البحث

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 69

‫المشروع المؤطر لنيل شهادة اإلجازة في شعبة الدراسات اإلسالمية‬

‫تحت عنـــــــــــــــــــــــــــوان‪:‬‬

‫تحت اشراف الدكتور‪:‬‬ ‫من إنجاز‪:‬‬


‫الحسين أصبي‬ ‫مريم مزيان‬

‫الرقم الوطني ‪:2927387092‬‬

‫‪1‬‬

‫الموسم الجامعي ‪2023 :2024-‬‬


2
‫الشكر واإلهداء‬

‫إلى خاتم األنبياء وسيد المرسلين شفيع األمة‬

‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫إلى روح أمي رحمها هللا وأبي العزيز اطال هلال عمره‪ ،‬منبع الحب والحنان‪،‬‬

‫اللذان علماني أن أنشغل بنفسي وبما ينفعني‪.‬‬

‫كما أهدي هذا العمل إلى شريك حياتي زوجي الغالي وفلذة كبدي بناتي الحبيبات‬

‫وإلى أخواتي وإخواني رفاق دربي الذين لم يبخلوا علي بوقت أو جهد مادي أو‬

‫معنوي لمساعدتي‬

‫إلى األستاذ المشرف سيدي الحسين أصبي الذي لم يتردد يوما في تقديم المساعدة لي‬

‫وللطلبة جزاه هلال خيرا‪ ،‬ولكل أساتذتي الفضالء‪ ،‬وكل من علمني حرفا‪.‬‬

‫إلى صديقاتي اللواتي أشهد لهن بأنهن رفيقات صالحات‪.‬‬

‫وإلى من شاركوني األفراح واألتراح إخواني وأخواتي الذين ما آلوا جهدا في إعانتي‬

‫وتشجيعي‬

‫على مواصلة التحصيل العلمي وتخطي صعاب دربه‪.‬‬

‫إلى كل من أسهموا في تقديم يد العون لي وزرعوا التفاؤل في دربي‪.‬‬

‫أهدي إليهم ثمرة جهدي المتواضع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫فناء‬
‫الحمد الله األول األزلي قبل الكون والمكان‪ ،‬من غير أول وال بداية‪ ،‬اآلخر األبدي بعد‬
‫المكنونات واألزمان بغير آخر وال غاية‪ ،‬الظاهر في علوه بقهره عن غير بعد‪ ،‬والباطن في دنوه بقربه من دون‬
‫مس‪ ،‬الذي أحسن بلطفه كل شيء بدأه وأتقن صنع كل شيء أنشأه‪ ،‬ودبرت‬
‫فأظهر في الغيب والشهادة لطيف قدرته وعم‬ ‫مشيئته‪،‬‬ ‫وصرفت المحكومات‬ ‫األحكام حكمته‬
‫عدله‪،‬‬
‫لجميعهم‬ ‫فضله‪ ،‬وبسط‬ ‫بنعمته‪ ،‬ونشر على من أحب منهم‬ ‫في العاجل واآلجل خلقه‬
‫إليه‪،‬‬
‫باجتبائه إياهم‬ ‫وتعالى‪ ،‬به عز وجل‪ ،‬وأحسن إليهم‬ ‫سبحانه‬ ‫بتعريفهم إياه‪،‬‬ ‫وأنعم عليهم‬
‫الصالة‬
‫فنسأله‬ ‫أنفسهم إليهم‪،‬‬ ‫ببعثه رسوال من‬ ‫بتيسير كالمه لهم‪ ،‬ومن عليهم‬ ‫وأفضل عليهم‬
‫تبارك‬
‫ويعرفنا خفي قدره‪ ،‬وصلى هلال‬ ‫بفضله وشكر نعمه‪،‬‬ ‫النبي وآله‪ ،‬وأن يوزعنا‬ ‫على‬
‫المورود‪،‬‬
‫بالشفاعة والحوض‬ ‫المفضل‬ ‫رسوله‬ ‫واآلخرين‪،‬‬ ‫األولين‬ ‫سيد‬ ‫وتعالى على‬
‫المخصوص بالوسيلة والمقام المحمود‪ ،‬وعلى إخوانه السالفين في األزمان‪ ،‬وأنصاره التابعين‬
‫بإحسان‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫فإن هلال تع‪I‬الى لم‪I‬ا أراد الهداي‪I‬ة للن‪I‬اس أرس‪I‬ل إليهم رس‪I‬وله محم‪I‬د ص‪I‬لى هلال علي‪I‬ه وس‪I‬لم من أج‪I‬ل إخ‪II‬راجهم من‬
‫الظلمات إلى النور وانزل معه القرآن الكريم تبيانا للناس فيه خبر األمس واليوم والمستقبل من أجل ان يكون حجة على‬
‫الناس يوم ال رقيب إال هلال تعالى‪ .‬وجاء الناس مراتب كل حسب قوته وعباته وزهده وورع‪I‬ه وج‪I‬اء للقلب وال‪I‬روح‬
‫غذا للسواء للفقير أو الغني وهو‬
‫تعالى الغني الحميد‪.‬‬

‫اسباب اختيار الموضوع‪ :‬من‬

‫أكبرا االسباب التي جعلتني أجعل هذا السفر موضوعا للبحث هو التشويق الذي انتابني‬
‫وانا أقرأ عنوانه وأسأل ما هي هذه المنازل التي تحدث عنها ابن القيم رحمه هلال في كتابه‬
‫فاستشرت في ذلك أستاذي المشرف جزاه هلال خيرا وقيد هذا العمل واقترح على دراسة منزلة‬
‫الغنى والفقر والمراد من خالل كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫أهداف البحث ‪:‬‬

‫يروم هذا العمل تحقيق مجموعة من األهداف منها‪ :‬‬

‫معرفة سيرة ابن القيم الجوزية‬


‫‪ ‬معرفة منهج ابن القيم من خالل كتابه المدارج‪.‬‬
‫‪ ‬الوقوف على دراسة منزلتي الغنى والفقر والمراد‬

‫الصعوبات ‪:‬‬

‫على غرار جميع البحوث األكاديمية والعلمية فإن بحثي هذا لم يسلم من بعض الصعوبات‬
‫ومنها ‪:‬‬

‫‪ ‬عدم قدرتي على فهم كالم ابن القيم في كثير من المسائل‪.‬‬


‫‪ ‬صعوبة التوفيق بينه وبين الدراسة لكونه تزامن مع زمن االختبارات‪.‬‬
‫‪ ‬صعوبة وضع مقدمة وخاتمة تليق بالكتاب ومؤلفه‪.‬‬
‫‪ ‬وعدم اإللمام ببعض أبجديات البحث العلمي‪.‬‬

‫وغيرها من الصعوبات التي كانت بثقل الجبال ثم هونها الرحيم برحمته سبحانه‪ ،‬الحمد هلل‬
‫الذي سخر لي كل أموري وجوزني كل ماكنت أخشاه‪ ،‬ويسر لي سبيل التعلم والمعرفة‪ ،‬الحمد‬
‫هلل الذي سبق عفوه غضبه‪ ،‬ورحمته عقابه‪.‬‬

‫المنهج‪:‬‬

‫وقد اتبعت في هذا البحث المنهج اإلستقرائي التتبعي بحيث أنني اتبعت منزلتي الفقر والغنى من خالل كتاب مدارج السالكين‬
‫كما قمت بتطعيمها ببعض الشروحات عن العلماء مع‬
‫االختصار الذي ال يخل بالمعنى‪.‬‬

‫التصميم‪:‬‬

‫وقد اشتغلت على هذا العمل بتأطير من أستاذي الفاضل وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫المقدمة ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل االول‪ :‬التعريف بالمؤلف وكتابه المبحث األول‬

‫ذ‪ :‬ترجمة ابن القيم المطلب االول‪ :‬نسبه‬

‫واسرته‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شيوخه وتالميذه ووظائفه المطلب‬

‫الثالث اقوال العلماء فيه‪ .‬وفاته المبحث الثاني‪ :‬التعريف بكتاب‬

‫مدارج السالكين‬

‫المطلب االول‪ :‬موضوعه‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مصادره‬

‫المطلب الثالث‪ :‬منهجية المؤلف‪ .‬الفصل‬

‫الثاني‪ :‬منزلة الفقر والغنى والمراد المبحث األول‪:‬‬

‫منزلة الفقر والغنى‬

‫المطلب االول‪ :‬حقيقة الفقر المطلب‬

‫الثاني‪ :‬حقيقة الغنى‬

‫المطلب الث‪II‬الث‪ :‬درج‪II‬ات الفق‪II‬ر والغ‪II‬نى المبحث‬

‫الثاني‪ :‬منزلة المراد المطلب اال‪II‬ول‪:‬‬

‫حقيقة المراد‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أدلته‬

‫المطلب الثالث‪ :‬درجات المراد‬

‫الخاتمة‬

‫‪6‬‬
‫الفصل االول‪ :‬التعريف‬
‫باملؤلف وكتابه مدارج‬
‫السالكني‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬ترجمة ابن القيم المطلب‬

‫االول ‪ :‬نسبه واسرته‬

‫هو اإلمام العالم‪ ،‬العارف العابد‪ ،‬المحقق المتقن ذو الفنون‪ ،‬أبو عبد هلال‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬محمد‬
‫بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي‪ ،‬الزرعي‪ ،‬ثم الدمشقي‪.‬‬

‫ولد في بيت علم وصالح في السابع من صفر سنة ‪ (691‬هـ‪).‬‬

‫بدأ منذ نعومة أظفاره بطلب العلم‪ ،‬والقراءة على الشيوخ‪ ،‬فسمع الكثير من علماء دمشق‪،‬‬
‫ودمشق ‪ -‬حينذاك ‪ -‬حاضرة العلم والعلماء‪ ،‬ثم رحل إلى مصر في طلب العلم‪.‬‬

‫بعد عودة شيخ اإلسالم ابن تيمية من مصر عام ‪ (712‬هـ) الزمه مالزمة تامة‪ ،‬حتى إنه‬
‫‪1‬‬
‫دخل معه السجن في قلعة دمشق‪ ،‬وبقي إلى حين وفاة ابن تيمية حيث خلي سبيله‬

‫ال شك أن ألسرة الرجل وأهل بيته دورا كبيرا في تكوينه الخلقي‪ ،‬ونشأته وتوجيهه‪ ،‬وذلك بحسب ما يكون عليه‬
‫أفرادها من أخالق وقيم وعادات‪ ،‬وبحسب ما يولون أوالدهم من عناية‬
‫ورعاية واهتمام‪.‬‬

‫فإن األسرة التي يغلب على أفرادها الصالح والتمسك بتعاليم اإلسالم وتقوى هلال عزوجل‪ ،‬ينشأ أوالدها ‪ -‬في الغالب‬
‫‪ -‬كذلك‪ ،‬وإذا كان األمر على خالف ذلك‪ ،‬فقل أن يرجى من أبناء‬
‫هذه األسرة خير‪.‬‬

‫من أجل ذلك‪ ،‬كان علينا ‪ -‬ونحن نصف حياة ابن القيم ‪ -‬أن نتعرف على أسرته وأهل بيته‪ ،‬الذين كان لهم الفضل‬
‫األكبر ‪ -‬بعد هلال سبحانه ‪ -‬في توجيهه الوجهة الصحيحة‪ ،‬وسلوكه‬
‫طريق العلم وأهله‪.‬‬

‫ولم يتيسر لي الوقوف على شيء من أخبار هذه األسرة عن طريق ابن القيم نفسه؛ إذ لم يتعرض لشيء من ذلك ‪-‬‬
‫فيما أعلم ‪ -‬مثلما يفع‪II‬ل بعض العلم‪II‬اء‪ ،‬غ‪II‬ير أن‪II‬ه أمكن التق‪II‬اط بعض تلك األخب‪II‬ار عن ه‪I‬ذه األس‪I‬رة من خال‪I‬ل بعض‬
‫الكتب التي تعنى بالحوادث والتاريخ‪ ،‬وعلى‬

‫« ‪ 1‬ذيل طبقات الحنابلة» البن رجب ‪447) (2/‬‬


‫‪8‬‬
‫رأسها‪( :‬البداية والنهاية) البن كثير رحمه هلال تلميذ ابن القيم‪ ،‬وصاحبه المقرب‪ -‬فقد ذكر‬
‫جملة من األخبار عنهم‪ ،‬كما كان للشيخ الفاضل بكر بن عبد هلال أبي زيد ‪ -‬حفظه هلال ‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫فضل السبق في ذلك؛ إذ ذكر طرفا من أخبار هذه األسرة المبارك‬

‫والده‪:‬‬

‫هو الشيخ‪ :‬أبو بكر بن أيوب بن سعد الزرعي‪ ،‬الدمشقي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬قيم المدرسة (الجوزية)‬
‫بدمشق‪ ،‬كما مضى ذكر ذلك‪.‬‬

‫أما عن أخالقه وعبادته‪ :‬فيقول ابن كثير رحمه هلال‪" :‬كان رجال صالحا‪ ،‬متعبدا‪ ،‬قليل‬
‫التكلف‪ ،‬وكان فاضال‪".‬‬

‫وقد جاء أنه رحمه هلال اشتهر بكثرة عبادته‪ ،‬ولذلك ترجمه ابن كثير بقوله‪" :‬الشيخ العابد‪ :‬أبو بكر‪ ".‬وال شك أن‬
‫ذلك كان له أثر كبير على ولده ابن القيم رحمه هلال‪ ،‬فأخذ عنه كثرة‬
‫‪3‬‬
‫عبادته‪ ،‬كما سيأتي ذكر ذلك عنه إن شاء هلال‬

‫‪ 2‬ابن قيم الجوزية ‪ -‬حياته وآثاره لمحمد السيد ص ‪ 23-‬الناشر‪ :‬عمادة البحث العلمي بالجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة‬
‫المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫‪ 3‬البداية والنهاية البن كثير ‪ 114/14-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – ط‪1‬‬
‫‪9‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شيوخه وتالميذه ووظائفه‬

‫وأما عن طلبه للعلم‪ :‬فيقول ابن كثير رحمه هلال‪" :‬سمع شيئا من دالئل النبوة على الرشيدي‬
‫العامري‪"4‬‬

‫وال شك أن عمله في قوامة المدرسة الجوزية والقيام بشأنها‪ ،‬قد أتاح له أن يحيا في جو علمي‪ ،‬وأن يكون‬
‫على اتصال دائم بالعلم وأهله‪ ،‬وبخاصة أن هذه المدارس كان يوضع في‬
‫وظيفة التدريس بها أكابر العلماء وأفاضلهم‪.‬‬

‫وأما عن علومه وإفاداته‪ :‬فقد كان بارعا في علم الفرائض‪ ،‬بل كان له فيها اليد الطولى‪،‬‬
‫حتى إن ابنه ‪ -‬ابن القيم ‪ -‬تلقاها عنه‪ ،‬ودرسها عليه‪.‬‬

‫فنبغ ابن القيم رحمه هلال في علوم عديدة‪ ،‬حتى ذاع صيته‪ ،‬وفاق في ذلك أقرانه وأهل‬
‫عصره‪ ،‬ولم ير في وقته مثله‪.‬‬

‫ولقد شهد له تالميذه ومعاصروه ‪ -‬بل وبعض شيوخه ‪ -‬بطول الباع‪ ،‬وعلو الشأن‪ ،‬وبلوغ‬
‫الغاية في شتى العلوم وسائر الفنون‪.‬‬

‫إن من أهم العوامل التي تسهم بشكل كبير في التكوين العلمي للشخص‪ :‬شيوخه الذين تلقى‬
‫عنهم‪ ،‬واستفاد علومه منهم‪.‬‬

‫وقد يكون بعضهم أشد تأثيرا في الطالب من البعض األخر‪ ،‬وذلك بحسب نوع العالقة القائمة بين الطالب‬
‫وشيخه‪ ،‬ومدى ارتباطه به‪ ،‬وصحبته له‪ ،‬وغير ذلك من العوامل التي‬
‫تميز شخصية الشيخ‪ ،‬وتؤثر بالتالي في الطالب المتلقي‪.‬‬

‫وقد اعتنى أكثر الذين ترجموا البن القيم بسرد شيوخه على تفاوت بينهم في ذلك‪ ،‬فبينما حاول بعضهم استيعاب ذلك‪:‬‬
‫كالصفدي مثال‪ ،‬نجد آخرين لم يذكروا له سوى شيخ واحد‬
‫فقط‪ ،‬كابن كثير‪ ،‬واقتصر البعض على ذكر بعضهم‪.‬‬

‫‪ 4‬البداية والنهاية البن كثير ‪ 114/14-‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – ط‪1‬‬
‫‪10‬‬
‫وفي هذا المبحث أذكر شيوخ ابن القيم الذين أخذ عنهم علومه وثقافته‪ ،‬مع إبراز دور كل‬
‫واحد من هؤالء الشيوخ في التكوين العلمي البن القيم‪ ،‬وذلك بمعرفة الفن الذي أخذه عنه‪ ،‬أو الكتب التي قرأها عليه‪،‬‬
‫مع التعريف بأولئك الذين كان ارتباط ابن القيم بهم أكثر‪ ،‬وأثرهم‬
‫فيه أكبر ومنهم‪:‬‬

‫‪ ‬الشهاب العابر‪ :‬أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة‪ ،‬المقدسي‪ ،‬الحنبلي‪،‬‬
‫شهاب الدين‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬عابر الرؤيا‪ .‬وقد ذكرت أكثر مصادر ترجمة ابن القيم‬
‫‪5‬‬
‫سماعه منه‬
‫‪ ‬ابن مكتوم‪ :‬إسماعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد بن سليم‪ ،‬صدر الدين‪ ،‬أبو الفداء‪،‬‬
‫السويدي‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الشافعي‪ ،‬المقرئ‪ ،‬المسند‪ ،‬المعمر‪.‬‬
‫‪ ‬أيوب بن نعمة بن محمد‪ ،‬زين الدين أبو العالء‪ ،‬المقدسي‪ ،‬ثم الدمشقي‪،‬‬
‫الكحال‪.‬مولده‪ :‬سنة ‪(640‬هـ)‬
‫‪ ‬ابن عبد الدائم‪ :‬أبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة‪ ،‬المقدسي‪ ،‬المعمر‪ ،‬مسند‬
‫الشام في وقته كأبيه‪.‬‬
‫‪ ‬مولده‪ :‬سنة ‪ (625‬أو ‪626‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ ‬سمع من‪ :‬الناصح ابن الحنبلي‪ ،‬والحافظ الضياء المقدسي‪ ،‬وجماعة‪ .‬وحدث في‬
‫حدود سنة ‪660‬هـ‪ .‬وكان مليح اإلصغاء‪ ،‬صحيح الفهم‪ ،‬انقطع بموته جملة من‬
‫المرويات‪ .‬وكان رحمه هلال ذا همة وجالدة‪ ،‬وذكر وعبادة‪ ،‬وسعي في طلب الرزق‪ .‬وقد ذهب‬
‫بصره‪ ،‬وثقل سمعه في اآلخر‪ ،‬فضعف توفي رحمه هلال في رمضان سنة‬
‫‪6‬‬
‫‪(718‬هـ) وعاش مثل أبيه‪ :‬ثالثا وتسعين سنة‬
‫‪ ‬الحاكم‪ :‬سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬أبو الفضل وأبو‬
‫الربيع‪ ،‬المقدسي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬القاضي بدمشق‪.‬‬
‫‪ ‬مولده‪ :‬في رجب سنة ‪(628‬هـ) ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المعجم المختص‪ :‬للذهبي (ص)‪ 269‬الناشر‪ :‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف – ط‪1‬‬
‫‪6‬‬
‫الوافي بالوفيات‪ :‬للصفدي ‪ (271/2)-‬الناشر دار الكتب العلمية – ط‪1‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ ‬سمع الحديث الكثير‪ ،‬وقرأ بنفسه‪ ،‬وحضر جميع (البخاري) على ابن الزبيدي‪ ،‬ورواه‬
‫عنه‪ .‬وروى عن الحافظ الضياء نحوا من خمسمائة جزء أو أكثر‪ ،‬وكان محبا‬
‫للرواية واسعها‪ ،‬وكان بصيرا خبيرا بالمذهب وشرحه‪ ،‬تخرج به الفقهاء‪.‬‬
‫‪ ‬وكان رحمه هلال مهذب األخالق‪ ،‬كيسا‪ ،‬متواضعا‪ ،‬ذكي النفس‪ ،‬خيرا‪ ،‬متعبدا‪،‬‬
‫متهجدا‪ ،‬عديم الشر‪.‬توفي رحمه هلال فجأة في ذي القعدة سنة ‪(715‬هـ‪)7‬‬

‫إن أهم الثمار التي تجنى من جهد أولئك العلماء الجهابذة‪ :‬تخريج التالميذ والطالب الذين يحملون راية الخير‬
‫والهداية لمن بعدهم‪ ،‬امتدادا لجهود شيوخهم ونشاطهم‪ ،‬وحلقة في سلسلة‬
‫متصلة متماسكة ال تنقطع‪.‬‬

‫وكلما تبوأ هؤالء الطالب مكانتهم بين أهل العلم العاملين‪ ،‬وأئمته البارزين‪ ،‬وجهابذته‬
‫المشهورين‪ ،‬كان ذلك تعبيرا حقيقيا عن مكانة شيوخهم الذين خرجوهم‪ ،‬وعلمهم‪ ،‬وفضلهم؛ فالطالب النابغ إنما هو‬
‫‪ -‬بعد فضل هلال وتوفيقه ‪ -‬ثمرة يانعة من ثمار جهد األستاذ وعطائه المتواصل‪ ،‬ولعل في قول الحافظ ابن حجر‬
‫المتقدم في حق ابن القيم وشيخه ابن تيمية‪ ،‬حين قال‪" :‬ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إال تلميذه الشهير‪ :‬الشيخ‬
‫شمس الدين بن قيم الجوزية … لكان غاية في الداللة على عظم منزلته‪ "1.‬لعل في هذه الكلمة من ابن حجر‬
‫رحمه هلال ما يؤكد لنا هذه الحقيقة الظاهرة؛ إذ جعل الطالب النابغ‪ ،‬العالم‪ ،‬الفاضل منقبة من‬
‫مناقب شيخه‪ ،‬وحسنة من حسناته‪.‬‬

‫ولقد أثمر جهد ابن القيم رحمه هلال ونشاطه المتواصل‪ ،‬ودعوته الصادقة‪ ،‬ومجالس درسه وتعليمه‪ ،‬أثمر ذلك‬
‫كله جملة من خيرة طالب العلم‪ ،‬الذين انتفعوا بابن القيم ‪ -‬كما انتفعوا بغيره – فكانوا مشاعل نور‪ ،‬وعلماء صدق‪،‬‬
‫وذاع صيتهم‪ ،‬وارتفع شأنهم‪ ،‬وبقيت آثارهم بيننا خير دليل على مكانتهم العلمية‪ ،‬وجدهم واجتهادهم‪ ،‬وذلك مثلما‬
‫بقيت بيننا آثار شيخهم‬
‫وأستاذهم ابن القيم رحمه هلال‪.‬‬

‫‪ 7‬ذيل العبر ‪ -‬للذهبي‪( :‬ص)‪ – 42‬الناشر دار الكتب العلمية –ط‪1‬‬

‫‪12‬‬
‫ويشير الحافظ ابن رجب رحمه هلال إلى أخذ الكثيرين من الفضالء العلم عن ابن القيم‪ ،‬وتتلمذهم على يديه‪،‬‬
‫وانتفاعهم به فيقول‪" :‬وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه‪ ،‬وإلى‬
‫‪8‬‬
‫أن مات‪ ،‬وانتفعوا به‪ ،‬وكان الفضالء يعظمونه ويتتلمذون له‬

‫ولم تحدثنا مصادر ترجمة ابن القيم رحمه هلال عن أحد من هؤالء التالميذ‪ ،‬إال ما جاء من ذلك عرضا‪،‬‬
‫ولكن أمكن الوقوف على أبرز هؤالء التالميذ وأشهرهم‪ ،‬وذلك من خالل تتبع‬
‫كتب التراجم والتواريخ المتعلقة بتلك الفترة‪ ،‬وأشهر هؤالء‪:‬‬

‫‪ 1 -‬ولده‪ :‬إبراهيم بن محمد … برهان الدين‪ ،‬وقد تقدمت ترجمته وذكر أخباره‪،2‬‬
‫ومضى هناك قول الذهبي رحمه هلال‪" :‬قرأ الفقه والنحو على أبيه‪ ،‬وسمع وقرأ وتنبه‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫وسمعه أبوه من الحجار‬
‫‪ 2 -‬الحافظ ابن كثير‪ :‬إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير‪ ،‬القرشي‪،‬‬
‫البصروي‪ ،‬الدمشقي‪ ،‬عماد الدين‪ ،‬أبو الفداء‪ ،‬اإلمام‪ ،‬المحدث‪ ،‬المفسر‪ ،‬الحافظ‪،‬‬
‫البارع‪.‬مولده‪ :‬سنة ‪(701‬هـ) ‪ .‬تفقه‬
‫بالشيخ برهان الدين الفزاري وغيره‪ ،‬وسمع من ابن عساكر وخلق‪ ،‬ثم صاهر الحافظ المزي‪ ،‬ولزمه‪،‬‬
‫وتخرج به‪ ،‬وأقبل على حفظ المتون‪ ،‬ومعرفة األسانيد والعلل‬
‫والرجال‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬فبرع في ذلك كله‪ ،‬وأفتى ودرس وناظر‪.‬‬
‫وله التصانيف المشهورة النافعة السائرة‪ ،‬التي منها‪( :‬البداية والنهاية) ‪ ،‬و (التفسير)‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه‪ ،‬وكان يفتي برأيه في مسألة الطالق‪،‬‬
‫حتى إنه امتحن بسبب ذلك‪.‬توفي رحمه هلال في شعبان سنة ‪(774‬هـ‪)10‬‬
‫‪ 3 -‬الصفدي‪ :‬خليل بن أيبك بن عبد هلال‪ ،‬الصفدي‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬العالمة‪ ،‬األديب‪،‬‬
‫البارع‪.‬‬
‫مولده‪ :‬سنة ‪(696‬هـ) ‪.‬‬

‫‪ 8‬ذيل طبقات الحنابلة‪ :‬البن رجب )‪(449/2‬‬


‫‪ 9‬المعجم المختص للذهبي (ص‪ 67)- - 66‬الناشر‪ :‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف – ط‪1‬‬
‫‪ 10‬طبقات الشافعية ‪ -‬البن قاضي شهبة‪(113/3)- :‬دار صادر – ط‪1‬‬
‫‪13‬‬
‫سمع الكثير‪ ،‬وقرأ الحديث‪ ،‬وأخذ عن القاضي بدر الدين بن جماعة‪ ،‬وابن سيد الناس‪ ،‬والمزي‬
‫وغيرهم‪ .‬وحصل الفقه‪ ،‬واألدب‪ ،‬والنحو‪ .‬وكان مليح الخط‪ ،‬كتب بخطه الكثير‪ .‬وولي عدة وظائف‪،‬‬
‫وتصدى إللفادة في الجامع األموي‪ .‬وصنف‬
‫المصنفات النافعة‪ ،‬التي منها‪( :‬الوافي بالوفيات‪).‬‬
‫‪ 4 -‬ابن رجب الحنبلي‪ :‬عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن عبد الرحمن‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم‬
‫الدمشقي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬زين الدين‪ ،‬أبو الفرج‪.‬مولده‪ :‬سنة ‪(736‬هـ) ببغداد‪ .‬سمع من أبي الفتح‬
‫الميدومي وغيره‪ ،‬وأكثر االشتغال حتى مهر وبرع في الحديث والعلل وغيرهما‪ ،‬ولع التصانيف النافعة‪،‬‬
‫التي منها‪( :‬شرح علل الترمذي) ‪ ،‬و (ذيل طبقات الحنابلة) وغيرهما‪ .‬وكان إماما‪ ،‬زاهدا‪ ،‬ورعا‪ ،‬له‬
‫مجالس التذكير المفيدة‬
‫توفي رحمه هلال سنة ‪(795‬هـ‪)11‬‬
‫‪ 5 -‬ولده‪ :‬عبد هلال بن محمد بن أبي بكر … الذي تقدمت ترجمته‪ ،‬والكالم عليه‪،4‬‬
‫ومضى هناك قول الحافظ ابن حجر‪" :‬اشتغل على أبيه وغيره‪ 6- .‬علي بن‬
‫الحسين بن علي بن عبد هلال‪ ،‬الكناني‪ ،‬البغدادي‪ ،‬المقرئ‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬زين‬
‫الدين‪.‬مولده‪ :‬سنة ‪(693‬هـ)‬
‫‪ 7 -‬السبكي‪ :‬علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام‪،‬‬
‫األنصاري‪ ،‬الخزرجي‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬أبوالحسن‪.‬‬
‫‪ 8 -‬ابن عبد الهادي‪ :‬محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة‪،‬‬
‫المقدسي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬شمس الدين‪ ،‬أبو عبد هلال‪.‬‬

‫وأما مناصبه فقد كانت هذه األعمال وتلك المناصب منحصرة في دائرة تبليغ العلم ونشره‬
‫ال تخرج عن ذلك بحال؛ فقد عاش حياته رحمه هلال متصدرا "اللشتغال ونشر العلم‪"1.‬‬

‫ويمكننا حصر األعمال التي مارسها ابن القيم رحمه هلال‪ ،‬والوظائف التي كان يشغلها ‪ -‬في‬
‫ضوء ما سجلته مصادر ترجمته ‪ -‬فيما يلي‪:‬‬

‫‪ 1 -‬التدريس‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وذيل التذكرة ‪ -‬للسيوطي‪( :‬ص)‪367‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ 2 -‬اإلمامة‪.‬‬

‫‪ 3 -‬الخطابة‪.‬‬

‫‪ 4 -‬اإلفتاء‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ 5 -‬التأليف والتصنيف‬

‫‪ 12‬ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها لمحمد السيد ‪ 31/1-‬الناشر‪ :‬عمادة البحث العلمي‬
‫بالجامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية – ط‪1‬‬
‫‪15‬‬
‫المطلب الثالث اقوال العلماء فيه‪ .‬وفاته‬

‫فلنذكر طرفا من شهادات هؤالء األئمة وثنائهم عليه‪ ،‬ليعرف بذلك قدره‪ ،‬ومدى تقدمه وعلو‬
‫شأنه‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫‪ ‬قال القاضي برهان الدين الزرعي "ما تحت أديم السماء أوسع علما منه‪"13‬‬
‫‪ ‬قال شيخه المزي‪" :‬هو في هذا الزمان كابن خزيمة في زمانه"‬
‫‪ ‬قال الحافظ الذهبي‪" :‬الفقيه‪ ،‬اإلمام‪ ،‬المفتي‪ ،‬المتفنن‪ ،‬النحوي‪ "2.‬وقال أيضا‪" :‬عني‬
‫بالحديث متونه ورجاله‪ ،‬وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره‪ ،‬وفي النحو ويدريه‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫وفي األصلين‬
‫‪ ‬قال أبو المحاسن الحسيني الدمشقي‪" :‬الشيخ‪ ،‬اإلمام‪ ،‬العالمة‪ ،‬ذو الفنون … أفتى‪،‬‬
‫ودرس‪ ،‬وناظر‪ ،‬وصنف‪ ،‬وأفاد‪.‬‬
‫‪ ‬قال الحافظ ابن كثير‪" :‬اإلمام العالمة … سمع الحديث‪ ،‬واشتغل بالعلم‪ ،‬وبرع في‬
‫علوم متعددة‪ ،‬السيما‪ :‬علم التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬واألصلين‪ .‬ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار‬
‫المصرية في سنة ‪712‬هـ) ‪ ،‬الزمه إلى أن مات الشيخ‪ ،‬فأخذ عنه علما جما‪ ،‬مع ما سلف له من‬
‫االشتغال‪ ،‬فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة… وبالجملة‪ :‬كان قليل النظير في مجموعه وأموره‬
‫‪15‬‬
‫وأحواله‬
‫‪ ‬قال ابن رجب‪" :‬الفقيه‪ ،‬األصولي‪ ،‬المفسر‪ ،‬النحوي‪ ،‬العارف … تفقه في المذهب‪،‬‬
‫وبرع وأفتى … وتفنن في علوم اإلسالم‪ ،‬وكان عارفا بالتفسير ال يجارى فيه‪ ،‬وبأصول الدين‪ ،‬وإليه‬
‫فيهما المنتهى‪ .‬والحديث ومعانيه‪ ،‬وفقهه‪ ،‬ودقائق االستنباط منه‪ ،‬ال يلحق في ذلك‪ .‬وبالفقه وأصوله‪،‬‬
‫وبالعربية‪ ،‬وله فيها اليد الطولى‪ ،‬وبعلم الكالم‪ ،‬والنحو وغير ذلك‪ ،‬وكان عالما بعلم السلوك‪ ،‬وكالم أهل‬
‫التصوف‬
‫‪16‬‬
‫وإشاراتهم ودقائقهم‪ ،‬له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى‬

‫‪ 13‬ذيل طبقات الحنابلة البن رجب )‪(449/2‬‬


‫‪14‬المعجم المختص‪ :‬للذهبي (ص)‪ 269‬الناشر‪ :‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف – ط‪1‬‬
‫‪ 15‬البداية والنهاية‪ :‬البن كثير )‪(246/14‬‬
‫‪ 16‬البداية والنهاية‪ :‬البن كثير )‪(246/14‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ ‬قال ابن ناصر الدين الدمشقي‪" :‬أحد المحققين‪ ،‬علم المصنفين‪ ،‬نادرة المفسرين‪"4.‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬كان ذا فنون من العلوم ‪ -‬وخاصة التفسير واألصول ‪ -‬من المنطوق‬
‫والمفهوم‪.‬‬
‫‪ ‬قال تقي الدين المقريزي‪" :‬برع في عدة علوم‪ ،‬ما بين‪ :‬تفسير‪ ،‬وفقه‪ ،‬وعربية‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ولزم شيخ اإلسالم‪ ،‬وأخذ عنه علما جما‪ ،‬فصار أحد أفراد الدنيا‬
‫‪ ‬قال الحافظ ابن حجر‪" :‬كان جرئ الجنان‪ ،‬واسع العلم‪ ،‬عارفا بالخالف ومذاهب‬
‫السلف‪ "2.‬وقال أيضا ‪ -‬في تقريظ‪II‬ه لكت‪II‬اب (ال‪II‬رد ال‪II‬وافر) ‪" -:‬ول‪II‬و لم يكن للش‪II‬يخ تقي ال‪I‬دين من المن‪I‬اقب إال‬
‫تلميذه الشهير‪ :‬الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية‪ ،‬صاحب التصانيف النافعة السائرة‪ ،‬التي انتفع بها المواف‪II‬ق‬
‫والمخالف‪ ،‬لكان غاية في الداللة‬
‫على عظم منزلته‪.18‬‬
‫‪ ‬قال السخاوي‪" :‬العالمة‪ ،‬الحجة‪ ،‬المتقدم في‪ :‬سعة العلم‪ ،‬ومعرفة الخالف‪ ،‬وقوة‬
‫‪19‬‬
‫الجنان‬

‫ولقد كان للحاقدين على شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم دور قبيح في حبسهما‪ ،‬وتدبير الشر ضدهما‪ ،‬ذلك‬
‫أنهم حرفوا فتوى ابن تيمية‪ :‬بأنه يحرم زيارة قبور األنبياء‬
‫مطلقا‪ ،‬ويعتبر ذلك معصية‪ ،‬مع أن الشيخ ‪ -‬وكذا تلميذه ‪ " -‬لم يمنع الزيارة الخالية عن شد‬
‫الرحل‪ ،‬بل يستحبها ويندب إليها‪ ،‬وكتبه ومناسكه تشهد بذلك … وال قال إنها معصية …‬
‫وال هو جاهل قول الرسول صلى هلال عليه وسلم»‪ :‬زوروا القبور فإنها تذكركم اآلخرة ‪«.‬‬
‫وهلال سبحانه ال يخفى عليه شيء وال تخفى عليه خافية‪"2.‬‬

‫ويحكي المقريزي رحمه هلال هذه الواقعة ‪ -‬مبينا مالبساتها وظروفها ‪ -‬بأوسع من هذا‪ ،‬وأن ابن القيم رحمه هلال‬
‫قد ضرب في هذه المرة قبل أن يحبس‪ ،‬فيقول‪( :‬وفي يوم االثنين سادس شعبان ‪ -‬يعني سنة ‪726‬هـ ‪ -‬حبس تقي‬
‫الدين أحمد بن تيمية‪ ،‬ومعه أخوه زين الدين عبد‬
‫الرحمن بقلعة دمشق‪ .‬وضرب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية‪ ،‬وشهر به‬

‫‪ 17‬السلوك‪ :‬تقي الدين المقريزي )‪(834/3/2‬‬


‫‪ 18‬النجوم الزاهرة‪ :‬البن حجر العسقالني)‪(249/10‬‬
‫‪ 19‬التاج المكلل‪ :‬للسخاوى (ص)‪419‬‬
‫‪17‬‬
‫على حمار بدمشق وسبب ذل‪I‬ك‪ :‬أن ابن قيم الجوزي‪II‬ة تكلم بالق‪I‬دس في مس‪I‬ألة الش‪I‬فاعة والتوس‪I‬ل باألنبي‪II‬اء‪ ،‬وأنك‪II‬ر مج‪II‬رد‬
‫القصد للقبر الشريف دون قصد المسجد النبوي‪ ،‬فأنكر المقادسة عليه‬
‫مسألة الزيارة‪ ،‬وكتبوا فيه إلى قاضي القضاة جالل الدين القزويني وغيره من قضاة دمشق‪ .‬وكان قد وقع من ابن تيمية‬
‫كالم في مسألة الطالق بالثالث‪( :‬أنه ال يقع بلفظ واحد‪ ،‬فق‪II‬ام علي‪II‬ه فقه‪II‬اء دمش‪II‬ق‪ ،‬فلم‪II‬ا وص‪II‬لت كتب المقادس‪II‬ة في ابن القيم‪،‬‬
‫كتبوا في ابن تيمية وصاحبه ابن القيم‬
‫إلى السلطان‪ ،‬فعرف شمس الدين الحريري ‪ -‬قاضي القضاة الحنفية بديار مصر‪ -‬بذلك‪ ،‬فشنع على ابن تيمية‬
‫تشنيعا فاحشا‪ ،‬حتى كتب بحبسه‪ ،‬وضرب ابن القيم) وقد ظل ابن القيم محبوسا مدة‪ ،‬ولم يفرج عنه إال بعد وفاة شيخه‬
‫بشهر؛ ذلك أن ابن تيمية قد توفي في محبسه بالقلعة في العشرين من ذي القعدة سنة ‪(728‬هـ) ‪( ،‬وفي يوم الثالثاء‬
‫عشرين ذي الحجة‬
‫أفرج عن الشيخ اإلمام العالم العالمة أبي عبد هلال شمس الدين بن قيم الجوزية وقد امتحن‬
‫‪20‬‬
‫ابن القيم رحمه هلال غير هذه المرة أيضا فتواه بجواز السباق بغير محلل‬

‫وفاته‪:‬‬

‫وبعد هذه الحياة الحافلة بالجهاد المتصل لنشر منهج السلف‪ ،‬ومحاربة كثير من االنحرافات التي ابتدعها الخلف‪ ،‬وما‬
‫لقيه من محن في سبيل ذلك‪ ،‬وبعد أن كمل له من العمر ستون‬
‫سنة‪ ،‬توفي هذا اإلمام العالم العالمة‪ ،‬وذلك في ليلة الخميس‪ ،‬ثالث عشر من شهر رجب‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ‪(751‬هـ) وقت أذان العشاء‬

‫‪ 20‬السلوك‪ :‬للمقرزي)‪(273/1/2‬‬
‫‪ 21‬الوافي بالوفيات للصفدي )‪(272/2‬‬
‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬التعريف بكتاب مدارج السالكين‬

‫المطلب االول ‪ :‬موضوعه‬

‫لم يسم المؤلف رحمه هلال كتابه في مقدمته‪ ،‬وال سماه في كتبه األخرى التي وص‪II‬لت إلين‪II‬ا إال في موض‪II‬ع واح‪II‬د‪ ،‬ولم‬
‫تتفق النسخ الخطية أيضا على عنوان الكتاب‪ ،‬غير أن السيد رشيد رضا رحم‪II‬ه هلال لم‪II‬ا طب‪II‬ع الج‪II‬زء األ‪II‬ول من‬
‫الكتاب سنة ‪ 1331‬سماه «مدارج السالكين بين‬
‫منازل إياك نعبد وإياك نستعين» تبعا للنسخة الخطية التي اعتمد عليها في الجزء المذكور‪،‬‬
‫وكانت نسخة كويتية متأخرة كتبت سنة ‪ ،1316‬أي قبل طبع الكتاب بخمس عشرة سنة‪ .‬ومنذ ذلك الحين اشتهر‬
‫الكتاب بهذا االسم‪ ،‬ولكن الغريب أنه لم يرد في شيء من النسخ‬
‫النفيسة القديمة التي بين أيدينا‪.‬‬

‫وقد ظهرت بعد الطبعة السابقة نشرة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه هلال الذي صرح بأنه راجعها على أربع نسخ‬
‫محفوظ‪II‬ة في دار الكتب‪ ،‬ومنه‪II‬ا «نس‪II‬خة قيم‪II‬ة ج‪II‬دا كتبت في س‪II‬نة »‪ ،823‬وك‪II‬انت تحم‪II‬ل عن‪II‬وان «م‪II‬دارج‬
‫السالكين في منازل السائرين»‪ ،‬وقد وضع الشيخ صورة صفحة العنوان منها في أول الكتاب‪ ،‬ومع ذل‪II‬ك قل‪II‬د في‬
‫تسميته نشرة السيد رشيد‬
‫رضا‪.‬‬

‫وإليكم ما وقفنا عليه من عناوين الكتاب في مخطوطاته وكتب المؤلف وكتب التراجم وما‬
‫إليها‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫)‪ 1‬مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‬

‫)‪ 2‬مدارج السالكين في منازل السائرين‬

‫اتفقت عليها نسخة قيون المقروءة على المؤلف‪ ،‬ونسخة حلب المقابلة على النسخة السابقة سنة ‪ ،773‬ونسخة‬
‫جامعة اإلمام ‪ 8860‬ج ‪( 1‬القرن الثامن)‪ ،‬ونسخة دار الكتب ‪ 103‬تصوف قوله (سنة )‪ 936‬ونسخة‬
‫التيمورية ‪ 155‬تصوف ج ‪ 2‬المنقولة من نسخة مكتوبة‬
‫سنة ‪.765‬‬

‫‪ 22‬ذيل طبقات الحنابلة» البن رجب ‪175) (5/‬‬


‫‪19‬‬
‫)‪ 3‬مدارج السالكين في شرح منازل السائرين‬

‫اتفقت عليها نسخة ولي الدين ‪( 1732‬سنة )‪ 787‬ونسخة شستربيتي (الثامن تقديرا) ونسخة‬
‫دار الكتب طلعت ‪( 1522‬سنة ‪4) 823).‬‬

‫إرشاد السالكين إلى شرح منازل السائرين‬

‫انفردت به نسخة قره جلبي زاده (سنة ‪ 780).‬وتبعتها نسخة ولي الدين ‪( 1730‬سنة )‪784‬‬
‫المنقولة منها‪.‬‬

‫في «الدرر الكامنة» (‪/5‬‬ ‫الحافظ ابن حجر‬ ‫السائرين ‪:‬ذكره بهذا العنوان‬ ‫)‪ 5‬شرح منازل‬
‫وغيره‪.‬‬
‫للفتاوي» (‪،)136 /2‬‬ ‫في «الحاوي‬ ‫والسيوطي‬ ‫كالشوكاني‪،‬‬ ‫تابعه‬ ‫‪ )139‬وم‬
‫ن‬
‫والظاهر من صنيعه أنه ليس من غرضه النص على اسم الكتاب‪ ،‬وإنما أراد اإلشارة إليه‪.‬‬

‫)‪ 6‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ‪:‬وقع هذا العنوان في النسخ المتأخرة‬
‫دار‬
‫النجدية ونحوها مثل نسخة الغاط (سنة ‪ )1317‬ونسخة حائل (سنة ‪ )1318‬ونسخة‬
‫الكتب ‪ 874‬تصوف (سنة )‪1320‬‬

‫أما العنوان المشهور «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»‪ ،‬فهوعنوان جميل‬
‫وتبعه‬
‫السيد رشيد رضا بهذا العنوان‬ ‫به الكتاب منذ قرن من الزمن‪ ،‬إذ طبعه‬ ‫رائق عرف‬
‫النفيسة‬
‫قلنا لم يرد في شيء من األصول‬ ‫الناشرون الذين جاؤوا من بعده جميعا‪ ،‬ولكنه كما‬
‫القديمة‪ ،‬وإنما نراه في النسخ المتأخرة التي كتب معظمها في القرن الماضي ونخشى ــ إن لم يكن هذا العنوان‬
‫منقوال من النسخ القديمة ــ أن يكون ملفقا أيضا‪ ،‬فأخذ الجزء األول «مدارج‬
‫الثاني «بين منازل »… إلخ من العنوان‬ ‫والرابع‪ ،‬والجزء‬ ‫الثالث‬ ‫العنوانين‬ ‫السالكين» من‬
‫أبواب‬
‫كثيرا من‬ ‫وتلميذه ابن رجب‪ .‬ويرشحه أن المؤلف استهل‬ ‫األول الذي ذكره المؤلف‬
‫الكتاب بقوله‪« :‬ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين» وإذا صرفنا النظر عن العنوان الرابع‬
‫وأقواها في‬
‫بقيت ثالثة عناوين‪،‬‬ ‫(وتابعتها أخرى منقولة منها)‬ ‫الذي انفردت به إحدى النسخ‬
‫‪20‬‬
‫المؤلف‬
‫نستعين»‪ ،‬فإن‬ ‫السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك‬ ‫الظاهر أولها‪ ،‬وه «مراحل‬
‫و‬
‫نفسه أحال عليه بهذا العنوان‪ ،‬ثم ذكره تلميذه ابن رجب في ثبت مؤلفاته‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫أما العنوان الثاني‪ ،‬وهو «مدارج السالكين في منازل السائرين»‪ ،‬فسمي به الكتاب في عدة نسخ نفيسة أحسنها نسخة‬
‫قيون أوغلو‪ ،‬ولم يصل إلينا منها إال المجلد األول‪ .‬هذه النسخة مقروءة على المؤلف‪ ،‬ولكن العنوان المذكور‬
‫الوارد في أول النسخة وآخرها كتب بعد وفاة المؤلف‪ .‬وفي أسفل صفحة العنوان عشرة أبيات في مدح الكتاب البن‬
‫أبي العز الحنفي (ت‬
‫)‪ 792‬كتبها بخطه‪ ،‬أولها‪:‬‬

‫صاح هذي مدارج السالكينا … قد بدت في منازل السائرينا‪.‬‬

‫أما العنوان الثالث‪ ،‬فإنه أيضا ورد في نسخ قديمة‪ ،‬والغالب أنه من وضع المصنف‪ .‬وال غرو‪،‬‬
‫فإن الكتاب شرح لمنازل السائرين للهروي‪ ،‬ومن ثم يسميه الحافظ ابن حجر وغيره اختصارا‪:‬‬
‫«شرح منازل السائرين‪».‬‬

‫وبالتأمل في العناوين الثالثة يبدو لنا أن العنوان األول أقدمها‪ ،‬وهو يدل على أن الكتاب تأليف‬
‫مستقل يدور حول منازل إياك نعبد وإياك نستعين ويشرح مراحل السائرين بين هذه المنازل‪،‬‬
‫وليس في العنوان إشارة من قريب أو بعيد إلى أنه شرح لكتاب منازل السائرين للهروي‪.‬‬

‫الكتاب‪،‬‬ ‫باستقالل‬ ‫العنوانين‪ ،‬فإن أحدهم يزري‬ ‫قصورا في‬ ‫فكأن المؤلف رحم هلال رأى‬
‫ا‬ ‫ه‬
‫واآلخر يضر بغرض تأليفه‪ ،‬فكأنه الح له عنوان ثالث بحذف كلمة «شرح»‪ ،‬وهو‪« :‬مدارج‬
‫السالكين في منازل السائرين‪».‬‬

‫أصولنا وأقدمها رجحناه على العنوان المشهور‬ ‫هو الثابت في أصح‬ ‫ولما كان هذ العنوان‬
‫ا‬
‫الذي لم نره إال في النسخ المتأخرة‪.‬‬

‫هذا العنوان الجديد يفهم منه أنه كتاب مستقل غرضه بيان مدارج السالكين ومراتبهم في منازل السلوك‪ ،‬فحرف الجر «في»‬
‫متعلق هنا بلفظ المدارج‪ ،‬وفي الوقت نفسه فيه تلميح إلى كتاب «منازل السائرين» أيضا‪ ،‬فجاء هذا العنوان بتصريحه وتلميحه‬
‫‪23‬‬
‫وافيا بالغرضين‬

‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 13/1-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬

‫‪23‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مصادره‬

‫استفاد المؤلف في كتابه من مصادر متنوعة حسب ما تقتضي الموضوعات‪ ،‬فعند ذكر‬
‫األحاديث المرفوعة يرجع إلى‪:‬‬

‫‪ ‬أمهات كتب الحديث‪ ،‬وينقل عنها ويسوق ألفاظها‪ ،‬مثل الكتب الستة و «المسند» و‬
‫«الموطأ» و «صحيح ابن حبان» و «صحيح الحاكم» (أي‪ :‬المستدرك) وغيرها‪.‬‬

‫وقد قمنا ببيانها عند تخريج هذه األحاديث في تعليقاتنا ‪ ‬إنه قد ينقل‬

‫أحاديث بواسطة كتب أخرى كـ «السنن واألحكام عن المصطفى» للضياء‬


‫المقدسي‪ ،‬فإنه قد نقل منه أحاديث «باب في كراهية المسألة» مستوفاة ومرتبة بنفس الترتيب واأللفاظ‪ ،‬وهي‬
‫أكثر من عشرين حديثا ‪ 577). - 569 (2/‬ولعله صدر عن‬
‫«رياض الصالحين» في موضع ‪  613). (2/‬أما‬
‫أقوال الصحابة والتابعين في التفسير فقد اعتمد فيها على «تفسير البغوي» كما‬
‫صرح به مرارا‪ ،‬و «البسيط» للواحدي كما ظهر لنا بالتتبع ولم يصرح باسمه إال مرة‬
‫واحدة ‪ ،27) (1/‬وأحيانا ينقل عن «تفسير الطبري» ‪ 503) (3/‬وغيره من التفاسير‬
‫المسندة في بعض المواضع‪ ،‬وهي قليلة‪.‬‬
‫‪ ‬أما آثارهم في الزهد فينقلها من كتاب «الزهد» إللمام أحمد ‪4/ ،563 3/ ،223 (2/‬‬
‫‪ 166) ،22‬ومؤلفات ابن أبي الدنيا وغيرها‪  .‬وإعتمد‬
‫على «الرسالة القشيرية» في ذكر أقوال الصوفية‪ ،‬بل يسوق أحيانا بعض‬
‫األحاديث المرفوعة باللفظ الوارد فيها‪ ،‬ويعزوها إلى كتب السنة األخرى‪ ،‬انظر على‬
‫سبيل المثال ‪459) (2/‬‬
‫‪ ‬يرجع أحيانا إلى «شعب اإليمان» ‪ ،557) - 555 (2/‬و «قوت القلوب» ‪- 545 (2/‬‬
‫)‪ ،،546‬و «إحياء علوم الدين» للغزالي ‪ ،202) 2/ ،170 (1/‬و «المواقف» للنفزي‬
‫‪ ،546 ) (4 /‬و «عوارف المعارف» للسهروردي ‪391 ). 4 / ،129 (3 /‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ ‬قد يكون رجع إلى «اللمع» ألبي نصر السراج أيضا‪ ،‬ففي ‪ 482) (2/‬نقل قوال البن‬
‫عطاء باللفظ الذي أورده السراج في كتابه‪ .‬ثم نقله بعد صفحات ‪ 486) (2/‬باللفظ الذي‬
‫في «الرسالة القشيرية‪».‬‬

‫وكان بين يديه شرح التلمساني للمنازل‪ ،‬ينقل عنه ويتتبع انحرافاته في شرحه‪ ،‬وقد صرح بذلك ووصفه بقوله‪« :‬وتولى‬
‫شرح كتابه أشدهم في االتحاد طريقة وأعظمهم فيه مبالغة وعنادا ألهل الفرق‪ :‬العفيف التلمساني‪ ،‬ونزل الجمع الذي‬
‫يشير إليه صاحب المنازل على جمع الوجود‪ ،‬وهو لم يرد به حيث ذكره إال جمع الشهود‪ ،‬ولكن األلفاظ‬
‫مجملة‪ ،‬وصادفت‬
‫قلبا مشحونا باالتحاد‪ ،‬ولسانا فصيحا متمكنا من التعبير عن المراد» ‪410). (1/‬‬

‫‪ ‬مسائل العقيدة ومقاالت الفرق رجع إلى «مقاالت اإلسالميين» أللشعري ‪،291 (1/‬‬
‫‪ ،442) 4/ ،240 3/‬وكتب الباقالني وأبي يعلى ‪ ،505) (2/‬و «الرسالة‬
‫النظامية» و «الشامل» و «اإلرشاد» الثالثة للجويني وكتاب سعد الزنجاني ‪(2/‬‬
‫‪ 339).‬ونقل عن كتاب «السنة» لعبد هلال بن أحمد في موضعين ‪4/ ،192 (3/‬‬
‫‪.)237‬‬
‫‪‬من الكتب األخرى التي نقل منها أو ذكرها‪« :‬الفروق» للعسكري ‪ ،281) (4/‬و‬
‫«محن العلماء» البن زبر ‪ ،58) (3/‬وقد تحرف اسم المؤلف في المطبوعات إلى‬
‫ابن عبد البر‪ 24‬‬
‫عندما ذكر صاحب «المنازل» ذكر عددا من مؤلفاته ووصفه بقوله‪« :‬وصاحب المنازل رحمه هلال‬
‫كان شديد اإلثبات أللسماء والصفات‪ ،‬مضادا للجهمية من كل‬
‫وجه‪ ،‬وله كتاب «الفاروق» استوعب فيه أحاديث الصفات وآثارها‪ ،‬ولم يسبق إلى مثله‪ ،‬وكتاب «ذم الكالم‬
‫وأهله» طريقته فيه أحسن طريقة‪ ،‬وكتاب لطيف في أصول‬
‫الدين يسلك فيه طريقة أهل اإلثبات ويقررها … » ‪  409). (1/‬ذكر المؤلف‬
‫في أثناء الكتاب سبعة من مؤلفاته‪ ،‬وأحال عليها للتفصيل‪ ،‬وقد سبق‬
‫ذكرها في إثبات نسبة الكتاب‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 20/1-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬

‫‪25‬‬
‫‪ ‬أما استفادته من شيخه شيخ اإلسالم ونقله من كتبه وسماعه للكثير من كالمه فهو‬
‫مذكور في مواضع كثيرة من الكتاب‪ ،‬بل يعتبر هذا الكتاب أهم مصدر لمعرف‪II‬ة أحوال ش‪II‬يخ اإلس‪II‬الم‬
‫وزهده وورعه وفراسته ومعرفته بأحوال القلوب‪ ،‬واختيارات‪II‬ه وتوجيهات‪II‬ه‪ ،‬ويمكن أن يف‪II‬رد منه‪II‬ا ج‪II‬زء‬
‫لطيف يحوي من كالم الشيخ وآرائه وأحواله‬
‫ما ال يوجد في مصدر آخر‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬منهجية المؤلف‪.‬‬

‫للمؤلف منهج عام يسير عليه في مؤلفاته‪ ،‬وقد ذكر العالمة الشيخ بكر أبو زيد رحمه هلال في كتابه «ابن قيم الجوزية» (ص‬
‫‪ 128) - 85‬معالم منهجه في البحث والتأليف فيمكن الرجوع‬
‫إليه للتفصيل‪.‬‬

‫وتحدثنا في فصول هذه المقدمة عن الغرض من تأليفه‪ ،‬وترتيب مباحثه‪ ،‬ومقارنته بأهم شروح «منازل السائرين»‪ ،‬وتعقيب‬
‫المؤلف على صاحب «المنازل»‪ ،‬ونقتصر هنا على بيان منهجه‬
‫في الكتاب وطريقة تناوله للموضوعات وشرحه لها‪.‬‬

‫طريقته في‬ ‫بعضها على‬ ‫نستعين}‪ ،‬وشرح‬ ‫عندما أراد المؤلف بيان منازل {إياك نعبد وإياك‬
‫ليبني‬
‫السائرين»‬ ‫واالستيعاب‪ ،‬عدل عن الخطة األولى وتوجه إلى كتاب «منازل‬ ‫التفصيل‬
‫يدرسونه‬
‫الصوفية بأنواعهم في زمانه‬ ‫ويشرحه فقرة فقرة‪ ،‬فقد كان الكتاب عمدة‬ ‫عليه كتابه‬
‫ويشرحونه على طريقتهم‪ ،‬ويحملون كالم الهروي على معتقداتهم ومنها وحدة الوجود والفناء واالتصال وغير ذلك‪،‬‬
‫فكان االهتمام بكتاب «المنازل» في نظر المؤلف وشرحه على طريقة‬
‫في بيان منازل‬ ‫مستقل‬ ‫تأليف كتاب‬ ‫التصوف أولى من‬ ‫سديدة خالية من مزالق وشطحات‬
‫السلوك‪.‬‬

‫بقوله‪« :‬فصل‪ :‬ومن منازل {إياك نعبد‬ ‫يستفتح كل منزلة‬ ‫الشرح أنه غالبا ما‬ ‫وطريقته في‬
‫وإياك نستعين} منزلة " ثم يورد اآليات الواردة فيها‪ ،‬منها اآلية التي استفتح بها الهروي الكالم‬
‫الزهاد من‬
‫يفسر منها ما كان بحاجة إلى ذلك‪ .‬ثم يسرد أقوال أئمة‬ ‫على هذ المنزلة‪ ،‬وقد‬
‫ه‬
‫السلف ومشايخ‪.‬‬

‫القشيرية» غالبا‪ ،‬ويشرح‬ ‫«الرسالة‬ ‫في نقلها على‬ ‫تعريف هذ المنزلة‪ ،‬معتمدا‬ ‫الطريقة في‬
‫ه‬
‫الدرجات‬
‫«المنازل» في‬ ‫بنقل كالم صاحب‬ ‫ثم يبدأ‬ ‫من كلماتهم ما كان بحاجة إلى الشرح‪.‬‬
‫الثالث لكل منزلة‪ ،‬ويشرحه فقرة فقرة‪ ،‬فيعتني أوال ببيان مراد الهروي من كالمه معتمدا في‬
‫‪27‬‬
‫أو نقده‬
‫االستدراك عليه‬ ‫في االستدالل له أو‬ ‫التلمساني‪ ،‬ثم يأخذ‬ ‫كثير من ذلك على شرح‬
‫وتعقبه‪ ،‬مع التنبيه على ما في شرح التلمساني من انحرافات وتبرئة الهروي منها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وفصوله‪،‬‬ ‫في جميع أبوابه‬ ‫شخصية المؤلف بارزة‬ ‫للكتاب‪ ،‬إال أننا نجد‬ ‫الطابع العام‬ ‫هذا هو‬
‫جليلة في‬
‫واالستطراد إلى أبحاث‬ ‫االستدراك‬ ‫بل تعداه إلى‬ ‫الكتاب‬ ‫لم يقتصر على شرح‬ ‫فهو‬
‫موضوعات كثيرة من الزهد والتزكية والسلوك‪ .‬وقد قدم لكثير من المنازل بكالم مستقل من‬
‫لو أفردت ورتبت لكانت من أنفس‬
‫عنده في فصول هي أهم من شرح كتاب الهروي‪ ،‬بحيث‬
‫كتب السلوك في ضوء الكتاب والسنة على منهج السلف‪.‬‬

‫وفي تفسير سورة الفاتحة في أول الكتاب ‪ 171) - 10 (1/‬اتخذ المؤلف منهجا فريدا للك‪I‬الم على الس‪II‬ورة من ج‪II‬وانب‬
‫مختلفة‪ ،‬ال نجد له نظيرا بين كتب التفسير‪ ،‬وق‪I‬د ذك‪I‬ر في‪I‬ه فص‪I‬وال مهم‪I‬ة تتعل‪I‬ق بالعب‪I‬ادة واالس‪I‬تعانة هي في الحقيق‪I‬ة بمنزل‪I‬ة‬
‫القواعد واألسس التي يقوم عليها نظام التزكية‬
‫المنحرفة للدخول منها كما‬ ‫الطوائف‬ ‫تسعى‬ ‫المنافذ التي‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬وتسد جميع‬ ‫والسلوك‬
‫‪)606‬‬
‫المتكلم (ت‬ ‫للفخر الرازي‬ ‫الفاتحة‬ ‫بتفسير‬ ‫مقارنته‬ ‫وقيمته عند‬ ‫سبق‪ .‬وتظهر أهميته‬
‫وتفسيرها المسمى «إعجاز البيان في كشف بعض أسرار أم القرآن» للصدر القونوي الصوفي‬
‫صوفية‬
‫تأويالت‬ ‫والثاني أولها‬ ‫كالمية طويلة الذيول‪،‬‬ ‫أفاض في أبحاث‬ ‫فاألول‬ ‫(ت ‪،)673‬‬
‫بعيدة عن المقصود والسياق واللغة‪ .‬وجاء المؤلف ففسرها تفسيرا جديدا يبرز مقاصد السورة‬
‫ويبين القواعد األساسية للتوحيد والعبادة والسلوك‪ ،‬وبها يظهر للعيان أن الفاتحة أم القرآن‪.‬‬

‫ويعتبر هذا الكتاب أهم مصدر لمعرفة جوانب من سيرة شيخ اإلسالم ابن تيمية وزهده وآرائه في موضوعات السلوك‬
‫ال توجد في غيره‪ ،‬فقد ضمنه المؤلف كثيرا من كالم الشيخ وصفاته‬
‫ومنهجه في اإلفتاء‪ ،‬وأخبارا من فراسته وعبادته وتقواه وتواضعه‪ ،‬وكأن المؤلف قصد ذلك‬
‫قصدا‪ ،‬فنثر ما يتعلق بشيخه في فصول الكتاب ألدنى مناسبة‪ .‬ويراجع فهرس الفوائد المنثورة‬
‫‪25‬‬
‫وفهرس األعالم اللطالع على هذه الفوائد والفرائد‬

‫‪29‬‬
‫‪25‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 20/1-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬مزنلة الفقر والغىن‬
‫واملراد من خالل‬
‫كتاب مدارج السالكني‬

‫‪31‬‬
‫المبحث األول‪ :‬منزلة الفقر والغنى المطلب‬

‫االول‪ :‬حقيقة الفقر‬

‫الفقر‪ .‬هذه‬ ‫{إياك نعبد وإياك نستعين‪ }:‬منزلة‬ ‫قال المصنف رحمه هلال تعالى "‪ :‬وم منازل‬
‫ن‬

‫المنزلة من أشرف منازل الطريق وأعالها وأرفعها‪ ،‬بل هي روح كل منزلة وسرها ولبها‬

‫وغايتها‪.‬‬

‫األصلي‪،‬‬ ‫الطائفة أخص من معناه‬ ‫تريد به هذ‬ ‫الفقر‪ .‬والذي‬ ‫بمعرفة حقيقة‬ ‫وهذا إنما يعرف‬
‫ه‬
‫فإن لفظ الفقر وقع في القرآن في ثالث مواضع‪.‬‬

‫ِ ض َي‬
‫ست ِطي ُعو َن ضَ ًْرب ا‬ ‫ِ‬
‫َ سِبي ِل اللَّه َل َي ْ َ‬ ‫راء الَّ ِذي َن ْأُح ِص ُراو فِي‬
‫تعالى‪ِْ{ :‬للفق ِ‬
‫َُ‬ ‫أحدها‪ :‬قوله‬
‫فِي ِْح سُب ُه ُم‬
‫ا‬
‫لَْر‬

‫ّصدقات لهؤالء‪ .‬وكانوا‬


‫اف ا‪ }26‬أي‬
‫لح ً‬ ‫ِ‬
‫س ْإ َ‬ ‫اْلجَا ُِهلَأ ِْغنَي َاء ِم َنا َّلتَعفُّ ِ ف َت ْعرُِف ُه ْم بِسيمَا ُه ْم َل‬
‫َ‬
‫ال‬ ‫َي ْسَأُلو َن الن َّا‬

‫قد حبسوا‬
‫بالمدينة وال عشائر‪ ،‬وكانوا‬ ‫فقراء المهاجرين نحو أربعمائ ٍ لم يكن لهم مساكن‬
‫ة‬
‫‪،‬‬
‫ٍ ة يبعثها رسول هلال صلى هلال عليه‬
‫َ سهم على الجهاد في سبيل هلال‪ ،‬فكانوا وق ًفا على كل سر ّي‬ ‫أنف‬
‫‪27‬‬
‫صّفة‪ .‬هذا أحد األقوال في إحصارهم في سبيل هلال‬ ‫وسلم‪ ،‬وهم أهل ال‬

‫وقيل‪ :‬هو حبسهم أنفسهم في طاعة هلال‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل هلال‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقيل‪ :‬لما عادوا أعداء هلال وجاهدوهم في هلال أحصروا عن الضرب في األرض لطلب المعاش‪،‬‬
‫‪28‬‬
‫فال يستطيعون ضربا في األرض‬

‫‪29‬‬
‫راء ْاولمسا ِكي ِن}‬
‫والموضع ال ّثاني‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬إِنما الصدق ا ت لِلفق ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫َ َّ َ َ ُ ُ َ َ َ َ‬

‫‪ 26‬سورة البقرة اآلية ‪273‬‬


‫‪ 27‬مدارج السالكين البن القيم ‪ 231/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪ 28‬تفسير البغوي ‪259 1/‬‬
‫‪ 29‬التوبة اآلية ‪60‬‬

‫‪33‬‬
‫س َْأنُتُم اْ لفُقَرُا ء ِإَلى ال َِّله‬ ‫والموضع ال ّثالث‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬الن َّا‬
‫ُ‬
‫َّ ‪30‬‬
‫َواللُه }‬

‫الفقر‬ ‫والثالث‪:‬‬ ‫المسلمين خاصهم وعامهم‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬فقراء‬ ‫الفقراء‪.‬‬ ‫فالصنف األول‪ :‬خواص‬
‫العام ألهل األرض كلهم‪ :‬غنيهم وفقيرهم‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪.‬‬

‫سبيل‬ ‫محصرا في‬ ‫يقابلهم أصحاب الجدة‪ ،‬وم ليس‬ ‫الموصوفون في اآلية األولى‪:‬‬ ‫فالفقراء‬
‫ن‬
‫هلال‪ ،‬ومن ال يكتم فقره تعففا‪ .‬فمقابلهم أكثر من مقابل الصنف الثاني‪.‬‬

‫والصنف الثاني‪ :‬يقابلهم األغنياء أهل الجدة‪ .‬ويدخل فيهم المتعفف وغيره‪ ،‬والمحصر في سبيل‬
‫هلال وغيره‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫والصنف الثالث‪ :‬ال مقابل لهم‪ .‬بل هلال وحده الغني‪ ،‬وكل ما سواه فقير إليه‬
‫‪32‬‬
‫الفقر‪ :‬عبارة عن فقد ما يحتاج إليه؛ أما فقد ما ال حاجة إليه فال يسمى فقرا‬

‫كفايته؛ من مطعم ومشرب‪،‬‬ ‫هو‪ :‬ليس له ما وال كسب الئق به‪ ،‬يقع موقعا من‬ ‫الفقير‬
‫ل‬ ‫من‬
‫وملبس ومسكن‪ ،‬وسائر ما ال بد منه لنفسه‪ ،‬وما تلزمه نفقته من غير إسراف وال تقتير‪ ،‬كمن‬
‫فقد‬
‫المسكين‬ ‫ريالين‪ ،‬أم‬ ‫أو ثالثة أو‬ ‫رياالت كل يوم‪ ،‬وال يجد إال أربعة‬ ‫يحتاج إلى عشرة‬
‫ا‬
‫اختلف العلماء في تعريف‪II‬ه على أق‪II‬وال‪ ،‬ومن أش‪II‬هرها‪ :‬أن‪II‬ه ال‪II‬ذي يمل‪II‬ك ق‪II‬وت يوم‪II‬ه‪ ،‬ولكن ال يكفي‪II‬ه‪ ،‬وذكر بعض‪I‬هم أن‬
‫المسكين والفقير بمعنى واحد‪ ،‬وهذا له حظ من النظر لو ورد لفظ المسكين في سياق منفردا عن الفقير‪ ،‬أم‪II‬ا ل‪II‬و اجتم‪II‬ع‬
‫لفظ المسكين والفقير فال بد من التفريق بينهما في‬
‫كثيرا؛ فذهب أبو يوسف صاحب‬ ‫اختالفا‬ ‫والمسكين‬ ‫الفقير‬ ‫المعنى‪ ،‬وقد اختلف العلماء حول‬
‫‪33‬‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬وابن القاسم من أصحاب مالك إلى أنهما صنف واحد‪ ،‬وخالفهما الجمهور‬

‫ولما كان لها تعلق بالجوارح والقلب واللسان‪ ،‬كان حقيقة الفقر‪ :‬تعطيل هذه الثالثة عن تعلقها‬
‫يده عن‬
‫يقبض‬ ‫يعني‬ ‫قال‪( :‬قبض اليد عن الدنيا ضبطا أو طلبا‪).‬‬ ‫فلذلك‬ ‫وسلبها منها‪،‬‬ ‫بها‬
‫‪34‬‬
‫‪ 30‬فاطر اآلية ‪15‬‬
‫‪ 31‬مدارج السالكين البن القيم ‪ 232/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪ 32‬التعريفات للجرجاني ص‪ 168-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت –لبنان –ط‪1‬‬
‫‪ 33‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير؛ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي‪ ،‬دار الفكر‪492) (1/ ،‬‬

‫‪35‬‬
‫إمساكها إذا حصلت له‪ ،‬فإذا قبض يده عن اإلمساك جاد بها‪ .‬وإن كانت غير حاصلة له كف‬
‫يده عن طلبها‪ ،‬فال يطلب معدومها‪ ،‬وال يبخل بموجودها‪.‬‬

‫وأما تعطيلها عن اللسان‪ :‬فأن ال يمدحها وال يذمها‪ ،‬فإن اشتغاله بمدحها أو ذمها دليل محبتها‬
‫طلب‬
‫فاتته‪ ،‬كمن‬ ‫اشتغل بذمها حيث‬ ‫شيئا أكثر من ذكره‪ .‬وإنما‬ ‫ورغبته فيها‪ ،‬فإن من أحب‬
‫مفارق‪،‬‬
‫الدنيا إال راغب محب‬ ‫يتصدى لذم‬ ‫هو وال‬ ‫العنقود فلم يصل إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫حامض‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫فالواصل مادح‪ ،‬والمفارق ذام‬

‫‪36‬‬
‫‪34‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 232/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬

‫‪37‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حقيقة الغنى‬

‫منزلة الغنى العالي‪.‬‬ ‫قال المصنف رحمه هلال تعالى"‪ :‬ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين‪}:‬‬

‫وهو نوعان‪ :‬غنى باهلل‪ ،‬وغنى عن غير هلال‪ ،‬وهما حقيقة الفقر‪ .‬ولكن أرباب الطريق أفردوا‬
‫للغنى منزلة‪.‬‬

‫وجَد َك َعًِائل فَ َأ ْغنَى‪"35‬‬


‫قال صاحب المنازل رحمه هلال‪ :‬باب الغنى‪ .‬قال هلال تعالى" { ََو َ‬

‫وفي اآلية ثالثة أقوال‪:‬‬

‫بقوله‪« :‬عائال»‪،‬‬ ‫المفسرين‪ .‬ألنه قابله‬ ‫أحدها‪ :‬أنه أغناه من المال بعد فقره‪ .‬وهذ قول أكثر‬
‫ا‬
‫والعائل هو المحتاج‪ ،‬ليس ذا العيلة‪ ،‬فأغناه‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أنه رضاه بما أعطاه‪ ،‬وأغناه به عن سواه‪ .‬فهو غنى قلب ونفس‪ ،‬ال غنى مال‪ .‬وهو‬
‫حقيقة الغنى‪.‬‬

‫والثالث وهو الصحيح‪ :‬أنه يعم نوعي الغنى؛ فأغنى قلبه وأغناه من المال‪.36‬‬

‫ثم قال‪( :‬الغنى اسم للملك التام‪).‬‬

‫يستحق اسم الغني‬ ‫بغني‪ ،‬وعلى هذ فال‬ ‫فليس‬ ‫أن كان مالكا من وجه دون وج‬ ‫يعني‪:‬‬
‫ا‬ ‫ه‬ ‫من‬
‫بالحقيقة إال هلال‪ ،‬وكل ما سواه فقير إليه بالذات‪.37‬‬

‫وجَد‬
‫حقيقة الغنى في القناعة‪ :‬ولذا رزقها هلال‪ -‬تعالى‪ -‬نبيه محمدا صلى هلال عليه وسلم وامتن عليه بها فقال‪ -‬تعالى‪ََ { -‬و َ‬

‫َك َعًِائل فَ َأ ْغنَى‪}38‬فقد نزلها بعض العلماء على غنى النفس؛ ألن اآلية‬

‫خيبر وغيرها من‬ ‫تفتح عليه‬ ‫النبي صلى هلال عليه وسلم قبل أن‬ ‫يخفى ما كان فيه‬ ‫مكية‪ ،‬وال‬
‫‪39‬‬
‫قلة المال‬

‫‪35‬‬
‫سورة الضحى اآلية ‪8‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ 36‬تفسير البغوي ‪499 4/‬‬
‫‪ 37‬مدارج السالكين البن القيم ‪ 232/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪ 38‬سورة الضحى اآلية ‪8‬‬
‫‪ 39‬فتح الباري البن حجر العسقالني ‪277) / (11‬‬

‫‪39‬‬
‫القلب‪ ،‬وغنى المال بما‬ ‫له الغنائين‪ :‬غنى‬ ‫المفسرين إلى أن هلال عز وجل جمع‬ ‫وذهب بعض‬
‫يسر له من تجارة خديجة رضي هلال عنها‪.‬‬

‫وقد بين صلى هلال عليه وآله وسلم أن حقيقة الغنى غنى القلب فقال صلى هلال عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫«ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس‪».‬‬

‫(العرض هو ما ينتفع به من متاع الدنيا‪ ).‬وعن أبي‬

‫ذر رضي هلال عنه قال‪ :‬قال رسول هلال صلى هلال عليه وآله وسلم‪« :‬يا أبا ذر‪ ،‬أترى‬
‫كثرة المال هو الغنى؟‪ ».‬قلت‪« :‬نعم يا رسول هلال‪».‬‬

‫قال‪« :‬فترى قلة المال هو الفقر؟‪».‬قلت‪« :‬نعم يا رسول هلال‪».‬‬

‫قال‪« :‬إنما الغنى غنى القلب‪ ،‬والفقر فقر القلب‪».‬‬

‫وولده‪ ،‬ولو عمر ألف سنة؛‬ ‫المال ما يكفيه‬ ‫فيها؛ فكم من غني عنده من‬ ‫حقيقة ال مرية‬ ‫وتلك‬
‫يخاطر بدينه وصحته‪ ،‬ويضحي بوقته يريد المزيد وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس؛ وهو‬
‫الفقر‬
‫وليست في‬ ‫وضيقا‪،‬‬ ‫واتساعا‬ ‫القلوب‪ :‬رضى وجزعا‪،‬‬ ‫فالعلة في‬ ‫ال يجد قوت غده‬
‫والغنى‪.40‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ 40‬دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ لمحمد صقر ‪ 621/1-‬دار الخلفاء الراشدين ‪ -‬دار الفتح اإلسالمي‬

‫‪41‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬درجات الفقر والغنى‬

‫غنى القلب‪ .‬وهو‬ ‫قال المصنف رحمه هلال تعالى‪( :‬وهو على ثالث درجات‪ .‬الدرجة األولى‪:‬‬
‫سالمته من السبب‪ ،‬ومسالمته للحكم‪ ،‬وخالصه من الخصومة‪).‬‬

‫حقيقة غنى القلب‪ :‬تعلقه باهلل وحده‪ .‬وحقيقة فقره المذموم‪ :‬تعلقه بغيره‪ .‬فإذا تعلق باهلل حصلت‬
‫له هذه الثالثة التي ذكرها‪.‬‬

‫سالمته من السبب أي من التعلق به‪ ،‬ال من القيام به‪ .‬والغنى عند أهل الغفلة بالسبب‪ ،‬ولذلك‬
‫جهات‬
‫الثالثة هي‬ ‫الصناعة والقوة‪ .‬فهذه‬ ‫بالمسبب‪ .‬وكذلك‬ ‫العارفين‬ ‫متعلقة به‪ .‬وعند‬ ‫قلوبهم‬
‫الغنى عند الناس‪ ،‬وهي التي أشار إليها النبي صلى هلال عليه وسلم في قوله‪« :‬إن الصدقة ال‬
‫تحل لغني‪ ،‬وال لقوي مكتسب‪ ».‬وهو غنى بالشيء‪ ،‬فصاحبها غني بها إذا سكنت نفسه إليها‪،‬‬
‫وإن كان سكونه إنما هو إلى ربه فهو غني به‪ ،‬وكل ما سكنت النفس إليه فهي فقيرة إليه‪.‬‬

‫وأما مسالمة الحكم فعلى نوعين‪.‬‬

‫أحدهما‪ :‬مسالمة الحكم الديني األمري‪ .‬وهي معانقته وموافقته ضد محاربته‪.‬‬

‫اختياره‪ ،‬وال قدرة له على‬ ‫بغير‬ ‫القدري‪ ،‬الذي يجري عليه‬ ‫الكوني‬ ‫والثاني‪ :‬مسالمة الحكم‬
‫‪41‬‬
‫دفعه‪ ،‬وهو غير مأمور بدفعه‬

‫وفي مسالمة الحكم نكتة ال بد منها‪ ،‬وهي تجريد إضافته ونسبته إلى من صدر عنه‪ ،‬بحيث ال‬
‫ينسبه إلى غيره‪.‬‬

‫في مسالمة الحكم‬ ‫اإللهية‬ ‫وتوحيد‬ ‫الكوني‪،‬‬ ‫الربوبية في مسالمة الحكم‬ ‫توحيد‬ ‫يتضمن‬ ‫وهذا‬
‫الديني‪ ،‬وهما حقيقة "إياك نعبد وإياك نستعين‪".‬‬

‫‪43‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 249/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪42‬‬
‫‪43‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 249/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪43‬‬
‫لنفسه‪ ،‬وأم إذا‬ ‫بنفسه‬ ‫وأما الخالص من الخصومة فإنما يحمد منه الخالص من الخصومة‬
‫ا‬
‫خاصم باهلل وهلل فهذا من كمال العبودية‪ .‬وكان النبي صلى هلال عليه وسلم يقول في استفتاحه‪:‬‬
‫«اللهم لك أسلمت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬وإليك أنبت‪ ،‬وبك خاصمت‪ ،‬وإليك حاكمت‪»42‬‬

‫وسالمتها من الحظوظ‪،‬‬ ‫استقامتها على المرغوب‪،‬‬ ‫النفس‪ .‬وه‬ ‫غنى‬ ‫الثانية‪:‬‬ ‫الدرجة‬
‫و‬
‫وبراءتها من المراياة‪.‬‬

‫أمور القلب أكمل وأقوى من‬ ‫غنى النفس فوق غنى القلب‪ .‬ومعلوم أن‬ ‫الشيخ رحمه هلال‬ ‫جعل‬
‫وم‬
‫القلب ورعيته‪،‬‬ ‫النفس من جند‬ ‫وهي‬ ‫لطيفة‪،‬‬ ‫في هذا الترتيب نكتة‬ ‫النفس‪ .‬لكن‬ ‫أمور‬
‫ن‬
‫أن‬
‫فإذا‬
‫تتشوش عليه المملكة ويدخل عليه الداخل‪.‬‬ ‫وشقاقا له‪ ،‬وم قبلها‬ ‫أشد جنده خالفا عليه‬
‫ن‬
‫حصل له كمال بالغنى لم يتم له إال بغناها أيضا‪ ،‬فإنها متى كانت فقيرة عاد حكم فقرها‬

‫عليه‪ ،‬وتشوش عليه غناه‪ ،‬وكان غناها تماما لغناه وكماال‪ ،‬وغناه أصال لغناها‪ ،‬فمنه يصل‬

‫الغنى إليها‪ ،‬ومنها يصل الفقر والضرر والعنت إليه‪.‬‬

‫إذا عرف هذا‪ ،‬فالشيخ رحمه هلال جعل غناها بثالثة أشياء‪:‬‬

‫وقطع المنازل‬ ‫تعالى‪ .‬واستقامتها عليه‪ :‬استدامة طلبه‪،‬‬ ‫استقامتها على المرغوب‪ ،‬وهو الحق‬
‫بالسير إليه‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬سالمتها من الحظوظ‪ ،‬وهي تعلقاتها الظاهرة والباطنة بما سوى هلال‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬براءتها من المراياة‪ ،‬وهي إرادة غير هلال بشيء من أعمالها وأقوالها‪.‬‬

‫المرتبة األولى‪ :‬شهود ذكره إياك‪.‬‬ ‫الغنى بالحق‪ .‬وه على ثالث مراتب‪،‬‬ ‫الثالثة‪:‬‬ ‫الدرجة‬
‫و‬
‫والثانية‪ :‬دوام مطالعة أوليته‪ .‬والثالثة‪ :‬الفوز بوجوده‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 249/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪44‬‬
‫أما شهود ذكره إياك‪ ،‬فقد تقدم قريبا‪.‬‬

‫وأما مطالعة أوليته‪ ،‬فهو سبقه أللشياء جميعا‪ .‬فهو األول الذي ليس قبله شيء‪.43‬‬

‫‪42‬‬
‫صحيح البخاري رقم الحديث ‪1120‬‬

‫‪43‬‬
‫مدارج السالكين البن القيم ‪ 249/3-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬
‫‪45‬‬
‫‪44‬‬
‫قال بعضهم‪ .‬ما رأيت شيئا إال وقد رأيت هلال قبله‬

‫قلت‪ :‬ثبت عن النبي صلى هلال عليه وسلم أنه قال‪" :‬ليس الغنى عن كثرة العرض‪ ،‬ولكن الغنى غنى النفس‪ "45.‬ومتى‬
‫استغنت النفس استغنى القلب‪ .‬ولكن الشيخ قسم الغنى إلى هذه الدرجات‬
‫للحكم‪ ،‬وخالصه من‬ ‫ومسالمته‬ ‫السبب‪،‬‬ ‫سالمته من‬ ‫القلب‬ ‫فقال‪" :‬غنى‬ ‫متعلقه‬ ‫بحسب‬
‫الخصومة‪ ".‬ومعلوم أن هذا شرط في الغنى‪ ،‬ال أنه نفس الغنى؛ بل وجود المنازعة والمخاصمة وعدم المسالمة‬
‫مانع من الغنى‪ .‬فهذه السالمة والمسالمة دليل على غنى القلب‪ ،‬ال أن غناه بها‬
‫يصير غنيا‬ ‫بيانه‪ .‬فإن الغني إنما‬ ‫سيأتي‬ ‫الثالثة فقط‪ ،‬كما‬ ‫القلب بالدرجة‬ ‫نفسها‪ ،‬وإنما غنى‬
‫تامة وحاجة شديدة ال‬
‫فاقته ويدفع حاجته‪ .‬وفي القلب فاقة عظيمة وضرورة‬ ‫بحصول مايسد‬
‫يسدها إال فوزه بحصول الغني الحميد الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء‪ ،‬وإن فاته فاته كل شيء‪ .‬فكما أنه‬
‫سبحانه الغني على الحقيقة وال غني سواه‪ ،‬فالغنى به هو الغنى في الحقيقة‬
‫تقطعت نفسه على السوى حسرات‪ ،‬وم‬ ‫لم يستغن به عما سواه‬ ‫ألبتة‪ .‬فمن‬ ‫بغيره‬ ‫وال غنى‬
‫ن‬
‫‪46‬‬
‫استغنى به زالت عنه كل حسرة‪ ،‬وحضره كل سرور وفرح‪ ،‬وهلال المستعان‬

‫ولما كان الفقر إلى هلال عز وجل هو عين الغنى به‪ -‬فأفقر الناس إلى هلال أغناهم به‪ ،‬وأذلهم له أعزهم‪ ،‬وأضعفهم بين‬
‫يديه أقواهم‪ ،‬وأجهلهم عند نفسه أعلمهم باهلل وأمقتهم لنفسه أقربهم إلى‬
‫نافعا فى‬ ‫فنذكر فصال‬ ‫متناسبين‪،‬‬ ‫متالزمين‬ ‫الفقر إليه‬ ‫مرضاة هلال‪ -‬كأن ذكر الغنى باهلل مع‬
‫الغنى العالى‪ .‬واعلم أن الغنى على الحقيقة ال يكون إال هلل الغنى بذاته عن كل ما سواه‪ ،‬وكل ما سواه فموسوم‬
‫بسمة الفقر كما هو موسوم بسمة الخلق والصنع‪ ،‬وكما أن كونه مخلوقا أمر‬
‫إضافى عارض له‪ ،‬فإنه‬ ‫نسبى‬ ‫بيانه‪ ،‬وغناه أم‬ ‫فقيرا أم ذاتى له كما تقدم‬ ‫ذاتى له‪ ،‬فكونه‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫إنما استغنى بأمر خارج عن ذاته فهو غنى به فقير إليه‪ ،‬وال يوصف بالغنى على اإلطالق إال‬
‫من غناه من لوازم ذاته‪ ،‬فهو الغنى بذاته عما سواه‪ ،‬وهو األحد الصمد الغنى الحميد‪.‬‬

‫السافل الغنى بالعوارى المستردة من النساء‬ ‫قسمان‪ :‬غنى سافل‪ ،‬وغنى عال‪ .‬فالغنى‬ ‫والغنى‬
‫وهذ‬
‫واألنعام والحرث‬ ‫والخيل المسومة‬ ‫والفضة‬ ‫المقنطرة من الذهب‬ ‫والقناطير‬ ‫والبنين‬
‫ا‬
‫‪46‬‬
‫‪ 44‬مشكاة األنوار إللمام الغزالي ص ‪ – 63‬دار الفكر – ط‪1‬‬
‫‪ 45‬أخرجه البخاري في كتاب الرقاق رقم الحديث )‪(6446‬‬
‫‪ 46‬طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم الجوزية ‪ 68/1-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض)‬

‫‪47‬‬
‫أضعف الغنى‪ ،‬فإنه غنى بظل زائل‪ ،‬وعارية ترجع عن قريب إلى أربابها‪ ،‬فإذا الفقر بأجمعه‬
‫بهذا‬
‫فانقضى‪ ،‬وال هم أضعف من هم من رضى‬ ‫بعد ذهابها‪ ،‬وكأن الغنى بها كان حلما‬
‫ة‬ ‫ة‬
‫الغنى الذى هو ظل زائل‪ .‬وهذا غنى أرباب الدنيا الذى فيه يتنافسون‪ ،‬وإياه يطلبون‪ ،‬وحوله‬
‫يحومون‪ ،‬وال أحب إلى الشيطان وأبعد عن الرحمن من قلب مآلن بحب هذا الغنى والخوف‬
‫من فقده‪ .‬قال بعض السلف‪ :‬إذا اجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشيء كفرحهم بثالثة أشياء‪:‬‬
‫محفوف‬
‫الفقر‪ .‬وهذ الغنى‬ ‫الكفر‪ ،‬وقلب فيه خوف‬ ‫مؤمن قتل مؤمنا‪ ،‬ورجل يموت على‬
‫ا‬
‫بفقرين‪ :‬فقر قبله‪ ،‬وفقر بعده‪ ،‬وهو كالغفوة بينهما‪ .‬فحقيق بمن نصح نفسه أن ال يغتر به وال‬
‫خادما‬
‫ويجعله‬ ‫األكبر وسيلة إليه‪،‬‬ ‫يجعله نهاية مطلبه‪ ،‬بل إذا حصل له جعله سببا لغناه‬
‫من‬
‫خدمه ال مخدوما له‪ ،‬وتكون نفسه أعز عليه من أن يعبدها لغير مواله الحق‪ ،‬أو يجعلها خادمة‬
‫‪47‬‬
‫لغيره‬

‫واآلن يحسن ذكر الغنى العالي الذي سمت إليه همم أولياء هلال‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمه هلال‪ :‬فالغني إنما يصير غنيا بحصول ما يسد فاقته ويدفع حاجته‪ .‬وفي القلب فاقة عظيمة‬

‫وضرورة تامة وحاجة شديدة ال يسدها إال فوزه بحصول الغني الحميد‬
‫الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء‪ ،‬وإن فاته فاته كل شيء‪.‬‬

‫أنظر قوله‪( :‬ال يسدها –يعني فاقته‪ -‬وضرورته وحاجته إال فوزه بحصول الغني الحميد) وألن أفكارنا وهممنا ال تزال‬
‫هنا فنظن أن فوزنا بالغني الحميد ليعطينا ويغنينا باألعراض المخلوقة‬
‫ويطلبه من ربه لئال نشطح لكن القوم في كالمهم‬ ‫في الدنيا وفي اآلخرة‪ ،‬وهذا يريده المؤمن‬
‫عن الفقر والغنى في واد غير وادينا فتعلقهم بذات اإهلل سبحانه‪.48‬‬

‫‪48‬‬
‫‪47‬طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم الجوزية ‪ 33/1-‬الناشر‪ :‬دار عطاءات العلم (الرياض) ‪ 48‬إحسان سلوك العبد‬
‫المملوك إلى ملك الملوك البي محمد الحميد ص ‪ 107-‬الناشر‪ :‬بدون ناشر (فهرسة مكتبة الملك‬
‫فهد الوطنية ‪ -‬الرياض‪).‬‬

‫‪49‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منزلة المراد‬

‫المطلب االول‪ :‬حقيقة المراد‬

‫قال المصنف رحمه هلال"‪ :‬ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين‪ }:‬منزلة المراد‪.‬‬

‫إال بعد أن كان مرادا‪،‬‬ ‫أفردها القوم بالذكر‪ .‬وفي الحقيقة فكل مريد مراد‪ ،‬بل لم يصر مريدا‬
‫لكن القوم خصوا المريد بالمبتدئ‪ ،‬والمراد بالمنتهي‪.‬‬

‫قال الجرجاني "‪ :‬المريد‪ :‬هو المجرد عن اإلرادة‪ .‬قال الشيخ محي الدين العربي‪ ،‬قدس سره‪،‬‬
‫أنه ما‬
‫واستبصار‪ ،‬وتجرد عن إرادته‪ ،‬إذا علم‬ ‫في الفتح المكي‪ :‬من انقطع إلى هلال عن نظر‬
‫إرادته‪ ،‬فال يريد إال‬
‫إرادته في‬ ‫إال ما يريده هلال تعالى ال يريده غيره‪ ،‬فيمحو‬ ‫يقع في الوجود‬
‫‪49‬‬
‫ما يريده الحق‬

‫قال أبو علي الدقاق رحمه هلال‪ :‬المريد متحمل‪ ،‬والمراد محمول‪.50‬‬

‫وقال‪ :‬كان موسى مريدا‪ ،‬إذ قال‪{ :‬رب اشرح لي صدري‪ ،}51‬ونبينا صلى هلال عليه وسلم مرادا‪،‬‬

‫إذ قيل له‪{ :‬ألم نشرح لك صدرك‪}52‬‬

‫سياسة العلم‪ ،‬والمراد يتواله‬ ‫يتواله‬ ‫عن المريد والمراد‪ ،‬فقال‪ :‬المريد‬ ‫وسئل الجنيد رحمه هلال‬
‫رعاية الحق‪ .‬ألن المريد يسير‪ ،‬والمراد يطير‪ ،‬فمتى يلحق السائر الطائر؟‪.53‬‬

‫قولهم في المريد والمراد‪:‬‬

‫المريد مراد في الحقيقة والمراد مريد ألن المريد هلل تعالى ال يريد إال بإرادة من هلال عز وجل‬
‫لصنعه وم‬ ‫له فكانت إرادته لهم سبب إرادتهم له إذ علة كل شيء صنعه وال علة‬ ‫تقدمت‬
‫ن‬

‫‪ 49‬التعريفات للجرجاني ص ‪ 208-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت ‪-‬لبنان‬


‫‪50‬الرسالة القشيرية للقشيري ص ‪ – 470‬دار المعارف –ط‪1‬‬
‫‪50‬‬
‫‪51‬‬
‫سورة طه األية ‪25‬‬
‫‪52‬‬
‫الشرح اآلية ‪1‬‬
‫‪ 53‬الرسالة القشيرية للقشيري ص ‪ – 470‬دار المعارف –ط‪1‬‬

‫‪51‬‬
‫أراده الحق فمحال أال يريده العبد فجعل المريد مرادا والمراد مريدا غير أن المريد هو الذي‬
‫سبق اجتهاده كشوفه والمراد هو الذي سبق كشوفه اجتهاده‬

‫سبلنا‪ "54‬وهو الذي يريده‬ ‫لنهدينهم‬ ‫َ َّ‬


‫والذين ِفي‬ ‫هلال تعالى عنه "‬ ‫فالمريد هو الذي قال‬
‫جاهدوا َنا‬
‫هلال تعالى فيقبل بقلبه ويحدث فيه لطفا يثير منه فيه االجتهاد فيه واالقبال عليه واال‪II‬رادة ل‪II‬ه ثم يكاشفه االح‪II‬وال كم‪II‬ا ق‪II‬ال حارث‪II‬ة‬
‫عزفت نفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي ثم قال وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا فأخبر أن كش‪II‬وف‬
‫أحوال الغيب له كان عقيب عزوفه عن‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫والمراد هو الذي يجذبه الحق جذبه القدرة ويكاشفه باألحوال فيثير قوة الشهود منه اجتهادا فيه‬
‫الوقت سهل عليهم تحمل‬
‫الثقاله كسحرة فرعون لما كوشفوا بالحال في‬ ‫وإقباال عليه وتحمال‬
‫‪55‬‬
‫ما توعدهم به فرعون‬

‫‪52‬‬
‫‪ 54‬سورة العنكبوت األية ‪69‬‬
‫‪ 55‬التعرف لمذهب أهل التصوف للكالباذي ص ‪ 139-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت‪-‬ط‪1‬‬

‫‪53‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أدلته‬

‫قال صاحب «المنازل» رحمه هلال‪ :‬باب المراد‪ .‬قال هلال تعالى‪{ :‬وما كنت ترجو أن يلقى إليك‬

‫الكتابإل رحمة من ربك‪}56‬‬

‫الحسن بن محمد بن إسحاق قال‪ :‬سمعت أبا عثمان الحناط‬ ‫الحافظ‪ ،‬أنبأنا‬ ‫أخبرنا أبو عبد هلال‬
‫عز وجل قال‪ :‬برؤية‬
‫بها المريد عن هلال‬ ‫سمعت ذا النون‪ ،‬وسئل عن اآلفة التي يخدع‬ ‫يقول‪:‬‬
‫األلطاف والكرامات واآليات " قيل له‪ :‬يا أبا الفيض‪ ،‬فيما يخدع قبل وصوله إلى هذه الدرجة؟‬
‫باهلل‬
‫فنعوذ‬ ‫األتباع‪،‬‬ ‫في المجالس‪ ،‬وكثرة‬ ‫والتوسع‬ ‫وتعظيم الناس له‪،‬‬ ‫األعقاب‪،‬‬ ‫قال‪" :‬بوطئ‬
‫من مكره وخدعه‪"57‬‬

‫لقوله‬ ‫الخليط‪ ،‬وذلك‬ ‫كل خليط‪ ).‬يقطعه عن هلال عز وجل‪ ،‬ال يريد ما يريده‬ ‫قوله‪( :‬قطيعة‬
‫ِ‬
‫َتَّتبِ َسبيلَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{َف ا ْستَقيمَا َ َتَّتبَعا ِّن َ سبيلَ َّال ذي َن َل َ‬
‫ي ْع َُلمو َن }وقال تعالى‪ َ { :‬أَو ْصل ْح َ‬
‫‪58‬‬
‫تعالى"‪:‬‬
‫ْع‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫اْل ُْمفِس ِدي َن ‪}59‬‬

‫تعالى‪" :‬يا‬ ‫الخبر عن هلال‬ ‫الجاهلين‪ .‬وفي‬ ‫يتبع طريق‬ ‫يستقيم على سنن الطريق من‬ ‫وكيف‬
‫موسى‪ ،‬كن يقظانا وأجد لنفسك أخدا ًنا‪ ،‬وكل خدن لك وصاحب ال يؤازرك على طاعتي فانبد‬
‫عنك صحبته‪ ،‬إ َّنما كان عد ًّوا ‪"60‬‬

‫تعالى‪" :‬يا‬ ‫الخبر عن هلال‬ ‫الجاهلين‪ .‬وفي‬ ‫يتبع طريق‬ ‫يستقيم على سنن الطريق من‬ ‫وكيف‬
‫موسى‪ ،‬كن يقظانا وأجد لنفسك أخدانا‪ ،‬وكل خدن لك وصاحب ال يؤازرك على طاعتي فانبد‬
‫عنك صحبته‪ ،‬إنما كان عدوا‪"61‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ 56‬سورة القصص اآلية ‪86‬‬
‫‪ 57‬كتاب الزهد الكبير للبيهقي ص‪ 149-‬الناشر‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت‪-‬ط‪3‬‬
‫‪ 58‬سورة يونس األية ‪89‬‬
‫‪ 59‬سورة األعراف اآلية ‪142‬‬
‫‪ 60‬طبقات الحنابلة البي يعلى ‪179) (1/‬‬
‫‪ 61‬تاريخ دمشق البن عساكر ‪– 153) (61/‬دار الكتب العلمية –ط‪1‬‬

‫‪55‬‬
‫ْت‬ ‫ْ ت ع َْل ي‬
‫ض ِبَما‬ ‫{ضاق‬
‫عز وجل"‪َ :‬‬ ‫وسئل عن صفة المريد فقال‪ :‬ما قال هلال‬
‫ُ‬
‫ر حب َوَضاَق ْت‬
‫َ ُ َ‬ ‫ِهمُ اَْلْ ر‬

‫‪62‬‬
‫نف س ه م‬
‫ُ‬ ‫َعَلي ِه م أَْ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫َ ف ِإن صحبتهم سم مجرب‪ ،‬ألنهم ينتفعون ِ َ و ُه َو‬ ‫َ عن أبناء الدنيا‬ ‫فصل ومن شأن المريد التباعد‬
‫ب‬
‫ِه‬
‫ينتقص ِ ب ِه م‪.‬‬

‫المال عن الكيس‬
‫ِ ذ ْكِرَن ا‪ }63‬وأن الزهاد‬ ‫ْ ن َأ ْغَف ْلَن ا ق‬ ‫قال هلال تعالى‪َ { :‬ول ُت ِط ْع َم‬
‫يخرجون‬ ‫َْلَبُه َع ْن‬

‫تقربا إلى هلال تعالى وأهل الصفاء يخرجون الخلق والمعارف من القلب تحققا باهلل تعالى‪.‬‬

‫قال األستاذ اإلمام أبو القاسم عبد الكريم بن هواز القشيري‪ :‬فهذه وصيتنا إلى المريدين‪ ،‬نسأل‬
‫أوائل‬
‫الرسالة في‬ ‫علينا‪ ،‬وقد نجز لنا إمال هذ‬ ‫التوفيق وأن ال يجعلها وباال‬ ‫الكريم لهم‬ ‫هلال‬
‫ء ه‬
‫لنا‬
‫الكريم أن ال يجعلها حجة علينا ووباال بل تكون‬ ‫وثالثين وأربع مائة نسأل هلال‬ ‫سنة ثمان‬
‫وسيلة ونواال‪ ،‬إن الفضل منه مألوف‪ ،‬وهو بالعفو موصوف‪.64‬‬

‫والثناء وفي‬ ‫التسبيح والحمد‬ ‫في تالوة القرآن وفي أنواع الذكر من‬ ‫يأخذ‬ ‫وعمل المريد أن‬
‫يحتسب‬
‫تواتر إحسانه ونعمائه‪ ،‬من حيث‬ ‫وتعالى وآالئه وفي‬ ‫سبحانه‬ ‫التفكر في عظمة هلال‬
‫ّ كر في تقصيره عن الشكر في‬ ‫العبد ومن حيث ال يحتسب وفيما يعلم العبد وفيما ال يعلم‪ ،‬ويتف‬
‫على‬
‫الشكر‬ ‫ظواهر النعم وبواطنها وعجزه عن القيام بما أمره به من حسن الطاعة ودوام‬
‫هلال‬ ‫يستقبل‪ ،‬أو يتف ّ‬ ‫النعمة‪ ،‬أو يتف ّ‬
‫في كثيف ستر‬ ‫فيما عليه من األوامر والنوادب فيما‬
‫كر‬ ‫كر‬
‫تبارك وتعالى عليه ولطيف صنعه به وخف ّي لطفه له وفيما اقترف وفرط فيه من الزلل وفي‬
‫‪56‬‬
‫وقدرته في‬ ‫فوت األوقات الخالية من صالح العمل‪ ،‬أو يتف ّ‬
‫تعالى في الملك‬ ‫في حكم هلال‬
‫كر‬
‫والباطنة‬
‫وبالئه الظاهرة‬ ‫في عقوبات هلال عز وجل‬ ‫أو يتفكر‬ ‫الملكوت وآياته وآالئه فيهما‪،‬‬
‫ومنه قوله‬
‫بعقوباته‬ ‫‪ ،65‬قيل بنعمه وقيل‬ ‫فيهما ومن ذلك قوله عز وجل‪َ ( :‬وذَكِّ ُْره ْم َبأي َّاِم اللِ)‬

‫‪62‬‬
‫سورة التوبة األية ‪118‬‬
‫‪63‬‬
‫سورة الكهف اآلية ‪28‬‬
‫‪ 64‬الرسالة القشيرية للقشيري ص –‪ 585‬دار المعارف –ط‪1‬‬
‫‪65‬‬
‫سورة إبراهيم األية ‪5‬‬

‫‪57‬‬
‫‪66‬ومثله (َفبأ ي آلِء َرِّب ُكمَا ُتَك ِّ‬
‫ذَب ا ِن) الرحمن‪:‬‬ ‫عز وجل‪( :‬فَ اذ ُ ك ُروا آلَء الِل لََعلَّ ُك ْم‬
‫‪25‬‬
‫ُتْف لُِ حو َن)‬

‫أي بأي نعمة تكذبان يا معشر الجن واإلنس إن استطعتم وهما الثقالن‪ ،‬ففي أي نوع من هذه‬
‫الخوف‪،‬‬
‫يدخل في‬ ‫والفكر‬ ‫الفكر‬ ‫المعاني أخذ فيه فهو ذكر‪ ،‬والذكر عبادة‪ ،‬وه يخرج إلى‬
‫و‬
‫َ ‪:‬ل ( َو َيَتفَ ُكَّرو َن‬
‫والذكر إذا قوي صار مشاهدة‪ ،‬كما قال عز وجل‪َ( :‬يذ ُ ك ُرو َنا لَلق َِي اماً) ‪ ،67‬ثم‬
‫قا‬
‫ب الن َّاِر) وال يكون مشاهدة إال عن‬
‫َ‬ ‫ان َك فَقِنَ ا‬
‫ِ ض )ثم قال‪ُ ( :‬س ْبحَ َ‬
‫‪68‬‬
‫في َخْل ِق السَّمَوا ِ ت‬
‫يقين‬ ‫وْالَْر‬
‫َعذَا‬
‫ساعة‬
‫الخبر تف‬ ‫تفسير‬ ‫العلماء في‬ ‫واليقين روح اإليمان ومزيده وفن المؤمن‪ ،‬وقال بعض‬
‫كر‬
‫خير من عبادة سنة‪ ،‬وهو التفكر الذي ينقل أي من المكاره إلى المحاب ومن الرغبة والحرص إلى القناعة والزهد‪،‬‬
‫وقيل هو التفكر الذي يظهر مشاهدة وتقوى ويحدث ً‬
‫ذكرا وهدى‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪َ( :‬لعَّله م يَّتقو ن ‪)70‬أو يحدث لهم ذكراً‬ ‫ُ ك ُروا َما فيِ ه لََعلَّ ُك ْم َتَّتقُو َن‬ ‫واذ‬
‫تعالى‪ْ َ ( :‬‬
‫‪6‬‬
‫َُ ْ َ ُ َ‬
‫‪)9‬ولقوله‬
‫‪72‬‬
‫ي ن الل لَ ُكم اآلي ا ِت َلعلَّ ُك م َتَتفَكَّرو ن) ‪71‬في الدنيا واآلخرة‬‫ومثله‪( :‬يب‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ُ َ‬

‫‪58‬‬
‫‪ 66‬سورة األعراف األية ‪69‬‬
‫‪ 67‬سورة ال عمران اآلية ‪91‬‬
‫‪ 68‬سورة ال عمران اآلية ‪91‬‬
‫‪ 69‬سورة البقرة اآلية ‪63‬‬
‫‪ 70‬سورة الزمر اآلية ‪28‬‬
‫‪ 71‬سورة البقرة األية ‪219‬‬
‫‪ 72‬قوت القلوب في معاملة المحبوب ألبي الطالب المكي ‪ 29/1-‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬لبنان –ط‪2‬‬

‫‪59‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬درجات المراد‬

‫مستشرف‬ ‫قال المصنف رحمه هلال "‪ :‬وللمراد ثالث درجات‪ :‬األولى‪ :‬أن يعصم العبد‪ .‬وه‬
‫و‬
‫للجفاء‪ ،‬اضطرارا بتنغيص الشهوات‪ ،‬وتعويق المالذ‪ ،‬وسد مسالك المعاطب عليه إكراها‪.‬‬

‫بموافقة شهواته ‪ -‬عصمه سيده‬ ‫للجفاء بينه وبين سيده ‪-‬‬ ‫استشرفت نفسه‬ ‫يعني‪ :‬أن العبد إذا‬
‫اضطرارا‪ ،‬بأن ينغص عليه الشهوات‪ .‬فال تصفو له ألبتة‪ .‬بل ال ينال ما ينال منها إال مشوبا بأنواع التنغيص‪ ،‬الذي‬
‫ربما أربى على لذتها واستهلكها‪ ،‬بحيث تكون اللذة في جنب التنغيص‬
‫وبينها‪ ،‬حتى ال يركن إليها‪ ،‬وال‬ ‫والغفوة‪ ،‬وكذلك يعوق المالذ عليه بأن يحول بينه‬ ‫كالخلسة‬
‫يطمئن إليها ويساكنها‪ .‬فيحول بينه وبين أسبابها‪.‬‬

‫الدرجة الثانية‪ :‬أن يضع عن العبد عوارض النقص ويعافيه من سمة االلئمة‪ .‬ويملكه عواقب الهفوات‪ .‬كما فعل‬
‫بسليمان عليه السالم حين قتل الخيل فحمله على الريح الرخاء‪ .‬فأغناه عن‬
‫يعتب عليه كما‬ ‫السالم حين ألقى األلواح وأخذ برأس أخيه‪ .‬ولم‬ ‫بموسى عليه‬ ‫الخيل‪ .‬وفعل‬
‫عتب على آدم عليه السالم‪ ،‬ونوح‪ ،‬وداود‪ ،‬ويونس عليهم السالم‪.‬‬

‫والفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها‪ :‬أن في التي قبلها منعا من مواقعة أسباب الجفاء اضطرارا‪.‬‬
‫وفي هذه‪ :‬إذا عرضت له أسباب النقيصة‪ ،‬التي يستحق عليها االلئمة‪.‬‬

‫بخالصته‪ .‬كما ابتدأ موسى‪ ،‬وقد‬ ‫واستخالصه إياه‬ ‫الثالثة‪ :‬اجتباء الحق عبده‪.‬‬ ‫قال‪ :‬الدرجة‬
‫خرج يقتبس نارا‪ ،‬فاصطنعه لنفسه‪ .‬وأبقى منه رسما معارا‪.‬‬

‫افتعال من جبيت الشيء‪ :‬إذا حزته‬ ‫والتخصيص‪ .‬وه‬ ‫واإليثار‪.‬‬ ‫االصطفاء‪،‬‬ ‫االجتباء‬ ‫قلت‪:‬‬
‫و‬
‫وأحرزته إليك‪ .‬كجباية المال وغيره‪.‬‬

‫واالصطناع أيضا االصطفاء‪ ،‬واالختيار‪ ،‬يعني أنه اصطفى موسى واستخلصه لنفس‪I‬ه‪ .‬وجعل‪I‬ه خالص‪I‬ا ل‪I‬ه من غ‪I‬ير س‪I‬بب‬
‫كان من موسى‪ ،‬وال وسيلة‪ .‬فإنه خرج ليقتبس النار‪ .‬فرج‪II‬ع وه‪II‬و كليم الواح‪II‬د القه‪II‬ار‪ .‬وأك‪II‬رم الخل‪II‬ق علي‪II‬ه‪ ،‬ابت‪II‬داء من‪II‬ه‬
‫سبحانه‪ ،‬من غير سابقة استحقاق‪ ،‬وال تقدم وسيلة‬

‫‪60‬‬
‫صفة المريد؛ بين فيه الخصال التي يحتاجها المريد‪ ،‬وجعلها تعود إلى أربع قواعد؛ وهي‪:‬‬
‫الجوع‪ ،‬والسهر‪ ،‬والصمت‪ ،‬والخلوة … وفصل في ذلك وأطال‪ ،‬مستدال على ما ذكر بإيراد‬
‫‪73‬‬
‫عدد من األحاديث واآلثار‪ .‬وأشار إلى ما يكره للمريد‬

‫اعلم أن الناس ثالثة‪:‬‬

‫األول‪ :‬عارف يتصرف بالفناء على لسان العلم‪ ،‬وال حديث لنا معه لكماله‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬عامي يتصرف بالعلم على وجه إسقاط الحرج‪ ،‬وال كالم لنا معه ألنه تابع للفقه‪.‬‬

‫من النقص‪ ،‬وباطنه‬ ‫أن يحفظ ظاهر‬ ‫الحقيقة‪ ،‬فحقه‬ ‫بالعلم على بساط‬ ‫يتصرف‬ ‫الثالث‪ :‬مريد‬
‫ه‬
‫من الغفلة‪ ،‬وذلك يقتضي استغراق حركاته فيما يرضي هلال عنه‪ ،‬وال يقدم على شيء إال بنية‪ ،‬ليكون له من كل شيء‬
‫أمنية‪ ،‬ويأخذ منه بالمحقق‪ ،‬ويدع المحتمل‪ ،‬ويأخذ من المحقق بما هو‬
‫‪74‬‬
‫األولى أبدا‪ ،‬وبحسب ذلك فهو يفارق ما فيه‬

‫فعليك أيها المريد إنه ينبغي لك أن تشغل قلبك وتعمل فكرك بالتطلع إلى ما أعد هلال عز وجل ألوليائه في جنته واالش‪II‬تياق‬
‫إلى ما وصف هلال لنا من نعيمها فمن اشتغل ب‪II‬ذكرها واش‪II‬تاق إلى نعيمه‪II‬ا لهى عن الرغب‪II‬ة في ال‪II‬دنيا والح‪II‬رص عليه‪II‬ا‬
‫‪75‬‬
‫والترجح بأمانيها وترك طلب العلو فيها‬

‫وقد كان المريد في بداية الزمان إذا أظلم قلبه أو مرض لبه‪ ،‬قصد زيارة بعض الصالحين‪،‬‬
‫ووجد‬
‫في بيت عزلة‪،‬‬ ‫الصدق لمريد‪ ،‬فردته‬ ‫ذرة‬ ‫فانجلى ما أظلم‪ .‬واليوم‪ ،‬متى حصلت‬
‫من‬
‫فلقي‬
‫ينتظم‪ ،‬فخرج‪،‬‬ ‫وشتاته‬ ‫في باطن قلبه‪ ،‬وكاد هم يجتمع‬ ‫العافية‪ ،‬ونورا‬ ‫نسيما من روح‬
‫ه‬
‫من يومأ إليه بعلم أو زهد‪ ،‬رأى عنده البطالين‪ ،‬يجري معهم في مسلك الهذيان‪ ،‬الذي ال ينفع‪،‬‬
‫‪77‬‬
‫ورأى صورته صورة‪ 76‬منمس‬

‫الواجبات‬ ‫يترك بعض‬ ‫يقولون‪ :‬إن المريد أو العارف‬ ‫يعتقدونه من الحلول‬ ‫الصوفية وما‬
‫كالصالة مثال‪ ،‬وبعضهم يقول مثال كما في أشعارهم‪ :‬ادعني ستجدني قريبا‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‬

‫‪61‬‬
‫‪ 73‬كتاب التوكل للفراء ص ‪ 22-‬الناشر‪ :‬دار الميمان للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪-‬ط‪1‬‬
‫‪ 74‬عدة المريد الصادق لزروق ص ‪ 213-‬الناشر‪ :‬دار ابن حزم‪ -‬ط‪1‬‬
‫‪ 75‬بستان الواعظين ورياض السامعين البن الجوزي ص ‪ 125-‬الناشر‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية ‪ -‬بيروت – لبنان‪ -‬ط‪2‬‬
‫‪ 76‬صيد الخاطر ألبن الجوزي ص ‪ 329-‬الناشر‪ :‬دار القلم – دمشق‪ -‬ط‪1‬‬
‫‪ 77‬المنمس‪ :‬المحتال المخادع‬

‫‪62‬‬
‫فإن هؤالء الصوفية الذين يقولون ما قلت؛ من أن المريد يفعل ما يريد‪ ،‬وأن المراد في منزلة‬
‫يدي‬
‫بمنزلة الميت بين‬ ‫وهو‪ :‬الرب عز وجل‪ ،‬ويقول‪ :‬إن المريد يكون بين يدي هذ المراد‬
‫ا‬
‫الغاسل يفعل فيه ما شاء‪ ،‬فهؤالء ال شك أنهم كفار‪ ،‬خارجون عن اإلسالم‪.‬‬

‫وأما الصوفية اليسيرة كالذي يحدث بعض األذكار أو ما أشبه هذا‪ ،‬فإنه ال يصل إلى حد الكفر‪ .‬فـ الصوفية أقسام وأصناف‪،‬‬

‫ليس كلهم على حد واحد؛ لكن فتح باب البدعة ولو في العبادات‬
‫مضر‪ ،‬ويؤدي إلى التطور‪ ،‬وإلى أن يكون هناك ابتداع في العقائد كما أشرت إليه أنت‪.78‬‬

‫شيئا من المعاصي فال ينبغي‬ ‫واعلم ان المريد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيرا‪ ،‬أو فعلت‬
‫أن يعاقبها‬
‫بل ينبغي‬ ‫حينئذ مقارفة الذنوب ويعسر عليه فطامها‪،‬‬ ‫أن يمهلها‪ ،‬فإنه يسهل عليه‬
‫إلى‬
‫يعاقب أهله وولده‪ .‬وكما روي عن عمر ‪-‬رضى هلال عنه‪ -:‬أنه خرج‬ ‫عقوبة مباحة كما‬
‫وقد‬
‫حائط له‪ ،‬ثم رجع وقد صلى الناس العصر‪ ،‬فقال‪ :‬إنما خرجت إلى حائطي‪ ،‬ورجعت‬
‫صلى الناس العصر‪ ،‬حائطي صدقة على المساكين‪ .‬قال الليث‪ :‬إنما فاتته الجماعة وروينا عنه أنه شغله أمر عن‬
‫المغرب حتى طلع نجمان‪ ،‬فلما صالها أعتق رقبتين‪ .‬وحكى أن تميم الداري‬
‫‪-‬رضى هلال عنه‪ -‬نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح‪ ،‬فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع‪.‬‬
‫عما ال‬
‫تسألين‬ ‫نفسه فقال‪:‬‬ ‫بنيت هذه؟ ثم أقبل على‬ ‫بغرفة فقال‪ :‬متى‬ ‫حسان بن سنان‬ ‫ومر‬
‫عليه‬
‫فيحرم‬ ‫العقوبات بغير ذلك مما ال يحل‪،‬‬ ‫ال عاقبنك بصوم سنة‪ ،‬فصامها‪ ،‬فأما‬ ‫يعنيك!‬
‫فعله‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬ما حكى أن رجال من بنى إسرائيل‪ ،‬وضع يده على فخذ امرأة‪ ،‬فوضعها في‬
‫أصنع؟‬
‫ففكر وقال‪ :‬ماذ أردت أن‬ ‫لينزل إلى امرأة‪،‬‬ ‫النار حتى شلت‪ ،‬وأن آخر حول رجله‬
‫ا‬
‫فلما أراد أن يعيد رجله قال‪ :‬هيهات رجل خرجت إلى معصية هلال ال ترجع معي‪ ،‬فتركها حتى‬
‫كان‬
‫عينيه‪ ،‬فهذا كله محرم‪ ،‬وإنما‬ ‫فقلع‬ ‫تقطعت بالمطر والرياح‪ ،‬وأن آخر نظر إلى امرأة‬
‫بالعلم‪،‬‬
‫ملتنا‪ ،‬حملهم على ذلك الجهل‬ ‫شريعتهم‪ ،‬وقد سلك نحو ذلك خلق من أه‬ ‫جائزا في‬
‫ل‬
‫‪63‬‬
‫‪79‬‬
‫كما حكى عن غزوان الزاهد‪ :‬أنه نظر إلى امرأة‪ ،‬فلطم عينه حتى نفرت‬

‫‪ 78‬لقاء الباب المفتوح البن العثيمين ‪9/1-‬دار الكتاب – ط‪1‬‬


‫‪ 79‬فتاوى واستشارات موقع اإلسالم اليوم ‪ 125/14-‬الناشر‪ :‬موقع اإلسالم اليوم‬

‫‪64‬‬
‫الخاتمة‬

‫وختاما والبد أن نقر أننا لم ولن نوفي ما أودعه ابن القيم في مدارج السالكين حقه في الدرس والتحليل ولو من باب‬
‫الجزئية التي كلفنا باالشتغال عليها‪ ،‬أو باألحرى مؤلف ضخم من ثالثة‬
‫لذلك سيبقى جهد ابن‬ ‫والعلمية وتبعا‬ ‫أجزاء بحمولة لغوية وداللية وفقهية غاية في األصالة‬
‫القيم محطا للدرس والتمحيص‪ ،‬من لدن الباحثين وأهل االختصاص‪ ،‬بمناهج مختلفة ومقاربات‬
‫متمايزة آنا واستقباال قصد اإلغتراف من معين داللته‪ ،‬وتوضيح معانيه‪.‬‬

‫والحمد هلل الذي وفقني على أن اطلعت على هذا السفر الماتع صعودا ونزوال بين منازله‬
‫وخصوصا منزلة الغنى والفقر والمراد وتبين لي ان هذا المنازل ال يرتقيها إال من حسن خلقه‬
‫وكمل إيمانه وصحت عقيدته ‪.‬‬

‫وال أدعي أني استوفيت الموضوع حقه‪ ،‬ولكن حسبي به أنني ب‪II‬ذلت في‪II‬ه قص‪II‬ارى جه‪II‬دي فالكم‪II‬ال هلل وح‪II‬ده‪ ،‬س‪II‬ائلة‬
‫الحق سبحانه أن يجعل عملي هذا في ميزان حسناتي‪ ،‬ويجعله خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يغفر لي زالتي يوم الدين‪،‬‬
‫فإن كنت على صواب فالمنة من هلال أوال وآخرا‪ ،‬وإن‬
‫أخطأت فمني ومن الشيطان الرجيم‪ ،‬وأستغفر هلال العظيم‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪65‬‬
‫الئحة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬


‫ابن القيم حياته وأثاره وموارده ألبي زيد‬ ‫‪‬‬
‫البداية والنهاية إلبن كثير‬ ‫‪‬‬
‫البدر الطالع للشوكاني‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التاج المكلل للسخاوي ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫تذكرة‬ ‫تاريخ دمشق البن عساكر ‪‬‬
‫الحفاظ للذهبي‬
‫التعريفات للجرجاني‬ ‫‪‬‬
‫تفسير ابن كثير‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تفسير البغوي‬ ‫‪‬‬
‫جالء العينين ألللوسي‬ ‫‪‬‬
‫حاشية الدسوقي‬ ‫‪‬‬
‫الدرر الكامنة إلبن حجر‪ .‬‬ ‫‪‬‬
‫ذيل‬ ‫دليل الواعظ لمحمد صقر ‪‬‬
‫العبر للذهبي‬
‫ذيل طبقات الحنابلة البن رجب ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الرسالة‬ ‫الرحيق المختوم للمباركفوري ‪‬‬
‫القشيرية للقشيري‬
‫الزهد للبيهقي‬ ‫‪‬‬
‫السلوك لمعرفة الملوك للمقريزي‪ .‬‬ ‫‪‬‬
‫صحيح‬ ‫سير أعالم النبالء لذهبي ‪‬‬
‫البخاري‬
‫صحيح مسلم‬ ‫‪‬‬
‫طبقات المفسرين للداودي‬ ‫‪‬‬

‫‪66‬‬
‫فتح الباري ألبن حجر العسقالني‬ ‫‪‬‬
‫لقاء الباب المفتوح ألبن العثيمين‬ ‫‪‬‬
‫مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين إلبن القيم‬ ‫‪‬‬
‫المعجم المختص للذهبي ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫النجوم‬ ‫النجوم الزاهرة ألبن تغري بردي ‪‬‬
‫هداية العارفين‬ ‫الزواهر البن حجر ‪‬‬
‫للبغدادي‬

‫‪67‬‬
‫الفهارس‬

‫واإلهداء الشكر ‪03.................................................................................‬‬

‫‪04‬‬ ‫المقدمة‬

‫الفصل االول‪ :‬التعريف بالمؤلف وكتابه‪......................................................07‬‬

‫القيم ابن ترجمة ‪:‬ذ األول المبحث ‪08............................................................‬‬

‫واسرته نسبه ‪:‬االول المطلب ‪08.................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شيوخه وتالميذه ووظائفه ‪...................................................10‬‬

‫المطلب الثالث اقوال العلماء فيه‪ .‬وفاته ‪......................................................16‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬التعريف بكتاب مدارج السالكين‪............................................ 19‬‬

‫موضوعه ‪ :‬االول المطلب ‪19....................................................................‬‬

‫مصادره ‪:‬الثاني المطلب ‪22......................................................................‬‬

‫المؤلف منهجية ‪:‬الثالث المطلب ‪25...............................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬منزلة الفقر والغنى والمراد ‪..................................................27‬‬

‫والغنى الفقر منزلة ‪:‬األول المبحث ‪28...........................................................‬‬

‫الفقر حقيقة ‪:‬االول المطلب ‪28....................................................................‬‬

‫الغنى حقيقة ‪:‬الثاني المطلب ‪31..................................................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬درجات الفقر والغنى ‪........................................................35‬‬

‫المراد منزلة ‪:‬الثاني المبحث ‪37..................................................................‬‬

‫المراد حقيقة ‪:‬االول المطلب ‪37..................................................................‬‬

‫‪68‬‬
‫أدلته ‪:‬الثاني المطلب ‪39...........................................................................‬‬

‫المراد درجات ‪:‬الثالث المطلب ‪42................................................................‬‬

‫‪45‬‬ ‫الخاتمة‬

‫والمراجع المصادر الئحة ‪46.....................................................................‬‬

‫‪49‬‬ ‫الفهارس‬

‫‪69‬‬

You might also like