي تمتع بمعاملة حسنة ‪ ،‬كان يستطيع أن يطهو طعامه الحالل‬

‫وأحيانا يستعمل الصالة الرياضية في السجن ‪ ،‬كما أنه يستطيع مشاهدة القنوات العربية في‬

‫زنزانته ‪ ...‬اخبرت القذافي عن قلق مواطنه حيال مرور السنوات والعجز الواضح للحكومة‬

‫الليبية ‪ ،‬اجاب " التقيه مرة اخرى ‪ ،‬اخبريه انني استقبلت رسالته ‪ ،‬وسأجد له حل ‪ ،‬اخبريه انني‬

‫اعد بأنه سيعود للوطن قريبا " ‪ ،‬من تلك اللحظة عمل القذافي كل شيء ممكن الن تبقى قضية‬

‫المقرحي تحت االضواء‪.‬‬

‫عندما زرته في المرة التالية كان المقرحي مرتعبا ‪ ،‬أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة الغتياله ‪،‬‬

‫بالترك المتعمد لالبواب المؤدية لزنزانته اآلمنة مفتوحة ‪...‬اخبرني " ان السجناء االخرين‬

‫يكرهونني" ‪ ،‬اذا كان ما قاله صحيحا ‪ ،‬فله سبب وجيه ان يكون مرتعبا ‪ ،‬الن مفجر لوكربي كان‬

‫صاحب رأس ثمين ‪ ،‬وعدته بنقل مخاوفه ‪ ،‬وحسب علمي لم يعد يعاني أي ضرر في السجن‪.‬‬

‫في ليبيا احتضنت صفية ‪ ،‬زوجة العقيد ‪ ،‬عائشة زوجة المقرحي تحت جناحها ‪ ،‬كانت تُعامل‬

‫على غرار الشخصيات المرموقة ‪ ،‬و بالنسبة لي احببت المقرحي ‪ ،‬وبقينا على تواصل ‪ ،‬كان‬

‫عنده رقم موبايلي ‪ ،‬ومن حين إلى آخر اتلقى مكالمات ونتبادل رسائل ‪ ،‬كنت ارفع معنوياته‬

‫واطمئنه انه دائما في تفكير العقيد‪.‬‬

‫تم اإلفراج عنه السباب صحية حسب المعلن ‪ ،‬واُستقبل في طرابلس كبطل على متن الطائرة‬

‫التي ساعدتُ القذافي على شرائها ‪ ،‬كان على متن الطائرة ابن القذافي سيف ‪ ،‬كان سيف يتنعم‬
‫بمجد العودة المظفرة للمقرحي ‪ ،‬بالرغم انه في الواقع لم يكن له دور يذكر ‪ ،‬كنت اغلى من‬

‫الداخل وانا اراه يسرق افضال االخرين ‪ ،‬بينما اصحاب العمل الشاق الحقيقيين لم يراهم أحد ‪،‬‬

‫ذهب سيف بانتظام إلى لندن ‪ ،‬ولم يكلف نفسه ولو مرة بأخذ رحلة محلية قصيرة إلى غالسكو‬

‫لزيارة المقرحي في السجن ‪.‬‬

‫في لحظة يأس في السجن ‪ ،‬قال لي المقرحي" انهم سيكونون سعداء جدا لو مت هنا في‬

‫السجن " ‪ ،‬يخامرني الشك انه لم يحصل على اهتمام صحي جيد في السجن الن سرطان‬

‫البروستاتا غالبا ما يستجيب إلى العالج لو تم تشخيصه مبكرا ‪ ..‬توفى المقرحي في أحد ضواحي‬

‫طرابلس في مايو ‪ ... .2232‬قيل عند إطالق سراحه انه سيموت خالل ثالثة شهور ‪ ،‬لكنه عاش‬

‫لثالث سنوات اخرى ‪ ،‬حتى انه ع ّمر اكثر من القذافي ‪ ،‬األمر الذي لم يتصوره أحد في ذلك‬

‫الوقت ‪.‬‬

‫عند إطالق سراحه رجوت له حياة طيبة ‪ ،‬وان يعيش في سالم مع اسرته ‪ ،‬مؤمنة ببراءته ‪،‬‬

‫و بموته اعتبرته الضحية رقم ‪ 203‬من ضحايا لوكربي‪.‬‬

‫قبل ذلك ‪ ،‬كانت الصكوك المالية االخيرة للتعويضات قد دُفعت إلى عائالت الضحايا مع‬

‫استياء كبير من جانب القذافي ‪ ،‬بالرغم من أنه قدّر أهمية االستمرار في الدفعات ‪ ،‬كان غالبا ما‬

‫يثور على ظلمها و كيف سيتم تفسير دفعها ‪ .. ،‬كان يقول ‪ :‬لماذا افعل هذا و ليبيا بريئة ‪ ..‬اخيرا‬

‫استطاع عبدالعاطي العبيدي ‪ ،‬أبرز مستشاريه في قضية لوكربي ‪ ،‬ان يبسط له األمر باوضح‬

‫العبارات في أحد لقاءاتنا مع القذافي ‪ ،‬قال للقائد" أنظر‪ ،‬نحن ال نريد لك ان تعاني مصير صدام‬

‫حسين ‪ ،‬لو كانت التكلفة مال ‪ ،‬فلدينا منه الكثير ‪ ،‬دعنا فقط ندفع لهم ‪ ،‬نتخلص من هذا الموضوع‬

‫‪ ،‬نفتح بالدنا ونحافظ عليها مستقرة ‪ ،‬أمريكا تستطيع أن تفعل ما تشاء ‪ ،‬هل تريد ان ينتهي بنا‬

‫األمر إلى مشاهدتك على التلفزيون مثل صدام حسين ‪ ،‬لقد كانت إشارة صارخة إلى القبض على‬

‫صدام واهانته من قبل القوات األمريكية‪ ،‬الحادثة التي ازعجت القذافي ‪ ،‬رغم كل تبجحه كان‬
‫يعرف ان امريكا وحلفاءها قادرين على اإلطاحة به حاال ‪ ،‬وبدون تأخير ‪ ،‬بعد تدخل العبيدي لم‬

‫يعد القذافي يثير الضجة حول االموال اللعينة‪.‬‬

‫حادثة اخرى تشابه لوكربى هى سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في سبتمبر ‪، 3989‬‬

‫قُتل فيها ‪ 302‬انسان ‪ ،‬أدانت محكمة فرنسية غيابيا ‪ 1‬ليبيين من بينهم عبدهللا السنوسي عدوي في‬

‫مكتب االستخبارات ‪ ،‬حددت المحكمة مبلغ ‪ 11‬الف يورو تعويضا عن كل ضحية مقارنة بعشرة‬

‫مليون عن كل ضحية في لوكربي ‪ ،‬شعر الفرنسي بالخجل ان قيمة حياته اقل بكثير من زميله‬

‫األمريكي أو البريطاني ‪.‬‬

‫قانونيا لم يكن لفرنسا ما تستند عليه حيث ان محكمتها هى من حددت مبلغ التعويض ‪،‬‬

‫لكنها شعرت ان على ليبيا واجب اخالقي ان تزيد المبلغ المقدم إلى العائالت الفرنسية ‪ ،‬استمرت‬

‫المفاوضات سنوات إلى أن تعكر مسارها بسبب تدخل ابن القذافي سيف ‪ ،‬لقد طار إلى باريس‬

‫ووقع اتفاقية تضيف ‪ 385‬مليون يورو اضافي ( مليون دوالر لكل ضحية ) ‪ ،‬األموال كانت‬

‫ستأتي من جمعية خيرية يديرها سيف ‪ ،‬وبحسب االتفاقية لن تقبل ليبيا المسؤولية عن التفجير‪.‬‬

‫قبلت فرنسا الصفقة ‪ ،‬وتم اإلعالن عنها في باريس بصخب احتفالي ‪ ،‬أشعل هذا التصرف‬

‫جحيما في ليبيا ‪ ،‬حيث ظهر وكأن العقيد ليس عنده فكرة عن تدخل ابنه ‪ ،‬احضر وزير الخارجية‬

‫عبدالرحمن شلقم على تلفزيون الدولة ليقول ‪ :‬ليس لالبن " سيف " اي سلطة رسمية ‪ ،‬لذلك‬

‫فاالتفاقية ال قيمة لها ‪ ،‬ولتصبح االمور أكثر سوء ‪ ،‬تبين ان سيف أقنع ولي عهد االمارات دمحم بن‬

‫زايد آل نهيان بضمان الدفع ‪ ،‬ولي العهد تمت مفاتحته من رجل اعمال ليبي صديق لسيف يدعى‬

‫حسن طاطاناكي ‪ ،‬فكان غاضبا لجره إلى هذا الخالف الدبلوماسي ‪ ،‬هذا مثال آخر عن الفوضى‬

‫حول القذافي الذي لم يستطع السيطرة حتى على ابنه‪.‬‬

‫عند سيف مبالغة في تقدير نفسه ‪ ،‬وبال شك كان يأمل في إثارة اعجاب والده ‪ ،‬لكن هذة‬

‫المفاوضات غير المرخص بها مع باريس أعطت نتائج عكسية على نحو كارثي ‪.‬‬
‫كانت الحادثة محرجة جدا للرئيس الفرنسي جاك شيراك ‪ ،‬ومن المحتمل أن تضر ليبيا التي‬

‫ال تريد أن تجعل من فرنسا عدوا في وقت كانت فيه المحادثات حول لوكربي تسير بتوازن دقيق‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي يتكشف فيه كل هذا للعيان ‪ ،‬تلقيت مكالمة من " جين بول بيرير " رئيس شركة‬

‫(تاليس) الفرنسية للدفاع وصناعة الطائرات المملوكة جزئيا للدولة ‪ ،‬كنت التقيته في معرض‬

‫للسالح في لندن حال استحوذت تاليس على شركة (ركال) البريطانية لإللكترونيات التي كنت‬

‫اُمثلها في الشرق االوسط ‪ ،‬كنت ارجو ان اتمتع بنفس الترتيبات مع شركة تاليس ‪ ،‬لكن بيرير له‬

‫صلي اشتهر به هو "سوف نرى!" ‪.‬‬


‫قول تن ُ‬

‫هو االن يطلب تدخلي في هذة المسخرة التي تورط فيها سيف و طاطاناكي ‪ ،‬رجاني بيرير"‬

‫هل يمكنك الحديث مع القذافي ؟‪ ،‬ان الراي العام في بالدنا صار ينمو ضد رئيسنا الذي سيواجه‬

‫انتخابات قادمة‪ ،‬شيراك يحتاج مساعدتك ‪ ..‬وافقت على مقابلة طاطاناكي ‪ ،‬الذي تعرفت عليه من‬

‫خالل صديق مصري مشترك هو شريف حسين ‪ ،‬كان طاطاناكي معارضا لنظام القذافي وتم‬

‫السماح له بالعودة من المنفى بتدخل سيف ‪ ،‬العقيد ال يحب هذا الرجل و لهذا كنت قلقة ‪ ،‬ومع هذا‬

‫عندما التقيت بيرير وموظف من االستخبارات الفرنسية يدعى اَلن جوليت ‪ ،‬كال الرجالن أيدا‬

‫رواية طاطاناكي لألحداث‪.‬‬

‫أخبرني طاطاناكي المذعور انه منذ اندالع الخالف حاول االتصال بسيف وعبدهللا السنوسي‬

‫في مكتب االستخبارات ‪ ،‬لكن كليهما لم يرد على الهاتف ‪ ،‬كان االمير دمحم بن زايد غاضبا ويبحث‬

‫عن إجابات من طاطاناكي ‪ ،‬وألئما عليه بسبب هذة االزمة ‪ ،‬طاطاناكي كذلك ترجاني للتدخل مع‬

‫القذافي ‪ ،‬وأخبرني ان ولي العهد طلب تدخلي ايضا‪ ...‬وافقت على الطيران إلى طرابلس حيث‬

‫جلست مع القائد ‪ ،‬في البداية بدا وكأنه غير مهتما حتى ذُكر اسم دمحم بن زايد آل نهيان ‪ ،‬فطفق‬

‫يستمع فجأة ‪" .‬ماذا تعتقدي؟" ‪ ،‬سألني مدركا أهمية التبعات مع االمارات ‪ ،‬سألني مرتين عن ما‬

‫اذا كان ولي العهد مازال راغبا في ضمان الصفقة لدفع مبلغ الـ ‪ 385‬مليون يورو ‪ ،‬لو تم حل‬

‫هذة الفوضى التي تورط فيها سيف وطاطاناكي ‪ ،‬طمأنت العقيد ‪ ،‬بحسب علمي ان االمر كذلك ‪،‬‬
‫وسيكون هذا جيدا لليبيا لتحتفظ باإلمارات في جانبها ‪ ،‬وكذلك ستكون منفعة سياسية عظيمة في‬

‫تهدئة فرنسا ‪.‬‬

‫قلت له ‪ :‬انظر‪ ،‬ال يستطيع شيراك اجبارك على الدفع ‪ ،‬لكنه سياسي غالبا ما يؤيد الدول‬

‫العربية ‪ ،‬وله تأثير على الدول اإلفريقية الناطقة بالفرنسية ‪ ...‬واعية بأنه مناصر منذ زمن طويل‬

‫لدولة فلسطينية اضفت ‪ :‬ويمكن ان يكون حليف مهم في المستقبل ‪ ،‬يجب أن تكون حريص على‬

‫أال تغضبه هو وفرنسا من وراءه ‪ ،‬لو أراد فهو يستطيع أن يجعل مهمتك في افريقيا صعبة ‪،‬‬

‫اعمل هذا كترضية شخصية لشيراك ‪ ،‬انه ليس بذلك المبلغ الكبير بالنسبة لك ‪.‬‬

‫اخد العقيد كل هذا بعين االعتبار ونطق بالقرار ‪ ،‬اوال وجهي دعوة لولي العهد وجون بول‬

‫بيرير وطاطاناكي لزيارة ليبيا في غضون عشرة ايام ‪ ،‬كان حريصا على أن يتصل نوري‬

‫المسماري ‪ ،‬رئيس مراسمه ‪ ،‬بمكتب ولي العهد في اإلمارات عبر تلفون الثريا وليس الخطوط‬

‫الليبية حتى ال يتنصت على المكالمة كال من عبدهللا السنوسي وموسى كوسا ‪ ،‬و اضاف العقيد ‪:‬‬

‫ارجعي إلى باريس غدا ‪ ،‬واخبريهم بانني سأحل هذا المشكلة‪ ..‬قلت له ‪ :‬ارجوك ال ترسلني إلى‬

‫باريس ثم تصدر أي بيان قد يغضبهم ‪ ،‬ألنني كنت حائرة بشأن ما يدور في رأس القذافي في‬

‫الوقت الذي أستعد فيه للعودة إلى باريس الطلع بيرير على ما جرى‪.‬‬

‫سوف تسمع اإلجابة غدا صباحا ‪ ،‬قلت للرجل الفرنسي و انا أتأمل خيرا ‪ ،‬في اليوم التالي‬

‫على تمام التاسعة صباحا ‪ ،‬اُعلن على قناة الجزيرة ان ليبيا ترسل وزير خارجيتها شلقم إلى‬

‫فرنسا لتوقيع االتفاقية رسميا ‪ ..‬عندما حررت االتفاقية على الورق حملت إمضاء الموظفين‬

‫الحكوميين الليبيين ‪ ،‬وليس إمضاء ابنه ‪ ،‬كان هذا بمثابة قرصة اذن لسيف أمام المأل ‪.‬‬

‫ايام قليلة بعد ذلك وصل ولي العهد وبيرير وطاطاناكي إلى ليبيا للقاء القذافي ومباركة‬

‫االتفاقية رسميا ‪ ،‬في اللحظة األخيرة ‪ ،‬وفي ازدراء متعمد لمعارضه السابق ‪ ،‬رفض القذافي‬

‫مصافحة طاطاناكي ‪ ،‬بالرغم من هذا‪ ،‬تنفس طاطاناكي الصعداء لخروجه سالما من الشرك ‪،‬‬
‫الحقا اتصل ليعبر عن امتنانه لتدخلي ‪ ،‬و إلى اآلن ال اعرف ‪ ،‬هل اخبر ولي العهد اني انا من‬

‫أنقد الموقف ‪ ،‬ام انه ببساطة نسب الفضل لنفسه‪.‬‬

‫اما بيرير فقد كان مبتهجا كما انه لم يهدر عالقته الجديدة بالقذافي ‪ ،‬لقد كان على متن اول‬

‫طائرة فرنسية خاصة تهبط في طرابلس بعد رفع العقوبات لي ّمكن شركة تاليس من التقدم على‬

‫منافسيها ‪ ،‬اما مكافأتي على التدخل ‪ ،‬فأني صرت مستشارة لشركة تاليس في الشرق األوسط ‪.‬‬

‫سيف االسالم القذافي مع المقرحي في عودته من اسكتلندا إلى طرابلس ‪ ..‬رجل االعمال الليبي حسن طاطاناكي‬

‫جون بول بيرير رئيس تنفيذي سابق لشركة تاليس الفرنسية‪.‬‬

‫دعد مع الشيخ دمحم بن زايد آل نهيان‪.‬‬


‫الفصل السادس عشر‬

‫ايام مظلمة‬

‫بالرغم من تأييده للعراق في حرب الخليج االولى ‪ ،‬لم يكن العقيد صديق لصدام حسين ‪ ،‬كان‬

‫يعتبره متنمرا وطاغية ‪ ،‬وبحسب علمي لم يدع القذافي نظيره ولو مرة لزيارة ليبيا ‪ ،‬كانت‬

‫الكراهية بينهما مشتركة ‪ ،‬وبدأت بدعم العقيد اليران في الحرب مع العراق في الثمانينات ‪ ،‬لهذا‬

‫لم يذرف العقيد دموعا عليه عندما ازيح من السلطة بالتحالف الذي قادته أمريكا في ‪.2221‬‬

‫سقوط صدام أقنع القذافي ‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى ‪ ،‬ان البحث عن عالقات افضل مع‬

‫أمريكا و الغرب هو الطريق الصحيح‪.‬‬

‫االفتراض الذي بُنى عليه غزو العراق كان امتالكها المزعوم السلحة الدمار الشامل ‪ ،‬لذلك‬

‫اضطرب العقيد عندما اعتبر الغرب صدام مخادعا ‪ ،‬وغزوه بعد ان رفض أن ينزع أسلحته ‪ ،‬في‬

‫ذلك الوقت كانت ليبيا تملك برنامجها الخاص لألسلحة النووية ‪ ،‬فقاد بلير حملة نشطة إلقناع‬

‫القذافي بالتخلي عنه ‪ ،‬في ذلك الوقت كانت العقوبات ضد ليبيا معلقة ‪ ،‬فأخد بلير يهز بجزرة‬

‫الرفع التام اذا اصطف العقيد وامتثل ‪ ،‬طور االثنان فيما بينهما عالقة دافئة جدا‪.‬‬

‫في أواخر ‪ 2221‬كنت في مكتب العقيد عندما جاءته مكالمة من لندن ‪ ،‬كان القذافي في ذلك‬

‫الوقت يعا ني من الم في الظهر ‪ ،‬فأضطجع على االريكة حتى يتمكن من الحديث عبر مكبر‬

‫صوت الهاتف إلى صديقه بلير ‪ ،‬كنت واقفة هناك مع حزمة اوراق في يدي لتوقيعها من القائد ‪،‬‬

‫ومن مكاني استمعت إلى بداية نقاشهم‪.‬‬

‫لم يكن هذا بعد فترة طويلة من القبض على صدام ‪ ،‬قبل أن يتم تبادل الدعابات المألوفة ‪،‬‬

‫قال العقيد انه يريد اطالع رئيس وزراء بريطانيا على شئ ما ‪ ،‬انا ال أحب الطريقة التي اُهينت‬

‫بها صورة صدام في وسائل االعالم البريطانية ‪ ،‬قاصدا صورة صدام اثناء الكشف الطبي على‬

‫عرض صدام وهم يبحثون عن القمل‬


‫الرئيس العراقي بعد القبض عليه من القوات االمريكية ‪ ،‬فقد ُ‬

‫في راسه ‪ ،‬ويفحصون اسنانه ‪ ،‬وعبر المترجم اضاف " هذا ليس صحيح ‪ ،‬صدام رجل عسكري‬
‫و قائد الجيش ‪ ،‬كان ينبغي أن يعامل باحترام ‪ ،‬وتُعطى له التحية من عسكري يحمل الرتبة األقدم‬

‫‪ ،‬ما كان ينبغي أن يتم عرضه على التلفزيون ‪.‬‬

‫قبل مغادرة الغرفة سمعت بلير يقول‪ :‬رئيس وزراء بريطانيا ال يتحكم في وسائل االعالم ‪،‬‬

‫يبدو أن هذا لم يرض القذافي فقال ‪ :‬ال اريد ان ارى أي شئ مثل هذا يحصل مرة أخرى ‪ ،‬معاملة‬

‫قائد عربي بهذة الطريقة يبني الغضب ضد أمريكا وبربطانيا ‪ ،‬وكما شددت سابقا ‪ ،‬االحترام‬

‫والكرامة تعني الكثير للعقيد حتى و لو تعلق االمر بعدو‪.‬‬

‫يبدو أن هذا التأنيب لم يسبب لبلير أي اذى ‪ ،‬ففي شهر مارس من السنة التالية ‪ ،‬وقع االثنان‬

‫عرف ب"صفقة في الصحراء" في اول زيارة لبلير إلى ليبيا ‪.‬‬


‫ما ُ‬

‫اكد القذافي التزامه بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬مقابل ان تأخد ليبيا وثبة اخرى‬

‫نحو المجتمع الدولي ‪ ،‬النتيجة األبعد لالجتماع في خيمة القذافي كان عقدا بقيمة ‪ 222‬مليون‬

‫دوالر أمريكي لصالح شركة شل الهولندية البريطانية ‪ ،‬وتبعه بعد سنوات قليلة ‪،‬عقد مغري اخر‬

‫مع شركة ‪ BP‬البريطانية‪.‬‬

‫هلل بلير لهذة العالقة الجديدة بين بلديهما واتفقا ان يحاربا معا اإلرهاب والتطرف ‪ ،‬أصبح‬

‫بلير منتظما في زياراته إلى طرابلس حتى بعد أن ترك الوظيفة ‪ ،‬والعقيد أحبه كثيرا ‪ ،‬و لم أسمع‬

‫مطلقا انه ذكره بسوء‪.‬‬

‫زائر اخر عالى المستوى هو فالديمير بوتين الذي قام بالزيارة بعد توسطي في الخالف‬

‫بين ليبيا وروسيا حول األسلحة ‪ ،‬يتعلق االمر بصفقة عمرها ‪ 32‬عام لدبابات روسية لم يتم‬

‫استالمها بسبب العقوبات ‪ ،‬بعد رفع العقوبات اصرت روسيا على إرسال الدبابات مقابل ‪2.5‬‬

‫مليار ‪ ،‬وأرادت ليبيا تمزيق االتفاقية الن العربات المسلحة صارت طراز قديم ‪ ،‬االستياء‬

‫الغاضب على الصفقة سوف يفسد العالقات بين البلدين ‪ ،‬لكن تمكنت من التوصل إلى حل وسط‬

‫يتضمن التخلص من الصفقة االصلية والتوقيع على عقد عسكري ومدني بقيمة ‪ 1‬مليار دوالر‬

‫لصالح روسيا ‪ ،‬يشمل شراء دبابات جديدة ‪ ،‬و كبادرة حسن نوايا تم االتفاق ايضا ان يقوم بوتين‬
‫بزيارة قصيرة إلى ليبيا ‪ ،‬والتي كانت انجاز لصالح القذافي ‪ ،‬وإشارة الى الغرب ‪ ،‬ان االذعان‬

‫ليس الخيار الوحيد ‪ ،‬او أمرا مفروعا منه‪.‬‬

‫سنة ‪ 2222‬التي زار فيها بلير ليبيا كانت مشهودة السباب عديدة ‪ ،‬كان من المفترض أن‬

‫يكون وقت للسعادة ‪ ،‬لكن على العكس كان واحد من أظلم فترات حياتي‪.‬‬

‫ي فراس و عزالدين سيتزوجا ‪ ،‬وسيحضر الحفل في عمان ‪ 122‬مدعو ‪ ،‬سكن‬


‫كان شقيق ّ‬

‫فراس في شقتي في لندن حيث درس إدارة األعمال ‪ ،‬وقضى سنتين في أمريكا قبل تأسيس‬

‫شركته المدادات الجيش بلوازم مثل البطاطين والمالبس العسكرية ‪ ،‬عرفته بمعارفي في ليبيا بما‬

‫في ذلك القذافي ‪ ،‬واستخدم مكتبي في طرابلس كقاعدة لعمله ‪ ،‬وأحبه العقيد ‪ ،‬ووعد بحضور حفل‬

‫زفافه ‪.‬‬

‫كنت في عمان استعد لوضع اللمسات االخيرة لحفل الزفاف ‪ ،‬وكان فراس وشقيقه وابن عمه‬

‫في ليبيا ‪ ،‬حيث لفراس عديد من االصدقاء ‪ ،‬قاموا هناك بتسليم بطاقات الدعوة ‪ ،‬وحتى نأخد نحن‬

‫راحتنا في الترتيبات بدون ازعاجهم ‪.‬‬

‫اتصل عزالدين من ليبيا ‪ ،‬وردت عليه من بيتي ‪ ،‬سيشيليا ابنة اختي ‪ ،‬التي قدمت من أمريكا‬

‫لحضور الزفاف ‪ ،‬سأل عني ‪ ،‬كنت نصف نائمة ‪ ،‬سمعت بكاء ثم صراخ وهذة الكلمات " فراس‬

‫مات " ‪ ،‬ثم انقطع الخط ‪ ،‬ليتركني حائرة في تصديق أذناي ‪ ،‬لم ارغب في تصديق ما سمعت‬

‫منذ قليل ‪ ،‬ألنه كان يبلغ من العمر ‪ 13‬عاما ‪ ،‬ويبدو في صحة جيدة ‪ ،‬كان منخرط في بناء‬

‫األجسام ويتمرن في الصالة الرياضية ‪.‬‬

‫مباشرة اتصلت بمكتب الرئيس رغم أن الساعة كانت الثالثة صباحا ‪ ،‬ال يمكن أن يكون هذا‬

‫صحيحا ‪ ،‬اخبروني لقد رايناه منذ ساعات قليلة فقط ‪ ،‬و لكن سنعمل اتصاالتنا ‪ ،‬بعد ربع ساعة‬

‫رن جرس الهاتف مرة أخرى ‪ ،‬انه مكتب القذافي يؤكد األخبار المروعة ‪ ،‬اقسم اني شعرت‬

‫األرض تهتز تحت قدماي ‪.‬‬


‫في الساعات القليلة القادمة بالحديث مع ابن عمنا ايهاب في ليبيا ‪ ،‬استطعت تدريجيا فهم ما‬

‫حدث ‪ ،‬حصل انهم كانوا يستمتعون بجلسة شواء في فيلتهم في طرابلس في المساء السابق ‪،‬‬

‫عندما بدا فراس في الشكوى من الم في يده ‪ ،‬انطلق في سيارة مع سائق ليشتري مسكنات الم ‪،‬‬

‫ورفض عرض اآلخرين بالذهاب معه ‪ ،‬مصرا على أن ال شئ يدعو للقلق ‪ ،‬بالكاد غادرا حتى‬

‫شعر شقيقي باالالم في الصدر ف ّحول مسار السيارة إلى المستشفى ‪ ،‬حتى عندئدا لم يكن يبدو‬

‫األمر خطيرا ‪ ،‬الحقا وصف السائق كيف كان باستطاعة فراس ان يدخل إلى المبنى بدون‬

‫مساعدة حتى استلقى في غرفة الكشف‪ ،‬بينما كان الدكتور يكشف عليه ‪ ،‬مد شقيقي ذراعه فجأة‬

‫وفصل اجهزة المراقبة المركبة على جسده وصرخ ‪ ،‬اصيب بنوبة قلبية ‪ ،‬وبالرغم من وجوده في‬

‫المستشفى ‪ ،‬ما كان ممكنا انقاده ‪ ،‬كان الشريان الرئيس مسدود ‪ ،‬والتفسير الوحيد الذي قدمه‬

‫األطباء هو نظامه الغدائي عالي البروتين مع المكمالت الغدائية التي يتناولها لبناء الجسم‪.‬‬

‫وفر القذافي طائرة خاصة لنقل الجثمان قبل فجر اليوم التالي ‪ ،‬وفي العزاء حضر وفد من‬

‫الحكومة الليبية وعدد من اصدقائه من البلد‪.‬‬

‫عندما انهار زواجي هربت إلى ليبيا ‪ ،‬وفي هذا الوقت انسحبت إلى لندن ‪ ،‬لمدة ‪ 8‬شهور لم‬

‫اشتغل ‪ ،‬بل امضي اوقاتي في ضياع و تشوش ‪ ،‬لكن اخيرا حان الوقت عندما شعرت اني قادرة‬

‫على العودة إلى ليبيا‪.‬‬

‫رغبت في ان اكون مشغولة مرة اخرى ‪ ،‬وان استعيد بعض االحساس بالحالة السوية ‪،‬‬

‫ولكن حالما وصلت إلى طرابلس كان امامي العمل المؤلم جدا المتمثل في تنظيف فيال شقيقي ‪،‬‬

‫كان القذافي قد أمر بقفلها بعد موت فراس ‪ ،‬لهذا بقى كل شئ كما كان منذ حفلة الشواء التي‬

‫استمتع بها شقيقي في اخر يوم في حياته مع شقيقه االخر وابن عمه‪.‬‬

‫التقيت بالعقيد للمرة األولى منذ وفاة فراس ‪ ،‬ومازلت ارتدي السواد حزنا عليه ‪ ،‬لقد تأثرت‬

‫بتعاطفه ‪ ،‬بدخولي إلى الغرفة وقف القذافي ‪ ،‬احتضني ووضع كلتا يديه على راسي ‪ ،‬وقال" انت‬

‫فقدتي اخيك وهذة إرادة هللا ‪ ،‬و لكن االن بامكانك اعتباري اخوك وابوك ‪ ،‬الحظت ان عينيه‬
‫مغرورقتين بالدموع ‪ ،‬هذا هو الجانب اآلخر للقذافي ‪ ،‬الجانب الذي ال يتحدث عنه ‪ ،‬و ال يكتب‬

‫عنه أحد ‪ ،‬انها هذة الذكرى ‪ ،‬احاول ان استبقيها ‪ ،‬لرجل بكى لموت اخي ‪ ،‬دائما ثمة شئ يجعلني‬

‫مشغولة في ليبيا ‪ ،‬فبقيت هناك ثالثة أسابيع قبل أن اعود إلى االردن‪.‬‬
‫الفصل السابع عشر‬

‫العقيد وعشيقاته‬

‫صد االهتمام غير المرحب به من الرجال الغراميين هو جزء من طبيعة وجودك في ليبيا ‪،‬‬

‫ولكن في كل سنوات عملي للقذافي ‪ ،‬لم يقم و لو مرة بالتقرب مني جنسيا‪.‬‬

‫قد يكون هذا مثار دهشة الن صورته في الغرب كانت النسونجي خارج السيطرة ‪،‬‬

‫والمغتصب المتسلسل ‪ ،‬ومنتهك النساء ‪ ،‬لهذا قد تفترض انه ليس ثمة امراة امنة في حضرته‪.‬‬

‫ليس نيتي الدفاع عن القذافي أو الحكم عليه ‪ ،‬و ال أتظاهر انني اعرف كل شئ عن حياته أو‬

‫ماذا يحدث خلف األبواب المغلقة ‪ ،‬استطيع فقط ان احكي عن ما رأيت وما سمعت وما اُخبرت‬

‫عنه ‪ ،‬ومع هذا فالتصوير المألوف للقذافي كمفترس جنسي ازعجني ‪ ،‬انه ال يتوافق مع الرجل‬

‫الذى عرفته ‪.‬‬

‫لم يكن مالئكة ‪ ،‬بل كان أبعد ما يكون عن ذلك ‪ ،‬للقذافي عالقات غرامية وهذا ال يجعله‬

‫مختلفا عن رؤساء ورؤساء وزراء الدول الغربية ‪ ،‬أو األمراء في الشرق األوسط ‪ ،‬لم يكون أول‬

‫‪ ،‬ولن يكون اخر قائد عالمي يستخدم قوته بهذة الطريقة ‪ ،‬لكن عالقاته بالنساء كانت معقدة‪.‬‬

‫تحت حكم القذافي ‪ ،‬تحسنت أمية النساء بشكل ملحوظ ‪ ،‬زاد عدد السنوات التي تقضيها‬

‫البنات في المدرسة ‪ ،‬كما ُ‬


‫شجعت المرأة على حضور الجامعة ‪ ،‬وتتقلد وظائف إحترافية كالطب‬

‫و القانون ‪.‬‬

‫كلما تعرفت اكثر على شخصية القذافي ‪ ،‬كلما ادركت أكثر انه يضع المرأة في قسمين‬

‫مميزين ؛ في االول تتواجد الالئي يحترمهن ‪ ،‬ولن يتم لمسهن ‪ ،‬و في الثاني تتواجد النساء الالئي‬

‫يعاملهن كدمى لعب ‪.‬‬

‫في واحدة من زياراتي المبكرة إلى ليبيا تم تقديمي إلى امرأة في عمري تقريبا ‪ ،‬كانت من‬

‫بين حارسات القذافي ‪ ،‬قُدمت لي لتطلعني على معالم المدينة ‪ ،‬كنا ندردش ألوقات قليلة ‪ ،‬حينها‬
‫كنت إلى حد ما ملولة من عزلتي ‪ ،‬ومنظر حوائط غرفتي في الفندق‪ ،‬فكنت منفتحة على تكوين‬

‫أصدقاء جدد‪.‬‬

‫قضينا مساءات ممتعة معا ‪ ،‬نقود السيارة في احياء طرابلس ‪ ،‬واالرياف المحيطة ‪ ،‬بعد كل‬

‫هذا لم أكن اعرف عنها اال القليل ‪ ،‬إلى أن تنحت بي جانبا نعيمة صديقتي من االتحاد النسائي ‪،‬‬

‫حذرتني ان احترس من هذة المرأة ‪ ،‬زاعمة انها عشيقة الرئيس ‪ ،‬يبدو أنها التقت بالقذافي بينما‬

‫كانت تدرس ‪ ،‬والحقا رتب لها عضوية مرغوبة في الراهبات الثوريات ‪ ،‬في الوقت الذي تعرفت‬

‫عليها كانت في عالقة مع العقيد ‪ ،‬كانت العالقة سرا مكشوفا داخل دائرته الداخلية لمدة خمس‬

‫سنوات ‪ ،‬كانت جذابة بشعر اسود طويل ‪ ،‬وكانت ذكية‪.‬‬

‫بالرغم من تحذير نعيمة ‪ ،‬احببت المرأة ‪ ،‬وأصبحنا قريبتين لبعض ‪ ،‬اخبرتني انها بينما‬

‫كانت تدرس ‪ ،‬كان القذافي يدفع لها ثمن الكتب ‪ ،‬في صباح االمتحان‪ ،‬وحتى يواتيها الحظ الجيد‪،‬‬

‫كان يرسل لها الموسيقى عبر خط الهاتف‪ ،‬كانت دائما موسيقى لنفس المغنية فيروز ‪ ،‬والتي‬

‫كانت مشهورة جدا في العالم العربي آن ذاك ‪.‬‬

‫مع الوقت أصبحت محل ثقة عشيقة القذافي ‪ ،‬بالرغم من انني لم اكن عمياء عن المخاطرة ‪،‬‬

‫وفي إحدى االيام كشفت لي انه في وقت مبكر في عالقتهما ‪ ،‬أصبحت حامال منه ‪ ،‬اخبرتني ان‬

‫العقيد طلب منها االحتفاظ بالطفل ‪ ،‬لكن رفض الزواج بها ‪ ،‬تقاليد المسلم تسمح له بالحصول‬

‫على أربع زوجات ‪ ،‬لكن اخد محظية كان موضوع اخر‪ ،‬لهذا بقت العالقة مخفية عن الشعب‬

‫الليبي ‪ ،‬غاضبة لرفضه اتباع المسار الشريف ‪ ،‬قامت بالتخلص من الحمل‪.‬‬

‫ال استطيع الوثوق من قصتها ‪ ،‬لكن ليس من سبب يدعوني لعدم تصديقها ‪ ،‬أعتقد انها وثقت‬

‫بي ألنني من خارج البلد ‪ ،‬كانت فقط تريد شخص ما لتبوح له ‪ ،‬في زيارتي التالية علمت انها‬

‫غادرت البلد‪.‬‬

‫سمعت انها تعيش في مصر حيث تزوجت شخص آخر وأنجبت طفلة ‪ ،‬رجعتَ بعدها بوقت‬

‫طويل إلى ليبيا ‪ ،‬و عندما حاولتَ إشعال فتيل العالقة من جديد لم يكن القذافي راغبا فيها ‪،‬‬
‫استأنفنا عالقتنا القديمة ‪ ،‬لكن اخيرا فقدنا التواصل ‪ ،‬ليس لذى فكرة اين هى االن ‪ ،‬البعض يقول‬

‫)‬ ‫‪11‬‬
‫(‬ ‫انها في باريس ‪.‬‬

‫انا هنا ال استخلص أي استنتاج ‪ ،‬جيد أو سيئ عن سلوك العقيد نحو هذة المرأة الشابة ‪ ،‬لكن‬

‫ارجو ان توفر قصتها فهم أكثر قليال عن شخصية العقيد‪.‬‬

‫قيل ان فكرة الراهبات الثوريات لم تكن اال واجهة ‪ ،‬و ُوصفت النساء فيها على انهن الحريم‬

‫ال ُمنقى بمزاج القذافي ‪ ،‬بعد وفاته هناك ادعاءات من بعض النساء انهن انتهكن جنسيا من القائد‬

‫وبعض معاونيه‪.‬‬

‫ي ان‬
‫اما الحارسات و من بينهن نعيمة ‪ ،‬فلم يشتكن لي ابدا من سلوك القذافي ‪ ،‬كان عل ّ‬

‫اعرف العديد منهن ‪ ،‬ألنك لو اردت الدخول على القذافي ‪ ،‬فعليك اوال ان تجتاز الراهبات‬

‫الثوريات صعاب المراس ‪.‬‬

‫االسطورة التي تم صنعها ‪ ،‬ان توصيف العمل يشمل الشكل الحسن ‪ ،‬لكن لم يكن هذا هو‬

‫الحال ‪ ،‬فقد أحاط نفسه بهؤالء النساء ألنهن مخلصات وموثوقات ‪ ،‬وال يمكن رشوتهن ‪ ،‬لقد‬

‫حصل ان الصحف الغربية كانت مهووسة بفرقة القذافي االستعراضية من النساء الحارسات ‪،‬‬

‫فنشرت فقط صور األكثر جاذبية منهن ‪.‬‬

‫األمر نفسه حصل مع ممرضاته وهن عادة من أوكرانيا ‪ ،‬كان القذافي مهووسا بصحته ‪،‬‬

‫وهن دائما في الطلب لقياس نسبه الكولسترول في دمه ‪ ،‬وضغط دمه ‪ ،‬ونظامه الغدائي ‪ ،‬ومن‬

‫جملة ما الحظته ‪ ،‬حافظ القذافي ألسباب أمنية على عالقات مهنية مع الممرضات ‪ ،‬فلماذا عليه‬

‫ان يجعل من الممرضة محظيته ويخاطر بتسميم نفسه بحقنة اذا ما لعبت بعقلها الغيرة‪.‬‬

‫‪ - 11‬في كتاب " الطرائد " للكاتبة الفرنسية تروي لقاءها مع " ثريا " طالبة تم جلبها من المدرسة االعدادية بسرت ‪ ،‬كانت قد اختيرت‬
‫لتقديم هديه للعقيد اثناء زيارته للمدرسة ‪ ،‬وانتهى بها االمر الى مخدعه ‪ ،‬ثم هربت الى فرنسا لسنوات ‪ ،‬واضطرت للعودة الحقا ‪ ،‬وتم‬
‫القبض عليها واعادتها اليه ‪ ،‬لينال منها بصورة اكثر وحشية ‪.‬‬
‫لقد قضيتُ كثيرا من الوقت حول مكتبه في المجمع ‪ ،‬والذي كان مفصوال عن بيته ‪ ،‬كان‬

‫عنده سرير نوم هناك حتى يستطيع الراحة لساعات قليلة خالل اليوم ‪ ،‬أو ينام الليل لو عمل‬

‫متأخرا‪.‬‬

‫استطيع القول تحت القسم انه لم يرم نفسه بالقوة على أية امراة ‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أنه لم‬

‫يستغل منصبه ‪ ،‬كان هناك موكب من النساء ممن رمين أنفسهن على القذافي ‪ ،‬تأتي وفود النساء‬

‫من افريقيا بمالبس مغرية وصدور مكشوفة ‪ ،‬يتقاطرن عليه ليحظين برؤيته ‪ ،‬و هن في نصف‬

‫عمره ‪ ،‬تتصرف تلك النساء كالمومسات ‪ ،‬على أمل ان ينظر القذافي بايجابية إلى بلدانهن ‪ ،‬ال‬

‫أشك في انه استخدمهن للجنس ‪ ،‬ألنهن قُدمن له على طبق ‪ ،‬وهن في المقابل قمن باستغالله‪.‬‬

‫رسميا‪ ،‬كانت مبروكة الشريف مسؤولة عن تنظيم زيارات النساء رفيعات المقام ‪ ،‬ولكن‬

‫دورها غير الرسمي هو تدبير النساء لمتعة القذافي ‪ ،‬كانت توصف بسيدة مأخوره وفي بعض‬

‫األوقات كنت ارى خمس أو ست نساء وصلن معا ‪ ،‬حتى يستطيع ان يُنقي منهن ما يطيب له ‪ ،‬ال‬

‫أعتقد أنه كان مهتما أو محرجا انني شاهدت ما يجري ‪ ،‬لم اتدخل في هذا الجانب من حياته‬

‫الشخصية ‪ ،‬بالرغم من انني في السنوات األخيرة لحكم القذافي كنت قلقة من تنامي تأثير‬

‫مبروكة‪ ،‬كان تعليمها ضعيفا ‪ ،‬وبالكاد تستطيع توقيع إسمها ‪ ،‬ولكن في العشر سنوات االخيرة‬

‫لحكمه مارست عليه قبضة متعاظمة باضطراد‪.‬‬

‫لقد طبقت السحر االسود الذي تعلمته في زياراتها إلى أقطار افريقيا الجنوبية ‪ ،‬بالرغم من‬

‫أن القذافي لم يكن لديه اهتمام بسحرها ‪ ،‬لكنه تسامح معه النها كانت تفتقد الي وازع ‪ ،‬وتنفذ‬

‫طلباته بدون سؤال ‪ ،‬كانت تنشط بشكل رئيسي في الفترة الليلية ‪ ،‬وكان عملها من مكتب القذافي ‪،‬‬

‫شعرها االسود ‪ ،‬وعيناها السودوان ‪ ،‬وبشرتها الشاحبة ‪ ،‬يضيفان عليها مسحة من الترويع‪.‬‬

‫مبروكة التي كانت في عقدها الثالث عندما التقيتها اول مرة ‪ ،‬لم تكن تضع مكياج ابدا ‪،‬‬

‫كانت تضع غطاء على رأسها ‪ ،‬ترتدي الزي العربي التقليدي ‪ ،‬اسود دائما ‪ ،‬يقال انها مولعة‬
‫بااللماس ‪ ،‬احتفظ العقيد بمخزون منه ليمنحه كهدايا إلى زوجات القادة األفارقة ‪ ،‬وبحسب‬

‫الشائعات فإن قليل منه كان ينتهي إلى جيوب مبروكة‪.‬‬

‫كما عبدهللا السنوسي كان لمبروكة ارتباطات عائلية بالقائد ‪ ،‬حيث أنها طليقة أحد أبناء‬

‫عمومته ‪ ،‬ميزة أخرى تشترك فيها مع السنوسي هى الغيرة من أي شخص تخشى قربه من العقيد‬

‫‪ ،‬لم أشعر مطلقا بالراحة بالقرب منها ‪ ،‬وهى أبانت بشكل تام انها ال تحبني كذلك‪.‬‬

‫كنت أبغض الطريقة التي تجر بها النساء للرئيس ‪ ،‬وهو من جانبه منحها وظيفة ال معنى لها‬

‫( رئيسة المكتب الخاص) ‪ ،‬والجميع كان يعرف بالضبط ماذا فعلت ‪ ،‬لقد كان عمل قذر ولم اكن‬

‫ارغب في ان تكون لي عالقة بمبروكة ‪ ،‬كانت تتصل بالقذافي في كل االوقات قائلة "عندي لك‬

‫فتاة جديدة" ‪ ،‬وعندما تكون محيطة به ال يكون للعقيد رغبة بتسيير البلد‪.‬‬

‫هناك امراة واحدة رغبها العقيد ولم تبادله مشاعره القوية ‪ ،‬لقد عشق وزيرة الخارجية‬

‫األمريكية كونداليزا رايس واصفا إياها باميرته اإلفريقية ‪ ،‬احتفظ العقيد بكتاب قصاصات ملئ‬

‫بصور رايس والف اغنية على شرفها ‪ ،‬كان دائما ينجذب إلى المرأة القوية ببشرة سوداء ‪،‬‬

‫وكوندليزا رايس جعلته خائر القوى عاطفيا‪.‬‬

‫قال في مقابلة مع الجزيرة "انا معجب و فخور بالطريقة التي تحني بها ظهرها للخلف‬

‫وتصدر األوامر للقادة العرب‪ ..‬ليزا ‪ ،‬ليزا‪ ،‬ليزا" و اضاف " انا احبها كثيرا‪ .‬و معجب بها كثيرا‬

‫ألنها المرأة السوداء من أصل افريقي"‪.‬‬

‫لقد كان هذا إلى حد ما مثل غرام اوالد المدارس ‪ ،‬كما انني الحظت ان القذافي لم يكن‬

‫بالكامل مرتاحا حول الجنس اآلخر‪ ،‬عندما يتم تقديمه للمرة األولى إلى أمراة كان في بعض‬

‫االحيان ينظر إلى االرضية و يتحاشى التواصل المباشر معها بالعين‪.‬‬

‫ثمة حادث التصق في ذاكرتي ‪ ،‬حصل بدون نوايا مبيتة ‪ ،‬عندما قدم بناء على طلبي ‪ ،‬رجل‬

‫أعمال من سويسرا ‪ ،‬تدبرت له لقاء مع القذافي في مخيمه الصحراوي قرب سرت ‪ ،‬استمر حتى‬

‫المساء المتأخر ‪ ،‬وبينما كنا نضع اللمسات األخيرة على صفقة عملة ‪ ،‬قال الرجل فجأة " بقت‬
‫زوجتي في الفندق و هى ترغب بشدة في لقاءك" ‪ ،‬كانت ردة فعلي نوع من االمتعاض ‪ ،‬لماذا لم‬

‫يطلب ببساطة احضار زوجته منذ البداية ‪ ،‬كان بامكانها ان تصافح القذافي عند انتهاء المحادثات‬

‫‪ ،‬القذافي كان متعود على هذا النوع من الطلبات ‪ ،‬يتقبل هذة االزعاجات برحابة صدر ‪ ،‬وافق‬

‫على أن يرى زوجته لوقت قصير في قاعدة عسكرية ‪ ،‬فقمت انا بمرافقتها ‪ ،‬صافحها القذافي‬

‫بحرارة ‪ ،‬بينما تسللت انا إلى مطبخ مجاور لتحضير المشروبات لهما‪.‬‬

‫عندما رجعت وجدت أن كليهما اختفى تاركين واحدة من حارسات القذافي تشرح لي انه‬

‫اخدها معه الى المكتبة ليريها كتاب ما ‪ ،‬لكنها رجعت لوحدها بعد ثالثين دقيقة تبتسم وتضحك ‪،‬‬

‫المرأة التي كانت ايرانية أعطت اقراطها للحارسة في إشارة إلى امتنانها‪.‬‬

‫كان من الواضح انها سعيدة لحصولها على فرصة اللقاء الخاص بالقذافي ‪ ،‬واطرت على‬

‫اهتمامه ‪ ،‬بعدها غادرنا القاعدة في سيارة ليموزين رسمية عائدين الى الفندق ‪ ،‬فإذا بها تبكي ‪ ،‬ما‬

‫المشكلة؟ سألتها وانا مستغربة عما اذا كانت مريضة ‪ ،‬لدهشتي اجابت ‪ :‬قام القذافي باغتصابي‬

‫وانا خائفة من ردة فعل زوجي ‪ ،‬إلى هذا اليوم ليس لدي فكرة عن ماذا حدث ‪ ،‬عندما كانت مع‬

‫القذافي ‪ ،‬لكنني بوضوح اتذكر المزاج الجيد والهدية ‪ ،‬لم يكن ذلك تصرف امراة تعرضت‬

‫العتداء‪.‬‬

‫لم يُضاف كالم أكثر ‪ ،‬وفي الصباح التالي التقيت بالزوجين في مطار سرت حيث كنا‬

‫جاهزين للسفر إلى طرابلس بطائرة رجل األعمال الخاصة ‪ ،‬كان على متن الطائرة ايضا دمحم‬

‫الحويج مدير الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ‪ ،‬ونوري المسماري رئيس مكتب المراسم ‪،‬‬

‫وخمسة من مرافقي رجل االعمال ‪ ،‬كل خبراتي في ليبيا لم تؤهلني لما سيحدث الحقا‪.‬‬

‫بالكاد اقلعت الطائرة في رحلة قصيرة إلى العاصمة عندما سحب رجل االعمال مسدسا‬

‫ووجهه نحونا ‪ ،‬متهما القذافي باالعتداء على زوجته ‪ ،‬كان يطلب تعويضا بقيمة ‪ 02‬مليون دوالر‬

‫يضمن به سالمتنا‪.‬‬
‫مرت ثوان قليلة ‪ ،‬فتأكد لنا اننا قد صرنا مخطوفين ‪ ،‬كان في عقده السادس فلم أستطع تخيل‬

‫وجود خاطف حقيقي امامي ‪ ،‬ولم أشعر حتى بالخوف عندما اخبرنا اننا سنتجه إلى المانيا‪.‬‬

‫لم يأخد األمر وقتا طويال حتى انتبهت السيطرة الجوية إلى التغيير غير المصرح به لمسار‬

‫الطائرة ‪ ،‬فكانت تظللنا في الحال طائرتين ليبيتين مقاتلتين ‪.‬‬

‫في كل وقت المفاوضات كان المسماري هادئا بشكل ملفت للنظر ‪ ،‬ونجح في إقناع خاطفنا‬

‫بأن ال امل له في الهروب ‪ ،‬اعتقد ان مشهد الطائرتين العسكريتين إعاده إلى رشده ‪ ،‬ولم يكن حقا‬

‫في نيته قتلنا بمسدسه في مقصورة الطائرة المخطوفة ‪ ،‬كانت خطته مجنونة‪.‬‬

‫انتهى الخطف بسرعة كما بدأ ‪ ،‬نزلنا آمنين في مطار طرابلس حيث تحشدت الشرطة‬

‫والخدمات األمنية حول الطائرة‪.‬‬

‫بالنظر إلى الوراء انا مقتنعة ان كل الواقعة بما في ذلك االغتصاب المزعوم كان حبكة غير‬

‫متقنة البتزاز القذافي ‪ ،‬افترض هذان الزوجان عديمي الضمير ان القذافي سيرغب في دفع‬

‫ماليين الدوالرات لحماية سمعته‪.‬‬

‫في بالد أخرى سيتم سجن الخاطف لعقود ‪ ،‬لكن ليبيا شئ مختلف ‪ ،‬ببساطة تم تجريد الخاطف‬

‫من سالحه ‪ ،‬وتم إعادة تعبئة طائرته بالوقود ‪ ،‬وعاد هو وزوجته إلى بلدهما ‪ ،‬أدرك الليبيون ان‬

‫رمي مواطن سويسري في السجن في وقت كان فيه التركيز على تصليح العالقات مع الغرب لن‬

‫يساهم اال في تقويض كل العمل الشاق المبذول في اصالحها‪.‬‬

‫كانوا ال يرغبون في حدوث أزمة دبلوماسية ‪ ،‬أدركوا أن االدعاء باعتداء القذافي على سيدة‬

‫سوف يتم نقله عالميا في األخبار ‪ ،‬لقد كانت واقعة غريبة ‪ ،‬وانا اشاركها الوضح ان ليس كل شئ‬

‫( ‪) 12‬‬ ‫تسمعه أو تقرأه عن العقيد ينبغي ان يؤخد كما هو‪.‬‬

‫‪ - 12‬رئيس المراسم المسماري ايضا ذكر الحادثة الحقا في مقابلة مع صحيفة الحياة ‪ ،‬يقول ‪ " :‬هذه سيدة ايرانية زوجة رجل سويسري‬
‫ت السيدة القذافي ليالً واعتدى عليها بعنف‪ .‬عرفتُ األمر بينما كنا عائدين في‬
‫مشارك في وفد من شركة إيرانية لتوظيف األموال‪ ،‬قا َبلَ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طائرة الوفد والحظنا ان األمن المرافق للوفد اعتقل سيدة على الطائرة‪ .‬كان معنا ايضا دمحم الحويج الذي تولى الحقا حقيبة المال ‪.‬‬
‫حصلت الحادثة‪ ..‬في سرت‪ ،‬ولها تفاصيل ثانية‪ .‬دخلت معهم في تفاوض على الطائرة‪ ،‬وعلى الطائرة عرفتُ ان زوجة السويسري هجم‬
‫عليها القذافي وكانت في حال يرثى لها ‪.‬نعم‪ .‬كانت في غرفة النوم في الطائرة‪ .‬أدخلني إليها زوجها‪ ،‬ووجدتها في حال يرثى لها‪ ،‬الدم‬
‫مبروكة الشريف ‪ ..‬مسؤولة مكتب الشؤون الخاصة او المكتب الخاص‬

‫يسيل منها‪ ،‬فأخبرتني بما حصل‪ .‬قالت ان سيدة جاءت إليها واستدعتها للمقابلة‪ ،‬وكانت برفقتها ضابطة اسمها سالمة‪ .‬وذهبوا الى‬
‫المقابلة‪ ،‬وكانوا في البداية اخبروها بأنها دعوة‪ ،‬ولكن الحقا ً دخل القذافي ودعاها الى المكتب و «هجم» عليها بعنف‪ .‬عندما دخلتُ‬
‫للتحدث مع زوجة السويسري‪ ،‬دخل رجال األمن (الذين كانوا بصحبة الوفد) وقبضوا على السيدة التي كانت برفقتنا وهي الوسيطة التي‬
‫أحضرت الوفد ‪ .‬وحصلت بيني وبين الزوج السويسري مشادّة‪ .‬وقلت له ان ما تفعله خطأ‪ ،‬فقبل أن تخرج من األجواء الليبية ستجد‬
‫الطائرات الحربية تالحقك ‪ .‬كان معهم عناصر من األمن الخاص بهم‪ .‬هؤالء العناصر هم من قيدوا المرأة الوسيطة ‪ ..‬وهي عربية‪.‬‬
‫‪..‬وسألت زوجة السويسري‪ ،‬هل حاولت هذه السيدة إقناعك ؟ فقالت ال‪ .‬وسألتُ السيدة‪ :‬هل قالوا لك انها دعوة‪ ،‬فقالت نعم‪ .‬يعني ان ال‬
‫عالقة لها باألمر‪ .‬ففكوا األغالل ‪ .،‬دمحم الحويج كان خائفا ً وجبانا ً وشبه ميت على الطائرة‪ .‬الحقا ً ‪ ..‬أعتقد بأن السيد عبدالحفيظ الزليطني‬
‫نظم تعاونا ً بين هذه المجموعة السويسرية وليبيا‪.‬‬‫الذي كان وزيرا ً لالقتصاد ّ‬
‫( ‪) 13‬‬ ‫الفصل الثامن عشر‬

‫ملك الملوك‬

‫السنوات التي أعقبت رفع الحصار كانت الفترة الذهبية للقذافي ‪ ،‬طرق بابه كثير من قادة‬

‫العالم ‪ ،‬حتى تضخم احساسه بأهميته ‪ ،‬وزاد من غروره ‪ ،‬اعتقادا منه ان سالمه مع أمريكا‬

‫وبريطانيا يجعله فوق النقد والمعارضة ‪ ،‬وان ال أحد يقدر عليه‪.‬‬

‫في ‪ 2220‬كنت جزء من وفد قوي قوامه ‪ 222‬شخص مع العقيد في رحلته االوربية إلى‬

‫فرنسا و اسبانيا ‪ ...‬انتهت أيامه كمنبوذ ‪ ،‬كان يجب أن يعود له الفضل في هندسة هذا التحول‬

‫غير العادي ‪ ،‬لكنه سمح لهذة الفرصة العظيمة ان تنزلق من بين اصابعه ‪ ...‬خالل تلك الفترة‬

‫أتذكر دردشة عفوية مع بعض أقرب معاونيه بما في ذلك موسى كوسا ‪ ،‬كنا نناقش التغير في‬

‫سلوك العقيد ‪ ،‬قلت لهم " عليكم بايقاضه ‪ ،‬هذا الطريق الذي يسير فيه خطير وسيقضي عليه ‪،‬‬

‫اخبروا الرئيس ان مبالغته في تقدير نفسه ستقتله ‪ ،‬انه يتصرف كإله ‪ ...‬صار مفرط الحساسية‬

‫تجاه النقد ‪ ،‬تناولت مجلة "المجلة" السعودية مقاال عنه ‪ ،‬وعن ابنته عائشة ‪ ،‬فراَه القذافي مهينا ‪،‬‬

‫لسوء الطالع كان رئيس التحرير اردنيا ‪ ،‬فتم ايقاضي منتصف الليل من قبل رئيس المراسم‬

‫نوري المسماري ‪ ،‬واُبلغت ان القذافي غاضب ويريد ان يمتثل أمامه سفير األردن في طرابلس ‪،‬‬

‫ُ‬
‫طلب مني تنظيم اللقاء على الفور ‪ ،‬أوقظ السفير الشريف فواز الزبن من نومه وحضر أمام القائد‬

‫الغاضب في الساعة ‪ 2‬ليال ‪ ،‬حاول السفير االعتذار ‪ ،‬لكن القذافي الحانق اصر على رفع األمر‬

‫إلى الملك عبدهللا الذي سيزور ليبيا في اليومين التاليين ‪ ،‬حاول ملكي تهدئة االمور باعتذار عن‬

‫سلوك مواطنه ‪ ،‬لكن لم يكن القذافي يسمح بالتراجع ‪ ،‬سمعت بعدها بوقت طويل ان الصحفي تم‬

‫تسليمه من مكتب االستخبارات األردني إلى ليبيا للتحقيق معه ‪.‬‬

‫في رائي فقد القذافي قدرته على إصدار أحكام سليمة في األربع سنوات االخيرة من حياته ‪،‬‬

‫قيل انه كان مريض نفسيا ‪ ،‬رغم أن عقله بدا حادا كما كان دائمآ ‪ ،‬أعتقد أنه يعاني من االكتئاب‪.‬‬

‫‪ - 13‬مختصرات‬
‫ذات مرة سألت القذافي ‪ :‬كنت دائما تعارض االلقاب واالن وضعوا تاج على راسك ‪،‬‬

‫ويلقبونك " ملك افريقيا " هذا خطأ ‪ ،‬االن عندما أرى اسمك مكتوب في الصحيفة فإن األلقاب‬

‫التي تسبق اسمك تمأل نصف الصفحة ‪ ،‬ماذا يا ترى كان رده ؟ ال شئ ‪ ،‬بل ابتسامة مبهمة‪.‬‬

‫لم يأتيني مطلقا االحساس ان شعبه سيثور عليه ‪ ،‬لكنك كنت تستطيع االستماع إلى هدير‬

‫التذمر في الخلفية ‪ ،‬الفساد والبيروقراطية حرمتا عامة الليبيين من االزدهار ‪ ،‬قلة من الناس كانت‬

‫غنية جدا ‪ ،‬اما األغلبية فاستمرت تعاني ‪ ،‬لقد حذرت القذافي من الفساد الذي كان رائجا ‪ ،‬لكنه لم‬

‫يتصرف ‪ ...‬أصبح ضيق الصدر ‪ ،‬عدة مرات يخرج غاضبا من االجتماعات اذا لم تسير األمور‬

‫كما يشاء ‪ ...‬جاءني االنطباع انه كان مرهق ‪ ،‬حيث كان في منتصف االلفينات بعمر ‪ 15‬عام‬

‫(عمر التقاعد) ‪ ،‬و له في السلطة اربعة عقود ‪ ...‬أعطى القذافي بلده افضل سنوات عمره ‪ ،‬وقدم‬

‫عديد التضحيات ‪ ،‬واعتقد انه صحا ذات يوم ‪ ،‬فشعر بنفسه مسنا ‪ ،‬استلم السلطة عندما صعد اول‬

‫رجل إلى القمر ‪ ،‬وتبادل أثناء فترة حكمه ‪ 0‬رؤساء امريكان على السلطة‪ ...‬حاول محاربة عملية‬

‫التقدم في السن بصبغ شعره ‪ ،‬لكنها مسألة حساسة ‪ ،‬كل أموال العالم لن ترجعه شابا مرة أخرى‪.‬‬

‫كانت عنده القوة ‪ ،‬لكنه كان يشتهي االشياء العادية ‪ ،‬كان في ليبيا ال يستطيع ان يزور مطعم‬

‫أو سوق دون أن يحتشد حوله الناس ‪ ،‬كان يسألني أسئلة عفوية جدا عن كيف اقضي وقت فراغي‬

‫‪ ،‬تكون اجابتي احيانا اني ذهبت إلى هذا المطعم أو ذاك ‪ ،‬فتلتمع عينيه ويطلب مني" اخبريني‬

‫عنه ‪ ،‬ماذا أكلتي ‪ ،‬اوصفي لي الطعام ‪ ،‬هل استمتعي به ؟ ‪ .‬كانت من نوع االسئلة التي يود‬

‫طرحها طفل‪.‬‬

‫كان واضحا لي انه يعاني في السيطرة على ابناءه الذين استغلوا غيابه خارج البلد في‬

‫أشغال االتحاد االفريقي ‪ ،‬لم يكن معميا عن التهديد الذي شكلوه ‪ ،‬أخبرني ذات مرة ‪ ،‬اذا كان‬

‫ت صديقة ألحد ابنائي ‪ ،‬حينها‬


‫عندك عالقة بي ‪ ،‬فليس لديك عالقة بأي فرد في أسرتي ‪ ،‬واذا كن ِ‬

‫لن تكوني صديقتي ‪ ...‬الجميع من حوله كان يدرك ان االمور ستنتهي بشكل سيئ ‪ ،‬و لكن اما انه‬

‫ال يستمع إلى مستشاريه ‪ ،‬أو ان مستشاريه يخشون معارضته ‪ ...‬عادة اُسأل عن أبناء القذافي ‪،‬‬
‫وللسبب الذي أوضحته فيما سبق ‪ ،‬انا لم اتعرف علي اي احد منهم ‪ ...‬كان في كثير من األحيان‬

‫محبطا بسبب مسلكهم غريب األطوار ‪ ،‬وعاداتهم في البذخ ‪.‬‬

‫في ليبيا كان من الممكن ان تُخفي تصرفاتهم الغريبة ‪ ،‬لكنهم يتركون اثار الفوضى في‬

‫اعقابهم عندما يسافرون الى الخارج ‪ ،‬هناك تقارير عن عراك في النوادي الليلية ‪ ،‬وشرب وسوء‬

‫معاملة للعمال المحليين ‪ ،‬وتعاطي المخدرات ‪ ،‬اعلم انه اضطر إلى حبس اوالده من اجل‬

‫السيطرة عليهم ‪.‬‬

‫في مرحلة معينة كانت هناك اشاعات عن ان القذافي كان يُ ّجمل ابنه سيف ليكون قائدا ‪،‬‬

‫درس سيف في كلية لندن لالقتصاد ‪ ،‬وكانت هناك فضيحة عن تبرعه للكلية بمبلغ ‪ 3.5‬مليون‬

‫جنيه استرليني من منظمته الخيرية ‪ ،‬يدعى البعض أنه اشترى بها شهادته‪.‬‬

‫لقد شهدت بنفسي كيف حاول أن ينسب لنفسه االختراقات التي حصلت في قضيتي لوكربي‬

‫واليوتي أي ‪ ،‬كان مقربا من عبدهللا السنوسي في مكتب االستخبارات ‪.‬‬

‫في مواجهة مع العقيد حول اإلشاعات المتواصلة التي سمعتها حول ان سيف سيكون القائد ‪،‬‬

‫قلت له ‪ :‬لو ان الحال هكذا‪ ،‬دعني اطلع الملك عبدهللا حتى يرتب مع االمريكان ‪ ...‬احسست ان‬

‫الملك عبدهللا صاحب عالقات ممتازة مع الغرب يمكن أن يساعد في تسهيل طريق الخالفة‪ ...‬كان‬

‫القذافي مصرا أن هذا لن يحصل ‪ ،‬لكنني اصررت متسائلة ‪ ،‬بعد أن تموت ‪ ،‬من الذي سيدير ليبيا‬

‫‪ ،‬صدمتني اجابته " انا اوال‪ ،‬و بعد ذلك إلى الجحيم ‪ ،‬ال أهتم بماذا سيحدث " ‪.‬‬

‫ابنه اآلخر المعتصم كانت لديه عالقة غرامية علنية مع عارضة أزياء هولندية ظهرت مرة‬

‫في مجلة بالي بوي ‪ ...‬كان القذافي ُمخيب األمل في كثير من ابنائه ‪ ،‬عدا عائشة الملقبة بـ "‬

‫كلوديا شيفر" شمال افريقيا بشعرها المصبوغ ‪ ،‬ومالبسها االنيقة ‪ ،‬لم تسبب لي عائشة أي متاعب‬

‫‪.‬‬

‫بالنسبة لـ " هناء " ‪ ،‬ابنته بالتبني ‪ ،‬قيل انها ماتت في الغارة االمريكية ‪ ،‬هذا غير صحيح ‪،‬‬

‫واستطيع التأكيد انها مازالت حية ‪ ،‬كان يحبها أكثر من ابنته التي من صلبه‪ ...‬التقيتها في عدة‬
‫مناسبات ‪ ،‬واحدة منها في المسرح عندما كانت بعمر ‪35‬عام ‪ ،‬تحضر حفلة غنائية للفنان هاني‬

‫شاكر‪ ،‬حدث اني كنت اجلس بجانبها ‪ ،‬كانت فتاة بسيطة ‪ ،‬في نهاية العرض طلبت مني أن اعطي‬

‫مفكرتها اليومية إلى شاكر ليوقع عليها ‪ ...‬مع الوقت الذي رتبت به األمر ‪ ،‬كانت هناء قد اختفت‬

‫‪ ،‬لهذا اخدت المفكرة معي إلى الفندق ‪ ...‬لقد داومت الفتاة على تسجيل يومياتها ولم استطع مقاومة‬

‫قراءة قليل من مدوناتها ‪ ...‬كان من الواضح أن لديها مشكالت عاطفية ‪ ،‬وانها متأثرة بوفاة‬

‫والديها الحقيقين عندما كانت طفلة ‪ ،‬هناء أصبحت طبيبة ‪ ،‬وهى االن متزوجة باطفالها ‪ ،‬لقد‬

‫سمعت ان الزواج رتبته صفية زوجة القذافي ‪ ،‬بعد سقوط والدها قضت هناء بعض الوقت في‬

‫الجزائر ‪ ،‬وهى تعيش االن في القاهرة‪.‬‬

‫عدد مجلة "المجلة" الذي اغضب القذافي فأستدعى سفير األردن الساعة ‪ 2‬ليال‬
‫الفصل التاسع عشر‬

‫صانع سالم مستبعد‬

‫في إحدى ايام صيف ‪ 2228‬كنت اجلس في مكتبي بعمان ‪ ،‬رن جرس هاتفي المحمول ‪،‬‬

‫كان المتصل سكرتير من مكتب الرئيس اإلسرائيلي شمعون بيريز‪.‬‬

‫كان حدسي االول انه نوع من المقالب أو الخدع القذرة من مكتب استخبارات القذافي ‪ ،‬في‬

‫كل سنواتي في العمل التجاري لم يكن لدي أي صفقات مع اسرائيل ‪ ،‬كان هذا يناسبني ‪ ،‬بحكم‬

‫جذوري الفلسطينية ‪ ،‬ال يتطلب األمر عبقرية لتستنتج اين يكمن تعاطفي ‪ ،‬فماذا تريد إسرائيل‬

‫مني؟‬

‫كان المتصل ُمصرا ‪ ،‬يرن مرتين أو أكثر ‪ ،‬في النهاية تغلب فضولي ووافقت على االستماع‬

‫‪ ،‬رغم أنه إذا كان الموضوع حقيقي ووصل إلى القذافي انني اتحدث إلى عدو لدود ‪ ،‬فسوف افقد‬

‫الكثير ‪ ،‬كما أن االعداد الكبيرة من معارفي في االعمال التجارية العربية ‪ ،‬بدون شك ستكون لهم‬

‫نظرة سلبية عن أي تواطؤ مع إسرائيل ‪ ،‬لقد خطر ببالي انني اقترف انتحار مهني ‪ ،‬لكنني‬

‫مضيت قدما ‪.‬‬

‫اقتراح لقاء بيننا ‪ ،‬مع اثنين من مستشاري الحكومة اإلسرائيلية ‪ ،‬احسست انه من الحكمة ان‬

‫ابلغ مكتب االستخبارات االردني ‪ ،‬اوال كنت اريد ان أتأكد ان هذا لم يكن خدعة مدبرة ‪ ،‬وثانيا‬

‫احتجت إلى تغطية ظهري ‪ ،‬لم يقال شئ ‪ ،‬لكن كنت متأكدة ان الموضوع يخص ليبيا ‪ ،‬وال عالقة‬

‫له بمصالحي التجارية الخاصة‪.‬‬

‫كنت مندهشة الكتشافي انه ليس فقط كانت االستخبارات األردنية على علم باهتمام إسرائيل ‪،‬‬

‫لكنها أيضا زودتهم برقم هاتفي ‪ ،‬لقد كانت ما يشبه عمليات التجسس بغموضها وسريتها‬

‫وتشويقها ‪ ،‬ورغم انني االن لدي مباركة الحكومة األردنية ‪ ،‬فقد كنت متوترة قليال ‪.‬‬
‫كان مكان اللقاء مطار عمان ‪ ،‬كان الموظفان اإلسرائيليان لم يكشفا قليال عن هويتهما ‪ ،‬فقط‬

‫استشف ‪ ،‬وكما توقعت كانت صالتي بليبيا وراء هذة المفاتحة ‪ ،‬تم اقتراح ان اطير إلى تل أبيب‬

‫إلجراء محادثات ‪.‬‬

‫خطوتي الالحقة في اللحظة التي تأكد فيها ان ليبيا كانت هى الموضوع ان ابلغ القذافي ‪ ،‬لكن‬

‫لم اكن انوي تنبيه اشخاص ‪ ،‬مثل مبروكة الشريف ‪ ،‬وعبدهللا السنوسي ‪ ،‬وموسى كوسا‪.‬‬

‫تجاوزت مكتب االستخبارات الليبي واتصلت بسالمة ميالد ‪ ،‬وهى إحدى الحارسات ‪،‬‬

‫استطيع ان ائتمنها على حياتي ‪ ،‬يبدو أن العقيد كان يشاركني رائي الن سالمة في ذلك الوقت‬

‫كانت واحدة من اقدم النساء بالجيش الليبي وتحمل رتبة عقيد ‪ ،‬قامتها تقريبا بطول العقيد ‪ ،‬ايضا‬

‫جميلة ‪ ،‬كانت سالمة تالئم الصورة النمطية الغربية للحارسات ‪ ،‬والن القذافي لم يصطفيها لشكلها‬

‫‪ ،‬فقد تدربت على يد العسكرية الروسية ‪ ،‬عندما ال تكون في بزتها العسكرية المموهة االعتيادية‬

‫كانت تعشق المالبس االوربية ‪ ،‬وبخالف الثالث شخصيات التي ذكرتها اعاله ‪ ،‬كانت صادقة‬

‫وقلبها طيب ‪.‬‬

‫جاء الرد من سالمة ان القذافي يشاركني احساسي بالفضول ‪ ،‬كان راضيا ان أقابل‬

‫اإلسرائيليين لمعرفة ماذا يريدون ‪ ،‬ومع ذلك تم التوضيح انه ال يجب أن اعطي مؤشر ان العقيد‬

‫القذافي وافق ‪ ،‬أو عرف عن هذا اللقاء ‪ ،‬سوف لن امثل ليبيا ‪ ،‬و لكن ان اتصرف وفقا لقدراتي‬

‫الخاصة ‪ ،‬هذا ليس غير اعتيادي تحت بنود اتفاقي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية‪.‬‬

‫تستغرق الرحلة من عمان الى تل أبيب فقط ‪ 25‬دقيقة عبر طائرة خاصة وفرتها اسرائيل ‪،‬‬

‫لكن كنت ادخل إقليم جديد وتجربة جديدة ‪ ،‬لم يخطر ببالي يوما انه سيكون لي سبب لزيارة‬

‫إسرائيل ‪ ،‬ومع الوصول إليها استمر خداع التخفي ‪ ،‬فال جواز سفر‪ ،‬ال تأشيرة دخول ‪ ،‬وال ختم ‪،‬‬

‫فمن الناحية الرسمية ‪ ،‬زيارة يوليو لم تحدث ‪.‬‬

‫من المطار تم اخدي بسيارة ليموزين معتمة النوافذ إلى فندق بمركز المدينة كان يعج برجال‬

‫االمن ‪ ،‬في جناح بالدور الثالث تم تقديمي إلى شمعون بيريز الرئيس التاسع إلسرائيل الذي مد‬
‫يديه للسالم ‪ ،‬انتم تعرفون االن انني لست دبلوماسية ‪ ،‬وان ال سيطرة لي على عواطفي ‪ ،‬قلت له‬

‫‪ :‬ال استطيع ان اصافحك ألنك تقتل الفلسطينيين كل يوم في غزة ‪ ،‬لم تغادر االبتسامة وجه بيريز‬

‫ورد بهدوء ‪ :‬اجل ِسي سيدة شرعب ‪ ،‬انا سعيد بمقابلتك ‪ ،‬بافتراض انه كان غاضبا ‪ ،‬إال ان‬

‫السياسي المخضرم كان من الحكمة انه لم يظهر للغضب عالمة‪.‬‬

‫اخيرا تم شرح السبب وراء تواصل إسرائيل ‪ ،‬اخد مني الجهد منتهاه حتى ال ينفتح فمي من‬

‫هول عدم التصديق ‪.‬‬

‫بدأ بيريز بالقول ‪ :‬الوسيط بين اسرائيل والفلسطينيين هو الرئيس المصري حسني مبارك ‪،‬‬

‫لكننا نشعر بأن مقاربة طازجة مطلوبة ‪ ،‬نيتي ان احل قضية غزة بتوقيع نوع من االتفاقية مع‬

‫الفلسطينيين ‪ ،‬نحن نعتقد أن الرئيس القذافي هو رجل الوساطة النموذجي ‪ ،‬هل سيساعدنا ؟‬

‫كان طلب فريد ‪ ،‬القذافي اإلرهابي ‪ ،‬القذافي المنبوذ ‪ ،‬اآلن لو فقط استطيع تصديق اذني ‪:‬‬

‫القذافي صانع السالم ‪.‬‬

‫استمر بيريز في التوضيح بأن القذافي في الموقع المناسب تماما الخد هذا الدور ‪ ،‬الن ليبيا‬

‫ليس لها حدود مع إسرائيل ‪ ،‬العداءات القديمة كانت أيديولوجية وليست حول األرض ‪ ،‬وأكثر من‬

‫ذلك ‪ ،‬ليبيا غنية فال تحتاج الى معونات مالية من أي أحد ‪ ،‬باختصار‪ ،‬كان بيريز واثقا انه من‬

‫غير الممكن رشوة أو ابتزاز العقيد ‪ ،‬اخرا و ليس اخيرا‪ ،‬هى مكانة القذافي الجديدة كرجل دولة‬

‫جاد ‪ ،‬كانت شعبيته في العالم العربي تبلغ قمتها ‪ ،‬لذلك بالرغم من سلوكه المتقلب ‪ ،‬فإن بيريز‬

‫كان متأكد ان القذافي سيكون مقبوال عند الفلسطينيين ‪ ،‬اضاف الرئيس بيريز ‪ :‬نحن نعتقد أنه‬

‫الرجل المناسب ‪.‬‬

‫سواء كان هذا هو الحال بالفعل أم ال‪ ،‬فإن رصيد القذافي لم يكن أعلى منه في أي وقت مضى‬

‫‪ ،‬اضاف بيريز‪ :‬نحن على استعداد للسفر إلى ليبيا أو اللقاء به في دولة محايدة ‪ ،‬في هذة المرحلة‬

‫نحن ببساطة نختبر النوايا ‪ ،‬وردود االفعال ‪ ،‬ماذا تعتقدين؟ ‪.‬‬


‫فكرة ان يرحب القذافي بزيارة بيريز او اي وفد اسرائيلي رفيع المستوى الى ليبيا في ذلك‬

‫الوقت ‪ ،‬لم تكن سديدة ‪ ،‬لكن لم استبعد مشاركة القذافي ‪ ،‬بشكل خاص ادركت انها ستعظم من‬

‫غروره المتورم ‪.‬‬

‫درسنا مواقع قليلة ممكنة الستضافة الحدث ‪ ،‬فقررنا أن بلدي التي للقذافي فيها ذكريات‬

‫محببة ‪ ،‬ربما تكن الحل الوسط الجيد ‪.‬‬

‫استمر اللقاء مع شمعون بيريز ساعتين ‪ ،‬وعندما كان وقت مغادرتي ‪ ،‬وقف كالنا لتبادل‬

‫الكلمات الوداعية ‪ ،‬رغما عن نفسي وجدت انني أشعر بالمودة تجاه بيريز الذي كان قد اظهر‬

‫اهتمام بخلفية عائلتي ‪.‬‬

‫أعتقد أنه كان صادقا في محاولته ايجاد حل لمسألة غزة ‪ ،‬واستهوتني فكرة انني يمكن أن‬

‫اكون قوة دفع لخير الشعب الفلسطيني ‪ .‬وبينما كنا نغادر ‪ ،‬بادرت إلى مصافحته ‪ ،‬وتقبيل خديه‬

‫بطريقة عربية تقليدية ‪.‬‬

‫شعرت انني اوصلت وجهة نظري عندما قُدمنا لبعض بداية ‪ ،‬وان اي إهانة أخرى ستكون‬

‫فظيعة ‪.‬‬

‫خطوتي التالية كانت ان ابلغ مكتب المخابرات األردني مرة اخرى ‪ ،‬وان اطرح االقتراح‬

‫الخاص بمخيم السالم ‪ ،‬وفي قلبه القذافي ‪.‬‬

‫بالنسبة لالردن التي ستكسب الثناء الخدها المبادرة ‪ ،‬سوف تكون سعيدة بالمضي قدما ‪ ،‬لكن‬

‫كنت اعرف ان موافقة القذافي ستكون اكثر صعوبة ‪ ،‬فبالنسبة لبعض االوساط ‪ ،‬ان اي‬

‫مفاوضات مع إسرائيل هى عالمة ضعف ‪ ،‬لذا خشيت أن يرفض القذافي مقترح بيريز بالكامل‪.‬‬

‫اطلعت سالمة ‪ -‬الحارسة ‪ -‬بالهاتف ‪ ،‬و بعد أيام قليلة اتصلت بي لتطلعني على رد العقيد ‪،‬‬

‫قالت" الرئيس يرغب في القيام بهذا تحت شرط واحد" و اضافت" ان تنعقد المحادثات في السر‪،‬‬

‫لو كانت المحصلة ناجحة ‪ ،‬وتم توقيع اتفاقية سالم بين الفلسطينيين وإسرائيل عندها سيكون‬
‫سعيدا بكل التفاصيل ‪ ،‬بما في ذلك اإلعالن عن دوره فيما حصل ‪ ،‬لكن اذا لم يتم الوصول إلى‬

‫اتفاقية عندها يبقى كل شئ في السر ‪.‬‬

‫لم يشأ العقيد ان يخاطر بالجلوس على الطاولة مع اسرائيل ‪ ،‬األمر الذي بدون شك‬

‫سيغضب الليبيين ‪ ،‬اذا كانت المحصلة فقط اقترانه بالفشل ‪ ،‬وفي المقابل ‪ ،‬اذا ثبت أن المحادثات‬

‫كللت بالفوز ‪ ،‬فقد اعتبر أن االستحسان الذي سيناله للمساعدة في التوسط في صفقة سوف يبز‬

‫االنتقادات‪.‬‬

‫لم يكن طلبا غير منطقيا ‪ ،‬لكن رعب القذافي الواضح من التسريبات جاء معه تحذير ‪ ،‬لقد‬

‫قرر انه اذا فشلت القمة وانتهت إلى طريق مسدود ‪ ،‬وطفت على السطح تفاصيل القمة الفاشلة ‪،‬‬

‫حينها يجب على الملك عبدهللا ان ينهي اتفاقية بلده للسالم مع إسرائيل ‪.‬‬

‫وقعت االتفاقية في ‪ ، 3992‬وفتحت المعابر الحدودية بين األردن وإسرائيل ‪ ،‬أعيدت‬

‫العالقات الدبلوماسية الكاملة ‪ ،‬وتم البث في نزاعات االراضي ومشاركة موارد المياه الثمينة ‪،‬‬

‫واالتفاق على الصفقات التجارية ‪ ،‬تم تشجيع السياحة بين البلدين ‪ ،‬يمكن المصطافين الى إسرائيل‬

‫من التعريج على مدينة البتراء العتيقة المنحوتة من الحجر‪ ،‬كانت االتفاقية معلم لحدث هام في‬

‫التاريخ األردني ‪ ،‬اغتممت عندنا سمعت بهذا الشرط الوحشي المفروض من قبل العقيد ‪ ،‬لم يكن‬

‫من الممكن تقريبا استبعاد التسريبات ‪ ،‬وكنت ادرك ان األردن لن توافق على تمزيق االتفاقية‪.‬‬

‫اطلعت المسؤولين في بلدي ‪ ،‬وكما تخوفت بالضبط ؛ شرطا مثل هذا كان غير مقبول ‪ ،‬ما‬

‫يدعو للحزن ‪ ،‬ان قمة السالم المقترحة بين الفلسطينيين وإسرائيل ‪ ،‬باستضافة االردن والقذافي‬

‫وسيط ‪ ،‬تعرقلت و لم تمض قدما ‪.‬‬

‫كانت هناك اضافة لما حصل بعد اسابيع قليلة ‪ ،‬عندما كنت استمتع في ايام قليلة من عطلتي‬

‫في وادي رم الصحراوي الجميل جنوب االردن ‪ ،‬رن جرس الهاتف ‪ ،‬كان على الخط شمعون‬

‫بيريز محاوال إحياء الخطة ‪ ،‬وعدته بالكالم مع القذافي عندما اكون في ليبيا في قادم األيام ‪ ،‬لكن‬

‫ذهب الرجالن إلى قبريهما دون أن يحدث تقدما في هذا الموضوع ‪.‬‬
‫فقط عدد قليل من الناس في اسرائيل واألردن وليبيا كانوا على إطالع بما جرى ‪ ،‬في ختام‬

‫لقائي األول والوحيد مع شمعون بيريز ‪ ،‬وقفنا اللتقاط صورة ‪ ،‬لم تكن لغرض نشرها علنيا ‪،‬‬

‫حتى اآلن ابقيتها دائما مخفية ‪ ،‬ولم اناقش زيارتي الى اسرائيل مع اي احد ‪ ،‬و مع هذا أشعر أن‬

‫وقت كاف انقضى للبوح ألول مرة عن القصة الفريدة ‪ ،‬كيف ان القدافي كان متراصفا ليصبح‬

‫صانع سالم شرق اوسطي ‪ ،‬التسريب لن يضر أحد االن ‪.‬‬

‫لم يصل األمر إلى شئ ‪ ،‬لكن التقارب اإلسرائيلي كان وقودا أكثر لغرور القذافي ‪ ،‬لقد كان‬

‫يعاني من حالة كاملة من جنون العظمة‪.‬‬

‫مع نهاية ‪ 2229‬كان في حقيبتي ثالثة ملفات سميكة ‪ ،‬زيارتي المرهقة إلى الهند ‪،‬‬

‫والعشاء المثمر مع هيالري كلنتون ‪ ،‬وزيارتي السرية إلى تل ابيب للقاء شمعون بيريز ‪ ،‬وهى‬

‫جاهزة لتسليمها إلى العقيد ‪.‬‬

‫عادة كلما كان بحوزتي معلومات مهمة كهذه ‪ ،‬اقفز في الحال على متن رحلة جوية إلى‬

‫طرابلس ‪ ،‬لكن ‪ ،‬كما اوضحت في السابق ‪ ،‬القذافي كان مشغوال بقضايا أخرى خارج ليبيا ‪،‬‬

‫وعالقتنا في طريقها الن تأخد منعطف إلى االسوء‪.‬‬

‫نقطة التحول كانت زواج شقيقي عز الدين ‪ ،‬استمرت عالقته بـ " النا " شهور فقط ‪،‬‬

‫وتردى حاله بسبب موت شقيقنا ‪ ،‬واخيرا وقع في غرام فتاة أخرى ‪ ،‬هى " رشا " ‪،‬غمرتنا‬

‫البهجة عندما أعلن أنهما سيتزوجان ‪ ،‬اخيرا لدينا شئ نحتفل به‪.‬‬

‫وعد العقيد بحضور حفل الزفاف ‪ ،‬وهذا بمثابة تشريف لعائلتنا ‪ ،‬غير أن العثور على‬

‫تاريخ يناسبه كان صعبا ‪ ،‬ثالث مرات تراجعنا عن موعد الزفاف حتى يتوافق مع مفكرة‬

‫مواعيده المزدحمة ‪ ،‬حتى تم االتفاق اخيرا على تاريخ معين ‪ ،‬كنا نعتبر القذافي واحد من عائلتنا‬

‫‪ ،‬وكان من غير الالئق عدم توجية دعوة له ‪ ،‬كنا مبتهجين انه سيطير الى االردن لينظم إلى‬

‫مراسم الزفاف ‪ ،‬وكان عزالدين سعيدا بالعمل وفقا لجدول مواعيد العقيد ‪ ،‬ففي النهاية ليس كثير‬

‫من الناس يحضون بفرصة الترحيب برئيس في حفالت زفافهم‪.‬‬


‫كان موقع الحدث مرة أخرى فندق الفورسيزن في عمان ‪ ،‬غير ان القذافي لم يحضر ‪،‬‬

‫القى غيابه بظالل على مجريات اليوم ‪ ،‬كنا نعرف انه رجل مشغول ‪ ،‬لكن في حال لم يتمكن‬

‫من الحضور ‪ ،‬اذن فكل ما كان يجب فعله هو أن يتراجع بلباقة ‪ ،‬ويرسل أحد من أسرته بدال‬

‫عنه‪.‬‬

‫القى باللوم على مكتبه لفشلهم في تذكيره ‪ ،‬لكن هو وانا نعرف ان هذا هراء ‪ ،‬لقد اتصلت‬

‫بمكتبه يومين قبل الزفاف ‪ ،‬ولم تكن ثمة مشكلة ‪ ،‬لهذا تساءلت ماذا حدث فجاة ؟ لقد غضبت من‬

‫سلوك العقيد النني كما يعرف الجميع خدمته بإخالص أكثر من عشرين سنة ‪ ،‬وكرسيه الفارغ‬

‫في حفل الزفاف تم تفسيره على أنه اهانة مقصودة ‪.‬‬

‫دائما كنت اظهر احتراما للقذافي ‪ ،‬وكل ما اطلبه هو ذات الشئ في المقابل ‪ ،‬بعض‬

‫االهتمام ‪ ،‬قبل عدة شهور ارسل وفد ليبي ضخم لزفاف أحد السياسيين االردنيين ‪ ،‬بالرغم من‬

‫أن هذا لم ينجز نصف ما انجزته انا لليبيا طوال هذة السنين ‪ ،‬حضر مسؤولون اخرون مثل‬

‫وزير الداخلية دمحم الحجازي ‪ ،‬ورئيس امن القذافي جمعه المعرفي ‪ ،‬حفلة زفاف شقيقي ‪،‬‬

‫وبالرغم من أن المعرفي كان من افضل اصدقائي في ليبيا ‪ ،‬اال أن ذلك كان مؤاساة ضئيلة‪.‬‬

‫لم انو استفزاز القذافي ‪ ،‬لكن لشهور بعد الزفاف تجاهلت االتصاالت من مكتبه للرجوع إلى‬

‫ليبيا‪.‬‬

‫لم اندم على اتخاد هذا الموقف ‪ ،‬لكن متأكدة ان أعدائي في مكتب االستخبارات استغلوا هذا‬

‫ضدي لمحاولة تسميم عقل القذافي ‪ ،‬بالنظر االن إلى الخلف ‪ ،‬انا متأكدة ان هذا كان جزء من‬

‫أسباب سقوطي في نهاية المطاف ‪.‬‬

‫من بين االشخاص الذين ازعجوني كانت مبروكة الشريف ‪ ،‬االمر الذي كان ينبغي ان‬

‫يدق أجراس االنذار ‪ ،‬كان من المعتاد بالنسبة لي التعامل مع مدير مكتب معلومات القذافي احمد‬

‫رمضان ‪ ،‬او واحدة من الحارسات ‪ ،‬ولم يكن لدي أي نية في ان اُشاهد وانا أقوم بعروض‬
‫مبروكة ‪ ،‬كانت سمعتها مشهورة في قود النساء لمتع القذافي ‪ ،‬وانا ال اريد ان ارتبط بهذة المراة‬

‫واساليبها المشبوهة‪.‬‬

‫لم تكن نيتي ابدا البقاء بعيدا عن ليبيا بصورة دائمة ‪ ،‬لكن كان عندي وفرة من االعمال‬

‫التجارية األخرى التي تشغل وقتي في المنطقة ‪ ،‬لم اكن مطلقا موظفة عند القذافي ‪ ،‬لكن‬

‫مستشارة بعقد ‪ ،‬لذلك ليبيا ال تملكني ‪ ،‬كنت بحاجة الى مساحة لتهدأ اعصابي ‪.‬‬

‫انصرم الوقت حتى باكرا سنة ‪ ، 2232‬بينما انا في االمارات العربية في عمل تجاري‬

‫خاص بي ‪ ،‬اتصل بي وزير الداخلية األردني عيد الفايز ‪ ،‬قال لي " عندنا ضيف مهم هنا في‬

‫عمان يرغب في رؤيتك " ‪ٌ ،‬مستثارة بسبب عدم انتظاري الحد سألته " من يكون "؟ ‪ ،‬لقد كان‬

‫عبدالهادي ابن اخت العقيد ‪ ،‬الذي طار من ليبيا الى األردن بدون موعد ليقنعني بالعودة ‪،‬‬

‫لعشرين سنة كنت القي ما بيدي واقفز متحفزة على وقع إشارة العقيد باصبعه لي بالقدوم ‪ ،‬لمرة‬

‫واحدة اقف ال ابالي ‪.‬‬

‫قلت له " لن اعدل من خططي" ‪ ،‬انا كذلك مغتاظة من الحكومة األردنية التي كانت‬

‫تتصرف كوسيط في شجارنا ‪ ،‬عبدالهادي كان شخص اعرفه جيدا ‪ ،‬لذلك لم يكن ثمة حاجة لهذا‬

‫النهج غير المباشر ‪ ،‬واضفت ‪ ،‬سوف اقابل عبدالهادي عندما ارجع الى األردن بعد الغد ‪.‬‬

‫التقيت ابن اخت القذافي في احد مكاتب وزارة الداخلية ‪ ،‬طرق عبدالهادي الموضوع‬

‫مباشرة بادئا بالقول "خالي ‪ ،‬الرئيس‪ ،‬يرغب في معرفة لماذا انت غير راضية ‪ ،‬ولماذا ال تأتي‬

‫الى ليبيا ؟ ‪.‬‬

‫اجبته " ليس عندي شيء ضد خالك إال انه لم يرسل حتى باقة ورد بمناسبة زفاف اخي ‪،‬‬

‫ال يبدو هذا جيدا بعد كل ما عملته لليبيا ‪ ،‬كانت فرصته ان يظهر قليل من التقدير فقط ‪.‬‬

‫ومضيت في نفث كل ما بصدري ‪ ،‬لماذا تحصلت مبروكة الشريف على كل ارقام هواتفي ‪،‬‬

‫هاتفي المحمول ‪ ،‬بيتي في األردن ‪ ،‬شقتي في لندن ؟ تتصل بي في كل األوقات ‪ ،‬ال اريد ان‬
‫اتعامل معها ‪ ،‬او اخد أوامر منها النني اعرف سمعتها في اثارة المتاعب ‪ ،‬هي شخص ال‬

‫استطيع العمل معه ‪ ،‬ولو ان الرئيس مازال يعتمد عليها ‪ ،‬لن ارجع الى ليبيا ‪.‬‬

‫مرت ثوان ساد فيها الصمت في الغرفة ‪ ،‬تساءلت مع نفسي ما اذا كنت قد تجاوزت أي‬

‫خط ‪ ،‬كنت اعرف ان المعارضة ال يتم التسامح معها داخل النظام ‪ ،‬لكن يبدو ان عبدالهادي كان‬

‫في مزاج تصالحي ‪.‬‬

‫تنهد قائال ‪ :‬حسنا ‪ ،‬انت تعرفين ان خالي ينظر اليك كأبنته ‪ ،‬لو اخطأ والدك معك ‪ ،‬فانت‬

‫تسامحيه ‪ ،‬يحتاج القذافي ان يراك في ليبيا في اسرع وقت ممكن النه سيغادر البلد قريبا في‬

‫مهام لالتحاد االفريقي ‪ ،‬ويريد ان ّ‬


‫يطلع على الملفات الخاصة ‪ ،‬بالهند وهيالري كلنتون قبل ان‬

‫يذهب ‪ ،‬لقد مر وقت ليس قصير على تنفيذك هذه المهام ‪.‬‬

‫أظهرت للقذافي انه ال يستطيع ان يعتبرني أمرا مفروغ منه ‪ ،‬االن كان وقت انهاء‬

‫الخصام ‪ ،‬لكن هناك سبب صادق في تأخير عودتي إلى طرابلس إلى وقت أطول قليال ‪ ،‬كان‬

‫اخي عز الدين وزوجته في انتظار طفلهما االول في غضون اسبوع ‪ ،‬اردت ان اكون هناك ‪،‬‬

‫أنا اصبح عمة ‪ ،‬هذا وقتي ‪ ،‬وقت االسرة‪ ،‬قلت لعبدالهادي ‪ ،‬لقد قدمت إلى ليبيا ما يكفي من‬

‫التضحيات ‪ ،‬وهذا كل ما اطلبه االن ‪ ،‬بدأ انه قبل هذا ‪ ،‬وفي اليوم التالي غادر إلى ليبيا‪.‬‬

‫بعد ذلك توالت االتصاالت مجددا بتواتر اكبر‪ ،‬اربعة مرات ‪ ،‬خمس مرات في اليوم ‪ ،‬متى‬

‫سيصل المولود ؟ ‪ ،‬متى ستعودين الى ليبيا ‪ ،‬يرغب الرئيس في رؤيتك في أقرب وقت ممكن ‪،‬‬

‫وموعد رحلته يقترب ‪ ،‬يجب أن تكون لديه تقاريرك ‪.‬‬

‫مضى الحال على هذا المنوال بدون توقف حتى استيقظت في إحدى الصباحات ‪ ،‬ألجد‬

‫إحدى حارسات القذافي على مدخل بيتي في عمان ‪ ،‬لم تكن واحدة من النساء التي اعرفها واثق‬

‫بها ‪ ،‬لكنها اصرت على مرافقتي إلى ليبيا ‪ ،‬أعطى الرئيس االوامر ان ال ارجع بدونك ‪ ،‬قالت‬

‫بتوتر‪.‬‬
‫لم اكن مصدومة ‪ ،‬لقد كان جزء من الثقافة في ليبيا انه اذا اراد القذافي شئ ما بشدة تجد‬

‫الجميع قد ركضوا في دوائر يصيحون ‪ ،‬و يستعرضون عضالتهم حتى تلبى حاجته ‪ ،‬ومع هذا‬

‫لم تكن لدى النية في ان اكون واحدة من الدمى المطيعة ‪.‬‬

‫يمكن أن تبقي هنا يوم ‪ ،‬اسبوع ‪ ،‬او شهر ‪ ،‬اخبرت الفتاة المصدومة التي لم تتعود ان‬

‫يعصى أحد القائد ‪ ،‬سأذهب إلى ليبيا كما تم االتفاق ‪ ،‬فقط بعد أن يولد الطفل ‪.‬‬

‫في اليوم التالي اتصل احمد رمضان الرجل الذي احترمه جدا ‪ ،‬كانت نفس الرسالة ‪:‬‬

‫القذافي يريدك هنا غدا ‪.‬‬

‫بالرغم من أن شئ لم يتم توضيحه ‪ ،‬ادركت ان الوقت حان للتراجع ‪ ،‬رفضي لن يكون‬

‫فقط مجازفة بخسران عقدي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ‪ ،‬لكن أيضا سيقوض كل‬

‫عالقاتي بالقذافي ‪ ،‬اآلن ليس للمرة االولي ‪ ،‬اضع العائلة ثانيا ‪ ،‬قلت لمدير مكتب المعلومات ‪،‬‬

‫سأذهب إلى ليبيا غدا ‪ ،‬لكن على شرط ان ابقي هناك يومين ‪ ،‬اقدم تقاريري واعود إلى بلدي ‪،‬‬

‫تم تحديد موعد الوالدة ‪ ،‬هذا سيريحني من منغصات القذافي ‪ ،‬ويسمح لي بالعودة إلى البيت في‬

‫الوقت المحدد ‪.‬‬

‫بدأت بعمل ترتيبات مستعجلة للسفر الى طرابلس ويشمل ذلك ان ترافقني شقيقتي ريم‬

‫التي انفصلت حديثا عن خطيبها ‪ ،‬فكرت ان هذة الرحلة القصيرة سترفع معنوياتها ‪ ،‬ستكون هذة‬

‫زيارتها األولى إلى البلد ‪ ،‬وستكون خير رفيقة‪.‬‬

‫في ‪32‬يناير ‪ 2232‬جهزنا حقائبنا وانطلقنا الى مطار الملكة عالية للحاق بالرحلة التي‬

‫ستأخدنا إلى طرابلس ‪ ،‬كنت بعيدة عن ليبيا مدة ‪ 9‬شهور‪ ،‬كان يجب أن التقط إشارات التحذير؛‬

‫تدخل الخطيرة مبروكة الشريف ‪ ،‬االلحاح المتزايد للمكالمات بالنيابة عن القذافي ‪ ،‬زيارة‬

‫الحارسة إلى بيتي ‪ ،‬لكن عندما استرخيت في مقعدي بالطائرة لم يكن لدي أدنى فكرة أنني على‬

‫وشك الدخول إلى الجحيم ‪.‬‬


‫لقاء شمعون بيريز في تل ابيب‬

‫احمد رمضان مدير مكتب معلومات القذافي‪.‬‬


‫الفصل العشرون‬

‫سجينة‬

‫في اي وقت كنت أصل طرابلس كان ثمة روتين متبع ‪ ،‬بسرعة من خالل الجوازات التقي‬

‫بسائقي من مكتب المراسم ‪ ،‬و بعدها مباشرة إلى جناحي في اي فندق ‪ ،‬وان كان المفضل في ذلك‬

‫الشهر ‪ ،‬في هذا الوقت اقمنا في كورنتيا الذي يدار من سلسلة فندقية مالطية ‪ ،‬ويعتبر نسبيا اضافة‬

‫جديدة إلى التشكيلة النامية القامة خمس نجوم في منطقة االعمال التجارية في المدينة‪.‬‬

‫بينما كنت افرغ الحقائب كانت عادتي أن أمر بسرعة على التلفزيون الطلع على اخر‬

‫االخبار في ليبيا ‪ ،‬والتي دائما تهيمن عليها إنجازات القذافي و خطبه ‪ ،‬شعرت باختالجة انزعاج‬

‫‪ ،‬رأيت أن القذافي كان في سرت ‪ ،‬لقد ُحملت على‬ ‫)‬ ‫‪14‬‬


‫(‬ ‫و انا اشاهد مقطع عن االنتخابات‬

‫االعتقاد انه سيكون في طرابلس من اجل لقائنا ‪ ،‬لكن ظهر انه كان أقل تلهفا لسماع تقاريري مما‬

‫اوحت به الجهود العجولة لتأمين عودتي إلى ليبيا ‪ ،‬وعنت لي أيضا رحلة دائرية تبلغ ‪ 122‬ميال‬

‫في اليوم التالي ‪ ،‬اذا كنت سألتزم بالموعد النهائي للثماني وأربعين ساعة والعودة الى البيت‬

‫لحضور الوالدة ‪ ،‬اتصلت بمكتب القائد لوضع ترتيبات الصباح التالي ‪ ،‬لم اكن قلقة بدون داع‬

‫النه غالبا ما كان يغادر الى مكان او اخر لمجرد نزوة‪.‬‬

‫بعد استمتاع بنوم ليلي جيد تم االتصال بي عند الساعة التاسعة صباحا الطالعي ان طائرة‬

‫خاصة جاهزة الخدي الى سرت ‪ ،‬سوف تنتظر في المطار ثم تعود بعدها الى طرابلس مباشرة‬

‫بعد االنتهاء من لقاء العقيد ‪ ،‬كان يبدو ان كل شيء يسير على ما يرام‪.‬‬

‫لمعرفتي انني سأعود في نفس اليوم فلم اجهز لحقيبة مبيت وتوجه ثالثنا الى سرت ‪،‬‬

‫قاعدتي هناك كالعادة كان فندق قصر المؤتمرات ‪ ،‬ومرة أخرى شغلت التلفزيون‪.‬‬

‫احدى القنوات كانت تبث مباشر خطاب للقذافي استمر ثالث ساعات ‪ ،‬كان افتراضي انه‬

‫سيتم اخدي اليه لحظة انتهاء الخطاب ‪ ،‬لذلك اطلعت المسؤولين ذوي العالقة بوصولي الى سرت‬

‫‪ - 14‬ما كان يعرف بالتصعيدات الشعبية الختيار المسؤولين المحليين‪.‬‬


‫‪ ،‬كان كل شيء طبيعي تماما ‪ ،‬و لم يكن خارج عن المالوف قليال ان تُترك في االنتظار بدون‬

‫هدف من قبل العقيد ‪.‬‬

‫اخيرا انتهى هذا الخطاب المتشعب غير المترابط ‪ ،‬فانتظرت المكالمة ‪ ،‬وانتظرت ‪ ،‬ولم‬

‫يكن اال السكون ‪ ،‬مضى الوقت يجرجر اذياله حتى وصل الى وقت مبكر من بعد الظهر ‪ ،‬اصبح‬

‫واضحا لي ان فرصة لقائي بالعقيد تضاءلت ‪ ،‬في العادة يكون مرهقا بعد الخطابات الطويلة‬

‫ويفضل ان يرتاح باقي اليوم‪.‬‬

‫في الوقت الذي فقدت فيه االمل كان هناك طرق على باب حجرة الفندق ‪ ،‬كان واحد من‬

‫الموظفين الصغار للرئيس ‪ ،‬لكن بدل الترتيب الخدي الي القائد كان يحمل معه مفاجأة غير سارة‬

‫لي ‪ ،‬مبروكة الشريف ‪ ،‬المراة التي اكره ‪ ،‬كنت مصرة أال اتعامل معها ‪ ،‬كانت في الطابق‬

‫السفلي تطلب أن تراني ‪ ،‬هى فقط تريد أن تسلم عليك ‪ ،‬قال المعاون بشكل غير مقنع ‪.‬‬

‫كنت متأكدة ان الغرض لم يكن تبادل المجامالت ‪ ،‬وازعجني انه تم تجاهل رفضي ان يكون‬

‫لي اي عالقة بها ‪ ،‬وكذلك انها مازالت في الدائرة الداخلية للقذافي ‪ ،‬وهذا مقلق ايضا‪.‬‬

‫لم أر أي فائدة في الموافقة على رؤيتها ‪ ،‬لهذا ارسلت لها اني افضل البقاء في غرفتي ‪ ،‬لن‬

‫تتقبل موقفي هذا بصورة حسنة ‪ ،‬لكن في تلك المرحلة كان متعذر بالفعل لعالقة العمل ان تستمر‬

‫بيننا ‪،‬أحسب أنني بهذا جعلت األمور تسوء اكثر‪.‬‬

‫شعرت باالرتياح بعد أن اكتشفت انها غادرت الفندق بعد استالم رسالتي ‪ ،‬استأنفت‬

‫انتظاري الطويل الستدعاء القذافي ‪ ،‬و مازال السكون يخيم‪.‬‬

‫بحلول هذا الوقت تقبلت على مضض ان لقائنا لن يحصل هذا اليوم ‪ ،‬عرفت انه سيطير في‬

‫اليوم التالي عند الساعة ‪ 33‬صباحا إلى إثيوبيا ألعمال تخص االتحاد األفريقي ‪ ،‬غير ان هذا ما‬

‫زال يُبقي وقت لموعد صباحي مبكر ‪ ،‬في الماضي عندما ال يكون الوقت في صالح كلينا ‪ ،‬كنا‬

‫نلتقي في المطار حيث يتاح وجود غرف خاصة ‪ ،‬كنت متعودة على العمل وفقا لجدوله‬

‫والتغيرات المفاجئة الرائه‪.‬‬


‫ُ‬
‫طرق الباب عند الساعة ‪ 2.12‬بعد منتصف الليل ‪ ،‬كانت واحدة من حارسات القذافي‬

‫الجديدات ‪ ،‬مرأة شابة لم التقيها من قبل ‪ ،‬ابلغتني ان العقيد يود ان يراني في مخيمه الصحراوي‬

‫غير البعيد عن المدينة ‪.‬‬

‫عندما وصلنا كان يجلس وحيدا خارج الخيمة ‪ ،‬كان يرتدي قميص ابيض ‪ ،‬لست متأكدة‬

‫لماذا علق هذا المشهد في عقلي ‪ ،‬ربما ألنه كان آخر وقت في حياتي شاهدت فيه العقيد‪.‬‬

‫تصافحنا بااليادي وشعرت ببعض التردد الذي ارجعه إلى الوقت الذي فصل بيننا ‪ ،‬أو تعنتي‬

‫بعد زفاف اخي ‪ ،‬لم ارغب في التسبب بأي احراج ‪ ،‬لذلك لم يُفتح الموضوع بينما ‪ ،‬كنت افتح‬

‫حقيبتي و اُحضّر نفسي للعمل‪.‬‬

‫بدأت اريه صور من عشائي مع هيالري كلينتون ‪ ،‬ولقائي مع شمعون بيريز ‪ ،‬وبالضبط‬

‫عندما كنت على وشك تقديم التقارير المصاحبة ‪ ،‬رفع يده وقال ‪ ،‬سوف نتناول هذا الحقا ‪،‬‬

‫انتظري حتى ارجع ‪ ،‬سوف التقيك في طرابلس عندما يكون لدي وقت أعطي فيه عملك ما‬

‫يستحق ‪ ،‬بعدها فجأة بدأ يتحدث بغضب عن ملك االردن عبدهللا و زوجته ‪ ،‬اعرف ماذا يخطط‬

‫ملكك ضدي مع الرئيس المصري ‪ ،‬لم يكن عندي أدنى فكرة عن ماذا يتحدث ‪ ،‬والنني لم اكن‬

‫سعيدة باالتجاه الذي تحول اليه النقاش مددت يدي الى حقيبتي ‪ ،‬وقف لينهض من كرسيه فسقط‬

‫الكرسي على الرمل الناعم ‪ ،‬كان حادث تافه ‪ ،‬لكن القذافي بدأ يصرخ ‪ ،‬لماذا لم يضع أحد لوحة‬

‫تحت الكرسي حتى ال يحدث هذا ‪.‬‬

‫ال يكون هناك أي منطق مع القذافي عندما يكون في مثل هذا المزاج السيئ ‪ ،‬لهذا بدأت في‬

‫االبتعاد ‪ ،‬من تجاربي السابقة تعلمت ان نوبات غضبه تتالشى بسرعة ‪ ،‬لكن بدل ان الطف‬

‫ت ذاهبة ؟ صاح بي ‪ ،‬سأتمشى في الصحراء حتى تنتهي من‬


‫االجواء زدتها اشتعاال ‪ ،‬إلى أين ان ِ‬

‫إهانة ملكي ‪ ،‬اجبته ‪ ،‬استمر غضب القذافي ‪ :‬دعمتك لمدة عشرين عاما وها انت االن اكثر والء‬

‫للملك منه لي ‪.‬‬


‫كان هذا غير معقول فحاولت تهدئته قائلة ‪ ،‬فقط اخبرني ما المشكلة بينك وبين الملك عبدهللا‬

‫‪ ،‬سوف اتحدث اليه ‪ ،‬ربما كانت وقيعة من أحدا ما ‪ ،‬أو ان مكتب استخباراتك قد زودك‬

‫بمعلومات مغلوطة ‪ ،‬لقد سويت هذا النوع من سوء التفاهم في الماضي ‪.‬‬

‫يبدو أن هذا قد عزف على الوتر المناسب مع العقيد ‪ ،‬فأخد يوسع الخطى نحو الكارافان‬

‫الخاص به ‪،‬عندما ظهر بعد عشر دقائق عاد أكثر الى وضعه الطبيعي ‪ ،‬انسي ما قلته لك للتو ‪،‬‬

‫قال ثم اضاف ‪:‬ارجعي إلى طرابلس ‪ ،‬ال تلتقي بأحد وال تظهري التقارير ألحد ‪ ،‬سوف اذهب‬

‫ليومين ‪ ،‬انتظري في فندقك ‪ ،‬استمر لقائنا في صحراء سرت نصف الساعة ‪ ،‬رجعت على إثرها‬

‫إلى الفندق ‪ ،‬و بالرغم من اننا افترقنا على خير ‪ ،‬كنت قليال محتارة في تفسير تصرفه ‪ ،‬مازلت ال‬

‫اعرف ما هى المشكلة بينه و بين ملك االردن ‪ ،‬اآلن و انا احاول ان افهم كل شئ توالى بعد ذلك‬

‫‪ ،‬اتساءل ما اذا كان كل ما حصل هو فقط ذريعة ليختلق شجار معي‪.‬‬

‫عد ثمان ساعات هبطنا في مطار طرابلس حيث كان في انتظارنا سيارتين رسميتين ‪:‬‬ ‫ب‬

‫واحدة لتأخد ريم و معاوني الى فندق كورنتيا ‪ ،‬واألخرى تأخدني إلى مكتب احمد رمضان‬

‫التمكن من وضع حقيبتي الحاوية على التقارير الثالثة في مأمن قبل عودتي من جديد إلى شقيقتي‬

‫و معاوني في فندق كورنتيا ‪ ،‬بداخل السيارة كان يجلس رجل بمالبس عسكرية أخبرني انه من‬

‫مكتب االستخبارات ‪.‬‬

‫كان الظالم ‪ ،‬وكان المطر يهطل بقوة ‪ ،‬بينما كنا نخرج من المطار في اتجاه المدينة ‪ ،‬لكنني‬

‫اعرف طرابلس بما يكفي أن ادرك اننا نسير في طريق غير مألوف لي ‪.‬‬

‫بعد حوالي عشرين دقيقة كانت السيارة تركن بنا في ما يشبه مجمع سكني لم ازره من قبل ‪،‬‬

‫فُتح باب السيارة الخلفي ‪ ،‬وتم مرافقتي إلى بناية تحوي ممرات طويلة ‪ ،‬بعدها تم إرشادي الى‬

‫غرفة صغيرة بها باب معدني سميك ‪ ،‬تخميني االول انها كانت تشبه خزانة مصرف ‪ ،‬لكن‬

‫بسرعة أدركت من انعدام النوافذ انها أشبه ما تكون بزنزانة ‪ ،‬ستبقين هنا ‪ ،‬قال الرجل العسكري‬

‫ت رهن االعتقال ‪.‬‬


‫‪ ،‬ان ِ‬
‫كانت ردة فعلي االولية انه ربما كان يمزح ‪ ،‬لكن تصرفاته أوضحت انه كان جادا إلى‬

‫أقصى حد ‪.‬‬

‫حاول أن يأخد مني حقيبتي لكنني شبكت ذراعى حولي الحقيبة ‪ ،‬وتشبت بها إلى صدري ‪،‬‬

‫وهو لم يصر اكثر‪.‬‬

‫كنت محتارة تماما ‪ ،‬بالرغم من حدوث مواقف مربكة خالل لقائي القصير مع العقيد ‪ ،‬لم‬

‫ارصد انه يحمل اي سوء نية جدية ‪ ،‬بالتأكيد لم يحدث خالل الثالثين دقيقة في الصحراء ما‬

‫يستوجب االعتقال ‪ ،‬وانني لم أرتكب أي خطأ اخر ‪ ،‬اال اذا اردت تضمين استيائي حول موضوع‬

‫الزفاف ‪ ،‬لو كان عندي ادنى فكرة عن أي تهديد لسالمتي الشخصية ‪ ،‬ما كنت الرجع إلى ليبيا ‪،‬‬

‫ناهيك عن تعريض شقيقتي للخطر ‪ ،‬في تلك اللحظة لم أشعر بالجرأة ‪ ،‬لكن بدال من الخضوع‬

‫بدأت المواجهة ‪ ،‬صرخت ‪ :‬انا لن أبقى هنا ‪ ،‬ذلك اني خشيت بصدق ان ال أطيق التوتر ‪ ،‬وانا‬

‫محشورة في تلك الغرفة‪.‬‬

‫كان هناك حوار صامت ‪ ،‬بعدها تم اصطحابي على طول الممر إلى شئ يشبه الشقة السكنية‬

‫بدار نوم و صالة معيشة وحمام ‪ ،‬لم تكن إقامة خمس نجوم ‪ ،‬لكن افضل بكثير من البديل ‪،‬‬

‫احضر رجل كبير في السن القهوة لي ‪ ،‬واستراح على إحدى الكراسي في غرفة المعيشة ‪ ،‬لم يقل‬

‫الكثير ‪ ،‬واستخلصت انه مكلف بمراقبتي ‪ ،‬لقد كان من الواضح انني لن أخرج من هنا‪.‬‬

‫كنت احاول أن افهم ماذا يحدث ‪ ،‬هل قصد العقيد ان يضعني في هكذا موقف لغرض ما في‬

‫نفسه ‪ ،‬اما ان واحد من أعدائي في مكتب االستخبارات كان يتصرف من وراء ظهره ‪ ،‬في ذلك‬

‫الوقت رجحت السبب االخير ‪ ،‬وكان المتهم الرئيسى مبروكة ‪ ،‬هذا خلق مشكلة ملحة ‪ ،‬اقصد‬

‫بذلك التقارير التي بحوزتي ‪ ،‬وثيقة اإلحاطة ونسخة من صورتي في لقاء شمعون بيريز ‪ ،‬كانتا‬

‫باألخص حساستان ‪ ،‬فيهما احتمال الضرر اذا وقعتا في االيادي الخطأ ‪ ،‬موقف ليبيا الرسمي كان‬

‫ضد إسرائيل ومؤيد لفلسطين ‪ ،‬ال احد إال القذافي يعرف بهذة المهمة السرية ‪ ،‬خشيت ان اتهم‬

‫بالتجسس ‪.‬‬
‫تذرعت إلى الرجل العجوز بالذهاب إلى الحمام ‪ ،‬والتقطت والعة من حقيبة يدي وقمت‬

‫بحرق التقارير و صورة بيريز في الحوض ‪ ،‬وسحبت المرحاض على الرماد المتبقى ‪.‬‬

‫كان الفراش غير مريح ‪ ،‬فلم احصل على نوم كاف تلك الليلة ‪ ،‬وعند الساعة التاسعة صباحا‬

‫من اليوم التالي ‪ ،‬اُخبرت انني سانتقل من هنا ‪ ،‬كانت رحلة قصيرة ‪ ،‬وكانت كذلك عبر شوارع‬

‫غير مألوفة إلى مجمع اخر ‪ ،‬في ضوء النهار كان باستطاعتي اخد فكرة افضل عن المنطقة‬

‫المحيطة ‪ ،‬منظر الجدران العالية واالبراج والرجال المسلحين بمالبسهم العسكرية مألني‬

‫باالحساس بالشؤم ‪.‬‬

‫من ناحية جغرافية المدينة كنت مازلت فاقدة االحساس باالتجاهات ‪ ،‬ونفسيا فقدت االمل‬

‫بالعودة الى االردن لحضور والدة ابن اخي ‪ ،‬لم أعرف أن هذة القاعدة العسكرية المتجهمة‬

‫ستكون بيتي لواحد و عشرين شهر قادم ‪.‬‬

‫كان المجمع يحتوي على طابقين من المكاتب ‪ ،‬تم اخدي الى غرفة في الطابق الثاني حيث‬

‫كان رجل يجلس خلف مكتب ‪ ،‬كان يرتدي مالبس مدنية ‪ ،‬عرف بنفسه اللواء عبدالحميد السايح ‪،‬‬

‫اكتشفت الحقا انه رئيس مكافحة اإلرهاب‪.‬‬

‫اخبرني بلباقة ‪ ،‬يرسل لك الرئيس القذافي بأطيب تحياته ‪ ،‬قبل أن يغادر ليبيا أعطى تعليماته‬

‫ان تكوني ضيفتنا حتى يعود ‪ ،‬عندنا فيال خاصة بك ‪.‬‬

‫حتى و ان أطلق عليها فيال ‪ ،‬واشار لي بالضيفة ‪ ،‬لكن هذة لن تكون اجازة ‪ ،‬فجأة ومضت‬

‫خاطرة في عقلي ‪ ،‬في ليبيا كان من المعتاد للنظام ان يضع كبار مسؤوليه تحت اإلقامة الجبرية‬

‫لو اظهروا انهم أكبر من حجمهم ‪ ،‬أو اغاضوا العقيد بطريقة ما ‪ ،‬وكما اوضحت في السابق حتى‬

‫ابناءه تعرضوا لهذة اإلهانة حتى تتم السيطرة عليهم ‪ ،‬كانت الفيالت محفوظة للشخصيات المهمة‬

‫جدا ‪ ،‬وليس للمجرمين العاديين ‪ ،‬من الواضح أن هذا سيكون مصيري ‪ ،‬أنتابتني مشاعر‬

‫مختلطة‪.‬‬
‫من جانب اخر ‪ ،‬كانت مدد البقاء هنا قصيرة ‪ ،‬يعني عقوبة اليام قليلة ‪ ،‬في مناسبات كثيرة‬

‫تدخلتُ لصالح اإلفراج عن رجال بعد أن يطلب صديق أو أحد أفراد االسرة ‪ ،‬و في الحقيقة‬

‫بالرغم من انني لم ار مطلقا هذة الفيالت من قبل ‪ ،‬وال أعرف موقعها ‪ ،‬لكنها كانت موضع للتهكم‬

‫‪.‬‬

‫قبل وقت طويل تم احتجاز أحد المسؤولين هناك ‪ ،‬فتم تفسير اختفائه بطريقة ملغزة ‪ ،‬فإذا‬

‫سأل عنه أي أحد يجاب بانه في رحلة عمل إلى جنيف ‪ ،‬من تلك اللحظة صارت جنيف كناية لهذا‬

‫المكان ‪.‬‬

‫اين فالن أو عالن ‪ ،‬يسأل أحدهم ‪ ،‬اوه انه في جنيف ‪ ،‬هكذا تكون اإلجابة ‪ ،‬وحينها ال‬

‫يحتاج كالم أكثر ليقال‪.‬‬

‫المزحة االن تنطبق علي ‪ ،‬وال تبدو مسلية كثيرا ‪ ،‬وأكثر ما يقلق هو اإلشارة إلى الرئيس ‪،‬‬

‫لو ان اللواء كان صادقا ‪ ،‬فهذا يعني أن العقيد نفسه كان وراء سجني ‪.‬‬

‫كانت ردة فعلي المبدئية ان انفجرت غاضبة ‪ ،‬لكن أدركت أن هذا ال يجدي نفعا ‪ ،‬فلم يكن‬

‫اللواء عبدالحميد السائح مستمتعا بما يحدث ‪ ،‬ولو انني سأبقى هنا فقط حتى يرجع العقيد من رحلة‬

‫االتحاد األفريقي ‪ ،‬فلماذا ارغب في االثناء باغضاب سجاني ‪ ،‬وكان يمكن للسايح في كل االحوال‬

‫ان يجعل حياتي مزرية‪.‬‬

‫امتثلت لطلبه ‪ ،‬سلمته موبايلي وحقيبة العمل ‪ ،‬تمشينا مسافة قصيرة إلى مجموعة من تسعة‬

‫فيالت ‪ ،‬لو كانت على الشاطئ‪ ، ،‬فأن هذا البيوت التي تشبه الصناديق ستبدو مغرية جدا ‪ ،‬لكن‬

‫وجودها في معسكر لم تكن على االطالق جذابة ‪ ،‬شرح لي السايح ان بعض الفيالت غير شاغرة‬

‫‪ ،‬وطلب ان اختار من بين المتبقيات ‪ ،‬هناك القليل لالختيار منها ‪ ،‬لهذا من بين ثالثة أو أربعة‬

‫عرضت علي اخترت االنظف ‪ ،‬حدث كذلك انها األقرب إلى مخرج المجمع المحروس بكثافة ‪،‬‬
‫ُ‬

‫رغم انني لم أفكر في تدبير محاولة للهروب‪.‬‬


‫اختيار جيد ‪ ،‬قال السائح بدون أدنى قدر من السخرية ‪ ،‬ثم اضاف ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬لقد‬

‫غادرها المعتصم ابن القذافي من وقت قريب ‪ ،‬لم يكن لدي سبب للشكك فيما قال ‪ ،‬لكن لم أسأل‬

‫عن تفاصيل أكثر بينما كنت اتفقد بيئي الجديدة‪.‬‬

‫للمدخل بوابة بها قضبان حديدية من األرضية إلى السقف ‪ ،‬تركها اللواء غير مقفلة ‪ ،‬يليها‬

‫باب من لوح عادي يفتح على غرفة معيشة عربية التصميم يتواجد فيها زوجان من الصالونات‬

‫الجلدية المنخفضة ‪ ،‬وجهاز تلفزيون ‪ ،‬خارج غرفة المعيشة ثمة مكتب به طاولة وكرسي وكذلك‬

‫مطبخ صغير ‪ ،‬وفي الجانب اآلخر حمام صغير ‪ ،‬ليس سجن سيئ باالجمال ‪ ،‬لكنه يبقى سجن‬

‫على كل حال ‪ ،‬عندما تقفل تلك البوابة ال يكون هناك مخرج حيث أن النوافذ تحتوي على شبابيك‬

‫مؤمنة‪.‬‬

‫بعد الرحلة اإلرشادية قال السايح ‪ :‬االن سنرسل سائق إلى الفندق ليحضر لك بعض‬

‫المالبس و مستلزمات النظافة ‪ ،‬وفي الحال وصلت حقيبة صغيرة فيها مالبسي الداخلية ومالبس‬

‫النوم وزوج من المالبس الرياضية عبأتها اختي لي‪.‬‬

‫بعدها بوقت طويل ‪ ،‬علمت انهم كذبوا علي اختي ريم ليضمنوا تعاونها بالقول ‪ ،‬انه حصلت‬

‫اشياء مهمة ‪ ،‬وانني سأكون مشغولة ليوم اخر ‪ ،‬عندما لم اظهر بعد اربع وعشرين ساعة قامت‬

‫باالبالغ عن فقدي الى السفارة األردنية في طرابلس ‪ ،‬وأصبحت قضيتي حادث دبلوماسي بين‬

‫البلدين ‪ ،‬بالطبع لم اكن اعلم بشئ من هذا في وقته‪.‬‬

‫لقد ظهر واضحا انه سيكون معي زميلة سكن تدعى ذهيبة ‪ ،‬كانت شرطية شابة في متوسط‬

‫عشريناتها ‪ ،‬ودودة بما يكفي ‪ ،‬لكن ليس عندها الكثير لتحكي ‪ ،‬كانت البوابة المعدنية تقفل في‬

‫الليل ‪ ،‬وهى ستأخد الصالون في غرفة المعيشة ‪ ،‬و هكذا يبدا روتيننا حيث تُفتح البوابة فقط‬

‫الستالم الطعام ‪ ،‬في الليلة األولى كان عندي الكثير للتفكير فيه ‪ ،‬وكان احساسي الرئيسي مازال‬

‫هو الذهول ‪.‬‬


‫عوملت بشكل حسن ‪ ،‬ولم اشعر انني مهددة ‪ ،‬ووجدت العزاء في االستخدام المعتاد للفيالت‬

‫كأقامات قصيرة ‪ ،‬لكني مازالت متبلدة في فهم ما يجري‪.‬‬

‫في سنواتي االثنين وعشرين الى جانب القذافي ‪ ،‬البد انه سمع العديد من االكاذيب عني ‪،‬‬

‫لكنه مطلقا لم يسمح بأن تُلمس شعرة واحدة من رأسي ‪ ،‬ماذا حصل االن لينقلب ضدي ‪ ،‬كنت‬

‫متأكدة ان احد ما سمم عقله تجاهي ‪ ،‬استنتجت انه مهما تكن تلك االتهامات ضدي فالبد انها‬

‫خطيرة لتستوجب حبسي ‪ ،‬كل الوقت كنت ملتصقة بالتلفزيون اتأمل ان اشاهد تقرير عن عودة‬

‫القذافي من إثيوبيا ‪.‬‬

‫حصل أول تحقيق معي في الصباح التالي في مكتب قريب ‪ ،‬كان المحقق رجل عسكري‬

‫يجلس خلف الكرسي ويدعي انه ُمعين من القذافي ‪ ،‬قضى ساعة و هو يقصفني باألسئلة ‪ ،‬لم يكن‬

‫هناك شئ بارع في اسلوبه ‪ ،‬لماذا تأخرتي في العودة إلى ليبيا كل هذا الوقت؟ ‪ ،‬إلى أين سافرتي‬

‫خالل تلك الفترة ؟‪.‬‬

‫لم يكن سرا انني زرت الهند و لندن ودبي وأمريكا ‪ ،‬كان جوازي في خزانة الفندق لو‬

‫ارادوا التدقيق عن االختام األخرى ‪ ،‬فكرت من الحكمة عدم ذكر إسرائيل وتمتمت في خاطري‬

‫بأدعية الشكر ان كل الرحلة تم ترتيبها بدون وثائق ‪ ،‬لهذا لم يكن لها اثر يتم تعقبه ‪.‬‬

‫قذف في وجهي بأسماء بعض االفراد كلهم سعوديون ‪ ،‬وسأل ان كنت اعرفهم ‪ ،‬كان القليل‬

‫منهم مألوفا عندي ‪ ،‬فقلت كذلك ‪ ،‬لم يكن عندي ما اخفي بهذا الصدد‪.‬‬

‫هل اُشتبه في كوني جاسوسة لدولة اجنبية ؟ ‪ ..‬قررت أن اطرح سؤالي الخاص ‪ ،‬لماذا انا‬

‫هنا ‪ ،‬اجاب المحقق ‪ :‬ال اعرف ‪ ،‬ال تطرحي هذا السؤال النني الستطيع ان اعطيك إجابة ‪ ،‬فقط‬

‫اجيبي عن اسئلتي ألنني فقط اؤدي عملي ‪ ،‬استمرت نفس االجراءات خمسة أيام ‪ ،‬في هذا الوقت‬

‫ومن مشاهدتي للتلفزيون عرفت ان العقيد قد عاد الى البلد ‪ ،‬كان صمته ضربة الَمالي بافراج‬

‫سريع ‪.‬‬
‫لقد كان من الواضح أنه وراء حبسي ‪ ،‬فلو كانت لخبطة فظيعة أو فخ من مكتب‬

‫االستخبارات لوصلته اخبارها ‪ ،‬استطيع فقط االفتراض ان القذافي أعطى تعليماته بحسن‬

‫معاملتي ‪ ،‬اشك ان عديد السجناء تحصلوا على نفس المزايا ‪ ،‬بما في ذلك وجبات االكل من بوفيه‬

‫فندق خمس نجوم ‪ ،‬لقد اتضح الحقا انني لن اذهب الى اي مكان اخر ‪ ،‬فقد تمت تلبية طلباتي‬

‫بالحصول على فراش و شراشف واغطية افضل ‪ ،‬وكانت تفضال من فندق كورنتيا‪.‬‬

‫اغلب الوقت كان معي شرطية في الفيال ‪ ،‬وأحيانا اكون لوحدي ‪ ،‬لهذا كونت االنطباع ان‬

‫تلك النساء كانت لحمايتي ‪ ،‬وليس حراستي ‪ ،‬كانت ذهيبة الرفيقة األكثر تواجدا ‪ ،‬مع الوقت‬

‫فتحت لي قلبها واصبحنا أكثر قربا لبعض ‪ ،‬شاهدنا معا برامج التلفزيون ‪ ،‬تابعنا المسلسالت‬

‫المصرية التافهة ‪ ،‬في حياتي الطبيعية لم اكن احلم مطلقا بتضييع وقتي على هذا الهراء ‪ ،‬لكن‬

‫ملئت هذة البرامج وقتي ‪ ،‬كنت استيقظ متأخرة بقدر ما استطيع ‪ ،‬عادة حوالي ‪33‬صباحا ‪ ،‬في‬

‫الفطور كنت اتناول الخبز بالجبن واشرب الشاهي‪.‬‬

‫لم تكن ذهبية تعرف سبب وجودي هنا ‪ ،‬لهذا كنا نتحدث في أمور الحياة بشكل عام ‪،‬‬

‫استمتعت بصحبتها ‪ ،‬وباإلضافة الى مساعدتي في تزجية الوقت ‪ ،‬ساعدتني كذلك في الحفاظ على‬

‫صحتي العقلية ‪ ،‬تشاركنا في اعمال التنظيف ‪ ،‬وأصبحتُ قارئة نهمة ‪ ،‬استغالل هذة الفرصة غير‬

‫المتوقعة لدراسة االسالم ‪.‬‬

‫بعد اسبوعين احضروا لي شيشة ارجيلة ‪ ،‬التي كنت احملها في كل رحالتي ‪ ،‬كما احضروا‬

‫لي التبغ ‪ ،‬كان من الجيد الحصول على بعض وسائل الراحة البيتية ‪ ،‬لكنه ايضا إشارة أخرى إلى‬

‫طول فترة البقاء هنا‪.‬‬

‫سمح لي بالتمشي في الحديقة العامة داخل المقر تحت نظر حارس أمني ‪،‬‬
‫لمدة ساعة كل يوم ُ‬

‫بدأت من جانبي في االهتمام بنباتاتها القليلة ‪ ،‬كما نظفت األعشاب الميتة حول فيلتي الخاصة‬

‫إلبقاء الناموس بعيدا‪.‬‬


‫اما في باقي الوقت فإن الهواء المنعش يأتي فقط من فتح الباب الخشبي الداخلي والسماح‬

‫للنسيم بالمرور من خالل القضبان المعدنية للبوابة الخارجية ‪ ،‬اشتهيت الشمس ‪ ،‬شحب وجهي ‪،‬‬

‫تلك كانت حياتي في جنيف‪.‬‬

‫كان التواصل مع "الضيوف" في الفيالت األخرى ممنوعا ‪،‬غير انني اكتشفت ان احد‬

‫جيراني كان صديقي القديم نوري المسماري ‪ ،‬رئيس مكتب المراسم الليبية المتهم باالختالس‪.‬‬

‫في البداية كان عندي قليل من المالبس التي كان سائقي يأخدها بانتظام لتُغسل في فندق‬

‫كورنتيا‪ ،‬لقد كنت على عالقة طيبة مع الرجل الذي عمل معي عديد السنوات ‪ ،‬كان حزين‬

‫لمحنتي ‪ ،‬وشوش في اذنى ان ريم مازالت في طرابلس ‪ ،‬لهذا خالل اسبوعي الثالث في الفيال‬

‫قمت بوضع رسالة الى شقيقتي في جيب أحد البنطلونات ‪ ،‬و بالرغم من المخاطرة بفقدان عمله أو‬

‫اسوء ‪ ،‬فأنه وافق على إيصال البنطلون إلى أختي مباشرة ‪ ،‬ولفت انتباهها الى الرسالة ‪ ،‬لقد كان‬

‫له من حضور العقل ‪ ،‬انه وجه ريم إلى الحمام ليتبادل معها الحديث خشية أن تكون الغرفة‬

‫الرئيسية تحت أجهزة التنصت ‪.‬‬

‫في رسالتي اخبرتها انني في خطر ‪ ،‬وان عليها ان تلح على الحكومة وملك االردن بالتدخل‬

‫لصالحي ‪ ،‬جاءني ردها في الغد ‪ ،‬انها تحاول جهدها ‪ ،‬وان اخي عز الدين جاء إلى ليبيا لتولي‬

‫قضيتي ‪.‬‬

‫بالرغم من امتناني الشديد لمساعدته ‪ ،‬لكنني خشيت ان أفراد أسرتي سينتهي بهم المطاف‬

‫إلى االعتقال ‪.‬‬

‫في المرة التالية وعلى مضض ‪ ،‬طلبت من سائقي المخلص برحلة الغسيل أن يخبر شقيقي‬

‫وشقيقتي بالتالي ‪ :‬ارجعا إلى االردن و اضغطا لصالحي من هناك ‪ ،‬انتما في خطر لو بقيتما في‬

‫ليبيا ‪ ،‬شعرت انني وحيدة أكثر من أي وقت مضى ‪ ،‬وتساءلت كم ستطول عقوبتي على أي‬

‫جريمة رأى القذافي اني ارتكبتها‪.‬‬


‫اللواء عبدالحميد السائح رئيس فرع مكافحة اإلرهاب أثناء حكم معمر القذافي‪.‬‬
‫الفصل الواحد والعشرون‬

‫فقدان الثقة‬

‫صارت الحياة في الفيال نوع من حرب االستنزاف ‪ ،‬يحاول فيها سجاني ارهاقي ‪ ،‬ستة‬

‫أسابيع مؤلمة مرت منذ ان رجعت إلى ليبيا صحبة ريم ‪ ،‬تلهفت لسماع اخبار عائلتي في االردن‬

‫وعن حالة رشا وابنها الذي افترضت انه ولد بسالمة ‪ ،‬سيطلق على الولد اسم فراس تكريما‬

‫لشقيقي المتوفي ‪ ،‬لذا شعرت فعال برباط عاطفي وثيق ‪ ،‬وشعرت بالمرض بسبب القلق ونقص‬

‫النوم ‪ ،‬بالرغم من البيئة المحيطة بي مريحة ‪ ،‬لكني مازلت سجينة حتى ولو كان طعامي من‬

‫فندق خمسة نجوم ‪.‬‬

‫عيد ميالدي في فبراير اضاف إلى قنوطي ‪ ،‬و ياللغرابة ‪ ،‬احضر سجاني لي زهور و تورتة‬

‫إلى الفيال ‪ ،‬لكن لم اكن في مزاج لالحتفال ‪.‬‬

‫في مارس ‪ 2232‬ليبيا تستضيف القمة العربية ‪ ،‬عرفت ان الملك عبدهللا سيحضرها ‪ ،‬فهل‬

‫ستكون زيارته محفزة لإلفراج عني ؟ ‪ .‬بدا ان هذا ممكنا ‪ ،‬ذلك انه يومين قبل القمة اُستدعيت‬

‫للقاء عبدهللا منصور مسؤول االعالم والتلفزيون في ليبيا ذلك الوقت ‪ ،‬وكنت اعده صديقا‪.‬‬

‫كان الشفق يلّون الغروب عندما غادرنا الفيال ‪ ،‬تم مرافقتي مرورا بمبان مختلفة في المجمع‬

‫الى مبنى مكتبي غير متميز حيث كان ينتظر ‪ ،‬كان منصور أكبر مسؤول تحدثت اليه منذ‬

‫احتجازي ‪ ،‬فسرت ان هذا عالمة إيجابية ‪.‬‬

‫لحظة دخولي الغرفة نهض من كرسيه على الطاولة المستديرة وصافحني ‪ ،‬شعرت و كأني‬

‫ال أرتدي مالبس وانا بالمالبس الرياضية والحذاء الرياضي ‪ ،‬ابتسم بغرور كما لو ان شيئا لم‬

‫يحدث ‪ ،‬وان هذا مجرد لقاء عادي ‪ ،‬تفجر كل الغضب المكبوت بسبب احتجازي ‪ ،‬صرخت في‬

‫وجه منصور‪ :‬لماذا تعتقلوني؟ ‪ .‬كيف تتجرأون ‪ ،‬هل تعتقدون انه ليس هناك قوانين ‪ ،‬سوف‬

‫تسبب لكم بالدي مشكلة كبيرة ‪ ،‬هل يعرف القذافي حتى انني هنا؟ ‪ ،‬فقدت السيطرة على نفسي ‪،‬‬

‫شتمته ونحن نقف ال يفصلنا اال متر واحد ‪ ،‬لكن االبتسامة لم تغادر وجهه ابدا ‪ ،‬سلوك منصور‬
‫البارد زاد من اهتياجي ‪ ،‬انتظرني حتى أتوقف أللتقاط انفاسي ‪ ،‬وسألني ‪ :‬هل انتهيتِ؟ ‪ .‬وانا‬

‫أشعر باإلحباط اجبت ‪ :‬نعم ‪.‬‬

‫تحرك في اتجاه الطاولة و سألني ‪ ،‬في هذة الحالة ‪ ،‬اجلسي اذن وحينها نستطيع التحدث ‪،‬‬

‫ت هنا ولكن‬
‫انت تعرفين ان الرئيس يعاملك كأبنته ‪ ،‬لهذا ال تكوني غاضبة منه ‪ ،‬ال اعرف لماذا ان ِ‬

‫هناك أوامر الحتجازك ‪ ،‬االن انت تعلمين أن الملك عبدهللا سيصل ويتوقع القذافي ان يثير قضيتك‬

‫‪ ،‬وهو يرغب باإلفراج عنك حتى تستطيعي الذهاب معه إلى بلدك ‪.‬‬

‫كانت هذة اخبار رائعة لكن منصور استمر في القول ‪ :‬نرغب منك التوقيع على إفادة انك‬

‫شاهدة على بعض القضايا المهمة ‪ ،‬واننا وضعناك في برنامج حماية ‪ ،‬كنا ننزلق في عوالم من‬

‫الخيال ‪ ،‬واالسوء سيأتي ‪ ،‬فقد باح لي منصور ان احد زمالئي السجناء في الفيالت هو نوري‬

‫المسماري رئيس المراسم ‪ ،‬والرجل الذي تركه العقيد في الحمام المعدني في زيارتنا لألردن ‪،‬‬

‫االن يتم االدعاء ان المسماري أساء التصرف في اموال حكومية ‪ ،‬وقام بتهريب اموال سائلة‬

‫خارج البلد إلى االردن ‪ ،‬لو لم يكن هذا كاف ‪ ،‬يرغب منصور مني توقيع افادة ضد صديقتي‬

‫المقربة سالمة ميالد الحارسة ‪ُ ،‬زعم بانها تاَمرت لقتل القذافي ‪.‬‬

‫ليس عندي فكرة ما اذا كان المسماري مذنبا ‪ ،‬لكن اعرف يقينا أن سالمة متفانية في خدمتها‬

‫بالكامل ‪ ،‬وال يعنيها المكسب الخاص ‪ ،‬مع ان نعيمة كانت هى أقرب صديق لي في ليبيا ‪ ،‬ولو‬

‫كان فيه شخص واحد غير فاسد في ليبيا فهى سالمة ‪ ،‬كانت دائما هى طريقي إلى القذافي ‪،‬‬

‫وتوقعت ان هذا قد اُستخدم ضدنا كلينا ‪ ،‬لهذا قلت لمنصور‪ :‬اوال ‪ ،‬انا لست المصرف المركزي‬

‫لألردن ‪ ،‬لهذا ال اعرف اين يحتفظ المسماري بأمواله ‪ ،‬ربما عليك ان تسأل ملك االردن عندما‬

‫يصل ‪ ،‬ثانيا ‪ ،‬ال استطيع ان اشهد زورا ضد واحدة من اصدقائي المقربين ‪ ،‬وال لحظة واحدة‬

‫فكرت في التوقيع ‪ ،‬التآمر لقتل القذافي كانت جريمة عقابها الموت ‪ ،‬لهذا كنت اعرف انني اذا‬

‫وقعت فذلك يعني توقيعي على مذكرة موت صديقتي ‪ ،‬ال استطيع ان اعيش مع هذا باقي حياتي ‪.‬‬
‫سحب منصور بعدها رزمة اوراق و بنبرة سخرية قال ‪ :‬لقد حولتي لها مبلغ ‪2222‬‬

‫دوالر من ثالثة أشهر مضت ‪ ،‬كما لو ان هذا هو كل الدليل الذي يحتاجه ‪ ،‬استطعت أن أشرح‬

‫بالضبط مالغرض من هذا المال ‪ ،‬لم تنحدر سالمة من اسرة غنية ‪ ،‬كانت امها مريضة ‪ ،‬لهذا‬

‫اهديتها هذا المال لتدفع عالج خاص بها ‪ ،‬في الماضي اهديتها ايضا مجوهرات ‪ ،‬اخبرت‬

‫منصور ‪ ،‬ان ذلك لم يكن جزء من مؤامرة ما ايضا ‪ ،‬لقد كان ادعاء مناف للمنطق ‪ ،‬كان كالنا‬

‫يعرف ان محاولته هى كحالة غريق يتشبت بالقش ‪ ،‬ظهر على وجه منصور االحراج ‪ ،‬وصلني‬

‫احساس انه كان يكرر ما تم تلقينه له من سطور تم تحضيرها مسبقا ‪.‬‬

‫عاود الجلوس على كرسيه و بسط يديه وقال ‪ :‬حسنا ‪ ،‬يرغب القذافي في تعويضك على‬

‫الوقت الذي قضيته في االحتجاز هنا ‪ ،‬على شرط ان تبقي هادئة و ال تثيري المشاكل ‪.‬‬

‫ارشى‬
‫هذة المحادثة كانت تسير إلى االسوء ‪ ،‬واالن‪ ،‬اذا لم اسئ تقدير الحالة ‪ ،‬انا االن ُ‬

‫بالمال الُبقي فمي مغلقا ‪ ،‬اسكت عن ماذا؟ ‪ ،‬سألت العرف ‪.‬‬

‫أجاب منصور‪ :‬انت تملكين اسرار عن الرئيس ‪ ،‬وانت اآلن غاضبة ‪ ،‬واضاف ‪ ،‬نريدك‬

‫ان تغادري بشروط جيدة ‪ ،‬احتفظي بمكتبك هنا ‪ ،‬وتعود عالقتك مع ليبيا إلى طبيعتها ‪ ،‬سندفع لك‬

‫بضع مليون دوالر لتعويضك ‪ ،‬عن وقتك ال ُمضاع وضياع اعمالك التجارية ‪ ،‬وانفصالك عن‬

‫اسرتك ‪ ،‬لقد كان االسلوب االخرق المعتاد للنظام لشراء خروجه من المختنقات ‪ ،‬لم اكن ارغب‬

‫مطلقا في قبول هذا‪.‬‬

‫ال ارغب في الحصول علي اي أموال من القذافي البقى ساكتة ‪ ،‬ألنني ال أملك شئ ضده ‪،‬‬

‫قلت هذا و لست راغبة في ان يعتقد منصور انني أشكل أي نوع من التهديد للقذافي ‪ ،‬غيّر‬

‫منصور من اسلوبه مرة اخرى ‪ ،‬وقال ‪ :‬انظري ‪ ،‬ال اعتقد ان القذافي كان يقصد اعتقالك ‪ ،‬لقد‬

‫اساءوا فهم أوامره ‪ ،‬هو االن في وضع صعب ‪ ،‬لقد كان هذا اكثر هراء ‪ ،‬كالنا يعرف ‪ ،‬اجبته ‪:‬‬

‫القذافي مثل والدي ‪ ،‬ال أحتاج إلى أموال البقى صامتة ‪ ،‬و اضفت ‪ ،‬لن اتسبب في أي متاعب ‪.‬‬
‫أعاد منصور ترتيب بعض األوراق امامه ‪ ،‬وقال ‪ :‬لماذا ال توقعي فقط إفادات الشهادة واعالن‬

‫السرية ‪ ،‬و اضاف ‪:‬ثم بعدها تعودين إلى بيتك مع الملك عبدهللا بعد القمة ‪ ،‬كان نقاشنا يسير في‬

‫دائرة مغلقة ‪ ،‬لم أوقع ‪ ،‬انتهى لقائنا ‪ ،‬ومع هذا مازلت واثقة ان صفقة ما ستعقد بين ليبيا واألردن‬

‫لإلفراج عني ‪ ،‬لقد صار واضحا اني صرت مصدر ازعاج للعقيد ‪ ،‬وعلى طريقته يحاول حل‬

‫معضلة إسمها دعد ‪.‬‬

‫طيلة الثالثة ايام التالية كنت اجلس على الصالون في الفيال أشاهد التغطية الشاملة للقمة‬

‫العربية ‪ ،‬بما في ذلك لقطات لعبدهللا ملك االردن ‪ ،‬من دواع حزني‪ ،‬ان الوقت الذي قضاه في ليبيا‬

‫لم يبشر بأي تقدم في قضيتي ‪ ،‬حاال ذهب الملك ‪ ،‬وذهبت معه آمالي‪.‬‬

‫مازال طعامي يصل يوميا من كورنتيا ‪ ،‬ومازالت الحديقة مسموحا بها لساعة واحدة يوميا ‪،‬‬

‫بعبارة اخرى ‪ ،‬لم يتغير شئ ‪ ،‬تملكني اليأس كلما فكرت في والدي المريض متسائلة هل مازال‬

‫على قيد الحياة ‪ ،‬وابنتي ذات الستة عشر ربيعا ‪ ،‬كيف تتأقلم مع المدرسة ‪ ،‬كانت نور متعودة‬

‫على غيابي بسبب االعمال التجارية ‪ ،‬تتواجد معها مربية كاملة الدوام ‪ ،‬كما ان شقيقاتي دائما‬

‫حولها ‪ ،‬غير أن ما يجري االن مختلفا تماما ‪ ،‬البد ان محنتها بسبب عدم معرفتها ما يحصل المها‬

‫كانت بقسوة محنتي ‪.‬‬

‫ماذا عن عملي التجاري حيث ال أحد في موقع القيادة ‪ ،‬من يدفع الفواتير ورواتب موظفي‬

‫المكتب ‪ ،‬في االنتظار ايضا قضيتي ضد االمير السعودي حول ماليين الدوالرات في العمولة‬

‫غير المدفوعة عن بيع الطائرة الخاصة ‪ ،‬خشيت أن ال توافق المحكمة البريطانية على غيابي‬

‫حيث يقترب موعد استماع مهم ‪ ،‬كلما رجوته ان يكون محامي في لندن ريتشارد والر قد ماطل‬

‫من أجل الوقت ‪ ،‬و ان اتحصل على يومي الذي طال انتظاره في المحكمة‪.‬‬

‫على رأس كل هذا ‪ ،‬ما كان يستهلكني هو االحساس بالظلم ‪ ،‬انا لم أفعل ما يستحق حبسي ‪،‬‬

‫ولم يقدم لي أحد شرح لهذة االنتكاسة في مصيري ‪ ،‬حتى اتمكن على األقل من محاولة تفنيد‬
‫االتهامات ضدي ‪ ،‬تجربة ماضية مع النظام القضائي الليبي علمتني ان وضع اي ثقة فيه هو أمرا‬

‫غير مجد ‪.‬‬

‫لم تكن عندي فكرة عن مستوى اي جهد دبلوماسي تبدله حكومة بلدي لتأمين اطالق سراحي‬

‫‪ ،‬هذة االمور تأخد وقتها ‪ ،‬اقدر هذا ‪ ،‬لكن كلما طال وقت احتجازي كلما زاد خوفي انني صرت‬

‫في مجاهل النسيان ‪ ،‬شعرت باإلحباط ان االردن لم يبذل جهدا أكبر‪ ،‬لم يكن عندي وقتها طريقة‬

‫لمعرفة هل اثار الملك قضيتي أو طالب باإلفراج عني ‪ ،‬لكن كنت واعية بوجود بروتوكول في‬

‫المنطقة يحتم ان طلب كهذا يُسأل مرة واحدة ‪ ،‬وإن رفض ثان هو بمثابة االهانة ‪ ،‬لقد ُوضع في‬

‫موقف صعب وانا ممنونة لجهوده ‪ ،‬عرفت االن انه تكلم مباشرة مع القذافي بخصوصي ‪ ،‬وانني‬

‫كنت دائما في تفكيره ‪ ،‬لهذا انا ال أضع أي لوم على الملك ‪ ،‬لكن ال استطيع ان اسامح‬

‫الدبلوماسيين والمسؤولين لمحاوالتهم الفاترة حل قضيتي ‪.‬‬

‫منصور صديقي السابق أصبح معذبي األكبر‪ ،‬بعد كل ثالث اسابيع يتم اخدي إلى مكتبه‬

‫فيتكرر ما سبق الحديث فيه ‪ ،‬أحيانا يطرح سؤال جديد عادة عن موضوعات أو افراد ال اعرف‬

‫عنهم شئ ‪ ،‬لم تكن ابدا اتهامات مباشرة ‪ ،‬لكن مهمة لتصيد المعلومات ‪ ،‬كلما استمر هذا ‪ ،‬أكون‬

‫واثفة أكثر ان القذافي كان نفسه من ينسق لهذة التحقيقات‪.‬‬

‫مصممة على ان ال يتم خداعي أو التنمر علي ‪ ،‬سألته ‪ :‬هل تحاول تلبيسي جريمة ‪ ،‬هل‬

‫تحاول توريطي؟ لن أجيب على على اسئلتك بعد االن ‪.‬‬

‫لقد تيقنت انني اذا ورطت نفسي ولو بالقليل في أي موضوع ‪ ،‬فسوف يتم جري إلى المحكمة‬

‫‪ ،‬وستكون المحصلة معروفة مسبقا ‪ ،‬ان وضعي في ليبيا سيكون فقط أسوء اذا ما كانت ثمة ادانة‬

‫تحوم حولي ‪.‬‬

‫علمت ان من بين جيراني اآلخرين رجل سعودي واخته ‪ ،‬يتشاركان فيال هى األقرب إلى‬

‫الفيال المخصصة لي ‪ ،‬لمحتهم فتعرفت عليهم ‪ ،‬انا من فتح لهذا الرجل االبواب في ليبيا ‪ ،‬تمكن‬

‫بعدها من تدبير العديد من الصفقات ‪ ،‬واتسائل االن هل سيتشابك مصيره مع مصيري ‪ ،‬في‬
‫مرحلة معينة كنا شريكين في عمل تجاري ‪ ،‬لكن افترقنا على شقاق ‪ ،‬بعد ان اكتشفت انه كان‬

‫يستغل صالتي وعالقاتي ليستغنى بها عني ‪ ،‬لم اعتبره رجل صادق ‪ ،‬واوضحت كتابيا للحكومة‬

‫الليبية في ذلك الوقت ان شراكتي معه انتهت ‪ ،‬ماذا كان يعمل في العامين الماضيين؟ ‪ ،‬لم اكن‬

‫ادري‪.‬‬

‫لم يكن في سيل األسئلة التي امطرني بها منصور واحد عن السعودي ‪ ،‬ربما كانت مجرد‬

‫صدفة اننا كنا معا رهن االعتقال المجيد‪.‬‬

‫زاد إلى مزاجي الكئيب بعد نقل حارستي ذهيبة التي صارت رفيقتي ‪ ،‬افترض أن الليبيين‬

‫خشوا اننا صرنا أصدقاء أكثر مما ينبغي ‪.‬‬

‫ال احد من السفارة االردنية زارني ‪ ،‬لم أ ُ ّمكن من الحصول على محام ‪ ،‬لقد خبرت ان هذا‬

‫النوع من المعاملة فُرض على مواطني ليبيا الذين يبدو أنهم ال يتحصلون على حقوق قانونية ‪،‬‬

‫ولكن ليس بحق شخص من الخارج ابدا ‪.‬‬

‫حصل تحسن واحد في ظروفي الحياتية ‪ ،‬من الصباح حتى المغيب تُركت البوابة الخارجية‬

‫ذات القضبان الخاصة بالفيال مفتوحه حتى استطيع التجول في الخارج فقط داخل األسوار العالية‬

‫للمجمع ‪.‬‬

‫أدرك أحدهم انني صرت على عالقة ودية مع عادل الرجل الذي يحضر طعامي كل يوم ‪،‬‬

‫كان متأسف لحالتي وزودني ببعض المعلومات الموجزة ‪ ،‬كان يقضي نصف ساعة في الفيال في‬

‫الصباح ‪ ،‬بينما كنت أتناول طعامي ‪ ،‬وكنت اتطلع بشوق إلى لقاءاتنا ‪ ،‬كان رجل عطوف ‪ ،‬لم‬

‫يكن سعيد بمحنتي ‪ ،‬لقد توطدت عالقة حسنة بيننا طيلة التسع شهور لهذا الروتين المتواصل ‪،‬‬

‫بعدها في احد صباحات سبتمبر تم استبداله بدون تنبيه بشخص اخر‪ ،‬على عكس عادل كان القادم‬

‫الجديد عبوسا وغير تواصلي ‪ ،‬كنت متأكدة انه كان يتبع التعليمات بأن ال تكون له عالقة بي‪.‬‬
‫في الشهر التالي سمعت كثير من الصراخ خارج الفيال ‪ ،‬رأيت مجموعة من النساء‬

‫يرافقهن اللواء عبدالحميد السايح إلى البناية المجاورة ‪ ،‬على الفور تعرفت عليهن ‪ ،‬كن زوجة‬

‫وبنات نوري المسماري ‪.‬‬

‫ماذا يجري؟ صحت على السايح وهو يغادر‪ ،‬توقف قليال وأجاب ‪ :‬فر المسماري من ليبيا ‪،‬‬

‫هرب المسماري إلى فرنسا حيث انشق هناك عن العقيد ‪ ،‬واالن يدفع أفراد من اسرته ثمن تخليه‬

‫عن الوالء ‪ ،‬الحقا تم اإلفراج عنهم دون ان يصبهم اذى ‪.‬‬

‫في كل الوقت كانت صحتي تتدهور ‪ ،‬بدأت أعاني من االالم في البطن ‪ ،‬وكان ضغطي‬

‫منخفظا وينتابني صداع مستمر ‪ ،‬كانت يدي ترتجف بدون ارادتي ‪ ،‬في النهاية تم استدعاء طبيب‬

‫اعصاب إلى الفيال ليكشف عني ‪.‬‬

‫رجوت ان يكون متعاطف مع إمرأة محتجزة بدون اتهام ‪ ،‬وانه ربما يمرر رسائل أو يثير‬

‫قضيتي إلى العالم الخارجي ‪ ،‬لكن بينما قال انه يشعر باالسف لحالي ‪ ،‬فأن خوفه من اغضاب‬

‫النظام تغلب على أسفه ‪ ،‬قال لي طبيب االعصاب ‪ :‬تضرعى إلى هللا بالدعاء ‪.‬‬

‫انا متأكدة انها صادرة من قلب متعاطف ‪ ،‬لكن لم اكن احتاج منه الى هذا النوع من النصيحة ‪،‬‬

‫كان رأى الدكتور ان انُقل إلى المستشفى ‪ ،‬لكن قوبل طلبه بالرفض ‪ ،‬اُعطيت مسكنات االلم‬

‫واحضروا جهاز لمراقبة القلب ‪ ،‬استنتجت انه بالرغم من انني اصبحت شوكة في خصره ‪ ،‬فإن‬

‫القذافي ‪ ،‬ألسباب مازالت غير واضحة ‪ ،‬ال يرغب ان أموت في الحبس‪.‬‬

‫حتى أكتوبر ‪ 2232‬كانت وجبات طعامي تأتي من الفندق ‪ ،‬لكن بعد ذلك وفي أحد االيام‬

‫وصل الطعام على هيئة مخصصات التموين العسكري في حقيبة بالستيكية ‪ ،‬كان مقزز فصرخت‬

‫‪ :‬هذا يصلح لكلب ‪ ،‬لن اتناوله ‪.‬‬

‫جاءت اجابتهم ‪ :‬ماذا تريدين ‪ ،‬األشخاص في الفيالت األخرى يحصلون على نفس الطعام ‪،‬‬

‫ي للتوقيع على اعترافات مزيفة سينتج‬


‫انا متأكدة انه كان عقوبة لتحطيم معنوياتي ‪ ،‬والضغط عل ّ‬

‫عنها التعفن في السجن الليبي لسنوات ‪.‬‬


‫شكوت من سوء األكل إلى اللواء السايح الذي بدأ مندهشا ‪ ،‬لم يقل كذلك ‪ ،‬لكن ساورني‬

‫انطباع ان هذا تكتيك استحدثه مكتب االستخبارات من وراء ظهره‪.‬‬

‫تمكنت من إقناع اللواء‪ ،‬ولم يكن رجل فظ ‪ ،‬ان صحتي ستتدهور أكثر اذا تم تقييد نظامي‬

‫للحمية الغدائية ‪ ،‬بالرغم من انني لم اعد احصل على طعامي من فندق كورنتيا ‪ ،‬فقد اؤتي‬

‫بوجبات اكلي من المطاعم المحلية في صناديق بالستيكية ‪ ،‬كان واحد من الصحون يوميا هو‬

‫السمك على الدوام ‪ ،‬كان نصرا صغيرا‪.‬‬

‫الرجل العبوس الذي كان يحضر طعامي تم استبداله ‪ ،‬لخيبة أملي لم يكن عادل هو البديل ‪،‬‬

‫لكنه رجل في حوالي االربعين ‪ ،‬كان قد تحصل على تدريب في التمريض ويستطيع أن يراقب‬

‫صحتي ‪ ،‬كنت ممنونة النه كان ودود ‪ ،‬ذلك انه لم يعد هناك ثمة شئ اخر يستحق االمتنان‪.‬‬

‫بعد مرور عشرة شهور على اقامتي في المجمع ‪ ،‬فقدت كل ثقتي في القذافي ‪ ،‬كنت اعاني‬

‫االرق وقرحة معدة محتملة وبشكل مؤكد أعاني من االكتئاب السريري ‪ ،‬كل وقت تُفتح فيه‬

‫البوابة المعدنية الثقيلة المؤدية إلى فيلتي ‪ ،‬تطحن بضجة مفاصلها ‪ ،‬اكون انا فيه متحطمة‬

‫عصبيا‪.‬‬

‫حاولت ان اشعر باالرتياح كوني مازلت في واحدة من الفيالت ‪ ،‬المتعارف على انها لحجز‬

‫األشخاص لفترة مؤقتة ‪ ،‬لكن تيقنت ان القذافي لو أراد حقا إطالق سراحي لتم هذا من فترة طويلة‬

‫‪ ،‬مازلت محتارة كيف انه بعد كل هذة السنوات من الخدمة المطيعة المفعمة بروح الواجب‬

‫سيوافق بوضوح على هذة المهانة ‪ ،‬كما انني فقدت الثقة في حكومة االردن الطالق سراحي من‬

‫خالل الدبلوماسية‪.‬‬

‫ما نجاني من االنهيار الكامل كان إيماني باهلل ‪ ،‬جلوسي لوحدي لساعات ‪ ،‬منحني وقتا‬

‫كثيرا للتأمل ‪ ،‬لكن لم افقد إيماني ‪ ،‬في الحقيقة لقد أصبح أكثر قوة ‪ ،‬عندما فقدت الثقة في الكثير‬

‫من الناس وضعتها في هللا والقدر ‪ ،‬وبالتأكيد ما كان لمحنتي ان تكون أسوء من هذا‪.‬‬
‫عبدهللا منصور مدير االذاعة والتلفزيون‬
‫الفصل الثاني والعشرون‬

‫قنابل‬

‫في احدى أمسيات شهر ديسمبر ‪ 2232‬قمت بتقليب القنوات في جهاز التلفزيون ‪ ،‬انه االن ما‬

‫يعرف بالربيع العربي ‪ ،‬وانا اشغل التلفزيون على قناة الجزيرة في تلك الليلة الشتوية القارصة ‪،‬‬

‫لم يكن عندي ادنى فكرة عن تلك االحداث الهامة التي ستنجلى طيلة الشهور القليلة التالية ‪ ،‬كنت‬

‫اشهد بداية نهاية القذافي وسأعلق وسط عاصفة النيران ‪ ،‬ال حول لي و القوة‪.‬‬

‫للتذكير في ‪ 30‬ديسمبر ‪ 2232‬اُتهم بائع تونسي جوال اسمه دمحم البوعزيزي بالعمل بدون‬

‫صفع على وجهه‬


‫ترخيص ‪ ،‬تمت مصادرة فواكته وخضاره وفي الخالف الذى تلى ذلك يقال انه ُ‬

‫من قبل شرطية ‪ ،‬البوعزيزي ‪ ،‬الذي قيل انه كان ضحية المضايقة المستمرة والفساد ‪ ،‬اشعل‬

‫النيران في جسده في احتجاج غاضب‪.‬‬

‫تضحية البوعزيزي بنفسه حرقا لم تجذب في البداية انتباه كبير خارج قريته سيدي بوزيد ‪،‬‬

‫لكن طيلة االيام القليلة التالية انتشرت المظاهرات خارج المقرات المناطقية للحكومة ومنها بدأ‬

‫الترس في الدوران ‪ ،‬خالل تلك الفترة كنت انا أشاهد بأكثر قليال من فضول خامل التقارير األولي‬

‫لالضطرابات في تونس ‪ ،‬كان التلفزيون حلقة وصلي الوحيدة بالعالم خارج الجدران المتجهمة‬

‫للمجمع ‪ ،‬و بالرغم من انني الزلت ال اعرف مكان وجودي في طرابلس ‪ ،‬كان عندي دخول على‬

‫قنوات فضائية أجنبية مختلفة ‪ ،‬باالضافة الى قناة اخبار الدولة الليبية ‪ ،‬مصادري األخرى كانت‬

‫قناتين سعوديتين هما العربية التي تغطي كامل المنطقة و ام بي سي‪.‬‬

‫لم يبد االمر وكأنني أشاهد بداية ثورة ‪ ،‬لكن مع اكتساب االنتفاضة زخم متزايد صرت مذهولة ‪،‬‬

‫احاول فهم ما يجري ‪ ،‬كانت الحدود تبعد فقط مائة ميل ومألوفة عندي من ايام كنت اسافر عبر‬

‫البر لتخطي عقبة الحظر الجوي ‪ ،‬كانت تونس على عتبة باب البيت ‪ ،‬لكن لم احلم مطلقا ولو‬

‫للحظة ان ليبيا ستتأثر بما حصل فيها ‪ ،‬وحتى عندما تمت االطاحة بالحكومة التونسية ‪ ،‬كان ال‬

‫يبدو ثمة تهديد للعقيد ‪ ،‬كنت متأكدة انه مازال يملك بقبضة صارمة على البلد بعد أكثر من أربعين‬
‫سنة في السلطة ‪ ،‬وانه حافظ على شعبية واسعة في أغلب اجزاء ليبيا ‪ ،‬بالرغم من تخوفاتي من‬

‫هوسه بأفريقيا ‪ ،‬لقد حذرت ان غروره سيقتله في النهاية ‪ ،‬لكن لم أتخيل أن يوم الحساب لم يكن‬

‫بعيدا‪.‬‬

‫كان يملك جيش قوي يعج بالمعدات العسكرية التي تم تحديثها بعد رفع العقوبات ‪ ،‬أتى أغلبها‬

‫من روسيا ‪ ،‬لكن دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا ساعدت في تسليح القذافي مقابل دوالراته‬

‫النفطية بالطبع ‪.‬‬

‫ادهشتني ليبيا كدولة مسالمة حيث تستطيع المرأة المشي في الشوارع امنة ‪ ،‬لم اشتم اي‬

‫عدائية كبيرة تجاه العقيد ‪ ،‬كان أوالده يحيكون المكائد في الخلفية‪ ،‬لكن لم يكن احد ينافس جديا‬

‫ليحل محله ‪ ،‬نجا القذافي طويال فيما سبق ‪ ،‬انا متأكدة انه نظر برضا عن النفس وهو يتابع‬

‫األحداث الجارية في تونس‬

‫في يناير وفبراير انتشرت المظاهرات عبر المنطقة ‪ ،‬فوصلت مصر وسوريا ‪ ،‬نتج عنها‬

‫استقالة حسني مبارك بعد ثالثين عام في السلطة ‪ ،‬مازلت اعتقد ان القذافي لن يُمس‪.‬‬

‫في فبراير ليس بعد وقت طويل من إزاحة مبارك ‪ ،‬تم اصطحابي إلى مكتب عبدهللا‬

‫منصور‪ ،‬كنت متوقعة ان اسمع المزيد من المعتاد إياه ‪ ،‬جلست مستسلمة لالمر الواقع في انتظار‬

‫استجواب قاس عندما قال‪ :‬قبل أن تبدئي في االساءة لي أو الصراخ ‪ ،‬اريد فقط ان اخبرك ان ابيك‬

‫هنا وانت سترينه ‪ ،‬لمرة واحدة كنت عاجزة عن الكالم في حضور منصور‪ ،‬لكن بعدما صحصح‬

‫ى ‪ ،‬اضاف منصور" شقيقك واحدى‬


‫دماغي توقعت ان هذة مجرد خدعة أخرى للتشويش عل ّ‬

‫شقيقاتك هنا ايضا ‪ ،‬لقد دعاهم الرئيس القذافي و سترينهم غدا ‪ ،‬مازلت مقتنعة انه يكذب ‪ ،‬سألته‬

‫العرف ‪ :‬لماذا هم هنا ؟ ال أريد أن أرى أحد إلى أن تطلقوا سراحي ‪ ،‬استمر منصور بالقول "‬

‫فكر الرئيس القذافي كثيرا في إيجاد حل وهو يعتقد االن ان هذا يمكن ترتيبه من خالل عائلتك ‪،‬‬

‫لقد دعى والدك إلى ليبيا وثالثتكم سوف تجلسون معا‪ ،‬يجب أن يعد ابيك ان تُبقي فمك مغلقا ‪.‬‬
‫لست متأكدة كيف تكون ردة فعلي قلت ببساطة ‪ :‬حسنا ‪ ،‬كنت اشعر باالثارة في انتظار ماذا‬

‫يخفي منصور من تكتيك ‪ ،‬لكن لم اكن املك أي توقعات بالجلوس في اليوم التالي لهذة الدردشة‬

‫الودية التي وعد بها‪.‬‬

‫لقد وصلت إلى نقطة حرمت فيها نفسي من التمتع بأي أمل ‪ ،‬بطريقة غير منطقية كان من‬

‫االسهل ان اتأقلم باتباع هذا األسلوب ‪ ،‬لذلك كانت حياتي مثل خط مسطح ‪ ،‬ال تفاؤل و ال قنوط ‪،‬‬

‫كل يوم كالذي يليه وكالذى مضى باالمس ‪.‬‬

‫في صباح اليوم التالي يبدو أن التمثيلية المهزلة مازالت مستمرة ‪ ،‬اُخبرت ان على ان ارتدي‬

‫مالبسي ‪ ،‬وتم اخدي بالسيارة مع حارس إلى نادي الشرطة االجتماعي ‪ ،‬كان يبعد ثالثين دقيقة‪.‬‬

‫نظرت إلى أية معالم مألوفة ‪ ،‬لكن لم اتعرف على هذا الجزء من المدينة ‪ ،‬لهذا لم اتمكن من‬

‫التحديد بدقة اين كنت محتجزة‪.‬‬

‫حال وصولي اُخدت إلى مكتب بالطابق األعلى ‪ ،‬يجلس هناك كان والدي على كرسي‬

‫عجالت ‪ ،‬وشقيقي عز الدين ‪ ،‬وشقيقتي ريم ‪ ،‬وياسين سائقي في االردن ‪ ،‬الذي كان معهم‬

‫لالهتمام بوالدي ‪ ،‬كما تعرفت هناك على رجل ليبي يدعى محسن يشتغل في ادارة القانون‬

‫الحكومية ‪ ،‬كان متعاطف معي ‪ ،‬وأحيانا يعد القهوة لي عندما كنت اُستجوب‪.‬‬

‫للحظة تجمدت مكتسحة بالمشاعر وانا ارى ابي ألول مرة منذ عام ‪ ،‬كان واهن جدا لدرجة‬

‫اني خشيت من معانقته ‪ ،‬كان عمره ثمانون عاما ‪ ،‬واثقلت عليه الرحلة من عمان إلى طرابلس ‪،‬‬

‫عانقنا بعضنا بشدة ‪ ،‬كان هناك الكثير مما يستحق الحديث عنه من المستجدات ‪ ،‬اردت ان اعرف‬

‫كل ما يتعلق بأبنتي ‪ ،‬اعطاني شقيقي هاتفه المحمول فاستطعت الحديث إلى نور لدقائق قليلة ‪،‬‬

‫بالكاد صدقت انني اسمع صوتها ‪ ،‬بكى كالنا ‪ ،‬حاولت طمأنتها انني بخير ‪ ،‬وكم اشتاق إليها ‪،‬‬

‫وان تحاول التركيز على واجباتها المدرسية ‪ ،‬ومسرورة بالقول انها تحصلت على عالمات‬

‫مدرسية ممتازة ‪ ،‬أخبرني عزالدين انه االن اب لطفلين ‪ ،‬طفل اخر ُولد بعد مغادرتي االردن ‪،‬‬

‫بنت سميت دعد على اسم عمتها السجينة ‪ ،‬كل هذا يعكس طول المدة التي بقيت فيها بعيدة‪، .‬‬
‫شعرت بدوامة من العواطف ‪ ،‬وبقدر ما كنت سعيدة بلقائهم ‪ ،‬كنت غاضبة انهم لم يفعلوا ما يكفي‬

‫الطالق سراحي ‪.‬‬

‫صحت " اين سفير األردن ‪ ،‬لماذا لم يفعل الملك شئ ‪ ،‬لماذا لم تخرجوا على االعالم ‪،‬‬

‫تدفقت مني كل األسئلة التي كانت تنهش جسدي لمدة عام ‪ ،‬حاول أبي تهدئتي ‪ ،‬وأخبرني انهم‬

‫كانوا خائفين ان يجعلوا االمور تسوء أكثر ‪ ،‬لقد اكتشفت بعد ذلك بكثير ان ابنتي أغرقت مكتب‬

‫القذافي بالفاكسات تطلب اطالق سراحي دون رد ‪ ،‬شقيقتي لندا ورنا تواصلوا مع مكتب‬

‫االستخبارات األردنية ورئيس الوزراء والملك عبدهللا ‪،‬ال شئ اال الصمت ‪ ،‬أخبرني شقيقي انهم‬

‫اخدوا تطمينات بأنه حال عودة القذافي من التعامل مع شؤون الدولة في بنغازي سأكون في‬

‫طريقي إلى األردن ‪.‬‬

‫بدأ اللقاء مع أسرتي و كأنه دام لدقائق قليلة بالرغم من أنه عندما لمحت ساعتي كنا قد بقينا‬

‫معا لمدة ساعة كاملة ثمينة ‪ ،‬لقد كان معذبا ان اُنقل مرة ثانية إلى الفيال ‪ ،‬لكن هذه المرة سمحت‬

‫لنفسي ان اكون متفائلة‪.‬‬

‫بعدها بيومين كان عندي لقاء ثان مع أسرتي في نفس المكان ‪ ،‬نُقش التاريخ في ذاكرتي‪ ،‬اول‬

‫فبراير عيد ميالد ابي ‪ ،‬مرة أخرى اُخبرت ان اُحضّر نفسي لالفراج على انه سيحدث في يوم أو‬

‫يومين ‪ ،‬والنني مازلت متشككة ‪ ،‬وشوشت في اذن شقيقي ‪ ،‬لو نُكث بهذا العهد عد إلى الوطن ‪،‬‬

‫واحدث أكبر ضجة ممكنة ‪ ،‬اتصل بكل أحد في وسائل االعالم ‪ ،‬مر يوم ثم أسابيع ‪ ،‬كان ينبغي‬

‫أن أعرف ما هو أفضل من الثقة في سجانى ‪ ،‬عدت إلى مشاهدة التلفزيون ‪ ،‬رأيت اول التقارير‬

‫عن اول القالقل في ليبيا تحديدا بنغازي شرق البالد ‪ ،‬ربما كانت بسبب وجود القذافي هناك ؟‬

‫قلل تلفزيون الدولة الليبية من اهميةاالضطرابات ‪ ،‬لهذا كان من الصعب داخل فقاعتي‬

‫الصغيرة أن افهم ما يجري ‪.‬‬


‫ايام قليلة بعدها سمعت صوت ال تخطيه االذن الطالق نار من سالح اوتوماتيكي بعيد ‪ ،‬كانت‬

‫طرابلس على وشك أن تصبح ساحة معركة ‪ ،‬صار عندي سبب أكثر للقلق ‪ ،‬أحد الحراس‬

‫أخبرني ان الطلقات من بنادق قوات القذافي احتفاال بالنصر ‪ ،‬لكن كان هذا صعب التصديق‪.‬‬

‫زارني اللواء السايح الذي ابلغني ان اإلفراج عني تأجل بسبب القالقل ‪ ،‬كان يوم ‪ 35‬فبراير‬

‫اليوم التالي لثاني عيد ميالد في السجن ‪ ،‬لكن هذة المرة ال زهور وال تورتة ‪ ،‬كان في اذهان‬

‫العقيد وأتباعه اشياء اخرى‪.‬‬

‫كشف لي السايح ايضا ان سفير االردن في طرابلس ‪ ،‬وجه تعليماته لعائلتي بالذهاب إلى‬

‫الوطن من اجل سالمتهم ‪ ،‬الطيران بين ليبيا واألردن كان على وشك أن يُعلق إلى وقت غير‬

‫معلوم ‪ .‬ومع ذلك علمت ان شقيقي وشقيقتي بقيا لمحاولة التفاوض على اإلفراج عني ‪ ،‬تأثرت‬

‫باخالصهما ‪ ،‬لكن ليبيا بشكل واضح لم تعد بلد امن ‪ ،‬بقلب مثقل بالحزن ‪ ،‬و عبر هاتف استعرته‬

‫من احد المحققين المنتظمين ‪ ،‬تمكنت من الحديث مع شقيقي ورجوته الذهاب ‪ ،‬استطيع االعتناء‬

‫بنفسي ‪ ،‬قلت لشقيق عز الدين غير مقتنعة بما اقول ‪ ،‬اخر شئ احتاجه هو القلق بشأن تعرضكم‬

‫للخطر ‪ ،‬غادر مع اختي بأقصى سرعة ‪.‬‬

‫كانت هناك لحظة صمت قال بعدها اخي ‪ :‬حسنا‪ ،‬سنفعل ما تقولين ‪ ،‬لم اكن اعلم في وقتها‬

‫انهما بقيا في ليبيا للتفاوض حول إطالق سراحي ‪.‬‬

‫طيلة أكثر من اسبوعين بعد ذلك زادت كثافة إطالق النيران ‪ ،‬هل كان من نسج خيالي ‪ ،‬أم‬

‫أنه صار أقرب ‪ ،‬يجب أن اعترف انه قبل شهرين من االن لهجت بالدعاء لالنتقام من القذافي لما‬

‫فعله بي ‪ ،‬ها انا االن أدعو له أن يبقى سالما الن البديل ارعبني ‪ ،‬فالكل يعرف انني مستشارته‬

‫المميزة ‪ ،‬وانني كنت في صفه عديد السنوات ‪.‬‬

‫ألول مرة كنت قلقة بشان سالمتي من هذا التهديد الجديد ‪ ،‬خالصة القول انني عاجزة عن‬

‫أي تصرف ‪ ،‬لم تكن المسألة بسهولة ان اخرج من الباب والوح بيدي لتاكسي فتأخدني إلى‬

‫المطار السافر إلى االردن ‪ ،‬ال‪ ،‬سوى أحببت هذا أو كرهت ‪ ،‬اعتقدت انه بالرغم من غدر‬
‫القذافي بي ‪ ،‬صار مصيري مرتبطا بمصيره ‪ ،‬وبينما أشاهد التلفزيون حاولت ان اربط االحداث‬

‫الفهم ما يجري ‪ ،‬وادركت ان النيتو أصدر للقذافي مهلة محددة لوقف الهجومات على أبناء شعبه‬

‫ممن تظاهروا ضده ‪.‬‬

‫انا متأكدة انه ما كان يمكن اإلطاحة بالقذافي دون تدخل النيتو ‪ ،‬وفي أحلك أوقاته اختفى‬

‫حلفاؤه الجدد في أمريكا وبريطانيا وفرنسا‪.‬‬

‫هناك مقولة مفادها " ليس لالمريكيين أصدقاء بل مصالح " ‪ ،‬ال يمكنك االعتماد على أمريكا‬

‫‪ ،‬سوف تبيعك في أي وقت ‪ ،‬حدث هذا مع صدام ‪ ،‬وحدث مع مبارك ‪ ،‬وحدث مع القذافي عندما‬

‫لم يعد مفيدا‪.‬‬

‫كان مبرر غارات النيتو حماية المدنيين ‪ ،‬لكن القنابل قتلت مدنيين ليبيين ‪ ،‬لقد كانت كلها‬

‫واجهة لإلطاحة بالقذافي ‪ ،‬في مقدمة الحملة في الغرب كان نيكوال ساركوزي الذي استقبل‬

‫القذافي على البساط االحمر في قصر االليزيه ‪ ،‬ووقع معه صفقات اسلحة ‪ ،‬واستمتع بالضيافة‬

‫الليبية ‪.‬‬

‫في ‪ 39‬مارس ‪ 2233‬كانت طائرة فرنسية اول من أطلقت صاروخ على وحدات القذافي‬

‫المدرعة و أنظمة الدفاع الجوي ‪ ،‬ما خطر ببالي مطلقا انهم سيقصفون ليبيا ‪ ،‬تخيلت منطقة حظر‬

‫طيران يتم فرضها وعودة الحصار لمحاولة إجبار القذافي الجلوس على طاولة المفاوضات ‪ ،‬لكن‬

‫بعد أربعين عام من بقاءه في السلطة ‪ ،‬قرر الغرب انه حان الوقت لتغيير النظام ‪ ،‬تخلى عنه‬

‫رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير الذي كان قد مدح القذافي كحليف في الحرب على االرهاب‪.‬‬

‫ال أتذكر التاريخ بالضبط و لكن في إحدى الليالي عند الساعة ‪ 32.12‬سمعت اول قنبلة‬

‫تسقط على طرابلس ‪ ،‬اهتزت األرضية من تحت قدمى ‪ ،‬وبدا األشخاص في الفيالت المجاورة‬

‫بالصراخ ‪ ،‬عندما انبلج الفجر كان بإمكاني رؤية دخان اسود سميك ليس بعيد جدا ‪ ،‬وهكذا انبثق‬

‫نمط متكرر ‪ ،‬خالل النهار في العادة يعم الهدوء ‪ ،‬لكن كل ليلة تسقط طائرة للتحالف حمولتها‬

‫المتفجرة على طرابلس ‪ ،‬قالوا في التلفزيون ان الهدف كان مجمع القذافي ‪ ،‬لذلك وبمعرفتي‬
‫لموقعه في المدينة حاولت استخالص اين مكان احتجازي ‪ ،‬من خالل أعمدة الدخان ‪ ،‬قدرت انني‬

‫كنت ابعد عنه حوالى ميل واحدا ‪ ،‬كيف لي بهذا القرب ان ارتاح ‪ ،‬كنت استطيع سماع صافرات‬

‫المطافىء واالسعاف ‪ ،‬كان الناس يحتضرون من حولي ‪ ،‬من مارس حتى سبتمبر كانت القنابل‬

‫تهطل كل ليلة ‪ ،‬كل مساء كنت اُحبس خلف البوابة الحديدية ‪.‬‬

‫بعد مدة غير طويلة من بدء القصف وصل سفير األردن في طرابلس ليراني ‪ ،‬قضيت‬

‫اغلب الوقت في توبيخه لعدم فعله شيء بشأني ‪ ،‬صرخت فيه ‪ :‬ماذا كنت تفعل طوال السنة‬

‫الماضية ‪ ،‬هز كتفيه وحاول أن يشرح انه هو وزمالئه فعلوا ما باستطاعتهم ‪ ،‬لكن تجاهلت‬

‫الحكومة الليبية مطالبهم ‪ ،‬في وقت من اللقاء أخرج قطعة ملفوفة من التورتة ‪ ،‬قدمها لي كأنه‬

‫حضر لزيارة منزلية ‪ ،‬هذا لم يزد اال في غضبي فغادر ‪ ،‬وانتقاداتي لفشله تصمخ اذنيه ‪ ،‬وعد ان‬

‫يزورني في األسبوع التالي حامال معه اخبار جيدة ‪ ،‬لكن بالمطلق لم أراه مرة اخرى منذ ذلك‬

‫اليوم ‪ ،‬عرفت ان السفارة تم اخالؤها ‪ ،‬ورجع كل الموظفين إلى األردن ‪.‬‬

‫بعدها حضر اللواء السايح واخبرني انه سيوفر لي شرطية تبقى معي كل ليلة لحمايتي كما‬

‫يزعمون ‪ ،‬كالنا يعرف انها ال تستطيع صد قنبلة ‪ ،‬لم تكن ودودة جدا‪ ،‬رفضت أن تطلعني على‬

‫اسمها لكن على األقل كنا لبعضينا رفيقتين‪.‬‬

‫كانت البنت المسكينة مرتعبة وخوفها جعل منها ترثارة ‪ ،‬صدرت عنها زلة لسان بالقول انني‬

‫محتجزة في مجمع سجن ابوسليم الرهيب الذي انتهى اليه عديد المعارضين للقذافي في ‪، 3991‬‬

‫كان ساحة لمجزرة ُزعم انها انطوت على وفاة أكثر من ‪3222‬سجين مشاغب‪.‬‬

‫شعرت بالطمأنينة من معرفتي اخيرا لمكان احتجازي ‪ ،‬وادركت ان الغرب لن يستهدف مكان‬

‫يُحتجز فيه معارضين للقذافي ‪ ،‬بالرغم من انني لم اكن غافلة عن احتمالية قديفة أو صاروخ‬

‫طائش يجد طريقه إلى ابوسليم ‪ ،‬هامش الخطأ في منطقة حرب يكون صغير لكني استرخيت قليال‬

‫‪.‬‬
‫كان يجول بخاطري سؤال عن كيف ستكون ردة فعل األردن وهى على عالقة جيدة مع‬

‫القذافي ‪ ،‬لكنها أيضا تميل إلى الغرب ‪ ،‬تجرعت اإلجابة بعد حوالي شهر من بدء القصف ‪ ،‬ففي‬

‫أحد االيام فُتح باب الفيال على مصراعيه و تم المسير بي عبر المجمع إلى بناية غير مميزة‪ .‬في‬

‫الداخل دُفع بي إلى حجرة بدون نوافذ ‪ ،‬متر مربع تقريبا ‪ ،‬ال وسائل غسل و ال مرحاض ‪،‬سألتهم‬

‫‪ ":‬ماذا يعني هذا ؟ ‪ ،‬اجابوا " ملكك يدعم النيتو‪ ،‬وسنريه االن ماذا يمكننا فعله بك ‪.‬‬

‫تبين أن األردن بينما لم تشارك في الهجمات على ليبيا بشكل مباشر ‪ ،‬كانت تقدم الدعم‬

‫اللوجستي ‪ ،‬االن ليس ثمة شك بين من يعتقلني ‪ ،‬صرت العدو ‪ ،‬وكان واضحا أن معاملتهم لي‬

‫صارت أقسى ‪ ،‬اخدت حالتي المحفوفة بالمخاطر تأخد منعطف آخر لالسوء ‪ ،‬استطيع تخيل‬

‫غضب العقيد من دولة عربية كان يتودد إليها بمواظبة ‪ ،‬ثم تصطف ضده‪.‬‬

‫قُفل الباب وتُركت في ظالم دامس ‪ ،‬كل مأستطعت سماعه كان صراخ من الغرف االخرى ‪،‬‬

‫بدأ األمر وكأن ناس تتعرض للضرب ‪ ،‬تساءلت ما اذا كان هذا مصيري ايضا ‪ ،‬البد انه اُغمى‬

‫على من الرعب ‪ ،‬عندما استيقظت ‪ ،‬وجدت نفسي مرة أخرى في الفيال ‪ ،‬حاال زارني اللواء‬

‫السايح ‪ ،‬قلت له ال عالقة لي بقرار ملكي ‪ ،‬يجب أن تدركوا هذا‪ ،‬واضفت ‪ :‬لماذا تحاسبونني‬

‫على شئ خارج سيطرتي ‪ ،‬لماذا تعاقبونني ‪ ،‬هز راسه ‪ :‬ال ادري ‪ ،‬انها اَوامر ‪ ،‬لم اكتشف ابدا‬

‫من أصدرها‪.‬‬

‫حاال بعد بداية القصف ‪ ،‬كانت احتمالية اإلفراج عني تلوح في األفق ‪ ،‬وثيقة أخرى قدمها‬

‫عبدهللا منصور‪ ،‬هذة المرة يريد مني التنازل عن ملكية األصول الخاصة بي في ليبيا ‪ ،‬كان عندي‬

‫‪ 1‬مليون دوالر في حساب مصرفي ليبي تحصلت عليها من خالل صفقات أنجزتها ‪ ،‬باإلضافة‬

‫إلى فيال وثالث سيارات‪.‬‬

‫زادت األحوال يأسا ‪ ،‬لهذا وافقت بالرغم من انني ال أثق بالرجل ‪ ،‬رأيت ان ادفع فعليا فديتي‬

‫مقامرة تستحق المحاولة ‪ ،‬لكن ال شىء نتج عنها ‪ ،‬لم يتم استرداد هذة االصول بعد سقوط النظام‬

‫‪ ،‬مضت الحياة بالرغم من المذبحة من حولي ‪ ،‬مازالت أتناول طعام جيد ‪ ،‬وتأتيني امدادات التبغ‬
‫لشيشة االرجيلة الخاصة بي ‪ ،‬بعد ليلتي في الزنزانة الصغيرة جدا ‪ ،‬حاولت ان اعد النعم التى‬

‫حظيت بها ‪ ،‬وانا اقنع نفسي ان األحداث في طرابلس لم تكن بالسوء الذي تلمح له اخبار‬

‫التلفزيون ‪ ،‬التغيير الوحيد الذي حصل هو اختفاء المراة الشابة التي شاركتني الفيال ‪.‬‬

‫غمرني احساس غريب بالسالم ‪ ،‬قلت لنفسي ‪ ،‬لو ضرب صاروخ مباشرة فليس بإمكاني‬

‫عمل شيء ‪ ،‬لهذا حاولت االستسالم لقدري ‪ ،‬قرات القرآن وصليت الخمس اوقات‪.‬‬

‫نقص النوم بسبب القصف الليلي أصبح مشكلة ‪ ،‬وبالكاد تعرفت على المرأة الهزيلة في‬

‫المرآة ‪ ،‬كان الحال اما قنبلة تسقط ‪ ،‬أو أخرى انتظر سقوطها بتوتر ‪.‬‬

‫برامج التلفزيون في اليوم التالي أظهرت لقطات للدمار واألجساد التي تُحمل من االنقاض ‪،‬‬

‫قلت لنفسي ‪ :‬سيأتي يوما واكون فيه انا على شاشة التلفزيون حيث جسدي يُنقل إلى مستودع‬

‫الجثت‪.‬‬

‫صدمت بسقوط مبارك ‪ ،‬لكن كنت‬


‫كل الوقت كنت احاول ان اتنبأ بما سيحصل في ليبيا ‪ُ ،‬‬

‫اعرف ان القذافي لن يتنازل بسهولة ‪ ،‬كنت متأكدة انه لن يستسلم ‪ ،‬لذلك ستسفك دماء أكثر ‪،‬‬

‫استنتجت االن بحزن ان االمور ستزداد تدهورا‪.‬‬

‫كان سجني المستمر ال معنى له ‪ ،‬فلم يكن اية اتهام مباشر بارتكاب تجاوزات ‪ ،‬ولم تكن هناك‬

‫قضية في محكمة ‪ ،‬لكنني افترضت ان القذافي وحده من يستطيع اإلفراج عني ‪ ،‬لسوء الحظ لم‬

‫اكن على رأس قائمة اولياته‪.‬‬

‫بصيص الضوء الوحيد كان العودة غير المتوقعة لصديقي القديم عادل الذي كان اول من‬

‫احضر وجباتي اليومية من الطعام ‪ ،‬لم أره منذ ستة شهور ‪ ،‬سوف يحضر لي طعام اضافي‬

‫ويسأل ما اذا كنت محتاجة ألي شيء ‪ ،‬يعرف عادل معلومات أساسية عن قصتي ‪ ،‬وان عندي‬

‫بنت تنتظرني هناك فى الوطن ‪.‬‬

‫في إحدى المرات توقفت ساعتي عن العمل فقام بتغيير بطاريتها ‪ ،‬شعرت باالرتياح لعودته‬

‫مجددا‪ ،‬بالرغم من انه اسر لي ان االضطرابات في ليبيا هى بنفس السوء الذي تعرضه بعض‬
‫التقارير اإلخبارية التلفزيونية ‪ ،‬أخبرني في أحد االيام ‪ ،‬لو حصل االسوء‪ ،‬سأعمل كل شئ ممكن‬

‫لمساعدتك ‪ ،‬حييته على عاطفته ‪ ،‬بالرغم من شكي انه يستطيع فعل الكثير‪.‬‬

‫استمر وابل القصف كل الصيف ‪ ،‬في ‪ 1‬يونيو‪ ،‬يوم ميالد القائد كان القصف شديد ‪ ،‬اشك‬

‫في انه كان مصادفة‪.‬‬

‫مع منتصف اغسطس‪ ،‬كانت القنابل تسقط بكثرة حتى ان خشيت أن ليبيا تحولت إلى اطالل ‪،‬‬

‫كانت االنفجارات تصم االذان ‪ ،‬ومر شهر آخر ‪ ،‬كان نظامي اليومي هو النوم نهارا عندما تكون‬

‫األجواء اهدأ‪.‬‬

‫في اليوم الذي كدت أموت فيه ‪ ،‬أتذكر اني كنت انظر إلى ساعتي وقد كانت ‪ 5.12‬في مساء‬

‫سبتمبري معتدل ‪ ،‬وبالخارج كانت الدنيا مازالت مضيئة ‪ ،‬يجرجر النهار اذياله متثاقال هنا ‪ ،‬وانا‬

‫أتعجب كيف سامأل فراغ الساعة والنص قبل أن يأتي عادل بطعامي ‪ ،‬في ذلك الشهر كنت‬

‫صائمة لشهر رمضان الكريم ‪ ،‬لهذا كنت اكل واشرب فقط بعد غروب الشمس ‪ ،‬لعنت نفسي على‬

‫االستيقاظ باكرا ‪ ،‬لكن ليس من المستغرب أن تخادعني ساعة جسدي‪.‬‬

‫عندما هبطت القنبلة كنت على سريري اقرأ ‪ ،‬كان انفجار مصما لالذان ‪ ،‬بدأت البناية في‬

‫االهتزاز بعنف ‪ ،‬زحفت مثل طفل في رحم أمه اصرخ واصرخ ‪ :‬سأموت ‪ ،‬سأموت ‪ ،‬غير أن‬

‫صراخي ضاع هباء منثورا ‪ ،‬حيث ال احد يسمعني‪.‬‬

‫انهار السقف يرميني بقطع اسمنتية ‪ ،‬ضربت قطعة كبيرة راسي ‪ ،‬لكن كوني مصدومة جدا‬

‫‪ ،‬او باألحرى مرعوبة جدا ‪ ،‬لم أشعر باأللم ‪ ،‬رغم انها كانت ثوان معدودة ‪ ،‬فإن االهتزاز بدأ‬

‫وكأنه دام لساعات ‪ ،‬البد أن هذا الشعور هو ما يحس به من عاش لحظات الزلزال ‪ ،‬سحب كثيفة‬

‫سوداء خانقة من دخان وغبار أطبقت على الغرفة ‪ ،‬قلت في نفسي ‪ :‬لن يتم العثور على جسدي‬

‫مطلقا ‪ ،‬لكن مع هذا ال زلت على قيد الحياة ‪ ،‬لم يكن مجرد حظ ‪ ،‬بل معجزة ‪ ،‬ذلك أن قطعتين‬

‫ضخمتين سقطتا من البناء شكلتا نوع من خيمة حماية فوق سريري ‪ ،‬كنت مرتعبة وأنا اتخلص‬

‫خشية أن تؤدي محاوالتي إلى انهيار كل شئ فيسحقني حتى الموت ‪ ،‬لكن بعد عشر دقائق‬
‫ي وحدي ‪ ،‬بشكل‬
‫مستلقية في يأس ‪ ،‬في الظلمة ‪ ،‬أدركت أن ليس عندي خيار آخر ‪ ،‬نجاتي بين يد ّ‬

‫ما انسللت من قبري دون أن المس قطع البناء المنهار من حولي ‪ ،‬بدأت الزحف وكانت الشظايا‬

‫ي وركبتاي ‪ ،‬تحسست ببطء طريقي خالل الظلمة ‪،‬‬


‫الحادة على األرضية تمزق الجلد من على كف ّ‬

‫اكتشفت أن إطار الباب الرئيسي قد تضرر بشدة و انني استطيع االحساس بنفث هواء خافت ‪،‬‬

‫لكن شعرت بقلبي يغرق وانا ارى ان البوابة الخارجية المغلقة بقضبانها الحديدية المنيعة مازالت‬

‫سليمة‪.‬‬

‫على اية حال ‪ ،‬خطر على بالي انه حتى لو استطعت الهروب ‪ ،‬فألى اين سأذهب ‪ ،‬أخرج‬

‫الى الشارع ؟ ذلك سيكون حتى أكثر خطرا ‪ ،‬فكري يا دعد ‪ ،‬فكري ‪ ،‬كررتها لنفسي في الوقت‬

‫الذي بدا فيه مخزوني من الشجاعة ينحسر و يتالشى‪.‬‬

‫بينما وقفت احذق من خالل القضبان حائرة ماذا سافعل في اللحظة التالية ‪ ،‬انجلى الدخان‬

‫تدريجيا‪ ،‬استطيع ان ارى شبح رجل يمشي متقصدا نحوي يحمل في يده بندقية آلية ‪ ،‬رنت‬

‫كلمات ابي في أذني قادمة من ذلك الزمن البعيد " دعد‪ ،‬اتوسل اليك ‪ ،‬ال تذهبي إلى ليبيا ‪ ،‬انها‬

‫ليست امنة ‪ ،‬لو حصل لك مكروه فلن نستطيع مساعدتك " ‪ ،‬تساءلت‪ ،‬هل ستكون هنا نهاية‬

‫قصتي؟‬

‫بعد ذلك ولدهشتي كان الشبح الذي يوسع الخطى من بين الدخان االسود هو صديقي عادل ‪،‬‬

‫لقد كان عند وعده لمساعدتي ‪ ،‬صاح بي ان أتراجع إلى الخلف ثم صوب بندقيته في اتجاه قفل‬

‫البوابة واطلق عليه النار مرة واحدة ‪ ،‬فُتح باب البوابة ‪ ،‬خرجت اترنح من خراب الفيال ‪ ،‬كان‬

‫اول تفكيري في جيراني‪ ،‬السعودي وشقيقته ‪ ،‬رجوت عادل ان يساعدهما ‪ ،‬أطلق النار مرة‬

‫أخرى لتحريرهما من البناية التي تضررت لكن مازالت منتصبة ‪ ،‬باقي اجزاء المجمع لم تكن‬

‫بشكل واضح محظوظة ‪ .‬بينما كنا نتحرك بين االنقاض ‪ ،‬حذرني عادل ‪ ،‬اقفلي عينيك ‪ ،‬سوف‬

‫ارشدك ‪ ،‬لم يرغب في أن ارى التبعات الفظيعة للقصف ‪ ،‬لكنني كنت اعرف اننا مازلنا في خطر‬

‫‪ ،‬و ارغب في االحتفاظ بكل حواسي ‪.‬‬


‫لقد واجهني مشهد للجحيم ‪ ،‬بالقرب كانت حفرة ضخمة استطعت رؤية أجساد وأشالء‬

‫مقّطعة ‪ ،‬حاولت نسيان الكثير ‪ ،‬غير أن تلك الصورة علقت في ذاكرتي إلى األبد ‪ ،‬ال أحد ينبغي‬

‫أن يرى مثل هذة االشياء ابدا ‪ ،‬و حتى االن ال اريد ان اشغل بالي بهذة المشاهد ‪.‬‬

‫رأيت المبنى الرئيسي حيث يتواجد مكتب اللواء السايح ‪ ،‬وكان يتم فيه التحقيق معي ‪ ،‬قد‬

‫دُمر ‪ ،‬نجا اللواء بالصدفة ألنه كان بعيدا عن مكتبه ‪ ،‬االن و قد الحظ وجودنا سألنا " ماذا‬

‫تفعلون هنا؟ شرح عادل ما حدث فأمره السايح ‪ :‬خدهم إلى سجن ابوسليم ‪ ،‬كان هذا غير معقول‬

‫بالنسبة لي ‪ ،‬فقلت له ‪ ،‬لكن نحن االن في سجن ابوسليم ‪ ،‬رماني بنظرة توحي بأنني فقدت عقلي‬

‫و قال ‪ :‬هذا مكتب مكافحة اإلرهاب ‪.‬‬

‫اذن فقد كانوا يحشوني بمعلومات خاطئة ‪ ،‬كل الوقت كنت أعتقد انني في السالمة النسبية‬

‫للسجن ‪ ،‬بينما في الواقع كنت محتجزة فعال في مجمع يُعتبر هدف رئيسى للنيتو ‪ ،‬قلت للواء‬

‫التعيس ‪ ،‬بلدك مقلوب عاليها سافلها ‪ ،‬وانت مازلت مهتم بشأني ‪ ،‬لماذا ال تتركنا نجرب حظنا ؟‬

‫اجاب السايح ‪ :‬اخر مكالمة استقبلناها من الرئيس كانت بخصوص وضعك في مكان امن ‪ ،‬ربما‬

‫كان ينبغي أن اتبجح زهوا ‪ ،‬فحتى و نظامه ينهار مازال العقيد يفكر بي ‪ ،‬تم وضعنا في سيارة‬

‫دفع رباعي ‪ ،‬وبعد عشر دقائق رأيت اللوحة ( سجن ابوسليم ) ‪ ،‬مع السعوديين االخرين تم‬

‫مرافقتي إلى فيال أكبر ‪ ،‬لكن مختلفة في التصميم عن الفيال التي قضيت فيها الواحد وعشرين‬

‫شهر الماضية ‪ ،‬والتي كانت مخصصة كسجن للمسؤولين ‪ ،‬لم اتحمس للنقل إلى فيال كنت أخشى‬

‫انها ستكون الهدف التالي لقنابل النيتو الذكية ‪ ،‬الححت على االَمر المسؤول عن سجن ابوسليم ‪،‬‬

‫ضعني في السجن ‪ ،‬لم يتزحزح عن موقفه لكنه على األقل وافق ان نبقى ثالثنا معا‪.‬‬

‫كان الجزء الداخلي من الفيال في حالة فوضى ‪ ،‬تفشت فيه الجرذان وتناثرت فيه القمامة ‪،‬‬

‫اُدخلنا إلى غرفة لم يسكنها أحد لشهور‪ ،‬لم يكن هناك فراش ‪ ،‬فقط صالون ‪ ،‬كان الماء يتساقط من‬

‫مكيف الهواء ‪ ،‬اُعطينا قليل من التمر والحليب‪.‬‬


‫مازالت القنابل تتساقط واستطيع ان اسمع صرخات مئات من السجناء في الزنازين القريبة ‪،‬‬

‫كل وقت يحصل فيه انفجار يزداد الصراخ ‪ ،‬فادعو ان يثبت صحة رجائي االصلي بان يستثني‬

‫النيتو سجن ابوسليم من القصف‪.‬‬

‫كانت النعمة الوحيدة اننا لم نكن محبوسين ‪ ،‬من خالل النافذة رأيت االَمر المسؤول يرتدي‬

‫سروال قصير ‪ ،‬و يدخن الشيشة في هدوء ‪ ،‬بينما تتهاطل القنابل ‪ ،‬يبدو كما لو انه في عطلة‬

‫سياحية ‪ ،‬في تلك الليلة لم ينام احدا منا‪.‬‬

‫في الصباح التالي سعيت إلى االَمر‪ ،‬كان باب مكتبه مهشما وخط الهاتف مقطوع ‪ ،‬تبين‬

‫انه هرب في الليل ‪ ،‬في غرفة أخرى وجدت بعض التمر و خبز وحليب فتشاركته مع السعوديين‬

‫و ممرضتين ليبيتين محبوستان في نفس المبنى بتهمة مساعدة الثورة‪.‬‬

‫بعد وقت غير طويل وصل بعض الجنود الموالين للقذافي وارجعونا مرة أخرى إلى الفيال ‪،‬‬

‫ومرة أخرى اجد نفسي محبوسة ‪ ،‬لمدة ثالثة ايام انكمشت في تلك الغرفة النتنة ‪ ،‬لم يكن هناك‬

‫تلفزيون ‪ ،‬ولم يكن بوسع ثالثتنا معرفة ماذا يجري في طرابلس وباقي ليبيا‪.‬‬

‫مازالت االنفجارات المنتظمة تتخلل الليل ‪ ،‬لكن جاءنى انطباع انها من هجوم ارضي وليس‬

‫من قصف النيتو الجوي ‪ ،‬استطيع ان اسمع الصواريخ تسقط قريبا من جدران السجن ‪ ،‬لكن‬

‫الجدران سميكة فلم تسقط ‪.‬‬

‫هل ما زال القذافي في السلطة ؟ هل سيستغل أعدائي في السلطة هذة الفوضى ويقومون‬

‫باعدامي ؟ ‪ ،‬لو ان العقيد اطيح به أو فر إلى قاعدته القوية في سرت ‪ ،‬ماذا سيحدث لي لو وقعت‬

‫في يد المتمردين ‪ ،‬عن كل هذا األسئلة لم يكن عندي اجوبة ‪.‬‬

‫حدث كل هذا خالل شهر رمضان ‪ ،‬وصلنا إلى ليلة القدر‪ ،‬الليلة االقدس في التقويم‬

‫االسالمي ‪ ،‬ليلة السابع و العشرين من رمضان ‪ ،‬التاريخ الذي أُنزل فيه القرآن على النبي دمحم ‪،‬‬

‫في هذا الليلة يُعتقد أن هللا على االرجح يستمع إلى دعاءك ‪ ،‬في الصباح التالي كان ثمة طرق‬

‫على بابنا‪.‬‬
‫الفصل الثالث والعشرون‬

‫فقدان االمل‬

‫بإحساس الخائف من المجهول مشيت إلى الباب الخشبي المقفل و ناديت ‪ :‬من هناك ؟ ‪،‬‬

‫متعطشة لألخبار طيلة الثالث ايام الماضية ‪ ،‬لم تكن عندي فكرة عن من يسيطر على المدينة ‪،‬‬

‫كل ما اعرفه االن ان اقدام قليلة قد تفصلني عن منفذ حكم اعدامي ‪ ،‬افتحي الباب ‪ ،‬قال صوت‬

‫رجولي ‪ ،‬لكن لم يكن معي مفتاح حتى لو رغبت ان اطيع ‪ ،‬ابتعدي ‪ ،‬أمرني ففعلت ما ُ‬
‫طلب مني‬

‫‪ ،‬حصل التحطيم فتطايرت شظايا الخشب والحاجز الواهن بركالت قليلةعنيفة ‪ ،‬كان في‬

‫ت هنا‪ ،‬ال‬
‫ت ولماذا ان ِ‬
‫مواجهتي رجل في عمر الستينات يرتدي جلباب ابيض ‪ ،‬صاح قائال ‪ :‬من ان ِ‬

‫لهجتك ليبية ‪ ،‬شرحت له بأقصى سرعة ممكنة ان ثالثتنا سجناء النظام ‪ ،‬دعوت أال اكون‬
‫ِ‬ ‫تبدو‬

‫وقّعت شهادات موتنا ‪ ،‬لكن لحسن الحظ بدأ ان ردي ارضاه ‪ ،‬تعالي سأخرجك من هنا ‪ ،‬قالها‬

‫واومأ لي ان اتبعه ‪ ،‬ترددت‪ ،‬رافضة ان اضع ثقتي في هذا الغريب ‪ ،‬بالرغم من عدم وجود‬

‫خيارات أخرى ‪ ،‬من انت ؟ سألته ‪ ،‬اجاب‪ :‬ليس هذا وقت طرح اسئلة ‪ ،‬تعالي ‪ ،‬اتبعيني ‪،‬‬

‫بسرعة ‪ ،‬توسلت اليه ان يأخد معنا السعوديين والممرضتين الليبيتين ‪ ،‬باب اخر ُحطم بسرعة‬

‫فأنفتح ‪ ،‬الممرضتان حرتان االن ‪ ،‬خرجنا جميعا نجري الى بوابة السجن ‪ ،‬لم يكن هناك أثر ألي‬

‫حراس في الخارج ‪ ،‬استطيع ان ارى مبان مدمرة و شوارع مغطاة بالركام ‪ ،‬سأل منقدنا‬

‫المرأتين الليبيتين ‪ ،‬هل تعرفان المدينة؟ اذن اذهبا إلى بيتكما ‪ ،‬واشار إلي السعوديين وانا بأن‬

‫نتبعه ‪ ،‬حاولت ان اعرف اين مكاني االن ‪ ،‬وان استوعب المنطقة المحيطة بي ‪ ،‬وبالرغم من‬

‫انني في منطقة حرب ‪ ،‬مازالت المقاهي تعمل ‪ ،‬في خارجها كان رجال كبار في السن يجلسون‬

‫على االرصفة يدخنون الشيشة ‪ ،‬كانت الشوارع مكتظة بالسيارات تختار طريقها عبر كل الحطام‬

‫المتناثر ‪ ،‬لقد كان مشهد سوريالي عجيب ‪ ،‬فقد كان بإمكاني سماع إطالق نار ليس بعيد ‪ ،‬لكن‬

‫على السطح على األقل تستمر الحياة على معتادها‪.‬‬


‫مشينا ما يقارب الميل حتى وصلنا إلى منزل صغير في حي فقير في المدينة ‪ ،‬فتح الرجل‬

‫الباب ‪ ،‬ورحب بنا في الداخل ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا بيتي ‪ ،‬عرف بنفسه للتو في وجود زوجته واخته ‪،‬‬

‫أخبرني ان اسمه علي عبدالهادي ‪ ،‬كان بعض األطفال يلعبون في حجرة أخرى غير منتبهين‬

‫لوصول ثالثة اجانب إلى بيتهم ‪ ،‬في رحاب األمان النسبي في البيت ارتاح (علي) بشكل واضح ‪،‬‬

‫وبدأ يفتح قلبه‪.‬‬

‫ال أعرف ما الذي أخدني إلى سجن أبوسليم ‪ ،‬وأضاف ‪ :‬استيقظت هذا الصباح وبدأت‬

‫المشي ‪ ،‬عادة ال أحد يستطيع أن يدخل السجن ‪ ،‬بل وكنا نخشى حتى المرور بقربه ‪ ،‬اليوم كانت‬

‫البوابة مفتوحة ‪ ،‬وكان الفضول يغمرني ‪ ،‬أنقدت بعض السجناء اآلخرين ممن كانوا محتجزين‬

‫في شاحنة ‪ ،‬و هم من أخبرني أن ثمة أشخاصا عالقين في الفيالت ‪ ،‬في ذلك الوقت عثرت عليك‬

‫‪ ،‬قدم لنا علي وهو سائق سيارة أجرة الطعام ‪ ،‬وبينما كنت أكل تأملت كيف أن القدر تدخل مرة‬

‫أخرى ‪ ،‬و إال كيف يأتي هذا المالك الحارس لينقدني‪.‬‬

‫قدم لي (علي) هاتفه المحمول فحاولت االتصال بالهاتف األرضي لوالدي‪ .‬سمعت أبي‬

‫يجيب لكن سرعان ما انقطع االتصال ‪ ،‬لهذا اتصلت بشقيقتي لندا حيث كان رقمها الوحيد الذي‬

‫مازال في ذاكرتي ‪ ،‬حالما سمعت لندا صوتي أجهشت بالبكاء ‪ ،‬وكانت إبنتي معها ‪ ،‬استطعت‬

‫الحديث معها ‪ ،‬لكنها بدأت وكأنها منهارة ومحطمة ‪ ،‬غير أننا استطعنا الكالم لمدة دقيقة أوإثنتان‬

‫قبل أن أرجع الهاتف بتردد ألنه كان منخفض الرصيد المالي ‪ ،‬كنت ممتنة أنهم على األقل عرفوا‬

‫أنني على قيد الحياة وبخير ‪ ،‬بالرغم من إدراكي أنني مازلت بعيدة جدا عن االمان في وضع‬

‫تتفجر فيه ليبيا من حولنا‪.‬‬

‫ناقشنا ماذا سنفعل بعد ذلك ‪ ،‬قال لي ‪ ،‬إن المكان ليس أمنا ‪ ،‬لقد سمعت أن سيف إبن القذافي‬

‫يختبئ هنا‪ ،‬وأن القتال يقترب أكثر‪ ،‬يتطلب األمر نقلك من هنا ‪ ،‬اقترح أخد ثالثنا بسيارة األجرة‬

‫إلى منطقة عين زارة الريفية ‪ ،‬حيث يمتلك شقيقه دمحم مزرعة هناك ‪ ،‬هناك كان لدينا متسع من‬

‫الوقت لرسم خطة خروجنا من ليبيا ‪ ،‬أو ببساطة كيف نختبئ ‪ ،‬الخروج بعيدا عن المدينة يظهر‬
‫وكأنه الخيار األكثر منطقية ‪ ،‬حيث يبدو أن القتال كان محصورا في المركز والضواحي القريبة‬

‫منه ‪ ،‬كانت رحلة هادئة بلغ طولها ثالثين ميال إلى الجنوب ‪ ،‬وأخيرا صافحنا رجال يحمل طفال‬

‫رضيعا بين ذراعيه ‪ ،‬ومرة أخرى صدمت بالحنان الذي أظهره هؤالء الغرباء تجاهي ‪ ،‬هنا ال‬

‫يتوانى رجل عائلة عن الترحيب بثالثة غرباء في منزله ‪ ،‬ويتقاسم معهم طعامه ‪ ،‬زد على ذلك‬

‫المخاطرة التي يتحملها من أجل أن يوفر لنا مالذا آمنا ‪ ،‬بل ولم يسأل مطلقا عن المدة التي‬

‫سنقضيها في بيته ‪ ،‬لن أنسى أبدا الكرم الفريد لهؤالء الناس‪.‬‬

‫أخدت حمامي األول بعد حرمان أليام ‪ ،‬ومباشرة شعرت باألنتشاء ‪ ،‬ثم أكلنا بيتزا ُ‬
‫طهيت‬

‫على الجمر‪ ،‬تبين أن قصة علي عن أن بيته غير أمن كانت تعبر عن نصف الحقيقة ‪ ،‬كان كذلك‬

‫قلق بشأن نقص الطعام في بيته ‪ ،‬وأننا قد نجوع هناك ‪ ،‬وهو يعرف أن إمدادات من الخضروات‬

‫الطازجة متوفرة بكثرة في مزرعة شقيقه‪.‬‬

‫ّ‬
‫شغل مولد كهربائي ف ُ‬
‫شحنت أجهزة الهاتف واستطعت مرة أخرى الحديث مع شقيقتي عن‬

‫طريق هاتف شقيق علي ‪ ،‬تحصلت على رقم هاتف وزارة الخارجية األردنية فاتصلت بهم ‪" ،‬‬

‫أريد الخروج من ليبيا " ‪،‬قلت لهم ‪ ،‬هناك دماء في كل مكان ‪ ،‬هناك ناس تُقتل ‪.‬‬

‫أخد أحد المسؤولين في الوزارة رقم هاتف الشقيق ووعد أنهم سيتصلون بي في اليوم التالي ‪،‬‬

‫كما هو متوقع ‪ ،‬رن الهاتف فكان على الخط السفير األردني في ليبيا متصال من مكتبه في‬

‫بنغازي ‪ ،‬قال ‪ :‬لو استطعتي الوصول إلى هنا ‪ ،‬استطيع أن أوصلك إلى القاهرة ثم إلى األردن ‪.‬‬

‫للحظة انعقد لساني عن الكالم من الصدمة ‪ ،‬تقع بنغازي في شرق ليبيا حوالي ‪ 122‬ميل من‬

‫طرابلس ‪ ،‬هل كان جادا في توقعاته ان اصل إلى هناك بدون مستندات او مال ‪ ،‬حتى في اوقات‬

‫السالم ما كان لهكذا رحلة أرضية ان تكون سهلة ‪ ،‬اما االن فمتأكدة انها ستكون مثقلة باالخطار ‪،‬‬

‫في وقت ما سينفذ حظي الجيد ‪.‬‬

‫كان يفترض ان امسك لساني ‪ ،‬لكنني لم اكن في مزاج دبلوماسي ‪ ،‬فانفجرت غاضبة ‪،‬‬

‫هل انت سفير الى الصين ام ليبيا ‪ ،‬هل تعرف كم بعد المسافة ‪ ،‬هل تعرف ان هناك حرب ‪ ،‬لو‬
‫كان بإمكاني أن أصل إلى بنغازي بنفسي فلن اكون في حاجة إلى مساعدتك اصال ‪ ،‬و قفلت في‬

‫وجهه الهاتف غاضبة ‪ ،‬مرة أخرى اجتاحني اليأس ‪ ،‬في وقت احتياجي تتخلى عني بلدي ‪ ،‬ماذا‬

‫يعني مواطن ميت لألردن؟‬

‫اتصلت بوزارة الخارجية االردنية وانهلت عليهم بكل كلمة قذرة يمكن تخيلها ‪ ،‬هذا جعلني‬

‫اتنفس الصعداء ‪ ،‬لكن لم ي ّحسن حالتي البائسة‪.‬‬

‫اربع ليال قضيتها مع هذة العائلة المضيافة ‪ ،‬اشرب من بئرهم واَكل من خضراواتهم‬

‫الطازجة ‪ ،‬لو كانت في ظرف اخر لكانت هذة االجواء ساحرة ‪ ،‬لكنني شعرت بتأنيب ضمير انني‬

‫اُثقل عليهم ‪ ،‬باكل طعامهم واستخدام هاتفهم ‪ ،‬كان السعوديان في نفس حالتي بعد اكتشافهما أن‬

‫سفارتهما غير راغبة في التدخل ‪ ،‬كل ما نقدر عليه اآلن هو االنتظار‪.‬‬

‫في وقت ما اتصلت ابنتي ‪ ،‬لقد اتصلت بوالدها في المملكة العربية السعودية بالنيابة عني ‪،‬‬

‫لو كان باستطاعتي الوصول بطريقة ما إلى جربة فى تونس ‪ ،‬فإنهم سيرتبون النقادي ‪ ،‬لدهشتي‬

‫عرض االمير الوليد بن طالل الذي رتبت شراء طائرته الخاصة للقذافي ان يوفر طائرة لنقلي‬

‫إلى الوطن بالرغم من الخالف بيننا غير المبثوت فيه بعد ‪ ،‬شكرت له هذة اللفتة الكريمة ‪ ،‬لكن‬

‫بالرغم من أن الحدود أقرب بكثير من بنغازي ‪ ،‬اقل من ‪ 322‬ميل ‪ ،‬فأن الوصول إلى هناك هو‬

‫بدون شك متقارب في الخطورة ‪ ،‬بدون مساعدة لن تكون هناك فرصة للمحاولة‪.‬‬

‫في اليوم الرابع في المزرعة رن جرس الهاتف ‪ ،‬عرف المتصل بنفسه ‪ ،‬اسمه هاني ‪ ،‬قال‬

‫عنك في كل سجن في طرابلس ‪ ،‬ثم اتصلت بعائلتك ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫انه ليبي يعمل بمكتبي في طرابلس ‪ ،‬بحثنا‬

‫هم اعطوني هذا الرقم ‪ ،‬سوف أساعدك في الخروج من ليبيا ‪.‬‬

‫أصابتني الدهشة فسألته ‪ :‬مالذي يدفعك لهذا ‪ ،‬لماذا تتحمل هذة المخاطرة الكبيرة من اجلي ‪،‬‬

‫عصرت دماغي ‪ ،‬لكن في مكتبي اشتغل به العديد من الموظفين على مر السنوات ‪ ،‬فلم أستطع‬

‫تذكره‪.‬‬
‫جئت إليك من اربع سنوات مضت عندما كانت امي مريضة ‪ ،‬احتاجت إلى عملية كلية‬

‫ت قدمتي لي نقود ‪ ،‬انا االن ارد لكٍ الدين ‪ ،‬انا االن جزء من الثورة ‪ ،‬لم اكن اعرف في وقتها‬
‫وان ِ‬

‫انه وعد ابي وشقيقي عندما زاراني و انا محتجزة ‪ ،‬بأنه سيعمل ما بوسعه لمساعدتي ‪.‬‬

‫تقديم هدايا مالية لليبيين في جدول مرتبات مكتبي لم يكن أمرا غير مألوف ‪ ،‬لقد كوفئت‬

‫بسخاء من العقيد ‪ ،‬فكنت احاول ان اقاسم القليل من ثروتي ‪ ،‬لم يكن هذا بالكامل بدون غرض ‪،‬‬

‫لقد تعلمت مبكرا في عملي التجاري انه بامكانك شراء الوالء ‪ ،‬و اآلن انا في طريقي لجني‬

‫األرباح ‪.‬‬

‫زودت هاني بوصف للمكان محتارة مالذي يدور في رأسه ‪ ،‬جاءت اإلجابة بعد حوالي‬

‫ساعة عندما ظهرت سيارة نقل على طراز عسكري يهدر محركها و مكتظة برجال يتباهون‬

‫بأسلحتهم‪.‬‬

‫في البدء فزع مضيفنا ‪ ،‬وارتاح فقط عندما مشيت إلى الخارج ‪ ،‬وصافحت هاني ‪ ،‬كان بلحية‬

‫طويلة ‪ ،‬لكن تذكرته اخيرا ‪ ،‬عانقني و قّبل أعلى راسي ‪ ،‬قولي لهم مع السالمة ‪ ،‬ستبقين الليلة‬

‫سنأخدك غدا إلى تونس ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫معي ‪ ،‬و‬

‫تعرفت على صاحب المزرعة و زوجته لعدة أيام ‪ ،‬لكن تفارقنا كأصدقاء عمر ‪ ،‬تعانقنا وقبلنا‬

‫بعض وبكينا ‪ ،‬وبينما نطقتُ كلماتي االخيرة للوداع ‪ ،‬احسست بعملة ورقية تنضغط في يدي ‪،‬‬

‫هذة دينارات تونسية قليلة هى كل ما املك ‪ ،‬لعلها تساعدك ‪.‬‬

‫قفزت إلى مقصورة العربة تاركة خلفي السعوديان ينتظران انقاذ ترتب له بالدهما ‪،‬بعدها‬

‫بوقت طويل عرفت بسرور أنهما غادرا ليبيا بسالم ‪ ،‬ذلك المساء قضيته مع والدي هاني في فيال‬

‫صغيرة وسط طرابلس ‪ ،‬اباح لي ان خطته ستكون باخدي إلى بلدة اذهيبة الحدودية مع تونس ‪ ،‬و‬

‫تبعد ‪ 222‬ميل ‪ ،‬هذة ضعف المسافة مع اقرب معبر حدودي ‪ ،‬لكنه كان واثقا ان الطريق‬

‫يسيطر عليه المتمردون ‪ ،‬كان يفترض ان تكون رحلة سهلة ‪ ،‬اتصلت بأسرتي لكي يسعوا في‬
‫ترتيبات تسمح لي بعبور الحدود بدون جواز سفر ‪ ،‬على االقل ينبغي على وزارة الخارجية‬

‫األردنية التي احتقرها االن ان تكون قادرة على تدبير هذا من أجلي‪.‬‬

‫انطلقنا في الفجر برتل من حوالي أربعين عربة تسير عبر اجزاء مدمرة من ليبيا ‪ ،‬كنت في‬

‫الكرسي الخلفي لشاحنة نقل صغيرة يقودها هاني ‪ ،‬و كان الراكب الثالث ثائر مسلح ‪.‬‬

‫تمزق قلبي وانا ارى البلد على هذة الحالة ‪ ،‬أعمدة دخان ومبان مثقوبة بالقدائف ‪ ،‬كان الناس‬

‫يبكون في الشارع ويرتدون السواد حدادا ‪ ،‬بدأ األمر و كأنه مشهد في فيلم حرب ‪ ،‬بالرغم من‬

‫عدم سماع إطالق نار وانفجارات ‪ ،‬يبدو ان طرابلس سقطت في يد المتمردين ‪ ،‬االن نحن بصدد‬

‫تغيير االتجاه الخد الطريق األكثر مباشرة إلى تونس ‪ ،‬سنتجه الى رأس اجدير البلدة الحدودية‬

‫الساحلية التي تبعد ساعة من هنا ‪ ،‬لكن هذا يعني المخاطرة بمالقاة الجنود الموالين للقذافي ‪ ،‬كان‬

‫التبرير لهذة اإلستراتيجية األكثر مخاطرة هو أن المتمردين ارادوا تنظيف الدرب األقصر إلى‬

‫سلمت خودة‬
‫تونس ‪ ،‬أدركوا انهم يملكون القوة النارية الكافية في رتلنا النجاز هذا الهدف ‪ُ ،‬‬

‫عسكرية وحزام واقي من الرصاص ‪،‬وطلب مني هاني ان استلقي علي ارضية مقصورة الشاحنة‬

‫‪ " ،‬سيكون هناك قتال " ‪ ،‬قال بهدوء‪.‬‬

‫مرة أخرى اُسلم نفسي للقدر ‪ ،‬لكن كنت أعتقد أنها فرصتي الوحيدة للهرب من ليبيا ‪ ،‬حاولت‬

‫ان اجد السلوان لنفسي من الثقة بالنفس التي يتمتع بها المتمردون الشباب ‪ ،‬لكن المتشائم في‬

‫داخلي ظل ينق في أذني ان التبجح بالشجاعة ال يوقف الرصاص عندما يبدأ في التطاير‪.‬‬

‫مع مرور الدقائق وانا في موضع القدمين الضيّق بالسيارة تجرأت على االمل ان نصل إلى‬

‫الحدود بدون عوائق ‪ ،‬كان الثوار يتوقون إلى االثارة ‪ ،‬وكان كل ما يشغلني العبور إلى تونس‬

‫بأسرع وقت ممكن ‪ ،‬ومن ثم الوصول إلى األردن‪.‬‬

‫لم يمض وقت طويل حتى سمعت الصوت الذى ال تخطيه االذن لألسلحة االلية ‪ ،‬و في ثوان‬

‫كنا في وسط معركة ‪ ،‬ال استطيع وصف الضجة التي تمزق االذن ورعبي بالرغم من انني لم ار‬

‫شيئا ‪ ،‬ذلك انني تكورت على االرضية حتى صرت اصغر حجما‪.‬‬
‫في الكرسي االمامي كان الرجالن يصرخان ‪ ،‬بينما أحدهما يقود السيارة كالريح ‪ ،‬كان‬

‫اآلخر يرد على النار من نافذة الراكب ‪ ،‬اتذكر عندما كنت في السجن كانت قنابل النيتو تسقط‬

‫على طرابلس من طائرة غير مرئية ‪ ،‬لكنك نوعا ما تشعر انها بعيدة ‪ ،‬اما هذة فحرب حقيقية ‪ ،‬لم‬

‫تكن هناك طريقة لمعرفة كم يبعد عنا المهاجمين ‪ ،‬لكن لم يكن هناك شك أنه لمرة اخرى كانت‬

‫حياتي على الميزان ‪ ،‬و مرة أخرى توجب ان اعتمد على آخرين في نجاتي‪.‬‬

‫استمر هذا لخمسة عشر دقيقة ‪ ،‬لكن بدأت وكأنها خمسة عشر ساعة ‪ ،‬ضرب الرصاص‬

‫الزجاج االمامي لسيارتنا بينما كنا نندفع في الطريق الصحراوي بدون غطاء ‪ ،‬في مرحلة ما قرر‬

‫هاني تقسيم رتلنا ‪ ،‬بينما بقى ثلثي العربات يقاتل قوات القذافي‪ ،‬انفصلت مجموعتنا األصغر التي‬

‫تضم حوالي عشرين رجال واستمرت في اإلسراع نحو الحدود ‪ ،‬قبل هذا كنت أتساءل كيف‬

‫سيتعامل هؤالء الثوار في مواجهة ظروف قاسية كهذه ‪ ،‬االن عرفت اإلجابة ‪ ،‬انهم اشجع رجال‬

‫التقيتهم في حياتي ‪ ،‬عرفت الحقا ان بعض من بقى خلفنا للقتال في ذلك اليوم قد قُتلوا‪.‬‬

‫بينما كنا نقترب من الحدود كان يلوح أمامنا عائقا اخر ‪ ،‬لم يكن معي جواز سفر أو بطاقة‬

‫هوية لذا اتصلت بالسفارة األردنية في تونس ‪ ،‬كان ينبغي أن أعرف قبل أن أتوقع المساعدة انه‬

‫ليس من أحد يبدو راغبا في مساعدتي حتى بالقليل ‪ ،‬و إلى اآلن بعد مضي هذة السنوات ‪ ،‬مازلت‬

‫أشعر بالمرارة عن الطريقة التي تخلت فيها بلدي عني في وقت الحاجة الماسة ‪ ،‬و في الجانب‬

‫االخر‪ ،‬تعلمت كذلك انك أحيانا تجد العطف العظيم وااليثار من حيث ال تتوقع‪.‬‬

‫بعد أن اوصلني بسالم إلى الحدود كان هاني يحمل لي اخر مفاجأة ‪ ،‬بينما كنت محتارة كيف‬

‫سأعبر من ليبيا إلى تونس عبر بلدة راس اجدير الترابية ‪ ،‬صار من الواضح ان هذة ليست المرة‬

‫األولى له هنا ‪ ،‬قام رجال الشرطة التوانسة وحرس الحدود بمصافحة هاني و تحيته ‪ ،‬انا متأكدة‬

‫انه في هذا الجو المحموم للربيع العربي‪ ،‬ساعدتنا ايضا حقيقة كونه وزمالئه ُمسلحين بالثقيل ‪،‬‬
‫تسهلت نوعا ما طريقي من ليبيا الى تونس ‪ ،‬لقد عبرت تلك الحدود عدة مرات فيما فات ‪ ،‬لكن لم‬

‫اتنفس الصعداء على هذا النحو الكبير من قبل ‪.‬‬

‫في وقت متأخر‪ ،‬وصل موظف من السفارة األردنية للتعامل مع هذة المرأة المزعجة ‪ ،‬وتم‬

‫اخدي إلى الفندق ‪ ،‬في هذة المناسبة ‪ ،‬كان االمير الوليد بن طالل بجودة تعهده ‪ ،‬فبعد اربعة‬

‫ساعات هبطت طائرة خاصة في مطار جربة الذي يبعد عشرين دقيقة ‪ ،‬كنت ذاهبة الى الوطن‬

‫بأبهة واناقة حيث كنت المسافرة الوحيدة على طائرة بستة مقاعد‪.‬‬

‫نمت اغلب الرحلة التي تبلغ ‪ 2222‬ميل ‪ ،‬ذلك اني كنت مرهقة بالتمام ‪ ،‬كانت هذة المرة‬

‫األولى التي انام فيها بعمق منذ تسعة شهور ‪.‬‬

‫على تمام الساعة السابعة صباحا ‪ ،‬حطت بي الطائرة في مطار عسكري في األردن ‪ ،‬واحد‬

‫و عشرين شهرا امتدت من يناير ‪ 2232‬إلى سبتمبر ‪ 2233‬لم تطأ فيها قدمي ارض بالدي‪.‬‬

‫رأيت شقيقاتي واالعمام واألخوال وابناءهم واالصدقاء يصطفون في فناء المطار‬

‫سمح البنتي‬
‫لمصافحتي ‪ ،‬فصلوا عني بالحراسات األمنية ‪ ،‬لكن بمجرد أن نزلت درجات السلم ُ‬

‫بالجري إلى الطائرة ‪ ،‬شعرت بقلبي ينفطر ‪ ،‬تعانقنا وسرنا بعدها عبر المدرج إلى حيث تتجمع‬

‫أسرتي ‪ ،‬بالكاد تمكنت من تقبيل والدي حتى سالت دموعه على خديه قبل أن اكون في وسط حشد‬

‫من الناس‪ ،‬اخوات‪ ،‬اعمام و أخوال و ابناءهم ‪ ،‬اختلط مع بهجتي شعور بالبرود ‪ ،‬كانت تلك‬

‫اللحظة التي حلمت بها‪ ،‬لكن عندما حدثت فعال لم استطع استيعاب كل شيء ‪ ،‬ذكرياتي عن‬

‫وصولي مازالت ضبابية قليال ‪ ،‬شعرت بأني لم اكن حقيقية ‪ ،‬و بالرجوع إلى الخلف االن ‪،‬‬

‫مازلت مصدومة من االشتباك القتالي في الصحراء‪ ،‬لقد اكتسحتني ربكة ما حصل حتى انها‬

‫اقفلت دماغي‪.‬‬

‫اعرف ان اول تصرف لي كان ان قبلت األرضية ‪ ،‬اُخبرت الحقا ان طاقم الطائرة بكى‬

‫عندما شاهدوا إعادة لم شملي مع ابنتي نور ‪ ،‬من المطار انطلقنا مباشرة إلى منزل الوالد ‪ ،‬رتب‬

‫بابا خيمة كبيرة لتوضع في الحديقة ولمدة ثالثة أيام اُحتفل بعودتي للبيت على الطريقة التقليدية ‪،‬‬
‫أُطلق الرصاص في الهواء ‪ ،‬ذُبحت الخراف وشويت على النار في الهواء الطلق ‪ ،‬انها طريقة‬

‫العرب في شكر هللا ‪ ،‬وايضا كانت الموسيقى والرقص ‪ ،‬وفي الحقيقة كل ما كنت ارغب به كان‬

‫استحمام طويل و نوم أكثر‪.‬‬

‫لو صورت هوليود قصة حياتي فان هذا هو المكان الذي ستمر فيه على الشاشة قائمة‬

‫المشاركين في الفيلم ‪ ،‬أما في العالم الحقيقي فما زال امامي بعض األعمال غير ال ُمنجزة‪.‬‬

‫دعد في مطار عمان بعد عودتها من فترة اعتقال في ليبيا دامت سنة و تسعة شهور‪ .‬يظهر في الصور والدها وابنتها و عمها ومربية‬
‫ابنتها‬
‫الفصل الرابع والعشرون‬

‫االمير المتعجرف‬

‫كسبت دعد شرعب القضية التي رفعتها في محكمة بريطانية ضد االمير السعودي الوليد بن‬

‫طالل بخصوص العمولة عن طائرة االيرباص الرئاسية الخاصة التي توسطت في شراؤها للعقيد‬

‫القذافي ‪ ،‬حكمت لها بمبلغ ‪ 32‬مليون دوالر باإلضافة إلى تكاليف التقاضي ‪ ،‬وبعد اإلضافات‬

‫األخرى تحصلت في النهاية على مبلغ ‪ 31‬مليون دوالر‪.‬‬

‫كتبت تقول‪:‬‬

‫" في حكمه اشاد القاضي بقدرتي الفريدة على الوصول إلى العقيد القذافي ‪ ،‬واستخلص ان‬

‫صفقة بيع الطائرة الخاصة ما كانت لتحدث دون مشاركتي ‪ ،‬و كتب التالي" من وجهة نظري انه‬

‫من المستحيل المبالغة في اهميتها في الصفقة"‬

‫استخلص القاضي انه وجد أدلة الوليد " بالكامل غير مرضية " مضيفا " ‪ ،‬وبأخد كل شيئ‬

‫في االعتبار خلصت ببساطة الى ان أدلة االمير مشوشة وليست جديرة بالثقة كثيرا ‪ ،‬بينما ادلة‬

‫السيدة شرعب أكثر موثوقية في أي خالف على الحقيقة بينهما " ‪.‬‬

‫تختتم الفصل بالقول " كانت اول خطوة ان أقضي اجازة طويلة ‪ ،‬واخترت لها أن تكون في‬

‫البودرم على الشاطئ الجنوب غربي لتركيا ‪ ،‬تضيف ‪ " :‬وقعت في حب هذا المنتجع الساحر‬

‫على بحر ايجة ‪ ،‬فقررت ان استثمر بعض اموالي من حكم المحكمة في شراء فيال لقضاء‬

‫اجازاتي وصرفت مال أكثر في تجديدها وتزيينها على ذوقي ‪ ،‬بعد أن كانت عبارة عن منزلين‬

‫متالصقين ‪ .‬ومازلت اعتكف هنا كل صيف لمدة ثالثة شهور لالسترخاء واالستجمام وراحة البال‬

‫‪ ،‬وجودي هناك بمثابة العالج لي ‪ ،‬أطلقت على بيت االجازة فيال نور ‪.‬‬
‫الفصل الخامس والعشرون‬

‫تأمالت‬

‫كنت استريح في بيتي في عمان اسابيع قليلة بعد هروبي من ليبيا ‪ ،‬عندما جاءت نور تجري‬

‫إلى حجرتي ‪ " ،‬ماما‪ ،‬لقد قبضوا على القذافي " ‪ ،‬صاحت ابنتي" تعالي لتشاهدي ‪ ،‬انها تعرض‬

‫على التلفزيون " ‪ ،‬جمعت أفكاري وقفزت من السرير اركض عبر الساللم إلى غرفة المعيشة ‪،‬‬

‫كان اليوم ‪ 22‬اكتوبر‪ 2233‬حيث تبث الجزيرة فيديو مرتعش يظهر اللحظات األخيرة في حياة‬

‫القذافي‪.‬‬

‫خطأه االخير اعتقاده انه سيكون بمأمن في مسقط رأسه سرت ‪ ،‬لكن تم حشره في زاوية مثل‬

‫جرذ ‪ ،‬لم أستطع استكمال المشاهدة اكثر ‪ ،‬ال ينبغي ان يتصرف المسلمون هكذ ‪ ،‬كانت معاملتهم‬

‫له غير انسانية ‪.‬‬

‫تساءلت عبر هذة السنوات ‪ ،‬لماذا تحول القذافي ضدي ‪ ،‬النتيجة الوحيدة التي توصلت إليها‬

‫ان شخص او مجموعة اشخاص لعبوا بعقل القذافي ‪ ،‬ابرز المتهمون ابنه سيف وعبدهللا السنوسي‬

‫ومبروكة الشريف التي تعاظم نفوذها ‪ ،‬ال أحد منهم يرغب في بقائي حول القائد ‪ ،‬وكلهم قساة‬

‫بنفس القدر‪.‬‬

‫بالرغم من انني أصبحت كصداع للقذافي ال يعرف كيف يتخلص منه ‪ ،‬اال انه لم يرغب في‬

‫موتي ‪ ،‬حتى وقبضته على السلطة تتراخى حماني ‪ ،‬لكنه بحبسي عرضّني تقريبا للموت‪.‬‬

‫لم اكره القذافي مطلقا حتى في احلك اوقاتي في الفيال ‪ ،‬لكن لم ابكي موته ‪ ،‬ولم احتفل ‪ ،‬ولم‬

‫يكن عندي نفس التعطش لالنتقام كرجال بلده الذين قبضوا عليه في سرت‪.‬‬

‫كانت طريقة موته فظيعة ‪ ،‬وفي العمق أعتقد ان هذا ما كان يخشاه دائما ‪ ،‬وهذا ما جعله‬

‫يحافظ على قبضته الحديدية في وجه جماعات المعارضة ‪ ،‬لم يكن القذافي مالئكة ‪ ،‬ولم يكن‬

‫شيطانا‪.‬‬
‫ممنونة في ليبيا لنعيمة الصغير ‪ ،‬وسالمة ميالد( عالقتي بها لن تنكسر ابدا ) ‪ ،‬وعادل الذي‬

‫انقد حياتي أثناء غارة النيتو على مكان سجني ‪ ،‬وسائق االجرة علي الذي وجدني في سجن‬

‫ابوسليم ‪ ،‬وردا لفضله قمت بعالج والده ‪ ،‬وهاني الذي اوصلني إلى تونس وزارني بعد ذلك عدة‬

‫مرات في االردن‪.‬‬

‫اما موسى كوسا المراوغ كمكعب ثلج ‪ ،‬فقد اتصل بي بعد ‪ ، 2233‬يبارك هروبي من ليبيا‬

‫مؤكدا أنه حاول ضمان اإلفراج عني ‪ ،‬هل اصدقه ‪ ،‬ال يهم االن ‪ ،‬لقد وضع اللوم على الحكومة‬

‫األردنية النها لم تمارس ضغطا كافيا على ليبيا ‪ ،‬وفي هذا شئ من الحقيقة‪.‬‬

‫شكلت ليبيا والقذافي شخصيتي من جوانب اخرى ‪ ،‬عندما جئت للبلد كنت دائما مستعجلة ‪،‬‬

‫لكنني تعلمت الصبر ‪ ،‬كنت أغضب عندما أترك في االنتظار اثناء ذهابي الى مكتب القذافي للقائه‬

‫أو توقيع ورقة ‪ ،‬أتذكر مرة اني رميت حزمة اوراق في وجه موظف سيئ الحظ ‪ ،‬لكن أدركت‬

‫في النهاية انها الطريقة الليبية ‪ ،‬بالنسبة للقذافي الوقت ال يعني شئ ‪ ،‬أنا االن اكثر هدوء ‪ ،‬وهذا‬

‫بالكامل يرجع له‪.‬‬

‫استمر في عملي كوسيطة ومستشارة لشركات غربية لها مصالح في الخليج مثل الشركة‬

‫اإليطالية العسكرية ليوناردو ‪ ،‬اما ليبيا فال استطيع العودة اليها ‪ ،‬وهذا يمزق قلبي ألنها البلد التي‬

‫تعلمت أن احبها كحبي لوطني‪.‬‬

‫نادرا ما يغيب القذافي عن افكاري ‪ ،‬على حائط مكتبي هناك معروضات من صور‬

‫أشخاص التقيت بهم مثل كلنتون ‪ ،‬بوش ‪ ،‬اما في المكان االبرز فتوجد صورة القذافي ‪ ،‬ولمن‬

‫يسألني كيف تعلقين صورة من سجنك ‪ ،‬وتقريبا قتلك اقول ‪ :‬لقد كان جزء من حياتي ‪ ،‬ليس‬

‫عندي ما اندم عليه ‪ ،‬اقرأ كتابي و احكم بنفسك‪.‬‬


‫بداية االنتفاضة الشعبية ‪ ..‬طبرق‬

‫خطاب القذافي الشهير بخطاب " زنقة زنقه " واالخير من العاصمة ‪ ..‬والذي توعد فيه بالويل للمنتفضين ‪ ،‬ما اعتبر استفزاز للمجتمع‬

‫الدولي‬
‫غارة جوية للناتو‬

‫دخول المنتفضين العاصمة طرابلس‬


‫سجن ابوسليم الشهير‬
‫لقطة فيديو لتحرير سجناء ابوسليم يوم ‪ 01‬اغسطس ‪0255‬‬

‫احتفاالت المنتفضين‬

You might also like