Professional Documents
Culture Documents
البحث
البحث
البحث
تحت عنـــــــــــــــــــــــــــوان:
1
إلى روح أمي رحمها هللا وأبي العزيز اطال هلال عمره ،منبع الحب والحنان،
كما أهدي هذا العمل إلى شريك حياتي زوجي الغالي وفلذة كبدي بناتي الحبيبات
وإلى أخواتي وإخواني رفاق دربي الذين لم يبخلوا علي بوقت أو جهد مادي أو
معنوي لمساعدتي
إلى األستاذ المشرف سيدي الحسين أصبي الذي لم يتردد يوما في تقديم المساعدة لي
وللطلبة جزاه هلال خيرا ،ولكل أساتذتي الفضالء ،وكل من علمني حرفا.
وإلى من شاركوني األفراح واألتراح إخواني وأخواتي الذين ما آلوا جهدا في إعانتي
وتشجيعي
3
مقدمة:
فناء
الحمد الله األول األزلي قبل الكون والمكان ،من غير أول وال بداية ،اآلخر األبدي بعد
المكنونات واألزمان بغير آخر وال غاية ،الظاهر في علوه بقهره عن غير بعد ،والباطن في دنوه بقربه من دون
مس ،الذي أحسن بلطفه كل شيء بدأه وأتقن صنع كل شيء أنشأه ،ودبرت
فأظهر في الغيب والشهادة لطيف قدرته وعم مشيئته، وصرفت المحكومات األحكام حكمته
عدله،
لجميعهم فضله ،وبسط بنعمته ،ونشر على من أحب منهم في العاجل واآلجل خلقه
إليه،
باجتبائه إياهم وتعالى ،به عز وجل ،وأحسن إليهم سبحانه بتعريفهم إياه، وأنعم عليهم
الصالة
فنسأله أنفسهم إليهم، ببعثه رسوال من بتيسير كالمه لهم ،ومن عليهم وأفضل عليهم
تبارك
ويعرفنا خفي قدره ،وصلى هلال بفضله وشكر نعمه، النبي وآله ،وأن يوزعنا على
المورود،
بالشفاعة والحوض المفضل رسوله واآلخرين، األولين سيد وتعالى على
المخصوص بالوسيلة والمقام المحمود ،وعلى إخوانه السالفين في األزمان ،وأنصاره التابعين
بإحسان
فإن هلال تعIالى لمIا أراد الهدايIة للنIاس أرسIل إليهم رسIوله محمIد صIلى هلال عليIه وسIلم من أجIل إخIIراجهم من
الظلمات إلى النور وانزل معه القرآن الكريم تبيانا للناس فيه خبر األمس واليوم والمستقبل من أجل ان يكون حجة على
الناس يوم ال رقيب إال هلال تعالى .وجاء الناس مراتب كل حسب قوته وعباته وزهده وورعIه وجIاء للقلب والIروح
غذا للسواء للفقير أو الغني وهو
تعالى الغني الحميد.
أكبرا االسباب التي جعلتني أجعل هذا السفر موضوعا للبحث هو التشويق الذي انتابني
وانا أقرأ عنوانه وأسأل ما هي هذه المنازل التي تحدث عنها ابن القيم رحمه هلال في كتابه
فاستشرت في ذلك أستاذي المشرف جزاه هلال خيرا وقيد هذا العمل واقترح على دراسة منزلة
الغنى والفقر والمراد من خالل كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
4
أهداف البحث :
الصعوبات :
على غرار جميع البحوث األكاديمية والعلمية فإن بحثي هذا لم يسلم من بعض الصعوبات
ومنها :
وغيرها من الصعوبات التي كانت بثقل الجبال ثم هونها الرحيم برحمته سبحانه ،الحمد هلل
الذي سخر لي كل أموري وجوزني كل ماكنت أخشاه ،ويسر لي سبيل التعلم والمعرفة ،الحمد
هلل الذي سبق عفوه غضبه ،ورحمته عقابه.
المنهج:
وقد اتبعت في هذا البحث المنهج اإلستقرائي التتبعي بحيث أنني اتبعت منزلتي الفقر والغنى من خالل كتاب مدارج السالكين
كما قمت بتطعيمها ببعض الشروحات عن العلماء مع
االختصار الذي ال يخل بالمعنى.
التصميم:
وقد اشتغلت على هذا العمل بتأطير من أستاذي الفاضل وفق التصميم التالي:
المقدمة :
5
الفصل االول :التعريف بالمؤلف وكتابه المبحث األول
واسرته
مدارج السالكين
حقيقة المراد
الخاتمة
6
الفصل االول :التعريف
باملؤلف وكتابه مدارج
السالكني
7
المبحث األول :ترجمة ابن القيم المطلب
هو اإلمام العالم ،العارف العابد ،المحقق المتقن ذو الفنون ،أبو عبد هلال ،شمس الدين ،محمد
بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي ،الزرعي ،ثم الدمشقي.
بدأ منذ نعومة أظفاره بطلب العلم ،والقراءة على الشيوخ ،فسمع الكثير من علماء دمشق،
ودمشق -حينذاك -حاضرة العلم والعلماء ،ثم رحل إلى مصر في طلب العلم.
بعد عودة شيخ اإلسالم ابن تيمية من مصر عام (712هـ) الزمه مالزمة تامة ،حتى إنه
1
دخل معه السجن في قلعة دمشق ،وبقي إلى حين وفاة ابن تيمية حيث خلي سبيله
ال شك أن ألسرة الرجل وأهل بيته دورا كبيرا في تكوينه الخلقي ،ونشأته وتوجيهه ،وذلك بحسب ما يكون عليه
أفرادها من أخالق وقيم وعادات ،وبحسب ما يولون أوالدهم من عناية
ورعاية واهتمام.
فإن األسرة التي يغلب على أفرادها الصالح والتمسك بتعاليم اإلسالم وتقوى هلال عزوجل ،ينشأ أوالدها -في الغالب
-كذلك ،وإذا كان األمر على خالف ذلك ،فقل أن يرجى من أبناء
هذه األسرة خير.
من أجل ذلك ،كان علينا -ونحن نصف حياة ابن القيم -أن نتعرف على أسرته وأهل بيته ،الذين كان لهم الفضل
األكبر -بعد هلال سبحانه -في توجيهه الوجهة الصحيحة ،وسلوكه
طريق العلم وأهله.
ولم يتيسر لي الوقوف على شيء من أخبار هذه األسرة عن طريق ابن القيم نفسه؛ إذ لم يتعرض لشيء من ذلك -
فيما أعلم -مثلما يفعIIل بعض العلمIIاء ،غIIير أنIIه أمكن التقIIاط بعض تلك األخبIIار عن هIذه األسIرة من خالIل بعض
الكتب التي تعنى بالحوادث والتاريخ ،وعلى
والده:
هو الشيخ :أبو بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ،الدمشقي ،الحنبلي ،قيم المدرسة (الجوزية)
بدمشق ،كما مضى ذكر ذلك.
أما عن أخالقه وعبادته :فيقول ابن كثير رحمه هلال" :كان رجال صالحا ،متعبدا ،قليل
التكلف ،وكان فاضال".
وقد جاء أنه رحمه هلال اشتهر بكثرة عبادته ،ولذلك ترجمه ابن كثير بقوله" :الشيخ العابد :أبو بكر ".وال شك أن
ذلك كان له أثر كبير على ولده ابن القيم رحمه هلال ،فأخذ عنه كثرة
3
عبادته ،كما سيأتي ذكر ذلك عنه إن شاء هلال
2ابن قيم الجوزية -حياته وآثاره لمحمد السيد ص 23-الناشر :عمادة البحث العلمي بالجامعة اإلسالمية ،المدينة
المنورة ،المملكة العربية السعودية
3البداية والنهاية البن كثير 114/14-الناشر :دار إحياء التراث العربي – ط1
9
المطلب الثاني :شيوخه وتالميذه ووظائفه
وأما عن طلبه للعلم :فيقول ابن كثير رحمه هلال" :سمع شيئا من دالئل النبوة على الرشيدي
العامري"4
وال شك أن عمله في قوامة المدرسة الجوزية والقيام بشأنها ،قد أتاح له أن يحيا في جو علمي ،وأن يكون
على اتصال دائم بالعلم وأهله ،وبخاصة أن هذه المدارس كان يوضع في
وظيفة التدريس بها أكابر العلماء وأفاضلهم.
وأما عن علومه وإفاداته :فقد كان بارعا في علم الفرائض ،بل كان له فيها اليد الطولى،
حتى إن ابنه -ابن القيم -تلقاها عنه ،ودرسها عليه.
فنبغ ابن القيم رحمه هلال في علوم عديدة ،حتى ذاع صيته ،وفاق في ذلك أقرانه وأهل
عصره ،ولم ير في وقته مثله.
ولقد شهد له تالميذه ومعاصروه -بل وبعض شيوخه -بطول الباع ،وعلو الشأن ،وبلوغ
الغاية في شتى العلوم وسائر الفنون.
إن من أهم العوامل التي تسهم بشكل كبير في التكوين العلمي للشخص :شيوخه الذين تلقى
عنهم ،واستفاد علومه منهم.
وقد يكون بعضهم أشد تأثيرا في الطالب من البعض األخر ،وذلك بحسب نوع العالقة القائمة بين الطالب
وشيخه ،ومدى ارتباطه به ،وصحبته له ،وغير ذلك من العوامل التي
تميز شخصية الشيخ ،وتؤثر بالتالي في الطالب المتلقي.
وقد اعتنى أكثر الذين ترجموا البن القيم بسرد شيوخه على تفاوت بينهم في ذلك ،فبينما حاول بعضهم استيعاب ذلك:
كالصفدي مثال ،نجد آخرين لم يذكروا له سوى شيخ واحد
فقط ،كابن كثير ،واقتصر البعض على ذكر بعضهم.
4البداية والنهاية البن كثير 114/14-الناشر :دار إحياء التراث العربي – ط1
10
وفي هذا المبحث أذكر شيوخ ابن القيم الذين أخذ عنهم علومه وثقافته ،مع إبراز دور كل
واحد من هؤالء الشيوخ في التكوين العلمي البن القيم ،وذلك بمعرفة الفن الذي أخذه عنه ،أو الكتب التي قرأها عليه،
مع التعريف بأولئك الذين كان ارتباط ابن القيم بهم أكثر ،وأثرهم
فيه أكبر ومنهم:
الشهاب العابر :أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة ،المقدسي ،الحنبلي،
شهاب الدين ،أبو العباس ،عابر الرؤيا .وقد ذكرت أكثر مصادر ترجمة ابن القيم
5
سماعه منه
ابن مكتوم :إسماعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد بن سليم ،صدر الدين ،أبو الفداء،
السويدي ،ثم الدمشقي ،الشافعي ،المقرئ ،المسند ،المعمر.
أيوب بن نعمة بن محمد ،زين الدين أبو العالء ،المقدسي ،ثم الدمشقي،
الكحال.مولده :سنة (640هـ)
ابن عبد الدائم :أبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة ،المقدسي ،المعمر ،مسند
الشام في وقته كأبيه.
مولده :سنة (625أو 626هـ) .
سمع من :الناصح ابن الحنبلي ،والحافظ الضياء المقدسي ،وجماعة .وحدث في
حدود سنة 660هـ .وكان مليح اإلصغاء ،صحيح الفهم ،انقطع بموته جملة من
المرويات .وكان رحمه هلال ذا همة وجالدة ،وذكر وعبادة ،وسعي في طلب الرزق .وقد ذهب
بصره ،وثقل سمعه في اآلخر ،فضعف توفي رحمه هلال في رمضان سنة
6
(718هـ) وعاش مثل أبيه :ثالثا وتسعين سنة
الحاكم :سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر ،تقي الدين ،أبو الفضل وأبو
الربيع ،المقدسي ،الحنبلي ،القاضي بدمشق.
مولده :في رجب سنة (628هـ) .
5
المعجم المختص :للذهبي (ص) 269الناشر :مكتبة الصديق ،الطائف – ط1
6
الوافي بالوفيات :للصفدي (271/2)-الناشر دار الكتب العلمية – ط1
11
سمع الحديث الكثير ،وقرأ بنفسه ،وحضر جميع (البخاري) على ابن الزبيدي ،ورواه
عنه .وروى عن الحافظ الضياء نحوا من خمسمائة جزء أو أكثر ،وكان محبا
للرواية واسعها ،وكان بصيرا خبيرا بالمذهب وشرحه ،تخرج به الفقهاء.
وكان رحمه هلال مهذب األخالق ،كيسا ،متواضعا ،ذكي النفس ،خيرا ،متعبدا،
متهجدا ،عديم الشر.توفي رحمه هلال فجأة في ذي القعدة سنة (715هـ)7
إن أهم الثمار التي تجنى من جهد أولئك العلماء الجهابذة :تخريج التالميذ والطالب الذين يحملون راية الخير
والهداية لمن بعدهم ،امتدادا لجهود شيوخهم ونشاطهم ،وحلقة في سلسلة
متصلة متماسكة ال تنقطع.
وكلما تبوأ هؤالء الطالب مكانتهم بين أهل العلم العاملين ،وأئمته البارزين ،وجهابذته
المشهورين ،كان ذلك تعبيرا حقيقيا عن مكانة شيوخهم الذين خرجوهم ،وعلمهم ،وفضلهم؛ فالطالب النابغ إنما هو
-بعد فضل هلال وتوفيقه -ثمرة يانعة من ثمار جهد األستاذ وعطائه المتواصل ،ولعل في قول الحافظ ابن حجر
المتقدم في حق ابن القيم وشيخه ابن تيمية ،حين قال" :ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إال تلميذه الشهير :الشيخ
شمس الدين بن قيم الجوزية … لكان غاية في الداللة على عظم منزلته "1.لعل في هذه الكلمة من ابن حجر
رحمه هلال ما يؤكد لنا هذه الحقيقة الظاهرة؛ إذ جعل الطالب النابغ ،العالم ،الفاضل منقبة من
مناقب شيخه ،وحسنة من حسناته.
ولقد أثمر جهد ابن القيم رحمه هلال ونشاطه المتواصل ،ودعوته الصادقة ،ومجالس درسه وتعليمه ،أثمر ذلك
كله جملة من خيرة طالب العلم ،الذين انتفعوا بابن القيم -كما انتفعوا بغيره – فكانوا مشاعل نور ،وعلماء صدق،
وذاع صيتهم ،وارتفع شأنهم ،وبقيت آثارهم بيننا خير دليل على مكانتهم العلمية ،وجدهم واجتهادهم ،وذلك مثلما
بقيت بيننا آثار شيخهم
وأستاذهم ابن القيم رحمه هلال.
12
ويشير الحافظ ابن رجب رحمه هلال إلى أخذ الكثيرين من الفضالء العلم عن ابن القيم ،وتتلمذهم على يديه،
وانتفاعهم به فيقول" :وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه ،وإلى
8
أن مات ،وانتفعوا به ،وكان الفضالء يعظمونه ويتتلمذون له
ولم تحدثنا مصادر ترجمة ابن القيم رحمه هلال عن أحد من هؤالء التالميذ ،إال ما جاء من ذلك عرضا،
ولكن أمكن الوقوف على أبرز هؤالء التالميذ وأشهرهم ،وذلك من خالل تتبع
كتب التراجم والتواريخ المتعلقة بتلك الفترة ،وأشهر هؤالء:
1 -ولده :إبراهيم بن محمد … برهان الدين ،وقد تقدمت ترجمته وذكر أخباره،2
ومضى هناك قول الذهبي رحمه هلال" :قرأ الفقه والنحو على أبيه ،وسمع وقرأ وتنبه،
9
وسمعه أبوه من الحجار
2 -الحافظ ابن كثير :إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير ،القرشي،
البصروي ،الدمشقي ،عماد الدين ،أبو الفداء ،اإلمام ،المحدث ،المفسر ،الحافظ،
البارع.مولده :سنة (701هـ) .تفقه
بالشيخ برهان الدين الفزاري وغيره ،وسمع من ابن عساكر وخلق ،ثم صاهر الحافظ المزي ،ولزمه،
وتخرج به ،وأقبل على حفظ المتون ،ومعرفة األسانيد والعلل
والرجال ،والتاريخ ،فبرع في ذلك كله ،وأفتى ودرس وناظر.
وله التصانيف المشهورة النافعة السائرة ،التي منها( :البداية والنهاية) ،و (التفسير)
وغير ذلك.
وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه ،وكان يفتي برأيه في مسألة الطالق،
حتى إنه امتحن بسبب ذلك.توفي رحمه هلال في شعبان سنة (774هـ)10
3 -الصفدي :خليل بن أيبك بن عبد هلال ،الصفدي ،صالح الدين ،العالمة ،األديب،
البارع.
مولده :سنة (696هـ) .
وأما مناصبه فقد كانت هذه األعمال وتلك المناصب منحصرة في دائرة تبليغ العلم ونشره
ال تخرج عن ذلك بحال؛ فقد عاش حياته رحمه هلال متصدرا "اللشتغال ونشر العلم"1.
ويمكننا حصر األعمال التي مارسها ابن القيم رحمه هلال ،والوظائف التي كان يشغلها -في
ضوء ما سجلته مصادر ترجمته -فيما يلي:
1 -التدريس.
11
وذيل التذكرة -للسيوطي( :ص)367
14
2 -اإلمامة.
3 -الخطابة.
4 -اإلفتاء.
12
5 -التأليف والتصنيف
12ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها لمحمد السيد 31/1-الناشر :عمادة البحث العلمي
بالجامعة اإلسالمية ،المدينة المنورة ،المملكة العربية السعودية – ط1
15
المطلب الثالث اقوال العلماء فيه .وفاته
فلنذكر طرفا من شهادات هؤالء األئمة وثنائهم عليه ،ليعرف بذلك قدره ،ومدى تقدمه وعلو
شأنه ،فمن ذلك:
قال القاضي برهان الدين الزرعي "ما تحت أديم السماء أوسع علما منه"13
قال شيخه المزي" :هو في هذا الزمان كابن خزيمة في زمانه"
قال الحافظ الذهبي" :الفقيه ،اإلمام ،المفتي ،المتفنن ،النحوي "2.وقال أيضا" :عني
بالحديث متونه ورجاله ،وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره ،وفي النحو ويدريه،
14
وفي األصلين
قال أبو المحاسن الحسيني الدمشقي" :الشيخ ،اإلمام ،العالمة ،ذو الفنون … أفتى،
ودرس ،وناظر ،وصنف ،وأفاد.
قال الحافظ ابن كثير" :اإلمام العالمة … سمع الحديث ،واشتغل بالعلم ،وبرع في
علوم متعددة ،السيما :علم التفسير ،والحديث ،واألصلين .ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار
المصرية في سنة 712هـ) ،الزمه إلى أن مات الشيخ ،فأخذ عنه علما جما ،مع ما سلف له من
االشتغال ،فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة… وبالجملة :كان قليل النظير في مجموعه وأموره
15
وأحواله
قال ابن رجب" :الفقيه ،األصولي ،المفسر ،النحوي ،العارف … تفقه في المذهب،
وبرع وأفتى … وتفنن في علوم اإلسالم ،وكان عارفا بالتفسير ال يجارى فيه ،وبأصول الدين ،وإليه
فيهما المنتهى .والحديث ومعانيه ،وفقهه ،ودقائق االستنباط منه ،ال يلحق في ذلك .وبالفقه وأصوله،
وبالعربية ،وله فيها اليد الطولى ،وبعلم الكالم ،والنحو وغير ذلك ،وكان عالما بعلم السلوك ،وكالم أهل
التصوف
16
وإشاراتهم ودقائقهم ،له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى
ولقد كان للحاقدين على شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم دور قبيح في حبسهما ،وتدبير الشر ضدهما ،ذلك
أنهم حرفوا فتوى ابن تيمية :بأنه يحرم زيارة قبور األنبياء
مطلقا ،ويعتبر ذلك معصية ،مع أن الشيخ -وكذا تلميذه " -لم يمنع الزيارة الخالية عن شد
الرحل ،بل يستحبها ويندب إليها ،وكتبه ومناسكه تشهد بذلك … وال قال إنها معصية …
وال هو جاهل قول الرسول صلى هلال عليه وسلم» :زوروا القبور فإنها تذكركم اآلخرة «.
وهلال سبحانه ال يخفى عليه شيء وال تخفى عليه خافية"2.
ويحكي المقريزي رحمه هلال هذه الواقعة -مبينا مالبساتها وظروفها -بأوسع من هذا ،وأن ابن القيم رحمه هلال
قد ضرب في هذه المرة قبل أن يحبس ،فيقول( :وفي يوم االثنين سادس شعبان -يعني سنة 726هـ -حبس تقي
الدين أحمد بن تيمية ،ومعه أخوه زين الدين عبد
الرحمن بقلعة دمشق .وضرب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ،وشهر به
وفاته:
وبعد هذه الحياة الحافلة بالجهاد المتصل لنشر منهج السلف ،ومحاربة كثير من االنحرافات التي ابتدعها الخلف ،وما
لقيه من محن في سبيل ذلك ،وبعد أن كمل له من العمر ستون
سنة ،توفي هذا اإلمام العالم العالمة ،وذلك في ليلة الخميس ،ثالث عشر من شهر رجب،
21
من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة (751هـ) وقت أذان العشاء
20السلوك :للمقرزي)(273/1/2
21الوافي بالوفيات للصفدي )(272/2
18
المبحث الثاني :التعريف بكتاب مدارج السالكين
لم يسم المؤلف رحمه هلال كتابه في مقدمته ،وال سماه في كتبه األخرى التي وصIIلت إلينIIا إال في موضIIع واحIIد ،ولم
تتفق النسخ الخطية أيضا على عنوان الكتاب ،غير أن السيد رشيد رضا رحمIIه هلال لمIIا طبIIع الجIIزء األIIول من
الكتاب سنة 1331سماه «مدارج السالكين بين
منازل إياك نعبد وإياك نستعين» تبعا للنسخة الخطية التي اعتمد عليها في الجزء المذكور،
وكانت نسخة كويتية متأخرة كتبت سنة ،1316أي قبل طبع الكتاب بخمس عشرة سنة .ومنذ ذلك الحين اشتهر
الكتاب بهذا االسم ،ولكن الغريب أنه لم يرد في شيء من النسخ
النفيسة القديمة التي بين أيدينا.
وقد ظهرت بعد الطبعة السابقة نشرة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه هلال الذي صرح بأنه راجعها على أربع نسخ
محفوظIIة في دار الكتب ،ومنهIIا «نسIIخة قيمIIة جIIدا كتبت في سIIنة » ،823وكIIانت تحمIIل عنIIوان «مIIدارج
السالكين في منازل السائرين» ،وقد وضع الشيخ صورة صفحة العنوان منها في أول الكتاب ،ومع ذلIIك قلIIد في
تسميته نشرة السيد رشيد
رضا.
وإليكم ما وقفنا عليه من عناوين الكتاب في مخطوطاته وكتب المؤلف وكتب التراجم وما
إليها:
22
) 1مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
اتفقت عليها نسخة قيون المقروءة على المؤلف ،ونسخة حلب المقابلة على النسخة السابقة سنة ،773ونسخة
جامعة اإلمام 8860ج ( 1القرن الثامن) ،ونسخة دار الكتب 103تصوف قوله (سنة ) 936ونسخة
التيمورية 155تصوف ج 2المنقولة من نسخة مكتوبة
سنة .765
اتفقت عليها نسخة ولي الدين ( 1732سنة ) 787ونسخة شستربيتي (الثامن تقديرا) ونسخة
دار الكتب طلعت ( 1522سنة 4) 823).
انفردت به نسخة قره جلبي زاده (سنة 780).وتبعتها نسخة ولي الدين ( 1730سنة )784
المنقولة منها.
في «الدرر الكامنة» (/5 الحافظ ابن حجر السائرين :ذكره بهذا العنوان ) 5شرح منازل
وغيره.
للفتاوي» (،)136 /2 في «الحاوي والسيوطي كالشوكاني، تابعه )139وم
ن
والظاهر من صنيعه أنه ليس من غرضه النص على اسم الكتاب ،وإنما أراد اإلشارة إليه.
) 6مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين :وقع هذا العنوان في النسخ المتأخرة
دار
النجدية ونحوها مثل نسخة الغاط (سنة )1317ونسخة حائل (سنة )1318ونسخة
الكتب 874تصوف (سنة )1320
أما العنوان المشهور «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ،فهوعنوان جميل
وتبعه
السيد رشيد رضا بهذا العنوان به الكتاب منذ قرن من الزمن ،إذ طبعه رائق عرف
النفيسة
قلنا لم يرد في شيء من األصول الناشرون الذين جاؤوا من بعده جميعا ،ولكنه كما
القديمة ،وإنما نراه في النسخ المتأخرة التي كتب معظمها في القرن الماضي ونخشى ــ إن لم يكن هذا العنوان
منقوال من النسخ القديمة ــ أن يكون ملفقا أيضا ،فأخذ الجزء األول «مدارج
الثاني «بين منازل »… إلخ من العنوان والرابع ،والجزء الثالث العنوانين السالكين» من
أبواب
كثيرا من وتلميذه ابن رجب .ويرشحه أن المؤلف استهل األول الذي ذكره المؤلف
الكتاب بقوله« :ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين» وإذا صرفنا النظر عن العنوان الرابع
وأقواها في
بقيت ثالثة عناوين، (وتابعتها أخرى منقولة منها) الذي انفردت به إحدى النسخ
20
المؤلف
نستعين» ،فإن السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك الظاهر أولها ،وه «مراحل
و
نفسه أحال عليه بهذا العنوان ،ثم ذكره تلميذه ابن رجب في ثبت مؤلفاته.
21
أما العنوان الثاني ،وهو «مدارج السالكين في منازل السائرين» ،فسمي به الكتاب في عدة نسخ نفيسة أحسنها نسخة
قيون أوغلو ،ولم يصل إلينا منها إال المجلد األول .هذه النسخة مقروءة على المؤلف ،ولكن العنوان المذكور
الوارد في أول النسخة وآخرها كتب بعد وفاة المؤلف .وفي أسفل صفحة العنوان عشرة أبيات في مدح الكتاب البن
أبي العز الحنفي (ت
) 792كتبها بخطه ،أولها:
أما العنوان الثالث ،فإنه أيضا ورد في نسخ قديمة ،والغالب أنه من وضع المصنف .وال غرو،
فإن الكتاب شرح لمنازل السائرين للهروي ،ومن ثم يسميه الحافظ ابن حجر وغيره اختصارا:
«شرح منازل السائرين».
وبالتأمل في العناوين الثالثة يبدو لنا أن العنوان األول أقدمها ،وهو يدل على أن الكتاب تأليف
مستقل يدور حول منازل إياك نعبد وإياك نستعين ويشرح مراحل السائرين بين هذه المنازل،
وليس في العنوان إشارة من قريب أو بعيد إلى أنه شرح لكتاب منازل السائرين للهروي.
الكتاب، باستقالل العنوانين ،فإن أحدهم يزري قصورا في فكأن المؤلف رحم هلال رأى
ا ه
واآلخر يضر بغرض تأليفه ،فكأنه الح له عنوان ثالث بحذف كلمة «شرح» ،وهو« :مدارج
السالكين في منازل السائرين».
أصولنا وأقدمها رجحناه على العنوان المشهور هو الثابت في أصح ولما كان هذ العنوان
ا
الذي لم نره إال في النسخ المتأخرة.
هذا العنوان الجديد يفهم منه أنه كتاب مستقل غرضه بيان مدارج السالكين ومراتبهم في منازل السلوك ،فحرف الجر «في»
متعلق هنا بلفظ المدارج ،وفي الوقت نفسه فيه تلميح إلى كتاب «منازل السائرين» أيضا ،فجاء هذا العنوان بتصريحه وتلميحه
23
وافيا بالغرضين
22
23
مدارج السالكين البن القيم 13/1-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
23
المطلب الثاني :مصادره
استفاد المؤلف في كتابه من مصادر متنوعة حسب ما تقتضي الموضوعات ،فعند ذكر
األحاديث المرفوعة يرجع إلى:
أمهات كتب الحديث ،وينقل عنها ويسوق ألفاظها ،مثل الكتب الستة و «المسند» و
«الموطأ» و «صحيح ابن حبان» و «صحيح الحاكم» (أي :المستدرك) وغيرها.
وقد قمنا ببيانها عند تخريج هذه األحاديث في تعليقاتنا إنه قد ينقل
24
قد يكون رجع إلى «اللمع» ألبي نصر السراج أيضا ،ففي 482) (2/نقل قوال البن
عطاء باللفظ الذي أورده السراج في كتابه .ثم نقله بعد صفحات 486) (2/باللفظ الذي
في «الرسالة القشيرية».
وكان بين يديه شرح التلمساني للمنازل ،ينقل عنه ويتتبع انحرافاته في شرحه ،وقد صرح بذلك ووصفه بقوله« :وتولى
شرح كتابه أشدهم في االتحاد طريقة وأعظمهم فيه مبالغة وعنادا ألهل الفرق :العفيف التلمساني ،ونزل الجمع الذي
يشير إليه صاحب المنازل على جمع الوجود ،وهو لم يرد به حيث ذكره إال جمع الشهود ،ولكن األلفاظ
مجملة ،وصادفت
قلبا مشحونا باالتحاد ،ولسانا فصيحا متمكنا من التعبير عن المراد» 410). (1/
مسائل العقيدة ومقاالت الفرق رجع إلى «مقاالت اإلسالميين» أللشعري ،291 (1/
،442) 4/ ،240 3/وكتب الباقالني وأبي يعلى ،505) (2/و «الرسالة
النظامية» و «الشامل» و «اإلرشاد» الثالثة للجويني وكتاب سعد الزنجاني (2/
339).ونقل عن كتاب «السنة» لعبد هلال بن أحمد في موضعين 4/ ،192 (3/
.)237
من الكتب األخرى التي نقل منها أو ذكرها« :الفروق» للعسكري ،281) (4/و
«محن العلماء» البن زبر ،58) (3/وقد تحرف اسم المؤلف في المطبوعات إلى
ابن عبد البر 24
عندما ذكر صاحب «المنازل» ذكر عددا من مؤلفاته ووصفه بقوله« :وصاحب المنازل رحمه هلال
كان شديد اإلثبات أللسماء والصفات ،مضادا للجهمية من كل
وجه ،وله كتاب «الفاروق» استوعب فيه أحاديث الصفات وآثارها ،ولم يسبق إلى مثله ،وكتاب «ذم الكالم
وأهله» طريقته فيه أحسن طريقة ،وكتاب لطيف في أصول
الدين يسلك فيه طريقة أهل اإلثبات ويقررها … » 409). (1/ذكر المؤلف
في أثناء الكتاب سبعة من مؤلفاته ،وأحال عليها للتفصيل ،وقد سبق
ذكرها في إثبات نسبة الكتاب.
24
مدارج السالكين البن القيم 20/1-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
25
أما استفادته من شيخه شيخ اإلسالم ونقله من كتبه وسماعه للكثير من كالمه فهو
مذكور في مواضع كثيرة من الكتاب ،بل يعتبر هذا الكتاب أهم مصدر لمعرفIIة أحوال شIIيخ اإلسIIالم
وزهده وورعه وفراسته ومعرفته بأحوال القلوب ،واختياراتIIه وتوجيهاتIIه ،ويمكن أن يفIIرد منهIIا جIIزء
لطيف يحوي من كالم الشيخ وآرائه وأحواله
ما ال يوجد في مصدر آخر
26
المطلب الثالث :منهجية المؤلف.
للمؤلف منهج عام يسير عليه في مؤلفاته ،وقد ذكر العالمة الشيخ بكر أبو زيد رحمه هلال في كتابه «ابن قيم الجوزية» (ص
128) - 85معالم منهجه في البحث والتأليف فيمكن الرجوع
إليه للتفصيل.
وتحدثنا في فصول هذه المقدمة عن الغرض من تأليفه ،وترتيب مباحثه ،ومقارنته بأهم شروح «منازل السائرين» ،وتعقيب
المؤلف على صاحب «المنازل» ،ونقتصر هنا على بيان منهجه
في الكتاب وطريقة تناوله للموضوعات وشرحه لها.
طريقته في بعضها على نستعين} ،وشرح عندما أراد المؤلف بيان منازل {إياك نعبد وإياك
ليبني
السائرين» واالستيعاب ،عدل عن الخطة األولى وتوجه إلى كتاب «منازل التفصيل
يدرسونه
الصوفية بأنواعهم في زمانه ويشرحه فقرة فقرة ،فقد كان الكتاب عمدة عليه كتابه
ويشرحونه على طريقتهم ،ويحملون كالم الهروي على معتقداتهم ومنها وحدة الوجود والفناء واالتصال وغير ذلك،
فكان االهتمام بكتاب «المنازل» في نظر المؤلف وشرحه على طريقة
في بيان منازل مستقل تأليف كتاب التصوف أولى من سديدة خالية من مزالق وشطحات
السلوك.
بقوله« :فصل :ومن منازل {إياك نعبد يستفتح كل منزلة الشرح أنه غالبا ما وطريقته في
وإياك نستعين} منزلة " ثم يورد اآليات الواردة فيها ،منها اآلية التي استفتح بها الهروي الكالم
الزهاد من
يفسر منها ما كان بحاجة إلى ذلك .ثم يسرد أقوال أئمة على هذ المنزلة ،وقد
ه
السلف ومشايخ.
القشيرية» غالبا ،ويشرح «الرسالة في نقلها على تعريف هذ المنزلة ،معتمدا الطريقة في
ه
الدرجات
«المنازل» في بنقل كالم صاحب ثم يبدأ من كلماتهم ما كان بحاجة إلى الشرح.
الثالث لكل منزلة ،ويشرحه فقرة فقرة ،فيعتني أوال ببيان مراد الهروي من كالمه معتمدا في
27
أو نقده
االستدراك عليه في االستدالل له أو التلمساني ،ثم يأخذ كثير من ذلك على شرح
وتعقبه ،مع التنبيه على ما في شرح التلمساني من انحرافات وتبرئة الهروي منها.
28
وفصوله، في جميع أبوابه شخصية المؤلف بارزة للكتاب ،إال أننا نجد الطابع العام هذا هو
جليلة في
واالستطراد إلى أبحاث االستدراك بل تعداه إلى الكتاب لم يقتصر على شرح فهو
موضوعات كثيرة من الزهد والتزكية والسلوك .وقد قدم لكثير من المنازل بكالم مستقل من
لو أفردت ورتبت لكانت من أنفس
عنده في فصول هي أهم من شرح كتاب الهروي ،بحيث
كتب السلوك في ضوء الكتاب والسنة على منهج السلف.
وفي تفسير سورة الفاتحة في أول الكتاب 171) - 10 (1/اتخذ المؤلف منهجا فريدا للكIالم على السIIورة من جIIوانب
مختلفة ،ال نجد له نظيرا بين كتب التفسير ،وقIد ذكIر فيIه فصIوال مهمIة تتعلIق بالعبIادة واالسIتعانة هي في الحقيقIة بمنزلIة
القواعد واألسس التي يقوم عليها نظام التزكية
المنحرفة للدخول منها كما الطوائف تسعى المنافذ التي في اإلسالم ،وتسد جميع والسلوك
)606
المتكلم (ت للفخر الرازي الفاتحة بتفسير مقارنته وقيمته عند سبق .وتظهر أهميته
وتفسيرها المسمى «إعجاز البيان في كشف بعض أسرار أم القرآن» للصدر القونوي الصوفي
صوفية
تأويالت والثاني أولها كالمية طويلة الذيول، أفاض في أبحاث فاألول (ت ،)673
بعيدة عن المقصود والسياق واللغة .وجاء المؤلف ففسرها تفسيرا جديدا يبرز مقاصد السورة
ويبين القواعد األساسية للتوحيد والعبادة والسلوك ،وبها يظهر للعيان أن الفاتحة أم القرآن.
ويعتبر هذا الكتاب أهم مصدر لمعرفة جوانب من سيرة شيخ اإلسالم ابن تيمية وزهده وآرائه في موضوعات السلوك
ال توجد في غيره ،فقد ضمنه المؤلف كثيرا من كالم الشيخ وصفاته
ومنهجه في اإلفتاء ،وأخبارا من فراسته وعبادته وتقواه وتواضعه ،وكأن المؤلف قصد ذلك
قصدا ،فنثر ما يتعلق بشيخه في فصول الكتاب ألدنى مناسبة .ويراجع فهرس الفوائد المنثورة
25
وفهرس األعالم اللطالع على هذه الفوائد والفرائد
29
25
مدارج السالكين البن القيم 20/1-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
30
الفصل الثاين :مزنلة الفقر والغىن
واملراد من خالل
كتاب مدارج السالكني
31
المبحث األول :منزلة الفقر والغنى المطلب
الفقر .هذه {إياك نعبد وإياك نستعين }:منزلة قال المصنف رحمه هلال تعالى " :وم منازل
ن
المنزلة من أشرف منازل الطريق وأعالها وأرفعها ،بل هي روح كل منزلة وسرها ولبها
وغايتها.
األصلي، الطائفة أخص من معناه تريد به هذ الفقر .والذي بمعرفة حقيقة وهذا إنما يعرف
ه
فإن لفظ الفقر وقع في القرآن في ثالث مواضع.
ِ ض َي
ست ِطي ُعو َن ضَ ًْرب ا ِ
َ سِبي ِل اللَّه َل َي ْ َ راء الَّ ِذي َن ْأُح ِص ُراو فِي
تعالىِْ{ :للفق ِ
َُ أحدها :قوله
فِي ِْح سُب ُه ُم
ا
لَْر
قد حبسوا
بالمدينة وال عشائر ،وكانوا فقراء المهاجرين نحو أربعمائ ٍ لم يكن لهم مساكن
ة
،
ٍ ة يبعثها رسول هلال صلى هلال عليه
َ سهم على الجهاد في سبيل هلال ،فكانوا وق ًفا على كل سر ّي أنف
27
صّفة .هذا أحد األقوال في إحصارهم في سبيل هلال وسلم ،وهم أهل ال
32
وقيل :لما عادوا أعداء هلال وجاهدوهم في هلال أحصروا عن الضرب في األرض لطلب المعاش،
28
فال يستطيعون ضربا في األرض
29
راء ْاولمسا ِكي ِن}
والموضع ال ّثاني :قوله تعالى{ :إِنما الصدق ا ت لِلفق ِ
ْ َّ
َ َّ َ َ ُ ُ َ َ َ َ
33
س َْأنُتُم اْ لفُقَرُا ء ِإَلى ال َِّله والموضع ال ّثالث :قوله تعالى{ :الن َّا
ُ
َّ 30
َواللُه }
الفقر والثالث: المسلمين خاصهم وعامهم. والثاني :فقراء الفقراء. فالصنف األول :خواص
العام ألهل األرض كلهم :غنيهم وفقيرهم ،مؤمنهم وكافرهم.
سبيل محصرا في يقابلهم أصحاب الجدة ،وم ليس الموصوفون في اآلية األولى: فالفقراء
ن
هلال ،ومن ال يكتم فقره تعففا .فمقابلهم أكثر من مقابل الصنف الثاني.
والصنف الثاني :يقابلهم األغنياء أهل الجدة .ويدخل فيهم المتعفف وغيره ،والمحصر في سبيل
هلال وغيره.
31
والصنف الثالث :ال مقابل لهم .بل هلال وحده الغني ،وكل ما سواه فقير إليه
32
الفقر :عبارة عن فقد ما يحتاج إليه؛ أما فقد ما ال حاجة إليه فال يسمى فقرا
كفايته؛ من مطعم ومشرب، هو :ليس له ما وال كسب الئق به ،يقع موقعا من الفقير
ل من
وملبس ومسكن ،وسائر ما ال بد منه لنفسه ،وما تلزمه نفقته من غير إسراف وال تقتير ،كمن
فقد
المسكين ريالين ،أم أو ثالثة أو رياالت كل يوم ،وال يجد إال أربعة يحتاج إلى عشرة
ا
اختلف العلماء في تعريفIIه على أقIIوال ،ومن أشIIهرها :أنIIه الIIذي يملIIك قIIوت يومIIه ،ولكن ال يكفيIIه ،وذكر بعضIهم أن
المسكين والفقير بمعنى واحد ،وهذا له حظ من النظر لو ورد لفظ المسكين في سياق منفردا عن الفقير ،أمIIا لIIو اجتمIIع
لفظ المسكين والفقير فال بد من التفريق بينهما في
كثيرا؛ فذهب أبو يوسف صاحب اختالفا والمسكين الفقير المعنى ،وقد اختلف العلماء حول
33
أبي حنيفة ،وابن القاسم من أصحاب مالك إلى أنهما صنف واحد ،وخالفهما الجمهور
ولما كان لها تعلق بالجوارح والقلب واللسان ،كان حقيقة الفقر :تعطيل هذه الثالثة عن تعلقها
يده عن
يقبض يعني قال( :قبض اليد عن الدنيا ضبطا أو طلبا). فلذلك وسلبها منها، بها
34
30فاطر اآلية 15
31مدارج السالكين البن القيم 232/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
32التعريفات للجرجاني ص 168-الناشر :دار الكتب العلمية بيروت –لبنان –ط1
33حاشية الدسوقي على الشرح الكبير؛ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ،دار الفكر492) (1/ ،
35
إمساكها إذا حصلت له ،فإذا قبض يده عن اإلمساك جاد بها .وإن كانت غير حاصلة له كف
يده عن طلبها ،فال يطلب معدومها ،وال يبخل بموجودها.
وأما تعطيلها عن اللسان :فأن ال يمدحها وال يذمها ،فإن اشتغاله بمدحها أو ذمها دليل محبتها
طلب
فاتته ،كمن اشتغل بذمها حيث شيئا أكثر من ذكره .وإنما ورغبته فيها ،فإن من أحب
مفارق،
الدنيا إال راغب محب يتصدى لذم هو وال العنقود فلم يصل إليه ،فقال:
حامض.
34
فالواصل مادح ،والمفارق ذام
36
34
مدارج السالكين البن القيم 232/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
37
المطلب الثاني :حقيقة الغنى
منزلة الغنى العالي. قال المصنف رحمه هلال تعالى" :ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}:
وهو نوعان :غنى باهلل ،وغنى عن غير هلال ،وهما حقيقة الفقر .ولكن أرباب الطريق أفردوا
للغنى منزلة.
بقوله« :عائال»، المفسرين .ألنه قابله أحدها :أنه أغناه من المال بعد فقره .وهذ قول أكثر
ا
والعائل هو المحتاج ،ليس ذا العيلة ،فأغناه.
والثاني :أنه رضاه بما أعطاه ،وأغناه به عن سواه .فهو غنى قلب ونفس ،ال غنى مال .وهو
حقيقة الغنى.
والثالث وهو الصحيح :أنه يعم نوعي الغنى؛ فأغنى قلبه وأغناه من المال.36
يستحق اسم الغني بغني ،وعلى هذ فال فليس أن كان مالكا من وجه دون وج يعني:
ا ه من
بالحقيقة إال هلال ،وكل ما سواه فقير إليه بالذات.37
وجَد
حقيقة الغنى في القناعة :ولذا رزقها هلال -تعالى -نبيه محمدا صلى هلال عليه وسلم وامتن عليه بها فقال -تعالىََ { -و َ
َك َعًِائل فَ َأ ْغنَى}38فقد نزلها بعض العلماء على غنى النفس؛ ألن اآلية
خيبر وغيرها من تفتح عليه النبي صلى هلال عليه وسلم قبل أن يخفى ما كان فيه مكية ،وال
39
قلة المال
35
سورة الضحى اآلية 8
38
36تفسير البغوي 499 4/
37مدارج السالكين البن القيم 232/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
38سورة الضحى اآلية 8
39فتح الباري البن حجر العسقالني 277) / (11
39
القلب ،وغنى المال بما له الغنائين :غنى المفسرين إلى أن هلال عز وجل جمع وذهب بعض
يسر له من تجارة خديجة رضي هلال عنها.
وقد بين صلى هلال عليه وآله وسلم أن حقيقة الغنى غنى القلب فقال صلى هلال عليه وآله وسلم:
«ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس».
ذر رضي هلال عنه قال :قال رسول هلال صلى هلال عليه وآله وسلم« :يا أبا ذر ،أترى
كثرة المال هو الغنى؟ ».قلت« :نعم يا رسول هلال».
وولده ،ولو عمر ألف سنة؛ المال ما يكفيه فيها؛ فكم من غني عنده من حقيقة ال مرية وتلك
يخاطر بدينه وصحته ،ويضحي بوقته يريد المزيد وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس؛ وهو
الفقر
وليست في وضيقا، واتساعا القلوب :رضى وجزعا، فالعلة في ال يجد قوت غده
والغنى.40
40
40دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ لمحمد صقر 621/1-دار الخلفاء الراشدين -دار الفتح اإلسالمي
41
المطلب الثالث :درجات الفقر والغنى
غنى القلب .وهو قال المصنف رحمه هلال تعالى( :وهو على ثالث درجات .الدرجة األولى:
سالمته من السبب ،ومسالمته للحكم ،وخالصه من الخصومة).
حقيقة غنى القلب :تعلقه باهلل وحده .وحقيقة فقره المذموم :تعلقه بغيره .فإذا تعلق باهلل حصلت
له هذه الثالثة التي ذكرها.
سالمته من السبب أي من التعلق به ،ال من القيام به .والغنى عند أهل الغفلة بالسبب ،ولذلك
جهات
الثالثة هي الصناعة والقوة .فهذه بالمسبب .وكذلك العارفين متعلقة به .وعند قلوبهم
الغنى عند الناس ،وهي التي أشار إليها النبي صلى هلال عليه وسلم في قوله« :إن الصدقة ال
تحل لغني ،وال لقوي مكتسب ».وهو غنى بالشيء ،فصاحبها غني بها إذا سكنت نفسه إليها،
وإن كان سكونه إنما هو إلى ربه فهو غني به ،وكل ما سكنت النفس إليه فهي فقيرة إليه.
اختياره ،وال قدرة له على بغير القدري ،الذي يجري عليه الكوني والثاني :مسالمة الحكم
41
دفعه ،وهو غير مأمور بدفعه
وفي مسالمة الحكم نكتة ال بد منها ،وهي تجريد إضافته ونسبته إلى من صدر عنه ،بحيث ال
ينسبه إلى غيره.
في مسالمة الحكم اإللهية وتوحيد الكوني، الربوبية في مسالمة الحكم توحيد يتضمن وهذا
الديني ،وهما حقيقة "إياك نعبد وإياك نستعين".
43
مدارج السالكين البن القيم 249/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
42
43
مدارج السالكين البن القيم 249/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
43
لنفسه ،وأم إذا بنفسه وأما الخالص من الخصومة فإنما يحمد منه الخالص من الخصومة
ا
خاصم باهلل وهلل فهذا من كمال العبودية .وكان النبي صلى هلال عليه وسلم يقول في استفتاحه:
«اللهم لك أسلمت ،وبك آمنت ،وعليك توكلت ،وإليك أنبت ،وبك خاصمت ،وإليك حاكمت»42
وسالمتها من الحظوظ، استقامتها على المرغوب، النفس .وه غنى الثانية: الدرجة
و
وبراءتها من المراياة.
أمور القلب أكمل وأقوى من غنى النفس فوق غنى القلب .ومعلوم أن الشيخ رحمه هلال جعل
وم
القلب ورعيته، النفس من جند وهي لطيفة، في هذا الترتيب نكتة النفس .لكن أمور
ن
أن
فإذا
تتشوش عليه المملكة ويدخل عليه الداخل. وشقاقا له ،وم قبلها أشد جنده خالفا عليه
ن
حصل له كمال بالغنى لم يتم له إال بغناها أيضا ،فإنها متى كانت فقيرة عاد حكم فقرها
عليه ،وتشوش عليه غناه ،وكان غناها تماما لغناه وكماال ،وغناه أصال لغناها ،فمنه يصل
إذا عرف هذا ،فالشيخ رحمه هلال جعل غناها بثالثة أشياء:
وقطع المنازل تعالى .واستقامتها عليه :استدامة طلبه، استقامتها على المرغوب ،وهو الحق
بالسير إليه.
الثاني :سالمتها من الحظوظ ،وهي تعلقاتها الظاهرة والباطنة بما سوى هلال.
الثالث :براءتها من المراياة ،وهي إرادة غير هلال بشيء من أعمالها وأقوالها.
المرتبة األولى :شهود ذكره إياك. الغنى بالحق .وه على ثالث مراتب، الثالثة: الدرجة
و
والثانية :دوام مطالعة أوليته .والثالثة :الفوز بوجوده.
43
مدارج السالكين البن القيم 249/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
44
أما شهود ذكره إياك ،فقد تقدم قريبا.
وأما مطالعة أوليته ،فهو سبقه أللشياء جميعا .فهو األول الذي ليس قبله شيء.43
42
صحيح البخاري رقم الحديث 1120
43
مدارج السالكين البن القيم 249/3-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
45
44
قال بعضهم .ما رأيت شيئا إال وقد رأيت هلال قبله
قلت :ثبت عن النبي صلى هلال عليه وسلم أنه قال" :ليس الغنى عن كثرة العرض ،ولكن الغنى غنى النفس "45.ومتى
استغنت النفس استغنى القلب .ولكن الشيخ قسم الغنى إلى هذه الدرجات
للحكم ،وخالصه من ومسالمته السبب، سالمته من القلب فقال" :غنى متعلقه بحسب
الخصومة ".ومعلوم أن هذا شرط في الغنى ،ال أنه نفس الغنى؛ بل وجود المنازعة والمخاصمة وعدم المسالمة
مانع من الغنى .فهذه السالمة والمسالمة دليل على غنى القلب ،ال أن غناه بها
يصير غنيا بيانه .فإن الغني إنما سيأتي الثالثة فقط ،كما القلب بالدرجة نفسها ،وإنما غنى
تامة وحاجة شديدة ال
فاقته ويدفع حاجته .وفي القلب فاقة عظيمة وضرورة بحصول مايسد
يسدها إال فوزه بحصول الغني الحميد الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء ،وإن فاته فاته كل شيء .فكما أنه
سبحانه الغني على الحقيقة وال غني سواه ،فالغنى به هو الغنى في الحقيقة
تقطعت نفسه على السوى حسرات ،وم لم يستغن به عما سواه ألبتة .فمن بغيره وال غنى
ن
46
استغنى به زالت عنه كل حسرة ،وحضره كل سرور وفرح ،وهلال المستعان
ولما كان الفقر إلى هلال عز وجل هو عين الغنى به -فأفقر الناس إلى هلال أغناهم به ،وأذلهم له أعزهم ،وأضعفهم بين
يديه أقواهم ،وأجهلهم عند نفسه أعلمهم باهلل وأمقتهم لنفسه أقربهم إلى
نافعا فى فنذكر فصال متناسبين، متالزمين الفقر إليه مرضاة هلال -كأن ذكر الغنى باهلل مع
الغنى العالى .واعلم أن الغنى على الحقيقة ال يكون إال هلل الغنى بذاته عن كل ما سواه ،وكل ما سواه فموسوم
بسمة الفقر كما هو موسوم بسمة الخلق والصنع ،وكما أن كونه مخلوقا أمر
إضافى عارض له ،فإنه نسبى بيانه ،وغناه أم فقيرا أم ذاتى له كما تقدم ذاتى له ،فكونه
ر ر
إنما استغنى بأمر خارج عن ذاته فهو غنى به فقير إليه ،وال يوصف بالغنى على اإلطالق إال
من غناه من لوازم ذاته ،فهو الغنى بذاته عما سواه ،وهو األحد الصمد الغنى الحميد.
السافل الغنى بالعوارى المستردة من النساء قسمان :غنى سافل ،وغنى عال .فالغنى والغنى
وهذ
واألنعام والحرث والخيل المسومة والفضة المقنطرة من الذهب والقناطير والبنين
ا
46
44مشكاة األنوار إللمام الغزالي ص – 63دار الفكر – ط1
45أخرجه البخاري في كتاب الرقاق رقم الحديث )(6446
46طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم الجوزية 68/1-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض)
47
أضعف الغنى ،فإنه غنى بظل زائل ،وعارية ترجع عن قريب إلى أربابها ،فإذا الفقر بأجمعه
بهذا
فانقضى ،وال هم أضعف من هم من رضى بعد ذهابها ،وكأن الغنى بها كان حلما
ة ة
الغنى الذى هو ظل زائل .وهذا غنى أرباب الدنيا الذى فيه يتنافسون ،وإياه يطلبون ،وحوله
يحومون ،وال أحب إلى الشيطان وأبعد عن الرحمن من قلب مآلن بحب هذا الغنى والخوف
من فقده .قال بعض السلف :إذا اجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشيء كفرحهم بثالثة أشياء:
محفوف
الفقر .وهذ الغنى الكفر ،وقلب فيه خوف مؤمن قتل مؤمنا ،ورجل يموت على
ا
بفقرين :فقر قبله ،وفقر بعده ،وهو كالغفوة بينهما .فحقيق بمن نصح نفسه أن ال يغتر به وال
خادما
ويجعله األكبر وسيلة إليه، يجعله نهاية مطلبه ،بل إذا حصل له جعله سببا لغناه
من
خدمه ال مخدوما له ،وتكون نفسه أعز عليه من أن يعبدها لغير مواله الحق ،أو يجعلها خادمة
47
لغيره
واآلن يحسن ذكر الغنى العالي الذي سمت إليه همم أولياء هلال.
قال ابن القيم رحمه هلال :فالغني إنما يصير غنيا بحصول ما يسد فاقته ويدفع حاجته .وفي القلب فاقة عظيمة
وضرورة تامة وحاجة شديدة ال يسدها إال فوزه بحصول الغني الحميد
الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء ،وإن فاته فاته كل شيء.
أنظر قوله( :ال يسدها –يعني فاقته -وضرورته وحاجته إال فوزه بحصول الغني الحميد) وألن أفكارنا وهممنا ال تزال
هنا فنظن أن فوزنا بالغني الحميد ليعطينا ويغنينا باألعراض المخلوقة
ويطلبه من ربه لئال نشطح لكن القوم في كالمهم في الدنيا وفي اآلخرة ،وهذا يريده المؤمن
عن الفقر والغنى في واد غير وادينا فتعلقهم بذات اإهلل سبحانه.48
48
47طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم الجوزية 33/1-الناشر :دار عطاءات العلم (الرياض) 48إحسان سلوك العبد
المملوك إلى ملك الملوك البي محمد الحميد ص 107-الناشر :بدون ناشر (فهرسة مكتبة الملك
فهد الوطنية -الرياض).
49
المبحث الثاني :منزلة المراد
قال المصنف رحمه هلال" :ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين }:منزلة المراد.
إال بعد أن كان مرادا، أفردها القوم بالذكر .وفي الحقيقة فكل مريد مراد ،بل لم يصر مريدا
لكن القوم خصوا المريد بالمبتدئ ،والمراد بالمنتهي.
قال الجرجاني " :المريد :هو المجرد عن اإلرادة .قال الشيخ محي الدين العربي ،قدس سره،
أنه ما
واستبصار ،وتجرد عن إرادته ،إذا علم في الفتح المكي :من انقطع إلى هلال عن نظر
إرادته ،فال يريد إال
إرادته في إال ما يريده هلال تعالى ال يريده غيره ،فيمحو يقع في الوجود
49
ما يريده الحق
قال أبو علي الدقاق رحمه هلال :المريد متحمل ،والمراد محمول.50
وقال :كان موسى مريدا ،إذ قال{ :رب اشرح لي صدري ،}51ونبينا صلى هلال عليه وسلم مرادا،
سياسة العلم ،والمراد يتواله يتواله عن المريد والمراد ،فقال :المريد وسئل الجنيد رحمه هلال
رعاية الحق .ألن المريد يسير ،والمراد يطير ،فمتى يلحق السائر الطائر؟.53
المريد مراد في الحقيقة والمراد مريد ألن المريد هلل تعالى ال يريد إال بإرادة من هلال عز وجل
لصنعه وم له فكانت إرادته لهم سبب إرادتهم له إذ علة كل شيء صنعه وال علة تقدمت
ن
51
أراده الحق فمحال أال يريده العبد فجعل المريد مرادا والمراد مريدا غير أن المريد هو الذي
سبق اجتهاده كشوفه والمراد هو الذي سبق كشوفه اجتهاده
والمراد هو الذي يجذبه الحق جذبه القدرة ويكاشفه باألحوال فيثير قوة الشهود منه اجتهادا فيه
الوقت سهل عليهم تحمل
الثقاله كسحرة فرعون لما كوشفوا بالحال في وإقباال عليه وتحمال
55
ما توعدهم به فرعون
52
54سورة العنكبوت األية 69
55التعرف لمذهب أهل التصوف للكالباذي ص 139-الناشر :دار الكتب العلمية – بيروت-ط1
53
المطلب الثاني :أدلته
قال صاحب «المنازل» رحمه هلال :باب المراد .قال هلال تعالى{ :وما كنت ترجو أن يلقى إليك
الحسن بن محمد بن إسحاق قال :سمعت أبا عثمان الحناط الحافظ ،أنبأنا أخبرنا أبو عبد هلال
عز وجل قال :برؤية
بها المريد عن هلال سمعت ذا النون ،وسئل عن اآلفة التي يخدع يقول:
األلطاف والكرامات واآليات " قيل له :يا أبا الفيض ،فيما يخدع قبل وصوله إلى هذه الدرجة؟
باهلل
فنعوذ األتباع، في المجالس ،وكثرة والتوسع وتعظيم الناس له، األعقاب، قال" :بوطئ
من مكره وخدعه"57
لقوله الخليط ،وذلك كل خليط ).يقطعه عن هلال عز وجل ،ال يريد ما يريده قوله( :قطيعة
ِ
َتَّتبِ َسبيلَ ِ ِ ِ ِ ِ
{َف ا ْستَقيمَا َ َتَّتبَعا ِّن َ سبيلَ َّال ذي َن َل َ
ي ْع َُلمو َن }وقال تعالى َ { :أَو ْصل ْح َ
58
تعالى":
ْع َو َو
ل ل
اْل ُْمفِس ِدي َن }59
تعالى" :يا الخبر عن هلال الجاهلين .وفي يتبع طريق يستقيم على سنن الطريق من وكيف
موسى ،كن يقظانا وأجد لنفسك أخدا ًنا ،وكل خدن لك وصاحب ال يؤازرك على طاعتي فانبد
عنك صحبته ،إ َّنما كان عد ًّوا "60
تعالى" :يا الخبر عن هلال الجاهلين .وفي يتبع طريق يستقيم على سنن الطريق من وكيف
موسى ،كن يقظانا وأجد لنفسك أخدانا ،وكل خدن لك وصاحب ال يؤازرك على طاعتي فانبد
عنك صحبته ،إنما كان عدوا"61
54
56سورة القصص اآلية 86
57كتاب الزهد الكبير للبيهقي ص 149-الناشر :مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت-ط3
58سورة يونس األية 89
59سورة األعراف اآلية 142
60طبقات الحنابلة البي يعلى 179) (1/
61تاريخ دمشق البن عساكر – 153) (61/دار الكتب العلمية –ط1
55
ْت ْ ت ع َْل ي
ض ِبَما {ضاق
عز وجل"َ : وسئل عن صفة المريد فقال :ما قال هلال
ُ
ر حب َوَضاَق ْت
َ ُ َ ِهمُ اَْلْ ر
62
نف س ه م
ُ َعَلي ِه م أَْ
ُ ُ ْ ْ ْ
َ ف ِإن صحبتهم سم مجرب ،ألنهم ينتفعون ِ َ و ُه َو َ عن أبناء الدنيا فصل ومن شأن المريد التباعد
ب
ِه
ينتقص ِ ب ِه م.
المال عن الكيس
ِ ذ ْكِرَن ا }63وأن الزهاد ْ ن َأ ْغَف ْلَن ا ق قال هلال تعالىَ { :ول ُت ِط ْع َم
يخرجون َْلَبُه َع ْن
تقربا إلى هلال تعالى وأهل الصفاء يخرجون الخلق والمعارف من القلب تحققا باهلل تعالى.
قال األستاذ اإلمام أبو القاسم عبد الكريم بن هواز القشيري :فهذه وصيتنا إلى المريدين ،نسأل
أوائل
الرسالة في علينا ،وقد نجز لنا إمال هذ التوفيق وأن ال يجعلها وباال الكريم لهم هلال
ء ه
لنا
الكريم أن ال يجعلها حجة علينا ووباال بل تكون وثالثين وأربع مائة نسأل هلال سنة ثمان
وسيلة ونواال ،إن الفضل منه مألوف ،وهو بالعفو موصوف.64
والثناء وفي التسبيح والحمد في تالوة القرآن وفي أنواع الذكر من يأخذ وعمل المريد أن
يحتسب
تواتر إحسانه ونعمائه ،من حيث وتعالى وآالئه وفي سبحانه التفكر في عظمة هلال
ّ كر في تقصيره عن الشكر في العبد ومن حيث ال يحتسب وفيما يعلم العبد وفيما ال يعلم ،ويتف
على
الشكر ظواهر النعم وبواطنها وعجزه عن القيام بما أمره به من حسن الطاعة ودوام
هلال يستقبل ،أو يتف ّ النعمة ،أو يتف ّ
في كثيف ستر فيما عليه من األوامر والنوادب فيما
كر كر
تبارك وتعالى عليه ولطيف صنعه به وخف ّي لطفه له وفيما اقترف وفرط فيه من الزلل وفي
56
وقدرته في فوت األوقات الخالية من صالح العمل ،أو يتف ّ
تعالى في الملك في حكم هلال
كر
والباطنة
وبالئه الظاهرة في عقوبات هلال عز وجل أو يتفكر الملكوت وآياته وآالئه فيهما،
ومنه قوله
بعقوباته ،65قيل بنعمه وقيل فيهما ومن ذلك قوله عز وجلَ ( :وذَكِّ ُْره ْم َبأي َّاِم اللِ)
62
سورة التوبة األية 118
63
سورة الكهف اآلية 28
64الرسالة القشيرية للقشيري ص – 585دار المعارف –ط1
65
سورة إبراهيم األية 5
57
66ومثله (َفبأ ي آلِء َرِّب ُكمَا ُتَك ِّ
ذَب ا ِن) الرحمن: عز وجل( :فَ اذ ُ ك ُروا آلَء الِل لََعلَّ ُك ْم
25
ُتْف لُِ حو َن)
أي بأي نعمة تكذبان يا معشر الجن واإلنس إن استطعتم وهما الثقالن ،ففي أي نوع من هذه
الخوف،
يدخل في والفكر الفكر المعاني أخذ فيه فهو ذكر ،والذكر عبادة ،وه يخرج إلى
و
َ :ل ( َو َيَتفَ ُكَّرو َن
والذكر إذا قوي صار مشاهدة ،كما قال عز وجلَ( :يذ ُ ك ُرو َنا لَلق َِي اماً) ،67ثم
قا
ب الن َّاِر) وال يكون مشاهدة إال عن
َ ان َك فَقِنَ ا
ِ ض )ثم قالُ ( :س ْبحَ َ
68
في َخْل ِق السَّمَوا ِ ت
يقين وْالَْر
َعذَا
ساعة
الخبر تف تفسير العلماء في واليقين روح اإليمان ومزيده وفن المؤمن ،وقال بعض
كر
خير من عبادة سنة ،وهو التفكر الذي ينقل أي من المكاره إلى المحاب ومن الرغبة والحرص إلى القناعة والزهد،
وقيل هو التفكر الذي يظهر مشاهدة وتقوى ويحدث ً
ذكرا وهدى ،كقوله
تعالىَ( :لعَّله م يَّتقو ن )70أو يحدث لهم ذكراً ُ ك ُروا َما فيِ ه لََعلَّ ُك ْم َتَّتقُو َن واذ
تعالىْ َ ( :
6
َُ ْ َ ُ َ
)9ولقوله
72
ي ن الل لَ ُكم اآلي ا ِت َلعلَّ ُك م َتَتفَكَّرو ن) 71في الدنيا واآلخرةومثله( :يب
ُ َ َ ْ ُ َ ِّ ُ ُ ُ َ
58
66سورة األعراف األية 69
67سورة ال عمران اآلية 91
68سورة ال عمران اآلية 91
69سورة البقرة اآلية 63
70سورة الزمر اآلية 28
71سورة البقرة األية 219
72قوت القلوب في معاملة المحبوب ألبي الطالب المكي 29/1-الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت ،لبنان –ط2
59
المطلب الثالث :درجات المراد
مستشرف قال المصنف رحمه هلال " :وللمراد ثالث درجات :األولى :أن يعصم العبد .وه
و
للجفاء ،اضطرارا بتنغيص الشهوات ،وتعويق المالذ ،وسد مسالك المعاطب عليه إكراها.
بموافقة شهواته -عصمه سيده للجفاء بينه وبين سيده - استشرفت نفسه يعني :أن العبد إذا
اضطرارا ،بأن ينغص عليه الشهوات .فال تصفو له ألبتة .بل ال ينال ما ينال منها إال مشوبا بأنواع التنغيص ،الذي
ربما أربى على لذتها واستهلكها ،بحيث تكون اللذة في جنب التنغيص
وبينها ،حتى ال يركن إليها ،وال والغفوة ،وكذلك يعوق المالذ عليه بأن يحول بينه كالخلسة
يطمئن إليها ويساكنها .فيحول بينه وبين أسبابها.
الدرجة الثانية :أن يضع عن العبد عوارض النقص ويعافيه من سمة االلئمة .ويملكه عواقب الهفوات .كما فعل
بسليمان عليه السالم حين قتل الخيل فحمله على الريح الرخاء .فأغناه عن
يعتب عليه كما السالم حين ألقى األلواح وأخذ برأس أخيه .ولم بموسى عليه الخيل .وفعل
عتب على آدم عليه السالم ،ونوح ،وداود ،ويونس عليهم السالم.
والفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها :أن في التي قبلها منعا من مواقعة أسباب الجفاء اضطرارا.
وفي هذه :إذا عرضت له أسباب النقيصة ،التي يستحق عليها االلئمة.
بخالصته .كما ابتدأ موسى ،وقد واستخالصه إياه الثالثة :اجتباء الحق عبده. قال :الدرجة
خرج يقتبس نارا ،فاصطنعه لنفسه .وأبقى منه رسما معارا.
افتعال من جبيت الشيء :إذا حزته والتخصيص .وه واإليثار. االصطفاء، االجتباء قلت:
و
وأحرزته إليك .كجباية المال وغيره.
واالصطناع أيضا االصطفاء ،واالختيار ،يعني أنه اصطفى موسى واستخلصه لنفسIه .وجعلIه خالصIا لIه من غIير سIبب
كان من موسى ،وال وسيلة .فإنه خرج ليقتبس النار .فرجIIع وهIIو كليم الواحIIد القهIIار .وأكIIرم الخلIIق عليIIه ،ابتIIداء منIIه
سبحانه ،من غير سابقة استحقاق ،وال تقدم وسيلة
60
صفة المريد؛ بين فيه الخصال التي يحتاجها المريد ،وجعلها تعود إلى أربع قواعد؛ وهي:
الجوع ،والسهر ،والصمت ،والخلوة … وفصل في ذلك وأطال ،مستدال على ما ذكر بإيراد
73
عدد من األحاديث واآلثار .وأشار إلى ما يكره للمريد
األول :عارف يتصرف بالفناء على لسان العلم ،وال حديث لنا معه لكماله.
الثاني :عامي يتصرف بالعلم على وجه إسقاط الحرج ،وال كالم لنا معه ألنه تابع للفقه.
من النقص ،وباطنه أن يحفظ ظاهر الحقيقة ،فحقه بالعلم على بساط يتصرف الثالث :مريد
ه
من الغفلة ،وذلك يقتضي استغراق حركاته فيما يرضي هلال عنه ،وال يقدم على شيء إال بنية ،ليكون له من كل شيء
أمنية ،ويأخذ منه بالمحقق ،ويدع المحتمل ،ويأخذ من المحقق بما هو
74
األولى أبدا ،وبحسب ذلك فهو يفارق ما فيه
فعليك أيها المريد إنه ينبغي لك أن تشغل قلبك وتعمل فكرك بالتطلع إلى ما أعد هلال عز وجل ألوليائه في جنته واالشIIتياق
إلى ما وصف هلال لنا من نعيمها فمن اشتغل بIIذكرها واشIIتاق إلى نعيمهIIا لهى عن الرغبIIة في الIIدنيا والحIIرص عليهIIا
75
والترجح بأمانيها وترك طلب العلو فيها
وقد كان المريد في بداية الزمان إذا أظلم قلبه أو مرض لبه ،قصد زيارة بعض الصالحين،
ووجد
في بيت عزلة، الصدق لمريد ،فردته ذرة فانجلى ما أظلم .واليوم ،متى حصلت
من
فلقي
ينتظم ،فخرج، وشتاته في باطن قلبه ،وكاد هم يجتمع العافية ،ونورا نسيما من روح
ه
من يومأ إليه بعلم أو زهد ،رأى عنده البطالين ،يجري معهم في مسلك الهذيان ،الذي ال ينفع،
77
ورأى صورته صورة 76منمس
الواجبات يترك بعض يقولون :إن المريد أو العارف يعتقدونه من الحلول الصوفية وما
كالصالة مثال ،وبعضهم يقول مثال كما في أشعارهم :ادعني ستجدني قريبا ،أو ما أشبه ذلك
61
73كتاب التوكل للفراء ص 22-الناشر :دار الميمان للنشر والتوزيع ،الرياض -المملكة العربية السعودية-ط1
74عدة المريد الصادق لزروق ص 213-الناشر :دار ابن حزم -ط1
75بستان الواعظين ورياض السامعين البن الجوزي ص 125-الناشر :مؤسسة الكتب الثقافية -بيروت – لبنان -ط2
76صيد الخاطر ألبن الجوزي ص 329-الناشر :دار القلم – دمشق -ط1
77المنمس :المحتال المخادع
62
فإن هؤالء الصوفية الذين يقولون ما قلت؛ من أن المريد يفعل ما يريد ،وأن المراد في منزلة
يدي
بمنزلة الميت بين وهو :الرب عز وجل ،ويقول :إن المريد يكون بين يدي هذ المراد
ا
الغاسل يفعل فيه ما شاء ،فهؤالء ال شك أنهم كفار ،خارجون عن اإلسالم.
وأما الصوفية اليسيرة كالذي يحدث بعض األذكار أو ما أشبه هذا ،فإنه ال يصل إلى حد الكفر .فـ الصوفية أقسام وأصناف،
ليس كلهم على حد واحد؛ لكن فتح باب البدعة ولو في العبادات
مضر ،ويؤدي إلى التطور ،وإلى أن يكون هناك ابتداع في العقائد كما أشرت إليه أنت.78
شيئا من المعاصي فال ينبغي واعلم ان المريد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيرا ،أو فعلت
أن يعاقبها
بل ينبغي حينئذ مقارفة الذنوب ويعسر عليه فطامها، أن يمهلها ،فإنه يسهل عليه
إلى
يعاقب أهله وولده .وكما روي عن عمر -رضى هلال عنه -:أنه خرج عقوبة مباحة كما
وقد
حائط له ،ثم رجع وقد صلى الناس العصر ،فقال :إنما خرجت إلى حائطي ،ورجعت
صلى الناس العصر ،حائطي صدقة على المساكين .قال الليث :إنما فاتته الجماعة وروينا عنه أنه شغله أمر عن
المغرب حتى طلع نجمان ،فلما صالها أعتق رقبتين .وحكى أن تميم الداري
-رضى هلال عنه -نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح ،فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.
عما ال
تسألين نفسه فقال: بنيت هذه؟ ثم أقبل على بغرفة فقال :متى حسان بن سنان ومر
عليه
فيحرم العقوبات بغير ذلك مما ال يحل، ال عاقبنك بصوم سنة ،فصامها ،فأما يعنيك!
فعله ،مثال ذلك :ما حكى أن رجال من بنى إسرائيل ،وضع يده على فخذ امرأة ،فوضعها في
أصنع؟
ففكر وقال :ماذ أردت أن لينزل إلى امرأة، النار حتى شلت ،وأن آخر حول رجله
ا
فلما أراد أن يعيد رجله قال :هيهات رجل خرجت إلى معصية هلال ال ترجع معي ،فتركها حتى
كان
عينيه ،فهذا كله محرم ،وإنما فقلع تقطعت بالمطر والرياح ،وأن آخر نظر إلى امرأة
بالعلم،
ملتنا ،حملهم على ذلك الجهل شريعتهم ،وقد سلك نحو ذلك خلق من أه جائزا في
ل
63
79
كما حكى عن غزوان الزاهد :أنه نظر إلى امرأة ،فلطم عينه حتى نفرت
64
الخاتمة
وختاما والبد أن نقر أننا لم ولن نوفي ما أودعه ابن القيم في مدارج السالكين حقه في الدرس والتحليل ولو من باب
الجزئية التي كلفنا باالشتغال عليها ،أو باألحرى مؤلف ضخم من ثالثة
لذلك سيبقى جهد ابن والعلمية وتبعا أجزاء بحمولة لغوية وداللية وفقهية غاية في األصالة
القيم محطا للدرس والتمحيص ،من لدن الباحثين وأهل االختصاص ،بمناهج مختلفة ومقاربات
متمايزة آنا واستقباال قصد اإلغتراف من معين داللته ،وتوضيح معانيه.
والحمد هلل الذي وفقني على أن اطلعت على هذا السفر الماتع صعودا ونزوال بين منازله
وخصوصا منزلة الغنى والفقر والمراد وتبين لي ان هذا المنازل ال يرتقيها إال من حسن خلقه
وكمل إيمانه وصحت عقيدته .
وال أدعي أني استوفيت الموضوع حقه ،ولكن حسبي به أنني بIIذلت فيIIه قصIIارى جهIIدي فالكمIIال هلل وحIIده ،سIIائلة
الحق سبحانه أن يجعل عملي هذا في ميزان حسناتي ،ويجعله خالصا لوجهه الكريم ،وأن يغفر لي زالتي يوم الدين،
فإن كنت على صواب فالمنة من هلال أوال وآخرا ،وإن
أخطأت فمني ومن الشيطان الرجيم ،وأستغفر هلال العظيم.
65
الئحة المصادر والمراجع:
66
فتح الباري ألبن حجر العسقالني
لقاء الباب المفتوح ألبن العثيمين
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين إلبن القيم
المعجم المختص للذهبي
النجوم النجوم الزاهرة ألبن تغري بردي
هداية العارفين الزواهر البن حجر
للبغدادي
67
الفهارس
04 المقدمة
68
أدلته :الثاني المطلب 39...........................................................................
45 الخاتمة
49 الفهارس
69