Professional Documents
Culture Documents
D 98 Ad 8 Af
D 98 Ad 8 Af
D 98 Ad 8 Af
( " دعد شرعب " ،وهي سيدة عربية اصبحت مليونيرة النها تولت حشد النساء من اصقاع
االرض إلمتاع القائد ،انها دخلت الى حجرة نومه ، ) 1 ( ) ..هكذا وصفها وزير خارجية القذافي
" د .عبدالرحمان شلقم " في كتابه " اشخاص حول القذافي " .
بعد كل هذه السنين عادت الى الواجهة بكتابها " انا والعقيد " ،والذي سعت في المقدمة الى
بيان دورها كمستشارة ورائدة اعمال للقائد ،الكتاب لم يترجم الى العربية بعد ،سوى هذا الجهد
المختصر الوافي الذي قام به الدكتور علي جماعة ،وشارك المادة على صفحته ،وهنا محاولة
لمؤازرة جهده الرائع ،من خالل جمع كل تلك القصاصات الى بعض البعض ،دون تغيير في
- 1د .عبدالرحمان شلقم وزير خارجية القذافي ،اشخاص حول القذافي ،ص 032
لماذا اترجم ؟ سؤال يطرحه على نفسه ،ثم يجيب :
اوال ليست هذة المرة األولى التي اترجم فيها فصول من كتب تناولت بالدي ،فترجمت فيما
مضى للرئيس األمريكي اوباما ،ورئيس وزراء بريطانيا ماكرون ،ومستشارة األمن القومي
االمريكي سوزان رايس ،وجورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية األمريكية.
ميزة مذكرات دعد شرعب ،انها تناولت بشئ من التشويق والحميمية مالمح من الواقع الذي
اوصلنا الى يوم 51فبراير 0255بينما تحدث االخرون عن ماذا فعلوا في األيام التي تلت هذا
التاريخ ،ماعدا تينت الذي سبقت مذكراته هذا الحدث وتناولت تحديدا كيف انهت ليبيا مشروعها
اترجم لدعد شرعب ألنها كانت مقربة من الرجل الذي حكم بالدنا ما يزيد عن أربعة عقود .
كتبت عن تجربتها في بالدي موثقة بالصور ،وتناولت أحداث واشخاص و معامالت مالية.
نعم ،ال نجزم ان كل ما ورد فيها دقيق ،لذا نطلب ردود الذين طالتهم حكايتها .
اذا اردنا ان نعرف جذور ازمتنا الحالية ،البد أن نبحث عن مصادر الخلل التي طالت بنية
ان اي شهادة ،مهما كانت صغيرة ،خاصة من أشخاص احتكوا بقيادة الدولة مرحب بها
لتفكيك ما حصل ،ومعرفة أسباب االنهيار ،اال اذا سلمنا ان ما حصل هو فقط مؤامرة ساحقة
ماحقة ،وان النظام لم يخلق بسياسته الظروف المحفزة لالنتفاضة والثورة عليه ،وانه لم يبن
مصدات متينة تخرج الدولة بسالم في أوقات االزمات العاصفة ،أو سمها المؤامرات اذا شئت ،
من يترجم لها ليتلمس ،ولو من باب الفضول ،معلومات قليلة عن كيف كانت تدار االمور في
بها من القذافي ،ثم خرجت منها في ظروف عسيرة تحت ازيز الرصاص بعد أن سجنها حاميها
قصة انسانة في ذكاءها أو سذاجتها ،في حسن حظها او سوء طالعها ،في طموحها أو
ترجمة كتاب دعد وكتابة اآلخرين لمذكراتهم عن حقبة النظام السابق ال ينبغي أن تثير حفيظة
أحدا ،بل ان تجد التشجيع واالحتفاء ،ألنها تفيدنا في معرفة اخطاء الماضي لتفاديها ،وايجابياته
ليس لي غرض من وراء هذه الترجمة المرهقة إال خدمة بالدي بأضعف االيمان ،ونزوال
ان الشعوب الناجحة داومت بروح متحفزة على كتابة كل ما يتعلق بحياتها وتاريخها السياسي
من غابر األزمان ،بما في ذلك قصص قد تبدو تافهة أحداثا وشخصيات.
بالمناسبة انا ال انتمي ألي تنظيم سياسي ،وال يهمني اال معرفة الحقيقة على صعوبة امرها
يالحظ قراء ترجمة كتاب دعد شرعب ان ثمة بعض االخطاء الشكلية في سرد روايتها عن
مثال ذلك تعرض مكان سجنها لقصف النيتو في يوم رمضاني في شهر سبتمبر ،وهذا
بالطبع غير صحيح فقد توقفت عمليات النيتو في طرابلس بعد نهاية يوم 02اغسطس الذي يوافق
02رمضان .
قد يرجع السبب الى ان السيدة دعد لم تكتب سرديتها عن األحداث التي عاشتها حرفا بحرف
،ولكن قدمت قصتها كمادة خام للكاتب البريطاني ( ادريان لي) الذي نظم حباتها في عقد من
تصور ِه ،وصاغ لها المعالجة الدرامية والفنية الضرورية لتسويق الكتاب ،وربما ليتسنى بعد
ذلك تحويله الى فيلم سينمائي ،ومن هنا قد تكون بعض أو كل االخطاء ( الشكلية اقصد) من
هذا ال يعني بالضرورة انها لم تبالغ في تصوير دور ما ،أو قزمت غيره ،أو اخفت اشياء ،
واختلقت اخرى ،أو شوهت اشخاص ولمعت اخرين ،او صورت نفسها مالئكة وان االخرين
المختلفين معها شياطين ،هذه االنحيازات كما هو معروف علة كل سيرة ذاتية أو ما شابها.
بالطبع تالم دعد على األخطاء الشكلية التي وردت في كتابها ،ليس بوصفها كاذبة
بالضرورة ،و لكن حتما ألنها لم تراجع بدقة نتائج المعالجة الدرامية لقصتها ،ومع هذا فقصة
دعد في خطوطها العريضة وتفاصيلها حقيقية ،وليس كما يزعم البعض أنها كانت مجرد
سمسارة عابرة ،وبحسب مسؤولين بارزين فقد اسندت لها أدوار معينة فرضا على القوالب
والمسارات التقليدية للدولة ،كما كانت جزء من صراع الوشايات والنكايات في ليل الخيمة ،
دعد في مكتبها مع الفريق الصحفي الذي اشرف على تحويل قصتها إلى كتاب.
بتاريخ 51يونيو 0200كانت البداية ،يكتب د :علي ( المترجم ):
" لكي نفهم تاريخنا و ما ا ٓلت إليه أوضاعنا يجب أن نقرأ كل وثيقة و نسمع كل شهادة
" لهذا السبب ابتعت امس كتاب مستشارة العقيد الراحل معمر القذافي ،األردنية دعد شرعب
،الصادر باللغة االنجليزية عام 0205و عنوانه ( العقيد و انا ..حياتي مع القذافي )
لمدة أكثر من عقدين من الزمان ،كانت دعد شرعب حاللة مشاكل للعقيد القذافي ومصلحة
لتبعات اخطاءه ،و بالرغم من كونها خارج الدائرة فقد فازت بثقة رجل مازال في نظر الغرب
في مذكراتها ( العقيد و انا ..حياتي مع القذافي) تقدم منظورا فريدا لشخصية القائد الليبي
األسبق و ترفع الغطاء عن عدد من األسرار الخاصة بهذا النظام غريب االطوار ،أقامت دعد
في عالم من الحقائب مرصوصة بالمال والجوسسة والخدع الخبيثة ،صارت مبعث ثقة مفجر
لوكربي تزوره في السجن في اسكوتلندا حيث اقتنعت ببراءته ،ولعبت دورا مهم في عودة ليبيا
خالل ترحالها لصالح القذافي احتكت بشخصيات مثل هيالري كلينتون ،جورج بوش ،
ملياردير السالح عدنان خاشقجي ،انتقدت بقسوة السياسيين المصلحيين الذين تزلفوا للديكتاتور ،
و كشفت كيف ان إسرائيل توددت له في السر لمحاولة التوسط في صفقة سالم في الشرق األوسط
.
صادقت عديد من الليبيين العاديين بما في ذلك الحارسات الشخصيات الشهيرات للقدافي ،
ومن خاللهن خبرت الحياة اليومية تحت النظام الحاكم ،غير أن عالقة دعد الوثيقة بالقذافي جعل
أعداءها في أجهزة المخابرات الليبية سيئة السمعة يرتابون في نفوذها ،ويتهمونها كونها محظية
الدكتاتور وجاسوسة ،وفي النهاية انتهى وقتها في ليبيا بالغدر ،لمدة واحد وعشرين شهر
ُوضعت في اإلقامة الجبرية بطرابلس حتى أصبحت عالقة في الربيع العربي عندما تمت اإلطاحة
بالقدافي وقتله من قبل أبناء بلده ،وحيث ان امبراطوريته قد انهارت ،فإن دعد بالكاد نجت من
غارات الناتو ،وكانت شاهدة على اثاره المروعة ،انقدتها فقط مرؤة غرباء شجعان ،فقد كانت
تحت النار عندما هربت تعبر الصحراء الليبية إلى الجارة تونس.
كتاب دعد جاء في وقته ،و ُكتب بالتعاون مع الصحفي البريطاني ادريان لي الذي عمل مع
كتاب ( العقيد و انا ..حياتي مع القذافي ) ينشر استباقا للذكرى العاشرة للربيع العربي ،ووفاة
القذافي ،لم تكن نية دعد أن تدافع عن حاكم ليبيا االسبق لكنها في هذا السرد المميز وضعت
هل حقا كان معمر القذافي وحشا أم ثوريا فُهم خطأ من قبل الغرب ،هذا الكتاب يعرض
ايضا المصاعب التي واجهتها المؤلفة كامرأة عربية ،وام بال زوج ،والتي سعت إلى كسر
المعوقات في عالم ذكوري ،وصنعت لنفسها تاريخ قانوني في مواجهة العائلة المالكة السعودية
امام محكمة بريطانية ،لقد أجلت دعد بشجاعة عملية جراحة دماغية لتلحق هزيمة مهينة باألمير
وليد بن طالل ،ابن اخ حاكم السعودية ،وواحد من أغنى رجال العالم ،في قضية تناولت دورها
وفي 6يوليو 0200يكتب " :سعدت لمعرفة أن أحد كفاءتنا المصرفية الوطنية
المشهود له بالنزاهة والثقة سيدلي بشهادة خاصة في شأن محدد ورد في كتاب دعد شرعب ﴿
العقيد و انا ...حياتي مع القذافي﴾ ،على أن يكون موعدها بعد االنتهاء من الترجمة .
كثيرة هي المالحظات التي الحقت الكاتبة حال صدور الكتاب ،وقبل صدوره حول
تصريحاتها التي ال تتوقف عن تلك الفترة التي " حكمت فيها ليبيا " كما تدعي ،كتب محرر
- 2بعض الشائعات ترجح ان سبب سجنها الحقا قصة طائرة الوليد بن طالل بعدما علم العقيد بقيمة العمولة المنتظرة لها .وأخرى الى
عالقة وثيقة بمبروكة الشريف التي دبرت معها امر تدريب شغالة مغربية النتحال شخصية اميرة سعودية وقامت بإحضارها للقذافي
وحصلت على مقابل مادي ضخم وان خالف دب بينهن على اقتسام المبلغ ،ما جعل مبروكة تسرب االمر للقذافي الذي سعى في عودتها
الى ليبيا بعد هجر ،وتم حجزها تحت االقامة الجبرية اثر وصولها ( .عابد)
وكالة " رم لالنباء " االردنية ،بتاريخ 4سبتمبر 0255تحت عنوان " الديكتاتور دعد شرعب
" يبدو ان التصريحات التي اطلقتها دعد شرعب مستشارة الرئيس الليبي العقيد معمر
القذافي عن اسرار زعيمها الفار من الثوار في بالده ،ستجعلها المطلوب رقم واحد للشعب الليبي
والناتو ،فحديثها الذي ادلت به لصحيفة الرأي في عددها الصادر اليوم االحد بانها من كانت
تحكم ليبيا في السنوات الـ 00التي قضتها مع القذافي وليس معلمها ،يفهم منها انها من كانت
ترسم وتنفذ وتقمع وتعتقل وتقتل وتعدم ،وأمام هذه المعلومات فان مستشارة القذافي ستكون
مطلوبة للشيعة الذين يتهمون القذافي بخطف شيخهم موسى الصدر واختفائه منذ اكثر من 02
عاما ،و كذلك عن الكثير من السياسيين الليبيين والعرب الذين دخلوا ليبيا وال زال مصيرهم
و بما انها كانت الحاكم الفعلي في ليبيا فانها مطلوبة لالجابة على سؤال اردني بحت ،ما
عالقتها في عدول ليبيا عن تمويل مشروع مياه الديسي الذي دخل في غياهب الفساد ،وهل كانت
صاحبة القرار في ذلك ،خاصة وانه في تلك الفترة كانت على خصومة شديدة مع المرحوم مدير
وما دام ان التحقيق جاريا في هذا الملف ،فاألمر يستوجب استدعاء شرعب لسؤالها عن
سبب عدول القذافي ..واذا افترضنا حسن النية لماذا عجزت شرعب عن اقناع العقيد بتمويل
المشروع الذي يخدم وطنها الذي ارتدت شماغه فرحا بالعودة اليه وقالت انها تنتمي اليه في
الوقت الذي تتدعي فيه انها كانت تؤثر في قرارات القذافي !..
الواضح ان شرعب قد " جلبت الدب الى كرمها " ،فهي تحدثت عن مليارات ستة سائلة في
جيب القذافي ،وكذلك عن اسلحة وذخيرة ومخازن انشأها نظام القذافي في الجنوب الليبي قرب
الحدود مع الجزائر ،والسؤال كيف علمت شرعب عن هذه المعلومات خاصة وانها لم تتصل بـ "
معلمها " طوال فترة احتجازها ،فهل كانت وسيطة في تأمين صفقات السالح تلك للقذافي
بكل تأكيد ان ما تفوهت به شرعب منذ ان حطت بها طائرة الوليد بن طالل في مطار
ماركا المدني ،سيكون محور اهتمام السفارات االجنبية الفاعلة في حلف الناتو ،كما انه قد
يعرضها للمحاكمة امام الجنائية الدولية في الهاي بانتهاك حقوق االنسان من قبل حكومات
الواضح ان شرعب قدمت نفسها على طريقة ولي نعمتها القذافي ،فاما انها حقيقة كانت تعلم
عن جرائمه ونهبه الموال الشعب الليبي فهذه مصيبه ،واما انها تستعرض وهذه مصيبة اكبر ،
النها ستحرج االردن حينما يطلب تسليمها للتحقيق معها في كل صغير وكبيرة عما اقترفه نظام
القذافي الذي وفق قولها كانت احد اركانه ،شرعب التي لقبت في ليبيا بـ " القنبلة الموقوتة " يبدو
انه فاتها عندما قررت ان تكون قنبلة اعالمية انه ال مكان بين االردنيين لـ " ابطال من ورق".
بتاريخ ، 0200 . 6 . 01كتبت " ليلى العطار " بصحيفة " الشمس " الناطقة باسم انصار
القذافي بالخارج " :الكذب واالفتراء والفجور ما جاءت به دعد شرعب ...إنه أسلوب مخابراتي
موجه للغرب ،وهذا ال ينسجم مع المؤلفات ذات الطابع الجاد ،ورد ذلك للفت القارئ الغربي
لكي يأخذ بمأخذ الجد ،والترجمة العربية ونشرها على وسائل الخراب االجتماعي إلطالع
الليبيين خاصة .الكتاب لم ينشر ولم يترجم للعربية حتى اآلن ! ...لم يرد حتى شخص واحد من
الدائرة االولى للقائد ،بل امتنع الجميع عن مد من رغب بالرد بالمعلومات بحوزتهم -ربما خوفا ً
البداية كانت مع تصريحاتها االولى لصحيفة " الراي " االردنية ـ يويو ، 0253حول
عالقتها بالقذافي ،عندما قالت انها كانت " تشكل حكومات وتقيل أخرى " في نظامه ،ما ازعج
السيد مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس االنتقالي الذي كان يشغل وزير العدل زمن القذافي ،
معتبرا تصريحاتها مثيرة ،قال مصدر مقرب منه " :المجلس لن تعيقه األحداث الدائرة في ليبيا
عن مالحقة كل من له عالقة بالنظام السابق قضائيًا " ،وتحدث عن استياء عبد الجليل من
التصريحات التي أدلت بها دعد ،مؤكدًا أن المجلس سيقوم بمالحقتها قضائيًا ،بتهم تهريب
األموال ،والعمل تحت أمرة معمر القذافي وأوالده ،وهي التهمة التي ستطال أناسا ً كثرا ً ممن
كانوا يعملون لدى النظام السابق في قضايا فساد وقتل وتعذيب ،وبالطبع لم تتم الى اآلن أية
حول الترجمة ،الكاتب الليبي دمحم حسن البشاري على موقع الحوار المتمدن يكتب " :في
شهر أغسطس تابعت قراءة عدة حلقات من الترجمة الرائعة للدكتور علي جماعة علي ،لكتاب
األردنية دعد شرعب الصادر باللغة االنجليزية عام 0205و عنوانه (العقيد وانا ..حياتي مع
القذافي) والتي نشرها على صفحته في الفيس وفيه الكثير من الحقائق التي تبين بوضوح تصرف
القذافي في ليبيا أرضا وشعبا وما فوق األرض وما تحتها من موارد وكأنها ملكه ،وصدمتها
عندما سألته ":بعد أن تموت ،من الذي سيدير ليبيا " بإجابته " :انا اوال ،و بعد ذلك إلى الجحيم
،ال أهتم بماذا سيحدث " لهذا كله ولغيره رأيت أنه من الضروري الكتابة الموسعة عن ما
عايشته عن هذه النكبة منذ الصغر للمساهمة في نشر الوعي لدى من فقدوا الذاكرة أو لدى ممن لم
يعيشوا تلك الحقبة أو الذين أكتووا بنار فبراير والتي ما كانت لتشتعل لوال جهنم سبتمبر ،
ولمحا ولة إقناع أنصار القذافي بأنه لم يكن يوما بطال قوميا وال إسالمويا وال حتى وطنيا كان
ببساطة شخص غير طبيعي أستولى على الحكم في دولة هشة أمنيا وأنفرد به تماما طوال فترة
حكمه ورجع بليبيا وشعبها الى الوراء ماديا وثقافيا وإجتماعيا وأنه السبب المباشر فيما نحن فيه
اآلن والى أن يقضي هللا أمرا كان مفعوال ،وأرتأيت أن تكون الكتابة من الناحية الشخصية فقط
وأروي كل ما حدث بعده من هذه الزاوية سواء كنت شاهد عيان عليها أو سمعتها من أطرافها
المباشرين فيما بعد أو ممن سمعوها من أولئك األطراف مباشرة وليس مما كتب أو قيل هنا أو
هناك.
الوليد " ،مقالة بصحيفة " ايالف " . 0253 . 6 . 02 " - 3قنبلة القذافي الموقوتة في مواجهة قضائية لندنية مع
فأنا ال يعتريني الشك على االطالق بأن معظم (ال أريد أن أقول كل) المشاكل التي تواجهها
ليبيا اآلن ولعقود مقبلة من الزمن كانت نتيجة لما حدث في ذلك اليوم المشئوم 5060/20/25وأن
أكبر مثالب النظام الملكي تتمثل في سماحه لبعض الشباب الغر والطائش والمتحمس نتيجة لدعاية
صوت العرب (المضللة للعرب) من النجاح في تغيير النظام في ليبيا بكل يسر وسهولة وإدخالها
بتاريخ 00اكتوبر ، 0200الكاتب الحامدي الدرسي يكتب " :دعد شرعب التي تصف
وتقدم نفسها علي انها مستشارة الطاغية وهي في حقيقة االمر مثل الكثيرون الذين جعلوا من
قضية لوكربي مصدرا لالرتزاق تقول هذه المحتالة ان الطاغية كلفها بالتعاقد مع شركات
العالقات العامة اإلنجليزية واالمريكية بقيمة 2مليون دوالر سنويا لتحسين صورة ليبيا من تهمة
دعم اإلرهاب التي التصقت بليبيا بسببه في محاولة بائسة ويائسة منه للتأثير االيجابي علي الرأي
العام في هاتين الدولتين ،بمعني ان الطاغية ينشر ويدعم اإلرهاب بأموال الدوله و يحاول مسح
اثار هذا اإلرهاب أيضا بأموال الدولة ،وبالتالي هو (خرايبي ) من الجهتين ،وروح شريرة
وغير سوية ،ويحمل بين جنبيه من الشر ما تنوء بحمله الجبال " .
الكاتبة فايزة يونس بتاريخ 51اغسطس 0200تكتب " :دعد شرعب سيدة أردنية فلسطينية
دعمها النظام السابق بحسب ما جاء في مذاكرتها التي كتبت باللغة االنجليزية لتجمع ثروتها التي
حققتها من أموال الليبيين المغيبين ،أتوقع ان تتحول مذاكرتها إلى فيلم او أفالم هوليدية لما
تتضمنه من معلومات وشخصيات مؤثرة ،وجهت اإلهانة إلى شخصيات أمنية قيادية وسيدات
ليبيات تتفق أم تختلف معهم فهم أبناء ليبيا ..فهل يتجرأ أحدهم ويرفع دعوى تشهير ضدها ؟
فكم من دعد مسكوت عنها في أنظمتنا السياسية التي أضحكت علينا العالم وحولت التافهين إلى
- 4في ذكرى النكبة الليبية " مقالة :دمحم حسن البشاري .الحوار المتمدن-العدد02 / 2 / 0200 - 1314 :
اجماال ،لم يتقيد المترجم بتتبع سيرة الكاتبة خطوة بخطوة ،وكثيرا ما اختصر المسافات في
سطور محدودة وتجاهل ما لم يرى اهمية لترجمته ،مركزا على المحطات البارزة ذات االثر
عندما تقرأ كتاب " الطرائد " للكاتبة الفرنسية ..وقصة ثريا وزميالتها المحضيات ،وما
كتبه " شلقم " وزير القذافي للخارجية ،تبدو مغامرات القذافي النسوية جلية ،وهي شيء من
امرض السلطة وال غرابة في ذلك ،بل هي حديث الناس خلف الجدران ،وكم من مغنية عربية
رائعة الجمال صرحت مؤخرا بعالقتها الحميمة به ،وعشقها لشخصة ،وترنمت بالكلمات العذبة
في اطراء سيرته ،وان لم تفصح على الجوانب المظلمة ،وكم من اعالمية فاتنة اعترفت بأكثر
من ذلك ،هدايا االلماس ،وعن زواج غير معلن ،وعن االمازونيات وما تتلقفه االلسنة ،فهل ام
لهذا السبب عينه كتبت دعد مذكراتها بغرض نفي التهمة ،وانها كانت استثناء ؟ .
يبدو ذلك ،فهي مخضرمة في سوق المال واألعمال ،واعتبرها " هدية " يوم ان تعرف
عليها عن قرب ألول مرة ،وكان في زمن الحصار احوج ما يكون لكفاءة مثل هذه المرأة ،وفي
هذا المجال بالذات ،وهو جاد عندما يتعلق االمر بجني المال " ،ستعملي من أجلي تحت مظلة
،LAFICOمن صميم وظيفتك أن تعطيني آراء اخرى حول االستثمارات األجنبية في ليبيا ،
،LAFICOال تقلقي بشأن ، " LAFICOوعندما تصف اختيارها مالبسها " :دائ ًما ما
تكون على نمط محافظ ،لم تكن فتحة الصدر مكشوفة أبدًا ،رأيت هذا التكتيك الذي تستخدمه
بعض سيدات األعمال ،لمحاولة الحصول على ميزة ،لكن رأيي أن استخدام جسمي بهذه
الطريقة أمر رخيص للغاية " ،كما انها خصصت فصل لالشاعات التي تدور حول عالقتها
بالعقيد " :بعض الناس ظنوا أن العالقة كانت تنتهي إلى الفراش ،نادرا ما كانت تقال في وجهي
،لكن سمعت من خالل نعيمة ان بعض الناس افترضوا ببساطة انني البد أن اكون إحدى
لك شيء اخر لن يعبر سهال ،خصصت في كتابها فصال بعنوان " عشيقات القذافي " ،
وتحدثت باشمئزاز عن دور مبروكة الشريف في ذلك ،مع انها لم تذكر حاالت بعينها ،سوى
زوجة رجل اعمال سويسري ،وجاءت روايتها مخالفة لرواية مدير المراسم الشاهد االخر على
الحادثة ،وقد ذكر دورها في جلب السيدة لغرض مقابلة القائد ،وباعتراف الضحية انها اعلمتها
بان االمر مجرد مقابلة ،وهنا برأ المسماري " دعد " مما حدث الحقا ،جاءت شهادته في لقاء
صحفي عام 0255بعد انشقاقه عن القذافي ،وبعد عشر سنوات تعيد " دعد " الحادثة برواية
مختلفة ،وان رجل االعمال هو من طلب من القذافي االذن بمقابلة زوجته التي تنتظر بالفندق ،
للسالم عليه ،تقول دعد " ثمة حادث التصق في ذاكرتي ،حصل بدون نوايا مبيتة ،عندما قدم
بناء على طلبي ،رجل أعمال من سويسرا ،تدبرت له لقاء مع القذافي في مخيمه الصحراوي
قرب سرت ،استمر حتى المساء المتأخر ،وبينما كنا نضع اللمسات األخيرة على صفقة عملة ،
قال الرجل فجأة " ،بقت زوجتي في الفندق وهى ترغب بشدة في لقاءك" ،كانت ردة فعلي نوع
من االمتعاض ،لماذا لم يطلب ببساطة احضار زوجته منذ البداية ،كان بامكانها ان تصافح
القذافي عند انتهاء المحادثات ،القذافي كان متعود على هذا النوع من الطلبات ،يتقبل هذة
االزعاجات برحابة صدر ،وافق على أن يرى زوجته لوقت قصير في قاعدة عسكرية ،فقمت
انا بمرافقتها ،صافحها القذافي بحرارة ،بينما تسللت انا إلى مطبخ مجاور لتحضير المشروبات
لهما " ،ثمة نوعا من االلتباس ،والبد ان الشاهد الثالث " الوزير الحويج " فقط ،يمكنه رفع
االلتباس ،كما انه وصف بـ " الجبن " في رواية كال االثنين ،دعد ،والمسماري .وحقه رفع
الحرج او كتابة مذكراته استجابة لمطلب جل المشاركين في الحوارات حول كتاب دعد ،كما
غيره من اقطاب الدوائر القريبة من القذافي ،الذين لحقت بهم شواظ السنة لهيب دعد .
كل ما يثير الشبهة عن دور اخر ،وانها ليست استثناء ،ما كتبه الوزير " شلقم " القريب
من دوائر القذافي الخفية ،ينقل عن دعد ما قالت له عن اخرون ،وما رأت في الزوايا المظلمة
،وحديثها كان بعجب شديد ،فهل حقا انها جنت الماليين من وراء جلب الجميالت الى مخدعه ؟
.
في كل االحوال ،لقد كانت امرأة بارعة ذكية ،طموحة مثقفة ،تعرف من اين تؤكل الكتف
،وكما يقال :ال يمكنك رمي رجل في الظالم كله ،كان القذافي بارعا في اقتناص السلطة
والحفاظ على كرسيه اربعة عقود ،تمكن من إفشال كل المحاوالت لإلطاحة به ،رغم كثرة
ما يهم االن ،ان نتذكر االستاذ الدكتور علي جماعة الذي تفضل بترجمة هذه الصفحة
المطوية من تاريخ ليبيا المعاصر ،له كل التقدير لهذا الجهد المضني ،بأسلوب ادبي راق ،وسرد
سلس يشد القارئ اليه ،تحية له ..لقد ندر عمله وجهده في الترجمة خدمة للوطن ،ال اكثر ،
وما اروع كلماته عندما كتب " :ترجمة كتاب دعد وكتابة اآلخرين لمذكراتهم عن حقبة النظام
السابق ال ينبغي أن تثير حفيظة أحدا ،بل ان تجد التشجيع واالحتفاء ،ألنها تفيدنا في معرفة
اخطاء الماضي لتفاديها ،وايجابياته للبناء عليها نحو حاضر و مستقبل أفضل .ليس لي غرض
من وراء هذه الترجمة المرهقة إال خدمة بالدي بأضعف االيمان "
وهنا مؤازرة لجهدة ،اعادة جمع وتصفيف المادة في كتاب ،او معين واحد ،كي ال
تذهب الكلمات هدرا في الفضاء السبراني ،وللغرض ذاته " ،خدمة بالدي بأضعف االيمان ".
عابد
العقيد و انا ..حياتي مع القذافي
الفصل االول
كنت أعرف أن الطائرات ستأتي حاال بالضبط كما كانت تفعل كل ليلة في الشهور الستة
الماضية ،في هذا الوقت تعلمت أن هذه الطائرات تطيرعلى علو شاهق حتى انك ال تسمع
كلما استطيع فعله هو االنتظار ،انتظر وابتهل أن يكون مكان آخر قد ضٌرب ،عندما كانت
القنابل تتساقط و اعرف انها ستسقط ،كان القدر فقط من يقرر ما إذا كنت سأعيش أو سأموت ،
لم أشعر ابدا قبل ذلك في حياتي باني مرعوبة أو وحيدة إلى هذا الحد.
كان النوم مستحيل أثناء الغارات ،لهذا احاول اختالس بعض الراحة خالل النهار عندما
تكون الحالة أهدا ،نظرت إلى ساعتي وهى االن 1.32في هذا المساء السبتمبري المعتدل ،إنه
أيضا رمضان ،الشهر المقدس وانا صائمة ،وبالخارج مازال الدنيا مضيئة.
يجرجر النهار اذياله متثاقال هنا ،وانا أتعجب كيف سأمأل فراغ الساعة والنص قبل أن يأتي
الحارس باألكل ،على االقل عندها سأستمتع بالتواصل ولو دقائق مع انسان ،لعنت نفسي على
عندما هبطت القنبلة كنت على سريري اقرا ،كان انفجار مصما لالذان ،بدأت البناية في
االهتزاز بعنف ،زحفت مثل طفل في رحم أمه اصرخ و اصرخ " سأموت ،سأموت " غير أن
انهار السقف يرميني بقطع اسمنتية ،ضربت قطعة كبيرة راسي ،لكن كوني مصدومة جدا
او باألحرى مرعوبة جدا فلم أشعر باأللم ،ورغم من انها كانت ثواني معدودة ،فإن االهتزاز بدأ
و كأنه دام لساعات ،البد أن هذا الشعور هو ما يحس به من عاش لحظات الزلزال ،سحب كثيفة
سوداء خانقة من دخان وغبار أطبقت على الغرفة ،قلت في نفسي " لن يتم العثور على جسدي
كنت مرتعبة أن اتحرك خشية أن تؤدي محاوالتي إلى انهيار كل شيء فيسحقني حتى الموت
،لكن بعد عشر دقائق مستلقية في يأس ،في الظلمة ،أدركت أن ليس عندي خيار آخر ،نجاتي
ي وحدي .
بين يد ّ
بشكل ما انسللت من قبري دون أن المس قطع البناء المنهار من حولي ،بدأت الزحف
وكانت الشظايا الحادة على األرضية تمزق الجلد من على كفي يدي و ركبتاي.
انا في طرابلس ،عاصمة ليبيا ،إنه الربيع العربي لعام 0255حيث اجزاء من الشرق
األوسط انقلب عاليها سافلها ،أنظمة تونس و مصر تمت اإلطاحة بها ،و ما كنت افكر باستحالته
كان في سكرات الموت ،نظام حكم معمر القذافي الذي استمر اثنين وأربعين عام ،الرئيس
الذي وضعني تحت جناحه قبل أن يسمم أعدائي عقله ،تخلت عني بلدي ،وصرت تحت رحمة
رجل منظورا إليه كوحش عند ماليين الناس ،لعقدين من الزمان عاملني كأبنته المفضلة ،لكنه
في كل مكان حولي ،كانت قنابل الناتو تقصف اهداف حكومية في المدينة التي أحب
واعتبرتها وطني الثاني .و في كل أنحاء ليبيا كان المتمردون يسيطرون على الشوارع ،لكن في
تحسست طريقي في الظلمة فاكتشفت أن إطار الباب قد تعرض لضرر بالغ ،يمكن االن ان
اشعر بأنفاس خافتة من الهواء ،لكن تقطع قلبي عندما أدركت أن البوابة الخارجية بقضبانها
الحديدية المنيعة مازالت سليمة ،وفي كل االحوال ،تبين لي أنه حتى إذا تمكنت من الفرار فال
فكرة كيف سيعاملني المتمردون الذين يجوبون الشوارع في غياب القانون ،هل سينظرون لي
كصديق ام عدو ،شخص في حاجة للتحرير ،ام متواطئ مع الديكتاتور يجب أن يقتل وسط
الفوضى .
” فكري يا دعد ،فكري" ،قلت لنفسي مرارا بعد أن نفذت احتياطاتي من الشجاعة .
وأنا واقفة احدق من خالل القضبان افكر ماذا سأفعل ،بدأ الدخان في التالشي رويدا رويدا ،
االن استطيع رؤية خيال رجل يمشي قاصدا اتجاهي ،كان يحمل بندقية آلية .
بدأت كلمات والدي تأتي من سنوات بعيدة ترن في اذني " دعد ،اتسول إليك ال تذهبي إلى
ليبيا ،أنها ليست آمنة ،لو حصل لك اي شيء ،فلن نتمكن من تقديم العون لك " .
لم استمع ،كان عندي دائما خصلة عناد ،وتصميم صلب ال يستكين فقط ،إلنه حصل
وكنت امرأة ،هذه الصفات خدمتني جيدا في الصراع ضد قرون من العرف ،والتقليد عندما
كونت لنفسي مجال ناجح و لو محدود في عالم األعمال العربي الذكوري جدا و عندما ازدهرت
” عندما كنت في الثامنة من عمري ،استولى عسكري محبط يُدعى معمر القذافي على
السلطة في بلد ليس بالبعيد عن المملكة العربية السعودية ،ولد في يونيو 5040في خيمة بدوية
بالقرب من مدينة سرت الساحلية ،في الصحراء الصخرية في منتصف الطريق بين طرابلس
وبنغازي ،كان والده راعي ابل ووالدته بدوية أمية ،وكالهما ينتميان إلى القذاذفة إحدى افقر
القبائل الليبية ،كنت طالبة ممتازة في تحصيلها ،لذا ركزت على دروسي وإرضاء والدي لدرجة
أنني كنت فقط مهتمة بشكل غامض بالعالم الواسع من حولي ،لذلك ال يمكنني التظاهر بأنني لم
اكن غير مدركة تما ًما لثورة القذافي البيضاء التي أطاحت بالملك الليبي إدريس عام ، 5060أو
كيف أصبح مكرو ًها في الغرب ،لقد رسم لنفسه صورة رجل الشعب ،يقف ضد أولئك الذين
اعتبرهم ظالمين وإمبرياليين ،وفي الداخل والخارج ،شن حملة شديدة ضد المعارضة ،ومع
تقدمي في العمر ،صار هو شوكة في خاصرة الواليات المتحدة وبريطانيا ،حيث ساعد في
تسليح ما يسمى بجماعات التحرير مثل الجيش الجمهوري األيرلندي ،كما أرسل الرجال القتلة
خصصت المؤلفة الجزء االكبر في الفصل لتاريخ أسرتها منذ والدتها حتى التحاقها بالجامعة
في االردن و اسلوب حياتها المختلفة في السعودية واالردن ويمكن تلخيصه كالتالي :
هاجر ابوها من االردن الى السعودية في 5011حيث ولدت هناك في عام ، 5065وفي
عام 5061كانت تزور مع اسرتها جدها البوها الفلسطيني في طولكرم بفلسطين المحتلة ،لم
يعجبها اسلوب الحياة المحافظ في السعودية ،ولم تكن راضية عنها ،قرر والدها العودة إلى
األردن عام ، 5012بسبب " جودة التعليم هناك وفرص الحرية أمام اطفاله لصنع خياراتهم ،
كان عمرها 51عام آن ذاك ،سجلت في جامعة االردن في االقتصاد و إدارة االعمال ،واشترى
لها والدها سيارة رياضية حمراء ،تنهي الفصل االول بقولها " في االردن ليس فقط يمكنني
القيادة ،و لكن أيضا لبس التنورة خارج المنزل ،وحتى المواعدة الغرامية مع االوالد ،لقد
دعد مع االمير الوليد بن طالل في فرنسا على متن زورقه لإلتفاق على صفقة بيع الطائرة لليبيا
الفصل الثاني
لندن
يشمل هذا الفصل إقامتها الصيفية في لندن لدراسة اللغة واقامتها القصيرة في مصر لدراسة
الماجستير قبل أن تعود للعمل في االردن وشرارة عالقتها بليبيا ومعمر القذافي.
– في صيف 5010غادرت دعد إلى لندن لتقضي ثالثة شهور بغرض تحسين لغتها اإلنجليزية
،عاشت في منزل أسرة انجليزية مع طالب اجانب ،فعلت هكذا مع نفس العائلة طوال الثالث
– تخرجت من الجامعة عام ، 5020عملت في مصرف االستثمار االردني وكان مديره باسل
جردانة ،اختارت هذا العمل ألنها سمعت صديق والدها يقول له " إذا اردت أن تكون رجل
اعمال ناجح فأنت تحتاج أن تعرف ماذا يدور داخل المصارف " .
تقول دعد عن ظروف العمل في المصرف " يبدو لي أحيانًا أن كل الرجال العرب يريدون
مواعدتك ،خاصة إذا كنت شابة ،من الصعب حملهم على التحدث إلى عقلك وليس إلى جسدك ،
يبدو أن على كل رجل أن يجرب مع امرأة ،كما لو كان ذلك من واجب الرجل”.
تقول عن نفسها انها تحب مخالطة الرجال أكثر من النساء ،ألنهن منشغالت غالبا في توافه
األمور .
– تركت العمل في المصرف وذهبت لدراسة الماجستير في جامعة القاهرة بمصر ،امضت
أيامها هناك في شقة لوحدها ،تواصلت خاصة مع صديق والدها القديم سيد مرعي رئيس مجلس
الشعب المصري سابقا ،صهر السادات ،كان يدعوها لمزرعته في العطالت ،اختلطت من
خالله بضيوف آخرين ،اعتبرت دعد سيد مرعي اهم ثالث رجل في حياتها بعد والدها ومديرها
تعرفت في المزرعة من خالله على ياسر عرفات الذي فتح لها قلبه بسبب جذورها
الفلسطينية ،حصل أن ولدت فرس في المزرعة فاقترح عرفات تسمية الفلوة دعد .
بعد فترة اشترى الملك حسين الفلوة البنته ،وكانت عصية على ركوب الطائرة الخاصة
المخصصة لنقلها إلى عمان ،فقال سيد مرعي ضاحكا ( إنها عنيدة ،اسم على مسمى ) .
– الى عمان عادت واشتغلت في شركة والدها الجديدة ( مجموعة الثالثة ) التي تتاجر في
– في رحلة تجارية لإلمارات العربية المتحدة التقت دعد صحافية لبنانية تعيش في الشارقة ،
تحدثت الصحفية للفتاة القادمة من االردن عن مؤتمر في طرابلس ليبيا ينظمه االتحاد النسائي
الليبي ،قالت لها أنهم يبحثون عن مراة قوية عالية االنجاز لدعوتها للمؤتمر ،سألتها ما إذا كانت
تحب أن تضع اسمها لهذا الحدث الذي سيستمر اسبوع .وافقت دون تردد ولو للحظة ،وفي
تقول دعد " كنت مصممة أن اكتشف هذا البلد الغامض الذي يقاد بشخصية القذافي الملغزة
والذي كان ال يزال واحد من ابطالي المعبودين " .رفض والدها الزيارة .قال لها مباشرة " :
تنهي الفصل بقولها " ها انا ،أبلغ من العمر 01عا ًما ،امرأة بالغة موثوق بها في معامالت
بماليين الدوالرات ،ومع ذلك شعرت أن والدي ال يزال يعاملني كطفلة ،ربما للمرة األولى في
حياتي كنت على استعداد لتحديه مهما كانت العواقب ،قررت اني ذاهبة إلى ليبيا القذافي ،سواء
أحب ذلك والدي أم ال ،ظللت انق وانق عليه ليال و نهارا ،في النهاية ،أعطاني مباركته ،على
مضض شديد”.
مع الملك عبدهللا بن الحسين في مكتبه
مع الوليد بن طالل داخل الطائرة التي اشتراها القذافي و كانت الوسيطة في الصفقة.
مع سهى عرفات زوجة ياسر عرفات في فندق بطرابلس.
" حول هذا الوقت من حياتي ،في أواخر سن المراهقة ،من بين جميع الشخصيات القوية
في المنطقة ،بدأ شخص يبرز من بين الحشد :انه العقيد معمر القذافي ،اسمحوا لي أن أوضح
أنني لم أكن ثورية أبدًا ،ولست معادية ألمريكا ،ولم أنجذب إلى القذافي بسبب سياسته ،ومع
ذلك كنت في سن التأثر ،وكان هناك شيء فيه بدأ يذهلني ،لم أجرؤ على الوثوق بوالدي ،والذي
كان سيصاب بالرعب ،لكنني بدأت في اإلعجاب بالقذافي من بعيد ،من الصعب أن أضع
إصبعي على األسباب الدقيقة ،لكنني كنت دائ ًما مفتونة بالسلطة وكيفية استخدامها ،في ذلك
الوقت ،كان القذافي يبلغ من العمر 02عا ًما عندما سيطر على ليبيا ،ال يزال في منتصف
الثالثينيات من عمره وأصغر بكثير من معظم قادة العالم اآلخرين ،لقد فاجئني كرجل فخور
ومثالي ومتدين بشدة اتخذ نه ًجا مختلفًا تما ًما عن العديد من القادة العرب اآلخرين الذين كانوا
يسارعون لالنضمام إلى الواليات المتحدة ،حتى طريقة لبسه كانت مختلفة ،عليك أن تتذكر أنه
كان ذلك في أواخر السبعينيات ،ولم يكن هناك إنترنت وال غوغل ،اضطررت إلى االعتماد كليًا
على األخبار التلفزيونية األردنية ،ولم يكن بامكاني النقر على جهاز تلفزيون واالنتقال الى مئات
القنوات الفضائية ،مثل قناة الجزيرة ،أو خدمة بي بي سي العالمية ،أو سي إن إن ،للحصول
على رؤية مختلفة ،ليس األمر كما هو الحال اآلن ،عندما يحدث شيء ما على الجانب اآلخر من
العالم فأنت تعرف كل شيء عنه في غضون عشر دقائق ،ومع ذلك ،كنت متعطشة للحصول
على معلومات عن ليبيا وزعيمها ،و حتى من اللمحات القصيرة التي يظهر فيها على التلفزيون
القذافي و كال من فراس و عزالدين شقيقا دعد أثناء زيارته إلى األردن.
دعد مع هيالري كلينتون.
الفصل الثالث
االنطباعات االولى
وصلت دعد عبر الخطوط الملكية األردنية إلى طرابلس في شهر مارس ، 5022كان
عمرها 01عاما ،كان بصحبتها في الطائرة وفد رسمي للمرأة من االردن ولبنان والصحافي
في الطريق الى مقر إقامتها تقول دعد عن انطباعاتها عن المدينة و البلد التي تزور ألول مرة
” كانت تصوراتي المسبقة عن البلد بعيدة كل البعد عن الواقع ،كنت أتوقع صحراء شاسعة
غير مضيافة ،و بلد غير متحضر ،ومحالت تجارية قاتمة تديرها الدولة ،ورفوف فارغة
وشعب غير ودي ،بدالً من ذلك ،تم الترحيب بنا بحرارة في المطار بأكاليل من الزهور ،
وكانت انطباعاتي األولى عن طرابلس انها مدينة متطورة بها الكثير من المباني الجديدة ،
ولدهشتي ،بها أيضا أضواء الشوارع ،الحظت أن العديد من السيارات كانت تقودها نساء لم
يبذلن أي جهد لتغطية وجوههن ،في الرحلة التي استغرقت ثالثين دقيقة إلى منتجعنا على شاطئ
طرابلس ،حيث كان المؤتمر ينعقد ،لم تكن هناك أي من عالمات الفقر التي كنت أتصورها ،
كل ما يميز ليبيا عن البلدان األخرى التي زرتها في المنطقة هو عدد ال يحصى من الملصقات
ً
ممتازا ، الضخمة للعقيد القذافي تحدق منها صور العقيد من كل مكان ،كان الطعام في الفندق
والحراجي قليالً ،كانت هناك إمدادات وفيرة من الشامبو والصابون في حمامي ،تساءل جزء
التالية أن ليبيا كانت عازمة على استخدام ثرواتها النفطية ،التي اكتُشفت ألول مرة في أواخر
الخمسينيات من القرن الماضي ،لتصبح دولة حديثة ،أدى اكتشاف "الذهب األسود " إلى تحويل
هناك جنود في الشوارع ،على الرغم من سمعتها في رعاية اإلرهاب ،شعرت طرابلس بالسالم
واألمن ،حدث الخلل الوحيد عندما حاولت االتصال بالمنزل لطمأنة عائلتي واكتشفت أنه من
المستحيل الحصول على مكالمة خارج البالد ،كان والدي محقًا في هذا الجانب ،على األقل ،لقد
استحوذ هذا األمر على تفكيري ألنني كنت أعلم أنه سيشعر بالقلق من عدم اتصالي ،لكن يبدو إن
في صباح اليوم التالي تم تقديمي الى المرأة التي ستصبح على مدى السنوات القليلة المقبلة
أفضل صديق لي ،نعيمة الصغير كانت رئيسة االتحاد النسائي الليبي ،وإحدى أقوى النساء في
يقدرها عاليا جدا ،لطالما حيرني أن الصحفيين الغربيين كانوا يركزون بشدة على هؤالء النساء
،وأطلقوا عليهن لقب الحرس األمازوني ،في وقت الحق تعرفت على العديد منهن ،وكذلك
معظم النساء األخريات في حياة القذافي ،ويمكنني أن أؤكد لكم أن معظم القصص خاطئة ،في
ذلك الوقت كانت نعيمة تبلغ من العمر 31عا ًما ،ومثل كل الحراس الشخصيين اآلخرين ،كانت
تعتبر القذافي إل ًها ،وكانت على استعداد للموت من أجله ،على الرغم من الفجوة العمرية ،
أصبحنا في النهاية مثل التوائم ،وفي كل مرة زرت ليبيا كانت تغادر منزلها وتبقى في الفندق
أعجبت بها على الفور ،وسرعان ما أدركنا أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة ،على
الرغم من خلفياتنا المختلفة للغاية ،مثل العديد من النساء الليبيات األخريات المشاركات في تنظيم
المؤتمر ،أرادت نعيمة أن تعرف كل شيء عن حياتي والعالم خارج حدود ليبيا ،كان من
المنعش رؤية الكثير من النساء يشغلن مناصب مسؤولة ،في تناقض صارخ مع عالم األعمال
العربي الذي كنت على دراية به ،أخبرتني نعيمة أنها ترفع تقاريرها مباشرة إلى الرئيس القذافي
،كانت جميلة جدًا ،وذات شعر طويل داكن ،لكن ما أدهشني أوالً في نعيمة ،التي كانت ترتدي
بدلة التنورة ،كان ساقيها المشعرتين وقلة الماكياج ،لن أحلم أبدًا بمغادرة المنزل دون أن أبذل
ذات يوم بعد ذلك بوقت طويل ،عندما تعرفت عليها بشكل أفضل ،استجمعت الشجاعة
لسؤالها عن هذا األمر ،أوضحت نعيمة " :على راهبات الثورة أال يغيرن مظهرهن لمجرد
إرضاء الرجال”.
في بداية المؤتمر ،ألقت نعيمة كلمة ترحيب قصيرة ،ثم ألقت قنبلة ،بدالً من انعقاد الحدث
بأكمله في طرابلس ،كما هو مقرر ،سيسافر جميع المندوبين البالغ عددهم 122إلى بنغازي ،
يمكنني أن أبدأ في وصف حماسي المحموم عندما تم إرجاعنا جميعًا إلى المطار في قافلة من
في تلك الليلة بالكاد غمض لي جفن في فندقنا في بنغازي ،و في الصباح كنت ال أزال منتشية
بالتوقعات عندما دخلنا قاعة المؤتمرات الكبيرة ،لكن ما أثار استيائي هو توجيهي إلى مقعد في
الجزء الخلفي من الغرفة بعيدًا عن المنصة الرئيسية حيث سيتحدث القذافي ،وبسبب حضوره ،
كان التلفزيون الليبي يبث المؤتمر على الهواء مباشرة في جميع أنحاء البالد ،وزادت الكاميرات
من االحساس باإلثارة ،ظهر األمر و كأنها جلسة لألمم المتحدة حيث تجلس الوفود خلف الفتات
صغيرة من الورق المقوى توضح جنسياتهم وميكروفوناتهم ،سوريا ،فلسطين ،لبنان ،األردن
إلخ … ثم أنا.
بعد أن خمد التصفيق بدأ القذافي يتحدث .واستمر ألكثر من ساعتين ،لم أتململ أو يشرد
انتباهي لثانية واحدة ،ليس فقط ألنني اضطررت إلى التركيز باهتمام على شفتيه لفهم لهجته
لدهشتي ،لم يستغل القذافي الفرصة للتحدث ضد أمريكا أو الغرب ،في الواقع ،لقد شغل
كل الوقت بالحديث عن الدور المهم للمرأة في بالده ،وكيف يجب أن تمنحنا الدول األخرى
المزيد من الفرص في الحكومة والمناصب الرئيسية األخرى ،مثل الدفاع والشؤون الخارجية.
قال " في بلدانكم ،لماذا ال تحصل النساء إال على وظائف في التعليم أو الخدمات
االجتماعية ؟ " طالب بمعرفة ذلك ،وحثنا جميعًا على العودة إلى ديارنا والنضال من أجل
حقوقنا ،وأضاف " :الرجال يكذبون عليكن لكنهم ليسوا أفضل منكن " ،كان ذلك مله ًما ،ألنني
لم أسمع أبدًا رجالً عربيًا يجادل هكذا لصالح النساء ،باإلضافة إلى إنديرا غاندي الهندية ،ذكر
القذافي حتى مارجريت تاتشر ،التي كانت ال تزال رئيسة وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ،
فرفعت مئات
كمثال جيد ،عندما انتهى من الكالم ،دعى القذافي الحاضرات لطرح أسئلتهن ُ
االيادي في وقت واحد ،أشار إلى المحظوظات ألخذ دورهن واستمعت بقلق متزايد حيث قدمت
كل امرأة نفس المونولوج القصير ،الذي يوضح مدى تشريفها لوجودها هناك ،وكم انه قائدا ً
صدمت ،كان هراء سياسي ،كان الجميع يعرف أن القذافي لديه أموال النفط ،وكانوا
لقد ٌ
يرغبون في الحصول على بعض منه ،كانت بعض الدول التي حضرت المؤتمر فقيرة للغاية ،
واعتقدت أنه من خالل الفوز برضاه يمكنها تأمين االستثمار من ليبيا ،استمع القذافي بأدب وكتب
بضع مالحظات لكنه أعطى االنطباع بأنه سمعها آالف المرات من قبل ،شعرت باألسف تجاهه
النسائي و كوني شابة نسبيا ،ثم ،دون التفكير في األمور بشكل صحيح ،رفعت يدي ،فجأة ،
كان القذافي يشير إلي " من اين انت؟ ،من فضلك ارفع عالمتك حتى أتمكن من رؤيتها " .
ي ،فقد
نظرا ألنه ركز عل ّ
كانت الكاميرا ال تزال تدور وتتحرك من القذافي إلى كل سائل ً ،
وضعت عالمتي ووجهها ألسفل وأوضحت أنني لست جز ًءا من الوفد الرسمي ،ولكن إذا كان
يريد أن يعرف فأنني من األردن ،وسأل " :هل أنت أردنية أردنية أم فلسطينية أردنية ؟ " ،لقد
ى ،ألن العالقات بين العاهل األردني الملك حسين وليبيا كانت سيئة
كان أكثر األسئلة ثقال عل ّ
للغاية ،كان القذافي معاديًا لألردن ،لكنه كان مؤيدًا لفلسطين بسبب الوضع اإلسرائيلي ،في ذلك
الوقت ،كان ما يقرب من نصف سكان األردن البالغ عددهم 3ماليين نسمة ،مثلي ،من أصول
حتى من بعيد كنت أرى ابتسامة تنتشر على وجه القذافي ،كانت ابتسامة شقية ،وكأنه يقول
إنه حصل على الرد الذي يريده ،سالني :ما اسمك ؟ قلت :دعد .
بعد كل ما سمعت في الدقائق القليلة الماضية ،كنت مصممة أن يكون سؤالي دقيق ووثيق
لم يكن لدي كالم جاهز ،بعد ذلك ،كانت الكلمات تخرج من فمي بشكل غريزي ،وبدا األمر
كما لو أن امرأة أخرى مجنونة تنطق بها ،أمسكت بالميكروفون وقلت له " :خالل الساعتين
الماضيتين ،كنت تتحدث عن حقوق المرأة وأنت تدفعنا للكفاح ،أوافق مائة في المائة مع ما
تقوله ،مع كل كلمة منه ،ولكن إذا كان هذا هو ما تؤمن به حقًا ،فأين الشخص األكثر أهمية ؟
أين زوجتك في هذه الحركة ؟ لماذا ال نراها هنا اليوم ؟ ،لم أكن أقصد أن أكون استفزازية ،
ولكن الجميع يعرف أن زوجته ،التي كانت ممرضة في السابق ،كانت دائ ًما في الخلفية ،في
أقول من خالل رد فعل القذافي أنه فوجئ بأسلوبي الوقح ،لكنه كان يدرك تما ًما أن ليبيا بأكملها
كانت تشاهد على الهواء مباشرة ،لم يكن بإمكانه قطع البث و حسب.
قبل سنوات ،عندما كنت أتعلم اللغة اإلنجليزية ،تعلمت هذة العبارة " يمكنك سماع صوت
الدبوس " ،في تلك اللحظة كان هذا ما حصل في القاعة المزدحمة ،حيث كان هناك صمت
مطبق عندما انتظرت 600امرأة أخرى كيف سيكون رد فعل العقيد ،عندما أنظر إلى الوراء
كان هذا السؤال هو من غير حياتي ،كما تعلمون ،أنا أؤمن بالقدر وهللا وحده يعلم ماذا كان
ضا حماقة
سيحدث لو بقيت صامتة في ذلك اليوم ،يمكنك أن تسميها شجاعة ،لكن ربما كانت أي ً
بعض الشيء ،لم يكن هدفي إثارة االزعاج أو اإلساءة أو محاولة صنع اسم لنفسي ،كنت عن
غير قصد العب لعبة خطرة مع القذافي ،الذي اشتهر بقمع المعارضة بشدة ،من جانبه لعب
بالوقت للتفكير ،فسأل مرة أخرى عن اسمي وبلدي وكررت كليهما ،أخذ القذافي بضع لحظات
أخرى ،قبل أن يجيب " :انظري ،ال أريد أن يكون في بلدي جيهان سادات ثانية ”.
كان رد القذافي على سؤالي ذكيًا أخرجه من ورطة مع الجمهور في القاعة ،وال شك في أن
أولئك الذين يشاهدون البث التلفزيوني الليبي المباشر ،كانوا قلقين ،وتابع :ال أريد أن أضع
زوجتي في وضع يمكنها من البدء في استخدام السلطة واكتساب سمعة سيئة خارج البالد ،
زوجتي ،هي زوجة عادية ترعى أطفالي وهذا كل شيء ،هذا هو جوابي ،هل أنت مقتنعة ؟
وفقًا للمعايير اإلسالمية المحافظة ،كان القذافي نسويًا ،ولم يتبن وجهة النظر العربية
القوات المسلحة الليبية ،على سبيل المثال ،لكنني ما زلت أعتقد أن زوجة القذافي كان يجب أن
تكون هناك لتدلي بتلك المالحظات حول حقوق المرأة وقيادة الحركة في ليبيا ،كان من الممكن
أن يبعث ذلك برسالة جيدة لقادة جميع الدول الممثلة في المؤتمر ،لذلك شعرت أن تحديه مبرر ،
أجبته بحزم " :ال " ،رغم أن قلبي كان يخفق ،عندما التقيت بزوجته في وقت الحق ،صدمتني
كونها امرأة كريمة وطيبة ولكنها ساذجة للغاية ،كانت صفية فركاش زوجة بدوية نقية نموذجية ،
ولم تكن متعلمة جيدًا ،لن تدهشك كزوجة رئيس لدقيقة واحدة ،ساتعلم فيما بعد المزيد حول كيف
التقت بالقذافي ،ولماذا تزوج من امرأة لم تكن تبدو لي على تطابق فكري معه.
انتظرت االستماع لرده التالي ،لكن القذافي أظهر أن حديثنا الصغير انتهى وابتعدت
الكاميرا ،سرعان ما رحل وانتهت أعمال اليوم اخر دون مزيد من الدراما ،في طريق الخروج
من القاعة ،كان لدي انطباع بأن المندوبين اآلخرين كانوا يتحاشون القرب مني كوني صانعة
مشاكل ،لم يقل أحد أي كلمة عن ما جرى ،على الرغم من أن نعيمة رمتني بابتسامة سريعة
خرجنا جميعًا من الفندق في بنغازي وعدنا إلى طرابلس ،حيث كانت هناك مفاجأة أخرى ،
بعد عدة محاوالت فاشلة لالتصال بأسرتي ،اكتشفت أنه يمكنني اآلن إجراء مكالمات بعيدة المدى
االتصاالت الذي التقيت به في بنغازي ،إسترجعت أحداث اليوم في رأسي وتساءلت عما إذا كان
إغضاب العقيد ،على مرأى ومسمع من شعبه ،سيكون له تداعيات أكثر خطورة بالنسبة لي قبل
مغادرتي ليبيا ،ومع ذلك ،مع استمرار المؤتمر بشكل طبيعي في اليوم التالي ،بدأت في
االسترخاء ،طمأنت نفسي ” :دعد ،أن لديه أمور أخرى تشغله اكثر من القلق بشأن فتاة مثلك "
.
في ذلك المساء كنت في غرفتي بالفندق حوالي الساعة 55مسا ًء ،عندما أذهلتني طرقة
عالية ،هدأت من روعي و قمت ألفتح الباب ،فاذا برجلين يرتديان الزي العسكري يقفان على
العتبة ،لقد كانا مهذبين تما ًما ولكن كلماتهما القليلة ،دون تقديم تفسير آخر ،أصابت جسدي
بالكامل برعدة .قاال " :الرئيس القذافي يريد أن يراك " .
دعد مع دمحم البخاري وزير المالية الليبي سابقا في مكتب تراميل كرو للعقارات بتكساس -امريكا
الفصل الرابع
وجه لوجه
عندما غادر الجنديان كنت في حالة ذعر أعمى ،هل سيتم إعادتي إلى الوطن بطريقة مخزية
،مما قد يتسبب في حادث دبلوماسي بين ليبيا واألردن ؟ ،أو هل يمكن أن أكون في ورطة
عميقة الستفزازي القذافي لدرجة أنه سوف يتم القبض علي واٌلقى في السجن ؟ طاشت مخيلتي
في كل اتجاه – ربما كل تلك القصص المروعة التي سمعتها عن العقيد كانت صحيحة ؟ كانت
استنتاج مفاده أن الهروب في منتصف الليل كان بال جدوى ،لذا ارتديت بعض المالبس على
عجل وانطلقت الى الطابق السفلي إلى مكتب كانت تستخدمه صديقتي الجديدة نعيمة ،في الواقع ،
لدي خطة بديلة ،إذا لم تكن نعيمة موجودة في هذه الساعة المتأخرة ،أو انها أبعدتني وتخلت
عني ،فماذا يمكن أن أفعل بعد ذلك ؟ اقتحمت الغرفة فوجدتها تعمل في وقت متأخر وشرحت لها
ما حدث للتو ،قلت لها وانا وشك البكاء " :ال أريد أن أذهب إلى أي مكان " ،ولدهشتي ،
انفجرت ضاحكة ،قالت نعيمة " :ال تقلقي ،ليس هناك ما تخاف منه " " ،كل ما يحدث هو أن
الرئيس القذافي سيكون له حضور خاص مع عدد قليل من الوفود المنتقين بعناية ،أنت محظوظة
يا دعد – لقد اختارك ،سوف تكوني بأمان ،فقط اهدأي “ .
جزء مني رفض تصديقها ،لكنني أدركت أن هذه فرصة قد ال تتكرر إال مرة واحدة في
العمر لمقابلة رئيس وج ًها لوجه ،كم من الناس يمكن أن يقولوا أنهم حققوا ذلك ؟ عندما كنت
طالبة في الجامعة ،كنت معجبة بالقذافي من بعيد ،كنت سأعطي أي شيء لمثل هذه الفرصة
الفريدة ،في كلتا الحالتين ،قررت أنه ليس لدي أي خيار حقًا ،لقد كنت في ليبيا لمدة يومين فقط
لكنني كنت أعرف بالفعل أن القذافي يحصل دائما على ما يريد .
أمرا مفرو ً
غا منه ،وقد ثبت ذلك ضا أنه ال يمكن اعتبار أي شيء في هذا البلد ً
لقد علمت أي ً
مرة أخرى ،بعد أن طرنا للتو من بنغازي إلى طرابلس ،كنا في طريق العودة اليها مرة أخرى ،
في ذلك المساء ،لم يكن هناك متسع من الوقت لحزم بعض المالبس قبل ذهابنا إلى المطار في
سيارات الليموزين الرسمية وركوب طائرة خاصة أخرى ،هذه المرة كانت طائرة أصغر بكثير،
اثني عشر مقعدًا فقط ،من النوع الذي تربطه في مخيلتك برجال األعمال األثرياء والمشاهير.
كان هذا أول عهدي بهذا النوع من السفر الحصري ،حيث ال تذاكر أو جوازات سفر
مطلوبة أو إجراءات تسجيل وصول شاقة ،فكرت انه يمكنني بسهولة تذوق روعتها ،على
الرغم من الظروف.
كنت سعيدة ألن نعيمة كانت من بين النساء على متن الطائرة ،ألنني كنت قد وضعت ثقتي
الكاملة بها ،أما اآلخرون فكانوا من جنوب لبنان وفلسطين وجبهة البوليساريو ،وهي منظمة
شقيق دعد مع سالمة رئيسة الحراسات األمنية للقذافي في باريس أثناء زيارة االخير لفرنسا
دعد مع نائب برلماني هندي أثناء لقاء هيالري كلينتون في نيويورك
بالكاد جلسنا في مقاعدنا في الرحلة التي استغرقت تسعين دقيقة وتناولنا المشروبات حتى
وصلنا إلى بنغازي ،كان الوقت اآلن بعد منتصف الليل ،كنت أتوقع أن يتم نقلنا إلى الفندق ويتم
اصطحابنا في اليوم التالي للقاء القذافي ،لكن بدالً من ذلك تم أخدنا بعيدا عن وسط المدينة ،
أصبح من الواضح أننا كنا في طريقنا لرؤية العقيد في تلك الليلة بالذات ،أو لنكن أكثر دقة ،في
الساعات األولى من صباح اليوم التالي ،وصلت قافلتنا الصغيرة المكونة من ثالث سيارات
سوداء إلى قاعدة عسكرية على بعد حوالي ثالثين دقيقة بالسيارة من المطار.
سألتٌ نعيمة " ،أي نوع من الرؤساء يلتقي بالناس في الساعة 0صبا ًحا ؟ ،في األردن ،
يعقد ملكنا اجتماعاته خالل النهار ”.من خالل الظالم ،كان بإمكاني فقط رؤية اشباح البراج
حراسة وجنود يحملون رشاشات ،بدأت أشعر بالتوتر ،أتساءل عما إذا كان هذا فخا من اي نوع
،أوضحت نعيمة أن القذافي غالبًا ما يعمل في وقت متأخر من الليل في التعامل مع البريد وقراءة
الكتب حتى الساعة الثالثة صبا ًحا ،ولم تكن اجتماعات كهذه خارجة عن المألوف ،حتى بالنسبة
لوزراء حكومته ،عندما تعرفت على القذافي بشكل أفضل ،أدركت أن الساعة ال تهمه وأن كل
من حوله يجب أن يعتاد على ضبط الوقت غير المعتاد ،تتمثل إحدى مزايا كونك قائدًا في أنه
يمكنك رؤية األشخاص عندما تختار ذلك ،داخل القاعدة ،كان هناك عدد من الغرف الصغيرة ،
وبعد تناول وجبة سريعة ،تم نقلنا بشكل متكرر على مدار الساعة التالية أو نحو ذلك .كنت اخر
من سيقابل القذافي ،لكن مما يثير القلق ،مع خروج المندوبات االخريات المدعوات من لقاءاتهن
،كان الكثير منهن يذرفن الدموع ،سألت نعيمة " :ماذا يحدث هناك ؟ هل يضربهن ؟ ،قالت :
" إنهن يتحدثن معه عن مدى معاناتهن ويتباكن في محاولة لكسب التعاطف لكي يعطي المال
لبلدانهن " ،كانت الساعة تقترب من الثالثة صبا ًحا عندما حان دوري لرؤية القذافي ،حينها
دعد مع الرئيس األمريكي جورج بوش األب في منزل تاجر العقارات األمريكي تراميل كرو
أتذكر االن رائحة البخور القوية ،وهو نوع من البخور العربي المصنوع من رقائق الخشب
المنقوعة في الزيوت العطرية ،و الذي صرت ،منذ هذا اللقاء ،اربطه بشخص القذافي ،
ارشدتني نعيمة إلى مكتبه الخاص ،لم يكن مؤثثًا إال بمكتب في الزاوية وكرسي واحد ،وعلى
الطراز العربي التقليدي ،كانت هناك بساطات وتناثرت وسائد حمراء على األرض.
كان القذافي ،مرتديا جلباب بني ،جالسا على كرسي خلف مكتبه لكنه وقف على قدميه عندما
دخلنا.
لبرهة فقدت رباطة جأشي ،فعلى بعد أمتار قليلة كان الرجل الذي أخبرني الجميع في
المنزل أنه إرهابي ووحش ،تبعت ذلك دقائق قليلة محرجة كان فيها القذافي يتحدث إلى نعيمة ،
وتجاهلني تما ًما ،لقد كان مجرد حديث صغير يشعرك بأنه ملفق ،كما لو أنه لم يقابلها من قبل ،
في حين كنت مدركة تما ًما أنهما يعرفان بعضهما البعض جيدًا ،ربما رأى قلقي وكان الهدف من
أخيرا
ً في وقت من األوقات وقع على وثيقة ،شعرت بالخوف أكثر ،لكنه التفت نحوي
وتصافحنا ،ثم بعد انتهاء اإلجراءات األولية ،كانت هناك لحظة أخرى أكثر إربا ًكا وإحرا ًجا ،
دعاني القذافي للجلوس على األرض ،وهي الطريقة البدوية التقليدية لعقد االجتماعات ،وأشار
إلى إحدى البساطات المزخرفة ،اآلن لدي معضلة جديدة ،بعد مشاكستي له في قاعة المؤتمرات
،كان آخر ما أردت هو التسبب في مزيد من اإلهانة ،لكنني لم أكن ارتدي ما يناسب جلوسي
القرفصاء على األرض ،كان هذا في أواخر الثمانينيات ،عصر االزياء الجريئة ،كنت أرتدي
سترة سوداء ،مع منصات كتف كبيرة ،وتنورة سوداء متناسقة وأترنح على الكعب العالي ،
كانت تنورتي فوق الركبة بالفعل ،وفقًا للموضة السائدة في ذلك الوقت ،وكانت ضيقة جدًا
لدرجة ال تسمح لي بالجلوس على األرض دون أن ترتفع سترتي الى االعلى ،لدواعي الراحة
والتواضع لم أرغب في الجلوس هكذا ،و كم تمنيت لو انني اخترت بدلة بنطلون أنيقة ،استطعت
أن أرى أنه كان يهم بالجلوس على الكرسي ،حتى يتمكن من تدوين المالحظات ،اعتذرت ،
شرحت الصعوبة التي واجهتها للقذافي الذي ابتسم وأعاد ترتيب الوسائد لتوفير حاجز منخفض
بيننا ،أشار إلى الفراش ،بطريقة ما تمكنت من الجلوس على األرض مع االحتفاظ بكرامتي ،
ي
المالحظات ،قبلت عرضه للقهوة ،تحدث بصوت منخفض ،وكما حصل سابقا ،كان عل ّ
التركيز بشدة لفهم لهجته ،لدهشتي ،مع علمي بسمعته الشرسة ،لم يكن هناك أي تهديد أو
عدوانية فيه ،الحظت عن قرب ،أن وجهه صار متغضنا بسبب التعرض ألشعة الشمس ،ومن
دعد في تاج عرسها من تصميم أنجيال كيلي المعاونة الشخصية و المستشارة لملكة بريطانيا
دعد مع زوجها السابق في فستان العرس من تصميم المليارديرة االنجليزية تينا جرين
بدأ القذافي يرميني باألسئلة من كل جانب عن خلفيتي وعملي ،أخبرته كل شيء عن جذور
التجارية المتنوعة في الشرق األوسط ولندن و انحاء أخرى من العالم ،من حين آلخر كان يهز
رأسه أو يلقي نظرة على نعيمة ،في بعض األحيان كان يمزح معها ويضحك ،لحسن الحظ ،لم
يكن هناك أي ذكر لسؤالي الوقح في المؤتمر – األمر الذي اشعرني باالمتنان للغاية ،استمر هذا
لمدة عشرين دقيقة ،ثم انتهى االجتماع ،التفت القذافي إلى نعيمة ،قال قاصدا يُسمعني وبابتسامة
غامضة " :هذه هدية لطيفة جدًا قدمتها لي " ،سألت نفسي " :ماذا حدث للتو؟ " هل كنت "
ال يبدو أن هناك أي غرض من اللقاء ،وتساءلت مع نفسي لماذا اجهد القذافي نفسه لنقلي
جوا إلى بنغازي من طرابلس ،كان من الصعب قراءته ولم أكن أعرف ما هو االنطباع األول
الذي تركته على العقيد ،كان ينبغي ان اغادر اللقاء وأنا أشعر بالبهجة ،ولكن في الواقع شعرت
بانني محبطة و مخذولة ،و حتى اني تألمت قليالً أنه لم يعطني نوعا ً من هدية الفراق أو تذكار ،
ومع ذلك ،على األقل لم يكن مقدرا ً لي أن أذهب إلى السجن .
كانت الساعة اآلن الرابعة صبا ًحا وكنت محطمة ،أردت فقط العودة إلى طرابلس في أقرب
وقت ممكن ،ولكن مرت ثالث ساعات أخرى قبل أن تعيدنا نفس الطائرة الخاصة جميعًا إلى
أربع ساعات راحة فقط ،قبل أن يُدق باب غرفتي في الفندق مرة أخرى ،وكان في استقبالي
ممثل من مكتب الرئيس ،ماذا االن أيضا ؟ سألت نفسي ،أُبلغت بأدب أنني سأحضر اجتما ً
عا
ولكن ،كالعادة ،كان هناك الحد األدنى من المعلومات ،مرة أخرى ،طلبت النصيحة من نعيمة
التي كانت إيجابية للغاية ،حثتني " اذهبي " " ،هذه الرسالة سوف تأتي مباشرة من الرئيس
القذافي نفسه " .كان لدي شعور بأنها تعرف بالضبط ما كان يجري .بعد أقل من ساعة كنت
جالسة في مكتب أحمد رمضان ،الذي كان لقبه الرسمي الكبير ( مدير المعلومات في مكتب
معمر القذافي ) ،في الواقع ،اكتشفت أنه كان اليد اليمنى للعقيد ،على الرغم من أنه بدا غير
الفت للنظر ،و هو يرتدي بدلة رخيصة المظهر ،إال أنه كان من أقوى الشخصيات المرهوبة في
ألسباب لم أفهمها مطلقًا ،أُطلق على احمد رمضان اسم الصندوق األسود ،ال يمكنني إال
أن أفترض أنها إشارة إلى مسجل الرحلة في الطائرة ،والذي يحتوي على جميع المعلومات ،
أبلغني رمضان اآلن أن الرئيس القذافي يقدم لي مقترح عمل ،كان ينوي أن أصبح مستشارة
خاصة لشركة االستثمارات األجنبية العربية الليبية ) (LAFICOالتي تديرها الحكومة ،والتي
كانت تتصرف بجميع الصفقات األجنبية في البالد ،أصبحت كل أسئلة القذافي والتحقيقات حول
خلفيتي العملية منطقية فجأة ،يجب أن تصنف رحلتي في وقت متأخر من الليل إلى بنغازي
كواحدة من أكثر مقابالت العمل غير التقليدية في التاريخ ،لم تكن هناك وسائل التواصل
االجتماعي ،لذلك كانت هذه طريقته في معرفة كل شيء عني ،ولكن كان يمكن أن يطلب
سيرتي الذاتية ! ،كان االقتراح ممتعًا بالطبع ،لكنني ظللت حذرة ،نعم ،لقد أتيت إلى ليبيا
ونصف عيني على اجراء اتصاالت لشركتي وكانت LAFICOسمكة كبيرة تتعامل بماليين
اغضاب القذافي مرة أخرى لم يكن على جدول أعمالي في تلك اللحظة ،ومع ذلك ،وافقت
ً
موجزا طلب مني تسليمه للحويج ، على مقابلة دمحم الحويج ،رئيس الشركة ،كتب رمضان خطابًا
في صباح اليوم التالي ،كنت أركب إحدى السيارات الرسمية المألوفة اآلن ،وهي مرسيدس
سوداء ،إلى مقر LAFICOذي المظهر الغريب والذي يشبه الزجاجة المقلوبة .لم يعيرني
الحويج الكثير من االهتمام عندما تم اصطحابي في النهاية إلى مكتبه ،بشيء من الملل فتح
المذكرة التي سلمتها له ،وقرأ المحتويات – و فجأة قفز من مقعده ،كمثل نقرة على مفتاح الضوء
،تغير مزاجه وفجأة كان على اكبر قدر من التهذيب والترحيب ،اعاد بفرح شديد ،عملية
الترحيب بأكملها للمرة الثانية وكأنه نسي أننا قد تصافحنا بالفعل ،لم يكن من الممكن أن يكون
سا و تبجيال وهو يخبرني عن هيكل LAFICO.تباهى الحويج قائالً " :نحن مؤسسة
أكثر حما ً
تبلغ قيمتها 21مليار دوالر " ،وسلم لي كومة من الكتيبات الالمعة التي تشرح كيف أنشأ القذافي
أصبح الحويج أكثر رقة عندما رن جرس الهاتف بعد بضع دقائق ،مقاطعا تدفق حديثه معي
ي " :إنها هنا " ،استنتجت من الطريقة التي كان يرتجف بها الحويج
،قال للمتصل وهو ينظر إل ّ
،أن أحمد رمضان على الطرف اآلخر من الخط ،من الواضح أنه كان يتأكد من أنني لم اغير
رايي في اللحظة االخيرة ،وايضا كان يطلع رئيس LAFICOعلى مستقبلي معهم ،إذا حكمنا
من خالل ردة فعل الحويج ،فليس من الحكمة أن تجعل من أحمد رمضان عدوا ً ،استعرض معي
الحويج التفاصيل الدقيقة لعرض العمل ،يتضمن دوري تحديد الشركات ،بما في ذلك سالسل
الفنادق األجنبية والمصانع ومصافي النفط والبنوك ،التي يمكن للدولة شراؤها ،أرادت الحكومة
،بشكل حاسم ،ألنني كنت أحمل جواز سفر أردنيًا ،كان من المتوقع ،بشكل صحيح تما ًما كما
اتضح فيما بعد ،أنه يمكنني الوصول بشكل أفضل وفتح األبواب التي كانت ستظل مغلقة بإحكام
في وجه ليبيا ،في ذلك الوقت كانت ليبيا عازمة على محاولة استعادة سمعتها وبناء الجسور بعد
كانت إحدى تداعيات الغارات األمريكية على ليبيا في عام 5026هي العقوبات التي منعت
المنظمات األمريكية من التعامل مع النظام ،لم يكن القذافي يريد أن يبقى معزوال عن بقية العالم
صا في
،لذلك بحث في مكان آخر ،كانت إحدى أولوياته هي أوروبا ،حيث كان يمتلك حص ً
ض ا ينشئ محفظة عقارية في لندن تبلغ قيمتها ماليين الجنيهات اإلسترلينية ،كانت
البنوك وكان أي ً
المملكة المتحدة قد قطعت العالقات الدبلوماسية مع ليبيا في عام ، 5024بعد أن أُطلقت رصاصة
من داخل السفارة الليبية في لندن أسفرت عن مقتل الشرطية ،إيفون فليتشر ،الرصاصة كانت
تستهدف المتظاهرين المعارضين للقذافي ،على الرغم من التوتر بين البلدين ،استمرت األموال
الليبية في التدفق بشكل قانوني إلى بريطانيا بسبب عدم وجود عقوبات ،في إحدى المراحل ،
امتلكت ليبيا حصة في شركة فيات ،إلى أن أجبر رونالد ريغان شركة تصنيع السيارات اإليطالية
على كبح جماح الشراكة ،غالبًا ما كانت لعبة القط والفأر مع الواليات المتحدة ،والتي كما
أردنية ،سيكون من األسهل بالنسبة لي أن أعمل تحت الرادار ،بينما ليبيا تنفق نقودها بتكتم ،هذا
الجانب من شخصية القذافي عادة ما يتم تجاهله ،لكنه كان رجالً داهية أدرك أنه من خالل شراء
الشركات األجنبية ،يمكنه توليد المزيد من الثروة لليبيا ،في وقت لقائي األول مع الحويج ،في
ضا
عام ، 5022كانت البالد أكبر منتج للنفط في شمال إفريقيا ،المال قوة ،وكان القذافي يعلم أي ً
الطاولة يتمثل في رسوم االستشارات السنوية و تبلغ 12222جنيه إسترليني ،والتي كانت تافهة
مقارنة باألموال التي كسبتها في شركة مجموعة الثالثة The Three Group.بالكاد كانت
ستغطي تكاليفي غير المباشرة ،لكن ما سمعته بعد ذلك صدمني حتى كاد أن يضرب فكي
بالطاولة ،فباإلضافة إلى الرسوم ،سأحصل على عمولة بنسبة 1في المائة على كل صفقة
أنجزها بنجاح ،في عقلي ،اجريت بسرعة حساباتي ،سأكون في صميم سياسة االستثمار
الخارجي ال ليبي ،وإذا تحقق جزء بسيط من الصفقات التي تحدث عنها الحويج ،فسيكون
بمقدوري كسب ثروة هائلة ،واألفضل من ذلك ،أنه بموجب شروط العرض المقترح ،يمكنني
ضا ال
مواصلة العمل لدى مجموعة الثالثة أو أي شركة أخرى أطلقها فيما بعد ،لقد كان عر ً
يمكنني رفضه ،وبغض النظر عن أي مخاوف بشأن ربط مصيري بليبيا ،صافحت الرئيس وتم
وضع العقد وتوقيعه في الحين ،وفي ذات المكان ،غادرت مبنى LAFICOوأنا أهنئ نفسي ،
إلى المنزل بعد أن قابلت القذافي قابضة بورقة يمكني أن تجعل مني غنية ماليًا مدى الحياة.
دعد مع حنان عشراوي وزيرة الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية سابقا بحضور دمحم البخاري وزير مالية ليبي في اجتماع
على المست وى الشخصي ،قد يعني ذلك قضاء المزيد من الوقت في ليبيا ،البلد الذي ال يزال
يثير اهتمامي ،والتعرف على المزيد من شعبه وإقامة روابط تجارية جديدة هناك ،بدت
االحتماالت ال حصر لها ،عندما عدت إلى المنزل إلى األردن والى عائلتي المطمئنة االن ،كنت
ال أزال في قمة النشوة ،ومصممة على اغتنام هذه الفرصة الرائعة بكلتا يدي ،وكنت على يقين
لو كنت أعرف حينها بالضبط ما كان يفكر فيه القذافي بالنسبة لي ،ربما لم أكن ألضع قلم
خاشقجي
أصابت كلمات القذافي ،عندما التقيته في المرة التالية في قاعدته بطرابلس ،جسدي برعدة
لالستثمارات األجنبية ، LAFICOستعملي معي و تقدمين تقاريرك لي مباشرة ً " ،كان ذلك
بعد ثالثة أشهر من توقيعي على االتفاقية التي كنت آمل أن تسمح لي بإجراء صفقات الوساطة
بين ليبيا والشركات في جميع أنحاء العالم ،عند وصولي إلى طرابلس من أبوظبي ،حيث كنت
أعمل ،أُبلغت أن العقيد يريد مقابلتي وتم اصطحابي بسيارة ليموزين خاصة إلى مجمعه الشاسع
في باب العزيزية في الضواحي الجنوبية لطرابلس ،لقد رأيت المكان موصوفًا بأنه قصر ،لكن
هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة ،باب العزيزية ،الذي يعني البوابة الرائعة ،كان ثكنة عسكرية
مبجلة تستخدم كمقر للقذافي في العاصمة ،خلف جدارين من الخرسانة السميكة كانت مكاتبه
وفيال ذات مظهر عادي من طابقين حيث كان يعيش في الطابق األول ،كان الطابق السفلي عبارة
عن غرفة جلوس حيث كان يعقد اجتماعات ليلية أحيانًا ،كما كانت هناك خيمة بدوية بسيطة ذات
ألوان زاهية حيث كان يحب استقبال الزوار األجانب ،سمعت أنه كانت هناك حديقة حيوانات
وأرض معارض في باب العزيزية ذات مرة ،لكن عندما زرت المجمع ألول مرة في عام 5022
،كان ال يزال يحمل ندوبًا من غارة القصف األمريكية عام ، 5026وكانت بعض المباني
مهجورة ،كانت أي مقارنات مع مزرعة نيفرالند ذات طراز المنتزه الترفيهي لمايكل جاكسون ،
والتي اشتراها المغني عام ، 5022ستكون بعيدة جدًا عن الواقع ،يتجول الكولونيل حول المجمع
في عربة جولف ،وكان المجمع في الواقع أشبه بقرية صغيرة ،حيث تنتشر أشجار النخيل حول
المساحات الخضراء الواسعة وتناثرت فيالت أخرى ،قيل لي إن باب العزيزية ،الذي كان
محميًا بشدة ،يغطي أكثر من ميلين مربعين ،على مدى السنوات القليلة التالية ،أصبحت منتظمة
على زيارته ،حيث اقفز على متن طائرة من أي مكان كنت فيه في العالم لحظة يستدعيني
القذافي ،كان روتيني يتلخص في االتصال بأحمد رمضان ،مدير المعلومات ،وسيقوم بترتيب
دعد و شقيقتها الكبرى لندا و والدها في حضرة الملك حسين عاهل االردن.
في تلك الرحلة األولى ،حاولت فقط استيعاب كل شيء ،استقبلني العقيد في مبنى مكتبه
الحديث ،المجاور لمقره الخاص ،لقد فوجئت بمدى تواضع المجمع ،لكنني أدركت الحقًا أن
هذا كان نموذ ًجا لنهج القذافي ،لقد تجنب معظم كماليات الحياة ،ولم يكن يرتدي حتى ساعة يد ،
لقد اتخذت االحتياطات الالزمة بارتداء بدلة بنطلون مناسبة ،لكنني شعرت باالرتياح ألنه اختار
بدأ قائال " ،لقد وقعتي العقد ،هذا جيد " ،وقدم لي التمر والقهوة مع حليب اإلبل قبل أن
يحدد بدقة ما يريد ،ستعملي من أجلي تحت مظلة ، LAFICOمن صميم وظيفتك أن تعطيني
5
خبيرا في األعمال أو
ً ) ،ألنني لست آراء اخرى حول االستثمارات األجنبية في ليبيا (
االقتصاد ،لكنني ال أريد مشاركة هذه المعلومات مع ، LAFICO.ال تقلقي بشأن LAFICO
،ثم كتب رقم هاتف مكتبه الخاص ،بينما كنت أحاول فهم نواياه.
طوال سنوات عملي في ليبيا ،لم أحصل على لقب رسمي مطلقًا ،وهو أمر غير معتاد في
النظام ،كثيرا ما وصفت بأنني " المستشارة الخاصة " للقذافي ،لذلك دعونا نقبل بهذا ،تسببت
مهمتي الدقيقة في كل أنواع التكهنات ،سواء في ليبيا أو في الخارج ،لم يسعني إال االبتسام
عندما وصفتني ،بعد سنوات ،إحدى الصحف األمريكية في مقال يسعى الكتشاف ما عرف بـ "
عا ما جاسوسة
نساء القذافي " ،بأنني " جوهرة تاج األردن " ،لقد خطر لي أنني سأكون نو ً
للعقيد ،الذي يريدني أن أكون عينيه وأذنيه ،بالتأكيد ،عدد من األشخاص في دائرته الداخلية
اعتبروني كذلك ،األمر الذي سيسبب لي حاال العديد من المشاكل ،سأكون عالقة في المنتصف ،
في النهاية ،اعتبار أعدائي اني الجاسوسة الشخصية للقذافي من شأنه أن يعرض حياتي للخطر ،
عل ى الفور في تلك الزيارة األولى ،كان من الواضح أن الزعيم لم يثق في معظم كبار
كيفية استثمار ماليين الدوالرات من عائدات النفط الليبية ،أخبرني القذافي أن كل صفقة تزيد
قيمتها عن 52ماليين دوالر تتطلب موافقته الشخصية ،لكنه يريد المزيد من السيطرة ،ما زلت
أشعر بالتوتر وانا بالقرب منه ،غير قادرة ان اخرج من راسي أوصاف وسائل اإلعالم النمطية
صحبته ،في البداية كنا نتصافح عند التحية ،ولكن بعد عدة اجتماعات بدأ يقبّلني على الخدين
بالطريقة العربية ،في تلك المرحلة المبكرة لم أشعر أنني قادرة على رفض أي شيء يقترحه ،
على الرغم من تحفظاتي ،لم أكن واثقة من أنني أمتلك الخبرة أو المهارات ألرقى إلى مستوى
توقعاته ،كنت أفكر في داخلي " كيف يمكنني القيام بكل هذا؟ " ،لكنني ببساطة أجبت " :سأبذل
قصارى جهدي " ،في ذلك االجتماع األول لم يشرح لي أن واجباتي ستتجاوز قريبًا مجرد
االقتصاد وانني في الواقع ،سأكون عالقة في سياسات ليبيا شديدة التعقيد والمتقلبة ،كانت تلك
خطوة ح كيمة من جانبه ،ألنني كنت أتساءل بالفعل عن مدى قدرتي للعب هكذا ادوار ،ال بد أنه
شعر بنقص ثقتي وكان ال يرغب في قول كل شيء حتى ال يخيفني ،على مدى السنوات القليلة
ي لقاء خاص
المقبلة ،لن أتحدث فقط مع بعض أقوى رجال األعمال في العالم ،ولكن سيكون لد ّ
مع رئيس الواليات المتحدة ،وسأكشف الفساد في قلب حكومة القذافي ،وأواجه ما يسمى بـ "
كالب الدم " الليبية الذين جابوا العالم في الثمانينيات واغتالوا معارضي النظام.
نور ( 0سنوات) ابنة دعد في الطائرة مع االمير السعودي وليد بن طالل في زيارته األخيرة إلى ليبيا
أخذتني مهمتي األولى إلى لندن إلى مكتب تني روالند ،الرئيس التنفيذي لمجموعة
Lonrhoالعمالقة ،كان روالند قطبًا و صاحب شخصية رهيبة وامتدت أصابعه في العديد من
الصفقات الرابحة في الشرق األوسط ،في بريطانيا ،امتلك جريدة ابوزرفر لكنه فشل في محاولة
الحقة للسيطرة على متجر هارودز الشهير متعدد األقسام ،وصفه رئيس الوزراء البريطاني
السابق إدوارد هيث ذات مرة بأنه " الوجه غير المقبول للرأسمالية " ،اعتبر روالند نفسه صديقًا
شخصيًا للقذافي ،الذي كان يفكر في شراء حصة في مجموعة فنادق متروبول التابعة له ،على
الرغم من الكراهية تجاه ليبيا في بلده ،لم يكن روالند يتورع في التعامل مع القذافي ،أراد العقيد
أن يعرف مني ما إذا كان يمكن الوثوق بروالند وكيف سيتم الترحيب بصفقة تجارية ليبية في
بريطانيا ،كانت مارجريت تاتشر رئيسة للوزراء في ذلك الوقت ،ولم يغفر لها القذافي سماحها
باستخدام القواعد البريطانية من قبل قاذفات القنابل األمريكية في هجوم 5026على ليبيا ،في
المقابل ،كان مقتل الشرطية إيفون فليتشر ال يزال حيا في بريطانيا ،كان عدنان خاشقجي أحد
الوسطاء في صفقة متروبول المقترحة ،وكان رجل األعمال السعودي الثري هو الذي مهد
الطريق لزيارتي إلى روالند ،جلس كالنا في قاعة اجتماعات ضخمة وتحدثنا بشكل أساسي عن
السعر ،ثم تناولنا العشاء ،في البداية كانت التقييمات التي أجراها روالند والشركة الليبية
األيادي في النهاية بين روالند والحويج رئيس الفيكو ،كان السعر النهائي الذي دفعته ليبيا 511
مليون جنيه إسترليني ( 320ماليين دوالر في ذلك الوقت ) ،ما يعني أنها كانت صفقة رابحة ،
من الرجال العرب الذين تعاملت معهم ،شعرت أنه عاملني على قدم المساواة ،لم يكن يهتم سوى
قليال بمارجريت تاتشر أو المؤسسة البريطانية ،وكنت أتساءل دائ ًما عما إذا كانت هناك لمسة من
النكاية واالغاضة في حماسه للقيام بأعمال تجارية مع القذافي ،تم إبرام صفقة الفندق بعد فترة
وجيزة من توجيه االتهام إلى ليبيا بتفجير طائرة بان آم 523فوق لوكربي ،لكن ذلك لم يمنع
روالند من وصف القذافي بأنه " صديقي " ،واإلعالن عن نيته القيام بأعمال تجارية في
المستقبل مع ليبيا ،عندما قدمت تقريري بعد بضعة أسابيع ،اعتبر القذافي الرحلة ناجحة – وكان
ذلك مصدر ارتياح ،شعرت أنني أثبتت نفسي في هذه المهمة األولى ،على الرغم من أنني لم
أحصل على سنت واحد في العمولة ألنني لم أبدأ الصفقة ،عقدت عدة لقاءات أخرى مع روالند ،
ضا بزوجته جوزي ،وبقينا على اتصال حتى وفاته بعد عشر سنوات ،عن عمر يناهز
والتقيت أي ً
22عا ًما ،في كل زيارة لليبيا خالل هذه الفترة ،كانت صديقتي نعيمة تقيم معي في الفندق الكبير
في طرابلس ،بناء على تعليمات القذافي تم وضعي في غرفة مزدوجة ،وكانت هى تنام في
السرير الثاني ،عندما سألت نعيمة عن هذا ،أوضحت لي أن ذلك كان لحمايتي من المعاكسات
غير المرغوب فيها من الرجال المحليين ،قالت " :أنت شابة بمفردك في بلد غريب وترتدي
لقد صدمني هذا لغرابته ،ألنني لم أشعر أبدًا بالتهديد بهذه الطريقة في ليبيا ،إذا نظرنا
إلى الوراء ،فأنا متأكدة اآلن من أن القذافي كان أكثر قلقًا بشأن الخطر الذي يشكله عل َّ
ي أعضاء
دائرته الداخلية ،الذين لم يرحبوا بوصولي إلى مكان الحدث ،ومع ذلك ،بحلول ذلك الوقت ،
كنت أتعلم أال أطرح الكثير من األسئلة ،لذا قبلت رفيقتي الجديدة في السكن ،على أي حال ،في
تلك المرحلة ،شعرت بالفعل كأن نعيمة صديقة العمر ،على الرغم من وجود فجوة عمرية تبلغ
ثماني سنوات ،إال أننا انسجمنا وكان من الجيد االستئناس برفقتها ،فلم يكن هناك الكثير للقيام به
في ليبيا ،حيث لم تكن هناك دور سينما أو مسارح في أواخر الثمانينيات .
على صفقات العمل التجاري الخاصة بي ،وفي عام 5020قمت بنقل قاعدة اعمالي إلى لندن ،
حيث استأجرت شقة في مايفير ،لقد أقمت عالقة عمل جيدة مع رئيس مجلس اإلدارة دمحم الحويج
الذي كان مجتهدًا وصادقًا ،قسمت وقتي بين لندن وعمان وطرابلس وشعرت أحيانًا أن قدماي
بالكاد تالمسان األرض ،بعد ذلك أرسلني القذافي إلى نيويورك ،كان الهدف هو مقابلة حليفه
عدنان خاشقجي ،الذي كان وقتها قيد التحقيق من قبل السلطات األمريكية ُ ،
وزعم أنه ساعد
الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا في نهب ماليين الدوالرات عندما فرا من
دعد مع زوجها السابق عبدالحكيم التميمي و كال من عدنان خاشقجي و زوجته الشهيرة االيرانية شاهباري .خاشقجي كان أغنى رجل
كان خاشقجي ،الذي غالبًا ما يوصف بأنه أغنى رجل في العالم ومعروف بصفقات األسلحة
عا من
،قد تم ترحيله من سويسرا ،و ُمنع من مغادرة الواليات المتحدة ،أعتقد أنه كان يرتدي نو ً
سوار أو عالمة في الكاحل تسمح بتعقب تحركاته أثناء انتظاره المحاكمة على الرغم من أنني لم
أرى ذلك مطلقًا ،سيتم تبرئة خاشقجي من جميع التهم في العام التالي ،زرت نيويورك في عام
5020الن القذافي كان قلقًا بشأن مصير أحد كبار مساعديه ،أراد مني العقيد أن أعرف ما
يجري وأن يعرض مساعدته ،خالل مسيرتي المهنية ،كنت أختلط مع الكثير من الرجال
األثرياء ،لكن لقاء خاشقجي ،اذا استعرنا مصطلحات لعبة البيسبول ،يشبه الصعود من دوري
ثانوي إلى دوري كبير ،في ذروة نجاحه ،قيل إن ثروته بلغت 4مليارات دوالر ،معظمها من
العمولة على صفقاته ،لم يخلق أي شيء أبدًا ،لقد كان دائ ًما الرجل الوسيط كما هو الحال في
لقد زرت الواليات المتحدة من قبل ثالث مرات ،أوالً عندما كان عمري 51عا ًما لرؤية
أختي ليندا في ميامي بعد زواجها ،ثم مرتين في إجازة ،هذه المرة وصلتها في وضع مترف ،
فقد طرت على متن طائرة كونكورد من لندن لتوفير الوقت ،لقد فوجئت بمدى صغر حجم
الطائرة األسرع من الصوت وضيقها ،على الرغم من سعر التذكرة البالغ 1222دوالر ،كانت
ضا صاخبة جدًا ،في كل هذه الرحالت لصالح القذافي ،كنت أخذ حقيبتين كبيرتين ،على
أي ً
الرغم من أنني قد أقيم لفترة قصيرة فقط ،لذلك كانت لدي مالبس مناسبة لكل موقف ممكن ،
كانت مالبسي من تصميم إيطاليين ،و دائ ًما بألوان داكنة ،ودائ ًما ما تكون على نمط محافظ ،لم
تكن فتحة الصدر مكشوفة أبدًا ،رأيت هذا التكتيك الذي تستخدمه بعض سيدات األعمال ،
لمحاولة الحصول على ميزة ،لكن رأيي أن استخدام جسمي بهذه الطريقة أمر رخيص للغاية ،
تنقالتي بالليموزين من المطار لم يعد جديد االن ،لكن اخدي بسيارة مجهزة بحوض جيكوزي
في الطريق من مطار جون كنيدي إلى مانهاتن ،تلقيت مكالمة من خاشقجي تدعوني
لالستفادة من احدى سيارته المعدلة بشكل فاخر ،كانت نوافذها معتمة وبها شاشة تفصلني عن
السائق ،لكني رفضت هذا العرض الكريم ألخد غطسة في الجيكوزي .
عاش خاشقجي في شقة فخمة بالطابق االعلى في مبنى بالقرب من سنترال بارك بنيويورك ،
يقال إنه تم إنشاؤه بشراء ستة عشر شقة ثم هدمها جميعا ،لقد بنى فيها حوض سباحة و تبدو
مناظر المدينة من الطابق االول إلى نوافذ السقف تخطف األنفاس .
الصور :االعلي :دعد مع موظفي شركتها في االردن ..االسفل :معمر القذافي يشرب القهوة من رجل في الشارع أثناء زيارته لألردن.
تحدثنا بالعربية عن الصعوبات التي يواجهها مع السلطات األمريكية ،ثم قام خاشقجي
بتسجيل رسالة صوتية قصيرة للقذافي موضحا تفاصيل الدعوى القضائية المعلقة ،وذكر أنه
سيأتي إلى ليبيا إذا ما استطاع لذلك سبيال ،في صباح اليوم التالي ذهبنا في نزهة واستطعنا بالكاد
شابة إيرانية جذابة بشكل الفت كانت تقوم ببعض أعمال التصميم الداخلي ،بعد عامين تعرفت
على صورتها في الجريدة عندما تم الكشف على أنها زوجة خاشقجي الثالثة ،واسمها شاهباري ،
اغادر نيويورك وجدت صندوق مجوهرات صغير على سريري ،كان بداخله هدية وداع عقد
من ذهب مرصع بالياقوت و قالدة ،ومذكرة تحمل توقيعه هو وزوجته ،ربما كانت قيمة الهدية
كانت هدية خاشقجي للقذافي رداء كشميري من جلد اإلبل تم تطريزه مع اسمه ،تم اختياره
من بيجان ،و هو محل تجاري في الجادة الخامسة مفضل لدى رؤساء الواليات المتحدة ،
ويوصف بأنه " أغلى متجر في العالم " ،كان ثمن الرداء 33222دوالر.
لقد تعاملت بشكل جيد مع خاشقجي ،وقابلته مرات عديدة فيما بعد ،وسيكون في وقت الحق
ضيفًا في كل من حفلتي خطوبتي وزفافي في االردن ،ومع ذلك ،شعرت دائما أن كل ما كان
بدا العقيد سعيدًا جدًا بكليهما ؛ الرداء و شريط التسجيل ،إذن المهمة رقم اثنين تم إنجازها ،
حتى و لو كان عملي كوسيط مبجل بين شخصيتين ،امرا لم اكن أتوقعه عندما وقعت على العقد
مع. LAFICO.
حصل تطور آخر حيث دشنت شركتي الجديدة ،وأطلقت عليها اسم ، Prime Oilفي
5002للتعامل مع بيع النفط الخام الليبي إلى دول البحر األبيض المتوسط ،تم كل شيء بمباركة
القذافي الذي كان سعيدا الرباحي طالما أنني انفذ ما يطلبه مني في المهمات األخرى ،كنت ارسل
حوالي اربع شحنات من النفط شهريا وهى تمثل تقريبا ٪51من إجمالي الصادرات الليبية ،لقد
كانت اوقات في غاية الروعة والحياة هانئة ،لكن هذا كان في طريقه للتغيير.
دعد مع فريق محاميها في قضيتها المرفوعة ضد الوليد بن طالل بخصوص الطائرة المباعة إلى ليبيا و كانت هى وسيط الصفقة
الفصل السادس
كالب الحرب
اختصارات و اقتباسات
– انطلقت على أثر هذا االعالن موجة عنف نتج عنها خمسة وثالثين حالة قتل في اوربا .
– فشلت بعض محاوالت القتل لكن سببت اضرار كحالة طفلين لرجل أعمال ليبي كان تحت
العالج في بريطانيا ،تم اطعامهما بكاكاوية مسممة مما أدى الى إصابتهما بشلل مؤقت.
– كانت هناك محاكمات للمتهمين نتج عنها احكام بعضها و صل الى السجن المؤبد .
– في احدى لقاءاتي الروتينية بالقذافي طلب مني الذهاب الى مكتب احمد رمضان الذي وجدته
في انتظاري ،وبين يديه ملف كبير ،شرح لي رمضان أن موظفي المخابرات الليبية يقولون إن
بريطانيا ال تسمح بزيارة السجناء ،وان المطلوب مني بطريقة ما تفادي هذا الحاجز ،وزيارتهم
– أمام هذا الورطة الثقيلة استنجدت بنعيمة ،فاقترحت حل ،إن اذهب كممثلة لالتحاد النسائي
عن امهات السجناء ،وفعال التقيت باالمهات وغادرت إلى لندن .
-اتصلت بمحامي في لندن ،عمل لي طلب باسمي الى وزارة الداخلية ،وتم منحي االذن
بزيارة هؤالء الرجال .قال لي المحامي ال احد من ليبيا خاطب الداخلية بالخصوص قبل االن ،
-اغلب هؤالء الرجال فرحوا برؤيتي ،ووضعوا في يدي صور ورسائل الى اهلهم مع رسائل
و أشرطة تسجيل للقذافي قالوا فيها أنهم شعروا بأن ليبيا تخلت عنهم .
– سألتهم بشكل شخصي هل أمركم القذافي بتنفيذ التصفيات ،كلهم قالوا ابدا لم نلتقيه ،كانت
-في الدقيقة التال ية بدأ القذافي يصرخ على الهاتف في وجه رجل بائس طالبا أن يعرف كيف
كانوا يكذبون عليه ،هذة اول مرة أرى القذافي يفقد أعصابه ،تبين أن ماليين من الدوالرات
– فساد مثل هذا كان منتشر في ليبيا ،ولكن اكتشفت ايضا أن األشخاص حول القذافي تحولوا
إلى عاجزين بسبب الخوف من الفشل ،كانوا مستعدين لغرس رؤوسهم في الرمال على ان
يعترفوا بأن العمل اكبر من قدراتهم ،أو يكذبون بأن كل شئ يسير على ما يرام ،في بعض
األحيان من الصعب أن تقرر ماذا كان األمر يتعلق بالفساد ،أو عدم الكفاءة ،في قضية السجناء
– بالطبع هناك بعض االشخاص الجيدين ،لكن غالبا وفيما يبدو أن التفاحة الفاسدة لها تأثير
اكبر .
– بالرغم من غضب القذافي إال أنه مرة أخرى كان ممتنا لعملي ،و على قمة نجاحاتي مع
اني روالند وعدنان خاشقجي كنت مقتنعة أنني اكتسبت ثقته الكاملة .
-كانت الحيل القذرة ضدي ال تنتهي ،أعطي مثاال آخر فقط ،رجل يدعى عبد السالم
الزادمة ،كانت له رتبة رفيعة في مكتب المخابرات ،وعد بأن تكون حياتي أسهل إذا أصبحت
عشيقته ،و بذلك كان يعني ضمنا أن حياتي ستكون أكثر صعوبة إذا رفضت ،لم يكن سعيدًا،
عندما تجاهلت هذا التقرب األخرق ،ولم يكن علي االنتظار طويال قبل أن يقوم الزادمة ،
المعروف باعماله القذرة لصالح النظام ،بأخذ الثأر من ازدرائي له ..ذات يوم تم انتزاع جواز
سفري مني في مطار طرابلس بينما كنت أحاول السفر بالطائرة الى وطني األردن ،لم يكن لدي
خيار سوى العودة إلى فندقي ،أبلغت مكتب المخابرات بالحادثة ،وفقًا لإلجراءات المتبعة ،لكن
مضى الوقت ولم يكن هناك اثر لجواز السفر ،لم تكن تلك مشكلة كبيرة حيث يمكنني العمل
ببساطة من غرفتي ،لكنني طلبت في النهاية تدخل القذافي ،تم األمر بالتحقيق ،وأُبلغت أن
الفاعل هو عبدالسالم الزادمة ،بعد ذلك اُخبرت إنه سيحاكم في المحكمة بتهمة السرقة.
بدا لي ذلك غير متناسب تما ًما مع حادثة كنت قد استهجنتها على أساس انها عمل تافه
الغاظتي والنكاية بي ،واقل شأنا من عديد المحاوالت لتقويض موقعي في ليبيا ،تم تداول
القضية على نطاق واسع في ليبيا ألن مجموعة من كبار الشخصيات ،بما في ذلك عبد السالم
جلود وهو رئيس وزراء سابق تم جرهم إلى المحكمة لتقديم األدلة ،جلود الذي أصبح حليفا لي
كان شخصية مثيرة لالهتمام ،كان أحد زمالء القذافي في المدرسة وجزء من ثورة 5060ضد
الملك إدريس .لمدة عشرين عاما ،كان المالزم األكثر ثقة للرئيس ،على الرغم من وجود
الخالف حول اتجاه العالقات مع مصر وتضاءل نفوذه ،لكنه بقي شخصية مهمة في ليبيا ،تحدث
جلود ضد الزادمة في المحكمة ،والنتيجة أنه أدين ،وخفضت رتبته العسكرية ،كانت تلك واحدة
من تلك األوقات التي شعرت فيها بالتأكد من أنني أعرف فقط نصف ما كان يحدث بالفعل وراء
الكواليس في النظام ،الزادمة لم يكن يعاقب لمجرد سرقة جواز سفري ،لقد كان شخصية قوية
ولكن انتهى به األمر إلى اإلذالل عالنية ،ربما كان العقيد متعب من جميع محاوالت طعني
ضا ان يرسل رسالة بأن اُترك لوحدي النطلق في عملي ،ومع ذلك ،فالرجل
بالظهر ،أراد أي ً
الذي اعاد لي في النهاية جواز سفري ،كان عبد هللا السنوسي ،لكنه جاء أيضا معه بتحذير.
استجمعت شجاعتي و أجبته " إذا كان األمر كذلك ،فأنا احتاج أن اسمعه من معمر القذافي
ال اريد أن اعطي االنطباع أن حياتي كلها في ليبيا اصطبغت بالخوف ،هناك ما يمكن التمتع
تعرفت عن طريق نعيمة على حارسات معمر والراهبات الثوريات ،إحداهن كانت في
حضرت العرس في خيمة كبيرة بإحدى احياء طرابلس ،في ذروة الحفل نزل معمر القذافي
من سيارة بيجو 121صالون ال يرافقه اال السائق ،هرب من حراسه لينفذ وعده للفتاة بحضور
عرسها ،وأن يستمتع ببضع دقائق على طبيعته ،بعد حوالي 51دقيقة وصل الحراس اليه
وحوصرت كل المنطقة بالجنود ،بقى القذافي نصف ساعة في الخيمة مستمعا لالهازيج التى
تتغنى باسمه ،ثم اُخد إلى منزل ليلتقط الصورة مع العريسين اللذين لم يباليا أن ال يكونا هما بؤرة
االهتمام .
محاصرا من الناس العاديين ،فشكل حراسه طوق
ً بحلول الوقت الذي غادر فيه القذافي كان
من حوله حتى يتمكن من الوصول إلى سيارته ،فجأة أمسك بذراعي ودفعني بجانبه ،قال
ضاحكا " احمني من جهة اليسار" " ،إنها غير خاضعة للحراسة بشكل صحيح ” .
عندما وصل القذافي الى السيارة نظر إلي وسألني " :هل لديك بندقية؟ " ،لم أحمل واحدة في
حياتي ابدا ،لذلك أجبته " :ال " .ضحك مرة أخرى وقال " :اذن لم أكن محميا على ما يرام؟" .
زواج غريب
ذات يوم اُستدعيت الى مكتب العقيد المألوف عندي اآلن داخل مجمع باب العزيزية " ،أنت
تعرفي عن النفط ،أليس كذلك؟ ” سأل القذافي بتكلف وسلمني ملف أخر ،يتعلق األمر بشركة
سويسرية كانت تتداول بالنفط الليبي ،إلى حد كبير بنفس الطريقة التي اتعامل بها نفسي مع أغلى
مورد طبيعي للبلد من خالل عملي الخاص في شركة ، Prime Oil.في هذا الوقت ،يتم بيع
حوالي 42في المائة من إنتاج ليبيا من خالل سماسرة مثلي ،بينما يذهب الباقي مباشرة إلى
المصافي ،في عام ، 5002كانت ليبيا تنتج 5.4مليون برميل نفط في اليوم والدخل من المبيعات
كان يمول البالد ،بلغت عائدات النفط لليبيا نحو 02مليار دوالر سنويا ،وكانت احتياطياتها هي
األكبر في القارة ،بدون الموارد الطبيعية كانت ليبيا ستظل دولة صحراوية فقيرة .
على الرغم من عدم اهتمامه باألمور اليومية لالقتصاد ،لم يكن القذافي أحمق ،كان قد أمم
صناعة البترول الليبية في عام ، 5014وطرد جميع الشركات الغربية ،من الناحية النظرية ،
كان لديه سيطرة كاملة على النفط ،ومع ذلك ،عندما يتعلق األمر بالمبيعات الخارجية ،يبدو أنه
كان المقصود شركة سويسرية مملوكة لجزائري ومسؤولة عن صفقات نفطية بماليين
الدوالرات ،نهشت الشكوك عقل القذافي ،قال لي ” أريدك أن تتحققي عن الشركة ومعرفة ما إذا
لقد قيل له أن بعض العائدات التي كان ينبغي أن تتدفق عائدة إلى ليبيا ،إلى فرع من الجيش
يبدو في الظاهر أنها قضية بسيطة إلى حد معقول تنجز بمتابعة مسار المال والتحقق ماذا كان
كان واض ًحا ،ستفتح تحقيقاتي علبة الديدان وتزيد من تعميق الخالف بيني وبين جهاز المخابرات
،كما سينتج عنها عرض زواج من رجل لم أقابله من قبل ولتكون واحدة من أكثر الحلقات غرابة
في البداية ،رتبت للقاء المالك الجزائري وشريكه الليبي في المكتب الرئيسي للشركة
السويسرية في جنيف ،اكتشفت أن (الساعدي) كان يديرها رجل يدعى سيد قذاف الدم ،
وتصادف أن يكون ابن عم القذافي ،بدأت أجراس اإلنذار ترن في رأسي بمجرد علمي بالعالقة
األسرية ،ولكن كل ما يمكنني فعله هو المضي قد ًما في تحقيقاتي ،اتضح أن قذاف الدم اُعطي
حصة نفطية بدالً من موازنة من الحكومة ،وكان من المفترض استخدام عائدات المبيعات لتمويل
وصل للقذافي أن ابن عمه كان يخطط لثورة ،وسحب كميات كبيرة من أموال النفط لتمويل
مؤامرته ،قد يبدو هذا بعيد االحتمال وغير قابل للتصديق ،لكن يمكنني أن أؤكد لكم ان القذافي
واجه في عهده الطويل محاوالت عديدة لإلطاحة به من الداخل ،فكانت لديه حاسة شم شديدة
الول نفحة من المتاعب ،ال يعني الوالء العائلي شيء للقذافي ،وال حتى مع أبناءه.
ُزعم أن قذاف الدم كان يحتفظ بالمال الستخدامه الخاص في حساب مصرفي بسويسرا ،لذلك
تحليلي للحسابات في نهاية المطاف أظهر أن كل سنت من عائدات النفط ،التي تصل إلى
022مليون دوالر في الشهر ،كان يعود إلى ليبيا على النحو المستهدف ،لم يستغرق األمر فترة
طويلة إلثبات انه فيما يتعلق بالنفط على االقل فأن قذاف الدم كان رجالً أمينا ً.
أخذت هذا االكتشاف إلى القذافي وأبلغته أن كل شيء كان سليم قانونيا ،وأن الساعدي
ابن عمي هم حاليا في السجن بتهمة االحتيال ،أنت تقولين لي انهم أبرياء؟”
لم أتفاجأ تما ًما من اكتشاف أن األمر كان يتعلق بقضية مذنب حتى تثبت براءته ،خمنت
أنك ال تقبض على زمام السلطة في بلد مثل ليبيا لعقود دون أن تشحد كل حواسك وتنام بنصف
عين مفتوحة ،كان لدي األوراق لدعم النتائج التي توصلت إليها ،وعندما أكدت له أنه يمكن
الوثوق بهم ،التقط جهاز الهاتف ،بعد محادثة قصيرة ،أعطى القذافي األمر " :إطلقوا سراح
ال أستطيع أن أتذكر أنني رأيت العقيد في أي وقت مضى مبتهجا إلى هذا الحد ،قفز من
كرسيه ،شبك يداه على وجهي وقبلني على اعلى جبهتي ،قال لي " لقد جعلتني سعيدا ،لقد انقدتي
في 0أغسطس ، 5002غزا صدام حسين الكويت المجاورة ،مما أدى إلى إطالق حرب
الخليج األولى ،ال أحد يعرف ماذا سينتج عنها أو كيف ستؤثر األعمال العدائية على الدول
االخرى في المنطقة بما في ذلك ليبيا ،على الرغم من حماس القذافي الواضح لالنضمام الى
حضيرة العالم ،إال ان ليبيا كانت الدولة العربية الوحيدة التي دعمت العراق في الغزو ،االمر
أخذت احتياطات السفر إلى لندن ،باحثة عن مالذ في شقتي من حيث اتابع األزمة العالمية
المتزايدة على شبكة سي إن إن ،لقد كان هذا شي جديد يختلف عن سنواتي األولى ،عندما نشأت
في فراغ إعالمي ،فصار االن بامكاني مواكبة التطورات المتالحقة بكل سرعة.
في إحدى األمسيات ،فيما أنا اشاهد التلفزيون ،اخد جرس الهاتف في الرنين ،كان على
الخط اآلخر عامل بدالة بلهجة ليبية قوية ،افترضت أن القذافي كان يحاول جري الى العودة ،
بقيت انتظر خمس عشرة دقيقة حتى تم ربط االتصال ،لم يكن صوت العقيد ،لكن صوت لم
قذاف الدم ،قرأت ملف كتيبة الساعدي الذي أعددته للرئيس ،وأنا أريد أن أشكرك ،وبمعزل عن
اسمي ال أملك شيء ألمنحك اياه ،و أنا ال أعرف ما إذا كنت شابة أم كبيرة ،قبيحة أم جميلة ،
لكنني مدينا لك ،أود أن أعرض عليك الزواج ،أنت أنقذت حياتي ،وهذا ما يمكنني فعله من
عا ،إال أنه كثيرا ما يصر اولياء االمور على حقهم في تزويج
الرغم من أن ذلك أصبح أقل شيو ً
أبناءهم وبناتهم ألبناء عمومتهم ،في وطني ،األردن ،تقام حوالي واحدة من كل خمسة حفالت
زفاف بهذه الطريقة التقليدية ،يأتي الزواج أوالً ،ثم يتبع الحب إذا كنت محظوظة.
أكثر ندرة من ذلك ،لكن لم ينقرض بعد ،هو أن يكون الزواج كوسيلة لرد فضل او دفع دين
مستوجب ،أو بدافع الشرف ،هذا تقليد بدوي ،انهم يملكون عادات معقدة من الوالء واالنتقام
كثيرا ما يقال أن هذا هو سبب زواج القذافي من زوجته الثانية ،صفية ،الممرضة السابقة ،
و كما قلت ،ال يبدو لي أن بينهما توافق في الشخصية ،لكن األسطورة تقول إنه بينما كان يتعالج
من التهاب الزائدة الدودية في المستشفى في عام ، 5012أحبطت هى محاولة تسميمه ،وإلظهار
امتنانه األبدي قدم لها هديته الكبرى ،الزواج ،ال أعرف ما إذا كان هذا صحي ًحا أم ال ،لكنه
ضا إنني كنت مصممة على الطريقة العربية الحديثة للزواج عن طريق الحب ،
وكما قلت أي ً
في كثير من األحيان ال تضيع الكلمات مني ،ولكن ماذا يمكن أن أقول لقذاف الدم ؟ لم أكن
أعرف شيئًا عنه تقريبًا ،بما في ذلك عمره ،و لم اراه من قبل ،حتى اآلن ،و في عصر التوفيق
عبر اإلنترنت ،يمكنك على األقل رؤية صورة قبل االنخراط في عالقة عاطفية!
تمكنت من التلعثم ببعض الكلمات المتسرعة " شكرا لك .إنه لشرف لي ،لكني كنت أقوم
أنهيت المكالمة بأسرع ما يمكن وبأدب ممكن ،وعدته بالتحدث معه مرة أخرى بعد ان
اجمع أفكاري ،بيني وبين نفسي ،كنت آمل أن تكون هذه نهاية األمر ،تعمدت أن ال أجيبه بـ " ال
" ،لكني كنت آمل أن يكشف تحفظي الكثير من الكالم ،كان هذا تكتيك كنت أستخدمه في ايام
عملي المصرفي في الماضي لصد اي تقرب غير مرغوب فيه من الرجال ،كل ما تمنيت هو ان
على الفور اتصلت بنعيمة في ليبيا لتتدخل لصالحي ،ليس عندي نية لقبول عرض قذاف
الدم ،لكن بسبب عالقته العائلية بالقذافي ،كنت قلقة من أن اتسبب في إهانة ،كنت أخشى ان
القذافي سيقفز الى استنتاج خاطئ مفاده اني خططت لهذة العالقة مع ابن عمه لتحسين وضعي
الخاص في ليبيا.
لذلك ناشدت نعيمة " من فضلك قل للرئيس أن ابن عمه يعرض الزواج مني ،و أنني مع ذلك لم
أقابل الرجل قط ،ال أريد أن يعتقد الرئيس أنني اعمل خلف ظهره ،ها قد علقت في الوسط مرة
أخرى.
ربما أصبحت مهاراتي الدبلوماسية رديئة بعض الشيء ،ألن سيد قذاف الدم لم يستوعب
الرسالة ،أو أنه اعتاد أن يأخذ االمور بطريقته الخاصة ،واختار أن يتجاهل رسالتي تما ًما.
خالل األسابيع القليلة التالية كنت محاصرة من قبل الرجل ،بد ًءا من المكالمات الهاتفية اليومية
التي يناشدني فيها الزواج منه ،كان يدفع ويدفع باستمرار في اتجاه الحصول على التزام مني ،
بعد ذلك ،تمكن من الحصول على صورة لي ،واكتشفت الحقًا أنها جاءت من نعيمة التي
اعتقدت أن كل هذا السعي الدؤوب من قبل قذاف الدم كان مجرد مزحة كبيرة.
شعرت قليال باالنتشاء من هذا االطراء لكن في الواقع شعرت أن هذا االهتمام الخانق بي قد
لم أكن بحاجة إلى المزيد من األعداء في الدائرة المقربة من القذافي ،لكن المعجب قرر ان ال
يستسلم ،وقرر ان الطريق إلى قلبي البد أن يمر من خالل اإليماءات الكبيرة.
في فبراير ، 5005نظم لي قذاف الدم مفاجأة ،احتفالية بعيد ميالدي الثالثين في فيال
ديسيزاري ،وهى مطعم إيطالي على نهر التايمز في لندن ،تم ترتيب كل شيء خلف ظهري ،
بمساعدة الشريك التجاري في Prime Oilالذي كان حسن النوايا ،ولكن أساء تقدير وقراءة
مزاجي ،في الوقت الذي اكتشفت فيه ما كان يحدث ،كان أكثر من خمسين ضيفًا تمت دعوتهم ،
بما في ذلك دمحم نجل عدنان خاشقجي ،كان من الصعب أن ارفض الحضور.
حجز قذاف الدم المكان كله ،مالء الغرفة بالبالونات ،وإرسل اثنان من اصدقاءه الطليان
يبدو أنه لم يكن هناك من طريقة لتجنبه حاليا ،كنت ال أزال أعارض قبول عرضه للزواج ،
لكني كنت أشعر بالفضول لمعرفة أي نوع من الرجال ذلك الذي يمر بكل هذه المتاعب ليجتذب
غريبة بعشقه ،ومع ذلك ،سأضطر إلى االنتظار لفترة أطول قليال لمقابلته.
كانت ذروة حرب الخليج و السفر من ليبيا ال يزال صعب ،في عيد ميالدي ،وصلت إلى
فيال دي سيزاري ألجد مكانا شاغرا بجانبي على الطاولة ،والنه لم يكن قادر على السفر إلى
بقدر ما أستمتعت بالليلة ،كان كل شيء سرياليًا إلى حد ما ،كنت على حافة الهاوية اتوقع
ظهوره بعد كل شئ ،لن استغرب من قذاف الدم ان يقفز فجأة خارج التورتة صارخا " هاكم
كانت هديته لي في عيد ميالدي قالدة الماس مذهلة ،ايا كانت فكرتي عن ابن عم القذافي ،
إال أنه فيما يتعلق بالهدايا كان يملك ذوق رفيع .
لقد الحظت أن الحفلة بأكملها كانت مسجلة على كاميرا فيديو ،وبعد ذلك ببضعة أيام اتضح
السبب ،فقد تلقيت اتصاالً من قذاف الدم يصف بالتفصيل كل ما حدث في عيد ميالدي ،أنا
ثم أخذت األمور منعطف غريبًا ،اتصل بي من ليبيا وطلب مني االستماع إلى تسجيل صوتي
كان على وشك تشغيله ،كانت محادثة هاتفية بينه وبين والدي في األردن ،لقد استمعت ،عاجزة
عن الكالم ،و انا اسمع قذاف الدم يطلب يدي رسميا للزواج ،في الغرب هذا التقليد رمزي ،لكنه
في العالم العربي أكثر أهمية ،موافقة والد العروس مهم جدا ،قانونيا يمكن للمرأة أن تتزوج
بدون موافقة والدها ،لكن هناك وصمة عار اجتماعية إذا تزوجت ضد رغبته.
على الرغم من أنني كنت أعلم أن والدي لن يحاول ابدا إجباري على الزواج ،فقد كان هذا
تطورا مقلقًا ،كنت أخشى أنني االن لن أتخلص أبدًا من قذاف الدم ،مع ان والدي كان يملك
الحس السليم لعدم اعطائه جواب ملزم ،كان الرد يتمحور حول انه يحتاج لمعرفة المزيد عن
من ليبيا وصلتني األخبار أن ابن عم القذافي كان يخبر كل أحد أننا مخطوبين ،وبدأ في كتابة
اشعار و اغاني الحب عني ،بدأ األمر في الخروج عن السيطرة ،صار مهووسا بي.
قذاف الدم ،لم يكن أمامي خيار آخر ،لكن طريقتي المباشرة هذة لم تسير حسب الخطة ،منذ
"انظري " قال لي " ابن عمي يعاني من االدمان على المسكنات " ،وذكر نوع من
المخدر ولم يكن اسمه يعنيني في شيء ،ثم مضى القذافي يكشف عن تاريخ قذاف الدم في
االدمان ،االن اصبح واضحا كالشمس سبب فرحة العقيد عندما ساعدت في تنظيف اسم ابن عمه
.
قال لي القذافي أنه قبل سنوات مضت قُبلت سيارة رياضية كهدية تم استالمها من إيطاليا
،لكنه كما علمت ،لم يكن مولعا بالرفاهية فلم يجربها ،السيارة نوع فيراري أو المبورغيني ،
نسيت االن ،بقت مركونة في المجمع حتى كان قذاف الدم أول من أخذ يجربها ،عندما شغل
المحرك اشتغلت النار في السيارة ،فتسببت في إصابات خطيرة ،وفقا للقذافي كان ما حصل
"لذا ،كما ترين ،أشعر بالمسؤولية تجاه ابن عمي قال العقيد ،ثم اضاف "عولج لمدة
بُذلت محاوالت عديدة لفطم قذاف الدم عن المخدرات ،بما في ذلك إرساله إلى مصحة
أضاف القذافي " اسدى لي معروفا " " .ال ترفضي عرضه للزواج على الفور ،لكن اجعلي
احسست بمزيد من المتاعب في انتظاري ،سألته :هل تريدني أن أكذب عليه ؟ ،هز القذافي
كتفيه " :ال تعتبريها كذبة ،فكري في األمر على أنه إنقاذ له ،سيكون هذا عمل جيد ،فقط أدخله
إلى المستشفى ،في وقت الحق ،بعد أن يتعافى ،يمكنك اخبار ابن عمي انك ال ترغبين في
الزواج منه”.
لقد قال القذافي كلمته ،و بذلك فإن رفضي من المحتمل أن يقوض كل شيء عملت بجد على
تحقيقه في ليبيا ،لم أشعر بالراحة على اإلطالق ،ذلك ان حياتي الشخصية يتم التالعب بها اآلن
،لكنني قررت التعامل معها على أنها مجرد مهمة أخرى للعقيد.
على مدار األشهر الستة المقبلة تحدثت بانتظام إلى قذاف الدم عبر الهاتف ،اكتشفت أنه
تزوج وطلّق مرتين ،وله ابنة وولدين ،كان منفت ًحا تما ًما على موضوع إدمانه وتحدثنا عن
أخيرا تقرر ان أقابله ،في فندق ريتشموند في جنيف ،حيث كان يقيم ،واتفقنا على تناول
ً
العشاء معا ،سافرت إلى سويسرا من لندن ،عازمة على الحجز في فندق منفصل في جنيف ،
المهووس بي حتى اآلن ،أخذت خطوة أخرى احتياطية :إقناع القذافي بالسماح لنعيمة بمرافقتي
كانت المشاعر الغالبة هي العصبية ،تخيلت أن هذا هو ما تشعر به العرائس العربيات في
الزيجات المرتبة عندما يلتقين بازوجهم المستقبليين للمرة األولى ،كان االختالف الكبير هنا أنه
لن يكون هناك حفل زفاف ،حتى و لو لم يكن هو يعرف بذلك بعد.
عندما وصلت إلى فندق ريتشموند ،حيث سنتناول العشاء في جناحه الخاص في الطابق
العلوي ،كان قذاف الدم في االنتظار لتحيتي في الممر متى ما خرجت من المصعد ،لمحاتي
األولى كشفت عن رجل طويل ووسيم إلى حد كبير ،بدا أصغر من عمره الفعلي ،كان قد خدم
في الجيش ويظهر ذلك في طلته العسكرية اللطيفة ،عانقني ،مع عدم وجود أي عالمة على
كنت أقل استرخاء بشكل كبير خاصة في حضور جيش صغير من الحراس األمنيين في
الجناح المظلم ،من الواضح أنهم سيبقون في الخلفية طوال مدة تناول وجبتنا األولى .
سيد قذاف الدم مع القذافي
كان برفقته 42شخص من بينهم شقيقه احمد ،وهو كذلك شخصية قوية في ليبيا ،بالرغم
من كل تحفظاتي ،وبينما خرجنا لالكل معا ،وتجاذبنا أطراف الحديث ،بدأت بالشعور بالود
اتجاه هذا الغريب عني ،كان متحمسا في الحديث عن عشقه للشعر ،وبهذا أستنتجت أنه يمتلك
الحظت أنه قدمني كزوجته لموظفي الفندق ،وفي أثناء االكل تكلم عن خططه لزواجنا،
سايرته قائلة لنفسي ،قريبا سيكون هو في المستشفى يعالج ،و انا حرة أغادر ،سهرنا ذلك المساء
انطلقنا في الصباح التالي إلى عيادة متخصصة في مونترو تبعد 12ميل على الجانب
اآلخر لبحيرة جنيف ،في الطريق فجأة طلب قذاف الدم من السائق التوقف ،حدسي االول وانا
" انزلي معي إلى الماء " قالها وهو يتمشى بضع أمتار في اتجاه البحيرة ،مباشرة سحب
قذاف الدم صندوق من الحقن وبدأ في رمي محتوياته إلى عمق البحيرة " ،هذة عالمتي لك بأني
جاد”.
لقد كانت ايماءة أخرى ضخمة تركت انطباع كبير في نفسي ،كنت ممزقة بين والئي
للقذافي وضميري الذي يخبرني أنه ليس من العدل أن اخدع هذا الرجل ،وأن اسمح له بالتفكير
سمح بدخول قذاف الدم قبل أن يطلب الطبيب الحديث معي " انت
بالكاد وصلنا للعيادة حتى ُ
مهمة جدا لمريضي ،لقد قالها بكل وضوح أنه جاء للعالج فقط ليرضيك " و أضاف " يجب أن
هذا ما كنت ال ارغب في سماعه ،كنت أتوقع أن أبقى بضعة أيام في سويسرا لالطمئنان
على دخول قذاف الدم بسالم إلى العيادة ،ثم ارجع الى بيتي في لندن.
سقط قلبي مني عندما أخبرني الطبيب بأن األمر قد يستغرق من شهرين الى ثالثة الستكمال
العالج ،لكن شعرت أن ليس ثمة خيار امامي ،شرطي الوحيد الذي وافق عليه العقيد ،أن تبقى
تلت ذلك فترة شاقة كنا نزور فيها العيادة كل يوم ،ال اعرف نوعية الدواء الذي أُعطي
لقذاف الدم ،لكن بدأ يشبه الجثة ،لقد عانى من عوارض سيئة لالنسحاب من االدمان جعلته
ضعيف ومشوش ،كرهت أن أراه يعاني على هذا النحو ،لكن قلت في نفسي هذا افضل لشفاءه
الحقا ،جعلني قذاف الدم أشعر بالذنب أكثر عندما قبض على معصمي ذات يوم و قال :انظري
الى االلم الذي أنا فيه ،كل هذا الجلك ،بلغت شدة االلم أنه مد يده الى إطار السرير وهوى على
كانت العيادة غالية جدا ومشهورة بنزالؤها من الشخصيات المرموقة والمشاهير ،لكنها بيئة
غير مريحة لشخص من خارج المجموعة مثلي ،كان هناك مرضى يصرخون فوجدت المكان
بعد حوالى شهر كان األطباء سعداء بانه بدا يتعافى ،بدا طبيعيا ،فصرنا معا نقضي
من هذا ،شعرت أن ايامي في سويسرا تسحب إلى نهايتها خاصة بعد أن زاد التوتر بيني وبين
شقيق قذاف الدم الذي كان يعاملني وكأني فرد من موظفيه ،لم يعلم شقيقه باالتفاق بيني وبين
القذافي ،واعتقد انني كنت انوي الزواج من أخيه سيد ،لقد أظهر بعدم االحترام الذي عاملني به
أنه يرفض هذا الزواج ،كما أني اعتقد أيضا بوجود غيرة سياسية اتجاه اخيه ،ربما يالئم احمد
أن ال يتحسن وضع سيد لكون االخير كان مفضال عند القذافي ،على عكس السيد كان االخ اآلخر
يحمل شبه عائلي كبير بالقدافي ،وجدته مثير للتوتر ،و اعلم أن احمد كان متورط بشراء السالح
إلى ليبيا.
لم يتحسن مزاجي الكئيب بمغادرة نعيمة التي تم استدعاؤها إلى ليبيا " ،يكفي من كل هذا "
قلت لنفسي.
بالسر حجزت تذاكر إلى لندن وهربت ،ليس من طبعي أن اتصرف هكذا باإلضافة إلى
المخاطرة بازعاج القذافي ،لكنني لم اعد احتمل األجواء في سويسرا ،واذا حصلت مواجهة مع
القذافي ساقول اني قمت باكثر مما ينبغي ببقائي مدة أكثر من المتفق عليها ،وأن قذاف الدم صار
اخر تصرف لي في سويسرا كان كتابة رسالة إلى قذاف الدم شرحت فيها كل شئ بما في ذلك
اتفاقي مع العقيد ،ومشاكلي مع شقيقه " ،انا اسفة فعلت هذا من أجل شفاءك ،سامحني " ،في
طريقي الى مطار جنيف ،قمت باالنعطاف ،وسلمت الرسالة إلى أحد اطبائه.
اؤمن بأن سيد قذاف الدم عشقني بصدق ،وربما أكثر من الالزم ،و بالرغم من أن هذة
المشاعر القوية لم تكن متبادلة من طرفي ،فقد زادت مودتي و تعاطفي الكبير مع محنته.
سمعت الحقا أنه تقدم باالستقالة من عمله في الجيش حتى يتمكن من الزواج مني ،لدواع
أمنية كان ممنوع على أفراد القوات المسلحة الليبية الزواج من األجانب ،أعتقد أن هذا يظهره
كرجل حقيقي صاحب مبادئ ،ولن اقول كلمة سيئة عنه ،ربما لو التقينا في ظروف مختلفة
لتزوجته ،لكن بهذة الطريقة لن يحصل هذا ابدا ،وفي كل األحوال أعتقد أن القدافي لم يكن
ليسمح به.
في طريق عودتي إلى لندن ،جاهدت على أن أتجاهل ما حصل في سويسرا ،دعوت أن ال
ينتكس قذاف الدم بسبب هروبي عنه ،كنت في غاية القلق أن ال يكون قد الحق بسببي ضررا
لنفسه ،اتصلت بكل من اعرف في ليبيا استقي المعلومات ،واخيرا ،بعد اسبوعين ،سمعت أنه
بحالة جيدة وأنه عاد إلى ليبيا من سويسرا ،وكأنه اصغر من عمره بعشر سنوات ،أحسست
بأمر من القذافي ،وبحسن نوايا ،لم أكن صادقة مع قذاف الدم ،أرجو أن يفهم السبب ..بعدها
بخمس سنوات حصل وأن صادفته في ليبيا ،كان مؤذبا بشكل رائع ،ولكن لم نتناقش فيما حصل
بيننا ،ولم يتم إعادة فتح موضوع الزواج ،أنا سعيدة بالقول إنه لم يصبح ابدا عدوي ،لم يتزوج
مرة أخرى.
نيويورك
كنت في االردن عندما سمعت من التلفزيون خبر تفجير لوكربي في اواخر ديسمبر ،5022
ونظرا لخبرتي في التعامل مع مصاعب القذافي في الخارج ،عرفت أنها مسألة وقت فقط وسيتم
جري إلى التبعات الناتجة عن لوكربي ،في الواقع كانت مسألة ايام فقط .
ّ
– تم اعالمي بأنني سوف اعمل ضمن فريق صغير يتكون من وزير الخارجية عمر
المنتصر ،ووزير المالية دمحم البخاري ،وكان دوري أن أكون بمثابة رحالة لتوضيح موقف ليبيا
وصوال لرفع العقوبات عنها ،وكان التركيز على بريطانيا وامريكا .
– رتبت لقاءات مع أحد أفراد مجموعات الضغط وهو المستشار التجاري " جولدن ويد"
وبعض مساعديه المؤثرين مثل " جيرالداين انمسون " وامريكي اخر يدعى " وليام بوداين " ،
السيد " ويد " كان الرئيس السابق للحزب الجمهوري في كنتاكي ،وقدرت أنه سيكون طريقنا
الى الرئيس جورج بوش ،كما حضر أيضا معنا أحد مستشاري القذافي الموثوق به " جمعة
المعرفي " الذي يرأس مجموعة عسكرية تسمى مجموعة معمر ( لواء حرس معمر بترهونة ) ،
و هو االن يعيش في بريطانيا بعد أن تحصل على اللجوء السياسي فيها .
– في 5000التقينا مع بوداين وويد على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والمصرف
– في الرحلة إلى امريكا عبر تونس ولندن كان الوفد الليبي يحمل حقائب رسمية متشابهة
تحمل مستلزماتهم الشخصية ،واوراق العمل ،قدم لي البخاري واحدة منهن للرحلة ،لم انتبه إال
بعد أن عبرت إلى األمن والجمرك األمريكي إلى أن الحقيبة اثقل منها ،وأنا اصعد بها إلى
الطائرة.
– اكتشف الموظفون األمريكيون أن بالحقيبة مبلغ 0مليون دوالر أنيقة من فئة المئة دوالر .
– نظرت إلى البخاري و قد أنهى إجراءاته للتو ،فنظر إلي بابتسامة عارفة بما تم تدبيره.
– الن الليبيين غير مسموح لهم باستخدام بطاقات االئتمان في امريكا أو تحويل االموال اضطر
الوزير إلى جلب المال( الكاش ) معه ،وتمريره إلى حقيبتي تحفظا من حصول أي مشكل
– سألني الموظف األمريكي لماذا تحملين كل هذا النقد ،أجبته هدية من حبيبي للتسوق في
الجادة الخامسة بنيويورك ،اذا لم يعجبك هذا فسوف اخد طائرة وارجع بها للتسوق في لندن ،رد
قائال :آنستي لن يكون هذا ضروريا ،تحتاجين فقط لالعالن عنه .حاال بعد ختم اوراقك يمكنك
الذهاب للتسوق.
– ضممت الحقيبة لصدري وقلت للبخاري بابتسامة :قانونيا الحقيبة وما فيها ملكي االن .اخد
البخاري الحقيبة ،وقال :لو احتفظت بها كيف سندفع فواتيرنا في امريكا ،كان رجل صاحب
روح مرحة و هادئ وعمل بجد في موضوع لوكربي عكس بعض الليبيين االخرين.
– في اليوم التالي القى البخاري خطاب تصالحي جيد ُكتب بعناية من قبل مجموعة الضغط
عكس الخطابات الغاضبة الرنانة المشهور بها نظام القذافي .غطت الصحف األمريكية الخطاب
و كان يحوي نكتة صغيرة على جورج بوش الذي كان بين الحضور .قدم لنا بعض األمريكيين
التهنئة قائلين لم ندرك فيما قبل أن الليبيين يملكون هذا الحس من الدعابة .
– كانت رحلتنا الى امريكا بداية موفقة وأنها على وشك أن تتحسن كثيرا.
الفصل التاسع
الرئيس بوش
-دائما اشدد على أهمية العالقات باألشخاص المناسبين ألنها تفتح لك اعتي االبواب في
-كنت بصدد استقبال مكالمة من لوسي بيلنسغلي ابنة الملياردير ترامل كرو تلك التي ضمنت
-كرو والد لوسي هو مطور عقاري امريكي كان في ذلك الوقت 5000يقوم بأكبر حملة
تبرعات لصالح الحزب الجمهوري عندما كنت انا في نيويورك مع الوفد الليبي.
-طلبت مني لوسي حضور حفلة والدها للتبرع .قالت "إنها مناسبة جيدة للتعرف على بعض
األشخاص ممن قد يكونوا قادرين على مساعدتكم " .سألتها عن إمكانية حضور وزير المالية
البخاري الحفلة معنا ،ولدهشتي أجابت بنعم .وأضاف زوجها " أن الرئيس بوش سيكون من
-تعرفت على لوسي وزوجها بعدما قدمها لي عضو مجموعة الضغط السياسي جوردن
ويد.
-كانت اإلشكالية أن االجتماع في جنوب شرق داالس وحركة البخاري مقيدة أمنيا بين
-حكينا مع معارفنا االمريكان قالوا إن السلطات ستغض البصر وعليكم أن ال تضيعوا هذا
الفرصة الذهبية ،كان هذا صعب التصديق ،قلت في نفسي :فلنجرب ليس لدينا ما نخسر.
-كان هذا قبل55سبتمبر عندما كان السفر بالطائرة بين الواليات كالسفر بالحافلة ،ركبنا
الضيوف في المنزل الرئيسي ،كنت قد التقيت الملياردير ترامبل كرو لوحدي لمرتين في السابق
-كان مضيفونا قلقون أن يبقى عضو في الحكومة الليبية فى فندق محلي بدون حراسات ،
وايضا قلقون من فكرة أن أحد رجال القذافي يحك بكتفه على كبار شخصيات الحزب الجمهوري
في حفلة تبرع في سنة انتخابات ،لذلك اُبقى األمر بعيدا عن األضواء وكان هذا مناسب لي.
-في المساء كنت اتمتع بغداء في جو رائق مع كرو والبخاري ،بدأ الهاتف في الرنين ،كان
المتصالن هما بينت سكروكروفت مستشار األمن القومي ،وجيمس بيكر رئيس موظفي البيت
األبيض يطلبون معرفة من دعى البخاري للحفل ،كانت رسالتهما باختصار :اخرجوا هذا الرجل
-انفجرت سلسلة من المشاحنات ،إال أن كرو بقى متمسكا بموقفه من بقاء البخاري ،هذا
الملياردير هو أحد اآلباء الروحيين للحزب الجمهوري ،وكان في ذلك الوقت يبلغ من العمر 12
عاما ،أصر على موقفه بإحساس الكرم التكساني الذي يمنعه من طرد ضيف من بيته ،وايضا
بدافع ذلك أن الليبيين لم ّحوا إلى صفقات تجارية اذا رفعت العقوبات .
-في المحصلة تم االتفاق على عدم مغادرة البخاري على شرط أن يبقى في الظل ،وأن ال
-و تم االتفاق أن ارافق أنا عائلة كرو للترحيب بالرئيس بوش في المنتجع على أن يبقى
البخاري في الحديقة حيث الحقا سيلقي بوش حديثا امام كبار الشخصيات.
-وقفت مع عائلة كرو أمام المدخل ووصل الرئيس بوش ،كان المنتجع يرفل باإلثارة
واصطف المدعوون في طابور يحاول كل احد أن يكون في جانب الرئيس ،لم يدر بخلدي اني انا
من سيجذب اإلنتباه حتى قال بوش :دعوني اقف بجانب هذة السيدة الجميلة.
دعد مع الرئيس جورج بوش في منزل ترامل كرو
و قادني بعيدا عن االزدحام ،نحن اآلن نقف في غرفة استقبال ضخمة تطل على الحديقة ،
رمقني بنظرة ،وقال لي " كيف حالك يا آنسة شرعب ،اخبري رئيسك لو انه يرغب في حل
مشاكل لوكربي ،فعليه أن يبدأ مع البريطانيين وليس نحن ،ملك االردن قد يكون وسيط جيد "
-هذا كل ما قاله ،وشعرت منعا الي التباس بالحاجة إلى توضيح نقطة بذاتها ،فسألته من
هو رئيسي .اجاب " القذافي " ،اوصل بوش رسالته بطريقة ودية قصيرة واضحة ،فهمت منها
ان على القذافي أن ال يضيع أمواله بالتركيز على امريكا ،وعليه أن يغير االتجاه إلى بريطانيا .
-في وقتها هنأت نفسي على وصولي إلى بوش ،لكن بعد ذلك أدركت أن كل ما حصل في
ريف تكساس كان مصمم بمهارة من بوش وفريقه ،من المكالمة المفاجئة لحضور الحفل إلى
تسهيل وصول البخاري لمنتجع كرو ،حتى الدردشة القصيرة مع بوش ،و بدون الرغبة في ان
انتقص من قدراتي الشخصية ،اال انني فيما جرى كنت بيدق ،أراد االمريكان تحقيق اختراق في
موضوع لوكربي عارفين بأنهم سيحصلون على الكثير من فتح قناة شبه رسمية للتواصل مع ليبيا
،وعلمت الحقا أن لذى االستخبارات المركزية األمريكية ملف عني ،الشك تم تسليمه لبوش
-التقيت في حفل العشاء مع برينت سكوكروفت مستشار بوش لألمن القومي الذي تحدث عن
إيجاد تنازالت من نوع ما ،وكذلك أبدى اعتذاره عن غارة ،5026لقد كان واضحا أن
الجمهوريين راغبين في حل المشكل الليبي ،وهذا سيكون له وقع الموسيقى على اذن العقيد
القذافي .
-بقينا يومين في المنتجع وأربعة ايام ككل ،ثم عدنا إلى القذافي ،كان مفتتنا وأنا أطلعه على
الصور الملتقطة في منتجع كرو ..قال القذافي " :جيد سنستمر في العمل على لوكربي ،ولكن
مكتب القذافي ،كان العبوس واضحا على وجهه ،لقد ادعى موسى كوسا من مكتب االستخبارات
بغطرسة معهودة بان صورتي مع بوش مفبركة ،وأنه من المستحيل دخولي على رئيس الواليات
-دعمني وزير المالية الذى كان حاضرا معي ،ثم واتتني ضحكة االنتصارعندما نشرت
صحيفة من داالس تغطية للحدث مرفقة بصورتي مع بوش ،رتبت لوصول نسخة الى مكتب
العقيد ليحكم بنفسه على كوسا ،لقد كان واضحا أن مكتب االستخبارات يرغب في إدارة موضوع
لوكربي بطريقته المعوجة دون أن يكون لي ظهور في الصورة ،ما حصل مع السجناء الليبيين
في بريطانيا وابن عم القذافي واالن بوش كان احراجا لهم ،عرفت ان القذافي كان يسخر من
كوسا وزمالءه في االستخبارات صائحا فيهم " كيف تتمكن هذة الفتاة الصغيرة من إنجاز كل هذا
له معاونيه ،كانت طرابلس تغرق في الفساد ،كان الجميع يفكر ان عالقتي الفريدة بالقذافي
جعلت االشياء سهلة المنال بالنسبة لي في ليبيا ،هذا ليس بالكامل صحيح ،بالطبع هو منحني
عمل ،لكن دائما ثمة شخص في الخلفية يحاول ازاحتي ،اما بسبب غيرة أو كراهية ،أو ألنهم
يعتقدون انني جاسوسة الرئيس أو محضيته ،ال شئ يحدث بسالسة بالرغم من انني صادفت
مسؤولين صادقين ومستقيمين مثل سليمان الشحومي المكلف بالشؤون الخارجية في مؤتمر
بعد لقائي بجورج بوش ،كلف القذافي ،عمر المنتصر ،باخد زمام المبادرة في قضية
لوكربي ،لم يكن عندي ثقة بقدرات وزير الخارجية بعد عملي معه في مجموعة لوكربي ،كان
المنتصر رجل ضخم لذا كنت امزح مع القذافي " انت االن عليك حظر جوي ،لو تنتظر هذا
الرجل حتى ينهض من كرسيه ويصل الباب ،سيكون عندك حظر بحري واخر ارضي " .
بالرغم من االزمات التي تحاصر بالده تحت قبضة العقوبات ،لم يتمالك القذافي نفسه من
اعلنت االمم المتحدة ان العقوبات سيتم مراجعتها كل 4شهور ،لكن مع وزير الخارجية
المتثاقل الحركة هذا لم يتغير شئ ،أخبرني القذافي ذات يوم " هل تعرفي يا دعد ان المسؤولين
معي اعتقدوا انني قد اصبت بالجنون ألنهم عندما اخبروني عن تجديد الحظر ،انفجرت في نوبة
خالل هذة الفترة كنت اقضي اغلب وقتي في لندن حيث كنت الزال منهمكة في تجارة النفط
والغاز لصالح الليبيين من خالل شركتي [ برايم اويل] ،لكن اذا نادى الواجب اسافر إلى
ترك البخاري انطباع جيد عند الجمهوريين ،فتمت دعوتنا مرة اخرى إلى منتجع ترامل كرو
هذة المرة سافرنا منفصلين بسبب حضوري حفلة زفاف اختي ريم في االردن ،فوصل
وزير المالية قبلي بيومين ،هذة المناسبة في هذا الوقت كانت واحدة من تخييمات ترامل كرو
الشهيرة ،وهى عبارة عن جلسات سنوية رجالية في منتجعه بين القادة الحكوميين ورجال
االعمال تتضمن جلوسهم حول مواقد نار في الهواء الطلق وركوب الخيل ،لو انك يوما ما
شاهدت الفيلم الهوليودي ستي سليكرز سوف تفهم المقصود ،اجماال الحدث عبارة عن رجال
يتصرفون كأنهم [كاوبوي] رعاة البقر ،يشربون الويسكي وينسجون في االثناء شبكة عالقات
مصلحية بينهم.
كان غير مسموح للمراة بالمشاركة ،لذا بقيت بعيدة ،لم أبق في المنزل بالمنتجع كما حصل
في المرة األولى ،ولكن لوحدي في فندق بينما صار وزير المالية الليبي راعي بقر تكساسي
فخري .
بالنظر إلى القيودات على سفر الوزير في بداية الرحلة االولى ،شدني الفضول الكتشاف
كيف تمكن من الطيران إلى تكساس في اخر لحظة ،اتضح انه تم رفض منحه تصريح دخول (
فيزا ) ،لذلك و ببساطة دخل وخرج من أمريكا بطريقة غير قانونية ،اي بالسيارة من المكسيك ،
شعرت أنه من الحكمة ان اال اطرح مزيد من األسئلة ،لكن أدهشني انها كانت مقامرة خطرة ،
اعرف ان السلطات األمريكية سوف تنظر لألمر بعين السخط لو اكتشفت ان الليبي تم مساعدته
مع مرور الوقت اعتقدت انهم نجوا بفعلتهم ،لكن بعد مضى 4سنوات اعترف هنري
بلنغسلي ( صهر كرو ) بدوره في هذا الخداع ،لقد التقى وزير المالية في فندق في بلدة
ماتامروس المكسيكية على الضفة الجنوبية لنهر ريو جراندي المقابل لتكساس حيث تم تزويد
البخاري بوثائق مزورة ،ومن هناك تسللوا عبر الحدود األمريكية الى بلدة هارلنجين ،ومنها
بعد مواجهته بما يثبت تورطه قال بيلنغسلي" لقد ارتكبت خطأ ،وانني بصدق اتأسف عليه
اآلن " ،ادعى أن الليبي كان هناك لغرض إجراء صفقة ارض يقال ان قيمتها 022مليون
دوالر.
لقد استشعرت وجود االيادي المراوغة لمكتب االستخبارات في تدبير ما يخص الجانب الليبي
في هذة الخطة السرية المشوشة ،والتي كان من الممكن أن تعرض للخطر كل المفاوضات
الحساسة والدقيقة التى تجري حول لوكربي ،شعرت في بعض الوقت بأني على وشك تمزيق
شعري ،لكن ماذا أفعل وهذة بالضبط الطريقة التي تعمل بها ليبيا ،دائما النظر إلى حلول سريعة
عضوي جماعة الضغط ويد و بوداين ،انتهى األمر بهما إلى وضعهما في سجالت الجريمة ،اما
بوداين الذي كان جزء من مؤامرة تهريب البخاري إلى أمريكا فقد حكم عليه ب 05شهر في
السجن.
بحد علمي لم تنجح صفقة االرض وخسر بوش لصالح كلنتون ،وبذلك تغير انتباه الليبيين
نحو الديمقراطيين.
ثمة حاشية على هامش هاتين الرحلتين المهمتين إلى أمريكا ،ليس من عادتي جمع التذكارات
الزواج
_ كنت في رحلة بالطائرة من لندن إلى تكساس للقاء وزير المالية الليبي ،كان من بين
الركاب شخص واحد اشتبهت في كونه عربيا ،كان طويل وسيم .
_ طلبت من المضيفة شريط فيديو لتمضية الوقت ،فرجعت تقول ان شخص آخر قد سبقها
ي أخده فشكرته
عليه ،لقد كان الوسيم العربي ذاته الذي ما ان سمع حديثنا حتى عرض عل ّ
_ مع اعالن الوصول ولجت الى حمام الطائرة ارتديت بدلة بدال عن مالبسي الرياضية
الفضفاضة وعدلت مكياجي استعدادا للقاء البخارى في المطار ،الحظ السيد الوسيم التغير فرماني
_ وصلنا صالة المطار وعند الحزام الناقل لالمتعة اقترب مني متحدثا بالعربي ،سألته كيف
عرفت اني عربية ،فأجاب " ال يبدو انك فرنسية وعلى قالدتك نقوش عربية و ضحك ".
_ في انتظار وصول الحقائب تحدثنا قليال وقدمت من جانبي تفاصيل قليلة غامضة عن
الغرض من الزيارة وارتباطاتي الليبية ،وانا اغادر ناولته بطاقة العمل التجاري الشخصية.
_ في فندق بداالس اتصل بي ،سألته :كيف تعرفت على مكان إقامتي ،فأجاب :اخدت اسمك
من البطاقة واتصلت بأفضل فنادق داالس حتى عثرت عليك .
_ قال لي احتاج الحديث معك عاجال وحدد مكان اللقاء ؛ مطار حقل الحب في إحدى ضواحى
- 7مختصرات
_ دون ان اخبر البخارى بالسبب ،اخدت الليموزين الخاصة به للرحلة إلى مطار حقل
الحب الذي يبعد 8أميال ،وصلت في الموعد فشاهدت الرجل اللغز يهبط من قمرة القيادة لطائرة
_ قدم نفسه :عبدالحكيم العالوي ،رجل أعمال سعودي عاش في أمريكا ،زوجته الثانية
أمريكية على طريق الطالق وله منها اربعة اطفال ،كانت الطائرة الصغيرة التي نزل منها
خاصته .
_ مازلت غير متأثرة بما يقول ،قاطعته سائلة عن مبتغاه فأجاب الزواج منك ،قلت له دعني
أفكر ،ذلك فقط للتخلص من احراج اللحظة ،كان ما يهمين على تفكيري هو اللقاء المرتقب بين
البخاري و كرو لذا حذفت طلبه للزواج من دائرة اهتمامي على االقل في هذا الوقت.
_ بعد عودتي إلى لندن وجدت الممر مزدحم بباقات الزهور المرسلة منه.
_ بعد يومين اتضح األمر ،رن جرس الشقة وكان على الباب عبدالحكيم العالوي ،تناولنا
_ كنا بنفس العمر 13سنة ،هو حسن التعليم درس في امريكا ويتحدث اإلنجليزية بطالقة
وافكاره متحررة ،علمت انه كان طيار مقاتل فى سالح الجو السعودي ،ثم أنشأ شركته الخاصة
_ قال انه وقع في غرامي لما راني وانا اسرع الخطى بمالبسي الرياضية الفضفاضة نحو
_ بعد أيام قليلة في فندق المهاري في طرابلس استقبلت مكالمة نادرة من والدي يخبرني ان
اخبرت والدي الذي اعجب بعبدالحكيم ان يتقصى عنه من معارفه في السعودية ،قال والدي
" وعلى كل حال شرحت له أن عليه أن يتحصل على موافقة القذافي ،ايضا ألنه بمثابة االب
الروحي لك ".
_بات العالوي االن على معرفة كاملة بروابطي القوية بليبيا والقذافي واني اعتمد على
رعاية مميزة من العقيد فى الجزء الكبير من دخلي من خالل العموالت على صفقات النفط ،فى
_ رغم انجذابي له قررت اال يكون زواجي منه فقط بسبب نزوة قد تؤدي الى طردي من
العمل مع القذافي ،كانت نظرتي للزواج نفعية ،ذلك اني كنت مدركة أن مستقبلي بالكمال والتمام
_ قررت أن يصحبني العالوي في زيارتي المقبلة الى ليبيا لمقابلة القذافي في مخيمه
_ كان من بين الخيام كرافان صغير يفضل القذافي النوم فيه على النوم تحت قماش الخيمة
عرفت القذافي بالعالوي ،تصافحا وبقيا بمفردهما في الخيمة حوالي نصف ساعة ،كنت انا
_ ّ
فيها أتمشى مع نعيمة تحت الشمس الحارقة في صحراء المخيم ،اخمن معها دون نتيجة كيف
_ وصلنا الخبر ان القذافي وافق على الرجل ،شعرت بدفقة حماس واثارة أثر سماعي
جلسنا اربعتنا في الخيمة نتحدث ونشرب القهوة ،كانت موافقته بالنسبة لي أهم من موافقة
ابي ،و أعتقد أن القذافي كان صادقا في ان اكون سعيدة وان أحظى برجل جيد.
_ علمت الحقا ان القذافي حقق معه لمعرفة المزيد عن خلفيته حتى ال تصدعه الحقا أي
_ و في ليبيا اخبرت زوج المستقبل عن عرض سابق للزواج من سيد قذاف الدم حتى ال يلقى
هذا الموضوع بظالل من الريبة بيننا ،تفهم هو الموضوع ،واقر انني فيه غير ُمالمة.
_ في يناير 3991أقمنا حفلة خطوبة باذخة في فندق الميردان بعمان حضرها ضيوف من
بقاع العالم من بينهم خاشقجي ولوسي بنت ترامل كرو ،اما حفل الزفاف فقد كان في فندق
_ كان فستان زفافي بديله الطويل والمزين بضفيرة ذهبية وآللئ ،يضاهي الفستان الذي
ارتدته الليدي ديانا في حفل زواجها من األمير تشارلز ،صممته تينا جرين ،التي كان لديها
_ هدية زوجي الرتديه يوم زفافنا ،كان عقدًا من األلماس بقيمة 022222دوالر أمريكي
من الصائغ اللندني ديفيد موريس ،بينما كلف تاجي المصنوع من اللؤلؤ 52222دوالر أخرى
،كان من الممتع أن أحضر التجهيزات مع والدتي التي قدمت من األردن ،كانت مفارش المائدة
من محالت هارودز مع حلقات مناديل منقوشة ،ليحتفظ بها الضيوف كتذكار ،مصنوعة من
_ أقمنا بعد العرس في لندن فترة قصيرة و فجأة اصر العالوي ان نعود للعيش في السعودية
،كانت الحياة في الرياض مملة ومقيدة للحرية بسبب الشرطة الدينية والتقاليد االجتماعية ،لطفت
هذة األجواء الكئيبة عالقتي باألميرة حصة الزوجة األردنية لولي العهد األمير عبدهللا التي
_ سافرت إلى األردن إلنجاب مولودي األول " نور " تحت رعاية االسرة ،وسافرت بها
إلى لندن عندما وصلت عمر الشهرين لتبقى تحت رعاية ممرضة خاصة.
_ كانت إقامتنا هناك قصيرة ،كانت نية عبدالحكيم العيش في السعودية ،كنت ارجو ان
يكون وصول بنتنا هو الضامن لسعادتنا ،نحن االن اسرة صغيرة ،لكن من هناك ارى ان غيوم
الطالق
_ رافقني زوجي الجديد في زيارتي إلي ليبيا وكانت الرحلة بمثابة مهمة استكشافية ،كارثية
_ حاولت أن أبقى على التواصل باصدقائي وعالقاتي التجارية في ليبيا ،فقد كنت مدركة
لضرورة ان اكون حاضرة في عين المكان ،لم اعد ارى العقيد أو اتكلم معه ،وخشيت صدق
_ بالنظر إلى ما حصل في الزيارة ،كان ينبغي أن اسافر إلى طرابلس لوحدي كالمعتاد ،
غير أن زوجي كان متحمسا الن يتبعني فقلت " ولماذا ال ".
_ قبل الزواج كان زوجي يبدو متحمسا الستمرار عملي مع النظام ،لكن بالنظر إلى الوراء
أعتقد أن الغيرة اشتعلت في قلبه حيال مكانتي هناك ،لم تكن زيارته سياحية وال لغرض تجاري ،
بل أراد أن يبقى عيناه علي تحركاتي ،األمر الذي سبب لي كل أنواع المشاكل في ليبيا ،ألنه
_ كانت طرابلس ترى في السعودية عدو لعالقتها الحميمية بامريكا ،ولك ان تتخيل كيف
سيفسر حضور زوجي السعودي في تلك االجتماعات الحساسة ،كان الليبيون محقون ان ال يثقوا
به على أسرار دولتهم ،و يبدو أنه لم يفهم كم اخد األمر مني الستمتع بهذة الثقة التي بنيتها عبر
سنوات ،طيلة الخمس ايام التي قضيناها هناك كانت المشكلة تأتي وراء األخرى ،وتزيد التوتر
بيننا.
_ كان يستخدم العقيد كعصا يجلدني بها مجازيا ،وكان يحضر اسمه كلما نشب بيننا خالف
ويقول بنبرة هازئة " ال تظني ان بمعرفتك للقائد الكبير يمكن أن تفعلي ما تشائين " ،أعتقد أن
زوجي كان خائف بعض الشي من القذافي ،كشف لي في أحد األيام عن بعض مما حصل معه
- 8مختصرات
في خيمة القذافي قبل زواجنا ،قال عبدالحكيم " أخبرني القذافي ،انت ستتزوج ابنتي ،لو
جاءتني يوما ما بدمعة واحدة في عينها بسببك ،سأحضرك إلى ليبيا في صناديق".
_ ال أعتقد لدقيقة واحدة ان القذافي كان جادا في تهديده ،لكن هذا جعلني ارجع بالذاكرة إلى
مقابلة شهيرة لألميرة ديانا مع البي بي سي في عام ، 3995نفس الوقت الذى كان فيه زواجي
يتفكك ،قالت ديانا " حسنا ،هناك ثالثتنا في هذا الزواج ،لذلك فهو مزدحم قليال " ،في إشارة
إلى كاميليا باركر باولز التي كانت في ذلك الوقت عشيقة االمير تشارلز .
_ لم يتهمني زوجي مطلقا بأني عشيقة القذافي ،لكن شخصية العقيد الكبيرة ظلت تقتحم
زواجنا ،ولم يستطع عبدالحكيم تحمل هذا ،لم تكن الغيرة الجنسية ،بل الحسد من عالقاتي
_ كان زوجي رجال طيبا في البيت ،اما خارجه فبدل أن يدعمني أراد لي الفشل ،كان
أحيانا يتصرف بشكل عصري ومتحضر ،كما تعرفت عليه اول مرة ،وأحيانا كبدوي لم يغادر
_ في السنة األولى لزواجنا فكرت انني أقدمت على خطأ فظيع ،لكن صارت االن بيننا
طفلة ،باإلضافة إلى شخصيتي غير المتقبلة للهروب واالعتراف بالفشل دون الوقوف للمواجهة
،لهذا اتخدت قرار بالغ األهمية من أجل طفلتي وزوجي ،قررت التراجع عن ليبيا والقذافي مهما
طالت المدة ،حاولت أن اصبح امراة تقليدية في بيتها ،إجراء اخر ان اقفل شركتي للصرافة
_ لم اكن أتحدث مع القذافي في هذة الفترة الصعبة ،لكن حارسته ،صديقتي نعيمة ،كانت
ي ان افعل ما
تطلعه على ما يحدث اوال باول ،وصلت منه الرسالة انه يتفهم ما يجري وان عل ّ
منزل والديه ،النه لم يرغب ان يري اخيه وجه زوجته مكشوفا ،في حين كان سعيدا ان يرى
وجهي عاريا ،وفي أحد األيام فقدت اتزاني و صرخت في وجهه " انت منافق " ،اما الضربة
الموجعة فكانت عندما اكتشفت ان عبدالحكيم حاول أن ينشيء عالقة غرامية مع سكرتيرته ،قلل
هو من أهمية ما جرى ،وكأنني انا المالمة كوني زوجة غير كاملة االوصاف في نظره.
_ كان االبتعاد الوحيد عن متاعب الزواج هو انهماكي في التقاضي ضد رجل األعمال اسامة
السلفيتي ،كان مدين لي بعمولة قدرها 2مليون دوالر ،وكنت قد ساعدته في الحصول على
_ جاءت ليبيا مرة أخرى في طريقي بشكل غير متوقع ،فقد دعى القذافي زوجي إلى سرت
للمساعدة في التوسط في مسألة تافهة مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى انجي فيليكس باتسيه ،
_ كانت هذة الزيارة هى المسمار األخير في نعش عالقتنا ،فقد اتصل بي زوجي غاضبا
وانا في الرياض ،ان من استقبله في المطار كان سيد قذاف الدم ال غير ،كان على القذافي ان
يرسل أي شخص أخر ،لكن طريقته في المزاح اوحت له ان يرسل ابن عمه الرجل الذي أراد
الزواج مني الستقبال من هو زوجي حاليا ،كان عبدالحكيم المسكين حانقا شارحا ما حصل على
لم يكن تصرف لطيف من القذافي ،وأعتقد أنه كان يحاول أن يظهر لزوجي انه اذا ما خيب
بالنظر االن إلى الخلف ،ادركت أن القذافي كان يعرف عن أحوال زواجي أكثر مما كنت
اتصور.
_ منتصف 3991اصيبت امي بسكتة قلبية واصبحت في حالة غيبوبة ،قدمت لي
األميرة عبير طائرة االسرة الملكية الخاصة للسفر الى االردن ،وتطوعت لالهتمام بطفلتي ،
لحق بي زوجي وطفلتي بعد بضعة أيام ،وقفل زوجي عائدا إلى السعودية بعد أسبوعين ،بقيت
مع امي 1شهور ،وكان من المتفق عليه ان يزورنا زوجي مرتين في الشهر ،ما لم تمنع
ظروف عمله.
_ توقعت بسذاجة ان ما حصل سيحسن األوضاع بيننا ،الى ان تفاجأت بمكالمة هاتفية منه "
لقد اخدت وقت كاف هناك ،اذا لم تعودي إلى البيت فأنت طالق " اجبته " ماذا لو رجعت إلى
قال ببرود" ليس هذا من شأني ،انت بعيدة لستة شهور االن " ،بالكاد احتويت غضبي
وأجبت بحدة " ال أهتم و لو كانت ست سنوات ،لن أترك امي ،طلقني اذا شئت ،و هذا ما أريده
_ في الصباح انطلق جهاز الفاكس في مكتب ابي يئز وهو يقذف باوراق الطالق.
لم يزر طليقي ابنته لمدة 32عام ،ودفعت لوحدي مصاريف دراستها الخاصة في
لم استبعد الزواج مرة ثانية لكنني ،لم أفعلها ،ولو فعلت فلن يكون سعودي.
_ مع ال وقت وجدت طريقة للتصالح مع زوجي السابق عبدالحكيم البدر التميمي الذي صار
رئيس اإلدارة العامة للطيران المدني في السعودية برتبة وزير بين عامي ، 2239 -2230االن
عندما يأتي لزيارة ابنتنا فإننا نجلس على مائدة العشاء معا في اجواء ودية.
_ عندما تحقق الطالق عام ، 3990أصبحت امراة مستقلة وحرة من جديد لالنطالق في
مشوار حياتي ،حينها تحول انتباهي إلى مكان واحد في الكوكب متأكدة انه سيخلص دماغي من
زوجي الغيور وطالقي الفوضوي ،لقد قررت انه بعد ثالث سنوات طويلة انا راجعة إلى ليبيا
كبنت ضالة.
_ كنت على تواصل مع نعيمة عندما انهار زواجي وزارتني في األردن ولندن ،لذا ال
زلت احتفظ بالصالت االجتماعية ،في المقابل ،كل أرتباطاتي التجارية مع ليبيا كانت قد
انقطعت.
_كانت ثمة تقارير عن الفقر في ليبيا بسبب العقوبات ،وارتفاع كبير في نسبة التضخم ،
_ فوق كل هذا لم يكن عندي فكرة ما اذا كان العقيد سيرحب بوجودي في حظيرة المقربين
منه بعد هذة الفجوة الطويلة ،يرغب الجميع في االعتقاد انهم غير قابلين لالستغناء عنهم في
مواقع اعمالهم ،لكن هذا نادرا مايكون صحيح ،فهل انا حرقت جسوري؟.
عبدالحكيم التميمي زوج دعد السابق رئيس مجلس إدارة هيئة الطيران المدني في السعودية بين عامي 2239-2230
في شقته
الفصل الثاني عشر
االشاعات
اخدت سيارة الليموزين تتهادى في شوارع طرابلس في طريقها إلى مجمع العقيد ،حدقت من
نافذتها نحو المناظر المألوفة والمشاهد اليومية للشوارع ،على الفور شعرت بكامل احساسي انني
ظاهريا لم يتغير الكثير ،في مدينة عصرية مفعمة بالحيوية ،يتوقع المرء بعد غياب ثالث
سنوات أن يشاهد مبان لمكاتب جديدة وانيقة وفنادق تزدهر ،لكن بقى خط االفق على حاله ،لم
أرى أي دليل على أعمال بناء ،وبنظرة اقرب كان ثمة شعور باالرهاق يجثم على المدينة حيث
يهيم الرجال بتكاسل وشرود على نواصي الشوارع ،عندما امعنت النظر في محالت المدينة التي
كانت يوما ما صاخبة ،كل ما لمحته كان صفوف فوق صفوف من االرفف الفارغة.
لم تكن ليبيا بالضبط تتضور جوعا ،لكن كان واضحا من هذة المالمح ان العقوبات كانت
تضرب بشدة ،كان أكثر ما يقلقني هو كيف سيؤثر هذا على مزاج العقيد ،لقد اثار في السابق
ضجة لها وجاهتها حول جهودي الفاشلة في انقاد زواجي ثم عاد لعمله كالمعتاد ،ومع هذا مازلت
اخشى انه سيعتبرني منشقة ،وشخص آخر يضاف الى القائمة الطويلة لألشخاص الذين ال يمكن
بعد رحلة اليومين للوصول إلى ليبيا عبر تونس ،كنت متوقعة استقبال بارد ،أو وابل من
ما كان ينبغي لي ان اقلق كل هذا القلق ،فقد استقبلني القذافي بمصافحة دافئة و قهوة " .دعد
،كيف حالك " ،سألني كما لو اني غائبة عنه أسابيع قليلة ،وهذا يعني منذ البداية انه ال يعتبر
ينبغي أن اكون ممتنة له أكثر ،فما ان سألني " ما مشكلتك ،لماذا انت مهمومة " حتى انهالت
انتظر القذافي حتى انهيت كالمي ثم صفق وقال " هذا افضل قرار اتخدته في حياتك ،هذا
الرجل ال يستحقك " ،ومنذ ذلك الوقت ،لم يعد اسم زوجي يذكر بتاتا ،وفيما يتعلق بالعقيد عادت
عالقة العمل معه إلى سابق عهدها ،قال" اذهبي إلى الشركة الليبية لالستثمارات األجنبية ،وقعي
تمتمت بادعية امتنان صامتة ،وأعتقد أن العقيد نفسه كان ممتنا ان اكون في القرب مرة
اخرى ،مثل امتناني لهذا االستقبال الحماسي ،لقد كنت امثل االستقرار والمقاربة الهادئة ،بينما
كان االخرون من حوله في حالة دائمة من التقلب ،ولكي يثبت هذا فعال ال قوال ،فقد حل مشكلة
كانت تؤرقني الليالي ،أثناء زواجي كنت معتمدة ماليا على زوجي ،والقلها بصراحة ،فقد
تركني ام لطفلة ومفلسة تقريبا ،كان هناك قرض لسداده على شقتي في لندن ،والذي كان طليقي
يرفض الوفاء به كنوع من االستعراض المثير للشفقة ،انه مازال المسيطر على حياتي ،لقد كان
مصمم ان يبقيني مفلسة ،و في ذلك الوقت كنت ال أطيق الذهاب إلى المحاكم من أجل مصاريف
الفرج الذي جاء بعودتي مجددا إلى العمل التجاري في ليبيا ،جاء مصبوغا بقلق ان األموال
السائلة التي كسبتها من العموالت على الصفقات التي رتبتها لن تكون في حسابي المصرفي اال
بعد فترة طويلة ،كانت الحكومة الليبية مدينة لي بمبلغ 1مليون دوالر عن كل صفقات النفط ،
ولكن كنت اعرف ان االمر قد يأخد شهور ان لم يكن سنوات لتسوية الفواتير ،وستكون هناك
مساومات حول المبلغ المستحق بالضبط ،هكذا كانت تجري االمور في ليبيا.
طرحت هذا االمر على القذافي فقال " ال تقلقي سنسوي هذا الموضوع " ،قليل من التوقيعات
لقد كان كذلك عرفانا بانني لم اطلب من ليبيا ثمن أي من المهام الخاصة ،مثل زيارتي الى
السجناء في بريطانيا ،وفتحي لقنوات مع إدارة بوش ،كل هذا الذي فعلته كان مجانا ،فقط
لقد تحصلت على أموال جيدة من ليبيا على صفقاتي االخرى ،فما الحاجة إلى ان أطمع
أكثر.
بتدخل القذافي اخدت الـ 1مليون دوالر طريقها حاال نحوي من مصرف ليبيا المركزي ،
_ كنت قد أشرت عديد المرات إلى العالقة الخاصة التي ربطتني بالعقيد ،عرفت وقتها ان
بعض الناس ظنوا أن العالقة كانت تنتهي إلى الفراش ،نادرا ما كانت تقال في وجهي ،لكن
سمعت من خالل نعيمة ان بعض الناس افترضوا ببساطة انني البد أن اكون إحدى عشيقات
" ماذا تعملين لتجعلي الرئيس مهتما بك إلى هذا الحد؟ " يسألني أحدهم مع غمزة عين " ما
_ استطيع ان أتفهم بشكل كامل السبب وراء هذا الكم من اإلشاعات ،ذلك ألنه حماني من
مكتب االستخبارات ،ووفر لي جناح فندقي جميل في كل مرة زرت فيها ليبيا ،ووضع تحت
تصرفي سيارتين رسميتين ،يبدو أن هذة المعاملة فسرت على انني عشيقته ،لذلك ال غرابة في
خبرت كل أحد يهتم باالستماع :القذافي يمكنه الحصول على أي امرأة جميلة يرغبها ،
عالقتي به ليست كذلك ،لو انها كانت فقط عالقة غرامية ،فأنها كانت ستنتهي خالل سنة أو
استطيع قوله إنني لو كنت حقا عشيقة القذافي ،لما كان بإمكاني االستمرار في ليبيا لمدة 22عاما
،الصحيح ان ه كان يبحث عن شئ اخر في شخصيتي لم يجده في الليبيين من حوله ،في شخصي
،وجد امراة تتصدى ألي تحد ،وتنجز ما تعد به ،وعلى عكس الكثيرين في دائرته المقربة لم
أكذب عليه مطلقا ،كذلك فإن جواز سفري األردني كان مورد كبير عندما كانت ليبيا دولة مارقة
،في النهاية تعبت و انا أنكر كل هذة اإلشاعات عن العالقة فاحاول تحويلها إلى نكثة ،لم استطع
الفوز حقا ،لكن لو ان أحدهم أدلى بمالحظة ،فإن ردي يكون " ليتها كانت حقيقة ".
_ زيارتي الى ليبيا بعد الطالق كانت األطول حتى هذا اليوم ،دامت 1شهور اعدت فيها
_ كان هناك تضحية شخصية من جانبي حيث اني تركت طفلتي نور وعمرها سنتان
ونصف مع اختي لندا في األردن ،و بدون تجميل للكالم ،لدي فواتير بحاجة للدفع ،ليبيا كانت
بالنسبة لي أملي األفضل في إعادة مسار حياتي الى وضعه الصحيح .
_ في تلك الزيارة اجتمعت بعد فراق مع ابن عم القذافي سيد قال الدم ،سمعت بمرضه فزرته
في المستشفى ،كان ينام شاحبا على السرير ،وما ان راني حتى عبرت ابتسامة شفتيه ،و قال"
ال يمكن ان يكون هذا حقيقي ،هل هذة دعد حقا ؟ ،اقرصيني ألتأكد انني صاح ال احلم " ،بعد
أن تحدثنا وتفاهمنا حول عن ما حصل في سويسرا ،اخبرني برصانة " أريدك أن تعرفي انك
كلما زرتي ليبيا كنت دائما ارتب لبقاء رجالي في الدور الذي تقيمين فيه لغرض حمايتك ".
_ خالل مدة الستة شهور في ليبيا دفعت المستحقات المتأخرة على قرض شقتي في لندن ،
_ عدت للعمل مع الشركة الليبية لالستثمارات االجنبية ،لقد انتزعت اتفاقيات لليبيا لتستثمر
في سلسلة فنادق في األردن فتتحكم في ، %35ومن خاللي أشترت ليبيا حصص في عدة
مصارف اردنية ،اجماال ،بعد عودتي إلى ليبيا بعد الطالق في ، 3990اقدر انه كان لي دور في
صفقات بقيمة اكثر من مليار دوالر ،و كذلك اسست شركة استشارية جديدة اسميتها ( ترانس
كان هناك الكثير من الخطوات الصغيرة في اتجاه انهاء العقوبات ،واحدة من _
اإلسهامات التي قمت بها كان في تسهيل الطريق الى المجلة األمريكية المرموقة ناشينوال
جيغرافك الرسال احد كتابها إلى ليبيا ،واقنعت القذافي بمقابلته ،أعجب بعد ذلك بتقرير المجلة
_ رجال النظام الذين اوصلوا مشكلة لوكربي الى خط النهاية هم :موسى كوسا ،دمحم الزوي
،عبدالعاطي العبيدي ،على عكس كوسا غير الجدير بالثقة ،خدم االثنان بالدهما بنكران ذات ،
و بدون اهتمام بجيوبهم ،مثل العديد من حولهم ،بعد كل لقاء لهم في لندن كانت التعليمات ان
يطلعوني عن التقدم الحاصل ،لقد كنت اعمل بجد ونشاط في الخلفية لعدة شهور ،في ترقب لهذا
اليوم التاريخي لليبيا ( تعليق العقوبات ) ،والذي كنت اعرف انه قريب.
_ كان هاتفي خط ساخن ،حتى قبل تعليق العقوبات ،كنت مستعدة لتحرير العقود مع
وااللكترونيات.
كانت سياستي تتمثل في التركيز على شركات قليلة جيدة ،والعمل معهم بقوة ،وكيلة لهم في
ليبيا.
دعد شرعب في مكتبها وفي الخلفية صورة صديقتها الليبية نعيمة الصغير
دعد في إحدى المقابالت الصحفية
الفصل الثالث عشر
على الطريق
_ بعد تعليق العقوبات صمم القذافي على تغيير صورة بلده في الخارج ،قل عنه ما شئت ،
لكن القذافي كان صاحب شخصية جذابة ويثير دائما قدر كبير من الفضول و االنتباه ،بعد أن نُبذ
سنوات ،صار عليه طلب ،كأنه اخر نجوم البوب ،وكان تحت النقاش مسالة تخطيط رحلة
الرضاءه .
_ في هذة االثناء ،تلقيت مكالمة من احد معارفي في مكتب الحكومة األردنية طالبين ان
_ يطيب لي االعتقاد أنني فهمت ما الذي يؤثر في تصرفات العقيد القذافي ،وادركت بسرعة
انك اذا اردت منه فعل اى شئ ،فاالمر يتعلق بطريقة مفاتحته بما تريد ،ال أدعي اني كنت
االعبه على أصبعي الصغير ،و لكن معي غالبا كان يقول نعم اكثر من ال ،و في الحقيقة ،
أدركت انه ال يقول ( ال ) مباشرة ،بل يقولها على هذا النحو " احتاج وقت للتفكير بالمسألة " .
فيما يخص رحلة األردن كنت بسهولة استطيع الدخول فجاة إلى مكتبه و اخبره " يجب أن
تذهب إلى عمان ،هذا في صالح االقتصاد " ،لكنني تعلمت أن اسلك طريق غير مباشر ،فأبدا
كالتالي " انت تعرف ان صورتك معلقة على حائط مكتبي في األردن ،كان شقيقي هناك ذات
مرة وسأل من هذا ؟ ،هل تصدق انه لم يتعرف عليك ،سيكون من الجيد ان يتعرف عليك الجيل
الجديد في األردن ،وربما ينبغي أن ترتب هذة الزيارة ،الن هناك كثير من الفلسطينين يعيشون
هناك ،وسيكونون مبتهجين لرؤيتك " ،كما لو ان جرس رن في رأس القذافي أجابني " نعم ،
_شاركتكم هذا الحوار الوضح للمتشككين ان ما يطلق عليه ( سلطتي الخاصة على القذافي)
لم تكن جنسية ،فباإلضافة إلى الثقة التي بنيتها ،كانت قدرتي على الولوج إلى عقله ،لذلك في
المراسم باألسئلة عن ما يحب وما اليحب ،ونوعية البرامج التي ينبغي ترتيبها له ،اعرف ان
القذافي مهتم بحقوق المراة ،لهذا اقترحت لقاء مع اتحاد نساء األردن ،باإلضافة إلى المحادثات
ايضا سؤال عن وجباته الغدائية والتي كانت بسيطة جدا ،كان خفيف االكل ،يبدأ يومه
بتناول حليب اإلبل والتمر ،واكل نباتي في الغداء ،كما أنه يشتهي المكرونة الليبية ،في باكر
المساء ،ربما يأكل اللحم المشوي ،يصوم االثنين والخميس ألسباب دينية ،يصلي خمس اوقات
في اليوم ،مطلقا لم اراه يحتسي الخمر الذي منعه بعد وصوله إلى السلطة في ، 3919بعد وفاته
،انطلقت كل أنواع االدعاءات عن كونه مدمن كوكايين ،مطلقا لم أر أي دليل على تعاطي
المخدرات ،على العكس كان حريص جدا على صحته ،كان يملك الة المشي في مجمعه ،أحد
الطرق للحفاظ على لياقته كانت مطاردة االرانب والغزالن على الرجلين في الصحراء ،بالقرب
_ قرر القذافي ان يسافر بالبر بدل الجو ،وعندما حان الوقت استقبلت مكالمة تليفونية من
رئيس المراسم األردنية قائال في ذعر" لقد احصيتهم ،وصل الرئيس القذافي بعدد 122
الندكروزر ،لو اتي بهم إلى عمان ستُغلق من االزدحام " .
لم يدهشني الرقم فقد ذهب القذافي إلى التوغو بالف سيارة ،قررت الحديث معه بأسلوبي
الناعم ،طرقت باب حجرته في قصر الملك بالعقبة ،وقلت له " انت اخبرتني انك تود لقاء الناس
العاديين في رحلتك إلى االردن ،هل تريد من الناس العاديين ان يقولوا اخرجو القذافي من هنا
الننا ال نستطيع بسببه الوصول إلى بيوتنا و اعمالنا؟" ،توقف العقيد لحظات ،وسألني بابتسامة :
" هل هذا كالم ملكك ،ام هى فكرتك؟" ،اجبت " انها فكرتي" ،لقد كسرت قاعدتي في عدم
_ انطلقنا إلى عمان عبر الطريق بنية الوصول إليها قبل غروب الشمس ،كنت في السيارة
التي تسبق سيارة العقيد مباشرة ،اول توقف لنا كان لوضع حجر األساس لمشروع " الديسي "
لضخ المياه الجوفية من الصحراء ،بواسطتي وافق العقيد على تمويل هذا المشروع.
_ لمح العقيد من الطريق السريع خيمة بدوية فأمر سائقه بالذهاب اليها شاقا طريقه بعيدا عن
الرتل ،مما احدث ارتباكا في صفوف الرتل ،وللمروحيات األردنية المرافقة ،جلس العقيد مع
عجوز بدوية بالخيمة لم تتعرف عليه حتى ذكرت لها اسمه ،قبّل يديها وقال لها" هل تعرفي ان
يدا امي يشبهان في جفافهما يديك بسبب العمل الشاق ،يسرني أن المسهما " ،اخد حزمة دوالر
من مرافقه ودسها تحت وسادتها ،ويممنا صوب العاصمة ،و في لقاءه مع الملك حكى له عن
محنة العجوز البدوية قائال " ارغب منك ان تبني بيت جيد لها مزود بالماء و الكهرباء " ،تمت
الموافقة على رغبته ،تأثر القذافي بهذة العجوز ،بما اَثارت فيه من ذكريات ،هل تتخيلون قائد
كذلك هناك فنان وهو اآلخر بدويا يدعى " عمر عبدالالت " كان القذافي قد تأثر به عميقا
عندما غنى له في ليبيا عدة ساعات في الماضي حتى بح صوته ،طلب القذافي من ضيوفه
_ كانت زيارة الدولة إلى األردن والتي استمرت اربعة ايام ناجحة ،عبر القذافي من االردن
إلى السعودية ،فتنفست الصعداء ،ذلك ألن نزواته ستكون تحت مسؤولية طرف اخر.
_ بعدها بشهور كانت عمان تستعد لعقد القمة العربية ،ورغبت حضور صديقها الجديد ،اما
القذافي فيبدو ان له تخطيط اخر ،اتصل بي مكتب الملك طالبا التدخل معه ،سالتهم " ،هل
اتصلتم بمكتب القذافي رسميا" ،أجاب المتصل " نعم اتصلنا و تم ابالغنا ان عنده التزام اخر في
بنغازي " ،تمكنت من إقناع القذافي بأن القمة مهمة فوافق على تغيير خططه.
_ وصلنا عمان واستقبله الملك شخصيا وانزله في احد قصوره ،بينما اآلخرين في الفنادق ،
و ألن أعضاء االسرة الملكية مشغولين في الترتيبات للقمة التي ستنعقد غدا ،شعر القذافي بانه ال
يُعطى االهتمام المناسب ،خاصة لما قدمه لالردن ،فأمر الجميع بالمغادرة إلى ليبيا ،انطلقنا إلى
المطار وفي الطريق لمح القذافي بائع مثلجات فطلب التوقف ،نزل عنده وتسببت السيارات في
استقبلت مكالمة من مكتب الملك على الموبايل ،بأن الملك في القصر تحت تصرف ضيفه
الليبي ،اخبرت القذافي " ان الملك في انتظارك و ليس من الكياسة كبدوي ان تتركه واقفا هناك".
اومأ القذافي براسه وركب الليموزين قافلين إلى مقر إقامته في القصر ،وجدنا الملك في مالبس
التشريفات العسكرية واقفا خارج مقر اقامة القذافي ،تقدم في اتجاه القذافي ،وقبل أن يصل إلى
مصافحته بخمس خطوات تراجع مبتعدا ،اندهشت معتقدة ان الملك بصدد إهانة القذافي ،غير أن
الملك نزع حزامه العسكري الذي يحتوى على مسدس في جرابه ،ثم تقدم ببطء وصافح العقيد ،
تأثرت بتصرف الملك الشاب في احتواء الموقف ،حيث أدرك الملك ان التقدم بالسالح نحو العقيد
_ رتبنا للقذافي رحلة الى البحر الميت ،كان مهووس بفلسطين التي يمكن رؤيتها من
الجانب االردني ،فجعلنا اقامته في فندق موفينبك المملوك جزئيا لليبيا في صفقة ادرتها بنفسي ،
وكالعادة ضرب العقيد بالترتيب عرض الحائط ،عندما توقف على بائع شاهي واخد يتحدث معه
،وحين انصرف الجميع إلى السيارات أعطى الرجل حزمة دوالرات كافية لتغيير حياته في ظل
_ اميال قليلة توقف القذافي على بائع مشويات ،بعدها انظم الى اوالد يلعبون كرة القدم ،كل
هذا لم يكن على الجدول ،فصار كوسا المسؤول عن الترتيبات األمنية يصرخ بأن هذا غير امن
،كان مرتعبا من القرب المكاني من إسرائيل ،مخبرا القذافي اننا في نطاق الصواريخ
اإلسرائيلية فرد عليه "حياتي بيد هللا ،دعني استمتع بلعب كرة القدم ".
وصلنا الى الفندق ،حدق القذافي عبر المياه إلى فلسطين المحتلة وقال " كيف ان األردن
بهذا القرب وال تعمل شي الرجاع هذة األرض إلى الفلسطينيين " ،رجوته ان يخفض صوته
_في محاولة مني لتحسين مزاجه اقترحت عليه ان يستمتع بجلسة تدليك في الحمام المعدني
الملحق بالفندق باستخدام طين البحر الميت الشهير ،غير أن موسى كوسا وثالثة من كبار رجاله
االمنيين رفضوا االقتراح ،بحجة ان المكان لم يتم فحصه مسبقا ،عوضا عن ذلك ذهب العقيد
للراحة قبل أن يتناول وجبة ويعود إلى عمان ،لدهشتي اتجه كوسا ورجاله الى ذلك المكان
المفترض انه غير امن الخد تدليك بالطين ،لم استطع منع نفسي من التسبب في بعض الشقاوة ،
جريت إلى العقيد وقلت له " هل تعرف ان رجال امنك االن يمتعون أنفسهم في الحمام المعدني"
توقف العقيد لحظات للتفكير و قال " حسنا ،اجمعي الكل ،سنعود الى عمان ،ولكن أتركيهم
هناك " ،بينما نحن نستعد لالنطالق ،راي كوسا ،الذي أنهى التدليك لتوه ،ما يجري فقفز في
سيارتي وقال بتجهم " اعرف انك انت من اخبرت الرئيس ".
بالطبع انكرت معرفتي باالمر ،ولكن لم استطع منع نفسي من الضحك بعد وصولنا عمان ،
ذلك أن نوري المسماري رئيس المراسم الليبي كان في انتظارنا بعد أن تدّبر سيارة أجرة
للوصول قبلنا ،من شدة استعجاله ان طين البحر الميت كان ال يزال ينزل من تحت مالبسه ،تلك
أتذكر رحلة أخرى تم ترتيبها للقذافي لحضور القمة العربية في السودان ،كان مقرر ان
يطير هو الى الخرطوم بعد أيام قليلة ،فانتهزت الفرصة وذهبت الى االردن لقضاء بعض الوقت
مع ابنتي نور ،ما ان وضعت قدماي في األردن حتى وصلتني الرسالة ان ارجعي فورا إلى ليبيا.
اخدت الرحلة التالية إلى طرابلس ،ثم اتصلت بمكتب القذافي ،بقيت في الفندق انتظر الرد ،ال
رد حتى الصباح التالي عندما دق باب غرفتي رجالن بمالبس عسكرية " تعالي معنا" ،قال
أحدهما و اضاف " ستذهبين مع الرئيس إلى السودان" ،بدون شرح أضافي ،التقطا حقيبتي
نصف المفرغة وطلبا ان أتبعهما الى سيارتهما المركونة في االنتظار ،في استعجالي نسيت جواز
سفري في خزنة الفندق ،لكن تم تطميني ان ال تقلقي ،فانت ال تحتاجي إلى جواز ،انت مع
القذافي ،و تأكد هذا فعال ،ونحن نتنسم هواء مطار الخرطوم ،ثم إلى فندق الهيلتون ،كل هذا
وانا مازلت معمية بالكامل عن سبب وجودي ،فأنا عادة غير منخرطة بأعمال هذة القمم .
مع العاشرة في ذلك المساء اُستدعيت لرؤية القذافي الذي كان يقيم في فيال خاصة ،في الفناء
كانت الخيمة البدوية زاهية االلوان ،كان هو داخلها ،دخلت فإذا بي ارى تلفزيون مقلوب على
اصبح واضحا سبب رحلتي المفاجئة إلى الخرطوم ،قال وهو محتدم من الغيظ " لقد أعلنوا
ان ملكك لن يحضر ،اتصلي به االن " ،ألول مرة اعمل هذا الخطأ في معارضة القذافي بطريقة
مباشرة عندما اخبرته " الوقت متأخر ،ساتصل به في الصباح" ،صرخ بشكل حاد في وجهي
صائحا " اتصلي به االن أو ساقطع العالقات مع األردن" ،كان هذا يعني الكثير للقذافي ،ألنه
يعتمد على األردن في التصويت على موضوعا ما ،حاولت تهدئة غضبه بالضرب على بعض
األرقام ،حاولت جاهدة ان اوقض احدا ما ،واخيرا استطعت االتصال بصديق قديم هو هيثم
المفتي مدير المكتب الخاص لملك االردن ،حصل كل هذا أمام القذافي الذي طلب مني أن اُبقى
الهاتف على مكبر الصوت ،كنت مرتعبة ان الذي على الخط ربما سيقول شيء غير محسوب ما
قد يزيد في غضب القذافي ،لذلك بدات بالقول" انا اجلس هنا مع العقيد القذافي في السودان ،لقد
سمع من التلفزيون ان الملك عبدهللا لن يحضر القمة ،وهو غاضب جدا ،ويود أن يرى الملك هنا
" ،بالرغم من أنه تفاجأ بالمكالمة ،وانقطع عشاءه في المطعم ،اال ان صديقي فهم حساسية
اصر القذافي ان ابقى معه في الخيمة حتى ينجلي األمر ،لكن مع مرور الدقائق أصبح
المزاج يتوتر باضطراد ،مخافة ان يثور العقيد ،اذا انتظرنا حتى الصباح ،استطعت أن أقنعه
بذهابي إلى الفندق وان اجري من هناك مزيد من المكالمات ،لم يمض وقت طويل حتى اُستجيب
دعائي ،واتصل الصديق مؤكدا ان الملك سيحضر القمة احتراما للقذافي ،قفزت سعيدة في اتجاه
العقيد والقيت عليه األخبار الجيدة ،بأن قلب الملك تغير اكراما للعقيد ،فابتسم و تغير مزاجه
بسرعة.
االن وهو مبتهج ،سألته " لماذا وضعتني في هذا الوضع القاهر ،انت تعرف انه ليس عندي
مكانة رسمية في األردن ،وانني اعرف جاللة الملك وإحدى شقيقاته ،انا فقط جسر بين دولتيكم
و ليس عندي نفوذ" ،هز القذافي كتفه واجاب " :يا دعد ،كنت اعرف انك ستحلين هذا اإلشكال
لست متأكدة من شعوري بالتبجح لهذا االطراء ،أو انني مغتاظه لثقته وإيمانه بي ،لكن كيف
كان العقيد سيتدبر األمر اذا لم انجح في التواصل مع صديقي في المطعم ذلك المساء ،رايت
القذافي غاضبا عدة مرات ،لكن التلفزيون المهشم كان جانب عنفي لم اشهده من قبل فيه ،لقد
كان دليل متزايدا على تقلب مزاجه ،وعدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته.
االمير والطائرة
_ واحدة من الفقرات على قائمة تسوق القذافي بعد أن تم الترحيب به في حظيرة المجتمع
لم يكن القذافي مغرما بالرموز االستهالكية للمكانة أو البضائع المترفة ،اذكر ذات مرة _
عدت من اوربا بعد رحلة ناجحة وقدمت له سترة بغطاء رأس على طراز عسكري من ازياء
فيرزاتشي ليرتديها في الصحراء ،كان سعرها ، $8222لكن بالنسبة له كأنها جاءت من
متجر خيري أو متجر االشياء المستعملة ،فالقذافي اليملك مفهوم عن قيمة ماركات المصمم.
_ كان تطلعه لتملك نسخته الشخصية للطائرة الرئاسية االمريكية جزئيا ألسباب عملية
_ لم تكن الطائرات في نطاق خبرتي ،لكن أحد معارفي كان الملياردير السعودي وليد بن
طالل ،كان الوليد قد فاتحني قبل تعليق العقوبات بفكرة بناء فنادق فاخرة في ليبيا ،وكان في
األثناء يتطلع ايضا لبيع اثنين من طائراته الخاصة لتمويل شراء موديله الجديد ،كان بالضبط
الشخص صاحب العالقات الذي تنشده ليبيا ،لهذا فاتحت العقيد القتراح لقاء معه.
" من هذا الرجل ،لم اسمع به مطلقا ؟ " رد القذافي بحركة نافية بيديه ،في حين أنه يحوز
معرفة موسوعية بالقادة السياسيين ،لم يكن له أدنى فكرة عن هوية واحد من اغنى رجال
األعمال في العالم ،غير أنني نجحت في إقناعه ان تكوين صالت مع االمير الوليد سيكون مفيدا.
_ بعد أن فزت بجانب القذافي رتبت لقاء لالثنين في سرت ،ورتبت لالمير وليد رحلة لبعض
االمكنة في البالد ،في طبرق فحص األرض المقترح إقامة منتجع جديد عليها ،و في طرابلس
ساعدته في التفاوض حول عقد انشاء منتجع على الساحل ،و توثقت معرفتي به افضل عندما
طرنا معا إلى بنغازي ،وكان لقائي التالي معه في الرياض حيث يعيش.
9
-مختصرات
_ في صيف 2223دعاني االمير إلى يخته الخاص الذي يرسو في مدينة كان جنوب فرنسا ،
كان البرنامج ان نناقش العمل التجاري بشكل عام ،وان نتحدث اكثر عن طائرتيه المستعملتين
كنت ارتدي بلوزة و تنورة بسيطة للتكيف مع مناخ البحر المتوسط الالهب ،ومسكت
ضحكتي عندما جاء االمير يرتدي سروال قصير ( شورت ) ،وقميص غير مزرر بالكامل يبين
شعر صدره ،كان شعره المصفف على الطريقة الفرنسية والنظارات الشمسية يكمالن الصورة
_ لقد استمتعت بضيافته ،لكني اندهشت لمزاجه ،فيمكن لالمير ان يفقد هدوءه حول أصغر
غادرنا على احسن ما يرام حيث عرض االمير عمولة سخية ،لو اني رتبتت صفقة لشراء
إحدى طائرتيه.
_ عقدي مع القذافي والشركة الليبية لالستثمارات االجنبية يسمح لي بأخد نسبة لو اني
_ تم االتفاق شفويا على الصفقة مع فؤاد عالءالدين ،الممثل الشخصي لالمير ،على عشاء
في مطعم عيّوش بلندن ،لكنها مازالت في انتظار مصادقة العقيد عليها.
_ حتى اآلن لم يظهر العقيد كثير من االهتمام بطائرة خاصة تصل إلى طرابلس لصالحه ،
لكنه فجأة أعاد الموضوع إلى الحياة معلنا " حسنا ،اين االمير الوليد؟" ،اخدتني المفاجأة على
حين غرة فأجبت " أعتقد أنه في عمل تجاري في مكان آخر في افريقيا " ،لم يرض هذا العقيد
فأمرني " احضريه إلى هنا االن مع الطائرتين ،سأختار واحدة " .
_أجريت بعض االتصاالت متتبعة االمير وليد الى الجزائر ،بعدها بيومين كانت
االيرباص A340والبوينغ 010على مدرج مطار امعيتيقة ،وكنا ثالثنا نحتسي القهوة في خيمة
السعوديون اثرياء ،يصبحون مدلليين جدا حتى انهم يحتاجون إلى طائرتين خاصتين ،لقد ذهبنا
إلى المطار الستقبال ضيفك االمير ،عندما فرشنا السجاد األحمر كانت الطائرة األولى فارغة ،
بالنسبة للعقيد فإن الطرافة تكمن في المماكسة مع االمير حول أي طائرة منهما يشتري ،
كان يجول بخاطره سؤال واحد فقط ،ليس عن التصميم والشكل والمظهر أو نظام االلوان أو
حمام الجاكوزي ،لكنه سأل " ايهما بأربع محركات " ،ظهرت الحيرة على وجه الوليد ،لكنه
أجاب " االيرباص" ،رد القذافي " في هذة الحالة اترك االيرباص هنا وخد معك البوينغ ،دعد
_اختار القذافي االيرباص السباب امنية ،والعتبارات السالمة ،كونها تحتوي على أربع
محركات.
_تم حسم الصفقة في دقائق ،األمر الذي ترك باقي السماسرة الذين طاروا إلى طرابلس
غاضبين ..ومرة أخرى أطلت الغيرة برأسها معتقدين ان سطوتي الخاصة على القذافي كانت
السبب الوحيد لنجاحي في الحصول على الصفقة ،لقد كانوا اغبياء ،ذلك أن القذافي ال يثق بهم ،
وكان يخشى أن تكون الطائرات التي عرضوها مخترقة بالتنصت أو أسوء ،لهذا السبب طلب ان
يأتي الوليد بطائرتيه في اسرع وقت ممكن ،بالرغم من أنه يعرف مسبقا بأنه سيختار االيرباص.
_ ما تبقى كان تحديد السعر وعمولتي ،تم االتفاق عليهما داخل االيرباص على المطار قبل
_الرقم النهائي الذي تم االتفاق عليه بيني وبين الشركة الليبية لالستثمارات األجنبية 322
مليون دوالر امريكي ،بما في ذلك 32مليون دوالر امريكي عمولتي انا.
_على الرغم من اتفاقنا على سعر 322مليون دوالر امريكي ثمن االيرباص ،كان القذافي
مصمما على أن ال يعرف عنه أنه دفع أكثر من 85دوالر امريكي ،وهو المبلغ الذي قيل ان
حسني مبارك دفعه لشراء طائرته الخاصة قبل سنوات قليلة مضت.
أدرك القذافي الفطن ان صورته كرجل الشعب ال تنسجم بشكل مريح مع هذا النوع من
كان الحل ان يتم تحرير اوراق المعاملة على نحو غير صحيح لتظهر أن االيرباص كلفت
02مليون ،وان ال 02مليون االخرى سيتم استثمارها في برنامج استصالح صحراوي طموح
،ومشروع زراعي كان الوليد يعد له في دلتا النيل المصري ،اما في الواقع فأن مبلغ ال 322
( ) 10 مليون كان مخصص لشراء الطائرة ،و الـ 22مليون كانت للخدعة التى تدعى توشكي .
كان هذا مثال آخر على الخداع الذي مورس على الشعب الليبي ،ال تعريف لهذا اال انه فساد
على مستوى كبير ،لكن كانت هذة الطريقة التي عادة يدار بها النظام ؛ فال شيء يمكن أن يؤخد
_ سددت ليبيا الدفعة األولى وقيمتها 02مليون دوالر إلى االمير الوليد في ، 2221على
الفور طلبت النصف األول من عمولتي من االمير ،لكنه ،وبشكل ينذر بالسوء ،رفض أن يدفع ،
قائال انه لن يدفع حتى يتحصل على المبلغ كامال ،رجوت ان يكون هذا راجعا إلى ان االمير
رجل أعمال صعب المراس ،وليس اشارة على أن صفقتي في طريقها للتالشي ،لسوء الطالع
كان هذا بالضبط ما يحدث وراء الستار ،كان المسؤولون الليبيون يحاولون إعاقة الدفعة الثانية ،
في ذلك الحين سحب القذافي خطة االستصالح الصحراوي المزعوم ،فاصبح االمير مستحقا
_ كانت الطائرة ال تزال مسجلة بأسم شركة الوليد واسمها( المملكة القابضة ) ،واُخدت
إلى المانيا لغرض الصيانة بموافقة الليبيين ،فجأة استقبلت مكالمة هائجة من موسى كوسا في
مكتب االستخبارات يعلمني ان إيرباص القذافي في السعودية ،ليس عندي فكرة عن ما يحدث ،
لكنني تدبرت االتصال باألمير الذي كان في سوريا " .ال تقلقي" طمأني االمير ،لقد اخدنا
_ لقد اخطأت في وضع ثقتي باألمير الذي وعد ان االيرباص ستعود خالل أسبوعين ،كنت
اعرف انها كانت خطوة غبية من االمير بالسماح للطائرة بالهبوط في السعودية التي كانت
عالقتها متوترة مع ليبيا بسبب المالسنة الشهيرة في القمة العربية بين القذافي وولي عهد
_أسابيع وشهور مرت وال خبر من السعودية يعلمني بتسجيل الطائرة ،اخيرا تمكنت من
الحديث مع االمير الذي كان يتفادى مكالماتي ،قال بوضوح صارم " لن اعيد الطائرة حتى يدفع
_ لقد كان هذا كارثة ،فلم يكن الليبيون غاضبون ألنهم ُخدعوا ،بل قفزوا إلى استنتاج خاطئ
كانت هناك محاوالت إلنهاء عقدي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ،من جهتي
حاولت أن اشرح للقذافي الذي لم يرفض فقط دفع المتبقي ،بل قال باقتضاب" انتهت صفقة
_ تكتيك االمير الوليد الشرس المصمم للضغط على الليبيين لدفع كامل المبلغ أعاد بالضرر
عليه ،فقد هددت الليبية لالستثمارات الخارجية بمقاضاته ،مدركا انه ارتكب خطأ جسيما ،
اتصل بي االمير في لندن راجيا قدومي إلى باريس للتفاوض حول مخرج .
" هناك طريق واحد امامنا " اخبرت االمير " ،يجب أن تأتي معي إلى ليبيا وتعتذر شخصيا
_ وافق االمير و قدم إلى ليبيا في احتفاالت يوم الثورة ،و ما ان وصلنا الى الخيمة حتى بدأ
دمحم الحجازي مدير مكتب العقيد باتهام االمير ملمحا الى انه خاطف و صار يوبخ الرجل
المندهش في حضور القذافي ،من الواضح أن هذا هو موقف القذافي نفسه ،واال ما كان لنوبة
_لحسن الحظ ،بدأ جو التوتر في االنحسار بعد ان قُدم االعتذار كما ينبغي ،تحصل القذافي
على طائرته ،وتحصل االمير بعد شهور قليلة على ال $52مليون المتبقية ،كل ما تبقى كان
_ لقد كنت انا من أسس للصفقة ،وتحمل كل المشاق الحياءها عندما ارتكب االمير الخطأ
الكبير في محاولة للضغط على القذافي ،ومع هذا رفض االمير الجاحد ان يعوضني بمكافأة ،
كنت مندهشة ألنني لم اظن ان االمير الذي عنده صفقات تجارية أخرى في ليبيا سوف يختار ان
مكالماتي لمكتبه تم تجاهلها ،فكرت ماذا سافعل ،أخد أحد أغنى رجال العالم إلى المحكمة
ليس أمرا سهال ،وبالرغم من انها ستكون عملية طويلة مجهدة ،اال انني كنت متأكدة ان الحق
_ قررت مقاضاة الوليد بن طالل ،لكن كما تخوفت ،سيأخد االمر عدد من السنوات قبل أن
استمتع برؤيته مرتبك خجالن في صندوق الشاهد بالمحكمة ،لم يكن التأخير بسبب بطء عجلة
العدالة ،لكن أيضا بسبب االحداث التي كانت تهدد حياتي في ليبيا.
دمحم الحجازي مدير مكتب القذافي و صار الحقا اخر وزير صحة في عهد النظام السابق.
شاب من المنتفضين على القذافي يستريح في طائرة االيرباص التي اشترتها ليبيا من االمير الوليد بن طالل عبر وساطة دعد
الفصل الخامس عشر
مفجر لوكربي ؟
كانت لوكربي الهاجس االكثر سيطرة على عقل العقيد ..في 2221اُستدعيت إلى مكتب
القائد حيث اُخبرت انه يرسلني إلى سكوتلندا للقاء عبدالباسط المقرحي ..كان للحكومة الليبية
مكتب صغير في غالسكو غرضه فقط دعم المقرحي ،واحد من الموظفين الخمسة في المكتب
استقبلني في مطار المدينة ..كانت التعليمات موجزة :تفحصي أحوال المقرحي وقدمي له
تطمينات انه غير منسي ،كان سعيدا بالمالبس الرياضية والحذاء الرياضي التي احضرتها معي
،وتحدثنا خالل اكثر من ساعتين عن قضيته ،واحتماالت إطالق سراحه ،رجاني المقرحي ان
استخدم عالقاتي مع العائلة المالكة في االردن ،وسلمني رسالة الى الملك عبدهللا شرح فيها
براءته ،وناشده ان يُنقل إلى سجن في أي أراض عربية إلى ان تثبت براءته ..هذة مقتطفات من
الرسالة :
" اقسم باهلل الواحد الجبار وصفات هللا الحسنى ....انني مطلقا لم ابتاع أي مالبس من أي
محل في مالطا ،و انني مطلقا لم أر المالبس وال صاحب المتجر اال أثناء المحاكمة عندما قدم
الشاهد افادته ،كما انني مطلقا لم اتعامل مع حقيبة تحتوي على ما يخالف القانون في اي مطار
في العالم ،لقد كان وجودي في مالطا ،لو كان ذلك حقا بداية هذة الجريمة ،لمجرد الحصول
على بعض المستلزمات الضرورية " وفيها ايضا " جاللة الملك ..اتوسل اليك باسم أسرتي
واطفالي ،ان تتناول هذة المشكلة مع المعنيين باالمر في بريطانيا وامريكا لنقلي إلى سجن في
بالدي أو بالدك أو أي دولة عربية اخرى" ،ومن الرسالة كذلك " جاللة الملك اختم رسالتي بهذة
لظا ِل ِم أ َ ْهل َها َوٱجعَل لَّنَا ِمن لّدنكَ َوليّا َوٱجعَل لّنا ِمن لّدُنكَ االية ،ربّنَا أ َ ْخرجنَا ِم ْن َٰ َه ِذ ِه ٱ ْ
لقريَ ِة ٱ ّ
َصيرا".
ن ً
االنفصال عن احبابه أثر في حالة المقرحي النفسية ،لم يكن ينام جيدا ،كان عنده خمسة
أبناء ،وكان حزين ألنه لن يتمكن من حضور فرح ابنته الوحيدة ،قال لي انها حضرت الى
اسكتلندا باوراق الزواج ليوقعها وفقا للتقاليد العربية ،لقد بكى اسبوع بعد زيارتها ،و اضاف "
كل يوم ابقى هنا يكبر اطفالي اكثر ،ابنتي كانت طفلة عندما غادرت ليبيا االن هى امرأة ،
أخبرني المقرحي " جاءني السنوسي وقال لي " هناك اتفاقية مع الغرب الرسالك إلى
المحاكمة ،يقول القائد انك حر في قبولها أو رفضها ،ال أحد يجبرك على الذهاب ،وستكون
من مشاهداتي ،ان المقرحي تمتع بمعاملة حسنة ،كان يستطيع أن يطهو طعامه الحالل
وأحيانا يستعمل الصالة الرياضية في السجن ،كما أنه يستطيع مشاهدة القنوات العربية في
زنزانته ...اخبرت القذافي عن قلق مواطنه حيال مرور السنوات والعجز الواضح للحكومة
الليبية ،اجاب " التقيه مرة اخرى ،اخبريه انني استقبلت رسالته ،وسأجد له حل ،اخبريه انني
اعد بأنه سيعود للوطن قريبا " ،من تلك اللحظة عمل القذافي كل شيء ممكن الن تبقى قضية
عندما زرته في المرة التالية كان المقرحي مرتعبا ،أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة الغتياله ،
بالترك المتعمد لالبواب المؤدية لزنزانته اآلمنة مفتوحة ...اخبرني " ان السجناء االخرين
يكرهونني" ،اذا كان ما قاله صحيحا ،فله سبب وجيه ان يكون مرتعبا ،الن مفجر لوكربي كان
صاحب رأس ثمين ،وعدته بنقل مخاوفه ،وحسب علمي لم يعد يعاني أي ضرر في السجن.
في ليبيا احتضنت صفية ،زوجة العقيد ،عائشة زوجة المقرحي تحت جناحها ،كانت تُعامل
على غرار الشخصيات المرموقة ،و بالنسبة لي احببت المقرحي ،وبقينا على تواصل ،كان
عنده رقم موبايلي ،ومن حين إلى آخر اتلقى مكالمات ونتبادل رسائل ،كنت ارفع معنوياته
تم اإلفراج عنه السباب صحية حسب المعلن ،واُستقبل في طرابلس كبطل على متن الطائرة
التي ساعدتُ القذافي على شرائها ،كان على متن الطائرة ابن القذافي سيف ،كان سيف يتنعم
بمجد العودة المظفرة للمقرحي ،بالرغم انه في الواقع لم يكن له دور يذكر ،كنت اغلى من
الداخل وانا اراه يسرق افضال االخرين ،بينما اصحاب العمل الشاق الحقيقيين لم يراهم أحد ،
ذهب سيف بانتظام إلى لندن ،ولم يكلف نفسه ولو مرة بأخذ رحلة محلية قصيرة إلى غالسكو
في لحظة يأس في السجن ،قال لي المقرحي" انهم سيكونون سعداء جدا لو مت هنا في
السجن " ،يخامرني الشك انه لم يحصل على اهتمام صحي جيد في السجن الن سرطان
البروستاتا غالبا ما يستجيب إلى العالج لو تم تشخيصه مبكرا ..توفى المقرحي في أحد ضواحي
طرابلس في مايو ... .2232قيل عند إطالق سراحه انه سيموت خالل ثالثة شهور ،لكنه عاش
لثالث سنوات اخرى ،حتى انه ع ّمر اكثر من القذافي ،األمر الذي لم يتصوره أحد في ذلك
الوقت .
عند إطالق سراحه رجوت له حياة طيبة ،وان يعيش في سالم مع اسرته ،مؤمنة ببراءته ،
قبل ذلك ،كانت الصكوك المالية االخيرة للتعويضات قد دُفعت إلى عائالت الضحايا مع
استياء كبير من جانب القذافي ،بالرغم من أنه قدّر أهمية االستمرار في الدفعات ،كان غالبا ما
يثور على ظلمها و كيف سيتم تفسير دفعها .. ،كان يقول :لماذا افعل هذا و ليبيا بريئة ..اخيرا
استطاع عبدالعاطي العبيدي ،أبرز مستشاريه في قضية لوكربي ،ان يبسط له األمر باوضح
العبارات في أحد لقاءاتنا مع القذافي ،قال للقائد" أنظر ،نحن ال نريد لك ان تعاني مصير صدام
حسين ،لو كانت التكلفة مال ،فلدينا منه الكثير ،دعنا فقط ندفع لهم ،نتخلص من هذا الموضوع
،نفتح بالدنا ونحافظ عليها مستقرة ،أمريكا تستطيع أن تفعل ما تشاء ،هل تريد ان ينتهي بنا
األمر إلى مشاهدتك على التلفزيون مثل صدام حسين ،لقد كانت إشارة صارخة إلى القبض على
صدام واهانته من قبل القوات األمريكية ،الحادثة التي ازعجت القذافي ،رغم كل تبجحه كان
يعرف ان امريكا وحلفاءها قادرين على اإلطاحة به حاال ،وبدون تأخير ،بعد تدخل العبيدي لم
حادثة اخرى تشابه لوكربى هى سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في سبتمبر ، 3989
قُتل فيها 302انسان ،أدانت محكمة فرنسية غيابيا 1ليبيين من بينهم عبدهللا السنوسي عدوي في
مكتب االستخبارات ،حددت المحكمة مبلغ 11الف يورو تعويضا عن كل ضحية مقارنة بعشرة
مليون عن كل ضحية في لوكربي ،شعر الفرنسي بالخجل ان قيمة حياته اقل بكثير من زميله
قانونيا لم يكن لفرنسا ما تستند عليه حيث ان محكمتها هى من حددت مبلغ التعويض ،
لكنها شعرت ان على ليبيا واجب اخالقي ان تزيد المبلغ المقدم إلى العائالت الفرنسية ،استمرت
المفاوضات سنوات إلى أن تعكر مسارها بسبب تدخل ابن القذافي سيف ،لقد طار إلى باريس
ووقع اتفاقية تضيف 385مليون يورو اضافي ( مليون دوالر لكل ضحية ) ،األموال كانت
ستأتي من جمعية خيرية يديرها سيف ،وبحسب االتفاقية لن تقبل ليبيا المسؤولية عن التفجير.
قبلت فرنسا الصفقة ،وتم اإلعالن عنها في باريس بصخب احتفالي ،أشعل هذا التصرف
جحيما في ليبيا ،حيث ظهر وكأن العقيد ليس عنده فكرة عن تدخل ابنه ،احضر وزير الخارجية
عبدالرحمن شلقم على تلفزيون الدولة ليقول :ليس لالبن " سيف " اي سلطة رسمية ،لذلك
فاالتفاقية ال قيمة لها ،ولتصبح االمور أكثر سوء ،تبين ان سيف أقنع ولي عهد االمارات دمحم بن
زايد آل نهيان بضمان الدفع ،ولي العهد تمت مفاتحته من رجل اعمال ليبي صديق لسيف يدعى
حسن طاطاناكي ،فكان غاضبا لجره إلى هذا الخالف الدبلوماسي ،هذا مثال آخر عن الفوضى
عند سيف مبالغة في تقدير نفسه ،وبال شك كان يأمل في إثارة اعجاب والده ،لكن هذة
المفاوضات غير المرخص بها مع باريس أعطت نتائج عكسية على نحو كارثي .
كانت الحادثة محرجة جدا للرئيس الفرنسي جاك شيراك ،ومن المحتمل أن تضر ليبيا التي
ال تريد أن تجعل من فرنسا عدوا في وقت كانت فيه المحادثات حول لوكربي تسير بتوازن دقيق.
وفي الوقت الذي يتكشف فيه كل هذا للعيان ،تلقيت مكالمة من " جين بول بيرير " رئيس شركة
(تاليس) الفرنسية للدفاع وصناعة الطائرات المملوكة جزئيا للدولة ،كنت التقيته في معرض
للسالح في لندن حال استحوذت تاليس على شركة (ركال) البريطانية لإللكترونيات التي كنت
اُمثلها في الشرق االوسط ،كنت ارجو ان اتمتع بنفس الترتيبات مع شركة تاليس ،لكن بيرير له
هو االن يطلب تدخلي في هذة المسخرة التي تورط فيها سيف و طاطاناكي ،رجاني بيرير"
هل يمكنك الحديث مع القذافي ؟ ،ان الراي العام في بالدنا صار ينمو ضد رئيسنا الذي سيواجه
انتخابات قادمة ،شيراك يحتاج مساعدتك ..وافقت على مقابلة طاطاناكي ،الذي تعرفت عليه من
خالل صديق مصري مشترك هو شريف حسين ،كان طاطاناكي معارضا لنظام القذافي وتم
السماح له بالعودة من المنفى بتدخل سيف ،العقيد ال يحب هذا الرجل و لهذا كنت قلقة ،ومع هذا
عندما التقيت بيرير وموظف من االستخبارات الفرنسية يدعى اَلن جوليت ،كال الرجالن أيدا
أخبرني طاطاناكي المذعور انه منذ اندالع الخالف حاول االتصال بسيف وعبدهللا السنوسي
في مكتب االستخبارات ،لكن كليهما لم يرد على الهاتف ،كان االمير دمحم بن زايد غاضبا ويبحث
عن إجابات من طاطاناكي ،وألئما عليه بسبب هذة االزمة ،طاطاناكي كذلك ترجاني للتدخل مع
القذافي ،وأخبرني ان ولي العهد طلب تدخلي ايضا ...وافقت على الطيران إلى طرابلس حيث
جلست مع القائد ،في البداية بدا وكأنه غير مهتما حتى ذُكر اسم دمحم بن زايد آل نهيان ،فطفق
يستمع فجأة " .ماذا تعتقدي؟" ،سألني مدركا أهمية التبعات مع االمارات ،سألني مرتين عن ما
اذا كان ولي العهد مازال راغبا في ضمان الصفقة لدفع مبلغ الـ 385مليون يورو ،لو تم حل
هذة الفوضى التي تورط فيها سيف وطاطاناكي ،طمأنت العقيد ،بحسب علمي ان االمر كذلك ،
وسيكون هذا جيدا لليبيا لتحتفظ باإلمارات في جانبها ،وكذلك ستكون منفعة سياسية عظيمة في
قلت له :انظر ،ال يستطيع شيراك اجبارك على الدفع ،لكنه سياسي غالبا ما يؤيد الدول
العربية ،وله تأثير على الدول اإلفريقية الناطقة بالفرنسية ...واعية بأنه مناصر منذ زمن طويل
لدولة فلسطينية اضفت :ويمكن ان يكون حليف مهم في المستقبل ،يجب أن تكون حريص على
أال تغضبه هو وفرنسا من وراءه ،لو أراد فهو يستطيع أن يجعل مهمتك في افريقيا صعبة ،
اعمل هذا كترضية شخصية لشيراك ،انه ليس بذلك المبلغ الكبير بالنسبة لك .
اخد العقيد كل هذا بعين االعتبار ونطق بالقرار ،اوال وجهي دعوة لولي العهد وجون بول
بيرير وطاطاناكي لزيارة ليبيا في غضون عشرة ايام ،كان حريصا على أن يتصل نوري
المسماري ،رئيس مراسمه ،بمكتب ولي العهد في اإلمارات عبر تلفون الثريا وليس الخطوط
الليبية حتى ال يتنصت على المكالمة كال من عبدهللا السنوسي وموسى كوسا ،و اضاف العقيد :
ارجعي إلى باريس غدا ،واخبريهم بانني سأحل هذا المشكلة ..قلت له :ارجوك ال ترسلني إلى
باريس ثم تصدر أي بيان قد يغضبهم ،ألنني كنت حائرة بشأن ما يدور في رأس القذافي في
الوقت الذي أستعد فيه للعودة إلى باريس الطلع بيرير على ما جرى.
سوف تسمع اإلجابة غدا صباحا ،قلت للرجل الفرنسي و انا أتأمل خيرا ،في اليوم التالي
على تمام التاسعة صباحا ،اُعلن على قناة الجزيرة ان ليبيا ترسل وزير خارجيتها شلقم إلى
فرنسا لتوقيع االتفاقية رسميا ..عندما حررت االتفاقية على الورق حملت إمضاء الموظفين
الحكوميين الليبيين ،وليس إمضاء ابنه ،كان هذا بمثابة قرصة اذن لسيف أمام المأل .
ايام قليلة بعد ذلك وصل ولي العهد وبيرير وطاطاناكي إلى ليبيا للقاء القذافي ومباركة
االتفاقية رسميا ،في اللحظة األخيرة ،وفي ازدراء متعمد لمعارضه السابق ،رفض القذافي
مصافحة طاطاناكي ،بالرغم من هذا ،تنفس طاطاناكي الصعداء لخروجه سالما من الشرك ،
الحقا اتصل ليعبر عن امتنانه لتدخلي ،و إلى اآلن ال اعرف ،هل اخبر ولي العهد اني انا من
اما بيرير فقد كان مبتهجا كما انه لم يهدر عالقته الجديدة بالقذافي ،لقد كان على متن اول
طائرة فرنسية خاصة تهبط في طرابلس بعد رفع العقوبات لي ّمكن شركة تاليس من التقدم على
منافسيها ،اما مكافأتي على التدخل ،فأني صرت مستشارة لشركة تاليس في الشرق األوسط .
سيف االسالم القذافي مع المقرحي في عودته من اسكتلندا إلى طرابلس ..رجل االعمال الليبي حسن طاطاناكي
ايام مظلمة
بالرغم من تأييده للعراق في حرب الخليج االولى ،لم يكن العقيد صديق لصدام حسين ،كان
يعتبره متنمرا وطاغية ،وبحسب علمي لم يدع القذافي نظيره ولو مرة لزيارة ليبيا ،كانت
الكراهية بينهما مشتركة ،وبدأت بدعم العقيد اليران في الحرب مع العراق في الثمانينات ،لهذا
لم يذرف العقيد دموعا عليه عندما ازيح من السلطة بالتحالف الذي قادته أمريكا في .2221
سقوط صدام أقنع القذافي ،أكثر من أي وقت مضى ،ان البحث عن عالقات افضل مع
االفتراض الذي بُنى عليه غزو العراق كان امتالكها المزعوم السلحة الدمار الشامل ،لذلك
اضطرب العقيد عندما اعتبر الغرب صدام مخادعا ،وغزوه بعد ان رفض أن ينزع أسلحته ،في
ذلك الوقت كانت ليبيا تملك برنامجها الخاص لألسلحة النووية ،فقاد بلير حملة نشطة إلقناع
القذافي بالتخلي عنه ،في ذلك الوقت كانت العقوبات ضد ليبيا معلقة ،فأخد بلير يهز بجزرة
الرفع التام اذا اصطف العقيد وامتثل ،طور االثنان فيما بينهما عالقة دافئة جدا.
في أواخر 2221كنت في مكتب العقيد عندما جاءته مكالمة من لندن ،كان القذافي في ذلك
الوقت يعا ني من الم في الظهر ،فأضطجع على االريكة حتى يتمكن من الحديث عبر مكبر
صوت الهاتف إلى صديقه بلير ،كنت واقفة هناك مع حزمة اوراق في يدي لتوقيعها من القائد ،
لم يكن هذا بعد فترة طويلة من القبض على صدام ،قبل أن يتم تبادل الدعابات المألوفة ،
قال العقيد انه يريد اطالع رئيس وزراء بريطانيا على شئ ما ،انا ال أحب الطريقة التي اُهينت
بها صورة صدام في وسائل االعالم البريطانية ،قاصدا صورة صدام اثناء الكشف الطبي على
في راسه ،ويفحصون اسنانه ،وعبر المترجم اضاف " هذا ليس صحيح ،صدام رجل عسكري
و قائد الجيش ،كان ينبغي أن يعامل باحترام ،وتُعطى له التحية من عسكري يحمل الرتبة األقدم
قبل مغادرة الغرفة سمعت بلير يقول :رئيس وزراء بريطانيا ال يتحكم في وسائل االعالم ،
يبدو أن هذا لم يرض القذافي فقال :ال اريد ان ارى أي شئ مثل هذا يحصل مرة أخرى ،معاملة
قائد عربي بهذة الطريقة يبني الغضب ضد أمريكا وبربطانيا ،وكما شددت سابقا ،االحترام
يبدو أن هذا التأنيب لم يسبب لبلير أي اذى ،ففي شهر مارس من السنة التالية ،وقع االثنان
اكد القذافي التزامه بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل ،مقابل ان تأخد ليبيا وثبة اخرى
نحو المجتمع الدولي ،النتيجة األبعد لالجتماع في خيمة القذافي كان عقدا بقيمة 222مليون
دوالر أمريكي لصالح شركة شل الهولندية البريطانية ،وتبعه بعد سنوات قليلة ،عقد مغري اخر
هلل بلير لهذة العالقة الجديدة بين بلديهما واتفقا ان يحاربا معا اإلرهاب والتطرف ،أصبح
بلير منتظما في زياراته إلى طرابلس حتى بعد أن ترك الوظيفة ،والعقيد أحبه كثيرا ،و لم أسمع
زائر اخر عالى المستوى هو فالديمير بوتين الذي قام بالزيارة بعد توسطي في الخالف
بين ليبيا وروسيا حول األسلحة ،يتعلق االمر بصفقة عمرها 32عام لدبابات روسية لم يتم
استالمها بسبب العقوبات ،بعد رفع العقوبات اصرت روسيا على إرسال الدبابات مقابل 2.5
مليار ،وأرادت ليبيا تمزيق االتفاقية الن العربات المسلحة صارت طراز قديم ،االستياء
الغاضب على الصفقة سوف يفسد العالقات بين البلدين ،لكن تمكنت من التوصل إلى حل وسط
يتضمن التخلص من الصفقة االصلية والتوقيع على عقد عسكري ومدني بقيمة 1مليار دوالر
لصالح روسيا ،يشمل شراء دبابات جديدة ،و كبادرة حسن نوايا تم االتفاق ايضا ان يقوم بوتين
بزيارة قصيرة إلى ليبيا ،والتي كانت انجاز لصالح القذافي ،وإشارة الى الغرب ،ان االذعان
سنة 2222التي زار فيها بلير ليبيا كانت مشهودة السباب عديدة ،كان من المفترض أن
يكون وقت للسعادة ،لكن على العكس كان واحد من أظلم فترات حياتي.
فراس في شقتي في لندن حيث درس إدارة األعمال ،وقضى سنتين في أمريكا قبل تأسيس
شركته المدادات الجيش بلوازم مثل البطاطين والمالبس العسكرية ،عرفته بمعارفي في ليبيا بما
في ذلك القذافي ،واستخدم مكتبي في طرابلس كقاعدة لعمله ،وأحبه العقيد ،ووعد بحضور حفل
زفافه .
كنت في عمان استعد لوضع اللمسات االخيرة لحفل الزفاف ،وكان فراس وشقيقه وابن عمه
في ليبيا ،حيث لفراس عديد من االصدقاء ،قاموا هناك بتسليم بطاقات الدعوة ،وحتى نأخد نحن
اتصل عزالدين من ليبيا ،وردت عليه من بيتي ،سيشيليا ابنة اختي ،التي قدمت من أمريكا
لحضور الزفاف ،سأل عني ،كنت نصف نائمة ،سمعت بكاء ثم صراخ وهذة الكلمات " فراس
مات " ،ثم انقطع الخط ،ليتركني حائرة في تصديق أذناي ،لم ارغب في تصديق ما سمعت
منذ قليل ،ألنه كان يبلغ من العمر 13عاما ،ويبدو في صحة جيدة ،كان منخرط في بناء
مباشرة اتصلت بمكتب الرئيس رغم أن الساعة كانت الثالثة صباحا ،ال يمكن أن يكون هذا
صحيحا ،اخبروني لقد رايناه منذ ساعات قليلة فقط ،و لكن سنعمل اتصاالتنا ،بعد ربع ساعة
رن جرس الهاتف مرة أخرى ،انه مكتب القذافي يؤكد األخبار المروعة ،اقسم اني شعرت
حدث ،حصل انهم كانوا يستمتعون بجلسة شواء في فيلتهم في طرابلس في المساء السابق ،
عندما بدا فراس في الشكوى من الم في يده ،انطلق في سيارة مع سائق ليشتري مسكنات الم ،
ورفض عرض اآلخرين بالذهاب معه ،مصرا على أن ال شئ يدعو للقلق ،بالكاد غادرا حتى
شعر شقيقي باالالم في الصدر ف ّحول مسار السيارة إلى المستشفى ،حتى عندئدا لم يكن يبدو
األمر خطيرا ،الحقا وصف السائق كيف كان باستطاعة فراس ان يدخل إلى المبنى بدون
مساعدة حتى استلقى في غرفة الكشف ،بينما كان الدكتور يكشف عليه ،مد شقيقي ذراعه فجأة
وفصل اجهزة المراقبة المركبة على جسده وصرخ ،اصيب بنوبة قلبية ،وبالرغم من وجوده في
المستشفى ،ما كان ممكنا انقاده ،كان الشريان الرئيس مسدود ،والتفسير الوحيد الذي قدمه
األطباء هو نظامه الغدائي عالي البروتين مع المكمالت الغدائية التي يتناولها لبناء الجسم.
وفر القذافي طائرة خاصة لنقل الجثمان قبل فجر اليوم التالي ،وفي العزاء حضر وفد من
عندما انهار زواجي هربت إلى ليبيا ،وفي هذا الوقت انسحبت إلى لندن ،لمدة 8شهور لم
اشتغل ،بل امضي اوقاتي في ضياع و تشوش ،لكن اخيرا حان الوقت عندما شعرت اني قادرة
رغبت في ان اكون مشغولة مرة اخرى ،وان استعيد بعض االحساس بالحالة السوية ،
ولكن حالما وصلت إلى طرابلس كان امامي العمل المؤلم جدا المتمثل في تنظيف فيال شقيقي ،
كان القذافي قد أمر بقفلها بعد موت فراس ،لهذا بقى كل شئ كما كان منذ حفلة الشواء التي
استمتع بها شقيقي في اخر يوم في حياته مع شقيقه االخر وابن عمه.
التقيت بالعقيد للمرة األولى منذ وفاة فراس ،ومازلت ارتدي السواد حزنا عليه ،لقد تأثرت
بتعاطفه ،بدخولي إلى الغرفة وقف القذافي ،احتضني ووضع كلتا يديه على راسي ،وقال" انت
فقدتي اخيك وهذة إرادة هللا ،و لكن االن بامكانك اعتباري اخوك وابوك ،الحظت ان عينيه
مغرورقتين بالدموع ،هذا هو الجانب اآلخر للقذافي ،الجانب الذي ال يتحدث عنه ،و ال يكتب
عنه أحد ،انها هذة الذكرى ،احاول ان استبقيها ،لرجل بكى لموت اخي ،دائما ثمة شئ يجعلني
مشغولة في ليبيا ،فبقيت هناك ثالثة أسابيع قبل أن اعود إلى االردن.
الفصل السابع عشر
العقيد وعشيقاته
صد االهتمام غير المرحب به من الرجال الغراميين هو جزء من طبيعة وجودك في ليبيا ،
ولكن في كل سنوات عملي للقذافي ،لم يقم و لو مرة بالتقرب مني جنسيا.
قد يكون هذا مثار دهشة الن صورته في الغرب كانت النسونجي خارج السيطرة ،
والمغتصب المتسلسل ،ومنتهك النساء ،لهذا قد تفترض انه ليس ثمة امراة امنة في حضرته.
ليس نيتي الدفاع عن القذافي أو الحكم عليه ،و ال أتظاهر انني اعرف كل شئ عن حياته أو
ماذا يحدث خلف األبواب المغلقة ،استطيع فقط ان احكي عن ما رأيت وما سمعت وما اُخبرت
عنه ،ومع هذا فالتصوير المألوف للقذافي كمفترس جنسي ازعجني ،انه ال يتوافق مع الرجل
لم يكن مالئكة ،بل كان أبعد ما يكون عن ذلك ،للقذافي عالقات غرامية وهذا ال يجعله
مختلفا عن رؤساء ورؤساء وزراء الدول الغربية ،أو األمراء في الشرق األوسط ،لم يكون أول
،ولن يكون اخر قائد عالمي يستخدم قوته بهذة الطريقة ،لكن عالقاته بالنساء كانت معقدة.
تحت حكم القذافي ،تحسنت أمية النساء بشكل ملحوظ ،زاد عدد السنوات التي تقضيها
و القانون .
كلما تعرفت اكثر على شخصية القذافي ،كلما ادركت أكثر انه يضع المرأة في قسمين
مميزين ؛ في االول تتواجد الالئي يحترمهن ،ولن يتم لمسهن ،و في الثاني تتواجد النساء الالئي
في واحدة من زياراتي المبكرة إلى ليبيا تم تقديمي إلى امرأة في عمري تقريبا ،كانت من
بين حارسات القذافي ،قُدمت لي لتطلعني على معالم المدينة ،كنا ندردش ألوقات قليلة ،حينها
كنت إلى حد ما ملولة من عزلتي ،ومنظر حوائط غرفتي في الفندق ،فكنت منفتحة على تكوين
أصدقاء جدد.
قضينا مساءات ممتعة معا ،نقود السيارة في احياء طرابلس ،واالرياف المحيطة ،بعد كل
هذا لم أكن اعرف عنها اال القليل ،إلى أن تنحت بي جانبا نعيمة صديقتي من االتحاد النسائي ،
حذرتني ان احترس من هذة المرأة ،زاعمة انها عشيقة الرئيس ،يبدو أنها التقت بالقذافي بينما
كانت تدرس ،والحقا رتب لها عضوية مرغوبة في الراهبات الثوريات ،في الوقت الذي تعرفت
عليها كانت في عالقة مع العقيد ،كانت العالقة سرا مكشوفا داخل دائرته الداخلية لمدة خمس
بالرغم من تحذير نعيمة ،احببت المرأة ،وأصبحنا قريبتين لبعض ،اخبرتني انها بينما
كانت تدرس ،كان القذافي يدفع لها ثمن الكتب ،في صباح االمتحان ،وحتى يواتيها الحظ الجيد،
كان يرسل لها الموسيقى عبر خط الهاتف ،كانت دائما موسيقى لنفس المغنية فيروز ،والتي
مع الوقت أصبحت محل ثقة عشيقة القذافي ،بالرغم من انني لم اكن عمياء عن المخاطرة ،
وفي إحدى االيام كشفت لي انه في وقت مبكر في عالقتهما ،أصبحت حامال منه ،اخبرتني ان
العقيد طلب منها االحتفاظ بالطفل ،لكن رفض الزواج بها ،تقاليد المسلم تسمح له بالحصول
على أربع زوجات ،لكن اخد محظية كان موضوع اخر ،لهذا بقت العالقة مخفية عن الشعب
ال استطيع الوثوق من قصتها ،لكن ليس من سبب يدعوني لعدم تصديقها ،أعتقد انها وثقت
بي ألنني من خارج البلد ،كانت فقط تريد شخص ما لتبوح له ،في زيارتي التالية علمت انها
غادرت البلد.
سمعت انها تعيش في مصر حيث تزوجت شخص آخر وأنجبت طفلة ،رجعتَ بعدها بوقت
طويل إلى ليبيا ،و عندما حاولتَ إشعال فتيل العالقة من جديد لم يكن القذافي راغبا فيها ،
استأنفنا عالقتنا القديمة ،لكن اخيرا فقدنا التواصل ،ليس لذى فكرة اين هى االن ،البعض يقول
) 11
( انها في باريس .
انا هنا ال استخلص أي استنتاج ،جيد أو سيئ عن سلوك العقيد نحو هذة المرأة الشابة ،لكن
قيل ان فكرة الراهبات الثوريات لم تكن اال واجهة ،و ُوصفت النساء فيها على انهن الحريم
ال ُمنقى بمزاج القذافي ،بعد وفاته هناك ادعاءات من بعض النساء انهن انتهكن جنسيا من القائد
وبعض معاونيه.
ي ان
اما الحارسات و من بينهن نعيمة ،فلم يشتكن لي ابدا من سلوك القذافي ،كان عل ّ
اعرف العديد منهن ،ألنك لو اردت الدخول على القذافي ،فعليك اوال ان تجتاز الراهبات
االسطورة التي تم صنعها ،ان توصيف العمل يشمل الشكل الحسن ،لكن لم يكن هذا هو
الحال ،فقد أحاط نفسه بهؤالء النساء ألنهن مخلصات وموثوقات ،وال يمكن رشوتهن ،لقد
حصل ان الصحف الغربية كانت مهووسة بفرقة القذافي االستعراضية من النساء الحارسات ،
األمر نفسه حصل مع ممرضاته وهن عادة من أوكرانيا ،كان القذافي مهووسا بصحته ،
وهن دائما في الطلب لقياس نسبه الكولسترول في دمه ،وضغط دمه ،ونظامه الغدائي ،ومن
جملة ما الحظته ،حافظ القذافي ألسباب أمنية على عالقات مهنية مع الممرضات ،فلماذا عليه
ان يجعل من الممرضة محظيته ويخاطر بتسميم نفسه بحقنة اذا ما لعبت بعقلها الغيرة.
- 11في كتاب " الطرائد " للكاتبة الفرنسية تروي لقاءها مع " ثريا " طالبة تم جلبها من المدرسة االعدادية بسرت ،كانت قد اختيرت
لتقديم هديه للعقيد اثناء زيارته للمدرسة ،وانتهى بها االمر الى مخدعه ،ثم هربت الى فرنسا لسنوات ،واضطرت للعودة الحقا ،وتم
القبض عليها واعادتها اليه ،لينال منها بصورة اكثر وحشية .
لقد قضيتُ كثيرا من الوقت حول مكتبه في المجمع ،والذي كان مفصوال عن بيته ،كان
عنده سرير نوم هناك حتى يستطيع الراحة لساعات قليلة خالل اليوم ،أو ينام الليل لو عمل
متأخرا.
استطيع القول تحت القسم انه لم يرم نفسه بالقوة على أية امراة ،ولكن هذا ال يعني أنه لم
يستغل منصبه ،كان هناك موكب من النساء ممن رمين أنفسهن على القذافي ،تأتي وفود النساء
من افريقيا بمالبس مغرية وصدور مكشوفة ،يتقاطرن عليه ليحظين برؤيته ،و هن في نصف
عمره ،تتصرف تلك النساء كالمومسات ،على أمل ان ينظر القذافي بايجابية إلى بلدانهن ،ال
أشك في انه استخدمهن للجنس ،ألنهن قُدمن له على طبق ،وهن في المقابل قمن باستغالله.
رسميا ،كانت مبروكة الشريف مسؤولة عن تنظيم زيارات النساء رفيعات المقام ،ولكن
دورها غير الرسمي هو تدبير النساء لمتعة القذافي ،كانت توصف بسيدة مأخوره وفي بعض
األوقات كنت ارى خمس أو ست نساء وصلن معا ،حتى يستطيع ان يُنقي منهن ما يطيب له ،ال
أعتقد أنه كان مهتما أو محرجا انني شاهدت ما يجري ،لم اتدخل في هذا الجانب من حياته
الشخصية ،بالرغم من انني في السنوات األخيرة لحكم القذافي كنت قلقة من تنامي تأثير
مبروكة ،كان تعليمها ضعيفا ،وبالكاد تستطيع توقيع إسمها ،ولكن في العشر سنوات االخيرة
لقد طبقت السحر االسود الذي تعلمته في زياراتها إلى أقطار افريقيا الجنوبية ،بالرغم من
أن القذافي لم يكن لديه اهتمام بسحرها ،لكنه تسامح معه النها كانت تفتقد الي وازع ،وتنفذ
طلباته بدون سؤال ،كانت تنشط بشكل رئيسي في الفترة الليلية ،وكان عملها من مكتب القذافي ،
شعرها االسود ،وعيناها السودوان ،وبشرتها الشاحبة ،يضيفان عليها مسحة من الترويع.
مبروكة التي كانت في عقدها الثالث عندما التقيتها اول مرة ،لم تكن تضع مكياج ابدا ،
كانت تضع غطاء على رأسها ،ترتدي الزي العربي التقليدي ،اسود دائما ،يقال انها مولعة
بااللماس ،احتفظ العقيد بمخزون منه ليمنحه كهدايا إلى زوجات القادة األفارقة ،وبحسب
كما عبدهللا السنوسي كان لمبروكة ارتباطات عائلية بالقائد ،حيث أنها طليقة أحد أبناء
عمومته ،ميزة أخرى تشترك فيها مع السنوسي هى الغيرة من أي شخص تخشى قربه من العقيد
،لم أشعر مطلقا بالراحة بالقرب منها ،وهى أبانت بشكل تام انها ال تحبني كذلك.
كنت أبغض الطريقة التي تجر بها النساء للرئيس ،وهو من جانبه منحها وظيفة ال معنى لها
( رئيسة المكتب الخاص) ،والجميع كان يعرف بالضبط ماذا فعلت ،لقد كان عمل قذر ولم اكن
ارغب في ان تكون لي عالقة بمبروكة ،كانت تتصل بالقذافي في كل االوقات قائلة "عندي لك
فتاة جديدة" ،وعندما تكون محيطة به ال يكون للعقيد رغبة بتسيير البلد.
هناك امراة واحدة رغبها العقيد ولم تبادله مشاعره القوية ،لقد عشق وزيرة الخارجية
األمريكية كونداليزا رايس واصفا إياها باميرته اإلفريقية ،احتفظ العقيد بكتاب قصاصات ملئ
بصور رايس والف اغنية على شرفها ،كان دائما ينجذب إلى المرأة القوية ببشرة سوداء ،
قال في مقابلة مع الجزيرة "انا معجب و فخور بالطريقة التي تحني بها ظهرها للخلف
وتصدر األوامر للقادة العرب ..ليزا ،ليزا ،ليزا" و اضاف " انا احبها كثيرا .و معجب بها كثيرا
لقد كان هذا إلى حد ما مثل غرام اوالد المدارس ،كما انني الحظت ان القذافي لم يكن
بالكامل مرتاحا حول الجنس اآلخر ،عندما يتم تقديمه للمرة األولى إلى أمراة كان في بعض
ثمة حادث التصق في ذاكرتي ،حصل بدون نوايا مبيتة ،عندما قدم بناء على طلبي ،رجل
أعمال من سويسرا ،تدبرت له لقاء مع القذافي في مخيمه الصحراوي قرب سرت ،استمر حتى
المساء المتأخر ،وبينما كنا نضع اللمسات األخيرة على صفقة عملة ،قال الرجل فجأة " بقت
زوجتي في الفندق و هى ترغب بشدة في لقاءك" ،كانت ردة فعلي نوع من االمتعاض ،لماذا لم
يطلب ببساطة احضار زوجته منذ البداية ،كان بامكانها ان تصافح القذافي عند انتهاء المحادثات
،القذافي كان متعود على هذا النوع من الطلبات ،يتقبل هذة االزعاجات برحابة صدر ،وافق
على أن يرى زوجته لوقت قصير في قاعدة عسكرية ،فقمت انا بمرافقتها ،صافحها القذافي
بحرارة ،بينما تسللت انا إلى مطبخ مجاور لتحضير المشروبات لهما.
عندما رجعت وجدت أن كليهما اختفى تاركين واحدة من حارسات القذافي تشرح لي انه
اخدها معه الى المكتبة ليريها كتاب ما ،لكنها رجعت لوحدها بعد ثالثين دقيقة تبتسم وتضحك ،
المرأة التي كانت ايرانية أعطت اقراطها للحارسة في إشارة إلى امتنانها.
كان من الواضح انها سعيدة لحصولها على فرصة اللقاء الخاص بالقذافي ،واطرت على
اهتمامه ،بعدها غادرنا القاعدة في سيارة ليموزين رسمية عائدين الى الفندق ،فإذا بها تبكي ،ما
المشكلة؟ سألتها وانا مستغربة عما اذا كانت مريضة ،لدهشتي اجابت :قام القذافي باغتصابي
وانا خائفة من ردة فعل زوجي ،إلى هذا اليوم ليس لدي فكرة عن ماذا حدث ،عندما كانت مع
القذافي ،لكنني بوضوح اتذكر المزاج الجيد والهدية ،لم يكن ذلك تصرف امراة تعرضت
العتداء.
لم يُضاف كالم أكثر ،وفي الصباح التالي التقيت بالزوجين في مطار سرت حيث كنا
جاهزين للسفر إلى طرابلس بطائرة رجل األعمال الخاصة ،كان على متن الطائرة ايضا دمحم
الحويج مدير الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ،ونوري المسماري رئيس مكتب المراسم ،
وخمسة من مرافقي رجل االعمال ،كل خبراتي في ليبيا لم تؤهلني لما سيحدث الحقا.
بالكاد اقلعت الطائرة في رحلة قصيرة إلى العاصمة عندما سحب رجل االعمال مسدسا
ووجهه نحونا ،متهما القذافي باالعتداء على زوجته ،كان يطلب تعويضا بقيمة 02مليون دوالر
يضمن به سالمتنا.
مرت ثوان قليلة ،فتأكد لنا اننا قد صرنا مخطوفين ،كان في عقده السادس فلم أستطع تخيل
وجود خاطف حقيقي امامي ،ولم أشعر حتى بالخوف عندما اخبرنا اننا سنتجه إلى المانيا.
لم يأخد األمر وقتا طويال حتى انتبهت السيطرة الجوية إلى التغيير غير المصرح به لمسار
في كل وقت المفاوضات كان المسماري هادئا بشكل ملفت للنظر ،ونجح في إقناع خاطفنا
بأن ال امل له في الهروب ،اعتقد ان مشهد الطائرتين العسكريتين إعاده إلى رشده ،ولم يكن حقا
في نيته قتلنا بمسدسه في مقصورة الطائرة المخطوفة ،كانت خطته مجنونة.
انتهى الخطف بسرعة كما بدأ ،نزلنا آمنين في مطار طرابلس حيث تحشدت الشرطة
بالنظر إلى الوراء انا مقتنعة ان كل الواقعة بما في ذلك االغتصاب المزعوم كان حبكة غير
متقنة البتزاز القذافي ،افترض هذان الزوجان عديمي الضمير ان القذافي سيرغب في دفع
في بالد أخرى سيتم سجن الخاطف لعقود ،لكن ليبيا شئ مختلف ،ببساطة تم تجريد الخاطف
من سالحه ،وتم إعادة تعبئة طائرته بالوقود ،وعاد هو وزوجته إلى بلدهما ،أدرك الليبيون ان
رمي مواطن سويسري في السجن في وقت كان فيه التركيز على تصليح العالقات مع الغرب لن
كانوا ال يرغبون في حدوث أزمة دبلوماسية ،أدركوا أن االدعاء باعتداء القذافي على سيدة
سوف يتم نقله عالميا في األخبار ،لقد كانت واقعة غريبة ،وانا اشاركها الوضح ان ليس كل شئ
- 12رئيس المراسم المسماري ايضا ذكر الحادثة الحقا في مقابلة مع صحيفة الحياة ،يقول " :هذه سيدة ايرانية زوجة رجل سويسري
ت السيدة القذافي ليالً واعتدى عليها بعنف .عرفتُ األمر بينما كنا عائدين في
مشارك في وفد من شركة إيرانية لتوظيف األموال ،قا َبلَ ْ
ً ً
طائرة الوفد والحظنا ان األمن المرافق للوفد اعتقل سيدة على الطائرة .كان معنا ايضا دمحم الحويج الذي تولى الحقا حقيبة المال .
حصلت الحادثة ..في سرت ،ولها تفاصيل ثانية .دخلت معهم في تفاوض على الطائرة ،وعلى الطائرة عرفتُ ان زوجة السويسري هجم
عليها القذافي وكانت في حال يرثى لها .نعم .كانت في غرفة النوم في الطائرة .أدخلني إليها زوجها ،ووجدتها في حال يرثى لها ،الدم
مبروكة الشريف ..مسؤولة مكتب الشؤون الخاصة او المكتب الخاص
يسيل منها ،فأخبرتني بما حصل .قالت ان سيدة جاءت إليها واستدعتها للمقابلة ،وكانت برفقتها ضابطة اسمها سالمة .وذهبوا الى
المقابلة ،وكانوا في البداية اخبروها بأنها دعوة ،ولكن الحقا ً دخل القذافي ودعاها الى المكتب و «هجم» عليها بعنف .عندما دخلتُ
للتحدث مع زوجة السويسري ،دخل رجال األمن (الذين كانوا بصحبة الوفد) وقبضوا على السيدة التي كانت برفقتنا وهي الوسيطة التي
أحضرت الوفد .وحصلت بيني وبين الزوج السويسري مشادّة .وقلت له ان ما تفعله خطأ ،فقبل أن تخرج من األجواء الليبية ستجد
الطائرات الحربية تالحقك .كان معهم عناصر من األمن الخاص بهم .هؤالء العناصر هم من قيدوا المرأة الوسيطة ..وهي عربية.
..وسألت زوجة السويسري ،هل حاولت هذه السيدة إقناعك ؟ فقالت ال .وسألتُ السيدة :هل قالوا لك انها دعوة ،فقالت نعم .يعني ان ال
عالقة لها باألمر .ففكوا األغالل .،دمحم الحويج كان خائفا ً وجبانا ً وشبه ميت على الطائرة .الحقا ً ..أعتقد بأن السيد عبدالحفيظ الزليطني
نظم تعاونا ً بين هذه المجموعة السويسرية وليبيا.الذي كان وزيرا ً لالقتصاد ّ
( ) 13 الفصل الثامن عشر
ملك الملوك
السنوات التي أعقبت رفع الحصار كانت الفترة الذهبية للقذافي ،طرق بابه كثير من قادة
العالم ،حتى تضخم احساسه بأهميته ،وزاد من غروره ،اعتقادا منه ان سالمه مع أمريكا
في 2220كنت جزء من وفد قوي قوامه 222شخص مع العقيد في رحلته االوربية إلى
فرنسا و اسبانيا ...انتهت أيامه كمنبوذ ،كان يجب أن يعود له الفضل في هندسة هذا التحول
غير العادي ،لكنه سمح لهذة الفرصة العظيمة ان تنزلق من بين اصابعه ...خالل تلك الفترة
أتذكر دردشة عفوية مع بعض أقرب معاونيه بما في ذلك موسى كوسا ،كنا نناقش التغير في
سلوك العقيد ،قلت لهم " عليكم بايقاضه ،هذا الطريق الذي يسير فيه خطير وسيقضي عليه ،
اخبروا الرئيس ان مبالغته في تقدير نفسه ستقتله ،انه يتصرف كإله ...صار مفرط الحساسية
تجاه النقد ،تناولت مجلة "المجلة" السعودية مقاال عنه ،وعن ابنته عائشة ،فراَه القذافي مهينا ،
لسوء الطالع كان رئيس التحرير اردنيا ،فتم ايقاضي منتصف الليل من قبل رئيس المراسم
نوري المسماري ،واُبلغت ان القذافي غاضب ويريد ان يمتثل أمامه سفير األردن في طرابلس ،
ُ
طلب مني تنظيم اللقاء على الفور ،أوقظ السفير الشريف فواز الزبن من نومه وحضر أمام القائد
الغاضب في الساعة 2ليال ،حاول السفير االعتذار ،لكن القذافي الحانق اصر على رفع األمر
إلى الملك عبدهللا الذي سيزور ليبيا في اليومين التاليين ،حاول ملكي تهدئة االمور باعتذار عن
سلوك مواطنه ،لكن لم يكن القذافي يسمح بالتراجع ،سمعت بعدها بوقت طويل ان الصحفي تم
في رائي فقد القذافي قدرته على إصدار أحكام سليمة في األربع سنوات االخيرة من حياته ،
قيل انه كان مريض نفسيا ،رغم أن عقله بدا حادا كما كان دائمآ ،أعتقد أنه يعاني من االكتئاب.
- 13مختصرات
ذات مرة سألت القذافي :كنت دائما تعارض االلقاب واالن وضعوا تاج على راسك ،
ويلقبونك " ملك افريقيا " هذا خطأ ،االن عندما أرى اسمك مكتوب في الصحيفة فإن األلقاب
التي تسبق اسمك تمأل نصف الصفحة ،ماذا يا ترى كان رده ؟ ال شئ ،بل ابتسامة مبهمة.
لم يأتيني مطلقا االحساس ان شعبه سيثور عليه ،لكنك كنت تستطيع االستماع إلى هدير
التذمر في الخلفية ،الفساد والبيروقراطية حرمتا عامة الليبيين من االزدهار ،قلة من الناس كانت
غنية جدا ،اما األغلبية فاستمرت تعاني ،لقد حذرت القذافي من الفساد الذي كان رائجا ،لكنه لم
يتصرف ...أصبح ضيق الصدر ،عدة مرات يخرج غاضبا من االجتماعات اذا لم تسير األمور
كما يشاء ...جاءني االنطباع انه كان مرهق ،حيث كان في منتصف االلفينات بعمر 15عام
(عمر التقاعد) ،و له في السلطة اربعة عقود ...أعطى القذافي بلده افضل سنوات عمره ،وقدم
عديد التضحيات ،واعتقد انه صحا ذات يوم ،فشعر بنفسه مسنا ،استلم السلطة عندما صعد اول
رجل إلى القمر ،وتبادل أثناء فترة حكمه 0رؤساء امريكان على السلطة ...حاول محاربة عملية
التقدم في السن بصبغ شعره ،لكنها مسألة حساسة ،كل أموال العالم لن ترجعه شابا مرة أخرى.
كانت عنده القوة ،لكنه كان يشتهي االشياء العادية ،كان في ليبيا ال يستطيع ان يزور مطعم
أو سوق دون أن يحتشد حوله الناس ،كان يسألني أسئلة عفوية جدا عن كيف اقضي وقت فراغي
،تكون اجابتي احيانا اني ذهبت إلى هذا المطعم أو ذاك ،فتلتمع عينيه ويطلب مني" اخبريني
عنه ،ماذا أكلتي ،اوصفي لي الطعام ،هل استمتعي به ؟ .كانت من نوع االسئلة التي يود
طرحها طفل.
كان واضحا لي انه يعاني في السيطرة على ابناءه الذين استغلوا غيابه خارج البلد في
أشغال االتحاد االفريقي ،لم يكن معميا عن التهديد الذي شكلوه ،أخبرني ذات مرة ،اذا كان
لن تكوني صديقتي ...الجميع من حوله كان يدرك ان االمور ستنتهي بشكل سيئ ،و لكن اما انه
ال يستمع إلى مستشاريه ،أو ان مستشاريه يخشون معارضته ...عادة اُسأل عن أبناء القذافي ،
وللسبب الذي أوضحته فيما سبق ،انا لم اتعرف علي اي احد منهم ...كان في كثير من األحيان
في ليبيا كان من الممكن ان تُخفي تصرفاتهم الغريبة ،لكنهم يتركون اثار الفوضى في
اعقابهم عندما يسافرون الى الخارج ،هناك تقارير عن عراك في النوادي الليلية ،وشرب وسوء
معاملة للعمال المحليين ،وتعاطي المخدرات ،اعلم انه اضطر إلى حبس اوالده من اجل
في مرحلة معينة كانت هناك اشاعات عن ان القذافي كان يُ ّجمل ابنه سيف ليكون قائدا ،
درس سيف في كلية لندن لالقتصاد ،وكانت هناك فضيحة عن تبرعه للكلية بمبلغ 3.5مليون
جنيه استرليني من منظمته الخيرية ،يدعى البعض أنه اشترى بها شهادته.
لقد شهدت بنفسي كيف حاول أن ينسب لنفسه االختراقات التي حصلت في قضيتي لوكربي
في مواجهة مع العقيد حول اإلشاعات المتواصلة التي سمعتها حول ان سيف سيكون القائد ،
قلت له :لو ان الحال هكذا ،دعني اطلع الملك عبدهللا حتى يرتب مع االمريكان ...احسست ان
الملك عبدهللا صاحب عالقات ممتازة مع الغرب يمكن أن يساعد في تسهيل طريق الخالفة ...كان
القذافي مصرا أن هذا لن يحصل ،لكنني اصررت متسائلة ،بعد أن تموت ،من الذي سيدير ليبيا
،صدمتني اجابته " انا اوال ،و بعد ذلك إلى الجحيم ،ال أهتم بماذا سيحدث " .
ابنه اآلخر المعتصم كانت لديه عالقة غرامية علنية مع عارضة أزياء هولندية ظهرت مرة
في مجلة بالي بوي ...كان القذافي ُمخيب األمل في كثير من ابنائه ،عدا عائشة الملقبة بـ "
كلوديا شيفر" شمال افريقيا بشعرها المصبوغ ،ومالبسها االنيقة ،لم تسبب لي عائشة أي متاعب
.
بالنسبة لـ " هناء " ،ابنته بالتبني ،قيل انها ماتت في الغارة االمريكية ،هذا غير صحيح ،
واستطيع التأكيد انها مازالت حية ،كان يحبها أكثر من ابنته التي من صلبه ...التقيتها في عدة
مناسبات ،واحدة منها في المسرح عندما كانت بعمر 35عام ،تحضر حفلة غنائية للفنان هاني
شاكر ،حدث اني كنت اجلس بجانبها ،كانت فتاة بسيطة ،في نهاية العرض طلبت مني أن اعطي
مفكرتها اليومية إلى شاكر ليوقع عليها ...مع الوقت الذي رتبت به األمر ،كانت هناء قد اختفت
،لهذا اخدت المفكرة معي إلى الفندق ...لقد داومت الفتاة على تسجيل يومياتها ولم استطع مقاومة
قراءة قليل من مدوناتها ...كان من الواضح أن لديها مشكالت عاطفية ،وانها متأثرة بوفاة
والديها الحقيقين عندما كانت طفلة ،هناء أصبحت طبيبة ،وهى االن متزوجة باطفالها ،لقد
سمعت ان الزواج رتبته صفية زوجة القذافي ،بعد سقوط والدها قضت هناء بعض الوقت في
عدد مجلة "المجلة" الذي اغضب القذافي فأستدعى سفير األردن الساعة 2ليال
الفصل التاسع عشر
في إحدى ايام صيف 2228كنت اجلس في مكتبي بعمان ،رن جرس هاتفي المحمول ،
كان حدسي االول انه نوع من المقالب أو الخدع القذرة من مكتب استخبارات القذافي ،في
كل سنواتي في العمل التجاري لم يكن لدي أي صفقات مع اسرائيل ،كان هذا يناسبني ،بحكم
جذوري الفلسطينية ،ال يتطلب األمر عبقرية لتستنتج اين يكمن تعاطفي ،فماذا تريد إسرائيل
مني؟
كان المتصل ُمصرا ،يرن مرتين أو أكثر ،في النهاية تغلب فضولي ووافقت على االستماع
،رغم أنه إذا كان الموضوع حقيقي ووصل إلى القذافي انني اتحدث إلى عدو لدود ،فسوف افقد
الكثير ،كما أن االعداد الكبيرة من معارفي في االعمال التجارية العربية ،بدون شك ستكون لهم
نظرة سلبية عن أي تواطؤ مع إسرائيل ،لقد خطر ببالي انني اقترف انتحار مهني ،لكنني
اقتراح لقاء بيننا ،مع اثنين من مستشاري الحكومة اإلسرائيلية ،احسست انه من الحكمة ان
ابلغ مكتب االستخبارات االردني ،اوال كنت اريد ان أتأكد ان هذا لم يكن خدعة مدبرة ،وثانيا
احتجت إلى تغطية ظهري ،لم يقال شئ ،لكن كنت متأكدة ان الموضوع يخص ليبيا ،وال عالقة
كنت مندهشة الكتشافي انه ليس فقط كانت االستخبارات األردنية على علم باهتمام إسرائيل ،
لكنها أيضا زودتهم برقم هاتفي ،لقد كانت ما يشبه عمليات التجسس بغموضها وسريتها
وتشويقها ،ورغم انني االن لدي مباركة الحكومة األردنية ،فقد كنت متوترة قليال .
كان مكان اللقاء مطار عمان ،كان الموظفان اإلسرائيليان لم يكشفا قليال عن هويتهما ،فقط
استشف ،وكما توقعت كانت صالتي بليبيا وراء هذة المفاتحة ،تم اقتراح ان اطير إلى تل أبيب
خطوتي الالحقة في اللحظة التي تأكد فيها ان ليبيا كانت هى الموضوع ان ابلغ القذافي ،لكن
لم اكن انوي تنبيه اشخاص ،مثل مبروكة الشريف ،وعبدهللا السنوسي ،وموسى كوسا.
تجاوزت مكتب االستخبارات الليبي واتصلت بسالمة ميالد ،وهى إحدى الحارسات ،
استطيع ان ائتمنها على حياتي ،يبدو أن العقيد كان يشاركني رائي الن سالمة في ذلك الوقت
كانت واحدة من اقدم النساء بالجيش الليبي وتحمل رتبة عقيد ،قامتها تقريبا بطول العقيد ،ايضا
جميلة ،كانت سالمة تالئم الصورة النمطية الغربية للحارسات ،والن القذافي لم يصطفيها لشكلها
،فقد تدربت على يد العسكرية الروسية ،عندما ال تكون في بزتها العسكرية المموهة االعتيادية
كانت تعشق المالبس االوربية ،وبخالف الثالث شخصيات التي ذكرتها اعاله ،كانت صادقة
جاء الرد من سالمة ان القذافي يشاركني احساسي بالفضول ،كان راضيا ان أقابل
اإلسرائيليين لمعرفة ماذا يريدون ،ومع ذلك تم التوضيح انه ال يجب أن اعطي مؤشر ان العقيد
القذافي وافق ،أو عرف عن هذا اللقاء ،سوف لن امثل ليبيا ،و لكن ان اتصرف وفقا لقدراتي
الخاصة ،هذا ليس غير اعتيادي تحت بنود اتفاقي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية.
تستغرق الرحلة من عمان الى تل أبيب فقط 25دقيقة عبر طائرة خاصة وفرتها اسرائيل ،
لكن كنت ادخل إقليم جديد وتجربة جديدة ،لم يخطر ببالي يوما انه سيكون لي سبب لزيارة
إسرائيل ،ومع الوصول إليها استمر خداع التخفي ،فال جواز سفر ،ال تأشيرة دخول ،وال ختم ،
من المطار تم اخدي بسيارة ليموزين معتمة النوافذ إلى فندق بمركز المدينة كان يعج برجال
االمن ،في جناح بالدور الثالث تم تقديمي إلى شمعون بيريز الرئيس التاسع إلسرائيل الذي مد
يديه للسالم ،انتم تعرفون االن انني لست دبلوماسية ،وان ال سيطرة لي على عواطفي ،قلت له
:ال استطيع ان اصافحك ألنك تقتل الفلسطينيين كل يوم في غزة ،لم تغادر االبتسامة وجه بيريز
ورد بهدوء :اجل ِسي سيدة شرعب ،انا سعيد بمقابلتك ،بافتراض انه كان غاضبا ،إال ان
اخيرا تم شرح السبب وراء تواصل إسرائيل ،اخد مني الجهد منتهاه حتى ال ينفتح فمي من
بدأ بيريز بالقول :الوسيط بين اسرائيل والفلسطينيين هو الرئيس المصري حسني مبارك ،
لكننا نشعر بأن مقاربة طازجة مطلوبة ،نيتي ان احل قضية غزة بتوقيع نوع من االتفاقية مع
الفلسطينيين ،نحن نعتقد أن الرئيس القذافي هو رجل الوساطة النموذجي ،هل سيساعدنا ؟
كان طلب فريد ،القذافي اإلرهابي ،القذافي المنبوذ ،اآلن لو فقط استطيع تصديق اذني :
استمر بيريز في التوضيح بأن القذافي في الموقع المناسب تماما الخد هذا الدور ،الن ليبيا
ليس لها حدود مع إسرائيل ،العداءات القديمة كانت أيديولوجية وليست حول األرض ،وأكثر من
ذلك ،ليبيا غنية فال تحتاج الى معونات مالية من أي أحد ،باختصار ،كان بيريز واثقا انه من
غير الممكن رشوة أو ابتزاز العقيد ،اخرا و ليس اخيرا ،هى مكانة القذافي الجديدة كرجل دولة
جاد ،كانت شعبيته في العالم العربي تبلغ قمتها ،لذلك بالرغم من سلوكه المتقلب ،فإن بيريز
كان متأكد ان القذافي سيكون مقبوال عند الفلسطينيين ،اضاف الرئيس بيريز :نحن نعتقد أنه
سواء كان هذا هو الحال بالفعل أم ال ،فإن رصيد القذافي لم يكن أعلى منه في أي وقت مضى
،اضاف بيريز :نحن على استعداد للسفر إلى ليبيا أو اللقاء به في دولة محايدة ،في هذة المرحلة
الوقت ،لم تكن سديدة ،لكن لم استبعد مشاركة القذافي ،بشكل خاص ادركت انها ستعظم من
درسنا مواقع قليلة ممكنة الستضافة الحدث ،فقررنا أن بلدي التي للقذافي فيها ذكريات
استمر اللقاء مع شمعون بيريز ساعتين ،وعندما كان وقت مغادرتي ،وقف كالنا لتبادل
الكلمات الوداعية ،رغما عن نفسي وجدت انني أشعر بالمودة تجاه بيريز الذي كان قد اظهر
أعتقد أنه كان صادقا في محاولته ايجاد حل لمسألة غزة ،واستهوتني فكرة انني يمكن أن
اكون قوة دفع لخير الشعب الفلسطيني .وبينما كنا نغادر ،بادرت إلى مصافحته ،وتقبيل خديه
شعرت انني اوصلت وجهة نظري عندما قُدمنا لبعض بداية ،وان اي إهانة أخرى ستكون
فظيعة .
خطوتي التالية كانت ان ابلغ مكتب المخابرات األردني مرة اخرى ،وان اطرح االقتراح
بالنسبة لالردن التي ستكسب الثناء الخدها المبادرة ،سوف تكون سعيدة بالمضي قدما ،لكن
كنت اعرف ان موافقة القذافي ستكون اكثر صعوبة ،فبالنسبة لبعض االوساط ،ان اي
مفاوضات مع إسرائيل هى عالمة ضعف ،لذا خشيت أن يرفض القذافي مقترح بيريز بالكامل.
اطلعت سالمة -الحارسة -بالهاتف ،و بعد أيام قليلة اتصلت بي لتطلعني على رد العقيد ،
قالت" الرئيس يرغب في القيام بهذا تحت شرط واحد" و اضافت" ان تنعقد المحادثات في السر،
لو كانت المحصلة ناجحة ،وتم توقيع اتفاقية سالم بين الفلسطينيين وإسرائيل عندها سيكون
سعيدا بكل التفاصيل ،بما في ذلك اإلعالن عن دوره فيما حصل ،لكن اذا لم يتم الوصول إلى
لم يشأ العقيد ان يخاطر بالجلوس على الطاولة مع اسرائيل ،األمر الذي بدون شك
سيغضب الليبيين ،اذا كانت المحصلة فقط اقترانه بالفشل ،وفي المقابل ،اذا ثبت أن المحادثات
كللت بالفوز ،فقد اعتبر أن االستحسان الذي سيناله للمساعدة في التوسط في صفقة سوف يبز
االنتقادات.
لم يكن طلبا غير منطقيا ،لكن رعب القذافي الواضح من التسريبات جاء معه تحذير ،لقد
قرر انه اذا فشلت القمة وانتهت إلى طريق مسدود ،وطفت على السطح تفاصيل القمة الفاشلة ،
حينها يجب على الملك عبدهللا ان ينهي اتفاقية بلده للسالم مع إسرائيل .
العالقات الدبلوماسية الكاملة ،وتم البث في نزاعات االراضي ومشاركة موارد المياه الثمينة ،
واالتفاق على الصفقات التجارية ،تم تشجيع السياحة بين البلدين ،يمكن المصطافين الى إسرائيل
من التعريج على مدينة البتراء العتيقة المنحوتة من الحجر ،كانت االتفاقية معلم لحدث هام في
التاريخ األردني ،اغتممت عندنا سمعت بهذا الشرط الوحشي المفروض من قبل العقيد ،لم يكن
من الممكن تقريبا استبعاد التسريبات ،وكنت ادرك ان األردن لن توافق على تمزيق االتفاقية.
اطلعت المسؤولين في بلدي ،وكما تخوفت بالضبط ؛ شرطا مثل هذا كان غير مقبول ،ما
يدعو للحزن ،ان قمة السالم المقترحة بين الفلسطينيين وإسرائيل ،باستضافة االردن والقذافي
كانت هناك اضافة لما حصل بعد اسابيع قليلة ،عندما كنت استمتع في ايام قليلة من عطلتي
في وادي رم الصحراوي الجميل جنوب االردن ،رن جرس الهاتف ،كان على الخط شمعون
بيريز محاوال إحياء الخطة ،وعدته بالكالم مع القذافي عندما اكون في ليبيا في قادم األيام ،لكن
ذهب الرجالن إلى قبريهما دون أن يحدث تقدما في هذا الموضوع .
فقط عدد قليل من الناس في اسرائيل واألردن وليبيا كانوا على إطالع بما جرى ،في ختام
لقائي األول والوحيد مع شمعون بيريز ،وقفنا اللتقاط صورة ،لم تكن لغرض نشرها علنيا ،
حتى اآلن ابقيتها دائما مخفية ،ولم اناقش زيارتي الى اسرائيل مع اي احد ،و مع هذا أشعر أن
وقت كاف انقضى للبوح ألول مرة عن القصة الفريدة ،كيف ان القدافي كان متراصفا ليصبح
لم يصل األمر إلى شئ ،لكن التقارب اإلسرائيلي كان وقودا أكثر لغرور القذافي ،لقد كان
مع نهاية 2229كان في حقيبتي ثالثة ملفات سميكة ،زيارتي المرهقة إلى الهند ،
والعشاء المثمر مع هيالري كلنتون ،وزيارتي السرية إلى تل ابيب للقاء شمعون بيريز ،وهى
عادة كلما كان بحوزتي معلومات مهمة كهذه ،اقفز في الحال على متن رحلة جوية إلى
طرابلس ،لكن ،كما اوضحت في السابق ،القذافي كان مشغوال بقضايا أخرى خارج ليبيا ،
نقطة التحول كانت زواج شقيقي عز الدين ،استمرت عالقته بـ " النا " شهور فقط ،
وتردى حاله بسبب موت شقيقنا ،واخيرا وقع في غرام فتاة أخرى ،هى " رشا " ،غمرتنا
وعد العقيد بحضور حفل الزفاف ،وهذا بمثابة تشريف لعائلتنا ،غير أن العثور على
تاريخ يناسبه كان صعبا ،ثالث مرات تراجعنا عن موعد الزفاف حتى يتوافق مع مفكرة
مواعيده المزدحمة ،حتى تم االتفاق اخيرا على تاريخ معين ،كنا نعتبر القذافي واحد من عائلتنا
،وكان من غير الالئق عدم توجية دعوة له ،كنا مبتهجين انه سيطير الى االردن لينظم إلى
مراسم الزفاف ،وكان عزالدين سعيدا بالعمل وفقا لجدول مواعيد العقيد ،ففي النهاية ليس كثير
القى غيابه بظالل على مجريات اليوم ،كنا نعرف انه رجل مشغول ،لكن في حال لم يتمكن
من الحضور ،اذن فكل ما كان يجب فعله هو أن يتراجع بلباقة ،ويرسل أحد من أسرته بدال
عنه.
القى باللوم على مكتبه لفشلهم في تذكيره ،لكن هو وانا نعرف ان هذا هراء ،لقد اتصلت
بمكتبه يومين قبل الزفاف ،ولم تكن ثمة مشكلة ،لهذا تساءلت ماذا حدث فجاة ؟ لقد غضبت من
سلوك العقيد النني كما يعرف الجميع خدمته بإخالص أكثر من عشرين سنة ،وكرسيه الفارغ
دائما كنت اظهر احتراما للقذافي ،وكل ما اطلبه هو ذات الشئ في المقابل ،بعض
االهتمام ،قبل عدة شهور ارسل وفد ليبي ضخم لزفاف أحد السياسيين االردنيين ،بالرغم من
أن هذا لم ينجز نصف ما انجزته انا لليبيا طوال هذة السنين ،حضر مسؤولون اخرون مثل
وزير الداخلية دمحم الحجازي ،ورئيس امن القذافي جمعه المعرفي ،حفلة زفاف شقيقي ،
وبالرغم من أن المعرفي كان من افضل اصدقائي في ليبيا ،اال أن ذلك كان مؤاساة ضئيلة.
لم انو استفزاز القذافي ،لكن لشهور بعد الزفاف تجاهلت االتصاالت من مكتبه للرجوع إلى
ليبيا.
لم اندم على اتخاد هذا الموقف ،لكن متأكدة ان أعدائي في مكتب االستخبارات استغلوا هذا
ضدي لمحاولة تسميم عقل القذافي ،بالنظر االن إلى الخلف ،انا متأكدة ان هذا كان جزء من
من بين االشخاص الذين ازعجوني كانت مبروكة الشريف ،االمر الذي كان ينبغي ان
يدق أجراس االنذار ،كان من المعتاد بالنسبة لي التعامل مع مدير مكتب معلومات القذافي احمد
رمضان ،او واحدة من الحارسات ،ولم يكن لدي أي نية في ان اُشاهد وانا أقوم بعروض
مبروكة ،كانت سمعتها مشهورة في قود النساء لمتع القذافي ،وانا ال اريد ان ارتبط بهذة المراة
واساليبها المشبوهة.
لم تكن نيتي ابدا البقاء بعيدا عن ليبيا بصورة دائمة ،لكن كان عندي وفرة من االعمال
التجارية األخرى التي تشغل وقتي في المنطقة ،لم اكن مطلقا موظفة عند القذافي ،لكن
مستشارة بعقد ،لذلك ليبيا ال تملكني ،كنت بحاجة الى مساحة لتهدأ اعصابي .
انصرم الوقت حتى باكرا سنة ، 2232بينما انا في االمارات العربية في عمل تجاري
خاص بي ،اتصل بي وزير الداخلية األردني عيد الفايز ،قال لي " عندنا ضيف مهم هنا في
عمان يرغب في رؤيتك " ٌ ،مستثارة بسبب عدم انتظاري الحد سألته " من يكون "؟ ،لقد كان
عبدالهادي ابن اخت العقيد ،الذي طار من ليبيا الى األردن بدون موعد ليقنعني بالعودة ،
لعشرين سنة كنت القي ما بيدي واقفز متحفزة على وقع إشارة العقيد باصبعه لي بالقدوم ،لمرة
قلت له " لن اعدل من خططي" ،انا كذلك مغتاظة من الحكومة األردنية التي كانت
تتصرف كوسيط في شجارنا ،عبدالهادي كان شخص اعرفه جيدا ،لذلك لم يكن ثمة حاجة لهذا
النهج غير المباشر ،واضفت ،سوف اقابل عبدالهادي عندما ارجع الى األردن بعد الغد .
التقيت ابن اخت القذافي في احد مكاتب وزارة الداخلية ،طرق عبدالهادي الموضوع
مباشرة بادئا بالقول "خالي ،الرئيس ،يرغب في معرفة لماذا انت غير راضية ،ولماذا ال تأتي
اجبته " ليس عندي شيء ضد خالك إال انه لم يرسل حتى باقة ورد بمناسبة زفاف اخي ،
ال يبدو هذا جيدا بعد كل ما عملته لليبيا ،كانت فرصته ان يظهر قليل من التقدير فقط .
ومضيت في نفث كل ما بصدري ،لماذا تحصلت مبروكة الشريف على كل ارقام هواتفي ،
هاتفي المحمول ،بيتي في األردن ،شقتي في لندن ؟ تتصل بي في كل األوقات ،ال اريد ان
اتعامل معها ،او اخد أوامر منها النني اعرف سمعتها في اثارة المتاعب ،هي شخص ال
استطيع العمل معه ،ولو ان الرئيس مازال يعتمد عليها ،لن ارجع الى ليبيا .
مرت ثوان ساد فيها الصمت في الغرفة ،تساءلت مع نفسي ما اذا كنت قد تجاوزت أي
خط ،كنت اعرف ان المعارضة ال يتم التسامح معها داخل النظام ،لكن يبدو ان عبدالهادي كان
تنهد قائال :حسنا ،انت تعرفين ان خالي ينظر اليك كأبنته ،لو اخطأ والدك معك ،فانت
تسامحيه ،يحتاج القذافي ان يراك في ليبيا في اسرع وقت ممكن النه سيغادر البلد قريبا في
يذهب ،لقد مر وقت ليس قصير على تنفيذك هذه المهام .
أظهرت للقذافي انه ال يستطيع ان يعتبرني أمرا مفروغ منه ،االن كان وقت انهاء
الخصام ،لكن هناك سبب صادق في تأخير عودتي إلى طرابلس إلى وقت أطول قليال ،كان
اخي عز الدين وزوجته في انتظار طفلهما االول في غضون اسبوع ،اردت ان اكون هناك ،
أنا اصبح عمة ،هذا وقتي ،وقت االسرة ،قلت لعبدالهادي ،لقد قدمت إلى ليبيا ما يكفي من
التضحيات ،وهذا كل ما اطلبه االن ،بدأ انه قبل هذا ،وفي اليوم التالي غادر إلى ليبيا.
بعد ذلك توالت االتصاالت مجددا بتواتر اكبر ،اربعة مرات ،خمس مرات في اليوم ،متى
سيصل المولود ؟ ،متى ستعودين الى ليبيا ،يرغب الرئيس في رؤيتك في أقرب وقت ممكن ،
مضى الحال على هذا المنوال بدون توقف حتى استيقظت في إحدى الصباحات ،ألجد
إحدى حارسات القذافي على مدخل بيتي في عمان ،لم تكن واحدة من النساء التي اعرفها واثق
بها ،لكنها اصرت على مرافقتي إلى ليبيا ،أعطى الرئيس االوامر ان ال ارجع بدونك ،قالت
بتوتر.
لم اكن مصدومة ،لقد كان جزء من الثقافة في ليبيا انه اذا اراد القذافي شئ ما بشدة تجد
الجميع قد ركضوا في دوائر يصيحون ،و يستعرضون عضالتهم حتى تلبى حاجته ،ومع هذا
يمكن أن تبقي هنا يوم ،اسبوع ،او شهر ،اخبرت الفتاة المصدومة التي لم تتعود ان
يعصى أحد القائد ،سأذهب إلى ليبيا كما تم االتفاق ،فقط بعد أن يولد الطفل .
في اليوم التالي اتصل احمد رمضان الرجل الذي احترمه جدا ،كانت نفس الرسالة :
فقط مجازفة بخسران عقدي مع الشركة الليبية لالستثمارات الخارجية ،لكن أيضا سيقوض كل
عالقاتي بالقذافي ،اآلن ليس للمرة االولي ،اضع العائلة ثانيا ،قلت لمدير مكتب المعلومات ،
سأذهب إلى ليبيا غدا ،لكن على شرط ان ابقي هناك يومين ،اقدم تقاريري واعود إلى بلدي ،
تم تحديد موعد الوالدة ،هذا سيريحني من منغصات القذافي ،ويسمح لي بالعودة إلى البيت في
بدأت بعمل ترتيبات مستعجلة للسفر الى طرابلس ويشمل ذلك ان ترافقني شقيقتي ريم
التي انفصلت حديثا عن خطيبها ،فكرت ان هذة الرحلة القصيرة سترفع معنوياتها ،ستكون هذة
في 32يناير 2232جهزنا حقائبنا وانطلقنا الى مطار الملكة عالية للحاق بالرحلة التي
ستأخدنا إلى طرابلس ،كنت بعيدة عن ليبيا مدة 9شهور ،كان يجب أن التقط إشارات التحذير؛
تدخل الخطيرة مبروكة الشريف ،االلحاح المتزايد للمكالمات بالنيابة عن القذافي ،زيارة
الحارسة إلى بيتي ،لكن عندما استرخيت في مقعدي بالطائرة لم يكن لدي أدنى فكرة أنني على
سجينة
في اي وقت كنت أصل طرابلس كان ثمة روتين متبع ،بسرعة من خالل الجوازات التقي
بسائقي من مكتب المراسم ،و بعدها مباشرة إلى جناحي في اي فندق ،وان كان المفضل في ذلك
الشهر ،في هذا الوقت اقمنا في كورنتيا الذي يدار من سلسلة فندقية مالطية ،ويعتبر نسبيا اضافة
جديدة إلى التشكيلة النامية القامة خمس نجوم في منطقة االعمال التجارية في المدينة.
بينما كنت افرغ الحقائب كانت عادتي أن أمر بسرعة على التلفزيون الطلع على اخر
االخبار في ليبيا ،والتي دائما تهيمن عليها إنجازات القذافي و خطبه ،شعرت باختالجة انزعاج
االعتقاد انه سيكون في طرابلس من اجل لقائنا ،لكن ظهر انه كان أقل تلهفا لسماع تقاريري مما
اوحت به الجهود العجولة لتأمين عودتي إلى ليبيا ،وعنت لي أيضا رحلة دائرية تبلغ 122ميال
في اليوم التالي ،اذا كنت سألتزم بالموعد النهائي للثماني وأربعين ساعة والعودة الى البيت
لحضور الوالدة ،اتصلت بمكتب القائد لوضع ترتيبات الصباح التالي ،لم اكن قلقة بدون داع
بعد استمتاع بنوم ليلي جيد تم االتصال بي عند الساعة التاسعة صباحا الطالعي ان طائرة
خاصة جاهزة الخدي الى سرت ،سوف تنتظر في المطار ثم تعود بعدها الى طرابلس مباشرة
بعد االنتهاء من لقاء العقيد ،كان يبدو ان كل شيء يسير على ما يرام.
لمعرفتي انني سأعود في نفس اليوم فلم اجهز لحقيبة مبيت وتوجه ثالثنا الى سرت ،
قاعدتي هناك كالعادة كان فندق قصر المؤتمرات ،ومرة أخرى شغلت التلفزيون.
احدى القنوات كانت تبث مباشر خطاب للقذافي استمر ثالث ساعات ،كان افتراضي انه
سيتم اخدي اليه لحظة انتهاء الخطاب ،لذلك اطلعت المسؤولين ذوي العالقة بوصولي الى سرت
اخيرا انتهى هذا الخطاب المتشعب غير المترابط ،فانتظرت المكالمة ،وانتظرت ،ولم
يكن اال السكون ،مضى الوقت يجرجر اذياله حتى وصل الى وقت مبكر من بعد الظهر ،اصبح
واضحا لي ان فرصة لقائي بالعقيد تضاءلت ،في العادة يكون مرهقا بعد الخطابات الطويلة
في الوقت الذي فقدت فيه االمل كان هناك طرق على باب حجرة الفندق ،كان واحد من
الموظفين الصغار للرئيس ،لكن بدل الترتيب الخدي الي القائد كان يحمل معه مفاجأة غير سارة
لي ،مبروكة الشريف ،المراة التي اكره ،كنت مصرة أال اتعامل معها ،كانت في الطابق
السفلي تطلب أن تراني ،هى فقط تريد أن تسلم عليك ،قال المعاون بشكل غير مقنع .
كنت متأكدة ان الغرض لم يكن تبادل المجامالت ،وازعجني انه تم تجاهل رفضي ان يكون
لي اي عالقة بها ،وكذلك انها مازالت في الدائرة الداخلية للقذافي ،وهذا مقلق ايضا.
لم أر أي فائدة في الموافقة على رؤيتها ،لهذا ارسلت لها اني افضل البقاء في غرفتي ،لن
تتقبل موقفي هذا بصورة حسنة ،لكن في تلك المرحلة كان متعذر بالفعل لعالقة العمل ان تستمر
شعرت باالرتياح بعد أن اكتشفت انها غادرت الفندق بعد استالم رسالتي ،استأنفت
بحلول هذا الوقت تقبلت على مضض ان لقائنا لن يحصل هذا اليوم ،عرفت انه سيطير في
اليوم التالي عند الساعة 33صباحا إلى إثيوبيا ألعمال تخص االتحاد األفريقي ،غير ان هذا ما
زال يُبقي وقت لموعد صباحي مبكر ،في الماضي عندما ال يكون الوقت في صالح كلينا ،كنا
نلتقي في المطار حيث يتاح وجود غرف خاصة ،كنت متعودة على العمل وفقا لجدوله
الجديدات ،مرأة شابة لم التقيها من قبل ،ابلغتني ان العقيد يود ان يراني في مخيمه الصحراوي
عندما وصلنا كان يجلس وحيدا خارج الخيمة ،كان يرتدي قميص ابيض ،لست متأكدة
لماذا علق هذا المشهد في عقلي ،ربما ألنه كان آخر وقت في حياتي شاهدت فيه العقيد.
تصافحنا بااليادي وشعرت ببعض التردد الذي ارجعه إلى الوقت الذي فصل بيننا ،أو تعنتي
بعد زفاف اخي ،لم ارغب في التسبب بأي احراج ،لذلك لم يُفتح الموضوع بينما ،كنت افتح
بدأت اريه صور من عشائي مع هيالري كلينتون ،ولقائي مع شمعون بيريز ،وبالضبط
عندما كنت على وشك تقديم التقارير المصاحبة ،رفع يده وقال ،سوف نتناول هذا الحقا ،
انتظري حتى ارجع ،سوف التقيك في طرابلس عندما يكون لدي وقت أعطي فيه عملك ما
يستحق ،بعدها فجأة بدأ يتحدث بغضب عن ملك االردن عبدهللا و زوجته ،اعرف ماذا يخطط
ملكك ضدي مع الرئيس المصري ،لم يكن عندي أدنى فكرة عن ماذا يتحدث ،والنني لم اكن
سعيدة باالتجاه الذي تحول اليه النقاش مددت يدي الى حقيبتي ،وقف لينهض من كرسيه فسقط
الكرسي على الرمل الناعم ،كان حادث تافه ،لكن القذافي بدأ يصرخ ،لماذا لم يضع أحد لوحة
ال يكون هناك أي منطق مع القذافي عندما يكون في مثل هذا المزاج السيئ ،لهذا بدأت في
االبتعاد ،من تجاربي السابقة تعلمت ان نوبات غضبه تتالشى بسرعة ،لكن بدل ان الطف
إهانة ملكي ،اجبته ،استمر غضب القذافي :دعمتك لمدة عشرين عاما وها انت االن اكثر والء
،سوف اتحدث اليه ،ربما كانت وقيعة من أحدا ما ،أو ان مكتب استخباراتك قد زودك
بمعلومات مغلوطة ،لقد سويت هذا النوع من سوء التفاهم في الماضي .
يبدو أن هذا قد عزف على الوتر المناسب مع العقيد ،فأخد يوسع الخطى نحو الكارافان
الخاص به ،عندما ظهر بعد عشر دقائق عاد أكثر الى وضعه الطبيعي ،انسي ما قلته لك للتو ،
قال ثم اضاف :ارجعي إلى طرابلس ،ال تلتقي بأحد وال تظهري التقارير ألحد ،سوف اذهب
ليومين ،انتظري في فندقك ،استمر لقائنا في صحراء سرت نصف الساعة ،رجعت على إثرها
إلى الفندق ،و بالرغم من اننا افترقنا على خير ،كنت قليال محتارة في تفسير تصرفه ،مازلت ال
اعرف ما هى المشكلة بينه و بين ملك االردن ،اآلن و انا احاول ان افهم كل شئ توالى بعد ذلك
عد ثمان ساعات هبطنا في مطار طرابلس حيث كان في انتظارنا سيارتين رسميتين : ب
واحدة لتأخد ريم و معاوني الى فندق كورنتيا ،واألخرى تأخدني إلى مكتب احمد رمضان
التمكن من وضع حقيبتي الحاوية على التقارير الثالثة في مأمن قبل عودتي من جديد إلى شقيقتي
و معاوني في فندق كورنتيا ،بداخل السيارة كان يجلس رجل بمالبس عسكرية أخبرني انه من
كان الظالم ،وكان المطر يهطل بقوة ،بينما كنا نخرج من المطار في اتجاه المدينة ،لكنني
اعرف طرابلس بما يكفي أن ادرك اننا نسير في طريق غير مألوف لي .
بعد حوالي عشرين دقيقة كانت السيارة تركن بنا في ما يشبه مجمع سكني لم ازره من قبل ،
فُتح باب السيارة الخلفي ،وتم مرافقتي إلى بناية تحوي ممرات طويلة ،بعدها تم إرشادي الى
غرفة صغيرة بها باب معدني سميك ،تخميني االول انها كانت تشبه خزانة مصرف ،لكن
بسرعة أدركت من انعدام النوافذ انها أشبه ما تكون بزنزانة ،ستبقين هنا ،قال الرجل العسكري
أقصى حد .
حاول أن يأخد مني حقيبتي لكنني شبكت ذراعى حولي الحقيبة ،وتشبت بها إلى صدري ،
كنت محتارة تماما ،بالرغم من حدوث مواقف مربكة خالل لقائي القصير مع العقيد ،لم
ارصد انه يحمل اي سوء نية جدية ،بالتأكيد لم يحدث خالل الثالثين دقيقة في الصحراء ما
يستوجب االعتقال ،وانني لم أرتكب أي خطأ اخر ،اال اذا اردت تضمين استيائي حول موضوع
الزفاف ،لو كان عندي ادنى فكرة عن أي تهديد لسالمتي الشخصية ،ما كنت الرجع إلى ليبيا ،
ناهيك عن تعريض شقيقتي للخطر ،في تلك اللحظة لم أشعر بالجرأة ،لكن بدال من الخضوع
بدأت المواجهة ،صرخت :انا لن أبقى هنا ،ذلك اني خشيت بصدق ان ال أطيق التوتر ،وانا
كان هناك حوار صامت ،بعدها تم اصطحابي على طول الممر إلى شئ يشبه الشقة السكنية
بدار نوم و صالة معيشة وحمام ،لم تكن إقامة خمس نجوم ،لكن افضل بكثير من البديل ،
احضر رجل كبير في السن القهوة لي ،واستراح على إحدى الكراسي في غرفة المعيشة ،لم يقل
الكثير ،واستخلصت انه مكلف بمراقبتي ،لقد كان من الواضح انني لن أخرج من هنا.
كنت احاول أن افهم ماذا يحدث ،هل قصد العقيد ان يضعني في هكذا موقف لغرض ما في
نفسه ،اما ان واحد من أعدائي في مكتب االستخبارات كان يتصرف من وراء ظهره ،في ذلك
الوقت رجحت السبب االخير ،وكان المتهم الرئيسى مبروكة ،هذا خلق مشكلة ملحة ،اقصد
بذلك التقارير التي بحوزتي ،وثيقة اإلحاطة ونسخة من صورتي في لقاء شمعون بيريز ،كانتا
باألخص حساستان ،فيهما احتمال الضرر اذا وقعتا في االيادي الخطأ ،موقف ليبيا الرسمي كان
ضد إسرائيل ومؤيد لفلسطين ،ال احد إال القذافي يعرف بهذة المهمة السرية ،خشيت ان اتهم
بالتجسس .
تذرعت إلى الرجل العجوز بالذهاب إلى الحمام ،والتقطت والعة من حقيبة يدي وقمت
بحرق التقارير و صورة بيريز في الحوض ،وسحبت المرحاض على الرماد المتبقى .
كان الفراش غير مريح ،فلم احصل على نوم كاف تلك الليلة ،وعند الساعة التاسعة صباحا
من اليوم التالي ،اُخبرت انني سانتقل من هنا ،كانت رحلة قصيرة ،وكانت كذلك عبر شوارع
غير مألوفة إلى مجمع اخر ،في ضوء النهار كان باستطاعتي اخد فكرة افضل عن المنطقة
المحيطة ،منظر الجدران العالية واالبراج والرجال المسلحين بمالبسهم العسكرية مألني
من ناحية جغرافية المدينة كنت مازلت فاقدة االحساس باالتجاهات ،ونفسيا فقدت االمل
بالعودة الى االردن لحضور والدة ابن اخي ،لم أعرف أن هذة القاعدة العسكرية المتجهمة
كان المجمع يحتوي على طابقين من المكاتب ،تم اخدي الى غرفة في الطابق الثاني حيث
كان رجل يجلس خلف مكتب ،كان يرتدي مالبس مدنية ،عرف بنفسه اللواء عبدالحميد السايح ،
اخبرني بلباقة ،يرسل لك الرئيس القذافي بأطيب تحياته ،قبل أن يغادر ليبيا أعطى تعليماته
حتى و ان أطلق عليها فيال ،واشار لي بالضيفة ،لكن هذة لن تكون اجازة ،فجأة ومضت
خاطرة في عقلي ،في ليبيا كان من المعتاد للنظام ان يضع كبار مسؤوليه تحت اإلقامة الجبرية
لو اظهروا انهم أكبر من حجمهم ،أو اغاضوا العقيد بطريقة ما ،وكما اوضحت في السابق حتى
ابناءه تعرضوا لهذة اإلهانة حتى تتم السيطرة عليهم ،كانت الفيالت محفوظة للشخصيات المهمة
جدا ،وليس للمجرمين العاديين ،من الواضح أن هذا سيكون مصيري ،أنتابتني مشاعر
مختلطة.
من جانب اخر ،كانت مدد البقاء هنا قصيرة ،يعني عقوبة اليام قليلة ،في مناسبات كثيرة
تدخلتُ لصالح اإلفراج عن رجال بعد أن يطلب صديق أو أحد أفراد االسرة ،و في الحقيقة
بالرغم من انني لم ار مطلقا هذة الفيالت من قبل ،وال أعرف موقعها ،لكنها كانت موضع للتهكم
.
قبل وقت طويل تم احتجاز أحد المسؤولين هناك ،فتم تفسير اختفائه بطريقة ملغزة ،فإذا
سأل عنه أي أحد يجاب بانه في رحلة عمل إلى جنيف ،من تلك اللحظة صارت جنيف كناية لهذا
المكان .
اين فالن أو عالن ،يسأل أحدهم ،اوه انه في جنيف ،هكذا تكون اإلجابة ،وحينها ال
المزحة االن تنطبق علي ،وال تبدو مسلية كثيرا ،وأكثر ما يقلق هو اإلشارة إلى الرئيس ،
لو ان اللواء كان صادقا ،فهذا يعني أن العقيد نفسه كان وراء سجني .
كانت ردة فعلي المبدئية ان انفجرت غاضبة ،لكن أدركت أن هذا ال يجدي نفعا ،فلم يكن
اللواء عبدالحميد السائح مستمتعا بما يحدث ،ولو انني سأبقى هنا فقط حتى يرجع العقيد من رحلة
االتحاد األفريقي ،فلماذا ارغب في االثناء باغضاب سجاني ،وكان يمكن للسايح في كل االحوال
امتثلت لطلبه ،سلمته موبايلي وحقيبة العمل ،تمشينا مسافة قصيرة إلى مجموعة من تسعة
فيالت ،لو كانت على الشاطئ ، ،فأن هذا البيوت التي تشبه الصناديق ستبدو مغرية جدا ،لكن
وجودها في معسكر لم تكن على االطالق جذابة ،شرح لي السايح ان بعض الفيالت غير شاغرة
،وطلب ان اختار من بين المتبقيات ،هناك القليل لالختيار منها ،لهذا من بين ثالثة أو أربعة
عرضت علي اخترت االنظف ،حدث كذلك انها األقرب إلى مخرج المجمع المحروس بكثافة ،
ُ
غادرها المعتصم ابن القذافي من وقت قريب ،لم يكن لدي سبب للشكك فيما قال ،لكن لم أسأل
للمدخل بوابة بها قضبان حديدية من األرضية إلى السقف ،تركها اللواء غير مقفلة ،يليها
باب من لوح عادي يفتح على غرفة معيشة عربية التصميم يتواجد فيها زوجان من الصالونات
الجلدية المنخفضة ،وجهاز تلفزيون ،خارج غرفة المعيشة ثمة مكتب به طاولة وكرسي وكذلك
مطبخ صغير ،وفي الجانب اآلخر حمام صغير ،ليس سجن سيئ باالجمال ،لكنه يبقى سجن
على كل حال ،عندما تقفل تلك البوابة ال يكون هناك مخرج حيث أن النوافذ تحتوي على شبابيك
مؤمنة.
بعد الرحلة اإلرشادية قال السايح :االن سنرسل سائق إلى الفندق ليحضر لك بعض
المالبس و مستلزمات النظافة ،وفي الحال وصلت حقيبة صغيرة فيها مالبسي الداخلية ومالبس
بعدها بوقت طويل ،علمت انهم كذبوا علي اختي ريم ليضمنوا تعاونها بالقول ،انه حصلت
اشياء مهمة ،وانني سأكون مشغولة ليوم اخر ،عندما لم اظهر بعد اربع وعشرين ساعة قامت
باالبالغ عن فقدي الى السفارة األردنية في طرابلس ،وأصبحت قضيتي حادث دبلوماسي بين
لقد ظهر واضحا انه سيكون معي زميلة سكن تدعى ذهيبة ،كانت شرطية شابة في متوسط
عشريناتها ،ودودة بما يكفي ،لكن ليس عندها الكثير لتحكي ،كانت البوابة المعدنية تقفل في
الليل ،وهى ستأخد الصالون في غرفة المعيشة ،و هكذا يبدا روتيننا حيث تُفتح البوابة فقط
الستالم الطعام ،في الليلة األولى كان عندي الكثير للتفكير فيه ،وكان احساسي الرئيسي مازال
في سنواتي االثنين وعشرين الى جانب القذافي ،البد انه سمع العديد من االكاذيب عني ،
لكنه مطلقا لم يسمح بأن تُلمس شعرة واحدة من رأسي ،ماذا حصل االن لينقلب ضدي ،كنت
متأكدة ان احد ما سمم عقله تجاهي ،استنتجت انه مهما تكن تلك االتهامات ضدي فالبد انها
خطيرة لتستوجب حبسي ،كل الوقت كنت ملتصقة بالتلفزيون اتأمل ان اشاهد تقرير عن عودة
حصل أول تحقيق معي في الصباح التالي في مكتب قريب ،كان المحقق رجل عسكري
يجلس خلف الكرسي ويدعي انه ُمعين من القذافي ،قضى ساعة و هو يقصفني باألسئلة ،لم يكن
هناك شئ بارع في اسلوبه ،لماذا تأخرتي في العودة إلى ليبيا كل هذا الوقت؟ ،إلى أين سافرتي
لم يكن سرا انني زرت الهند و لندن ودبي وأمريكا ،كان جوازي في خزانة الفندق لو
ارادوا التدقيق عن االختام األخرى ،فكرت من الحكمة عدم ذكر إسرائيل وتمتمت في خاطري
بأدعية الشكر ان كل الرحلة تم ترتيبها بدون وثائق ،لهذا لم يكن لها اثر يتم تعقبه .
قذف في وجهي بأسماء بعض االفراد كلهم سعوديون ،وسأل ان كنت اعرفهم ،كان القليل
منهم مألوفا عندي ،فقلت كذلك ،لم يكن عندي ما اخفي بهذا الصدد.
هل اُشتبه في كوني جاسوسة لدولة اجنبية ؟ ..قررت أن اطرح سؤالي الخاص ،لماذا انا
هنا ،اجاب المحقق :ال اعرف ،ال تطرحي هذا السؤال النني الستطيع ان اعطيك إجابة ،فقط
اجيبي عن اسئلتي ألنني فقط اؤدي عملي ،استمرت نفس االجراءات خمسة أيام ،في هذا الوقت
ومن مشاهدتي للتلفزيون عرفت ان العقيد قد عاد الى البلد ،كان صمته ضربة الَمالي بافراج
سريع .
لقد كان من الواضح أنه وراء حبسي ،فلو كانت لخبطة فظيعة أو فخ من مكتب
االستخبارات لوصلته اخبارها ،استطيع فقط االفتراض ان القذافي أعطى تعليماته بحسن
معاملتي ،اشك ان عديد السجناء تحصلوا على نفس المزايا ،بما في ذلك وجبات االكل من بوفيه
فندق خمس نجوم ،لقد اتضح الحقا انني لن اذهب الى اي مكان اخر ،فقد تمت تلبية طلباتي
بالحصول على فراش و شراشف واغطية افضل ،وكانت تفضال من فندق كورنتيا.
اغلب الوقت كان معي شرطية في الفيال ،وأحيانا اكون لوحدي ،لهذا كونت االنطباع ان
تلك النساء كانت لحمايتي ،وليس حراستي ،كانت ذهيبة الرفيقة األكثر تواجدا ،مع الوقت
فتحت لي قلبها واصبحنا أكثر قربا لبعض ،شاهدنا معا برامج التلفزيون ،تابعنا المسلسالت
المصرية التافهة ،في حياتي الطبيعية لم اكن احلم مطلقا بتضييع وقتي على هذا الهراء ،لكن
ملئت هذة البرامج وقتي ،كنت استيقظ متأخرة بقدر ما استطيع ،عادة حوالي 33صباحا ،في
لم تكن ذهبية تعرف سبب وجودي هنا ،لهذا كنا نتحدث في أمور الحياة بشكل عام ،
استمتعت بصحبتها ،وباإلضافة الى مساعدتي في تزجية الوقت ،ساعدتني كذلك في الحفاظ على
صحتي العقلية ،تشاركنا في اعمال التنظيف ،وأصبحتُ قارئة نهمة ،استغالل هذة الفرصة غير
بعد اسبوعين احضروا لي شيشة ارجيلة ،التي كنت احملها في كل رحالتي ،كما احضروا
لي التبغ ،كان من الجيد الحصول على بعض وسائل الراحة البيتية ،لكنه ايضا إشارة أخرى إلى
سمح لي بالتمشي في الحديقة العامة داخل المقر تحت نظر حارس أمني ،
لمدة ساعة كل يوم ُ
بدأت من جانبي في االهتمام بنباتاتها القليلة ،كما نظفت األعشاب الميتة حول فيلتي الخاصة
للنسيم بالمرور من خالل القضبان المعدنية للبوابة الخارجية ،اشتهيت الشمس ،شحب وجهي ،
كان التواصل مع "الضيوف" في الفيالت األخرى ممنوعا ،غير انني اكتشفت ان احد
جيراني كان صديقي القديم نوري المسماري ،رئيس مكتب المراسم الليبية المتهم باالختالس.
في البداية كان عندي قليل من المالبس التي كان سائقي يأخدها بانتظام لتُغسل في فندق
كورنتيا ،لقد كنت على عالقة طيبة مع الرجل الذي عمل معي عديد السنوات ،كان حزين
لمحنتي ،وشوش في اذنى ان ريم مازالت في طرابلس ،لهذا خالل اسبوعي الثالث في الفيال
قمت بوضع رسالة الى شقيقتي في جيب أحد البنطلونات ،و بالرغم من المخاطرة بفقدان عمله أو
اسوء ،فأنه وافق على إيصال البنطلون إلى أختي مباشرة ،ولفت انتباهها الى الرسالة ،لقد كان
له من حضور العقل ،انه وجه ريم إلى الحمام ليتبادل معها الحديث خشية أن تكون الغرفة
في رسالتي اخبرتها انني في خطر ،وان عليها ان تلح على الحكومة وملك االردن بالتدخل
لصالحي ،جاءني ردها في الغد ،انها تحاول جهدها ،وان اخي عز الدين جاء إلى ليبيا لتولي
قضيتي .
بالرغم من امتناني الشديد لمساعدته ،لكنني خشيت ان أفراد أسرتي سينتهي بهم المطاف
في المرة التالية وعلى مضض ،طلبت من سائقي المخلص برحلة الغسيل أن يخبر شقيقي
وشقيقتي بالتالي :ارجعا إلى االردن و اضغطا لصالحي من هناك ،انتما في خطر لو بقيتما في
ليبيا ،شعرت انني وحيدة أكثر من أي وقت مضى ،وتساءلت كم ستطول عقوبتي على أي
فقدان الثقة
صارت الحياة في الفيال نوع من حرب االستنزاف ،يحاول فيها سجاني ارهاقي ،ستة
أسابيع مؤلمة مرت منذ ان رجعت إلى ليبيا صحبة ريم ،تلهفت لسماع اخبار عائلتي في االردن
وعن حالة رشا وابنها الذي افترضت انه ولد بسالمة ،سيطلق على الولد اسم فراس تكريما
لشقيقي المتوفي ،لذا شعرت فعال برباط عاطفي وثيق ،وشعرت بالمرض بسبب القلق ونقص
النوم ،بالرغم من البيئة المحيطة بي مريحة ،لكني مازلت سجينة حتى ولو كان طعامي من
عيد ميالدي في فبراير اضاف إلى قنوطي ،و ياللغرابة ،احضر سجاني لي زهور و تورتة
في مارس 2232ليبيا تستضيف القمة العربية ،عرفت ان الملك عبدهللا سيحضرها ،فهل
ستكون زيارته محفزة لإلفراج عني ؟ .بدا ان هذا ممكنا ،ذلك انه يومين قبل القمة اُستدعيت
للقاء عبدهللا منصور مسؤول االعالم والتلفزيون في ليبيا ذلك الوقت ،وكنت اعده صديقا.
كان الشفق يلّون الغروب عندما غادرنا الفيال ،تم مرافقتي مرورا بمبان مختلفة في المجمع
الى مبنى مكتبي غير متميز حيث كان ينتظر ،كان منصور أكبر مسؤول تحدثت اليه منذ
لحظة دخولي الغرفة نهض من كرسيه على الطاولة المستديرة وصافحني ،شعرت و كأني
ال أرتدي مالبس وانا بالمالبس الرياضية والحذاء الرياضي ،ابتسم بغرور كما لو ان شيئا لم
يحدث ،وان هذا مجرد لقاء عادي ،تفجر كل الغضب المكبوت بسبب احتجازي ،صرخت في
وجه منصور :لماذا تعتقلوني؟ .كيف تتجرأون ،هل تعتقدون انه ليس هناك قوانين ،سوف
تسبب لكم بالدي مشكلة كبيرة ،هل يعرف القذافي حتى انني هنا؟ ،فقدت السيطرة على نفسي ،
شتمته ونحن نقف ال يفصلنا اال متر واحد ،لكن االبتسامة لم تغادر وجهه ابدا ،سلوك منصور
البارد زاد من اهتياجي ،انتظرني حتى أتوقف أللتقاط انفاسي ،وسألني :هل انتهيتِ؟ .وانا
تحرك في اتجاه الطاولة و سألني ،في هذة الحالة ،اجلسي اذن وحينها نستطيع التحدث ،
ت هنا ولكن
انت تعرفين ان الرئيس يعاملك كأبنته ،لهذا ال تكوني غاضبة منه ،ال اعرف لماذا ان ِ
هناك أوامر الحتجازك ،االن انت تعلمين أن الملك عبدهللا سيصل ويتوقع القذافي ان يثير قضيتك
،وهو يرغب باإلفراج عنك حتى تستطيعي الذهاب معه إلى بلدك .
كانت هذة اخبار رائعة لكن منصور استمر في القول :نرغب منك التوقيع على إفادة انك
شاهدة على بعض القضايا المهمة ،واننا وضعناك في برنامج حماية ،كنا ننزلق في عوالم من
الخيال ،واالسوء سيأتي ،فقد باح لي منصور ان احد زمالئي السجناء في الفيالت هو نوري
المسماري رئيس المراسم ،والرجل الذي تركه العقيد في الحمام المعدني في زيارتنا لألردن ،
االن يتم االدعاء ان المسماري أساء التصرف في اموال حكومية ،وقام بتهريب اموال سائلة
خارج البلد إلى االردن ،لو لم يكن هذا كاف ،يرغب منصور مني توقيع افادة ضد صديقتي
المقربة سالمة ميالد الحارسة ُ ،زعم بانها تاَمرت لقتل القذافي .
ليس عندي فكرة ما اذا كان المسماري مذنبا ،لكن اعرف يقينا أن سالمة متفانية في خدمتها
بالكامل ،وال يعنيها المكسب الخاص ،مع ان نعيمة كانت هى أقرب صديق لي في ليبيا ،ولو
كان فيه شخص واحد غير فاسد في ليبيا فهى سالمة ،كانت دائما هى طريقي إلى القذافي ،
وتوقعت ان هذا قد اُستخدم ضدنا كلينا ،لهذا قلت لمنصور :اوال ،انا لست المصرف المركزي
لألردن ،لهذا ال اعرف اين يحتفظ المسماري بأمواله ،ربما عليك ان تسأل ملك االردن عندما
يصل ،ثانيا ،ال استطيع ان اشهد زورا ضد واحدة من اصدقائي المقربين ،وال لحظة واحدة
فكرت في التوقيع ،التآمر لقتل القذافي كانت جريمة عقابها الموت ،لهذا كنت اعرف انني اذا
وقعت فذلك يعني توقيعي على مذكرة موت صديقتي ،ال استطيع ان اعيش مع هذا باقي حياتي .
سحب منصور بعدها رزمة اوراق و بنبرة سخرية قال :لقد حولتي لها مبلغ 2222
دوالر من ثالثة أشهر مضت ،كما لو ان هذا هو كل الدليل الذي يحتاجه ،استطعت أن أشرح
بالضبط مالغرض من هذا المال ،لم تنحدر سالمة من اسرة غنية ،كانت امها مريضة ،لهذا
اهديتها هذا المال لتدفع عالج خاص بها ،في الماضي اهديتها ايضا مجوهرات ،اخبرت
منصور ،ان ذلك لم يكن جزء من مؤامرة ما ايضا ،لقد كان ادعاء مناف للمنطق ،كان كالنا
يعرف ان محاولته هى كحالة غريق يتشبت بالقش ،ظهر على وجه منصور االحراج ،وصلني
عاود الجلوس على كرسيه و بسط يديه وقال :حسنا ،يرغب القذافي في تعويضك على
الوقت الذي قضيته في االحتجاز هنا ،على شرط ان تبقي هادئة و ال تثيري المشاكل .
ارشى
هذة المحادثة كانت تسير إلى االسوء ،واالن ،اذا لم اسئ تقدير الحالة ،انا االن ُ
أجاب منصور :انت تملكين اسرار عن الرئيس ،وانت اآلن غاضبة ،واضاف ،نريدك
ان تغادري بشروط جيدة ،احتفظي بمكتبك هنا ،وتعود عالقتك مع ليبيا إلى طبيعتها ،سندفع لك
بضع مليون دوالر لتعويضك ،عن وقتك ال ُمضاع وضياع اعمالك التجارية ،وانفصالك عن
اسرتك ،لقد كان االسلوب االخرق المعتاد للنظام لشراء خروجه من المختنقات ،لم اكن ارغب
ال ارغب في الحصول علي اي أموال من القذافي البقى ساكتة ،ألنني ال أملك شئ ضده ،
قلت هذا و لست راغبة في ان يعتقد منصور انني أشكل أي نوع من التهديد للقذافي ،غيّر
منصور من اسلوبه مرة اخرى ،وقال :انظري ،ال اعتقد ان القذافي كان يقصد اعتقالك ،لقد
اساءوا فهم أوامره ،هو االن في وضع صعب ،لقد كان هذا اكثر هراء ،كالنا يعرف ،اجبته :
القذافي مثل والدي ،ال أحتاج إلى أموال البقى صامتة ،و اضفت ،لن اتسبب في أي متاعب .
أعاد منصور ترتيب بعض األوراق امامه ،وقال :لماذا ال توقعي فقط إفادات الشهادة واعالن
السرية ،و اضاف :ثم بعدها تعودين إلى بيتك مع الملك عبدهللا بعد القمة ،كان نقاشنا يسير في
دائرة مغلقة ،لم أوقع ،انتهى لقائنا ،ومع هذا مازلت واثقة ان صفقة ما ستعقد بين ليبيا واألردن
لإلفراج عني ،لقد صار واضحا اني صرت مصدر ازعاج للعقيد ،وعلى طريقته يحاول حل
طيلة الثالثة ايام التالية كنت اجلس على الصالون في الفيال أشاهد التغطية الشاملة للقمة
العربية ،بما في ذلك لقطات لعبدهللا ملك االردن ،من دواع حزني ،ان الوقت الذي قضاه في ليبيا
لم يبشر بأي تقدم في قضيتي ،حاال ذهب الملك ،وذهبت معه آمالي.
مازال طعامي يصل يوميا من كورنتيا ،ومازالت الحديقة مسموحا بها لساعة واحدة يوميا ،
بعبارة اخرى ،لم يتغير شئ ،تملكني اليأس كلما فكرت في والدي المريض متسائلة هل مازال
على قيد الحياة ،وابنتي ذات الستة عشر ربيعا ،كيف تتأقلم مع المدرسة ،كانت نور متعودة
على غيابي بسبب االعمال التجارية ،تتواجد معها مربية كاملة الدوام ،كما ان شقيقاتي دائما
حولها ،غير أن ما يجري االن مختلفا تماما ،البد ان محنتها بسبب عدم معرفتها ما يحصل المها
ماذا عن عملي التجاري حيث ال أحد في موقع القيادة ،من يدفع الفواتير ورواتب موظفي
المكتب ،في االنتظار ايضا قضيتي ضد االمير السعودي حول ماليين الدوالرات في العمولة
غير المدفوعة عن بيع الطائرة الخاصة ،خشيت أن ال توافق المحكمة البريطانية على غيابي
حيث يقترب موعد استماع مهم ،كلما رجوته ان يكون محامي في لندن ريتشارد والر قد ماطل
من أجل الوقت ،و ان اتحصل على يومي الذي طال انتظاره في المحكمة.
على رأس كل هذا ،ما كان يستهلكني هو االحساس بالظلم ،انا لم أفعل ما يستحق حبسي ،
ولم يقدم لي أحد شرح لهذة االنتكاسة في مصيري ،حتى اتمكن على األقل من محاولة تفنيد
االتهامات ضدي ،تجربة ماضية مع النظام القضائي الليبي علمتني ان وضع اي ثقة فيه هو أمرا
لم تكن عندي فكرة عن مستوى اي جهد دبلوماسي تبدله حكومة بلدي لتأمين اطالق سراحي
،هذة االمور تأخد وقتها ،اقدر هذا ،لكن كلما طال وقت احتجازي كلما زاد خوفي انني صرت
في مجاهل النسيان ،شعرت باإلحباط ان االردن لم يبذل جهدا أكبر ،لم يكن عندي وقتها طريقة
لمعرفة هل اثار الملك قضيتي أو طالب باإلفراج عني ،لكن كنت واعية بوجود بروتوكول في
المنطقة يحتم ان طلب كهذا يُسأل مرة واحدة ،وإن رفض ثان هو بمثابة االهانة ،لقد ُوضع في
موقف صعب وانا ممنونة لجهوده ،عرفت االن انه تكلم مباشرة مع القذافي بخصوصي ،وانني
كنت دائما في تفكيره ،لهذا انا ال أضع أي لوم على الملك ،لكن ال استطيع ان اسامح
منصور صديقي السابق أصبح معذبي األكبر ،بعد كل ثالث اسابيع يتم اخدي إلى مكتبه
فيتكرر ما سبق الحديث فيه ،أحيانا يطرح سؤال جديد عادة عن موضوعات أو افراد ال اعرف
عنهم شئ ،لم تكن ابدا اتهامات مباشرة ،لكن مهمة لتصيد المعلومات ،كلما استمر هذا ،أكون
مصممة على ان ال يتم خداعي أو التنمر علي ،سألته :هل تحاول تلبيسي جريمة ،هل
لقد تيقنت انني اذا ورطت نفسي ولو بالقليل في أي موضوع ،فسوف يتم جري إلى المحكمة
،وستكون المحصلة معروفة مسبقا ،ان وضعي في ليبيا سيكون فقط أسوء اذا ما كانت ثمة ادانة
علمت ان من بين جيراني اآلخرين رجل سعودي واخته ،يتشاركان فيال هى األقرب إلى
الفيال المخصصة لي ،لمحتهم فتعرفت عليهم ،انا من فتح لهذا الرجل االبواب في ليبيا ،تمكن
بعدها من تدبير العديد من الصفقات ،واتسائل االن هل سيتشابك مصيره مع مصيري ،في
مرحلة معينة كنا شريكين في عمل تجاري ،لكن افترقنا على شقاق ،بعد ان اكتشفت انه كان
يستغل صالتي وعالقاتي ليستغنى بها عني ،لم اعتبره رجل صادق ،واوضحت كتابيا للحكومة
الليبية في ذلك الوقت ان شراكتي معه انتهت ،ماذا كان يعمل في العامين الماضيين؟ ،لم اكن
ادري.
لم يكن في سيل األسئلة التي امطرني بها منصور واحد عن السعودي ،ربما كانت مجرد
زاد إلى مزاجي الكئيب بعد نقل حارستي ذهيبة التي صارت رفيقتي ،افترض أن الليبيين
ال احد من السفارة االردنية زارني ،لم أ ُ ّمكن من الحصول على محام ،لقد خبرت ان هذا
النوع من المعاملة فُرض على مواطني ليبيا الذين يبدو أنهم ال يتحصلون على حقوق قانونية ،
حصل تحسن واحد في ظروفي الحياتية ،من الصباح حتى المغيب تُركت البوابة الخارجية
ذات القضبان الخاصة بالفيال مفتوحه حتى استطيع التجول في الخارج فقط داخل األسوار العالية
للمجمع .
أدرك أحدهم انني صرت على عالقة ودية مع عادل الرجل الذي يحضر طعامي كل يوم ،
كان متأسف لحالتي وزودني ببعض المعلومات الموجزة ،كان يقضي نصف ساعة في الفيال في
الصباح ،بينما كنت أتناول طعامي ،وكنت اتطلع بشوق إلى لقاءاتنا ،كان رجل عطوف ،لم
يكن سعيد بمحنتي ،لقد توطدت عالقة حسنة بيننا طيلة التسع شهور لهذا الروتين المتواصل ،
بعدها في احد صباحات سبتمبر تم استبداله بدون تنبيه بشخص اخر ،على عكس عادل كان القادم
الجديد عبوسا وغير تواصلي ،كنت متأكدة انه كان يتبع التعليمات بأن ال تكون له عالقة بي.
في الشهر التالي سمعت كثير من الصراخ خارج الفيال ،رأيت مجموعة من النساء
يرافقهن اللواء عبدالحميد السايح إلى البناية المجاورة ،على الفور تعرفت عليهن ،كن زوجة
ماذا يجري؟ صحت على السايح وهو يغادر ،توقف قليال وأجاب :فر المسماري من ليبيا ،
هرب المسماري إلى فرنسا حيث انشق هناك عن العقيد ،واالن يدفع أفراد من اسرته ثمن تخليه
في كل الوقت كانت صحتي تتدهور ،بدأت أعاني من االالم في البطن ،وكان ضغطي
منخفظا وينتابني صداع مستمر ،كانت يدي ترتجف بدون ارادتي ،في النهاية تم استدعاء طبيب
رجوت ان يكون متعاطف مع إمرأة محتجزة بدون اتهام ،وانه ربما يمرر رسائل أو يثير
قضيتي إلى العالم الخارجي ،لكن بينما قال انه يشعر باالسف لحالي ،فأن خوفه من اغضاب
النظام تغلب على أسفه ،قال لي طبيب االعصاب :تضرعى إلى هللا بالدعاء .
انا متأكدة انها صادرة من قلب متعاطف ،لكن لم اكن احتاج منه الى هذا النوع من النصيحة ،
كان رأى الدكتور ان انُقل إلى المستشفى ،لكن قوبل طلبه بالرفض ،اُعطيت مسكنات االلم
واحضروا جهاز لمراقبة القلب ،استنتجت انه بالرغم من انني اصبحت شوكة في خصره ،فإن
حتى أكتوبر 2232كانت وجبات طعامي تأتي من الفندق ،لكن بعد ذلك وفي أحد االيام
وصل الطعام على هيئة مخصصات التموين العسكري في حقيبة بالستيكية ،كان مقزز فصرخت
جاءت اجابتهم :ماذا تريدين ،األشخاص في الفيالت األخرى يحصلون على نفس الطعام ،
تمكنت من إقناع اللواء ،ولم يكن رجل فظ ،ان صحتي ستتدهور أكثر اذا تم تقييد نظامي
للحمية الغدائية ،بالرغم من انني لم اعد احصل على طعامي من فندق كورنتيا ،فقد اؤتي
بوجبات اكلي من المطاعم المحلية في صناديق بالستيكية ،كان واحد من الصحون يوميا هو
الرجل العبوس الذي كان يحضر طعامي تم استبداله ،لخيبة أملي لم يكن عادل هو البديل ،
لكنه رجل في حوالي االربعين ،كان قد تحصل على تدريب في التمريض ويستطيع أن يراقب
صحتي ،كنت ممنونة النه كان ودود ،ذلك انه لم يعد هناك ثمة شئ اخر يستحق االمتنان.
بعد مرور عشرة شهور على اقامتي في المجمع ،فقدت كل ثقتي في القذافي ،كنت اعاني
االرق وقرحة معدة محتملة وبشكل مؤكد أعاني من االكتئاب السريري ،كل وقت تُفتح فيه
البوابة المعدنية الثقيلة المؤدية إلى فيلتي ،تطحن بضجة مفاصلها ،اكون انا فيه متحطمة
عصبيا.
حاولت ان اشعر باالرتياح كوني مازلت في واحدة من الفيالت ،المتعارف على انها لحجز
األشخاص لفترة مؤقتة ،لكن تيقنت ان القذافي لو أراد حقا إطالق سراحي لتم هذا من فترة طويلة
،مازلت محتارة كيف انه بعد كل هذة السنوات من الخدمة المطيعة المفعمة بروح الواجب
سيوافق بوضوح على هذة المهانة ،كما انني فقدت الثقة في حكومة االردن الطالق سراحي من
خالل الدبلوماسية.
ما نجاني من االنهيار الكامل كان إيماني باهلل ،جلوسي لوحدي لساعات ،منحني وقتا
كثيرا للتأمل ،لكن لم افقد إيماني ،في الحقيقة لقد أصبح أكثر قوة ،عندما فقدت الثقة في الكثير
من الناس وضعتها في هللا والقدر ،وبالتأكيد ما كان لمحنتي ان تكون أسوء من هذا.
عبدهللا منصور مدير االذاعة والتلفزيون
الفصل الثاني والعشرون
قنابل
في احدى أمسيات شهر ديسمبر 2232قمت بتقليب القنوات في جهاز التلفزيون ،انه االن ما
يعرف بالربيع العربي ،وانا اشغل التلفزيون على قناة الجزيرة في تلك الليلة الشتوية القارصة ،
لم يكن عندي ادنى فكرة عن تلك االحداث الهامة التي ستنجلى طيلة الشهور القليلة التالية ،كنت
اشهد بداية نهاية القذافي وسأعلق وسط عاصفة النيران ،ال حول لي و القوة.
للتذكير في 30ديسمبر 2232اُتهم بائع تونسي جوال اسمه دمحم البوعزيزي بالعمل بدون
من قبل شرطية ،البوعزيزي ،الذي قيل انه كان ضحية المضايقة المستمرة والفساد ،اشعل
تضحية البوعزيزي بنفسه حرقا لم تجذب في البداية انتباه كبير خارج قريته سيدي بوزيد ،
لكن طيلة االيام القليلة التالية انتشرت المظاهرات خارج المقرات المناطقية للحكومة ومنها بدأ
الترس في الدوران ،خالل تلك الفترة كنت انا أشاهد بأكثر قليال من فضول خامل التقارير األولي
لالضطرابات في تونس ،كان التلفزيون حلقة وصلي الوحيدة بالعالم خارج الجدران المتجهمة
للمجمع ،و بالرغم من انني الزلت ال اعرف مكان وجودي في طرابلس ،كان عندي دخول على
قنوات فضائية أجنبية مختلفة ،باالضافة الى قناة اخبار الدولة الليبية ،مصادري األخرى كانت
لم يبد االمر وكأنني أشاهد بداية ثورة ،لكن مع اكتساب االنتفاضة زخم متزايد صرت مذهولة ،
احاول فهم ما يجري ،كانت الحدود تبعد فقط مائة ميل ومألوفة عندي من ايام كنت اسافر عبر
البر لتخطي عقبة الحظر الجوي ،كانت تونس على عتبة باب البيت ،لكن لم احلم مطلقا ولو
للحظة ان ليبيا ستتأثر بما حصل فيها ،وحتى عندما تمت االطاحة بالحكومة التونسية ،كان ال
يبدو ثمة تهديد للعقيد ،كنت متأكدة انه مازال يملك بقبضة صارمة على البلد بعد أكثر من أربعين
سنة في السلطة ،وانه حافظ على شعبية واسعة في أغلب اجزاء ليبيا ،بالرغم من تخوفاتي من
هوسه بأفريقيا ،لقد حذرت ان غروره سيقتله في النهاية ،لكن لم أتخيل أن يوم الحساب لم يكن
بعيدا.
كان يملك جيش قوي يعج بالمعدات العسكرية التي تم تحديثها بعد رفع العقوبات ،أتى أغلبها
من روسيا ،لكن دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا ساعدت في تسليح القذافي مقابل دوالراته
ادهشتني ليبيا كدولة مسالمة حيث تستطيع المرأة المشي في الشوارع امنة ،لم اشتم اي
عدائية كبيرة تجاه العقيد ،كان أوالده يحيكون المكائد في الخلفية ،لكن لم يكن احد ينافس جديا
ليحل محله ،نجا القذافي طويال فيما سبق ،انا متأكدة انه نظر برضا عن النفس وهو يتابع
في يناير وفبراير انتشرت المظاهرات عبر المنطقة ،فوصلت مصر وسوريا ،نتج عنها
استقالة حسني مبارك بعد ثالثين عام في السلطة ،مازلت اعتقد ان القذافي لن يُمس.
في فبراير ليس بعد وقت طويل من إزاحة مبارك ،تم اصطحابي إلى مكتب عبدهللا
منصور ،كنت متوقعة ان اسمع المزيد من المعتاد إياه ،جلست مستسلمة لالمر الواقع في انتظار
استجواب قاس عندما قال :قبل أن تبدئي في االساءة لي أو الصراخ ،اريد فقط ان اخبرك ان ابيك
هنا وانت سترينه ،لمرة واحدة كنت عاجزة عن الكالم في حضور منصور ،لكن بعدما صحصح
شقيقاتك هنا ايضا ،لقد دعاهم الرئيس القذافي و سترينهم غدا ،مازلت مقتنعة انه يكذب ،سألته
العرف :لماذا هم هنا ؟ ال أريد أن أرى أحد إلى أن تطلقوا سراحي ،استمر منصور بالقول "
فكر الرئيس القذافي كثيرا في إيجاد حل وهو يعتقد االن ان هذا يمكن ترتيبه من خالل عائلتك ،
لقد دعى والدك إلى ليبيا وثالثتكم سوف تجلسون معا ،يجب أن يعد ابيك ان تُبقي فمك مغلقا .
لست متأكدة كيف تكون ردة فعلي قلت ببساطة :حسنا ،كنت اشعر باالثارة في انتظار ماذا
يخفي منصور من تكتيك ،لكن لم اكن املك أي توقعات بالجلوس في اليوم التالي لهذة الدردشة
لقد وصلت إلى نقطة حرمت فيها نفسي من التمتع بأي أمل ،بطريقة غير منطقية كان من
االسهل ان اتأقلم باتباع هذا األسلوب ،لذلك كانت حياتي مثل خط مسطح ،ال تفاؤل و ال قنوط ،
في صباح اليوم التالي يبدو أن التمثيلية المهزلة مازالت مستمرة ،اُخبرت ان على ان ارتدي
مالبسي ،وتم اخدي بالسيارة مع حارس إلى نادي الشرطة االجتماعي ،كان يبعد ثالثين دقيقة.
نظرت إلى أية معالم مألوفة ،لكن لم اتعرف على هذا الجزء من المدينة ،لهذا لم اتمكن من
حال وصولي اُخدت إلى مكتب بالطابق األعلى ،يجلس هناك كان والدي على كرسي
عجالت ،وشقيقي عز الدين ،وشقيقتي ريم ،وياسين سائقي في االردن ،الذي كان معهم
لالهتمام بوالدي ،كما تعرفت هناك على رجل ليبي يدعى محسن يشتغل في ادارة القانون
الحكومية ،كان متعاطف معي ،وأحيانا يعد القهوة لي عندما كنت اُستجوب.
للحظة تجمدت مكتسحة بالمشاعر وانا ارى ابي ألول مرة منذ عام ،كان واهن جدا لدرجة
اني خشيت من معانقته ،كان عمره ثمانون عاما ،واثقلت عليه الرحلة من عمان إلى طرابلس ،
عانقنا بعضنا بشدة ،كان هناك الكثير مما يستحق الحديث عنه من المستجدات ،اردت ان اعرف
كل ما يتعلق بأبنتي ،اعطاني شقيقي هاتفه المحمول فاستطعت الحديث إلى نور لدقائق قليلة ،
بالكاد صدقت انني اسمع صوتها ،بكى كالنا ،حاولت طمأنتها انني بخير ،وكم اشتاق إليها ،
وان تحاول التركيز على واجباتها المدرسية ،ومسرورة بالقول انها تحصلت على عالمات
مدرسية ممتازة ،أخبرني عزالدين انه االن اب لطفلين ،طفل اخر ُولد بعد مغادرتي االردن ،
بنت سميت دعد على اسم عمتها السجينة ،كل هذا يعكس طول المدة التي بقيت فيها بعيدة، .
شعرت بدوامة من العواطف ،وبقدر ما كنت سعيدة بلقائهم ،كنت غاضبة انهم لم يفعلوا ما يكفي
صحت " اين سفير األردن ،لماذا لم يفعل الملك شئ ،لماذا لم تخرجوا على االعالم ،
تدفقت مني كل األسئلة التي كانت تنهش جسدي لمدة عام ،حاول أبي تهدئتي ،وأخبرني انهم
كانوا خائفين ان يجعلوا االمور تسوء أكثر ،لقد اكتشفت بعد ذلك بكثير ان ابنتي أغرقت مكتب
القذافي بالفاكسات تطلب اطالق سراحي دون رد ،شقيقتي لندا ورنا تواصلوا مع مكتب
االستخبارات األردنية ورئيس الوزراء والملك عبدهللا ،ال شئ اال الصمت ،أخبرني شقيقي انهم
اخدوا تطمينات بأنه حال عودة القذافي من التعامل مع شؤون الدولة في بنغازي سأكون في
بدأ اللقاء مع أسرتي و كأنه دام لدقائق قليلة بالرغم من أنه عندما لمحت ساعتي كنا قد بقينا
معا لمدة ساعة كاملة ثمينة ،لقد كان معذبا ان اُنقل مرة ثانية إلى الفيال ،لكن هذه المرة سمحت
بعدها بيومين كان عندي لقاء ثان مع أسرتي في نفس المكان ،نُقش التاريخ في ذاكرتي ،اول
فبراير عيد ميالد ابي ،مرة أخرى اُخبرت ان اُحضّر نفسي لالفراج على انه سيحدث في يوم أو
يومين ،والنني مازلت متشككة ،وشوشت في اذن شقيقي ،لو نُكث بهذا العهد عد إلى الوطن ،
واحدث أكبر ضجة ممكنة ،اتصل بكل أحد في وسائل االعالم ،مر يوم ثم أسابيع ،كان ينبغي
أن أعرف ما هو أفضل من الثقة في سجانى ،عدت إلى مشاهدة التلفزيون ،رأيت اول التقارير
عن اول القالقل في ليبيا تحديدا بنغازي شرق البالد ،ربما كانت بسبب وجود القذافي هناك ؟
قلل تلفزيون الدولة الليبية من اهميةاالضطرابات ،لهذا كان من الصعب داخل فقاعتي
طرابلس على وشك أن تصبح ساحة معركة ،صار عندي سبب أكثر للقلق ،أحد الحراس
أخبرني ان الطلقات من بنادق قوات القذافي احتفاال بالنصر ،لكن كان هذا صعب التصديق.
زارني اللواء السايح الذي ابلغني ان اإلفراج عني تأجل بسبب القالقل ،كان يوم 35فبراير
اليوم التالي لثاني عيد ميالد في السجن ،لكن هذة المرة ال زهور وال تورتة ،كان في اذهان
كشف لي السايح ايضا ان سفير االردن في طرابلس ،وجه تعليماته لعائلتي بالذهاب إلى
الوطن من اجل سالمتهم ،الطيران بين ليبيا واألردن كان على وشك أن يُعلق إلى وقت غير
معلوم .ومع ذلك علمت ان شقيقي وشقيقتي بقيا لمحاولة التفاوض على اإلفراج عني ،تأثرت
باخالصهما ،لكن ليبيا بشكل واضح لم تعد بلد امن ،بقلب مثقل بالحزن ،و عبر هاتف استعرته
من احد المحققين المنتظمين ،تمكنت من الحديث مع شقيقي ورجوته الذهاب ،استطيع االعتناء
بنفسي ،قلت لشقيق عز الدين غير مقتنعة بما اقول ،اخر شئ احتاجه هو القلق بشأن تعرضكم
كانت هناك لحظة صمت قال بعدها اخي :حسنا ،سنفعل ما تقولين ،لم اكن اعلم في وقتها
طيلة أكثر من اسبوعين بعد ذلك زادت كثافة إطالق النيران ،هل كان من نسج خيالي ،أم
أنه صار أقرب ،يجب أن اعترف انه قبل شهرين من االن لهجت بالدعاء لالنتقام من القذافي لما
فعله بي ،ها انا االن أدعو له أن يبقى سالما الن البديل ارعبني ،فالكل يعرف انني مستشارته
ألول مرة كنت قلقة بشان سالمتي من هذا التهديد الجديد ،خالصة القول انني عاجزة عن
أي تصرف ،لم تكن المسألة بسهولة ان اخرج من الباب والوح بيدي لتاكسي فتأخدني إلى
المطار السافر إلى االردن ،ال ،سوى أحببت هذا أو كرهت ،اعتقدت انه بالرغم من غدر
القذافي بي ،صار مصيري مرتبطا بمصيره ،وبينما أشاهد التلفزيون حاولت ان اربط االحداث
الفهم ما يجري ،وادركت ان النيتو أصدر للقذافي مهلة محددة لوقف الهجومات على أبناء شعبه
انا متأكدة انه ما كان يمكن اإلطاحة بالقذافي دون تدخل النيتو ،وفي أحلك أوقاته اختفى
هناك مقولة مفادها " ليس لالمريكيين أصدقاء بل مصالح " ،ال يمكنك االعتماد على أمريكا
،سوف تبيعك في أي وقت ،حدث هذا مع صدام ،وحدث مع مبارك ،وحدث مع القذافي عندما
كان مبرر غارات النيتو حماية المدنيين ،لكن القنابل قتلت مدنيين ليبيين ،لقد كانت كلها
واجهة لإلطاحة بالقذافي ،في مقدمة الحملة في الغرب كان نيكوال ساركوزي الذي استقبل
القذافي على البساط االحمر في قصر االليزيه ،ووقع معه صفقات اسلحة ،واستمتع بالضيافة
الليبية .
في 39مارس 2233كانت طائرة فرنسية اول من أطلقت صاروخ على وحدات القذافي
المدرعة و أنظمة الدفاع الجوي ،ما خطر ببالي مطلقا انهم سيقصفون ليبيا ،تخيلت منطقة حظر
طيران يتم فرضها وعودة الحصار لمحاولة إجبار القذافي الجلوس على طاولة المفاوضات ،لكن
بعد أربعين عام من بقاءه في السلطة ،قرر الغرب انه حان الوقت لتغيير النظام ،تخلى عنه
رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير الذي كان قد مدح القذافي كحليف في الحرب على االرهاب.
ال أتذكر التاريخ بالضبط و لكن في إحدى الليالي عند الساعة 32.12سمعت اول قنبلة
تسقط على طرابلس ،اهتزت األرضية من تحت قدمى ،وبدا األشخاص في الفيالت المجاورة
بالصراخ ،عندما انبلج الفجر كان بإمكاني رؤية دخان اسود سميك ليس بعيد جدا ،وهكذا انبثق
نمط متكرر ،خالل النهار في العادة يعم الهدوء ،لكن كل ليلة تسقط طائرة للتحالف حمولتها
المتفجرة على طرابلس ،قالوا في التلفزيون ان الهدف كان مجمع القذافي ،لذلك وبمعرفتي
لموقعه في المدينة حاولت استخالص اين مكان احتجازي ،من خالل أعمدة الدخان ،قدرت انني
كنت ابعد عنه حوالى ميل واحدا ،كيف لي بهذا القرب ان ارتاح ،كنت استطيع سماع صافرات
المطافىء واالسعاف ،كان الناس يحتضرون من حولي ،من مارس حتى سبتمبر كانت القنابل
تهطل كل ليلة ،كل مساء كنت اُحبس خلف البوابة الحديدية .
بعد مدة غير طويلة من بدء القصف وصل سفير األردن في طرابلس ليراني ،قضيت
اغلب الوقت في توبيخه لعدم فعله شيء بشأني ،صرخت فيه :ماذا كنت تفعل طوال السنة
الماضية ،هز كتفيه وحاول أن يشرح انه هو وزمالئه فعلوا ما باستطاعتهم ،لكن تجاهلت
الحكومة الليبية مطالبهم ،في وقت من اللقاء أخرج قطعة ملفوفة من التورتة ،قدمها لي كأنه
حضر لزيارة منزلية ،هذا لم يزد اال في غضبي فغادر ،وانتقاداتي لفشله تصمخ اذنيه ،وعد ان
يزورني في األسبوع التالي حامال معه اخبار جيدة ،لكن بالمطلق لم أراه مرة اخرى منذ ذلك
بعدها حضر اللواء السايح واخبرني انه سيوفر لي شرطية تبقى معي كل ليلة لحمايتي كما
يزعمون ،كالنا يعرف انها ال تستطيع صد قنبلة ،لم تكن ودودة جدا ،رفضت أن تطلعني على
كانت البنت المسكينة مرتعبة وخوفها جعل منها ترثارة ،صدرت عنها زلة لسان بالقول انني
محتجزة في مجمع سجن ابوسليم الرهيب الذي انتهى اليه عديد المعارضين للقذافي في ، 3991
كان ساحة لمجزرة ُزعم انها انطوت على وفاة أكثر من 3222سجين مشاغب.
شعرت بالطمأنينة من معرفتي اخيرا لمكان احتجازي ،وادركت ان الغرب لن يستهدف مكان
يُحتجز فيه معارضين للقذافي ،بالرغم من انني لم اكن غافلة عن احتمالية قديفة أو صاروخ
طائش يجد طريقه إلى ابوسليم ،هامش الخطأ في منطقة حرب يكون صغير لكني استرخيت قليال
.
كان يجول بخاطري سؤال عن كيف ستكون ردة فعل األردن وهى على عالقة جيدة مع
القذافي ،لكنها أيضا تميل إلى الغرب ،تجرعت اإلجابة بعد حوالي شهر من بدء القصف ،ففي
أحد االيام فُتح باب الفيال على مصراعيه و تم المسير بي عبر المجمع إلى بناية غير مميزة .في
الداخل دُفع بي إلى حجرة بدون نوافذ ،متر مربع تقريبا ،ال وسائل غسل و ال مرحاض ،سألتهم
":ماذا يعني هذا ؟ ،اجابوا " ملكك يدعم النيتو ،وسنريه االن ماذا يمكننا فعله بك .
تبين أن األردن بينما لم تشارك في الهجمات على ليبيا بشكل مباشر ،كانت تقدم الدعم
اللوجستي ،االن ليس ثمة شك بين من يعتقلني ،صرت العدو ،وكان واضحا أن معاملتهم لي
صارت أقسى ،اخدت حالتي المحفوفة بالمخاطر تأخد منعطف آخر لالسوء ،استطيع تخيل
غضب العقيد من دولة عربية كان يتودد إليها بمواظبة ،ثم تصطف ضده.
قُفل الباب وتُركت في ظالم دامس ،كل مأستطعت سماعه كان صراخ من الغرف االخرى ،
بدأ األمر وكأن ناس تتعرض للضرب ،تساءلت ما اذا كان هذا مصيري ايضا ،البد انه اُغمى
على من الرعب ،عندما استيقظت ،وجدت نفسي مرة أخرى في الفيال ،حاال زارني اللواء
السايح ،قلت له ال عالقة لي بقرار ملكي ،يجب أن تدركوا هذا ،واضفت :لماذا تحاسبونني
على شئ خارج سيطرتي ،لماذا تعاقبونني ،هز راسه :ال ادري ،انها اَوامر ،لم اكتشف ابدا
من أصدرها.
حاال بعد بداية القصف ،كانت احتمالية اإلفراج عني تلوح في األفق ،وثيقة أخرى قدمها
عبدهللا منصور ،هذة المرة يريد مني التنازل عن ملكية األصول الخاصة بي في ليبيا ،كان عندي
1مليون دوالر في حساب مصرفي ليبي تحصلت عليها من خالل صفقات أنجزتها ،باإلضافة
زادت األحوال يأسا ،لهذا وافقت بالرغم من انني ال أثق بالرجل ،رأيت ان ادفع فعليا فديتي
مقامرة تستحق المحاولة ،لكن ال شىء نتج عنها ،لم يتم استرداد هذة االصول بعد سقوط النظام
،مضت الحياة بالرغم من المذبحة من حولي ،مازالت أتناول طعام جيد ،وتأتيني امدادات التبغ
لشيشة االرجيلة الخاصة بي ،بعد ليلتي في الزنزانة الصغيرة جدا ،حاولت ان اعد النعم التى
حظيت بها ،وانا اقنع نفسي ان األحداث في طرابلس لم تكن بالسوء الذي تلمح له اخبار
التلفزيون ،التغيير الوحيد الذي حصل هو اختفاء المراة الشابة التي شاركتني الفيال .
غمرني احساس غريب بالسالم ،قلت لنفسي ،لو ضرب صاروخ مباشرة فليس بإمكاني
عمل شيء ،لهذا حاولت االستسالم لقدري ،قرات القرآن وصليت الخمس اوقات.
نقص النوم بسبب القصف الليلي أصبح مشكلة ،وبالكاد تعرفت على المرأة الهزيلة في
المرآة ،كان الحال اما قنبلة تسقط ،أو أخرى انتظر سقوطها بتوتر .
برامج التلفزيون في اليوم التالي أظهرت لقطات للدمار واألجساد التي تُحمل من االنقاض ،
قلت لنفسي :سيأتي يوما واكون فيه انا على شاشة التلفزيون حيث جسدي يُنقل إلى مستودع
الجثت.
اعرف ان القذافي لن يتنازل بسهولة ،كنت متأكدة انه لن يستسلم ،لذلك ستسفك دماء أكثر ،
كان سجني المستمر ال معنى له ،فلم يكن اية اتهام مباشر بارتكاب تجاوزات ،ولم تكن هناك
قضية في محكمة ،لكنني افترضت ان القذافي وحده من يستطيع اإلفراج عني ،لسوء الحظ لم
بصيص الضوء الوحيد كان العودة غير المتوقعة لصديقي القديم عادل الذي كان اول من
احضر وجباتي اليومية من الطعام ،لم أره منذ ستة شهور ،سوف يحضر لي طعام اضافي
ويسأل ما اذا كنت محتاجة ألي شيء ،يعرف عادل معلومات أساسية عن قصتي ،وان عندي
في إحدى المرات توقفت ساعتي عن العمل فقام بتغيير بطاريتها ،شعرت باالرتياح لعودته
مجددا ،بالرغم من انه اسر لي ان االضطرابات في ليبيا هى بنفس السوء الذي تعرضه بعض
التقارير اإلخبارية التلفزيونية ،أخبرني في أحد االيام ،لو حصل االسوء ،سأعمل كل شئ ممكن
لمساعدتك ،حييته على عاطفته ،بالرغم من شكي انه يستطيع فعل الكثير.
استمر وابل القصف كل الصيف ،في 1يونيو ،يوم ميالد القائد كان القصف شديد ،اشك
مع منتصف اغسطس ،كانت القنابل تسقط بكثرة حتى ان خشيت أن ليبيا تحولت إلى اطالل ،
كانت االنفجارات تصم االذان ،ومر شهر آخر ،كان نظامي اليومي هو النوم نهارا عندما تكون
األجواء اهدأ.
في اليوم الذي كدت أموت فيه ،أتذكر اني كنت انظر إلى ساعتي وقد كانت 5.12في مساء
سبتمبري معتدل ،وبالخارج كانت الدنيا مازالت مضيئة ،يجرجر النهار اذياله متثاقال هنا ،وانا
أتعجب كيف سامأل فراغ الساعة والنص قبل أن يأتي عادل بطعامي ،في ذلك الشهر كنت
صائمة لشهر رمضان الكريم ،لهذا كنت اكل واشرب فقط بعد غروب الشمس ،لعنت نفسي على
عندما هبطت القنبلة كنت على سريري اقرأ ،كان انفجار مصما لالذان ،بدأت البناية في
االهتزاز بعنف ،زحفت مثل طفل في رحم أمه اصرخ واصرخ :سأموت ،سأموت ،غير أن
انهار السقف يرميني بقطع اسمنتية ،ضربت قطعة كبيرة راسي ،لكن كوني مصدومة جدا
،او باألحرى مرعوبة جدا ،لم أشعر باأللم ،رغم انها كانت ثوان معدودة ،فإن االهتزاز بدأ
وكأنه دام لساعات ،البد أن هذا الشعور هو ما يحس به من عاش لحظات الزلزال ،سحب كثيفة
سوداء خانقة من دخان وغبار أطبقت على الغرفة ،قلت في نفسي :لن يتم العثور على جسدي
مطلقا ،لكن مع هذا ال زلت على قيد الحياة ،لم يكن مجرد حظ ،بل معجزة ،ذلك أن قطعتين
ضخمتين سقطتا من البناء شكلتا نوع من خيمة حماية فوق سريري ،كنت مرتعبة وأنا اتخلص
خشية أن تؤدي محاوالتي إلى انهيار كل شئ فيسحقني حتى الموت ،لكن بعد عشر دقائق
ي وحدي ،بشكل
مستلقية في يأس ،في الظلمة ،أدركت أن ليس عندي خيار آخر ،نجاتي بين يد ّ
ما انسللت من قبري دون أن المس قطع البناء المنهار من حولي ،بدأت الزحف وكانت الشظايا
اكتشفت أن إطار الباب الرئيسي قد تضرر بشدة و انني استطيع االحساس بنفث هواء خافت ،
لكن شعرت بقلبي يغرق وانا ارى ان البوابة الخارجية المغلقة بقضبانها الحديدية المنيعة مازالت
سليمة.
على اية حال ،خطر على بالي انه حتى لو استطعت الهروب ،فألى اين سأذهب ،أخرج
الى الشارع ؟ ذلك سيكون حتى أكثر خطرا ،فكري يا دعد ،فكري ،كررتها لنفسي في الوقت
بينما وقفت احذق من خالل القضبان حائرة ماذا سافعل في اللحظة التالية ،انجلى الدخان
تدريجيا ،استطيع ان ارى شبح رجل يمشي متقصدا نحوي يحمل في يده بندقية آلية ،رنت
كلمات ابي في أذني قادمة من ذلك الزمن البعيد " دعد ،اتوسل اليك ،ال تذهبي إلى ليبيا ،انها
ليست امنة ،لو حصل لك مكروه فلن نستطيع مساعدتك " ،تساءلت ،هل ستكون هنا نهاية
قصتي؟
بعد ذلك ولدهشتي كان الشبح الذي يوسع الخطى من بين الدخان االسود هو صديقي عادل ،
لقد كان عند وعده لمساعدتي ،صاح بي ان أتراجع إلى الخلف ثم صوب بندقيته في اتجاه قفل
البوابة واطلق عليه النار مرة واحدة ،فُتح باب البوابة ،خرجت اترنح من خراب الفيال ،كان
اول تفكيري في جيراني ،السعودي وشقيقته ،رجوت عادل ان يساعدهما ،أطلق النار مرة
أخرى لتحريرهما من البناية التي تضررت لكن مازالت منتصبة ،باقي اجزاء المجمع لم تكن
بشكل واضح محظوظة .بينما كنا نتحرك بين االنقاض ،حذرني عادل ،اقفلي عينيك ،سوف
ارشدك ،لم يرغب في أن ارى التبعات الفظيعة للقصف ،لكنني كنت اعرف اننا مازلنا في خطر
مقّطعة ،حاولت نسيان الكثير ،غير أن تلك الصورة علقت في ذاكرتي إلى األبد ،ال أحد ينبغي
أن يرى مثل هذة االشياء ابدا ،و حتى االن ال اريد ان اشغل بالي بهذة المشاهد .
رأيت المبنى الرئيسي حيث يتواجد مكتب اللواء السايح ،وكان يتم فيه التحقيق معي ،قد
دُمر ،نجا اللواء بالصدفة ألنه كان بعيدا عن مكتبه ،االن و قد الحظ وجودنا سألنا " ماذا
تفعلون هنا؟ شرح عادل ما حدث فأمره السايح :خدهم إلى سجن ابوسليم ،كان هذا غير معقول
بالنسبة لي ،فقلت له ،لكن نحن االن في سجن ابوسليم ،رماني بنظرة توحي بأنني فقدت عقلي
اذن فقد كانوا يحشوني بمعلومات خاطئة ،كل الوقت كنت أعتقد انني في السالمة النسبية
للسجن ،بينما في الواقع كنت محتجزة فعال في مجمع يُعتبر هدف رئيسى للنيتو ،قلت للواء
التعيس ،بلدك مقلوب عاليها سافلها ،وانت مازلت مهتم بشأني ،لماذا ال تتركنا نجرب حظنا ؟
اجاب السايح :اخر مكالمة استقبلناها من الرئيس كانت بخصوص وضعك في مكان امن ،ربما
كان ينبغي أن اتبجح زهوا ،فحتى و نظامه ينهار مازال العقيد يفكر بي ،تم وضعنا في سيارة
دفع رباعي ،وبعد عشر دقائق رأيت اللوحة ( سجن ابوسليم ) ،مع السعوديين االخرين تم
مرافقتي إلى فيال أكبر ،لكن مختلفة في التصميم عن الفيال التي قضيت فيها الواحد وعشرين
شهر الماضية ،والتي كانت مخصصة كسجن للمسؤولين ،لم اتحمس للنقل إلى فيال كنت أخشى
انها ستكون الهدف التالي لقنابل النيتو الذكية ،الححت على االَمر المسؤول عن سجن ابوسليم ،
ضعني في السجن ،لم يتزحزح عن موقفه لكنه على األقل وافق ان نبقى ثالثنا معا.
كان الجزء الداخلي من الفيال في حالة فوضى ،تفشت فيه الجرذان وتناثرت فيه القمامة ،
اُدخلنا إلى غرفة لم يسكنها أحد لشهور ،لم يكن هناك فراش ،فقط صالون ،كان الماء يتساقط من
كل وقت يحصل فيه انفجار يزداد الصراخ ،فادعو ان يثبت صحة رجائي االصلي بان يستثني
كانت النعمة الوحيدة اننا لم نكن محبوسين ،من خالل النافذة رأيت االَمر المسؤول يرتدي
سروال قصير ،و يدخن الشيشة في هدوء ،بينما تتهاطل القنابل ،يبدو كما لو انه في عطلة
في الصباح التالي سعيت إلى االَمر ،كان باب مكتبه مهشما وخط الهاتف مقطوع ،تبين
انه هرب في الليل ،في غرفة أخرى وجدت بعض التمر و خبز وحليب فتشاركته مع السعوديين
بعد وقت غير طويل وصل بعض الجنود الموالين للقذافي وارجعونا مرة أخرى إلى الفيال ،
ومرة أخرى اجد نفسي محبوسة ،لمدة ثالثة ايام انكمشت في تلك الغرفة النتنة ،لم يكن هناك
تلفزيون ،ولم يكن بوسع ثالثتنا معرفة ماذا يجري في طرابلس وباقي ليبيا.
مازالت االنفجارات المنتظمة تتخلل الليل ،لكن جاءنى انطباع انها من هجوم ارضي وليس
من قصف النيتو الجوي ،استطيع ان اسمع الصواريخ تسقط قريبا من جدران السجن ،لكن
هل ما زال القذافي في السلطة ؟ هل سيستغل أعدائي في السلطة هذة الفوضى ويقومون
باعدامي ؟ ،لو ان العقيد اطيح به أو فر إلى قاعدته القوية في سرت ،ماذا سيحدث لي لو وقعت
حدث كل هذا خالل شهر رمضان ،وصلنا إلى ليلة القدر ،الليلة االقدس في التقويم
االسالمي ،ليلة السابع و العشرين من رمضان ،التاريخ الذي أُنزل فيه القرآن على النبي دمحم ،
في هذا الليلة يُعتقد أن هللا على االرجح يستمع إلى دعاءك ،في الصباح التالي كان ثمة طرق
على بابنا.
الفصل الثالث والعشرون
فقدان االمل
بإحساس الخائف من المجهول مشيت إلى الباب الخشبي المقفل و ناديت :من هناك ؟ ،
متعطشة لألخبار طيلة الثالث ايام الماضية ،لم تكن عندي فكرة عن من يسيطر على المدينة ،
كل ما اعرفه االن ان اقدام قليلة قد تفصلني عن منفذ حكم اعدامي ،افتحي الباب ،قال صوت
رجولي ،لكن لم يكن معي مفتاح حتى لو رغبت ان اطيع ،ابتعدي ،أمرني ففعلت ما ُ
طلب مني
،حصل التحطيم فتطايرت شظايا الخشب والحاجز الواهن بركالت قليلةعنيفة ،كان في
ت هنا ،ال
ت ولماذا ان ِ
مواجهتي رجل في عمر الستينات يرتدي جلباب ابيض ،صاح قائال :من ان ِ
لهجتك ليبية ،شرحت له بأقصى سرعة ممكنة ان ثالثتنا سجناء النظام ،دعوت أال اكون
ِ تبدو
وقّعت شهادات موتنا ،لكن لحسن الحظ بدأ ان ردي ارضاه ،تعالي سأخرجك من هنا ،قالها
واومأ لي ان اتبعه ،ترددت ،رافضة ان اضع ثقتي في هذا الغريب ،بالرغم من عدم وجود
خيارات أخرى ،من انت ؟ سألته ،اجاب :ليس هذا وقت طرح اسئلة ،تعالي ،اتبعيني ،
بسرعة ،توسلت اليه ان يأخد معنا السعوديين والممرضتين الليبيتين ،باب اخر ُحطم بسرعة
فأنفتح ،الممرضتان حرتان االن ،خرجنا جميعا نجري الى بوابة السجن ،لم يكن هناك أثر ألي
حراس في الخارج ،استطيع ان ارى مبان مدمرة و شوارع مغطاة بالركام ،سأل منقدنا
المرأتين الليبيتين ،هل تعرفان المدينة؟ اذن اذهبا إلى بيتكما ،واشار إلي السعوديين وانا بأن
نتبعه ،حاولت ان اعرف اين مكاني االن ،وان استوعب المنطقة المحيطة بي ،وبالرغم من
انني في منطقة حرب ،مازالت المقاهي تعمل ،في خارجها كان رجال كبار في السن يجلسون
على االرصفة يدخنون الشيشة ،كانت الشوارع مكتظة بالسيارات تختار طريقها عبر كل الحطام
المتناثر ،لقد كان مشهد سوريالي عجيب ،فقد كان بإمكاني سماع إطالق نار ليس بعيد ،لكن
الباب ،ورحب بنا في الداخل ،قال :هذا بيتي ،عرف بنفسه للتو في وجود زوجته واخته ،
أخبرني ان اسمه علي عبدالهادي ،كان بعض األطفال يلعبون في حجرة أخرى غير منتبهين
لوصول ثالثة اجانب إلى بيتهم ،في رحاب األمان النسبي في البيت ارتاح (علي) بشكل واضح ،
ال أعرف ما الذي أخدني إلى سجن أبوسليم ،وأضاف :استيقظت هذا الصباح وبدأت
المشي ،عادة ال أحد يستطيع أن يدخل السجن ،بل وكنا نخشى حتى المرور بقربه ،اليوم كانت
البوابة مفتوحة ،وكان الفضول يغمرني ،أنقدت بعض السجناء اآلخرين ممن كانوا محتجزين
في شاحنة ،و هم من أخبرني أن ثمة أشخاصا عالقين في الفيالت ،في ذلك الوقت عثرت عليك
،قدم لنا علي وهو سائق سيارة أجرة الطعام ،وبينما كنت أكل تأملت كيف أن القدر تدخل مرة
قدم لي (علي) هاتفه المحمول فحاولت االتصال بالهاتف األرضي لوالدي .سمعت أبي
يجيب لكن سرعان ما انقطع االتصال ،لهذا اتصلت بشقيقتي لندا حيث كان رقمها الوحيد الذي
مازال في ذاكرتي ،حالما سمعت لندا صوتي أجهشت بالبكاء ،وكانت إبنتي معها ،استطعت
الحديث معها ،لكنها بدأت وكأنها منهارة ومحطمة ،غير أننا استطعنا الكالم لمدة دقيقة أوإثنتان
قبل أن أرجع الهاتف بتردد ألنه كان منخفض الرصيد المالي ،كنت ممتنة أنهم على األقل عرفوا
أنني على قيد الحياة وبخير ،بالرغم من إدراكي أنني مازلت بعيدة جدا عن االمان في وضع
ناقشنا ماذا سنفعل بعد ذلك ،قال لي ،إن المكان ليس أمنا ،لقد سمعت أن سيف إبن القذافي
يختبئ هنا ،وأن القتال يقترب أكثر ،يتطلب األمر نقلك من هنا ،اقترح أخد ثالثنا بسيارة األجرة
إلى منطقة عين زارة الريفية ،حيث يمتلك شقيقه دمحم مزرعة هناك ،هناك كان لدينا متسع من
الوقت لرسم خطة خروجنا من ليبيا ،أو ببساطة كيف نختبئ ،الخروج بعيدا عن المدينة يظهر
وكأنه الخيار األكثر منطقية ،حيث يبدو أن القتال كان محصورا في المركز والضواحي القريبة
منه ،كانت رحلة هادئة بلغ طولها ثالثين ميال إلى الجنوب ،وأخيرا صافحنا رجال يحمل طفال
رضيعا بين ذراعيه ،ومرة أخرى صدمت بالحنان الذي أظهره هؤالء الغرباء تجاهي ،هنا ال
يتوانى رجل عائلة عن الترحيب بثالثة غرباء في منزله ،ويتقاسم معهم طعامه ،زد على ذلك
المخاطرة التي يتحملها من أجل أن يوفر لنا مالذا آمنا ،بل ولم يسأل مطلقا عن المدة التي
أخدت حمامي األول بعد حرمان أليام ،ومباشرة شعرت باألنتشاء ،ثم أكلنا بيتزا ُ
طهيت
على الجمر ،تبين أن قصة علي عن أن بيته غير أمن كانت تعبر عن نصف الحقيقة ،كان كذلك
قلق بشأن نقص الطعام في بيته ،وأننا قد نجوع هناك ،وهو يعرف أن إمدادات من الخضروات
ّ
شغل مولد كهربائي ف ُ
شحنت أجهزة الهاتف واستطعت مرة أخرى الحديث مع شقيقتي عن
طريق هاتف شقيق علي ،تحصلت على رقم هاتف وزارة الخارجية األردنية فاتصلت بهم " ،
أريد الخروج من ليبيا " ،قلت لهم ،هناك دماء في كل مكان ،هناك ناس تُقتل .
أخد أحد المسؤولين في الوزارة رقم هاتف الشقيق ووعد أنهم سيتصلون بي في اليوم التالي ،
كما هو متوقع ،رن الهاتف فكان على الخط السفير األردني في ليبيا متصال من مكتبه في
بنغازي ،قال :لو استطعتي الوصول إلى هنا ،استطيع أن أوصلك إلى القاهرة ثم إلى األردن .
للحظة انعقد لساني عن الكالم من الصدمة ،تقع بنغازي في شرق ليبيا حوالي 122ميل من
طرابلس ،هل كان جادا في توقعاته ان اصل إلى هناك بدون مستندات او مال ،حتى في اوقات
السالم ما كان لهكذا رحلة أرضية ان تكون سهلة ،اما االن فمتأكدة انها ستكون مثقلة باالخطار ،
كان يفترض ان امسك لساني ،لكنني لم اكن في مزاج دبلوماسي ،فانفجرت غاضبة ،
هل انت سفير الى الصين ام ليبيا ،هل تعرف كم بعد المسافة ،هل تعرف ان هناك حرب ،لو
كان بإمكاني أن أصل إلى بنغازي بنفسي فلن اكون في حاجة إلى مساعدتك اصال ،و قفلت في
وجهه الهاتف غاضبة ،مرة أخرى اجتاحني اليأس ،في وقت احتياجي تتخلى عني بلدي ،ماذا
اتصلت بوزارة الخارجية االردنية وانهلت عليهم بكل كلمة قذرة يمكن تخيلها ،هذا جعلني
اربع ليال قضيتها مع هذة العائلة المضيافة ،اشرب من بئرهم واَكل من خضراواتهم
الطازجة ،لو كانت في ظرف اخر لكانت هذة االجواء ساحرة ،لكنني شعرت بتأنيب ضمير انني
اُثقل عليهم ،باكل طعامهم واستخدام هاتفهم ،كان السعوديان في نفس حالتي بعد اكتشافهما أن
في وقت ما اتصلت ابنتي ،لقد اتصلت بوالدها في المملكة العربية السعودية بالنيابة عني ،
لو كان باستطاعتي الوصول بطريقة ما إلى جربة فى تونس ،فإنهم سيرتبون النقادي ،لدهشتي
عرض االمير الوليد بن طالل الذي رتبت شراء طائرته الخاصة للقذافي ان يوفر طائرة لنقلي
إلى الوطن بالرغم من الخالف بيننا غير المبثوت فيه بعد ،شكرت له هذة اللفتة الكريمة ،لكن
بالرغم من أن الحدود أقرب بكثير من بنغازي ،اقل من 322ميل ،فأن الوصول إلى هناك هو
في اليوم الرابع في المزرعة رن جرس الهاتف ،عرف المتصل بنفسه ،اسمه هاني ،قال
أصابتني الدهشة فسألته :مالذي يدفعك لهذا ،لماذا تتحمل هذة المخاطرة الكبيرة من اجلي ،
عصرت دماغي ،لكن في مكتبي اشتغل به العديد من الموظفين على مر السنوات ،فلم أستطع
تذكره.
جئت إليك من اربع سنوات مضت عندما كانت امي مريضة ،احتاجت إلى عملية كلية
ت قدمتي لي نقود ،انا االن ارد لكٍ الدين ،انا االن جزء من الثورة ،لم اكن اعرف في وقتها
وان ِ
انه وعد ابي وشقيقي عندما زاراني و انا محتجزة ،بأنه سيعمل ما بوسعه لمساعدتي .
تقديم هدايا مالية لليبيين في جدول مرتبات مكتبي لم يكن أمرا غير مألوف ،لقد كوفئت
بسخاء من العقيد ،فكنت احاول ان اقاسم القليل من ثروتي ،لم يكن هذا بالكامل بدون غرض ،
لقد تعلمت مبكرا في عملي التجاري انه بامكانك شراء الوالء ،و اآلن انا في طريقي لجني
األرباح .
زودت هاني بوصف للمكان محتارة مالذي يدور في رأسه ،جاءت اإلجابة بعد حوالي
ساعة عندما ظهرت سيارة نقل على طراز عسكري يهدر محركها و مكتظة برجال يتباهون
بأسلحتهم.
في البدء فزع مضيفنا ،وارتاح فقط عندما مشيت إلى الخارج ،وصافحت هاني ،كان بلحية
طويلة ،لكن تذكرته اخيرا ،عانقني و قّبل أعلى راسي ،قولي لهم مع السالمة ،ستبقين الليلة
تعرفت على صاحب المزرعة و زوجته لعدة أيام ،لكن تفارقنا كأصدقاء عمر ،تعانقنا وقبلنا
بعض وبكينا ،وبينما نطقتُ كلماتي االخيرة للوداع ،احسست بعملة ورقية تنضغط في يدي ،
قفزت إلى مقصورة العربة تاركة خلفي السعوديان ينتظران انقاذ ترتب له بالدهما ،بعدها
بوقت طويل عرفت بسرور أنهما غادرا ليبيا بسالم ،ذلك المساء قضيته مع والدي هاني في فيال
صغيرة وسط طرابلس ،اباح لي ان خطته ستكون باخدي إلى بلدة اذهيبة الحدودية مع تونس ،و
تبعد 222ميل ،هذة ضعف المسافة مع اقرب معبر حدودي ،لكنه كان واثقا ان الطريق
يسيطر عليه المتمردون ،كان يفترض ان تكون رحلة سهلة ،اتصلت بأسرتي لكي يسعوا في
ترتيبات تسمح لي بعبور الحدود بدون جواز سفر ،على االقل ينبغي على وزارة الخارجية
األردنية التي احتقرها االن ان تكون قادرة على تدبير هذا من أجلي.
انطلقنا في الفجر برتل من حوالي أربعين عربة تسير عبر اجزاء مدمرة من ليبيا ،كنت في
الكرسي الخلفي لشاحنة نقل صغيرة يقودها هاني ،و كان الراكب الثالث ثائر مسلح .
تمزق قلبي وانا ارى البلد على هذة الحالة ،أعمدة دخان ومبان مثقوبة بالقدائف ،كان الناس
يبكون في الشارع ويرتدون السواد حدادا ،بدأ األمر و كأنه مشهد في فيلم حرب ،بالرغم من
عدم سماع إطالق نار وانفجارات ،يبدو ان طرابلس سقطت في يد المتمردين ،االن نحن بصدد
تغيير االتجاه الخد الطريق األكثر مباشرة إلى تونس ،سنتجه الى رأس اجدير البلدة الحدودية
الساحلية التي تبعد ساعة من هنا ،لكن هذا يعني المخاطرة بمالقاة الجنود الموالين للقذافي ،كان
التبرير لهذة اإلستراتيجية األكثر مخاطرة هو أن المتمردين ارادوا تنظيف الدرب األقصر إلى
سلمت خودة
تونس ،أدركوا انهم يملكون القوة النارية الكافية في رتلنا النجاز هذا الهدف ُ ،
عسكرية وحزام واقي من الرصاص ،وطلب مني هاني ان استلقي علي ارضية مقصورة الشاحنة
مرة أخرى اُسلم نفسي للقدر ،لكن كنت أعتقد أنها فرصتي الوحيدة للهرب من ليبيا ،حاولت
ان اجد السلوان لنفسي من الثقة بالنفس التي يتمتع بها المتمردون الشباب ،لكن المتشائم في
داخلي ظل ينق في أذني ان التبجح بالشجاعة ال يوقف الرصاص عندما يبدأ في التطاير.
مع مرور الدقائق وانا في موضع القدمين الضيّق بالسيارة تجرأت على االمل ان نصل إلى
الحدود بدون عوائق ،كان الثوار يتوقون إلى االثارة ،وكان كل ما يشغلني العبور إلى تونس
لم يمض وقت طويل حتى سمعت الصوت الذى ال تخطيه االذن لألسلحة االلية ،و في ثوان
كنا في وسط معركة ،ال استطيع وصف الضجة التي تمزق االذن ورعبي بالرغم من انني لم ار
شيئا ،ذلك انني تكورت على االرضية حتى صرت اصغر حجما.
في الكرسي االمامي كان الرجالن يصرخان ،بينما أحدهما يقود السيارة كالريح ،كان
اآلخر يرد على النار من نافذة الراكب ،اتذكر عندما كنت في السجن كانت قنابل النيتو تسقط
على طرابلس من طائرة غير مرئية ،لكنك نوعا ما تشعر انها بعيدة ،اما هذة فحرب حقيقية ،لم
تكن هناك طريقة لمعرفة كم يبعد عنا المهاجمين ،لكن لم يكن هناك شك أنه لمرة اخرى كانت
حياتي على الميزان ،و مرة أخرى توجب ان اعتمد على آخرين في نجاتي.
استمر هذا لخمسة عشر دقيقة ،لكن بدأت وكأنها خمسة عشر ساعة ،ضرب الرصاص
الزجاج االمامي لسيارتنا بينما كنا نندفع في الطريق الصحراوي بدون غطاء ،في مرحلة ما قرر
هاني تقسيم رتلنا ،بينما بقى ثلثي العربات يقاتل قوات القذافي ،انفصلت مجموعتنا األصغر التي
تضم حوالي عشرين رجال واستمرت في اإلسراع نحو الحدود ،قبل هذا كنت أتساءل كيف
سيتعامل هؤالء الثوار في مواجهة ظروف قاسية كهذه ،االن عرفت اإلجابة ،انهم اشجع رجال
التقيتهم في حياتي ،عرفت الحقا ان بعض من بقى خلفنا للقتال في ذلك اليوم قد قُتلوا.
بينما كنا نقترب من الحدود كان يلوح أمامنا عائقا اخر ،لم يكن معي جواز سفر أو بطاقة
هوية لذا اتصلت بالسفارة األردنية في تونس ،كان ينبغي أن أعرف قبل أن أتوقع المساعدة انه
ليس من أحد يبدو راغبا في مساعدتي حتى بالقليل ،و إلى اآلن بعد مضي هذة السنوات ،مازلت
أشعر بالمرارة عن الطريقة التي تخلت فيها بلدي عني في وقت الحاجة الماسة ،و في الجانب
االخر ،تعلمت كذلك انك أحيانا تجد العطف العظيم وااليثار من حيث ال تتوقع.
بعد أن اوصلني بسالم إلى الحدود كان هاني يحمل لي اخر مفاجأة ،بينما كنت محتارة كيف
سأعبر من ليبيا إلى تونس عبر بلدة راس اجدير الترابية ،صار من الواضح ان هذة ليست المرة
األولى له هنا ،قام رجال الشرطة التوانسة وحرس الحدود بمصافحة هاني و تحيته ،انا متأكدة
انه في هذا الجو المحموم للربيع العربي ،ساعدتنا ايضا حقيقة كونه وزمالئه ُمسلحين بالثقيل ،
تسهلت نوعا ما طريقي من ليبيا الى تونس ،لقد عبرت تلك الحدود عدة مرات فيما فات ،لكن لم
في وقت متأخر ،وصل موظف من السفارة األردنية للتعامل مع هذة المرأة المزعجة ،وتم
اخدي إلى الفندق ،في هذة المناسبة ،كان االمير الوليد بن طالل بجودة تعهده ،فبعد اربعة
ساعات هبطت طائرة خاصة في مطار جربة الذي يبعد عشرين دقيقة ،كنت ذاهبة الى الوطن
بأبهة واناقة حيث كنت المسافرة الوحيدة على طائرة بستة مقاعد.
نمت اغلب الرحلة التي تبلغ 2222ميل ،ذلك اني كنت مرهقة بالتمام ،كانت هذة المرة
على تمام الساعة السابعة صباحا ،حطت بي الطائرة في مطار عسكري في األردن ،واحد
و عشرين شهرا امتدت من يناير 2232إلى سبتمبر 2233لم تطأ فيها قدمي ارض بالدي.
سمح البنتي
لمصافحتي ،فصلوا عني بالحراسات األمنية ،لكن بمجرد أن نزلت درجات السلم ُ
بالجري إلى الطائرة ،شعرت بقلبي ينفطر ،تعانقنا وسرنا بعدها عبر المدرج إلى حيث تتجمع
أسرتي ،بالكاد تمكنت من تقبيل والدي حتى سالت دموعه على خديه قبل أن اكون في وسط حشد
من الناس ،اخوات ،اعمام و أخوال و ابناءهم ،اختلط مع بهجتي شعور بالبرود ،كانت تلك
اللحظة التي حلمت بها ،لكن عندما حدثت فعال لم استطع استيعاب كل شيء ،ذكرياتي عن
وصولي مازالت ضبابية قليال ،شعرت بأني لم اكن حقيقية ،و بالرجوع إلى الخلف االن ،
مازلت مصدومة من االشتباك القتالي في الصحراء ،لقد اكتسحتني ربكة ما حصل حتى انها
اقفلت دماغي.
اعرف ان اول تصرف لي كان ان قبلت األرضية ،اُخبرت الحقا ان طاقم الطائرة بكى
عندما شاهدوا إعادة لم شملي مع ابنتي نور ،من المطار انطلقنا مباشرة إلى منزل الوالد ،رتب
بابا خيمة كبيرة لتوضع في الحديقة ولمدة ثالثة أيام اُحتفل بعودتي للبيت على الطريقة التقليدية ،
أُطلق الرصاص في الهواء ،ذُبحت الخراف وشويت على النار في الهواء الطلق ،انها طريقة
العرب في شكر هللا ،وايضا كانت الموسيقى والرقص ،وفي الحقيقة كل ما كنت ارغب به كان
لو صورت هوليود قصة حياتي فان هذا هو المكان الذي ستمر فيه على الشاشة قائمة
المشاركين في الفيلم ،أما في العالم الحقيقي فما زال امامي بعض األعمال غير ال ُمنجزة.
دعد في مطار عمان بعد عودتها من فترة اعتقال في ليبيا دامت سنة و تسعة شهور .يظهر في الصور والدها وابنتها و عمها ومربية
ابنتها
الفصل الرابع والعشرون
االمير المتعجرف
كسبت دعد شرعب القضية التي رفعتها في محكمة بريطانية ضد االمير السعودي الوليد بن
طالل بخصوص العمولة عن طائرة االيرباص الرئاسية الخاصة التي توسطت في شراؤها للعقيد
القذافي ،حكمت لها بمبلغ 32مليون دوالر باإلضافة إلى تكاليف التقاضي ،وبعد اإلضافات
كتبت تقول:
" في حكمه اشاد القاضي بقدرتي الفريدة على الوصول إلى العقيد القذافي ،واستخلص ان
صفقة بيع الطائرة الخاصة ما كانت لتحدث دون مشاركتي ،و كتب التالي" من وجهة نظري انه
استخلص القاضي انه وجد أدلة الوليد " بالكامل غير مرضية " مضيفا " ،وبأخد كل شيئ
في االعتبار خلصت ببساطة الى ان أدلة االمير مشوشة وليست جديرة بالثقة كثيرا ،بينما ادلة
السيدة شرعب أكثر موثوقية في أي خالف على الحقيقة بينهما " .
تختتم الفصل بالقول " كانت اول خطوة ان أقضي اجازة طويلة ،واخترت لها أن تكون في
البودرم على الشاطئ الجنوب غربي لتركيا ،تضيف " :وقعت في حب هذا المنتجع الساحر
على بحر ايجة ،فقررت ان استثمر بعض اموالي من حكم المحكمة في شراء فيال لقضاء
اجازاتي وصرفت مال أكثر في تجديدها وتزيينها على ذوقي ،بعد أن كانت عبارة عن منزلين
متالصقين .ومازلت اعتكف هنا كل صيف لمدة ثالثة شهور لالسترخاء واالستجمام وراحة البال
،وجودي هناك بمثابة العالج لي ،أطلقت على بيت االجازة فيال نور .
الفصل الخامس والعشرون
تأمالت
كنت استريح في بيتي في عمان اسابيع قليلة بعد هروبي من ليبيا ،عندما جاءت نور تجري
إلى حجرتي " ،ماما ،لقد قبضوا على القذافي " ،صاحت ابنتي" تعالي لتشاهدي ،انها تعرض
على التلفزيون " ،جمعت أفكاري وقفزت من السرير اركض عبر الساللم إلى غرفة المعيشة ،
كان اليوم 22اكتوبر 2233حيث تبث الجزيرة فيديو مرتعش يظهر اللحظات األخيرة في حياة
القذافي.
خطأه االخير اعتقاده انه سيكون بمأمن في مسقط رأسه سرت ،لكن تم حشره في زاوية مثل
جرذ ،لم أستطع استكمال المشاهدة اكثر ،ال ينبغي ان يتصرف المسلمون هكذ ،كانت معاملتهم
تساءلت عبر هذة السنوات ،لماذا تحول القذافي ضدي ،النتيجة الوحيدة التي توصلت إليها
ان شخص او مجموعة اشخاص لعبوا بعقل القذافي ،ابرز المتهمون ابنه سيف وعبدهللا السنوسي
ومبروكة الشريف التي تعاظم نفوذها ،ال أحد منهم يرغب في بقائي حول القائد ،وكلهم قساة
بنفس القدر.
بالرغم من انني أصبحت كصداع للقذافي ال يعرف كيف يتخلص منه ،اال انه لم يرغب في
موتي ،حتى وقبضته على السلطة تتراخى حماني ،لكنه بحبسي عرضّني تقريبا للموت.
لم اكره القذافي مطلقا حتى في احلك اوقاتي في الفيال ،لكن لم ابكي موته ،ولم احتفل ،ولم
يكن عندي نفس التعطش لالنتقام كرجال بلده الذين قبضوا عليه في سرت.
كانت طريقة موته فظيعة ،وفي العمق أعتقد ان هذا ما كان يخشاه دائما ،وهذا ما جعله
يحافظ على قبضته الحديدية في وجه جماعات المعارضة ،لم يكن القذافي مالئكة ،ولم يكن
شيطانا.
ممنونة في ليبيا لنعيمة الصغير ،وسالمة ميالد( عالقتي بها لن تنكسر ابدا ) ،وعادل الذي
انقد حياتي أثناء غارة النيتو على مكان سجني ،وسائق االجرة علي الذي وجدني في سجن
ابوسليم ،وردا لفضله قمت بعالج والده ،وهاني الذي اوصلني إلى تونس وزارني بعد ذلك عدة
مرات في االردن.
اما موسى كوسا المراوغ كمكعب ثلج ،فقد اتصل بي بعد ، 2233يبارك هروبي من ليبيا
مؤكدا أنه حاول ضمان اإلفراج عني ،هل اصدقه ،ال يهم االن ،لقد وضع اللوم على الحكومة
األردنية النها لم تمارس ضغطا كافيا على ليبيا ،وفي هذا شئ من الحقيقة.
شكلت ليبيا والقذافي شخصيتي من جوانب اخرى ،عندما جئت للبلد كنت دائما مستعجلة ،
لكنني تعلمت الصبر ،كنت أغضب عندما أترك في االنتظار اثناء ذهابي الى مكتب القذافي للقائه
أو توقيع ورقة ،أتذكر مرة اني رميت حزمة اوراق في وجه موظف سيئ الحظ ،لكن أدركت
في النهاية انها الطريقة الليبية ،بالنسبة للقذافي الوقت ال يعني شئ ،أنا االن اكثر هدوء ،وهذا
استمر في عملي كوسيطة ومستشارة لشركات غربية لها مصالح في الخليج مثل الشركة
اإليطالية العسكرية ليوناردو ،اما ليبيا فال استطيع العودة اليها ،وهذا يمزق قلبي ألنها البلد التي
نادرا ما يغيب القذافي عن افكاري ،على حائط مكتبي هناك معروضات من صور
أشخاص التقيت بهم مثل كلنتون ،بوش ،اما في المكان االبرز فتوجد صورة القذافي ،ولمن
يسألني كيف تعلقين صورة من سجنك ،وتقريبا قتلك اقول :لقد كان جزء من حياتي ،ليس
خطاب القذافي الشهير بخطاب " زنقة زنقه " واالخير من العاصمة ..والذي توعد فيه بالويل للمنتفضين ،ما اعتبر استفزاز للمجتمع
الدولي
غارة جوية للناتو
احتفاالت المنتفضين